الكتاب: جلباب المرأة المسلمة المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ) الناشر: دار السلام للنشر والتوزيع الطبعة: الثالثة، 1423هـ -2002 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ناصر الدين الألباني الكتاب: جلباب المرأة المسلمة المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ) الناشر: دار السلام للنشر والتوزيع الطبعة: الثالثة، 1423هـ -2002 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم باب المقدمات : مقدمة الطبعة الجديدة : إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد؛ فهذه هي الطبعة الجديدة لكتابي "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة"، وهي تختلف عن سابقاتها بزيادات مهمة في جوانب عديدة، أهمها تلك الزيادة في الأحادث وآثار السلف الدالة على أن وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، فمثلًا هناك زيادة خمسة أحاديث "من صفحة 70 – 72"، حيث أصبح عدد الأدلة ثلاثة عشر دليلًا بدلًا من ثمانية أدلة في الطبعات السابقة، وكذلك أضفنا في هذه الطبعة عددًا من أهم الآثار السلفية الدالة على ذلك، يجدها القارئ "في صفحة 96 – 103" وأهم من ذلك كله تلك الصفحات التي ألحقناها بـ "ص 51 – 53" وبينا فيها دقة نظر ابن عباس ومن تبعه من الصحابة والمفسرين في تأويل قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وأن المراد الوجه والكفان، والمعنى: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. فلا يرد حينئذ الاعتراض أو الإشكال الذي كنت أوردته على تفسير ابن جرير والقرطبي هناك، فراجعه فإنه مهم جدًّا، وفيه بيان أن الفضل في التنبه لهذا يعود إلى الحافظ ابن القطان الفاسي في كتابه الجامع النظر في أحكام النظر، وذلك من بركة الاستمرار في البحث وطلب العلم للوصول إلى الحق مما اختلف فيه الخلق. وهناك زيادة تحت عنوان "فائدة مهمَّة" "ص144 – 117" حول خطورة استخدام الخادمات الكافرات في بيوت المسلمين. وكذلك الزيادة من "ص 121 – 123" حول بعض ألوان ثوب المرأة، والتي قد تعتقد بعض النساء أنها من الزينة، وهي ليست كذلك، والأدلة عليها ... بالإضافة إلى العديد من الزيادات المعلولة والمختصرة، يجدها القارئ مبثوثة في مواقع مختلفة، حسبما يقتضيه البحث والتدقيق العلمي. ومن ناحية أخرى؛ فإن هناك فقرات كانت في الطبعات السابقة في الهامش، فرأينا في هذه الطبعة أن تنقل إلى المتن؛ لأهميتها وضرورة إبرازها؛ كالمادة الموجودة من صفحة "74 – 79" تحت عنوان: "إبطال دعوى أن هذه الأدلة كلها كانت قبل فرضية الحجاب"، بالإضافة إلى فقرات متفرقة نقلت من الهامش إلى المتن حسبما رأينا أن المصلحة تقتضي ذلك. هذا، وقد شرعت منذ مدة ليست بالقصيرة –ربما قاربت السنتين- بكتابة مقدمة لهذه الطبعة الجديدة، اضطرت من خلالها أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 أتعرَّض لبعض الذين تناولوا كتابي هذا –أو بالأحرى قولي بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة- تناولوا بالنقد غير العلمي، والمصحوب بالتجريح كأني أنتصر لهذا الرأي متَّبعًا فيه هواي، ولا سلف لي فيه! فبدأت باستعراض أدلتهم وردودهم، وتتبع أقوالهم وشبهاتهم واحدة واحدة غالبًا، كما عُنيتُ بالرد على الشيخ التويجري عناية خاصة في كتابه: "الصارم المشهور"؛ لأنه كبيرهم في ذلك ومن أسبقهم! وأحيانًا أرد عليهم ردًّا عامًّا، وهذا حينما يكون الدليل واضحًا لا لبس فيه ولا غموض .... وهكذا، حتى وجدتني قد تجمع عندي ما يزيد على مائة صفحة بخط يدي من الحجم الكبير، أي أنه لو أتممته ونسقته؛ لقارب حجمه هذا الكتاب –الأصل- أو يزيد، مما جعل أمر إلحاق هذا الذي تجمع تحت اسم مقدمة الطبعة الجديدة لهذا الكتاب أمرًا غير مناسب من جوانب عديدة، منها أن حجمه سيزيد إلى الضعف، ومنها –وهو الأهم- تلك البحوث المتخصصة النادرة التي تناولتها بالبحث، فرأيت بعد نظر وتفكير أن أفصل هذا الذي كتبته عن هذه المقدمة، وأن أخرجه كتابًا مستقلًا؛ ليكون بيانًا للناس، ولعله –إن شاء الله- يكون هكذا أنفع لهم، وأسهل تداولًا، وسميته: "الرَّد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب". ولكن يبدو لي أنه لا بد هنا من أن أحصر أهم أخطاء المخالفين المتشددين بالقدر المستطاع من الإيجاز، فأقول: أولًا: فسَّروا الإدناء في آية الجلابيب الآتية بتغطية الوجه، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 خلاف أصل هذه الكلمة في اللغة، وهو: التقرب؛ كما في كتب اللغة، وكما أفاده العلامة الراغب الأصبهاني في المفردات، ثم قال: ويقال: دانيت بين الأمرين: أدنيت أحدهما من الآخر. ثم ذكر الآية، ويكفي في ذلك حجة أن ابن عباس ترجمان القرآن فسرها بذلك، فقال: تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به؛ أي: لا تستره. وسيأتى تخريجه قريبًا، وأن ما احتجوا به مما ينافيه؛ لا يصح عنه. ثانيًا: فسّروا الجلباب بأنه الثوب الذي يغطي الوجه، ولا أصل له في اللغة أيضًا، بل هو ينافي تفسير العلماء بأنه الثوب الذي تلقيه المرأة على خمارها، ولم يقولوا: على وجهها، حتى الشيخ التويجري نفسه حكي هذا التفسير عن ابن مسعود -رضي الله عنه- وغيره من السلف، وهو الذي كنت ذكرته في الكتاب كما سيأتي ص83. ثالثا: أصروا جميعًا على أن الخمار غطاء الرأس والوجه! فزادوا تفسيره الوجه من عند أنفسهم؛ ليجعلوا آية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} حجة لهم، وهي عليهم؛ لأن الخمار لغة غطاء الرأس فقط، وهو المراد كلما جاء ذكره مطلقًا في السنة؛ كأحاديث المسح على الخمار وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" 1.   1 وسيأتي تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 بل هذا الحديث يؤكد بطلان تفسيرهم؛ لأن المتشددين أنفسهم –فضلًا عن أهل العلم- لا يستدلون به على شرطية ستر المرأة لوجهها في الصلاة، وإنما الرأس فقط: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} . ويزيده تأكيدًا تفسيرُهم لقوله تعالى في آية "القواعد": {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} بالجلباب، فقالوا: فيجوز للقاعدة أن تظهر أمام الأجانب بخمارها كاشفة وجهها، صرح بذلك أحد فضلائهم، أما الشيخ التويجري؛ فيشير إلى ذلك ولا يفصح! كما هو مشروح في موضعه من "الرد المفحم". وقد تتبعت أقوال العلماء سلفًا وخلفًا في كل الاختصاصات، فرأيتهم أجمعوا على أن الخمار غطاء الرأس، وسميت ثمة أكثر من عشرين عالِمًا، وفيهم بعض الأئمة والحفاظ، ومنهم أبو الوليد الباجي المتوفى "474 هـ"، وزاد هذا في البيان، فقال جزاه الله خيرا: "ولا يظهر منها غير دور وجهها". رابعا: ادعى الشيخ التويجري الإجماع على أن وجه المرأة عورة، وقلده في ذلك كثير ممن لا علم عنده وفيهم بعض الدكاترة! وهي دعوى باطلة، لم يسبقه أحد إليها، وكتب الحنابلة التي تفقه عليها –فضلًا عن غيرها- كافية للدلالة على بطلانها، وقد ذكرت هناك في الرد كثيرًا من عباراتهم؛ مثل عبارة ابن هبيرة الحنبلي في كتابه الإفصاح، وفيها أن مذهب الأئمة الثلاثة أنه ليس بعورة؛ قال: "وهو رواية عن الإمام أحمد". وقد رجح هذه الرواية كثير من الحنابلة في مصنفاتهم كابْني قدامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وغيرهما، ووجه ذلك صاحب المغني بقوله: "لأنَّ الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء". ومنهم العلامة ابن مفلح الحنبلي الذي قال فيه ابن قيِّم الجوزية: "ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مُفلح". وقال له شيخه ابن تيمية: "ما أنت ابن مفلح، بل أنت مفلح". وهنا أرى لزامًا عليّ أن أبادر إلى نقل كلام هذا المفلح إلى القرّاء؛ لما فيه من العلم والفوائد العديدة، التي منها تأكيد بطلان دعوى الشيخ التويجري، ومنها موافقة كلامه -رحمه الله- ومن ذُكِرَ معه من العلماء الأعلام لصحة ما اخترته في هذه المسألة سابقًا ولاحقًا. قال في كتابه القيم "الآداب الشرعية" –وهو من مراجع الشيخ التويجري، الأمر الذي يدل على أنه على علم به، ولكنه يكتم الحقائق العلمية عن قراء كتابه، ثم يدعي خلافها! - قال المفلح رحمه الله: هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟ ينبني "الجواب" على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض النظر عنها؟ في المسألة قولان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 قال القاضي عياض في حديث جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم1: "قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حُجَّة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال؛ إلا لغرض شرعي. ذكره الشيخ محيي الدين النووي ولم يزد عليه". ثم ذكر المفلح قول ابن تيمية الذي يعتمد عليه التويجري في كتابه: "ص170" ويتجاهل أقوال جمهور العلماء، وقول القاضي عياض، وموافقة النووي عليه، ثم قال المفلح: فعلى هذا؛ هل يشرع الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف، وقد تقدم الخلاف فيه. فأما على قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: أن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة؛ فلا ينبغي الإنكار". قلت: وهذا الجواب يلتقي تمامًا مع قول الإمام أحمد، رحمه الله ورضي عنه: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه"2.   1 وسيأتي في الكتاب مع تخريجه. 2 "الآداب الشرعية" "1/ 187". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 قلت: وهذا لو كان الحق معه؛ فكيف إذا كان مبطلًا مكابرًا مضللًا، إن لم نقل: مكفِّرًا؟! فقد قال التويجري في كتابه: "ص 249": "ومن أباح السفور للنساء يعني به سفور الوجه فقط، واستدلَّ على ذلك بمثل ما استدل به الألباني؛ فقد فتح باب التبرج على مصراعيه، وجرّأ النساء على ارتكاب الأفعال الذميمة التي تفعلها السافرات الآن"! وفي مكان آخر "ص233": "إلى الإلحاد في آيات الله! ". كذا قال أصلحه الله وهداه؛ فماذا يقول في ابن المفلح والنووي والقاضي عياض وغيرهم من المقدسيين ومن سبقهم من الجمهور الذين هم سلفي فيما ذهبت إليه؟! خامسًا: اتفاق التويجري ومن معه من المتشددين على تأويل الأحاديث الصحيحة حتى لا تتعارض مع رأيهم! كما فعلوا بحديث الخثعمية، وقد تلونوا في إبطال دلالته على وجوه مضحكة مبكية، رَدَدْتُها هناك، وأحدها سيأتي في الكتاب "ص 64" مع إبطاله، ومع ذلك فلا تزال طائفة منهم يصرون عليه، وهو زعمهم أنها كانت محرمة! وهم يعلمون أن إحرامها لا يمنعها من السدل على وجهها! والتويجري يسلم تارة بأنها كانت سافرة، ولكنه يعطل دلالته بقوله: "ليس في دليل على أنها كانت مستديمة لكشفه"! يريد أن الريح كشفت عن وجهها، وفي هذه اللحظة رآه الفضل بن العباس!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 فهل يقول هذا عربي يقرأ في الحديث: "فأخذ الفضل ينظر يلتفت إليها، وفي الرواية الأخرى: "فطفق ينظر إليها وأعجبه حسنها"؟! أليست هذه مكابرة ولها قرنان بارزان؟! وتارة يؤوله بالنظر إلى قدِّها وقوامها!! إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة التي بينا بطلانها مع ذكر أحاديث أخرى تأولوها على هذا النحو، رددناها هناك. سادسًا: تواطؤهم على الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والآثار الواهية؛ كحديث ابن عباس في الكشف عن العين الواحدة، مع علمهم بصعفة المبين في الكتاب "ص 88" ضمن الجواب عنه، بل قد ضعفه أحدهم. إلى غير ذلك من الأحاديث التي فصلت القول بضعفها هناك، ومن أهمها حديث: "أفعمياوان أنتما؟! ". فقد تتابعوا على تقويته تقليدًا للتويجري، وهذا لغيره، وعلى الاحتجاج به على تحريم نظر المرأة إلى الرجل ولو كان أعمى! مع أنه ضعيف عند المحققين من الحفاظ كالإمام أحمد والبيهقي وابن عبد البر، ونقل القرطبي أنه لا يصح عند أهل الحديث، وعلى ذلك جرى كثير من الحنابلة من المقادسة وغيرهم، وهو الذي يقتضيه علم الحديث وأصوله؛ كما هو مبين في "الإرواء" "6/ 210". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ومع ذلك كله تجرأ الشيخ عبد القادر السندي –مسايرة منه للشيخ التويجري وغيره- فزعم أن إسناده صحيح! ففضح بذلك نفسه، وكشف به عن جهله أو تجاهله –للأسف- لأن فيه مجهولًا لم يروِ عنه غير واحد، مع مخالفته لأولئك الأعلام، وقد جاء في تأييد زعمه –على خلاف ما عهدناه عنه- بالعجب العجاب من التدليس والتضليل والتقليد وكتم العلم والإعراض عن قواعده مما لا يخطر في بال أحد، وهذا كلُّه مشروح هناك في نحو أربع صفحات كبار، ومن ذلك تجاهله أنه معارض لحديث فاطمة بنت قيس، وإذنه لها بالنزول في دار ابن أم مكتوم الأعمى، وهى ستراه حتمًا، وعلل ذلك -صلى الله عليه وسلم- بقوله لها: "فإنك إذا وضعت خمارك؛ لم يرك". وفي رواية للطبراني عنها قالت: "وأمرني أن أكون عند ابن أم مكتوم؛ فإنه مكفوف البصر، لا يراني حين أخلع خماري". وثمة أحاديث أخرى واهية حشرها التويجري في كتابه، وقد ذكرت هناك على سبيل المثال عشرًا منها، وفيها بعض الموضوعات! سابعًا: تهافتهم على تضعيف بعض الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة عن الصحابة، وتجاهلهم الطرق المقوية لها، أو تضعيفها من بعضهم تضعيفًا شديدًا؛ كحديث عائشة في المرأة إذا بلغت: "لم يصلح أن يُرَى منها إلا وجهها وكفَّاها"؛ فقد أصروا على الاستمرار في تضعيفه؛ يقلد الجاهل فيهم من لا علم عنده! مخالفين في ذلك من قواه من حفاظ الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 كالبيهقي والذهبي؛ كما كنت ذكرت ذلك عنهما في الكتاب كما سيأتي "ص 57 – 59"، وتجاهل أكثرهم طرقه، ومنهم بعض الأفاضل، بل صرح التويجري "ص 236" أنه لم يأت إلا من حديث عائشة، وقد رأى بعينه في الموضع المشار إليه من الكتاب طريقين آخرين: أحدهما: عن أسماء بنت عميس، والآخر: عن قتادة مرسلًا بسند صحيح عنه. وقلده في ذلك كثير من المقلدة، وفيهم بعض النسوة كمؤلفة ما سمته: "حجابك أختي المسلمة" ص33، كما تجاهلوا تقوية من ذكرنا من الحفاظ وغيرهم كالمنذري والزيلعي والعسقلاني والشوكاني، وتنطع بعضهم ممن يظهر نفسه أنه من العارفين بهذا العلم الشريف –وفي مقدمتهم الشيخ السندي- فادعوا شدة ضعف بعض رواته؛ لكي يفروا من قاعدة تقوية الضعيف بمثله؛ موهمين ومدلسين على القراء أنه لا موثق لهم، ولا يستشهد بهم، ومنهم عبد الله بن لَهيعة؛ مخالفين في ذلك طريقة علماء الحديث في الاستشهاد به، ومنهم الإمام أحمد وابن تيمية رحمة الله عليهما، كما تجاهلوا جميعًا أن العلماء، ومنهم الإمام الشافعي يقوون الحديث المرسل إذا عمل به أكثر العلماء، وقد عملوا بهذا الحديث كما تقدم، ويأتى في الكتاب، يضاف إلى ذلك مقويات أخرى: الأول: أنه رُوِيَ عن قتادة بسنده عن عائشة. الثاني: أنه جاء من طريق أخرى عن أسماء. الثالث: أنه عمل به هؤلاء الرواة الثلاثة: أما قتادة؛ فقد قال في تفسير آية الإدناء: "أخذ الله عليهنَّ أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 يُقَنِّعْنَ على الحواجب"؛ يعني: وليس على وجوههن كما قال الطبري: ب- وأما عائشة؛ فقالت في المحرمة: "تُسدِل الثوب على وجهها إن شاءت". رواه البيهقي بسند صحيح. قلت: فتخيير عائشة المحرمة في السدل دليل واضح على أن الوجه عندها ليس بعورة، وإلا لأوجبت ذلك عليها كما يقول المخالفون، ولذلك كتم قولها هذا عن قرائهم جمهور هؤلاء المؤلفين المتشددين، وفي مقدمتهم التويجري، وتعمد حذفها من رواية البيهقي هذه مؤِّلف: "فصل الخطاب"! وله أشياء أخرى من هذا القبيل بينتها هناك. والشاهد أن هذا الأثر الصحيح عنها مما يقوي حديثها المرفوع، وهذا مما جهله القوم أو تجاهلوه، وأحلاهما مرٌّ! ج- وأما أسماء؛ فقد صح أن قيس بن أبي حازم رآها امرأة بيضاء موشومة اليدين كما سيأتي في الكتاب مخرجًا، وذلك من فوائد هذه الطبعة. الرابع: أثر ابن عباس المتقدم "ص6". "تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به". ومثله تفسيره لآية الزِّينة: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين كما تقدم أيضًا، ويأتي في الكتاب "ص59". ومعه أثر ابن عمر أيضًا مثله. ولا بد لي بهذه المناسبة من التنبيه على حقيقة مرة للعبرة والتعريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 والتذكير بالحكمة القائلة: الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف الرجال. ذلك أن الشيخ التويجري في الوقت الذي يصر فيه على رفض حديث عائشة هذا مع ما له من الشواهد منها حديث قتادة المرسل؛ فإنه يقبل حديثًا آخر لها فيه: أنها انتقبت .... وفيه أنها قالت في صفية ونساء الأنصار "يهودية بين يهوديات"! وسنده أيضًا، ومتنه منكر جدًّا كما ترى، ومع ذلك فإن الشيخ يقويه بقوله "ص181": وله شاهد مرسل"، ثم ذكره من مرسل عطاء! وفي إسناده كذاب! فليتأمل القراء الفرق الكبير بين هذا الشاهد الموضوع وبين الشاهد الصحيح للحديث الأول عن قتادة مع الشواهد الأخرى له، ثم ليقل: لماذا قبل التويجري حديث عائشة هذا ورفض ذاك؟! الجواب: لأن المقبول فيه الانتقاب –مع أنه لا يفيد الإيجاب- والمرفوض ينفيه! فإذن الشيخ لا ينطلق فيما يذهب إليه –هنا- من القواعد العلمية الإسلامية، وإنما من –مثل- القاعدة اليهودية: الغاية تبرر الوسيلة! والله المستعان. ثامنًا وأخيرًا: من عجائب بعض المتأخرين من الحنفية المقلدين وغيرهم أنهم –تقليدًا منهم لأئمتهم- يتفقون معنا على المخالفين المتشديين، لكنهم سرعان ما يتفقون معهم على أئمتهم! وذلك أنهم اجتهدوا –وهم المقلدون- فقيدوا مذهب الأئمة فقالوا: بشرط أمن الفتنة؛ يعنون: فتنة الرجال بالنساء، ثم غلا أحد الجهلة من المقلدة المعاصرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فنسب هذا الشرط إلى الأئمة أنفسهم! فنتج من ذلك عند بعض من لا علم عنده إلا التحطيب والتحويش: أن لا خلاف بين الأئمة والمخالفين! وليس يخفى على الفقيه حقًّا أن الشرط المذكور باطل يقينًا؛ لأنه يعني الاستدراك على رب العالمين؛ ذلك لأن الفتنة بالنساء لم تحدث فيما بعد حتى نوجد لها حكمًا خاصًّا لم يكن من قبل، بل إنها كانت في عهد التشريع، وما قصة افتنان الفضل بن العباس بالمرأة الخثعمية وتكراره النظر إليها ببعيدة عن ذاكرة القراء الكرام. ومن المعلوم أن الله تعالى لما أمر الرجال والنساء بغض الأبصار، وأمر النساء بالحجاب والتستر أمام الرجال؛ إنما جعل ذلك سدًّا للذريعة ودرءًا للفتنة، ومع ذلك لم يأمرهن عز وجل بأن يسترن وجوههن وأيديهن أمامهم، وأكد ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في القصة المشار إليها بعدم أمره المرأة أن تستر وجهها، وصدق الله القائل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . والحقيقة أن الشرط المذكور إنما ذكره العلماء –ومنهم مؤلف الفقه على المذاهب الأربعة ص12- في نظر الرجل إلى وجه المرأة، فقالوا: يجوز ذلك بشرط أمن الفتنة، وهذا حق؛ بخلاف ما فعله المقلدة، فكأنهم استلزموا أن تستر المرأة وجهها وجوبًا، ولا تلازم؛ فإنهم يعلمون أن الشرط المذكور –بحق- لازم أيضًا على النساء، فلا يجوز لهن النظر إلى وجه الرجال إلا إذا أمنت الفتنة؛ فهل يستلزمون منه أن يستر الرجال أيضًا وجوههم عن النساء درءًا للفتنة كما كانت تفعل بعض القبائل المعروفين بـ "الملثمين"؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ولو أنهم قالوا: يجب على المرأة المتسترة بالجلباب الواجب عليها إذا خشيت أن تصاب بأذى من بعض الفساق لإسفارها عن وجهها: أنه يجب عليها في هذه الحالة أن تستره دفعًا للأذى والفتنة؛ لكان له وجه في فقه الكتاب والسنة، بل يقال: إنه يجب عليها أن لا تخرج من دارها إذا خشيت أن يخلع الجلباب من رأسها من قبل بعض المتسلطين الأشرار المدعمين من رئيس لا يحكم بما أنزل الله كما وقع في بعض البلاد العربية منذ بضع سنين مع الأسف الشديد. أما أن يجعل هذا الواجب شرعًا لازمًا على كل النساء في كل زمان ومكان، وإن لم يكن هناك من يؤذي المتجلببات؛ فكلَّا ثم كلَّا، وصدق الذي قال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . هذه هي أهم أخطاء المخالفين المتشديين التي رأيت أنه لا بد من ذكرها هنا مع الاختصار قدر الاستطاعة؛ لصلتها القوية بالكتاب كما هو ظاهر. ثم ختمت الرد المفحم بالتذكير بأن التشدد في الدين –مع نهي الشارع الحكيم عنه- لا يأتي بخير، ولا يمكن أن يخرج لنا جيلا من الفتيات المسلمات يحملن الإسلام علمًا وتطبيقًا بتوسط واعتدال، لا إفراط فيه ولا تفريط، لا كما بلغني عن بعض الفتيات الملتزمات في بعض البلاد العربية، أنهن لما سمعن بقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين"؛ لم يتجاوبن معه، وقلن: ننتقب ونفدي!! وما كان هذا منهن إلا لما يقرع مسامعهن من التشديد في وجوههن! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 إنني لا أستطيع أن أتصور أن مثل هذا التشديد –وهذا واحد من أمثلة لديَّ- يمكن أن يخرج لنا نساء سلفيات بإمكانهن أن يقمن بكل ما تطلبه حياتهن الاجتماعية المشروعة، على نمط ما كان عليه نساء السلف الصالح، ولا بأس من ذكر نماذج صالحة منهن، مع تخليص الروايات؛ اكتفاء بسوقها بألفاظها مخرجة هناك، فمنهن: أم شريك الأنصارية التي كان ينزل عليها الضيفان؛ كما في الحديث الآتي في الكتاب "ص66". وامرأة أبي أسيد التي صنعت الطعام للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه يوم دعاهم زوجها أبو أسيد يوم بنى بها، فكانت هي خادمهم وهي العروس. وأسماء بنت أبي بكر التي كانت تخدم الزبير زوجها: تعلف فرسه، وتكفيه مؤنته، وتسوسه، وتنقل النوى على رأسها من أرض الزبير، وهي على بعد ثلثي فرسخ "أكثر من ثلاثة كيلو مترات"، وتدق النوى. والمرأة الأنصارية التي استقبلت النبي -صلى الله عليه وسلم، وبسطت له تحت النخيل، ورشت حوله، وذبحت له طعامًا، فأكل هو وأصحابه. وعائشة وأم سليم اللتان كانتا تحملان القرب وتسقيان القوم؛ وكما سيأتي "ص40". والرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ التي كانت تنفر مع نساء من الأنصار، فيسقين القوم، ويخدمنهم ويداوين الجرحى، ويحملن القتلى إلى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وفي حديث آخر نحوه، وفيه: أنهن كن يعطين من الغنيمة. وأم عطية التي غزت معه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات؛ تخلفهم في رحالهم، وتصنع لهم الطعام، وتداوي الجرحى، وتقوم على المرضى. وأم سليم أيضًا التي أخذت يوم حنين خنجرًا، فقال أبو طلحة: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر، فلما سألها صلى الله عليه وسلم؟ قالت: اتَّخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه! فجعل -صلى الله عليه وسلم- يضحك. وجرى الأمر على هذا المنوال بعد النبي -صلى الله عليه وسلم. فهذه أسماء بنت يزيد الأنصارية قتلت يوم اليرموك سبعة من الروم بعمود فسطاطها. ومثلها نساء خالد بن الوليد؛ فقد رآهن عبد الله بن قرط في غزوة الروم مشمرات يحملن الماء للمهاجرين. وهذه سمراء بنت نهيك الصحابية رآها أبو بلج عليها درع1 غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط، تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر. إلى غير ذلك من النماذج الرائعة المبثوثة في كتب السير والتاريخ، ولكنني التزمت الصحة فيما ذكرت، وهي كلها واضحة الدلالة على أن هذه   1 الدرع هنا فيما يبدو لي هو الجلباب؛ ففي كتب اللغة: درع المرأة: قميصها. وذكروا من معاني القميص: الجلباب. انظر مادة الجلباب والدرع والقميص في النهاية والقاموس والمعجم الوسيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الخدمات والبطولات ما كانت لتصدر من هذه النسوة الفاضلات لو كن متزمِّتات يرين أن الوجه والكفين من العورة؛ كتلك الفتيات! ذلك أمر بدهي فيما أرى؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رباهن على الحنيفية السمحة السهلة. وهذا هو الذي نريده من إخواننا المشايخ وكل داعية إلى الإسلام: أن يكونوا مصداق قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ، وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، حذرين من الوقوع في الغلو المنهي عنه في قوله -صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" 1. وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تشدِّدوا على أنفسكم؛ فإنما هلك من قبلكم بتشددهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات" 2. مذكرًا –والذكرى تنفع المؤمنين- أن تحقيق ذلك لا يمكن إلا بنبذ التعصب المذهبي، ودراسة السنة والسيرة النبوية الصحيحة من قول وفعل وتقرير، مع الاهتمام بمعرفة ما كان عليه السلف من أمور يصدق علينا –كما صدق عليهم- قول رب العالمين: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي   1 انظر تخريجه في الصحيحة 1283. 2 وقد وصلت أخيرًا إلى أنه صحيح، وخرجته في الصحيحة 3694. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . هذا، وقد بدا لي وأنا صدد تحضير مادة "الرد المفحم" أن أستبدل اسم الكتاب "حجاب المرأة المسلمة ... " بـ"جلباب المرأة المسلمة ... "؛ لما بينهما من الفرق في الدلالة والمعنى؛ كما كنت استظهرت ذلك في الكتاب كما سيأتي "ص83"؛ ولأن موضوع الكتاب ألصق بهذا الاسم دون ذاك، فبينهما عموم وخصوص، فكل جلباب حجاب1، وليس كل حجاب جلبابًا كما هو ظاهر، وشجعني على ذلك أنني رأيت المخالفين خلطوا بينهما كما بينته في البحث الثاني من الرد المفحم، واستشهدت على ذلك بقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فآية الجلابيب عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن". ولذلك فقد انشرح صدري لنشره الآن بهذا العنوان: "جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة". سائلين الله تبارك وتعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه. وقد قام بنشره صهري الكريم نظام سكجها صاحب المكتبة الإسلامية جزاه الله خيرًا، وللتاريخ أقول: إنه وحده يملك حق طبعه ونشره على هذه الحلة الجميلة التي تحلى بها لأول مرة.   1 وهذا كان المسوغ للتعبير به عن الجلباب أحيانًا، ثم رجعت عنه دفعًا للالتباس، وقد وقع فيه صاحب عودة الحجاب! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وسابقًا كنت أعطيت حق طبعه الطبعة الثانية لصاحب المكتب الإسلامي زهير الشاويش، واستمر في طبعه على الأوفست عدة طبعات، وقفت على السادسة منها، وقد سقط منها السطر الأول من "الصفحة 49"، ولا أدري إذا كان مستمرًا في طبعه، رغم أني أنذرته بأن لا يعيد طبع شيء من كتبي، لا صفًّا جديدًا، ولا تصويرًا، لما ظهر لي بعد هجرتي إلى عمان من إخلاله بالأمانة العلمية والمادية وحق الصحبة –لا أقول: حق المشيخة التي يدعيها لي- مما لا مجال لذكره في هذه المقدمة، وحسب القراء الكرام مثال واحد على ذلك: أنه قرن اسمه مع اسمي في تحقيق كتاب التنكيل، وليس له فيه ولا حرف واحد من التحقيق، ثم طبعه –دون علمي طبعًا- بهذا التزوير ونشره على الناس! ولقد كان أحد المشهورين بطبع الكتب سرقة في مصر قد سطا على الكتاب، وزور فيه اسْمًا آخر لعالم معاصر متوفَّى قرنه محققًا معي! فغار منه صاحبنا القديم!، فقرن اسمه الكريم معه ومعي، كل ذلك تغيير شكل من أجل الأكل! فلينظر القارئ الكريم أيهما شر؟ وقد فصلت القول في صنيعهما هذا في مقدمة الطبعة الجديدة لـ "التنكيل" نشر مكتبة المعارف في الرياض، وله من مثل هذا الشيء الكثير والكثير جدًّا مما هو مبسوط في مقدمات الكتب التالية: "صحيح الكلم الطيب" الطبعة الجديدة، مكتبة المعارف، "صفة الصلاة" الطبعة الجديدة للمكتبة نفسها، "مختصر صحيح مسلم" للمنذري الطبعة الجديدة للمكتبة الإسلامية، "مختصر صحيح البخاري" المجلد الثاني، وقد صدر حديثًا بهمة دار ابن القيم – الدمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 خاتمة: ثم إنني لما عزمت على وضع هذه المقدمة؛ كان الإخوة الذين نضَّدوا حروف الكتاب في "مركز دار الحسن لصف الكمبيوتر" قد قدموه إلينا مخرجا، منتظرين منا أن نقدم إليهم المقدمة لينضدوها أيضًا ويضموها إلى الكتاب، ولكني بسبب الاضطرار المذكور في أول المقدمة تبين لي أن الكتاب نشره، ولذلك وجدت نفسي ألحق بالكتاب المنضد والمخرج فوائد جديدة أخرى غير التي كانت نضجت من قبل، كنت أعثر عليها في أثناء تحضير "الرد"، ولا تسمح نفسي إلا أن أطلع القراء عليها، أفعل هذا وأنا ذاكر أن مثل هذا الإلحاق –والكتاب مخرج- مما لا يستسيغه المنضدون، من أجل ذلك فإنني أقدم اعتذاري إلى الإخوة الأفاضل القائمين على المركز مرتين: لهذا الإلحاق أولًا، ولا سيما وقد بلوا منا بنحوه سابقًا فتحملونا جزاهم الله خيرًا، ولهذا التأخير الذي لا عهد لنا ولا لهم بمثله ثانيًا، ولكنه مشيئة الله وقدره، فنعتذر إليهم، والعذر عند كرام الناس مقبول. وآخر دعوانا {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . عمَّان 5 محرم 1412هـ محمد ناصر الدين الألباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية : الحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه على أفضل رسله، وخاتم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه، وإخوانه1؛ المتمسكين بسنته، والمتهدين بهديه، إلى يوم الدين. أما بعد؛ فهذه هي الطبعة الثانية لكتابنا "حجاب المرأة المسلمة"، يصدرها المكتب الإسلامي –جزى الله صاحبه خيرًا- بعد أن مضى على الطبعة الأولى منه عشر سنوات؛ ازددنا فيها إيمانًا بضرورة نشره وإذاعته بين المسلمين، وخصوصًا النساء اللاتي اغتررن بالمدينة الأوربية الزائفة، وانجرفن وراء بهارجها ومفاتنها، فتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وكشفن من أبدانهن أمام الرجال الأجانب؛ ما كانت إحداهن من قبل لا تتجرأ أن تظهره أمام أبيها ومحارمها!   1 قال صلى الله عليه وسلم: "وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد". رواه مسلم عن أبي هريرة، ولغيره بلفظ: "إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني"، وهو مخرج في الصحيحة 2927. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ولقد علمت أن كتابنا هذا كان له الأثر الطيب –والحمد لله- عند الفتيات المؤمنات، والزوجات المحصنات، فقد استجاب لما تضمنه من الشروط الواجب توفرها في جلباب المرأة المسلمة الكثيرات منهن، وفيهن من بادرت إلى ستر وجهها أيضًا، حين علمت منه أن ذلك من محاسن الأمور، ومكارم الأخلاق، مقتديات فيه بالنساء الفضليات من السلف الصالح، وفيهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. ومع ذلك، فإن بعض أهل العلم وطلابه، ولا سيما المقلدين منهم –فإنهم مع إعجابهم بالكتاب وأسلوبه العلمي، وقوة حجته، ونصاعة برهانه- لم يرقهم ما جاء فيه من التصريح بأن وجه المرأة ليس بعورة، وقد كتب إلي بذلك أحد الأساتذة في المدارس الثانوية، وشافهني به آخرون هنا في سورية، وفي الحجاز أيضًا، وهؤلاء فريقان: الأول: من لا يزال يرى أن الوجه عورة، وليس ذلك عن دراسة الأدلة الشرعية، وتتبعها من مصادرها الأصلية، وإنما تقليدًا لمذهبه الذي نشأ عليه، أو البيئة التي عاش فيها، وفيها بعض المتحمسين لذلك أشد الحماسة بحسن نية، وعاطفة إسلامية، وغيرة دينية. وقد جلست إلى أحد هؤلاء الفضلاء جلسة دامت ساعات، تباحثنا فيها حول المسألة، وكان ذلك بطلب مني، لعلي أجد عنده، ما يؤيد رأيه، فلم أحظ بشيء من ذلك، وكل الذي سمعته منه، إنما هي شبهات عرضت له على بعض أدلة الكتاب، صدته عن الاقتناع بها، وتبني لازمها، فأجبته ليلتئذٍ عن شبهاته بما يسر الله، ثم فكرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بعد ذلك في المسألة مرة أخرى، وأجلت النظر في أدلتها، وما وردني من شبهات حولها، فازددت بذلك اقتناعًا بصواب رأيي، وخطأ الرأي المخالف له، كيف لا، ورأينا هو ما ذهب إليه جماهير العلماء من المفسرين والفقهاء؛ كما هو مشروح في هذا الكتاب، وقد أوردت تلك الشبهات، وما فتح الله علي من الجواب في هذه الطبعة منه. الثاني: من يذهب معنا إلى أن الوجه ليس بعورة، ولكنه يرى مع ذلك أنه لا يجوز إشاعة هذا المذهب نظرًا لفساد الزمان، وسدًّا للذريعة، فإلى هؤلاء أقول: إن الحكم الشرعي الثابت في الكتاب والسنة لا يجوز كتمانه وطيه عن الناس؛ بعلة فساد الزمان أو غيره، لعموم الأدلة القاضية بتحريم كتمان العلم، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] . وقوله -صلى الله عليه وسلم: "من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم، وصححه هو والذهبي، وغير ذلك من النصوص الرادعة عن كتم العلم. فإذا كان القول بأن وجه المرأة ليس بعورة حكمًا ثابتًا في الشرع كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 نعتقد، فكيف يجوز القول بكتمانه، وترك تعريف الناس به؟! اللهم غُفرًا. نعم؛ من كان يرى أنه مع ذلك لا يجوز العمل به سدًّا للذريعة، فعليه هو بدوره أن يبين ذلك الذي يراه للناس ولا يكتمه، ويأتي بالأدلة التي تؤيد رأيه، وهيهات هيهات! فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى الفضل بن العباس رضي الله عنه يلتفت إلى المرأة الخثعمية، وكانت امرأة حسناء ينظر إليها، وتنظر إليه، وهي غير محرمة –كما سأبينه- ثم لا يكون منه عليه الصلاة والسلام أكثر من أن يصرف وجه الفضل عنها، ولا يأمرها أن تستر وجهها عنه، فأي ذريعة ووسيلة أوضح من هذه، وهو -صلى الله عليه وسلم- القائل بهذه المناسبة: "رأيت شابًّا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما" 1. فهذا الحديث الصحيح، يقرر أن كشف المرأة عن وجهها –ولو كانت جميلة- حق لها، إن شاءت أن تأخذ به فعلت، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك، بزعم خشية الافتنان بها، فمثل هذا الحديث منعنا من أن نقول برأي الفريق المذكور، وأوجب علينا إشاعة الرأي الصواب في المسألة. على أنه لم يفتنا أن نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه وإن كان جائزًا، فستره أفضل، وقد عقدنا لذلك فصلًا خاصًّا في الكتاب "الصفحة 104". وبذلك أدينا الأمانة العلمية حق الأداء، فبينا ما يجب على المرأة، وما يحسن بها، فمن التزم الواجب فبها ونعمت، ومن أخذ بالأحسن فهو أفضل.   1 راجع ص 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وهذا هو الذي التزمته عمليًّا مع زوجتي، وأرجو الله تعالى أن يوفقني لمثله مع بناتي حين يبلغن أو قبيل ذلك. ومن الغريب ما جاء في كتاب الأستاذ الذي سبقت الإشارة إليه: "وقد يلحظ أحدهم، أو يسمع حرصك الحسن على ستر أهلك الستر المطلوب دون السماح بإظهار الوجه، معاذ الله! فإذا قرأ ما كتبت، قال: خالفت فتواه تقواه، ورماك بما لا يجمل"!. وقد كنت أرسلت إليه جواب كتابه بتاريخ "23/ 9/ 74هـ"1، ومما فيه جوابًا على هذه الفقرة؛ قولي: "إن رماني أحدهم ظلمًا "بما لا يجمل"، فإن لي أسوة حسنة بالأنبياء والصالحين صولات الله عليهم أجمعين، الذين لم يرمهم أعداؤهم "بما لا يجمل" فقط، بل وبما يقبح، ومما لا شك فيه عندي؛ أن الرامي بما أشار إليه حضرة الكاتب، معتد ظالم، أو جاهل ينبغي أن يعلم، وذلك لأمرين. الأول: أن غاية ما قررته في الكتاب أن وجه المرأة ليس بعورة، وأنه يجوز أن تظهره بالشرط المذكور فيه، وهذا ليس معناه أنه يلزم القائل به أن يكشف وجه زوجه ولا بد؛ لأن هذا ليس من شأن الأمر الجائز، بل هو من لوازم الأمر الواجب، إذ إن كل واحد يعلم أن الجائز هو ما يجوز فعله، كما يجوز تركه، فإذا أنا أخذت بالترك أو أخذت بالفعل؛ فعلى الحالتين لم أخرج   1 أرسل الجواب المذكور إلى مجلة التمدن الإسلامي لينشر فيها يومئذ، فأبى المردود عليه ذلك، وقنع بالاطلاع عليه هو نفسه فقط! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 عما أفتيت به من الجواز. فتبين من ذلك أن من قال فِيَّ: "خالفت فتواه تقواه"؛ كان بعيدًا جدًّا عن الفهم السليم، أو العدل. والآخر: أنني بجانب تقريري أن الوجه ليس بعورة، قد قررت أيضًا أن الستر هو الأفضل، ووردت فيه "ص104" على من زعم أن الستر بدعة وتنطع في الدين؛ بأحاديث وآثار أوردتها، ثم ختمتهما بما نصه "ص114": فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات، أمر مشروع محمود، وإن كان لا يجب ذلك عليها، بل من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". فهذا مني نص صريح في تفضيل الستر، ورد على الطائفتين المتشددتين: القائلين منهم بوجوبه، والقائلين منهم ببدعته، و"خير الأمور أوساطها"1. وحقيقة الأمر عندي؛ أنه وإن كان قلبي ليكاد يتفطر أسى وحزنًا من السفور المزري، والتبرج المخزي، الذي تهافتت عليه النساء في هذا العصر، تهافت الفراش على النار، فإنني لا أرى أبدًا أن معالجة ذلك يكون بتحريم ما أباح الله لهن من الكشف عن الوجه، وأن نوجب عليهن ستره بدون أمر من الله ورسوله. بل إن حكمة التشريع، والتدرج فيه، وبعض أصوله التي   1 حديث ضعيف الإسناد، ولذلك لم أستجز عزوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، لا سيما وقد رواه أبو يعلى من قول وهب بن منبه بنحوه، وسند جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 منها بقوله -صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا" 1، وأصول التربية الصحيحة، كل ذلك ليوجب على فقهاء الأمة ومربيها ومرشديها، أن يتلطفوا بالنساء، ويأخذوهن بالرفق لا بالشدة، ويتساهلوا معهن فيما يسر الله فيه، ولا سيما ونحن في زمن قل فيه من يأخذ بالعزائم من الأمور والفرائض، فضلًا عن المستحبات والنوافل! فإذا كان بعض العلماء اليوم يرون أن في كشف المرأة عن وجهها مع سترها لما سواه من بدنها مما أمرها الله به خطرًا عليها –زعموا- فنرى أنه لا يليق بهم أن يكتفوا من المسألة بإظهار الإنكار الشديد على من يخالفهم في الرأي، واتخاذ القرار بمنع دخول الكتاب إلى بلادهم، بل إن عليهم أمرين اثنين لا بد لهم من القيام بهما: الأول: أن يبينوا للناس حكم الله فيها، مستدلين عليه بالكتاب والسنة، لا تقليدًا للمذهب، أو اتباعًا للتقاليد، وبذلك فقط؛ يظهر للناس الصواب من الخطأ، بل الحق من الباطل {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] . إنهم إن فعلوا ذلك استجاب لهم النساء المؤمنات، فهل يفعلون؟! والآخر: أن يُعْنَوا بتربية الفتيات المسلمات تربية إسلامية صحيحة، وخصوصًا في المدارس والمساجد والجامعات، بتعليمهن وتثقيفهم الثقافة الشرعية النافعة، ومنع المجلات الخليعة أن تتسرب إليهن، وتفسد عليهم أخلاقهن، ونحو ذلك من الوسائل المبذولة في العصر الحاضر، مما يمك   1 أخرجه الشيخان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 استعماله في الشر والخير، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] . بمثل هذا وذاك يمكن أن يوجد جيل من النساء المؤمنات اللاتي إذا سمعن مثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] ؛ بادرن إلى امتثال أمره كما فعلت نساء الأنصار -رضي الله عنهن- حين نزل قوله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] ، بادرن فاختمرن بما تيسر لهن من الأزر كما هو مذكور في موضعه من الكتاب "الصفحة 78". فمثل هذه النسوة يمكن أن تؤمر بستر الوجه إن كان واجبًا، وأما أمر السواد الأعظم من النساء بذلك، في مثل بلادنا السورية، وغيرها كمصر ونحوها من البلدان الأخرى التي انتشر، أو بدأ ينتشر فيها التبرج والخلاعة بأبشع صوره، مما لم تنج منه مع الأسف حتى بلاد التوحيد التي كنا نأمل أن تكون الحصن الحصين للمسلمين من هذا التبرج، فأمر هذا الجنس من النساء بستر الوجه الذي لم يأمر الله به، وهن لا استعداد عندهن أن يسترن نحورهن وصدورهن وما هو أكثر من ذلك؛ مما لا يذهب إليه من كان عنده ذرة من رائحة فقه الكتاب والسنة. فمن الحكمة إذن، أن يقنع العلماء في هذا العصر بأن يستجيب النساء لما أمر الله بع من حجب البدن كله؛ حاشا الوجه والكفين، فمن حجبهما أيضًا منهن، فذلك ما نستحبه لهن، وندعو إليه. وأما إيجاب ذلك عليهن، فهو عندي تشدد في الدين، وتنطع لا يحبه الله، وخصوصًا على النساء اللاتي وصانا بهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا، في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الصلاة والسلام: "رفقًا بالقوارير" 1. ويوم يستجيب النساء المسلمات لأمر الله؛ إلا من شذ منهن، وتكون غريبة مهينة بين المستجيبات، فيومئذ يعود إلى المسلمين عزهم ومجدهم، وتقوم لهم دولتهم، وينصرهم الله على عدوهم {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4] ، ولن يكون ذلك إلا إذا استجاب لأمره تعالى الرجال قبل النساء، وعسى أن يكون ذلك قريبًا. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24] . دمشق 25/ 7/ 1385هـ محمد ناصر الدين الألباني.   1 أخرجه البخاري بمعناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26] ، وصلى الله على محمد المبعوث رحمة للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد؛ فهذه رسالة لطيفة، وبحوث مفيدة، إن شاء الله تعالى، جمعتها لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدثر به إذا خرجت من دارها، والشروط الواجب تحققها فيه حتى يكون لباسا إسلاميًّا، واستندت في ذلك على الكتاب والسنة، مسترشدًا بما ورد فيه من الآثار والأقوال عن الصحابة والأئمة، فإن أصبت فمن الله تعالى وله الفضل والمنة، وإن كانت الأخرى؛ فذلك مني، وأسأله العفو والمغفرة لذنبي، إنه عفو كريم، غفور رحيم. وقد كان ذلك بطلب من بعض الإخوان الأحبة، الذين نظن فيهم الصلاح والاستقامة، والحرص على العمل بما يدل عليه الكتاب والسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وقد دنا يوم زفافه، جعله الله مباركًا عليه وعلى أهله وذريته، فرأيت من الواجب أن أبادر إلى إجابة طلبه، وتحقيق رغبته، على الرغم من ضيق وقتي، وانصرافي إلى العمل في مشروعي الذي أسميته "تقريب السنة بين يدي الأمة"، الذي شرعت فيه منذ سنتين وزيادة، مبتدئًا بـ "سنن أبي داود" ثم توقفت عنه منذ أشهر لعارض طرأ على عيني اليمنى، الذي أرجو الله تعالى أن يذهبه عني بفضله وكرمه. على الرغم من هذا فقد بادرت إلى تحرير هذه الرسالة القيمة، ثم قدمتها إليه هدية، عسى أن تكون له ولغيره -ممن عسى أن يقف عليها- عونًا على طاعة الله ورسوله في هذه المسألة، التي تهاون بها في هذا العصر أكثر الناس، وفيهم كثير من أهل العلم المفروض فيهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في كل أمر من أمور الشريعة، فما بالك بغيرهم، حتى ندر أن ترى في هذه البلاد من وقف عند ما حدده الشارع فيها كما سترى. ولكنا نحمد الله تعالى على أنه لا تزال طائفة من أمته -صلى الله عليه وسلم- قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس1. أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الطائفة، وأن يجعل هذه الرسالة وكل ما كتبت وأكتب خالصًا لوجهه، وسببًا لنيل مرضاته، والفوز بجناته، إنه خير مسئول. دمشق 7/ 5/ 1370 هـ محمد ناصر الدين الألباني   1 متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الشرط الأول: "استيعاب جميع البدن إلا ما استثني" فهو في قوله تعالى في [سورة النور: الآية 31] : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} . وقوله تعالى في [سورة الأحزاب: الآية 59] : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": "أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب؛ يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه". وقد روى البخاري "7/ 290"، ومسلم "5/ 197" عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو طلحة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مجوب عليه بحجفة1 له، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما "يعني الخلاخيل" تنقزان2 القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "وهذه كانت قبل الحجاب، ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر". قلت: وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] هو المتبادر من سياق الآية، وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها: فمن قائل: إنها الثياب الظاهرة.   1 أي: مترس عليه "بحجفة"، أي بترس من جلد. 2 أي تثبان، و"القرب على متونهما"، أي تحملانها وتقفزان بها وثبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ومن قائل: إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في "تفسيره" "18/ 84" عن بعض الصحابة والتابعين، ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان1، فقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك -إذا كان كذلك- الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لإجماع الجميع على أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلا ما روي2 عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعًا؛ كان معلومًا بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال؛ لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره، وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلومًا أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ؛ لأن كل ذلك ظاهر منها".   1 قلت: والكفان هما الراحتان إلى الرسغين. والوجه: من منبت شعر الرأس إلى أسفل الذقن، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن. هكذا قال أهل العلم؛ خلافًا لبعض المعاصرين، وسيأتي الرد عليه في خاتمة الكلام على هذا الشرط الأول إن شاء الله تعالى. 2 كأن ابن جرير يشير بقوله: روي إلى ضعف الحديث، وهو حري بذلك. فإنه بهذا اللفظ غير صحيح، بل هو عندي منكر، رواه ابن جرير من طريق قتادة: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج يدها إلا إلى ها هنا؛ وقبض نصف الذراع". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ...................................................................................   = وهذا إسناد منقطع. ثم روى نحوه عن ابن جريج قال: قالت عائشة: خرجت لابن أخي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنة، فكرهه النبي -صلى الله عليه وسلم، فقلت إنه ابن أخي يا رسول الله! فقال: "إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها، إلا ما دون هذا". وقبض على ذراع نفسه. والحديث منكر لضعفه من قبل إسناده، ومخالفته لما هو أقوى منه، ألا وهو حديث عائشة الآتي من رواية أبي داود، وكونه أقوى منه، لا يشك فيه من له معرفة بهذا العلم الشريف؛ وذلك لأن له شاهدًا من قوله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث أسماء الآتي ذكره في التعليق، وجريان عمل الصحابيات عليه كما سيأتي بيانه، بخلاف هذا، فإنه لا شاهد له يقويه، ولم يجر عليه عمل، فكان منكرًا. وفي حديث ابن جريج خاصة نكارة أخرى أشد مما سبق، وهي مخالفته للقرآن، فإنه صريح في إنكار خروج عائشة أمام ابن أخيها مزينة، والله عز وجل يقول: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية، وفيها: {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} ، فهي صريحة الدلالة على جواز إبداء المرأة زينتها لابن أخيها، فكان الحديث منكرًا من هذه الجهة أيضًا. وقد كنت بينت شيئًا من هذا في تعقيبي على الأستاذ المودودي الذي نشر في آخر كتابه "الحجاب" الطبعة الأولى – دمشق"، وقد ذكرت فيه أن حديث قتادة مرسل، وحديث ابن جريج معضل، بينه وبين عائشة مفاوز! وقد سلم بهذا الأستاذ المودودي، ولكنه ذهب إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين المرسلة والمعضلة، بدعوى أن أحدهما يوافق الآخر كل الموافقة! وقد فات فضيلته –ولا أقول أغمض عينه- عن أن في الطريق المعضلة ما ليس = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ...................................................................................   = في المرسلة، وهو ما ذكرناه مما فيه من المخالفة للقرآن. وإنما يتفقان فقط في لفظ الحديث المنسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومما يظهر لك الفرق بينهما أن تعلم أن الأستاذ المودودي احتج بهما على أن المرأة عورة كلها إلا الوجه واليدين على جميع الناس، حتى على الأب والأخ وسائر المحارم! وهذا هو الذي جملنا على كتابة التعقيب عليه، وحمل القائمين على نشر كتابه على نشر التعقيب معه، فذكرت فيه أن دلالة المرسل على ما ذهب إلى المودودي إنما ذكرت جملة منها في التعقيب يمكن تخصيصه بالأدلة المخصصة، وهي معروفة، وقد ذكرت جملة منها في التعقيب المشار إليه، وأما دلالة المعضل، ففيها زيادة، فإنه صريح في كراهة الرسول خروج عائشة مزينة أمام ابن أخيها مما هو مخالف لنص القرآن، وهذا ما لا وجود له في الحديث المرسل، فافترقا. فإن قلت: فهل يقوي أحدهما الآخر فيما اتفقا عليه؟ فالجواب: لا. وإن خالفنا في ذلك فضيلة الأستاذ المودودي حين قال في تعقيبه علي "ص 11": "فكأن كذا كل واحد منهما يعتضد بالآخر". فإن هذا التعضد من الأستاذ قائم على أصل أفصح عنه في تعقيبه بقوله ص 4: "مما لا يخفى على أصحاب العلم، ولا أراه خافيًا على مثل الشيخ ناصر الدين الألباني طبعًا؛ أن حديثنا ضعيفًا إذا كان متفردًا في بيان موضوع، فإن حكم ذلك الموضوع يكون ضعيفًا لأجل الضعف في إسناد ذلك الحديث، ولكن إذا وجدت عدة أحاديث تؤيده في بيان الموضوع بعينه، فإن ذلك الموضوع المشترك بينهما يكون قويًّا صالِحًا للاحتجاج به، مهما يكن كل حديث من تلك الأحاديث ضعيفًا من جهة الإسناد بصفته الفردية". قلت: فهذا الأصل الذي بنى عليه فضيلته تقوية هذا الحديث، مما لا يخفى علينا فساده على هذا الإطلاق، بل هو المقرر عند أهل العلم، فإنهم اشترطوا أن لا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ...................................................................................   = يكون الضعف شديدًا في أفراد تلك الأحاديث، فقال الإمام النووي في "التقريب" "ص58 – بشرحه التدريب": "إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة، لا يلزم أن يحصل من مجموعها أنه حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ رواية الصدوق الأمين؛ زال بمجيئه من وجه، وصار حسنًا، وكذا إذا كان ضعفها الإرسال؛ زال بمجيئه من وجه آخر". قلت: ويشترط في الوجه الآخر أن يكون مسندًا، أو يكون مرسلًا أيضًا لكنه صحيح السند إلى المرسل، وأن يكون مرسله قد تلقى الأحاديث عن غير شيوخ المرسل الأول، فإنه في هذه الحالة تطمئن النفس إلى أن الطريقين بمثابة إسنادين إلى صحابي أو صحابيين، يتقوى أحدهما بالآخر، أما إذا اختل أحد هذين الشرطين، كأن يكون سند المرسل الآخر ضعيفًا، أو كان صحيحًا، ولكن لم يعلم أن شيوخه غير شيوخ الأول؛ لم يتقوَ الحديث به، لاحتمال أن يرجع الطريقان المرسلان إلى راوٍ واحد هو شيخ المرسلين للحديث، فيكون حينئذ غريبًا! وهذا معنى قول النووي -رحمه الله- في بحث المرسل بعد أن ذكر أن المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء، وأصحاب الأصول. قالت: وحكاه الحاكم عن ابن المسيب ومالك كما في "التدريب"، قال النووي "ص 67": "فإن صح مخرج المرسل، بمجيئه من وجه آخر مسندًا أو مرسلًا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحًا، ويتبين بذلك صحة المرسل، وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناهما عليه إذا تعذر الجمع". قلت: فهذا الشرط الذي أشار إليه النووي بقوله: "بمجيئه ..... " ضروري؛ لأنه بدونه لا يتبين صحة المرسل، فإذا عرفنا ذلك يظهر بوضوح أن الأستاذ المودودي لم يراع = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ...................................................................................   = هذا الشرط حينما قوى مرسل قتادة بمرسل ابن جريج، بل بمعضله! وبيانه من وجهين: الأول: أن الشرط مفقود هنا، فإن من شيوخ المرسلين "قتادة وابن جريج"، عطاء ابن أبي رباح كما هو مذكور في ترجمتهما، فيحتمل حينئذ أن يعود الحديث إلى طريق واحدة مرسلة فلا يصح في هذه الحالة أن يدعم أحدهما بالآخر لما سبق. الآخر: أن حديث ابن جريج معضل، وليس هو بمرسل، فحينئذ لا يصلح شاهدًا للمرسل الأول أصلًا؛ لأن ابن جريج إنما يروي عن التابعين، فجائز أن يكون شيخه في هذا المرسل تابعيًّا ثقة أخذ الحديث عن شيوخ المرسل الأول، فلم يتحقق الشرط المذكور، بل من الجائز أن يكون شيخه غير ثقة، فحينئذ لا يستشهد بحديثه أصلًا لضعفه وإرساله. وهذا الذي جوزناه هو الأرجح عندي فيما جلالة قدره كان مدلسًا، كما اعترف بذلك الأستاذ المودودي في تعقيبه، ولكنه مر عليه مرًّا سريعًا، ولم يقف عنده لا قليلًا ولا كثيرًا فلم يبين نوع تدليسه، وإنما أفاض في نقل كلمات الأئمة في توثيقه، الأمر الذي لا فائدة كثيرة منه هنا، بل قد يتوهم منه من لا علم عنده أن مرسله حجة! وذكر من مصادره فيما نقله من التوثيق "ميزان الاعتدال"، وقد جاء فيه: "قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذ؛ يعني قوله: أخبرتُ، وحدثتُ عن فلان"!. وفي "تهذيب التهذيب": "وقال الأثرم عن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان، وقال فلان، وأخبرت؛ جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني، و: سمعت؛ فحسبك به". وقال جعفر بن عبد الواحد عن يحيى بن سعيد: "كان ابن جريج صدوقًا، فإذا قال: حدثني؛ فهو سماع، وإذا قال: أخبرني = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ...................................................................................   = فهو قراءة، وإذا قال: "قال"، فهو شبه الريح". وقال الدارقطني: "تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة، وغيرهما". فتبين من كلمات هؤلاء الأئمة أن حديث ابن جريج المعنعن ضعيف، شديد الضعف، لا يستشهد به؛ لقبح تدليسه، حتى روى أحاديث موضوعة، بشهادة الإمام أحمد، وهذا إذا كان حديثه المعنعن مسندًا، فكيف إذا كان مرسلًا، بل معضلًا كهذا الحديث؟!. فقد اتضح كالشمس أن تقوية الأستاذ المودودي لحديث قتادة المرسل بحديث ابن جريج المعضل لا وجه له البتة على ما تقتضيه قواعد علم الحديث وأقوال العارفين برجاله. وهذا كله إذا صرفنا النظر عن مخالفة الحديث لحديث أسماء بنت عميس، وحديث قتادة الآخر بسنده عن عائشة، فكيف وهو مخالف لهما؟! وقد كنت في تعقيبي على الأستاذ المودودي قد أعللت الأحاديث المشار إليها -حاشا حديث أسماء- باختلاف الرواة في ضبط متنه أيضًا، علاوة على ضعف أسانيدها، فأجاب الأستاذ عن ذلك بأن هذا الاختلاف إنما يضر لو فرضنا متون هذه الأحاديث كلها متنًا واحدًا. قال: والأمر ليس كذلك، بل هي أربعة أحاديث كل واحد منها مستقل عن غيره كما يقتضيه ظاهر ألفاظها. ثم قال: "والاختلاف بينها ما هو باختلاف لا يمكن رفعه، إذ من الممكن أن نفهم بكل سهولة أن المراد بهذه الأحاديث أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف من جسدها إلا الوجه واليدين عادة، بيد أنها إذا عرضت لها حاجة أو عذر فلها أن تكشف من جسدها إلا الوجه واليدين عادة، بيد أنها إذا عرضت لها حاجة أو عذر فلها أن تكشف إلى نصف ذراعها، كأن هذا الفرق إنما هو الفرق بين العورة المغلظة والعورة المخففة. ومما يدل على هذا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ...................................................................................   = الفرق قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يحل" لنصف الذراع في رواية قتادة الأولى ورواية ابن جريج، وقوله: "لم يصلح" للمِفصل والوجه والكفين في رواية قتادة الثانية، ورواية خالد بن دريك. وجوابنا من وجوه: أولًا: إن المتأمل في متون الأحاديث المشار إليها لا يبدو له بوجه من الوجوه أنها أربعة أحاديث، بل هي حديثان: الأول: حديث قتادة مرسلًا بلفظ: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلى وجهها ويداها إلى المفصل". رواه أبو داود في كتابه "المراسيل" "رقم 437"، ورواه في "سننه" عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة ... بلفظ: "إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه". فهذا بلا شك حديث واحد، مداره على راوٍ واحد، وهو قتادة، إلا أن بعضهم رواه عنهم مرسلًا بلفظ، وبعضهم رواه عنه مسندًا بلفظ آخر، والمعنى واحد، وما علمت أحدًا من أهل الحديث يجعل الحديث الذي رواه راوٍ واحد، تارة مرسلًا، وتارة مسندًا، يجعلهما حديثين بمتنين مختلفين! والحديث الآخر: حديث قتادة الذي رواه بلاغًا مرسلًا، وحديث ابن جريج المعضل، فإنهما اتفقا على ذكر لفظ: "لا يحل"، أو "لم يحل" وعلى استثناء نصف الذراع. فهذا أيضًا حديث واحد، رواه راويان، أحدهما أرسله، والآخر أعضله. فهذا هو الذي يدل عليه ظاهر ألفاظ تلك الروايات لا غير. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ...................................................................................   = ثانيًا: إذا تبين لك ما ذكرناه آنفًا فلا شك حينئذ من اختلاف الحديث الأول مع الحديث الآخر كما هو ظاهر، والتوفيق الذي ذهب إليه الأستاذ المودودي لو كان مسلمًا؛ لا يصار إليه إلا لو كان الحديثان من قسم الحديث المقبول. فحينئذ لا مناص من التوفيق بينهما كما هو معروف في علم المصطلح، وخاصة في "شرح النخبة" للحافظ ابن حجر. وقد عرفت مما سبق ضعف الحديث الآخر، وأما الحديث الأول فهو من المقبول؛ لأن له شاهدًا موصولًا وهو حديث أسماء الآتي "ص57"، وجرى عليه العمل كما يأتي بيانه في التعليق قريبًا. وحينئذ فلا وجه للتوفيق بينهما لما عرفت آنفًا. ثالثًا: إن التوفيق المذكور بين الحديثين غير مسلَّم عندي، بل هو لا يكاد يفهم ولو بصعوبة، إذ من أين جاء الأستاذ بقيد "عادة" في الحديث الأول، وقيد "حاجة أو عذر" في الحديث الثاني، وليت شعري إذا عرض للمرأة عذر في الكشف عن عضدها بل فخذها مثلًا، أفلا يجوز لها ذلك؟ الذي لا أشك فيه أن جواب الأستاذ على هذا السؤال إنما هو بالإيجاب، فإنه قد نص على معنى ذلك في كتابه "الحجاب" انظر "ص399"، وحينئذ أليس هذا القيد الذي جاء به الأستاذ في صدد الرد على إنما هو تعطيل للاستثناء المنصوص عليه في الحديث، وما معنى الحديث حينئذ إذا كان المستثنى كله في حكم المستثنى منه بالقيد المذكور؟! إذا كان كذلك فهو دليل واضح على بطلان التوفيق المذكور، وأن الحديث مع ضعف سنده مخالف للحديث الأول المقبول، فكان منكرًا مردودًا. وإن مما يلفت النظر أن الأستاذ المودودي في تقييده للحديث الأول بذلك القيد "عادة" أفادنا أن الحديث يجيز للمرأة أن تكشف عن وجهها وأن تجعل ذلك من عادتها، بينما يرى في كتاب "الحجاب" أن الوجه عورة، بل يقول "ص365-366": "إن آية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} نزلت خاصة في ستر الوجه"! = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ...................................................................................   = ثم أطال الكلام في تأييد ذلك. ثم ذكر "ص377": "أن الإسلام يبيح للمرأة أن تكشف عن وجهها عند الحاجة والضرورة"! فهذا نص منه على أن الوجه لا يجوز الكشف عنه إلا لحاجة. فهو مناقض لتقييده الحديث بالعادة، ومناقض من جهة أخرى لتقييده ما نص عليه الحديث الآخر من إباحة الكشف عن نصف الذراع للحاجة والضرورة؛ لأنه تبين من كلامه الذي نقلته عنه آنفًا في "الحجاب" وكلامه في "التعقيب" أن كلًّا من الوجه ونصف الذراع عورة لا يجوز الكشف عن شيء من ذلك إلا للحاجة أو للضرورة، بينما هو في "التعقيب" فرق بين العضوين. وما ذلك إلا تشبثًا منه بالحديث الذي بينا ضعفه في تعقيبي عليه، ولو أنه أعرض عنه بعد تبينه عدم ثبوته لما خسر شيئًا البتة، ما دام أنه يحمله على الحاجة والضرورة، وما دام أنه بهذه العلة يجيز الكشف عن أكثر من ذلك كما سبق بيانه. وأما استدلال الأستاذ على الفرق الذي ادعاه بين نصف الذراع من جهة والكفين من جهة أخرى، باختلاف التعبير في حديثيهما، ففي الأول قال: "لا يحل"، وفي الآخر: "لم يصلح"؛ فاستدلال واهٍ جدًّا، لا أدري كيف ذهب الأستاذ إليه، وبيانه من وجوه: أولًا: أنه لو صح استدلاله لتناقض الحديثان تناقضًا بينًا في حكم المستثنى، وهو بدن المرأة، فإن الأول يدل صراحة على تحريم الكشف عنه إلا ما استثنى منه، وأما الآخر فإن فهمنا أن قوله فيه: "لم يصلح"، ليس بمعنى: "لم يحل"، أو بعبارة أخرى: ليس في قوته في الدلالة على التحريم، أثبتنا بذلك التناقض بين الحديثين كما ذكرنا وهذا مما لا يقوله أحد. ثانيًا: لا فرق عندنا بين قوله: "لا يحل"، وقوله: "لا يصلح"؛ فكلاهما يدل على التحريم؛ لأن الفساد ضد الصلاح، فما لا يصلح، فاسد، وفاعله مفسد، وقد ذم الله قومًا فقال: {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} ، فدل على أن "لا يصلح" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وهذا الترجيح غير قوي عندي؛ لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي وهو غير لازم هنا؛ لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين. أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها لدليل بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه لا في صحة الدعوى فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث وأيدناه بكلام ابن كثير. ويؤيده أيضًا ما في "تفسير القرطبي" "12/ 229":   = بمعنى "لا يحل" والأمثلة في السنة الصحيحة على ذلك كثيرة أجتزئ على ذكر ثلاثة منها: الأول: قوله -صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .... " الحديث. رواه مسلم، وهو مخرج في "الإرواء" "390"، و"صحيح أبي داود" "862". الثاني: قوله -صلى الله عليه وسلم- لبشير والد النعمان وقد وهبه غلامًا: "أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد على جور". رواه مسلم، وهو مخرج في "الإرواء" "1598". الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة حين قال سائلًا: يا رسول الله! إن عندي داجنًا جذعة من المعز؟ قال: "اذبحها، ولن تصلح لغيرك". متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 "قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك فـ {إِلاَّ مَا ظَهَرَ} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه". قال القرطبي: "قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها والله الموفق لا رب سواه". قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضًا؛ لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة فإنما ذلك بقصد من المكلف والآية حسب فهمنا إنما أفادت استثناء ما ظهر دون قصد فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلًا شاملًا لما ظهر بالقصد؟ فتأمل. ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه: أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول: هو ثيابها أي: جلبابها. وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول: هو الوجه والكفان منها. فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها -كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات- أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة -فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضًا اتفاقًا- وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفًّا أو وجهًا أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد؛ لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تمامًا كما بينت آنفًا. فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا: إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترة معنا. ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه -بعد الله تعالى- إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي1 -رحمه الله تعالى- في كتابه القيم الفريد   1 وصفه الذهبي في "أعلام النبلاء" "22/ 306" بقوله: "الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد المجود القاضي .... " ونحوه في "تذكرة الحفاظ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة ألا وهو: "النظر في أحكام النظر" فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب على كل مسائله ومنها ما نحن فيه فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه "ق 14/ 2": "وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن وبلغوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الشرع وحضروا به خطاب المواجهة ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرا لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم". قلت: فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين: الأول: أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق؛ لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها. والآخر: أن هذا التفسير -وإن تحمس له بعض المتشددين- لا ينسجم مع بقية الآية وهي: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ ... } الآية؛ فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنهم إذا ذكروا اسْمًا معرّفًا ثم كرروه فهو هو فإذا كان الأمر كذلك فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟ ولذلك قال أبو بكر الجصاص -رحمه الله- في "أحكام القرآن" "3/ 316": "وقول ابن مسعود في أن {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو الثياب لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال في نسق الآية بعد هذا: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} والمراد موضع الزينة فتأويلها على الثياب لا معنى له إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها". وكأنه لهذا لم يعرِّج عليه الحافظ ابن القطان في كتابه الآنف الذكر وقد ذكره في جملة ما قيل في تفسير الآية كما ذكر أقوال العلماء والمذاهب حولها بتفصيل وتحرير وتحقيق فيها لا أعرف له مثيلًا ثم ساق بعض الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على جواز إبداء المرأة لوجهها وكفيها للأجانب ومع أنه فاته الكثير من الأحاديث التي ذكرت في كتابنا هذا فقد ناقشها مناقشة دقيقة وميز صحيحها وسقيمها وما يصح الاستدلال به وما لا يصح من الناحية الفقهية دون أن يتحيز لفئة. ثم تكلَّم على الآية وفسرها تفسيرًا بديعًا يدل على أنه إمام في التفسير والفقه أيضًا كما هو في الحديث فأفاد -رحمه الله- أن النهي فيها مطلق من وجوه ذكرها وهي أربعة، وفصل القول فيها تفصيلًا رائعًا ويهمنا هنا منها رابعها فقال "ق 15/ 1": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 "ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر ورد على إطلاقه منها استثناءان: أحدهما: على مطلق الزينة وخصص به منها {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فيجوز إبداؤه لكل واحد. والآخر: على مطلق الناظرين الذين يبدي لهم شيء من ذلك فخصص منهم البعولة ومن بعدهم". وبعد أن ساق قول ابن مسعود وأقوال الصحابة والتابعين المخالفة وأقوال المذاهب والأحاديث المشار إليها آنفًا قال ملخصًا للموضوع وموضحًا رأيه فيه "ق 21/ 1": "الأحاديث المذكورة في الباب إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك "يعني: الوجه والكفين" أو بعضه دلالة يمكن الانصراف عنها بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة لا يكون جائزًا إلا بدليل عاضد يصير الانصراف تأويلًا، وإذا لم يكن هناك دليل كان الانصراف تحكمًا، فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت هذه الظواهر وتعاضدت عليه من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها لكن يستثنى من ذلك ما لا بد من استثنائه قطعًا وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن فإن هذا يكون حرامًا ويكون الذي يجوز لها إنما هو إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرف والتبذل فلا يجب عليها أن تتعاهده بالستر بخلاف ما هو في العادة "أي الشرعية" مستور إلا أن يظهر بقصد كالصدر والبطن فإن هذا لا يجوز لها إبداؤه ولا يعفى لها عن بدوه ويجب عليها ستره في حين التصرف كما يجب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ستره في حين الطمأنينة ويعضد هذه الظواهر وهذا المنزع قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ؛ فمعنى الآية: لا يبدين زينتهن في مواضعها لأحد من الخلق إلا ما كان عادة ظاهرة عند التصرف فما وقع من بدوِّه وإبدائه بغير قصد التبرج والتعرض للفتنة فلا حرج فيه". ثم قال "ق 21/ 2": "ويتأيَّد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلًا به: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فإنه يفهم منه أن القرطة قد يعفيهن عند بدو وجوههنَّ عن تعاهد سترها فتنكشف، فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف؛ إلا أن يستر بقصد وتكلف مشقة، وكذلك الكفان وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رءوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر". ثم ذكر حديث عائشة الآتي "ص 78" لكن من رواية أبي داود بلفظ: "شققن أكنَف -وقال ابن صالح: أكثف- مروطهن فاختمرن بها". وقال: "هذا إسناد حسن"!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ثم قال الحافظ ابن القطان -رحمه الله تعالى: "فإن قيل: هذا الذي ذهبت إليه من أن المرأة معفو لها عن بدو وجهها وكفيها -وإن كانت مأمورة بالستر جهدها- يظهر خلافه من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية؟ فالجواب أن يقال: يمكن أن يفسر هذا "الإدناء" تفسيرًا لا يناقض ما قلناه وذلك بأن يكون معناه: يدنين عليهنَّ من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة مثل قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فإن "الإدناء" المأمور به مطلق بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه "إدناء" فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه "إدناء" يقضي به عن عهدة الخطاب إذ لم يطلب به كل "إدناء" فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي". ويلاحظ القراء الكرام أنَّ هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ ابن القطان يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهادًا مني وتوفيقًا بين الأدلة: أن الآية مطلقة كما ستراه مصرحًا به "ص87" فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. نعم حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين لولا أن فيه ما بيناه في التعليق1، إلا أنه من الممكن أن   1 الحديث أخرجه أبو داود "2/ 181-183"، والبيهقي "2/ 226 و7/ = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 يقال: إنه يقوى بكثرة طرقه وقد قواه البيهقي كما يأتي أدناه فيصلح حينئذ دليلًا على الجواز المذكور لا سيما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته -صلى الله عليه وسلم- وهو لا ينكر ذلك عليهن وفي ذلك عدة أحاديث نسوق ما يحضرنا الآن منها:   = 86"، والطبراني في "مسند الشاميين" "ص511-512"، وابن عدي في "الكامل" "3/ 1209" من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة "زاد ابن عدي: وقال مرة: "عن أم سلمة" بدل "عائشة"، قال أبو داود عقبه: "هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة". قلت: وسعيد بن بشير ضعيف كما في "التقريب" للحافظ ابن حجر. لكن الحديث قد جاء من طرق أخرى يتقوى بها: 1- أخرج أبو داود في "مراسيله" "رقم 437" -كما تقدم- بسند صحيح عن قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل". قلت: وهو مرسل صحيح يتقوى بما بعده، وليس فيه ابن دريك ولا ابن بشير. 2- أخرج الطبراني في "الكبير" "24/ 143/ 378"، و"الأوسط" "2/ 230/ 8959"، والبيهقي؛ من طريق ابن لَهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه أظنه عن أسماء ابنة عميس أنها قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر، وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فخرج، فقالت عائشة -رضي الله عنها: تنحي، فقد رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرًا كرهه، فتنحت، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فسألته عائشة -رضي الله عنها: لم قام؟ قال: "أولم تري إلى = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ...................................................................................   =هيئتها؟! إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا"، وأخذ بكفيه، كذا في البيهقي، والصواب "بكميه" كما في مصادر التخريج، فغطى بهما ظهر كفيه حتى لم يبد من كفيه إلا أصابعه، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لك يبد إلا وجهه، وقال البيهقي: "إسناده ضعيف". قلت: وعلته ابن لهيعة هذا، واسمه عبد الله الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، وهو ثقة فاضل، لكنه كان يحدث من كتبه، فاحترقت، فحدث من حفظه فخلط، وبعض المتأخرين يحسن حديثه، وبعضهم يصححه، وقد أورد حديثه هذا الهيثمي في "مجمع الزوائد" "5/ 137" برواية الطبراني في "الكبير" و"الأوسط". ثم قال: "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح". والذي لا شك فيه أن حديثه في المتابعات والشواهد لا ينزل عن رتبة الحسن، وهذا منها. وقد قوى البيهقي الحديث من وجهة أخرى، فقال بعدما ساق حديث عائشة، وبعد أن روى عن ابن عباس وغيره في تفسيره: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ؛ أنه الوجه والكفان، قال: "مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة -رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة، فصار القول بذلك قويًّا". ووافقه الذهبي في "تهذيب سنن البيهقي"، "1/ 38/ 1". قلت: والصحابة الذين يشير إليهم: عائشة وابن عباس وابن عمر، قالوا: واللفظ للأخير: "الزينة الظاهرة: الوجه والكفان". قال: "وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير، وهو قول الأوزاعي". وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف"، "4/ 283": حدثنا زياد بن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه قال: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ} ، قال: الكف ورقعة الوجه. وكذا رواه إسماعيل القاضي كما في "نظر ابن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 1 - عن جابر بن عبد الله قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم"، فقامت امرأة من سِطَة1 النساء "أي: جالسة في وسطهن" سفعاء الخدين "أي: فيهما تغير وسواد" فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير"، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن"2.   = القطان" "20/ 1"، وهذا سند صحيح. ثم وصل ابن أبي شيبة الأثر المذكور عن ابن عمر، وسنده صحيح أيضًا. ويزيده قوة جريان العمل عليه؛ كما سترى في الأحاديث والآثار. الآتية. 1- أخرجه مسلم "3/ 19"، والنسائي "1/ 233"، والدارمي "1/ 377"، وابن خزيمة في "صحيحه" "2/ 357/ 1460"، والبيهقي "3/ 296 و300"، وأحمد "3/ 318". والحديث واضح الدلالة على ما من أجله أوردناه، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة بأنها: "سفعاء الخدين". 1 وهذه رواية مسلم، ولفظ رواية الآخرين: "سفلة النساء". قال ابن الأثير: "بفتح السين وكسر الفاء: السقاط من الناس". 2 قد يظن بعض الناس أن في هذا الحديث ونحوه كحديث ابن عباس الآتي رقم "6" ما يدل على جواز لبس النساء للأساور والخواتم من الذهب، ويتخذ ذلك دليلًا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 2- عن ابن عباس "عن الفضل بن عباس":   = على نسخ الأحاديث الصحيحة المصرحة بتحريم ما ذكر على النساء، وجوابًا على ذلك أقوال: أولًا: ليس في الحديث التصريح بأن تلك الحلي كانت من الذهب، وعليه فلا تعارض بينها وبين الأحاديث المحرمة. ثانيًا: لإثبات نسخ التحريم بالأحاديث المبيحة لا بد من التحقق من تأخر هذه الأحاديث، ودون ذلك خرط القتاد، بل العكس هو الصواب، لما يأتي. ثالثًا: لو فرضنا أنه جاء في حديث أو أحاديث التصريح بذلك، فينبغي أن يحمل ذلك على الأصل الأول، وهو الإباحة، ثم طرأ عليها ما أخرجها من هذا الأصل إلى التحريم، بدليل أحاديث التحريم، فإن مثل هذه الأحاديث لاتصدر من الشارع في الغالب، إلا لرفع ذلك الأصل؛ وهو الإباحة في الأمور التي نص على تحريمها، ولذلك يقول علماء أصول الفقه: "إذا تعارض حاظر ومبيح، قدم الحاظر"، وفي هذه الحالة لا يلزمنا أن نثبت تأخر النص المحرم على النص المبيح؛ لأن النص المحرم يتضمن في الواقع الإشارة إلى رفع ما تضمنه النص المبيح كما هو ظاهر. وقد فصلت القول في مسألة الذهب للنساء وما يباح لهن منه وما يحرم، وأوردت الأدلة المحرمة والشبهات الواردة عليها، والجواب عنها في كتابي: "آداب الزفاف في السنة المطهرة"، فليرجع إليه من شاء، وبخاصة طبعة المكتبة الإسلامية؛ ففي مقدمتها ردّ ضاف على بعض المشاغبين وأهل الأهواء. 2- أخرجه البخاري "3/ 295 و4/ 54 و11/ 8"، ومسلم "4/ 101"، وأبو داود "1/ 286"، والنسائي "2/ 5"، وعنه ابن حزم "3/ 218"، وابن ماجه أيضًا "1/ 214"، ومالك "1/ 329"، والبيهقي، والزيادة الأولى بين القوسين والتي قبلها عند البخاري والنسائي وابن ماجه وأحمد في رواية، والثانية للبخاري، وكذا الثالثة، والأخيرة عند البخاري ومسلم في رواية، وهي في "صحيح ابن خزيمة" "4/ 342".= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 "أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[وكان الفضل رجلًا وضيئًا ... فوقف النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس يفتيهم] "، الحديث وفيه: "فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء "وفي رواية: وضيئة" "وفي رواية: فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها" [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذقن الفضل فحول وجهه من الشق الآخر". وفي رواية لأحمد "1/ 211" من حديث الفضل نفسه: "فكنت أنظر إليها فنظر إلَيّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلب وجهي عن وجهها، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها، حتى فعل ذلك ثلاثًا وأنا لا أنتهي". ورجاله ثقات لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس وروى هذه القصة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وذكر أن الاستفتاء كان عند المنحر بعد ما رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة وزاد: "فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".   = وأما حديث علي بهذه القصة فأخرجه الترمذي "1/ 167-طبع بولاق"، وقال: حسن صحيح، وأحمد "رقم 562 و1347"، وابنه عبد الله في "زوائد المسند" "رقم 564 و613"، والبزار في "مسنده" "2/ 164/ 531 و532-بيروت"، والضياء في "المختارة" "1/ 214"، وإسناده جيد. وبه استدل الحافظ في "الفتح" "4/ 67" على أن الاستفتاء وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ...................................................................................   = قلت: ومعنى ذلك أن السؤال كان بعد التحلل من الإحرام؛ لما هو معلوم أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء، وحينئذ فالمرأة الخثعمية لم تكن محرمة. والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن الوجه ليس بعورة؛ لأنه كما قال ابن حزم: "ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء". وفي "الفتح" "11/ 8": "قال ابن بطال: في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع. قال: ويؤيده أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها، فخشي الفتنة عليه. وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم، وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء، والإعجاب بهن. وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل. قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضًا، لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجههًا في الصلاة، ولو رآه الغرباء". هذا كله كلام ابن بطال، وهو متين جيد. غير أن الحافظ تعقبه بقوله: "قلت: وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر؛ لأنها كانت محرمة". قلت: كلا، فإنه لا دليل على أنها كانت محرمة، بل الظاهر خلافه، فقد قدمنا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 3- عن سهل بن سعد:   = عن الحافظ نفسه أن سؤال الخثعمية للنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان بعد رمي جمرة العقبة، أي بعد التحلل، فكان الحافظ نسي ما كان حققه هو بنفسه -رحمه الله تعالى. ثم هب أنها كانت محرمة، فإن ذلك لا يخدج في استدلال ابن بطال المذكور البتة؛ ذلك لأن المحرمة في جواز ستر وجهها بالسدل عليه كما يدل على ذلك الحديث الرابع والخامس الآتيان "ص108"، وإنما يجب عليها أن لا تنتقب فقط، فلو أن كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب لا يجوز؛ لأمرها -صلى الله عليه وسلم- أن تسبل عليه من فوق كما قال ابن حزم، ولا سيما وهي من أحسن النساء وأجملهن، وقد كاد الفضل بن عباس أن يفتتن بها! ومع هذا كله لم يأمرها -صلى الله عليه وسلم، بل صرف وجه الفضل عنها، ففي هذا دليل أيضًا على أن الستر المذكور لا يجب على المرأة ولو كانت جميلة، وإنما يستحب ذلك لها كما يستحب لغيرها. وأما قول بعض الفضلاء: ليس في الحديث التصريح بأنها كانت كاشفة عن وجهها؛ فمن أبعد الأقوال عن الصواب، إذ لو لم يكن الأمر كذلك، فمن أين للراوي أو الرائي أن يعرفها أنها امرأة حسناء وضيئة؟! ولو كان الأمر كما قال، فإلى ماذا كان ينظر الفضل ويكرر النظر؟! والحق أن هذا الحديث من أوضح الأدلة وأقواها على أن وجه المرأة ليس بعورة. لأن القصة وقعت في آخر حياته -صلى الله عليه وسلم- وعلى مشهد منه -صلى الله عليه وسلم؛ مما يجعل الحكم ثابتًا محكمًا، فهو نص مبين لمعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} ، وأنه لا يشمل الوجه، فمن حاول أن يفهم الآية دون الاستعانة بالسنة فقد أخطأ. 3- أخرجه البخاري "9/ 107"، ومسلم "4/ 143"، والنسائي "2/ 86"، وغيرهم كأحمد "5/ 330 و334 و336"، والحميدي "2/ 414"، والروياني "2/ 69/ 1"، وأبو يعلى "13/ 514"، والبيهقي "7/ 84"، وترجم له "باب نظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها"، وقال الحافظ في "الفتح" "9/ 210": = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 "أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[وهو في المسجد] فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي [فصمت فلقد رأيتها قائمة مليًّا أو قال: هوينًا] فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئًا جلست"، الحديث. 4 - عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن من الغلس". ووجه الاستدلال بها هو قولها: "لا يعرفن من الغلس" فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة فثبت المطلوب. وقد ذكر معنى هذا الشوكاني "2/ 15" عن الباجي. ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ:   = "وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها، وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- صعد فيها النظر وصوبه، وفي الصيغة ما يدل على المبالغة في ذلك، ولم يتقدم منه رغبة فيها ولا خطبة، ثم قال: "لا حاجة لي في النساء" "يعني: كما في بعض طرق القصة"، ولو لم يقصد أنه إذا رأى منها ما يعجبه أنه يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة. ويمكن الانفصال عن ذلك بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة، والذي تحرر عندنا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره. وسلك ابن العربي "قلت: وهو غير ابن عربي الصوفي النكرة المتوفى بدمشق سنة 638هـ" في الجواب مسلكًا آخر، فقال: يحتمل أن ذلك قبل الحجاب، أو بعده، لكنها كانت متلفعة. وسياق الحديث يبعد ما قال". 4- أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق خرجتها في "صحيح أبي داود" "449". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 "وما يعرف بعضنا وجوه بعض"1. 5 - عن فاطمة بنت قيس: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة "وفي رواية: آخر ثلاث تطليقات" وهو غائب ... فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له ... فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك [عنده] "، "وفي رواية: "انتقلي إلى أم شريك" -وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل فقال: "لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب "وما يعرف بعضنا وجوه بعض" 1. 5 - عن فاطمة بنت قيس: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة "وفي رواية: آخر ثلاث تطليقات" وهو غائب ... فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له ... فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك [عنده] "، "وفي رواية: "انتقلي إلى أم شريك" -وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل فقال: "لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن أم مكتوم [الأعمى] " -وهو من البطن الذي هي منه- " [فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك] "، فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي: الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد.   1 رواه أبو يعلى في "مسنده" "ق214/ 2" بسند صحيح عنها. 5- أخرجه مسلم في "صحيحه" "4/ 195 و96 و8/ 203"، ووجه دلالة الحديث على أن الوجه ليس بعورة ظاهر؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار -وهو غطاء الرأس- فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص، فأمرها عليه الصلاة السلام بما هو الأحوط لها، وهو الانتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنه لا يراها إذا وضعت خمارها، وحديث: "أفعمياوان أنتما؟! " ضعيف الإسناد، منكر المتن؛ كما حققته في "الضعيفة" "5958". ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم: "إذا وضعت خمارك"؛ أي: إذا حطته؛ كما في كتب اللغة. عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن أم مكتوم [الأعمى] " -وهو من البطن الذي هي منه- " [فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك] "، فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي: الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد.   1 رواه أبو يعلى في "مسنده" "ق214/ 2" بسند صحيح عنها. 5- أخرجه مسلم في "صحيحه" "4/ 195 و96 و8/ 203"، ووجه دلالة الحديث على أن الوجه ليس بعورة ظاهر؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار -وهو غطاء الرأس- فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص، فأمرها عليه الصلاة السلام بما هو الأحوط لها، وهو الانتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنه لا يراها إذا وضعت خمارها، وحديث: "أفعمياوان أنتما؟! " ضعيف الإسناد، منكر المتن؛ كما حققته في "الضعيفة" "5958". ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم: "إذا وضعت خمارك"؛ أي: إذا حطته؛ كما في كتب اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فصليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى صلاته جلس على المنبر فقال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًّا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال"، الحديث. وينبغي أن يعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته -صلى الله عليه وسلم- لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدث بحديث تميم الداري وأنه جاء وأسلم. وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع فدل ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب فالحديث إذن نص على أن الوجه ليس بعورة. 6 - "صحيح" عن ابن عباس رضي الله عنهما:   6- أخرجه البخاري "2/ 273"، ومن طريقه ابن حزم "3/ 217"، وأبو داود "1/ 174"، وعنه البيهقي "3/ 307"، والنسائي "1/ 227"، وأحمد "1/ 331"، والزيادة مع الرواية الأخرى له. وكذا ابن الجارود في "المنتقى" "رقم 263"، وابن خزيمة في "صحيحه" "2/ 356/ 1458"؛ قال ابن حزم بعد أن استدل بآية الضرب بالخمار على أن الوجه ليس بعورة: "فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره". قلت: وفي مبايعته -صلى الله عليه وسلم- النساء في هذه القصة، دليل على أنها وقعت بعد فرض الجلباب؛ لأنه إنما فرض في السنة الثالثة، وآية المبايعة نزلت في السنة السادسة كما يأتي تحقيقه صفحة "74"، ويؤيده ما ذكر في "الفتح" "2/ 377" أن شهود ابن عباس القصة كان بعد فتح مكة، ويشهد له ما سيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 "قيل له: شهدت العيد مع النبي -صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى [قال: فنزل1 نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم] ثم أتى النساء ومعه بلال [فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} ، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها ثم قال حين فرغ منها: "أنتن على ذلك؟ "، فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله قال:] فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة [قال: فبسط بلال ثوبه ثم قال: هلم لكن فداكن أبي وأمي] فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه، "وفي رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم" في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته".   1 قلت: فيه إشارة إلى أنه خطب على شيء مرتفع، فلعله كان يومئذ على راحلته. وإنما لم نقل: "على المنبر"؛ لأن خطبته على المنبر في العيد غير معروف عند العلماء؛ كما جزم بذلك ابن القيم والحافظ وغيرهما، وإنما كان يخطب قائمًا على الأرض كما في حديث جابر الأول "ص60": "ثم قام متوكئًا على بلال .... ". قال ابن القيم في "زاد المعاد" "1/ 445": "ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه، ولم يكن يخرج منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائمًا على الأرض". ثم ساق حديث جابر، ثم حديث ابن عباس هذا، وحديثًا آخر لجابر مثل حديث ابن عباس، ثم قال: "1/ 447": "وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر أو على راحلته، ولعله كان قد بني له = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 7 - عن سُبَيْعَةَ بنت الحارث: أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وكان بدريًّا، فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلَّت1، من نفاسها وقد اكتحلت [واختضبت وتهيأت] فقال لها: اربعي2 على نفسك -أو نحو هذا- لعلك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك قالت: فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك فقال: "قد حللت حين وضعت".   = منبر من لبن أو طين أو نحوه؟ قيل: لا ريب في صحة هذين الحديثين، ولا ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد، وأول من أخرجه مروان بن الحكم، فأنكر عليه، فأما منبر اللبن والطين؛ فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة، كما هو في "الصحيحين"، فلعله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في المصلى على مكان مرتفع، أو دكان، وهي التي تسمى مصطبة، ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن، فيخطبهن، فيعظهن ويذكرهن. والله أعلم". 7- أخرجه الإمام أحمد "6/ 432" من طريقين عنها أحدهما صحيح، والآخر حسن، وأصله في الصحيحين وغيرهما، وفي روايتهما: "تجملت للخطاب". وفيها أن أبا السنابل كان خطبها، فأبت أن تنكحه، وفي رواية النسائي: "تشوَّفت للأزواج". والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة، وكذا الوجه أو العينين على الأقل، وإلا لما جاز لسبيعة -رضي الله عنها- أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل، ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه. وراجع لهذا "النظر في أحكام النظر" للحافظ ابن القطان "ق67/ 2-68/ 2". 1 أي خرجت من نفاسها وسلمت. 2 بهمزة وصل وبفتح الباء، أي: ارفقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 8 - عن عائشة -رضي الله عنها: "أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تبايعه ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت". 9 - عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. 10 - وعن ابن عباس أيضًا، قال: "كانت امرأة تصلي خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى:   8- حديث حسن أو صحيح، أخرجه أبو داود "2/ 190"، وعنه البيهقي "ص/ 86"، والطبراني في "الأوسط" "1/ 219/ 2/ 3918 -بترقيمي"، وله شواهد كثيرة أوردتها في "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب". 9- أخرجه البخاري "10/ 94"، ومسلم "8/ 16"، وأحمد "رقم 3240". 10- رواه أصحاب "السنن" وغيرهم كالحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو مخرج عندي في كتابي "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب" "الصلاة"، وفي "الصحيحة" "2472"، وصححه الشيخ أحمد شاكر "4/ 278". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ". 11 - عن ابن مسعود قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيبًا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها". 12 - عن عبد الله بن محمد عن امرأة منهم قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا آكل بشمالي وكنت امرأة عسرى فضرب يدي فسقطت اللقمة فقال: "لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينا"، أو قال: "وقد أطلق الله عز وجل لك يمينا".   = قلت: وهذا قاطع في إبطال قول الشيخ التويجري "ص170": "من كانت بحضرة الرجال الأجانب؛ فعليها أن تستر وجهها عنهم، ولو في الصلاة"! ومثله ما نقله عن أحمد -رحمه الله- أنه قال: "المرأة تصلي ولا يرى منها شيء ولا ظفرها"!! وهل هذا ممكن يا عباد الله؟! فإنه لا بد لها أن ترفع يديها مع التكبير، وأن تضعهما في الركوع والسجود والتشهد! وينقضه الإجماع الذي نقله ابن بطال فيما تقدم "63". 11- أخرجه الدارمي عن ابن مسعود، واللفظ له، ومسلم، وابن حبان، وغيرهما؛ عن جابر، وصححه ابن القطان في "النظر" "ق18/ 12"، وأحمد عن أبي كبشة الأنماري، وهو مخرج في "الصحيحة" "235". 12- أخرجه أحمد في "مسنده" "4/ 69 و5/ 380"، وقال الهيثمي في "المجمع" "5/ 26": = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 13 - عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: جاءت بنت هبيرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي يدها فتخ من ذهب [أي: خواتيم كبار] فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يضرب يدها بعصية معه يقول: "أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟ "، الحديث. ففي هذه الأحاديث دلالة على جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها فهي تؤيد حديث عائشة المتقدم وتبين أن ذلك هو المراد بقوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] كما سبق "ص51" على أن قوله تعالى فيما بعد: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] يدل على ما دلت عليه بعض الأحاديث السابقة من عدم وجوب ستر المرأة لوجهها؛ لأن "الخمر" جمع خمار وهو ما يغطى به الرأس1. و"الجيوب" جمع   = "رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات". قلت: رجاله ثقات كما قال؛ رجال الشيخين؛ غير عبد الله بن محمد، وهو ابن عقيل المدني -فيما أظن- وهو حسن الحديث. 13- قلت: وإسناده صحيح، رغم أنف المكابرين من الجمهوريين والمتبعين لأهوائهم، وقد صححه ابن حزم والحاكم والذهبي والمنذري والعراقي؛ كما حققته في "آداب الزفاف" "ص17-30-ط. عمان"، ثم رأيت ابن القطان في "الوهم والإيهام" "1/ 278/ 2" قد مال إلى تصحيحه أيضًا. 1 كذا في "النهاية" لابن الأثير، و"تفسير الحافظ ابن كثير"، و"فتح القدير" للشوكاني، وغيرهم من أهل العلم والمعرفة باللغة العربية وآدابها، وقال الحافظ في "الفتح" "8/ 490": "والخمار للمرأة كالعمامة للرجل". وهو أمر لا نعلم فيه خلافًا، ولا ينافيه ما جاء في ترجمة القاضي أبي علي = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 "الجيب"، وهو موضع القطع من الدرع والقميص وهو من الجوب وهو القطع فأمر تعالى بلَيِّ الخمار على العنق والصدر فدل على وجوب سترهما ولم يأمر بلبسه على الوجه فدل على أنه ليس بعورة ولذلك قال ابن حزم في "المحلى" "3/ 216 - 217": "فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك".   = التنوخي أنه أنشد: قل للمليحة في الخمار المذهب ... أفسدت نسك أخي التقي المذهب نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبًا لوجهك كيف لم يتلهب فقد وصفها بأن خمارها كان على وجهها أيضًا. فأقول: لا ينافي هذا ما ذكرنا من معنى الخمار؛ لأنه لا يلزم من تغطية الوجه به أحيانًا، أن ذلك من لوازمه عادة، كلا، ألا ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حمل صفية وراءه جعل رداءه على ظهرها وجهها كما يأتي "ص94". وأن عائشة قالت في قصة الإفك: "فخمرت وجهي بجلبابي" كما سيأتي "ص106"، فهل يمكن أن يؤخذ من ذلك أن الرداء والجلباب ثوبان يغطيان الوجه عادة؟! فكذلك وصف الشاعر للمليحة بما سبق لا يمكن أن يؤخذ منه تعريف الخمار وأنه ما يغطى به الرأس والوجه معًا! غاية ما يقال أنه قد يغطى به الوجه، كما قد يغطى بأي شيء آخر من الثياب كالرداء والجلباب والبردة وغيرها. وهذا كله يقال على افتراض أن وصف الشاعر للمليحة كان وصفًا حقيقيًّا. وغالب الظن أنه وصف شعري خيالي، فلا يمكن حينئذ أن يؤخذ منه معنى حقيقي يعتمد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 إبطال دعوى أن هذه الأدلة كلها كانت قبل فرضية الجلباب: أقول: فإن قيل: إن ما ذكرته واضح جدًّا غير أنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل فرض الجلباب فلا يصح الاستدلال حينئذ إلا بعد إثبات وقوعه بعد الجلباب. وجوابنا عليه من وجهين. الأول: أن الظاهر من الأدلة أنه وقع بعد الجلباب وقد حضرنا في ذلك حديثان: الأول: حديث أم عطية -رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد قالت أم عطية: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها". متفق عليه. ففيه دليل على أن النساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن وعليه فالمرأة السفعاء الخدين كانت متجلببة. ويؤيده الحديث الآتي وهو: الحديث الثاني: حديثها أيضًا قالت: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلم عليهن، فرددن السلام فقال: "أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكن"، فقلن: مرحبًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبرسوله فقال: "تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين في معروف؟ "، فقلن: نعم فمد عمر يده من خارج الباب، ومددن أيديهن من داخل، ثم قال: "اللهم اشهد"، وأمرنا "وفي رواية: فأمرنا" أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 نخرج في العيدين العتق والحيض ونهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا فسألته عن البهتان وعن قوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ؟ قال: هي النياحة"1. ووجه الاستشهاد به إنما يتبين إذا تذكرنا أن آية بيعة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] إنما نزلت يوم الفتح كما قال مقاتل "الدر" "6/ 209" ونزلت بعد آية الامتحان كما أخرجه ابن مردويه عن جابر "الدر" "6/ 211" وفي "البخاري" عن المسور أن آية الامتحان نزلت في يوم الحديبية وكان ذلك سنة ست على الصحيح كما قال ابن القيم في "الزاد" وآية الحجاب إنما نزلت سنة ثلاثة وقيل: خمس حين بنى -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش كما في ترجمتها من "الإصابة". فثبت من ذلك أن أمر النساء بالخروج إلى العيد إنما كان بعد فرض   1 أخرجه البخاري في "التاريخ" "1/ 1/ 361"، وأحمد في "المسند" "6/ 408-409"، والبيهقي "3/ 184"، والضياء المقدسي في "المختارة" "1/ 104-105/ 1"؛ من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية، وقال: "رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما". قلت: وإسماعيل هذا أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "1/ 1/ 185"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، ووثقه ابن حبان "4/ 18"، وفي "التقريب": "مقبول". فمثله يستشهد به، ولا سيما وقد حسن إسناده الذهبي في "مختصر البيهقي" "133/ 2". وأصل قبض اليد ثابت في "صحيح البخاري" "4892"، وفي "كبير الطبراني" "24/ 182 و46342" من طرق لا ينكره إلا مكابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الجلباب، ويؤيده أن في حديث عمر أنه لم يدخل على النساء وإنما بايعهن من وراء الباب وفي هذه القصة أبلغهن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء بأن يخرجن للعيد وكان ذلك في السنة السادسة عقب رجوعه -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية بعد نزول آية الامتحان والبيعة كما تقدم وبهذا تعلم معنى قول أم عطية في أول حديثها الثاني: "لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة" أي: من الحديبية ولا تعني قدومه إليها من مكة مهاجرًا كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. فتأمل. الوجه الآخر: إذا فرضنا عجزنا عن إثبات ما ذكرنا فإن مما لا شك فيه عند العلماء أن إقراره -صلى الله عليه وسلم- المرأة على كشف وجهها أمام الرجال دليل على الجواز وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أن الأصل بقاء كل حكم على ما كان عليه حتى يأتي ما يدل على نسخه ورفعه ونحن ندعي أنه لم يأت شيء من ذلك هنا بل جاء ما يؤيد بقاءه واستمراره كما سترى فمن ادعى خلاف ذلك فهو الذي عليه أن يأتي بالدليل الناسخ وهيهات هيهات. على أننا قد أثبتنا فيما تقدم من حديث الخثعمية أن الحادثة كانت في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي كانت بعد فرض الجلباب يقينًا وما أجابوا عنها تقدم إبطاله بما لا يبقي شبهة. ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} الآية [النور: 30-31] فإنها تشعر بأن في المرأة شيئًا مكشوفًا يمكن النظر إليه فلذلك أمر تعالى بغض النظر عنهن وما ذلك غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الوجه والكفين. ومثلها قوله -صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس بالطرقات، فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" 1. وقوله: "يا علي! لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" 2.   1 أخرجه البخاري "11/ 9"، ومسلم "7/ 3"، وأبو داود "2/ 291"، والبيهقي "7/ 89"، وأحمد "3/ 36"؛ من حديث أبي سعيد الخدري، ومسلم وأحمد "4/ 30"؛ من حديث أبي طلحة الأنصاري. 2 أخرجه أبو داود "1/ 335"، والترمذي "4/ 14"، والطحاوي في "شرح الآثار" "2/ 8-9"، وفي "المشكل" "2/ 352"، والحاكم "3/ 194"، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والبيهقي "7/ 90"، وأحمد "5/ 353 و357" من طريق شريك عن أبي ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه رفعه. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك". قلت: وهو ابن عبد الله لا نعرفه إلا من حديث شريك". قلت: وهو ابن عبد الله القاضي، وهو سيئ الحفظ، لكنه قد توبع، فقد أخرج الطحاوي في كتابيه، والحاكم "3/ 123"، وأحمد "رقم 1369 و1373" من طريق حماد بن سلمة: حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن سلمة بن أبي الطفيل عن علي بن أبي طالب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: فذكر الحديث. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، لكن الحديث حسن بهذين الطريقين، ويشهد له الحديث الذي بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وعن جرير بن عبد الله قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة؟ فأمرني -صلى الله عليه وسلم- أن أصرف بصري"1. هذا؛ وقد ذكر القرطبي "12/ 230" وغيره في سبب نزول هذه الآية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] . "أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رءوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر كما يصنع النبط فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك. فأمر الله تعالى بلَيِّ الخمار على الجيوب". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها "وفي رواية: أخذن أُزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها"2.   1 أخرجه مسلم "6/ 182"، وأبو داود "1/ 335"، والترمذي "4/ 14"، والدارمي "2/ 278"، والطحاوي في كتابيه السابقين، والبيهقي "7/ 89-90"، وكذا الحاكم "2/ 396"، وأحمد "4/ 358، 361". 2 أخرجه البخاري "2/ 182 و8/ 397"، وأبو داود، واستدرك الحاكم "4/ 194" الرواية الثانية على الشيخين، فوهم في استدراكه على البخاري، ورواه ابن أبي حاتم بلفظ أكمل بسنده عن صفية بنت شيبة، قال: بينا نحن عند عائشة قالت: فذكرن نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة -رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلًا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، وأشد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وعن الحارث بن الحارث الغامدي قال: " [قلت لأبي ونحن بمنى:] ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم قال: فنزلنا "وفي رواية: فتشرفنا" فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به وهم يردون عليه [قوله] ويؤذونه حتى انتصف النهار وتصدع عنه الناس وأقبلت امرأة قد بدا نحرها [تبكي] تحمل قدحًا [فيه ماء] ومنديلًا فتناوله منها وشرب وتوضأ ثم رفع رأسه [إليها] فقال: "يا بنية خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك [غلبة ولا ذلا] "، قلت: من هذه؟ قالوا: [هذه] زينب بنته"1.   = تصديقًا لكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، فقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل، فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[يصلين الصبح] معتجرات كأن على رءوسهن الغربان. وذكره ابن كثير، والحافظ في "الفتح" "8/ 490" والزيادة منه، وفي سنده الزنجي بن خالد، واسمه مسلم، وفيه ضعف، لكنه قد توبع عند ابن مردويه في "تفسيره" كما في "تخريج الكشاف" للزيلعي "ص435 -مخطوط". والحديث كالنص على أنهن قمن وراءه -صلى الله عليه وسلم- كاشفات الوجوه؛ لأن الاعتجار بمعنى الاختمار ففي "الصحاح": "والمعجر: ما تشده المرأة على رأسها، يقال: اعتجرت المرأة". 1 أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" "1/ 245/ 2"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "4/ 46-1/ 243-1"، والزيادات له، وقال: "رواه البخاري في: "التاريخ" مختصرًا، وأبو زرعة، وقال: هذا الحديث صحيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ثم إن قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] ؛ يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أيضًا. وإلا لاستطاعت إحداهن أن تبدي ما تخفي من الزينة "وهي الخلاخيل" ولاستغنت بذلك عن الضرب بالرجل ولكنها كانت لا تستطيع ذلك، لأنه مخالفة للشرع مكشوفة ومثل هذه المخالفة لم تكن معهودة في عصر الرسالة ولذلك كانت إحداهن تحتال بالضرب بالرجل لتعلم الرجال ما تخفي من الزينة فنهاهن الله تعالى عن ذلك وبناء على ما أوضحنا قال ابن حزم في "المحلى" "3/ 216": "هذا نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه". ويشهد لهذا من السنة حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرًا" 1، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال: "فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه". أخرجه الترمذي "3/ 47" وقال: "هذا حديث حسن صحيح"2.   1 أي: من نصف الساقين، وقيل: من الكعبين. 2 وأخرجه غيره أيضًا، وقد تكلمنا عليه في كتابنا الذي لم يتم "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب"، ثم في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" "1864". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار؛ لأنه يكون أستر لهن وقال البيهقي: "وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها"1. وعلى هذا جرى العمل من النساء في عهده -صلى الله عليه وسلم- وما بعده وترتب عليه بعض المسائل الشرعية فقد أخرج مالك وغيره عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ قالت أم سلمة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يطهره ما بعده". وعن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: "قلت: يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: "أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ "، قالت: قلت: بلى، قال: "فهذه بهذه" 2.   1 وذكر نحوه الشوكاني في "نيل الأوطار" "2/ 59". قلت: ومن خالف هذا فقال: إن القدمين ليسا من العورة كما فعل الأستاذ المودودي في تعقيبه على ص21، فليس معه دليل. ومن العجيب أنه ذكر قبل ذلك في كتاب "الحجاب" ما يخالفه ويوافق ما ذهبنا إليه، حيث قال "ص331" في حدود العورة للنساء: "فأمرن أن يخفين كل جسمهن غير الوجه واليدين"، فلم يستثن القدمين، وهذا هو الصواب. فما الذي حمل الأستاذ على العدول عنه؟! 2 أخرج هذا والذي قبله أبو داود في "سننه"، وهذا إسناده صحيح، وصححه المنذري، وما قبله صحيح لغيره، وصححه ابن العربي، وحسنه ابن حجر الهيتمي، وقد بينت ذلك في "صحيح سنن أبي داود "رقم 407 و408". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ومن أجل ذلك كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات كما جاء في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" "ص 59"1. ثم إن الله تعالى بعد أن بين في الآية السابقة -آية النور- ما يجب على المرأة أن تخفي من زينتها أمام الأجانب ومن يجوز أن تظهرها أمامهم أمرها في الآية الأخرى إذا خرجت من دارها أن تلتحف فوق ثيابها وخمارها بالجلباب أو الملاءة؛ لأنه أستر لها وأشرف لسيرتها وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . [الأحزاب: 59] . ولما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من   1 هو لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية الحراني رحمه الله، وهو كتاب نفيس في بابه لا نظير له في موضوعه، وسننقل عنه فوائد كثيرة عند الكلام على "الشرط السابع"، فانظر كيف تغير الحال، وانعكس الأمر، حتى صارت المسلمات يتباهين بالتشبه بمن كن يمنعن من التشبه بالمسلمات بالكشف عن سوقهن، وعما هو أكثر من ذلك، وهذا كله مصداق قوله عليه الصلاة والسلام: "لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة". انظر الحديث رقم 2 من الشرط المشار إليه آنفًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الأكسية1. والجلباب: هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال2، وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها كما روى الشيخان وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق3، والحيَّض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير   1 أخرجه أبو داود "2/ 182" بإسناد صحيح، وأورده في "الدر" "5/ 221" برواية عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث أم سلمة بلفظ: "من أكسية سود يلبسنها". "والغربان": جمع غراب شبهت الأكسية في سوادها بالغربان. 2 وقد قيل في تفسيره سبعة أقوال أوردها الحافظ في "الفتح" "1/ 336"؛ وهذا أحدها، وبه جزم البغوي في "تفسيره" "3/ 544"، فقال: "هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار". وقال ابن حزم "3/ 217": "والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه". وصححه القرطبي في "تفسيره"، وقال ابن كثير "3/ 518". "هو الرداء فوق الخمار، وهو بمنزلة الإزار اليوم". قلت: ولعله العباءة التي تستعملها اليوم نساء نجد والعراق ونحوهما. 3 جمع العاتق، وهي الشابة أول ما تدرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها". قال الشيخ أنور الكشميري في "فيض الباري" "1/ 388" تعليقًا على هذا الحديث: "وعلم منه أن الجلباب مطلوب عند الخروج، وأنها لا تخرج إن لم يكن لها جلباب". والجلباب رداء ساتر من القرن إلى القدم. وقد مر مني أن الخمر في البيوت والجلابيب عند الخروج وبه شرحت الآيتين في الحجاب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] والثانية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] ". وقال في المكان الذي أشار إليه "1/ 256" بعد أن فسر الجلباب والخمار بنحو ما تقدم: "فإن قلت: إن إدناء الجلباب يغني عن ضرب الخمر على جيوبهن قلت: بل إدناء الجلباب فيما إذا خرجت من بيتها لحاجة وضرب الخمر في عامة الأحوال فضرب الخمر محتاج إليه". قلت: وتقييده الخمر بالبيوت فيه نظر؛ لأنه خلاف الظاهر من الآية الأولى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} ... {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] فإن النهي عن الضرب بالأرجل قرينة واضحة على أن الأمر بضرب الخمر خارج الدار أيضًا وكذلك قوله في صدر الآية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} . .. الآية [النور: 31] فالحق الذي يقتضيه العمل بما في آيتي النور والأحزاب أن المرأة يجب عليها إذا خرجت من دارها أن تختمر وتلبس الجلباب على الخمار؛ لأنه كما قلنا سابقًا أستر لها وأبعد عن أن يصف حجم رأسها وأكتافها وهذا أمر يطلبه الشارع كما سيأتي بيانه عند الكلام على "الشرط الرابع" والذي ذكرته هو الذي فسر به بعض السلف آية الإدناء ففي "الدر" "5/ 222". "وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قال: يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت به رأسها ونحرها". واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخل به جماهير النساء المسلمات فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رءوسهن أو الخمار وقد يكون غير سابغ في بعضهن كالذي يسمى اليوم بـ"الإشارب" بحيث ينكشف منهن بعض ما حرم الله عليهن أن يظهرن من زينتهن الباطنة كشعر الناصية أو الرقبة مثلًا. وإن مما يؤكد وجوب هذا الجمع حديث ابن عباس: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية واستثنى من ذلك: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} الآية. وتمام الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: "أن يضعن من ثيابهن"؛ قال: الجلباب. وكذا قال ابن مسعود1. قلت: فهذا نص في وجوب وضع الجلباب على الخمار على جميع النساء إلا القواعد منهن "وهن اللاتي لا يطمع فيهن لكبرهن" فيجوز لهن أن لا يضعن الحجاب على رءوسهن. أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن يتنبهن من غفلتهن ويتقين الله في أنفسهن ويضعن الجلابيب على خمرهن؟! ومن الغريب حقًّا أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم -فيما علمت- عن لباس المرأة مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة مع كون ذلك مما اختلف فيه والصواب خلافه كما تراه مفصلًا في هذا الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ثم إن قوله: "والجلابيب عند الخروج" لا مفهوم له إذ إن الجلباب لستر زينة المرأة عن الأجانب فسواء خرجت إليهم أو دخلوا عليها فلا بد على كل حال من أن تتجلبب ويؤيد هذا ما قاله قيس بن زيد: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة بنت عمر ... فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها، فتجلببت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل أتاني فقال لي:   1 أخرجه أبو داود "4111" بسند جيد، وعنه البيهقي "7/ 93"، والرواية الأخرى له، وسندها صحيح، وكذا روايته عن ابن مسعود، وهي عند ابن جرير من طرق "18/ 127"، وتأكيدًا للوجوب راجع أثر عائشة وابن عمر "ص134-135". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة" 1. هذا ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ويحتمل   1 أخرجه ابن سعد "8/ 58"، والطبراني في "الكبير" "18/ 365/ 934" عن حماد بن سلمة قال: أخبرنا أبو عمران الجوني عنه. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير قيس بن زيد مختلف في صحبته، قال ابن عبد البر: "يقال: إن حديثه مرسل له صحبة". وقال الحافظ في الإصابة: "تابعي صغير أرسل حديثًا فذكره جماعة -منهم الحارث بن أبي أسامة- في الصحابة. وذكره ابن أبي حاتم وغيره في التابعين تبعًا للبخاري". فالحديث مرسل. وقال الهيثمي "9/ 245": "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح". وأخرجه الحاكم "4/ 15"، وذكر له شاهدًا من حديث أنس، فيتقوى به إن شاء الله، لكن ليس فيه ذكر "التجلبب"، ورواه ابن سعد مختصرًا بسند صحيح. وأخرج ابن سعد أيضًا "8/ 63" من طريق حبيب بن أبي ثابت قال: قالت أم سلمة: لما انقضت عدتي من أبي سلمة، أتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فكلمني بيني وبينه حجاب، فخطب إلى نفسي. الحديث. لكن الظاهر أن الحجاب في هذه الرواية ليس هو الثوب الذي تتستر به المرأة، وإنما هو ما يحجب شخصها من جدار أو ستار أو غيرهما، وهو المراد من قوله تعالى في [الأحزاب: 53] : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} ...... {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ، وقد صح عن عائشة أنها كانت إذا صلّت تجلببت كما يأتي "ص135"، فدل على أن الجلباب ليس خاصًّا بالخروج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 أن يكون أعم من ذلك فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين وساق أقوالهم قي ذلك ابن جرير في "تفسيره" والسيوطي في "الدر المنثور" ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا فنكتفي بالإشارة إليها ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما1. ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور:   1 تنبيه: وأما قول الأستاذ الفاضل المودودي في "الحجاب" "ص366" بعد أن ساق الآية: "نزلت خاصة في ستر الوجه"! فهو فيما علمت مما لم يسبقه أحد من أهل العلم إليه، ولا يوجد له مستند يصلح للاعتماد عليه، اللهم إلا أثر عن كعب القرظي، فإن فيه ما قد يمكن أن يؤخذ منه ما ذكر الأستاذ، ويمكن أن يكون تفسيرًا من القرظي للآية، ومع هذا فإن السند بذلك ضعيف جدًّا لا يجوز الاحتجاج به والاستناد إليه، ويأتي بيان ذلك في الكتاب قريبًا إن شاء الله تعالى. وكذلك لا يصح ما أورده الأستاذ أيضًا عن ابن عباس في تفسير الآية قال: "أمر الله تعالى نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من "فوق رءوسهن" بالجلابيب". وعزاه للطبري "22/ 33"، ولم يسقه بتمامه، وتمامه فيه: "ويبدين عينًا واحدة"!. أقول: لا يصح هذا عن ابن عباس؛ لأن الطبري رواه من طريق علي عنه. وعلي هذا هو ابن أبي طلحة كما علقه عنه ابن كثير، وهو مع أنه تكلم فيه بعض الأئمة، لم يسمع من ابن عباس، بل لم يره، وقد قيل: بينهما مجاهد، فإن صح هذا في هذا الأثر؛ فهو متصل، لكن في الطريق إليه أبو صالح، واسمه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف، وقد روى ابن جرير عن ابن عباس خلاف هذا، ولكنه ضعيف الإسناد أيضًا. لكن وقفنا على إسناد آخر له صحيح استدركته فيما تقدم "ص59"، والحمد لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الأول: أن القرآن يفسر بعضه بعضًا. وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقًا بين الآيتين. الآخر: أن السنة تبين القرآن فتخصص عمومه وتقيد مطلقه وقد دلت النصوص الكثيرة منها1 على أن الوجه لا يجب ستره فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها وتقييدها بها. فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره، وهو مذهب أكثر العلماء كما قال ابن رشد في "البداية" "1/ 89" ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد كما في "المجموع" "3/ 169" وحكاه الطحاوي في "شرح المعاني" "2/ 9" عن صاحِبَي أبي حنيفة أيضًا، وجزم في "المهمات" من كتب الشافعية أنه الصواب كما ذكره الشيخ الشربيني في "الإقناع" "2/ 110". لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيء من الزينة لعموم قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] وإلا وجب ستر ذلك ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة مما لا يشك مسلم -بل عاقل ذو غيرة- في تحريمه وليس من ذلك الكحل والخضاب لاستثنائهما في الآية كما تقدم. ويؤيد هذا ما أخرجه ابن سعد "8/ 238 - 239" من طريق سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأة عن أخت حذيفة وكان له أخوات   1 انظر الأحاديث المتقدمة "رقم 1-13/ ص60-72". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قد أدركن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر النساء أليس لكن في الفضة ما تحلين؟ أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبًا تظهره إلا عذبت به"، قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد فقال: قد أدركتهن وإن إحداهن لتتخذ لكمها زرًّا تواري خاتمها. وليس استشهادي في هذه الرواية بالحديث المرفوع وإن كان صريحًا في ذلك؛ لأن في إسناده المرأة التي لم تسم- وإنما هو بقول مجاهد: "تواري خاتمها" فهو نص صريح فيما ذكرت والحمد لله على توفيقه. ثم رأيت قول مجاهد بسند آخر صحيح عنه في "مسند أبي يعلى" "6989". هذا وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب عرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة فإن هذا مما يطمع الفساق فيها والتحرش بها، كما هو مشاهد في كل عصر ومصر. فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعًا بالحجاب سدًّا للذريعة. وأما ما أخرجه ابن سعد "8/ 176": أخبرنا محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن أبي صخر عن ابن كعب القرظي قال: "كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له؟ قال: كنت أحسبها أمة فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 عليهن من جلابيبهن". فلا يصح بل هو ضعيف جدًّا لأمور: الأول: أن ابن كعب القرظي -واسمه محمد- تابعي لم يدرك عصر النبوة فهو مرسل. الثاني: أن ابن أبي سبرة وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ضعيف جدًّا قال الحافظ في "التقريب": "رموه بالوضع". والثالث: ضعف محمد بن عمر وهو الواقدي وهو مشهور بذلك عند المحدثين بل هو متهم. وفي معنى هذه الرواية روايات أخرى أوردها السيوطي في "الدر المنثور" وبعضها عند ابن جرير وغيره وكلها مرسلة لا تصح؛ لأن منتهاها إلى أبي مالك وأبي صالح والكلبي ومعاوية بن قرة والحسن البصري ولم يأت شيء منها مسندًا فلا يحتج بها ولا سيما أن ظاهرها مما لا تقبله الشريعة المطهرة ولا العقول النيرة؛ لأنها توهم أن الله تعالى أقر إماء المسلمين -وفيهن مسلمات قطعًا- على حالهن من ترك التستر ولم يأمرهن بالجلباب ليدفعن به إيذاء المنافقين لهن. ومن العجائب أن يغتر بعض المفسرين بهذه الروايات الضعيفة فيذهبوا بسببها إلى تقييد قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] بالحرائر دون الإماء وبنوا على ذلك أنه لا يجب على الأمة ما يجب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الحرة من ستر الرأس والشعر بل بالغ بعض المذاهب فذكر أن عورتها مثل عورة الرجل: من السرة إلى الركبة وقالوا: "فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها"1. وهذا -مع أنه لا دليل عليه من كتاب أو سنة- مخالف لعموم قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] فإنه من حيث العموم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية [النساء: 43] ولهذا قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: "البحر المحيط" "7/ 250": "والظاهر أن قوله: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر؛ فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح". وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن القطان في "أحكام النظر" "ق 24/ 2" وغيره. وما أحسن ما قال ابن حزم في "المحلى" "3/ 218 - 219": "وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله واحد والخلقة والطبيعة واحدة كل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما   1 أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" "3/ 390". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 في شيء فيوقف عنده". قال: "وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} ؛ إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك؛ لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق، فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يتعرضوهن"1. ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد الذي هو إما زلة عالم أو وهلة فاضل عاقل أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين وهذه مصيبة الأبد، وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة، وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة، ولا فرق وأن تعرض الحرة في التحريم   1 ومن نتائج هذا المذهب أن الجلباب لا يؤمر به أصلًا حين لا يتعرض الفساق، أو حين لا توجد إماء كما في هذا العصر، لانتفاء العلة! وإذا انتفت العلة انتفى المعلول، وقد صرح بهذا بعض من كتب في موضوع المرأة من المعاصرين، فقال في رسالة "القرآن والمرأة" "ص59". "وننبه على أن الروايات قد ذكرت في شأن آية الأحزاب: أن زي الحرائر والإماء كان واحدًا، وأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء بدون تفريق، فنزلت الآية بالتمييز في الزي بالنسبة للحرائر حتى يعرفن فلا يؤذين بتعرضهم، وبعبارة أخرى: إن الأمر كان لضرورة زمنية خاصة". فكأنه يريد أن يقول: إنه لا ضرورة الآن إلى الجلباب لزوال علته -بزعمه- بزوال الرق، وبقاء النساء كلهن حرائر! فانظر كيف يوصل الجهل بضعف بعض الروايات إلى تعطيل أمر قرآني وآخر نبوي كما تقدم "ص74" في حديث أم عطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 كتعرض الأمة ولا فرق ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بأن يسنده إليه عليه السلام"1. ولا يعارض ما تقدم حديث أنس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير فعرفوا أنه تزوجها "وفي رواية: وسترها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه"2.   1 يشير إلى ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- من التفريق بين الحرة والأمة في التخمر، وقد ساقها الزيلعي في "نصب الراية" "1/ 300"، وأخرجه ابن أبي شيبة "2/ 28/ 1-2"، والبيهقي "2/ 226-227" من بعض الطرق، ثم قال: "والآثار عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ذلك صحيحة". وقد صرح ابن حزم فيما بعد "3/ 221" بأنه لم يخف عليه هذا، قال: "ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم". ويشهد لما قال حديث عائشة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها، فاختبأت مولاة لهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: حاضت؟ فقالوا: نعم، فشق لها من عمامته، فقال: "اختمري بهذا". أخرجه ابن أبي شيبة "2/ 27/ 2" وابن ماجه بسند ضعيف. 2 أخرجه البخاري "7/ 387 و9/ 105"، ومسلم "4/ 146-147"، وأحمد "3/ 123 و246 و264"، وابن سعد "8/ 87" والرواية الأخرى هي رواية له "8/ 86"، واعتمد عليها ابن القيم في "زاد المعاد" "2/ 192"، والحديث أخرجه البيهقي أيضًا "7/ 259". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 نقول: لا مخالفة بين هذا الحديث وبين ما اخترناه من تفسير الآية؛ لأنه ليس فيه نفي الجلباب وإنما فيه نفي "الحجاب" ولا يلزم منه نفي الجلباب مطلقًا إلا احتمالًا ويحتمل أن يكون المنفي الجلباب الذي يتضمن حجب الوجه أيضًا، كما هو صريح قوله في الحديث نفسه: "وجعل رداءه على ظهرها ووجهها"، ويقوي هذا الاحتمال أيضًا ما سيأتي بيانه، فهذه الخصوصية هي التي كان بها يعرف الصحابة حرائره عليه السلام من إمائه، وهي المراد من قولهم المتقدم سلبًا وإيجابًا: "إن يحجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد". فيتضح من هذا أن معنى قولهم: "وإن لم يحجبها" أي: في وجهها فلا ينفي حجب سائر البدن من الأمة وفيه الرأس فضلًا عن الصدر والعنق فاتفق الحديث مع الآية والحمد لله على توفيقه1.   1 وأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "تفسير سورة النور" بعد أن ذكر حديث أنس المتقدم قال "ص56": "والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه؛ أن الحرة تحتجب والأمة تبرز". فغريب؛ ووجه الغرابة عزو ذلك إلى سنة المؤمنين زمن النبي -صلى الله عليه وسلم، أي: إقراره -صلى الله عليه وسلم، ولو صح هذا في نص صريح لكان حجة كافية في صحة دعوى الاختصاص، ودليلًا واضحًا على تخصيص قوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} بالحرائر، ولرجعنا عما حررناه في الأعلى، ولكني لا أراه ورد فضلًا عن أن يصح، وغاية ما في الباب حديث أنس، ولم يورد ابن تيمية غيره، وقد علمت ما فيه. والله أعلم. وقد كنت أود أن لا أدخل في بحث حجاب الأمة بهذا التفصيل؛ لأنه غير ذي موضوع اليوم، لولا أن التحقيق العلمي اقتضى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 والخلاصة أنه يجب على النساء جميعًا أن يتسترن إذا خرجن من بيوتهن بالجلابيب لا فرق في ذلك بين الحرائر والإماء ويجوز لهن الكشف عن الوجه والكفين فقط لجريان العمل بذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع إقراره إياهن على ذلك. ومن المفيد هنا أن نستدرك ما فاتنا في الطبعات السابقة من الآثار السلفية التي تنص على جريان العمل بذلك أيضًا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقول: 1- عن قيس بن أبي حازم قال: "دخلت أنا وأبي على أبي بكر -رضي الله عنه- وإذا هو رجل أبيض خفيف الجسم عنده أسماء بنت عميس تذب عنه وهي [امرأة بيضاء] موشومة اليدين كانوا وشموها في الجاهلية نحو وشم البربر فعرض عليه فرسان فرضيهما فحملني على أحدهما وحمل أبي على الآخر".   1- أخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" "مسند عمر 1/ 114/ 187"، والسياق له، وابن سعد في "الطبقات" "8/ 283"، والطبراني في "الكبير" "24/ 131/ 359"، دون قوله: "كانوا وشموها ... ". وإسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 2- عن أبي السليل قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مِجْنَبَتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه! زعم الحراثون والزراعون أن أفلُسَك هذه بهرجة فقال: يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه. 3 - عن عمران بن حصين قال: كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا إذ أقبلت فاطمة -رحمها الله- فوقفت بين يديه فنظرت إليها وقد ذهب الدم من وجهها فقال: ادني يا فاطمة فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده فوضعها على صدرها موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال: "اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة لا تجع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم". قال عمران: فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم   2- أخرجه ابن سعد "1/ 164"، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 164". قلت: إسناده جيد في الشواهد. 3- أخرجه ابن جرير في "التهذيب" "مسند ابن عباس 1/ 286/ 481"، والدولابي في "الكنى" "2/ 122" بسند لا بأس به في الشواهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 قال عمران: فلقيتها بعد فسألتها؟ فقالت: ما جعت بعد يا عمران! 4 - عن قبيصة بن جابر قال: "كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود [في بيته] في ثلاث نفر فرأى جبينها يبرق فقال: أتحلقينه؟ فغضبت وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك قال: فادخلي عليها فإن كانت تفعله فهي مني بريئة فانطلقت ثم جاءت فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لعن الله الواشمات والمستوشمات .... " إلخ. 5 - عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر [الغفاري رضي الله عنه] وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مُسغِبة ... قال: فقال: "ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء ... ". 6 - وفي "تاريخ ابن عساكر" "19/ 73/ 2" وفي قصة صلب ابن الزبير أن أمه "أسماء بنت أبي بكر" جاءت مسفرة الوجه متبسمة.   4- سنده حسن، وهو مخرج في "آداب الزفاف" "ص115". 5- أخرجه أحمد "5/ 159"، وابن سعد "4/ 236 -طبع بيروت"، وأبو نعيم "1/ 161" بسند صحيح، وله عنده طريق أخرى. و"مسغبة"؛ أي: جائعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 7 - عن أنس قال: دخلَتْ على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنعة به فسألها: عتقت؟ قالت: لا. قال: فما   7- أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" "2/ 231": حدثنا علي بن مسهر عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك.. قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط مسلم، وصححه الحافظ في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" "1/ 124". ثم أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في "المصنف" أيضًا "3/ 136" من طريق قتادة عن أنس قال: "رأى عمر أمة لنا متقنعة، فضربها، وقال: لا تشبَّهي بالحرائر". قال الحافظ: "وإسناده صحيح". قلت: وهو على شرط الشيخين. ثم رواه ابن أبي شيبة من طريق الزهري عن أنس به. وسنده صحيح أيضًا. ورواه الإمام محمد في "الآثار" "ص39 -هندية" من طريق إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء أن يتقنعن؛ يقول: "لا تشبهن بالحرائر". قلت: وهذا إسناد معضل، وفي الإسنادين الموصولين عن أنس كفاية. ثم وجدت له طريقًا رابعًا في "سنن سعيد بن منصور" "3/ 2/ 74". ووجه الاستدلال بهذا الأثر أن عمر -رضي الله عنه- عرف هذه الأمة مع أنها كانت متقنعة بالجلباب؛ أي: متغطية به، وذلك يعني بكل وضوح أن وجهها كان ظاهرًا، وإلا لم يعرفها. وإذ الأمر كذلك؛ فقوله -رضي الله عنه: "إنما الجلباب على الحرائر"؛ دليل واضح جدًّا أن الجلباب ليس من شرطه عند عمر أن يعطي الوجه، فلو أن النساء -كل النساء- كن في العهد الأول يسترن وجوههن بالجلابيب ما قال عمر -رضي الله عنه- ما قال. فليضم إذن هذا الأثر إلى الآثار المتقدمة عن ابنه عبد الله وابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- أن الوجه ليس بعورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 بال الجلباب؟ ضعيه عن رأسك إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين فتلكأت فقام إليها بالدرة فضرب رأسها حتى ألقته عن رأسها. 8- عن عمر بن محمد أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وأباها فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه طُوِّقه في سبع أرضين يوم القيامة". اللهمَّ إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها واجعل قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد ب   8- رواه مسلم "5/ 58"، وأبو يعلى في "مسنده" "2/ 250/ 951". قلت: هذا الأثر يرد على القائلين بأن وجه المرأة عورة، ولا يجوز كشف شيء منها! إلا أن قالوا: إن أجمل ما في المرأة عيناها، وما دام أنها قد عميت؛ فقد ذهب جمالها، وبالتالي لم يبقَ مجال لافتتان الرجال بها! قلنا: وهذا مع كونه يخالف طريق استدلالهم بحديث: "أفعمياوان أنتما؟ " -وهو ضعيف عندنا- فلماذا إذن أبحتم لغير العميان أن تستر وجهها بالنقاب وهو يكشف عن أجمل ما فيها؟!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 زيد. فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. 9- عن عطاء بن أبي رباح قال: رأيت عائشة -رضي الله عنها- تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا. 10- عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: أرسلني علي بن الحسين إلى الرُّبَيِّع بنت معوذ أسألها عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يتوضأ عندها فأتيتها فأخرجت إلَيَّ إناء يكون مدًّا ... فقالت: بهذا كنت أخرج لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوضوء ... الحديث.   9- ذكره عبد الرزاق: حدثنا عمر بن ذر قال: سمعت عطاء بن أبي رباح ... كذا في "التمهيد" لابن عبد البر "17/ 221"، وإسناده صحيح. ولعل متنطعًا يرد دلالة الحديث على أن الكفين ليسا بعورة، فيقول: كانت تلبس القفازين!! 10- أخرجه الحميدي في "مسنده" "1/ 163/ 342"، والطبراني في "المعجم الكبير" "24/ 267/ 677"، وغيرهما. وسنده حسن للخلاف المعروف في ابن عقيل، وكذا قال ابن القطان "2/ 35/ 2". وهو مخرج في "صحيح أبي داود" "117" بنحوه، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "اسكبي لي وضوءًا". وفي رواية للطبراني: "اسكبي على وُضوئي". وفي أخرى: "وكنت أسكب على كفيه ثلاث مرات". فهو على هذا يمكن أن يذكر في الفصل الذي قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 11- عن عروة بن عبد الله بن قشير: أنه دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب قال: فرأيت في يديها مسكًا غلاظًا في كل يد اثنين اثنين. قال: ورأيت في يدها خاتمًا ... إلخ. 12- وعن عيسى بن عثمان قال: كنت عند فاطمة بنت علي فجاء رجل يثني على أبيها عندها فأخذت رمادًا فسفت في وجهه. 13- وعن يحيى بن أبي سليم قال: رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. 14- عن ميمون -هو ابن مهران- قال: دخلت على أم الدرداء فرأيتها مختمرة بخمار صفيق قد ضربت   11 و12- أخرجهما ابن سعد "8/ 466"، وعنه ابن عساكر "19/ 503"، وإسناد الأول صحيح، والآخر جيد، وعيسى بن عثمان ذكره ابن حبان في "ثقاته" "7/ 233"، وروى عنه جمع. 13- أخرجه الطبراني في "الكبير" "24/ 311/ 785" بسند جيد. 14- أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" "19/ 562" من طريق البغوي: نا عيسى بن سالم الشاشي: نا أبو المليح عن ميمون ... قلت: وهذا إسناد صحيح، أبو المليح هو الحسن بن عمر الرقي، وهو ثقة من رجال "التهذيب"، والشاشي وثقه ابن حبان "8/ 494"، وكذا الخطيب في "التاريخ" "11/ 161". وأم الدرداء زوج أبي الدرداء اسمها: هجيمة، وقيل: جهيمة، وهي ثقة فقيهة متعبدة، لها ترجمة واسعة في "التاريخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 على حاجبها. قال: وكان فيه قصر فوصلته بسير. قال: وما دخلت في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية. 15- عن معاوية رضي الله عنه: دخلت مع أبي على أبي بكر-رضي الله عنه- فرأيت أسماء قائمة على رأسه بيضاء ورأيت أبا بكر-رضي الله عنه- أبيض نحيفًا. 16- عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: "جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب فذكرت أن زوجها لا يصل إليها فسأل الرجل فأنكر ذلك وكتب فيه إلى معاوية -رضي الله عنه- قال: فكتب: أن زوجه امرأة من بيت المال لها حظ من جمال ودين ... قال: ففعل ... قال: وجاءت المرأة متقنعة ... "1.   15- أخرجه الطبراني في "الكبير" "1/ 10/ 25" بسند جيد في الشواهد، ورجاله ثقات، غير شيخ الطبراني القاسم بن عباد الخطابي، وقد روى له في "الأوسط" "2/ 3/ 1" أربعة أحاديث، وقال الهيثمي "9/ 42": "ورجاله رجال الصحيح". 16- أخرجه البيهقي "7/ 228"، وسنده حسن. 1 كنت قد وهمت في إيراد هذا الأثر في جملة ما يدل على جريان العمل على ستر الوجه من النساء في العهد الأول، ثم تبين لي أن الأمر على العكس من ذلك؛ لأن التقنع هو ستر المرأة لرأسها دون وجهها؛ كما شرحته في مقدمة هذه الطبعة؛ فهو من الأدلة الكثيرة التي لا ترضي المتعصبين لمذاهبهم والمتشددين في أقوالهم، والله أعلم بسلوكهم مع نسائهم، ولذلك نقلت هذا الأثر إلى هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مشروعية ستر الوجه: هذا ثم إن كثيرًا من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه بل يحرم وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم، ويقابل هؤلاء طائفة أخرى يرون أن ستره بدعة وتنطع في الدين، كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنة في بعض البلاد اللبنانية، فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية: ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة، وقد كان ذلك معهودًا في زمنه -صلى الله عليه وسلم- كما يشير إليه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" 1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "تفسير سورة النور" "ص 56". "وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن".   1 رواه البخاري "4/ 42"، والنسائي "2/ 9 و10"، والبيهقي "5/ 46-47"، وأحمد "رقم 6003" عن ابن عمرو مرفوعًا. و"القفاز" ما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها والساعد أحيانًا من البرد، أو عند معاناة الشيء كغزل ونحوه، وهو لليد كالخف أو الجورب للرجل. و"النقاب" الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- كن يحتجبن حتى في وجوههن وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول: 1- عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب1 لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة! أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق -هو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم- فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر: كذا وكذا قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: "إنه أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتكن" 2.   1- أخرجه البخاري "8/ 430-431"، ومسلم "7/ 6-7"، وابن سعد "8/ 125-126"، وابن جرير "22/ 25"، والبيهقي "7/ 88"، وأحمد "6/ 56". 1 تعني حجاب أشخاص نسائه -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ، وهذه الآية مما وافق تنزيلها قول عمر -رضي الله عنه- كما روى البخاري "8/ 428" وغيره عن أنس قال: قال عمر -رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. 2 وفي الحديث دلالة على أن عمر -رضي الله عنه- إنما عرف سودة من جسمها، فدل على أنها كانت مستورة الوجه، وقد ذكرت عائشة أنها كانت -رضي الله عنها- تعرف بجسامتها، فلذلك رغب عمر -رضي الله عنه- أن لا تعرف من شخصها، وذلك بأن لا تخرج من بيتها، ولكن الشارع الحكيم لم يوافقه هذه المرة لما في ذلك من الحرج، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 2- وعنها أيضًا في حديث قصة الإفك قالت: "فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان   = قال الحافظ -رحمه الله- في شرحه للحديث المذكور: "إن عمر -رضي الله عنه- وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام: "احجب نساءك"، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لجاجتهن؛ دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج". وقال القاضي عياض: "فرض الحجاب مما اختصصن به" أي: أمهات المؤمنين"، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات؛ إلا ما دعت إليه ضرورة من براز". قال الحافظ "8/ 530": "ثم استدل بما في "الموطأ" أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها، انتهى. وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في "الحج" قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: "أقبل الحجاب أو بعده؟ " قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب". 2- أخرجه البخاري "8/ 365-388 -بشرح فتح الباري"، ومسلم "8/ 113-118"، وأحمد "6/ 194-197"، وابن جرير "18/ 62-66"، وأبو القاسم الحنائي في "الفوائد" "9/ 142/ 2" وحسنه، والرواية الأخرى مع الزيادة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج1، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرتُ -وفي رواية: فسترتُ- وجهي عنه بجلبابي"، الحديث. 3- عن أنس في قصة غزوة خيبر واصطفائه -صلى الله عليه وسلم- صفية لنفسه قال: "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبر ولم يُعَرِّس بها2، فلما قرب البعير لرسول الله ليخرج وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجله لصفية لتضع قدمها على فخذه فأبت، ووضعت ركبتها على فخذه وسترها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحملها وراءه، وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها، وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه". 4- عن عائشة قالت:   1 من الدلجة بالضم؛ وهو السير من أول الليل. 3- أخرجه ابن سعد "8/ 86-87" من طرق: من حديث أبي هريرة، وأبي غطفان بن طريف المري، وأنس بن مالك، وأم سنان الأسلمية؛ قال ابن سعد: "دخل حديث بعضهم في حديث بعض". قلت: وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أنس نحوه، وقد تقدم مع تخريجه "ص94". 2 أي: لم يدخل بها، يقال: عرس الرجل إذا دخل بامرأته عند بنائها. 4- أخرجه أحمد "6/ 30"، وأبو داود، وابن الجارود "رقم 418"، والبيهقي في "الحج"، وسنده حسن في الشواهد، ومن شواهد الحديث الذي بعده، وكلاهما مخرج في "الإرواء" "1023 و1024". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه". 5- عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام". 6 - عن صفية بنت شيبة قالت: "رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة". 7- عن عبد الله بن عمر قال:   5- أخرجه الحاكم "1/ 454"، وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي، وإنما هو على شرط مسلم وحده؛ لأن زكريا بن عدي في إسناده إنما روى له البخاري في غير "الجامع الصحيح" كما في "التهذيب"، ورواه مالك "1/ 305" عن فاطمة بنت المنذر نحوه. والمراد بـ"نغطي"؛ أي: نسدل؛ كما في الحديث الذي قبله. 6- رواه ابن سعد "8-49"، وكذا عبد الرزاق في "المصنف" "5/ 24-25" عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن صفية. وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن ابن جريج مدلس، وقد عنعنه. 7- أخرجه ابن سعد "8/ 90": أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عنه. وهذا سند رجاله موثوقون، إلا أن فيه انقطاعًا بين ابن أبي الرجال وابن عمر، لكن له شاهدًا عن عطاء مرسلًا نحوه، أخرجه أبو منصور بن عساكر في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" "ص89"، وأخرجه ابن سعد من طريقين آخرين مدارهما على الواقدي، وهو ضعيف كما تقدم، وأخرج أيضًا "8/ 181" من طريقه بإسناده أن هند بنت عتبة كشفت عن نقابها لما بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن منده من طريق أخرى كما في ترجمتها من "الإصابة" "4/ 409". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 "لما اجتلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية رأى عائشة منتقبة وسط الناس فعرفها". 8- عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "أن عمر بن الخطاب أذن لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحج في آخر حجة   8- أخرجه ابن سعد "8/ 152": أخبرنا الوليد بن عطاء بن الأغر المكي: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب ... وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الوليد هذا، وقد أورده الذهبي في "الميزان"، وتبعه الحافظ في "اللسان"، فقالا: "ذكره ابن عدي، وما كان ينبغي له أن يورده، فإنه وثق، ثم ساق له حديثًا، فبرأ ابن عدي منه ساحته". وقد تابعه الواقدي عند ابن سعد أيضًا "8/ 151"، وفي هذا الأثر أن نساءه كن يحجبن أشخاصهن أيضًا، لكن ليس فيه ما يدل على فرضية ذلك عليهن؛ فلا ينافي ما نقلناه آنفًا عن الحافظ أنهن كن يظهرن أمام الصحابة مستترات الأبدان لا الأشخاص؛ لأن ذلك كان لحاجة أو لفائدة دينية، وفي كلام الحافظ نفسه ما يشعر بذلك. والله أعلم. وقد روى أحمد "6/ 219" عن يزيد بن بابنوس قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة، فاستأذنا عليها، فألقت إلينا وسادة، وجذبت إليها الحجاب، فقال صاحبي: يا أم المؤمنين! ما تقولين في العرك ... وسنده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف قال: كان عثمان ينادي: ألا لا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب وكان عثمان وعبد الرحمن بذنب الشعب فلم يصعد إليهن أحد". ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه قد كان معروفًا في عهده -صلى الله عليه وسلم- وأن نساءه كن يفعلن ذلك وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن وإليك مثالين على ذلك: 1- عن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين1 وقد جعلت الجلباب هكذا: وتنقبت به فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ2 غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}   1- أخرجه البيهقي "7/ 93" من طريق سعدان بن نصر حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول ... وهذا إسناد صحيح، وسعدان اسمه سعيد، والغالب عليه سعدان؛ كما قال الخطيب في "تاريخه"، وقد حكى توثيقه عن الدارقطني وغيره. 1 هي أم هذيل الأنصارية البصرية، وهي تابعة فاضلة، قرأت القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي ابنة سبعين. قال إياس بن معاوية: "ما أدركت أحدًا أفضِّله على حفصة". ماتت سنة "101هـ". 2 اختلفت أقوال المفسرين في المراد من هذه الكلمة. فالأكثرون على أنه = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 -هو الجلباب- قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} فتقول: هو إثبات الحجاب"1.   = "الجلباب"؛ كما قالت حفصة هذه. ورواه ابن جرير "18/ 114" عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من التابعين، وصححه القرطبي. وقال جابر بن زيد "وهو ثقة مات سنة 93هـ": إنه "الخمار". رواه ابن جرير، وأبو بكر الجصاص "3/ 411"، ولعل مستنده ما في "القرطبي": "والعرب تقول: امرأة واضع؛ للتي كبرت، فوضعت خمارها". ويؤيده أن هذه الآية ذكرها الله في سورة النور بعد آية أمر النساء بالخمر المتقدمة، وهي مطلقة، فكأن الله تعالى أراد تقييدها، فأورد هذه في السورة ذاتها. والله أعلم. ثم رأيت ابن عباس -رضي الله عنهما- قد صرح بهذا المعنى، وأن آية "القواعد" مستثناة من آية "الخمر". رواه أبو داود "4111"، والبيهقي "7/ 93" بسند حسن عنه. فالظاهر أن جابر بن زيد تلقى ذلك عن ابن عباس؛ فإنه -رحمه الله- من المكثرين عنه، ولعل هذا هو الأليق بلفظ: "ثيابهن"؛ فإنه جمع، وقد رأيت الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- قد تنبه لهذا، فقال في "تفسيره" "5/ 445"، فقال: "أي الثياب الظاهرة كالخمار ونحوه الذي قال الله فيه للنساء: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ". وسبقه إلى هذا الحافظ أبو الحسن بن القطان في "النظر إلى أحكام النظر". 1 وقد احتج لما ذكرنا بعض المتأخرين بما أخرجه أبو داود "1/ 389" من طريق فرج بن فضالة عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: "جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -يقال لها: أم خلاد- وهي منتقبة، تسأل عن ابنها = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ...............................................................................................   = وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أرزأ ابني؛ فلن أرزأ حيائي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ابنك له أجر شهيدين". قالت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: "لأنه قتله أهل الكتاب". فهذا نص صريح في فضيلة النقاب؛ لأنها عدته من الحياء، وأقرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، لكن ما كان لنا أن نحتج بمثل هذا الإسناد، فقد قال البخاري: "عبد الخبير هذا؛ روى عنه فرج بن فضالة، حديثه ليس بالقائم، فرج عنده مناكير". وقال أبو حاتم الرازي: "عبد الخبير حديثه ليس بالقائم، منكر الحديث"؛ كما في "مختصر المنذري" "3/ 359". ومن هذا القبيل ما في ترجمة عبيد بن عمر المكي من "ثقات العجلي" "ص322 -بيروت"؛ قال: "كانت امرأة جميلة بمكة كان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة، فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟! قال: نعم. قالت: من؟ قال: عبيد بن عمير. قال: فأذن لي فلأفتنه! قال: قد أذنت لك، فأتته، فاستفتته، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام، قالت: فأسفرت عن مثل فلقة القمر، فقال لها: يا أمة الله! اتقي الله ... ". تنبيه: مما لا شك فيه أن المراد بالوجه ما تقدم بيانه "ص41"، وكما هو معروف في كتب الفقه أن حده من منبت شعر الرأس إلى أسفل الذقن، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 2- عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري، سنة ست وثمانين ومائتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرًا فأنكر فقال القاضي: شهودك. قال: قد أحضرتهم. فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي. فقال الزوج:   = وهذا هو الذي يمكن أن يفهم مما ذكره أهل اللغة في أصل معنى الوجه، فقال الأصبهاني في "مفرداته": "أصل الوجه الجارحة، ولما كان الوجه أول ما يستقبلك، وأشرف ما في ظاهر البدن، استعمل في مستقبل كل شيء وفي أشرفه ومبدئه". إذا تبين هذا، فقول الأستاذ المودودي في "تعقيبه" "ص21": "أما الوجه، فلا يراد به قرص الوجه فقط، بل هو شامل للأذنين أيضًا بموجب العرف العام". كذا قال، ولا أعرف له وجهًا، بل هو مخالف لما عليه أهل العلم في تحديد الوجه بما سبق، ومباين لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم: $"الأذنان من الرأس". أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بسند صحيح، وله شواهد كثيرة ذكرتها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم "40". 2- أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" "13/ 53". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها. فقال الزوج: وإني أشهد القاضي أن لها عليَّ هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها. فردت المرأة -وأخبرت بما كان من زوجها- فقالت: فإني أشهد القاضي: أن قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة. فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق. فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود وإن كان لا يجب ذلك عليها بل من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. ومما تقدم بيانه يتضح ثبوت الشرط الأول في لباس المرأة إذا خرجت ألا وهو أن يستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها. "فائدة مهمة": قوله تعالى في آية النور المتقدمة في أول هذا الشرط: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [31] يعني: المؤمنات كما قال مجاهد وغيره من السلف خلافًا لبعض المعاصرين فإنه زعم أن المعنى: الصالحات من النساء سواء كنَّ مسلمات أو كافرات! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 قال الشوكاني في "فتح القدير" "4/ 22": "وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات". وقال البيهقي في كتاب "الآداب" "ص 407 - لبنان": "وأما قوله: {نِسَائِهِنَّ} فقد رُوِّينا عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء من أهل الكتاب فامنع ذلك". وفي رواية أخرى: "فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها". قلت: الرواية الأولى عند البيهقي في "السنن" "7/ 95" من طريق عيسى بن يونس: ثنا هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي عن عبادة بن نُسَيّ الكندي قال: كتب عمر ... إلخ. ورواه ابن جرير أيضًا "18/ 95". قلت: ورجاله ثقات لكنه منقطع فإن عبادة لم يدرك عمر -رضي الله عنه- بينهما نُسَي والد عبادة. هكذا رواه سعيد بن منصور في "سننه" كما في "تفسير ابن كثير" "3/ 284" ومن طريقه البيهقي: ثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نُسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال: كتب عمر ... إلخ. الرواية الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ورجاله ثقات غير نُسي فإنه لم يوثقه غير ابن حبان "5/ 482". وقال الحافظ في "التقريب": "مجهول". قلت: لكن المعنى المذكور متفق عليه بين المفسرين المحققين كابن جرير وابن كثير والشوكاني وغيرهم ممن لا يخرج عن التفسير المأثور ولا يعتد بآراء الخلف. إذا تبين ذلك فاعلم أن من الخطورة بمكان ما ابتلي به كثير من أغنياء المسلمين اليوم من استخدامهم النساء الكافرات في بيوتهم؛ لأنه لا يخلو الأمر من أن يقع الزوجان أو أحدهما في الفتنة والمخالفة للشريعة! أما الزوج فواضح؛ لأنه يخشى أن يزني بها وبخاصة أنه لا عفة عندهن بحكم كونهن كافرات لا يحرمن ولا يحللن كما صرح بذلك القرآن الكريم بحق أهل الكتاب، فكيف يكون حال الوثنيات "كالسيريلانكيات" اللاتي لا كتاب لهن؟! وأما بالنسبة للزوجة فمن الصعب جدًّا على أكثر مسلمات هذا الزمان، زوجات وبنات بالغات أن يحتجبن من تلك الخادمات كما تحتجب من الرجال إلا من عصم الله وقليل ما هن. ولو أننا فرضنا سلامة الزوجين من الفتنة فلن يسلم أولادهما من التأثر بأخلاقهن وعاداتهن المخالفة لشريعتنا هذا إذا لم يقصدن إفساد تربيتهم وتشكيكهم في دينهم كما سمعنا بذلك عن بعضهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 هذا ولقد بلغني عن أحد المفتين -والعهدة على الراوي- أنه سئل عن استخدامهن، فأجاب بالجواز؛ لأنهن عنده بمنزلة السبايا والجواري اللاتي استحلت شرعًا بملك اليمين، فأخشى ما أخشاه أن يصل الأمر بمثل هذا المفتي أن يستحل أيضًا وطأهن قياسًا على ملك اليمين وبخاصة أن هناك من أسقط الحد عمن زنى بخادمته -ولو كانت مسلمة- بشبهة استئجاره إياها!! قال ذلك بعض الآرائيين القدامى، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذا ما أردت بيانه للناس حول هذه المسألة لعل الله ينفع بها من قد يكون غافلًا عنها وينفع من كان معرضًا عن العمل بها وهو سبحانه ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الشرط الثاني: "أن لا يكون زينة في نفسه" لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى في [الأحزاب: 33] : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} . وقوله -صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تسأل عنهم 1: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيًا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم" 2.   1 يعني لأنهم من الهالكين. 2 أخرجه الحاكم "1/ 119"، وأحمد "6/ 19"؛ من حديث فضالة بن عبيد، وسنده صحيح، وعزاه السيوطي في "الجامع" للبخاري في "الأدب المفرد"، وأبي يعلى، والطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "الشعب"، قال الحاكم: "على شرطهما ولا أعرف له علة". وأقره الذهبي. وحسنه ابن عساكر في "مدح التواضع" "5/ 88/ 1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 و"التبرج: أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل"1. والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة وهذا كما ترى بين لا يخفى ولذلك قال الإمام الذهبي في "كتاب الكبائر" "ص 131": "ومن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة إظهار الزينة، والذهب واللؤلؤ تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء قال عنهن النبي -صلى الله عليه وسلم: "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء". قلت: وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمران بن حصين وغيره وزاد أحمد وغيره من حديث ابن عمرو مرفوعًا: "والأغنياء". وهذه الزيادة منكرة كما حققته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"   1 كذا في "فتح البيان" "7/ 274"، ثم قال: "وقيل: هو الغنج والتبختر والتكسر في المشي. وهذا ضعيف جدًّا، والأول أولى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 برقم "2800" من المجلد السادس يسر الله طباعته. قلت: ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء على أن لا يفعلن ذلك، فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: "جاءت أميمة بنت رُقَيقة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبايعه على الإسلام فقال: "أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى" 1. واعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف   1 رواه أحمد "2/ 196" بسند حسن، وقال الهيثمي في "المجمع" "6/ 37": "رواه الطبراني، ورجاله ثقات". قلت: فعزاه للطبراني دون أحمد، فلا أدري أهو وهم منه أم خطأ طبعي، وقد عزاه السيوطي في "الدر المنثور" "6/ 209" لأحمد وابن مردويه فقط. وفي مبايعته -صلى الله عليه وسلم- النساء على أن لا يتبرجن حديث آخر؛ رواه الطبراني في "الكبير" من حديث ابن عباس. وقال الآلوسي في "روح المعاني" "6/ 56": "ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابها، ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب؛ من قلة الغيرة، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 به ملونًا بلون غير البياض أو السواد كما يتوهم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين: الأول: قوله -صلى الله عليه وسلم: "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه". وهو مخرج في "مختصر الشمائل" "188". والآخر: جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك، وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في "المصنف" "8/ 371 - 372": 1- عن إبراهيم -وهوالنخعي: أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فيراهن في اللحف الحمر. 2- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت على أم سلمة درعًا وملحفة مصبغتين بالعصفر.   = وقد عمت البلوى بذلك. ومثله ما عمت البلوى أيضًا من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، وعدم مبالاة بعولتهن بذلك، وكثيرًا ما يأمرونهن به، وقد تحتجب المرأة منهم بعد الدخول أيامًا إلى أن يعطوها شيئًا من الحلي ونحوه، فتبدو لهم ولا تحتجب منهم بعد، وكل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم. وأمثال ذلك كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 3- عن القاسم -وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق. أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة. وفي رواية عن القاسم: أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي مُحْرِمَة. 4- عن هشام عن فاطمة بنت المنذر. أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة. 5- عن سعيد بن جبير. أنه رأى بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الشرط الثالث: "أن يكون صفيقًا لا يشف" لأن الستر لا يتحقق إلا به وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات". زاد في حديث آخر: "لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" 1. قال ابن عبد البر: "أراد -صلى الله عليه وسلم- النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي   1 أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" "ص232" من حديث ابن عمرو بسند صحيح، والحديث الآخر أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة، وقد تكلمت عليهما مفصلًا في "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب"، ثم في "الأحاديث الصحيحة" "1326"، و"تخرج أحاديث الحلال والحرام" "85". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة"1. وعن أم علقمة بن أبي علقمة قالت: "رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها"2.   1 نقله السيوطي في "تنوير الحوالك" "3/ 103". 2 أخرجه ابن سعد "8/ 46": أخبرنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه. وهذا سند رجاله على شرط الشيخين، غير أم علقمة هذه، واسمها مرجانة، ذكرها ابن حبان في "الثقات" "5/ 466"، وقال الذهبي: "لا تعرف". قلت: فمثلها لا يحتج بها، وإنما يستشهد بروايتها، ورواية البخاري لها تعليقًا؛ لا يعني أنها ثقة عنده، خلافًا لما يوهمه كلام الأستاذ المودودي في تعقيبه "ص16"، وقد رواه مالك "3/ 103" عن علقمة نحوه مختصرًا، وفيه: "وكستها خمارًا كثيفًا"، ومن طريقه أخرجه ابن سعد أيضًا، والبيهقي "2/ 235"، وسكت عليه الذهبي في "مختصره" "1/ 40/ 1"، ولكنه قال في متن آخر بهذا السند "1/ 63/ 2": "إسناد قوي". وفيه نظر؛ لقوله في "الميزان": "أم علقمة لا تعرف". وفي قول عائشة -رضي الله عنها: "أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟! "؛ إشارة إلى أن من تسترت بثوب شفاف؛ أنها لم تستتر، ولم تأتمر بقوله تعالى في السورة المشار إليها: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، وهذا بين لا يخفى. "تنبيه": مدار هذا الأثر على أم علقمة هذه عند مالك وابن سعد، وقد أخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه مثل رواية ابن سعد، إلا أنه لم يقع عنده تسمية التي دخلت على عائشة، فتوهم الأستاذ المودودي أنها رواية أخرى غير رواية مالك عن أم علقمة، فجعلها شاهدة لرواية مالك! والطريق واحد!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وعن هشام بن عروة: "أن المنذر بن الزبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية1 رقاق عتاق بعدما كف بصرها، قال: فلمستها بيدها ثم قالت: أف ردوا عليه كسوته قال: فشق ذلك عليه وقال: يا أمه إنه لا يشف. قالت إنها إن لم تشف فإنها تصف"2. وعن عبد الله بن أبي سلمة: "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كسا الناس القباطي3، ثم قال:   1 مروية: ثياب مشهورة بالعراق، منسوبة إلى "مرو" قرية بالكوفة. وقوهية: من نسيج "قوهستان" ناحية بخراسان كما في "الأنساب" للسمعاني. 2 أخرجه ابن سعد "8/ 184" بإسناد صحيح إلى المنذر، وهذا ذكره ابن حبان في "الثقات" "5/ 420"، وقال: "روى عنه محمد بن المنذر". قلت: وروى عنه ابن أخيه هشام بن عروة كما في هذا الأثر، وذكروا في ترجمته أنه يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير. وفي "التعجيل" أنه روى عن أبيه، وأنه روى عنه فليح بن محمد بن المنذر أيضًا، وأن حكيم بن حزام أثنى عليه خيرًا، فالإسناد جيد متصل. 3 جمع "القبطية"، قال في "النهاية": "هي الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط، وهم أهل مصر، وضم القاف من تغيير النسب، وهذا في الثياب، فأما في الناس فقبطي بالكسر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 لا تَدَّرِعها نساؤكم فقال رجل: يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشف. فقال عمر: إن لم يكن يشف فإنه يصف"1. وفي هذا الأثر والذي قبله إشارة إلى أن كون الثوب يشف أو يصف كان من المقرر عندهم أنه لا يجوز وأن الذي يشف شر من الذي يصف ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر"2. "صحيح" وقالت شميسة: "دخلت على عائشة وعليها ثياب من هذه السيد3 الصفاق4 ودرع   1 أخرجه البيهقي "2/ 234-235"، وقال: "إنه مرسل"، يعني منقطع بين عبد الله بن أبي سلمة وعمر، لكن رجاله ثقات. ويقويه قول البيهقي عقبه: "وقد رواه أيضًا مسلم البطين عن أبي صالح عن عمر". 2 ذكره البيهقي "2/ 235" معلقًا، فقال: "روينا عن عائشة أنها سئلت عن الخمار، فقالت: فذكره". 3 كذا في الأصل المنقول عنه بالسين المهملة والمثناة التحتية ثم دال مهملة، ولم يتبين لي معناها المناسب للسياق. ولعلها "السيراء"، وهي على وزن العنباء، نوع من البرود فيه خطوط صفر، أو يخالطه حرير. 4 قال في "لسان العرب": "وثوب صفيق متين بَيِّن الصفاقة ... وثوب صفيق وسفيق: جيد النسيج". وفي "القاموس": "وثوب صفيق ضد السخيف". والسخيف هو القليل الغزْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وخمار ونقبة1 قد لونت بشيء من عصفر"2. من أجل ذلك كله قال العلماء: ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة ... من ثوب صفيق أو جلد أو رق3، فإن ستر بما يظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز؛ لأن الستر لا يحصل بذلك4. وقد عقد ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" "1/ 127" بابًا خاصًّا في لبس المرأة ثوبًا رقيقًا يصف بشرتها وأنه من الكبائر ثم ساق فيه الحديث المتقدم "ص 125" ثم قال: "وذكر هذا من الكبائر ظاهر لما فيه من الوعيد الشديد ولم أر من صرح بذلك. إلا أنه معلوم بالأولى مما مر في تشبههن بالرجال". قلت: وتأتي الأحاديث في لعن المتشبهات بالرجال عند الكلام على الشرط السادس.   1 ثوب كالإزار يشد كما تشد السراويل. كما في "المنجد"، وفي "القاموس" نحوه. 2 أخرجه ابن سعد "8/ 70" بسند صحيح إلى شميسة، وهي بنت عزيز بن عامر العتكية البصرية. قال الحافظ. "مقبولة". 3 بالفتح ويكسر: جلد رقيق يكتب فيه. 4 ذكره في "المهذب" "3/ 170 -بشرح المجموع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الشرط الرابع: "أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها" لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى فوجب أن يكون واسعًا وقد قال أسامة بن زيد: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: "مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها" 1. فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة -وهي شعار يلبس تحت الثوب- ليمنع بها وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في   1 أخرجه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" "1/ 441"، وأحمد، والبيهقي، بسند حسن، وله شاهد من حديث دحية نفسه، أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم، وصححه، وفيه نظر، وقد تكلمنا على الحديث مفصلًا في "الثمر المستطاب"، فأغنى عن الإعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الأصول ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث "2/ 97" ما نصه: "والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة وإنما أمر بالثوب تحته؛ لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها". وهو كما ترى قد حمل الحديث على الثياب الرقيقة الشفافة التي لا تستر لون البشرة فهو على هذا يصلح أن يورد في الشرط السابق ولكن هذا الحمل غير متجه عندي بل هو وارد على الثياب الكثيفة التي تصف حجم الجسم من ليونتها ولو كانت غير رقيقة وشفافة وذلك واضح من الحديث لأمرين: الأول: أنه قد صرح فيه بأن القبطية كانت كثيفة أي: ثخينة غليظة فمثله كيف يصف البشرة ولا يسترها عن رؤية الناظر؟ ولعل الشوكاني رحمه الله ذهل عن هذا القيد "كثيفة" في الحديث ففسر القبطية بما هو الأصل فيها. الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد صرح فيه بالمحذور الذي خشيه من هذه القبطية فقال: "إني أخاف أن تصف حجم عظامها". فهذا نص في أن المحذور إنما هو وصف الحجم لا اللون. فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت وكانت القبطية ثخينة فما فائدة الغلالة؟ قلت: فائدتها دفع ذلك المحذور؛ لأن الثوب قد يصف الجسم ولو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 كان ثخينًا إذا كان من طبيعته الليونة والانثناء على الجسد كبعض الثياب الحريرية والجوخ المعروفة في هذا العصر فأمر -صلى الله عليه وسلم- بالشعار من أجل ذلك. والله تعالى أعلم. وقد أغرب الشافعية فقالوا: "أما لو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس كما لو لبس سروالًا ضيقًا" قالوا: "ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابًا كثيفًا فوق ثيابها ليتجافى عنها ولا يتبين حجم أعضائها"1.   1 ذكره الرافعي في "شرحه" 4/ 92 و105 -بشرح المهذب". قلت: فعلى رأيهم هذا يجوز للمرأة اليوم أن تخرج لابسة هذه الثياب الضيقة التي تلتصق بالجسم وتصفه وصفًا دقيقًا، حتى ليخال من كان بعيدًا عنها أنها عارية! كهذه الجوارب اللحمية التي تصف حجم الساقين والفخذين وتزيدهما جمالًا، بل التبان الذي يصف العضو نفسه! لو أن امرأة لبست مثل هذا اللباس جاز لها ذلك عندهم؛ لأنها سترت اللون به، ولو أعطت المرأة لونًا أجمل من لونها الطبيعي! فهل يقول بجواز هذا اليوم مسلم؟ فهذا من الأدلة الكثيرة على وجوب الاجتهاد، وترك التقليد، فهل من مذكر؟! وبهذه المناسبة أقول: إن كثيرًا من الفتيات المؤمنات يبالغن في ستر أعلى البدن -أعني الرأس- فيسترن الشعر والنحر، ثم لا يبالين بما دون ذلك فيلبسن الألبسة الضيقة والقصيرة التي لا تتجاوز نصف الساق! أو يسترن النصف الآخر بالجوارب اللحمية التي تزيده جمالًا، وقد تصلي بعضهن بهذه الهيئة، فهذا لا يجوز، ويجب عليهن أن يبادرن إلى إتمام الستر كما أمر الله تعالى، أسوة بنساء المهاجرين الأول، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 والقول بالاستحباب فقط ينافي ظاهر الأمر فإنه للوجوب كما تقدم وعبارة الإمام الشافعي -رضي الله عنه- في "الأم" قريب مما ذهبنا فقد قال: "1/ 78": "وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة ... فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة ... والمرأة في ذلك أشد حالًا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع وأحب إلي أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع". وقد قالت عائشة رضي الله عنها: "لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيهن: درع وجلباب وخمار،   = حين نزل الأمر بضرب الخمر؛ شققن مروطهن فاختمرن بها، ولكننا لا نطالبهن بشق شيء من ثيابهن! وإنما بإطالته وتوسيعه حتى يكون ثوبًا سائرًا لجميع ما أمرهن الله بستره. ولقد رأينا كثيرًا من الفتيات المغرورات ببعض من يزعمن أنهن من الداعيات! قد جعلن شعارًا لهن تقصير ثيابهن إلى نصف الساق، مع لبس الجوارب التي تحجم السيقان، مع وضع الخمار "الإيشارب" فقط على رءوسهن؛ دون الجلباب على الخمار كما هو نص القرآن الكريم على ما تقدم بيانه، وهن بذلك لا يشعرن أنهن يحشرن أنفسهن في زمرة من قال الله تعالى فيهم: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ، فإلى المخلصات منهن أوجه نصيحتي هذه أن لا يؤثرن على اتباع الكتاب والسنة تقليد حزب أو شيخ، بَلْهَ شيخة! والله عز وجل يقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وكانت عائشة تحل إزارها فتجلبب به"1. وإنما كانت تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها وقولها: "لا بد" دليل على وجوب ذلك وفي معناه قول ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها: الدرع والخمار والملحفة"2. وهذا يؤيد ما سبق أن ذهبنا إليه من وجوب الجمع بين الخمار والجلباب على المرأة إذا خرجت. "انظر ص 84 - 85". ومما يحسن إيراده هنا استئناسًا ما روي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر أن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: "يا أسماء! إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل. فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما"3.   1 أخرجه ابن سعد "8/ 71" بإسناد صحيح على شرط مسلم. 2 رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" "2/ 26/ 1" بسند صحيح. 3 أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "2/ 43" والسياق له، والبيهقي "4/ 34-35" أتم منه، وفيه أن أسماء صنعت لفاطمة نعشًا كما كانت وصفت لها، أخرجاه من طريق أبي العباس السراج محمد بن إسحاق الثقفي: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فانظر إلى فاطمة بضعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة فلا شك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن ثم ليستغفرن الله تعالى وليتبن إليه وليذكرن قوله -صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" 1.   = محمد بن موسى المخزومي عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر، وعن عمارة بن المهاجر عن أم جعفر. وأخرج البيهقي "3/ 396" القطعة الأخيرة منه: "يا أسماء! إذا أنا مت" إلخ، من طريق أخرى عن قتيبة بن سعيد وعبد الله بن نافع عن محمد بن موسى به. لكن ابن نافع لم يذكر فيه "عمارة بن المهاجر"، وقال ابن التركماني: "في سنده من يحتاج إلى كشف حاله". قلت: وهم المخزومي هذا، وعوف بن محمد، وعمارة، لم أجد من ترجمهم. وأما أم جعفر هذه، فلها ذكر في "تهذيب التهذيب"، وغيره، وتكنى أم عون أيضًا. وقد روي الحديث عن أسماء بلفظ آخر؛ أخرجه الطبراني في "الأوسط" عنها أن ابنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفيت، وكانوا يحملون الرجال والنساء على الأسرة سواء. فقالت: يا رسول الله! إني كنت بالحبشة وهم نصارى أهل كتاب، وهم يجعلون للمرأة نعشًا فوق أضلاع؛ يكرهون أن يوصف شيء من خلقها، أفلا أجعل لابنتك نعشًا مثله؟ فقال: اجعليه، فهي أول من جعل نعشًا في الإسلام لرقية ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي في "المجمع" "3/ 26": "وفيه خلف بن راشد، وهو مجهول". 1 أخرجه الحاكم "1/ 22"، وأبو نعيم "4/ 297" من حديث ابن عمر، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الشرط الخامس: "أن لا يكون مبخرًا مطيبًا" لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن ونحن نسوق الآن بين يديك ما صح سنده منها: 1- عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية". 2- عن زينب الثقفية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:   1- أخرجه النسائي "2/ 283"، وكذا أبو داود "2/ 192"، والترمذي "4/ 17 -بشرح المباركفوري"، والحاكم "2/ 396"، وأحمد "4/ 400 و413"، وابن خزيمة "3/ 91/ 1681"، وابن حبان "1474 - مورد"، وقال الترمذي: "حسن صحيح". والحاكم. "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت: وإسناده حسن. 2- أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وأصحاب "السنن"، وغيرهم، وقد تكلمت على أسانيده في "الثمر المستطاب"، ثم "الصحيحة" "1094". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 "إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبًا". 3- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة". 4- عن موسى بن يسار عن أبي هريرة: "أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال: يا أمة الجبار المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل".   3- أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وأصحاب "السنن"، وغيرهم، وقد تكلمت على أسانيده في "الثمر المستطاب"، ثم "الصحيحة" "1094". 4- أخرجه البيهقي "3/ 133و246" من طريق الأوزاعي عن موسى بن يسار. وإسناده صحيح إن كان ابن يسار هذا هو الكلبي مولاهم المدني، فإن له رواية عن أبي هريرة، وإن كان هو الأردني فهو منقطع، وهذا هو الأقرب، فقد ذكروا في الرواة عنه -دون الأول- الأوزاعي، وهذا الحديث من روايته عنه كما ترى، وقد ذكروا في ترجمته أنه أرسل عن أبي هريرة. والله أعلم. والحديث عزاه المنذري في "الترغيب" "3/94" لابن خزيمة في "صحيحه"، وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن أبي هريرة، وله طريق، أو طرق أخرى ذكرتها في كتابي المذكور آنفًا، ثم في المجلد الثالث من "الصحيحة" "1031 -مكتبة المعارف/ الرياض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا العموم الذي فيها. فإن الاستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن يستعمل في الثوب أيضًا لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور فإنه بالثياب أكثر استعمالًا وأخص. وسبب المنع منه واضح وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة وقد ألحق به العلماء ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال1. وقال ابن دقيق العيد: "وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال"2. قلت: فإذا كان ذلك حرامًا على مريدة المسجد فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إِثْمًا وقد ذكر الهيتمي في "الزواجر" "2/ 37" أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها. ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة في الحديث الثالث؛ لأن الفتنة وقتها أشد فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز. وقال ابن الملك:   1 انظر "فتح الباري" "2/ 279". 2 نقله المناوي في "فيض القدير" في شرح حديث أبي هريرة الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 "والأظهر أنها خصت بالنهي؛ لأنها وقت الظلمة وخلو الطريق والعطر يهيج الشهوة، فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة بخلاف الصبح والمغرب فإنهما وقتان فاضحان وقد تقدم أن مس الطيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقًا"1.   1 نقله الشيخ على القارئ في "المرقاة" "2/ 71". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الشرط السادس: "أن لا يشبه لباس الرجل" لما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره. وإليك ما نعلمه منها: 1- عن أبي هريرة قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل".   1 أخرجه أبو داود "2/ 182"، وابن ماجه "1/ 588"، والحاكم "4/ 194"، وأحمد "2/ 325"، من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، وأقره الذهبي، وهو كما قالا. ورواه ابن حبان أيضًا في "صحيحه" "1455 و1456 - موارد"، عزاه المنذري في "الترغيب" "3/ 105-106" والشوكاني في "نيل الأوطار" "2/ 98" للنسائي، ولعله في "سننه الكبرى"، ثم طبع، وهو فيه "5/ 397"، ثم قال الشوكاني: "ورجاله رجال الصحيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 2- عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال".   2- أخرجه أحمد "2/ 199-200": حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا عمر بن حوشب -رجل صالح: أخبرني عمرو بن دينار عن عطاء عن رجل من هذيل قال: رأيت عبد الله بن عمرو بن العاص، ومنزله في الحل، ومسجده في الحرم، قال: فبينا أنا عنده رأى أم سعيد ابنة أبي جهل متقلدة قوسًا، وهي تمشي مشية الرجل، فقال عبد الله: من هذه؟ قال الهذلي: فقلت: هذه أم سعيد بنت أبي جهل. فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم: فذكره ... قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا الرجل المبهم، ولم يسم، كما قال المنذري "3/ 106"، وتبعه الهيثمي "8/ 103"، وزاد: "والهذلي لم أعرفه. وراه الطبراني باختصار، وأسقط الهذلي المبهم، فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات". قلت: وكذلك أخرجه أبو نعيم في الحلية" "3/ 321" من طريق أحمد بإسقاط هذا المبهم، وباختصار قصته، مقتصرًا على الحديث المرفوع فقط، وقد ذكر الحافظ في "التعجيل" "ص200 رقم 495" أن البخاري أخرج -يعني في "التاريخ- من طريق عمرو بن دينار عن عطاء قال: سمعت ابن عمر "كذا الأصل، ولعله سقط منه الواو": سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس منا من تشبه من النساء بالرجال". قلت: فقد صرح عطاء -وهو ابن يسار بسماعه للحديث من ابن عمرو، فعاد موصولًا صحيح الإسناد، ويحتمل أن عطاء كان يروي الحديث عن الهذلي مع قصته عن ابن عمرو، وعن ابن عمرو مباشرة بدون القصة. والله أعلم. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ...................................................................................   = ثم وقفت على إسناد الحديث في "تاريخ البخاري"، فوجدت فيه ما لا بد من بيانه: أولًا: قال البخاري "2/ 2/ 362": "وقال يحيى بن موسى: نا عبد الرزاق: نا عمر2 بن حبيب "! " الصنعاني عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح: حدثني رجل من هذيل: رأيت عبد الله بن عمر "! " ... وأقبلت امرأة تمشي مشية الرجال .... " الحديث نحو رواية أحمد ليس فيه سماع عطاء من ابن عمر الوارد في "التعجيل"!. هذا أولًا. وثانيًا: قوله: "عمر2 بن حبيب": هكذا وقع في الأصل المطبوع، ولي عليه ملاحظتان: الأولى: قوله: "حبيب": أخشى أن يكون محرفًا من: "حوشب"؛ لأنه كذلك هو في "المسند" و"الحلية"؛ كما تقدم، ولم يعلق عليه محققه الفاضل بشيء. الثانية: علق على قوله: "عمر2"، فقال: "وقع في الأصل: "عمرو"؛ كذا، وإنما هو: "عمر"، ذكروا ترجمته في باب عمر -ح". فأقول: كذلك فعلوا؛ كابن أبي حاتم وابن حبان ومن بعدهم مثل "التهذيب" وغيره، لكن لقد لفت نظري أمور: 1- لقد ذكروا أنه روى عن إسماعيل بن أمية، وعنه عبد الرزاق، فلم يذكروا روايته عن عمرو بن دينار! وقال الذهبي في "الميزان": "شيخ لعبد الرزاق يجهل حاله". وسبقه إلى ذلك ابن القطان. 2- لم يذكر البخاري هذا الراوي في "التاريخ الكبير"، ولا في "الصغير"؛ لا = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ...................................................................................   = فيمن اسمه: "عمر"، ولا فيمن اسمه: "عمرو"، لا فيمن اسم أبيه: "حبيب"، ولا فيمن اسمه: "حوشب". 3- بناء على ما تقدم؛ فإنه يغلب على الظن أن عمرو بن حوشب هذا غير عمر بن حوشب الذي ترجموه؛ لاختلاف شيخهما أولًا، ولتصريح عبد الرزاق بأنه رجل صالح ثانيًا. 4- وسواء كان الصواب هذا أو ذاك؛ فإن الحكم عليه بالجهالة لا يتمشى مع تصريح عبد الرزاق بأنه "رجل صالح"؛ فإن من علم حجة على من لم يعلم، ومن الظاهر أن الذي ترجموه لم يقفوا على تصريحه هذا، وإلا لنقلوه. والله أعلم. ثالثًا: قوله في رواية البخاري المتقدمة: "عطاء بن أبي رباح" يدل على خطأ قولي سابقًا: "هو ابن يسار"، فيرجى الانتباه. رابعًا وأخيرًا: يتكشف لنا مما تقدم أن علة إسناد هذا الحديث هي ذاك الهذلي التابعي؛ لأنه لم يسم. ولذلك أعله البخاري، فقال عقبه: "وهذا مرسل"؛ يعني: منقطع. لكن مثله مما يستشهد به، ويتقوى حديثه بما ذكر قبله. وأما الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله؛ فجزم في تعليقه على "المسند" "11/ 103-104" بأن إسناده حسن؛ متبنيًا قول عبد الرزاق في عمرو بن حوشب. وقال في الهذلي إنه: "تابعي مبهم، جهل حاله، فهو على السترة ... ". كذا قال، وهو توسع غير مرض؛ فإن الستر في الرواية يتطلب شيئًا آخر، وهو الضبط والحفظ، فالصواب أن يستشهد بمثله. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 3- عن ابن عباس قال: "لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: "أخرجوهم من بيوتكم". قال: فأخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فلانًا وأخرج عمر فلانًا". وفي لفظ: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال". 4 - عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   3- أخرجه البخاري "10/ 274" وأبو داود "2/ 305"، والدارمي "2/ 280-281"، وأحمد "رقم 1982 و2006 و2123" من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه. وأخرجه الترمذي "4/ 16-17" وصححه، وابن ماجه "1/ 589"، والطيالسي "رقم 2679"، والبخاري أيضًا "10/ 273"، وأبو داود "2/ 182"، وأحمد "رقم 2263 و2291 و3060 و3151 و4358" من طرق أخرى عن عكرمة به دون قوله: "وقال أخرجوهم.. إلخ". واللفظ الآخر للبخاري. 4- أخرجه النسائي "1/ 357"، والحاكم "1/ 72 و4/ 146-147"، والبيهقي "10/ 226"، وأحمد "رقم 6180" من طريقين صحيحين عن عبد الله بن يسار مولى ابن عمر عن سالم عن ابن عمر به. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا إن شاء الله تعالى، فإن عبد الله هذا؛ وإن لم يذكروا توثيقه عن غير ابن حبان؛ فقد روى عنه جماعة من الثقات. وقد قال الهيثمي "8/ 147-148": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 "ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث". 5 - عن ابن أبي مليكة -واسمه عبد الله بن عبيد الله- قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن المرأة تلبس النعل؟ فقالت: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجلة من النساء". وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال،   = "رواه البزار بإسنادين، ورجالهما ثقات". وقال المنذري "3/ 220": "رواه النسائي والبزار واللفظ له بإسنادين جيدين". ونقل المناوي في "الفيض" عن صاحب "الفردوس" -وهو الديلمي- أنه قال: "صحيح". وقد ذهل المنذري وتبعه الهيثمي ثم السيوطي في "الجامع"، فلم يعزوه إلى الإمام أحمد. والحديث رواه الضياء في "المختارة" "1/ 75" من الوجه المذكور عن ابن عمر، فجعله من مسند عمرو، وليس من مسند ابنه عبد الله، والأول عندي أصح. وله شاهد من حديث عمار بن ياسر. أخرجه أبو عمرو بن مهند في "المنتخب من فوائده" "268/ 2". ثم خرجت الحديث في "الصحيحة" "1397". 5- أخرجه أبو داود "2/ 184" في قطعة من "حديثه" "5/ 2" من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة به، ورجاله ثقات؛ غير أن ابن جريج مدلس، وقد عنعنه، فالحديث صحيح بشواهده المتقدمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وعلى العكس وهي عامة تشمل اللباس وغيره إلا الحديث الأول فهو نص في اللباس وحده وقد قال أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" "ص 261": "سمعت أحمد سئل عن الرجل يُلبس جاريته القرطق1؟ قال: لا يلبسها من زي الرجال لا يشبهها بالرجال". قال أبو داود: "قلت لأحمد: يلبسها النعل الصرارة؟ قال: لا إلا أن يكون لبسها للوضوء. قلت: للجمال؟ قال: لا. قلت: فيجز شعرها؟ قال: لا"2.   1 في "النهاية": "جاء الغلام وعليه قرطق أبيض، أي قباء. وهو تعريب "كرته" وقد تضم طاؤه". 2 الظاهر أن مراد الإمام -رضي الله عنه- بـ"الجز" هنا الحلق والاستئصال، "لأن الجز -وهو بالجيم والزاي الثقيلة- قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد" كما في "الفتح" "10/ 285". وقد جاء النهي الصريح في ذلك، وهو ما أخرجه النسائي "2/ 276"، والترمذي "2/ 109" من حديث علي -رضي الله عنه: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تحلق المرأة رأسها". وإسناده صحيح لولا أن الراوي اضطرب في وصله وإرساله، وبه أعله الترمذي على تساهله الذي عرف به، وقد خرجت الحديث، وتكلمت عليه من جميع طرقه التي وقفت عليها في "الضعيفة" "678". والظاهر أن المقصود بنهي أحمد عن جز شعرها؛ أن تحلقه، وهذا بخلاف = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء في "الكبائر" "ص 129" وأورد بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال: "فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم قتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أو رضي به ولم ينهها؛ لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومسئول عنهم يوم القيامة" متفق عليه وهو مخرج في "غاية المرام" "269". وتبعه على ذلك الهيتمي في "الزواجر" "1/ 126" ثم قال: "عد هذا من الكبائر واضح لما عرفت من هذه الأحاديث الصحيحة وما فيها من الوعيد الشديد والذي رأيته لأئمتنا أن ذلك التشبه فيه قولان،   = أخذها من شعر رأسها، فإنه جائز، لما رواه مسلم "1/ 176" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ... قال: وكان أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذن من رءوسهن حى تكون كالوفرة". "وهي من الشعر ما كان إلى الأذنين ولا يجاوزهما"، وإنما يجوز لهن ذلك إذا لم يقصدن التشبه بالأجنبيات، وإلا فلا يجوز؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم". وغيره مما سيأتي ذكره عند الكلام على الشرط السابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 أحدهما أنه حرام، وصححه النووي بل صوبه، وثانيهما أنه مكروه، وصححه الرافعي في موضع، والصحيح بل الصواب ما قاله النووي من الحرمة، بل ما قدمته من أن ذلك كبيرة، ثم رأيت بعض المتكلمين على الكبائر عده منها وهو ظاهر". وقال الحافظ في "الفتح" "10/ 273 - 274" عند شرح حديث ابن عباس المتقدم برقم "3" باللفظ الثاني: "لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" ما مختصره: "قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في أمور الخير. قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: "المغيرات لخلق الله"1.   1 أخرجه البخاري "10/ 306"، ومسلم "6/ 166-167"، وغيرهما عن ابن مسعود مرفوعًا: "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله". وينبغي أن يعلم أن من يغير خلقه تعالى وصبغته: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} بدون إذن منه، فإنما هو يتبع الشيطان في قوله: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فثبت مما تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابِهًا لزي الرجل فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يعرف بـ"الجاكيت" و"البنطلون" وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية. فاعتبروا يا أولي الأبصار. ثم وجدت لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فصلًا جيدًا رأيت من المناسب إيراده في هذا المكان لوثيق صلته به ولما فيه من الفوائد الغزيرة والتحقيق العلمي وهو جواب سؤال وجه إليه وهذا نصه مع الجواب كما جاء في "الكواكب" لابن عروة الحنبلي "ج 93/ 132-134" المحفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم "579 -تفسير": "مسألة في لبس الكوفية للنساء ما حكمها إذا كانت بالداير والفرق وفي لبسهن الفراجي فما الضابط في التشبه بالرجال في الملبوس؟ هل هو بالنسبة إلى ما كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كل زمان بحسبه؟ الجواب: الحمد لله. الكوفية التي بالفرق والداير من غير أن تستر الشعر المسدول هي من لباس الصبيان والمرأة اللابسة لذلك متشبهة بهم. وهذا النوع قد يكون أوله من قبل النساء قصدن التشبه بالمردان كما يقصد بعض البغايا أن تضفر شعرها ضفيرًا واحدًا مسدولًا بين الكتفين وأن ترخي لها السوالف وأن تعتم لتشبه المردان في العمامة والعذار والشعر ثم قد تفعل الحرة بعض ذلك لا تقصد هذا لكن هي في ذلك متشبهة بالرجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وقد استفاضت السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحاح وغيرها بلعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وفي رواية: أنه لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وأمر بنفي المخنثين وقد نص على نفيهم الشافعي وأحمد وغيرهما وقالوا: جاءت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنفي في حد الزنا وبنفي المخنثين. وفي "صحيح مسلم"1 عنه أنه قال: "صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله". وقد فسر قوله: "كاسيات عاريات" بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهى في الحقيقة عارية مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل: عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما تسترها، فلا تبدي جسمها ولا حجم أعضائها؛ لكونه كثيفًا واسعًا. ومن هنا يظهر الضابط في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما تختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه فإنه لو كان كذلك لكان إذا اصطلح قوم   1 قلت: هو عنده "8/ 155" بنحوه، ولفظه أقرب إلى لفظ أحمد "2/ 440"، وفيه شريك، ولكنه متابع عند مسلم وغيره، ولذلك خرجته في "الصحيحة 1326" كما تقدم "ص125". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرءوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان! وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغًا! وهذا خلاف النص والإجماع فإن الله تعالى قال للنساء: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية، وقال: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية وقال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ، فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاده النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب ولم يحرم عليهن التبرج، تبرج الجاهلية الأولى؛ لأن ذلك كان عادة لأولئك وليس الضابط في ذلك لباسًا معينًا من جهة نص النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من جهة عادة الرجال والنساء على عهده بحيث يقال: إن ذلك هو الواجب وغيره يحرم فإن النساء على عهده كن يلبسن ثيابًا طويلات الذيل، بحيث ينجرُّ خلف المرأة إذا خرجت، والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين، ولهذا لما نهى -صلى الله عليه وسلم- الرجال عن إسبال الإزار وقيل له: فالنساء؟ قال: "يرخين شبرًا"، قيل له: إذن تنكشف سوقهن قال: "ذراعا لا يزدن عليه"، قال الترمذي: "حديث صحيح" حتى إنه لأجل ذلك روي أنه رخص للمرأة إذا جرت ذيلها على مكان قذر ثم مرت به على مكان طيب أنه يطهر بذلك1، وذلك قول طائفة من أهل العلم في مذهب أحمد وغيره جعلا   1 قلت: الحديث صحيح؛ لأن له شاهدًا ذكرته فيما سبق "ص81"، فتصديره بلفظ: "روي" المشعر اصطلاحًا بضعفه، ليس كما ينبغي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 المجرور بمنزلة النعل الذي يكثر ملاقاته النجاسة، فيطهر بالجامد كما يطهر السبيلان بالجامد؛ لما تكرر ملاقاتهما النجاسة، ثم إن هذا ليس معينًا للستر، فلو لبست المرأة سراويل أو خفًّا واسعًا صلبًا كالمعرق وتدلي فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم؛ لكان محصلًا للمقصود بخلاف الخف اللين الذي يبدي حجم القدم، فإن هذا من لباس الرجال، وكذلك المرأة لو لبست جبة وفروة لحاجتها إلى ذلك لدفع البرد لم تنه عن ذلك، فلو قال قائل: لم يكن النساء يلبسن الفراء؟ قلنا: فإن ذلك يتعلق بالحاجة، فالبلاد الباردة تحتاج إلى غلظ الكسوة وكونها مدفئة وإن لم يحتج إلى ذلك في البلاد الحارة. فالفارقة بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما ناسب ما يؤمر به الرجال وما يؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور؛ ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان والتلبية ولا الصعود "كذا ولعله: في الصعود" إلى الصفا والمروة ولا التجرد في الإحرام كما يتجرد الرجل فإن الرجل مأمور أن يكشف رأسه وأن لا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تصنع على قدر أعضائه، فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخف، لكن لما كان محتاجًا إلى ما يستر العورة ويمشي فيه، رخص له في آخر الأمر إذا لم يجد إزارًا أن يلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين أن يلبس خفين، وجعل ذلك بدلًا للحاجة العامة، بخلاف ما يحتاج إليه حاجة خاصة لمرض أو برد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فإن عليه الفدية إذا لبسه ولهذا طرد أبو حنيفة هذا القياس، وخالفه الأكثرون للحديث الصحيح1، ولأجل الفرق بين هذا وهذا، وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس؛ لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب، فلا يشرع لها ضد ذلك، لكن منعت أن تنتقب وأن تلبس القفازين؛ لأن ذلك لباس مصنوع على قدر العضو ولا حاجة بها إليه. وقد تنازع الفقهاء هل وجهها كرأس الرجل أو كبدنه؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره فمن جعل وجهها كرأسه، أمرها إذا سدلت الثوب من فوق رأسها أن تجافيه عن الوجه كما يجافي عن الرأس ما يظلل به، ومن   1 يعني قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يلبس المحرم القمص، ولا العمائم، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين؛ فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه زعفران أو ورس". متفق عليه، واللفظ للبخاري في "الحج" "رقم 1542 -فتح"، وهو مخرج في "الإرواء" "1012". قال الحافظ في "الفتح": "وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد نعلين، وعن الحنفية تجب. وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقت الحاجة". قلت: ويؤيده حديث ابن عباس أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بعرفات: "من لم يجد إزارًا؛ فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين؛ فليلبس خفين". متفق عليه. وهو مخرج في "الإرواء" "1013". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 جعله كاليدين -وهو الصحيح- قال: لم تنه عن ستر الوجه، وإنما نهيت عن الانتقاب كما نهيت عن القفازين، وذلك كما نهي الرجل عن القميص والسراويل، ونحو ذلك، ففي معناه البرقع وما صنع لستر الوجه، فأما تغطية الوجه بما يسدل من فوق الرأس فهو مثل تغطيته عند النوم بالملحفة ونحوها، ومثل تغطية اليدين بالكمين وهي لم تنه عن ذلك. فلو أراد الرجال أن ينتقبوا ويتبرقعوا، ويدعوا النساء باديات الوجوه، لمنعوا من ذلك، وكذلك المرأة أمرت أن تجتمع في الصلاة، ولا تجافي بين أعضائها، وأمرت أن تغطي رأسها، فلا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو كانت في جوف بيت لا يراها أحد من الأجانب، فدل ذلك على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر لا يؤمر به الرجل حقًّا لله عليها وإن لم يرها بشر وقد قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن". وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها في مسجد قومها وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها معي" 2. وهذا كله لما في ذلك من الاستتار والاحتجاب.   1 لا أعلم في السنة ما يشهد لهذا، وعموم قوله -صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" يرده، وراجع الخاتمة التي في آخر "صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم". 2 حديث حسن، أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ومعلوم أن المساكن من جنس الملابس، كلاهما جعل في الأصل للوقاية ودفع الضرر، كما جعل الأكل والشرب لجلب المنفعة، فاللباس يتقي الإنسان به الحر والبرد ويتقي به سلاح العدو، وكذلك المساكن يتقي بها الحر والبرد ويتقي بها العدو، وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} ، فذكر في هذا الموضع ما يحتاجون إليه لدفع ما قد يؤذيهم وذكر في أول السورة ما يضطرون إليه لدفع ما يضرهم،   = وهو من جملة المخصصات لقوله -صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجد الحرام". رواه مسلم. فهو يدل على أن هذا الفضل خاص بالرجال دون النساء، وأن صلاتهن في بيوتهن خير من الصلاة في مسجده -صلى الله عليه وسلم- ومنه تعلم أن تهافت النساء على الصلاة فيه ولا سيما في موسم الحج؛ مما يدل على جهلهن بالشرع، أو استهتارهن بإرشاده، ولاسيما والكثير منهن يخالطن الرجال حتى في شدة الزحام، وذلك عند خروج الرجال من المسجد، فإلى الله المشتكى من قلة حيائهن، وقلَّة غَيرة رجالهن. هذا ما كنت قلته في الطبعات السابقة، ثم بدا لي أنه لا مسوغ لادعاء التخصيص، وأن الصواب ترك الحديث على عمومه، فيشمل النساء أيضًا، وأنه لا ينافي أن صلاتهن في بيوتهن خير لهن، كما لا ينافي أن صلاة السنة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، لكنه لو صلاها في مسجد من المساجد الثلاثة يكون له أجر التفضيل الخاص بها، والمرأة كذلك. ولهذا؛ فالتهافت المذكور لا داعي له على كل حال، فعلى النساء المسلمات الانتهاء عنه، وبذلك تزول كثير من المفاسد، والله من وراء المقصد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فقال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ، فذكر ما يستدفئون به ويدفعون به البرد؛ لأن البرد يهلكهم، والحر يؤذيهم؛ ولهذا قال بعض العرب: البرد بؤس والحر أذى؛ ولهذا السبب لم يذكر في الآية الأخرى وقاية البرد فإن ذلك تقدم في أول السورة وهو في أثناء السورة ذكر ما أتم به النعمة، وذكر في أول السورة أصول النعم ولهذا قال: {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} . والمقصود هنا أن مقصود الثياب يشبه مقصود المساكن والنساء مأمورات في هذا بما يسترهن ويحجبهن فإذا اختلف لباس الرجال والنساء مما كان أقرب إلى مقصود الاستتار والاحتجاب كان للنساء وكان ضده للرجال. وأصل هذا أن تعلم أن الشارع له مقصودان: أحدهما: الفرق بين الرجال والنساء، والثاني: احتجاب النساء فلو كان مقصوده مجرد الفرق، لحصل ذلك بأي وجه حصل به الاختلاف وقد تقدم فساد ذلك بل أبلغ من ذلك أن المقصود بلباس أهل الذمة إظهار الفرق بين المسلم والذمي، ليترتب على كل منهما من الأحكام الظاهرة ما يناسبه، ومعلوم أن هذا يحصل بأي لباس اصطلحت الطائفتان على التمييز به، ومع هذا فقد روعي في ذلك ما هو أخص من الفرق فإن لباس الأبيض لما كان أفضل من غيره كما قال -صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالبياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم"، لم يكن من السنة أن يجعل لباس أهل الذمة الأبيض ولباس أهل الإسلام المصبوغ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كالعسلي والأدكن ونحو ذلك بل الأمر بالعكس وكذلك في الشعور وغيرها فكذلك الأمر في لباس الرجال والنساء ليس المقصود به مجرد الفرق، بل لا بد من رعاية جانب الاحتجاب والاستتار. وكذلك أيضًا ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال؛ بل الفرق أيضًا مقصود حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا فيما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهوا عن ذلك، والله تعالى قد بين هذا المقصود أيضًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} ، فجعل كونهن يعرفن باللباس الفارق أمرًا مقصودًا ولهذا جاءت صيغة النهي بلفظ التشبه بقوله -صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء"، فعلق الحكم باسم التشبه وبكون كل صنف يتصف بصفة الآخر. وقد بسطنا هذه القاعدة في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" وبينا أن المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبًا وتشابُهًا في الأخلاق والأعمال ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار ومشابهة الأعاجم ومشابهة الأعراب، ونهي كل من الرجال والنساء عن مشابهة الصنف الآخر. والرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضي به الأمر إلى التخنث المحض والتمكين من نفسه كأنه امرأة، ولما كان الغناء مقدمة ذلك وكان من عمل النساء، كانوا يسمون الرجال المغنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 "مخانيث". والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشابهة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنساء، وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة. وإذا تبين أنه لا بد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يميز بين الرجال النساء وأن يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك، ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة، وإن كان ساترًا كالفراجي التي جرت عادة بعض البلاد أن يلبسها الرجال دون النساء والنهي عن مثل هذا يتغير [بتغير] العادات وأما ما كان الفرق عائدًا إلى نفس الستر فهذا يؤمر فيه النساء بما كان أستر ... ولو قدر أن الفرق يحصل بدون ذلك فإذا اجتمع في اللباس قلة الستر والمشابهة، نهي عنه من الوجهين. والله أعلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الشرط السابع: "أن لا يشبه لباس الكافرات" لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين -رجالًا ونساء- التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم. وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم مع الأسف كثير من المسلمين حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه جهلًا بدينهم أو تبعًا لأهوائهم أو انجرافًا مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] لو كانوا يعلمون. وينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة وإن كانت أدلة الكتاب مجملة فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائمًا. فمن الآيات قوله تعالى في [الجاثية: 16 - 18] : 1- {وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} . قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الاقتضاء" "ص 8": "أخبر سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيًا من بعضهم على بعض، ثم جعل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في {الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} كل من خالف شريعته. و"أهواؤهم": هو ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه. وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه. ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به ويودون أن لو بذلوا مالًا عظيمًا ليحصل ذلك. ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم، فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره. فإن: "من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه" وأي الأمرين كان حصل المقصود في الجملة وإن كان الأول أظهر. ومن هذا الباب قوله تعالى في [الرعد: 36 - 37] : 2- {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ، وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} . والضمير في {أَهْوَاءَهُمْ} يعود والله أعلم إلى ما تقدم ذكره وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه فدخل في ذلك كل من أنكر شيئًا من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما وقد قال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [الرعد: 37] ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك". وقال تعالى في [الحديد: 16] : 3- {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} . قال شيخ الإسلام "ص 43": "فقوله: {وَلَا يَكُونُوا} نهي مطلق عن مشابهتهم وهو خاص أيضًا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي". وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية "4/ 310": "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ومن ذلك قوله تعالى في [البقرة: 104] : 4- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . قال الحافظ ابن كثير "1/ 148": "نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم لعائن الله فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا قالوا: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46] . وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: "السام عليكم" والسام هو الموت ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ"وعليكم"1، وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولًا وفعلًا". وقال شيخ الإسلام عند هذه الآية ما مختصره "ص22": "قال قتادة وغيره: كانت اليهود تقوله استهزاء، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم وقال أيضًا: كانت اليهود تقول للنبي -صلى الله عليه وسلم: راعنا سمعك، يستهزئون بذلك، وكانت في اليهود قبيحة. فهذا يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها؛ لأن اليهود كانوا يقولونها، وإن كانت من اليهود قبيحة،   1 في هذا الإطلاق نظر يراجع له ما أوردته في "الصحيحة" "2/ 324-330". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 ومن المسلمين لم تكن قبيحة لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم". وفي الباب آيات أخرى وفيما ذكرنا كفاية فمن شاء الوقوف عليها فلينظرها في "الاقتضاء" "ص: 8-14 و22 و42". فتبين من الآيات المتقدمة أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة، حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشعروا أنه عليه السلام يريد أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه: "إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما"1.   1 أخرجه مسلم "1/ 169"، وأبو عوانة "1/ 311-312" في = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وأما السنة فالنصوص فيها كثيرة طيبة في تأييد القاعدة المتقدمة، وهي لا تنحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة، كالصلاة مثلا، بل قد تعدتها إلى غيرها من العبادات والآداب والاجتماعيات والعادات، وهي بيان وتفصيل لما أجمل في الآيات السابقة ونحوها كما قدمت الإشارة إليه. وها نحن أولاء نسوقها بين يديك؛ لتكون على بصيرة فيما ذهبنا إليه:   = صحيحهما"، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقد أخرجه غيرهم، وتكلمنا عليه في "صحيح سنن أبي داود" "رقم 250". قال شيخ الإسلام في "الاقتضاء": "فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا: "ما يريد أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه". ثم إن المخالفة -كما سنبينه- تارة تكون في أصل الحكم، وتارة في وصفه، ومجانبة الحائض لم يخالفوا في أصله، بل خولفوا في وصفه، حيث شرع الله مقاربة الحائض في غير محل الأذى، فلما أراد بعض الصحابة أن يتعدى في المخالفة إلى ترك ما شرعه الله؛ تغير وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم. وهذا الباب باب الطهارة كان على اليهود فيه أغلال عظيمة، فابتدع النصارى ترك ذلك كله حتى أنهم لا ينجسون شيئًا بلا شرع من الله، فهدى الله الأمة الوسط بما شرعه لها إلى الوسط من ذلك، وإن كان ما كان عليه اليهود كان أيضًا مشروعًا، فاجتناب ما لم يشرع الله اجتنابه مقاربة لليهود، وملابسة ما شرع الله اجتنابه مقاربة للنصارى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 من "الصلاة": 1- عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: "اهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- للصلاة، كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك قال: فذكر له القنع يعني الشَّبور "وفي رواية: شبور اليهود"1، فلم يعجبه ذلك، وقال: "هو من أمر اليهود"، قال: فذكر له الناقوس، فقال: "هو من أمر النصارى"، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأري الأذان في منامه". الحديث2.   1 هو البوق. 2 وهو حديث صحيح رويناه في كتابنا "صحيح سنن أبي داود" "رقم 511"، وذكرنا فيه من صححه من الأئمة، والشاهد منه واضح، وهو كما قال شيخ الإسلام "ص56": "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كره بوق اليهود المنفوخ بالفم، وناقوس النصارى المضروب باليد؛ علل هذا بأنه علة له، وهذا يقتضي نهيه عما هو من أمر اليهود والنصارى، هذا مع أن قرن اليهود يقال: إن أصله مأخوذ عن موسى عليه السلام، وأنه كان يضرب بالبوق في عهده، وأما ناقوس النصارى فمبتدع، إذ عامة شرائع النصارى أحدثها أحبارهم ورهبانهم، وهو يقتضي كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقًا في غير الصلاة أيضًا؛ لأنه من أمر اليهود والنصارى، فإن النصارى يضربون بالنواقيس في أوقات متعددة غير أوقات عبادتهم، وإنما شعار الدين الحنيف الأذان المتضمن للإعلان بذكر الله سبحانه، الذي به تفتح أبواب السماء، وتهرب الشياطين، وتنزل الرحمة. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ...................................................................................   = وقد ابتلي كثير من هذه الأمة من الملوك وغيرهم بهذا الشعار -شعار اليهود والنصارى- حتى إنا رأيناهم في هذا الخميس الحقير الصغير يبخرون البخور ويضربون له بنواقيس صغار، حتى إن الملوك من كان يضرب بالأبواق والدبادب في أوقات الصلوات الخمس! هو نفس ما كرهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومنهم من كان يضرب بها طرفي النهار؛ تشبهًا منه كما زعم بذي القرنين، ووكل ما دون ذلك إلى ملوك الأطراف. وهذا المشابهة لليهود والنصارى وللأعاجم من الروم والفرس؛ لما غلبت على ملوك الشرق هي وأمثالها مما خالفوا به هدي المسلمين، ودخلوا فيما كرهه الله ورسوله؛ سلط الله عليهم الترك الكافرين الموعود بقتالهم، حتى فعلوا في العباد والبلاد ما لم يجر في دولة الإسلام مثله، وذلك تصديق قوله -صلى الله عليه وسلم: "لتركبن سنن من كان قبلكم"؛ كما تقدم. وكان المسلمون على عهد نبيهم وبعده لا يعرفون وقت الحرب إلا السكينة وذكر الله سبحانه. قال قيس بن عباد -وهو من كبار التابعين: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند القتال وعند الجنائز. وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكينة في هذه المواطن مع امتلاء القلوب بذكر الله وإجلاله وإكرامه، كما أن حالهم في الصلاة كذلك، وكان رفع الصوت في هذه المواطن الثلاثة من عادة أهل الكتاب والأعاجم، ثم قد ابتلي بها كثير من هذه الأمة". قلت: ويشهد لما ذكره من كراهة صوت الجرس مطلقًا قوله عليه الصلاة والسلام: "الجرس مزمار الشيطان". أخرجه مسلم "6/ 163"، وأبو داود "1/ 401"، والحاكم "1/ 445"، والخطيب "13/ 70"، والبيهقي "5/ 253"، وكذا أحمد "2/ 366 و372". وفي حديث آخر: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ...................................................................................   = رواه مسلم عن أبي هريرة، وأبو داود عنه عن أم سلمة. قال المناوي: "قال ابن حجر: الكراهة لصوته؛ لأن فيه شبهًا بصوت الناقوس وشكله". قلت: وقد أحدثت في هذا العصر أجراس متنوعة لأغراض مختلفة نافعة، كجرس ساعة المنبه الذي يوقظ من النوم، وجرس الهاتف "التليفون"، وجرس دوائر الحكومة، والدور، ونحو ذلك، فهل يدخل هذا في الأحاديث المذكورة وما في معناها؟ وجوابي: لا، وذلك لأنه لا يشبه الناقوس لا في صوته ولا في صورته. والله أعلم. وهذا بخلاف أجراس بعض الساعات الكبار التي تعلق على الجدران، فإن صوتها يشبه صوت الناقوس تمامًا، ولذلك فهذا النوع من الساعات لا ينبغي للمسلم أن يدخلها إلى داره، ولا سيما أن بعضها تعزف ما يشبه الموسيقى قبيل أن يدق جرسها! مثل ساعة لندن التي تسمع من إذاعتها والمعروفة باسم "بك بن". ومما يؤسف له أن هذا النوع من الساعات قد أخذ يغزو المسلمين حتى في مساجدهم، بسبب جهلهم بشريعتهم! وكثيرًا ما سمعنا الإمام يقرأ في الصلاة بعض الآيات التي تندد بالشرك والتثليث، والناقوس يدق من فوق رأسه مناديًا ومذكرًا بالتثليث! والإمام وجماعته في غفلتهم ساهون. ولقد كنت كلما دخلت مسجدًا فيه مثل هذه الساعة، عطلت ناقوسها دون أن أمس آلتها بسوء؛ لأنني ساعاتي ماهر والحمد لله، وما كنت أفعل ذلك إلا بعد أن ألقي كلمة أشرح فيها وجهة نظر الشرع في مثل هذا الناقوس، وأقنعهم بضرورة تطهير المسجد منه، ومع ذلك فقد كانوا أحيانًا -مع اقتناعهم- لا يوافقون على ذلك، بحجة أن الشيخ فلان والعالم فلان وفلان صلوا في هذا المسجد، وما أحد منهم اعترض!. هذا في سورية، وما كنت أظن أن مثل هذه الساعة التي تذكر بالشرك تغزو بلاد التوحيد "السعودية"، حتى دخلت مع شقيقي منير مسجد قباء في موسم الحج "سنة 1382"، فدهشنا حين سمعنا دق الناقوس من ساعتها! فكلمنا بعض القائمين على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 2- عن عمرو بن عبسة قال:   = المسجد، ولعل إمامه كان فيهم، وأقنعناهم بعدم جواز استعمال هذه الساعة وخصوصًا في المسجد، وسرعان ما اقتنعوا، ولكنا لما طلبنا منهم أن يسمحوا لنا بتعطيل ناقوسها أبوا، وقالوا: هذا ليس من اختصاصنا، وسنرفع المسألة إلى أولي الأمر! فقلنا: شتان بين الأمس واليوم. وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما من عام إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم". "الصحيحة" "1218". وهذه ذكرى و {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} . وأثر قيس بن عباد المتقدم في كلام ابن تيمية، أخرجه البيهقي "4/ 74 و9/ 153" بإسناد صحيح، وأخرج الشطر الأول منه أبو داود "1/ 414"، والحاكم "2/ 116"، وروى له شاهدًا مرفوعًا على شرطهما. 2- أخرجه مسلم "2/ 208-209"، وأبو عوانة "1/ 386-387" في "صحيحيهما". قال ابن تيمية "ص31": "فقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب؛ معللًا بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار. ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسمًا لمادة المشابهة بكل طريق.. وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفرًا أو معصية بالنية؛ ينهى المؤمنون عن ظاهره، وإن لم يقصدوا به قصد المشركين، سدًّا للذريعة وحسمًا للمادة ... ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة، وإن لم يكن العابد = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 "قلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة. قال: "صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فَصَلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حين تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار". 3- عن جندب -وهو ابن عبد الله البجلي- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول:   = يقصد ذلك ... لما فيه من مشابهة السجود لغير الله؛ فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات! وكما يصلي إلى القبلة التي يصلون إليها، كذلك لا يصلي إلى ما يصلون له، بل هذا أشد فسادًا، فإن القبلة شريعة من الشرائع قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء؛ أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله كما قال سبحانه: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ} ". 3- أخرجه مسلم "2/ 67-68"، وأبو عوانة "1/ 401" في "صحيحيهما"، وابن سعد "2/ 2/ 35"، قال شيخ الإسلام "ص52": "وصف [رسول الله]-صلى الله عليه وسلم- أن الذين كانوا قبلنا كانوا يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وعقب "في الأصل: "عند"، والتصحيح من المخطوطة" هذا الوصف بالنهي بحرف الفاء أن لا يتخذوا القبور مساجد، وقال: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك". 4- عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم". 5- عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   =إنه -صلى الله عليه وسلم- ينهانا عن ذلك، ففيه دلالة على أن اتخاذ من قبلنا لنهينا، إما مظهر للنهي، وإما موجب للنهي، وذلك يقتضي أن أعمالهم دلالة وعلامة على أن الله ينهانا عنها، أو أنها علة مقتضية للنهي، وعلى التقديرين يعلم أن مخالفتهم أمر مطلوب للشارع في الجملة. والنهي عن هذا العمل بلعنة اليهود والنصارى مستفيض عنه -صلى الله عليه وسلم- ... وليس هذا موضع استقصاء ذلك؛ إذ الغرض القاعدة الكلية، وإن كان تحريم ذلك ذكره غير واحد من علماء الطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد غيرهم". 4- رويناه في "صحيح سنن أبي داود" برقم "659"، وذكرنا هناك من صححه من الأئمة، وتكلمنا على فقهه في "الثمر المستطاب" وفي تخريج "صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم"، فأمر -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة اليهود مطلقًا، فهو دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع، ثم خص بالذكر مخالفتهم بالصلاة في النعال والخفاف، وليس ذلك من قبيل تخصيص العام أو تقييد المطلق، بل هو من قبيل ذكر بعض أفراد العام. قال شيخ الإسلام "ص29": "وهذا مع أن نزع اليهود نعالهم مأخوذ عن موسى -عليه السلام، لما قيل له: {اخْلَعْ نَعْلَيْكَ} ". 5- أخرجه البيهقي والطحاوي بسند صحيح، وقد روينا نحوه في "صحيح أبي داود" "645"، ورجحنا هناك أن الحديث مرفوع، وإن كان تردد راويه أحيانًا في رفعه، قال شيخ الإسلام "ص42": "وهذا المعنى صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من رواية جابر وغيره أنه أمر في الثوب الضيق بالاتزار دون الاشتمال، وهو قول جمهور أهل العلم.. وإنما الغرض أنه قال: "ولا يشتمل اشتمال اليهود"؛ فإن إضافة المنهي عنه إلى اليهود دليل على أن لهذه الإضافة تأثيرًا في النهي؛ كما تقدم التنبيه عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 "إذا صلى أحدكم في ثوب فليشده على حقوه1، ولا تشتملوا كاشتمال اليهود". 6- عن جابر بن عبد الله قال:   1 هو معقد الإزار، وجمعه أحق وأحقاه. 6- أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وهو مستفيض عن جابر، خرجناه من ثلاثة طرق عنه أوردناها في "صحيح أبي داود" رقم "615 و619"، وفي "تخريج صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم"، والزيادة في آخره عند أبي داود وغيره بإسناد صحيح. قال شيخ الإسلام "ص32": "ففي هذا الحديث أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود، ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه، وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهى أيضًا عما يشبه ذلك، وإن لم يقصد به ذلك، ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وعن الصلاة إلى ما عبد من دون الله كالنار ونحوها، وفي هذا الحديث أيضًا نهي عما يشبه فعل فارس والروم، وإن كانت نيتنا غير نيتهم لقوله: "فلا تفعلوا" فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية؟! ثم هذا الحديث سواء كان محكمًا في قعود الإمام أو منسوخًا، فإن الحجة منه = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 "اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا فلما سلم قال: "إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا". زاد في رواية: "ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها".   = قائمة؛ لأن نسخ القعود لا يدل على فساد تلك العلة، وإنما يقتضي أنه قد عارضها ما ترجح عليها، مثل كون القيام فرضًا في الصلاة، فلا يسقط الفرض بمجرد المشابهة الصورية، وهذا محل اجتهاد، وأما المشابهة الصورية إذا لم تسقط فرضًا -كذا- كانت تلك العلة التي علل بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سليمة عن معارض أو نسخ؛ لأن القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة، فلا يكون محذورًا، فالحكم إذا علل بعلة، ثم نسخ مع بقاء العلة، فلا بد أن يكون غيرها ترجح عليها وقت النسخ أو ضعف تأثيرها، أما أن تكون في نفسها باطلة فهذا محال، هذا كله لو كان الحكم هنا منسوخًا، فكيف والصحيح أن هذا الحديث محكم قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، مع كونها علموا بصلاته في مرضه، وقد استفاض عنه الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخًا له على ما هو مقرر في غير هذا الموضع، "فهو محكم" إما بجواز الأمرين؛ إذ فعل القيام لا ينافي فعل القعود، وإما بالفرق بين المبتدئ للصلاة قاعدًا، والصلاة التي ابتدأها الإمام قائمًا لعدم دخول هذه الصلاة في قوله: "وإذا صلى قاعدًا"، ولعدم المفسدة التي علل بها؛ ولأن بناء فعل آخر الصلاة على أولها أولى من بنائها على صلاة الإمام، ونحو ذلك من الأمور المذكورة في غير هذا الموضع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 7- عن ابن عمر رضي الله عنه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى رجلًا وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة فقال: "إنها صلاة اليهود"، وفي رواية: "لا تجلس هكذا إنما هذه جلسة الذين يعذبون". ومن "الجنائز": 1- عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   7- الرواية الأولى للحاكم وغيره بإسناد صحيح. والأخرى لأحمد بسند حسن على شرط مسلم، وقد تكلمنا عليهما في "تخريج صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم"، وانظر ما يأتي برقم "2" من "الآداب والعادات". قال شيخ الإسلام "ص31": "ففي هذا الحديث النهي عن هذه الجلسة، معللة بأنها جلسة المعذبين، وهذه مبالغة في مجانبة هديهم. وأيضًا فروى البخاري عن مسروق عن عائشة أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله. ورواه أيضًا من حديث أبي هريرة قال: نهي عن التخصر في الصلاة، ورواه مسلم بلفظ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم". "تنبيه": أخرج أبو داود حديث ابن عمر هذا بلفظ: "نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة"، وهو منكر بهذا اللفظ، تفرد به شيخ أبي داود محمد بن عبد الملك الغزالي، وهو سيئ الحفظ، وخالفه الإمام أحمد وغيره في لفظه، وقد فصلت القول في ذلك في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" "رقم 967". 1- أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"، وأحمد، وغيرهما كابن سعد "2/ 2/ 72"، وله شاهد من حديث ابن عباس، وقد تكلمت على طرقه، وبينت ما فيها من الكلام في "نقد كتاب التاج" رقم "299"، لكن قال شيخ الإسلام "ص33": "وهو مروي من طرق فيها لين، لكن يصدق بعضها بعضًا، وفيه التنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب حتى في وضع الميت في أسفل القبر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 "اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب". ومن "الصوم": 1- عن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر". 2- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون". 3- عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية -رضي الله عنه وعنها- قالت   1- أخرجه مسلم "3/ 130-131"، وأصحاب "السنن"، وأحمد "4/ 197 و202". 2- رواه الترمذي وأحمد بإسناد حسن، وقد خرجناه في "التعليقات الجياد على زاد المعاد". قال شيخ الإسلام: "وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى، وإذا كان مخالفتهم سببًا لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة". 3- أخرجه أحمد "5/ 225"، وكذا سعيد بن منصور كما في "الاقتضاء" = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أردت أن أصوم يومين مواصلة فنهاني عنه بشير وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهاني عن ذلك وقال: "إنما يفعل ذلك النصارى، صوموا كما أمركم الله، وأتموا الصوم كما أمركم الله و {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فإذا كان الليل فأفطروا". 4 - عن ابن عباس قال: "حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول   = "ص29" من طريق عبيد الله بن إياد بن لقيط عن أبيه عنها. وهذا إسناد صحيح، وليلى صحابية كما في "التقريب" وغيره، وعزاه الحافظ في "الفتح" "4/ 164" للطبراني أيضًا، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في "تفسيرهما" بإسناد صحيح إلى ليلى. قال شيخ الإسلام: "فعلل النهي عن الوصال بأنه صوم النصارى، وهو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من رهبانيتهم التي ابتدعوها". 4- أخرجه مسلم "3/ 151"، والبيهقي "4/ 287"، وغيرهما. قال شيخ الإسلام "ص41": "فهذا يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر سنة ماضية، صامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه، ورغب فيه، ثم لما قيل له "قبيل وفاته": إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم، بضم يوم آخر إليه، وعزم على ذلك، ولهذا استحب العلماء ومنهم الإمام أحمد أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وبذلك عللت الصحابة -رضي الله عنهم. قال سعيد بن منصور: حدثنا ... عن ابن عباس: صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود". قلت: وإسناده صحيح على شرطهما، وأخرجه البيهقي "4/ 287"، وقد روى نحوه مرفوعًا بسند ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع"، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم". 5 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:   5- أخرجه أحمد "6/ 324"، والحاكم "1/ 436"، ومن طريقه البيهقي "4/ 303" من طريق عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن كريب عنها. وهذا إسناد حسن، وقال الحاكم: "صحيح" ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا ابن حزيمة كما في "نيل الأوطار" "4/ 214"، ونسبه لابن حبان أيضًا. وقد عزاه ابن القيم في "الزاد" "1/ 237" لـ"سنن" النسائي أيضًا، وتبعه الحافظ في "الفتح" "10/ 298"، والظاهر أنهما يقصدان "السنن الكبرى" له، لأني لم أجده في "سننه الصغرى"، ولذلك لم يورده النابلسي في "الذخائر"، وهو إنما ينقل فيه عن "الصغرى" كما نص في المقدمة، بل أورده الهيثمي في "المجمع" "3/ 198"، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات، وصححه ابن حبان". وهذا قصور منه، حيث لم يعزه للمسند، وكأنه قد فاته ذلك، ثم قال الحافظ: "وأشار بقوله: "يوما عيد" إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود، والأحد عيد عند النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامها، ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيدًا، بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه، وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معًا وفرادى؛ امتثالًا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب، ثم قال: وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب، فزادت على الثلاثين حكمًا، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام ويقول: "إنهما يوما عيد المشركين فأنا أحب أن أخالفهم". ومن "الحج": 1- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:   = وقد أودعتها كتابي الذي أسميته "القول الثبت في الصوم يوم السبت". قلت: والذي تيسر لي جمعه منها في هذه العجالة قريب من الثلاثين حكمًا التقطتها من ثلاثين حديثًا ونيف. والحمد لله على توفيقه وهدايته. ثم بدا لي أن في الحديث ضعفًا، بينته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" "1099"، وأنه من الناحية الفقهية لا يشرع صوم السبت إلا في الفرض؛ كما حكاه الطحاوي في "شرح المعاني" "1/ 399" عن بعض أهل العلم، وذلك لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عنه نهيًا عامًّا في قوله: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ... "، وهو مخرج في "الإرواء "960". وراجع تعليقي عليه من الناحية الفقهية على "صحيح الترغيب" "1/ 509"، والاستدراك "16" آخر الثاني من "الصحيحة" الطبعة الجديدة/ المعارف. 1- أخرجه البخاري "3/ 418"، وأبو داود "1/ 305"، والنسائي "2/ 48-49"، والترمذي "2/ 104-125"، وأحمد "رقم 84 و200 و275 و358 و385"، وقال الترمذي: "حسن صحيح". قال شيخ الإسلام "ص57": "وقد روي في هذا الحديث فيما أظنه أنه قال: خالف هدينا هدي المشركين". قلت: وهذا وهم منه -رحمه الله، فليس هذا الذي ذكره في شيء من طرق الحديث، وإنما هو في حديث آخر أخرجه الطبراني "20/ 24/ 28" من طريق ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنهما- قال: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 "إن المشركين كانوا لا يفيضون من "جمع"1 حتى تشرق الشمس على "ثبير"2، وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير فخالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فدفع قبل أن تطلع الشمس". ومن "الذبائح": 1 - عن رافع بن خديج قال:   = "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد؛ فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال، هدينا مخالف لهديهم". وأخرجه الحاكم "2/ 277 و3/ 523"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي، وفيه نظر من وجهين: الأول: أن محمد بن قيس بن مخرمة لم يرو له البخاري مطلقًا. والآخر: أن ابن جريج يدلس كما قال الذهبي نفسه في "الميزان"، وقال أحمد: "إذا قال: "أخبرنا" أو "سمعت"؛ حسبك به". وأنت ترى أنه لم يصرح بسماعه هنا، بل عنعنه فكانت علة. والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" "3/ 255" مثل رواية الحاكم، ثم قال: "روا الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح". 1 أي: مزدلفة، قيل، سميت به؛ لأن آدم وحواء عليهما السلام لما أهبطا اجتمعا بها! 2 جبل معروف عند مكة. 1- أخرجه البخاري "9/ 513-517و553"، ومسلم "6/ 78 و79"، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 "قلت: يا رسول الله إنا ملاقو العدو غدًا وليست معنا مُدى؟ قال -صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذُكر اسم الله فكل، ليس السنّ والظفرَ وسأحدثك: أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة".   = وأبو داود "2/ 6"، والنسائي "2/ 207"، والترمذي "2/ 350-351"، وابن ماجه "2/ 284"، والبيهقي "9/ 247"، وأحمد "3/ 463 و4/ 140"، والطحاوي في "شرح المعاني" "2/ 306". قال شيخ الإسلام "ص54-55": "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الذبح بالظفر معللًا بأنها مدى الحبشة، كما علل السن بأنه عظم. وقد اختلف الفقهاء في هذا، فذهب أهل الرأي إلى أن علة النهي كون الذبح بالسن والظفر يشبه الخنق، أو هو مظنة الخنق، والمنخنقة محرمة، وسوغوا على هذا الذبح بالسن والظفر المنزوعين؛ لأن التذكية بالآلات المنفصلة المحددة لا خنق فيه، والجمهور منعوا من ذلك مطلقًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- استثنى السن والظفر مما أنهر الدم، فعلم أنه من المحدد الذي لا يجوز التذكية به، ولو كان لكونه خنقًا لم يستثنه، والمظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية أو غير منضبطة، فأما مع ظهورها وانضباطها فلا، وأيضًا فإنه مخالف لتعليل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنصوص في الحديث، .... فقوله -صلى الله عليه وسلم: "وأما الظفر فمدى الحبشة" بعد قوله: "وسأحدثكم عن ذلك"، يقتضي أن هذا الوصف -وهو كونه مدى الحبشة- له تأثير في المنع، إما أن يكون علة، أو دليلًا على العلة، أو وصفًا من أوصاف العلة أو دليلها، والحبشة في أظفارهم طول، فيذكون بها دون سائر الأمم، فيجوز أن يكون نهيه عن ذلك لما فيه من مشابهتهم فيما يختصون به". وفي "الفتح" ما خلاصته: "قوله: "وأما الظفر فمدى الحبشة"، أي: وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم. قاله ابن الصلاح وتبعه النووي، واعترض عليه بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار، وأجيب بأن الذبح بالسكين هو الأصل، وأما ما يلحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبيه لصنفها، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وشبهها كما سيأتي واضحًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ومن "الأطعمة": 1 - عن عدي بن حاتم قال: "قلت: يا رسول الله إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرجًا قال: "لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية" 1.   1- أخرجه أحمد "4/ 258 و377"، والبيهقي "7/ 279"، والترمذي أيضًا "2/ 384"؛ من طريق شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت مري بن قطري قال: سمعت عدي بن حاتم به، وكذا رواه ابن حبان "1/ 274/ 333/ الإحسان". وهذا سند حسن بما بعده، رجاله ثقات رجال مسلم، غير مري بن قطري، وقد وثقه ابن حبان، وقال فيه الحافظ في "التقريب": "مقبول"، أي: إذا توبع، ولم يتفرد به، فقد أخرجه أبو داود "2/ 142"، والترمذي أيضًا، وابن ماجه "2/ 192"، وكذا البيهقي، وأحمد "5/ 226 و227"، من طرق عن سماك بن حرب: حدثني قبيصة بن هلب عن أبيه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم، يقول -وسأله رجل فقال: إن من الطعام طعامًا أتحرج منه؟ فقال: "لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية". وهذا الإسناد كالذي قبله، إلا أن قبيصة بن هلب وثقه العجلي أيضًا، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن". 1 أي: شابهت لأجله أهل الملة النصرانية من حيث امتناعهم إذا وقع في قلب أحدهم أنه حرام أو مكروه، وهذا في المعنى تعليل النهي، والمعنى: لا تتحرج فإنك إن فعلت ذلك؛ ضارعت فيه النصرانية؛ فإنه من دأب النصارى وترهبهم. كذا في "تحفة الأحوذي" في شرح حديث هلب الآتي قريبًا شاهدًا لحديث عدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ومن "اللباس والزينة": 1- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:   1- أخرجه مسلم "6/ 144"، والنسائي "2/ 298"، والحاكم "4/ 190"، وأحمد "2/ 162 و164 و193 و207 و211"، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" "ق69/ 2"، وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وقد وهم في استداركه على مسلم. وفي هذا الحديث النهي عن لبس ثياب الكفار الخاصة بهم. قال شيخ الإسلام "ص57-58": "وعلل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلافهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك؛ كما أنه في الحديث قال: "إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدني، وهي للمؤمنين في الآخرة"، ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبهًا بالكفار، ففي "الصحيحين" عن أبي عثمان النهدي قال: "كتب إلينا عمر -رضي الله عنه- ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: يا عتبة! إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياك والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبوس الحرير، وقال: إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما". وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان أتى بيتًا فرأى فيه حادثتين "في المخطوطة "ق50/ 2" حارستان" فيه أباريق الصفر والرصاص فلم يدخله، وقال: من تشبه بقوم فهو منهم، وفي لفظ آخر: فرأى شيئًا من زي العجم، فخرج وقال: من تشبه بقوم فهو منهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليّ ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها". 2- عن علي -رضي الله عنه- رفعه: "إياكم ولبوس الرهبان فإنه من تزيا بهم أو تشبه فليس مني". 3 - عن أبي أمامة قال:   2- أخرجه الطبراني في "الأوسط" بسند لا بأس به. كذا في "الفتح" "10/ 223". وأقول الآن في هذه الطبعة: لعل الحافظ يعني: لا بأس بسند في الشواهد، فقد وقفت على إسناده، فتبين أن فيه عللًا تضطرني إلى الحكم عليه بالضعف، ولذلك بادرت إلى إخراجه في "الأحاديث الضعيفة" "3234"، وتفصيل القول فيه هناك، والله تعالى هو الهادي. 3- أخرجه أحمد "5/ 264" من طريق القاسم قال: سمعت أبا أمامة به. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير القاسم -وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي- وهو حسن الحديث، وقال الهيثمي في "المجمع" "5/ 131": "رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح؛ خلا القاسم، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر". وفيه أن شيخ أحمد فيه: زيد بن يحيى، وليس من رجال الصحيح؛ لا البخاري ولا مسلم. فجعله منهم سهو منه. ثم ذكر للحديث شاهدًا من رواية جابر بن عبد الله عند الطبراني في "الأوسط"، قال في آخره: "وخالفوا أولياء الشيطان بكل ما استطعتم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: "يا معشر الأنصار، حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون قال: "فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم1، قال -صلى الله عليه وسلم: "قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب". 4 - عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   = وحديث أبي أمامة حسنه الحافظ في "الفتح" "9/ 291"، وقال: "وأخرج الطبراني نحوه من حديث أنس". 1 العثانين: جمع عثنون، وهي اللحية، و"السبال" جمع "سبلة" بالتحريك، وهي الشارب. 4- أخرجه البخاري "10/ 288"، ومسلم "1/ 153"، وأبو عوانة "1/ 189"، والبيهقي "1/ 150"، من طريق نافع عنه، إلا أن أبا عوانة قال: "المجوس"، بدل: "المشركون"، ويشهد له ما أخرجه البيهقي "1/ 151"؛ من طريق ميمون بن مهران عن عبد الله بن عمر قال: ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- المجوس، فقال: "إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم". ورجاله ثقات غير أبي بكر محمد بن جعفر المزكي، فلم أجد من ترجمه. لكن أخرج ابن حبان في "صحيحه" "2452 -الإحسان" من طريق أخرى، = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 "خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأفوا اللحى". 5- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   = ولذلك خرجته في "الصحيحة" "2834". ويشهد له أيضًا حديث أبي هريرة الآتي بعده، ففيه: "خالفوا المجوس"، ولهذا قال الحافظ في "الفتح": "وهو المراد في حديث ابن عمر، فإنهم كانوا يقصون لحاهم، ومنهم من كان يحلقها". قال شيخ الإسلام "ص28": "فأمر -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة المشركين مطلقًا، ثم قال: "أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"، وهذه الجملة الثانية بدل من الأولى، فإن الإبدال يقع في الجمل كما يقع في المفردات، قال: فلفظ مخالفة المشركين دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع، وإن عينت في هذا الفعل، فإن تقديم المخالفة علة تقديم العام على الخاص، كما يقال: أكرم ضيفك؛ أطعمه وحادثه، فأمرك بالإكرام أولًا، دليل على أن إكرام الضيف مقصود، ثم عينت الفعل الذي يكون إكرامًا في ذلك الوقت، والتقرير من هذا الحديث شبيه بالتقرير من قوله: "لا يصبغون فخالفوهم". وسيأتي هذا الحديث بعد هذا بحديث، ثم ذكر حديث أبي هريرة، وهو الحديث المذكور أعلاه، والتالي تخريجه. 5- أخرجه مسلم "1/ 153"، وأبو عوانة "1/ 188"، والبيهقي "1/ 150"، وأحمد "2/ 153 و366"؛ من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وله شاهد من حديث أنس، أورده في "المجمع" "5/ 166"، وقال: "وراه البزار، وفيه الحسن بن جعفر، وهو ضعيف متروك". وقد أخرجه الطحاوي "2/ 333" من طريق أخرى ضعيفة أيضًا. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس". 6- وعنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم:   = قال شيخ الإسلام: "فعقب الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم، أو علة أخرى، أو بعض علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة، ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره؛ كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من هدي المجوس، وقال المروزي: سألت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- عن حلق القفا؟ فقال: هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم .... وذكر الخلال عن المعتمر بن سليمان التميم قال: كان أبي إذا جز شعره لم يحلق قفاه، قيل له: لم؟ قال: كان يكره أن يتشبه بالعجم. والسلف تارة يعللون الكراهة بالتشبه بأهل الكتاب، وتارة بالتشبه بالأعاجم، وكلا العلتين منصوص في السنة، مع أن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بوقوع المشابهة لهؤلاء وهؤلاء؛ كما قدمنا بيانه". 6- أخرجه البخاري "10/ 291"، ومسلم "6/ 155"، وأبو داود "2/ 195"، والنسائي "2/ 273"، وابن ماجه "2/ 381"، وأحمد "2/ 240 و260 و309 و401". قال الشوكاني في "نيل الأوطار" "1/ 105": "والحديث يدل على أن العلة في شرعية الصباغ، وتغيير الشيب، هي مخالفة اليهود والنصارى، وبهذا يتأكد استحباب الخضاب، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبالغ في مخالفة أهل الكتاب، ويأمر بها، وهذه السنة قد كثر اشتغال السلف بها، ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون: "وكان يخضب"، "وكان لا يخضب"، قال ابن الجوزي: قد اختضب جماعة من الصحابة والتابعين، وقال أحمد بن حنبل وقد رأى = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 "إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم".   = رجلًا قد خضب لحيته: إني لأرى رجلًا يحيي ميتًا من السنة، وفرح به حين رآه صبغ بها". وقال شيخ الإسلام "ص24" بعد أن ذكر الحديث: "هذا فيه أمر بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرًا مقصودًا للشارع؛ لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط؛ فهو لأجل ما فيه من المخالفة، فالمخالفة إما علة مفردة، أو علة أخرى، أو بعض علة، وعلى جميع التقديرات تكون مأمورًا بها مطلوبة للشارع؛ لأن الفعل المأمور به إذا عبر عنه بلفظ مشنق من معنى أعم من ذلك الفعل؛ فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمرًا مطلوبًا، لا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه معنى مناسب للحكمة، كما لو قيل للضيف: "أكرمه"؛ بمعنى: أطعمه، وللشيخ الكبير: "وقره"؛ بمعنى: اخفض صوتك له، أو نحو، وذلك لوجوه". قلت: ثم أطال في بيانها إلى "ص28" وفيه من الفوائد العلمية ما لا يوجد في غيره، ومما جاء فيه "ص27": "وهذا وإن دل على أن مخالفتهم أمر مقصود للشرع، فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحة مقصودة مع قطع النظر عن مخالفتهم، فإن هنا شيئين: أحدهما: أن نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين، لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه حتى رأى ما اتصف به المغضوب عليهم والضالون من المرض الذي ضرره أشد من ضرر أمراض الأبدان. والثاني: أن نفس ما هم عليه من الهدى والخلق قد يكون مضرًّا أو منقصًا، فينهى عنه، ويؤمر بضده، لما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيء من أمورهم إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 7- وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى".   = وهو: إما مضر أو ناقص؛ لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة ونحوها مضرة، وما بأيديهم مما لم ينسخ أصله، فهو يقبل الزيادة والنقص، فمخالفتهم فيه بأن يشرع ما يحصله على وجه الكمال، ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملًا قط، إذا المخالفة لهم فيها منفعة وصلاح لنا في كل أمورهم، حتى ما هم عليه من اتقان أمور دنياهم قد يكون مضرًّا بالآخرة، أو بما هو أهم منه من أمر الدنيا، فالمخالفة فيه صلاح لنا ... وحقيقة الأمر أن جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خلل يمنعها أن تتم منفعة بها، ولو فرض صلاح شيء من أموره على التمام لاستحق بذلك ثواب الآخرة، ولكن كل أموره إما فاسدة، وإما ناقصة، فالحمد لله على نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم، وأم كل خير كما يحب ربنا ويرضى، فقد تبين أن نفس مخالفتهم أمر مقصود للشارع في الجملة، ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يعللون الأمر بالصبغ بعلة المخالفة". ثم ساق بعض النقول في ذلك عن أحمد. 7- أخرجه أحمد "2/ 161 و499" من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" "5449 -الإحسان"، وتابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه عند أحمد "2/ 356"، والترمذي "3/ 55"، وقال: "حديث حسن صحيح"، وله شواهد كثيرة: منها عن الزبير بن العوام، أخرجه أحمد "رقم 1415": حدثنا محمد بن كناسة: حدثنا هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فذكره، دون قوله: "ولا بالنصارى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ...................................................................................   = ومن طريق ابن كناسة هذا أخرجه النسائي "2/ 278"، وأبو نعيم "2/ 180"، والخطيب "5/ 404-405". قلت: وهذا إسناد صحيح، وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عروة، تفرد به ابن كناسة، وحدث به عن ابن كناسة الأئمة؛ أبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة". فأشار بهذا إلى أن الإسناد صحيح، لكن أعله ابن معين والدارقطني بالإرسال كما حكى ذلك الخطيب، وقال الدراقطني: "رواه الحفاظ من أصحاب هشام عن هشام عن عروة مرسلًا"، ثم أخرجه النسائي والخطيب "4/ 77" من طريق أحمد بن جناب الحدثي: حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعًا. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، لكنه أعلّ أيضًا، فقال النسائي بعد أن ساقه والذي قبله: "كلاهما غير محفوظ". وقال الخطيب: "تفرد بن أحمد بن جناب عن عيسى". قلت: وهما ثقتان، فلا يضر تفردهما بهذا الإسناد، وكل هذه الأسانيد عن هشام صحيحة، وقد كان له في هذا الحديث عدة أسانيد، وهذا منها. ومنها ما أخرجه الخطيب "5/ 405 و9/ 378"؛ من طريق عبد الله بن أحمد الأهوازي الجواليقي، حدثنا زيد بن الحريش، حدثنا ابن رجاء عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا به. وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير زيد بن الحريش؛ أورده في "اللسان"، وقال: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ...................................................................................   = "قال ابن حبان في "الثقات": ربما أخطأ، وقال ابن القطان: مجهول الحال". ولم يتفرد به، فقد قال الخطيب عقيبه: "وهكذا رواه أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام". وقال الدراقطني: "وكذلك روى حفص بن عمرو الحبطي عن هشام". لكن يحيى بن أبي زكريا وحفص بن عمر ضعيفان، فالعمدة على رواية سفيان، وقد أورد الهيثمي حديث عائشة هذا في "المجمع" "5/ 160-161"، وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخ له اسمه أحمد، ولم أعرفه، والظاهر أنه ثقة لأنه أكثر عنه، وبقية رجاله ثقات". ومن شواهد هذا الحديث ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" "1/ 10/ 2/ 141 بترقيمي" عن أنس بن مالك: قال: كنا يومًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخلت عليه اليهود، فرآهم بيض اللحى، فقال: "مالكم لا تغيرون؟ ". فقيل: إنهم يكرهون! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لكنكم غيروا؛ وإياي والسواد". قال الهيثمي "5/ 160": "وفيه ابن لهيعة، وبقية رجاله ثقات، وهو حديث حسن". قلت: وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد. قال شيخ الإسلام: "وهذا اللفظ -يريد المذكر في المتن- أدل على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن مشابهتهم، فإن إذا نهى عن التشبه بهم في بقاء ببياض الشبب الذي ليس من فعلنا؛ فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى، ولهذا كان هذا التشبه بهم يكون حرامًا، بخلاف الأول". وقال المناوي: "وفيه ندب مخالفة اليهود والنصارى مطلقًا، فإن العبرة بعموم اللفظ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 8- عن ابن عباس قال:   8- أخرجه البخاري "6/ 447 و7/ 221 و10/ 297"، ومسلم "7/ 83"، وأبو داود "2/ 193"، والنسائي "2/ 292"، وابن ماجه "2/ 383"، وأحمد "رقم 2209 و2362 و2605 و2944". وقد عزاه بعضهم للشيخين وأصحاب "السنن"، فأوهم أنه في الترمذي أيضًا، وليس كذلك. ولم يعزه إليه النابلسي في "الذخائر" "رقم 3202". ففي الحديث أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- استقر أخيرًا على مخالفة أهل الكتاب حتى في الشعر!. قال شيخ الإسلام "ص82": "ولهذا صار الفرق شعار المسلمين، وكان من الشروط المشروطة على أهل الذمة "أن" لا يفرقوا شعورهم، وهذا كما أن الله شرع في أول الأمر استقبال بيت المقدس موافقة لأهل الكتاب، ثم إنه نسخ ذلك وأمره باستقبال الكعبة، وأخبر عن اليهود وغيرهم من السفهاء أنهم سيقولون: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} ". والسر في موافقته لأهل الكتاب أول الأمر ما ذكره الحافظ في "الفتح"، وهو: "أن أهل الأوثان أبعد عن الإيمان من أهل الكتاب؛ ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة، فكان يحب موافقتهم ليتألفهم، ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان، فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله، واستمر أهل الكتاب على كفرهم، تمحضت المخالفة لأهل الكتاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رءوسهم فسدل النبي -صلى الله عليه وسلم- ناصيته ثم فرق بعد". ومن "الآداب والعادات": 1 - عن جابر بن عبد الله مرفوعا: "لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرءوس والأكف والإشارة"1.   1- قال الحافظ في "الفتح" "11/ 12": "أخرجه النسائي بسند جيد". قلت: ولعله في "سننه الكبرى" أو في "عمل اليوم والليلة" له، ثم طبع هذا، وهو فيه برقم "340"، وفيه عنعنة أبي الزبير. انظر "الصحيحة" "1783". وقد أورده الهيثمي في "المجمع" "8/ 38" بنحوه، ثم قال: "رواه أبو يعلى والطبراني في "الأوسط"، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح". ويشهد له ما أخرجه الترمذي "3/ 386" من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود بالإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف". وقال: "هذا إسناد ضعيف". قلت: وابن لهيعة إنما ضعف من قبل حفظه، والحديث الذي قبله يشهد لما رواه، وانظر الحديث الآتي. 1 ولهذا كانوا يكرهون التسليم باليد، كما قال عطاء بن أبي رباح فيما أخرجه = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ...................................................................................   = البخاري في "الأدب المفرد" "ص146"، وإسناده صحيح على شرطه في "الصحيح". قال النووي: "والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حسًّا وشرعًا، وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس، وكذا السلام على الأصم". ذكره في "الفتح". قلت: ثم إن الحديث عام يشمل -باستثناء من سبق- من سلم بالإشارة واللفظ معًا، أو بالإشارة دون اللفظ، وإن كان هذا أشد مخالفة؛ لجمعه بين ترك السنة -وهو إلقاء السلام أو رده- والتشبه بالكفار. وأما النووي فقد حمله على هذا الأخير محتجًّا بحديث في ثبوته نظر، فقال في "الأذكار" "ص313" عقب حديث عمرو بن شعيب المتقدم: "وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فأشار بيده بالتسليم، قال الترمذي: حديث حسن. فهذا محمول على أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بين اللفظ والإشارة، يدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث، وقال في روايته: فسلم علينا". قلت: حديث أسماء هذا لا يصح، فلا يصلح للاعتماد عليه في إجازة ما دل مطلق حديث جابر وغيره على منعه؛ وذلك لأن إسناده يدون على شهر بن حوشب عنها، وهو مختلف فيه، وقد قال فيه ابن عدي: وهو ممن لا يحتج به، ولا يتدين بحديثه، قال الحافظ في "التقريب": "صدوق، كثير الإرسال والأوهام". وكثرة أوهامه مما لا يشك فيه من تتبع روايته وأحاديثه، ولذلك لا نشك أن ما تفرد به أو اختلف عليه فيه؛ أنه لا يحتج به، وإنما يعتبر به في الشواهد والمتابعات، وقد تفرد بذكر الإشارة في هذا الحديث، بل اختلف عليه فيها؛ فمنهم من أثبتها عنه، ومنهم = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ...................................................................................   = من لم يذكرها البتة، فقد أخرج حديثه الترمذي "3/ 386"، والبخاري في "الأدب المفرد" "ص151"، وأحمد "6/ 457-458"؛ من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر به. وقال الترمذي: "وهذا حديث حسن، قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب، قال محمد: شهر حسن الحديث، وقوي أمره، وقال: إنما تكلم فيه ابن عون". قلت: قد تكلم فيه غيره أيضًا، فانظر ترجمته في "تهذيب التهذيب"، وقد ذكرت لك خلاصة ما يستفاد من أقوالهم فيه. ثم أخرج الحديث أبو داود "2/ 343"، والدارمي "2/ 277"، وابن ماجه "2/ 398"، وأحمد "6/ 452" من طريق ابن أبي حسن سمعه من شهر بن حوشب، يقول: أخبرته أسماء ابنة يزيد مر علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- في نسوة فسلم علينا. فلم يذكر ابن أبي الحسين -واسمه عبد الله بن عبد الرحمن- عنه الإشارة، وذكرها عبد الحميد بن بهرام، فاختلفا، فوجب الترجيح، ورواية ابن أبي حسين عندي أرجح؛ لأنه ثقة عند الجميع كما قال ابن عبد البر، وهو محتج به في "الصحيحين"، وليس كذلك ابن بهرام، فهو مع كونه ليس من رجالهما، فقد قيل فيه: "إنه يهم"، و"لا يحتج بحديثه"؛ فلا يصلح أن يعارض بروايته ويقال: "زيادة الثقة مقبولة"؛ لأن هذا محله فيما لو كان الزائد ثقة قوي الحفظ كما هو مبين في "المصطلح"، وليس الأمر كذلك هنا، فتنبه. على أننا لو فرضنا أن ابن بهرام قد حفظ هذه الزيادة عن شهر، فذلك يدل على أن شهرًا نفسه كان يضطرب فيها، فكان يرويها تارة، وتارة لا، وذلك مما يوهن الاعتماد عليها والاحتجاج بها. ويؤيد هذا أن الحديث رواه غير شهر عن أسماء بدون الزيادة، فقال البخاري في "الأدب": حدثنا مخلد قال: حدثنا مبشر بن إسماعيل عن ابن أبي غنية عن محمد بن = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 2- عن الشريد بن سويد قال:   = مهاجر عن أبيه عن أسماء ابنة يزيد الأنصارية: مر بي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في جوار أتراب لي، فسلم علينا. وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، ورجاله ثقات، رجال الصحيح، غير مهاجر والد محمد، وقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" "5/ 427"، فالآخذ بحديثه هذا أولى، ولا سيما وهو مولى أسماء هذه، فهو أعلم بحديثها من شهر. وبذلك يثبت أن أصل الحديث صحيح، وأن ذكر الإشارة فيه منكر من أوهام شهر بن حوشب، فلا يحتج بها، ولا يعارض الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه. "تنبيه": قال الحافظ في "الفتح" بعد أن ساق حديث أسماء، واللفظ الذي فيه الإشارة: "وله شاهد من حديث جابر عند أحمد". ونقله عنه المباركفوري في "تحفة الأحوذي". ويغلب على الظن أن قوله: "جابر سبق قلم من الحافظ، والصواب: "جرير"، فإن الهيثمي لم يورد في "المجمع" "8/ 38" غير حديثه، ولفظه: "مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على نسوة، فسلم عليهن"، وهو في "المسند" "4/ 357 و363"، و"عمل اليوم والليلة" لابن السني "رقم 221"، وأبي يعلى، والطبراني، وقد تكلم عليه الهيثمي بما يدل على اضطراب إسناده، وفي بعض طرقه جابر عن طارق التيمي، قال الهيثمي: "فإن كان جابر هو الجعفي فهو ضعيف". وجزم الحافظ في "التعجيل" بأنه هو، وفيه نظر، فإنه وقع في السند جابر بن عبد الله، والجعفي اسم أبيه يزيد، فافترقا، والله أعلم. 2- أخرجه أبو داود "2/ 295"، والحاكم "4/ 269"، وأحمد "4/ 388"، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. قلت: بل هو على شرط البخاري، وابن جريج قد صرح بالتحديث عند = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 "مر بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي، فقال: "أتقعد قِعدة المغضوب عليهم؟! ". 3- عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   = عبد الرزاق، كما في "كتاب الأحكام" لعبد الحق الإشبيلي "رقم 1284 -بتحقيقي". ثم رأيته كما ذكره عبد الحق في "مصنف عبد الرزاق" "2/ 198/ 3057"، فزالت العلة، وصح الحديث والحمد لله. وروى عبد الرزاق أيضًا "10/ 415/ 19542" عن يحيى بن أبي كثير، قال: "زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعتمد الإنسان على يده اليسرى إذا كان يأكل". قلت: ورجاله ثقات؛ لكنه معضل، وفي عموم الذي قبله ما يؤيد هذا. والله أعلم. ويشهد له حديث ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا ساقطًا يده في الصلاة، فقال: "لا تجلس هكذا؛ إنما هذه جلسة الذين يعذبون". أخرجه أحمد "رقم5972" بسند حسن صحيح، وقد تقدم في "الصلاة" "رقم 7 ص173". 3- حديث حسن، أخرجه الدولابي في "الكنى" "2/ 137" من طريق أبي الطيب هارون بن محمد قال: حدثنا بكير بن سمار عن عامر بن سعد عن سعد -في الأصل: سعيد وهو تحريف- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله نظيف يحب النظافة، جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم، طيب يحب الطيب، فنظفوا .... " الحديث، ورجاله ثقات؛ غير أبي الطيب هارون بن محمد، وهو ضعيف جدًّا. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 "نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود تجمع الأكباء1 في دورها".. 4 - عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   = لكن أخرجه الترمذي من طريق أخرى عن خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حسان قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: فذكره موقوفًا عليه. قال: فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار، فقال: حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله. وقال الترمذي: "حديث غريب، وخالد بن إلياس يضعف". قلت: وقد يتقوى بالطريق الأول، ويزيده قوة ما في "الجامع" عن سعد أيضًا مرفوعًا بلفظ: "طهروا أفنيتكم، فإن اليهود لا تنظف أفنيتها". رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال الشارح المناوي: "قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح؛ خلا شيخ الطبراني". قلت: فهذه الطريق غير الطريقين الأوليين قطعًا، فهو شاهد قوي للقدر الذي أوردنا من الحديث. والله تعالى أعلم. ثم وقفت على إسناد الطبراني في "زوائد المعجم الصغير والأوسط" "11/ 2"، فرأيت رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي خلا شيخ الطبراني، وهو علي بن سعيد، وهو الرازي، وهو مختلف فيه، والراجح أنه حسن الحديث إذا لم يخالف. وللحديث شاهد مرسل، أخرجه وكيع بن الجراح في "الزهد" "2/ 65/ 1"، وسنده ضعيف. وبالجملة؛ فالحديث ثابت قطعًا بهذه الطرق. 1 جمع "كِبى" بالكسر والقصر، في "القاموس": كـ"إلى": الكناسة". 4- أخرجه الإمام أحمد "رقم 4263"، والبيهقي "10/ 215"، من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عنه. والهجري هذا ضعيف، وقد ورد عنه موقوفًا على ابن مسعود. وأخرجه البيهقي أيضًا، وقال: "إنه المحفوظ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ...................................................................................   = قلت: لكن الظاهر أنه ورد من غير طريق الهجري، فقد أورده الهيثمي في "المجمع" "8/ 113" باللفظ المذكور أعلاه، وقال: "رواه أحمد والطبراني، ورجال الطبراني رجال الصحيح". والهجري ليس من رجال الصحيح، فدل على أن الطبراني رواه من طريق غيره، فتقوى الحديث به، ولا سيما أن له شهدًا، فقد جاء الحديث في "الكشاف"، وقال مخرجه الحافظ العسقلاني "4/ 18 رقم 145": "رواه ابن مردويه من حديث سمرة بن جندب، ومن حديث أبي موسى الأشعري نحوه، ورواه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" من وجهين عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود". قلت: هو عند البخاري "ص184" من طريق عبد الملك عن أبي الأحوص به موقوفًا، وهو عند أحمد من طريق الهجري مرفوعًا كما تقدم، وصنيع الحافظ يوهم أنهما أخرجاه كلاهما موقوفًا أو مرفوعًا، وليس كذلك. وبالجملة فالحديث حسن أو صحيح. والله أعلم. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" "8/ 737/ 6203"، وابن عدي في ترجمة الهجري من "الكامل" "1/ 213"، وقال: "وإبراهيم الهجري حدث عنه شعبة والثوري وغيرهما، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله، وهو عندي ممن يكتب حديثه". وروى له ابن أبي شيبة "6195" شاهدًا عن قتادة؛ قال: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن اللعب بالكعبين؟ فقال: "إنها ميسر الأعاجم". قال: وكان قتادة يكره اللعب بكل شيء حتى يكره اللعب بالحصى. قلت: وإسناده صحيح؛ لكنه مرسل؛ فلا بأس به في الشواهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 "إياكم وهاتان1 الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرا فإنها ميسر العجم". "متنوعات": 1- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تطروني2 كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد الله،   1 هكذا الرواية، وهي على لغة من يلزم المثنى الألف، وهي لغة صحيحة معروفة. 1- أخرجه البخاري "6/ 381 و12/ 124"، والترمذي في "الشمائل" "2/ 161"، والدارمي "2/ 320"، والطيالسي "رقم 25"، وأحمد "رقم 154 و164 و331 و391". 2 بضم أوله من الإطراء، قال المناوي على "الشمائل": "وهو المبالغة في المدح والغلو، فالمعنى: لا تجاوزوا الحد في مدحي بغير الواقع، فيجركم ذلك إلى الكفر كما جر النصارى لما تجاوزوا الحد في مدح عيسى -عليه السلام- بغير الواقع واتخذوه إلهًا. قال: والتشبيه في قوله: "كما أطرت النصارى عيسى" في زعم الألوهية، ويصح أن يكون ليس بمجرد ذلك بل لنسبة ما ليس فيه، فيكون أعم". قلت: وهذا هو الصحيح؛ لأننا نعلم بالضرورة أن النصارى قد أطروا عيسى -عليه السلام- بغير الألوهية أيضًا، فمدح المسلمين للنبي -صلى الله عليه وسلم- بما ليس فيه يكون تشبهًا بالنصارى، فينهى عنه لأمرين: الأول: كونه كذبًا في نفسه، وهو -صلى الله عليه وسلم- أرفع مقامًا من أن يمدح به. والآخر: سدًّا للذريعة، وخشية أن يؤدي ذلك إلى ما أدعته النصارى في نبيهم من الألوهية ونحوها. وقد وقع في هذا بعض المسلمين، على الرغم من هذا الحديث = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فقولوا: عبد الله ورسوله".   = وغيره، وذلك مصداقًا قوله -صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه". متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" "72-75". قلت: ومع ذلك فإننا لا نزال نسمع بعضهم يترنم بقول القائل مخاطبًا النبي -صلى الله عليه وسلم: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فهذا شرك في بعض صفاته تعالى، فإن الله -عز وجل- كما أنه واحد في ربوبيته وألوهيته، فكذلك هو واحد في صفاته، لا يشاركه في شيء منها أحد من مخلوقاته، مهما سمت منزلته، وعلت رتبته، فهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد البشر يسمع جارية تقول في غنائها البريء: وفينا نبي يعلم ما في غد فيقول لها -صلى الله عليه وسلم: "دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين". أخرجه البخاري وغيره. فأين قول هذه الجارية مما يردده بعض المسلمين منذ مئات السنين: ومن علومك علم اللوح والقلم فهو عندهم ليس يعلم فقط ما في غد، بل يعلم ما كان وما سيكون مما سطره القلم في اللوح المحفوظ! بل هو بعض علمه!! سبحانك هذا بهتان عظيم وإثم مبين. ومن كان له اطلاع على كتب الصوفية والتي يسمونها بالحقائق "! "، وكتب الموالد، ونحوها، يرى من هذا القبيل العجب العجاب. وقد يتوهم كثير من الناس الذي يريدون أن يحسنوا الظن بكل الناس أن هذه الأقوال التي تقال في مدحه -صلى الله عليه وسلم- لا يقصدون معانيها الظاهرة منها. وأن كثيرين منهم لا يخطر في بالهم ذلك. ونحن نتمنى أن يكون هذا صحيحًا، ولكن: "ما كل ما يتمنى المرء يدركه" ... فقد سمعنا من أناس يظن فيهم العلم والصلاح ما يجعلنا مضطرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 2- عن أبي واقد الليثي:   = أن نسيء الظن بهم وبعقائدهم، وآخر ما وقع من ذلك أن شيخًا منهم "هلك قريبًا" كان يدرس في مسجد بني أمية، فسر قوله تعالى في سورة الحديد {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، قال: هو محمد -صلى الله عليه وسلم، فلما اعترض عليه، حاول أن يلطف الأمر بشيء من التأويل، مصرًا على إرجاع الضمير إليه -صلى الله عليه وسلم، فلما قيل له اقرأ الآية التي بعدها: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، فهل هو محمد؟ فبهت.. ومن يعلم مذهب القائلين بوحدة الوجود، لا يستغرب صدور مثل هذه الكفريات منهم. 2- أخرجه الترمذي "3/ 213" والسياق له، وأحمد "5/ 218"، والرواية الأخرى له مع الزيادات التي بين القوسين من طريق الزهري عن سنان بن أبي سنان عنه. "وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين". وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقواه ابن القيم في "إغاثة اللهفان" "2/ 300"، وعزاه في مكان آخر "1/ 205" للبخاري في "صحيحه"، وهذا وهم منه -رحمه الله، فليس هو في "الصحيح" ولم يعزه النابلسي في "الذخائر" "10461" إلا للترمذي، وأورده ابن كثير في "تفسيره" "2/ 243" من طريق ابن جرير وأحمد فقط، وكأنه ذهب عن كونه في الترمذي أحد الستة، وإلا لما أبعد النجعة!. فقد أنكر -صلى الله عليه وسلم- عليهم ذلك القول لمشابهته لقول اليهود، مع ظهور الفرق بينهما لفظًا وقصدًا، فهو دليل واضح على أن مشابهة الكفار منكرة شرعًا، ولو كانت النية صالحة، ومثل هذه القصة في الدلالة على ما ذكرنا قصة صلاتهم وراءه -صلى الله عليه وسلم- قيامًا وهو قاعد، وأمره إياهم بالقعود، وقد تقدمت مع الكلام عليها، فراجعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، [ويعكفون حولها] ؛ قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، "وفي رواية: الله أكبر" هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم، [سنة سنة] ". 3- عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   3- أخرجه أحمد "رقم 5114 و5115 و5667"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" "2/ 73"، وابن عساكر "19/ 96/ 1"؛ من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عنه. وهذا إسناد حسن، وفي ابن ثابت كلام لا يضر، وقد علق البخاري في "صحيحه" "6/ 75" بعضه، وقال الحافظ في "شرحه": "هو طرف من حديث أخرجه أحمد من طريق أبي منيب.. وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمامه". قلت: وأخرج القطعة الأخيرة منه أبو داود "2/ 173" من طريق ابن ثابت به، وقال ابن تيمية في "الاقتضاء"، "ص39": "وهذا إسناد جيد". وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" "1/ 342": "سنده صحيح". وقال الحافظ في "الفتح" "10/ 222": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبدَ الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم".   = "سنده حسن"، وثبته الحافظ ابن حجر في "الفتح" "10/ 274". وذكر في "بلوغ المرام" "4/ 239 -بشرح الصنعاني" أن ابن حبان صححه، وقد وجدت لابن ثوبان متابعًا قويًّا، فقال الطحاوي في "مشكل الآثار" "1/ 88": وحدثنا أبو أمية: حدثنا محمد بن وهب بن عطية: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي عن حسن بن عطية به. وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون، لولا أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بسماع الأوزاعي من حسان. والله أعلم. وأبو أمية اسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي. ولهذه القطعة شاهد من حديث حذيفة، أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وفيه علي بن غراب، وقد وثقه غير واحد، وضعفه بعضهم، وبقية رجاله ثقات؛ كما في "المجمع" "10/ 271". قال شيخ الإسلام: "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت؛ حشر معهم يوم القيامة". فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ...................................................................................   = كفرًا أو معصية أو شعارًا لها كان حكمه كذلك، وبكل حال يقتضي تحريم التشبه بعلة كونه تشبهًا. والتشبه يعم من فعل الشيء؛ لأجل أنهم فعلوه وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذًا عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضًا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبهًا نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى وإحفاء الشوارب، مع أن قوله -صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"؛ دليل على التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل. بل مجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية، وقد روى في هذا الحديث عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن التشبه بالأعاجم، وقال: "من تشبه بقوم فهو منهم". ذكره القاضي أبو يعلى؛ وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين". ثم ذكر بعض النقول في ذلك عن أحمد وغيره، فمنها: "قال محمد بن أبي حرب: سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكرهه للرجل والمرأة، وقال: إن كان للكنيف والوضوء "قلت: يعني: فلا بأس"، وأكره الصرار، وقال: هو من زي الأعاجم". ثم عقد شيخ الإسلام فصلًا خاصًّا في بيان إجماع المسلمين على ما أفادته الأحاديث والآيات المتقدمة من الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن التشبه بهم، وأورد فيه أقوال الصحابة في ذلك، وما ورد عن الأئمة الأربعة وغيرهم، وضمن ذلك فوائد عزيزة قلما يوفق لها غيره، فراجع "ص58-67"، وقد قال في خاتمته: "وبدون ما ذكرناه يعلم إجماع الأمة على كراهة التشبه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة، وإن كانوا قد يختلفون في بعض الفروع، إما لاعتقاد بعضهم أنه ليس من = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فثبت مما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، فالواجب على كل مسلم رجالًا ونساء أن يراعوا ذلك في شئونهم كلها، وبصورة خاصة في أزيائهم وألبستهم؛ لما علمت من النصوص الخاصة فيها وبذلك يتحقق صحة الشرط السابع في زي المرأة. هذا وقد يظن بعض الناس أن هذه المخالفة إنما هي أمر تعبدي محض، وليس كذلك؛ بل هو معقول المعنى واضح الحكمة فقد تقرر عند العلماء المحققين أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الظاهر والباطن، وأن للأول تأثيرًا في الآخر، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وإن كان ذلك مما قد لا يشعر به الإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره. قال شيخ الإسلام، رحمه الله "ص105-106": "وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفَين أو كانا متهاجرين؛ وذلك لأن   = هدي الكفار، أو لاعتقاده أن فيه دليلًا راجحًا، أو لغير ذلك، كما أنهم مجمعون على اتباع الكتاب والسنة، وإن كان قد يخالف بعضهم شيئًا من ذلك لنوع تأويل". وقال الصنعاني في "سبل السلام": "والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو الكفار أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به؛ من ملبوس أو مركوب أو هيئة قالوا: فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله، كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء، منهم من يقول: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر، ولكن يؤدب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة. بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب، ونحو ذلك؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما. وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضًا ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة؛ إما على الملك، وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء -وإن تباعدت ديارهم وممالكهم- بينهم مناسبة تورث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص. فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان ... وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا فمن وادّ الكفار فليس بمؤمن والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة فتكون محرمة". وقال في مكان آخر "ص 6 - 7": "وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة وما يقوم بالظاهر من سائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا وقد بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالحكمة التي هي سنته وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور: منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس ثياب الجند المقاتلة مثلًا يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه متقاضيًا لذلك؛ إلا أن يمنعه مانع. ومنها أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين، وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام -لست أعني مجرد التوسم به ظاهرًا أو باطنًا بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرًا أتم وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. ومنها أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرًا بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين ... إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له". وكان قد قال في أول الكتاب "ص 7–8": "وهنا نكتة ... وهي أن الأمر بموافقة قوم أو بمخالفتهم قد يكون؛ لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة، وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم؛ مصلحة، بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة؛ ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسابقين في أعمال لولا أنهم فعلوها؛ لربما قد كان لا يكون لنا مصلحة؛ لما يورث ذلك من محبتهم وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، وأن ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى إلى غير ذلك من الفوائد، كذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة؛ لأن ذلك الفعل الذي يوافق فيه أو يخالف متضمن للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه، لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلًا على المفسدة، ومخالفتهم دليلًا على المصلحة، واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب قياس الدلالة، وعلى الأول من باب قياس العلة وقد يجتمع الأمران -أعني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الحكمة الناشئة من نفس الفعل الذي وافقناهم أو خالفناهم فيه ومن نفس مشاركتهم فيه- وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهي عنهما، فلا بد من التفطن لهذا المعنى، فإنه به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتباعهم وموافقتهم مطلقًا ومقيدًا". قلت: وهذا الارتباط بين الظاهر والباطن مما قرره -صلى الله عليه وسلم- في قوله الذي رواه النعمان بن بشير قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح1، حتى رأى أنَّا قد عقلنا عنه ثم خرج يومًا فقال: "عباد الله، لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، وفي رواية: "قلوبكم" 2. فأشار إلى أن الاختلاف في الظاهر -ولو في تسوية الصف- مما يوصل إلى اختلاف القلوب فدل على أن الظاهر له تأثير في الباطن ولذلك رأيناه -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن التفرق حتى في جلوس الجماعة، ويحضرني الآن في ذلك حديثان: 1- عن جابر بن سمرة قال:   1 جمع "قدح"، وهو السهم قبل أن يراش ويُنصَّل. 2 أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والرواية الأخرى لأبي داود بسند صحيح، انظر كتابنا "صحيح أبي داود" "رقم 668-669". 1- أخرجه مسلم "2/ 31"، وأحمد "5/ 93"، والطبراني في "المعجم الكبير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآنا حِلقًا1، فقال: "مالي أراكم عِزين؟ " 2. 2 - عن أبي ثعلبة الخشني قال: "كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:   1 هو بكسر الحاء وفتحها لغتان، جمع حلقة بإسكان اللام، وحكى الجوهري وغيره فتحها في لغة ضعيفة. 2 أي: متفرقين جماعة جماعة، وهو بتخفيف الزاي، الواحدة: عزة. معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع. كذا في "شرح مسلم" للنووي. 2- أخرجه أبو داود "1/ 409 و410"، وابن حبان "1664 -موارد"، والحاكم "2/ 115"، ومن طريقه البيهقي "9/ 152"، وأحمد "4/ 193"؛ من طريق الوليد ابن مسلم: حدثنا عبد الله -يعني: ابن زبر- أنه سمع سلم بن مشكم يقول: حدثنا أبو ثعلبة الخشني. وهذا إسناد متصل صحيح، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. و"زبر" جد عبد الله، واسم أبيه العلاء. "ملاحظة": إذا كان مثل هذا التفرق الذي إنما هو في أمر عادي من عمل الشيطان، فما بالك بالتفرق في الدين وفي أعظم أركانه العملية كالصلاة مثلًا، حيث نرى المسلمين اليوم يتفرقون فيها وراء أئمة متعددة في مسجد واحد، أفليس ذلك من الشيطان؟ بلى وربي، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان". فلم ينزل بعد ذلك منزلًا إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الشرط الثامن: "أن لا يكون لباس شهرة" 1: لحديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارًا" 2.   1 وهو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس، سواء كان الثوب نفيسًا يلبسه تفاخرًا بالدنيا وزينتها، أو خسيسًا يلبسه إظهارًا للزهد والرياء. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" "2/ 94": "قال ابن الأثير: الشهرة ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر". 2 أخرجه أبو داود "2/ 172"، وابن ماجه "2/ 278-279"، من طريق أبي عوانة عن عثمان بن المغيرة عن المهاجر عنه. وهذا إسناد حسن كما قال المنذري في "الترغيب" "3/ 112"، ورجال إسناده ثقات كما قال الشوكاني. قلت: وهم من رجال البخاري؛ غير المهاجر، وهو ابن عمرو الشامي، "ووقع = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ...................................................................................   = في "نيل الأوطار": "البسامي"، وهو تحريف"، وقد وثقه ابن حبان "5/ 428 و7/ 486"، وروى عنه جماعة من الثقات. ثم أخرجاه من طريق شريك عن عثمان به؛ دون قوله: "ثم ألهب فيه نارًا". وكذلك أخرجه أحمد "رقم 5664 و6345"، وعزاه المنذري في "مختصره" رقم "3871" للنسائي أيضًا، وقال المناوي: "إنه عنده في "الزينة". قلت: ولم أجده فيه من "سننه الصغرى"، فالظاهر أنه في "الكبرى" له. ثم طبع كتابه "السنن الكبرى"، وهو في "زينته" "5/ 460/ 9560". وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعًا بلفظ: "من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه متى وضعه". أخرجه ابن ماجه، وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 190-191" من طريق وكيع ابن محزر الناجي: حدثنا عثمان بن جهم عن زر بن حبيش عنه. وقال أبو نعيم: "تفرد به وكيع". قلت: وهو لا بأس به كما قال أبو حاتم وغيره، لكن شيخه عثمان بن جهم لم يرو عنه إلا وكيع هذا كما في "الميزان"، فهو في عداد المجهولين، وإن أورده ابن حبان في "الثقات" "7/ 202" على قاعدته، ومنه نعلم أن قول البوصيري في "الزائد" "ق218/ 1": "إسناده حسن". غير حسن، إلا إن كان يريد أنه حسن لغيره، فسائغ، ولعله لذلك أورده المقدسي في "الأحاديث المختارة". والله أعلم. وأخرج البيهقي "2/ 273" من طريق كنانة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشهرتين: أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر إليه فيها، أو الدنية أو الرثة التي ينظر إليه فيها. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وإلى هنا ينتهي بنا الكلام على الشروط الواجب تحققها في ثوب المرأة وملاءتها وخلاصة ذلك: أن يكون ساترًا لجميع بدنها؛ إلا وجهها وكفيها، على التفصيل السابق، وأن لا يكون زينة في نفسه، ولا شفافًا، ولا ضيقا يصف بدنها، ولا مطيبًا، ولا مشابها للباس الرجال ولباس الكفار، ولا ثوب شهرة. فالواجب على كل مسلم أن يحقق كل هذه الشروط في ملاءة زوجته وكل من كانت تحت ولايته لقوله -صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] .   = وإسناده صحيح، لكنه مرسل، فإن كنانة هذا تابعي، وهو ابن نعيم، وقد روى الطبراني نحوه من حديث ابن عمر بسند فيه متهم بالوضع. انظر: "ضعيف الجامع" "6/ 36". قال الشوكاني: "والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة، وليس هذا الحديث مختصًّا بنفس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبًا يخالف ملبوس الناس من الفقراء ليراه الناي فيتعجبوا من لباسه ويعتقدوه. قاله ابن رسلان. وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها، والموافق لملبوس الناس والمخالف، لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد، وإن لم يطابق الواقع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 أسأل الله تعالى أن يوفقنا لاتباع أوامره، واجتناب نواهيه. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. دمشق 9/ 5/ 1371 هـ. وكتب: محمد ناصر الدين الألباني أبو عبد الرحمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الفهارس : 1- المواضيع والفوائد: 3- مقدمة الطبعة الجديدة، والإشارة إلى بعض مزاياها على الطبعات السابقة، أهمها: بيان دقة نظر ابن عباس في تأويل آية: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وتأكيد أن الآية تعني الوجه والكفين. 4- شروع المؤلف في وضع مقدمة لهذه الطبعة؛ فيها الرد على الشيخ التويجري وأمثاله من المتشددين، فلما رآها طالت حتى صارت أكبر من الأصل؛ أفرزها في كتاب خاص بعنوان: "الرد المفحم على من خالف العلماء ... "، واستخلص منها أهم أخطاء المخالفين في هذه المقدمة بإيجاز. 5- أولًا: تفسيرهم آية "الإدناء" بتغطية الوجه، وبيان أنه خلاف اللغة وتفسير ابن عباس وغيره لها. ثانيًا: تفسير "الجلباب" بالثوب الذي يغطي الوجه؛ خلافًا للغة أيضًا وتفسير العلماء! ثالثًا: إصرارهم على تفسير "الخمار" بغطاء الرأس والوجه، فزادوا فيه "الوجه" من كيسهم! - رابعًا: ادعاء التويجري الإجماع على أن وجه المرأة عورة، وهي دعوة باطلة لم يسبق إليها، وبيان أنه خلاف مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد، وعليها كثير من محققي الحنابلة: كابني قدامة وابن مفلح، وتصريح الباجي المالكي بأنه لا يشمل الوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 8- نص كلام العلامة ابن مفلح في ذلك، وتضريحه بأنه لا ينبغي الإنكار على النساء إذا كشفن وجوههن في الطريق. 9- قول الإمام أحمد: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه"، ومخالفة التويجري إياه بتضليله الألباني؛ لأنه أباح للنساء الكشف عن الوجه!. 10- خامسًا: اتفاق المخالفين المتشددين على تأويل الأحاديث دفاعًا عن قولهم؛ كحديث الخثعمية الذي تأولوه بما يضحك ويبكي! انظر التفصيل "ص62-64". 11 - سادسًا: تواطؤهم على الاستدلال بالأحاديث الضعيفة؛ كحديث: "أفعمياوان أنتما؟! "؛ مع تضعيف أهل الحديث له وبعض فقهاء الحنابلة! 12- تجرؤ الشيخ عبد القادر السندي على مخالفته الأئمة المشار إليهم؛ بزعمه أن إسناده صحيح! مع جهالة راويه، والإشارة إلى ما جاء به من التدليس والإعراض عن القواعد العلمية في سبيل تأييد زعمه! وإلى تجاهله معارضته لحديث فاطمة الصحيح الصريح بجواز وضعها الخمار عنها أمام الضرير. "انظر حديثها مخرجًا ص66". 12- سابعًا: تهافتهم على تضعيف بعض الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة عند أهل العلم، واستمرارهم على ذلك بعد أن أقيمت عليهم الحجة! كحديث عائشة: "إذا بلغت المرأة .... لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفاها"، ومكابرة التويجري في زعمه أنه لم يأت إلا من حديثها! "انظر التفصيل ص58". 13- تجاهلهم تقوية الحفاظ للحديث؛ كالمنذري والزيلعي والعسقلاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 والشوكاني، وتنطع بعضهم ممن يدعي العلم برده؛ كما تجاهلوا قواعد علمية لتقوية الحديث الضعيف سنده، وبيان بعضها، وشرح ذلك ببعض الآثار، ومنها قول عائشة في المحرمة: "تسدل الثوب على وجهها إن شاءت"، والتويجري ومن وراءه يخالفونها!. 15- حقيقة مرة: يصر الشيخ التويجري على تضعيف حديث عائشة مع ما له من الشواهد المقوية له، ومع ذلك يقبل حديثًا آخر لها؛ لأن فيه انتقابها مع ضعف سنده؛ لأن له شاهدًا مرسلًا، مع أن فيه كذابًا!. 16- ثامنًا وأخيرًا: مخالفة بعض المتأخرين الحنفية لأئمتهم مقلدين مجتهدين!! ثم نسب إليهم بعض الجهلة المعاصرين ما ليس من قولهم، ثم جاء من لا علم عنده، فزعم أن لا خلاف اليوم إذن في وجوب تغطية الوجه أمنًا للفتنة!!! وإلزام المؤلف لهؤلاء بوجوب ستر الرجال أيضًا لوجوهم أمام النساء درءًا للفتنة!! 17- رأي المؤلف: لو قيل بوجوب ستر المرأة لوجهها خشية أن تؤذى إذا أسفرت؛ لكان له وجه في الفقه، وختم المؤلف لكتابه المشار إليه آنفًا -"الرد المفحم ... "- بأن التشديد أو التشدد في الدين لا يأتي بخير، ومثل على ذلك بعض الفتيات المتأثرات بتوجيهات التويجري؛ لما سمعن بحديث: "لا تنتقب المرأة المحرمة ... "؛ قلن: ننتقب ونفدي!! بخلاف ما كان عليه نساء السلف؛ مثل أم شريك التي كان ينزل عليها الضيفان، وامرأة أسيد التي صنعت الطعام يوم زفافها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، والمرأة الأنصارية التي استقبلته -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وبسطت له ... و .... و .... والرُّبَيِّع بنت معوذ التي كانت مع أنصاريات يسقين القوم ويخدمنهم ... وأم سليم أيضًا التي أتخذت خنجرًا ... وأسماء بنت يزيد التي قتلت سبعة من الروم بعمود فسطاطها! و ... و .... فهل كن متزمتات يرين أن الوجه والكفين عورة كتلك الفتيات؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 20- حض المؤلف المشايخ والدعاة أن يكونوا {أُمَّةً وَسَطًا} ، وذكر حديثين في النهي عن الغلو في الدين والتشدد فيه. 21- سبب تعديل اسم الكتاب إلى "جلباب المرأة المسلمة"، وتفريق ابن تيمية بين الجلباب والحجاب. 22- الإشارة إلى أن حق طبع هذا الكتاب المعطى سابقًا للمكتب الإسلامي قد رفعته، وبيان السبب بما فيه عبرة لمن يعتبر. 23- خاتمة فيها اعتذار إلى منضدي الكتب. 25- مقدمة الطبعة الثانية. وفيها بيان أننا ازددنا إيمانًا بضرورة إعادة نشر الكتاب بعد أن رأينا استجابة الكثير من المؤمنات لما تضمن من بيان الشروط الواجب توفرها في الجلباب، وفيهن من بادرت إلى تغطية وجهها أيضًا اقتداء بأمهات المؤمنين وغيرهن. 26- بيان موقف أهل العلم وطلابه من الكتاب وأسلوبه وما فيه من التصريح بأن الوجه ليس بعورة، وأنهم فريقان، وذكر وجهة كل منهما، والرد عليهما بإيجا. 27- أحدهما يوافقنا -تقليدًا لمذهبه- ولكنه يرى -مجتهدًا "! "- أنه لا يجوز إشاعة ذلك سدًّا للذريعة، والرد عليه بنصوص النهي عن كتمان العلم، وحديث الخثعمية الذي وجدت فيه الذريعة ولم تؤمر بستر وجهها. 29- الرد على أحد الأساتذة الذي توهم أن فتواي بأن الوجه ليس بعورة مخالف لما عليه أهلي من الستر المطلوب، وجوابي عليه بكتاب أرسلته إليه. 30- إنكار المؤلف السفور المزري والتبرج المخزي، وبيان أنه لا تكون المعالجة بتحريم ما أباح الله، وإنما بأمرين: أحدهما: بيان الحكم للناس. والآخر: تربيتهم عليه. 35- مقدمة الطبعة الأولى. وفيه الدافع على تأليف الكتاب، والإشارة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مشروعي: "تقريب السنة بين يدي الأمة"، وتاريخ البدء به، وأول ما بدئ به. 37- شروط الجلباب، وهي ثمانية1، وبيان أن بعضها يشترط فيها الرجال مع النساء. 39- الشرط الأول: "استيعاب جميع البدن إلا ما استثني". الاستدلال عليه بآيتي "النور" و"الأحزاب"، ومعنى قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، وأقوال السلف في تفسيرها. 41- اختيار ابن جرير أن المراد بها الوجه والكفان، ونص كلامه في ذلك، وتحديد معنى الوجه؛ خلافًا لبعض المعاصرين، وإشارة ابن جرير إلى ضعف حديث - إباحة كشف المرأة عن نصف ذراعها. "انظر التعليق". 42- حديث آخر بمعناه أنكر منه؛ لأنه أباح الذراع كله! والرد على الأستاذ المودودي في تقويته أحدهما بالآخر. 43- مستند المودودي في التقوية المذكورة، وبيان ما فيه من المخالفة لما اشترطه العلماء في التقوية. 44- قول النووي في ذلك، وذكر شرط آخر ضروري ذكره النووي في مكان آخر لم يرعه المودودي، وبيان ذلك من وجهين في بحث مهم نفيس قد لا تراه في مكان آخر، وفيه شرح نوع تدليس ابن جريج الذي تغافل عنه المودودي. 46- مناقشة المؤلف للمودودي في ادعائه أن الاستثناء المذكور في حديث المرأة الحائض بألفاظ مختلفة: "الكف"، "نصف الذراع"، "الذراع"،   1 لقد استفاد هذه الشروط كثير من الرادِّين عليّ مع تعديل لهم في الشرط الأول؛ دون أن يشير أكثرهم إلى مصنفها؛ إهمالًا منهم لقول العلماء: "من بركة العلم عزو القول إلى صاحبه"، والسبب مما لا يخفى على القارئ اللبيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 هي أحاديث أربعة! وبيان أن الأمر ليس كذلك؛ لأنها من اضطراب الرواة، وأنه لا يصح منها إلا "الكف" مقرونًا بالوجه طبعًا، في بحث حديثي فقهي لا تجده في غير هذا الموضع. 48- الرد على المودودي في توفيقه بين تلك الألفاظ؛ لأن شرط التوفيق غير متحقق فيها، وأن توفيقه باطل في نفسه؛ لأنه مخالف لما في "حجابه"! 49- الرد عليه في تفريقه بين عبارتي: "لا يحل"، و"لم يصح"، وبيان ما يترتب على ذلك من الفساد، وأنهما بمعنى واحد، وذلك من وجهين مهمين، وذكر بعض الأمثلة على ذلك. 50- النظر في اختيار ابن جرير المتقدم، وتأييد النظر بقول ابن عطية الذي استحسنه القرطبي؛ إلا أن هذا مال إلى الاختيار المذكور، واستدل عليه بحديث: "إلاوجهها وكفاها"، ولدقة المسألة حض المؤلف على التأمل فيها. 51- ثم بدا له أن الصواب فيها ما اختاره ابن جرير والقرطبي، وبيان ذلك في بحث عزيز استفاد المؤلف أصله من كتاب الحافظ ابن القطان الفاسي "النظر في أحكام النظر"؛ فراجعه؛ فإنه نفيس جدًّا، وفيه بيان معنى لفظ: "عادة"، الوارد في كلام القرطبي، وبه يزول الإشكال والنظر المشار إليه آنفًا، ويتبين صواب تفسير ابن عباس ومن معه من السلف لآية: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين. 53- بيان أنه لا يجوز معارضة تفسير السلف المذكور للآية بتفسير ابن مسعود الذي تفرد به لأمرين مهمين؛ فراجعهما. 54- ما قاله الجصاص في تضعيف تفسير ابن مسعود المذكور، ومثله كلام ابن القطان في تفسير الآية، وقد أبدع في ذلك وأتى بما لا تراه عند غيره من البيان أو الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وجهين، وعلى مَن قال من المعاصرين أنه ليس في الحديث أنها كانت كاشفة. 64 3- حديث سهل في المرأة التي عرضت نفسها له -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ليتزوجها، فتأملها -صلى الله عليه وسلم، ورآها سهل قائمة ... ولم يكن تقدم منه -صلى الله عليه وسلم- رغبة فيها؛ كما قال الحافظ. 65 4- حديث عائشة في صلاة النساء متلفعات بمرطهن لا يعرف بعضهن وجوه بعض من الغلس. 66 5- حديث فاطمة بنت قيس، وأمره -صلى الله عليه وسلم- إياها أن تعتد عند ابن أم مكتوم لأنه أعمى فلا يراها إذا وضعت خمارها ... بعد أن كان أمرها أن تعتد عند أم شريك.. وبيان وجه دلالته على المطلوب، ومعارضته لحديث: "أفعمياوان أنتما؟! " الضعيف إسناده!! 67 6- حديث ابن عباس في شهوده صلاة العيد وخطبته -صلى الله عليه وسلم، ثم أتى النساء فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فرأى ابن عباس أيديهن وهن يتصدقن.. وبيان أن القصة كانت بعد فرض الجلباب. 68 تأويل قوله: "فنزل نبي الله": بأنه لعله كان راكبًا، وبيان أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب في العيد قائمًا على الأرض، وما قاله ابن القيم في ذلك. 69 7- حديث سبيعة التي اكتحلت واختضبت وتجملت للخطاب بعد أن انقضت عدتها، ودلالته الصريحة على المطلوب. 70 8- حديث عائشة في امتناعه -صلى الله عليه وسلم- من مبايعة امرأة حتى اختضبت، وبيان حسنه أو صحته. 9- حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع، ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، واتفاق الشيخين عليه. 10- حديث المرأة الحسناء التي كانت تصلي، وحلف ابن عباس أنه ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 رأى مثلها قط، وتقدم بعض الصحابة إلى الصف الأول لئلا يراها، وقصة من حالفهم، ونزول آية {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ... } ، وذكر من صححه من المتقدمين وغيرهم، وأنه مبطل لقول الشيخ التويجري. 71 11- حديث: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة فأعجبته ... وتخريجه من وجهين. 12- حديث المرأة التي ضرب -صلى الله عليه وسلم- يدها الشمال حين رآها تأكل بها، وأمره إياها أن تأكل باليمين، وبيان حسن إسناده. 72 13- حديث بنت هبيرة، وضربه -صلى الله عليه وسلم- يدها بعصية، وذكر من صححه، والإشارة إلى م ضعفه من المكابرين، وأن هذا الحديث وما قبله يبين المراد من آية: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ؛ كما بينته آية "الخمار"، وأنه غطاء الرأس؛ كالعمامة للرجل، وأن ذلك لا ينافي تعطية غير الرأس أحيانًا به، واستدلال ابن حزم بها. 74- إبطال دعوى أن هذه الأدلة كانت قبل فرضية الجلباب، وردها من وجهين، وفي الأول منهما حديثان عن أم عطية. 76- تأييد ما تقدم بآية وأحاديث الأمر بغض البصر. 78- حديث اختمار النساء المهاجرات حين نزول آية الضرب بالخمر على الجيوب، وقيام نساء الأنصار في الصلاة معتجرات؛ أي: كاشفات الوجوه. 79- حديث أمره -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب بتخمير نحرها في منى قبل انتشار الدعوة، وتصحيح أبي زرعة له. 80- الاستدلال بآية: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ..... } : على وجوب ستر النساء لأرجلهن، وتأييد ذلك بأحاديث أمرهن بإطالة ذيولهن لكي لا تنكشف أقدامهن، واستدلال البيهقي به على الوجوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 81- بيان جريان العمل على ذلك من النساء، وما ترتب عليه من حكم الذيل إذا تنجس، وتناقض المودودي في قدمي المرأة. 82- من شروط المسلمين على الذميين أن تكشف نساؤهن عن سوقهن لكي لا تشبهن بالمسلمات، ثم انعكس الأمر ... وكلمة موجزة عن كتاب "الاقتضاء" لابن تيمية. 82- أمر النساء عامة بإدناء الجلابيب إذا خرجن، وإلقائها على خمرهن، وتفسير "الجلباب"، وأن الصحيح فيه أنه الذي يوضع فوق الخمار، وذكر بعض الآثار في ذلك. 85- بيان أن الجمع بين الخمار الجلباب عليه قد أخل به جماير النساء، وأنه واجب، وتأكيد ذلك بحديث لابن عباس. 86- استغراب المؤلف عدم تعرض من كتبوا في جلباب المرأة لهذا الواجب، بينما سودوا صفحات فيما ليس بواجب!! وتحقيق أن الجلباب ليس خاصًا بالخروج؛ خلافًا لبعضهم. 87- بيان أنه لا دلالة في آية "الجلباب" على أن الوجه عورة؛ لأن "الإدناء" مطلق ... وأنها مقيدة لوجهين.. "انظر مطابقة كلامي هذا لكلام الحافظ ابن القطان المذكور ص57"، وأن الوجه ليس بعورة عند أكثر العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد، وأنه ينبغي تقييد ذلك بأن لا يكون مزينًا بالأصبغة. 90- ذكر صحة أثر مجاهد في ستر نساء السلف لخواتيمهن بأكمامهن، وبيان حكمة الأمر بإدناء الجلباب، وترجيح أنه عام في الحرائر والإماء، وأن روايات تخصيصه بالحرائر لا تصح. 91- اغترار بعض المفسرين بتلك الروايات وتقييدهم "الإدناء" بها! 92- قول بعضهم بجواز نظر الأجنبي إلى شعر الأمة وصدرها! ورد ابن القطان وابن حزم القول المذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 93- زعم بعض المعاصرين أن الأمر بالجلباب كان لضرورة زمينة! 94- حديث أنس في اصطفائه -صلى الله علي وسلم- صفية ... وبيان أنه ليس فيه نفي الجلباب عن الأمة، وأن ما صح عن عمر من التفريق بين الحرة والأمة لا حجة فيه. 95- قول ابن تيمية: إن الحجاب خاص بالحرائر، وجوابه. 96- خلاصة ما تقدم في وجوب الجلباب، مع جواز كشف الوجه واليدين واستدراك آثار كثيرة في هذه الطبعة جرى العمل فيها بذلك بعده -صلى الله عليه وسلم: 1- رؤية قيس بن أبي حازم أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق بيضاء موشومة اليدين، وبيان صحة إسناده. 97 2- رؤية أبي السليل وغيره ابنة أبي ذر سفعاء الخدين. 3- رؤية عمران فاطمة -رضي الله عنها- وقد ذهب الدم من وجهها، وبيان حال إسناديهما. 98 4- رؤية ابن مسعود جبين عجز يبرق، وحسن سنده. 5- رؤية أبي أسماء الرحبي امرأة أبي ذو سوداء مسغبة، وصحة إسناده. 6- أسماء بنت أبي بكر جاءت مسفرة الوجه متبسمة. 99 7- قصة إنكار عمر على الأمة المتقنعة بالجلباب، وبيان أنها مع ذلك كان وجهها ظاهرًا، وأن الجلباب لا يعني تعطية الوجه. 100 8- رؤية محمد -والد عمر العمري- المرأة التي دعا عليها سعيد بن زيد بالعمى وهي عمياء ... في قصة، وبيان وجه دلالتها. 101 9- رؤية عطاء بن أبي رباح عائشة وهي تفتل القلائد، تخريجه من مصدر عزيز بسند صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 101 10- إخراج الربيع بنت معوذ لعبد الله بن عقيل الإناء الذي كات تصب منه على كفيه -صلى الله عليه وسلم. 11-13- آثار فيها ظهور فاطمة بنت علي وغيرها أمام الأجانب بادية اليدين، وسمراء بنت نهيك عليها خمار تؤدب الناس، وصحة ذلك. 102 14- رؤية ميمون بن مهران أم الدرداء مختمرة ضربته على حاجبها، وبيان صحته. 15- رؤية معاوية -رضي الله عنه- أسماء زوجة أبي بكر بيضاء، وجودة سنده. 16- رؤية عبد الرحمن والد عيينة امرأة متقنعة، وبيان وهم كان وقع مني حول هذا الأثر .... وأن التقنع يعني 103 ستر الرأس دون الوجه. 104 - مشروعية ستر الوجه. 104 تحته بيان أن ستر المرأة لوجهها كان معروفًا في زمنه -صلى الله عليه وسلم، وتأييد ذلك بثماية نصوص، والرد على من زعم أنه بدعة أو تنطع. 105 1- خروج سودة لحاجتها، ومعرفة عمر إياها من جسامتها، وبيان وجه دلالته على ستر الوجه، وأن آية الحجاب تعني حجب أشخاصهن في بيوتهن إذا دخل عليهن غريب. 106 - ما قاله الحافظ وغيره في شرح الحديث، ورده على من ذهب إلى أنه لا يجوز لنسائه -صلى الله عليه وسلم- إظهار شخوصهن. 2- ستر عائشة وجهها عن صفوان بجلبابها في قصة الإفك. 3- جعله -صلى الله عليه وسلم- رداءه على ظهر صفية ووجهها حين اصطفاها. 107 4- سدل عائشة ومن معها من المحرمات الجلباب على وجوههن، وبيان أنه حسن في الشواهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 5- تغطية أسماء بنت أبي بكر وغيرها وجوههن في الإحرام. 6- طافت عائشة منتقبة، وبيان علة إسناده. 108 7- انتقاب عائشة لما اجتلى -صلى الله عليه وسلم- صفية، وبيان علته وشواهده. "انظر لزامًا ص15". 109 8- إذن عمر لأزواجه -صلى الله عليه وسلم- بالحج، ونهي عثمان أن لا ينظر إليهن أحد، وبيان حال إسناده، وأن فيه حجب أشخاصهن، وأن ذلك لا ينافي ما تقدم. - أثران في انتقاب بعض من جاء بعدهن. 1- انتقاب حفصة بنت سيرين بجلبابها مع كونها من القواعد، وذكر اختلاف المفسرين في المراد من آية { ... أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} ، وتأييد قول من قال: إنه الخمار، وأنه قول ابن عباس. 110 احتجاج بعضهم بحديث مجيء أم خلاد وهي منتقبة إليه -صلى الله عليه وسلم، وبيان علته. 112 - ونحوه المرأة الجميلة التي أرادت أن تفتن عبيد الله بن عمير حين أسفرت عن وجهها، وتأكيد ما تقدم في تحديد الوجه؛ خلافًا للمودودي الذي أدخل فيه الأذنين أيضًا، والرد عليه بالحديث. 113 2- قصة الزوج الذي اعترف لزوجته بما ادعاه وليها عليه من المال؛ لكيلا تسفر عن وجهها أمام الشهود غيرة عليها. 114 - فائدة مهمة: 114 بيان أن المراد من آية {أَوْ نِسَائِهِنَّ} المؤمنات عند السلف؛ خلافًا لبعض المعاصرين، وذكر ما قاله الشوكاني والبيهقي فيها، وأثر ابن عمر في نهي النساء المسلمات أن يدخلن الحمامات ومعهن النساء الكتابيات، وتخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 116 - التحذير من استخدام النساء الكافرات، وبيان بعض ما يترتب عليه من المفاسد بالنسبة للزوجين وأولادهما. 117 - الرد على من أفتى بجواز استخدامهن لأنهن عنده بمنزلة ملك اليمين!! 119 - الشرط الثاني: "أن لا يكون زينة في نفسه". 119 تحته حديث: "ثلاثة لا تسأل عنهم .... "، وفيه: "وامرأة ... فتبرجت ... "، وبيان صحته، ووجه دلالته. 120 - شرح التبرج، وكلام الذهبي في ذلك، وأنه من أسباب كون النساء أكثر أهل النار، ومبايعته -صلى الله عليه وسلم- النساء على أن لا يتبرجن، وتخريجه برواية أحمد وغيره، وبيان أن زيادة: "والأغنياء" فيه زيادة منكرة. 121 - جواز كون جلباب المرأة بلون غير البياض أو السواد والدليل على ذلك؛ بخلاف ما إذا كان بعده ألوان، وما قاله العلامة الآلوسي في ذلك. 112 - بعض الآثار في التحاف أزواجه -صلى الله عليه وسلم- في اللحف الحمر والموردة بالعصفرة. 125 - الشرط الثالث: "أن يكون صفيقًا لا يشف". 125- بعض الأحاديث والآثار في ذلك. 126- تخريج أثر أم علقمة، وبيان أنها مجهولة، وسقوط ذكرها في بعذ الروايات، وتوهم المودودي في اعتبارها شاهدًا والطريق واحد! 127- تفسير الثياب "المروية" و"القوهية" و"القبطية"، ونهي بعض السلف عن لبس النساء لها لأنها تصف. 128- أثر عائشة في صفة الخمار المشروع، وتخريجه، وشرح الثوب "الصفيق" في اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 129 - قول العلماء في وجوب ستر العورة بما لا يصف. 131 - الشرط الرابع: "أن يكون فضفاضًا". 131 تحته حديث إهدائه -صلى الله عليه وسلم- القبطية الكثيفة لأسامة، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف أن تصف حجم عظامها"، وتخريجه من بعض المصادر المخطوطة العزيزة، وإفادته وجوب الشرطا المذكور. 132 - الرد على الشوكاني في حمله الحديث على ما يشف من الثياب الرقيقة!! وذلك من وجهين. 133 - الرد على الشافعية لقولهم بالاستحباب فقط! وبيان ما يرد عليهم من القول بجواز الجوارب اللحمية التي تحجم الساقين والفخذين ولا تشف عن لون البشرة!! 134 - قول الإمام الشافعي في المرأة تصلي في قميص يصف ولا يشف، ونصيحة المؤلف لبعض الفتيات المتحزبات أن لا يقصرن ثيابهن إلى نصف الساق مع لبسهن الجوارب التي تحجم السيقان ... وقول عائشة: لابد أن للمرأة من أن تصلي في جلباب. 135 - تخريج أثر عائشة المذكور، وعن ابن عمر نحوه. 135 - الاستئناس بأثر أسماء في اتخاذ نعش للنساء لا يصفهن، وتخريجه. 136 أمر المؤلف نساء العصر اللاتي يلبسن ما يحجم بعض أعضائهن أن يتأملن في ذلك، وأن يذكرن قوله -صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا..". 137 - الشرط الخامس: "أن لا يكون مبخرًا مطيبًا". 137 تحته أربعة أحاديث صحيحة مع تخريجها، وفي الأخيرة منها أن صلاة المتطيبة إذا - صلت في المسجد لا تقبل. 139 - توجيه الاستدلال بالأحاديث المتقدمة، وما قال ابن دقيق العيد في ذلك، وبيان أنها تشمل جميع الأوقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 140 - سبب تخصيص صلاة العشاء بالذكر في بعض الأحاديث. 141 - الشرط السادس: "أن لا يشبه لباس الرجل". 141 تحته خمسة أحاديث، أولها في لعن المرأة تلبس لبسة الرجل، وبيان صحته. 142 - حديث: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء .... "، تخريجه، والكلام على إسناده بالتفصيل. 145 - لعن المترجلات والمشبهات من النساء بالرجال، تخريجه من رواية البخاري وجمع من حديث ابن عباس بلفظين. 146- حديث: "ثلاث لا يدخلون الجنة ... والمرأة المترجلة المتشبهة .... "، تخريجه، وبيان صحته، ومن صححه، وتقصير المنذري وغيره في عدم عزوه لأحمد. 147 - أقوال للإمام أحمد في نهي الرجل أن يلبس جاريته من زي الرجال، وأن تجز شعرها، ومعنى الجز. 148 - عد الذهبي والهيتمي تشبه المرأة بالرجال من الكبائر. 149 - قول الطبري في ذلك، وما ذكره من الحكمة. 150 - فصل جيد من كلام ابن تيمية منقول عن مخطوط ضخم عزيز من المجلد "93/ 132-134"، فيه فوائد هامة لم تنشر من قبل، وهو جواب سؤال عن حكم لبس النساء لـ"الكوفية" و"الفراجي"، والضابط في ذلك. 151 - تفصيل ابن تيمية الضابط في النهي عن التشبه بالرجال، وأن ذلك لا يعود إلى العادة من الجنسين. - الضابطة تعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء، وتوضيح الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 153 ذلك بأمثلة معروة فرق الشرع فيها بين الرجال النساء في الأذان والتجرد للإحرام. 155 - قوله: أمرت المرأة أن تجتمع في الصلاة! وتعليق المؤلف عليه. 155 - حديث في فضل صلاة النساء في بيوتهن، وتعديل المؤلف تعليقه السابق، وبيان أن الحديث على عمومه، وتأكيد أنه لا داعي لتهافت النساء على الصلاة في الحرمين الشريفين ومخالطتهن للرجال. 158 - قوله -رحمه الله: إن المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبًا وتشابهًا في الأخلاق ... 161 - الشرط السابع: "أن لا يشبه لباس الكافرات". 161 - الأدلة على ذلك في الكتاب، وتوجيه شيخ الإسلام ابن تيمية لها، واستدلاله بها، وهو بحث هام. 165 - قول اليهود لما أمر -صلى الله عليه وسلم- بمخالفتهم في اعتزالهم المرأة الحائض: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا! ودلالته على كثرة مخالفته -صلى الله عليه وسلم- لليهود، وبيان أن المخالفة تكون تارة في أصل الحكم، وتارة في وصفه؛ كما بينه ابن تيمية -رحمه الله. 166 - أدلة السنة على ذلك كثيرة في أنواع من أبواب الشريعة وسوقها. 167 - من الصلاة: فيه سبعة أحاديث: 167 1- حديث بدء شرعية الأذان بعد أن رفض -صلى الله عليه وسلم- اقتراح البوق والناقوس لأنهما من أمر اليهود والنصارى، وما قاله ابن تيمية في دلالتها، وأنها تشمل كراهة هذا النوع من الأصوات مطلقًا في غير الصلاة أيضًا. 168 ما ابتليت به الأمة في بعض البلاد بالضرب بالبوق في أوقات الصلوات، واستحباب خفض الصوت في الجنائز مخالفة لأهل الكتاب، وحديث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 168 "الجرس مزمار الشيطان". 169 - رأي المؤلف في الأجراس الحديثة، وبخاصة في أجراس ساعات الجدران التي تشبه جرس ساعة "لندن"، وتعطيله إياها من ساعات المساجد خاصة كلما سنحت له الفرصة، وقصته مع ساعة مسجد "قباء" سنة "1382هـ"! 170 2- حديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة حسمًا لمادة المشابهة بكل طريق، وكلام ابن تيمة في ذلك. 171 3- حديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وما فيه من الدلالة على الموضوع. 172 4- حديث الأمر بالصلاة في النعال لمخالفة اليهود. 173 5- حديث النهي عن الاشتمال في الصلاة اشتمال اليهود. 174 6- حديث النهي عن الصلاة قيامًا وراء الإمام الجالس اضطرارًا؛ دفعًا للتشبه بأهل فارس، وكلام شيخ الإسلام في فقهه بما لا تراه لغيره، وتصريحه بأن النهي المذكور محكم على الصحيح عمل به الصحابة. 175 7- النهي عن الجلوس معتمدًا على اليد اليسرى في الصلاة مخالفة لليهود، وأثر عائشة في كراهة الصلاة متخصرًا لأنه فعل اليهود، ونهيه -صلى الله عليه وسلم- عنه، والتنبيه على ضعف حديث النهي عن الاعتماد على يده إذا نهض في الصلاة. 175 - ومن الجنائز: 175 1- حديث: "اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب"، وتقوية ابن تيمية إياه لطرقه. 176 - ومن الصوم: وفيه أربعة أحاديث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 1- "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ... ". 2- التعجيل بالفطر مخالفة لهم. 176 3- النهي عن مواصلة الصيام مخالفة للنصارى. 177 4- أمره -صلى الله عليه وسلم- بضم التاسع إلى "عاشوراء" مخالفة لليهود. 178 5- حديث صومه -صلى الله عليه وسلم- يوم السبت والأحد مخالفة للمشركين، وما قاله الحافظ في صيامها، ورجوع المؤلف عنه لما تبين له ضعفه، وأن عدد أحاديث هذا الشرط أكثر من ثلاثين. 179 - ومن الحج: 179 1- مخالفته -صلى الله عليه وسلم- للمشركين بإفاضته من المزدلفة قبل طلوع الشمس، وتخريجه من رواية البخاري وغيره، وبيان وهم وقع لشيخ الإسلام فيه، وحديث آخر بمعناه فيه ما ليس في الأول، وتصحيح الحاكم والذهبي وإياه، وبيان علته. 180 - ومن الذبائح: 180 1- نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الذبح بالظفر؛ لأنه مدى الحبشة، وبيان ابن تيمية أن العلة المشابهة، ورده على من رأى أن العلة أنه يشبه الخنق! وموافقة ابن الصلاح والنووي، وجواب الحافظ عما اعترض عليه. 182 - ومن الأطعمة: 182 1- حديث: "لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية، وبيان أنه حسن لغيره، ومعناه. 183 - ومن اللباس والزينة: وفيه ثمانية أحاديث: 183 1- حديث: "هذه من ثياب الكفار؛ فلا تلبسها"، وبيان ابن تيمية أنه يشمل ما يستحلونه من المحرمات أو ما يعتادونه، وبعض الآثار في النهي عن التشبيه بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 184 2- إياكم ولبوس الرهبان ... "، وبيان ضعف إسناده، وتأويل قول الحافظ: "لا بأس بإسناده"! 184 3- " ..... حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب .... وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب .... "، وبيان حسن إسناده، وشاهدين له، وتفسير غريبه. 185 4- "خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"، تخريجه من رواية الشيخين، ومن رواية غيرهما بلفظ: "المجوس"، وتقويته ببعض الشواهد، وشرح ابن تيمية للحديث بما يدل على أن جنس المخالفة مقصود بالذات؛ فراجعه فإنه نفيس. 186 5- "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس"، وتخريجه من رواية مسلم وغيره، واستظهار ابن تيمية أن المخالفة فيه علة تامة، وما يتفرع عنها؛ ولذا كره السلف أشياء غير منصوص عليها. 187 6- "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"، تخريجه من رواية الشيخين، وقول الشوكاني في دلالته، واهتمام السلف بالخضاب، وما قاله أحمد لمن رآه قد خضب، وتعليق ابن تيمية على الحديث بكلام نفيس جدًا؛ فراجعه. 189 7- "غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى"، تخريجه من رواية أحمد، وبيان أن إسناد حسن لذاته صحيح لشواهده، مع الإفاضة في تخريجها، والكلام على أسانيدها. 192 8- حديث تفريق النبي -صلى الله عليه وسلم- شعره مخالفة لأهل الكتاب، تخريجه برواية الشيخين وغيرهما، وبيان أن الفرق شعار المسلمين، والسر في موافقته أهل الكتاب أول الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 193 - ومن الآداب العامة: 193 1- "لا تسلموا تسليم اليهود .... "، تخريجه بسند جوده الحافظ، وتقويته بشاهد، وكراهة السلف التسليم باليد؛ إلا في بعض الأحوال؛ كالمصلي يرد بيده. 194 - مناقشة المؤلف للنووي في حمله الحديث على من رد إشارة باليد دون رد السلام باللفظ، وبيان ضعف الحديث الذي اعتمد عليه، وروايه شهر بن حوشب، واضطرابه في روايته، وبيان الراجح منها. 196 - تنبيه على وهم للحافظ في شاهد الحديث. 196 2- "أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟! ". 197 3- "نظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود ... "، تخريجه من طرق وتحسينه بها. 198 4- "إياكم وهاتان الكعبتان ... فإنها ميسر العجم"، تخريجه، وتقويته بشواهده بما لا تراه في غير هذا المكان. 200 - متنوعات: 200 1- "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ... "، تخريجه برواية البخاري وغيره، وتفسير "الإطراء"، وبيان أنه أعم من إطراء النصارى لعيسى. 201 - غلو بعض المسلمين في مدحه -صلى الله عليه وسلم- بما لا يرضاه، مع إنكاره على الجارية قولها: وفينا نبي يعلم ما في غد! 202 - تفسير بعضهم قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ ........ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ؛ قال: هو محمد -صلى الله عليه وسلم! وموقفه لما اعترض عليه! 2- " .... لتركبن سنن من قبلكم ... "، تخريجه من رواية الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 202 وغيره، وهم لابن القيم، وتقصير لابن كثير، ودلالة الحديث على أن المشابهة لا يشترط فيها القصد. 203 3- "بعثت بين يدي الساعة ... ومن تشبه بقوم فهو منهم"، تخريجه بسند حسن، وذكر شاهد له حسن. 204 - استدلال ابن تيمية به على تحريم التشبه بالكفار، وبيانه للمراد من "التشبه"، ونقله الإجماع على كراهة التشبه. 206 - بيان أن الحكم المذكور معقول المعنى، وأن للظاهر تأثيرًا في الباطن؛ خيرًا كان أو شرًا، وكلام ابن تيمية في تأييد ذلك بما لا تجده لغيره. 210 - الاستدلال على ذلك بحديث: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم وقلوبكم"، وتخريجه، وذكر حديثين آخرين في النهي عن التفرق في جلوس الجماعة؛ تأكيدًا لارتباط الظاهر بالباطن. 211 - حديث: "ما لي أراكم عزين"، وشرح: "عزين". 211 - وحديث: "إن تفرقكم في هذه الأودية ... من الشيطان"، وما فيه من التنبيه على أن التفرق في الدين -كالصلاة مثلًا- أشد من التفرق في الأودية! 213 - الشرط الثامن: "أن لا يكون لباس شهرة". 213 فيه قوله -صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ... "، مع تفسيره وتخريجه وشواهد له. 215 - خلاصة الشروط المتقدمة، وأنه يجب على كل مسلم أن يحققها في أهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 2- الأحاديث المرفوعة: 121 أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي، ولا تزني 112 ابنك له أجر شهيدين 197 أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟! 136 اجعليه. يعني: نعشًا فوق أضلاع ابنته رقية 025 إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني 097 ادني يا فاطمة! 138 إذا خرجت إحداكن إلى المسجد؛ فلا تقربن طيبًا 173 إذا صلى أحدكم في ثوب؛ فليشده على حقوه، ولا تشتملوا 042 إذا عركت المرأة؛ لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها 050 اذبحها، ولن تصلح لغيرك 113 الأذنان من الرأس 101 اسكبي على وضوئي 101 اسكبي لي وضوءًا 174 اشتكى -صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمِع 165 اصنعوا كل شيء إلا النكاح 120 اطلعت على النار، فرأيت أكثر أهلها النساء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 066 اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى، تضعين 11 و66 و100 أفعمياوان أنتما؟! 050 أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟! 203 الله أكبر! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا 097 اللهم! مشبع الجاعة! ورافع الوضيعة! لا تجع فاطمة بنت محمد 081 أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ 180 أما بعد؛ فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون 074 أمرنا أن نخرج في العيدين العتق والحيض، ونهينا عن اتباع 083 أمرنا أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض 9 و078 أمرني أن أصرف بصري. يعني: نظر الفجأة 012 أمرني أن أكون عند ابن أم مكتوم؛ فإنه مكفوف البصر 070 إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله 174 إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والرم، يقومون على ملوكهم 025 أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد 068أنتن على ذلك؟ 136 أن ابنه له -صلى الله عليه وسلم- توفيت، وكانوا يحملون الرجال والنساء 197 إن الله نظيف يحب النظافة، جواد يحب الجود 070 أن امرأة أتته -صلى الله عليه وسلم- تبايعه، ولم تكن مختضبة، فلم 065 أن امرأة جاءت إليه -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد 062 أن امرأة من خثعم استفتته -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يوم النحر 212 إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان 47 و058 إن الجارية إذا حاضت؛ لم يصلح أن يرى منها 068 إن جبريل أتاني، فقال لي: أرجع حفصة؛ فإنها صوامة 078 إن لنساء قريش لفضلًا، وإني والله ما رأيت أفضل من 047 إن المرأة إذا بلغت المحيض؛ لم يصلح أن يرى منها 050 إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 184 إن هذه من ثياب الكفار؛ فلا تلبسها 109 أن هند بنت عتبة كشفت عن نقابها لما بايعته -صلى الله عليه وسلم 165 إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم؛ لم يؤاكلوها 177 إنما يفعل ذلك النصارى، صوموا كما أمركم الله 105 إنه أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن 094 أنه -صلى الله عليه وسلم- لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية 059 إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها؛ إلا هذا وهذا 194 أنه -صلى الله عليه وسلم- مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود 175 إنها صلاة اليهود 183 إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا 184 إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم؛ فخالفوهم 179 إنهما يوما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم 067 إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم 050 إني لا أشهد على جور 167 اهتم -صلى الله عليه وسلم- للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب الراية 058 أَوَ لَمْ تَرَيْ إلى هيئتها؟! إنه ليس للمرأة المسلمة 172 ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم 077 إياكم والجلوس بالطرقات!.. فإن أبيتم إلا المجلس؛ فأعطوا 020 إياكم والغلو في الدين! فإنما هلك من كان قبلكم 184 إياكم ولبوس الرهبان! فإنه من تزيى بهم أو تشبه؛ فليس 200 إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرًا! 072 أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟! 137 أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها 138 أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة 071 أيما رجل رأى امرأة تعجبه؛ فليقم إلى أهله؛ فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 "ب-ث": 204 بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبدَ الله وحده 101 بهذا كنت أخرج لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- للوضوء 060 تصدقن؛ فإن أكثركن حطب جهنم 066 تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم 146 ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة 119 ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة عصى إمامه ومات "ج-خ": 168 الجرس مزمار الشيطان 187 جزوا الشوارب، وأرخو اللحى؛ خالفوا المجوس 094 حاضت؟ اختمري بهذا 077 حق الطريق: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر 136 الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما؛ رفع الآخر 186 خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى 172 خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم 030 خير الأمور أوساطها "د، ر": 201 دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين 28 و062 رأيت شابًّا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما 033 رفقًا بالقوارير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 "س، ش": 203 سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا 125 سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رءوسهن 056 شققن أكنف مروطهن فاختمرن بها "ص، ط": 171 صلِّ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع 155 صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها 156 صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه 155 صلوا كما رأيتموني أصلي 151 صنفان من أهل النار من أمتي لم رأهما بعد: كاسيات 198 طهروا أفنيتكم؛ فإن اليهود لا تنظف أفنيتها 122 طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه "ع، غ": 210 عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم 210 عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم 157 عليكم بالبياض؛ فليلبسه أحياؤكم، وكفنوا فيه موتاكم 189 و205 غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى "ف، ق": 178 فإذا كان العام المقبل إن شاء الله؛ صمنا اليوم التاسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 012 فإنك إذا وضعت خمارك؛ لم يرك 107 فخرج -صلى الله عليه وسلم- من خيبر ولم يعرس بها، فلما قرب البعير له 176 فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر 069 قد حللت حين وضعت "ك": 108 كان الركبان يمرون بنا ونحن معه -صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذوا 193 كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه 210 كان يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القداح 179 كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من 070 كانت امرأة تصلي خلفه -صلى الله عليه وسلم- حسناء من أحسن الناس 148 و215 كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته: الرجل راعٍ في أهله 065 كن نساء المؤمنات يشهدن معه -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات 101 كنت أسكب على كفيه ثلاث مرات "ل": 201 لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى 82 و168 و203 لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة 74 و084 لتلبسها أختها من جلبابها 176 اللحد لنا والشق لأهل الكتاب 158 لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من 98 و149 لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات 141 لعن -صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 146 لعن -صلى الله عليه وسلم- الرجلة من النساء 145 و149 لعن -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء 145 و151 لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء 191 لكنكم غيروا، وإياي والسواد 012 لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفاها 109 لما اجتلى -صلى الله عليه وسلم- صفية؛ رأى عائشة متنقبة وسط الناس 087 لما انقضت عدتي من أبي سلمة أتاني -صلى الله عليه وسلم، فكلمني بيني وبينه 074 لما قدم -صلى الله عليه وسلم- المدينة؛ جمع نساء الأنصار في بيت، ثم 040 لما كان يوم أحد؛ انهزم الناس عنه -صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين 082 لما نزلت؛ خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان 142 ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه 193 ليس منا من تشبه بغيرنا؛ لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى 142 ليس منا من تشبه من النساء بالرجال "م": 181 ما أنهر الدم وذكر اسم الله؛ فكل؛ ليس السن والظفر 131 ما لك لم تلبس القبطية؟ 191 ما لكم لا تغيرون؟ 211 ما لي أراكم عزين؟ 138 ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله 170 ما من عام إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم 197 مر بي -صلى الله عليه وسلم- وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي 196 مر -صلى الله عليه وسلم- وأنا في جوار أتراب لي، فسلم علينا 196 مر -صلى الله عليه وسلم- في نسوة عليهن 195 مر علينا -صلى الله عليه وسلم- في نسوة، فسلم علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 194 مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فأشار 194 مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فسلَّم 131 مرها فلتجعل تحتها غلالة؛ فإني أخاف أن تصف 100 من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه؛ طوقه في سبع 148 و204 و205 من تشبه بقوم؛ فهو منهم 080 من جر ثوبه خيلاء؛ لم ينظر الله إليه يوم القيامة 027 من كتم علمًا؛ ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار 214 من لبس ثوب شهرة؛ أعرض الله عنه حتى يضعه متى 213 من لبس ثوب شهرة في الدنيا؛ ألبسه الله ثوب مذلة 154 من لم يجد إزارًا؛ فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين "ن": 070 نزول: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين} 198 نظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود؛ تجمع الأكباء في دورها 147 نهى أن تحلق المرأة رأسها 175 نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة 175 نهى رجلًا وهو جالس معتمد على يده اليسرى 175 نهى عن التخصر في الصلاة 205 نهى عن التشبه بالأعاجم 214 نهى عن الشهرتين: أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر إليه 170 نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب 183 نهى عن لبوس الحرير، وقال: إلا هكذا 175 نهى عن التخصر في الصلاة 075 نهينا عن اتباع الجنائز، ولا جمعة علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 "هـ، و": 180 هدينا مخالف هديهم 167 هو من أمر اليهود 075 هي النياحة. تفسير: {ولا يعصينك في معروف} 025 وددت أنا قد رأينا إخواننا 203 والذي نفسي بيده؛ لتركبن سنة من كان قبلكم سنة سنة "لا": 071 لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينًا 175 و197 لا تجلس هكذا؛ إنما هذه جلسة الذين يعذبون 182 لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية 036 لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من 193 لا تسلموا تسليم اليهود؛ فإن تسليمهم بالرءوس والأكف 193 لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود بالإشارة 020 لا تشددوا على أنفسكم؛ فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم 168 لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس 179 لا تصوموا يوم السبت؛ إلا فيما افترض عليكم 200 لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ إنما 066 لا تفعلي؛ إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان؛ فإني 155 لا تمنعا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن 17 و104 لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين 065 لا حاجة لي في النساء 041 لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 182 لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية 176 لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود 006 لا يقبل الله صلاة حائض؛ إلا بخمار 154 لا يلبس المحرم القمص والعمائم ولا السراويل والبرانس "ي": 051 يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض؛ لم يصلح أن 079 يا بنية! خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك غلبة 077 يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست 185 يا معشر الأنصار! حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب 090 يا معشر النساء! أليس لكن في الفضة ما تحلين؟ أما إنه 031 يسروا ولا تعسروا 081 يطهره ما بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 3- رواة الأحاديث المرفوعة: ابن عباس "انظر: عبد الله بن عباس" ابن عمر "انظر: عبد الله بن عمر" ابن عمرو "انظر: عبد الله بن عمرو بن العاص" ابن مسعود "انظر: عبد الله بن مسعود" 184 أبو أمامة 211 أبو ثعلبة الخشني 214 أبو ذر 077 أبو طلحة 107 أبو غطفان بن طريف المري 137 أبو موسى الأشعري 25 و107 و125 و138 و141 و169 و176 و186 و187 و189 أبو هريرة 202 أبو واقد اللثي 089 أخت حذيفة 131 أسامة بن زيد 58 و136 أسماء ابنة عميس 194 و195 و196 أسماء بنت يزيد الأنصارية 81 و83 و87 و169 و178 أم سلمة 107 أم سنان الأسلمية 74 و083 أم عطية 081 امرأة من بني عبد الأشهل 071 امرأة منهم 40 و94 و107 و165 و191 أنس بن مالك 077 بريدة 072 ثوبان 210 جابر بن سمرة 60 و173 و193 جابر بن عبد الله 9 و78 و175 و196 جرير بن عبد الله 171 جندب بن عبد الله البجلي 079 الحارث بن الحارث الغامدي 180 رافع بن خديج 101 الرُّبَيِّع بنت معوذ 189 الزبير 137 زينب الثقفية 069 سبيعة بنت الحارث 197 و198 سعد بن أبي وقاص 100 سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل 064 سهل بن سعد 172 شداد بن أوس 196 الشريد بن سويد 12 و42 و47 و51 و56 و65 و70 و78 و94 و105 و106 و107 و146 عائشة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 61و 67 و70 و113 و145 و154 و177 و192 عبد الله بن عباس 80 و104 و108 و136 و145 و172 و175 و185 و197 و203 و205 و213 عبد الله بن عمر 120 و125 و142 و183 و193 عبد الله بن عمرو بن العاص 71 و98 و149 و198 عبد الله بن مسعود 182 عدي بن حاتم 62 و77 و147 علي بن أبي طالب 179 و183 و200 عمرو بن الخطاب 097 عمران بن حصين 176 عمرو بن العاص 170 عمرو بن عبسة 167 عمومة من الأنصار لأبي عمير بن أنس 12 و066 فاطمة بن قيس 062 الفضل بن عباس 41 و47 و058 قتادة 086 قيس بن زيد 111 قيس بن شماس 168 قيس بن عباد 214 كنانة بن نعيم 176 ليلى امرأة بشير ابن الخصاصية 179 المسور بن مخرمة 210 النعمان بن بشير 182 هلب والد قبيصة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 4- الآثار الموقوفة: "أ": 013 أخذ الله عليهن أن يُقَنِّعن على الحواجب 135 إذا صلت المرأة؛ فلتصل في ثيابها كلها: الدرع، والخمار، والملحفة 088 أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة 205 إن كان للكنيف والوضوء -يعني: نعلًا سنديًا- وأكره الصرار 086 {أن يضعن ثيابهن} : الجلباب 125 إن إبراهيم النخعي كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواجه -صلى الله عليه وسلم 098 أن أسماء بنت أبي بكر جاءت مسفرة الوجه مبتسمة 123 أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة 183 أن حذيفة بن اليمان أتى بيتًا، فرأى فيه حادثتين فيه أباريق 123 أن سعيد بن جبير رأى بعض أزواجه -صلى الله عليه وسلم- تطوف بالبيت وعليها 175 أن عائشة كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته 123 أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة 123 أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي مُحْرمة 102 أن عروة بن عبد الله بن قشير دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب 109 أن عمر بن الخطاب أذن لأزواجه -صلى الله عليه وسلم- في الحج في آخر حجة 099 أن عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء أن يتقنعن يقول 127 أن عمر بن الخطاب كسا الناس القباطي ثم قال: لا تَدَّرِعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 127 أن المنذر بن الزبير قدم من العراق، فأرسل إلى أسماء 115 أن نساء المسلمين يدخلن الحمامات ومعهن نساء 175 إن اليهود تفعله. يعني الاختصار في الصلاة 100 إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين 128 إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر 188 إني لأرى رجلًا يحيي ميتًا من السنة 098 ألا تنرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء "ت": 6 و014 تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به 014 تسدل الثوب على وجهها إن شاءت "ج-خ": 097 جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف، سفعاء الخدين 103 جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب، فذكرت أن زوجها لا يصل إليها 113 حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة 030 خير الأمور أوساطها "د، ذ": 096 دخلت أنا وأبي على أبي بكر؛ وإذا هو رجل أبيض 102 دخلت على أم الدرداء، فرأيتها مختمرة بخمار صفيق، قد ضربت 128 دخلت على عائشة وعليها ثياب من هذه السيد الصفاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 099 دخلت على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها لبعض 109 ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة، فاستأذنًا عليها، فألقت "ر، ز": 099 رأى عمر أمة لنا متقنعة، فضربها، وقال: لا تشبهي بالحرائر 126 رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة 102 رأيت سمراء بنت نهيك عليها درع غليظ وخمار غليظ 102 رأيت سمراء بنت نهيك -وكانت قد أدركته -صلى الله عليه وسلم- عليها 101 رأيت عائشة تفتل القلائد للغنم تساق معها هديًا 108 رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة 122 رأيت على أم سلمة درعًا وملحفة مصبغتين بالعصفر 059 الزينة الظاهرة: الوجه والكفان "س، ص": 205 سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكره للرجل 177 صوموا التاسع والعاشر؛ خالفوا اليهود "ف، ق": 115 فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى 106 فبينا أنا جالسة في منزلي؛ غلبتني عيني، فنمت 102 رأيت في يديها مسكًا غلاظًا، في كل يد اثنين اثنين 099 فما بال الجلباب؟! ضعيه عن رأسك، إنما الجلباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 090 قد أدركتهن، وإن إحداهن لتتخذ لكمها زرًا تواري خاتمها "ك": 187 كان أبي إذا جز شعره؛ لم يحلق قفاه 148 كان أزواجه -صلى الله عليه وسلم- يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة 090 كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن 112 كان امرأة جميلة بمكة كان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها 135 كانت عائشة تحل إزارها فتجلبب به 168 كانوا يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند القتال 193 كانوا يكرهون التسليم باليد 183 كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد 115 كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح: إن نساء من نساء 059 الكف ورقعة الوجه. تقسير: {ولا يبدين زينتهن} 110 كنا ندخل على حفصة بنت سيرين، وقد جعلت الجلباب 098 كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها 108 كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك 102 كنت عند فاطمة بنت علي، فجاء رجل يثني على أبيها "م. هـ": 110 ما أدركت أحدًا أفضله على حفصة. يعني: بنت سيرين 204 من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم 183 من تشبه بقوم فهو منهم 187 هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 "لا": 134 لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيهن: درع، وجلباب، وخمار 128 لا تدرعها نساؤكم. يعني: القباطي 099 لا تشبهن بالحرائر 099 لا تشبهي بالحرائر 115 لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها 009 لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه "ي": 136 يا أسماء! إذا أنا مت؛ فاغسليني أنت وعلي، ولا يدخل 135 يا أسماء! إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء؛ أن يطرح 183 يا عتبة! إنه ليس من كد أبيك ولا من كد أمك، فأشبع 078 يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل الله 085 يسدلن عليهن من جلابيبهن، وهو القناع فوق الخمار 015 يهودية بين يهوديات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 5- رواة الآثار الموقوفة: 109 إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 125 إبراهيم النخعي 122 ابن أبي مليكة 6 و14 و59 و86 و88 و177 ابن عباس 59 و60 و135 ابن عمر 090 ابن كعب القرظي 086 ابن مسعود 098 أبو ذر الغفاري 148 أبو سلمة بن عبد الرحمن 097 أبو السليل 113 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي 183 أبو عثمان النهدي 9 و187 و205 أحمد بن حنبل 108 أسماء بنت أبي بكر 126 أم علقمة بن أبي علقمة 099 أنس بن مالك 110 إياس بن معاوية 183 حذيفة بن اليمان 85 و123 سعيد بن جبير 128 شميسة بنت عزيز بن عامر العتكية البصرية 108 صفية بنت شيبة 14 و15 و59 و128 و134 و175 عائشة 110 عاصم الأحول 115 عباد بن نُسَيّ الكندي 127 عبد الله بن أبي سلمة 204 عبد الله بن عمرو 103 عبد الرحمن والد عيينة 103 عروة بن عبد الله بن قشير 101 و193 عطاء بن أبي رباح 99 و115 و127 و183 عمر بن الخطاب 102 عيسى بن عثمان 135 فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم 123 فاطمة بنت المنذر 123 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 098 قبيصة بن جابر 013 قتادة 096 قيس بن أبي حازم 090 مجاهد 205 محمد بن أبي حرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 113 محمد بن أحمد بن موسى القاضي: أبو عبد الله 183 محمد بن سيرين 187 المعتمر بن سليمان التيمي 102 ميمون بن مهران 127 هشام بن عروة 030 وهب بن منبه 102 يحيى بن أبي سليم 109 يزيد بن بابنوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260