الكتاب: مدرسة الحديث في مصر المؤلف: محمد رشاد خليفة الناشر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالقاهرة الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- مدرسة الحديث في مصر محمد رشاد خليفة الكتاب: مدرسة الحديث في مصر المؤلف: محمد رشاد خليفة الناشر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالقاهرة الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة : الحمد لله الذي شرح صدورنا بالكتاب والسنة أصل الإسلام وجماع الدين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة ونعمة وهدى للعالمين، أرسله الله إلى الناس بقرآن يتلى هداية ونورا: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 1 وسنة تروى بيانًا لهذا القرآن: تفصل مجمله، وتوضح مبهمه، وتكشف للناس ما خفي منه، وتضيف إليه كثيرا مما لم يرد فيه، فهدى الله أناسًا إلى اتباع سنته، ووفقهم لخدمتها بحفظها وروايتها وأرشدهم إلى تنقيتها والدفاع عنها، وسخرهم لجمعها وتدوينها ونشرها، ثم جند لها من العلماء من يسر تداولها وقرب جناها، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين: وبعد: فقد رأيت العلماء منذ فجر الإسلام قد بلغت عنايتهم بالقرآن الكريم درجة تفوق الوصف، وكان لكل منهم في ذلك منهجه الذي تميز به، فمن مفسر يبين أسلوبه ويوضح غريبه، إلى شارح يجلي آياته ويربط سوره، ويذكر أسباب نزوله، ومن مهتم بقراءاته وتوجيه رواياته، إلى معنى بإعراب جمله وبيان مفرداته، ومن بليغ يحرص على إبراز بيانه ومعانيه، إلى فقيه يلتمس أدلة الأحكام فيه. ولم تكن هذه العناية بالقرآن أمرًا غريبًا من المسلمين، فإنه الكتاب الذي نزل على نبيهم، وإنه الهدى بعد الضلال، والعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، وإنه -فوق ذلك- النور الذي أضاء حياتهم، ووضع به الله أقدامهم على الطريق: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} 2. أما السنة، فإنها وإن وجدت على مدى العصور، من يهتم بأمرها ويعنى بشأنها، إلا أنها لم تبلغ في ذلك مبلغ القرآن الكريم، وقد كانت جديرة بذلك؛ لأنها تناولت بالشرح والتفصيل كل أمور الدين، ولأنها المرآة الصافية لحياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة آله وصحبه، وبقدر ما يتمثل المؤمنون في نفوسهم هذه الحياة الكريمة أسوة واقتداء تكون درجتهم من صدق الإيمان واليقين، ولأن ما تلقيناه من السنة عن السابقين كان من الغزارة بحيث بلغ مئات الألوف من الأحاديث.   1 سورة هود من الآية: 1. 2 سورة الشورى الآيتان 52، 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 والآثار، ولأنها لم تكتب كما كتب القرآن في العصر الأول، بل كان اعتماد الصحابة فيها على حفظ الصدور، ثم تداولها من الطوائف حديثة العهد بالإسلام -وفيهم الكثير ممن كاد للإسلام وأهله عن طريق الدس في السنة والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم- ما وضع بعضًا من الأحاديث موضع الشك، وما جعل السنة في جملتها لا تحظى بالإجماع الذي حظي به القرآن الكريم، وأخيرًا لأن كل عناية بالسنة إنما هي في الواقع عناية بالقرآن؛ لأنها الشارحة له، والمبينة لما جاء فيه، فكل جهد يبذل في سبيل تنقيتها وتجليتها وتبويبها وتصنيفها، وتقديمها إلى الدارسين والعاملين في وضوح لا لبس معه هو جهد مبذول في الحقيقة للعناية بكتاب الله عز وجل. من أجل هذا، ولإبراز دور مصر في خدمة السنة، وتقديرًا لجهود العلماء فيها على مدى الأجيال وتعاقب السنين استنهاضًا للهمم وشحذا للملكات رأيت أن أوجه عنايتي إلى دراسة السنة في مصر، ووقع اختياري على تلك الفترة التي حظيت دراستها فيما بنصيب كبير، وكان علماؤها الأعلام في مركز الصدارة لعلماء المسلمين في كل أنحاء الدنيا، لعل ذلك يكون حافزًا على دراسة السنة في كل بلد دخله الإسلام، وباعثًا على جعل دراستي هذه بداية لسلسلة من الدراسات يقوم بها المتخصصون في السنة في مسارها عبر القرون منذ عهد النبوة إلى وقتنا الحاضر. ولعل ذلك أيضًا يكون دافعًا لأبناء هذا البلد العريق أن يصلوا حاضرهم بماضيهم في العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينهضوا للدفاع عنه، ويعملوا على بعث الكنوز المدفونة والذخائر الموروثة منه بعد رقود طال أمده. إن مصر التي احتضنت الإسلام وسعدت به، واستمتعت منه بدفء الإيمان وحرارة اليقين، فانتصرت به على أعدائها في الداخل والخارج ليسعدها اليوم أن تعاود الكرة من جديد، وأن تتحمس لإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي إحيائها لها حياة، وفي التشبث بها اعتصام بحبل الله القوي وشرعه القويم. إلى هذه الغاية النبيلة نرمي من وراء هذه الدراسة، وإلى هذا الهدف العظيم نسعى بهذا البحث الذي نرجو أن يحقق الله به النفع لنا ولأمتنا في ديننا ودنيانا، وأن يجعله بداية لعديد من البحوث في السنة يقوم بها المتخصصون فيها، وغرسًا كريمًا نافعًا يؤتي ثماره الطيبة في المستقبل القريب بإذن الله، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وقد عرضت في هذا البحث بعض المجهودات التي بذلها سلفنا الصالح، وهي مجهودات نعتز بها، لما فيها من جهد طويل متتابع في خدمة السنة الغراء، وتوجيه نفوس القارئين إليها، وشغل أفكارهم بها، عسى أن أكون ممن شملهم وعد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "من دعا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"1. فإن الدعوة إلى الهدى لا تقتصر على دعوة اللسان، وإنما تكون برسم الطريق إلى الخير والإغراء بالسير فيه، وهو في مجال العناية بالسنة يكون بنشر علومها ومعارفها، والتنبيه إلى مدارسها المختلفة ورجالها، وآثارهم النافعة المثمرة في ميادينها المتعددة. على أنني أعتذر عما عسى أن يكون فرط مني من خطأ غير مقصود، أو تقصير فيما لم يبلغه وسعي واجتهادي. ولعل الناظر في هذا المجهود يرى فيه ما يكشف عن حسن النية ومواصلة الجهد الذي أرجو أن يكون وحده موضع الرضا والتقدير، وسبيلًا للصفح عن التقصير. وأسأل الله أن ينفعنا بالقرآن الكريم، وبالسنة النبوية المطهرة، وبكل ما يتصل بهما دراسة وعملًا، وأن يكتب لنا النجاح في كل ما نزاوله في أمر يتعلق بهما، إنه سميع مجيب، وهو نعم المول ونعم النصير، القاهرة في رمضان 1402هـ يوليو 1982م محمد رشاد محمد خليفة   1 أخرجه البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد مدخل ... أعلام المحدثين في مصر: تمهيد: نقصد بالعلم ذلك العالم الفذ الذي يؤمه الناس لما عنده من معازف، وقد أصبح فيما بينهم منارة يهتدي بها الحائرون، وعلمًا يلتف حوله الدارسون، يفيض عليهم من علومه، وينفعهم بدروسه وأماليه ومدوناته. ونعني بالمحدث من له عناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية أو دراية، دراسة أو تعليمًا، أو جمعًا وتصنيفًا، أو تدوينًا وتأليفًا. وإذا كنا في هذا الباب بصدد الترجمة لأعلام المحدثين في مصر فإنما نريد بهم هؤلاء الذين كانوا أئمة في الحديث وعلومه في هذه البلاد، ممن كان يرجع إليهم الكثير في التلقي منهم والأخذ عنهم، والانتفاع بهم فيما نقلوه إلى من عاصرهم أو جاء بعدهم، عن طريق الرواية أو التدريس، أو الإملاء أو التدوين، أو غير ذلك من طرق التحمل والأداء. وأول هؤلاء صلة بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه هم الصحابة رضوان الله عليهم، وقد اقترن وجودهم في مصر بالفتح الإسلامي لها عام عشرين، ومنذ ذلك الحين بدأت في مصر رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا بد أن نشير هنا إلى فتح مصر وما اقترن به من الظروف والملابسات، لما له من أثر في وضع النواة التي أثمرت فيما بعد مدرسة الحديث في مصر. ذلك أن الفتوح التي ظفر بها المسلمون في الشام، وانتصارهم الحاسم في موقعة اليرموك جعل أعناقهم تشرئب، ونفوسهم تتطلع إلى توسيع رقعة الإسلام، والتدرج في تلك الفتوح التي كان لا بد منها لحماية حدود الدولة الإسلامية، وتثبيت ملكهم فيما وصلوا إليه من البلاد المجاورة. وكان من أقوى ما أعانهم على التفكير في فتح مصر ما كان فيها من تفكك سياسي أدى إليه وقوع الخلاف المذهبي بين الحكام من الرومان والقبط من أهل مصر، وقد تم ذلك العون بما عود الله به المسلمين من نصرهم على الأعداء ما دام جهادهم في سبيل نصرة العقيدة وإعلاء كلمة الله. ففي العام الثامن عشر للهجرة، سار عمرو بن العاص على رأس جيش قوامه أربعة آلاف، حتى وصل إلى بلبيس بعد استيلائه على الفرما، وكان قتال عنيف بعد حصار دام شهرًا كانت نهايته هزيمة منكرة لجيش الروم الذي يربو على اثني عشر ألفًا من المقاتلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وما زال الجيش الإسلامي يواصل الفتوح من بلدة إلى أخرى، حتى تم الفتح لمصر عام عشرين، وانساح الصحابة والتابعون في أنحاء البلاد طولًا وعرضًا، ينشرون دين الله، ويبلغون رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، وأخذ كثير من أهل البلاد يقبلون على الفاتحين الأولين ويؤثرونهم بالحب، بعد أن عرفوا سماحة الإسلام وعدالته، وظهر لهم الفارق الكبير بين ما كانوا عليه أيام حكم الرومان من غطرسة وظلم واستبداد، وما لمسوه في هؤلاء الفاتحين من عدالة ورأفة ورفق وإحسان فدخل في الإسلام كثير من أهل البلاد، وبدءوا يطلبون ما لديهم من معارف الإسلام وعلومه الرفيعة وكانت مادة الصحابة في تعليم هؤلاء أصول الدين ما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كان الصحابة ينشرون دين الله ويبلغون عن رسوله، ودخل كثير من أهل البلاد في الإسلام فتعلموا على يد الصحابة والتابعين أحكام الدين وأصول العلم، فحفظوا القرآن، ورووا السنة وتفقهوا في الدين. وكان من أكثر الصحابة رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد امتاز على غيره من سائر الصحابة بأنه كان يكتب ما يسمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يكتبون. خرج عبد الله بن عمرو بن العاص إلى مصر عندما ولاه إياه معاوية، وبقي بها مقيمًا بعد وفاة والده، وكان يحج ويعتمر ثم يعود إليها، حتى توفي بها في بعض الأقوال. ولم يكن عبد الله بن عمرو وحده الذي يكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتصدى لتعليم الناس في مصر، فقد كان معه كثير من الصحابة يؤدون نفس المهمة ويقومون بهذا الدور. كان هناك عقبة بن عامر الجهني، كما كان خارجة بن حذاقة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، ومحمية بن جزء، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأبو بصرة الغفاري، وأبو سعد الخير ومعاذ بن أنس الجهني، وعبد الله بن أنيس، وعبادة بن الصامت وكثير غير هؤلاء ممن سنذكرهم في أول فصول هذا الكتاب. تخرج على يد هؤلاء الصحابة الكثير من التابعين، منهم أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني مفتي أهل مصر، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد العزيز بن مروان، وعمار بن سعد التجيبي، ثم الحارث بن يعقوب الأنصاري -والد الفقيه عمر بن الحارث- وعطاء بن دينار، ثم جعفر بن ربيعة الكندي، وغير هؤلاء كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ثم كان أتباع التابعين ومن جاء بعدهم يتناقلون رواية الحديث، ويتدارسونه بينهم، ويعملونه للناس، ويفقهونهم فيه، وكانت الرحلة في طلب العلم من مصر وإليها من العوامل المؤثرة في الرواية وازدهارها، فنبغ في مصر أئمة وظهر فحول، أخذ عنهم البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح، بل كان من مصر بعض أصحاب هذه الصحاح، فالنسائي صاحب السنن الكبرى والصغرى كان من أهل مصر وفيها يقيم. ولم تنقطع مدارسة الحديث تحملًا وأداء في مصر منذ أكرمها الله بالفتح الإسلامي طيلة عصر الرواية، حتى إذا جاء عصر التدوين كان علماء مصر من أسبق الناس فيه، فقد عرف العالم الإسلامي من علماء مصر الإمام النسائي صاحب السنن، والطحاوي صاحب معاني الآثار وشرحه، كما عرف غيرهما من أساطين العلم وجهابذة السنة، كان المرجع إليهم في كل مهم من علوم الحديث. وكانت المساجد هي مراكز الإشعاع في كافة أنحاء البلاد، فيها يجلس الشيوخ للدرس والإسماع، ويحضر التلاميذ للتحصيل والاستماع، وفيما يتخرج النابهون في كل علم وفن، وإليها يفد الطالبون للفتوى، والراغبون في المعرفة والفقه في أصول الدين، وما يكاد الناس يتسامعون بنبوغ شيخ في علوم السنة حتى يحج إليه طلاب الحديث من كل مكان، يأخذونه عنه، ويتلقون منه، ويستجيزونه في المسموع والمكتوب، ثم ينصرفون إلى غيره من الشيوخ أملا في الحصول على المزيد. وكانت هذه البيوت الإلهية منتشرة في طول البلاد وعرضها، تغص دائمًا بحلقات العلم، وتزخر بطلاب المعرفة. ثم بدأ السلاطين والأمراء في مصر يبنون المدارس، ويعدونها لاستقبال الطلاب، ويرتبون الأرزاق لشيوخها والقائمين بالتدريس فيها، ويجعلون بعضها لدراسة الحديث وبعضها لدراسة الفقه وغير ذلك. نقل السيوطي في كتابه حسن المحاضرة1 عن ابن خلكان قال: لما ملك صلاح الدين بن أيوب الديار المصرية لم يكن بها شيء من المدارس، فإن الدولة العبيدية كان مذهبها مذهب الرافضة والشيعة، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فبنى السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة المجاورة للإمام الشافعي، وبنى مدرسة مجاورة للمشهد الحسيني بالقاهرة، وجعل دار سعيد السعداء -خادم الخلفاء المصرين- خانقاه2 وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية   1 حسن المحاضرة ج2 ص256. 2 الخانقاء جمعها خوانقن وكذلك الرباطات والزوايا: معاهد دينية إسلامية للرجال والنساء، أنشئت لإيواء المنقطعين للعلم والزهاد والعباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وهي المعرفة الآن بالسيوفية- وبنى المدرسة التي بمصر المعروفة بزين التجار للشافعية -وتعرف الآن بالشريفية- وبنى بمصر مدرسة أخرى للمالكية -وهي المعروفة الآن بالقمحية. ومن هذا نرى عناية الأمراء ورجال الدولة بالعلماء، وتهيئة المناخ الملائم لهم ليؤدوا رسالتهم على الوجه الأكمل، وفي هذا شرف للأمراء والعلماء والمتعلمين على السواء. كانت المدارس تقام لدراسة العلوم ومن بينها علوم الحديث، وكانت تقام لدراسة الفقه على المذاهب المتعددة وتدرس معها السنة، وكانت هناك دار للحديث بناها أمير مصر لدراسة الحديث وعلومه في بداية القرن السابع. ذكر السيوطي في كتابه1 هذه المدرسة فقال عنها: المدرسة الكاملية، وهي دار الحديث، وليس بمصر دار حديث غيرها وغير دار الحديث التي بالشيخونية، قال المقريزي: وهي ثاني دار حديث عملت للحديث، فإن أول من بنى دار حديث على وجه الأرض الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، ثم بنى الكامل هذه الدار -يقصد المدرسة الكاملية- بناها الملك الكامل، وكانت عمارتها في سنة إحدى وعشرين وستمائة، وجعل شيخها أبا الخطاب عمر بن دحية، ثم وليها بعده أخوه أبو عمرو عثمان بن دحية، ثم وليها الحافظ زكي الدين المنذري، ثم وليها شرف الدين بن أبي الخطاب بن دحية، ثم وليها بعده المحدث محيي الدين بن سواقة ثم تاج الدين بن القسطلاني المالكي وهكذا حتى وليها الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن. وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب أميرًا لمصر خلفًا لوالده الملك الكامل، فسار على نهجه في بناء المدارس ورعاية الحركة العلمية، فبنى المدرسة الصلاحية بين القصرين، وكانت أربع مدارس للمذاهب الفقهية الأربعة. ثم توالى في عهد المماليك بناء المدارس التي انتسبت إلى أمراء مصر المتعاقبين، فالمدرسة الظاهرية للملك الظاهر بيبرس، والمدرسة المنصورية للمنصور قلاوون، والناصرية للناصر محمد بن قلاوون، والخانقاه البيبرسية لركن الدين بيبرس الحاشنكيري، وغير ذلك من المدارس العلمية التي بناها الأمراء، وأحاطوها بالرعاية والتكريم. أما الأزهر فإنه منذ إنشائه لم يكن له حظ مرفور يستأهل التنويه به في دراسة الحديث، فقد كان في عهد الفاطميين يمثل ركنًا هامًّا من أركان الحياة الإسلامية والرسمية في الدولة، فبين جنباته كانت تقام الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين، وفي ساحته يلتقي الخلفاء بالشعب يعظون ويوجهون ويقررون، ومن فوق منبره يخطب الخلفاء الجمع في رمضان وأيام الأعياد.   1 حسن المحاضرة ج2 ص262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وكان الأزهر في عهد الفاطميين مدرسة للشيعة. وكان أول كتاب درس فيه من وضع أبي حنيفة النعمان بن محمد القيرواني الشيعي قاضي المعز لدين الله الفاطمي، أملى اختصاره ابنه علي بن النعمان على جماعة بالأزهر، ثم توالى أبناء النعمان -وهم من المغرب- على التدريس بالأزهر كما درس بالأزهر أيضًا كتاب في الفقه الشيعي، ألفه يعقوب بن كلس وزير المعز لدين الله والعزيز بالله، وجعله أساسًا لدروسه في شهر رمضان، وكان تحضر إلى هذه الدروس عامة الناس وخاصتهم، ويجلس في حلقته الفقهاء والقضاة وكبار رجال الدولة. وكان ابن كلس أول من فكر في اتخاذ الأزهر معهدًا علميًّا للدراسة، واستأذن العزيز بالله في تعيين جماعة من الفقهاء للتدريس بالأزهر، فأسهم الأزهر بنصيب كبير في الحركة العلمية أيام المعز والعزيز، فكانت تعقد به حلقات لدراسة الدين واللغة والأدب والقراءات والنحو والمنطق والفلك، وكانت الدراسة فيه تجري على الأنماط الآتية: 1- حلقات يجتمع فيها من يرغبون في الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم وشرحه، وتضم كثيرًا ممن اتصفوا بالورع والتقوى واهتموا بتفهم كتاب الله. 2- حلقات أخرى يجلس فيها الطلاب إلى المدرسين يتناقشون معهم في المسائل العلمية، ويأخذون عنهم بعض أماليهم. 3- محاضرات تلقى في أيام الاثنين والثلاثاء من كل أسبوع، يحضرها كثير من المثقفين، ويعقبها مناقشات في موضوع المحاضرة من فقه أو حديث أو تفسير. 4- وإلى جانب هذا كانت هناك دروس دينية لمن أراد فهم الدين من النساء. ثم قامت الدولة الأيوبية السنية على أنقاض الدولة الفاطمية الشيعية، فقضت على كل أثر للشيعة، وكان الأزهر هدفًا أساسيًّا للحملة على التشيع، باعتباره ركن الشيعة الركين، فأبطل صلاح الدين الجمعة فيه، وظل كذلك نحو مائة عام لا تقام فيه الجمعة، وكان ذلك إيذانًا بإهمال شأنه، فهبطت مكانته، وركدت في جنباته الحياة العلمية التي عهدها في العصر الفاطمي، وعمل الأيوبيون على صرف الناس عن الأزهر، وأغروا علماءه بترك التدريس فيه، والقيام بتدريس العلوم في مدارسهم التي أسسوها، وأغدقوا عليها الأموال لتنافس الأزهر وتزعزع مكانته العلمية، فتوزع الأزهر إلى مدارس الأيوبيين، وحمل الأزهريون أنفسهم لواء الحركة العلمية في هذه المدارس التي لم تكن في الحقيقة إلا امتدادًا لحركة الأزهر، وتوسيعًا لدائرتها في الآفاق. وكانت مواد الدراسة في هذه المدراس الأيوبية السنية القرآن والقراءات والنحو والصرف والبلاغة والتفسير والحديث وفيه المذاهب الأربعة وأصول الفقه والرياضيات والمنطق والكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ثم قامت الدولة المملوكية في مصر: فانتعش الأزهر بعد ما أصابه من نكسة على يد الأيوبين وعادت إليه مكانته العلمية من جديد، ليكون حفيظًا على لغة القرآن وعلوم الشريعة، وكان الظاهر بيبرس أكثر سلاطين المماليك عناية بالأزهر، فأمر بإعادة خطبة الجمعة إليه، بعد أن ظلت معطلة منذ أيام صلاح الدين. وعني الكثير من سلاطين المماليك بعمارة الجامع الأزهر ووقف الأموال عليه، ومنح الهبات لعلمائه وطلابه، وعادت إليه حلقات الدروس التي ازدهرت بعلوم الفقه والتفسير والحديث، وعمر بمجالس الوعظ، وجعل لكل قراءة من القراءات السبع مدرس خاص، ودرس فيه إلى جوار ذلك الفلسفة والعلوم الطبيعية، وتردد على حلقاته الأعيان وكبار رجال الدولة، وعين له إمام يصلي بالناس ويخطب فيهم خطبة الجمعة، كما عين له مشرف يتولى مختلف شئونه، وكان كبار رجال الدولة يتقربون إلى الله برعاية كافة نواحيه الإدارية والمالية والتعميرية، وبلغ عدد طلابه سبعمائة وخمسين من أبناء الريف المصري ومن الفرس والزنوج وشمالي إفريقية، وخصص رواق لإقامة كل من هذه الجنسيات. وعادت للأزهر مكانته كمركز لأعمال الدولة في عهد المماليك: ففيه كانت تتلى المنشورات والقوانين، وشغل علماؤه وظائف كبرى في ذلك العهد ومن بينها القضاء والإفتاء، كما حملوا مسئولياتهم كاملة في الهداية والتوجيه، وكان لهم أكبر الأثر في توجيه السياسة العليا في البلاد. وبذلك برزت مكانة الأزهر في العصر المملوكي، فقد كان مسجدًا للعبادة، وجامعة عليا للدراسات الإسلامية والعربية، ومركزا لأعمال الدولة الرسمية، كما كان مثابة للناس وأمنًا، تلتمس فيه الهداية، ويفزع إليه المظلوم، ويأوي إليه الفقراء والحجاج، والمتصوفة وطلاب العلم. ومنذ ذلك الحين وحتى وقتنا هذا والأزهر حارس على الدين والعلم، يحمل لواء الحق إلى الناس في كل أقطار الأرض، وينشر دعوة الإسلام على أساس من الكتاب والسنة، لم ينحرف ولم يزغ، لم يدع إلى باطل، ولم يقصر في الدعوة إلى الحق، يفتح أبوابه للدارسين من كافة أنحاء الدنيا، يتلقاهم حفيًّا بهم حريصًا على تثقيفهم، يتزودون بين جنباته من علوم الدين واللغة والمنطق والفلسفة والكلام والرياضيات، كما يتعلمون غيرهما من الثقافات الإنسانية، ويفيدون من شيوخه ما أفاء الله عليهم من علوم، ثم يصدرون عنه وقد تزودوا بحصيلة يفيد منها طالبو الدين والدنيا معا، وينتفع بها العامة والعلماء على حد سواء. ذاع صيت الأزهر وعظم خطره، واهتم به على مر الأيام ملوك الدنيا وزعماء العالم، وتعلقت به آمال المسلمين في شتى الأنحاء، وأحبوا مصر من أجل الأزهر، فأصبحت به قبلة السائحين، ومنار الحائرين، ومهوى أفئدة الملايين من المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وله أن أمة أرادت أن تبلغ ما بلغته مصر عن طريق الأزهر من مكانة سامية، وقيادة روحية لدول العالم الإسلامي، لما استطاعت ذلك ولو بذلت في سبيله أضعاف ما تنفقه على الدعاية لنفسها لمئات السنين. إن عالمًا واحدًا يوفده الأزهر إلى أي بلد إسلامي في العالم، ويتمكن من أداء رسالته على الوجه الأكمل يستطيع -مع توفيق الله وحسن رعايته- أن يؤثر في ذلك البلد تأثيرًا طيبًا لا تستطيعه كل أجهزة الدعاية والإعلام. إن الأزهر هو الورقة الرابحة لمصر حتى الآن، تستطيع من خلاله -بعد تدعيمه والعناية بشأنه- أن تتصدر به دول العالم، وأن تستعيد به الكثير مما ضاع في فترات الضعف والتخاذل. إنه الدعامة الطيبة للمسلمين في كل آفاق الأرض، يستطيعون أن يؤكدوا دوره في نشر تعاليم الإسلام، ويلتفوا حول ما ينادي به من دعوة إلى العمل بالكتاب والسنة، والتأليف بين القلوب لتجتمع على كلمة الله. إن تعاليم الدين تفعل في النفوس فعل السحر، وقد حمى الله الدين بالأزهر، وما من عالم من علماء الإسلام في أي بلد من بلاد الدنيا منذ ألف سنة أو يزيد إلا وللأزهر في عنقه دين وله عليه فضل، ومن أجل هذا تعلق المسلمون عن طريق علمائهم بالأزهر، وأحبوا البلد الذي حل فيه الأزهر، وتعمقت جذور هذا الحب على تتابع الأجيال منذ مئات السنين، فأوفدوا إليه أبناءهم من أقاصي الأرض، واستعذبوا مفارقتهم -وهم فلذات الأكباد- في سبيل طلب العلم فيه لأزمان قد تمتد إلى سنوات وسنوات، استجابة لدعوة الحق تبارك وتعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} 1. وإذا كان علينا أن نربط بين الأزهر في علوم الدين، وبين حظه من علوم الحديث والسنة، فإننا نكتفي بأن نشير إلى أن انفتاح الأزهر في عصر المماليك، واستقباله للدارسين من أهل مصر والوافدين عليه، ممن كان لهم دور خطير في علوم السنة من أمثال شيخ الإسلام ابن حجر والإمام العيني والسخاوي والسيوطي يقضي بأن يكون للأزهر جانب، موفور من تخصصات هؤلاء وقد ورد في تراجم بعضهم تصريح بأنه كان يدرس الحديث في الأزهر، وأن بعضهم كان يقيم فيه، مثل شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وقد جاء في ترجمة عبد الرحيم العباسي أنه كان ممن يدرسون الحديث بالأزهر، وفي هذا القدر ما يحقق الجانب المنشود من مدرسة الحديث في مصر في هذه الجامعة العظيمة.   1 سورة التوبة، من الآية: 122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 لقد احتضن الأزهر الكتاب والسنة، وتخرج فيه علماء التفسير والحديث، وأخذ هؤلاء علوم الدين عمن قبلهم من الأعلام، وهؤلاء عمن قبلهم، وهكذا في سلسلة تمتد على الأجيال إلى عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الذين كانوا همزة الوصل بيننا وبين ذلك العهد النبوي الكريم. فلنبدأ -بعون الله- في بيان أشهر من عرفنا من الصحابة الذين نزلوا مصر، وكانوا الدعامة الأولى في الدراسات الدينية الإسلامية -ومن بينها علوم الحديث- ثم نتبعهم -بإذن الله- بذكر التابعين وأتباعهم، ثم نصل بهذه السلسلة المباركة من الأعلام في الحديث إلى الفترة المحددة لموضوع هذا البحث، وعلى الله قصد السبيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم مدخل ... الصحابة والتابعون وأتباعهم: تمهيد: في عرضنا لمن أخذ عنهم أعلام المحدثين في مصر نتعرض لذكر الصحابة والتابعين الذين نزلوا مصر بسبب الفتح وغيره، أو كانوا من أبنائها الأصليين ممن أدركوا شرف الصحبة أو التبع، فنترجم لمشاهير منهم، وقد يكون من بين هؤلاء الصحابة من لم تكن له رواية للحديث، ولكننا نورده باعتبار منزلته في صدر الإسلام، وأنه كان صورة مجسدة للكثير من الفضائل التي تحلى بها عامة المسلمين في العصر الأول، ولا سيما من كان منهم وثيق الصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه وإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا قوليًّا إلا أن حياته وأفعاله كانت تنطق بما كان عليه السلف الصالح من اقتداء بنبينا صلوات الله وسلامه عليه. وبين يدي تراجم الصحابة نتقدم بكلمات موجزة يتبين منها: من هو الصحابي؟ وبم تعرف الصحبة؟ ولماذا أجمعت الأمة على نسبة العدالة والتوثيق إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ كما يتبين التابعي وتابعه ممن كانوا أوعية للعلم ونقلة للدين. من هو الصحابي 1؟: المحققون من أهل الحديث -كالبخاري وأحمد بن حنبل- على أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مميز مؤمنًا به ومات على الإسلام، طالت مجالسته له أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغز. قال البخاري في صحيحه: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه. وقال أبو المظفر السمعاني: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابي على كل من روى عنه صلى الله عليه وسلم حديثًا أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة. فلشرف منزلته صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم الصحبة، وذكر أن اسم الصحابي من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه. قال: وهذا طريق الأصوليين. وقال ابن الصلاح في مقدمته: روينا عن شعبة عن موسى السيلاني -وأثنى عليه خيرًا- قال: "أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد غيرك؟ قال: "بقي ناس من الأعراب قد رأوه، فأما من صحبه فلا" إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة -وهذا القول قريب من قول الأصوليين.   1 الحديث والمحدثون ص129. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 بم تعرف الصحبة: تعرف الصحبة بواحد مما يأتي: 1- بالتواتر كما في الخلفاء الأربعة. 2- أو بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كما في ضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن. 3- أو بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، كما في حممة بن أبي حممة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطونًا، فإن أبا موسى الأشعري شهد له أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم. 4- أو بقوله وإخباره عن نفسه بأنه صحابي بعد ثبوت عدالته ومعاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم. 5- وتعرف أيضًا بإخبار أحد التابعين أن فلانًا من الصحابة، بناء على قبول التزكية من الواحد العدل وهو الراجح. إجماع الأمة على عدالة الصحابة وتوثيقهم: شهد الله ورسوله بعدالة الصحابة، فقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} 1. وروى الترمذي وابن حبان في صحيحهما عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه". هذان دليلان نقليان على تعديل الله ورسوله للصحابة رضي الله عنهم، وهل يمكن أن يكون بعد تعديل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مقال لأحد من خلق الله يحكم فيه للصحابة بما يحكم به على عامة الناس أو لهم بالجرح أو التعديل؟ إنه لو لم تقم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية شاهد صدق على تعديلهم لأوجب الحال ذلك، فقد هاجروا في الله وجاهدوا مع رسوله، ونصروا الإسلام وبذلوا في سبيله المهج، والأرواح وضحوا بالمال والأهل والولد في سبيل نشره والدعوة إليه، وحفظو القرآن والسنة ونقلوها إلى من بعدهم، وكانوا أمناء على تعاليم الدين، في قوة من الإيمان وصدق من اليقين.   1 سورة الفتح: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى. قال ابن الصلاح: ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم فيه، إحسانًا للظن بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة. أما بعد: فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم وزراؤه وجنوده، وخلصاؤه وأهل محبته، يكفيهم شرفًا أن يشيد الله عز وجل بهم في كتابه الكريم ليبقى هذا الإطراء الإلهي أثرًا خالدًا يدوم على الزمن ما يبقى الزمن، فقد استجابوا لداعي الحق ابتغاء مرضاته، وحبًّا لرسوله الكريم، ذلك الحب الذي ملك عليهم نفوسهم فانقادوا له إيمانًا بما جاء به، وكانوا معه نصراء دعوته يشدون أزره، وأمناء سره ينفذون أمره. أحب الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حبًّا ملأ قلوبهم، وسيطر على وجدانهم ومشاعرهم حتى جعل أحدهم يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة مجاهدًا في إحدى الغزوات: والله ما أحب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه تصيبه شوكة. لقد غمر هذا الحب نفوسهم فامتلأت بالرضا والطمأنينة، وترجموه بجوارحهم انقيادًا لله وطاعة لرسوله، واتباعًا له صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به، واجتنابًا لما ينهى عنه، ووعيًا كريمًا لكل ما يفعل وما يقول: فحفظوا قوله، وحكوا فعله، وكانوا صورا حية للمسلم الكامل الذي يرضى الله ورسوله عنه، وصدق عليهم قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1. لقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة أصفياءه وخاصته، وجنوده وأهل محبته، فقربهم وأثنى عليهم، ومدحهم ودافع عنهم بهذا القول الكريم: "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" 2. لقد اختارهم الله عز وجل لتأييد نبيه ومساندة رسوله، واصطفاهم لحمل الرسالة عنه، وتبليغها إلى الأجيال من بعده، فكانوا حملة الدين، ونقلة العلم، وحفظة القرآن، ورواة السنة، انتشروا في أقطار الأرض دعاة بالقول والعمل، هداة بالكتاب والسنة، وتلقى   1 سورة التوبة: 100. 2 أخرجه مسلم ج16 ص92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 عنهم التابعون ما حملوا، وبلغوه بأمانة إلى من بعدهم نقيًّا خالصًا كما أراد الله ورسوله، ونقله أتباع التابعين إلى من جاء بعدهم من الأجيال في كل قطر ومصر محوطًا بالرعاية، مدعمًا بالإسناد، محفوظًا بوعد الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. إن في ذكر أعلام الصحابة الذين دخلوا مصر يحملون بأيمانهم أعلام الهدى ومشاعل النور، يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله وفعله، وينقلون حركاته وسكناته، في سلمه وحربه، وفي فتوحه وغزواته، ثم في ذكر من نقل ذلك عنهم من أعلام التابعين وتابعيهم، ثم من جاء بعد ذلك من رواة الحديث ونقلته خلفًا عن سلف، كل منهم يسلم إلى من بعده ما تلقاه من هذه المعارف حريصًا على سلامتها، باذلًا أقصى الجهد في صيانتها من الشوائب، وحياطتها من الدخيل، لكي تتلقاها الأجيال منه نقية كما تحملها إن في كل ذلك تدعيمًا لهذه الدراسة المصرية التي لم تنشط من فراغ، ولم توجد في الفترة التي تتناولها فيها من عدم، وإنما ارتكزت على أساس تميزت به شرعة الإسلام في مسارها عبر القرون، وتوثقت به علومها ومعارفها من بين سائر الأديان. أما التابعي: فهو من لقي الصحابي مؤمنًا، وكلما استفاد منه وروى عنه كان أوثق في التبع. وتابع التابعي: هو من لقي التابعين مؤمنًا؛ وكلما زادت استفادته من التابعين ارتفع في درجة التبع، وهكذا. وفي مجال دراستنا هذه نستعرض أبرز من شرفت بهم مصر من أعلام الصحابة والتابعين وأتباعهم، ممن جاءوا مع الفتح الإسلامي أو بعده، أو كانوا من أهل مصر، ممن نقلوا إليه من علوم هذا الدين الحنيف ما كان أساسًا لمدرسة الحديث في مصر، ثم نستعرض أسماء المشاهير ممن أخذ عنهم السنة حتى أسلموها إلى أعلامنا الأجلاء في الفترة التي اخترناها لهذه الدراسة، وسوف تكون عنايتنا -بإذن الله- في تراجم هؤلاء الأعلام بارزة في تحقيق أسمائهم وألقابهم وكناهم، ورحلاتهم في طلب العلم، ثم في بيان شيوخهم وتلاميذهم، وما قيل في تقويمهم -فيما عدا الصحابة فإنهم يجلون عن ذلك- وتاريخ ولادتهم أو وفاتهم في حدود ما تسعفنا به المراجع، وما نجد فيها من نقول معتمدة لعلماء الجرح والتعديل. وبعد: فهذا بيان بأسماء أشهر من كان بمصر من نقلة علوم الدين، ممن كان لهم أبلغ الأثر في رواية السنة، نذكرهم مرتين زمنيًّا بحسب الوفاة لكل منهم، وسوف نبذل -بإذن الله- جهدنا في ترجمة هؤلاء الأعلام بما يعرف بهم، بعد الرجوع إلى المصادر الأولى في تراجم الرجال،   1 سورة الحجر: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الصحابة : 1- أبو ذر الغفاري: جندب بن جنادة -وقيل: يزيد بن عبد الله، وقيل: بربر بن جنادة، وقيل: جندب بن سكن، وقيل: خلف بن عبد الله- أسلم قديمًا بمكة وكان من فضلاء الصحابة ونبلائهم وقرائهم، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها، ولهم عنه عشرون حديثًا، وقد سكن مصر مدة، ثم خرج منها لما رأى اثنين يتنازعان في موضع لبنة كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد أورد صاحب الإصابة قصة إسلامه، روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أنس وابن عباس وأبو إدريس الخولاني وزيد بن وهب الجهني والأحنف بن قيس وجبير بن نفير وعبد الرحمن بن تميم وسعيد بن المسيب وخالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر، وامرأة أبي ذر وعبد الله بن الصامت وخرشة بن الحر وزيد بن ظبيان وخلق كثير، له واحد وثمانون ومائتا حديث، وكان أحد النجباء ألحقه عمر بالبدريين وإن لم يشهد بدرًا، وكان يوازي ابن مسعود في العلم وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر" أخرجه أبو داود وأحمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، مات رحمه الله بالربذة سنة إحدى وثلاثين وقيل: اثنتين وثلاثين1. 2- عقبة بن عامر بن عبس الجهني أبو عمرو، كان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، قال الذهبي: صحابي شهد فتح مصر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين منهم ابن عباس وأبو أمامة وجبير بن نفير وبعجة بن عبد الله الجهني وأبو إدريس الخولاني وخلق من أهل مصر، قال أبو سعيد بن يونس: كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه فصيح اللسان شاعرًا كاتبًا، وهو أحد من جمع القرآن، قال: ورأيت مصحفه بمصر على غير تأليف مصحف عثمان وفي آخره: كتبه عقبة بن عامر بيده، قال خليفة بن خياط في تاريخه: مات سنة ثمان وخمسين عقبة بن عامر الجهني2. 3- عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم القرشي السهمي كنيته أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، يقال: كان اسمه العاص فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا وعن عمر وأبي الدرداء ومعاذ وابن عوف وعن والده عمرو، له سبعمائة حديث، قال أبو نعيم: حدث عنه من الصحابة ابن عمر وأبو أمامة والمسور والسائب بن يزيد وأبو الطفيل وعدد كثير من التابعين، قال في الإصابة: منهم سعيد بن المسيب وعروة وطاوس وأبو العباس الشاعر وعطاء بن يسار وعكرمة ... وخلق، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها ولأهلها عنه أكثر من مائة حديث، وقال ابن سعد: أسلم قبل أبيه ولم يكن بين مولدهما إلا اثنتنا عشرة سنة، قال الواقدي: مات بالشام سنة خمس وستين وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سنة وقال ابن البرقي: مات بمكة وقيل: بالطائف وقيل: بمصر3.   1 الإصابة ج4 ص62، والخلاصة ص378، وشذرات الذهب ج1 ص39. 2 الإصابة ج2 ص489. 3 الإصابة ج2 ص351، والخلاصة ص176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم : 1- أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني: مفتي أهل مصر، ويزن من حمير، روى عن أبي أيوب الأنصاري وأبي بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني وتفقه عليه، كما روى عن زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وعدة، وعنه عبد الرحمن بن شماسة وجعفر بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم، قال سعيد بن عفير: مات سنة تسعين1. 2- مكحول: أبو عبد الله بن أبي مسلم الهذلي عالم أهل الشام الفقيه الحافظ، كان مولى لامرأة من هذيل، قال مكحول عن نفسه: عتقت بمصر فلم أدع بها علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق ثم المدينة فلم أدع بهما علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها، وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول، قال في الخلاصة: روى عن كثير من الصحابة منهم واثلة بن الأسقع وأنس وأبي أمامة الباهلي وخلق، وعنه أيوب بن موسى وزيد بن واقد والأوزاعي وخلق قال ابن كثير: كان نوبيًّا، وقال سليمان بن عبد الرحمن: مات سنة ثلاث عشرة ومائة2. 3- نافع: الإمام العلم أبو عبد الله العدوي المدني، روى عن مولاه ابن عمر وعائشة وأبي لبابة وأبي هريرة وأم سلمة ورافع بن خديج وطائفة، وعنه ابناه أبو بكر وعمر وأيوب وابن جريج ومالك والأوزاعي وعبيد الله بن عمر وابن عوف وعقيل بن خالد والليث وخلق، قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، وقال عبيد الله بن عمر: بعث عمر بن عبد العزيز نافعًا إلى أهل مصر يعلمهم السنن، مات رحمه الله سنة سبع عشرة ومائة3. 4- الأعرج الحافظ المقرئ: عبد الرحمن بن هرمز أبو داود مولى ربيعة بن الحارث بن عبد الملك الهاشمي مولاهم المدني كاتب المصاحف، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ومعاوية وعبد الله بن بحينة وجماعة، وعنه الزهري وأبو الزناد وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد وعبد الله بن لهيعة وآخرون، قال الذهبي: وكان ثقة ثبتًا عالمًا مقرئًا تحول في آخر عمره إلى الإسكندرية مرابطًا فتوفي سنة سبع عشرة ومائة4. 5- يزيد بن أبي حبيب: الإمام الكبير أبو رجاء الأزدي مولاهم المصري الفقيه، روى عن عبد الله بن الحارث الزبيدي وأبي الطفيل وسعيد بن أبي هند وعراك بن مالك وأبي الخير اليزني وعطاء وعكرمة وطائفة، وحدث عنه سعيد بن أبي أيوب وحيوة بن شريح ويحيى بن أيوب ومحمد   1 تذكرة الحافظ ج1 ص73، والخلاصة ص318 والشذرات ج1 ص99. 2 تذكرة الحافظ ج1 ص107، والخلاصة ص331، والشذرات ج1 ص146. 3 تذكرة الحافظ ج1 ص99، والخلاصة ص343، والشذرات ج1 ص154. 4 تذكرة الحافظ ج1 ص97، والخلاصة ص200، والشذرات ج1 ص153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بن إسحاق وسليمان التيمي وابن لهيعة والليث ويزيد بن أبي أنيسة، قال ابن يونس: كان حليمًا عاقلًا، وقال الليث: يزيد عالمنا وسيدنا، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، مات سنة ثمان وعشرين ومائة1. 6- عبيد الله بن أبي جعفر الكناني: مولاهم الإمام أبو بكر الليثي المصري الفقيه القدوة، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن والأعرج وحمزة بن عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح والشعبي، وعنه ابن إسحاق وعمرو بن الحارث وحيوة بن شريح وسعيد بن أبي أيوب والليث وابن لهيعة وآخرون، قال ابن سعد: كان ثقة في زمانه، وقال سليمان بن أبي داود: ما رأت عيني عالمًا زاهدًا إلا عبيد الله بن أبي جعفر، أرخ ابن العماد وفاته مقتولًا بمصر سنة اثنتين وثلاثين ومائة2. 7- عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي: الحافظ الحجة أبو خالد الأموي من موالي عثمان رضي الله عنه، روى عن القاسم وسالم والزهري وعكرمة وعراك بن مالك وعمرو بن شعيب، وعنه ابن أخيه سلامة بن روح ويحيى بن أيوب والليث ومفضل بن فضالة وابن لهيعة والمصريون، قال رفيقه يونس: ما أحدًا أعلم بحديث الزهري من عقيل، وثقه أحمد وابن معين، مات بمصر فجأة سنة أربع وأربعين ومائة3. 8- عمرو بن الحارث: بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، روى عن أبيه والزهري وعمرو بن شعيب وأبي يونس مولى أبي هريرة وابن أبي مليكة وخلق، وعنه شيخاه قتادة وبكير بن الأشج والليث ومالك وابن وهب -وهو راويته- وخلق، وهو أحد الأعلام قال أبو حاتم: كان أحفظ أهل زمانه، وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه، ولو بقي لنا عمرو ما احتجنا إلى مالك، مات سنة ثمان وأربعين ومائة، وله ست وخمسون سنة4. 9- يونس بن يزيد الأيلي: بن أبي النجاد الحافظ الثبت أبو يزيد مولى معاوية بن أبي سفيان، روى عن عكرمة والقاسم وسالم والزمهري ونافع وطائفة، وعنه الأوزاعي وعمرو بن الحارث والليث وجرير بن حازم وابن وهب وعثمان بن عمر بن فارس وآخرون. قال أحمد: ثقة، وقال أحمد بن صالح الحافظ المصري: نحن لا نقدم في الزهري على يونس أحدًا، قال أبو سعيد بن يونس: مات سنة اثنتين وخمسين ومائة5. 10- حيوة بن شريح: بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري أحد العلماء الزهاد، روى عن أبي يونس مولى أبو هريرة ويزيد بن أبي حبيب وحميد بن هانئ وربيعة القصير وخلق، وعنه   1 تذكرة الحافظ ج1 ص129 والخلاصة ص370، والشذرات ج1 ص175. 2 تذكرة الحافظ ج1 ص136، والخلاصة ص211، والشذرات ج1 ص190. 3 تذكرة الحافظ ج1 ص161 والخلاصة ص260، والشذرات ج1 ص216. 4 الخلاصة ص244 والكاشف ج2 ص326. 5 تذكرة الحافظ ج1 ص162، والخلاصة ص380، والشذرات ج1 ص233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الليث وابن وهب والمقرئ وهانئ بن التوكل -آخر من حدث عنه- وابن المبارك، وثقه أحمد وابن معين والفسوي، وحيوة بن شريح صاحب كرامات وأحوال، قال يحيى بن بكير: مات سنة ثمان وخمسين ومائة1. 11- يحيى بن أيوب الغافقي المصري: روى عن بكير بن الأشج ويزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة، وعنه ابن وهب وسعيد بن أبي مريم والليث، وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، قال أحمد: سيئ الحفظ، وقال أبو حاتم: محله الصدق ولا يحتج به، قال في الخلاصة: وقد احتج به الستة، توفي سنة ثلاث وستين ومائة2. 12- ابن لهيعة: عبد الله بن عقبة بن لهيعة الخضرمي الغافقي المصري أبو عبد الرحمن الفقيه قاضي مصر ومسندها، روى عن عطاء وعمرو بن دينار والأعرج وابن أبي مليكة وعمرو بن شعيب وعكرمة وخلق، وعنه شعبة وعمرو بن الحرث والليث بن وهب ويحيى بن بكير والمقرئ والثوري والأوزاعي وابن المبارك، وثقه أحمد وقال: احترقت كتبه وهو صحيح الكتاب، من كتب عنه قديمًا فسماعه صحيح، وقال يحيى بن معين: ليس بالقوي. وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي، قال يحيى بن بكير: مات سنة أربع وسبعين ومائة3. 13- بكر بن مضر: بن حكم بن سليمان أبو محمد المصري، روى عن يزيد بن أبي حبيب وأبي قبيل وجعفر بن ربيعة، وعنه ابنه إسحاق وقتيبة وابن وهب وابن القاسم كان ثقة عابدًا، ولد سنة اثنتين ومائة، ومات سنة أربع وسبعين ومائة4. 14- الليث بن سعد: بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري أحد الأعلام، ولد بقلقشندة سنة أربع وتسعين، وروى عن الزهري وعطاء ونافع، وابن أبي مليكة وقتادة وسعيد المقبري وصفوان بن سليم وخلائق، وعنه ابنه شعيب وابن عجلان وابن لهيعة وهشيم وابن المبارك والوليد محمد بن رمح: كان دخل الليث ثمانين ألف دينار في العام وما وجبت عليه زكاة قط، وثقه ابن معين وأحمد، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث صحيحه، وقال الشافعي: كان الليث أفقه من مالك إلا أنه ضيعه أصحابه، قال ابن بكير: ولد سنة أربع وتسعين وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة5.   1 الخلاصة ص82 والكاشف ج1 ص263. 2 الخلاصة ص362 والكاشف ج3 ص250 وشذرات الذهب ج1 ص258. 3 الخلاصة ص179 والكاشف ج2 ص122 والشذرات ج1 ص283. 4 الخلاصة ص44، والكاشف ج1 ص162. 5 الخلاصة ص275، والكاشف ج3 ص13 والشذرات ج1 ص285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 15- المفضل من فضالة بن عبيد الرعيني أبو معاوية المصري الفقيه قاضي مصر، روى عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل ويونس وعياش بن عباس القتباني، وعنه الوليد بن مسلم وقتيبة وزكريا وكان زاهدًا ورعًا قانتًا مجاب الدعوة، قال ابن يونس: ثقة وكذا قال ابن معين، وقال أبو حاتم وابن خراش: صدوق، مات سنة إحدى وثمانين ومائة1. 16- عبد الرحمن بن القاسم: الإمام فقيه الديار المصرية أبو عبد الله العتقي مولاهم المصري سمع مالك بن أنس وتفقه به وعبد الرحمن بن شريح وبكر بن مضر ونافع بن نعيم، وعنه أصبغ بن الفرج والحارث بن مسكين وعيسى بن مثرود ومحمد بن عبد الله بن الحكم ومحمد بن سلمة المرادي، قال فيه مالك: مثله مثل جراب مملوء مسكًا، وقال النسائي: ثقة مأمون، قال يونس بن عبد الأعلى: مات سنة إحدى وتسعين ومائة2. 17- عبد الله بن وهب بن مسلم المصري الفهري -وقيل: الفهمي- مولاهم أبو محمد الخير أحد الأعلام، روى عن يونس بن يزيد وحيوة بن شريح وأسامة الليثي ومالك والثوري وابن جريج وحنظلة بن أبي سفيان وحيي بن عبد الله المعافري. وخلق، وعنه شيخه الليث، وابن مهدي وأصبغ بن الفرج وحرملة وأحمد بن صالح وسعيد بن أبي مريم وسحنون بن سعيد والحارث بن مسكين وأبو الطاهر أحمد بن السرح وعبد الملك بن شعيب وبحر بن نصر وإبراهيم بن منذر وسعيد بن منصور وأحمد بن عبد الرحمن والربيع بن سليمان المرادي ويونس بن عبد الأعلى وخلائق، قال الذهبي: وكان ثقة حجة حافظًا مجتهدًا لا يقلد أحدًا إذا تعبد وتزهد، قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحدًا أكثر حديثًا منه حدث بمائة ألف حديث، وقد وقع عندنا سبعون ألف حديث، وقال عبد الرحمن بن القاسم: لو مات ابن عيينة لقطعت إلى ابن وهب أكباد الإبل ما دون أحد العلم تدوينه، ذكر ابن وهب وابن القاسم عند مالك فقال: ابن القاسم فقيه وابن وهب عالم، وقال أبو طاهر بن عمرو: جاء نعي ابن وهب ونحن في مجلس ابن عيينة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب المسلمون به عامة وأصبت به خاصة، قال النسائي: ابن وهب ثقة ما أعلمه روى عن ثقة حديثًا منكرًا، وقال يونس: مات في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة3. 18- الإمام الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب القرشي الشافعي، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وناصر سنته   1 الخلاصة ص330، والكاشف ج3 ص170، والشذرات ج1 ص297. 2 تذكرة الحافظ ج1 ص356 والخلاصة ص197، وشذرات الذهب ج1 ص329. 3 تذكرة الحافظ ج1 ص304، والخلاصة ص185، والشذرات ج1 ص347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ولد سنة خمسين ومائة بغزة، فحمل إلى مكة لما فطم فنشأ بها، وأقبل على العلوم فتفقه بمسلم الزنجي وغيره، روى عن عمه محمد بن علي وعبد العزيز بن الماجشون، ومالك وإسماعيل بن جعفر وإبراهيم بن أبي يحيى وخلق، وعنه أبو بكر الحميدي وأحمد بن حنبل والبويطي وأبو ثور وحرملة والربيع المرادي والزعفراني وأمم سواهم، وكان أحذق قريش بالرمي، وكان قبل ذلك قد برع في الشعر واللغة وأيام العرب، ثم أقبل على الحديث والفقه وجود القرآن، وكان يختمه في رمضان ستين مرة، ثم حفظ الموطأ وعرضه على مالك وأذن له مسلم بن خالد بالفتوى وهو ابن عشرين سنة، وثقه أحمد، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثًا خطأ، وقال أبو حاتم: صدوق، وصح عن الشافعي قوله: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، قال الذهبي: وكان حافظًا للحديث بصيرًا بعلله لا يقبل منه إلا ما ثبت عنده، مات رحمه الله بمصر سنة أربع ومائتين1. 19- أسد بن موسى: بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي الحافظ المعروف بأسد السنة، نزل مصر وصنف التصانيف ولد عام اثنين وثلاثين ومائة، سمع شعبة والمسعودي وشيبان وابن أبي ذئب وحماد بن سلمة وعبد العزيز بن الماجشون وطبقتهم، وعنه أحمد بن صالح والربيع بن سليمان المرادي والمقدام بن داود الرعيني وأبو يزيد يوسف القراطيسي، قال النسائي: ثقة ولو لم يصنف لكان خيرًا له، وقال البخاري: هو مشهور الحديث، وقال ابن يونس: ثقة توفي في المحرم سنة اثني عشرة ومائتين2. 20- عبد الله بن يوسف التنيسي: أبو محمد الكلاعي الدمشقي ثم التنيسي الحافظ الحجة حدث عن سعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ومالك والليث وطبقتهم، وعنه البخاري وأبو حاتم والذهلي ويحيى بن عثمان بن صالح وبكر بن سهل الدمياطي ويوسف بن يزيد القراطيسي ومحمد بن إسحاق الصاغاني وخلق، قال ابن معين: أثبت الناس في الموطأ عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن يوسف التنيسي، وثقة أبو حاتم وأبو سعيد بن يونس، وقال البخاري: كان من أثبت الشاميين، مات بمصر سنة ثماني عشرة ومائتين3. 21- عبد الله بن الزبير القرشي: بن عيسى الأسدي أبو بكر الحميدي المكي الحافظ الفقيه أحد الأئمة، كان بمصر ملازمًا للشافعي فلما مات رجع إلى مكة، صحب ابن عيينة تسع عشرة سنة والشافعي وتفقه به، روى عن مسلم بن خالد وفضيل بن عياض وابن عيينة والداروردي،   1 تذكرة الحفاظ ج1 ص361، والخلاصة ص377، وشذرات الذهب ج2 ص9. 2 تذكرة الحفاظ ج1 ص402، والخلاصة ص26، وشذرات الذهب ج2 ص27. 3 تذكرة الحفاظ ج2 ص404، والخلاصة ص186، وشذرات الذهب ج2 ص44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وعنه البخاري والذهلي وأبو زرعة وأحمد بن الأزهر وسلمة بن شبيب وأبو حاتم وبشر بن موسى وخلق، قال أبو حاتم: أثبت الناس في سفيان بن عيينة الحميدي، وقال الفسوي: ما لقيت أحدًا أنصح للإسلام وأهله من الحميدي، مات رحمه الله بمكة سنة تسع عشرة ومائتين1. 22- عبد الله بن صالح: بن محمد بن مسلم الإمام المحدث أبو صالح الجهني مولاهم المصري كاتب الليث وتلميذه، ولد سنة سبع وثلاثين ومائة، ورأى عمرو بن الحارث وسمع من موسى بن علي ومعاوية بن صالح وعبد العزيز بن الماجشون وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي والليث بن سعد ويحيى بن أيوب ونافع بن يزيد وطبقتهم، وعنه البخاري وأبو حاتم وابن معين وسمويه والدارمي ومحمد بن إسماعيل الترمذي وإبراهيم بن ديزيل ومحمد بن عثمان بن أبي السوار، قال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث لا يتعمد الكذب إلا أنه يقع منه الخطأ، وقال أبو زرعة: حسن الحديث، وأما النسائي فقال: ليس بثقة، قال ابن يونس: مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين2. 23- سعيد بن الحكم: بن محمد بن سالم الجمحي مولاهم الحافظ المصري بن أبي مريم أبو محمد سمع يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد ومالكًا والليث وأبا غسان محمد بن مطرف ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وخلق، وعنه البخاري وابن معين ومحمد بن يحيى ومحمد بن إسحاق الصاغاني والذهلي وعثمان الدارمي ويحيى بن عثمان بن صالح وخلق، قال أبو داود: هو عندي حجة، ووثقه العجلي وأبو حاتم، قال ابن يونس: كان فقيهًا ولد سنة أربع وأربعين ومائة وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين3. 24- أصبغ بن الفرج: بن سعيد بن نافع الأموي مولى عمر بن عبد العزيز أبو عبد الله الوراق الفقيه المفتي المصري، ولد بعد الخمسين ومائة، وحدث عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقيل: إنه أخذ عن أسامة بن زيد أيضًا وسمع من عبد العزيز والداروردي وحاتم بن إسماعيل وعيسى بن يونس وابن وهب، وبرع في الفروع، وعنه البخاري وأحمد بن الفرات وأبو حاتم وأبو الدرداء عبد العزيز المروزي وبكر بن سهل الدمياطي وأبو يزيد القراطيسي ويحيى بن عثمان بن صالح ومحمد بن عوف الحمصي، قال أبو حاتم: صدوق، قال ابن اللباد: ما انفتح لي طريق الفقه إلا من أصول أصبغ، وقال ابن يونس: كان مضطلعًا بالفقه والنظر، ولد بعد الخمسين ومائة، وتوفي يوم الأحد لأربع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائتين4.   1 تذكرة الحافظ ج2 ص413، والخلاصة ص167، وشذرات الذهب ج2 ص45. 2 تذكرة الحفاظ ج1 ص388، والخلاصة ص170 وشذرات الذهب ج2 ص51. 3 تذكرة الحفاظ ج1 ص392، والخلاصة ص116، وشذرات الذهب ج2 ص53. 4 تذكرة الحفاظ ج2 ص457، والخلاصة ص33، وشذرات الذهب ج2 ص56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 25- سعيد بن كثير: بن عفير أبو عثمان الأنصاري الإمام المصري الحافظ العلامة قاضي الديار المصرية، سمع يحيى بن أيوب ومالكًا والليث وسليمان بن بلال وابن وهب وطائفة، وعنه البخاري وأبو بكر الصاغاني وعثمان بن خرزاد وروح بن الفرج وأحمد بن حماد زغبة وأحمد بن محمد الرشديني ويحيى بن عثمان وخلق كثير، وثقه ابن عدي وغيره، وتحامل عليه الجوزجاني، وقال أبو حاتم: كان يقرأ في كتب الناس وهو صدوق، قال ابن يونس: كان مولده في سنة ست وأربعين ومائة، وتوفي في رمضان سنة ست وعشرين ومائتين1. 26- نعيم بن حماد المروزي: الإمام الشهير أبو عبد الله الخزاعي الفرضي الأعور نزيل مصر، سمع إبراهيم بن طهمان وأبا حمزة السكري وعيسى بن عبيد الكندي وخارجة بن مصعب وأبو حاتم وبكر بن سهل الدمياطي، كما روى عنه ابن معين والذهلي وطائفة، وثقه العجلي وأحمد ويحيى، قال الخطيب: يقال: إنه أول من جمع المسند، وقال أبو زرعة: وصل أحاديث يوقفها الناس، وذكره ابن عدي في الكامل، وذكر له أحاديث منكرة ثم قال: وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيمًا، أخرج من مصر في فتنة القول بخلق القرآن فحبس بسامراء، قال ابن سعد والعجلي: مات في السجن سنة ثمان وعشرين ومائتين2. 27- يحيى بن عبد الله بن بكير: المخزومي -مولاهم- المصري محدث مصر أبو زكريا الإمام الحافظ الثقة صاحب مالك والليث أكثر عنهما، كما روى عن بكر بن مضر وخلق، وعنه البخاري وحرملة بن يحيى وأبو زرعة وأبو حاتم وطائفة، قال أبو حاتم: كان يفهم هذا الشأن يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الذهبي: وقد علم تعنت أبي حاتم في الرجال وإلا فقد احتج به الشيخان وأين مثل ابن بكير في إمامته وبصره بالفتوى وغزارة علمه، قال بقي بن مخلد: سمع يحيى بن بكير الموطأ من مالك سبع عشرة مرة، توفي يحيى في صفر سنة إحدى وثلاثين ومائتين3. 28- حرملة بن يحيى: بن عبد الله التجيبي -مولاهم- أبو حفص المصري الفقيه صاحب الشافعي، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث، وعن نوفل بن إسماعيل وأيوب بن سويد وبشر بن بكر التنيسي وأبي عبد الله الشافعي، وعنه مسلم والقزويني وبقي بن مخلد والحسن بن سفيان وابن قتيبة العسقلاني، قال ابن عدي: قد تبحرت في حديث حرملة وفتشته الكثير فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله، وقال ابن معين: شيخ بمصر يقال له حرملة أعلم الناس بابن وهب، وقال أبو عمر الكندي لم يكن بمصر أحد أكتب عن ابن وهب منه، قال ابن يونس ولد سنة ست وستين ومائة، ومات في شوال سنة إحدى وأربعين ومائتين4.   1 تذكرة الحفاظ ج2 ص427، والخلاصة ص120، وشذرات الذهب ج2 ص58. 2تذكرة الحفاظ ج2 ص418، والخلاصة ص346، وشذرات الذهب ج2 ص66. 3 تذكرة الحفاظ ج2 ص421، والخلاصة ص365، وشذرات الذهب ج2 ص71. 4 تذكرة الحفاظ ج2 ص786، والخلاصة ص63وشذرات الذهب ج2 ص103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 29- أبو عبد الله محمد بن رمح بن مهاجر التجيبي: -مولاهم- المصري الحافظ، روى عن ابن وهب والليث وابن لهيعة وحكى عن مالك، وعنه مسلم وابن ماجه وبقي ومحمد بن زيان، مكثر علامة أخباري، قال النسائي: ما أخطأ في حديث واحد، مات سنة اثنتين وأربعين مائتين1. 30- أحمد بن صالح المصري: الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري ثم المصري أحد الأعلام ولد بمصر سنة سبعين ومائة، وسمع سفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب وابن أبي فديك وعبد الرزاق وطائفة، وعنه البخاري وأبو داود وصالح جزرة وأبو إسماعيل الترمذي وأبو بكر بن داود وخلق، قال صالح جزرة: لم يكن بمصر من يحسن الحديث غيره، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: إذا جاوزت الفرات فليس أحد مثل أحمد بن صالح، وثقه أحمد ويحيى وابن المديني وأبو حاتم وجماعة، وسمع عنه النسائي ولم يحدث عنه، وتكلم فيه بغير حجة لأنه طرده من مجلسه، فقد كان ابن صالح لا يحدث أحدًا إلا بعد أن يشهد عنده رجلان أنه من أهل الخير والعدالة، فدخل عليه النسائي بغير إذن ولم يأته بالبينة فأخرجه. ا. هـ ملقن، توفي رحمه الله سنة ثمان وأربعين ومائتين2. 31- أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي: الزهري -مولاهم- المصري الحافظ العلم صاحب كتاب الضعفاء، سمع عمرو بن أبي سلمة التنيسي وأسد بن موسى وعبد الملك بن هشام ومحمد بن يوسف الفريابي وأبا عبد الرحمن المقري ويحيى بن معين وعنه أبو داود والنسائي وقال: لا بأس به، ومحمد بن المعافي وعمر بن البجير وطائفة، قال ابن يونس: ثقة حديث بالمغازي مات سنة تسع وأربعين ومائتين3. 32- الحارث بن مسكين الأموي: -مولاهم- الحافظ الفقيه عالم الديار المصرية وقاضيها أبو عمرو، رأى الليث وسأله عن مسألة، وتفقه بابن وهب وابن القاسم وحدث عنهما وعن سفيان بن عيينة وبشر بن عمرو وأشهب وعدة، وعنه أبو داود والنسائي ووثقاه وأبو يعلى ومحمد بن زيان وابن أبي داود، وخلق، أثنى عليه أحمد وقال فيه قولًا جميلًا قال الخطيب: كان فقيهًا ثبتًا مات وله ست وتسعون سنة في ربيع الأول سنة خمسين ومائتين4. 33- الحسن بن عبد العزيز الوزير الجذامي: أبو علي الحروي المصري ثم البغدادي، روى عن بشر بن بكر يحيى بن سنان وعبد الله بن يوسف، وعنه البخاري، وقال الدارقطني لم ير مثله فضلًا وزهدًا، ووثقه أبو حاتم: وقال ابن يونس: مات بالعراق سنة سبع وخمسين ومائتين5.   1 الخلاصة ص487، والكاشف ج3 ص43. 2 تذكرة الحفاظ ج2 ص495، والخلاصة ص9، وشذرات الذهب ج2 ص117. 3 تذكرة الحفاظ ج2 ص569، والخلاصة ص294، وشذرات الذهب ج2 ص120. 4 الكاشف ج2 ص514، والخلاصة ص58، وشذرات الذهب ج2 ص121. 5 الخلاصة ص67، وحسن المحاضرة ج1 ص347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 34- محمد بن سنجر: أبو عبد الله الجرجاني الحافظ المصري صاحب المسند، روى عن أبي نعيم وطبقته، وسمع يزيد بن هارون والفريابي وأبا المغيرة الخولاني وأبا عاصم وخالد بن مخلد وأسد بن موسى والحصيدي، وعنه عيسى بن مكين وأحمد بن عمر بن منصور ومحمد بن المسيب الأرغياني ومحمد بن دليل وعبد الجبار بن أحمد السمرقندي وإبراهيم بن محمد بن الضحاك وعبد الرحمن بن أحمد الرشديني، وقال ابن أبي حاتم: ابن سنجر ثقة، قال الذهبي: سكن ابن سنجر قرية قطاية من أعمال مصر، ومات في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين1. 35- قبيطة: الحافظ الثقة أبو علي الحسن بن سليمان البصري نزيل مصر، روى عن أبي نعمي وأبي غسان الهندي وعبد الله بن يوسف التنيسي وطبقتهم، وعنه أبو بكر بن خزيمة وأبو بكر بن زياد النيسابوري وجماعة، وصفه ابن يونس بالحفظ ووثقه، وذكره ابن فرحون في طبقات المالكية وقال: مات بمصر سنة إحدى وستين ومائتين2. 36- يونس بن عبد الأعلى: بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري أحد الأعلام روى عن ابن عيينة والشافعي وابن وهب والوليد بن مسلم ومعن بن عيسى وأبي ضمرة وعدة، وتفقه بالشافعي، وعنه مسلم والنسائي وأبو بكر بن زياد وابن أبي حاتم وأبو الطاهر والمديني وخلائق قال النسائي وغيره: ثقة، وقال الشافعي: ما رأيت أعقل من يونس، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يوثق يونس ويرفع من شأنه، مات سنة أربع وستين ومائتين3. 37- الإمام محمد بن علي بن داود البغدادي: أبو بكر ابن أخت غزال -وقيل عراك- نزيل مصر، روى عن سعيد بن داود الزنبري وأحمد بن عبد الملك الحراني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وعنه أبو جعفر الطحاوي وعلي بن أحمد علان وغيرهما قال أبو سعيد بن يونس: كان يحفظ الحديث ويفهم، حدث بمصر وخرج إلى قرية من أسفل بلادها فمات بها في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين4. 38- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري: أبو عبد الله الإمام الحافظ الفقيه، ولد سنة اثنتين، وثمانين ومائة، وروى عن ابن وهب وأبي ضمرة، وابن أبي فديك والشافعي وأشهب وإسحاق بن الفرات وأنس بن عياض وأيوب بن سويد، وعنه النسائي وأبو حاتم وابن خزيمة وابن صاعد وابن أبي حاتم وأبو بكر بن زياد والأصم وخلق، قال النسائي: ثقة، ومرة قال: صدوق، وقال ابن خزيمة: ما رأيت في الفقهاء أعلم بأقاويل الصحابة والتابعين منه، وقال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، مات سنة ثمان وستين ومائتين5.   1 تذكرة الحفاظ ج2 ص578، وحسن المحاضرة ج1 ص348، والشذرات ج2 ص138. 2 تذكرة الحفاظ ج2 ص572، وحسن المحاضرة ج1 ص348 والشذرات ج2 ص142. 3 تذكرة الحفاظ ج2 ص527، والخلاصة ص379، والشذرات ج2 ص149. 4 تذكرة الحفاظ ج2 ص659، وحسن المحاضرة ج1 ص338. 5 تذكرة الحفاظ ج2 ص546 والخلاصة ص294 وشذرات الذهب ج2 ص154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 39- الربيع بن سليمان بن بعد الجبار بن كامل المرادي: مولاهم المؤذن المصري صاحب الإمام الشافعي وناقل علمه، ولد سنة أربع وسبعين ومائة، سمع ابن وهب وشعيب بن الليث وبشر بن بكر ويحيى بن حسان وأسد السنة وأيوب بن سويد، وعنه محمد بن إسماعيل الترمذي وابن الملقن السلمي وأصحاب السنن ولكن الترمذي بواسطة، وأبو زرعة الرازي وأبو حاتم وابن أبي حاتم وزكريا الساجي والطحاوي وأبو بكر بن زياد والحسن بن حبيب الحصائري وأبو العباس الأصم وخلق كثير، وثقة ابن يونس، مات في شوال سنة سبعين ومائتين1. 40- محمد بن حماد الطهراني الرازي: الحافظ الثقة الجوال في الآفاق أبو عبد الله نزيل عسقلان، سمع عبد الرزاق بن همام وعبيد الله بن موسى وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي وأبا عاصم النبيل ويعلى بن عبيد، وعنه ابن ماجه في سننه وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت وعبد الرحمن بن حاتم وقال: هو ثقة كتبت عنه بالري وبغداد والإسكندرية مات في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين ومائتين2. 41- يحيى بن عثمان بن صالح السهمي: أبو زكريا المصري، روى عن أبيه وأصبغ بن فرج وعبد الغفار الحراني وخلق، وعنه ابن ماجه في سننه وآخرون، قال ابن أبي حاتم: يتكلمون فيه قال ابن يونس: كان حافظًا للحديث وحدث بما لم يوجد عند غيره وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين3. 42- عبدان أبو محمد بن محمد بن عيسى المروزي: الفقيه الحافظ مفتي مصر وعالمها وزاهدها أقام بمصر سنين، سمع قتيبة بن سعيد وإسماعيل بن مسعود الجحدري وعلي بن حجر وأبا كريب وطبقتهم، وقرأ على المزني وابن الربيع، وتفقه به ابن خزيمة وأبو إسحاق المروزي وخلق، وعنه ابنه سعيد ومحمد بن زكريا وعبد المؤمن بن خلف النسفيون، وكان يرجع إليه في الفتاوى والمعضلات قال الخطيب: ثقة حافظ صالح، ولد ليلة عرفة سنة عشرين ومائتين، وتوفي ليلة عرفة سنة ثلاث وتسعين ومائتين4. 43- علي بن سعيد بن بشير مهران: الحافظ البارع أبو الحسن الرازي نزيل مصر ومحدثها المعروف بعليك، حدث عن عبد الأعلى عن حماد وجبارة بن المغلس وبشر بن معاذ العقدي وعبد الرحمن بن خالد بن نجيح ومحمد بن هاشم البعلبكي ونوح بن عمر السكسكي وطبقتهم وعنه أبو سعد بن الأعرابي وعبد الله بن جعفر بن الورد ومحمد بن أحمد بن خروف وأبو القاسم الطبراني والحسن بن رشيق وآخرون، قال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عنه فقال: لم يكن   1 تذكرة الحفاظ ج3 ص587، والخلاصة ص98، وشذرات الذهب ج2 ص159. 2 تذكرة الحفاظ ج2 ص610 والخلاصة ص284، وشذرات الذهب ج2 ص161. 3 الخلاصة ص 366، وحسن المحاضرة ج1 ص349. 4 تذكرة الحفاظ ج2 ص687، وحسن المحاضرة ج1 ص349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 في دينه بذاك، حدث بأحاديث لم يتابع عليها، قال ابن يونس: كان يحفظ ويفهم، مات سنة سبع وتسعين ومائتين1. 44- النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن يحيى القاضي الحافظ الإمام شيخ الإسلام، أحد الأئمة المبرزين، جال البلاد واستوطن مصر وأقام بزقاق القناديل، قال الحاكم: كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، ولد سنة خمس عشرة ومائتين، وسمع قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وهشام بن عمار وعيسى بن زغبة ومحمد بن النضر المروزي وأبا كريب سويد بن نصر الشاه وأمثالهم بخراسان ومصر والشام والعراق والجزيرة والحجاز، وبرع في هذا الشأن، وتفرد بالمعرفة والإتقان وعلو الإسناد، حدث عنه ابن حوضى والطحاوي والعقيلي وابن يونس وأبو بشر الدولابي وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري وحمزة الكناني والحسن بن الخضر السيوطي وأبو بكر بن السني وأبو القاسم الطبراني ومحمد بن معاوية بن الأحمر الأندلسي والحسن بن رشيق ومحمد بن عبد الله بن حيويه وآخرون، قال الذهبي: النسائي أحفظ من مسلم، له من المصنفات السنن الكبرى والصغرى -إحدى الكتب الستة- وخصائص علي ومسند علي ومسند مالك قال الدارقطني: خرج حاجا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة فقال: احملوني إلى مكة فحمل وتوفي بها في صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، وهو مدفون بين الصفا والمروة2. 45- يحيى بن زكريا النيسابوري: الإمام الحافظ أبو زكريا الأعرج "حيويه" رحال جوال روى عن إسحاق بن راهويه وعلي بن حجر وقتيبة ومحمد بن طريف ويحيى خلف ويعقوب الدورقي ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم، وعنه ولد أخيه أبو الحسن محمد بن عبد الله بن حيويه صاحب النسائي قال ابن يونس: كان حافظًا فاضلًا نبيلًا، قال في العبر: دخل مصر على كبر السن ومات بها سنة سبع وثلاثمائة3. 46- محمد بن محمد بن النفاخ بن بدر الباهلي: أبو الحسبن، قال في العبر، بغدادي حافظ متعفف روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته، وتوفي بمصر عام أربع عشرة وثلاثمائة4. 47- الطحاوي: الإمام العلامة الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي، صاحب التصانيف البديعة، من بلدة طحا من قرى مصر، سمع هارون   1 تذكرة الحافظ ج2 ص750 وحسن المحاضرة ج1 ص350. 2 تذكرة الحافظ ج2 ص698، والخلاصة ص6 وشذرات الذهب ج2 ص339. 3 تذكرة الحافظ ج2 ص744 والخلاصة ص363 وشذرات الذهب ج2 ص251. 4 شذرات الذهب ج2 ص369 وحسن المحاضرة ج1 ص350. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 بن سعيد الأيلي وعبد الغني بن رفاعة ويونس بن عبد الأعلى وعيسى بن مثرود ومحمد بن عبد الله بن الحكم وبحر بن نصر وطبقتهم، وعنه أحمد بن القاسم الخشاب وأبو الحسن محمد بن أحمد الإخميمي ويوسف الميانجي وأبو بكر بن المقرئ والطبراني وأحمد بن عبد الوارث الزحاج وعبد العزيز بن محمد الجوهري ومحمد بن بكر بن مطروح، قال ابن يونس: وكان ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا لم يخلف مثله، ولد سنة سبع وثلاثين ومائتين، قال الشيرازي: وانتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، قال ابن يونس: مات في مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة1. 48- مكحول: الحافظ المحدث أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن أبي أيوب البيروني، سمع بمصر والشام والجزيرة من ابن عبد الحكم وأبي عمير عيسى بن النحاس ومحمد بن هاشم البعلبكي ومحمد بن إسماعيل بن عيلة وأحمد بن حرب الموصلي وأحمد بن سليمان الرهاوي وسليمان بن سيف الحراني، وعنه أبو سليمان بن زير وأبو محمد بن ذكوان البعلبكي وعلي بن الحسين قاضي أذنه وأبو أحمد الحاكم وأبو بكر بن المقرئ وبعد الوهاب بن الحسن الكلابي وآخرون، قال الذهبي: وكان من الثقات العالمين، توفي في أول شهر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة2. 49- الطحان: الحافظ المفيد الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر محدث الرملة، سمع العباس بن الوليد البيروني وإبراهيم بن عبد الله القصار وبكار بن قتيبة ومحمد بن عوف الطائي وسليمان بن سيف الحراني وطبقتهم، وعنه أبو سليمان بن زير ومحمد بن المظفر وأبو بكر بن المقرئ وأبو الحسين بن جميع وعمر بن علي الأنطاكي وأبو بكر بن أبي الحديد وخلق، توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة3. 50- ابن الحداد: العلامة الحافظ شيخ عصره أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الكناني المصري الشافعي صاحب الفروع المشهورة، روى عن أبي الزنباع وأبي يزيد القراطيسي ومحمد بن عقيل الفريابي ومحمد بن جعفر بن الإمام وأبي عبد الرحمن والنسائي ولزمه وتخرج به وعول عليه، وعنه يوسف بن قاسم القاضي وغيره، قال الذهبي: وكان من أوعية العلم ذا لسن وفصاح وبصر بالحديث والفقه والنحو، مات عند قدومه من الحج سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وله من العمر ثمانون عامًا4.   1 تذكرة الحافظ ج3 ص808، وحسن المحاضرة ج1 ص350 وشذرات الذهب ج2 ص288. 2 تذكرة الحافظ ج3 ص814، وحسن المحاضرة ج1 ص351 والشذرات ج2 ص291. 3 تذكرة الحافظ ج3 ص845، وحسن المحاضرة ج1 ص351 والشذرات ج2 ص334. 4 تذكرة الحافظ ج3 ص899، وحسن المحاضرة ج1 ص351 والشذرات ج2 ص367. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 51- ابن يونس: الحافظ الإمام أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن الإمام يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري صاحب تاريخ مصر، ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين، وسمع أباه أحمد بن حماد زغبة وعلي بن سعيد الرازي وعبد الملك بن يحيى بن بكير وأبا عبد الرحمن النسائي، وأبا يعقوب المنجنيقي وعبد السلام بن سهل البغدادي وطبقهم، قال الذهبي: ولم يرحل ولا سمع بغير مصر لكنه إمام في هذا الشأن متيقظ، وعنه أبو عبد الله بن منده وأبو محمد بن النحاس وعبد الواحد بن محمد البلخي وآخرون، توفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة1. 52- ابن السكن: الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي نزيل مصر، ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، وسمع أبا القاسم وابن جوصا وسعيد بن عبد العزيز الحلبي ومحمد بن محمد بن بدر الباهلي وأبا عروبة الحراني ومحمد بن يوسف الفربري وطبقهم، روى عنه عبد الله بن منده وعبد الغني بن سعيد وعلي بن محمد الدقاق وعبد الله بن محمد بن أسد القرطبي وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج وأبو جعفر بن عون الله وآخرون، توفي في المحرم سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة2. 53- حمزة بن محمد بن علي بن العباس الكناني المصري: الحافظ الزاهد العالم أبو القاسم ولد سنة خمس وسبعين ومائتين، وروى عن النسائي والحسن بن أحمد بن الصيقل وعمران بن موسى بن حميد الطبيب ومحمد بن سعيد السراج وسعيد بن عثمان الحراني وأبي يعلى الموصلي ومحمد بن عثمان الصدفي وعبدان الأهوازي وخلق، وهو مملي مجلس البطاقة، روى عنه ابن منده وعبد الغني بن سعيد الأزدي وأبو الحسن الدارقطني ومحمد بن عمر بن خطاب والحسين بن الحسن اللواز والفقيه علي بن محمد أبو الحسن القابسي وأحمد بن محمد بن الحاج وعلي بن حمصة الحراني خاتمة أصحابه وآخرون، وقال الصوري: كان حمزة ثبتًا حافظًا قال أبو القاسم محمد بن يحيى الطحان: سمعت منه ومات في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة3. 54- النقاش: الحافظ الإمام الجوال أبو بكر محمد بن علي بن حسن المصري نزيل تنيس ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وسمع النسائي ومحمد بن جعفر الإمام نزيل دمياط والقاسم بن الليث الرسعني وأبا علي وأبا يعقوب المنجنيقي وعمر بن أبي غيلان البغدادي وأبا يعلى الموصولي وعبدان الأهوازي وجماهر بن محمد الزملكاني وطبقتهم، كما سمع من أبي العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي والحسن بن الفرج الغزي وعبد الله بن إسحاق المدائني، ولم ينتشر حديثه لإنزوائه بتنيس، روى عنه الدارقطني والحسين بن جعفر الكللي ويحيى بن علي بن الطحان وإبراهيم بن الطحان وإبراهيم بن علي الغازي والحسن بن عمر بن جماعة الإسكندراني والقاضي علي بن الحسين بن جابر التنيسي وآخرون، مات سنة تسع وستين وثلاثمائة4.   1 تذكرة الحافظ ج3 ص898، وحسن المحاضرة ج1 ص351 والشذرات ج3 ص375. 2 تذكرة الحافظ ج3 ص937، وحسن المحضارة ج1 ص351 وشذرات ج3 ص12. 3 تذكرة الحافظ ج3 ص932، وحسن المحاضرة ج1 ص351 والشذرات ج3 ص23. 4 تذكرة الحافظ ج3 ص957 وحسن المحاضرة ج1 ص352 والشذرات ج3 ص70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 55- الحسن بن رشيق: الإمام المحدث مسند بلده أبو محمد العسكري المصري المعدل، ولد في سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وروى عن النسائي وأحمد بن زغبة ومحمد بن عثمان بن سعيد السراج ومحمد بن رزيق بن جامع والمفضل بن محمد الجندي وأبي دجانة المعافري وأحمد بن محمد بن عبد العزيز والمعلم وأبي الزقزاق صاحب يحيى بن بكير وخلق، وعنه الدارقطني، وعبد الغني بن سعيد وأبو محمد بن النحاس وإسماعيل بن عمرو المقرئ ويحيى بن الطحان المؤرخ ومحمد بن المغلس الداودي ومحمد بن جعفر بن أبي الذكر وعلي بن ربيعة التميمي وأبو القاسم علي بن محمد الفارسي ومحمد بن الحسين الطفال وخلق من المصريين والمغاربة، قال ابن الطحان: ما رأيت عالمًا أكثر حديثًا منه، مات سنة سبعين وثلاثمائة1. 56- ابن النحاس: المصري الحافظ الإمام الصدوق أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح نزيل نيسابور، كتب بمصر والحجاز والعراق والشام وأصبهان وخراسان والجبل وخوزستان وكان ذا رحلة واسعة، حدث من حفظه بعد أن ذهبت كتبه، حدث عن أبي القاسم البغوي وأبي عروبة الحراني وأبي بكر بن أبي داود وأبي نعيم بن عدي وعلي بن أحمد علان المصري وأبي العباس الدغولي وعنه الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو عثمان البحيري وغيرهم قال الحاكم: حدث من حفظه بأحاديث وهو حافظ، كان يتحرى الصدق في مذاكراته ثم قال: توفي في آخر سنة ست وسبعين وثلاثمائة وله خمس وثمانون سنة2. 57- ابن مسرور: الحافظ الجوال أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن مسرور البلخي استوطن مصر مدة، وسمع الحسين بن محمد المطبقي ببغداد وأبا بكر أحمد بن سليمان بن زيان وطبقتهم بدمشق، وأبا سعيد بن يونس وأبا عمر محمد بن يونس الكندي وخلقا بمصر، وكتب الكثير، وعنه الحافظ عبد الغني الأزدي وعمر بن الخضر الثمانيني وأحمد بن عمر بن سعد بن قديد وآخرون، مات في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة3. 58- أحمد بن أبي الليث: نصر بن محمد الحافظ أبو العاس النصيبي المصري، قال الذهبي في التذكرة: لا أعرف هذا الرجل غير أن الحاكم قال: قدم نيسابور وهو باقعة في الحفظ، شبهت مذكراته بالسحر، وكان يجالس الصالحين، سمع أبا هاشم الكتاني وأحمد بن عبد الرحيم القيسراني بالشام وأبا عبد الله الحليمي وأبا علي الصفار ببغداد، ومحمد بن يعقوب الأصم بنيسابور وأصحاب يونس بن عبد الأعلي بمصر، مات سنة ست وقيل: سبع وثمانين وثلاثمائة4.   1 تذكرة الحافظ ج3 ص959، وحسن المحاضرة ج1 ص352 والشذرات ج3 ص71. 2 تذكرة الحافظ ج3 ص995، وحسن المحاضرة ج1 ص352 والشذرات ج3 ص88. 3 تذكرة الحافظ ج3 ص1005، حسن المحاضرة ج1 ص352 والشذرات ج3 ص92. 4 تذكرة الحافظ ج3 ص1015، حسن المحاضرة ج1 ص352، والشذرات ج3 ص122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 59- ابن حنزابة: الوزير الكامل الحافظ المفيد الإمام الفضل جعفر بن الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات البغدادي نزيل مصر، ولد سنة ثمان وثلاثمائة، ووزر لصاحب مصر كافور الخادم، حدث عن محمد بن هارون الحضرمي ومحمد بن زهير الأيلي والحسن بن محمد الداركي وأبي بكر الخرائطي ومحمد بن سعيد الحمصي وعدة، وعنه الدارقطني وعبد الغني، قال السلفي: كان من الحفاظ الثقات المتقنين يملي في حال وزارته، ولا يختار على العلم وأهله شيئًا، مات بمصر في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة1. 60- عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي: أبو محمد المصري الحافظ الإمام المتقن النسابة ولد سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، سمع من عثمان بن محمد السمرقندي، وأحمد بن بهزاذ السيرافي وإسماعيل بن يعقوب الحراب وعبد الله بن جعفر بن الورد وأحمد بن إبراهيم بن جامع وأحمد بن إبراهيم بن عطية ويعقوب بن المبارك وحمزة بن محمد الحافظ، وبالشام من أبي بكر الميانجي والفضل بن جعفر المؤذن وأبي سليمان بن زبير وطبقتهم، وعنه محمد بن علي الصوري ورشا بن نظيف وأبو عبد الله القضاعي وعبد الرحمن بن أحمد البخاري وأبو علي الأهوازي وأبو إسحاق النعماني الحبال وخلق، قال الدارقطني حينما سأله البرقاني عمن لقيه في طريقه من مصر: ما رأيت في طول طريقي إلا شابًّا بمصر يقال له عبد الغني كأنه شعلة نار، وجعل يفخم أمره ويرفع ذكره، قال منصور بن علي الطرطوسي: لما أراد الدارقطني الخروج من مصر خرجنا نودعه وبكينا فقال لنا: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد وفيه الخلف، وقد رد عبد الغني أوهام أبي عبد الله الحاكم التي في المدخل إلى الصحيح، فبعث إليه يشكره على ذلك ويدعو له، مات رحمه الله في صفر سنة تسع وأربعمائه2. 61- الماليني: أبو سعد الحافظ أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص الأنصاري الهروي الوصفي المعروف بطاوس الفقراء، كان أحد الحفاظ المكثرين للرحلة إلى الآفاق، روى عن عبد الله بن عدي وأبي بكر القطيعي ومحمد بن عبد الله السليطي وإسماعيل بن نجيد السلمي وأبي الشيخ الحافظ والحسن بن رشيق المصري والقاضي يوسف الميانجي ومحمد بن أحمد بن علي الرملي وطبقتهم، وعنه الحافظ عبد الغني وتمام الرازي وأبو حازم العبدوي وأبو بكر البيهقي وأبو بكر الخطيب وأبو نصر عبد الله السجزي والقاضي أبو عبد الله القضاعي ومحمد بن أحمد بن شبيب الكاغدي وأبو عبد الله الحسين بن طلحة النعالي والقاضي أبو الحسن الخلفي وآخرون قال الذهبي: وكان ثقة متقنًا صاحب حديث ومن كبار الصوفية، قال حمزة السهمي: توفي سنة تسع وأربعمائة فوهم، والتحقيق أنه توفي سنة اثني عشرة وأربعمائة وذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية3.   1 تذكرة الحافظ ج3 ص1022 حسن المحاضرة ج1 ص352، والشذرات ج3 ص135. 2 تذكرة الحافظ ج3 ص1047، حسن المحاضرة ج1 ص253، والشذرات ج3 ص188. 3 تذكرة الحافظ ج3 ص1070 وحسن المحاضرة ج1 ص153 والشذرات ج3 ص195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 62- أبو نصر السجزي: الحافظ الإمام علم السنة عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد الوائلي البكري نزيل الحرم، مصري حدث عن أحمد بن فراس العبقسي وأبي عبد الله الحاكم وأبي أحمد الفرضي وحمزة المهلبي ومحمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزاني وأبي عمر بن مهدي وعلي بن عبد الرحيم السوسي وأبي الحسين أحمد بن محمد المجبر وأبي محمد بن النحاس، وأبي عبد الرحمن السلمي وعبد الصمد بن زهير بن أبي جرادة الحلبي صاحب ابن الأعرابي وهذه الطبقة، رحل بعد الأربعمائة فسمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر، وعنه أبو إسحاق الحبال وسهل بن بشر الإسفراييني وأبو معشر المقرئ الطبري وإسماعيل بن الحسن العلوي وأحمد بن عبد القادر اليوسفي وجعفر بن يحيى الحكاك وجعفر بن أحمد السراج وخلق، وهو راوي الحديث المسلسل بالأولية، كان متقنًا مكثرًا بصيرًا بالحديث والسنة، قال أبو طاهر الحافظ: سألت الحبال عن الصوري والسجزي، أيهما أحفظ؟ فقال: السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري، مات بمكة في المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة1. 63- الحبال: الحافظ الإمام المتقن محدث مصر أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني -مولاهم- التجيبي ابن أبي الطيب الفراء، قال ابن سكرة: ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة سمع من الحافظ عبد الغني وأحمد بن عبد العزيز بن ثرثال وعبد الرحمن بن عمر النحاس ومحمد بن أحمد بن شاكر القطان ومحمد بن ذكوان التنيسي وأحمد بن الحسين بن جعفر العطار وأحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي ومنير بن أحمد الخشاب والخطيب بن عبد الله ومحمد بن محمد النيسابوري وأبي عبد الله بن نظيف وخلق، روى عنه أبو عبد الله الحميدي وإبراهيم بن الحسن العلوي وأبو بكر عبد الباقي وابن ناصر الحافظ -وهو آخر من روى عنه بالإجازة- وعبد الكريم بن سوار التككي وعطاء بن هبة الله الإخميمي ووفاء بن دينار النابلسي ويوسف بن محمد الأردبيلي ومحمد بن محمد بن جماهر الطليطلي ومحمد بن إبراهيم البكري الطليطلي وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي وأبو الفضل محمد بن بيان الأنباري وأبو بكر محمد بن عبد الباقي وخلق، قال ابن ماكولا: كان الحبال ثقة ثبتًا ورعًا خيرًا، توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة2. 64- السلفي: أبو طاهر عماد الدين الحافظ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الإصبهاني الجرواءاني ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تقريبًا وقدم إلى الإسكندرية في البحر سنة إحدى عشرة فاستوطنها خمسًا وستين سنة إلى أن مات، سمع الرئيس القاسم بن الفضل الثقفي وعبد الرحمن بن محمد بن يوسف القسري وسعيد بن محمد الجوهري ومكي بن منصور السلار ومحمد بن عبد الوهاب المديني وأبا مطيع الصحاف وأبا العباس بن أشتة وخلق بأصبهان، ورحل   1 تذكرة الحافظ ج3 ص1118، وحسن المحاضرة ج1 ص353، وشذرات الذهب ج3 ص271. 2 تذكرة الحافظ ج3 ص1191، وحسن المحاضرة ج1 ص353، وشذرات الذهب ج3 ص366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 إلى بغداد سنة ثلاث وتسعين فسمع من نصر بن البطي وأبي بكر الطوسي والحسين بن علي بن البسري وطبقتهم، وبالكوفة من أبي البقاء الحبال، وبمكة من الحسين بن علي الطبري، وبالمدينة من أبي الفرج القزويني، وبالبصرة من محمد بن جعفر العسكري، وبزنجان من أبي بكر أحمد بن محمد بن زنجويه وبهمذان من أبي غالب أحمد بن محمد العدل وبالري من صاحب البحر أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي، وبقزوين من إسماعيل بن عبد الجبار المالكي وبمراغة من سعد بن علي المصري وبدمشق من أبي طاهر الحنائي، وبنهاوند من أبي منصور محمد بن عبد الرحمن بن غزو، وبأبهر من أبي سعيد عبد الرحمن بن ملكان الشافعي، وبواسط من أبي نعيم بن زيزب، وبساماس من محمد بن سعادة الهلالي، وبالحلة من محمد بن الحسن بن فدويه الكوفي، وبشهرستان من أبي الفتح أحمد بن محمد بن رشيد الأدمي، وبالإسكندرية من أبي القاسم بن الفحام الصقلي، وبقي في الرحلة بضع عشرة سنة، وسمع كثيرًا ونسخ بخطه الصحيح السريع، قال الذهبي: وكان متقنًا متثبتًا دينًا خيرًا حافظًا ناقدًا، انتهى إليه علو الإسناد، سمع منه أبو علي البرداني الحافظ والكبار، وحدث عنه الحافظ محمد بن طاهر والمحدث سعد الخير الأندلسي وأبو العز محمد بن علي السلقابازي والضياء بن هبة بن عساكر ويحيى بن سعدون القرطبي، وروى عنه القاضي عياض بالإجازة والحافظ عبد الغني المقدسي وعلي بن المفضل وربيعة اليمني وعبد القادر الرهاوي والشيوخ ابن راجح المقدسي وبعد القوي بن الحباب وخلق لا يحصون كثرة، توفي رحمه الله سنة ست وسبعين وخمسمائة1. 65- عبد الغني المقدسي الجماعيلي: بن عبد الواحد بن علي بن سرور الحنبلي الحافظ الإمام محدث الإسلام أبو محمد، ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، سمع أبا المكارم بن هلال بدمشق وابن البطي وطبقتيهما ببغداد وأبا طاهر السلفي بالإسكندرية، وأقام عليه ثلاثة أعوام وأبا الفضل الطوسي بالموصل وعبد الرزاق بن إسماعيل القومساني بمهذان والحافظ أبا موسى المديني وأقرانه بأصبهان وعلي بن هبة الله الكاملي بمصر، وكتب ما لا يوصف كثرة، روى عنه ولداه أبو الفتح وأبو موسى وعبد القادر الرهاوي والشيخ موفق الدين والضياء وابن خليل والفقيه اليونيني وابن عبد الدائم وعثمان بن مكي الشارعي وأحمد بن الأرتاحي وإسماعيل بن غزون وبعد الله بن علاق ومحمد بن مهلهل الجيني -وهو آخر من روى عنه- قال ابن النجار: حدث بالكثير وصنف في الحديث تصانيف حسنة وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيمًا بجميع فنون الحديث قال الذهبي: كان أمير المؤمنين في الحديث، وقال الضياء: كل من رأيت من المحدثين يقول: ما رأينا مثل عبد الغني. توفي رحمه الله يوم الاثنين اثنين وعشرين من ربيع الأول سنة ستمائة2.   1 تذكرة الحفاظ ج4 ص1298، حسن المحاضرة ج1 ص354، وشذرات الذهب ج4 ص255. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1372، وشذرات الذهب ج4 ص345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 66- أبو الحسن علي بن فاصل: بن سعد الله بن صمدون الصوري ثم المصري، قال الذهبي أكثر عن السلفي ورأس في الحديث، وقال ابن العماد في الشذرات: سمع بمصر من الشريف والخطيب وكتب الكثير، توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة1. 67- علي الإسكندراني: بن المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر الحافظ العلامة المفتي شرف الدين أبو الحسن اللخمي المقدسي ثم الإسكندراني المالكي، ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتفقه بالإسكندرية على الإمام صالح بن بنت معافي وأبي الطاهر بن عوف وعبد السلام بن عتيق السفاقسي وأبي طالب اللخمي وسمع منهم ومن الحفاظ السلفي فأكثر عنه، كما سمع من القاضي أبي عبيد نعمة الله بن زيادة الله الغفاري ومن بدر الخداداذي وناب في الحكم مدة بالإسكندرية، روى عنه الزكيان المنذري والبرزالي والرشيد الآمدي والعلم عبد الحق بن الرصاص، والشرف عبد المالك بن نصر الفهري والمجد علي بن وهب القشيري وإسحاق بن بلكويه الصوفي والحسن بن عثمان القابسي محتسب الثغر والجمال محمد بن سليمان الهواري ومحمد بن مرتضى بن حاتم والشهاب القوصي والقاضي الشرف أبو حفص السبكي والنجيب أحمد بن محمد السفاقسي ومحمد بن عبد الخالق بن طرخان والمحيي عبد الرحيم بن الدميري وآخرون، قال الحافظ المنذري كان رحمه الله جامعًا لفنون من العلم، توفي في مستهل شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة2. 68- ابن الأنماطي: المصري الشافعي، ولد في حدود سنة سبعين وخمسمائة وسمع القاضي محمد بن عبد الرحمن الحضرمي وأبا القاسم البوصيري وأبا سكينة وأبا الفتح المنداني ومحمد بن عبد المولى اللبني وشجاعًا المدلجي وأبا طاهر الخشوعي وأبا محمد بن عساكر وحنبل بن عبد الله، قال الذهبي: روى عنه البرزالي والقوصي والمنذري والكحال الضرير والصدر البكري وولده أبو بكر محمد بن الأنماطي قال عمر بن الحاجب: كان إمامًا ثقة حافظًا مبرزًا فصيحًا حصل ما لم يحصله غيره، توفي في رجب سنة تسع عشرة وستمائة3. 69- ابن دحية: الإمام أبو الخطاب عمر بن حسن بن محمد الحميل بن فرج بن خلف الكبلي الداني ثم السبتي شيخ دار الحديث بالقاهرة، درس بها، وأدب الملك الكامل، كان بصيرًا بالحديث معتنيًا به، سمع بالأندلس أبا القاسم بن بشكوال وأبا عبد الله بن المجاهد وأبا بكر بن الجد وأبا عبد الله بن زرقون وأبا بكر بن جعفر اللمتوني وأبا القاسم بن حبش وطبقتهم، وسمع بمصر من البوصيري وطبقته، وسمع بواسط مسند الإمام أحمد من المنداني، ومعجم الطبراني من الصيدلاني، وكان معروفًا بالمجازفة والدعاوى العريضة رغم كثرة علمه وفضله، قال الحافظ   1 حسن المحاضرة ج1 ص354، وشذرات الذهب ج5 ص10. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص139، وشذرات الذهب ج5 ص47. 3 تذكرة الحفاظ ج4 ص1403، وشذرات الذهب ج5 ص84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الضياء: لقيته بأصبهان ولم أسمع منه شيئًا ولم يعجبني حاله، كان كثير الوقيعة في الأئمة ثم قال: وقد رأيت منه غير شيء مما يدل على ذلك، مات سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بعد أن عاش نيفًا وثمانين سنة1. هؤلاء هم الذين سنحت لنا الظروف ترجمتهم من مشاهير أعلام الحديث في مصر فيما قبل سقوط بغداد، وإن كان هناك الكثير غيرهم ممن كان لهم جهد كبير في دراسة السنة رواية وتدوينًا، وحفلت بهم كتب الرجال، بما كان لهم من اتصال بعلوم الحديث في مدارسه المتعددة في القاهرة والإسكندرية وغيرها، وهم يعدون بالمئات، ولم يخل منهم زمان ولا مكان على امتداد البلاد المصرية، وكانت لهم آثار ظاهرة في نقل السنة ودراستها في تلك الأجيال المتعاقبة التي سبقت تلك الفترة التي اخترنا دراسة السنة فيها، ولكنهم -كما يبدو- لم يبلغوا في الحفظ والإمامة درجة الذين ترجمنا لهم في هذا الفصل، ولم تنوه بهم كتب الرجال مثلما نوهت بهؤلاء، وإن كان كل من هؤلاء وأولئك -ممن اعتمد على حفظه أو على كتابه- قد تضافرت جهودهم على دراسة السنة ونقلها والانتفاع بها، واستمرارها تنبض بالحياة وتعج بالحركة طيلة هذه القرون.   1 تذكرة الحفاظ ج4 ص1420، وشذرات الذهب ج5 ص160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري تمهيد: في أواخر حكم العباسيين ضعف سلطان الخلفاء على أطراف الدولة الإسلامية، واستقل كل والٍ بما تحت إمرته في ولايته، ولم يعد للخليفة أي نفوذ على الولاة، ولم يبق لهؤلاء ما يربطهم بالخليفة سوى مجرد ذكر اسمه كرمز للخلافة، والدعوة له على المنابر في خطبة الجمعة في أحسن الأحوال. ثم انتهى الحال بالخلافة الإسلامية إلى الضعف والتخاذل، وبدأ الوهن يتسرب إلى هذا الجسد الكبير. ففي مصر1 كانت قلاقل وفتن، وكان خلع وعزل للملوك، وتسلط لملوك آخرين لا يلبثون بعد ذلك أن يعزلوا، ثم يتولى السلطة غيرهم حيلة أو بطشًا، ثم تكون النتيجة فسادًا في الحكم والأمن والسياسة، وفوضى في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، واضطرابًا في أحوال الناس في كل مكان. لقد مات الملك الصالح صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة إحدى وخمسين وستمائة، وتولى بعده ابنه توران شاه لمدة لم تطل ثم قتل، فخلفته شجرة الدر أم خليل لمدة ثلاثة شهور، ثم أقيم في الملك عز الدين أيبك التركماني، ولم يلبث قليلًا حتى قتلته زوجته شجرة الدر غيرة منها، عندما علمت بعزمه على خطبة ابنة صاحب الموصل، وأصبح الأمراء والكبراء ذات يوم فوجدوا الملك مقتولًا فهاجت المدينة واختبط الناس، ثم ملكوا عليهم ولده عليا الملك المنصور، وقتلوا بعد ذلك شجرة الدر، وألقوا بجسدها في العراء وكان ذلك عام خمس وخمسين وستمائة. وفي هذا العام نفسه وصلت جيوش التتار إلى الموصل وخربوا بلادها، وظلوا يتحينون الظروف الملائمة للوثوب على البلاد الإسلامية. وكانت بغداد -وهي حاضرة الخلافة الإسلامية- مسرحًا للفتن والاضطرابات بين الرافضة وأهل السنة، ووقعت الفتنة الكبرى في سنة خمس وخمسين وستمائة عندما نهب الكرخ دور الرافضة وسلبوا كل ما فيها من مال ومتاع، ولم يسلم من النهب دور أقارب الوزير ابن العلقمي، ولعل ذلك كان من أقوى الأنساب في تعجيل ابن العلقمي الاتصال بهولاكو ملك التتار. وكان الوزير ابن العلقمي رافضيًّا يكيد للإسلام وأهله، وكانت جيوش المسلمين قد بغلت أيام الخليفة المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل، فعمل ابن العلقمي على الإقلال من هذا العدد، فأسقط أسماء بعض الجنود من الديوان، وصرف بعضًا آخر عن العمل في الجيش حتى بلغ العدد عشرة آلاف،   1 بتصرف عن البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص195 وما بعدها، وعن شذرات الذهب ج5 ص253 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ثم ما لبث أن منع عن هذه القلة القليلة من الجنود رواتبها، وإقطاعاتها، حتى أصبح الجنود يستجدون في الأسواق وعلى أبواب المساجد، ثم كتب إلى ملك التتار يطمعه في أخذ البلاد، ويطلعه على ما وصل إليه الحال في دولة الإسلام من الضعف، وما انتهت إليه جيوشها من المذلة، وزين له انتهاز الفرصة وتعجيل الوثوب، فإن البلاد الآن لقمة سائغة عنها في أي وقت مضى. امتلأ ابن العلقمي حقدًا على السنة، فأراد إزالتها وأهلها من طريقه، وإبادة مفتيها وعلمائها والمتمسكين بها، ثم إظهار البدعة والرفض، وإقامة خليفة فاطمي يحكم على هواه، فكان عاقبة أمره أن خذله الله بعد أن باء بإثم من قتل من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. نزل التتار على حدود بغداد مقدمة لملكهم هولاكو بن تولى بن جنكيز خان في ذي الحجة عام خمس وخمسين وستمائة وظلوا يتربصون. وفي بداية عام ست وخمسين وستمائة نزلت جنود التتار بغداد، وأمدها صاحب الموصل بالمؤن والهدايا والتحف خوفًا منهم ومصانعة لهم، وأصبحت بغداد متحصنة بما لديها من آلات الحرب والممانعة، وتمكن التتار من الإحاطة بدار الخلافة، ورشقوها بالنبال من كل جانب، فأمر الخليفة بزيادة الاحتراز وإقامة الستائر عليها. قدم هولاكو بكل جنوده إلى بغداد في نحو مائتي ألف مقاتل، وأحاطوا بالمدينة من ناحيتها الغربية والشرقية، وكانت جيوش الخلافة كلها يومئذ عشرة آلاف، وكانوا في غاية القلة ونهاية المذلة، وكان أول من خرج إلى هولاكو هو الوزير ابن العلقمي، خرج إليه بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، واجتمع به ثم عاد إلى الخليفة فأشار عليه بالخروج إلى هولاكو والمثول بين يديه لتقع المصالحة، على أن يكون نصف خراج العراق للتتار ونصفه للخليفة. يقول صاحب الشذرات: إن ابن العلقمي أغرى الخليفة، بأن نقل إليه رغبة هولاكو في زواج ابنته بالأمير أبي بكر بن الخليفة، وأن تكون الطاعة له كما كان أجداد الخليفة مع الملوك السلاجفة، ثم يرحل هولاكو عن بغداد دون أن يصيبها بمكروه. أطمأن الخليفة المعتصم إلى هذا القول، وخرج إلى هولاكو في أعيان الدولة وكبرائها وعلمائها واستدعى الوزير ابن العلقمي عددًا من رءوس الدولة وأعلامها المبرزين ليحضروا عقد الزواج الذي زعمه، وكانت عدة هؤلاء سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية، ورءوس الأمراء والدولة والأعيان، وعند منزل السلطان هولاكو خان حجب كل هذا العدد الكبير عن الخليفة، فأنزلوا عن مراكبهم فنهبت وقتلوا عن آخرههم، ولم يخلص مع الخليفة إلى السلطان إلا سبع عشرة نفسًا فاضطرب الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت، ولم يستطع -على ما قيل- أن يجيب السلطان هولاكو على أسئلته الكثيرة، ثم عاد إلى بغداد تحت حراسة الوزير ابن العلقمي وخوجة نصير الدين الطوسي، ودخلوا دار الخلافة ونهبوا كل ما فيها من مال ومصاغ وذهب وحلي وجواهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وكل غال ونفيس، وحملوا ذلك كله إلى السلطان، ثم أشار الرافضة على هولاكو ألا يصالح الخليفة؛ لأنه لا يلبث أن ينقض عليه، وحسنوا له قتل الخليفة، فتهيب السلطان ذلك، فشجعله الطوسي وابن العلقمي، فقتلوه رفسًا لئلا يقع على الأرض شيء من دمه، وقيل: خنق أو أغرق، وباءوا بإثمه وإثم من كان معه من السادات والعلماء، والقضاة والرؤساء والفقهاء، وانتهت الخلافة العباسية بقتل آخر خلفائها. خرج الجنود بعد ذلك إلى بغداد فعاثوا فيها فسادًا، فقتلوا ونهبوا وشردوا، قتلوا الرجال والنساء والولدان، والشيوخ والكهول والشبان، وطاردوا الناس في كل مكان، فدخل كثير منهم في الآبار والمستنقعات والقنوات، وكمنوا في القاذورات، ومكثوا على ذلك أيامًا لا يظهرون، وكانت الجماعة من الناس تهرب من الموت إلى الخانات فيغلقون أبوابها عليهم، فيفتحها التتار بالكسر أو بالنار، فيفرون منهم إلى أعالي الأماكن وسطوح المساكن فيقتلونهم فيها، حتى جرت الميازيب بالدماء، وامتلأت البيوت بالقتلى، وغصت الطرقات بالأجساد، وتراكمت وكأنها التلال ونزلت عليها الأمطار فتغيرت، وظهرت رائحة النتن، وتغير الجو، وفسد الهواء وانتشر الوباء ومات بسبب ذلك خلق كثير، ولم ينج من أهل بغداد إلا من كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، أو كان محتميًا بدار الوزير ابن العلقمي، أو كان من طائفة التجار الذين أخذ لهم أمان بذلوا من أجله أموالًا كثيرة، وكان الرجل من العلماء أو الرؤساء أو الأمراء يستدعى من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه وأهله، فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة، فيذبح كما تذبح الشاة أمام أولاده، ثم يذبحون واحدًا واحدًا إلا من يختار للأسر من بناته وجواريه، وقتل شيخ الشيوخ والعلماء والخطباء والأئمة وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجمع والجماعات شهورًا ببغداد، وأراد ابن العلقمي أن يبني على أنقاض ذلك مدرسة للرافضة، ينشرون عِلمهم بها وعَلَمهم عليها، فلم يرد الله ذلك ومات كمدًا، وأخذه الله بعد شهور أخذ عزيز مقتدر. ولما نودي في بغداد بالأمان، خرج الناس من مكامنهم تحت الأرض، من كان منهم بالمطامير والقنوات والمقابر، كأنهم الموتى قد نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم بعضًا، فلا يكاد يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا، وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى. ثم استهلت سنة ثمان وخمسين وستمائة وليس للناس خليفة، فملك العراق وخراسان وغيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكو خان ملك التتار، وسلطان ديار مصر للملك المظفر سيف الدين قطز، وسلطان دمشق وحلب للملك الناصر بن العزيز بن الظاهر، وبلاد الكرك والشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب، وهو والناصر صاحب دمشق ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وكان كل هؤلاء حربًا على المصريين، قد عزموا على قتالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وأخذ مصر منهم، وإنهم على هذا الحال وإذا بالأنباء تتواتر بتوجه التتار إلى بلاد الشام، وقد جاوزوا الفرات على جسور عملوها بقيادة ملكهم هولاكو خان، ووصلوا إلى حلب فحاصروها سبعة أيام بدأت باليوم الثاني من صفر، ثم افتتحوها بالأمان، ثم غدروا بأهليها وقتلوا كثيرًا منهم ونهبوا الأموال وسبوا النساء والأطفال، واستباحوا الحرمات، وجاسوا خلال الديار، وجرى على أهل حلب قريبًا مما جرى من قبل على أهل بغداد. ثم أرسل صاحب حماة مفاتيحها إلى هولاكو، فأناب عليها رجلًا من العجم يدعى خسرو شاه، فخرب أسوارها كما خرب التتار أسوار حلب، ومن حلب أرسل هولاكو إلى دمشق جيشًا مع أمير من كبار رجاله يدعى كتبغانوين، فدخلها من غير مدافعة في أواخر صفر من نفس العام، وتلقاهم كبارها بالرحب والسعة، فكتب هولاكو أمانًا لأهل دمشق قرئ على ملأ الناس بالميدان الأخضر، ولم يمنعه ذلك أيضًا من تخريب أسوارها وهدم قلعتها كما فعل من قبل بحلب وحماة، كل ذلك وسلطان الشام الناصر بن العزيز مقيم بجيشه الكثيف في وطأة برزة متهيئ لمناجزة التتار إن هم قدموا عليه، وكان في جملة ممن معه الأمير بيبرس البندقداري في جماعة من البحرية، ولكن كلمة جيوش الناصر لم تكن واحدة، فقد عزم طائفة من رجال الجيش على خلع الناصر وسجنه، ومبايعة شقيقه الملك الظاهر علي، فلما علم الناصر بذلك هرب إلى القلعة، وتفرقت الجنود في الآفاق، وساق الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري أصحابه إلى جهة غزة، فاستدعاه صاحب مصر الملك المظفر قطز إليه، وأقطعه قليوب وأنزله بدار الوزارة وعظم شأنه عنده. في هذه الظروف السيئة التي أحاطت بالمسلمين وجيوشهم في كل مكان، وعندما علم الملك المظفر صاحب مصر بأن جيوش التتار قد فعلوا بالشام مثل ما فعلوا ببغداد، وأنهم نهبوا البلاد وقتلوا العباد، ووصلوا إلى غزة في طريقهم إلى مصر، عندما علم الملك المظفر بذلك بادرهم قبل أن يبادروه، وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه، فخرج بجنده إلى الشام، واستيقظ له جيش المغول وعلى رأسه كتبغانوين وكان إذ ذاك في البقاع، فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير ابن الزكي، فأشاروا عليه بأن لا قبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو، فأبى إلا أن يسرع بمناجزته، فكان اجتماع الجيشين الإسلامي بقيادة قطز والمغولي بقيادة كتبغانوين في عين جالوت في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة، ودارت رحى الحرب واقتتل الفريقان قتالًا عظيمًا، ودارت الدائرة على جيش المغول، وقتل أميرهم كتبغانوين وجماعة من بيته، وكتب الله النصر للإسلام والمسلمين، فطاردوا جيش المغول يقتلون من يدركونه منهم في كل موضع، ساروا خلفهم إلى حلب، ثم إلى دمشق، ودخل الملك المظفر قطز دمشق في أبهة عظيمة، وفرح الناس به فرحًا شديدًا، فإنه القائد المنتصر الذي خلصهم من التتار، عدوهم البغيض، وإنه الذي نصر الله على يديه الجيوش الإسلامية وأعزها بعد المذلة والهوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 في هذه الفتنة العمياء، والحروب العاصفة الهوجاء، في هذا البلاء الطاحن والوباء القاتل عصفت رياح المحنة بما ألف علماء المسلمين من كتب، وما دونوا من مؤلفات، وتحالفت عليها العاديات من كفر هولاكو وكيد ابن العلقمي، فأتت على أكثر ما أنتجه علماء المسلمين في العصور الأولى، وأصبحت الكتب الإسلامية وقد ألقتها جيوش التتار في النهر لتكون جسرًا يعبرون عليه إلى بلاد الشام، ولم يكن للناس يومذاك من هم سوى الفرار من وجه هؤلاء الطغاة طلبًا للنجاة، واللجوء إلى بلاد يحسون فيها بالدعة والسلام، والهدوء والأمان، وكانت مصر لذلك ملجأ لكثير من الناس، فإن أرضها لم تدنس بأقدام التتار، وإن ملكها المظفر قطز هو الذي كان على يده الخلاص من شرورهم، وإن شعبها الكريم المضياف قد فتح قلبه وبلده لاستقبال من حلت النكبة بهم أحسن استقبال، وإن أمراءها، وكبارها كانوا يحبون العلم ويقدرون العلماء، يقيمون لهم المدارس، ويجرون عليهم الأرزاق، ويشاركونهم في مدارسة العلم، حتى كان من هؤلاء الأمراء من يحفظ الحديث ويرويه ويصل إلى درجة الإمامة فيه، فيصبح شيخًا للحافظ ابن حجر شيخ الإسلام. كان من الطبيعي -إذن- أن تكون هجرة العلماء إلى مصر، وأن يتحول النشاط العلمي إليها، وقد كان فيها علماء، ومحدثون وفقهاء، وقضاة ومفتون، وكانت هناك مدارس قد غصت بالشيوخ والتلاميذ من طلاب العلم في القاهرة وقوص والإسكندرية وغيرها من بلاد مصر، ومن يراجع كتاب الطالع السعيد لأسماء نجباء الصعيد لكمال الدين جعفر بن ثعلب الأدفوي نجده قد ترجم لنحو ستمائة من الأعلام في الصعيد وحدها، وفيهم الكثير جدًّا من العلماء الذين عاصروا هذه الحقيقة من الزمن. وكان من الطبيعي أيضًا -وقد فقد المسلمون مكتبتهم الإسلامية في محنة التتار ببغداد- أن يركز العلماء في مصر على جمع العلوم الإسلامية من جديد، فنشطت حركة التأليف والتدوين، وكتب العلماء في كل فن، وأخذت علوم الحديث من ذلك بحظ وفير. كانت علوم السنة من أهم ما يعنى به الأمراء والكبار ورجال الدولة، وكان علماء الحديث يبذلون أقصى الوسع في الجمع والتصنيف، والتدوين والتأليف، وسوف نرى فيما يأتي من هذا الكتاب بيانًا بما عرفناه من المؤلفات يشتمل على نحو خمسين، مؤلفًا لعلماء الحديث المصريين في خلال القرن التالي لسقوط بغداد، فإذا تجاوزنا هذا القرن إلى ما بعده وجدنا أكثر من مائتين من المؤلفات في الحديث وعلومه لمؤلفين أعلام من أمثال المنذري وابن دقيق العيد وعبد المؤمن بن خلف الدمياطي وابن سيد الناس اليعمري والقطب الحلبي وتقي الدين السبكي ومغلطاي بن قليج والعز بن جماعة وابن الملقن والبلقيني والعراقي ونور الدين الهيثمي وأبو زرعة المصري والبوصيري وابن حجر وبدر الدين العيني، وغير هؤلاء من الشيوخ ممن كانوا أئمة في الحديث وعلومه، وانتهت إليهم الرياسة في هذه الفنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وهذا بيان بأسماء المشاهير من أعلام المحدثين منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري نوردهم على ترتيب سنة الوفاة لهؤلاء الأعلام. 1- الحافظ زكي الدين المنذري: أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة الشامي ثم المصري الشافعي، ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة في غزة شعبان، وسمع من الأرتاحي وأبي الجود غياث بن فارس وابن طبرزد وعبد المجيب بن زهير وإبراهيم بن البتيت والحافظ أبي الحسن المقدسي، وسمع بالمدينة المنورة من الحافظ جعفر بن أمورسان، وبدمشق من محمد بن الرتف والتاج الكندي وطبقتهم، وبحران والإسكندرية والرها وبيت المقدس، وعنه الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وأبو الحسين اليونيني وأبو عبيد الله القزار وابن الظاهري وإسماعيل بن نصر الله وعلم الدين سنجر الدواداري، والعماد بن محمد الجرائدي وإسحاق بن الزيري، قال الشريف عز الدين الحافظ: كان شيخنا زكي الدين عديم النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه، عالمًا بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه، متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيمًا بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، إمامًا ثبتًا حجة ورعًا، متحريًا فيما يقوله متثبتًا مما يرويه، وقال الذهبي: لم يكن أحفظ منه في زمانه. ولي المنذري مشيخة دار الحديث الكاملية بعد أن درس بالجامع الظاهري، وانقطع بها بنشر العلم عشرين سنة، وكان ذا نسك وتزهد، توفي رحمه الله في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة1. 2- الصدر البكري: أبو علي الحسن بن محمد بن عمروك النيسابوري ثم الدمشقي، ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق، ثم تحول إلى مصر، سمع قديمًا بمكة من جده لأمه أبي حفص الميانسي، وبدمشق من حنبل وابن طبرزد، ونيسابور من المؤيد بن محمد وزينب الشعرية، وبهراة من أبي روح عبد المعز بن محمد، وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني، وبأصبهان من أبي الفتوح محمد بن الجنيد وعين الشمس الثقفية وحفصة بنت حمكا وببغداد من عبد العزيز والعماد البالسي والبدر بن التوزي وأبو الفتح القرشي وأبو عبد الله بن الزراد وتاج الدين أحمد بن مزين والزين أبو بكر المزي وخلق سواهم، ضعفه عمر بن الحاجب وقال: كان إمامًا عالمًا لسنًا فصيحًا عليمًا أحد الرحالين إلا أنه كان كثير الدعاوي، عنده مداعبة ومجون، وقال عنه الزكي البرزالي: كان كثير التخليط، قال الذهبي: ثم في الآخر صلح حاله، مات بمصر سنة ست وخمسين وستمائة2.   1 تذكرة الحفاظ ج4 ص1436، وحسن المحاضرة ج1 ص355، والشذرات ج5 ص277. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1444، وحسن المحاضرة ج1 ص356، والشذرات ج5 ص274. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 3- الرشيد العطار: الإمام الحافظ رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله الأموي النابلسي ثم المصري المالكي، ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتخرج بابن المفضل، سمع أباه وعمه عبد الرحمن وأبا القاسم البوصيري وإسماعيل بن ياسين وأبا طاهر بن بنان وعلي بن حمزة الكاتب وعبد اللطيف بن أبي سعد والشهاب محمد بن يوسف الغزنوي وابن نجا الواعظ وأهله وفاطمة بنت سعد الخير، وبدمشق الكندي وابن الحرستاني وعدة، وبمكة والمدينة والثغر، وتقدم في فن الحديث قال الذهبي: وكان ثقة مأمونًا حافظًا متقنًا حسن التخريج، انتهت إليه رياسة الحديث في الديار المصرية، روى عنه الدمياطي، وابن الظاهر وابن اليونيني، وشعبان الأربلي وأبو العباس بن صصري والقاضي الزين عبد الرحيم الساعاتي وعبد القادر الصعبي وعبد الرحمن بن يعيش السبتي وداود بن يحيى الحريري، وولي مشيخة دار الحديث الكاملية ستة أعوام، توفي رحمه الله سنة اثنتين وستين وستمائة1. 4- الأبيوردي: الإمام المحدث الحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر نزيل القاهرة ولد سنة إحدى وستمائة تقريبًا، وطلب الحديث وهو كهل، فسمع من كريمة الزبيرية والسخاوي والضياء الحافظ وطبقتهم وأصحاب السلفي وابن عساكر، ثم نزل إلى أصحاب البوصيري والخشوعي، ثم نزل إلى أصحاب ابن باقا وابن الزبيدي قال الشريف في الوفيات: كان حريصًا على التحصيل، صابرًا على كلف الاستفادة، وكان من أهل الدين والصلاح والعفاف، وله فهم وفيه تيقظ، توفي في حادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وستين وسبعمائة2. 5- الأسعردي: أبو القاسم عبيد بن محمد بن عباس بن محمد الإمام الحافظ مفيد القاهرة تقي الدين، ولد بأسعرد سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وتحول إلى مصر مع والده فسمع من علي بن مختار العامري والحسن بن دينار الصائغ ويوسف بن المجتلي وابن المقير، وابن رواح وهبة الله بن محمد بن المقدسي وحمزة الغزال والسبط بالإسكندرية، ورشيد بن مسلمة وطائفة بدمشق، سمع منه ابن الظاهري وابنه عثمان والحارس وابنه الإمام شمس الدين والمزي والحلبي والبرزالي والبصري قال الذهبي: كان ثقة صالحًا، وكان شيخنا ابن الظاهري يثني عليه ويقدمه على سائر الطلبة، توفي رحمه الله في شعبان سنة اثنتين وتسعين وستمائة وله سبعون سنة3. 6- الشريف عز الدين: نقيب الأشراف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الحلبي ثم المصري الحافظ المؤرخ روى عن فخر القضاء أحمد بن الحباب وأكثر أصحاب البوصيري توفي رحمه الله سنة خمس وتسعين وستمائة4.   1 تذكرة الحفاظ ج4 ص1442، وحسن المحاضرة ج1 ص356، والشذرات ج5 ص311. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1475، والشذرات ج5 ص325، وحسن المحاضرة ج1 ص356. 3 تذكرة الحفاظ ج4 ص356، وشذرات الذهب ج5 ص421، وتذكرة الحفاظ ج4 ص1476. 4 حسن المحاضرة ج1 ص357 والشذرات ج5 ص430. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 7- ابن الظاهري: جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفي المقرئ الحافظ الزاهد، ولد في شوال سنة ست وعشرين وستمائة، وكتب عن سبعمائة شيخ، وسمع ابن التي والأربلي وابن رواحة وخلقًا، وكان ثقة حافظًا، توفي في زاوية بظاهر القاهرة سنة ست وتسعين وستمائة، وله سبعون سنة1. 8- ابن دقيق العيد: الإمام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي الصعيدي المالكي والشافعي، ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة بقرب ينبع بالحجاز، وسمع من ابن المقير لكنه شك في كيفيه الأخذ، وحدث عن ابن الجميزي وسبط السلفي والحافظ زكي الدين وجماعة قليلة، وبدمشق من ابن عبد الدائم وأبي البقاء خالد بن يوسف، وكان من أذكياء زمانه واسع العلم، روى عنه قاضي القضاة علاء الدين القونوي، وقاضي القضاة علم الدين بن الإخنائي، والحافظ قطب الدين الحلبي، وطائفة سواهم، وتخرج به أئمة، قال الحافظ الحلبي: كان الشيخ تقي الدين إمام أهل زمانه، وممن فاق بالعلم والزهد على أقرانه، عارفًا بالمذهبين إمامًا في الأصلين، حافظًا متقنًا في الحديث وعلومه ويضرب به المثل في ذلك، عزل نفسه عن القضاء غير مرة ثم يسأل ويعاد، توفي في صفر سنة اثنتين وسبعمائة2. 9- الدمياطي: أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الشافعي الدمياطي العلامة الحافظ الحجة شرف الدين، ولد في آخر سنة ثلاث وستمائة، ثم طلب الحديث بعد أن تفقه بدمياط، فارتحل إلى الإسكندرية وسمع بها من علي بن زيد الفارسي وظافر بن شحم ومنصور بن الدباغ، وتخرج بالمنذري، كما سمع بمصر من ابن المقير وعلي بن مختار ويوسف بن المجتلي وطبقتهم، وببغداد عن أبي نصر بن العليق وإبراهيم بن أبي الخير وخلق، وبحلب من أبي القاسم بن رواحة وطائفة وبحماه من صفية القرشية، وبماردين من عبد الخالق النشتبري، وبحران من عيسى الحناط، ثم سكن دمشق فأكثر بها عن ابن مسلمة، ومعجم شيوخه يبلغون ألفًا وثلاثمائة وممن روى عنه الإمام أبو حيان الأندلسي، والإمام أبو الفتح البصري، والإمام علم الدين البرزالي والإمام قطب الدين عبد الكريم، والإمام فخر الدين النويري، والإمام تقي الدين السبكي، كما سمع منه الشيخ محمد الأبيوردي، وكتب عنه في معجم شيوخه، كما روى عنه الحافظ المزي وقال: ما رأيت أحفظ منه، وقال البرزالي: كان آخر من بقي من الحفاظ وأهل الحديث، أصحاب الرواية العالية والدراية الوافرة، وقال الذهبي في معجمه: العلامة الحافظ الحجة أحد الأئمة الأعلام   1 طبقات الحفاظ ص512 وحسن المحاضرة ج1 ص357 وشذرات الذهب ج5 ص435. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1481 وحسن المحاضرة ج1 ص317 والشذرات ج6 ص5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وبقية نقاد الحديث، وقد أثنى عليه غير واحد، توفي رحمه الله فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة سنة خمس وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة، ودفن بمقابر باب النصر1. 10- ابن شامة: الإمام الحافظ الحجة الفقيه النسابة مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة الحنبلي، ولد في رجب سنة اثنتين وستين وستمائة، روى عن ابن عبد الدايم، وسمع من أحمد بن أبي الخير وابن أبي عمر وغيرهم، ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وثمانين وسمع بها من العز الحراني وابن خطيب المزة وغيرهما، وبالإسكندرية من ابن طرخان وجماعة، وببغداد من ابن الطبال وخلق، وبأصبهان والبصرة وحلب وواسط، قال ابن رجب: سمع منه البرزالي والذهبي وعبد الكريم الحلبي وذكروه في معاجمهم، قال الحافظ عبد الكريم الحلبي: كان إمامًا عالمًا فاضلًا حسن القراءة فصيحًا ضابطًا متقنًا سمع من صغره إلى حين وفاته، توفي رحمه الله يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة، ودفن بالقرافة بالقرب من الشافعي2. 11- الحارثي: قاضي القضاة سعد الدين أبو محمد مسعود بن أحمد العراقي المصري الفقيه الحنبلي الحافظ المتقن مفيد الطلبة، ولد سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ونشأ في طلب العلم، وسمع من ابن البرهان والنجيب الحراني وابن علاق وخلق، وبالثغر من عثمان بن عوف وابن الفرات، وبدمشق من أحمد بن أبي الخير وأبي زكريا بن الصيرفي وطبقتهما، روى عنه إسماعيل بن الخباز وأبو الحاج المزي وأبو محمد البرزالي، قال ابن رجب: حدثنا بالكثير وروى عنه جماعة من شيوخنا، توفي رحمه الله يوم الأربعاء العاشر من ذي الحجة سنة إحدى عشرة وسبعمائة بالقاهرة ودفن بالقرافة3. 12- الإمام أبو الفتح بن سيد الناس: الحافظ العلامة الأديب البارع فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الأندلسي الأصل المصري، ولد في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وستمائة، ولازم ابن دقيق العيد وتخرج به، سمع من العزوغازي وخلائق، ولحق بدمشق بابن المجاور ومحمد بن مؤمن وابن الواسطي، قال ابن ناصر الدين: كان إمامًا حافظًا عجيبًا مصنفًا بارعًا شاعرًا أديبًا، توفي رحمه الله فجأة في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة4. 13- القطب الحلبي: مفيد الديار المصرية وشيخها الحافظ قطب الدين أبو علي عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحنفي، ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة، وألف تاريخ مصر   1 تذكرة الحفاظ ج4 ص1477 وحسن المحاضرة ج1 ص357 والشذرات ج6 ص12. 2 حسن المحاضرة ص357 وشذرات الذهب ج6 ص17. 3 تذكرة الحفاظ ج4 ص1495 وحسن المحاضرة ج1 ص358 والشذرات ج6 ص28. 4 تذكرة الحفاظ ج4 ص1503 وحسن المحاضرة ج1 ص358 والشذرات ج6 ص108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 في بضعة عشر مجلدًا، أخذ عن أصحاب ابن طبرزد فمن بعدهم، وسمع من ابن العماد وإبراهيم المنقري والعز والفخر علي وبنت مكي وابن الفرات الإسكندراني، توفي رحمه الله بمصر في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة عن إحدى وسبعين سنة1. 14- أحمد بن أبيك: بن عبد الله الحسامي شهاب الدين أبو الحسن الدمياطي محدث مصر، ولد سنة سبعين وستمائة، وبرع في الحديث، وسمع من حسن الكردي وخلائق، سمع عليه أبو الخير بن العلائي، وتوفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة2. 15- تقي الدين السبكي: أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى السبكي الشافعي، ولد في أول يوم من صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وتفقه على والده، ودخل القاهرة فاشتغل على ابن الرفعة، وأخذ الحديث عن الدمياطي، ورحل في طلب الحديث إلى الشام والإسكندرية والحجاز، وسمع من ابن الصواف، وأخذ عن الحفاظ، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبال، وولي مشيخة دار الحديث بالأشرفية والشامية البرانية والمسرورية، وولي القضاء فباشره بعفة ونزاهة، وكان في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق، قدم مصر، توفي رحمه الله في ثلاث من جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة3. 16- الزيلعي: جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الحنفي، سمع أصحاب النجيب وأخذ عن الفخر الزيلعي شارح الكنز والقاضي علاء الدين بن التركماني وابن عقيل، وكان يصاحب الحافظ زين الدين العراقي في مطالعة الكتب الحديثية، مات الزيلعي في محرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة4. 17- ملغطاي: بن قليج بن عبد الله الحنفي الإمام الحافظ علاء الدين، ولد سنة تسع وثمانين وستمائة، وسمع من الدبوسي والختني والواني والحسيني وأحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدين، ولازم الجلال القزويني، وولي تدريس الحديث بالمدرسة الظاهرية بعد ابن سيد الناس، قال زين الدين بن رجب: كانت معرفته بالأنساب معرفة جيدة أما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة، توفي في رابع شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة5. 18- أحمد بن أحمد بن أحمد بن الحسين الهكاري: شهاب الدين أبو الحسين، كان عارفًا بالرجال، ألف كتابًا في رجال الصحيحين، مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة6.   1 تذكرة الحافظ ج4 ص1502 وحسن المحاضرة ج1 ص358 والشذرات ج6 ص110. 2 طبقات الحافظ ص523، وحسن المحاضرة ج1 ص358. 3 تذكرة الحفاظ ج4 ص1507 والبدر الطالع ج1 ص467 والشذرات ج6 ص180. 4 طبقات الحافظ ص531 والبدر الطالع ج1 ص402 وحسن المحاضرة ج1 ص358. 5 طبقات الحفاظ ص534 والبدر الطالع ج2 ص312 والشذرات ج6 ص197. 6 حسن المحاضرة ج1 ص358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 19- العز بن جماعة: الإمام الحافظ قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز ابن قاضي القاضة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد، ثم المصري الشافعي، ولد في تاسع عشر المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة، فأحضر على عمر القواس وأبي الفضل بن عساكر، وسمع من الدمياطي والأبرقوهي وأجاز له ابن وريدة وأبو جعفر بن الزبير، وأكثر السماع فبلغ عدد شيوخه ألفًا وثلاثمائة نفس، أخذ عنه العراقي ووصفه بالحفظ، ذكره الذهبي في المعجم المختص، وقد مات قبله بنحو عشرين سنة وقال فيه: الإمام المفتي الفقيه، قدم علينا بوالده طالب حديث في سنة خمس وعشرين فقرأ الكثير وسمع وكتب الطباق، وكان خيرًا صالحًا حسن الأخلاق كثير الفضائل، سمعت منه وسمع مني، مات رحمه الله في مكة بعد أن حج في سنة سبع وستين وسبعمائة1. 20- البهائي: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي نزيل القاهرة الشافعي الحافظ الفقيه الزاهد القدوة أبو محمد، ولد سنة أربع وتسعين وستمائة، وسمع من الرضي وبيبرس العديمي والتوزري وغيرهم، وارتحل إلى دمشق فأخذ عن مشايخها، وتفقه بالقونوي والتبريزي والأصبهاني، وأخذ عن أبي حيان وعن ابن الفركاح، ورجع إلى مصر فاستوطنها، وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في بيان زغل العالم، وقال في معجمه الكبير: هو المحدث القدوة، هو ثوب عجيب في الورع والدين والانقباض وحسن السمت، وقال في المعجم المختص: هو الإمام القدوة، أتقن الحديث، وعني به ورحل فيه. توفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ودفن بتربة تاج الدين بن عطا بالقرافة2. 21- ابن عشائر: الحافظ ناصر الدين أبو المعالي محمد بن علي السالمي الحلبي ولد في ربيع سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن التاج السبكي وابن قاضي الجبل والأعمى والبصير، وسمع من الصلاح الصفدي وابن المهندس وأصحاب الفخر، واعتنى بالحديث وأخذ العلم عن جمع، وكان فاضلًا عالمًا مشاركًا في العلوم سريع الحفظ جدًّا، سمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وأسمع ولده ولي الدين الكثير، مات في القاهرة في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وسبعمائة3. 22- ابن سند: شمس الدين أبو العباس محمد بن موسى بن سند المصري ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة ولازم التاج السبكي، وأخذ عن الإسنوي، وسمع من جماعة بدمشق ومصر، وناب عن التاج السبكي في مشيخة دار الحديث والأشرفية وغيرهما، ذكره الذهبي في المعجم المختص وهو آخر من ذكرهم فيه وفاة، وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي: كان من أحسن الناس قراءة للحديث، مات سنة اثنتين، وتسعين وسبعمائة، ودفن بمقبرة الصوفية بدمشق4.   1 طبقات الحافظ ص531 وشذرات الذهب ج6 ص208 وحسن المحاضرة ج1 ص359. 2 طبقات الحافظ ص 528 وشذرات الذهب ج6 ص251 وحسن المحاضرة ج1 ص359. 3 شذرات الذهب ج6 ص309 وحسن المحاضرة ج1 ص362 وطبقات الحافظ ص540. 4 شذرات الذهب ج6 ص326 وحسن المحاضرة ج1 ص360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الفصل الثالث: أعلام المحدثين في مصر في القرنين التاسع والعاشر الهجري 1- ابن الملقن: عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله السراج الأنصاري الأندلسي التكروري الأصل المصري الشافعي المعروف بابن الملقن، ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة بالقاهرة، ومات أبوه بعد ولادته، وكان قد أوصى به إلى الشيخ عيسى المغربي وكان يلقن القرآن فنسب إليه، وكان يغضب من هذه النسبة ويكتب عن نفسه ابن النحوي، وبها اشتهر في بعض البلاد كاليمن، تفقه بالتقي السبكي والعز بن جماعة، وغيرهما، وسمع على الحفاظ كالقطب الحلبي ومغلطاي وابن سيد الناس والميدومي وغيرهم، وأجاز له جماعة كالمزي، ورحل إلى الشام وبيت المقدس، ترجمه العثماني قاضي صفد -وقد مات قبله- فقال في طبقات الفقهاء: إنه أحد مشايخ الإسلام وصاحب التصانيف التي ما فتح على غيره بمثلها في هذه الأوقات قال ابن حجر: إن العراقي والبلقيني وابن الملقن كانوا أعجوبة ذلك العصر: الأول في معرفة الحديث وفنونه، والثاني في التوسع في معرفة مذهب الشافعي، والثالث في كثرة التصانيف، وكل واحد من الثلاثة ولد قبل الآخر بسنة ومات قبله بسنة، فأولهم ابن الملقن ثم البلقيني ثم العراقي، مات ابن الملقن في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانمائة، ودفن بحوش الصرفية مع والده خارج باب القصر1. 2- البلقيني: الإمام العلامة شيخ الإسلام الحافظ الفقيه البارع سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير البلقيني، ولد في ثاني شعبان في ليلة الجمعة سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وسمع من ابن القماح وابن عبد الهادي وابن مشاهد الجيش، وقرأ على التقي السبكي والحلال القزويني والعز بن جماعة وابن عدلان، وأجاز له الأكابر، وما زال يطلب العلم على علماء القاهرة حتى برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد بكثير من المعارف، وقال له ابن كثير أذكرتنا ابن تيمية، وقال له ابن شيخ الجبل: ما رأيت بعد ابن تيمة أحفظ منك، قال ابن حجر: وكانت آلات الاجتهاد فيه كاملة، قال: ولم يكمل من مصنفاته إلا القليل؛ لأنه كان يشرح في الشيء، فلسعة علمه يطول عليه الأمر، حتى إنه كتب في شرح البخاري مجلدين في شرح نحو عشرين حديثًا، وعلى الروضة عدة مجلدات تعقيبات، توفي في يوم الجمعة حادي وعشرين من ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة2. 3- العراقي: الحافظ الكبير الإمام زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي حافظ العصر، ولد بمنشأة الهراني بالقاهرة في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين   1 البدر الطالع ج1 ص508 وطبقات الحفاظ ص537 والشذرات ج7 ص44. 2 البدر الطالع ج1 ص509 وطبقات الحفاظ ص538 والشذرات ج7 ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وسبعمائة، سمع من القاضي سنجر والقاضي تقي الدين الأخنائي المالكي، وحفظ الحاوي والإلمام لابن دقيق العيد، وأقبل على علم الحديث فأخذ عن جماعة منهم العلاء التركماني وانتفع به، وسمع من عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي، قرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا، وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه -وهو من أعلى مشايخه إسنادًا- كما سمع من ابن الملوك وغيره، ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخباز ومن أبي عباس المرداوي ونحوهما، وعني بهذا الشأن ورحل فيه مرات إلى دمشق وحلب والحجاز، وأراد دخول العراق ففترت همته من خوف الطريق، ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يقدر له ذلك، وتخرج عليه غالب أهل عصره، ومن أخصهم به نور الدين الهيثمي، فقد دربه وعلمه كيفية التخريج والتصنيف، ومنهم الحافظ ابن حجر وطبقته، ومنهم ولده ولي الدين أبو زرعة العراقي، وقد ولي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ثم سكن القاهرة وأنجب بها ولده القاضي ولي الدين وكان الإسنوي يصغي لمباحثه ويستحسن كلامه في الأصول ويثني على فهمه ويقول: إن ذهنه صحيح إلا بحضرته، وقال العز بن جماعة: كل من يدعي الحديث بالديار المصرية سواه فهو مدع، أملى في القاهرة أربعمائة مجلس وستة عشر مجلسًا ابتداء من سنة خمس وتسعين وسبعمائة، توفي رحمه الله عام ست وثمانمائة1. 4- الحافظ الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الشافعي، ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها فقرأ القرآن، ثم صحب الزين العراقي ولم يفارقه سفرًا ولا حضرًا حتى مات، ورافقه في جميع مسموعاته بمصر والحرمين وبيت المقدس ودمشق وبعلبك وحمص وحلب وحماه وطرابلس وغيرها، ولم ينفرد أحدهما عن الآخر إلا بمسموعات يسيرة وشيوخ قليلة، ولم يكن الزين العراقي يعتمد في شيء إلا عليه، وزوجه ابنته، ورزق منها عدة أولاد، وكتب كثيرًا من تصانيف الزين وقرأ عليه أكثرها، قال البرهان الحلبي: إنه كان من محاسن القاهرة ومن أهل الخير، غالب نهاره في اشتغال وكتابة مع ملازمة خدمة الشيخ في أمر وضوئه وثيابه وكان معه كالعبد مع سيده، وقال الأفقهسي: كان إمامًا عالمًا حافظًا زاهدًا متواضعًا متوددًا إلى الناس ذا عبادة وتقشف وورع، واتفق الأئمة في الثناء على دينه وزهده وورعه، توفي رحمه الله في ليلة الثلاثاء تاسع عشر من رمضان عام سبع وثمانمائة بالقاهرة، ودفن من الغد خارج باب البرقية2. 5- الأفقهسي: صلاح الدين خليل بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن المصري أبو سعيد، ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ونشأ فحفظ القرآن واشتغل بالفقه قليلًا، كما اشتغل   1 الضوء اللامع ج4 ص171، البدر الطالع ج1 ص354 والشذرات ج7 ص55. 2 الضوء اللامع ج5 ص200 والبدر الطالع ج1 ص441 والشذرات ج7 ص70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 بغيره، ثم أحب الحديث وتوجه لطلبه، وسمع الكثير من الكتب والأجزاء على خلق كثير كعزيز الدين المليجي وصلاح الدين البلبيسي وتقي الدين بن حاتم والشهاب المنفر والصلاح الزفتاوي وأبي الفرج بن الشيخة والتاج الصردي والشمس المطرز ومريم الأذرعية، ثم حج في سنة خمس وتسعين، وجاور بمكة فسمع من شيوخها كابن صديق وابن سكر، وسمع بالمدينة من جماعة، وأدرك بدمشق الشهاب أحمد بن العز سنة سبع وتسعين وأبا هريرة ابن الذهبي، فأكثر عنهما، وعن غيرهما، وسمع الكثير من حديث السلفي بالسماع المتصل وبالإجازة الواحدة، ثم قدم القاهرة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة فسمع بها الكثير أيضًا مرافقًا للشيخ ابن حجر، ثم رحل كثيرًا إلى الطائف والحسا والقطيف وركب البحر إلى كنباية بالهند، ثم رجع إلى هرموز، ثم جال في بلاد المشرق فدخل هراة وسمرقند، وتخرج به جماعة كابن موسى والتقي بن فهد، وحدث باليسير، وتوفي فجأة بعد خروجه من الحمام سنة إحدى وعشرين وثمانمائة1. 6- ولي الدين أبو زرعة: أحمد بن الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي الحافظ الفقيه ولد في ثالث ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، وأحضره والده على جماعة من الشيوخ، ورحل به إلى دمشق فأحضره بها على أعيان علمائها، وبعد أن عاد من الرحلة إلى مصر اجتهد في استيفاء شيوخ الديار المصرية، ودربه والده في الحديث وفنونه، وكذا في غيره من فقه وأصول وعربية ومعان وبيان، وبرع في جميع ذلك، وأذن له غير واحد من شيوخه بالإفتاء، فظهرت نجايته، واشتهر فضله، وباشر التدريس في حياة أبيه، ولما توجه والده إلى المدينة لتولي القضاء والخطابة قام ولده أبو زرعة بجميع وظائفة إلا مشيخة دار الحديث، فقد تولاها شيخه ابن الملقن، ثم أضيفت إليه وظائف أبيه بعد موته فزادت وجاهته، وناب في القضاء عن العماد الكركي نحو عشرين سنة، ثم ترفع عن ذلك وتفرغ للإفتاء والتدريس والتصنيف، ومن شيوخه الذين حضر عليهم أبو الحرم القلانسي والمحب أبو العباس الخلاطي وناصر الدين التونسي والشهاب أحمد بن محمد بن أبي بكر العسقلاني ابن العطار والعز بن جماعة والجمال من نباتة وخلق، وحضر بدمشق على الحافظين الشمس الحسيني والتقي بن رافع والمحدث أبي الثناء المنبجي وأبي حفص الشحطبي والشرف يعقوب الحريري والعماد محمد بن موسى بن السيرجي وابن أميلة وابن النجم وابن الهبل وابن السوقي وست العرب حفيدة الفخرين البخاري، وببيت المقدس حضر على الزفتاوي واستجاز له خلقًا كالعرضي وابن الجوخي وأبي حفص عمر بن علي بن شيخ الدولة السيوطي خاتمة أصحاب العز الحراني، وروى بالإجازة أيضًا عن العفيف، أما شيوخه في الديار المصرية فمنهم أبو البقاء السبكي والبهاء بن خليل والزين بن القاري والحراوي والبهاء بن المفسر وجويرية والباجي ثم ارتحل مع رفيق والده الحافظ نور الدين الهيثمي إلى دمشق فأخذ بها عن الحافظ أبي بكر بن المحب وابي الهول الجزري وناصر الدين بن حمزة والشمس بن الصفي الغزولي وجماعة من أصحاب التقي   1 شذرات الذهب ج7 ص150 والضوء اللامع ج3 ص202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 سليمان وأبي المعالي المطعم وأبي نصر بن الشيرازي والقاسم بن عساكر، وسمع بمكة على الكمال النويري والبهاء بن عقيل النحوي ومحمد بن أحمد بن عبد المعطي وأحمد بن سالم ياقوت المكي والعفيف النشاوري والجمال الأميوطي، وبالمدينة علي البدر عبد الله بن فرحون، وبالجملة فهو مكثر سماعًا وشيوخًا، ومن الأماكن التي درس فيها الحديث المدرسة الظاهرية البيبرسية، والقانبهية والقراسنقرية وجامع طولون والفقه الفاضلية والجمالية الناصرية مع مشيخة التصوف بها، ومسجد علم دار، وحدث في بعض مناطق من ضواحي القاهرة وغيرها كإمبابة وساقية مكي والجزيرة الوسطى والمكان المعروف بالسبع وجوه وطنان وغيرها من القليوبية ومنوف، بل وببعض مناهل الحجاز كالينبوع، وتوفي رحمه الله في مكة -مبطونًا بعد مجاورته بها ثلاث سنين- في ظهر يوم الثلاثاء سنة ست وعشرين وثمانمائة1. 7- البوصيري: شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن قايماز بن عثمان بن عمر الشهاب أبو العباس الكتاني البوصيري القاهري الشافعي، ولد في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة بأبو صبر من الغربية، ونشأ بها فحفظ القرآن أثناء وجوده ببوصير على الشيخ عمر بن الشيخ عيسى، ثم انتقل إلى القاهرة فأخذ الفقه وطرفًا من النحو، وسمع دروس العز بن جماعة في المنقول والمعقول، وسمع الكثير من جماعة منهم التقي بن حاتم والتنوخي والبلقيني والعراقي والهيثمي، وازدادت عنايته بالحديث فلازم فيه الحافظ العراقي على كبر كثيرًا، وولده ولي الدين كما لازم الحافظ ابن حجر، وسمع منه الفضلاء كابن فهد، ومات وقت الزوال من يوم الأحد السابع عشر من المحرم سنة أربعين وثمانمائة، ودفن بتربة طشتمر الدوادار2. 8- الحافظ ابن حجر: شيخ الإسلام الإمام شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني ثم المصري إمام الحفاظ في زمانه، ولد في الثاني عشر من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر العتيقة، ونشأ بها يتيمًا في كنف أحد أوصيائه الزكي الخروبي فحفظ القرآن وهو ابن تسع عند الصدر السفطي شارح مختصر التبريزي، كما حفظ العمدة وألفية الزين العراقي والحاوي الصغير ومختصر ابن الحاجب والملحة وغيرها، وبحث في صغره -وهو بمكة مع وصيه- العمدة على الجمال بن ظهيرة، ثم قرأ بالقاهرة على الصدر الأبشيطي شيئًا من العلم، ولازم كثيرًا من الشيوخ لتحصيل بعض العلوم كالفقه والعربية والحساب، كما لازم العز بن جماعة في العلوم التي كان يقرئها، وحضر دروس قنبر العجمي، ثم دروس الهمام الخوارزمي وأخذ عن البدر بن الطنبدي وابن الصاحب والشهاب أحمد بن عبد الله البوصيري وعن الجمال المارداني، وأخذ اللغة عن المجد صاحب القاموس، والعربية عن الغماري والمحب بن هشام، والأدب والعروض ونحوهما عن البدر البشتكي، والكتابة عن أبي علي الزفتاوي والنور البدماصي   1 شذرات الذهب ج7 ص173 والضوء اللامع ج1 ص336 والبدر الطالع ج1 ص72. 2 شذرات الذهب ج7 ص233 والضوء اللامع ج1 ص251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 والقراءات عن التنوخي، وجد في الفنون حتى بلغ الغاية، وحبب الله إليه الحديث فأقبل عليه بكليته، فعكف على الزين العراقي وتخرج به وانتفع بملازمته، وقرأ عليه ألفيته وشرحها، ونكته على ابن الصلاح دراية وتحقيقًا، وحمل عنه من أماليه الكثير، وتحول إلى القاهرة وسكنها، ورحل إلى البلاد الشامية والمصرية والحجازية، وأكثر جدًّا من المسموع والشيوخ، فسمع العالي والنازل وأخذ عن الشيوخ والأقران فمن دونهم، واجتمع له من الشيوخ الأعلام ما لم يجتمع لغيره، وتصدى لنشر الحديث، وقصر نفسه عليه قراءة وإقراء وتصنيفًا ومطالعة وإفتاء، وشهد له أعيان العلماء بالحفظ، وزادت تصانيفه التي معظمها في فنون الحديث على مائة وخمسين تصنيفًا، ويكفي دلالة على أهميتها أن منها فتح الباري بشرح صحيح البخاري الذي لم يسبق له نظير، والذي انتشر في سائر الآفاق وطلبه الملوك والأمراء، واستنسخه العلماء في حياته وبعد مماته، وأصبح من أهم ما يعول عليه في شرح البخاري إلى وقتنا الحاضر، ورزق ابن حجر في سائر تصانيفه من السعد والقبول ما لم يكن ليظفر به مؤلف في الحديث وعلومه، واعتزل القضاء بعد أن تولاه نحو عشرين عامًا، وصرح بأنه جنى على نفسه بتوليه، وأنه جر عليه من المحن والبلايا ما جعله يمقته، ودرس في أماكن كثيرة، درس التفسير بالحسينية والمنصورية والحديث بالبيبرسية والجمالية المستجدة، والزينبية والشيخونية وجامع طولون والقبة المنصورية، والإسماع بالمحمودية، والفقه بالحروبية البدرية بمصر، والشريفية الفخرية والشيخونية والصالحية والنجمية والصلاحية المجاورة للشافعي والمؤيدية، وولي مشيخة البيبرسية ونظرها، والإفتاء بدار العدل، والخطابة بجامع الأزهر ثم بجامع عمرو، وأمانة المكتبة المحمودية وأشياء غير ذلك مما لم يجتمع لغيره، وأملى ما يزيد على ألف مجلس من حفظه واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل إليه الأئمة والأعيان وكثرت طلبته حتى كان رءوس العلماء في كل فن من تلاميذه، وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى، وألحق الأبناء بالآباء والأحفاد بل وأبناءهم بالأجداد، ولم يجتمع عند أحد مجموعهم، وقهرهم بذكائه وسرعة إدراكه وإتساع نظره ووفور أدبه، وامتدحه الكبار، وشهد له شيخه العراقي بأنه أعلم أصحابه بالحديث وقال كل من التقي الفاسي والبرهان الحلبي: ما رأينا مثله، وقال الإمام السخاوي: وما عسى أن أقول عنه، أو من أنا حتى يعرف بمثله، وقد ترجمه الأعيان في التصانيف المتداولة بالأيدي وأثنوا عليه كثيرًا -وذكر عديدًا من هذه التصانيف- ثم قال: وكفى بذلك فخرًا.. ثم قال: ولم يزل على جلالته وعظمته في النفوس ومداومته على أنواع الخيرات حتى توفاه الله في أواخر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وكان له مشهد عظيم شهده العلماء والأمراء وقدم السلطان الخليفة للصلاة عليه، ودفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة1. 9- الإمام العيني: بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمود وأبو الثناء بن الشهاب الحلبي الأصل العينتابي المولد ثم القاهري الحنفي ويعرف بالعيني، ولد في السابع عشر   1 الضوء اللامع ج2 ص36 والشذرات ج7 ص270 والبدر الطالع ج1 ص87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 من رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة بعينتاب فنشأ بها وقرأ القرآن، ولازم الشمس محمد الراعي ابن الزاهد أحد علماء الصرف والعربية ودرس على غيره المنطق والفرائض والنحو والفقه، وبرع في هذه العلوم، وناب عن أبيه في قضاء بلده، وارتحل إلى حلب في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة فقرأ على الشيوخ بعض العلوم، ثم عاد إلى بلده، ولم يلبث أن مات والده فارتحل إلى بعض البلاد ودخل ملطية، ثم حج ودخل دمشق وزار بيت المقدس، فلقي فيه العلاء أحمد بن محمد السيرافي الحنفي فلازمه واستقدمه معه القاهرة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وسمع على الزين العراقي صحيح مسلم والإلمام لابن دقيق العيد، وقرأ على التقي الدجوي الكتب الستة ومسند الدارمي وقريب الثلث الأول في مسند أحمد، وعلى القطب عبد الكريم حفيد القطب الحلبي بعض المعاجم الثلاثة للطبراني وعلى الشرف بن الكويك الشفا، وعلى النور الفوي بعض الدارقطني أو جميعه وعلى تغري برمش شرح معاني الآثار للطحاوي، وعلى الحافظ الهيثمي في آخرين، وفي غضون هذا دخل دمشق فقر بها بعضًا من أول البخاري على النجم بن الكشك الحنفي، وكان إمامًا عالمًا علامة عارفًا بالصرف والعربية وغيرها حافظًا للتاريخ، ذكره ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: هو إمام فاضل عالم مشارك في علوم، وعنده حشمة وعصبية ومروءة وديانة، توفي رحمه الله في ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة بالقاهرة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودفن بمدرسته التي بقرب داره1. 10- قاسم بن قطلويغا: بن عبد الله الجمال المصري زين الدين نزيل الأشرفية الحنفي العلامة المفنن، ولد سنة اثنتين وثمانمائة تقريبًا بالقاهرة، ونشأ بها فحفظ القرآن، ثم أخذ في الجد حتى شاع ذكره وانتشر صيته وأثنى عليه شيوخه، وصنف التصانيف المفيدة، وطلب الحديث بنفسه يسيرًا، فسمع على الحفاظ ابن حجر وابن الجزري والشهاب الواسطي والزين الزركشي والشمس بن المصري والبدر حسين البوصيري وناصر الدين الفاقوسي والتاج الشرابيشي والتقي المقريزي وعائشة الحنبلية، وارتحل قديمًا مع شيخه التاج النعماني إلى الشام بحيث أخذ عنه جامع مسانيد أبي حنيفة للخوارزمي وعلوم الحديث لابن الصلاح، ودخل الإسكندرية، وقرأ بها على الكمال بن خير وقاسم التروجي، وعرف بقوة الحافظة والذكاء، وأشير إليه بالعلم، وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس ووصفه ابن الديري بالعالم الذكي، ووصفه ابن حجر بالإمام العلامة المحدث الفقيه، وأسمع من لفظه جامع مسانيد أبي حنيفة بمجلس الناصري ابن الظاهر جقمق بروايته له عن التاج النعماني، وتوفي في ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وثمانمائة2. 11- الحافظ السخاوي: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي الأصل القاهري المولد الشافعي المذهب نزيل الحرمين الشريفين،   1 شذرات الذهب ج7 ص286 والضوء اللامع ج10 ص131. 2 الضوء اللامع ج6 ص184 وشذرات الذهب ج7 ص326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بحارة بهاء الدين علو الدرب المجاور لمدرسة شيخ الإسلام البلقيني منزل أبيه وجده، ثم تحول منه مع أبويه لملك اشتراه أبوه مجاور لسكن شيخه ابن حجر، وحفظ القرآن وهو صغير، وحفظ في العلوم كتبًا كثيرة عرضها على مشايخه فيها، وبرع في الفقه والعربية والقراءات، ومن شيوخه الذين عرض عليهم محفوظه المحب بن نصر الله البغدادي الحنبلي والشمس بن عمار المالكي والنور التلواني والجمال بن عبد الله الزيتوني، وقرأ بعض القرآن على النور البلبيسي إمام الأزهر والزين عبد الغني الهيثمي، وسمع الكثير من الجمع للسبع وللعشر على الزين رضوان العقبي، والبعض من ذلك على الشهاب السكندري وغيره، ولزم الأستاذ البرهان بن خضر أحد أصحاب عمه ووالده حتى أملى عليه عدة كراريس من مقدمة العربية، وقرأ عليه غالب شرح الألفية لابن عقيل، وسمع الكثير من توضيحها لابن هشام، وحضر كثيرًا من علوم العربية والفقه والتفسير والعروض والفرائض والحساب والميقات والأصول والمعاني والبيان والصرف والمنطق وغير ذلك على شيوخ ذكرهم في ترجمته لنفسه في الضوء اللامع، وقبل ذلك كله سمع مع والده ليلًا الكثير من الحديث على الشهاب ابن حجر إمام الأئمة، وأوقع الله محبته في قلبه فلازم مجلسه، وعادت عليه بركته، وداوم الملازمة للشيخ حتى حمل عنه علمًا جمًّا، واختص به كثيرًا بحيث كان من أكثر الآخذين عليه، وأعانه على ذلك قرب منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلا النادر، وعلم الشيخ شدة حرص السخاوي على ذلك، فكان يرسل إليه أحيانًا بعض خدمه يأمره بالمجيء للقراءة وقرأ عليه الإصلاح بتمامه، وسمع عليه جل كتبه كالألفية وشرحها مرارًا، وعلوم الحديث لابن الصلاح إلا اليسير من أوائله، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها كالتقريب وتعجيل المنفعة واللسان ومشتبه النسبة وتخريج الرافعي وتلخيص مسند الفردوس والمقدمة وبذل الماعون ومناقب كل من الشافعي والليث وأماليه الحلبية والدمشقية وغالب فتح الابري وغير ذلك كثير، وتدرب في الطلبة بالزين رضوان العقبي وأكثر من ملازمته قراءة وسماعًا، ومن ملازمته لصاحبه النجم عمر بن فهد الهاشمي وانتفع بإرشاد كل منهم، وحمل كثيرا عن شيوخ مصر والواردين إليها عددا كثيرا من دواوين الحديث وأجزائه بقراءته وقراءة غيره، في الأوقات التي لا تعارض عمله غالبًا، سيما حين اشتغاله بالقضاء، حتى صار أكثر أهل العصر مسموعًا وأغزرهم رواية، ومن أحسن من أخذ عنهم من عنده الصلاح بن أبي عمرو وابن أصيلة وابن النجم وابن الهبل والشمس بن المحب والفخر بن بشارة وابن الجوخي والمنبجي والزيتاوي والبياني والسوقي والطبقة، ثم من عنده العز بن جماعة والتاج السبكي وأخوه البهاء والجمال الإسنائي والشهاب الأذرعي والكرماني والصلاح الصفدي والقراطي والحراوي، ثم الحسين التكريبي والأميوطي والباجي وأبو البقاء السبكي وكثير جدًّا غيرهم حتى بلغ من أخذ عنهم بمصر والقاهرة وضواحيها كإمبابة والجيزة وعلو الأهرام والجامع العمري وسرياقوس والخانقاه وبلبيس وسفط الحناء ومنية الرديني ما يزيد على أربعمائة شيخ، كل ذلك وشيخه يمده بالأجزاء والكتب والفوائد التي لا تنحصر، وبعد وفاة شيخه ابن حجر سافر إلى دمياط فسمع بها من بعض المسندين، وكتب عن نفر من المتأدبين، ثم توجه إلى البحر لأداء فريضة الحج، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وصحب معه والدته، فلقي غير واحد من الشيوخ أخذ عنهم في الطور وجدة وينبع، ووصل وأقام بها من شعبان إلى أن حج، وقرأ بها من الكتب والأجزاء ما لم يتهيأ لغيره من الغرباء، قرأ داخل البيت المعظم وبالحجر وعلو غار ثور وجبل حراء. كما قرأ بكثير من المشاهد المأثور بمكة وظاهرها كالجعرانة ومنى ومسجد الخيف على خلق، كأبي الفتح المراغي والزمزمي وابن؟؟؟ والأميوطي والشوائطي وأبي السعادات ابن ظهيرة وأبي حامد بن الضياء، وقرأ في المدينة قبل رجوعه تجاه الحجرة النبوية على البدر عبد الله بن فرحون، وبغيره من أماكنها على الشهاب أحمد بن النور المحلى وأبي الفرج المراغي، ورجع إلى القاهرة فأقام بها ملازمًا للسماع والقراءة والتحريج والاستفادة من الشيوخ والأقران، ثم ارتحل إلى منوف والإسكندرية وفيشا الصغرى، وسافر إلى دسوق ورشيد وفوه وأم دينار والمحلة وسمنود ومنية عساس ومنية ثابت والمنصورة وفارسكو ودنجية والطويلة ومسجد الخضر، ودخل دمياط وحصل في هذه الرحلة أشياء جليلة من الكتب والأجزاء والفوائد عن نحو خمسين نفسًا، ثم ارتحل إلى حلب، وسمع في طريقه إليها بسرياقوس وبلبيس والخانقاة وقطيا وغزة والمجدل والرملة وبيت المقدس والخليل ونابلس ودمشق وصالحيتها وبلادًا كثيرة في ذهابه إلى حلب وعودته منها من كثير من الشيوخ يقرب من مائة نفس، واجتمع له بالسماع والرواية ما يفوق الوصف، وشرع في التصنيف والتخريج قبل الخمسين، فصنف وخرج كثيرًا من الكتب في الحديث وعلومه وفي غيره من العلوم الأخرى، وذكر هذه المصنفات، والتخريجات في ترجمته لنفسه في الضوء اللامع، واستقر في تدريس الحديث بدار الحديث الكاملية عقب موت الكمال، ثم بالصرغتمشية عقب الأمين الأقصرائي، كما سبق أن درس بالظاهرية القديمة والبرقوقية والفاضلية، وتوفي رحمه الله بالمدينة المنورة يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان سنة اثنتين وتسعمائة، وصلى عليه بعد صبح الاثنين، ووقف بنعشه تجاه الحجرة النبوية الشريفة، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك1. 12- الحافظ جلال الدين السيوطي: أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب الخضرمي السيوطي الشافعي المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة، ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ثم حمل في حياة أبيه إلى الشيخ محمد المحذوب من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي بالقاهرة فبارك عليه، ونشأ يتيمًا فحفظ القرآن، قبل ثمان سنوات، ثم حفظ كثيرًا من كتب العلوم، وبدأ في الاشتغال فتعلم الفرائض، وأجيز بتعليم العربية ولازم البلقيني حتى مات، فلزم ولده فقرأ عليه وسمع منه وأجازه بالتدريس والإفتاء، ثم لازم شيخ الإسلام شرف الدين المناوي في الفقه، والشيخ تقي الدين الشبلي في الحديث والعربية حتى مات، ثم لازم الإمام يحيى الدين الكافيجي، وحضر على الشيخ سيف الدين الحنفي كثيرًا من الدروس، وشرع   1 الضوء اللامع ج8 ص1، والشذرات ج8 ص15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 في التصنيف فبلغت مؤلفاته حتى مات ما يزيد على أربعمائة وخمسين كتابًا، وقد رحل في طلب العلم إلى بلاد كثيرة منها الشام والحجاز واليمن وبلاد المغرب والهند، وعقد دروسًا في إملاء الحديث، ورزق التبحر في علوم سبعة هي: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة، وقد أخذ الحديث على كثير من الشيوخ تزيد عدتهم على مائة وخمسين شيخًا، قال عنه تلميذه الداودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا، وكان مع ذلك يملي الحديث، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالًا وغريبًا ومتنًا وسندًا واستنباطًا للأحكام منه، وقد أخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث، قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، تجرد للعبادة بعد الأربعين وانقطع لها وأعرض عن الدنيا وأهلها حتى كأنه لا يعرف منهم أحدًا، وبدأ يؤلف ويصنف وترك الإفتاء والتدريس، وأقام في روضة المقياس فلم يتحول عنها إلى أن مات في ليلة الجمعة التاسع عشر من جمادى الأولى بمنزله بروضة المقياس سنة إحدى عشرة وتسعمائة، بعد أن مرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر وكان سنة إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يومًا، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة1. 13- الشهاب القسطلاني: أحمد بن محمد بن أبي بكر الإمام العلامة الحجة الرحالة الفهامة المسند المحدث أبو العباس شهاب الدين القسطلاني المصري، ثم القاهري الشافعي، ولد في ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها، وأخذ عن ابن حجر وغيره، وكان من أزهد الناس في الدنيا، منقادًا إلى الحق، وكان حسن الأداء والصوت بتلاوة القرآن أقام عند النبي صلى الله عليه وسلم فحصل له جذب فصنف المواهب اللدنية بعد أن صحا، ووقف خصيًا كان معه لخدمة الحجرة النبوية، وكان يعتقد في الصوفية، حج غير مرة، ومن شيوخه الشيخ خالد الأزهري النحوي والفخر المقسي والجلال البكري وغيرهم، وأخذ بمكة عن جماعة منهم النجم بن فهد، وكان يعظ بالجامع الغميري وغيره ويجتمع عنده الجم الغفير من الناس، ولم يكن له نظير في ذلك، قال في النور: وبالجملة فإنه كان إمامًا حافظًا متقنًا جليل القدر، حسن التقدير والتحرير، لطيف الإشارة بليغ العبارة حسن الجمع والتأليف، توفي ليلة الجمعة سابع المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بالمدرسة العينية بجوار منزله2. 14- شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: زين الدين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، السنيكي ثم القاهري الأزهري الشافعي، قال في النور، ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة بالشرقية، ونشأ بها، وحفظ القرآن وعمدة الأحكام وبعض مختصر التبريز، ثم تحول   1 شذرات الذهب ج8 ص51، وحسن المحاضرة ج1 ص335. 2 الكواكب السائرة ج1 ص126، وشذرات الذهب ج8 ص121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين فقطن في الجامع الأزهر وكمل حفظ المختصر، ثم حفظ من كتب العلوم ومن بينها ألفية الحديث، ثم عاد إلى بلده وداوم الاشتغال وجد فيه، أخذ عن عدد من الشيوخ منهم القاياتي والعلم البلقيني والشرف السبكي والشمس الوفائي والحجازي والبدرشي والشهاب بن المجدي والبدر النسابة والزين البشنيجي والحافظ ابن حجر والزين رضوان في آخرين، وحضر دروس الشرف المناوي كما أخذ عن الكافيجي وابن الهمام وخلق، وأذن له غير واحد من شيوخه في الإفتاء والإقراء ومن بينهم شيخ الإسلام ابن حجر، وتصدى للتدريس في حياة شيوخه، وانتفع به الفضلاء طبقة بعد طبقة، وشرح عدة كتب، وألف ما لا يحصى كثرة، وتولى التدريس إلى أن رقي قاضيًا للقضاة بعد امتناع كثير في زمن الأشرف قايتباي، وظل كذلك إلى أن كف بصره، فلزم الإفتاء والتدريس والتصنيف، وانتفع به خلائق لا يحصون منهم ابن حجر الهيثمي الذي قال عنه في معجم شيوخه: وقدمت شيخنا زكريا لأنه أجل من وقع عليه بصري من العلماء العاملين، والأئمة الوارثين، فهو عمدة العلماء الأعلام، وحجة الله على الأنام، توفي رحمه الله بمكة ليلة السبت الثالث عشر من ربيع الثاني سنة خمس وعشرين وتسعمائة، ودفن بالمعلاة1. 15- زين الدين الحلبي: أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشماع الحلبي، ثم المصري الشافعي، الإمام العلامة المسند المحدث، ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبًا، واشتغل على محيي الدين بن الأبار والجلال النصيبي وغيرهما من علماء حلب، وأخذ الحديث عن التقي الحبشي الحلبي وغيره بحلب، ثم عن الجلال السيوطي والقاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة، وزادت شيوخه بالسماع على مائتين، وبالإجازة العامة دون السماع والإجازة الخاصة على مائة، وحج وجاور بمكة مرات، وسافر في طلب الحديث إلى حماة وحمص ودمشق وبيت المقدس وصفد والقاهرة وبلبيس والحرمين وغيرهما، وله مؤلفات كثيرة جيدة في الحديث وغيره، توفي رحمه الله في حلب صبح يوم الجمعة ثاني عشر صفر سنة ست وثلاثين وتسعمائة، ودفن تحت جبل الجوشن2. 16- الإمام عبد الرحيم العباسي: بن أحمد السيد الشريف العباسي الشافعي القاهري ثم الإسلامبولي، ولد في سحر يوم السبت رابع عشر شهر رمضان سنة سبع وستين وثمانمائة بالقاهرة، وأخذ بها العلم عن علمائها، فأول مشايخه الشمس النشائي، وأخذ عن يحيى الدين الكافيجي وأمين الدين الأقصرائي والمحب بن الشحنة وشرف الدين بن موسى بن عيد والبرهان اللقاني والسراج العبادي والشمس الجوجري والجلال البكري والشمس بن قاسم والفخر الديمي والبرهان بن ظهيرة والمحب بن الغرس البصروي، وسمع صحيح البخاري على المسندين العز الصحراوي وعبد الحميد   1 الكواكب السائرة ج1 ص196، شذرات الذهب ج8 ص134. 2 الكواكب السائرة ج2 ص224، وشذرات الذهب ج8 ص218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الحرستاني بالأزهر، وقرأه على البدر بن نبهان، ثم لازم آخرًا الرضي الغزي، قال في الشقائق، كانت له يد طولى وسند عال في علم الحديث، ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد والفرائد، وكان من مفردات العالم، صاحب خلق عظيم، وبشاشة وجه بسام، لطيف المحاورة، عجيب النادرة، متواضعًا متخشعًا أدبيًّا لبيبًا، ويبجل الصغير، ويوقر الكبير، وكان كريم الطبع، سخي النفس مباركًا مقبولًا، وكان بركة من الله في أرضه، شرح البخاري وأهداه إلى السلطان بايزيد فمنحه جائزة سخية، ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرئ فيها الحديث، فلم يرض ورغب في الذهاب إلى الوطن، ثم عاد إلى القسطنطينية بعد انقضاء دولة الغوري فأقام بها، وتوفي رحمه الله سنة ثلاث وستين وتسعمائة1. 17- ابن حجر الهيثمي: شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر نسبة إلى جد من أجداده -على ما قيل- كان ملازمًا للصمت فشبه بالحجر الهيثمي السعدي الأنصاري الشافعي الإمام العلامة البحر الزاخر، ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلة أبي الهيثم من إقليم الغربية بمصر ونسب إليها، ومات أبوه وهو صغير فكفله الإمامان الكاملان شمس الدين بن أبي الحمايل وشمس الدين الشناوي الذي نقله من محلة أبي الهيثم إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادئ العلوم، ثم نقله في سنة أربع وعشرين وتسعمائة إلى جامع الأزهر، وأخذ عن علماء مصر بعد أن كان قد حفظ القرآن في صغره، وممن أخذ منهم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والشيخ عبد الحق السنباطي والشمس المشهدي والشمس السمهودي والأمين الغمري والشهاب الرملي والطبلاوي وأبو الحسن البكري والشمس اللقاني الديروطي والشهاب بن النجار الحنبلي والشهاب بن الصائغ في آخرين وأذن له في الإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وبرع في علوم كثيرة من التفسير والحديث والكلام والفقه أصولًا وفروعًا والفرائض والحساب، وأخذ منه من أهل الشام جماعة منهم الشهب الثلاثة الغزي والأيدوني وابن الشيخ الطيبي، وأخذ عنه مشافهة البرهان بن الأحدب وخلق لا يحصون كثرة، قال ابن العماد في الشذرات: كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام، بحرًا لا تدركه الدلا، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملأ، صنف التصانيف المفيدة التي انتفع بها الخاص والعام، توفي رحمه الله في مكة في رجب سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، ودفن بالمعلاة في تربة الطبريين2. 18- الإمام الشعراني: الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي محمد بن ذوقا ولد بقرية أبي شعرة، ونشأ بها وقرأ على زين الدين المحلي، وعلى الشيخ نور الدين الجارحي المدرسي بجامع الغمري، وعلى الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري، قرأ عليه ما لا يحصى كثرة منها الكتب الستة، وعلى الشمس الدواخلي والنور السنهوري الضرير الإمام بجامع الأقمر،   1 الكواكب السائرة ج2 ص161، وشذرات الذهب ج8 ص335. 2 شذرات الذهب ج8 ص370، والكواكب السائرة ج3 ص111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 كما قرأ على الشهاب القسطلاني والأشموني والقاضي زكريا والشهاب الرملي وعلى غيرهم كثيرًا من التصانيف، وحبب إليه الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله، ومع ذلك لم يكن عنده جمود المحدثين، ولا لدونة النقلة، بل هو فقيه النظر، صوفي الخبر، له دربة بأقوال السلف، ومذاهب الخلف، وكان رحمه الله آية من آيات الله في العلم والتصوف والتأليف، توفي رحمه الله سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، ودفن بجانب زاويته بين السورين1. 19- العلامة المناوي: محمد تاج الدين المدعو عبد الرءوف المناوي الحدادي شارح الجامع الصغير بكتابه المسمى فيض القدير، ذكره صاحب البدر الطالع وصاحب كشف الظنون، ولم نقف له على ترجمة مفصلة نتعرف منها على شخصيته إلا ما يظهر من خلال مؤلفاته التي أوردنا لبعضها دراسة في هذا البحث بين كتب الترغيب والترهيب وكتب الجوامع، وقد اختلف في تاريخ وفاته، فذكر أنه توفي سنة تسع وعشرين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة خمس وثلاثين وألف للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام2.   1 شذرات الذهب ج8 ص372، والكواكب السائرة ج3 ص176. 2 هدية العارفين ج5 ص10، والبدر الطالع ج1 ص357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث ... الإنتاج العلمي في الحديث: ما عرف منه للمشاهير من أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن العاشر: نتناول في هذا الفصل سرد ما أسعفتنا به المراجع مما أنتجه المشاهير من أعلام مصر في الحديث، في الفترة التي تبدأ بعام ست وخمسين وستمائة، ذلك العام الذي سقطت فيه بغداد على أيدي التتار، وتنتهي بوفاة المناوي عام واحد وثلاثين وألف للهجرة، وربما اندرج في هذه المؤلفات ما كانت مادته غير أصيلة في دراسة الحديث، وربما ند منها ما كان متصلًا بهذه الدراسة، ومرد ذلك إلى عزة الحصول على هذه المؤلفات لمعرفة الصلة بين موضوعها وبين الدراسات الحديثية، ولكننا نبذل وسعنا في إيراد ما اخترناه منها اعتمادًا على أنها اهتمامات لأعلام المحدثين في مصر، وأن أسماءها توحي بالصلة بينها وبين ما نحن بصدده من دراسات في السنة. وسوف يكون ترتيب هذه المؤلفات بإذن الله بعزوها إلى مؤلفيها ترتيبًا زمنيًّا على النحو الذي أوردنا عليه تراجم المؤلفين في الفصلين الثالث والرابع من هذا الباب. وليس معنى إيرادنا لهذه المؤلفات أنها وحدها الإنتاج المصري في علوم الحديث في هذه الفترة، وإنما نوردها لأنها لبعض هؤلاء الذين ترجمنا لهم من بين أعلام المحدثين فيها وهم كثير، فقد حفلت كتب التراجم وتصانيف السنة بكثير من المؤلفات لغير هؤلاء المشاهير في تلك الفترة، كما امتلأت صفحاتها بالعديد منها في غير هذه الفترة مما صنفه الفحول من علماء السنة المصريين وكانت أساسًا للدراسات الحديثية في مصر وفي غيرها من البلدان، وسنتناول بالدراسة بعض هذه الكتب الشهيرة بعون الله. وفيما يلي بيان بأسماء المؤلفين وما اشتهر من مؤلفاتهم في الحديث في هذه الفترة. 1- الحافظ زكي الدين المنذري أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة الإمام العلامة المتوفى سنة 656هـ1 ومن مؤلفاته: - الإعلام بأخبار شيخ البخاري محمد بن سلام. - الأمالي في الحديث. - الترغيب والترهيب، وهو مطبوع. - التكملة في وفيات النقلة ذيلًا على وفيات ابن المفضل، وهو مخطوط توجد أجزاء منه بمكتبة البلدية بدار الكتب المصرية.   1 شذرات الذهب ج5 ص277، وهدية العارفين ج5 ص586. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 - الفوائد السفرية في الحديث. - كفاية المتعبد وتحفة المتزهد في الحديث، وهو مطبوع ضمن الرسائل المنيرية. - مختصر مسلم، وله نسختان في دار الكتب رقم 19661ب، 23518 ب من المخطوطات. - مختصر سنن أبي داود، وله عليه حواش مفيدة، وهو مطبوع. - المعجم المترجم. 2- الصدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن عمروك النيسابوري ثم الدمشقي نزيل مصر المتوفى سنة 656هـ1. ومن مؤلفاته: - أربعي البلدان. - ذيل على تاريخ دمشق لابن عساكر. 3- الرشيد العطار الإمام الحافظ رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله الأموي النابلسي ثم المصري المالكي المتوفى سنة662هـ2. ومن مؤلفاته: - تحفة المستزيد في الأحاديث الثمانية الأسانيد. - غرر الفوائد المجموعة، في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة. 4- الأسعردي أبو القاسم عبيد بن محمد بن عباس بن محمد، المتوفى سنة 692هـ3. ومن مؤلفاته: - السر المصون فيما يقال عند فتح الحصون. 5- ابن الظاهري جال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفي الحافظ المزاهد المتوفى سنة696هـ4. ومن مؤلفاته: - الأربعين البلدانية. - أجزاء في الحديث. 6- ابن دقيق العيد الإمام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المتوفى سنة 702هـ5. وله: - الإلمام في الحديث.   1 هدية العارفين ج5 ص282، وشذرات الذهب ج5 ص274. 2 هدية العارفين ج6 ص523، وشذرات الذهب ج5 ص311. 3 هدية العارفين ج5 ص645، وشذرات الذهب ج5 ص421. 4 هدية العارفين ج5 ص101، وشذرات الذهب ج5 ص435. 5 هدية العارفين ج6 ص140، شذرات الذهب ج6 ص5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 - الإمام شرح الإلمام. - الاقتراح في أصول الدين وعلوم الحديث. - شرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، وهو مطبوع. - أربعين السباعيات. - الأربعين في الرواية عن رب العالمين. - الأحكام في شرح أحاديث سيد الأنام. 7- الدمياطي أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الشافعي الدمياطي المتوفى سنة 705هـ1 وله: - سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. - كشف المغطى في فضل الصلاة الوسطى. - المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح. - معجم الشيوخ "وهو في نحو خمسين ومائتين وألف شيخ". 8- الحارثي قاضي القضاة سعد الدين أبو محمد مسعود بن أحمد العراقي ثم المصري المتوفى سنة 711هـ2. وله: - شرح سنن أبي داود. - أمالي الحارثي في الحديث والتراجم. 9- الإمام أبو الفتح ابن سيد الناس الحافظ محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري المتوفى سنة 734هـ3. وله: - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير "السيرة الكبرى" مطبوع. - نور العيون في تلخيص سيرة الأمين المأمون "وهي اختصار عيون الأثر". - شرح قطعة من كتاب الترمذي إلى كتاب الصلاة.   1 هدية العارفين ج5 ص631، شذرات الذهب ج6 ص12. 2 هدية العارفين ج6 ص429، شذرات الذهب ج6 ص29. 3 شذرات الذهب ج6 ص108، وكشف الظنون ج2 ص1183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 10- القطب الحلبي مفيد الديار المصرية وشيخها الحافظ قطب الدين أبو علي عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحنفي، المتوفى سنة735هـ1. وله: - الأربعين التساعيات. - الأربعين البلدانيات "البلديات". - الأربعين المتباينات. - شرح صحيح البخاري "ولم يكمل". - الاهتمام بتلخيص كتاب الإلمام في أحاديث الأحكام. - تاريخ مصر مرتب على الأسماء في بضعة عشر مجلدًا. 11- أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي شهاب الدين أبو الحسن محدث مصر المتوفى سنة 749هـ2 وله: - الأحاديث العوالي والفوائد المستخرجة من سماعات الواني. - عمدة الفاضل في اختصار الكامل المستقاة من ذيل تاريخ بغداد. - تخريج أحاديث الرافعي "لم يكمل". 12- تقي الدين السبكي أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى السبكي المتوفى سنة 756هـ3. وله: - إبراز الحكم من حديث: "رفع القلم". - أجوبة الأسئلة الحديثة من الديار المصرية. - ضياء المصابيح في مختصر مصابيح السنة. - الكلام على حديث: "إذا مات ابن آدم". - الإيمان الجلي في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. 13- الزيلعي جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الحنفي المتوفى سنة 762هـ4. وله: - تخريج أحاديث الكشاف. - تخريج أحاديث الهداية، وهو مطبوع.   1 هدية العارفين ج5 ص610، وشذرات الذهب ج6 ص110. 2 هدية العارفين ج5 ص110، وطبقات الحفاظ ص523 والدرر الكامنة ج1 ص116. 3 هدية العارفين ج5 ص720، وشذرات الذهب ج6 ص180. 4 الدرر الكامنة ج2 ص417، والبدر الطالع ج1 ص402. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 14- مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحنفي التركي الحافظ علاء الدين، المتوفى سنة 762هـ1. - الإشارة إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتاريخ من بعده من الخلفا. - إصلاح ابن الصلاح في علوم الحديث. - الإعلام لسنة النبي عليه السلام في شرح سنن ابن ماجه في خمس مجلدات. - التلويح في شرح الجامع الصحيح للبخاري. - زوائد ابن حبان على الصحيحين. - الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. - شرح سنن أبي داود. - ذيل المؤتلف والمختلف. - ذيل على تهذيب الكمال، يوجد منه أجزاء بدار الكتب بالمخطوطات رقم 15 مصطلح. - ذيل على ابن نقطة في المشتبه. 15- الهكاري أحمد بن أحمد بن أحمد بن الحسين شهاب الدين أبو الحسين المتوفى سنة 763هـ2 وله: - رجال الصحيحين. 16- العز بن جماعة الإمام الحافظ عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني المصري، المتوفى سنة 767هـ3 وله: - التساعيات في الحديث. - سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مختصرة. - تخريج أحاديث الرافعي. 17- ابن سند محمد بن موسى بن سند شمس الدين أبو العباس المصري، المتوفى سنة 792هـ4 وله. - الأربعين المتباينة. - تذييل على العبر للذهبي بعد ذيل الحسيني.   1 هدية العارفين ج6 ص467، الدرر الكامنة ج5 ص122. 2 الدرر الكامنة ج1 ص104 وأرخه سنة 763هـ وهدية العارفين ج5 ص112. 3 هدية العارفين ج5 ص582 والشذرات ج6 ص208 والبدر الطالع ج1 ص359. 4 الدرر الكامنة ج5 ص40 والشذرات ج6 ص326. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 18- ابن الملقن عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله السراج الأنصاري الأندلسي التكروري الأصل المصري المتوفى سنة 804هـ1 وله: - الإعلام في شرح عمدة الأحكام في ثلاث مجلدات: - إيضاح الارتياب في معرفة ما يشتبه ويتصحف من الأسماء والأنساب والألفاظ والألقاب الواقعة في تحفة المحتاج إلى أحاديث المنهاج. - المحرر في تخريج أحاديث المهذب "لأبي إسحاق" في مجلدين. - تذكرة في علوم الحديث. مخطوط بدار الكتب رقم 22608ب. - ترجمان شعب الإيمان. - حدائق الحقائق في الحديث. - شرح الأربعين للنووي. - شرح زوائد جامع الترمذي على الصحيحين وأبي داود: - البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير "شرح الوجيز للغزالي". - خلاصة البدر المنير في مجلدين. - المنتقى من خلاصة البدر المنير في مجلد. - تلخيص الوقوف على الموقوف. - شواهد التوضيح في شرح الجامع الصحيح للبخاري. - طبقات المحدثين. - العدة في معرفة رجال العمدة. - غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم. - ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجه. - زوائد مسلم على البخاري في أربعة أجزاء. - زوائد أبي داود على الصحيحين في مجلدين. - زوائد الترمذي على الثلاثة. - زوائد النسائي على الأربعة. - زوائد ابن ماجه على الخمسة في ثلاث مجلدات "ولعله هو ما تمس إلى الحاجة ذكره".   1 هدية العارفين ج5 ص791، والبدر الطالع ج1 ص508، وشذرات الذهب ج7 ص44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 - نزهة العارفين من تواريخ المتقدمين وإكمال تهذيب الكمال. - مختصر الوقوف على الموقوف. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25929ب. - شرح منهاج الطالبين ... مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23009ب. - شرح مختصر الوجيز ... مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23233ب. - تلخيص المغني عن الحفظ من الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25929ب. - تذكرة الأحبار بما في الوسيط من الأخبار في مجلد. - كتاب عدد الفرق. - تخريج أحاديث مختصر المنتهى لابن الحاجب في جزء. 19- البلقيني عمر بن رسلان بن نصير بن شهاب بن عبد الخالق أبو حفص البلقيني المصري المتوفى سنة 805هـ1. وله: - شعب الإيمان. - العرف الشذي في شرح جامع الترمذي "لم يكمل". - الفيض الجاري على الجامع الصحيح للبخاري. - محاسن الاصطلاح في تحسين ابن الصلاح. مطبوع. - فروق البلقيني مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25597ب. 20- العراقي الحافظ الكبير الإمام زين الدين عبد الرحيم بن الحسين أبو الفضل العراقي المتوفى سنة 806هـ2 وله: - قرة العين بالمسرة بوفاء الدين ... مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23180ب. - نظم الاقتراح للمنفلوطي في الحديث. - ألفية العراقي في أصول الحديث ... مطبوع. - تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد ... مطبوع مع شرحه. - طرح التثريب في شرح التقريب3 ... مطبوع. - التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح ... مطبوع.   1 هدية العارفين ج5 ص792 والشذرات ج7 ص51 والبدر الطالع ج1 ص506. 2 هدية العارفين ج5 ص562 والشذرات ج7 ص55 والبدر الطالع ج1 ص354. 3 وهذا الكتاب من عمله بمشاركة ولده أبي زرعة العراقي المتوفى سنة826هـ كما سنوضح ذلك في دراسة الكتاب الباب الثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 - ذيل الذيل لوفيات الأعيان لابن خلكان. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ... مطبوع. - المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحيا من الأخبار. مطبوع. - إكمال شرح الترمذي لابن سيد الناس "كتب منه تسع مجلدات" وشرع فيه من حيث انتهى ابن سيد الناس بكتاب الصلاة مخطوط بدار الكتب المصرية. - نظم الدرر السنية في السير الزكية. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23052ب. 21- الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر الهيثمي المتوفى سنة 807هـ1. وله: - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث في مجلد. - زوائد المعجمين الأصغر والأوسط للطبراني. - مورد الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان. مطبوع. - ترتيب كتاب الثقات لابن حبان. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 37 مصطلح الحديث. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد في زوائد الكتب الستة. مطبوع. 22- الأفقهسي صلاح الدين خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن المصري المتوفى سنة 821هـ2. وله: - تخريج المتباينات في الحديث. - تخريج أحاديث الفقهاء الشافعية. 23- الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي المصري المتوفى سنة 826هـ3. وله: - الأمالي في الحديث. - أخبار المدلسين.   1 هدية العارفين ج5 ص727 شذرات الذهب ج7 ص70. 2 هدية العارفين ج5 ص353 وشذرات الذهب ج7 ص150. 3 هدية العارفين ج85 ص123 والبدر الطالع ج1 ص72 والشذرات ج7 ص173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 - الأربعين في الجهاد بدون الإسناد. - تحفة التحصيل في ذكر ذوات المراسيل. - الجواهر البهية شرح الأربعين النووية. - شرح تقريب الأسانيد المسمى طرح التثريب مشاركة مع والده العراقي. - شرح نظم الاقتراح لوالده في الحديث. - كتاب ما ضعف من أحاديث الصحيحين والجواب عنه. - المستفاد من مبهمات المتن والإسناد. - المهمات في الأسماء المهمة الواقعة في متون الأحاديث والأسانيد. - نكت على مختصرات الثلاثة في الحديث. 24- البوصيري شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن قايماز الكناني البوصيري القاهري أبو العباس المتوفى سنة 840هـ1. وله: - زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الأصول الستة. تحت الطبع. - تحفة الخيرة بزوائد المسانيد العشرة. - زوائد السنن الكبير للبيهقي. - تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب "لم يبيضه". - زوائد نوادر الأصول للحكيم الترمذي. 25- الحافظ ابن حجر العسقلاني شيخ الإسلام شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن علي بن حجر الكتاني العسقلاني ثم المصري المتوفى سنة 8532هـ2. وله: - إتحاف المهرة بأطراف العشرة "أعني الكتب الأصول الستة والمسانيد الأربعة". - الإتقان في فضائل القرآن. - الإصابة في تمييز الصحابة. مطبوع. - أطراف الصحيحين "البخاري ومسلم". - أطراف المختارة.   1 هدية العارفين ج5 ص124 والشذرات ج7 ص233. 2 هدية العارفين ج5 ص128 والضوء اللامع ج2 ص36 والشذرات ج7 ص270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 - إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي. - الإعلام بمن ذكر في البخاري من الأعلام. - الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام. - الإفصاح بتكميل النكت على ابن الصلاح في شرح علوم الحديث. - ألقاب الرواة. - الأمالي. - الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع. - إنباه الغمر في أبناء العمر في التاريخ والتراجم. مطبوع. - الانتفاع بترتيب الدارقطني على الأنواع. - الأنوار بخصائص المختار. - البداية والنهاية في التاريخ. - بلوغ المرام من أحاديث الأحكام. مطبوع. - تبصرة المنتبه في تحرير المشتبه "أي مشتبه الأسماء". مطبوع. - تبيين العجب بما ورد في فضل رجب. - تحرير الميزان في مختصر ميزان الاعتدال للذهبي. - تحفة أهل التحديث عن شيوخ الحديث. - تخريج الأربعين النووية. - تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس. - تعجيل المنفعة بزوائد الأئمة الأربعة. مطبوع. - تعريف الأوحد بأوهام من جمع رجال المسند. - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس. مطبوع. - تعريف الفئة فيمن عاش من هذه الأمة مائة. - تعقبات على الموضوعات "موضعات ابن الحزري". - تعليق التعليق. - تقريب التهذيب في أسماء الرجال. مطبوع. - تقريب التقريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 - تقريب المنهج في ترتيب المدرج. - توضيح المشتبه للأزدي في الأنساب. - التوفيق في وصل التعليق. - الخصال الواردة بحسن الاتصال. - الدراية في منتخب أحاديث الهداية للرغبيناني في فروع الحنفية. - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. مطبوع. - رجال الأربعة "رجال الحديث". - رفع الأصر عن قضاة مصر. - الزهر المطلول في معرفة المعلول. - السبعة السيارة النيرات في سبع أسئلة عن السيد الشريف في مباحث الموضوع. - شفاء الغلل في بيان العلل. - فتح الباري شرح صحيح البخاري. مطبوع. - فضائل شهر رجب. - فوائد الاحتفال في أحوال الرجال المذكورة في البخاري زيادة على تهذيب الكمال. - الفوائد الجمة فيمن يجدد الدين لهذه الأمة. - القصارى في الحديث. - القصد الأحمد فيمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد. - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد. مطبوع. - الكاف الشاف في تحرير أحاديث الكشاف. - لذة العيش بجمع طرق حديث الأئمة من قريش. - لسان الميزان في اختصار ميزان الاعتدال "أيضًا". مطبوع. - المجمع المؤسس للمعجم المفهرس في أسامي شيوخ ابن حجر. - المطالب العالية بزوائد المسانيد التمانية. مطبوع. - المقترب في بيان المضطرب في الحديث. - نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار للنووي. - نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر في أصول الحديث. مطبوع. - نزهرة الألباب في الألقاب. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 166 مصطلح الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر. - هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة. - هدي الساري لمقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري. 26- الإمام العيني بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمد وأبو الثناء بن الشهاب العينتابي ثم القاهري المتوفى سنة855هـ1 وله: - تاريخ البدر في أوصاف أهل مصر. - شرح قطعة من سنن أبي داود. - عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان. - عمدة القاري في شرح الجمع الصحيح للبخاري. مطبوع. - كشف اللثام في شرح سيرة ابن هشام. - مغاني الأخبار في رجال معاني الآثار. مخطوط بدار الكتب المصرية برقمي 72، 18م. - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار شرح معاني الآثار. - كتاب في المواعظ والرقائق في ثماني مجلدات. - معجم شيوخ العيني. - مختصر الفتاوى الظهيرية. - مختصر تاريخ ابن خلكان. - تحفة الملوك في المواعظ. 27- العلامة زين الدين قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله الجمال المصري زين الدين المتوفى سنة 879هـ2. وله: - تخريج أحاديث الاختيار في جزأين: - الإيثار برجال شرح معاني الآثار للطحاوي في مجلد. - تصحيح مختصر القدوري. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 22591ب. - شرح فرائض كتاب "مجمع البحرين" لابن الساعاتي. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 22587ب.   1 هدية العارفين ج6 ص420 والشذرات ج7 ص286 والبدر الطالع ج2 ص294. 2 هدية العارفين ج5 ص830 والشذرات ج7 ص326 والبدر الطالع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 - شرح قصيدة غرامي صحيح لابن فرح الإشبيلي. مخطوط بدار الكتب المصرية 68 مجاميع. - تاج التراجم في طبقات الحنفية ... مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 7367ب. - حواش على شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر العسقلاني. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 165 طلعت. - تخريج أحاديث البزدوي في الأصول في مجلد. - تخريج أحاديث الفرائض في مجلد. - تخريج أحاديث شرح القدوري للأقطع في مجلد. - ثقات الرجال في أربع مجلدات. - شرح منظومة ابن الجوزي في علم الحديث المسماه بالهداية في مجلدين. - إتحاف الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء. - أسئلة الحاكم للدارقطني. - الاهتمام الكلي بإصلاح ثقات العجلي. - بغية الراشد في تخريج أحاديث شرح العقائد "النسفية". - ترصيع الجوهر النقي في تلخيص سنن البيهقي. - تعليقة على شرح نخبة الفكر لتقي الدين الشمسي. - شرح مصابيح السنة للبغوي. - كتاب فيمن روى عن أبيه وجده. - معجم الشيوخ. - منية الألمعي فيما مات من تخريج أحاديث الهداية للزيلعي. - نزهة الرائض في أدلة الفرائض. - حاشية على شرح الألفية للعراقي. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 798 مجاميع طلعت. - الأربعين في أصول الدين. - ترتيب مسند أبي حنيفة لابن المقري، وتبويبه للحارثي. - الأمالي على مسند أبي حنيفة في مجلدين. - الموطأ برواية محمد بن الحسن. - مسند عقبة بن عامر الصحابي. - عوالي كل من أبي الليث والطحاوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 - تعليق مسند الفردوس. - زوائد رجال كل من الموطأ ومسند الشافعي وسنن الدارقطني على الستة. - تقويم اللسان في الضعفاء في مجلدين. - حاشية على كل من المشتبه والتقريب لابن حجر. - كتاب تراجم مشايخ شيوخه ومشايخ شيوخ العصر. 28- الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي الأصل القاهرة المولد المتوفي سنة902هـ1. وله: - الأجوبة المرضية فيما سئل عنه من الأحاديث النبوية. - الأحاديث البلدانيات. - الأحاديث الصالحة في المصافحة. - الأحاديث المتباينة المتون والأسانيد. - ارتضاء الظرف في أربعين حديثًا. - أقرب الوسائل إلى الشمائل "حاشية". - الانتهاض في ختم الشفا للقاضي عياض. - الانتهاض في شرح الشفا للقاضي عياض. - الاهتمام بترجمة الكمال بن الهمام. - إيضاح الرشد من الغي، في الكلام على حديث حبب من دنياكم إلي. - الإيضاح في شرح الاقتراح للمنفلوطي في الحديث. - بذل المجهود لختم سنن أبي داود. - بذل الهمة في أحاديث الرحمة. - بغية الراغب المتمني في ختم سنن أبي داود رواية ابن السني. - بغية الراوي فيمن أخذ عن السخاوي. - بغية العلماء والرواة في ذيل الطبقات لابن الحزري. - البغية في تخريج أحاديث الغنية. - بلوغ الأمل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل. - تاريخ المحيط.   1 هدية العارفين ج6 ص219 والشذرات ج8 ص15 والبدر الطالع ج2 ص184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 - تحرير المقال في الكلام على حديث كل أمر ذي بال. - تحرير الميزان. - التحفة المنيفة في أحاديث أبي حنيفة. - تخريج أحاديث العالين لأبي نعيم. - تخريج الأربعين النووية. - جامع أمهات المسانيد. - الجواهر المكللة بالأحاديث المسلسلة. - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 11470ح. - دفع الالتباس في ختم سيرة ابن سيد الناس. - استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم وذوي الشرف، مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 8049ح. - أسئلة سئل عنها السخاوي وأجاب عنها. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 21220ب. - الألقاب والكنى والنسبة. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 8046ج. - تلخيص المقاصد الحسنة. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25357ب. - التوضيح الأسر لتذكرة ابن المقلن في علم الأثر. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23244ب. - ذيل على دول الإسلام للذهبي. - ذيل رفع الإصر عن قضاة مصر. - الرأي المصيب في المرود على الترغيب. - رجحان الكفة في مناقب أهل الصفة. - الشافي من الألم في وفيات الأمم. - الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع. مطبوع. - طبقات المالكية. - عجالة الضرورة والحاجة عند ختم السنن لابن ماجه. - عمدة الأصحاب في معرفة الألقاب. - عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع للبخاري. - غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي. مطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 - الفوائد الجلية في الأسماء النبوية. - القول البار في تكملة تخريج ابن حجر للأذكار. - القول المرتقى في ترجمة البيهقي. - القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 20495ب. - القول المرتقى في ختم دلائل النبوة للبيهقي. - القول المعتبر في ختم النسائي برواية ابن حجر. - القول المفيد في إيضاح شرح العمدة لابن دقيق العيد. - الكلام على حديث الخاتم. - اللفظ النافع في ختم كتاب الترمذي الجامع. - ما في البخاري من الأذكار والإرشاد والموعظة لزاعم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في اليقظة. - معجم الشيوخ. - المقاصد الحسنة في كثير من الأحاديث المهشورة على الألسنة. مطبوع. - المنهل العذب الروي في ترجمة النووي. - نظم اللآل في حديث الأبدال. 29- الحافظ جلال الدين السيوطي أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر الشافعي المسند المحقق المتوفى سنة 911هـ1 وله: - زاد المسير في الفهرست الصغير. مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 80. - كشف المغطى في شرح الموطا. - إسعاف المبطأ برجال الموطأ ... مطبوع. - التوشيح على الجامع الصحيح للبخاري. - الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج. - مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود.   1 هدية العارفين ج5 ص534 والشذرات ج8 ص51 والبدر الطالع ح1 ص328 وحسن المحاضرة ج1 ص340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 - مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه. - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي. مطبوع. - شرح ألفية العراقي في الحديث. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23234ب. - نظم الدرر في علم الأثر. - قطر الدرر أو البحر الذي زخر في شرح نظم الدرر. - التهذيب في الزوائد على التقريب. - عين الإصابة في معرفة الصحابة مختصر أسد الغابة. - كشف التلبيس عن قلب أهل التدليس. - توضيح المدرك في تصحيح المستدرك. - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. مطبوع. - النكت البديعات على الموضوعات. - الذيل على القول المسدد. - القول الحسن في الذب عن السنن. - لب الألباب في تحريح الأنساب. مطبوع. - تقريب الغريب في الحديث. - المدرج إلى المدرج. - تذكرة المؤتسي بمن تحدث ونسي. - تحفة النابة بتخليص المتشابه. - الروض المكلل والورد المعلل في المصطلح. - منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال. - المعجزات والخصائص النبوية. - شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور. - البدور السافرة عن أمور الآخرة. - ما رواه الواعون في أخبار الطاعون. - فضل موت الأولاد. - إعراب الحديث أو عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد ... مخطوط بدار الكتب المصرية برقمي 19696ب، 24125ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 - التنقيح في مسألة التصحيح. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 574 طلعت. - خصائص يوم الجمعة. مطبوع في الرسائل المنيرية. - منهاج السنة ومفتاح الجنة. - تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش. - بزوغ الهلال في الخصال الموجبة للظلال. - مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة. - مطلع البدرين فيمن يؤتى أجرين. - سهام الإصابة في الدعوات المجابة. - الكلم الطيب. - القول المختار في المأثور من الدعوات والأذكار. - أذكار الأذكار مختصر حلية الأبرار. - الطب النبوي. مطبوع. - كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة. - الفوائد الكامنة في إيمان السيدة آمنة. - المسلسلات الكبرى. - جياد المسلسلات. - أبو السعادة في أسباب الشهادة. مخطوط بدار الكب المصرية برقم 21839ب. - أخبار الملائكة. - الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة. - مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا. مطبوع. - الأساس في مناقب بني العباس. - در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة. - زوائد شعب الإيمان للبيهقي. - لم الأطراف وضم الأتراف. - إطراف الأشراف بالإشراف على الأطراف. - جامع المسانيد. - الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 - الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة. مطبوع. - تخريج أحاديث الدرة الفاخرة. - تجربة العناية في تخريج أحاديث الغاية. - الحصر والإشاعة لأشراط الساعة. - البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 10 حليم. - ألفية السيوطي في المصطلح. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 278. - الدرر المنتثرة في الأحاديث المشهورة. - زوائد الرجال على تهذيب الكمال. - الدر المنظم في الاسم المعظم. - جزء في أسماء المدلسين. - جزء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. - ريح النسرين فيمن عاش من الصحابة مائة وعشرين. - اللمع في أسماء من وضع. - الأربعون المتباينة. - درر البحار في الأحاديث القصار. - الرياضة الأنيقة في شرح أسماء خير الخليفة. - المرقاة الجلية في شرح الأسماء النبوية. - الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء. - أربعون حديثًا من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر. - فهرست الروايات. - بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد. - أزهار الآكام في أخبار الأحكام. - الهبة السنية في الهيئة السنية. - تخريج أحاديث شرح العقائد. - فضل الجهاد. - الكلام على حديث ابن عباس. احفظ الله يحفظك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 - أربعون حديثًا في فضل الجهاد. - أربعون حديثًا في رفع اليدين في الدعاء. - التعريف بآداب التأليف. - الكواكب الساريات في الأحاديث العشاريات. - القول الأشبه في حديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه". - كشف النقاب عن الألقاب. - من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة. - ذم زيارة الأمراء. - زوائد نوادر الأصول للحكيم الترمذي. - فلق الصباح في تخريج أحاديث الصحاح. - اللمع في أسباب الحديث. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 35 مجاميع. - تشييد الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 12 تيمور. - ذم المكس. - آداب الملوك. - الأحاديث المنيفة في السلطنة الشريفة. - الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان. - إحياء الميت بفضائل أهل البيت. - الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة. - الأدب المفرد في الحديث. - أسباب الحديث. - الجامع الكبير أو جمع الجوامع في الحديث. "مطبوع". - الجامع الصغير في حديث البشير النذير. "مطبوع". - إسعاف الطلاب من مختصر الجامع الصغير بترتيب الشهاب. - نظم العقيان في أعيان الأعيان. - إغاثة المستغيث في حل بعض مشكلات الحديث. - تحفة الآثار في الأدعية والأذكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 - التحفة الظريفة في السيرة الشريفة. - تخريج أحاديث المواقف في الكلام. - التعليقة المنيفة على مسند أبي حنيفة. - تلخيص الأربعين لابن حجر في المتباين. - تنوير الحوالك على موطأ مالك "مطبوع". - ثلج الفؤاد في أحاديث لبس السواد. - حاطب ليل وجارف سيل في معجم الشيوخ. - حسن التعهد في أحاديث التسمية والتشهد. - حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة. "مطبوع". - الحكم المشتهرة من عدد الحديث من الواحد إلى العشرة. - الدر النثير في تلخيص النهاية لابن الأثير. - القدود الحسان في البعث ونعيم الجنان. - ذيل الإنباه عن قبائل الرواة لابن حجر. - رسالة في أسماء المدلسين. - رسالة في حدود الحديث. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 431 مجاميع طلعت. - الزوائد على المال في معرفة الرجال. - شافي العي على مسند الشافعي. - شد الرحال في ضبط الرجال. - طبقات التابعين. - طبقات الحفاظ "مطبوع". - عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد. - عين الإصابة فيما استدركت عائشة على الصحابة. - الفانيد في حلاوة الأسانيد "رسالة" مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 362 مجاميع تيمور 416 مجاميع. - الفيض الجاري في طرق الحديث العشاري. - قطف الثمر في موافقات عمر، من الحاوي للفتاوى "مطبوع". - قوت المعتذي على جامع الترمذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 - القول الجلي في أحاديث الولي. من الحاوي للفتاوى. "مطبوع". - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. - الكوكب الساطع في شرح جمع الجوامع. - البدر المنير في شرح الجامع الصغير. - اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة. مخطوط بدار الكتب المصرية برقمي 23438ب و25929ب. - لباب النقول في أسباب النزول. - لباب النقول فيما وقع في القرآن من المعرب والمنقول. - مسند الصحابة الذين ماتوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. - مشتهى العقول في منتهى النقول. - مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة. "مطبوع". - الملتقط من الدرر الكامنة. - الغابة في آثار الصحابة. - منهاج السنة ومفتاح الجنة. - المنى في الكنى. - نثر الذائب في المفردات والغرائب. - نثر الهميان في وفيات الأعيان. - نشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير. - النصيحة فيما ورد من الأدعية الصحيحة. - نكت البديعيات على الموضوعات. 30- الشهاب القسطلاني أحمد بن محمد بن أبي بكر الإمام الحجة الرحالة المسند المحدث أبو العباس شهاب الدين القسطلاني المصري المتوفى سنة 923هـ1. وله: - إرشاد الساري في شرح الجامع الصحيح للبخاري. مطبوع. - تحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري. - كتاب الأنوار في الأدعية والأذكار. - اللوامع في الأدعية والأذكار الجوامع "مختصر الأنوار". - منهاج الابتهاج لشرح الجامع الصحيح لمسلم بن الحجاج "لم يكمل".   1 هدية العارفين ج5 ص139 وشذرات الذهب ج8 ص121 والبدر الطالع ج1 ص102، والكواكب السائرة ج1 ص126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 - النور الساطع في مختصر الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي. - منهاج الهداية إلى معالم الرواية. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23824ب. - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 21802ب. - مشارق الأنوار المضية في شرح الكواكب الدرية في مدح خير البرية للبوصيري. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 16208ز. 31- شيخ الإسلام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي المتوفى سنة 925هـ، وقيل: سنة 926هـ1. وله: - شرح الجامع الصحيح للبخاري. - تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي. - شرح صحيح مسلم بن الحجاج. - فتح الباقي بشرح ألفية العراقي. مطبوع. - غاية الوصول إلى شرح لب الأصول. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25301ب. - فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 2203ب. - ابن الشماع زين الدين عمر بن أحمد بن علي بن محمود أبو حفص المعروف بابن الشماع الحلبي نزيل القاهرة المتوفى سنة 936هـ2. وله: - مورد الظمآن في شعب الإيمان. - تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان "مختصر مورد الظمآن". - الدر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة. - العذب الزلال في فضائل الآل. - اللآلئ اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة. - المنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق. - عرف الند في المنتخب من مؤلفات ابن فهد. - الفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة.   1 هدية العارفين ج5 ص374 والشذرات ج8 ص134 والبدر الطالع ج1 ص425 والكواكب السائرة ج1 ص196. 2 هدية العارفين ج5 ص795 والشذرات ج8 ص218 والكواكب السائرة ج2 ص224. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 - المنتخب الرضي في مسند الشافعي. - إتحاف العابد الناسك بالمنتقى من موطأ مالك. - لقط المرجان من مسند النعمان. - الدر المنضد من مسند أحمد. - اليواقيت المكللة في الأحاديث المسلسلة. - القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي. - الجواهر والدرر في سيرة سيد الشر وأصحابه العشرة الغرر. - العباسي عبد الرحيم بن أحمد العبادي العباسي الشريف أبو الفتح المصري الشافعي المتوفى سنة963هـ1. وله: - شرح الجامع Results الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث - المنتخب الرضي في مسند الشافعي. - إتحاف العابد الناسك بالمنتقى من موطأ مالك. - لقط المرجان من مسند النعمان. - الدر المنضد من مسند أحمد. - اليواقيت المكللة في الأحاديث المسلسلة. - القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي. - الجواهر والدرر في سيرة سيد الشر وأصحابه العشرة الغرر. - العباسي عبد الرحيم بن أحمد العبادي العباسي الشريف أبو الفتح المصري الشافعي المتوفى سنة963هـ1. وله: - شرح الجامع الصحيح للبخاري. 34- ابن حجر الهيثمي شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المتوفى سنة 973هـ2 وله: - إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 26300ب. - الأربعين العدلية. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25929ب. - إتمام النعمة الكبرى على العالم بمولد سيد ولد آدم. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 3443ج. - إرشاد أهل الغنى والإناقة فيما جاء في الصدقة والضيافة. - إسعاف الأبرار شرح مشكاة الأنوار. - أسرع الوسائل إلى فهم الشمائل. - الدر المنضود في الصلاة على صاحب اللواء المعقود صلى الله عليه وسلم. - الزواجر على اقتراف الكبائر. مطبوع. - زوائد على سنن ابن ماجه. - الفتاوى الحديثية مطبوع. - فتح الإله في شرح المشكاة. - فتح المبين في شرح الأربعين للنووي. مطبوع.   1 هدية العارفين ج5 ص563 وشذرات الذهب ج8 ص335 والكواكب السائرة ج2 ص161. 2 هدية العارفين ج5 ص146 وشذرات الذهب ج8 ص371 والكواكب السائرة ج3 ص111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 - الفضائل الكاملة لذوي الولاية العادلة "أربعون حديثًا في العدل" مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 25929ب. - الإفصاح عن أحاديث النكاح.. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 24340ب. - تحذير الثقات من أكل الكفتة والقات. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 21614ب. - الأعلام بقواطع الإسلام. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23188ب وطبع. - الإفادة فيما جاء بالوصية والعيادة. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 24340ب. - الإفصاح عن أحاديث النكاح. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 24340ب. - الإيضاح والبيان لما جاء في ليلة الرغائب والنصف من شعبان. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 24340ب. - كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع. مطبوع. - الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان. مخطوط بدار الكتب المصريرة برقم 9678ج. - در الغمامة في الطيلسان والعمامة. مخطوط بدر الكتب المصرية برقم 24340ب. - الصواعق المحرق في الرد على أهل الضلالة والابتداع والرفض والزندقة. مطبوع. - قواطع الإسلام على المذاهب الأربعة. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 20079ب. - المناهل العذبة في إصلاح ما وهي من الكعبة. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 24340ب. - معجم ابن حجر الهيثمي. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 28م. - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 23321ب. - معدن اليواقيت الملتمعة في مناقب الأئمة الأربعة. 35- عبد الوهاب الشعراوي بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن ذوقا الشافعي المتوفى سنة 973هـ1. وله: - لواقح الأنوار القدسية المنتخب من الفتوحات المكية. - مختصر سنن البيهقي الكبرى. - لوائح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية. مخطوط بدار الكتب المصريرة برقم 1439 2ب. - الميزان ... مطبوع. - كشف الغمة عن جميع الأمة. مطبوع. - المنهج المبين في بيان أدلة المجتهدين.   1 هدية العارفين ج1 ص641 والشذرات ج8 ص372 والكواكب السائرة ج3 ص176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 - البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 26290ب. - مشارق الأنوار القدسية في العهود المحمدية. - فتح الوهاب في فضائل الآل والأصحاب. - لواقح الأنوار في طبقات السادة الأخيار. - المآثر والمفاخر في علماء القرن العاشر. - الفتح المبين في ذكر جملة من أسرار الدين. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 4331و. - المناوي زين الدين عبد الرءوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي الحدادي المصري المتوفى سنة 1031هـ1. وله: - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية. مطبوع. - بغية الطالبين لمعرفة اصطلاح المحدثين. - التيسير مختصر شرح الجامع الصغير. - الجامع الأزهر من حديث النبي الأنور صلى الله عليه وسلم. مطبوع مصور. - رفع النقاب عن كتاب الشهاب للقضاعي. - الروض الباسم في شمائل المصطفى أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. - شرح أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للسيوطي. - شرح الدرة السنية في نظم السيرة النبوية. - الصفوة في مناقب آل بيت النبوة. - الفتح السماوي بتخريج أحاديث البيضاوي. - فيض القدير في شرح الجامع الصغير للسيوطي. - كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق. - المجموع الفائق من حديث خاتم رسل الخلائق "في الأحاديث القصار". - المطالب العلية في الأدعية الزهية. - نتيجة الفكر في شرح نخبة الفكر لابن حجر في أصول الحديث. - اليواقيت والدرر في شرح نخبة الفكر أيضًا. مخطوط بدار الكتب المصرية برقمي 30م، 91 تيمور. - نخبة الكنور في سر الرموز في الحديث. - فتح الرءوف الجواد بشرح منظومة ابن العماد. مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 22967ب.   1 هدية العارفين ج5 ص510 والبدر الطالع ج1 ص357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الفصل الأول: قبل سقوط بغداد الدول الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه ... الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الفصل الأول: قبل سقوط بغداد نقصد بالمنهج في هذا المقام طريقة عرض السنة على طلابها في نواحيها المختلفة بأنواع علومها المتعددة، مسندة أو غير مسندة، مستوعبة لأبوابها أو مقتصرة على بعض هذه الأبواب، مقرونة ببيان قيمة الأحاديث كلا أو بعضًا أو غير مقرونة. وقد مرت السنة بأدوار متعددة في طريقها إلينا، وكان عصر الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وعصر كبار التابعين أول هذه الأدوار، ثم تلاهم من نقل السنة عن طريق الرواية أو التدوين جمعًا أو ترتيبًا وتهذيبًا، أو اختصارًا وتقريبًا على النحو التالي: الدور الأول: عصر الرواية المتثبتة ومنهجهم فيه 1 لم تكن السنة في القرن الأول مدونة في كتب، ولا مسطورة في أوراق، وإنما كانت مسجلة على صفحات القلوب، وكانت صدور الصحابة وكبار التابعين هي مهد التشريع ومصدر الفتيا، ومبعث الحكم والأخلاق، فقد عرف الصحابة والتابعون نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة شيء غير القرآن فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه مسلم. كان القرآن ينزل، وكان كتاب الوحي يكتبونه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو على أصحابه كتاب الله، ويحدثهم بالبيان عنه والتفسير لما جاء فيه، ولو أنه صرح لهم بالكتابة لكتبوا عنه ما يقول، وفيما يقوله قرآن وغير قرآن، فيختلط بالقرآن غيره، ويصعب التمييز بينهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا على حفاظ كتاب الله، ولا يؤمن بعد ذلك العهد أن بختلط القرآن بالسنة ويلتبس بها، وتكون فتنة كبرى لا يعلم مداها إلا الله. فهم الصحابة هذا المعنى الذي أشرت إليه، والذي رجحه كثير من العلماء، فكان امتناعهم عن تدوين السنة واعتمادهم على حفظها في الصدور، وحين كتب الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكتب إلا بإذن منه، وكان من بين ما كتبه صحيفته "الصادقة" التي رواها حفيده عمرو بن شعيب عن أبيه عنه وهي عنده من أصح الأحاديث وعدها بعض أئمة الحديث في درجة أيوب عن نافع عن ابن عمر، واحتج بها الأئمة الأربعة   1 تلخيص بتصرف عن مفتاح السنة ص15 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أقول: إن عبد الله بن عمرو حين كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصحيفة وغيرها مما رواه قد أمن على نفسه وعلى ما يكتب من تحقق علة النهي فيما فهمه الصحابة من الحديث الشريف. لقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة قبيل مرضه الذي مات فيه أن يكتبوا، وذلك بعد أن كاد يتم نزول القرآن، وأمن عليه من اللبس بالحديث، وكان إذنه صلى الله عليه وسلم خاصًّا ببعض الصحابة، ولكنهم رضوان الله عليهم وجهوا اهتمامهم إلى ما كتب من القرآن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فبادروا إلى جمعه في موضع واحد، وسموا ذلك المصحف واقتصروا عليه، ولم يفعلوا بالحديث مثل ما فعلوا بالقرآن، بل صرفوا همهم إلى نشره بالرواية؛ إما بنفس الألفاظ التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت لا تزال باقية في أذهانهم، أو بما يؤدي معناها إن غابت عنهم مع التنبيه إليه أحيانًا، فإن المقصود بالحديث هو المعنى غالبًا، أما القرآن فمقصود معناه ومبناه، لتعلق الإعجاز بألفاظه، ولذلك استحق أن يسجل بالكتابة خشية أن تنسى الألفاظ مع بعد العهد وطول الزمان، وتقييد السنة مباح ما أمن الاختلاط. إن القرآن وإن كان بدعًا في أسلوبه، فريدًا في نظمه، يمتاز على غيره بالإعجاز، إلا أن المسلمين في بداية عهدهم لم يكونوا قد مرنوا عليه، وقد كان النازل منه يسيرًا، ولم تكن ملكة التفرقة بينه وبين غيره قد تربت لديهم، فكان من الممكن أن يشتبه عندهم بغيره، ويختلط وحي يتلى بوحي لا يتلى، فكان لا بد من تمييز الوحي المتلو بالكتابة، حتى إذ مرن المسلمون على أسلوب القرآن، وطال عهدهم بسماعه وتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة أذن لبعضهم في كتابة الحديث لأمن اللبس. ولعل من دواعي النهي عن كتابة الحديث ثم الإذن فيها ما كان من قلة العارفين بالكتابة حينئذاك، فاقتضت الحكمة قصرهم على كتابة القرآن، فلما توافر عددهم أذن صلوات الله وسلامه عليه في كتابة الحديث. لكل هذه الدواعي أو لبعضها لم يتجه الصحابة إلى كتابة الحديث -كما سبق أن ذكرت- بل جعلوا أفئدتهم أوعية له، وألسنتهم أدوات لنقله وروايته، وكان علم الصحابة وكبار التابعين في الصدر الأول بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وائتمارهم بأمره وانتهاؤهم بنهيه أكبر من أن يسمح لمجموعهم بالنسيان بعد الحفظ، أو أن يندس بين المسلمين من يتقول على الرسول الكريم، وقد علموا ما أوعد الله به كاتم العلم، وما هدد به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقول عليه بما لم يقل، فبادروا إلى تبليغ ما عرفوه من حديثه ابتغاء للرحمة وخروجًا من التبعة، وسرعان ما كان ينتشر بين الجماهير ما بلغوه، فإن نسي بعضهم بعضًا منه فرب مبلغ أوعى من سامع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وما دام العهد قريبًا، وصوت النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال صداه يرن في آذانهم، وصورته الكريمة ماثلة أمامهم، فإن من البعيد في ذلك الوقت أن يضيع شيء من السنة أو يخفى على جمهرة المسلمين. كان الصحابة يتثبتون في رواية الحديث، فقد علموا أن من الحديث ما يحلل وما يحرم، وما يخطئ وما يصوب، وأن سبيل ذلك هو اليقين أو غلبة الظن، وكانت لهم نظرة فاحصة في الراوي والمروي وكان بعضهم لا يقبل من الحديث إلا ما عليه شاهد معضد، أو يمين حاسمة تميط لثام الشك عن وجه اليقين. كان الخليفة الأول أبو بكر الصديق أو المتثبتين في رواية الحديث، وكان أول من سن للمحدثين التثبت في النقل، روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أو تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بذلك، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه. وتبعه على التثبت في النقل عمر بن الخطاب، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب، روى الجربزي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع، فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثًا فلم يجب فليرجع 1 " قال: لتأتيني على ذلك ببينه أو لأفعلن بك، فجاء أبو موسى منتقعًا لونه ونحن جلوس فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم كلنا سمعه، فأرسلوا معه رجلًا متهم حتى أتى عمر فأخبره. وهذا علي رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه محدث استحلفته فإن حلف لي صدقته، وأن أبا بكر حدثني وصدق أبو بكر. ومن هنا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلون من الرواية عنه خشية أن يدخلوا في الحديث ما ليس منه -سهوًا أو خطأ- فيتعرضوا لشيء من وعيد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أولئك الزبير وأبو عبيدة والعباس بن عبد المطلب، وكانوا ينكرون على من يكثر من الرواية، فالإكثار مظنة الخطأ، والخطأ في الدين عظيم الخطر، وقد التزم الصحابة وكبار التابعين بهذا المنهج في كل مكان نزلوه، وفي كل قطر حلوا فيه، وكانت خطتهم في مصر هي نفس ما ألزموا أنفسهم به في المدينة ومكة وسائر بلاد الإسلام: رواية قليلة متثبتة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.   1 أخرجه البخاري في كتاب السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ولما أنكروا على أبي هريرة رضي الله عنه إكثاره من الرواية اضطر لتبرئة ساحته أن يبين السبب الذي حمله على الإكثار فقال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان من كتاب الله ما حدثت حديثًا، ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1. وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون.   1 سورة البقرة الآيتان 159، 160، والحديث في صحيح البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الدورالثاني: عصر تدوين الحديث مختلطًا بغيره ومنهجهم فيه ثم انتشر الإسلام وتفرقت الصحابة في الأمصار، ومات كثير منهم، وقل الضبط وكثر الابتداع، فاشتدت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، وكتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين على رأس المائة إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية والقاسم بن محمد بن أبي بكر، كما كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية يأمرهم بجمع الحديث، ومن أبرز من كتب إليهم، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام. ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي الزهري، فكان أول من جمعه ابن جريج بمكة، وابن إسحاق ومالك بالمدينة، والربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني. ومن أشهر الكتب المؤلفة في القرن الثاني موطأ مالك، ومسند الإمام الشافعي، ومختلف الحديث له، ومسند عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف شعبة بن الحجاج، ومصنف سفيان بن عيينة، ومصنف الليث بن سعد، ومجموعات من عاصرهم من الحفاظ كالأوزاعي والحميدي وغيرهم ممن سأذكر مؤلفاتهم في الباب الثالث موزعة على فصوله بإذن الله. وقد اتسم طابع التدوين في القرن الثاني بجمع الحديث مختلطًا بغيره من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الدور الثالث: عصر تدوين الحديث مفروزا ومنهجهم فيه ثم كان القرن الثالث فاختلفت فيه طريقة الجمع عنها في القرن الثاني، وبدأ رواة الحديث وأئمته يفردونه بالجمع والتدوين عن أقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وكان من هؤلاء الأئمة من جمع كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث من غير تمييز بين صحيح وسقيم، ومنهم من أفرد الصحيح وخصه بالجمع دون سواه ليخلص طالب الحديث من عناء البحث ومشقة السؤال، وكان أول من راد هذا الطريق الصعب هو شيخ المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري، فجمع في كتابه الجامع الصحيح ما ثبتت لديه صحته من الأحاديث، واقتفى أثره الإمام مسلم بن الحجاج القشيري -وكان من الآخذين عنه- ثم تبعهما على خطتهما كثير من الأئمة والحفاظ، ويمتاز البخاري بأنه كان ربما أورد بعض الآثار قبل إيراد الحديث، تعزيزًا لما يرمي إليه في تراجمه التي يذكرها قبلها دالة على فقهه فيما يذكر بعدها من أحاديث. لهذا كان القرن الثالث أجل عصور الحديث وأسعدها بخدمة السنة، فقد ظهر فيه كبار المحدثين وجهابذة المؤلفين وحذاق الناقدين، وأشرقت على أمة الإسلام شموس الكتب الستة التي كادت تستوعب الحديث الصحيح، والتي يعتمد عليها الناس في السنة منذ ذلك الحين إلى عصرنا الحاضر. ويمكن أن يقال: إن بانتهاء هذا القرن كاد ينتهي جمع الحديث وتدوينه، ويمتاز الجمع في هذا القرن وما قبله بأوليته وعدم تعويل العلماء على سابق لهم فيه، ويبدأ بعد ذلك عهد ترتيبه وتهذيبه، وتيسيره للدارسين والعاملين، ومن أشهر الكتب المؤرفة في القرن الثالث صحيح البخاري المتوفى سنة 251هـ، وصحيح مسلم المتوفى سنة 261هـ، وسنن أبي داود المتوفى سنة 275هـ، وسنن النسائي المتوفى سنة 303هـ وجامع الترمذي المتوفى سنة 279هـ، وسنن ابن ماجه المتوفى سنة 273هـ، ومسند الإمام أحمد المتوفى سنة 241هـ، والمنتقى في الأحكام لابن الجارود المتوفى سنة 307هـ، ومصنف ابن أبي شيبة المتوفى سنة 235هـ، وتهذيب الآثار للطبري المتوفى سنة 310هـ، وقطعة من مسند ابن عباس لبقي بن مخلد القرطبي المتوفى سنة 237هـ، ومسند عبد بن حميد المتوفى سنة 249هـ، وسنن الدرامي المتوفى سنة 205هـ، ومسند أبي يعلى الموصلي المتوفى سنة 307هـ، ومسند ابن أبي أسامة الحارث التميمي المتوفى سنة 282هـ، ومسند ابن أبي عاصم المتوفى سنة 287هـ، وفيه نحو خمسين ألف حديث، ومسند ابن أبي عمرو محمد بن يحيى العدني المتوفى سنة 243هـ، ومسند أبي هريرة لإبراهيم بن العسكري المتوفى سنة 282هـ، ومسند الإمام النسائي المتوفى سنة 303هـ، ومسند العنبري إبراهيم بن إسماعيل الطوسي المتوفى سنة 280هـ والمسند الكبير للبخارى، ومسند مسدد بن مسرهد المتوفى سنة 228هـ، ومسند محمد بن مهدي المتوفى سنة 272هـ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ومسند الحميدي المتوفى سنة 219هـ، ومسند إبراهيم بن معقل النسقي المتوفى سنة 295هـ، ومسند إبراهيم بن يوسف الهنجابي المتوفى سنة 301هـ، ومسند مالك للنسائي المتوفى سنة 303هـ، والمسند الكبير للحسن بن سفيان المتوفى سنة 303هـ، والمسند المعلل لأبي بكر البزار المتوفى سنة 292هـ، ومسند ابن سنجر المتوفى سنة 258هـ، والمسند الكبير ليعقوب بن شيبة المتوفى سنة 262هـ، ولم يؤلف أحسن منه لكنه لم يتم، ومسند علي بن المديني المتوفى سنة 234هـ، ومسند ابن أبي عزرة أحمد بن حازم المتوفى سنة 276هـ، ومسند عثمان بن أبي شيبة، وغيرها كثير. ورتبة كتب المسانيد دون كتب السنن، فقد جرت عادة مصنفيها أن يجمعوا في مسند كل صحابي ما يقع لهم من حديثه صحيحًا كان أو سقيمًا، ولذلك لا يسوغ الاحتجاج بما فيها إلا ما تثبت صحته، وقد استثنى بعض المحدثين منها مسند الإمام أحمد بن حنبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الدور الرابع: عصرا لترتيب والتهذيب ومنهجهم فيه ثم يأتي القرن الرابع وقد جمعت السنة ودونت، فكان عمل أهل هذا القرن هو ترتيب هذه المادة المجموعة من الحديث وتهذيبها وتصنيفها، وأكثر من دونوا الحديث فيه كانوا عالة على المتقدمين: ولكنهم امتازوا عليهم بالترتيب والتهذيب، والتصنيف والتبويب. ومن أشهر الكتب المؤلفة في القرن الرابع المعاجم الثلاثة: الكبير والصغير والأوسط؛ للإمام سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360هـ، وسنن الدارقطني المتوفى سنة 385هـ، وصحيح ابن حبان المتوفى سنة 354، وصحيح أبي عوانة يعقوب بن إسحاق المتوفى سنة 316هـ، وصحيح ابن خزيمة محمد بن إسحاق المتوفى سنة 311هـ، وصحيح المنتقى لابن السكن سعيد بن عثمان البغدادي المتوفى سنة 353هـ، والمنتقى لقاسم بن أصبغ المتوفى سنة 340هـ، ومصنف الطحاوي المتوفى سنة 321هـ، ومسند ابن جميع محمد بن أحمد المتوفى سنة 402هـ، ومسند ابن إسحاق المتوفى سنة 313هـ، ومسند الخوارزمي المتوفى سنة 435هـ، ومسند أبي إسحاق بن نصر المروزي المتوفى سنة 385هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الدور الخامس: عصر التقليد والاختصار والتقريب ومنهجهم فيه وبعد القرن الرابع الهجري كاد ينتهى عصر الاجتهاد في جمع السنن من أفواه الرواة، والنظر في رجال الأسانيد، وإنزال كل منهم منزلته، وبيان صحيح الحديث وسليمه من عليله وسقيمه، وركن الناس إلى التقليد، ولهذا نجد أكثر الكتب المؤلفة بعد هذا القرن سلكت مسلك التهذيب والترتيب، أو جمع الشتيت وبيان الغريب، أو لجأت إلى الاختصار والتقريب، وأغلب من تكلموا على الأسانيد بعد المائة الرابعة كانوا عيالًا على ما دونه أئمة الحديث فيما سبقهم من القرون. وإلى جانب العناية بمتن الحديث كانت العناية موجهة غلى تاريخ الحديث وعلومه الأخرى، كان التأليف في الغريب، والناسخ والمنسوخ، وإظهار حال الرجال، والكشف عن علوم الحديث ومصطلحاته، وغير ذلك من الأغراض الجليلة والأقسام المتنوعة. كان العلماء في ذلك العهد يرتبون ما جمع من الحديث على غير نظام المسانيد، ألفوا الجوامع في الأطراف والزوائد، وضحوا المبهمات في كتب الشروح والغريب ومشكل الحديث والأثر، وألفوا في أصول الحديث، وكتبوا في التخريج، وفي علم الرجال بفنونه وأنواعه -وسوف نذكر بيانًا لذلك ونماذج منه فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاء الله فلا نطيل هنا بذكره- وظل علماء السنة في سائر بلاد العالم الإسلامي في الحجاز والعراق والشام ومصر يلتزمون هذا المنهج، يطوفون حول ما جمع السابقون من حديث، وما ألفوا من علومه بالترتيب والتهذيب، والاختصار والتبويب، والشرح والتقريب، واستنباط الفوائد، واقتناص الشوارد، ومحاولة إضافة الجديد إلى علوم الأولين، والانتفاع بذلك كله في الدراسة والتعليم، وإفادة الأمة به في شئون الدنيا والدين. ومن الطبيعي ألا يكون علماء مصر في ذلك الحين، بمعزل عن الحياة العلمية في البلدان الأخرى فإن رحلتهم في طلب العلم إلى تلك البلاد، ورحلة علماء تلك البلاد إليهم جعلت هناك تقاربًا في المناهج بين المحدثين، سواء في ذلك الرواية أو الدراية أو التدوين أو التأليف، ولذلك نستطيع أن نقرر أن مناهج المحدثين في مصر قبل سقوط بغداد لم تختلف من غيرها في البلاد الأخرى، وأنها قد مرت أيضًا بهذه الأدوار الخمسة، واختلفت مناهج المحدثين فيها على النحو التالي: 1- الرواية المتثبتة. 2- تدوين الحديث مختلطًا بغيره. 3- تدوين الحديث مفروزًا. 4- الترتيب والتهذيب. 5- التقليد والاختصار والتقريب. وقد التزم كل من العلماء منهجًا عامًّا باختياره نوعًا معينًا من علوم الحديث يتناوله بالدراسة والعرض في كتابه، ومنهجًا خاصًّا يلتزم به في عرضه لهذا الكتاب، وقد أكثر العلماء من التأليف في تلك العلوم المتعددة، فمنهم من كتب في نوع من هذه العلوم، ومنهم من كتب في أكثر من نوع منها. وقد استوعب صاحب الرسالة المستطرفة ما يتعلق بما نحن بصدده من مناهج المحدثين، ولذلك رأينا أن نعتمد عليها في تناول تلك المناهج، وأن نقتبس منها ما نرى ضرورة اقتباسه في هذا المقام، ولا سيما في سرد بعض الكتب وأسماء مؤلفيها وتعداد أنواعها ملخصًا ومرتبًا على النحو التالي: نقل عن ابن حجر في أول مقدمة فتح الباري ما يفيد أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 في عصر التابعين مدونة ولا مرتبة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين أن دونت الآثار وبوبت الأخبار، عندما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الخوارج والروافض ومنكري الأقدار. فأول من جمع في ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار الطبقة الثانية في منتصف القرن الثاني فدونوا الأحكام، فصنف ابن أبي ذئب بالمدينة موطأ، وصنف الإمام مالك موطأه بالمدينة كذلك، متوخيًا فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، كما صنف ابن جريج بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ومعمر بن راشد وخالد بن جميل باليمن، وجميل بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسخ على منوالهم في جمع الأحاديث مختلطة بغيرها من الآثار والفتاوى. ثم رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وكان ذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندًا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندًا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندًا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندًا، ثم اقتفى الأئمة أثر هؤلاء السابقين في التصنيف على المسانيد، فكان مسند أحمد بن حنبل، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند عثمان بن أبي شيبة وغيرهم. ومن العلماء من صنف على المسانيد والأبواب معا كأبي بكر بن أبي شيبة، ومنهم من رتب على العلل بأن جمع في متن كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه، بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلًا، أو وقف ما يكون مرفوعًا أو غير ذلك، ومنهم من رتب على الأبواب الفقهية وغيرها ونوعه أنواعًا، وجمع ما ورد في كل نوع وفي كل حكم إثباتًا أو نفيًا في كل باب، بحيث تتميز أحكام الصوم عن أحكام الصلاة، ومن أهل هذه الطريقة من التزم الصحيح كالشيخين، ومنهم من لم يتقيد به كباقي الكتب الستة، ومنهم من اقتصر على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب، ومنهم من حذف الإسناد واقتصر على المتن كالبغوي في مصابيحه، واللؤلئى في مشكاته. وأول من صنف في الصحيح المجرد محمد بن إسماعيل البخاري، وهو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله عز وجل، ثم صحيح مسلم بن الحجاج، ثم مسند أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وهذه هي الكتب الستة الأصول وأشهر أمهات كتب الحديث. ومن الكتب ما التزم مؤلفوها الصحة غير ما تقدم كصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان وصحيح الحاكم، وصحيح الحافظ، النيسابوري -وهو من تلاميذ مسلم- وكتاب الأحاديث الجياد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 المختارة مما ليس في الصحيحين للضياء المقدسي من المتأخرين1 وقد التزم فيه الصحة، وذكر أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها، وسلمت له إلا اليسير مما تعقب عليه، وكذلك كتاب المنتقى لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ، والصحيح المنتقى لابن السكن البغدادي المصري. ومنهم من خرج كتبا على الصحيحين أو أحدهما وهي كثيرة، كمستخرجات الحافظ الجرجاني والغطريفي وابن أبي ذهل وابن مردويه، وهي مستخرجات على البخاري، ومستخرجات الحافظ أبي عوانة وقاسم بن أصبغ والحافظ أبي جعفر أحمد بن سنان الحيري، والحافظ أبو بكر محمد بن رجاء النيسابوري الإسفراييني والجوزقي والشاركي وأبي نعيم الأصفهاني والخلال وأبي ذر الهروي وابن منجويه، وغير هؤلاء كثير. ومنها كتب الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة: مالك بن أنس في الموطأ، وأبي حنيفة النعمان، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل الشيباني في مسانيدهم. ومنهم من جمع السنن، وهي في اصطلاحهم الكتب التي رتبت على أبواب الفقه من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها، وليس فيها شيء من الموقوف؛ لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة ويسمى حديثًا، وأولها سنن ابن جريج المكي أول المؤلفين في الإسلام، ومنها -زيادة على ما تقدم من السنن- الأربعة الأصول، سنن الإمام الشافعي وسنن النسائي الكبرى وهي التي لخص منها الصغرى التي تعد من كتب الأصول -وهي التي يسميها المحدثون المجتبى- وسنن الدرامي وسنن البيهقي، وسنن سعيد بن منصور بن شعبة المروزي، وسنن أبي مسلم الكشي، وسنن الدارقطني وسنن أبي جعفر الدولابي، وسنن موسى بن طارق، وسنن أبي بكر أحمد بن محمد الأثرم، وسنن الخلال، وسنن أبي عمرو "زنجلة"، وسنن الصفار، وسنن أبي بكر الهمداني، وسنن أبي بكر بن لال، وسننن أبي بكر أحمد بن النجاد، وسنن أبي إسحاق إسماعيل القاضي الأزدي، وسنن أبي محمد يوسف بن يعقوب القاضي الأزدي، وسنن أبي القاسم بن هبة الله اللالكائي. ومنهم من جمع كتب السنة، وهي الكتب التي تحث على اتباع السنة وترك البدعة، منها كتاب السنة للإمام أحمد، ولأبي داود، ولأبي بكر بن الأثرم، ولعبد الله بن أحمند، ولأبي القاسم اللالكائي ولحنبل بن إسحاق بن حنبل -ابن عم الإمام أحمد وتلميذه- ولأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي المعروف بالخلال، ولأبي القاسم الطبراني، ولابن منده، والدارمي، وابن أبي حاتم، وأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، ومنها كتاب الإبانة عن أصول الديانة لأبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي.   1 الضياء المقدسي هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المهدي المقدسي المتوفى سنة 643هـ وكتابه المختارة مرتب على المسانيد لا على الأبواب في ستة وثمانين جزءًا ولم يكمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ومنهم من رتب الكتب على أبواب الفقه مشتملة على السنن وما هو في حيزها أوله تعلق بها، وسمى بعضها مصنفًا وبعضها جامعًا، منها مصنفات وكيع بن الجراحن وحماد بن سلمة بن دينار، وأبي الربيع سليمان بن داود، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الرزاق؛ وبقي بن مخلد، وجوامع سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي عروة معمر بن راشد، وأبي بكر الخلال، والجامعين، الكبير والصغير، كلاهما للبخاري، وجامع مسلم، وكتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني، وشرح السنة للبغوي، وكتاب الشريعة في السنة لأبي بكر الآجري، وغيرها كثير. ومنهم من ألف كتبًا مفردة في أبواب مخصوصة، كالآجرى في كتابه التصديق بالنظر لله، وأبي نعيم الأصبهاني في كتابه تثبيت الرؤيا لله، وأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبدي بن سفيان بن قيس المعروف بابن أبي الدنيا في كتابه الإخلاص، وكذلك صنف في الإخلاص أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن المعروف بابن الجوزي، وكأبي بكر بن خزيمة في كتابه التوحيد وإثبات الصفات، والبيهقي في كتابه الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، وغير ذلك من الكتب المؤلفة في نواح من العقائد، وهناك كتب في بعض أبواب الفقه كالطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام، ولأبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني كتاب في الطهور كذلك، ولمسلم بن الحجاج مؤلف في الانتفاع بجلود السباع، ولأبي نعيم الأصفهاني كتاب في فضل السواك، وقد ساق صاحب الرسالة المستطرفة كثيرًا من الكتب المفردة في الأبواب المخصوصة نكتفي بالإشارة إليها1. وهناك كتب ليست على الأبواب ولكنها على المسانيد، وهي الكتب التي موضعها جعل أحاديث كل صحابي على حده صحيحًا كان أو حسنًا أو ضعيفًا مرتبين على حروف الهجاء في أسماء الصحابة كما فعله غير واحد -وهو أسهل تناولًا- أو على القبائل، أو السابقة في الإسلام، أو شرف النسبة، أو غير ذلك، وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد كمسند أبي بكر، أو أحاديث جماعة منهم كمسند الأربعة أو العشرة، أو طائفة مخصوصة جمعها وصف واحد كمسند المقلين، ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر، إلى غير ذلك؛ والمسانيد كثيرة جدًّا: منها مسند أحمد -وهو أعلاها- وهو المراد عند الإطلاق، ومنها مسند البخاري الكبير، والمسند الكبير على الرجال لمسلم بن حجاج، ومسند أبي داود بن الجارود الطيالسي، ومسند أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد المصري المعروف بأسد السنة، ومسند أبي الحسن مسدد بن مسرهد الأسدي البصري وهو في مجلد لطيف، وله آخر قدره ثلاث مرات وفيه كثير من الموقوف والمقطوع. وأطال صاحب الرسالة كثيرًا في سرد المسانيد بما لا يحتمله هذا المقام2، ثم ذكر أن من المصنفات الحديثية كتبًا في التفسير ذكرت فيها أحاديث وآثار بأسانيدها كتفسير عبد الرحمن   1 الرسالة المستطرفة 34-46. 2 الرسالة المستطرفة 46-57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بن أبي حاتم -وهو في أربع مجلدات- عامته آثار مسنده، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأخيه عثمان بن أبي شيبة، وأبي عبد الله بن ماجه القزويني، وعبد بن حميد، وعبد الرزاق الصنعاني، ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي الشيخ بن حيان، وأبي حفص بن شاهين -وهو في ألف جزء- ووجد بواسط في نحو ثلاثين مجلدًا، وبقي بن مخلد، وقد قال ابن حزم: ما صنف في الإسلام مثل تفسيره أصلًا، لا تفسير محمد بن جرير ولا غيره، والإمام سنيد، وابن جرير الطبري، الذي قال النووي فيه: أجمعت الأمة على أنه لم ينصف مثل تفسيره، وقال السيوطي: هو أجل التفاسير وأعظمها، وقال أبو حامد الإسفراييني: لو سافر أحد إلى الصين في تحصيله لم يكن كثيرًا، وأبي بكر بن مردويه، وأبي القاسم الأصبهاني وله التفسير الكبير في ثلاثين مجلدا، وتفاسير أخر، ثم أورد عدة كتب في التفسير بالأحاديث والأسانيد1. كما أورد عدة كتب معينة في المصاحف والقراءات، فيها أيضًا أحاديث وآثار بأسانيد، ككتاب المصاحف لأبي داود، وكتاب المصاحف لأبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، وكالمعجم في القراءات لأبي بكر النقاش، وكتاب الوقف والابتداء لأبي بكر بن الأنباري إلى أن قال: ومنها كتب في الناسخ، والمنسوخ من القرآن أو الحديث بإسناد أيضًا: فمن الأول وهو ما يتعلق بالقرآن كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام، ولأبي بكر بن الأنباري، ولأبي جعفر بن النحاس، ومن الثاني وهو المتعلق بالحديث كتاب الناسخ والمنسوخ لأحمد بن حنبل، ولأبي داود. ومنهم من ألف في الأحاديث القدسية الربانية، وهي المسندة إلى الله تعالى، بأن أضيفت إليه عز وجل ولم يقصد منها الإعجاز، كالأربعين الإلهية لأبي الحسن بن المفضل المقدسي، وكتاب مشكاة الأنوار لابن عربي. ومنهم من ألف في الأحاديث المسلسلة، وهي التي تتابع رجال إسنادها على صفة أو حالة، كالمسلسل بالأولية لأبي طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة، وللحافظ الذهبي كتاب يسمى بالعذب السلسل في الحديث المسلسل، ومن هذا النوع كتاب لتقي الدين السبكي، وكذلك أحمد بن إبراهيم البزار، وأبو نعيم الأصفهاني، وابن الطيلسان محمد بن أحمد بن سليمان، وعلم الدين السخاوي المفسر اللغوي. وهناك مؤلفات في المراسيل، ككتاب المراسيل لأبي داود صاحب السنن في جزء لطيف مرتب على الأبواب فيها كذلك، ومن بين ما ذكره في هذه الأبواب باب ما ذكر في الأسانيد المرسلة أنها لا تثبت بها حجة.   1 الرسالة المستطرفة 58، 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وهناك أجزاء حديثية: ومصطلح الجزء عندهم يرجع إلى تأليف الأحاديث المروية عند رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم، ومنها جزء الحسن بن أبي سفيان الشيباني النسائي صاحب المسند، وكتاب الوحدان -والمراد بها من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم- وقد صنف في ذلك الإمام مسلم وغيره، ومنها جزء أبي عاصم الضحاك بن مخلد، وجزء أبي علي الحسن بن عرفة، وجزء أبي مسعود أحمد بن الفرات، وغيرها كثير جدًّا. ومنها كتب ألفت في الفوائد: كفوائد تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، وفوائد أبي بشر، وفوائد أبي عمرو عبد الوهاب بن محمد المعروف بابن منده، وفوائد أبي بكر بن المقري، وفوائد ابن بشكوال وغيرها. وهناك كتب وضعت في الشمائل النبوية والمغازي: فمن كتب الشمائل كتاب الشمائل للترمذي والشمائل لأبي بكر المقري الحافظ، وكتاب الأنوار في شمائل النبي المختار، رتبه على واحد ومائة باب على طريقة المحدثين بالأسانيد، ومثلها دلائل النبوة لأبي نعيم الحافظ، وكذلك أبو بكر للبيهقي الذي يقول الذهبي فيه: عليك به فإنه هدى ونور، ومثله لأبي بكر الفريابي ولأبي حفص بن شاهين, وأعلام النبوة لأبي داود السجستاني، ودلائل الرسالة لأبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس وهو في عشرة أسفار، ودلائل الإعجاز لأبي عوانة، وكتاب الوفا في فضائل المصطفى زادت أبوابه على خمسمائة في مجلدين، وكتاب الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى للقاضي عياض، وهو الذي خرج السيوطي أحاديثه في مناهل الصفا وتناولناه بالحديث في مناسبته من هذا الكتاب، وفي كتاب الشفا أحاديث ضعيفة، وأخرى قيل إنها موضوعة، مما يدل على أنه لم يلتزم في منهجه تصحيح الحديث، وقد أفرد بعضهم الأحاديث المسندة فيه وهي ستون حديثًا في جزء. ومن كتب السير والمغازي كتب السيرة لأبي بكر الزهري التابعي، والسيرة لابن إسحاق، وهي أكبر مراجع السيرة، وقد هذبها أبو محمد عبد الملك بن هشام المصري وصارت تنسب إليه، وكتاب السيرة لأبي عمرو الواقدي، والسيرة لأبي حفص الموصلي وكتاب شرف المصطفى لأبي سعيد النيسابوري في ثمان مجلدات، والمغازي لمحمد بن إسحاق، ولأبي أيوب يحيى بن سعيد الأموي ولموسى بن عقبة وغيرهم. ومن الكتب ما ألف في أحاديث شيوخ مخصوصين من المكثرين، كأحاديث سليمان بن مهران الملقب بالأعمش، ومؤلفه أبو بكر الإسماعيلي، وأحاديث الفضيل بن عياض التميمي للنسائي، وأحاديث الزهري لأبي عبد الله الذهلي -وهي المسماة بالزهريات- في مجلدين، وقد جمع عدد من المحدثين أحاديث الزهري في مؤلف. ومن المؤلفات الحديثية كتب تجمع طرق بعض الأحاديث، كطرق حديث: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا" لأبي نعيم الأصفهاني، وطرق حديث الحوض للمقدسي، وطرق حديث قبض العلم للطوسي، إلى غير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ومنها كتب في رواة بعض الأئمة المشهورين أو في غرائب أحاديثهم، ككتاب تراجم رواة مالك للخطيب البغدادي، ذكر فيه من روى عن مالك فبلغ بهم ألفًا إلا سبعة، ومثل كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر بن عبد البر، فإنه ترجم فيه لرواة مالك في الموطأ على حروف المعجم مع الكلام على متونها، وإخراج الأحاديث المتعلقة بها بأسانيده، وهو كتاب كبير الجرم في سبعين جزءًا غزير العلم لم يتقدمه أحد إلى مثله، وكذلك كتاب غرائب مالك للدارقطني، ومثله لقاسم بن أصبغ البياني، وللطبراني، ولأبي القاسم بن عساكر وهو في عشرة أجزاء إلى غير ذلك. ومنها كتب في الأحاديث الأفراد -جمع فرد- وهو قسمان: فرد مطلق، وهو ما تفرد به راويه عن كل أحد من الثقات وغيرهم بأن لم يروه أحد من الرواة مطلقًا إلا هو، وفرد نسبي، وهو ما تفرد به ثقة بأن لم يروه أحد من الثقات إلا هو، أو تفرد به أهل بلد بأن لم يروه إلا أهل بلدة كذا كأهل البصرة، أو تفرد به راويه عن راو مخصوص بأن لم يروه عن فلان إلا فلان وإن كان مرويًّا من وجوه عن غيره، ومن الكتب المصنفة فيها كتاب الأفراد للدارقطني، وهو كتاب حافل في مائة جزء حديثية، وعمل أطرافه أو الفضل بن طاهر، وكتاب الأفراد لأبي حفص بن شاهين، والأفراد المخرجة من أصول أبي الحسن أحمد بن عبد الله بن حميد بن رزيق البغدادي نزيل مصر، وصنف أبو داود السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة، كحديث طلق بن علي في مس الذكر، وقال: إنه تفرد به أهل اليمامة، وكحديث عائشة في صلاته صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء في المسجد، فإن الحاكم قال: تفرد أهل المدينة بهذه السنة. ومنها كتب في المتفق لفظًا وخطًّا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها وهو مفترق معنى، وفي المؤتلف أي المتفق خطأ منها وهو مختلف لفظًا، وفي المتشابه المركب من النوعين وهو المتفق لفظًا وخطًّا من اسمين أو نحوهما مع اختلاف اسم أبينهما لفظًا لا خطًّا أو العكس، فمن الأول كتاب الخطيب البغدادي المتفق والمفترق وهو كتاب نفيس في مجلد كبير، والمتفق والمفترق أيضًا لأبي عبد الله محمد بن النجاد البغدادي، وكذلك لأبي بكر الجوزقي وهو مشهور، وله آخر أبسط منه في نحو ثلاثمائة جزء، ومن النوع الثاني كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني، ولأبي محمد عبد الله بن علي الرشاطي كتاب الأعلام بما في المؤتلف والمختلف للدارقطني من الإبهام، وكتاب المؤتلف والمختلف لأبي سعد الماليني، والمختلف والمؤتلف لعلاء الدين المارديني وغير ذلك كثير. ومنهم من ألف في معرفة الأسماء والكنى والألقاب، أي أسماء من اشتهر بكنيته وكنى من اشتهر باسمه، وألقاب المحدثين ونحو ذلك، ككتاب الأسماء والكنى للإمام أحمد بن حنبل، ومثله لأبي بشر الدولابي، والأسماء والألقاب لأبي الفرج بن الجوزي، وهو المسمى كشف النقاب عن الأسماء والألقاب، ومجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب لأبي الوليد بن الفرضى، والكنى والألقاب لأبي عبد الله الحاكم، والألقاب والكنى لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، ومنتهى الكمال في معرفة ألقاب الرجال لأبي الفضل علي بن الحسين الفلكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ومنهم من ألف في مبهم الأسانيد أو المتون من الرجال أو النساء، ككتاب عبد الغني بن سعيد المصري في ذلك، وهو المسمى بكتاب الغوامض والمبهمات، وكذلك الغوامض والمبهمات للخطيب البغدادي، وإن كان تحصيل الفائدة منه عسير لترتيبه أسماء المبهمات على حروف المعجم، فإن من عرف المبهم لا يحتاج إلى الكشف عنه، ومن جهله لا يعرف موضعه، والغوامض والمبهمات لابن بشكوال جمعها دون ترتيب، وكذلك صنف في الغوامض والمبهمات شمس الدين محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني، وقد جمع فيه نفائس إلا أنه توسع بذكر ما ليس من شرط المبهمات. ومنهم من ألف في الأنساب، ككتاب الأنساب لأبي سعد السمعاني وهو كتاب عظيم في هذا الفن لم يصنف فيه مثله، واختصره عز الدين بن الأثير محمد بن محمد بن عبد الكريم، وزاد فيه أشياء أهملها واستدرك على ما فاته وسماه اللباب، وهو كتاب مفيد في ثلاث مجلدات، وكتاب أنساب المحدثين لمحب الدين محمد بن النجار البغدادي، ولأبي فضل محمد بن طاهر المقدسي مثله، وذيل عليه تلميذه أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني، وكتاب العجالة لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي، وكتاب الأنساب لأبي محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن خلف الرشاطي المسمى باقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار. ومنهم من ألف كتبًا في معرفة الصحابة مرتبًا إياهم على الحروف أو على القبائل أو غير ذلك. ككتاب معرفة الصحابة لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري وهو مرتب على القبائل، ولأبي محمد عبد الله بن محمد بن عيسى، وكتاب المعرفة في مائة جزء، ولأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري كتاب أيضًا، ولأبي الحسن علي بن المديني الحافظ الثقة كتاب سماه كتاب معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان في خمسة أجزاء لطيفة، ولأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني كتاب كبير جليل قال ابن عساكر، وله فيه أوهام، وكتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني في ثلاث مجلدات، وقد ألف في الصحابة كذلك أبو القاسم البغوي، وأبو حفص بن شاهين، وأبو حاتم محمد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن عبد الله بن البرقي، وأبو منصور محمد بن سعد الباوردي -وهو من شيوخ ابن منده- وغير هؤلاء كثير. وإن منهم من ألف في تواريخ الرجال وأحوالهم، كتاريخ البخاري الكبير، وتاريخ ابن معين وتاريخ صاحبه محمد بن حاتم الهاشمي مولاهم الدوري، وتاريخ العجلي، وتاريخ ابن أبي شيبة، وتاريخ أبي عمرو خليفة بن خياط، وتاريخ محمد بن سعد كاتب الواقدي، وتاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة، وتاريخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن الجارود، وتاريخ حنبل بن إسحاق، وتاريخ أبي العباس محمد بن إسحاق السراج، وتاريخ ابن حبان، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي، وتاريخ أبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني، وتاريخ مصر لأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد صاحب الشافعي يونس بن عبد الأعلى الصدفي، ألف لمصر تاريخين أحدهما وهو الأكبر يختص بالمصريين، والثاني يختص بالغرباء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ومنهم من ألف المعاجم، وهي كتب تجمع فيها الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك، ويغلب ترتيبها على حروف الهجاء، وذلك كمعجم الطبراني الكبير رتبه على حروف المعجم فيما عدا مسند أبي هريرة فقد أفرده في مصنف، ومعجمه الأوسط في أسماء شيوخه وهم كثير، وأكثر فيه من غرائب حديثهم، وهو في ست مجلدات كبار، ومعجمه الصغير وهو في مجلد، خرج فيه عن ألف شيخ يقتصر فيه على حديث واحد -غالبًا- عن كل واحد من شيوخه، وكتاب معجم الصحابة لأحمد بن علي بن لال، ومثله لأبي الحسين بن قانع، وأبي منصور البارودي، وأبي القاسم البغوي، وأبي القاسم بن عساكر الدمشقي الذي ألف أيضًا معجم البلدان ومعجم النسوان، ومن المعاجم معجم أبي يعلى الموصلي، ومعجم أبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي، ومعجم الشيوخ للإسماعيلي أبي بكر، ولأبي نعيم الأصبهاني ولأبي عبد الله الحاكم الضبي. وغيرها. ومنهم من كتب في الطبقات، وهي الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ وأحوالهم ورواياتهم طبقة بعد طبقة، وعصرًا بعد عصر إلى زمن المؤلف، ومنها كتاب الطبقات لمسلم بن الحجاج، ومثله للنسائي، والطبقات الكبرى لابن سعد كاتب الواقدي في نحو من خمسة عشر مجلدًا، وله طبقات أخرى صغرى ثانية وثالثة، وطبقات التابعين لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي من أقران البخاري ومسلم، ومثله لابن منده ولغيره، وطبقات النساك لأبي سعيد بن الأعرابي، وطبقات الرواة لأبي عمرو خليفة بن خياط، وطبقات الهمدانيين لأبي الفضل صالح بن أحمد الهمداني، وطبقات القراء لأبي عمرو عثمان بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي الداني، وطبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي، وكتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني في عشر مجلدات ضخام وفيها الصحيح والحسن والضعيف وبعض الموضوع. ومنهم من ألف في المشيخات، وهي كتب تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه وإن لم يلقهم، كمشيخة الحافظ أبي يعلى الخليلي، ومشيخة أبي يوسف ابن جوان، ومشيخة أبي الحسن بن المهدي، وغيرها كثير. ومن العلماء من ألف في علوم الحديث "أي مصطلح الحديث أو أصول الحديث" وذكروا فيها أحاديث بأسانيد، ككتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهزي، وهو أول كتاب جامع ألف في هذا النوع، ثم كتاب علوم الحديث لأبي عبد الله الحاكم، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجًا وأبقى أشياء لمن يتعقبه، ثم جاء بعد هؤلاء الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف كتابًا سماه الكفاية جمع فيه أصول الرواية وقوانينها، وكتابًا سماه الجامع لآداب الشيخ والسامع، وكل منهما بلغ الغاية في بابه، وجاء القاضي عياض فصنف كتاب الإلماع إلى معرفة أصول الروايات وتقييد السماع، وكتاب ما لا يسع المحدث جهله للحافظ أبي حفص الميانجي وإيضاح ما لا يسع المحدث جهله للحافظ أبي جعفر عمر بن عبد المجيد المقدسي. إلى غير ذلك من المؤلفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ومنهم من ألف كتبًا في الضعفاء والمجروحين من الرواة، أو في الثقات منهم، أو فيهما معًا، ككتاب الضعفاء لكل من البخاري والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم البرقي، وأبي بشر الدولابي، وكذلك لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي، ولأبي نعيم الجرجاني، ولأبي الفتح محمد بن الحسين بن النعمان الأزدي، ولابن عدي الجرجاني في كتابه الكامل الذي ذكر فيه كل من تكلم فيه ولو كان من رجال الصحيحين، وذكر في ترجمة كل واحد حديثًا فأكثر مما رواه من الغرائب والمناكير في نحو ستين جزءًا، وهو أكمل كتب الجرح وعليه الاعتماد فيها ... إلى غير ذلك من المؤلفات. ومن العلماء من ألف في العلل "وهي عبارة عن الأسباب الخفية الغامضة التي تقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر سلامته منها"، ككتاب العلل للبخاري، ومثله لمسلم وللترمذي، وممن ألفوا في العلل أيضًا الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وأبو بكر الأثرم، وأبو علي النيسابوري وابن أبي حاتم، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو بكر أحمد بن هارون البغدادي الخلال، وزكريا بن يحيى الضبي الساجي، والدارقطني وكتابه أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد في اثني عشر مجلدًا، جمعه له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني، وابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ... وغير ذلك. ومنهم من ألف في الموضوعات كأبي عبد الله الجوزقي في كتابه الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، وابن الجوزي في الموضوعات الكبرى، وأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه تذكرة الموضوعات. ومن المؤلفين من كتب في غريب الحديث، ككتاب غريب الحديث والآثار لأبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي الذي يقال: إنه أول من ألف في غريب الحديث على سبيل الاستقصاء، وإلا فإن أول من ألف فيه على الصحيح هو النضر بن شميل المازني، وذيل عليه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وذيل على ابن قتيبة أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم العوفي السرقسطي في كتابه الذي سماه: الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث، ومات عنه ولم يكمله، فأتمه أبوه أبو القاسم ثابت بن حزم السرقسطي الحافظ المشهور، وكتاب غريب الحديث أيضًا لأبي سليمان حمد الخطابي البستي، وهذه هي أمهات كتب الغريب المتداولة في الحديث، وهناك كتب أخرى في الغريب نشير إلى بعضها في موضعها فيما يأتي بإذن الله. ومن العلماء من ألف في اختلاف الحديث أو في تأويل مختلف الحديث، كالإمام الشافعي في كتابه اختلاف الحديث، وأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتابه مشكل الآثار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ومن المؤلفات كتب الأمالي، وقد كان الإملاء من وظائف الحافظ من المحدثين في القديم، كان الحافظ يخصص لتلاميذه يومًا من أيام الأسبوع: الثلاثاء أو الجمعة غالبًا، يلتقي بهم في المسجد، وبدون المستملي عن شيخه ما يمليه عليه في المجلس، ويبدأ تدوينه ببيان عن زمان المجلس ومكانه وشيخه فيه، بأن يقول: هذا مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بأسانيده إلى الشيوخ أحاديث أو آثارًا يفسر غريبها، ويورد من الفوائد المتعلقة بها بإسناد أو بدونه ما يختاره ويتيسر له، وقد كان الإملاء شائعًا في الصدر الأول، ثم قل الإملاء يموت الحفاظ، وأحياه بعض الأعلام المتأخرين في مصر، كالعراقي وابن حجر والسيوطي، ومن كتب الإملاء الكثيرة كتاب الأمالي لأبي القاسم بن عساكر، ولولده أبي محمد قاسم، ولأبي زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده ولجده أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، ولأبي بكر الخطيب، ولأبي طاهر المخلص، ولأبي محمد الحسن الخلال، ولأبي عبد الله الحاكم، ولعبد الغافر الفارسي ولأبي حفص بن شاهين ... ولكثير جدًّا غير هؤلاء. ومنهم من ألف في رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء وعكسه، وهي أنواع مهمة ولها فوائد، والأصل في النوع الأول رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري خبر الجساسة، ومنها كتاب ما رواه الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء للحافظ أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي نزيل مصر، وكتاب رواية الصحابة عن التابعين، وكتاب رواية الآباء عن الأبناء كلاهما للخطيب البغدادي، وكتاب رواية الأبناء عن آبائهم لأبي نصر عبيد الله بن سعيد السجزي، وكتاب من روى عن أبيه من الصحابة والتابعين لأبي حفص بن شاهين، وجزء من روى عن أبيه عن جده لابن أبي خيثمة، وغيرها من المؤلفات. ومنها كتب في آداب الرواية وقوانينها، منها كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، وكتاب الكفاية في معرفة أحوال علم الرواية له أيضًا، وكتاب أدب إملاء الحديث لأبي سعد بن السمعاني، وكتاب سنن التحديث للحافظ الثقة صالح بن أحمد الهمداني. ومنها كتب في عوالي بعض المحدثين، وهي كثيرة، منها كتاب عوالي الأعمش لأبي الحجاج يوسف بن خليل، وعوالي عبد الرزاق للضياء المقدسي في ستة أجزاء، وعوالي سفيان بن عيينة لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، وعوالي مالك لأبي عبد الله الحاكم، وعوالي مالك أيضًا لأبي الفتح سليم بن أيوب. وغير ذلك كثير. ومنها كتب في التصوف وطريق القوم، وذكرت فيها أحاديث بأسانيد، ككتاب أدب النفوس لأبي بكر الآجري، وكتاب المجالسة لأبي بكر الدينوري، وكتاب الأولياء لابن أبي الدنيا، وكرامات الأولياء، لأبي محمد الحسن الخلال البغدادي، وكتاب الجليس والأنيس لأبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، ورياضة النفس للحكيم الترمذي، والرسالة القشيرية لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشري، وعوارف المعارف للسهروردي، والفتوحات المكية لابن عربي، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ومنها كتب الأطراف، وهي التي يقتصر فيها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقييد بكتب مخصوصة كأطراف الصحيحين لأبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، ومثله لأبي محمد خلف بن محمد بن حمدون الواسطي، ولأبي نعيم الأصبهاني، وأطراف الكتب الخمسة -البخاري ومسلم وأبو داود الترمذي والنسائي- لأبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي، وأطراف الستة -وهي الخمسة المتقدمة مضافًا إليها مسند ابن ماجه- لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، وأطرافها كذلك لجمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الحلبي، وكتاب الكشاف في معرفة الأطراف وهو للحافظ شمس الدين أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي، وأطراف الأحاديث المختارة للضياء المقدسي وأطراف الفردوس له أيضًا، وأطراف الغرائب والأفراد للدارقطني لأبي الفضل بن طاهر. ومنها كتب الزوائد وهي الأحاديث الزائدة في بعض كتب الحديث على بعض آخر منها وسوف نشير إلى عديد منها بإذن الله في الفصل الخاص بها في هذا الكتاب. ومنها كتب في الجمع بين بعض الكتب الحديثية، كالجمع بين الصحيحين للصاغاني، وهو المسمى مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية، والجمع بين الأصول الستة -البخاري ومسلم والموطأ والسنن الثلاثة لأبي داود والترمذي والنسائي- لأبي الحسن رزين العبدري، وهو المسمى بالتجريد للصحاح والسنن، وجامع الأصول لأبي السعادات المبارك ابن الأثير الجزري، وغير ذلك. ومنها كتب مجردة أو منتقاة من كتب الأحاديث المسندة خصوصًا أو عمومًا، كمصابيح السنة للبغوي، وقسمها إلى صحاح وحسان، وأراد بالصحاح ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي أو بعضهم، وهو منهجه واصطلاحه، ومن منهجه أنه لا يعين من أخرج كل حديث على انفراده، ولا الصحابي الذي رواه، وكتاب الأحكام الشرعية الكبرى لابن الخراط في ست مجلدات انتقاها من كتب الاحاديث. ومنها كتب في أسماء الصحابة من غير ما مضى، كذيول الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر بن عبد البر ومختصراته، ومنها كتاب أسد الغابة ومختصراته. ومنها كتب في بيان حال الرواة غير ما تقدم، وضبط أسمائهم وأسماء بلدانهم، ككتاب أبي نصر الكلاباذي في رجال البخاري سماه الهداية والإرشاد، وكتاب التعديل والتخريج لمن روى عنه البخاري في الصحيح لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي. وغيرهما مما سنذكره في موضعه بإذن الله. هذه أشهر العلوم الحديثة التي تناولها الأقدمون بالتدوين خدمة للسنة، وفي كل منها مؤلفات كثيرة وضخمة وضعت في دقة وأمانة تشهد لأصحابها بعلو الهمة وصدق العزم، وتؤكد أن ما بذلوه من جهاد شاق وكفاح مضن لم يكن إلا ابتغاء رضوان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورغبة في رعاية السنة وحمايتها من الدخيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الفصل الثاني: بعد سقوط بغداد تمهيد: يبدو أنه كان نصيب هذا العصر من تلك النواحي أن يجول فيما سُبق به من تجريد السنة من الأسانيد مع عزو الأحاديث إلى كتبها التي أخذت منها، وتقويمها أو تركها بلا تقويم اعتمادًا على هذا العزو، كما يتبين هذا فيما سوف نعرضه من دراسة في المدونات الحديثية بأنواعها بإذن الله. المناهج: ويمكن بيان المناهج إجمالًا في طرق عرض السنة ونقلها بما يأتي: فمنها ما وضع في أحاديث الأحكام، وهي تلك التي تبين أدلة الأحكام الشرعية فيما استنبطه الأئمة في فروع الفقه، مثل كتاب المنتقى لابن تيمية، وتقريب الأسانيد للعراقي، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر. ومنها ما وضع في الأحاديث الداعية إلى أبواب الخير ببيان ما تعد به فاعله من الثواب والأجر حثًّا على فعله والإقبال عليه، والأحاديث الناهية عن أنواع الشر ببيان ما تهدد به فاعله من العقوبة والوزر تنفيرًا منه وزجرًا عنه، ومن ذلك كتب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، والزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي، والإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للمناوي. ومنها ما وضع قصدًا إلى جميع السنة النبوية كلها، أو جمع بعضها من جوامع الكلم مما يقرب أبواب السنة بأنواعها لطالبيها، كما في جمع الجوامع والجامع الصغير كلاهما للسيوطي وكنوز الحقائق في أحاديث خير الخلائق للمناوي. وما قصد فيه إلى جمع ما زاد على الكتب الستة الأصول، أو عليها وعلى مسند أحمد بن حنبل من المؤلفات الحديثية الأخرى ليتكون من مجموع هذه الكتب ما يعطي صورة مستوعبة أو شبهًا للسنة النبوية المطهرة، وذلك ما يعرف بين المحدثين بكتب الزوائد، ومنها مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، كما أن منها المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر. ومنها ما وضع قصدًا إلى توضيح أحاديث كتب الأصول الستة أو غيرها بيانًا للغريب من الأحاديث أو شرحًا لها، أو دفعًا للتضارب الذي يظهر بينها، ومن هذه الكتب الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير، وفتح الباري وعمدة القاري وإرشاد الساري وفيض القدير. ومن المؤلفات من وضع لبيان اصطلاحات المحدثين مما يعرف باسم كتب أصول الحديث أو علوم الحديث، مثل كتاب التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، ونخبة الفكر وشرحها، وفتح المغيث شرح ألفية الحديث، وتدريب الراوي شرح تقريب النواوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ومنها ما وضع لتخريج الأحاديث الواردة في بعض الكتب، وغزوها إلى المصادر الأصلية التي وردت فيها وتقويمها ببيان درجتها، رغبة في فرز السنة لاختيار مقبولها ونفي ما عداه، ومن ذلك كتاب المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، وكتاب التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ومناهل الصفا لتخريج أحاديث الشفا. ومن المؤلفات ما وضع بيانًا لرواة الحديث ونقلته، والتأريخ لولادتهم ووفاتهم، وتمييز العدول من المجروحين، حرصًا على تنقية السنة ونفي الدخيل عنها، وتنزيهًا لساحتها من رواية الضعفاء والمجاهيل وكذب الوضاعين، وهذا النوع يسمى بكتب الرجال، ومنه كتاب الإصابة في تمييز الصحابة، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع، وطبقات الحافظ، وإسعاف المبطأ برجال الموطأ. في كل هذه الأنواع من المؤلفات وفي غيرها مما سبق لنا إيراده في الفصل الأول من هذا الباب كتب علماء الحديث في مصر، ودونوا من المؤلفات ما يعول عليه الدارسون للسنة، ولكل منهم فيما كتب منهجه الذي سلكه وتميز به، ولنضرب أمثلة لذلك لمناهجهم في تناول أحاديث الأحكام ليستدل بها على طريقتهم فيما سواها. كان منهم من يحذف الإسناد اختصارًا، ويستعيض عنه بعزو الأحاديث وتخريجها وتقويمها، وعرضها لمن يريد الانتفاع بها، بعد أن يختارها من أقوى الأحاديث متنًا وأصحها إسنادًا مما اتفق عليه الشيخان، وذلك كما فعل الإمام المقدسي في كتابه عمدة الأحكام. وكان منهم من توسع فيما رجع إليه من المادة الحديثية، واستقاها من كتب الأصول الستة ومن مسند أحمد، واستغنى بالغزو إلى هذه المسانيد عن الإطالة بذكر الأسانيد، وأغفل تقويم الأحاديث اعتمادًا على استمدادها من كتب الأصول التي تلقتها الأمة بالقبول، وذلك كما فعل ابن تيمية في كتابه المنتقى. وكان منهم من التزم الرواية من أسانيد بعينها لا يعدوها إلى غيرها، واختار أعلاها وأقواها، وركز البيان عن رجالها والكشف عن أحوالهم، ثم أورد رواياتهم في كتب السنة دون أن يعزو من هذه المرويات ما كان متفقًا عليه في الصحيحين، أما ما كان في أحدهما أو في غيرهما من كتب السنة -كالموطأ ومسند أحمد- فإنه يعزوه إلى أصله، وكان من منهجه عند العزو أنه يريد أصل الحديث لا ذلك اللفظ، وذلك كما فعل الحافظ العراقي في كتابه تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد. ومنهم من اختصر في كتابه على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، وبيان مخرج الحديث بعد ذكره نصحًا للأمة، وقدم الضروري من الأدلة في إيجاز يعين على الحفظ والفهم دون توسع، ورمز للتخريج برموز بَيَّنها في مقدمة كتابه، وجرد الأحاديث من أسانيدها، واختار نخبة من الأحاديث متجهًا في أكثر ما اختاره منها إلى ما بنى عليه أحد الأئمة مذهبه في الفقه بمقتضى الميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 والمناضرة، ولم يمنعه ذلك من إيراد أدلة المذاهب الأخرى تحقيقًا لأمانة العلم، ودفعًا؟؟؟ المذهبي، وتقريبًا لأدلة الأحكام إلى الدارسين، وذلك كما في كتاب بلوغ المرام أدلة الاحكام. ومنهم من حشد في كتابه جميع ما استدل به الأئمة الأربعة أصحاب المذهب المشهورة وغيرها من صريح السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين، وجرده من أقوال جميع المجتهدين التي لم تصرح بها الشريعة -على حد قول مؤلفه- فجمع من كتب الحديث التي تيسرت له عند تأليف كتابه أحاديث الشريعة وآثارها، وتوسع في الأخذ عن كثير من هذه الكتب كموطأ مالك، ومسند الإمام سنيد بن داود -وهو من أقران مالك يروي عن وكيع- وكالصحيحين، ومسانيد الأئمة الثلاثة أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح الحاكم، وصحيح ابن خزيمة وابن حبان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والمختارة للضياء المقدسي، فأخذ من كل هذه الكتب مادة حديثية خصبة قربها إلى الدارسين، ليأخذ كل بما يفتح الله به عليه منها، ولم يعز أحاديث الكتاب إلى من أخرجها من الأئمة استنادًا إلى أنه لا يروي إلا ما استدل به الأئمة المجتهدون في مذاهبهم، واقتصر من الحديث على إيراد محل الاستدلال المطابق للترجمة، ولا يكرر حديثًا في باب إلا إذا اشتمل على زيادة حكم ظاهر لا يوجد في الحديث الذي قبله، وقدم لطلاب أدلة الأحكام مادة حديثية مجردة، وترك أمرين بارزين تقحم فيهما كثير من العلماء والفقهاء: هما التأويل والحكم بالنسخ؛ لأن كلا منها لا يخلو من إظهار شخصية حيال الحديث النبوي الكريم، وذلك كما فعل الإمام الشعراني في كتابه كشف الغمة عن جميع الأمة. ومثل هذا التعدد في مناهج المحدثين في كتب أحاديث الأحكام كان اختلاف المناهج في غيرها من أنواع العلوم الحديثية الأخرى، ففي كتب الترغيب والترهيب، وفي كتب الجوامع العامة، وفي كتب الزوائد، وفي توضيح المبهمات، وفي كتب أصول الحديث، وفي كتب التخريج وكتب الرجال، في كل ذلك وفي غيره من أنواع علوم السنة الأخرى تعددت المناهج، واختلفت الطرائق فإن في بعضها بسطًا، وفي الآخر اختصارًا، وفي بعضها التزامًا برواية الصحيح أو المقبول، وفي الآخر عدم التزام به مع التنبيه، ولكنها جميعًا كانت تدور في فلك واحد هو خدمة السنة، وتهدف إلى غاية واحدة كانت مقصدا لمناهج المحدثين في دورها الأخير فيما قبل سقوط بغداد، هي تقريب السنة إلى طلابها وعرض النافع منها والتنبيه على ما عداه، وبذلك يمكن أن نعتبر مناهج المحدثين فيما بعد سقوط بغداد امتداد للدور الأخير من مناهجهم قبل ذلك في مرحلة التقليد والاختصار والتقريب، ثم محاولة جمع الشتيت من علوم السنة ومادتها، وإضافة الجديد إلى كل من هذه العلوم: من شرح لغامض، أو بيان لمبهم، أو تفصيل لمجمل، أو توفيق بين النصوص الحديثية حين يظهر بينها التعارض والاختلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وهذه أمثلة أخرى لما تصرف بها المتأخرون في بعض كتب الأولين، تستبين منها مناهجهم في اختيار بعض العلوم الحديثية وإفرادها بالتأليف. ففي الكتب المخرجة على الصحاح من كتب الحديث أملى الحافظ العراقي مستخرجًا على مستدرك الحاكم ولكنه لم يكمل، والمستخرج عندهم أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديث بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو فيمن فوقه -ولو في الصحابي- مع رعاية ترتيبه ومتونه وطرق أسانيده، وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندًا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة، وربما لم يجد المخرج سندًا يرتضيه للحديث فيسقطه، أو يذكره من طريق صاحب الكتاب. وفي كتب السنن التي اصطلح العلماء على أنها المرتبة على الأبواب الفقهية كتب الشيخ علاء الدين بن التركماني حاشية على كتاب السنن الكبير للبيهقي، سماها الجوهر النفي في الرد على البيهقي، في سفر كبير أكثرها اعتراضت عليه ومناقشات له ومباحثات معه، وقد لخصها قاسم بن قطلوبغا الحنفي في كتاب سماه ترجيع الجوهر النقي، ورتبه على ترتيب حروف المعجم ولم يكمله، ووصل منه إلى حرف الميم. وفي مجال الكتب المرتبة على أبواب الفقه مما اشتملت على السنن أو ما هو في حيزها كتب بدر الدين العيني شرحًا على معاني الآثار للطحاوي سماه مباني الأخبار في شرح معاني الآثار. وفي كتب الأحاديث المسلسلة وهي التي تتابع رجال إسنادها على صفة أو حالة ألف أبو زرعة العراقي كتابًا في الأحاديث المسلسلة، كما ألف الحافظ شمس الدين السخاوي كتابًا جمع فيه مائة مسلسل مبينًا شأنها، وكذلك الحافظ السيوطي الذي ألف المسلسلات الكبرى وهي خمسة وثمانون حديثًا، كما ألف جياد المسلسلات. وفي مجال كتب الشمائل والسير اختصر عز الدين بن جماعة كتاب الروض الأنف في شرح غريب السير لأبي القاسم السهيلي في كتاب سماه نور الروض، وكتب حاشية عليه شرف الدين يحيى بن محمد المناوي، جردها سبطه عبد الرءوف المناوي، وقد ألف أبو الفتح بن سيد الناس كتابًا في السيرة سماه عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. وفي كتب المتفق والمفترق اختصر الحافظ ابن حجر مختصر الحافظ الذهبي الذي جمعه في مشتبه الأسماء والنسبة ملخصًا من عبد الغني المقدسي وابن ماكولا وابن نقطة وأبي الوليد القرضي، وقد سمى مختصره هذه تبصير المنتبه وتحرير المشتبه في مجلد زاد فيه على أصله كثيرًا، واختصر القاضي علاء الدين بن التركماني كتاب الخطيب البغدادي المسمى تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 منه عن بوادر التصحيف والوهم، كما اختصره السيوطي أيضًا في كتاب سماه تحفة النابة بتلخيص المتشابه، وللحافظ ابن حجر مؤلف بديع في الألقاب سماه نزهة الألباب، جمع فيه مع التلخيص ما لغيره وزيادة، وللسيوطي كشف النقاب عن الألقاب، وكتاب المنى في الكنى. وفي كتب مبهم الأسانيد أو المتون من الرجال والنساء اختصر كتاب ابن بشكوال المسمى بالغوامض والمبهمات أبو الحسن علي بن الحافظ عمر بن الملقن، وأتى فيه بزيادات، وألف الحافظ قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد القسطلاني المصري المتوفى سنة ست وثمانين وستمائة كتابًا سماه الإفصاح عن المعجم من الغامض والمبهم رتبة على الحروف، كما صنف الشيخ ولي الدين أبو زرعة العراقي كتابًا سماه المستفاد من مبهمات المتن والإسناد رتبه على أبواب الفقه ليسهل الكشف منه، واعتنى الحافظ ابن حجر بتحرير المبهمات بالنسبة للبخاري خاصة. وفي كتب الأنساب لخص الحافظ السيوطي كتاب اللباب لعز الدين محمد بن محمد بن الأثير الجزري في كتاب سماه لب اللباب في تحرير الأنساب وزاد فيه على أصله أشياء، وهو في مجلد لطيف، كما لخص أنساب السمعاني القاضي قطب الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن خضير، وضم إليها ما عند ابن الأثير والرشاطي وغيرهما من الزيادات وسماه الاكتساب في تلخيص كتاب الأنساب. وفي كتب تواريخ الرجال وأحوالهم رتب الحافظ قاسم بن قطلوبغا من تلاميذ الحافظ ابن حجر كتاب الإرشاد في علماء البلاد لأبي يعلى الخليلي القزويني. وفي كتب المعاجم ألف شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي كتابًا ضمنه شيوخه وهم ألف وثلاثمائة، كما ألف كل من أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد التنوخي المصري، وتقي الدين السبكي معجمًا كذلك. وفي مجال كتب الطبقات المشتملة على ذكر الشيوخ وأحوالهم ورواتهم -طبقة بعد طبقة وعصرًا بعد عصر إلى زمن المؤلف- رتب الحافظ نور الدين الهيثمي كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم في كتاب سماه تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية، وكتب في طبقات الشافعية الشيخ تقي الدين السبكي. وفي كتب الضعفاء والمخرجين من الرواة ذيل الحافظ العراقي على ميزان الاعتدال للذهبي بذكر جماعة فاتهم وهو في مجلد، كما عمل شيخ الإسلام ابن حجر لسان الميزان ضمنه الميزان وزوائده في مجلدين، كما رتب الحافظ نور الدين الهيثمي كتاب الثقات لابن حبان بإشارة شيخه العراقي وولده أبي زرعة، وللشيخ قاسم بن قطلوبغا كتاب الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة في أربع مجلدات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وفي كتب علل الأحاديث ألف الحافظ ابن حجر كتاب الزهر المطول في الخبر المعلول. وفي كتب الموضوعات اختصر الحافظ السيوطي كتاب الموضوعات الكبرى لأبي الفرج بن الجوزي في كتابه الذي سماه اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، كما ذيل عليه بكتاب سماه ذيل اللآلئ، وله كذلك تعقبات على ابن الجوزي سماه النكت البديعات على الموضوعات، ثم اختصره في كتاب سماه التعقبات على الموضوعات، وقد ألف خاتمة المحدثين أبو عبد الله محمد بن يوسف علي الشامي المصري المتوفى سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة كتاب الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة. وفي الأمالي أملى الحافظ زين الدين العراقي نحو أربعمائة مجلس، وأملى السخاوي شمس الدين نحو ستمائة مجلس في مكة وفي غيرها، وأملى السيوطي ثمانين مجلسًا، كما أملى الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة للغزالي. وفي كتب رواية الأكابر عن الأصاغر والآباء عن الأبناء وعكسه لخص الحافظ ابن حجر كتاب الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، لصلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، وزاد عليه تراجم كثيرة. وفي الأطراف كتب الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضًا في أطراف الكتب العشرة كتابًا سماه إتحاف المهرة بأطراف العشرة في ثمان مجلدات "والعشرة التي ذكر أطرافها هي: الموطأ ومسند الشافعي ومسند أحمد ومسند الدارمي وصحيح ابن خزيمة، ومنتقى ابن الجارود وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومستخرج ابن عوانة وشرح معاني الآثار وسنن الدارقطني"، وزاد العدد واحدًا لأن صحيح ابن خزيمة لم يوجد منه نحو ربعه، كما جمع الحافظ العراقي أطراف صحيح ابن حبان، وجمع أبو العباس أحمد بن أبي بكر محمد بن إسماعيل البوصيري المتوفى بالقاهرة سنة أربعين وثمانمائة أطراف المسانيد العشرة "مسند أبي داود الطيالسي ومسند مسدد ومسند الحميدي ومسند ابن أبي عمر العدني، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة ومسند أحمد بن منيع ومسند عبد بن حميد ومسند الحارث ومسند أبي يعلى الموصلي". وفي كتب الزوائد ألف العلماء المصريون كثيرًا من الكتب، نوردها بأسمائها وأسماء مؤلفيها في الفصل الذي نعقده لدراسة الزوائد بإذن الله. وفي الجمع بين بعض الكتب الحديثية شرح الحافظ قاسم بن قطلوبغا كتاب جامع المسانيد الخمسة عشر المنسوبة لأبي حنيفة من تخاريج الأئمة من أصحابه الأربعة فمن بعدهم، وألف السيوطي جامع المسانيد، وجمع الحافظ نور الدين الهيثمي أحاديث الغيلانيات والخلعيات وأفراد الدارقطني وفوائد تمام مع ترتيبها على الأبواب في مجلدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وفي مجال كتب التخريج -وهو من العلوم المستحدثة بعد حذف الأسانيد في مرحلة اختصار السنة وتقريبها- خرج الحافظ جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي المصري أحاديث الكشاف استوعب ما فيه من الأحاديث المرفوعة، فأكثر من تبيين طرقها وتسمية مخارجها، ولم يتعرض غالبًا للآثار، وخرج الحافظ العراقي أحاديث الإحياء، وخرج الحافظ ابن حجر أحادبث الكشاف في كتابه العافي الشاف ملخصا من تخريج الزيلعي، وخرج الشيخ عبد الرءوف المناوي أحاديث تفسير البيضاوي، وخرج السخاوي والسيوطي وابن الملقن والتاج السبكي وابن التركماني أحاديث كتب كثيرة، نشير إلى الكثير منها في الفصل الذي عقدناه لكتب التخريج بإذن الله. وفي مجال الكتب المؤلفة في الأحاديث المشهورة على الألسنة ألف الحافظ شمس الدين السخاوي كتابه المقاصد الحسنة في بيان الأحاديث المشهورة على الألسنة، كما ألف الحافظ السيوطي كتاب الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، ملخصًا إياه من تذكره الزركشي مع زيادة عليه، والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير في نحو من ألفين وثلاثمائة، للشيخ عبد الوهاب الشعراني المصري انتخبها من جوامع السيوطي مع المقاصد الحسنة. وفي كتب الفتاوى الحديثية فتاوى شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، والأجوية المرضية عما سئلت عنه من الأحاديث النبوية، للحافظ السخاوي، وفتاوي جلال الدين السيوطي ومنها كتاب الحاوي للفتاوى، وفتاوى شهاب الدين أحمد بن حجر السعدي الهيثمي المصري. وفي الكتب المفردة في جمع أحاديث بعض أنواع الحديث جمع السيوطي كتابه الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة، ومختصره المسمى بالأزهار المتناثرة له أيضًا، ولخص أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المصري كتاب اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة، لشمس الدين محمد بن طولون مسند الشام، وسماه لفظ اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة. وفي كتب التفاسير والشروح الحديثية ألف العلماء عددًا كبيرًا من الكتب نشير إلى بعضها فيما خصصناه لهذا النوع بإذن الله. وفي كتب السيرة النبوية والخصائص المحمدية سيرة أبي الفتح بن سيد الناس الصغرى، وهي المسماة بنور العيون في تلخيص سير الأمين المأمون، والزهر الباسم في سيرة المصطفى أبي القاسم للحافظ علاء الدين مغلطاي، واختصرها في كتاب سماه الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا والسيرة الكبرى لعز الدين بن جماعة والصغرى له أيضًا، والسيرة لشرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، والسيرة لقطب الدين الحافظ عبد الكريم بن عبد النور المصري، المعروف بابن أخت الشيخ نصر، والسيرة للحافظ ابن حجر، ومن خير من كتب في السيرة خاتمة المحدثين محمد بن يوسف بن علي الشامي نزيل القاهرة، ألف كتابًا في نحو من أربع مجلدات ضخام، سماه سبل الهدى والرشاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 في سيرة خير العباد، ذكر فيه فضائله وأعلام نبوته وأحواله وأفعاله في البدء والمعاد، وانتخبه من أكثر من ثلاثمائة من كتب المتقدمين وتحرى فيه الصواب، وقد زادت أبوابه على سبعمائة، ختم كلا منها ببيان المشكل من غريب اللفظ، وكتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية لأبي العباس أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني المصري، وحاشيتها لأبي الضياء الشيراملسي المصري، وغير ذلك من كتب السيرة الكثيرة. وفي كتب بيان حال الرواة وضبط أسمائهم وأسماء بلدانهم اختصر السيوطي معجم ياقوت الحموي، وسماه بهذا الاسم ولم يكمله، ولابن حجر ولغيره من أعلام مصر مؤلفات نشير إليها في موضعها بإذن الله. وفي كتب الوفيات ألف الحافظ عبد العظيم المنذري كتاب التكملة لوفيات النقلة، كما ألف غيره من الأعلام كتبًا نذكرها في كتب الرجال. وفي كتب المصطلح ألفوا كذلك كتبًا نعقد لدراستها فصلًا نشير في مقدمته إلى بيان هذا الكتب وأسماء مؤلفيها إن شاء الله. هذه أهم أنواع العلوم الحديثية التي تناولها الأعلام من المحدثين في مصر بعد سقوط بغداد، واختيار أحد هذه العلوم للتأليف يعد منهجًا لمن يؤلف فيه، ولكل مؤلف في كتابه منهج خاص بهذا الكتاب، وباستعراض هذه الأنواع من العلوم ومناهج بعض الكتب المؤلفة فيها يتبين أنها تدور حول اختصار السنة وجمعها وترتيبها وتقريبها إلى الدارسين بالشرح والتهذيب، والبيان والتبويب، وقد كان من مظاهر الاختصار حذف الأسانيد، والاكتفاء بتخريج الأحاديث بعزوها إلى الكتب التي استمدت منها، وتقويم هذه الأحاديث ببيان درجتها غالبًا، والتنبيه إلى الضعيف منها والموضوع ثم محاولة إضافة الجديد إلى علوم الأولين ومؤلفاتهم بما يخدم السنة، ويجعلها دانية لمن أراد الانتفاع بها في دينه ودنياه. على أنه لا بد لنا -قبل الانتهاء من هذه الدراسة- أن ننبه إلى أنه لم يكن في منهج المتأخرين في جمع السنة أخذها عن طريق المشافهة أو الرواية بالأسانيد، ضرورة أن عهد الرواية قد انتهى بانتهاء القرن الثالث، وإن كان قليل منهم قد حاول ذلك في بعض كتبه، كما سيتبين ذلك فيما يأتي في دراسة المدونات الحديثية إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الفصل الثالث: مقارنة وموازنة تمهيد: بعد أن عرضنا ما تيسر لنا من مناهج كل من العهدين قبل سقوط بغداد وبعد سقوطها، فإننا نستطيع على ضوئه وبإضافة ما سنح لنا بعد النظر في هذا الخضم الحافل من الكتب المختلفة، وما بينها من جهات التشابه ونواحي الاختلاف أن نذكر أهم ما ينبغي إيراده من ذلك، بعد أن نشير إلى أنه من العسير إيجاد الحدود الدقيقة الفاصلة بين عهد وعهد، يتميز فيه أحدهما عن الآخر تميزًا تامًّا، فإن ذلك شيء تأباه طبائع الأشياء، وإننا مهما حاولنا إيجاد حد فاصل بين عهد وعهد فسوف نجد التداخل بين تلك العهود، والترابط بين الخلف وسلفه يأبى إلا أن يقتحم على تلك المحاولة بما ينقضها، كما أنه من العسير إيجاد ذلك بين قطر وقطر، فإن الرحلات بين العلماء في مختلف الأقطار تستلزم أن يأخذ بعضهم عن الآخر معارفه ومناهجه، ويستفيد بذلك فيما ينقله إلى وطنه عند عودته إليه، وسيتجلى ذلك فيما نورده من عرض هذه المقارنات في ألوانها المختلفة وصنوفها المتعددة. ولا يفوتنا في هذا المقام أن ننوه بقدر مشترك بين هذه العهود سابقها ولاحقها، في أن جهودًا عظيمة لم يخل منها عصر من عصور الإسلام وجهتها عناية ربانية كريمة للحفاظ على هذا الدين إلى الإسهام المشكور في خدمة هذه السنة النبوية المطهرة، التي هي أول ما يجرع إليه في هذا الدين بعد كتاب الله عز وجل، فقد أسهم الجميع بجهود صادقة في حدود ما ترتبط به ثقافة عصورهم في تحمل هذه السنة النبوية الكريمة وأدائها إلى المسلمين. المقارنة والموازنة: أما الذي يدل عليه النظر في هذه الكتب التي بين أيدينا من مؤلفات لعلماء الحديث في القديم والحديث فإننا نلخصه فيما يأتي: أولًا- تشترك هذه المؤلفات في مختلف هذه العهود إجمالًا فيما يلي. 1- جمع السنة، ونعني به أن كلا من السلف والخلف من أهل الحديث قد عني بجمع الأحاديث النبوية ونقلها إلى الأمة مصطبغًا في هذا الجمع بما يناسب عصره مما أشرنا إليه في أدوار نقل السنة. 2- ترتيب الأحاديث على الأبواب الفقهية، وقد بدأ هذا الأمر مبكرا لشدة عناية رجال الدين به قاطبة -وعلى رأسهم أئمة الحديث- وإن كان هناك اختلاف يسير بين بعض الكتب وبعض في ذلك الترتيب بحسب ظروف التأليف والعصر، وهذه ظاهرة تبدو بارزة في كثير من المؤلفات على اختلاف العصور، وكان أول ما ظهر من ذلك في عصر تدوين السنة موطأ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وأول ما ظهر من ذلك العهود المتأخرة عمدة الأحكام للمقدسي المتوفى سنة 600هـ والذي ألفه قبيل سقوط بغداد، على أن صاحبه قد جرد أحاديثه من الأسانيد اختصارًا، واعتمادًا على ما انتهجه لنفسه من قصره على ما في الصحيحين البخاري ومسلم من أحاديث الأحكام الفقيهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 3- كتب الترغيب والترهيب، والكناية في هذا الموضوع قدر مشترك بين العهدين، وإن كانت التسمية بهذا الاسم مما اختص به العهد الذي سبق سقوط بغداد، وأما ما ظهر بعد ذلك فللمؤلفات فيه أسماء أخرى، كالمتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي، والزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي، ورياض الصالحين وبستان العارفين للنووي. 4- كتب التفسير بالمأثور، ومن أبرز ما ظهر في كتب المتقدمين تفسير ابن جرير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم وتفسير بقي بن مخلد. وغيرها، كما أن من أبرز ما عرف للمتأخرين تفسير السيوطي المسمى بالدر المنثور في التفسير بالمأثور. 5- كتب الشمائل والسير، ومن أبرز ما عرف من السيرة للمتقدمين سيرة محمد بن إسحاق وهي موردة بالأسانيد، جردها ابن هشام ونسبت إليه، وقد وردت السيرة النبوية في قدر كبير من طبقات ابن سعد، وكذلك سيرة موسى بن عقبة. ومن أبرز كتب الشمائل للمتقدمين شمائل الترمذي، ويتصل بذلك دلائل النبوة لأبي نعيم، وللبيهقي، ولأبي بكر الفريابي، ومن أظهر ما عرف للمتأخرين سيرة أبي الفتح بن سيد الناس اليعمري وسيرة الحافظ الدمياطي، وهذه السير مجردة من الأسانيد على طريقة العصر. 6- كتب الأمالي الحديثية، وقد سبق تصويرها في منهج المتقدمين، ومما عرف من هذه الكتب للأوائل الأمالي للحافظ ابن عساكر، وأمالي يحيى بن منده، وأمالي أبي بكر الخطيب، وأمالي الخلال، وهذا النوع قل وجوده في المتأخرين، فإن منهم من حاول إحياء سنته كالحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر والسخاوي والسيوطي، غير أنهم لم يبلغوا في ذلك مبلغ المتقدمين. 7- كتب الأحاديث المسلسلة، والحديث المسلسل هو الذي يذكر فيه حالة معينة عند الرواية ومما للأولين في ذلك مسلسلات أبي بكر بن شاذان، والمسلسل بالأولية لأبي طاهر السلفي المتوفى بالإسكندرية سنة ست وسبعين وخمسمائة، ولم يظهر هذا النوع مبكرًا بين المتقدمين، ولهذا كان المتأخرون أكثر حظًّا منهم في تاليفه، ومما عرف للمتأخرين من ذلك كتاب العذب السلسل في الحديث المسلسل للذهبي، ومثله لتقي الدين السبكي، وكذلك لولي الدين أبي زرعة، وشمس الدين السخاوي، وجلال الدين السيوطي، وغيرهم كثير. 8- كتب الأربعينات، والمراد بها كل كتاب يشتمل على أربعين حديثًا -وإن اختلفت مناهج التأليف فيها- فإن منها ما كان في موضوعات مختلفة كالأربعين النووية، ومنها ما كان خاصًّا بموضوع معين مثل الجهاد أو الفروع أو الزهد أو الآداب أو نحو ذلك كما نص عليه النووي في خطبة كتابه الأربعين، وقد كثرت الأربعينات كثرة تلفت نظر الباحث في السنة وعلومها، وكان الحافظ على هذه الكثرة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا في أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 دينها بعثه الله تعالى في زمرة الفقهاء والعلماء" وهذا الحديث وإن كان في إسناده ضعف فقد روي من عدة طرق بروايات متنوعة، وقال النووي: اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال1. ويقول رحمه الله في هذا المقام: وقد صنف العلماء في هذا الباب. ما لا يحصى من المصنفات وأول من علمته صنفه فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي، ثم الحسن بن سفيان النسائي، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني والحاكم، وأبو نعيم وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعيد الماليني، وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين. وفيما أورده النووي في هذا المقام ما فيه غنية لنا في عرض هذه الناحية، غير أنه لا بد أن نضيف إلى ذلك أسماء بعض من عرفنا من المتأخرين تحقيقًا لبيان اشتراكهم مع المتقدمين في هذا النوع. فمن ذلك كتب الأربعين في أذكار المساء والصباح لمحمد بن البطال، والأربعين لابن الجزري من علماء القرن التاسع، والأربعبن لابن حجر العسقلاني. 9- كتب مفردة في أبواب مخصوصة من الدين، كتثبيت رؤية الله والإخلاص لابن أبي الدنيا، ولأبي الفرج الجوزي أيضًا، والإيمان لابن أبي شيبة، وذم الكلام للإمام الهروي، وفضل السواك لأبي نعيم الأصفهاني، وللحاكم أيضًا، والصلاة لأبي نعيم، والقراءة خلف الإمام للبخاري، والبسملة لابن عبد البر، وعشرة النساء لأبي القاسم الطبراني، وكان حظ الأولين من هذا النوع كثيرًا جدًّا، وكان للمتأخرين منه نصيب قليل ظهر في أوائل عهدهم، مثل أشراط الساعة لعبد الغني المقدسي، والبعث والنشور للضياء المقدسي، والدرة الثمينة في فضائل المدينة لابن النجار وغير ذلك. 10- كتب المعاجم، وهي في اصطلاحهم ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو القبائل أو البلدان أو نحو ذلك، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء، كمعاجم الطبراني الثلاثة الصغير والأوسط والكبير، وكمعجم الصحابة لأحمد بن علي بن لال المتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وكمعجم الشيوخ لأبي بكر الإسماعيلي، وهذه الأمثلة لصنع المتقدمين في المعاجم، وبالتتبع يظهر أن حظهم فيه أوفر من نصيب المتأخرين فيه، وممن ألف في المعاجم من المتأخرين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفى سنة ست وسبعمائة، وأبو إسحاق التنوخي المتوفى سنة ثمانمائة، وتقي الدين السبكي، والشمس محمد بن أحمد الذهبي إلى غير ذلك. 11- كتب الطبقات، وهي التي تشتمل على ذكر الشيوخ وأحوالهم ورواياتهم طبقة بعد طبقة وعصرًا بعد عصر إلى زمن المؤلف، وهي بهذا المعنى مما حاز الأولون فيه قصب السبق، وظفروا منه بأكبر نصيب، وأقدم ما عرفناه لهم من تلك الكتب طبقات ابن سعد، وهي الآن متداولة   1 من الأربعين ص9 تعليق الشيخ الشحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مشهورة، تناول فيها تراجم الصحابة والتابعين ومروياتهم إلى العصر الذي كان يعيش فيه، وطبقات مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، وطبقات النسائي صاحب السنن، ومن ذلك حلية الأولياء لأبي نعيم، وغيرها مما ألفه المتقدمون في هذا الباب، وللمتأخرين من هذا النوع مؤلفات منها كتاب نور الدين الهيثمي: تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية، ومما ألف من هذا النوع خاصًّا بتراجم الرواة غالبًا كتاب طبقات الشافعية لتقي الدين السبكي، وطبقات الحفاظ للذهبي. 12- كتب المشيخات، وهي التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه، وإن لم يلقهم، كمشيخة الحافظ أبي يعلى الخليلي، ومشيخة أبي يوسف يعقوب بن سفيان من المتقدمين، وكمشيخة تاج الدين علي بن أنجب بن الساعي البغدادي، ومشيخة أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن البخاري المقدسي من المتأخرين. 13- كتب علوم الحديث -أي مصطلحه- ذكرت فيها أخبار بأسانيد، ككتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، وهو أول ما عرف من المصنفات مستقلًّا في هذا العلم وإن كان لم يستوعب، ثم تلاه أبو عبد الله الحاكم، ثم أبو نعيم وغيرهم مما نورده مفصلًا في موضعه بإذن الله. 14- كتب الشروح الحديثة -وهي كثيرة جدًّا- ولكن حظ المتأخرين منها كان أكثر ممن سبقهم شأن تطور التأليف، ومن بين ما عرف للمتقدمين في هذا النوع شرحًا للبخاري كتاب أعلام السنن للإمام الخطابي، وشرح المهلب بن أبي صفرة له أيضًا، وشرح ابن بطال كذلك مما بلغ نحو عشرة شروح للبخاري في هذا العهد، ومما عرف لهم في شروح مسلم شرح الإمام إسماعيل الأصفهاني وشرح المازري ولم يكمله ثم الإكمال في شرح مسلم للقاضي عياض وغيرها مما بلغ نحو ستة شروح لمسلم في هذا العهد، ومن أبرز ما عرف للمتأخرين من شروح البخاري كتاب النووي الذي شرح به قطعة من البخاري، ولم يكمله، وكتاب التلويح لابن مغلطاي، ثم فتح الباري وعمدة القاري وهما أبرز هذه المؤلفات وأكثرها تداولًا بين العلماء، ولشرح مسلم كتاب المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، وشرح زوائده على البخاري لابن الملقن، وشرح تقي الدين أبي بكر الحصني، ثم الديباج للسيوطي، ومنهاج الابتهاج للخطيب القسطلاني، وغيرها من الشروح العديدة للصحاج وغيرها من كتب السنة. في هذه الأنواع التي ذكرنا من علوم الحديث وفي غيرها مثل معرفة الأسماء والكنى والألقاب وتواريخ الرجال وأحوالهم والمتفق والمفترق لفظًا وخطًّا، والضعفاء والعلل والموضوعات وكتب الأطراف والوفيات وكتب جمع طرق بعض الأحاديث ونحوها تضافرت جهود المتقدمين والمتأخرين على الكتابة فيه بما وسعته طاقتهم، وفي حدود مناهجهم وثقافاتهم، وما منحتهم العناية الإلهية من توفيق وتيسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ثانيًا- ما اختص المتقدمون بالتأليف فيه نورده مرتبًا على النحو التالي: 1- المجموعات الحديثية الأولى، كمدونات ابن جريج وابن إسحاق والربيع بن صبيح وسفيان الثوري وموطأ مالك ومسانيد الأئمة الأربعة فيما عدا مالكًا وغيرها مما سبق إيراده. 2- الأصول الحديثية التي جمع فيها أئمة الحديث البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأحاديث المعتبرة التي عول عليها من جاء بعدهم في الاحتجاج والاستدلال، وكانت مادة لهم في الترتيب والتبويب والتقريب على مناهجهم المختلفة وطرائقهم المتعددة، وقد سبق بيان هذه الكتب تفصيلًا حديثًا عن منهج المتقدمين في القرن الثالث. 3- الكتب المنتقاة من صحاح الآثار والسنن، كمنتقى ابن الجارود، ومنتقى قاسم بن أصبغ والصحيح المنتقى لابن السكن، غير أن الأخير مجرد من الأسانيد في اختياره لأحاديث الأحكام التي قصر عليها كتابه، وقد نهج نهجه في الاقتصار على أحاديث الأحكام وتجريدها من الإسناد العلامة مجد الدين بن تيمية في أواخر هذا العهد في كتابه الذي سماه المنتقى، وشرحه الشوكاني في كتابه المشهور نيل الأوطار. 4- كتب المسانيد، التي جمعها أئمة الحديث المتقدمون على اختلاف مناهجهم كمسند أحمد، ومسند مسدد، ومسند إسحاق بن راهويه، وغيرها مما سبق إيراده. 5- كتب سميت بكتب الصحاح، واقتصر مؤلفوها على إيراد ما صح عندهم من الأحاديث والآثار مدعمة بأسانيدها، ومن ذلك صحيح أبي عوانة، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان. 6- كتب المستخرجات على الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما، وهي كثيرة منها مستخرج الحافظ أبي بكر الإسماعيلي، ومستخرج الحافظ الغطريفي، ومستخرج الحافظ أبي عبد الله المعروف بابن أبي ذهل الضبي، ومستخرج الحافظ ابن مردويه وهذه الأربعة على صحيح البخاري، ومستخرج الحافظ أبي عوانة الإسفراييني، والحافظ قاسم بن أصبغ القرطبي، والحافظ محمد بن رجاء الإسفراييني، والحافظ الجوزقي، والحافظ أبي محمد أحمد الشاركي، ومستخرجات هؤلاء على صحيح مسلم، وهناك مستخرجات أخرى على غير هذه من كتب السنة، ولم يشاركهم المتأخرون في هذا النوع من التأليف إلا ما ذكر عن الحافظ العراقي من أنه أملى على المستدرك للحاكم مستخرجا لم يكمل. 7- المستدرك على الصحيح، ولم نعرف من هذا النوع إلا كتابًا ألفه أبو عبد الله الحاكم على صحيحي البخاري ومسلم، أورد فيه الأحاديث التي تركا إيرادها في الصحيحين وهي مستوفية لشروطهما في الرواية، على ما فيه من مغامز وردت في كتب المصطلح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 8- كتب الناسخ والمنسوخ من القرآن والحديث، وقد كان تأليفها في أول هذا العهد بأسانيدها، ومما ألف في الناسخ والمنسوخ من القرآن كتاب لأبي عبيد القاسم بن سلام، وآخر لأبي بكر بن الأنباري، وثالث لأبي جعفر بن النحاس، ومما ألف في الناسخ والمنسوخ من الحديث كتاب الناسخ والمنسوخ لأحمد بن حنبل، ومثله لأبي داود، ومثلهما لأبي بكر الأثرم، وممن كتب في الناسخ والمنسوخ مجردًا أبو الفرج الجوزي، ولا يعرف للمتأخرين مشاركة في هذا النوع من علوم الحديث. 9- كتب اختلاف الحديث وهي كتب وضعت لدفع ما يتوهم من تضارب بين بعض الأحاديث وبعض، أو بينهما وبين ما هو معروف من أمور الدين، ومن هذه الكتب اختلاف الحديث للشافعي، وهو من رواية الربيع بن سليمان المرادي عنه، وكتاب لابن قتيبة سماه تأويل مختلف الحديث وهو معروف متناول، ومن ذلك مؤلف لابن جرير الطبري، وآخر للإمام الطحاوي سماه مشكل الآثار وهو مطبوع ومتداول أيضًا. ولا يعرف للمتأخرين كتابة مستقلة في هذا النوع إلا ما يقع منها في شروح الأحاديث على ما سنبينه بإذن الله في الحديث عن كتب الشروح الحديثية. 10- كتب المراسيل: وقد اختص المتقدمون بهذا النوع، وذلك مثل كتاب المراسيل لأبي داود في جزء لطيف مرتب على الأبواب، ومثله لابن أبي حاتم أيضًا وهو مرتب على الأبواب وأما ما عرف من صلاح الدين العلائي في كتابه جامع التحصيل في أحكام المراسيل فواضح أنه خارج عن هذا النهج، فإن موضوعه حكم الاستدلال بهذا النوع من الحديث. 11- كتب الفوائد الحديثية، وهي كثيرة من بينها فوائد تمام بن محمد الرازي وهي في ثلاثين جزءًا، وفوائد سيبويه في ثمانية أجزاء، وفوائد ابن منده، وفوائد ابن المقري وغيرها كثير ولا يعرف من هذا النوع شيء لأحد من المتأخرين. 12- كتب غريب الحديث، وهي كتب موضوعة لشرح الألفاظ الغريبة في السنة، وقد ألف المتقدمون فيه كتبًا عديدة، منها كتاب غريب الحديث والآثار لأبي عبيد القاسم بن سلام ويقال إنه أول من ألف في غريب الحديث، وقد ذيله عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ومنها كتاب الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث، ومنها كتاب غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي، وقد انتهت هذه المؤلفات وغيرها إلى كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزري الذي لا يعرف بعده مؤلف غيره في هذا الباب، إلا ما كان من اختصار السيوطي له في كتابه الدر النثير على ما سنبين ذلك في موضعه من الباب الثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 13- كتب الأنساب، وهي كتب عديدة أشهرها كتاب الأنساب للسمعاني، وقد اختصره ابن الأثير الجزري في نهاية هذا العصر، واستدرك عليه ما فاته ونبه على أغلاطه في كتابه اللباب ولا يعرف للمتأخرين في هذا النوع إلا تلخيص السيوطي لكتاب اللباب لابن الأثير. 14- جمع أحاديث شيوخ مخصوصين من المكثرين، كأحاديث سليمان بن مهران الأسدي لأبي بكر الإسماعيلي، وأحاديث الفضيل بن عياض للنسائي، وأحاديث الزهري لابن يحيى الذهلي وهي المسماة بالزهريات، ومثله للإسماعيلي، والمؤلفات عديدة في جمع أحاديث الزهري، وليس لدينا من ألف في هذا النوع من المتأخرين. 15- كتب في رواة بعض الأئمة المشهورين أو في غرائب أحاديثهم، ككتاب تراجم رواة مالك للخطيب البغدادي، وكتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر -وهو كتاب كبير في سبعين جزءًا- وغير ذلك مما لم نعرف للمتأخرين شيئًا من التأليف فيه. 16- كتب أحاديث الأفراد، وهي الأحاديث التي تفرد بها واحد مطلقًا أو بالنسبة إلى غيره من الثقات، أو تفرد بها أهل بلد، ومن الكتب المصنفة في ذلك كتاب الأفراد للدارقطني، وكتاب الأفراد لأبي حفص بن شاهين، وكتاب أبي داود فيما تفرد به من السنن أهل بلدة كأهل اليمامة، ولا يعرف للمتأخرين شيء في هذا النوع. 17- كتب العوالي، وهي التي جمعت أحاديث قربت أسانيدها من النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة، منها كتاب عوالي الأعمش ليوسف بن خليل الدمشقي، وعوالي عبد الرزاق للضياء المقدسي في نهاية ذلك العهد، وعوالي سفيان بن عيينة لابن منده، وعوالي مالك للحاكم.. إلى غير ذلك مما لم يعرف نظيره للمتأخرين. 18- كتب الأسانيد، وهي كثيرة جدًّا عند المتقدمين، ومن أكبرها وأجمعها بحر الأسانيد لأبي محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، وهو كتاب لم يؤلف مثله في ثمانمائة جزء. ولا يفوتنا في خاتمة هذه الخواص أن نورد عن ذلك العصر، أنه الذي ذهب بشرف هذه الناحية العظيمة من الدين، من بذل الطاقات والجهود الجبارة في نقل السنة، تمهيدًا وانتقاء وجمعًا، واختيارًا وتصنيفًا وتبويبًا، ولا سيما العصر الذهبي منه وهو القرن الثالث، الذي ظهرت فيه صحاح السنة بأسانيدها التي تدفع عنها غائلة التقحم من المفسدين والمدلسين والمزورين، وكان ذلك على أيدي الأئمة الفحول البارزين، الذين هيئوا السنة لكل من أتى بعدهم، ليتسنى لخلفهم أن يعملوا فيها مجهوداتهم من التنسيق والترتيب والتبويب، ثم الشرح والتعقيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ثالثًا- ما اختص المتأخرون بالتأليف فيه نورده مرتبًا على النحو التالي: 1- جمع السنة من كافة مظانها الصحيحة في مؤلف واحد رغبة في تقريبها وجعلها في المتناول، وإذا كان الأقدمون قد بذلوا أقصى الجهد في تجميع السنة في موضوعات حديثية مختلفة تناولت سائر أمور الدين فإن المتأخرين قد استفادوا من عمل أولئك الذين سبقوهم، وجمعوا كثيرًا من نتاج هذه المجهودات في كتب أعدوها وقربوا بها السنة للناس، حتى لا يكلفوهم عناء الرجوع إلى مصادرها المتعددة، وقد بدأت هذه المحاولات في نهاية العهد الأول عندما ألف أبو الحسن رزين العبدري السرقسطي في الصحاح والسنن كتابًا جمع فيه بين الأصول الستة: البخاري ومسلم والموطأ والسنن الثلاثة لأبي داود والترمذي والنسائي، ثم جاء بعده أبو السعادات المبارك ابن الأثير الجزري فألف كتابه جامع الأصول من أحاديث الرسول، زاد فيه كثيرًا على كتاب رزين في عشرة أجزاء، واختصره ابن الديبع الشيباني الزبيدي اليمني في كتابه تيسير الوصول إلى جامع الأصول في مجلدين، وألف عبد الله بن عتيق التجيبي المتوفى سنة ست وأربعين وستمائة كتابه أنوار المصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح، كما جمع بين الأصول الستة ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى والمعجم الكبير -وربما زيد عليها من غيرها- المسند الكبير الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير المتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة في كتابه المسمى جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن، رتبه على حروف المعجم يذكر كل صحابي له رواية ثم يورد في ترجمته جميع ما وقع له في هذه الكتب وما تيسر من غيرها. ولم تزل محاولات العلماء لجمع السنة في إطار واحد مستمرة رغبة في استيعابها، فجمع الحافظ نور الدين الهيثمي أحاديث الغيلانيات والخلعيات وفوائد تمام وأفراد الدارقطني مع ترتيبها على الأبواب في مجلدين، وألف الحافظ السيوطي كتابه جامع المسانيد وجمع الجوامع والجامع الصغير وألف الشيخ الحافظ محمد بن سليمان المغربي الروداني صاحب كتاب صلة الخلف بموصول السلف المتوفى سنة أربع وتسعين وألف كتابه جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد اشتمل على الصحيحين والموطأ والسنن الأربعة ومسند الدارمي ومسند أحمد ومسند أبي يعلى ومسند البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة. 2- كتب التخريج، وهي مؤلفات ظهرت بعد تجريد السنة من الأسانيد، وبعد ظهور كتب عديدة في الفقه والتصوف والعقائد والتفسير كان أصحابها يقحمون الأحاديث في كثير من أبوابها، فكان لا بد من تخريج هذه الأحاديث بعزوها إلى أصولها، وبيان قيمتها ورتبتها، ليكون القارئ على بينة من أمره فيها، فكانت تلك المؤلفات في التخريج، وكان منها تخريج المختصر الكبير لابن الحاجب لمحمد بن عبد الهادي المقدسي المتوفى سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ومنها المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للحافظ العراقي، ومنها التلخيص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر، وكثير غيرها مما ألفه المتأخرون في التخريج وما سنذكره في موضعه مفصلًا بإذن الله. 3- كتب الأحاديث المشتهرة على الألسنة، جمعها العلماء المتأخرون في مؤلفات، رغبة في فرز السنة لتمييز المقبول من المردود مما اشتهر على ألسنة الناس من الحديث، ومنها المقاصد الحسنة في بيان كثير مما اشتهر من الحديث على الألسنة لشمس الدين السخاوي، والدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير للإمام عبد الوهاب الشعراوي، وغير ذلك. 4- كتب الزوائد، وهي مما اختص العصر الأخير بالتأليف فيه، رغبة في جمع السنة وتقريبها أيضًا، وموضوعها الأحاديث الزائدة في بعض كتب الحديث عن البعض الآخر، وقد كان من فرسان هذا الميدان الحافظ نور الدين الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد وغيره من الكتب، والحافظ ابن حجر في كتابه المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، والشهاب البوصيري في كتابه مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، وفوائد المنتقى بزوائد البيهقي، وسيأتي للزوائد مزيد بيان تفصيل في موضعه بإذن الله. 5- كتب الفتاوى الحديثية، وموضوعها إجابات علماء الحديث على أسئلة من يستفتونهم فيما يتعلق بالأحاديث، ومن أشهر هؤلاء العلماء العلامة تقي الدين أحمد بن عبد السلام بن تيمية الحراني في فتاويه، وشيخ الإسلام ابن حجر في فتاويه، والحافظ شمس الدين السخاوي في كتابه الأجوبة المرضية عما سئلت عنه من الأحاديث النبوية، والحافظ جلال الدين السيوطي في فتاويه وفي الحاوي للفتاوى في بعض موضوعاته. 6- كتب مفردة في جمع بعض أنواع الحديث، وذلك ككتب الأحاديث المتواترة وقد ألف الحافظ السيوطي فيها الفوائد المتكاثرة واللآلئ المتناثرة، كل منهما في الأحاديث المتواترة كما ألف فيها الحافظ شمس الدين محمد بن طولون مسند الشام المتوفى سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة كتابًا أيضًا سماه اللآلئ المتناثرة، ومنها لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة لأبي الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المصري لخص فيه اللآلئ لابن طولون، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر للسيد محمد جعفر الكتاني مؤلف الرسالة المستطرفة. 7- ومن مفاخر هذا العصر منهجه في شروح كتب السنة، وقد سبق لنا بيان أن كتب الشروح قدر مشترك بين العهدين، إلا أننا نريد أن نبرز هنا امتياز العصر الأخير في كثرة الشروح الحديثية ووفرتها مع كبرها وضخامتها، ومن أراد دليلًا على هذا فليراجع الأثبات التي وردت بأسماء الشروح في كل من العهدين، وسوف لا يجد للبخاري مثلًا إلا شروحًا قليلة في العصر الأول، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ويبدو أن أكثرها هزيل لم يستطع أن يقوم بالعبء الكافي لخدمة هذا الكتاب الخدمة اللائقة به، حتى إن ابن خلدون وهو من أكثر المؤلفين خبرة بشئون الكتب والمؤلفات من علماء القرن الثامن يقول وهو يتحدث عن شروح البخاري: ومن شرحه من المتقدمين لم يستوف الشرح كابن بطال وابن المهلب وابن التين ونحوهم، ولقد سمعت كثيرًا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح البخاري دين على الأمة، يعنون أن أحدًا من علماء الأمة لم يوف ما يجب له من الشرح بهذا الاعتبار1. ا. هـ. فإذا جاء المتأخرون من علماء الحديث وفيهم مثل الحافظ ابن حجر والإمام العيني بسفريهما العظيمين فتح الباري وعمدة القاري اللذين هما مفخرتان خالدتان لعلماء الحديث في خدمة هذا الكتاب وحده، فكيف إذا انضم إليهما ما سبق لنا إيراد بعضه من شروح البخاري وغيره من كتب السنة من الأسفار الضخمة المتكثرة، إذن لتجلت مفاخر هذا العصر في خدمة السنة بهذه الشروح العظيمة التي لا يزاحم فيها بأي حال. 8- ومن سمات هذا العصر ظهور التجريد في كتب السنة خصوصًا أو عمومًا، وإن كان بعض هذه المجردات قد ظهر في نهاية العصر السابق، كمصابيح السنة لأبي محمد البغوي، الذي جرد فيه الأحاديث من أسانيدها، وقسمها إلى صحاح وحسان، وأراد بالصحاح ما أخرج الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي، وهو منهجه واصطلاحه وكتاب الجمع بين الصحيحين لعبد الحق محمد بن عبد الرحمن الإشبيلي المتوفى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، والأحكام الشرعية له أيضًا. ومن الكتب التي ألفت مجردة في العصر الأخير: التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لشهاب الدين أبي العباس الشهير بالزبيدي الحنفي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، ومنها الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر، كما أن منها جمع الجوامع، والجامع الصغير، وغيرها من كتب السنة المجردة. 9- كتب الذيول تذييلها، وهي كتب يؤلفها؛ العلماء استيفاء لما فات المؤلف السابق، أو إضافة إليه ببعض ما عرف بعده مما لم يدركه في عصره، وهي أبرز ما تكون في كتب التراجم، ويتصل بذلك ما يسمى في كتبهم بالتكميل أو الإكمال، ومن أمثلة ذلك ما فعله العلماء في كتاب الوفيات لابن زَبر، وقد سبق إلى التذييل على هذا الكتاب الحافظ الكتاني المتوفى سنة ست وستين وأربعمائة، ثم تتابع المحدثون بالتذييلات عليه في هذا العصر، بذكر من لم يدركه من قبله إلى عصره،   1 مقدمة ابن خلدون ص351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ومن هؤلاء الحافظ المنذري، ثم الشريف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني، ثم المحدث أحمد بن أبيك الدمياطي، ثم الحافظ أبو الفضل العراقي، وكلها ذيول على كتاب واحد هو الوفيات لابن زَبر، ومن ذلك أيضًا كتاب زوائد الرجال على تهذيب الكمال، وللحافظ ابن حجر كتاب سماه فوائد الاحتفال في أحوال الرجال المذكورين في البخاري زيادة على تهذيب الكمال، ولسراج الدين عمر بن الملقن كتاب سماه إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ومن المؤلفات أيضًا كتاب التكميل في أسماء الرجال، ومن المؤلفات أيضًا كتاب التكميل في أسماء الثقات والضعفاء والمجاهيل، للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير جمع فيه بين تهذيب المزي وميزان الذهبي مع زيادات، ومنها أيضًا ذيل الحافظ السيوطي على كتاب الذهبي المسمى بالمغني في الضعفاء وبعض الثقات، كما ذيل الحافظ العراقي على كتاب ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي، وعمل شيخ الإسلام ابن حجر لسان الميزان، ضمنه الميزان وزوائد عليه في مجلدين أو ثلاثة، وأشباه ذلك كثير. 10- التهذيب والاختصار، وقد تجلى هذا واضحًا في كتب الرجال، ومن ذلك كتاب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المقدسي المتوفى سنة ستمائة، فقد هذبه الحافظ أبو الحجاج المزي وسماه تهذيب الكمال في أسماء الرجال في اثني عشر مجلدًا، وله مختصرات منها للذهبي كتاب تذهيب التهذيب، ثم اختصر التذهيب وسماه الكاشف1. وقد اختصر الخزرجي صفي الدين أحمد بن عبد الله كتاب التذهيب وسماه خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال، كما اختصر التهذيب الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب، ثم لخصه في تصنيف لطيف سماه تقريب التهذيب، وقد اختصر السيوطي معجم ياقوت الحموي إلا أنه لم يكمله، وعمل الحافظ برهان الدين الحلبي مختصرًا لميزان الاعتدال للحافظ الذهبي سماه نثل الهميان في معيار الميزان، وغير ذلك. هذا ما سنح لنا من عرض جهات الشبه وجهات الاختلاف بين مناهج المحدثين في مؤلفاتهم قبل سقوط بغداد وبعد سقوطها، وإذا كان قد نوهنا بجهود السابقين في جمع السنة المبكر، وعرضها بصورتها المشرقة فإن جديرًا بنا أن ننوه بجهود المتأخرين في استقبال ما وفد عليهم من نتاج الأئمة السابقين، فأخذوا -في الجملة- يتولونه بالتهذيب تارة، وبالشرح تارة، وإضافة ما دعت إليه ظروفهم العلمية، وثقافات العصر ومتطلباته، فأما جهود مصر ومحدثيها فإنها وإن كانت مندمجة في جهود هؤلاء الأئمة بما قضى به حكم التداخل الذي أشرنا إليه في كل من الزمان والمكان فإنها بدت فيما أوردناه في الفصل الأخير من الباب الأول خاصًّا بما عرف من إنتاج أعلام المحدثين في مصر، وسوف تبدو واضحة كذلك، متميزة كل التمييز بما تفرده في الحديث عن المؤلفات الخاصة بهم بإذن الله، والله ولي التوفيق.   1 من المحققين من يخالف هذا، وسنعرض لذلك عند الكلام على كتب الرجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الباب الثالث: المدونات الحديثية مدخل ... الباب الثالث: المدونات الحديثية تمهيد: رأيت أن تكون الكتابة في هذا الموضوع عن الكتب المتعلقة بالأنواع الثمانية الآتية، وأن يكون لكل نوع منها فصل خاص به، وأن تكون على هذا الترتيب. كتب الأحكام، كتب الترغيب والترهيب، كتب الجوامع، كتب الزوائد، كتب توضيح المبهمات، كتب أصول الحديث، كتب التخريج، كتب الرجال. وآثرت هذه الأنواع دون غيرها -كالعقائد وأحوال الآخرة وغيرها- لأن هذه الأنواع الثمانية ألصق بالحديث من غيرها. وبدأت من بينها بكتب الأحكام لأنها أهم ما في كتب السنة من هذه الأنواع؛ إذ كان الجانب الأهم منها راجعًا إلى تصحيح معظم الأركان التي بني عليها الإسلام، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، ثم إلى تصحيح المعاملات التي يتعايش الناس بها في حياتهم، ويعرف كل منهم ما له وما عليه دون غبن ولا جور، دفعًا للفساد في الأرض، ومقاومة للتعدي والبغي، وعلى وفقها يكون الفصل في القضايا والخصومات بين الناس. وقفيت على كتب الأحكام بكتب الترغيب والترهيب؛ لأنها دون كتب الأحكام في الأهمية فهي تتجه في الجملة إلى جانب ما تتحقق به كماليات الأعمال، وما يطلب به الثواب ويتحاشى به العقاب في دار الجزاء، وهي لهذا غير متجهة إلى تصحيح العبادات والمعاملات الذي هو أهم شيء في الدين وتعاليمه. ثم كانت كتب الجوامع في هذا العصر هي الثالثة في الترتيب؛ لأن مهمتها فيه جمع السنة، ومحاولة استقصائها أو استقصاء الأهم منها، وليس المقصود منها بيان موضوعات دينية معينة كالنوعين السابقين ولهذا كان ترتيبها على الحروف لا على الأبواب تسهيلًا للمراجعة، على أنها جاءت متأخرة في الزمن عن النوعين السابقين. ثم تجيء بعد ذلك في الترتيب كتب الزوائد، لما أنها -كاسمها- زوائد على كتب الأصول الحديثية التي اعتبرها الناس مراجع أصلية لهم على مدى الأزمان، ولأن فيها استيعابًا أيضًا ككتب الجوامع في لون آخر من ألوان الاستيعاب، ولهذا كانت ككتب الجوامع أقل تداولًا من غيرها من كتب الحديث، ولم تتجه العناية إليها إلا في عصور متأخرة. وأما كتب توضيح المبهمات التي جاءت في الفصل الخامس، فلأن المقصود الأهم بها هو خدمة الأحاديث النبوية التي هي موضوعات الأنواع الأربعة السابقة؛ وما شابهها، بشرح ألفاظها، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 تبيين معانيها، أو دفع توهم التضارب عنها، وهذا شيء متأخر طبعًا ووضعًا عن وجود الأحاديث ذاتها، وقد أشرت إلى أن الشروح جاءت متأخرة في التدوين عن جمع السنة في الجملة. وبعد الانتهاء من دراسة ما يتعلق بالحديث النبوي في الأنواع السابقة رواية أنتقل إلى ما يتعلق به دراية في الأنواع التي اخترتها لبحث بعض مؤلفاتها، وهي التي سميت بكتب أصول الحديث الذي هو فن المصطلح، فبدأت به من بين هذه الأنواع؛ لأنه هو الفن الجامع لشتاتها، والمستوعب لأبوابها فهو أصل والباقي فروع عنه، فأخذت منه أهم الكتب المؤلفة فيه وتناولتها بالدراسة. ثم قفيت على ذلك بفرع مهم من فروع المصطلح وهو تخريج الأحاديث؛ لأن له أهميته في بيان درجة الأحاديث التي تحتاج إلى التخريج، ومنزلتها من حيث القبول والرد، وهذا أهم ما يقصد من إيراد الحديث والاحتجاج به، فلذلك بدأت به من بين هذه الفروع. ثم أتبعت ذلك بدراسة بعض كتب الرجال، ووجهت إليها عناية تناسبها تبعًا لرجال الحديث الذين أكثروا من التأليف فيها، للتعريف بالرواة وتواريخ وفياتهم وصفاتهم إلى غير ذلك، مما يلقي أضواء على أسانيد الأحاديث التي هي الأسس والدعاثم في قبول الأحاديث والاستدلال بها. واكتفيت من بين فروع المصطلح بهذين النوعين؛ لأن الذي سمح به مقام البحث، ولأن في دراسة كتب الرجال ما يغني عن كثير من دراسة بعض الأنواع الأخرى ككتب التجريح والتعديل وكتب الوفيات ونحو ذلك. تلك هي وجهة نظري في الترتيب الذي رتبته بين هذه الأنواع، وفي الاكتفاء بما اكتفيت به منها. وعسى الله عز وجل أن يكون قد وفقني في وجهة النظر فيما ذهبت إليه، وأن يوفقني في الدقة العلمية في التصوير والبحث في تحليل هذه الكتب، وفي دراستها دراسة تنفعني وتنفع القراء إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الفصل الأول: كتب الأحكام مدخل ... الفصل الأول: كتب أحاديث الأحكام تمهيد: نقصد بهذه الكتب تلك التي جمع علماء الحديث مادتها من نوع تستنبط منه أحكام الفقه وبحوثه من الأحكام الشرعية التي تدل السنة عليها، وهي تختلف عن كتب علم الفقه بعامة، فإنه كما عرفه أهل الأصول: العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، وواضح أن الأدلة التفصيلية تعتبر السنة قسمًا منها، فإنها المصدر الثاني من مصادر الأحكام -بعد كتاب الله- كما هو مقرر، ويلي السنة النبوية الإجماع ثم القياس ثم بقية الأدلة على الاختلاف فيها، وهي الاستحسان والمصالح المرسلة، والأصل في الأشياء الإباحة، وما إلى ذلك. وكتب الفقه العام كثيرة ومتداولة، بدأت منذ عهد الأئمة، ومن بينها كتب الفروع الفقهية للمذاهب المختلفة، والتي تدرس في معاهد العلم المتعددة. وأما فقه السنة، فيبدو أن أول ما ألف فيه بوجه عام كتب عرفت بين المحدثين بأنها كتب السنن. قال العلامة السيد محمد بن جعفر الكتاني في الرسالة المستطرفة1: ومنها كتب تعرف بالسنن، وهي في اصطلاحهم الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة. ثم أورد منها عددًا أضافه إلى السنن الأربعة المشهورة فبلغت خمسة وعشرين كتابًا نذكرها مرتبة بحسب سنة الوفاة لمؤلفيها على النحو التالي: 1- سنن ابن جريج، وهو أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي، المتوفى سنة 150هـ2. 2- سنن موسى بن طارق، وهو الذي يروي عن ابن جريج وموسى بن عقبة وغيرهم، وهو أبو قرة موسى بن طارق اليماني الزبيدي، ذكره صاحب الرسالة المستطرفة3. ونقل عن التقريب أنه ثقة يقرب من التاسعة ولم يذكر له وفاة: 3- سنن الإمام الشافعي، برواية أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، وهو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، المتوفى سنة 204هـ4.   1 الرسالة: ص25. 2 شذرات الذهب: ج1 ص226. 3 الرسالة المستطرفة: ص27. 4 شذرات الذهب: ج2 ص9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 4- سنن سعيد بن منصور، وهو أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني الحافظ، المتوفى سنة 227هـ1. 5- سنن الدولابي، وهو محمد بن الصباح البغدادي البزار المزني مولاهم الدوبلابي، المتوفى سنة 227هـ2. 6- سنن أبي عمرو، "سهل بن سهل" زنجلة الرازي الخياط الأشتر الحافظ، المتوفى في حدود سنة 240هـ3. 7- سنن الخلال، وهو أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الهزلي الخلال الحلواني -نزيل مكة- المتوفى سنة 242هـ4. 8- سنن الدرامي، وهو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندي الحافظ الثقة المتوفى سنة 255 هـ5. 9- سنن أبي بكر الأثرم، وهو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الحافظ الثبت، المتوفى سنة 261هـ6. 10- سنن ابن ماجه، وهو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الكبير، المتوفى سنة 273هـ7. 11- سنن أبي داود، وهو الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزهري المتوفى سنة 275هـ8. وسنتناول هذا الكتاب بالدراسة في هذا الفصل إن شاء الله. 12- سنن الترمذي، وهو الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الضرير، وهو تلميذ البخاري ومشاركه فيما يرويه، توفي سنة 279هـ9. 13- سنن أبي إسحاق، وهو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد القاضي الأزدي، المتوفى سنة 282هـ10. 14- سنن أبي مسلم الكشي، وهو إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري الحافظ، المتوفى سنة 292هـ11.   1 شذرات الذهب: ج2 ص62 2 شذرات الذهب: ج2 ص62 3 الرسالة المستطرفة: ص27. 4 شذرات الذهب: ج2 ص100. 5 شذرات الذهب: ج2 ص130. 6 شذرات الذهب: ج2 ص141. 7 شذرات الذهب: ج2 ص164. 8 شذرات الذهب: ج2 ص167. 9 شذرات الذهب: ج2 ص174 10 شذرات الذهب: ج2 ص78. 11 الرسالة المستطرفة: ص27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 15- سنن أبي يوسف بن يعقوب بن حماد بن زيد بن درهم القاضي الأزدي، المتوفى سنة 297هـ1 وهو ابن عم إسماعيل القاضي الأزدي. 16- سنن النسائي الكبرى، وهو الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي أحد الأعلام، توفي سنة 303هـ2. 17- سنن الصفار، وهو الإمام أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار أبو الحسن. حدث عنه الدارقطني وغيره، وتوفي سنة 341هـ3. 18- سنن أبي بكر محمد بن يحيى الهمذاني الشافعي، المتوفى سنة 347هـ4. 19- سنن النجاد، وهو أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي الفقيه الحافظ، المتوفى سنة 348هـ5. 20- سنن الدارقطني، وهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود البغدادي الإمام الحافظ الكبير، المتوفى سنة 385هـ6. 21- سنن ابن لال، وهو الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني، المتوفى سنة 398هـ7. 22- سنن اللالكائي، وهو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الحافظ الفقيه، المتوفى بالدينور سنة 418هـ8. 23- سنن البيهقي، وهو الإمام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي الشافعي الحافظ صاحب التصانيف، المتوفى سنة 458هـ9. وإذا أضفنا إلى هذه الكتب ما عده صاحب الرسالة المستطرفة10 من بينها من رواية الإمام أبي جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المتوفى سنة 321هـ لسنن الإمام الشافعي، وسنن النسائي الصغرى "المجتبى" التي لخصها مؤلفها من السنن الكبرى تاركًا لما تكلم في إسناده من التعليل لتبين لنا أن عدد كتب السنن التي اعتمدها العلماء خمسة وعشرون. وإذا تتبعنا ما ألفه المحدثون من كتب جمعت أحاديث الأحكام، ويسرت للفقهاء سبيل الأدلة وجدنا من بينها هذه المؤلفات التي ذكرها صاحب الرسالة المستطرفة وغيره من المؤلفين.   1 شذرات الذهب: ج2 ص227. 2 شذرات الذهب: ج2 ص239. 3 شذرات الذهب: ج2 ص358. 4 الرسالة المستطرفة: ص28. 5 شذرات الذهب: ج2 ص376 والرسالة المستطفرة ص28 ونقل صاحبها عن كشف الظنون أنه توفي سنة 343هـ. 6 شذرات الذهب: ج2 ص116. 7 شذرات الذهب: ج2 ص151. 8 شذرات الذهب: ج2 ص211. 9 شذرات الذهب: ج2 ص304. 10 ص25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قال السيد محمد جعفر الكتاني في الرسالة المستطرفة1: ومنها كتب مرتبة على الأبواب الفقهية، مشتملة على السنن وما هو في حيزها أوله تعلق بها، بعضها يسمى مصنفًا وبعضها جامعًا، وغير ذلك. ثم أورد مصنفات عديدة، وجوامع كثيرة لمؤلفين من الأعلام اعتبرها العلماء مراجع في الاستدلال في العصور المتعاقبة، كما أورد غيره كثيرًا منها. وها نحن أولاء نشير إلى هذه المؤلفات وأسماء بعض المؤلفين، ممن اشتهرت مصنفاتهم وعول عليها العلماء في كثير من الأمصار، مرتين لها بحسب سني وفاتهم على النحو التالي: 1- جامع أبي عروة، وهو معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن، المتوفى سنة 153هـ2. 2- موطأ ابن أبي ذئب، وهو الإمام أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه، المتوفى سنة159هـ3. وهذا الموطأ لم يطبع ولم يتداول، ولم يشتهر كموطأ مالك، ولم يعرف إلا بالحديث عن اسمه في بعض الكتب، فقد ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة فقال4: وقد صنف ابن أبي ذئب بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك، حتى قيل لمالك: ما الفائدة في تصنيفك؟ فقال: مما كان لله بقي. 3- مصنف أبي سلمة "حماد بن سلمة" بن دينار البصري الحافظ، المتوفى سنة 167هـ5. 4- موطأ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المتوفى سنة 179هـ6 وسنتناوله بالدراسة إن شاء الله في هذا الفصل. 5- كتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني مولاهم الكوفي صاحب أبي حنيفة، والمتوفى سنة 189هـ7. 6- مصنف أبي سفيان، وكيع بن الجراح بن مليح الرواسي، المتوفى سنة 197هـ8. 7- جامع أبي محمد سفيان بن عيينة بن ميمون الهلال مولاهم الكوفي الحافظ، نزيل مكة، المتوفى سنة 198هـ9.   1 الرسالة المستطفرة: ص30. 2 شذرات الذهب: ج1 ص235 والرسالة المستطرفة: ص32. 3 شذرات الذهب: ج1 ص245. 4 الرسالة المستطرفة: ص8. 5 شذرات الذهب: ج1 ص262. 6 شذرات الذهب: ج1 ص289. 7 الرسالة ص32 وشذرات الذهب ج1 ص321. 8 الرسالة ص31 والشذرات ج1 ص349. 9 الرسالة ص31 والشذرات ج1 ص354. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 8- كتاب الأم للشافعي، الإمام محمد بن إدريس من رواية الربيع بن سليمان المرادي عنه، وهو في سبع مجلدات، والإمام الشافعي توفي سنة 204هـ1. 9- مصنف عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم الصنعاني أبو بكر، المتوفى سنة 211هـ2. 10- مصنف أبي الربيع سليمان بن داود العتكي الزهراني البصري نزيل بغداد، المتوفى سنة 234هـ3. 11- مصنف ابن أبي شيبة أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي الأصل الكوفي العبسي، المتوفى سنة 235هـ4. 12- الجامعان: الكبير والصغير، كلاهما للإمام البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري مولى الجعفين، المتوفى سنة 256هـ5. 13- جامع الإمام مسلم بن الحجاج بن مسليم بن ورد القشيري النيسابوري، المتوفى سنة 261هـ6. 14- مصنف بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي الحافظ أبي عبد الرحمن الأندلسي القرطبي، المتوفى سنة276 هـ7. 15- تهذيب الآثار لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري بن يزيد بن خالد، المتوفى سنة 310هـ8. 16- جامع أبي بكر الخلال، أحمد بن محمد الخلال الحنبلي، المتوفى سنة 311هـ9. 17- معاني الآثار وشرحه، للإمام الطحاوي أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ10 وسنتحدث عنه في هذا الفصل بإذن الله. 18- الشريعة في السنة، لأبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي الآجري، المتوفى سنة 360 هـ11. 19- معاني الأخبار، المسمى ببحر الفوائد، لأبي بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، المتوفى سنة 380هـ12.   1 الرسالة ص32 والشذرات ج2 ص9. 2 الرسالة ص31 والشذرات ج2 ص27. 3 الرسالة ص31. 4 الرسالة ص31 والشذرات ج2 ص85 5 الرسالة ص32 والشذرات ج2 ص134. 6 الرسالة ص32 والشذرات ج2 ص144. 7 الرسالة ص31 و56 والشذرات ج2 ص169. 8 الرسالة ص33 والشذرات ج2 ص260. 9 الرسالة ص32 والشذرات ج2 ص261. 10 الرسالة ص33 والشذرات ج2 ص288. 11 الرسالة ص32 وشذرات الذهب ج3 ص35. 12 الرسالة ص33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 20- معرفة السنن والآثار1، لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي المتوفى سنة 388هـ2. 21- شرح السنة، لركن الدين ومحيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالقراء البغوي، المتوفى سنة 516هـ3. 22- عمدة الأحكام، للإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي الحنبلي، المتوفى سنة 600هـ4، وسنتناوله بالدراسة في هذا الفصل إن شاء الله. 23- جامع الأحكام في معرفة الحلال والحرام، للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي المتوفى سنة 638هـ5. 24- المنتقى، المعروف بمنتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لمجد الدين ابن تيمية، أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الفقيه الحنبلي، المتوفى سنة 652هـ6. 25- المحرر في الحديث في شرح الإلمام من أحاديث الأحكام، للحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، المتوفى سنة 744هـ7. 26- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد، للحافظ العراقي، المتوفى سنة 806هـ8، وسنتناوله بالدراسة في هذا الفصل بين كتب الأحكام إن شاء الله. 27- بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ9 وسنتحدث عنه في هذا الفصل بإذن الله. 28- كشف الغمة عن جميع الأمة، للإمام الشعراني، المتوفى سنة 973هـ وسنفرد له دراسة خاصة في هذا الفصل إن شاء الله. هذه بعض الكتب التي وقفنا عليها بعد البحث، ورأينا إضافتها إلى ما سبقها من كتب السنن. باعتبار أن هذه وتلك كانت كلها مراجع للعلماء والباحثين في الفروع، وكان الكثير منها محل اهتمام المحدثين والفقهاء، فتناولوها بالشرح والتنقيح، والاختصار والتهذيب، ولا تزال حتى الآن موضع العناية من المسلمين في كافة الأقطار والأمصار، فإن موضوعها تلك الأحاديث التي   1 هكذا ورد في الرسالة المستطرفة وإن كان صاحب الشذرات قد ذكر أنه معالم السنن، كما ذكره صاحب كشف الظنون ص638. 2 الرسالة ص33 وشذرات الذهب ج3 ص127. 3 الرسالة ص32 والشذرات ج4 ص48. 4 شذرات الذهب: ج4 ص345. 5 الرسالة: ص32، وشذرات الذهب ج5 ص190. 6 شذرات الذهب: ج5 ص257. 7 شذرات الذهب: ج6 ص141 وهدية العارفين في أسماء المؤلفين: ج6 ص151. 8 شذرات الذهب: ج5 ص257. 9 شذرات الذهب: ج7 ص270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 استدل بها فقهاء الأمة الإسلامية على ما اتجه إليه كل منهم في الأحكام الفرعية العملية المتعلقة بأفعال المكلفين، مما وصل إليه من أدلة السنة، سواء أكانت أفعال المكلفين هذه عبادات أم معاملات أو غيرها، وسواء أكانت الأحاديث تفصيلًا لمجمل الكتاب، أم تفسيرًا لما أبهم فيه، أو كانت أحاديث تستقل بالتشريع، قولية كانت أو فعلية. وقد اتجهت عناية الأئمة إلى أحاديث الأحكام، وأفردت لها كتب خاصة بها -اعتناء بشأنها- لتوقف تصحيح كثير من الأعمال أو كمالها على معرفتها، ولتعرف إذن الشارع في بعض الأفعال أو عدم إذنه فيه، وإن كان بعض هذه الكتب قد مزج ما فيها من أحاديث الأحكام بآثار الصحابة وفتاوى بعض التابعين. ولئن كنا قد تناولنا بعض هذه المؤلفات بالدراسة من غير تقيد بالزمان ولا بالمكان، فمرجع ذلك إلى رغبتنا في إيضاح تسلسل الربط بين الماضي والحاضر، واعتبارنا هذه الكتب هي الدعامة التي بنيت عليها مدرسة الحديث في مصر، وهي المراجع الأصلية التي تتلمذ عليها علماؤها الأعلام في هذا النوع من أحاديث الأحكام. فلنبدأ -باسم الله وعلى بركته- في دراسة أشهر ما وقفنا عليه من هذه المؤلفات، موجزين فيما يستحق الإيجاز مما اعتبرناه منها أساس لموضوع البحث، متوسعين -بعض الشيء- فيما عدا ذلك مما هو من موضوعه الأصيل، والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 موطأ الإمام مالك : موطأ الإمام مالك، هو ذلك الكتاب المبارك الذي ألفه الإمام مالك بن أنس الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة رضوان الله تعالى عليه، وكان من أتابع التابعين، أورده الحافظ في التذكرة في الطبقة الخامسة من الحفاظ، ووصفه بأنه الإمام الحافظ فقيه الأمة وشيخ الإسلام وإمام دار الهجرة، وهو أحد الأئمة الأربعة المعروفين، كان رحمه الله عظيم المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مبالغًا في تعظيمه، حتى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه ويقول: لا أركب في بلد فيها جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون، توفي رضي الله عنه عام تسع وسبعين ومائة للهجرة1. وكتابه الموطأ، وصفه الحافظ السيوطي في مقدمته للشرح المسمى بتنوير الحوالك -نقلًا عن القاضي أبي بكر بن العربي- بأنه الأصل الأول واللباب، وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب "يريد الحديث"، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي، وقد جمع فيه قبل تهذيبه -كما نقل السيوطي- عشرة آلاف حديث، ولم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويخبرها بالآثار حتى رجعت إلى خمسمائة، وأورد عدة نقول تختلف بعض الاختلاف مع هذا النقل بالزيادة أو النقصان. وينقل السيوطي في هذا المقام عن أبي بكر الأبهري في جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين أنها ألف وسبعمائة وعشرون حديثًا: المسند فيها ستمائة حديث، والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثًا، والموقوف ستمائة وثلاثة عشر، ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون. وأورد نقولًا أخرى تختلف عن ذلك أيضًا، وقال: إن هذا الموطأ رواه عن مالك جماعات كثيرة، وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص، وأكبرها رواية القعنبي2. وقد أورد عن الإمام مالك في سبب تسميته بالموطأ ما قال: إنه عرض كتابه هذا على سبعين من فقهاء المدينة، فكلهم واطأه عليه، فسماه الموطأ3. وقد اشتهر عن الإمام الشافعي أنه قال: ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك، وواضح أن ذلك كان قبل ظهور كتب السنة المعتبرة التي على رأسها الصحيحان الجليلان اللذان تلقتهما الأمة بالقبول -صحيحا البخاري ومسلم. وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن حجر: كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما.   1 شذرات الذهب: ج1 ص289. 2 تنوير الحوالك: ج1 ص7. 3 تنوير الحوالك: ج1 ص5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وفي كتب المصطلح تناوُل لهذا الكتاب، وما وجه إليه من نقد، وما دفع به عنه، ولا يتسع مجالنا الآن لإيراد ذلك، فإن المقصود بيان أن الموطأ من أهم أسس الكتب الحديثية الخاصة بالأحكام إن لم يكن هو الأساس الأول لتلك الكتب. ولا بد أن نشير إلى أن الموطأ من الكتب العظيمة التي اتجهت إليها عناية العلماء والمحدثين بالشرح، حتى قال القاضي عياض: إنه لم يعتن بكتاب من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ، فقد شرحه ابن عبد البر بكتاب سماه التمهيد والاستذكار، وشرحه أبو الوليد بن الصفار بكتاب سماه "الموغب"، وشرحه أبو محمد بن السيد البطليموسي النحوي بكتاب سماه "المقتبس"، وشرحه القاضي أبو بكر بن العربي بكتاب سماه "القبس"، وشرحه أبو الوليد الباجي بثلاثة شروح: "المنتقى والأسماء والاستيفاء"، كما شرحه السيوطي بكتابه الذي سماه كشف المغطى في شرح الموطأ، وكتابه الآخر تنوير الحوالك، وقدم له بمقدمة شحنها بكثير من الفوائد، وهي التي رجعنا إليها في تصويرنا لهذا الكتاب والحديث عنه. ومن العلماء من وجه عنايته إلى شرح غريبة فقط، منهم الأخفش، والبرقي، وأبو القاسم العثماني المصري. ومنهم من ألف في رجاله فقط، كأبي عبد الله بن الحذاء، وأبي عبد الله بن المفزع، والبرقي، وللسيوطي كتاب في رجاله سماه: "إسعاف المبطأ برجال الموطأ". ولا يفوتنا -قبل مغادرة الحديث عن هذا الكتاب الجليل- أن نشير إلى الناحية البارزة فيه، وهي أنه أورد بجانب الأحاديث النبوية من أقوال الصحابة والتابعين ما قدر بثمانية وتسعين وثمانمائة من الآثار: الموقوف منها ثلاثة عشر وستمائة، والمقطوع خمسة وثمانون ومائتان، وهو ما يربو على نصف الكتاب، وللإمام وجهته في ذلك، فإنه انتفع بتلك الآثار وأفاد بها فائدة جليلة فوق ما أورده من الأحاديث: مسانيدها ومرسلها. إن من هذه الآثار ما كان يوجه إلى أحكام مستقلة لم تسعفه رواية الحديث بها، ومن ذلك الأثر الذي رواه عن سالم بن عبد الله دليلًا على منع تغطية الفم في الصلاة، من أنه كان إذا رأى من يغطي فاه بثوبه وهو يصلي جبذ الثوب جبذًا شديدًا1. ومن ذلك ما نقله عن ابن عمر من أن في قُبلة الرجل امرأته وجسها الوضوء، ونقل مثله عن ابن مسعود بلاغًا، ومثلهما عن ابن شهاب من التابعين، ولم يذكر حديثًا في هذا الموضوع2. ومنها ما يشير إلى خلاف في الرأي بين بعض الصحابة وبعض، أو بين بعض الصحابة وبعض التابعين، وذلك كما أورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قدم من العراق، فدخل عليه بعض الصحابة فقرب له طعامًا قد مسته النار فتوضأ أنس، ولم يتوضأ الآخر.   1 تنوير الحوالك: ج1 ص30. 2 تنوير الحوالك ج1 ص50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ونظير هذا ما نقله عن عثمان بن عفان، أنه أكل خبزًا ولحمًا ثم مضمض وغسل يديه ومسح بهما وجهه، ثم صلى ولم يتوضأ. وكذلك ما بلغ مالكًا عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما كانا لا يتوضأان مما مسته النار1.. ونظير ذلك الحديث. وكما نقل عن عروة بن الزبير أن أباه مسح على الخفين ولم يزد على مسح الظهور، ثم نقل عن ابن شهاب أن مالكًا سأله عن المسح على الخفين فمسحهما أمامه من تحت الخف ومن فوقه، وإن كان مالك أيد ما نقله عن ابن شهاب2. ومما نقل فيه الخلاف أيضًا بين الصحابي والتابعي حكم الرعاف في الصلاة، فإن ابن عباس غسل الدم ثم بنى من غير وضوء، وأما سعيد بن المسيب فإنه توضأ ثم بنى على ما صلى3، ولم يؤيد مالك أحد الرأيين في موطئه. ومنها كذلك ما يقع تفسيرًا لبعض غريب القرآن4، كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه فسر دلوك الشمس بميلها، وعن ابن عباس أنه قال: دلوك الشمس إذا فاء الفيء، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته. ويبدو أن بعض الرواة عن مالك كان يضيف زيادات مما يستقر عليه رأي مالك في بعض الأحكام كالذي نقله يحيى عن مالك أنه سئل: هل في القيء وضوء؟ قال: لا، ولكن ليتمضمض وليسغل فاه، وليس عليه وضوء5. وكما في رأي مالك فيمن نسي أن يمسح رأسه حتى جف وضوءه، قال راوي الكتاب: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح رأسه حتى جف وضوءه، فقال: أرى أن يمسح برأسه، وإن كان قد صلى أن يعيد الصلاة. على أن بعض ما عد من الآثار في هذا الكتاب ما يستحق أن يعد من الأحاديث المرفوعة؛ بناء على ما تقرر في أصول الحديث من أن قول الصحابي له حكم الرفع إذا كان مما لا مجال للرأي فيه، ولدينا في الموطأ آثار عديدة من هذا النوع. منها ما نقله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عماله: أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعًا إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، والمغرب إذا غربت الشمس6 ... إلخ، ونظيره ما كتبه إلى أبي موسى: أن صل الظهر إذا زاغت الشمس إلخ، ومثله ما نقله عن أبي هريرة، أن رجلًا سأله عن الأوقات فقال: صل الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك.   1 تنوير الحواليك: ج1 ص37 وما بعدها. 2 تنوير الحوالك: ج1 ص47. 3 تنوير الحواليك: ج1 ص47. 4 تنوير الحوالك: ج1 ص23. 5 تنوير الحوالك: ج1 ص37. 6 تنوير الحوالك: ج1 ص19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 والنسخة التي بين أيدنا للموطأ بشرح تنوير الحوالك من طبع الحلبي بمصر عام تسع وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة، وهي جزءان في مجلد. بدئ الأول منها بحديث في وقوت الصلاة1 قال: حدثني يحيى بن يحيى الليثي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب بن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يومًا فدخل عليه عروة بن الزبير، فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بهذا أمرت؟ فقال عمر بن عبد العزيز: أعلم ما تحدث به يا عروة، وإن جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة ... إلخ. وانتهى الجزء الأول بأثر عنون له بميراث ولد الملاعنة وولد الزنا، وهو: حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنا: إنه إذا مات ورثته أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم، ويرث البقية موالي أمه إن كانت مولاة، وإن كانت عربية ورثت حقها، وورث إخوته لأمه حقوقهم، وكان ما بقي للمسلمين، قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، قال مالك، وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا. ثم بدأ الجزء الثاني بكتاب النكاح: ما جاء في الخطبة وأورد حديثًا في أوله قال فيه: حدثني يحيى عن مالك بن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه". وانتهى الجزء الثاني بحديث عنون له بأسماء النبي صلى الله عليه وسلم هو: حدثني مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي خمسة أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب". والكتاب مشحون بالأحاديث والآثار والبلاغات، موزعة على الكتب والأبواب وما يندرج تحتها من عناوين، ويحوي مادة خصبة للدارسين والباحثين، يرفع من شأنها قرب عهد مؤلفها من صدر الإسلام، ومعاصرته لكثير من أجلاء التابعين وأتباع التابعين، ممن نقلوا إلينا السنة وأخذنا عنهم الدين، ومما يصدق شهادة الإمام الشافعي لهذا الكتاب من أنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم أن الأمة تلقته بالقبول، ولم يزل تعويلها عليه منذ ظهر إلى يومنا هذا، فكان العلماء والأئمة ما بين شارح له، أو مقتبس منه، أو راجع إلى ما فيه من الأحاديث والآثار الكريمة. رحم الله الإمام مالك بن أنس، وجزاه عما قدم للأمة الإسلامية خير الجزاء.   1 تنوير الحوالك ج1 ص11 وورد العنوان هكذ: وقوت الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 سنن أبي داود : وأما سنن أبي داود السجستاني، فهو ذلك الكتاب العظيم، الذي ألفه سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي، المولود سنة اثنتين ومائتين للهجرة، والذي تحدث عند الذهبي في تذكرته1 فقال: إنه الإمام صاحب السنن، الذي حدث عنه الترمذي، والنسائي، وابنه أبو بكر بن أبي داود، وأبو عوانة، وأبو بشر الدولابي وغيرهم ممن رووا عنه سننه، سمع أبا عمرو بن الضرير ومسلم بن إبراهيم والقعنبي و ... وخلقًا كثيرًا بالحجاز والشام ومصر والعراق وغيرها، وقال الذهبي: كتب عنه شيخه أحمد بن حنبل حديث العتيرة، وأراه كتابه فاستحسنه. ويقول الحافظ المنذري: إن الإمام ابن حنبل استجاده واستحسنه، ثم نقل عن أبي بكر بن عبد العزيز أنه سمع كتابًا كتبه أو داود لأهل مكة يقول فيه عن سننه: إن هذه الأربعة آلاف والثمانمائة حديث كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة من الزهد والفضائل وغيرها من غير هذا فلم أخرجها2، وأن محمد بن إسحاق الصاغاني قال: لين لأبي داود الحديث كما لين لداود الحديد. ونقل الذهبي عن ابن داسة أن أبا داود قال: ذكرت في كتابي الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، وما كان فيه من وهن شديد بينته، وأورد أن بعض الأئمة قال: كان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، كما نقل عن الحاكم أنه قال: أبو داود إمام أهل الحديث في زمانه بلا مدافعة، وفي بعض نقوله الأخرى ما يؤكد أنه دخل مصر3. ونقل المنذري عن أحمد بن محمد بن ياسين الهروي قال: كان سليمان بن الأشعث السجزي أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله وسنده، في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع من فرسان الحديث، وكانت وفاته رحمه الله ورضي عنه سنة خمس وسبعين ومائتين للهجرة4. وكتابه السنن أحد الكتب الستة المشهورة، التي عول عليها العلماء والفقهاء في جميع بقاء الأمة الإسلامية وأزمانها، ولا تجد في وصفه أصدق مما وصفه به مصنفه فيما رواه المنذري عن ابن داسة قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه5. ومما وصفه به أيضًا قوله: ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه.   1 تذكرة الحفاظ ج2 ص152 وما بعدها. 2 مختصر سنن أي داود ج1 ص5، 6. 3 تذكرة الحفاظ ج2 ص154. 4 الشذرات ج2 ص167. 5 مختصر سنن أبي داود ج1 ص6 و7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ونقل الحافظ المنذري عن محمد بن إسحاق بن منده الحافظ: أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال. ولعله يريد بقوله: إذا صح الحديث كونه مستوفيًا لشروط القبول، وإلا فإن الصحة بالمعنى المصطلح عليه عند المحدثين ليست ملتزمة في سنن أبي داود، لاعتراف مؤلفها بقوله: جمعت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وقوله: وما كان فيه من وهن شديد يينته، من أنه أحيانًا يذكر الضعيف وينبه إلى علته. وحكي عن أبي داود أنه قال: ما ذكرت في كتابي هذا حديثًا أجمع الناس على تركه1، وأورد مثله الخطابي نقلًا عن أبي داود عند الحديث عن سننه2. ويقول الخطابي3 في شرحه للسنن4: اعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافة، فصار حكمًا بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه ورد منه شرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الأرض، ثم فضله على صحيحي البخاري ومسلم في حسن وصفه، وكثرة فقهه. وذكر الخطابي في مقدمته لشرح السنن عند تقسيم الحديث: أن كتابه هذا مجمع النوعين من الصحيح والحسن، فأما السقيم من الحديث فعلى طبقات: شرها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول، وكتاب أبي داود خَلِي منها، فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامه لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره فإنه لا يألو أن يبين أمره، ويذكر علته، ويخرج من عهدته. ومن راجع ما كتبه علماء المصطلح وجد أن لهم وجوها في الحكم على المسكوت عنه من سنن أبي داود، وقد تناولها الحافظ السخاوي وانتهى منها إلى أن التحقيق التمييز لمن له أهلية النظر، ورد المسكوت عنه إلى ما يليق بحاله من صحة وحسن وغيرها، ثم قال: ومن لم يكن ذا تمييز فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه صالح -كما هي عبارته- خصوصًا وقد سلك جماعة هذا المسلك5. وقد وصفه الحافظ العراقي في ألفيته بأنه من مظان الحديث الحسن، وبين السخاوي أن الظن هنا بمعنى العلم، وقد بنى ذلك الوصف على ما وصفه به أبو داود نفسه من أنه ذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه.   1 مختصر سنن أبي داود ج1 ص8. 2 شرح الخطابي على السنن ج1 ص11. 3 هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي من أعلام المحدثين والفقهاء وأحد شيوخ الحاكم مؤلف غريب الحديث، ومعالم السنن وأعلام السنن وشرح البخاري توفي سنة 388هـ. 4 مختصر السنن ج1 ص10. 5 فتح المغيث ج1 ص73، 76، 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ونقل السخاوي في هذا المقام عن الغزالي: أن ما فيه من الأحاديث يكفي المجتهد في الفقه كما نقل عن النووي: أنه ينبغي للمشتغل بالفقه ولغيره الاعتناء بهذا الكتاب وبمعرفته التامة، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه. والكتاب الذي بين أيدينا طبعة المطبعة التازية بمصر ويقع في اثنتين وتسعين وسبعمائة صفحة، ومكون من جزأين: الأول منهما في تسع وثلاثين وأربعمائة صفحة مفتتح بعبارة: حدثنا أبو علي محمد بن عمرو اللؤلئى، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني في المحرم سنة خمس وسبعين ومائتين: كتاب الطهارة -وذكر فيه أبوابًا- ثم كتاب الصلاة ... وهكذا حتى فرغ منه مرتبًا إياه على أبواب الفقه المعروفة. ولا بد هنا من أن نشير إلى أن أبا داود بعد أن ألف كتابه السنن بعث برسالة إلى أهل مكة وغيرها جوابًا لهم، أملى فيها كلامًا كثيرًا من السنن منه قوله1: أما بعد عافانا الله وإياكم عافية لا مكروه معها ولا عقاب بعدها، فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب؟ ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين فأحدهما أقدم إسنادًا، والآخر صاحبه أقدم في الحفظ فربما كتبت ذلك، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث. وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين وثلاثة فإنما هو من زيادة كلام فيه، وربما فيه كلمة زيادة على الأحاديث، وربما اختصرت الحديث الطويل؛ لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعد من سمعه، إلى أن قال: وليس في كتاب السنن عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر. ثم قال: وما كان من كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض2 وهو كتاب لا يرد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهي فيه إلا أن يكون كلامًا استخرج من الحديث، ولا يكاد يكون هذا، ولا أعلم شيئًا بعد القرآن، ألزم للناس أن يتعملوا من هذا الكتاب. إلى أن قال: والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس. ثم قال: ولعل قدر الذي في كتابي أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ونحو ستمائة حديث من المراسيل. وختم رسالته بقوله: ولم أصنف في كتب السنن إلا الأحكام، ولم أصنف في كتب الزهد وفوائد الأعمال وغيرها. هذا هو أهم ما ورد في رسالة أبي داود السجستاني إلى أهل مكة، وما ورد في غيرها مما   1 نقلًا عن كتاب رسالة أبي داود السجستاني وصفًا لتأليفه كتاب السنن رواية أبي الحسين بن جميع عن محمد بن عبد العزيز الهاشمي عنه قدمها وعلق عليها محمد زاهد الكوثري طبع مطبعة الأنوار بالقاهرة سنة 1369هـ. 2 أوردنا مثل هذا القول في تقديمنا لهذا الكتاب نقلًا عن الذهبي عن ابن داسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يستعان به على تعرف هذا الكتاب ومزيته، والقارئ في رسالة أبي داود لأهل مكة يجدها مشتملة على كثير من الركة والإبهام في الأسلوب، ولهذا اكتفينا بنقل ما ينفع ويفيد منها. هذا: وإن الممارس لهذا الكتاب، والمتتبع لما فيه من مزايا وصفات، تتجلى له فيه ظواهر واضحة عديدة أهمها ما يأتي: 1- أنه يعنى بإيراد الروايات المتعددة للفظ الواحد في الحديث من غير أن يكرر الحديث كله -كما هو صنيع البخاري في تكرار الحديث الواحد من أجل الاختلاف في كلمة في الحديث أو عبارة فيه. وذلك مثل قوله في حديث ابن عمر: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" قال أبو داود: وقال عبيد الله بن عمر: أتر، واختلف على أيوب فيه، وقال الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وتر1. ومن ذلك أيضًا قوله في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه كان موضع المسجد حائطًا لبني النجار فيه حرث ونخل ... إلخ، وحدثنا عبد الوارث بنحوه، وكان عبد الوارث يقوله: فيه خرب2. ومن ذلك قوله في حديث أبي هريرة في قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا" قال أبو داود: وكذا رواه عقيل ويونس وأبو أويس: "من قام رمضان" وروى عقيل: "من صام رمضان وقامه" 3. 2- أنه يقوي الحديث بمتابعته بغيره مع تحديد الفرق بينهما دقة في عرض السنة، ومن ذلك حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في لغو اليمين: "إنه كلام الرجل في بيته كلا والله، وبلى والله". قال أبو داود: روى هذا الحديث داود بن الفرات عن إبراهيم الصائغ موقوفًا على عائشة، وكذا رواه الزهري وعبد الملك بن أبي سليمان ومالك بن مغول، وكلهم عن عطاء عن عائشة موقوفًا4. 3- أنه ينقل اختلاف العلماء في وصل بعض الأحاديث أو قطعها. وذلك كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل يقول: أفسدوا علينا هذا الحديث، قيل له: وصح إفساده عندك؟ هل رواه غير ابن أبي أويس؟ قال: أيوب كان أمثل منه -يعني أيوب بن سليمان بن بلال- وقد رواه أيوب، قال أبو داود: سمعت أحمد بن شبويه يقول: قال ابن المبارك -يعني في هذا الحديث: حدث أبو سلمة، فدل ذلك على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة، قال أحمد بن محمد المرودي: إنما الحديث حديث علي بن المبارك   1 سنن أبي داود ج1 ص68. 2 سنن أبي داود ج1 ص75. 3 سنن أبي داود ج1 ص216. 4 سنن أبي داود ج2 ص75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير عن أبيه عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن سليمان بن أرقم وهم فيه، وحمله عنه الزهري، وأرسله عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنه1. 4- أنه ينبه على ما في الحديث من وهن إن كان ذلك فيه، كما عرف من وصف كتابه وأشرنا إلى ذلك في حديثنا عنه. ومن ذلك قوله في حديث يحيى بن أيوب أنه قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ الحديث قال أبو داود: رواه ابن أبي مريم المصري عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن عبادة بن أنس عن أبي بن عمارة قال فيه: حتى بلغ سبعًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم وما بدا لك" قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي2. ومن ذلك قوله في حديث المغيرة بن شعبة قال: "وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفله" قال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء3 وهو طعن منه في الحديث بالانقطاع وعدم القبول. ومن ذلك قوله في حديث أبي سعيد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة" الحديث، قال أبو داود: وقال عن هلال بن ميمون الرملي رواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا لم يذكر أبا سعيد4. ومن ذلك أيضًا -مع بيان السبب- قوله في حديث أبي هريرة قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الناس في رمضان يصلون" الحديث. قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد ضعيف5، ومن ذلك أيضًا قوله في حديث على الذي رواه عنه ميمون بن أبي شبيب: "أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ... " الحديث، قال أبو داود: ميمون لم يدرك عليا، قتل بالجماجم، والجماجم سنة ثلاث وثلاثين6. ومن ذلك قوله في حديث ابن عباس: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب" قال أبو داود: غندر أوقفه عن ابن عباس7. 5- أنه ينبه على اختلاف رواة الحديث بالزيادة أو النقص فيه. ومن ذلك قوله في حديث عمرو بن أمية الضمري قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ... إلى أن قال: ثم أمر بلالا فأذن" وفي رواية أخرى عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي في هذا الخبر قال: فأذن وهو غير عجل8.   1 سنن أبي داود ج2 ص78. 2 سنن أبي داود ج1 ص25. 3 سنن أبي داود ج1 ص26. 4 سنن أبي داود ج1 ص29. 5 سنن أبي داود ج1 ص217. 6 سنن أبي داود ج1 ص422. 7 سنن أبي داود ج1 ص6. 8 سنن أبي داود ج1 ص73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ومن ذلك أيضًا إيراده حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ... " الحديث، ثم إشارته إلى رواية أخرى يقول عنها: إن الراوي لم يذكر: "يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود"1. ومن ذلك حديث أبي هريرة: "أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة" فذكر الحديث، ثم قال: إن الزهري رواه عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لم يذكر القسم، زاد فيه "ولم يخبره"2. ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: "نزل بنا أضياف لنا" وذكر الحديث ثم أورد رواية أخرى بهذا الحديث نحوه وقال: زاد عن سالم في حديثه: "ولم يبلغني كفارة"3. 6- أنه يحدد من وقع منه الشك من شيوخه -إن كان. ومن ذلك حديث أبي بن كعب: "أنه وجد صرة فيها مائة دينار" قال أبو داود في آخره: "وقال: لا أدري أثلاثًا قال عرفها أو مرة واحدة؟ " ثم ذكر الحديث برواية شعبة بمعناه قال: "عرفها حولا، وقال: ثلاث مرات، وقال: لا أدري أقال له ذلك في سنة أو في ثلاث سنين؟ 4". 7- أنه يتحرى الدقة والأمانة في إيراد السند على حقيقته بكل وجه يصل إليه، أو الإشارة إلى ما فيه من غموض أو شك تبرئة للذمة. ومن ذلك ما جاء في حديث يعلى بن أمية عن أبيه: "أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة ... " وذكر الحديث، ثم أورده برواية أخرى عن صفوان بن يعلى عن أبيه، ثم قال بهذه القصة قال فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخلع جبتك" فخلعها من رأسه، وساق الحديث. ثم أورد سندًا آخر إلى يعلى بن منبه عن أبيه بهذا الخبر قال فيه: "فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها ويغتسل مرتين أو ثلاثًا ... " وساق الحديث، ثم أورده برواية رابعة: "أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وقد أحرم بعمرة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه ... " وساق هذا الحديث5. وفي هذا الحديث نفسه يذكر اختلاف اللفظ في قوله: وعليه أثر خلوف، أو قال: أثر صفرة. ومن ذلك حديث نبيه بن وهب برواية أحمد بن حنبل قال: اشتكى عمر بن عبيد الله بن معمر عينيه، فأرسل إلى أبان بن عثمان ... إلى أن قال: اضمدهما بالصبر، فإني سمعت عثمان يحدث ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر رواية أخرى عن نبيه بن وهب بهذا الحديث برواية عثمان بن أبي شيبة6.   1 سنن أبي داود ج2 ص212. 2 سنن أبي داود ج2 ص76. 3 سنن أبي داود ج2 ص76. 4 سنن أبي داود ج1 ص269. 5 سنن أبي داود ج1 ص287 وما بعدها. 6 سنن أبي داود ج1 ص290. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ومن ذلك حديثه عن أبي بكرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته" الحديث، ثم أورده برواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال أبو داود: سماه ابن عون -أي في سند آخر- فقال: عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة في هذا الحديث، وبيان ذلك أن ابن أبي بكرة ورد في السند الأول بكنيته دون اسمه، ولكنه في السند الأخير ذكر باسمه وكنيته1. ومن ذلك قوله في حديث كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهلي عن جده: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي" الحديث ثم قال أبو داود: قال سفيان: كان ابن جريج أخبرنا عنه أخبرنا ابن كثير عن أبيه قال: فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن عن بعض أهلي عن جدي2. ومن ذلك قوله في حديث عبد الرحمن بن سعيد المخزومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: " ... " وساق الحديث، قال أبو داود: لم أفهم إسناده من أبي العلاء كما أحب3 ومعنى ذلك عدم اعتداده بهذا السند. ومن ذلك أيضًا قوله في حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا" قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمدًا عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أم لا؟ فسلوا عنه4. ومن ذلك تعقيبه على التماس ليلة القدر، قال أبو داود: لا أدري أخفي علي شيء منه أم لا؟ 5. 8- أنه يعقب على بعض الأحاديث بوصف بعض الرجال أو نسبته أو تسميته زيادة في تحقيقه وتحديده، سواء أكان الموصوف أو المنسوب أو المسمى من رجال السند أم لم يكن. ومن ذلك قوله في حديث عبد الله بن حوالة الأزدي قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم ... " وساق الحديث ثم قال: عبد الله بن حوالة حمصي6. ومن ذلك قوله تعقيبًا على حديث عمر بن الخطاب: "لما كان يوم بدر" الحديث: اسم أبي نوح قراد، والصحيح عبد الرحمن بن غزوان7. ومن ذلك قوله في حديث أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح ... " الحديث إلى أن قال: "جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة" قال أبو داود: ابن خطل اسمه عبد الله، وكان أبو برزة قتله8. 9- وأنه يشير إلى اختلاف الرواة في فهم الحديث عند وجود هذا الاختلاف. ومن ذلك قوله في حديث أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني والله -إن شاء الله-   1 سنن أبي داود: ج1 ص306. 2 سنن أبي داود: ج1 ص315. 3 سنن أبي داود: ج1 ص420. 4 سنن أبي داود: ج1 ص61. 5 سنن أبي داود: ج1 ص219. 6 سنن أبي داود: ج1 ص397. 7 سنن أبي داود: ج1 ص421. 8 سنن أبي داود: ج1 ص420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 لا أحلف على يمين ... " الحديق قال أبو داود: وسمعت أحمد يرخص فيها الكفارة قبل الحنث، ونقل عن ابن سمرة أنه قال: كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير، قال أبو داود: أحاديث أبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبي هريرة في هذا الحديث روي عن كل واحد منهم في بعض الرواية الحنث قبل الكفارة، وفي بعض الرواية الكفارة قبل الحنث1. 10- أنه يبين رأيه في تحقيق راوي الحديث، ومن هو الأولى في الأخذ عنه. ومن ذلك قوله في حديث صفوان بن عمرة: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر بهذا الحديث -يريد الحديث الذي سبق- قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، والقول قول سفيان، ثم قال: حدثنا ابن أبي رزمة، سمعت أبي يقول: قال رجل لشعبة: خالفك سفيان. قال: دمغتني، وبلغني عن يحيى بن معين قال: كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان، وحدثنا أحمد بن حنبل ثنا وكيع عن شعبة قال: كان سفيان أحفظ مني2. 11- أنه -أحيانًا- يفسر الغريب من لفظ الحديث. ومن ذلك قوله في حديث المسجد النبوي -تفسيرًا لكلمة القصة التي وردت في الحديث- قال أبو داود: القصة الجص3. 12- أنه يروي المدرج مع بيان من أدرجه. ومن ذلك قوله في حديث بناء المساجد بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أمرت بتشييد المساجد" قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى4. 13- أنه يروي بعض الآثار الموقوفة أو المقطوعة في سننه. ومن ذلك أنه أورد أثرًا بسنده إلى عطاء، أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ -بعد أن ذكر أحاديث الوضوء بالنبيذ- وقال: إن التيمم أعجب إلي منه، وأورد بعده كذلك أثرًا بسنده إلى أبي خلدة، قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به؟ قال: لا5. وهذا المسلك في رواية الآثار الموقوفة أو المقطوعة لا يقع منه إلا على ندرة، بخلاف صاحب الموطأ الذي شرحنا مسلكه فيما سبق. 14- أنه يكثر من عدد الأبواب مهما قلت أحاديثها إلى درجة ألا يكون في الباب إلا حديث واحد معدود الكلمات. وذلك مثل باب النهي عن البول في الجحر، ولم يذكر في هذا الباب إلا حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر"6.   1 سنن أبي داود: ج2 ص77. 2 سنن أبي داود: ج2 ص84. 3 سنن أبي داود: ج1 ص74. 4 سنن أبي داود: ج1 ص74 5 سنن أبي داود: ج1 ص14. 6 سنن أبي داود: ج1 ص6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ومن ذلك باب كراهية الكلام عند الحاجة، حيث لم يذكر فيه إلا حديثًا واحدًا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان" 1. ومن ذلك: باب في الرجل يذكر الله على غير طهر، لم يذكر فيه أبو داود إلا حديثًا واحدًا لعائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه"2. ومن ذلك باب الخاتم يكون فيه ذكر الله، لم يذكر فيه إلا حديثًا واحدًا، على أنه حكم بأنه حديث منكر3. ومن ذلك أيضًا باب البول قائمًا، لم يذكر فيه إلا حديثًا واحدًا. ومن ذلك باب الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده، لم يذكر فيه إلا حديثًا واحدًا أقصر من عنوانه. وباب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب لم يذكر فيه إلا حديثًا واحدًا4. وباب ما جاء في ذبيحة المتردية لم يذكر فيه إلا حديثًا واحدًا. وكذلك باب المبالغة في الذبح5. وبعد هذا فإن فيما أوردناه من شهادات الحفاظ والعلماء لسنن أبي داود والتنويه بشأنها ما يدل على أنه كتاب جدير بالعناية بأمره، والاستمساك بحبله، واعتباره كنزًا من كنوز المعرفة والعلم بالسنة المحمدية، ولا سيما فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، ولهذا عده بعض العلماء والأئمة الكتاب الثالث في الرتبة بعد الصحيحين، وإن كنا نتجه إلى أنه أولها رتبة فيما يختص بجمع أحاديث الأحكام وتقريبها وتهذيبها، والأمانة في عرضها بأسانيدها ومتونها. ولا يفوتنا أن ننوه بهذا الكتاب من زاوية أن مؤلفه ممن عاشوا في عصور الرواية التي تنتهي بنهاية المائة الثالثة للهجرة، وأنه من الأئمة ذوي الحق في التعديل والتجريح، والتصحيح والتضعيف، ولهذا اختص كتابه من بين سائر مدونات الأحكام بطابع الرواية عند إيراد كل حديث، وبيان الطرق التي أوصلته إليه في كل منها، وبيان المقبول منها والمردود، إما بالنص عليه أو بالسكوت الذي جعله علامة على صلاحية الحديث كما بينا ذلك. وما اشتهر من أن الكتاب في أحاديث الأحكام، لا ينافي ما وقع في آخره من أحاديث يتعلق بعضها بالعقائد، وبعضها بالترغيب والترهيب والآداب، فإنه -رحمه الله- لم يرد أن يخلي كتابه من هذه الفوائد بعد أن استفرغ وسعه في رواية أحاديث الأحكام، وإن كانت هذه الأبواب أيضًا يمكن ردها إلى الأحكام، باعتبار ما فيها من إلزام للمكلفين، أو ترغيب وترهيب للمؤمنين.   1 سنن أبي داود: ج1 ص4. 2 سنن أبي داود: ج1 ص4. 3 سنن أبي داود: ج1 ص4. 4 سنن أبي داود: ج1 ص6. 5 سنن أبي داود: ج1 ص7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وقد اتجهت عناية الفحول من علماء الأمة إلى الاهتمام بهذا الكتاب، فقد عمل له الإمام العظيم الحافظ أبو سليمان حمد الخطابي المتوفى سنة 388هـ شرحًا ممتازًا أفرغ فيه كثيرًا مما في جعبته من المعارف الإسلامية، ولا سيما في الأحكام الشرعية، كما هذبه الحافظ المنذري المتوفى سنة 656هـ وحذف أسانيده وعوض عنها ذكر من خرج الحديث من أئمة الرواية غير مؤلفه، كما هذبه العلامة الحافظ ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ تهذيبًا عظيمًا، بدأه بالتنويه به وقال: إنه من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به بحيث صار حكمًا بين أهل الإسلام، وفصلًا في موارد النزاع والخصام، وأثنى على تهذيب الإمام المنذري له، وبين أنه إمامه في التهذيب الذي قام به. قال صاحب كشف الظنون: إن الإمام المنذري سمى هذا التهذيب "المجتبى" وقد ألف السيوطي عليه شرحًا سماه "زهر الربى على المجتبى"1. وممن ذكرهم صاحب كشف الظنون من شارحي السنن؛ العلامة ابن قيم الجوزية في شرح مختصر السنن، والحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ، وقال: إن له شرحًا سماه "مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود" وإن لابن الملقن شرحًا لزوائده على الصحيحين في مجلدين، وولي الدين العراقي، والشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسين الرملي المتوفى سنة 844، والشيخ قطب الدين أبو بكر بن أحمد بن دعين اليمني المتوفى سنة 752هـ في أربع مجلدات كبار في آخر عمره، وشرحها أبو زرعة أحمد عبد الرحيم العراقي سنة 826هـ وكتب منه سبع مجلدات إلى أثناء سجود السهو، والحافظ علاء الدين مغلطاي المتوفى سنة 762هـ ولم يكمله. وشرحها شهاب الدين أبو مخمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي من أصحاب المزي المتوفى سنة 765هـ سماه "انتحاء السنن واقتفاء السنن". وشرح قطعة منها العلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة 855هـ2. ولقد تأثر الإمام الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام بمسلك أبي داود في كتابه السنن، حيث ختمه بكتاب في الأدب وما يتصل به، سماه كتاب الجامع، وسنين ذلك -بإذن الله- عند الكلام على كتاب بلوغ المرام. وقد شرح كتاب السنن أيضًا من العلماء المعاصرين شرحًا ضافيًا فضيلة العالم العامل الشيخ محمود خطاب السبكي، غير أن الله اختاره لجواره قبل أن يتمه، فأكمله خليفته وابنه العالم الجليل الشيخ أمين خطاب مع أعوان له من فحول العلماء من رجال السنة. رحم الله الجميع، ونفع بهم وبما قدموه للأمة الإسلامية من أثر صالح ومجهود كريم.   1 كشف الظنون ج1 ص1004. 2 كشف الظنون: ج2 ص1005 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي : ومؤلف هذا الكتاب هو الإمام أحمد بن محمد بن سلمة الأزدي الطحاوي الفقيه، الذي انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، ومولده ومنشؤه في طحا من بلاد الصعيد، تفقه على مذهب أبي حنيفة ورحل إلى الشام سنة 268هـ فاتصل بأحمد بن طولون وكان من خاصته1، وكان مولده سنة تسع وعشرين ومائتين، ونقل الذهبي أن ولادته كانت سنة سبع وثلاثين ومائتين، صحب خاله المزني تلميذ الإمام الشافعي وتفقه عليه، ثم أدمن النظر في كتب الحنفية فتأثر بها حتى انتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة. وقد وصفه السيوطي بأنه كان ثقة ثبتًا فقيهًا لم يخلف بعده مثله، وعده بين حفاظ الحديث وقال: إنه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، وإنه صاحب التصانيف البديعة، وذكر منها شرح معاني الآثار وأحكام القرآن والتاريخ الكبير وغيرها. وأورده الذهبي في تذكرة الحفاظ فوصفه بأنه كان فقيهًا عالمًا ثقة ثبتًا لم يخلف مثله، كما ذكره الكفوي في الطبقات فقال: إنه أخذ الفقه عن أبي جعفر أحمد بن أبي عمران عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة2. وأورده ابن العماد في شذرات الذهب، وذكر أنه سمع هارون بن سعيد الأيلي وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب، ومنه أحمد بن القاسم الحساب، والطبراني، وصنف التصانيف منها العقيدة السنية، وبرع في الفقه والحديث، وتوفي في ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة3. وموضوع الكتاب هو شرح معاني الآثار المتعلقة بالأحكام الفقيه، والآثار كلمة تشمل الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين، ولعله لا يختلف -من هذه الناحية- عن مسلك الإمام مالك في إيراد ما يتعلق بالأحكام الفقهية مما وقع به الاستدلال للمذهب المراد تأييده من الآثار، وإن كان يختلف عنه في شرح معاني تلك الآثار، وإيراد ما ارتضاه مذهبًا لنفسه، والدفاع عنه بما لديه من الحجج والأدلة، وهو مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان. وهو يتحدث عن سبب تأليفه هذا الكتاب فيقول في مقدمته: سألني بعض أصحابنا من أهل العلم أن أضع له كتابًا أذكر فيه الآثار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام التي يتوهم أهل الإلحاد والضعفة من أهل الإسلام أن بعضها ينقض بعضًا، لقلة علمهم بناسخها من منسوخها   1 من الأعلام للرزكلي نقلًا عن طبقات الحفاظ للسيوطي والطبقات لابن النديم. 2 مقدمة شرح معاني الآثار ج1 ص7، وحسن المحاضرة للسيوطي ج1 ص350، والتذكرة ج3 ص28. 3 شذرات الذهب: ج2 ص288. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وما يجب العمل به منها، لما يشهد به الكتاب الناطق، والسنة المجتمع عليها، وأجعل لذلك أبوابا أذكر في كل كتاب منها ما فيه من الناسخ والمنسوخ، وتأويل العلماء، واحتجاج بعضهم على بعض، وإقامة الحجة لمن صح عندي قوله منهم بما يصح به مثله من كتاب أو سنة أو إجماع أو تواتر في أقاويل الصحابة أو تابعيهم. ثم يقول: وإني نظرت في ذلك وبحثت عنه بحثًا شديدًا، فاستخرجت منه أبوابا على النحو الذي سأل، وجعلت لذلك كتبًا، ذكرت في كل كتاب منها جنسًا من تلك الأجناس، فأول ما ابتدأت بذكره من ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطهارة. وهو بهذه المقدمة الموجزة قد وضح المنهج الذي سلكه في كتابه هذا، من إيراد الآثار التي وصل إليها بعد البحث والتقصي خاصة بالأحكام، ولا سيما التي وقع فيها توهم لبعض الزائغين من تناقض يريدون به أن يرفضوا الأخذ بتلك الآثار، فهو بمسلكه هذا قد دعمها، وبين طريق الاستفادة منها بقدر ما وصل إليه اجتهاده، وانتهى إليه رأيه، وأنه قسم تلك الآثار أبوابا بحسب ما يندرج تحت كل باب من نوع معين من تلك الأحكام. وهو لا يفرق بين الباب والكتاب في عبارته في المقدمة، وإنما يريد ما يندرج تحت نوع معين من الأحكام المتماثلة، وإن كان في مسلكه يصنع ما يصنعه غيره من المؤلفين فيعبر بالكتاب وهو يريد ما يشمل أبوابًا متعددة، فهو يقول مثلًا: كتاب البيوع، ثم يقول: باب بيع الشعير بالحنطة باب بيع الرطب -باب تلقي الجلب- باب خيار الرؤية. ويقول: كتاب الهبة والصدقة ثم قال: باب الرجوع في الهبة باب هبة بعض الأولاد ... إلخ. والإمام الطحاوي لا يختلف عن غيره ممن ألفوا أحاديث الأحكام، من حيث إنه يوردها مفصلة بحسب الكتب والأبواب الفقهية في الجملة، وأنه وإن كان يختلف عن أبي داود في أنه يبرز شخصيته في كل موضوع من الأحكام، ويتدخل -بعد ذكر المتن وسنده- شارحًا ومعلقًا، وموفقًا بين ما يبدو للبعض في الأحاديث من تضارب، ومنتصرًا لمذهبه الذي ارتضاه بسوق الأدلة لتأييده فإنه يشبهه في إكثاره من إيراد الأبواب كثيرة التجزئة، كما رأينا في كتاب الطهارة الذي أورد في ضمنه باب سؤل الهر، باب سؤل الكلب، باب سؤر بني آدم، باب التسمية على الوضوء، باب الوضوء للصلاة مرة مرة وثلاثا ثلاثا ... وهكذا، ثم يقول في كتاب الصلاة: باب الأذان كيف هو باب الإقامة كيف هي، باب قول المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم، باب التأذين للفجر أي وقت هو ... وهكذا إلى أن يقول: باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، باب القراءة في الظهر والعصر، باب القراءة في صلاة المغرب، باب القراءة خلف الإمام. وقد طبع الكتاب أخيرًا في القاهرة عام ثمان وثلاثمائة وألف للهجرة طبعته مطبعة الأنوار المحمدية في أربعة أجزاء مختلفة الحجم، بلغت في مجموعها خمسا وأربعين وخمسمائة وألف صفحة من القطع الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وقد بدت لنا بعض الملاحظات التي سنحت عند استعراض صفحات هذا الكتاب نورد أهمها فيما يأتي: 1- أن المؤلف يبدأ كل باب فيه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث، فإن كان في المسألة التي يورد الأحاديث في شأنها خلاف بين العلماء أورد من الأحاديث ما يستشهد به كل فريق، ثم يعقب على ذلك بذكر الآثار من عمل الصحابة والتابعين وروايتهم مع الموازنة والترجيح واختيار الرأي الذي ارتضاه. ففي باب ذكر الجنب والحائض والذي ليس على وضوء، وقراءتهم للقرآن1 نرى المؤلف قد ساق حديثين أولهما عن المهاجرين قنفذ: "أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه، فلما فرغ من وضوئه قال صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهارة" وثانيهما عن المهاجر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول -أو قال مررت به وقد بال- فسلمت عليه فلم يرد علي حتى فرغ من وضوئه ثم رد علي" ثم قال الإمام الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا فقالوا: لا ينبغي لأحد أن يذكر الله تعالى بشيء إلا وهو على حال يجوز له أن يصلي عليها، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: من سلم عليه وهو على حال يجوز له أن يصلي عليها. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: من سلم عليه وهو على حال حدث تيمم ورد عليه السلام وإن كان في المصر، وقالوا فيما سوى السلام مثل قول أهل المقالة الأولى. ثم ساق الأحاديث التي احتج بها الفريق الآخر. ومنها حديث نافع قال: انطلقت مع ابن عمر إلى ابن عباس في حاجة لابن عمر، فقضى حاجته فكان من حديثه أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى كاد الرجل أن يتوارى في السكة، فضرب بيديه على الحائط فتيمم لوجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فتيمم لذراعيه. قال: ثم رد عليه السلام وقال: "أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني كنت لست بطاهر". وحديث ابن عمر: "أن رجلًا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه حتى أتى حائطًا فتيمم". وحديث ابن عباس: "أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بير جميل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام". ثم ذكر حديثًا آخر عن عمر مولى ابن عباس مثل الحديث السابق ثم قال: فبهذه الآثار رخصنا للذي يسلم عليه وهو غير طاهر أن يتيمم ويرد عليه السلام. ثم ذكر حديثًا آخر عن عمر مولى ابن عباس مثل الحديث السابق ثم قال: فبهذه الآثار رخصنا للذي يسلم عليه وهو غير طاهر أن يتيمم ويرد عليه السلام، ليكون ذلك جوابًا للسلام، ثم قال: وهذا كما رخص قوم في التيمم للجنازة وللعيدين إذا خيف قوت ذلك إذا تشوغل بطلب الماء   1 شرح معاني الآثار: ج1 ص85 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 لوضوء الصلاة، وذكروا في ذلك أحاديث ساقها الإمام الطحاوي أيضًا منها: حديث موقوف على ابن عباس رواه عنه عطاء: في الرجل تفجؤه الجنازة وهو على غير وضوء. قال: "يتيمم ويصل عليها" ثم ساق مثله ثمانية أحاديث أخرى وانتهى منها إلى هذا القول: فلما كان قد رخص في التيمم في الأمصار خوف فوت الصلاة على الجنازة. وفي صلاة العيدين لأن ذلك إذا فات لم يقض، قالوا: فكذلك رخصنا في التيمم في الأمصار لرد السلام ليكون ذلك جوابًا للمسلم؛ لأنه إذا لم يفعل فلم يرد السلام حينئذ فات ذلك، وإن رد بعد ذلك فليس بجواب له، وأما ما سوى ذلك مما لا يخاف فوته من الذكر وقراءة القرآن فلا ينبغي أن يفعل ذلك أحد إلا على طهارة. قال الطحاوي: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا بأس أن يذكر الله تعالى في الأحوال كلها من الجنابة وغيرها، ويقرأ القرآن في ذلك خلاف الجنابة والحيض فإنه لا ينبغي لصاحبها أن يقرأ القرآن. ثم ساق ما احتجوا به من أحاديث: منها حديث رواه عن علي جاء في آخره: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجزه عن ذلك شيء، ليس الجنابة" وفي رواية ابن سلمة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فيقرأ القرآن" وفي رواية أخرى عن علي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حالة إلا الجنابة". وبعد أن ساق الإمام الطحاوي عدة روايات مثل هذا الحديث، وما في معناه قال: ففيما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة ذكر الله تعالى على غير وضوء، وقراءة القرآن كذلك، ومنع الجنب من قراءة القرآن خاصة، ثم قال: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يدل على إباحة ذكر الله تعالى على غير طهارة، وساق حديثًا عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ مسلم يبيت طاهرًا على ذكر الله فيتعار من الليل يسأل الله تعالى شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه" وحديثًا مثله عن أبي ظبية عن معاذ، وآخر عن شمر بن عطية.. ثم قال: فهذا بعد النوم، ففي ذلك إباحة ذكر الله تعالى بعد الحدث، ثم ساق أحاديث أخرى في هذا المعنى بعضها عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه"،وبعضها عن ابن عمر ومالك بن عبادة الغافقي، ثم انتهى إلى قوله: فثبت بما في هذين الحديثين مع ما في حديث علي رضي الله عنه أنه لا بأس بذكر الله وقراءة القرآن في حال الحدث غير الجنابة والحيض، وأن قراءة القرآن خاصة مكروهة في حال الجنابة والحيض فأردنا أن ننظر أي هذه الآثار تأخر فنجعله ناسخا لما تقدم، فنظرنا في ذلك فإذا ابن داود قد حدثنا ثم ساق عدة أحاديث انتهى منها إلى القول بأن حديث علي متأخر، فهو ناسخ لما ورد قبله من "أحاديث أبي الجهم وابن عمر وابن عباس والمهاجر، وأن الحكم في حديث علي متأخر عن الحكم الذي فيه، ثم أورد عددًا من الآثار بعضها عن ابن عباس وبعضها عن ابن عمر تؤيد رأيه في أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 حديث على ناسخ لغيره من الأحاديث. وقال: فهذا ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما قد رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد السلام في حال الحدث حتى يتيمم، وهما فقد قرأا القرآن في حال الحديث، ولا يجوز ذلك عندنا إلا وقد ثبت النسخ أيضًا عندهما، ثم قال: وقد تابعهما على ما ذهبا إليه من هذا قوم. ثم أورد آثارًا أخرى تشهد لما ذهبًا إليه، بعضها من عمل الصحابة، وبعضها من رواية التابعين، كل ذلك في نحو سبع صفحات من الكتاب. ومثل هذا ما أورده المؤلف في باب وضع إحدى الرجلين على الأخري1. فقد ذكر حديثًا رواه جابر بأسانيد متعددة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وزاد في بعضها "وهو مضطجع"، كما ذكر حديثًا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى أن يثني الرجل إحدى رجليه على الأخرى". ثم قال أبو جعفر: فكره قوم وضع إحدى الرجلين على الأخرى لهذه الآثار، واحتجوا في ذلك أيضًا بما رواه الطحاوي بسنده إلى أبي وائل قال: كان الأشعث وجرير بن عبد الله وكعب قعودًا، فرفع الأشعث إحدى رجليه على الأخرى، وهو قاعد، فقال له كعب بن عجرة: ضمها فإنه لا يصلح لبشر، ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسًا، واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديثًا عن عباد بن تميم عن عمه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى، وأورد بعده ستة أحاديث مثله ثم قال: قالوا: فهذه الآثار قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة ما منعت منه الآثار الأول. قال: وأما ما ذكروه مما احتجوا به من قول كعب بن عجرة، فإنه قد روى عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، ثم أورد عددًا من الآثار الدالة على أن كبار الصحابة كانوا يفعلون ذلك، ومن بينهم أبو بكر وعمر وعثمان وأسامة بن زيد وابن عمر وأنس بن مالك، ثم قال: فقد روينا عن الجلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يتوصل إلى تبينه من طريق النظر، فنستعمل فيه ما استعملناه في غيره من أبواب هذا الكتاب، وأخذ يستعرض الأحاديث والآثار ويقارن بعضها ببعض، وانتهى إلى احتمال نسخ أحد الأمرين للآخر. ثم قال: فلما وجدنا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم -وهم الخلفاء الراشدون المهديون على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمهم بأمره- قد فعلوا ذلك بعده بحضرة أصحابه جميعًا، وفيهم الذي حدث بالحديث الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكراهة فلم ينكر ذلك أحد منهم، ثم فعله عبد الله بن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وأنس بن مالك رضي الله عنهم، فلم ينكر عليهم منكر ثبت بذلك أن هذا هو ما عليه أهل العلم من هذين الخبرين المرفوعين، وبطل بذلك ما حالفه لما ذكرنا وبينا.   1 شرح معاني الآثار ج ص277 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وبعد هذا ساق الإمام الطحاوي بعض الآثار المؤيدة لهذا الذي انتهى إليه من نسخ كراهة هذا الفعل. 2- يرفع التضاد الذي يبدو للدارس بين الآثار المتعارضة، وذلك إما بشرحها وتأويلها على معنى يوفق بينها وبين النصوص الأخرى، وإما باحتمال نسخ الأثرين للآخر، وهو -في غالب الأحيان- يؤيد وجهة نظره بما يروي من الآثار التي يستدل على ما اختاره. فمن ذلك ما أورده في باب الذي يجامع ولا ينزل1 من حديث زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع فلا ينزل قال: ليس عليه إلا الطهور، ثم قال: "سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم" وأن زيدًا سأل عليًّا والزبير وطلحة وأبي بن كعب فكلهم قال ذلك، ثم روى آثارًا كثيرة بأسانيد متعددة، كلها تؤيد هذا المعنى وإن اختلفت صبغتها، كقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في الإكسال إلا الطهور" وقوله في الجواب عن الرجل يجامع فيكسل: "يغسل ما أصابه ويتوضأ وضوءه للصلاة" وقوله: "الماء من الماء والغسل على من أنزل" وغير ذلك من الآثار. ثم قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن من وطئ في الفرج فلم ينزل فليس عليه غسل، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار. وخالفهم آخرون فقالوا: عليه الغسل وإن لم ينزل: واحتجوا في ذلك بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الرجل يجامع فلا ينزل، فقالت: "فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعًا" وما روي عنها أيضًا قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان اغتسل" وأن سعيد بن المسيب قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان أيوجب الغسل؟ فقال أبو موسى: أنا آتيكم بعلم ذلك، فنهض وتبعته حتى أتى عائشة رضي الله عنها فقال: يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي أن أسألك، فقالت: سل فإنما أنا أمك. قال: إذا التقى الختانان أيجب الغسل؟ فقالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التلقى الختانان اغتسل"، وما روي أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليه من غسل؟ -وعائشة رضي الله عنها جالسة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل". قالوا: فهذه الآثار تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل إذا جامع وإن لم ينزل، فقيل لهم: هذه الآثار تخبر عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يجوز أن يفعل ما ليس واجبًا عليه، والآثار الأول تخبر عما يجب وما لا يجب فهي أولى.   1 شرح معاني الآثار: ج1 ص53 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ثم أورد حجة أهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى بأن ما أوردوه من الآثار الدالة لهم إنما هي على ضربين: أحدهما: "الماء من الماء" والثاني: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا غسل على من أكسل حتى ينزل". ثم قال: "فأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء". والثاني: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا غسل على من أكسل حتى ينزل". ثم قال: "فأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء" فإن ابن عباس رضي الله عنه قد روي عنه في ذلك أن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم به قد كان على غير ما حمله عليه أهل المقالة الأولى، وأورد الطحاوي عن ابن عباس بسنده أن ذلك كان في الاحتلام، إذا رأى أنه إذا جامع ثم لم ينزل فلا غسل عليه، قال: فهذا ابن عباس قد أخبر أن وجهه غير الوجه الذي حمله عليه أهل المقالة الأولى، فضاد قوله قولهم. وأما ما روي فيما بين فيه الأمر وأخبر فيه بالقصد أنه لا غسل عليه في ذلك حتى يكون الماء فإن قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، ثم روى حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد وجب الغسل" وآثارًا أخرى مثل هذا عن عائشة رضي الله عنها وفي بعضها عبارة "ثم ألزق الختان الختان" بدلًا من "ثم اجتهد" ومن بينها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل". قال أبو جعفر: فهذه الآثار تضاد الآثار الأول وليس في شيء منها دليل على الناسخ من ذلك ما هو؟ فنظرنا في ذلك، فإذا علي بن شيبة قد حدثنا -وذكر سنده إلى أبي بن كعب- قال أبي بن كعب: "إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام، فلما أحكم الله الأمر نهى عنه" وأورد بإسناد آخر أن أبي بن كعب أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهى عن ذلك وأمر بالغسل. وذكر الطحاوي بعد ذلك آثارًا أخرى عن بعض الصحابة تؤيد ما ورد من النسخ ثم قال فهذا أبي قد قال هذا، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فلا يجوز هذا عندنا إلا وقد ثبت نسخ ذلك عنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر بعد ذلك من الآثار ما يدل على اتجاه كبار الصحابة إلى هذا الرأي منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان عثمان ممن روى خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز ذلك إلا وقد ثبت النسخ عنده، وكذلك أبو هريرة الذي قال -عند سؤاله عما يوجب الغسل: إذا غابت المدورة. مع أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك قال الطحاوي فهذا أيضًا دليل على نسخ ذلك. ثم أورد آثارًا أخرى كثيرة تؤيد النسخ وقال بعد ذلك: فقد ثبت بهذه الآثار التي رويناها صحة قول من ذهب إلى وجوب الغسل بالتقاء الختانين، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار. ثم قال: وأما وجهه من طريق النظر، فإنا رأيناهم لم يختلفوا أن الجماع في الفرج الذي لا إنزال معه حدث، فقال قوم: هو أغلظ الأحداث، فأوجبوا فيه أغلظ الطهارات وهو الغسل، وقال قوم: هو كأخف الأحداث، فأوجبوا فيه أخف الطهارات وهو الوضوء، ثم استعرض مسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 متصلة بهذا الباب، وأخذ يبين حكمها ويقيس عليه. حتى انتهى إلى قوله: فالنظر على ذلك أن يكون الجماع بغير إنزال في حكم الأحداث أغلظ الأحداث، ويجب فيه أغلظ ما يجب في الأحداث وهو الغسل. وساق حججًا أخرى ينتصر بها لهذا الرأي، واستوعب أكثر من ثماني صفحات من الكتاب في بيان الحكم في هذا الباب. 3- يستنبط الأحكام في كتابه هذا من طريقين: طريق الآثار وطريق النظر، فهو يستعرض الأحاديث والآثار الدالة في الباب، وبين دلالاتها ويوازن بينها، ثم يرجح ويختار، ويسوق كثيرًا مما يؤيد ما اختاره من طريق الآثار، ثم يعقب الاستنباط عن طريق النظر بذكر مسائل أخرى مشابهة لما هو بصدده، ويذكر حكمها ويقيس عليه، ثم ينتهي أخيرًا إلى رأي أبي حنيفة وصحبه، ويذكر بعد ذلك ما يؤيد مذهبه من الأحاديث والآثار. فمن استعماله الطريقتين ما أورده في باب الوضوء هل يجب لكل صلاة أم لا؟ 1 فيما رواه ابن بريدة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد" وأنه صلى الله عليه وسلم: صلى يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر: صنعت شيئًا -يا رسول الله- لم تكن تصنعه، فقال: "عمدًا فعلته يا عمر". وما رواه علقمة عن سليمان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة، قال الطحاوي: فذهب قوم إلى أن الحاضرين يجب عليهم أن يتوضئوا لكل صلاة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث. وخالفهم في ذلك أكثر العلماء، فقالوا: لا يجب الوضوء إلا من حدث. ثم أورد حديثًا آخر يؤيد وجهة نظر المخالفين، وهو ما رواه عن جابر بن عبد الله قال: "ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الأنصار ومعه أصحابه، فقربت لهم شاة مصلية2 فأكل وأكلنا، ثم حانت الظهر فتوضأ وصلى، ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل، ثم حانت العصر فصلى ولم يتوضأ". قال أبو جعفر: ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوئه الذي كان في وقت الظهر، وقد يجوز أن يكون وضوءه لكل صلاة على ما روى ابن بريدة كان على التماس الفضل لا على الوجوب، ثم يتساءل أبو جعفر: فهل في هذا من فضل فيلتمس، ويجيب على هذا التساؤل: نعم، ويروي حديث عمر بما يفيد أنه توضأ لكل من الظهر والعصر والمغرب فسأله أبو غطيف: أي شيء هذا يا أبا عبد الرحمن؟ الوضوء عند كل صلاة؟ فقال عمر: وقد   1 شرح معاني الآثار: ج1 ص41 وما بعدها. 2 قوله: مصلية أي مشوية. كذا في هامش ج1 ص42 معاني الآثار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فظنت لهذا مني! ليست بسنة، إن كان لكاف وضوئي لصلاة الصبح صلواتي كلها ما لم أحدث، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ على طهر كتب الله له بذلك عشر حسنات" ففي ذلك رغبت يابن أخي. قال المؤلف: فقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فعل ما رواه عنه ابن بريدة لإصابة هذا الفضل، لا لأن ذلك كان واجبًا عليه. قال: وقد روي عن أنس عن مالك أيضًا ما يدل على ما ذكرنا، قال أنس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ منه. فقال الراوي لأنس: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. قلت: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء. فهذا أنس قد علم حكم ما ذكرنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ير ذلك فرضًا على غيره. وقد يجوز أيضًا أن يكون كان يفعل ذلك وهو واجب ثم نسخ، فنظرنا في ذلك هل نجد شيئًا من الآثار يدل على هذا المعنى فإذا ابن أبي داود قد حدثنا. ثم ساق حديثًا يدل على ذلك النسخ، ثم استطرد بذكر أحكام للسواك في مناسبة وروده في الحديث الذي ساقه، وأورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة انتهى منها إلى قوله: فثبت بقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أنه لم يأمرهم بذلك، وأن ذلك ليس عليهم، وأن في ارتفاع ذلك عنهم -وهو المجعول بدلًا من الوضوء لكل صلاة- دليل على أن الوضوء لكل صلاة لم يكن عليهم ولا امروا به، وأن المأمور به النبي صلى الله عليه وسلم دونهم، وأن حكمه كان في ذلك غير حكمهم. قال: فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، وقد ثبت بذلك ارتفاع وجوب الوضوء لكل صلاة. وأما وجه ذلك من طريق النظر، فإنا رأينا الوضوء طهارة من حدث، فأردنا أن ننظر في الطهارات من الأحداث كيف حكمها؟ وما الذي ينقضها؟، فوجدنا الطهارات التي توجبها الأحداث على ضربين: فمنها الغسل، ومنها الوضوء. وأورد وجهه نظره التي انتهى منها إلى أن النظر أن يكون حكم الطهارات من سائر الأحداث أنه لا ينقضها مرور الوقت كما لا ينقض الغسل مرور الوقت. وبعد أن ساق حجة أخرى تؤيد هذا ومسائل قاس عليها ما هو بصدده قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى، وقد قال بذلك جماعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أورد كثيرًا من الآثار التي تؤيد مذهب أبي حنيفة وصحبه رضوان الله عليهم. ومن استعماله طريق الآثار وحده في الاستنباط وإهداره طريق النظر ما صنعه في باب صلاة العصر هل تعجل أو تؤخر1 حيث روى فيه حديث أنس بن مالك إذا يقول: "ما كان أحد أشد   1 شرح معاني الآثار: ج1 ص189 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 تعجيلًا لصلاة العصر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارًا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبو لبابة بن عبد المنذر أخو بني عمرو بن عوف، وأبو عيسى بن خير أحد بني حارثة: دار أبي لبابة بقباء، ودار أبي عبس في بني حارثة، ثم إن كانا ليصلينان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، ثم يأتيان قومهما وما صلوها لتبكير رسول الله صلى الله عليه وسلم بها". وبعد أن أورد هذا الحديث عن أنس بأسانيد متعددة وروايات مختلفة يستدل منها على التعجيل بصلاة العصر قال: وأما ما روى الزهري عن أنس رضي الله عنه فإنه قال: "كنا نصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نأتي العوالي والشمس مرتفعة" فقد يجوز أن تكون مرتفعة قد اصفرت، ثم قال: فقد اضطرب حديث أنس هذا لأن معنى ما روى الزهري منه بخلاف ما روى إسحاق بن عبد الله، وعاصم بن عمرو وأبو الأبيض عن أنس رضي الله عنه، ثم روى حديثًا عن غير أنس، رواه عن أبي أروى قال: "كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر بالمدينة ثم آتي الشجرة ذا الحليفة قبل أن تغرب الشمس، وهي على رأس فرسخين "وفي رواية أخرى عن أبي أروى أيضًا: "كنت أصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمشي إلى ذي الخليفة فآتبهم قبل أن تغيب الشمس". قال: وأما قوله قبل أن تغرب الشمس فقد يجوز أن يكون ذلك وقد اصفرت الشمس ولم يبق منها إلا أقل القليل، ثم روى ما يؤيد ذلك من حديث ابن مسعود قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العصر والشمس بيضاء مرتفعة، يسير الرجل حين ينصرف منها إلى ذي الحليفة ستة أميال قبل غروب الشمس". ثم روى عن أنس مرة أخرى: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العصر والشمس بيضاء محلقة" روى هذا الحديث عن أنس تأييدًا لتأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر، ثم لا يكون بين صلاته صلى الله عليه وسلم وبين المغرب إلا بمقدار ما يسير الرجل إلى ذي الحليفة، ثم روى حديثًا آخر عن أنس أنه سئل عن مواقيت الصلاة فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العصر ما بين صلاتيكم هاتين" واستدل منه ومما سبقه على أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخرها. ثم تساءل المؤلف كيف يتفق هذا وقد روى عن أنس رضي الله عنه حديثًا في ذم من يؤخر العصر؟ وروى حديثه في هذا، وبين أنه في التأخير المكروه الذي لا يتمكن معه مصليها من أدائها على وجهها، ولا يستطيع فيها أن يذكر الله متمكنًا قبل أن تتغير الشمس. ثم قال: فأما صلاة يصليها متمكنًا، ويذكر الله تعالى فيها متمكنًا قبل تغير الشمس فليس ذلك من الأول في شيء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ثم قال: والأولى بنا في هذه الآثار لما جاءت هذا المجيء أن نحملها ونخرج وجوهها على الاتفاق لا على الخلاف والتضاد. وبعد أن أورد حديث عائشة رضي الله عنها بأسانيده المتعددة ورواياته التي يبدو منها تعجيل النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر, ورده على ذلك، وبعد أن أورد حديث أبي برزة الذي يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر فيرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية" وأجاب عنه بما سبق له الإجابة به قال: فلم نجد في هذه الآثار لما صححت وجمعت ما يدل إلا على تأخير العصر، ولم نجد شيئًا منها يدل على تعجيلها إلا قد عارضه غيره، فاستحيينا بذلك تأخير العصر، إلا أنها تصلى والشمس بيضاء، وفي وقت يبقى بعده من وقتها مدة قبل أن تغيب الشمس. ثم قال: ولو خلينا والنظر لكان تعجيل الصلوات كلها في أوائل أوقاتها أفضل، ولكن اتباع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تواترت به الآثار أولى. فقد رأينا هنا كيف أعمل الآثار في استنباط الحكم وأهمل النظر، حيث استطاع أن يحمل وجوه الآثار على الاتفاق فاستقامت دليلًا على الحكم، فلا حاجة به إذًا إلى النظر والاجتهاد، فإنه لا اجتهاد مع النص. ومثل ذلك أيضًا ما جاء في باب الرجل يتحرك سنه هل يشدها بالذهب أم لا1. فإنه بعد أن استعرض الأحاديث والآثار الواردة في الباب، وبعد أن أورد تساؤلًا قال فيه: فإن قال قائل: فقد رأينا خاتم الفضة أبيح للرجال ومنعوا من خاتم الذهب، فقد أبيح لهم من الفضة ما لم يبح لهم من الذهب قيل لهم: قد كان النظر ما حكينا، وهو إباحة خاتم الذهب للرجال كخاتم الفضة، ولكنا منعنا من ذلك، وجاء النهي عن خاتم الذهب نصًّا، فقلنا به وتركنا له النظر، ولولا ذلك لجعلنا في الإباحة كخاتم الفضة. 4- يعنى بسرد الأحاديث والآثار بأسانيدها دون اعتناء بالكلام على درجة الحديث أو تقويم رجاله اكتفاء بذكر الإسناد الذي انتهى به إلى هذا الأثر أو ذلك الحديث. ولا يكون الكلام منه على درجة الحديث أو رجاله إلا عند المقارنة والترجيح بين الآثار، فإنه حينئذ يتكلم على رجال الإسناد، وعلى درحة الأحاديث، انتصارًا لفريق على فريق، واختيارًا لرأي دون رأي. ومن ذلك ما ذكره عند الكلام على الأحاديث والآثار الواردة في باب صلاة العيدين كيف التكبير فيها2، فإنه بعد أن سرد الأحاديث الواردة في هذا الباب، والدالة على أن التكبير سبعًا في الأولى من الركعات وخمسًا في الثانية، في الأضحى وفي الفطر على السواء قال: قالوا: فهذه الآثار نقول وإليها نذهب.   1 شرح معاني الآثار: ج4 ص257. 2 شرح معاني الآثار: ج4 ص343 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل التكبير في العيدين تسع تكبيرات: خمسًا في الأولى وأربعًا في الآخرة، ويوالي بين القراءتين. قال: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن حديث عبد الله بن عمر إنما يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس عندهم بالذي يحتج بروايته، ثم هو أيضًا من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وذلك عندهم أيضًا ليس بسماع وأما حديث ابن لهيعة فبين الاضطراب مرة يحدث عن عقيل، ومرة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب، ومرة عن خالد بن يزيد عن عقيل، ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، وأبي واقد رضي الله عنه. قال: وبعد، فمذهبهم في ابن لهيعة ما قد شرحناه في غير موضع من هذا الكتاب، وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنما يدور على ما رووه عن عبد الله بن عامر، وهو عندهم ضعيف. ثم يقول بعد سطور قليلة: فلما انتفى أن يكون في هذه الآثار شيء يدل على كيفية التكبير في العيدين لما بينا من وهائها وسقوطها نظرنا في غيرها، هل فيها ما يدل على شيء من ذلك؟ ثم ساق حديثًا قال في تقويمه: إنه حديث حسن الإسناد، وعن رجاله: إنهم أهل رواية، معروفون بصحة الرواية ليس كمن روينا عنه الآثار الأول، فإن كان هذا الباب من طريق صحة الإسناد يؤخذ، فإن هذا أولى أن يؤخذ به مما خالفه. وبعد: فهذه بعض نماذج لما بدا لنا في هذا الكتاب عند الدراسة، عرضناها على القارئ الكريم تصويرًا لما في الكتاب من جهد مشكور، وعناية فائقة بعرض الأحاديث والآثار، واستنباط الأحكام منها بعد عرض الأدلة التي تساند كل فريق إن كان في المسألة خلاف. وترجيح أحد الرأيين أو الآراء في الأدلة، والانتصار في النهاية لمذهب أبي حنيفة الذي ارتضاه المؤلف، وسوق الأدلة بعد هذا تدعيمًا لهذا المذهب، وهو في هذا كله طويل النفس، قوي الحجة، غزير المادة، محيط بمذاهب العلماء في الخلافيات، يعرض أدلتهم ويدعم ما يراه منها موافقًا لمذهبه، ويفند ما عدا ذلك، مما يجعله بحق أستاذًا لتربية ملكة التفقه عند الدارسين، ورائدًا من الذين يعتز بهم رجال الفقه والحديث، حتى لقد نوه به علماء الرجال، ووصفوه بأنه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، وقال عنه العلامة الكفوي في الطبقات بعد أن عده في الطبقة الثانية من أصحابنا: هو الشيخ الإمام جليل القدر مشهور في الآفاق ذكره الجميل مملوء في بطون الأوراق ... إلى أن قال: وكان رحمه الله إمامًا في الأحاديث والأخبار، سمع الحديث من خلق كثير من الغرباء ومن المصريين. ثم قال: وكان رحمه الله عالمًا بجميع مذاهب الفقهاء. أجزل الله الأجر للإمام أبي جعفر الطحاوي، فقد أسدى الخير للمسلمين، وقدم لهم من تراث الإسلام ما يستحق الدراسة ويستأهل التقدير، جزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 عمدة الأحكام : للإمام المقدسي المتوفى سنة 600هـ: صاحب هذا الكتاب هو الإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي1 الحنبلي. أورده ابن العماد في الشذرات2 وقال: إنه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهاجر صغيرًا إلى دمشق بعد الخمسين، فسمع أبا المكارم بن هلال، وسمع ببغداد أبا الفتح بن البطي وغيره، وسمع بالإسكندرية، من السلفي وطبقته، وأقام عليه ثلاثة أعوام، ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين، وإليه انتهى حفظ الحديث متنًا وإسنادًا ومعرفة بفنونه، مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن تآليفه المصباح في عيون الأحاديث الصحاح في ثمانية وأربعين جزءًا، والكمال في أسماء الرجال، ذكر فيه ما اشتملت عليه الكتب الستة من الرجال في مجلدين، وأشراط الساعة، والدرة المضية في السيرة النبوية، وعمدة الأحكام3. والنصيحة في الأدعية الصحيحة. وذكر الذهبي في تذكرته ما يفيد أن الإمام المقدسي كتب عن السلفي بالإسكندرية نحو ألف جزء ثم قال عنه: إنه تلقي عن ابن هبة الله الكامل بمصر، وكتب ما لا يوصف كثرة، وأسهب في ترجمته وبيان مؤلفاته، وذكر منها عمدة الأحكام، وأنه جزءان، وكتاب الأحكام ستة أجزاء، ودرر الأثر ستة أجزاء، وغير ذلك، ووصفه الضياء بأنه لم يعرفه أحد من أهل السنة إلا أحبه حبًّا شديدًا، ومدحه مدحًا كثيرًا، وأن أهل أصبهان كانوا يحبونه بحيث لو أقام بها وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه، وأنه بعد وصوله إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة ما كان يستطيع المشي من شدة زحام الخلق يجتمعون حوله ويتبركون به. وذكر ابن رجب أنه امتحن ودعي إلى القول بخلق القرآن فأبى، فمنع من التحديث وأفتى أهل التأويل بإراقة دمه، فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات، وقال الشيخ موفق الدين: كان جوادًا يؤثر بما تصل إليه يده سرًّا وعلانية، توفي بمصر في ربيع الأول سنة ستمائة للهجرة، ودفن بالقرافة.   1 نسبة إلى جماعيل قرية قرب نابلس ولد فيها ونسب إليها كما في الأعلام للزركلي ج4 ص160 وما بعدها. 2 ج4 ص345. 3 ذكره من بين مصنفات المقدسي أيضًا صاحب كتاب هدية العارفين بأسماء المؤلفين وآثار المصنفين ج56 ص589. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وكتابه عمدة الأحكام قدم له المؤلف بوصف قال فيه: إن بعض الإخوان سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام مما اتفق عليه الإمامان البخاري ومسلم، فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة. وهو بهذا قد انفرد من بين المؤلفين السابقين بخصيصة لم يشترك معه غيره فيها في أحاديث الأحكام، ولعله -رحمه الله- لو تجاوز هذا القدر من الأحاديث المتفق عليها بين الشيخين إلى ما ثبت عنده صحته من بقية أحاديث الأحكام لكان أعود بالفائدة، وأعون على الانتفاع بجملة صالحة منها، ولعل اختياره لهذا العنوان -عمدة الأحكام- في تسمية كتابه كان أثرًا ونتيجة لهذا الاختصار، وأدق تطابقًا معه، وكأن من كتبوا بعده في أحاديث الأحكام محاولين الاستيعاب أو ما يقرب منه -كصاحبي المنتقى وبلوغ المرام- أرادوا أن يستدركوا عليه باستكمال الفائدة، وإغناء المطلعين عن الرجوع إلى الأصول الأولى في أمهات كتب أحاديث الأحكام، على أنه يبدو لنا أن الرجل بمهارته الحديثية، وحذقه في التعرف على الأحاديث وآثارها التشريعية، مع حرصه على أن يكون الاستدلال في أحاديث الأحكام من أقوى ما ورد وأثبته رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه لم يفته كثير من أدلة الأحكام الفقهية، فإن الإمامين الجليلين -البخاري ومسلمًا- كانا أشد الرواة حرصًا على استيعاب الأحاديث في جميع الأبواب في دائرة ما اتخذا من شروط ومنهج يكفل الاعتماد على ما قدما للأمة من الأحاديث التي يحتاج إليها في أمور الدين، ولعل المتتبع لهذا الكتاب تستبين له تلك الحقيقة واضحة جلية. وقد يكون من مقاصده في الاختصار ما يقوم به بعض العلماء من وضع المختصرات تذليلًا لسبل العلم، بأن يبدءوا بالكتب المختصرة الجامعة لأهم المسائل التي تلزم طالب العلم، حتى إذا أتقنها استطاع أن يجوزها إلى ما هو أوسع منها، وهذه من طرق التربية الناجحة التي درسنا عليها أكثر العلوم في الأزهر الشريف، يضاف إلى ذلك -تدعيمًا لحسن هذا التصرف، وسلامة هذا الرأي- أنه بذلك يثبت أن المؤلف رحمه الله كان ممن تجردوا من العصبية المذهبية، واتجهوا بصادق النية إلى خدمة الدين في ضوء السنة النبوية الصحيحة، التي ثبتت عن المشرع صلوات الله وسلامه عليه، فهو لا يتعصب لمذهب معين يدفعه إلى أن يتصيد من الأحاديث ما هو أقوى حجة وأشد تأييدا لمذهبه الذي ارتضاه، وإنما كان رحمه الله يعول في اختياره لأحاديث الأحكام على درجة ما يرويه وقوته، فركز ذلك فيما اتفق عليه الشيخان إبراء لعهدته في تحقيق مهمته وأداء رسالته. والكتاب جار على الطريقة التي تداولها من نقلوا السنة بعد عهد الرواية، فاكتفوا بتجريد الأحاديث من أسانيدها، واستعاضوا عن ذكر الأسانيد بتخريج الأحاديث وعزوها تقريبًا للعلم، وتحقيقًا للدقة والأمانة في نقله، فإن مهمة هذه الكتب وأمثالها -بعد استقرار السنة والاطمئنان إلى أصولها- هي عرض الأحاديث لمن يريد الانتفاع استدلالا بها، واهتداء بهديها، وأما معرفة الأسانيد والرجال لمن أرادها فحسب المؤلفين ما استعاضوا به عنه من التخريج والإحالة على مواطنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الأصلية، وبهذا يختلف هذا الكتاب عن كتب السنة المؤلفة في الأحكام في عصر الرواية، كموطأ الإمام مالك، وسنن أبي داود، ومعاني الآثار للطحاوي. ويبدو أن هذا الكتاب على نفاسته، وعظم قدر مؤلفه كان من الكتب المغمورة قليلة التداول، بدليل أنه لم يطبع مستقلًّا عن الشرح الذي كتبه عليه ابن دقيق العيد، وذلك لما أشرنا إليه من عدم استيعابه لأحاديث الأحكام التي تروي ظمأ طالب الأدلة للانتفاع بها في معرفة الأحكام. وقد أعان على الاستغناء عن تداول هذا الكتاب ظهور الكتب التي حاولت الاستيعاب أو قاربته في أحاديث الأحكام، كمنتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للعلامة مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني المتوفى سنة إحدى وعشرين وستمائة، وكبلوغ المرام من أحاديث الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني المصري المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. والكتاب فيما لمسناه منه في نحو خمسمائة حديث، منها نحو تسعة وأربعمائة حديث أصول، وباقيها متابعات وشواهد، موزعة على الأبواب الفقهية، وأولها كتاب الطهارة وفيه اثنان وأربعون حديثًا، بدأها بحديث: "إنما الأعمال بالنيات" امتثالًا لقول من قال من المتقدمين: إنه ينبغي أن يبتدأ به في كل تصنيف، ولأنه كذلك متعلق بالطهارة، فطهارة الباطن قبل طهارة الظاهر، ثم كتاب الصلاة وأورد فيه سبعة ومائة حديث موزعة على أبوابه، بدأها بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" ثم كتاب الجنائز وذكر فيه أربعة عشر حديثًا، بدأها بحديث أبي هريرة: "نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم، وكبر أربعًا" ثم كتاب الزكاة وذكر فيه ثمانية أحاديث، بدأها بحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب ... " الحديث، ثم كتاب الصيام وذكر فيه ثلاثة وثلاثين حديثًا، بدأها بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلًا كان يصوم صومًا فليصمه"، ثم كتاب الحج وذكر فيه واحدًا وأربعين حديثًا، بدأها بحديث ابن عباس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ... " الحديث، ثم كتاب البيوع وأورد فيه ستة وأربعين حديثًا، بدأها بحديث عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يخيرأحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع" ثم كتاب النكاح وذكر فيه ثلاثين حديثًا، بدأها بحديث عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... " الحديث، ثم كتاب الرضاع، وذكر فيه أربعة أحاديث بدأها بحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: "لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة" كتاب القصاص، وذكر فيه تسعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أحاديث، بدأها بحديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم ... " الحديث، ثم كتاب الحدود، وذكر فيه أحد عشر حديثًا بدأها بحديث أنس بن مالك قال: "قدم ناس من عكل -أو عرينة- فاجتووا المدينة" الحديث، ثم كتاب الإيمان والنذور، وذكر فيه ثمانية عشر حديثًا، بدأها بحديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ... " الحديث، ثم كتاب الأطعمة وذكر فيه خمسة عشر حديثًا، بدأها بحديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: "إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن.." الحديث، ثم كتاب الأشربة وذكر فيه ثلاثة أحاديث بدأها بحديث عبد الله بن عمر أن عمر قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة ... " إلخ، ثم كتاب اللباس وأورد فيه ستة أحاديث، بدأها بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"، ثم كتاب الجهاد وذكر فيه تسعة عشر حديثًا، بدأها بحديث عبد الله بن أبي أوفى "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم ... " إلخ، ثم كتاب العتق وهو آخر كتاب في عمدة الأحكام، وأورد فيه ثلاثة أحاديث، بدأها بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركًا له في عبد ... " الحديث. وبعد، فإن الحافظ المقدسي حين جمع هذا المختصر في أحاديث الأحكام أراد أن يقرب به معرفة السنن للطالبين، فاختار لهم أصحها متنًا وأقواها إسنادًا من بين كتابين جليلين تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمع العلماء على أنهما أصح كتب الدين بعد كتاب الله تعالى، وكان من شرطه أن يكون ما يختاره فيه مما اتفق عليه الإمامان العظيمان البخاري ومسلم، فجاء كتابه "عمدة الأحكام في معالم الحلال والحرام عن خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام"1 كتابًا قريبًا لطالب العلم المبتدي والمتوسط، ولا يستغني عنه المنتهي والمتبحر. وهو بهذا الكتاب يمثل مرحلة من مراحل التأليف في السنة من حيث الاختصار بحذف السند اعتمادًا على ورد الحديث في الصحيحين، حذا حذوه فيها الحافظ العراقي في تقريب الأسانيد، فقد كان لا يعزو لأحد حديثًا ورد في الصحيحين. شكر الله للإمام المقدسي جهده في تقريب السنة إلى الدارسين، وجزاه عما قدم من ذلك خير الجزاء.   1 بهذا الاسم الطويل أورد صاحب هدية العارفين كتاب العمدة ج5 ص589. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار : مؤلف هذا الكتاب -كما يقول شارحه العلامة الشوكاني-1 هو الشيخ الإمام علامة عصره المجتهد المطلق، أبو البركات شيخ الحنابلة مجد الدين عبد السلام بن عبد الله، ينتهي إلى علي بن عبد الله الحراني المعروف بابن تيمية. قال الذهبي في النبلاء: إنه ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبًا، وتفقه على عمه الخطيب، وقدم بغداد وهو مراهق مع ابن عمه، وسمع من أحمد بن سكينة وابن طبرزد ويوسف بن كامل وغيرهم وسمع بحران من حنبل وعبد القادر الحافظ، وتلا بالعشر على الشيخ عبد الواحد بن سلطان، وحدث عنه ولده شهاب الدين والدمياطي وعبد الغني بن منصور وغيرهم، وتفقه وبرع، وصنف التصانيف، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، ودرس القراءات وصنف فيها أرجوزة. وحج في سنة إحدى وخمسين على درب العراق، وابتهر علماء بغداد لذكائه وفضله، وأقام ببغداد ستة أعوام مكبًّا على الاشتغال في العلم، ثم ارتحل إليها مرة أخرى قبل العشرين وستمائة فتزيد منه، وصنف التصانيف وتوفي بحران سنة اثنتين وخمسين وستمائة. وقد وصف المؤلئف "ابن تيمية" كتابه المنتقى فقال: هذا كتاب يشتمل على جملة من الأحاديث النبوية التي ترجع أصول الأحكام إليها، ويعتمد علماء الإسلام عليها، انتقيتها من صحيحي البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد بن حنبل، وجامع أبي عيسى الترمذي، وكتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي وكتاب السنن لأبي داود السجستاني، وكتاب السنن لابن ماجه القزويني، واستغنيت بالعزو إلى هذه المسانيد عن الإطالة بذكر الأسانيد. وذكر أن العلامة لما رواه البخاري، ومسلم "أخرجاه" ولبقيتهم "رواه الخمسة" ولهم سبعتهم "رواه الجماعة" ولأحمد مع الشيخين "متفق عليه" وفيما سوى ذلك أسمى من رواه منهم، ولم أخرج فيما غزوته عن كتبهم إلا في مواضع يسيرة، وذكرت في ضمن ذلك شيئًا يسيرًا من آثار الصحابة رضوان الله عليهم، ورتبت أحاديث هذا الكتاب على ترتيب فقهاء أهل زماننا لتسهل على مبتغيها وترجمت لها أبوابًا ببعض ما دلت عليه من الفوائد ... إلخ. وقد علق الشوكاني على اصطلاح المؤلف فيما رواه الثلاثة بمتفق عليه بأن هذا خلاف المشهور عند الجمهور من أن المتفق عليه ما رواه الشيخان، ولكن لا مشاحة في الاصطلاح، وبين أن قوله: لم أخرج فيما عزوته عن كتبهم يقصد به أنه اقتصر في كتابه هذا على العزو إلى الأئمة المذكورين، وقد   1 نيل الأوطار ج1 ص13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 يخرج عن ذلك في مواضع يسيرة فيروي عن غيرهم كالدارقطني والبيهقي وسعيد بن منصور والأثرم وهذا شيء واضح لمن تتبع هذا الكتاب ودرسه بتأن ودقة1. وقد نقل الشوكاني عن جماعة عن أئمة الحديث أن هذا الكتاب من أحسن الكتب المصنفة في الفن، لولا عدم تعرض مصنفه -رحمه الله- للكلام على التصحيح والتحسين والتضعيف في الغالب ونقل عن البدر المنير أنه قال: وأحكام الحافظ مجد الدين عبد السلام بن تيمية المسمى المنتقى هو كاسمه وما أحسنه لولا إطلاقه في كثير من الأحاديث العزو إلى الأئمة دون التحسين والتضعيف، فيقول مثلًا: رواه أحمد، رواه أبو داود، ورواه الدارقطني، ويكون الحديث ضعيفًا، وأشد من ذلك كون الحديث في جامع الترمذي مبينًا ضعفه، فيعزوه إليه دون بيان ضعفه. قال: وينبغي للحافظ جمع هذه المواضع وكتبها على حواشي هذا الكتاب، أو جمعها على مصنف، يستكمل به فائدة الكتاب المذكور. ونقول: إن هذا كان واجبًا قبل ظهور نيل الأوطار، فأما بعد ظهوره، فلم تعد تلك التنبيهات واجبة على الحافظ أو غيره، وقد بين الإمام الشوكاني منة الله عليه في ذلك فقال: وقد أعان الله وله الحمد على القيام بما أرشد إليه هذا الحافظ مع زيادات إليها تشد رحال الطلاب، وتنقيحات تنقطع بتحقيقها علائق الشك والارتياب. وقد صدق الشوكاني في ذلك، فقد بذل جهدًا فيه، حتى إن الناظر في كتابه ليلمس أنه يبدأ في شرح الحديث ببيان درجته ومرتبته، وإن كان المصنف قد بينها فإن له فيه تفصيلًا وبحثًا، قد يطول أحيانًا، وقد يختلف به مع المؤلف في تقويمه للحديث مع البيان المقنع الشافي، فشكر الله له هذا المجهود. ومن نظر في أول حديث أخرجه المؤلف -وهو حديث طهورية ماء البحر- تبين له ذلك بجلاء ووضوح، فإن المصنف اقتصر في تخريج الحديث وتقويمه على قوله: رواه الخمسة، وقال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح، ولكن الشوكاني اتجه ببيان مستقل ينبئ عن شخصية علمية فذة، فإن القارئ للمتن من شأنه أن يعتمد على ما أورده المصنف من أنه رواية الخمسة، ومن حكم الترمذي عليه بالحسن والصحة، ولكن أمانة العلم وشدة الفحص دعت الإمام الشوكاني إلى أن يبين أن الحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وابن الجارود في المنتقى، والحاكم في المستدرك والدارقطني والبيهقي في سننهما، وابن أبي شيبة، وذكر حكاية عن الترمذي نقلًا عن البخاري أن الحديث صحيح، ثم أورد معركة في الحكم على هذا الحديث يطول شرحها، ولا يستبينها إلا من رجع إلى هذا الشرح، وأراد أن يعزز الحديث في النهاية بأنه مروي عن جابر عند أحمد وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم بنحو حديث أبي هريرة، وأن له طرقًا عند الطبراني في الكبير.   1 نيل الأوطار ج1 ص22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وأن الحافظ ابن حجر حكم على إسناده بأنه حسن، وليس فيه إلا ما يخشى من التدليس ثم تعرض لشرح هذا التدليس، وانتقل إلى أن ابن السكن قال: حديث جابر أصح ما روي في هذا الباب ... إلى آخر ما قال. ولا نعني بذلك أن هذا الاستيعاب في البحث عن درجة الحديث هو مسلكه في جميع الأحاديث، وإلا لخرج عما هو مقصوده من الاستدلال به على الأحكام، وبيان الأئمة في الأخذ به أو العدول عنه ووجهة نظر كل منهم، فإنه وفق في كلتا الناحيتين فأجاد وأحسن، وهذه خدمة جليلة يشكرها الله له. والكتاب بعد هذا أكبر مؤلف في أحاديث الأحكام التي ألفت مجردة من الأسانيد بعد عهد الرواية، وهو منتقى كاسمه، فقد اختار من الأحاديث أصلحها للاستدلال من تلك الكتب التي أوردها، وبينا المراد بما فيما نقلناه عن شارحه الشوكاني. وهو مرتب على أبواب الفقه، سالك مسلكها من إيراد العنوان العام المندرج تحته أبواب، إلا أنه تارة يذكر العنوان العام باسم كتاب، كما صنع في كتاب الطهارة وتارة يذكره باسم باب، كما صنع في أبواب الأواني، ولعل حكمته في ذلك أن هذه الأبواب تشتمل أنواعًا مختلفة في موضوع يندرج تحت الكتاب العام، ولأن خطته في عرض الأبواب أن يكثر منها بحيث يشبه أبا داود في سننه، ولعله يتأثره في التنبيه إلى الحكم بإيراده تحت عنوان باب، وما أكثر ما عنون بالباب لمجرد حديث أو حديثين، ومن صور ذلك: باب طهورية ماء البحر وغيره فليس تحته إلا حديثان، وباب بيان زوال تطهيره فليس تحته إلا حديثان، وباب الرد على من جعل ما يغترف منه المتوضئ بعد غسل وجهه مستعملًا، وليس تحته إلا حديث واحد، مع طول هذا العنوان طولًا بينًا. ولا سبيل لنا إلى استقصاء أحاديث الكتاب فليس له فيما نحن بصدده كبير جدوى، ولكننا نكتفي في الحكم عليه بما وصفه به ذلك الإمام محمد بن علي الشوكاني الذي انبرى له من بين المحدثين، وأبرز ما فيه من أدلة، وما يتصل بكل حديث من منزلة ورتبة، فهو يقول في بيان السبب الذي دعاه إلى شرحه على ذلك الوجه العظيم: إنه لما كان الكتاب الموسوم بالمنتقى من الأخبار في الأحكام مما لم ينسج على بديع منواله، ولا حرر على شكله ومثاله أحد من الأئمة الأعلام قد جمع من السنة المطهرة ما لم يجتمع في غيره من الأسفار1، وبلغ إلى غاية من الإحاطة بأحاديث الأحكام تتقاصر عنها الدفاتر الكبار، وشمل من دلائل المسائل جملة نافعة تغني دون الظفر ببعضها طوال الأعمار، وصار مرجعًا لجلة العلماء عند الحاجة إلى طلب الدليل، لا سيما في هذه الديار2 وهذه الأعصار، فإنه تزاحمت على مورده العذب أنظار المجتهدين، وتسابقت على الدخول في أبوابه أقدام الباحثين من المحققين، وغدا ملجأ للنظار يأوون إليه، ومفزعًا للهاربين من رق التقليد يعولون عليه، وكان   1 لعله يريد بذلك ما ألف منها في أحاديث الأحكام خاليًا من الأسانيد بعد عصور الرواية. 2 يريد بها اليمن مسقط رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 كثيرًا ما يتردد الناظرون في صحة بعض دلائله ... حمل حسن الظن بي جماعة من حملة العلم -بعضهم من مشايخي- على أن التمسوا مني القيام بشرح هذا الكتاب1. هذا؛ وإننا لا نعلم لهذا الكتاب القيم أحدًا قام بشرحه شرحًا كاملًا سوى2 الإمام الشوكاني الذي أفدنا من مقدمته هذه الكلم الجوامع في وصفه لهذا الكتاب، والذي يعنينا من هذا الوصف أن هذا الكتاب نسيج وحده، وأن مجموعته من أحاديث الأحكام المستوعبة مما لم يتح لغيره، وبذلك حاز شهرة جعلته بين كتب الأحكام مرجعًا وإمامًا، وأن مؤلفه -وقد زاد عن صاحب العمدة في عدد الروافد التي يستمد منها أحاديث الأحكام- قد أتيح له ما لم يتح لسلفه من إيراد الكثير من الأدلة التي تفيد الباحث وتقفه على مسائل من الدين ما كانت لتتيسر له لولا أنه توسع في الأخذ عن مظانها من كتب السنن المعتمدة غير الصحيحين. من أجل هذا نرى أن هذا الكتاب -وإن شابه قصور من ناحية تقويم الحديث والكلام على رجاله- كان أوسع دائرة فيما ألف مختصرًا من أحاديث الأحكام بعد عصر الرواية، وكان تمهيدًا لمن جاء بعده من المؤلفين فيها، فاستكملوا ما فات صاحب المنتقى من تقويم الحديث والكلام على رجال الإسناد، وكان منهم الحافظ العراقي في طرح التثريب الذي رأينا فيه عناية بهذا الأمر تطمئن الدارس على ما ورد فيه من أحاديث الأحكام، والله المستعان.   1 نيل الأوطار للشوكاني ج1 ص11. 2 جاء في كشف الظنون ج2 ص1851 أن السراج عمر بن الملقن الشافعي المتوفى سنة 804هـ قد شرح هذا الكتاب ولم يكمله بل كتب قطعة منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد : للحافظ العراقي المتوفى سنة 806هـ: وشرح المسمى طرح التثريب في شرح التقريب؛ للحافظ العراقي وولده أبي زرعة المتوفى سنة 826هـ: هذا كتاب وضعه الحافظ العراقي المتوفى عام ست وثمانمائة للهجرة، وقد ذكره الإمام السيوطي في حسن المحاضرة1 وهو بصدد الكلام على من كان بمصر من حفاظ الحديث فقال: العراقي الحافظ الإمام الكبير زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الرحمن حافظ العصر، ولد بمنشأة المهرماني بالقاهرة في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وعني بالفن فبرع فيه وتقدم، بحيث كان شيوخ عصره يبالغون في الثناء عليه بالمعرفة، كالسبكي والعلائي وابن كثير وغيرهم، ونقل عنه الإسنوي في المهمات ووصفه بحافظ العصر، وله مؤلفات في الفن بديعة، كالألفية التي اشتهرت في الآفاق، وشرحها، ونظم الاقتراح، وتخريج أحاديث الإحياء، وتكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس، وشرع في إملاء الحديث من سنة ست وتسعين، فأحيا الله تعالى به سنة الإملاء بعد أن كانت دائرة، فأملى أكثر من أربعمائة مجلس، وقد رثاه -بعد موته- الحافظ ابن حجر بقصيدة طويلة أوردها السيوطي، ونقل ابن العماد في الشذرات2 عن الحافظ ابن حجر في كتابه إنباه الغمر أنه ذكر في ترجمة الحافظ العراقي أنه حفظ التنبيه، واشتغل بالقراءات، ولازم المشايخ في الرواية، وسمع في غضون ذلك من الحافظ عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وعلاء الدين التركماني، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا وتشاغل بالتخريج، ثم تنبه للطلب بعد أن فاته السماع من مثل يحيى البصري آخر من روى حديث السلفي عاليًا بالإجازة، ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدايم والنجيب بن علاق، وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسنادًا، وسمع أيضًا من ابن المملوك وغيره، ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخباز، ومن أبي العباس المرداوي ونحوهما، وعني بهذا الشأن، ورحل فيه مرات إلى دمشق وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همته من خوف الطريق، ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يقدر له ذلك، وصنف أحاديث الإحياء، واختصره في مجلد وبيضه فكتبت منه النسخ الكثيرة، وقد ذكر أنه شرح ألفيته وعمل عليها نكتًا وصنف أشياء أخر كبارًا وصغارًا، وصار المنظور إليه في هذا الفن في زمن الشيخ جمال الدين الإسنائي ثم قال: ولم نر في هذا الفن أتقن منه، وعليه تخرج غالب أهل عصره، ومن أخصبهم به نور الدين الهيثمي، وولي شيخنا العراقي قضاء بالمدينة سنة ثمانين3 فأقام بها نحو ثلاث سنين، ثم سكن القاهرة أنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين، ثم قال: لازمت شيخنا عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي   1 ص360 ج1. 2 ص55 ج7. 3 لعلها سنة ستين وسبعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 إلى الشام وغيرها، وقرأت عليه كثيرًا من المسانيد والأجزاء، وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه بذلك مرارًا، وسئل عند موته: من بقي بعده من الحفاظ؟ فبدأ بي، وثنى بولده، وثلث بالشيخ نور الدين، وتوفي عام ست وثمانمائة للهجرة، وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة. وكتابه تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد1 وقد ألفه -كما يقول في مقدمته- لأبنه أبي زرعة الذي ترجم له في شرحه المسمى "طرح التثريب في شرح التقريب" وقال: إنه أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، المولود بظاهر القاهرة في ثالث ذي الحجة بعد صلاة الصبح من سنة اثنين وستين وسبعمائة، وأنه حضر بالقاهرة على القاضي ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن أبي القاسم الربعي التونسي، وفتح الدين أبي الحرم محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم، وعلى أبي العباس أحمد بن أبي بكر العطار العسقلاني وغيرهم، وحضر بدمشق على يعقوب بن يعقوب الحريري، والقاضي عماد الدين محمد بن موسى بن سليمان بن السيرجي، وأبى عبد الله المؤذن وغيرهم، وحضر بصالحية دمشق على أحمد بن النجم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي عمر، وعلى الحسن بن أحمد بن هلال بن الهبل وغيرهم، ثم سمع بعد ذلك من خلائق، ومن مسموعاته الكتب الستة، والموطأ، ومسند الشافعي، ومسند الدارمي، ومسند الطيالسي، ومسند عبد بن حميد، وكتاب الأدب للبخاري، وكتاب الأدب للبيهقي، وصحيح ابن حبان، والمعجم للطبراني، وغير ذلك، ثم دعا له بأن يجعله الله من العلماء العاملين. وقد وصف الحافظ العراقي كتابه التقريب بأنه مختصر في أحاديث الأحكام، متصل الأسانيد بالأئمة الأعلام، حتى لا يقع في نقيصة نقل العلم بدون إسناده، وبذلك يستغني عن حمل الأسفار، وعن مراجعة الأصول عند المذاكرة والاستحضار، وحتى يخلص به من الحرج بنقل ما ليست له به رواية، وذكر أنه أراد أن يسهل له جمع الأسانيد بأن يورد عدة أحاديث في تراجم محصورة، وتكون تلك التراجم فيما عد من أصح الأسانيد. وطريقته: أن يذكر لفظ الحديث لمن أسنده إليه من الموطأ أو مسند أحمد، وإن كان الحديث في الصحيحين لم يعزه لأحد، وكان عدم العزو علامة على أنه متفق عليه، وإن كان في أحدهما فإنه يقتصر على عزوه إليه، وإن لم يكن في واحد من الصحيحين فإنه يعزوه إلى من خرجه من أصحاب السنن الأربعة وغيرهم ممن التزم الصحة، كابن حبان والحاكم، فإن كان عند من عزا الحديث إليه زيادة تدل على حكم ذكرها، وكذلك إذا كانت الزيادة من عند غيره. وأورد أن الزيادة إن كانت من حديث ذلك الصحابي "الذي روى الحديث دون الزيادة" لم يذكرها، بل يقول: ولأبي داود وغيره كذا، وإن كانت من غير حديثه قال: ولفلان   1 أورده أيضًا صاحب هدية العارفين ج5 ص562. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 من حديث فلان كذا، فإذا اجتمع حديثان فأكثر في ترجمة واحدة كقوله: عن نافع عن ابن عمر لم يذكرها في الثاني وما بعده، بل يكتفي بقوله: وعنه -ما لم يحصل اشتباه. وذكر من منهجه أنه حيث عزا الحديث لمن خرجه فإنما يريد أصل الحديث -لا ذلك اللفظ- على قاعدة المستخرجات، فإن لم يكن الحديث إلا في الكتاب الذي رواه منه عزاه إليه بعد تخريجه -وإن كان قد علم أنه فيه- لئلا يلتبس ذلك بما في الصحيحين. ثم ذكر ست عشرة ترجمة تنحصر في أسانيدها أحاديث هذا الكتاب، وذكر إسناده إلى تلك التراجم، وشيوخه إلى أربعة منها، وهذه الأربعة هي: 1- نافع عن ابن عمر. 2- الأعرج عن أبي هريرة. 3- أنس. 4- عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. ثم ذكر الاثنتي عشرة ترجمة الباقية بسند آخر ينتهي به إلى أحمد بن حنبل الذي يروي الأحاديث بأسانيده إلى كل ترجمة منها، وهذه التراجم هي: 5- الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر. 6- الزهري عن سالم عن أبيه. 7- عبيدة عن علي. 8- الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود. 9- معمر عن همام عن أبي هريرة. 10- الزهري عن سعيد عن أبي هريرة. 11- ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. 12- سفيان عن عمرو عن جابر. 13- عبد الله بن بريدة عن أبيه. 14- أبو الخير عن عقبة بن عامر. 15- الزهري عن عروة عن عائشة. 16- عبيد الله عن القاسم عن عائشة. فهذه التراجم الست عشرة هي التي تنحصر فيها أسانيد هذا الكتاب، باعتبار بدئها من شيوخ المصنف ونهايتها إلى الصحابي. وإنما آثر هذه التراجم الست عشرة باعتبار أنها أصح الأسانيد مطلقًا، أو مقيدة بالصحابي أو بأهل البلد، وذلك على الخلاف الذي أورده علماء مصطلح الحديث في مقام بيان أصح الأسانيد. وإنما آثر المصنف هذا المسلك حرصًا منه على تجديد عهد الرواية بطرق من أقوى طرق التحمل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 خلافًا لما يلجأ إليه غيره من حذف الأسانيد اكتفاء بالتخريج، واعتمادًا على أن أحاديثها، وردت في صحاح كتب السنة، وهذا الذي يسلكه غيره إنما هو نوع من الوجادة التي اشترط المحدثون في الرواية بها الإذن أو الوصية من المؤلف، وهي عندهم من أضعف أنواع التحمل، إلا أنهم كانوا مضطرين إليها بعد عصر الرواية، اعتمادًا على تحقق الثقة في الأحاديث عن طريقها، ولكن المصنف قد تحاشها، وندد بمن يعتمد في روايته عليها إذ يقول: إن هذا المختصر متصل الأسانيد بالأئمة، ويعلل هذا الاتصال الذي عول عليه في روايته لابنه بقوله: إنه يقبح بطالب الحديث بل بطالب العلم ألا يحفظ بإسناده عدة من الأخبار، يستغني بها عن حمل الأسفار في الأسفار، وقد ادعى أن ذلك غير سائغ بإجماع أهل الدراية، ونقل ذلك عن الحافظ أبي بكر محمد بن خير الأموي. ولا يسوغ الاعتراض على هذا المسلك بأن روايته عن أحمد بن حنبل ترجع إلى التحمل بالوجادة على اعتبار أنها نقل عن مسنده، فقد صرح المؤلف في الرواية عن أحمد بأن شيخه الذي نقل عن أحمد وهو عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل، فالتحمل هنا بلفظ حدثني لا بطريق الوجادة في المسند. وقد أوضح المؤلف بأنه لم يرتب كتابه هذا على طريق التراجم التي ذكرها في المقدمة، بل على أبواب الفقه لقرب تناوله، كما صرح بأنه أتى في آخره بجملة من الأدب والاستئذان وغيره، وهذا لأنه لم يرد أن يخليه من جانب الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية. وقد تأثر بهذا تلميذه الحافظ ابن حجر فختم كتابه "بلوغ المرام" بكتاب سماه الجامع، ذكر فيه أنواعًا من ذلك، إلا أنه لم يتأثر بشيخه في إيراده لبعض أحاديث تتعلق بالقدر وأشراط الساعة والبعث وذكر الجنة والنار لأن فيها استطرادًا يبعد به عن مقصود الكتاب، وإنما موضعها العقائد. ومن تتبع الصحابة الذين تنتهي إليهم هذه التراجم وجدهم لا يخرجون عن عشرة من أجلائهم، هم على الترتيب الذي أورده في المقدمة: ابن عمر، أبو هريرة، أنس، عائشة، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، جابر، بريدة، عقبة بن عامر. غير أنه عند إيراده لأول حديث في الكتاب -وهو حديث: "إنما الأعمال بالنيات" الذي التزم إيراده في أوله جريًا على طريقة المصنفين- خرج عن هذه التراجم لكونه لم يشترك مع ترجمة أحاديث عمر التي أوردها ضمن تراجمه، بل اعتمد في هذا الحديث على رواية علقمة بن أبي وقاص عن عمر، وهي غير الترجمة التي أوردها في الرواية عن عمر والتزم بها في هذا الكتاب، فإنها رواية سالم عن أبيه عن عمر، وذلك لأنه لم يجد لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" هذه الترجمة التي التزم بها في أحاديث هذا الكتاب. ومن الصور البارزة في هذا المؤلف أن الحافظ العراقي قد تجلت عنايته بالرواة وغيرهم ممن وردت أسماؤهم في الكتاب -كما يقول- فترجم لكل منهم قبل البدء في شرح الكتاب ترجمة مصورة له تصويرًا واضحًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وقد أفادنا هذا المسلك إفادة قيمة، ولا سيما فيما يتعلق بشيوخه الذين أخذ عنهم ووصلوا به إلى هذه التراجم، فإنه ربما لم يرد أن يحيل القارئ إلى العناء في البحث عنهم، وربما لا يتيسر للقارئ مراجع يتعرف بها على هؤلاء الشيوخ الذين انتهوا به إلى تلك الأصول، وإن في بيان شيوخه زيادة ثقة واطمئنان إلى هذا الكتاب وما ورد فيه من أحاديث. ومما ينبغي التنبيه له في هذا المقام أن الحافظ العراقي قد استقل في هذا الكتاب بمتن التقريب، وأنه اشترك مع ابنه أبي زرعة في وضع الشرح عليه، فكتب كل منهما بعضًا من هذا الشرح، ولم تكن كتابة كل منهما على الترتيب من حين بدأ إلى حيث انتهى كما يقع في غيره من الكتب التي يشترك فيها أكثر من مؤلف استكمالًا لما ترك شاغرًا في الكتاب، وإنما اشترك التمليذ مع والده في حياته في شرح هذا الكتاب. ولأمر ما بدأ الوالد بالتعريف بالرجال الذين وردت أسماؤهم فيه، ثم شرح جزءا من المتن لم يكن هو كل ما تناوله من الشرح في هذا الكتاب، ثم بدأ الابن من حيث انتهى أبوه، فشرح قطعة أخرى من المتن متصلة بما وقف عندها والده، ثم عاد الوالد فبدأ من حيث انتهى ابنه. وهكذا حتى انتهى شرح الكتاب المسمى "طرح التثريب في شرح التقريب". وقد وقفنا على بيان هذه التجزئة التي لم نتبين بالتحديد الباعث عليها، وربما كان الباعث عليها هو دقة إشراف الوالد على عمل ابنه فيما اشترك معه فيه، وحفز همته إلى الكدح والاجتهاد الذي يقرب له المساواة معه في طريقة البحث، أقول: وهذا الذي وقفنا عليه من بيان هذه التجزئة هو تصريح من أبي زرعة ولد الحافظ العراقي في إجازة نقلت من خط أبي زرعة نفسه يذكر فيها: أن جميع هذا الجزء الأول من طرح التثريب من تأليف والده وتكميل أبي زرعة له؛ فمن أوله إلى أول باب مواقيت الصلاة من كلام والده رحمه الله، ومن أول الباب المذكور إلى أول باب التأمين من كلام أبي زرعة، ومن أول باب التأمين إلى باب الإمامة من كلام والده، ومن الإمامة إلى باب الجلوس في المصلى وانتظار الصلاة من كلام أبي زرعة، ومن ثم إلى آخر هذا المجلد من كلام والده رحمة الله عليه. هذا ما وصل إلينا نقلًا عن الضبي ناسخ هذا الكتاب من خط مؤلفيه، ذكرته لجنة التحقيق في تصديرها للكتاب1. وهذا القدر من البيان لم يوضح لنا إذا كان هذا المجلد الذي أشار إليه أخيرًا هو ذات الجزء الأول فقط أم أنه استوعب الكتاب كله؟ وإذا كان المجلد هو الجزء الأول فقط كما يشعر به ظاهر هذه العبارة فمن منهما الذي تولى شرح بقية الكتاب؟ غير أننا نرجح أن أبا زرعة شارك في شرح بقية الكتاب بعد أن عثرنا أثناء النظر فيه على بعض. عبارات تشعر بمشاركة أبي زرعة لوالده في شرح بقية الكتاب، منها ما ورد من إيراده لنظم نسبه   1 طرح التثريب: ص8 ج1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 إلى والده وقال: وقد نظم ذلك والدي بقوله: "سبعة أمعاء لكل آدمي ... إلخ"1 وقد ورد مثل ذلك في باقي الكتاب، ومنها عبارة أخرى في شرح حديث: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد" وهذه العبارة هي قوله: وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي: إنه "يريد كون جهجاه هو صاحب الواقعة" لا يصح لأن مدار حديثه على عبدة الربذي وهو ضعيف2. فهذا الكلام واضح في أن أبا زرعة هو شارح هذا الحديث لأن والده الحافظ العراقي هو شارح الترمذي كما هو معروف. ثم إنه في حديث: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلبن قد شيب بماء" ذكر تعليقًا نسبه كذلك إلى والده في شرح الترمذي بقوله: قال والدي رحمه الله3 في شرح الترمذي. على أن هناك من العبارات ما يشعر بأن الحافظ العراقي أيضًا له مشاركة في الشرح، فقد ورد في شرح حديث: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ... " الحديث، تعبير للشارح يدل على أن الشرح للحافظ العراقي صاحب المتن، فهو ينقل عن شيخه فيقول4: وزعم شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي أن مذهب الشافعي جواز قتلها "أي الكلاب" كما ورد مثل هذا التعبير في شرح حديث عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يبايع النساء بالكلام ... قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة ... " الحديث، قال الشارح: ظاهره أنه -صلى الله عليه وسلم- لم تمس يده يد أحد من محارمه، ثم أورد خلاف العلماء في ذلك وقال: وقد حكى شيخنا الإمام عبد الرحيم الإسنوي الإجماع على الجواز5. وقد أورد صاحب هدية العارفين كتاب طرح التثريب في شرح التقريب من بين مصنفات الحافظ زين الدين العراقي6، وأورده صاحب ذيل كشف الظنون7، من بين مصنفات ولده أبي زرعة، تأييدًا لما أورده صاحب كشف الظنون8. أما السخاوي في كتابه الضوء اللامع9 فإنه ذكر في ترجمة أبي زرعة: أنه أكمل شرح والده على ترتيب المسانيد وتقريب الأسانيد وهو كتاب حافل. وإذن فقد دل التعميق في البحث على أن هذا الشرح من أوله إلى آخره كان مناوبة بين الأب الحافظ العراقي وابنه ولي الدين أبي زرعة. ومهما يكن من أمر فإن هذا لن يغير من قيمة الكتاب العلمية في شرحه، ولا من الميزة الحديثية فيه، فإن جميع ما فيه متجانس، ولا يكاد بعضه مختلف عن بعض في الاستيعاب واستيفاء المذاهب وأدلتها، وظهور الشخصية العلمية المتميزة.   1 طرح التثريب: ص18 ج6. 2 طرح التثريب: ص19 ج6. 3 طرح التثريب: ص25 ج6. 4 طرح التثريب: ص33 ج6. 5 طرح التثريب: ص45 ج7. 6 هدية العارفين ج5 ص562. 7 ذيل كشف الظنون ج4 ص83. 8 كشف الظنون ج1 ص464. 9 الضوء اللامع: ص343 ج1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 هذا؛ وفي دراستنا لمتن الكتاب تبين لنا أن الحافظ العراقي لا يخليه من الاستنتاجات الفقهية اللطيفة يبرز فيها شخصيته في فقه السنة. ومن ذلك قوله بعد رواية حديث أبي هريرة بترجمتين عنه في شأن الإيراد عن الصلاة أو عن الحر يقول في في التعليق عليهما: وليس في حديث أبي هريرة ذكر للظهر فيدخل في عمومه الإيراد بالجمعة1. وقد يفسر بعض الألفاظ التي يرى أنها تحتاج إلى بيان بالسياق أو غيره كما في حديث أنس عند البخاري: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أشتد الحر أبرد بالصلاة، وإذا اشتد البرد بكر بالصلاة" فبين الصلاة بقوله: يعني الجمعة2. ومن هذا النمط ما جاء من إضافته قيدًا في حديث الأعرج عن أبي هريرة: "إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت" قال العراقي: يريد والإمام يخطب3. وللحافظ العراقي تعليقات تشعر بالدقة حتى في اختيار أصح الألفاظ في رواية الأحاديث، وقد ذكر حديث: "أبردوا بالظهر ... " إلخ ثم قال: وفي علل الخلال من حديث أبي سعيد "من فوح" بدل "فيح" قال أحمد: لا أعرف أحدًا قال فوح غير الأعمش4. ومن ذلك قوله في حديث الأعرج وهمام عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الملائكة يتعاقبون فيكم ... " فذكره ولم يقل "بهم" التي وردت في الرواية الأخرى وهي قوله: وهو أعلم بهم، وقال: "فقالوا" موضع "فيقولون" الواردة في الرواية الأخرى5. ومن ذلك ما ورد في حديث الجمع بين حديثي جابر في قصة معاذ وتطويله للصلاة من: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يقرأ: سبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى وبين حديث بريدة: "من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يصلي بالشمس وضحاها" ونحوها من السور حيث قال الحافظ: والجمع بين حديث بريدة وجابر في قصة معاذ أنهما واقعتان6. ومن ذلك ما ورد في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة في سهو النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه سلم من ركعتين في صلاة الظهر فقام رجل فقال: يا رسول أقصرت الصلاة أم نسيت ... " وفي رواية أخرى لأبي هريرة "أن ذلك كان في صلاة العصر" وفي رواية ثالثة لعمران بن الحصين: "أنه صلى العصر فسلم في ثلاث"، وفي رواية لأبي داود والنسائي والحاكم من حديث معاوية بن خديج: "فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة"، وذكر ابن خديج أن الرجل طلحة بن عبد الله، وقد جمع الحافظ العراقي بين هذا الاختلاف نقلًا عن المحققين: بأن لأبي هريرة قصتين، ولعمران قصة أخرى، ولمعاوية بن خديج قصة أخرى7.   1 طرح التثريب: ص151 ج2. 2 طرح التثريب: ص156 ج2. 3 طرح التثريب: ص190 ج3. 4 طرح التثريب: ص156 ج2. 5 طرح التثريب: ص304 ج2. 6 طرح التثريب: ص278 ج2. 7 طرح التثريب: ص4 ج3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ومن غرائبه أنه يذكر الحديث أحيانًا ثم يسلط عليه أسلوب الأصوليين في الترجيح وقد سلك هذا المسلك في حديث همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي للصلاة -صلاة الصبح- وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ". فقال: إنه إما منسوخ كما رجحه الخطابي، أو مرجوح كما قاله الشافعي رحمه الله والبخاري بما في الصحيحين من حديث عائشة وأم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" فبين العراقي بهذا أن حديث همام هذا مرجوح لا يعمل به، ووجه كونه مرجوحًا أن هناك ما ينسخه على مسلك الخطابي، أو ما هو أقوى منه على مسلك الإمامين الشافعي والبخاري، وأكد ذلك بأن عائشة ذكرت بأنه ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأن أبا هريرة رجع عنه حين بلغه حديث عائشة1. والكتاب متنًا وشرحًا يقع في ثمانية أجزاء: أولها خاص بالتراجم التي تعرف بكل من له ذكر في الكتاب من الشيوخ منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصر المؤلف، بعد مقدمة الحافظ العراقي لكل من متن الكتاب وشرحه، مع تضمين مقدمة الشرح ترجمة لابنه ولي الدين أبي زرعة. ثم سار في بقية أجزاء الكتاب مرتبًا له على أبواب الفقه المعروفة، مبتدئًا بكتاب الطهارة ومنتهيًا بكتاب الشهادات ثم باب السلام والاستئذان. ثم ذكر أبواب الأدب، وذكر الطب والرقى، والرؤيا، والأمثال، وحق الضيف، والرجاء والخوف، والقدر، وأشراط الساعة، والبعث، وذكر الجنة والنار، وبه ينتهي الكتاب بأجزائه الثمانية. وفي كل كتاب أبواب، وتحت كل باب مسائل وردت بشأنها أحاديث، تكثر في بضع الأحيان وتقل في بعضها الآخر، وفي تخريج هذه الأحاديث، وبيان معانيها واستنباط الفوائد الكثيرة منها ما يبرز شخصية المؤلف، ويدل على غزارته العلمية وعمقه في البحث، وأصالته في التفكير. وبعد: فإن هذا الكتاب هو أحد الكتب التي وضعت لأحاديث الأحكام، وهو لفحل من فحول هذا الشأن قلما يجود بمثله الزمان، فهو عمدة في هذا الباب، ومرجع يعول عليه العلماء والطلاب. وطريقته التي ذكرناها في التقيد بالتراجم التي اختارها لأصح الأسانيد لم يشاركه فيها أحد فيما وصل إلينا من الكتب، فإن المتأمل يجد في هذا المسلك مجهودًا أشق من مجهود الاختيار من الصحيحين وحدهما -كما التزم بذلك الإمام المقدسي في كتابه عمدة الأحكام- وأدق من مسلك من اكتفى بأحاديث الكتب الستة وما يشبهها في التزام الصحيح من الأحاديث -كابن تيمية في كتابه منتقى الأخبار، وابن حجر في كتابه بلوغ المرام- فإن مسلكه هذا يستدعي فحص الأحاديث وتتبعها في الصحيحين وفي غيرهما لاختيار ما تتحقق فيه تلك التراجم.   1 طرح التثريب: ج4 ص122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وإن يكن قد فاته أن يقدم للدارسين بعض الأدلة التي حال التزامه بذكر أصح الأسانيد دون إيرادها متن الكتاب فإنه رحمه الله قد تدارك ما فاته بهذا الشرح العظيم الذي برهن على فحولته الفقهية، وعلى تمكنه من مختلف أبواب الدين بما أورده من الفوائد العديدة المستمدة من الأحاديث التي ينفسخ بها له -في الشرح- مجال الاستدلال ما دامت تصلح لذلك، دون تقيد بما التزمه في المتن ومن الإنصاف أن نسجل مشاركة ولده أبي زرعة له في شرح بعض أحاديث الكتاب، ولكن المنهج واحد والأسلوب لا يختلف، وما تناوله الابن بالشرح من الكتاب لا يقل مكانة عما تناوله والده استدلالا وتعمقًا وطول نفس، وقوة استنتاج. ومما يزيد في قيمة الكتاب العلمية كون مؤلف الشرح هو مؤلف المتن، فهو أدرى بما أورده مما يحتاج إلى بسط في البحث، أو أخذ ورد في تصوير المذاهب الفقهية، وكيفية المآخذ من هذه الأدلة ونفي الشبهه العارضة عليها، ودفع ما قد يتوهم من تعارض بينها. ومن الأمانة العلمية أن نورد هنا ما ذكره الشيخ محمد جمال الدين القاسمي المتوفى عام اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة في كتابه قواعد التحديث1 تحت عنوان "ذكر من صنف في أصح الأحاديث" قال رحمه الله: جمع الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم العراقي فيما عد من أصح الأسانيد كتابًا في الأحكام رتبه على أبواب الفقه سماه: "تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد" وهو كتاب لطيف جمعه من تراجم ستة عشر قيل: إنها أصح الأسانيد إما مطلقًا وإما مقيدة، ومع ذلك فقد فاته جملة من الأحاديث كما قاله ابن حجر. ونلاحظ أن القاسمي لم يبين لنا في أي كتاب ذكر الحافظ ابن حجر هذا الاستدراك على الحافظ العراقي، ولئن كان قد قال ذلك إن استدراكه لمردود؛ لأن العراقي لم يدع استيعاب أصح الأسانيد في أحاديث الأحكام، وإنما ذكر أنه يريد أن يجمع أحاديث عديده في تراجم محصورة2 وقد وفي بما وعد. رضي الله عن الحافظ العراقي وولده ولي الدين أبي زرعة، وأجزل أجرهما لقاء ما قدما إلى أمة الإسلام من نصح، وما أسديا إليها من معروف.   1 قواعد التحديث: ص84. 2 طرح التثريب: ج1 ص17 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 بلوغ المرام من أدلة الأحكام : للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ: وموضوع هذا الكتاب -كما يبدو من عنوانه- هو الأحاديث التي يستدل بها على الأحكام الفقهية. ومؤلفه هو الإمام أحمد بن علي بن محمد بن علي المصري القاهري الشافعي المعروف بابن حجر وهو لقب بعض آبائه1. ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر العتيقة، ونشأ بها يتيمًا في كنف أحد أوصيائه، فحفظ القرآن صغيرًا، ثم درس الكتب المعتبرة في الفقه والحديث وأصول الفقه كالعمدة والحاوي ومختصر ابن الحاجب، وتردد على فحول عصره في مختلف الأماكن، ولزم الأبناسي مدة طويلة وتفقه عليه، ولزم العز بن جماعة في غالب العلوم، وأخذ اللغة عن المجد الفيروزآبادي صاحب القاموس، ثم حبب الله إليه الحديث فأقبل عليه بكليته، وتفرغ لدراسته، ولزم الزين العراقي فتخرج به وانتفع بملازمته، وقرأ عليه ألفيته وشرحها، ونكته على ابن الصلاح دراسة وتحقيقًا، ثم تحول إلى القاهرة فسكنها وارتحل إلى البلاد الشامية، والحجازية، وأكثر جدا من السماع من الشيوخ، حتى اجتمع له من الشيوخ المشار إليهم ما لم يجتمع لأحد في عصره، وأذن له جلهم في الإفتاء والتدريس، وقد تصدى لنشر الحديث، وقصر نفسه عليه مطالعة وقراءة وإقراء، وتصنيفًا وإفتاء، حتى زادت تصانيفه -التي معظمها في فنون الحديث- على مائة وخمسين تصنيفًا، ورزق من السعد والقبول -ولا سيما في فتح الباري بشرح البخاري الذي لم يسبق نظيره- أمرًا عجيبًا. وقد اعتنى بتحصيل تصانيفه كثير من شيوخه وأقرانه فمن دونهم وكتبها الأكابر. ومن البازر في تاريخه أن السلطان المؤيد ولاه الحكم في بعض القضايا، ولزم من ذلك النيابة، ولكنه لم يتوجه إليها ولا انتدب لها حتى عرض عليه الاستقلال بالحكم، وألزم من أجابه بقبوله فقبل، وقد ندم فيما بعد على قبوله، وصرح بأنه جنى على نفسه بتقلد هذا الأمر، ولم يلبث أن صرف ثم أعيد، وهكذا حتى صمم على الإقلاع عنه. ومما عرف في تاريخه أنه درس في عدة أماكن لعدة فنون، فدرس التفسير بالحسينية والمنصورية، والحديث بالبيبرسية والمالية وغيرها، والفقه بالحروبية البدرية بمصر والشريفية الفخرية وغيرهما.   1 عن الضوء اللامع للسخاوي ج2 ص36 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ومن أعماله الخطابة بالجامع الأزهر ثم بجامع عمرو، ويقول السخاوي: إن الناس أخذوا عنه طبقة بعد أخرى، وألحق الآباء بالأبناء والأحفاد. كما يقول: إنه قرأ عليه الكثير جدًّا من تصانيفه ومروياته، وكانت وفاته رضي الله عنه سنة 852هـ. وصنف المؤلف كتابه في تقديمه له بأنه مختصر على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية وذكر أنه حرره تحريرًا بالغًا، ليصير من يحفظه بين أقرانه نابغًا1 وأنه بين عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة، لإرادته نصح الأمة. وقد علق الشارح الصنعاني على هذه العبارة بقوله: في ذكر من أخرج الحديث عدة نصائح للأمة: منها بيان أن الحديث ثابت في دواوين الإسلام، ومنها أنه قد تداولته الأئمة الأعلام، ومنها أنه قد تتبع طرقه وبين ما فيها من مقال، ومن تصحيح وتحسين وإعلال، ومنها إرشاد المنتهي أن يراجع أصولها التي منها انتقى هذا المختصر2. واستدرك الصنعاني عليه بأنه كان يحسن أن يذكر هنا مسلكه الذي سلكه أثناء الكتاب من بيان صحة الحديث أو حسنه أو ضعفه، وهو استدراك له قيمته؛ لأن ذلك من أبرز مظاهر النصح للأمة، لما فيه من إبراء نفسه، وإخلائها من عهدة التبعة فيما يشبه التدليس في الرواية. وذكر المصنف في مقدمته بسيان مصطلحه، عند التخريج والنسبة إلى الأئمة، وأنه يريد بالسبعة -حين يوردها- أحمد البخاري ومسلمًا وأبا داود وابن ماجه والترمذي والنسائي، وبالستة من عدا أحمد، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلمًا، وقد يقول الأربعة وأحمد، وأنه يريد بالأربعة أبا داود وابن ماجه والترمذي والنسائي، كما ذكر أنه يريد بالثلاثة من عدا الثلاثة الأول وعدا الأخير؛ أي أنه يريد بها ابن ماجه وأبا داود والترمذي، ويريد بالمتفق عليه البخاري ومسلمًا، وأنه قد لا يذكر معهما غيرهما مع علمه باشتراك غيرهما معهما، اكتفاء بأن إليهما المنتهى في الوثوق بالحديث، وقال: إن ما عدا هذه المصطلحات فهو مبين، ويريد بذلك أن الحديث إذا خرجه غير هؤلاء المذكورين -سواء أكان مشتركًا معهم أو مع بعضهم- فإنه يذكر ذلك المخرج باسمه، وذلك مثل قوله في الحديث الأول: أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له، وأخرجه ابن خزيمة والترمذي، ورواه مالك والشافعي وأحمد، وواضح أن ابن أبي شيبة وابن خزيمة ومالكًا والشافعي لم يدخلوا في مصطلحاته السابقة، فنص عليهم بأسمائهم بناء على ما أورده في هذه المقدمة، وقد سماه المصنف بلوغ المرام من أدلة الأحكام جريًا على طريقة معاصريه من المؤلفين في التزام السجع في أسماء الكتب.   1 بلوغ المرام ص9. 2 سبل السلام ص10 والصنعاني هو الإمام محمد بن إسماعيل بن صلاح الدين الكحلاني المتوفى سنة 1182هـ من أعلام من درسوا الفقه والحديث رواية ودراية، وبرعوا في مختلف العلوم، وألف في الحديث وعلومه كتبا حافلة منها سبل السلام "شرح بلوغ المرام" ومنها العدة في شرح العمدة للمقدسي، ومنها شرح التنقيح في علوم الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وإذا كان المؤلف قد بين -في تقديمه للكتاب- أنه اشتمل على أصول الأدلة الحديثية فإنه لا يريد بذلك أنه استوعب جميع الأدلة الحديثية كما يبدو واضحًا من تتبع الكتاب واستقراء أحاديثه، وموازنته بغيره من كتب أحاديث الأحكام، كمسند أبي داود، ومعاني الآثار للطحاوي، وكالمنتقى لابن تيمية الذي اشترك مع المصنف في تجريد الأحاديث من أسانيدها وفي تخريجها، كما اشترك معه أيضًا في علة عدم التنبيه على بعض ما ينبغي التنبيه عليه من بيان درجة الحديث، ولكن ابن حجر اختار نخبة من الأحاديث، واتجه في أكثر ما اختاره إلى ما بنى عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه مذهبه في الفقه، بمقتضى ميل المصنف، واتجاهه لمناصرة هذا المذهب، ولكن إنصافه -والحق يقال- لم يمنعه من عرض بعض الأحاديث التي تختلف مع فروع المذهب الشافعي كما سنبين ذلك عند الكلام على الظواهر العامة في الكتاب، وبناء على ذلك فمن المجازفة ما قيل: إن ابن حجر جمع في هذا الكتاب كل الأحاديث التي استنبط الفقهاء منها الأحكام الفقيهة1. ومما ينبغي الإشارة إليه من هذا المقام أن هذا المؤلف -فوق أنه كما وصفه مؤلفه وكما تعارفه الناس عنه من الاشتمال على الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، فإنه يمتاز بأن مؤلفه الإمام الحافظ ابن حجر بغزارته، وسعة علمه، وكرم نصحه للأمة قد وضع في آخره كتابًا جامعًا لأبواب ستة، هي: الأدب، والبر والصلة، والزهد والورع، والترهيب من مساوئ الأخلاق، والترغيب في مكارم الأخلاق، والذكر والدعاء، وهو تصرف غاية في الحكمة والدقة والإحسان، فإن هذه الأبواب عيون التصرف، وضالة كل شخصية مسلمة، فالفقه في الحقيقة -ولا سيما عند الأولين من علماء المسلمين- كانت له عناية خاصة بالآداب، واتجاه إلى ما يصلح النفوس ويهذيها، ويدعوها إلى مكارم الأخلاق، كما يركز الإمام الغزالي على ذلك في كتابه الإحياء وينعى على الفقهاء أنهم أهملوا ذلك الاتجاه الإسلامي الرفيع، ويقول: إن تعلم ذلك الفقه التهذيبي فريضة على كل مسلم ومسلمة، فجزى الله المؤلف خيرًا بما لفت به نفوس المتفقهين إلى تلك النواحي الكريمة من الدين. ويشتمل هذا الكتاب على ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف حديث، ما عدا المتداخل، وهو المتشابه ببعض الاختلاف، وهو الذي يشير إليه بقوله: وفي رواية فلان كذا، ونحو ذلك. ويبلغ عدد هذه الأحاديث المتداخلة، واحدًا وثلاثين ومائة حديث، وبها تصل أحاديث الكتاب إلى أربعة وخمسمائة وألف حديث. وقد وجد اختلاف في عد أحاديث الكتاب بين بعض النسخ وبعض، تبعًا لاختلاف الطبعات، واتجاهات المصححين والمراجعين في إدخال بعض الأحاديث في بعض، أو فصل بعضها عن بعض وقد أحصاه بعض المؤلفين المعاصرين2 بأربعمائة وألف حديث.   1 انظر صدر كتاب سبل السلام عند التعريف ببلوغ المرام وشرحه ص3 للأستاذ محمد عبد العزيز الخولي. 2 الحديث والمحدثون لفضيلة الدكتور أبي زهو ص447. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وهذه الأحاديث موزعة على الأبواب الفقهية التي سلك بها مسلك الفقهاء على النحو التالي: 1- كتاب الطهارة: وفيه باب المياه، وباب الآنية، وباب إزالة النجاسة وبيانها، وباب الوضوء، وباب المسح على الخفين، وباب نواقض الوضوء، وباب آداب قضاء الحاجة، وباب الغسل وحكم الجنب، وباب التيمم، وباب الحيض. 2- كتاب الصلاة: وفيه باب المواقيت، وباب الأذان، وباب شروط الصلاة، وباب سترة المصلي، وباب الحث على الخشوع في الصلاة، وباب المساجد، وباب صفة الصلاة، وباب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر، وباب صلاة التطوع، وباب صلاة الجماعة والإمامة، وباب صلاة المسافر والمريض، وباب صلاة الجمعة، وباب صلاة الخوف، وباب صلاة العيدين، وباب صلاة الكسوف، وباب صلاة الاستسقاء، وباب اللباس. 3- كتاب الجنائز: وليس تحته أبواب. 4- كتاب الزكاة: وفيه باب صدقة الفطر، وباب صدقة التطوع، وباب قسم الصدقات. 5- كتاب الصيام: وفيه باب صوم التطوع وما نهي عن صومه، وباب الاعتكاف وقيام رمضان. 6- كتاب الحج: وفيه باب فضله، وبيان من فرض عليه، وباب المواقيت، وباب وجوه الإحرام وصفته؛ وباب الإحرام وما يتعلق به، وباب صفة الحج ودخول مكة، وباب الفوات والإحصار. 7- كتاب البيوع: وفيه باب شروطه وما نهي عنه، وباب الخيار، وباب الربا، وباب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار، وأبواب السلم والقرض والرهن، وباب التفليس والحجر، وباب الصلح وباب الحوالة والضمان، وباب الشركة والوكاة، وباب الإقرار، وباب العارية، وباب الغضب، وباب الشفعة، وباب القراض، وباب المساقاة والإجارة، وباب إحياء الموتى، وباب الوقف، وباب الهبة والعمري والرقبي، وباب اللقطة، وباب الفرائض، وباب الوصايا وباب الوديعة. 8- كتاب النكاح: وفيه باب الكفاءة والخيار، وباب عشرة النساء، وباب الصداق، وباب الوليمة، وباب القسم، وباب الخلع، وباب الطلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 9- كتاب الرجعة: وفيه باب الإيلاء والظهار، والكفارة، وباب اللعان، وباب العدة والإحداد، وباب الرضاع وباب النفقات، وباب الحضانة. 10- كتاب الجنايات: وفيه باب الديات، وباب دعوى الدم والقسامة، وباب قتال أهل البغي، وباب قتال الجاني وقتل المرتد. 11- كتاب الحدود: وفيه باب حد الزانى، وباب حد القذف، وباب حد السرقة، وباب حد الشارب وبيان المسكر، وباب التعزير وحكم الصائل. 12- كتاب الجهاد: وفيه باب الجزية والهدنة، وباب السبق والرمي. 13- كتاب الأطعمة: وفيه باب الصيد والذبائح، وباب الأضاحي، وباب العقيقة. 14- كتاب الإيمان والنذور: وليس تحته أبواب. 15- كتاب القضاء: وفيه باب الشهادات، وباب الدعاوي والبينات. 16- كتاب العتق: وفيه باب المدبر والمكاتب وأم الولد. 17- كتاب الجامع: وفيه باب الأدب، وباب البر والصلة، وباب الزهد والورع، وباب الترهيب من مساوئ الأخلاق، وباب الترغيب في مكارم الأخلاق، وباب الذكر والدعاء. وختم الكتاب بما سبق أن ختم به الإمام البخاري صحيحه، ختمه بحديث: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" ويا حبذا لو بدأه بما بدأ به البخاري صحيحه: "إنما الأعمال بالنيات". فإنه من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام فضلًا على أن النية في العمل شرط في صحته. وقد أوردنا محتويات الكتاب على هذه الصورة التي رأيناه عليها ليلمس القارئ فيها ظاهرة تبدو بارزة في تبويب الكتاب، وأنه لم يكن دقيقًا ولا مضبوطًا في بعض ما اندرج من الأبواب تحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 عنوان الكتاب منه، أو في وجود أحاديث كانت تستحق إيرادها تحت أبواب غير تلك التي أدرجت فيها، أو في إيراد كتب ليس تحتها أبواب، وقد كانت حرية بذلك، أو في إيراد أحاديث سائبة دون عنونة، وقد كانت جديرة بذلك، أو في إيراد أبواب كان الأولى بها أن تكون كتبًا لفقد الربط بينها وبين ما اندرجت تحته من الكتب. فمن الأول: باب اللباس، فقد أدرجه المصنف تحت كتابه الصلاة، وكان حقه أن يكون كتابًا مستقلًّا برأسه، وهو بذلك أولى من كتاب الجنائز الذي تبدو الصلة واضحة بينه وبين كتاب الصلاة باعتبار صلاة الجنازة وأهميتها، ومع ذلك أفرد للجنائز كتابًا مستقلًّا برأسه، ولم يفعل ذلك في اللباس الذي لا تربطه صلة بكتاب الصلاة، ولا ينبغي أن يقال: إن ستر العورة باللباس شرط من الشروط في الصلاة، فإن المصنف لم يورد في هذا الباب من الأحاديث ما يربط بينه وبين كتاب الصلاة، فضلًا عن أن ستر العورة واجب على المسلم في كل أحواله: في الصلاة وفي غير الصلاة. ومن الثاني: حديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... " ولا تبدو له مناسبة بينه وبين كتاب الإيمان والنذور الذي أورده فيه، اللهم إلا إذا قيل: إنه أورده هنا للتنبيه على عدم جواز النذر لشد الرحال لغير هذه المساجد؛ لأنه لا نذر في معصية، غير أن نص الحديث لا يساعد على هذا الربط بينه وبين الكتاب الذي ورد فيه، وقد ورد هذا الحديث بعينه في باب الاعتكاف وقيام رمضان، وقد يقال في إيراده في هذا الباب ما قيل في إيراده في كتاب الإيمان والنذور. ومن الثالث: ما أورده من أحاديث تحت عنوان كتاب الجنائز، وقد كان الأولى بكثير منها أن تندرج تحت أبواب تحمل عناوين متعددة، فإن طول كتاب الجنائز وتشتت موضوعاته جدير بذلك، فإن منها ما يتعلق بتجهيز الميت ومنها ما يتعلق بتكفينه، ومنها ما يتعلق بدفنه، وذكر الموت، وما إلى ذلك. ومنها أيضًا ما أورده من أحاديث في كتاب الإيمان والنذور كان مقتضى الدقة والضبط أن تفرز في أبواب مختلفة، فإن منها ما يتعلق بالنهي عن الحلف بغير الله، ومنها ما يتعلق بكيفية اليمين، ومنها ما يتصل بالكفارة عنه، ومنها ما هو بيان ليمين النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يبين اليمين الغموس واللغو، ومنها ما يرتبط بالنهي عن النذر، وبيان حكم النذر في الطاعة وفي المعصية وكفارة النذر، وغير ذلك. ومن الرابع: تلك الأحاديث التي قدمها سائبة في أوائل بعض الكتب بين يدي إيراده لأبوابها وهذه الكتب هي: 1- كتاب الزكاة: وقد أورد في أوله خمسة وعشرين حديثًا ليست داخلة تحت باب، وكان حقها أن يعنون لكل منها بما يناسبه، فإن منها ما يتصل بفرضية الزكاة، ومنها ما يتعلق بنصابها في الزروع والثمار، وفي مال التجارة ومواقيت الأداء، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 2- كتاب الصيام: وقد أورد في أوله ستة وعشرين حديثًا لم يذكر لها عناوين تناسب كل نوع منها، وإن منها ما يتعلق بالنهي عن سبق رمضان بصيام غير معتاد، ومنها ما يرتبط بالنهي عن صوم يوم الشك، وما هو مرتبط برؤية هلال رمضان، وما هو متصل بتبييت النية، والسحور، وما يفطر عليه، الصائم، والنهي عن الوصال، وغير ذلك. 3- كتاب النكاح: وقد أورد في أوله واحدًا وثلاثين حديثًا سائبة بغير تنويع، وكان أولى بها مثل هذه العناوين: الترغيب في النكاح، تخير الزوج، خُطبة النكاح، الخِطبة، الصداق، إعلان الزواج، شروط النكاح، الاختيار وعدم الإكراه، النكاح المحرم، نكاح المتعة، المحلل. 4- كتاب الجنايات: وأورد في أوله ستة عشر حديثًا دون تبويب، لو أنه بوبها لكان الأقرب إلى ذلك ما يأتي: القصاص، حرمة دم المسلم، أحكام الجنايات، بين القصاص والعفو، وأن يلحق بالديات ما يخصها من هذه الأحاديث. 5- كتاب الجهاد: وأورد في أوله ثلاثة وأربعين حديثًا لم يبوبها، ولو أنه فعل لكانت عناوينها أقرب إلى ما يأتي: الحث على الجهاد، جهاد المرأة ومن له أبوان، الهجرة "ومن عجب أن تقحم في موضوعات الجهاد وبين أحاديثه" وصية الأمير للجيش، التورية في الجهاد، اختيار الوقت، طرق القتال، الغلول في الغنائم، جزاء الغدر، الفدية، الشفاعة للأسير، حل الأخذ من الغنائم بقدر الحاجة قبل القسمة، تطهير الجزيرة العربية من أهل الكتاب، حسن معاملة العدو، أحكام متفرقة. 6- كتاب الأطعمة: في أوله اثنا عشر حديثًا دون تبويب، كان يمكن إدراجها تحت باب أو بابين عن المباح والمحظور من الأطعمة. 7- كتاب القضاء: وأورد في أوله ثلاثة عشر حديثًا سائبة، لو أنه بوبها لكانت قريبًا مما يأتي: حث القاضي على المعرفة والعدل، الترهيب من قبول القضاء، حكم خطأ المجتهد، إرشاد القاضي، التحذير من الاحتيال لأخذ المال، قضاء المرأة، نهي القاضي عن الاحتجاب، حرمة الرشوة، المساواة بين المتخاصمين. 8- كتاب العتق: وفي أوله تسعة أحاديث لم تدخل تحت باب، ولو أنه بوبها لكانت كما يأتي: فضل العتق، عتق بعض العبد، أحكام عامة، الولاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ومن الخامس: هذه الأبواب التي أوردها تحت كتب، وليس بينها وبين تلك الكتب أية صلة، ومن ذلك ما أورده تحت كتاب البيوع من أبواب: إحياء الموات، والوقف، والهبة، والعمري والرقبى واللقطة، والوصايا، والوديعة، وأبرز من هذا كله باب الفرائض، وقد عده من بين أبواب حكاب البيوع، وأية علاقة بينه وبينها حتى يعد بابًا منها؟ ومن الظواهر التي رأيناها عند دراستنا لهذا الكتاب أمانة ابن حجر العلمية في عرض أدلة المخالفين لمذهبه، فإنه يورد هذه الأدلة في مواجهة أدلة الشافعية لتكون أمام الدارس والمجتهد والفاحص يتعرف من خلالها طريقه، ويتبين من ثناياها مسلكه، وبذلك يبرئ ابن حجر عهدته، ويلقي على الدارس عبثه ومسئوليته، بعد أن يضع أمامه أدلة كل فريق، ومن غير تحيز ولا تعصب لمذهبه الذي ارتضاه، ومن ذلك ما فعله فيما يأتي: 1- في المسح على العمامة أورد المصنف حديث المغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين" وقد قال الصنعاني في شرحه لهذا الحديث: إن الاقتصار بالمسح على العمامة لم يقل به الجمهور. ونقل عن ابن القيم قوله: ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، لكن إذا مسح بناصيته كمل على العمامة، كما في حديث المغيرة هذا1. وقد أورد في نفس المعنى حديث ثوبان قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب؛ يعني العمائم، والنساخين؛ يعني الخفاف" قال الصنعاني في شرحه لهذه الحديث2: ظاهر الحديث أنه يجوز المسح على العمائم كالمسح على الخفين. إلى أن قال: وظاهره أيضا أنه لا يشترط للمسح عليها عذر، وأنه يجزئ مسحها وإن لم يمس الرأس ماء أصلًا. 2- وفي حديث عائشة رضي الله عنها3: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" قال الصنعاني4: فالحديث دليل على أن لمس المرأة وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الأصل. وذهب الشافعية إلى أن لمس من لا يحرم نكاحها ناقض للوضوء مستدلين بقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} فلزم الوضوء من اللمس. وفي هذا الباب أورد حديث طلق بن علي5 قال: قال رجل: مسست ذكري، أو قال: الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، إنما هو بضعة   1 سبل السلام: ج1 ص51 وبلوغ المرام ص21. 2 سبل السلام: ج1 ص60 وبلوغ المرام ص34. 3 بلوغ المرام: ص26. 4 سبل السلام: ج1 ص66. 5 بلوغ المرام: ص26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 منك" وقال الصنعاني1 في شرحه: والحديث دليل على ما هو الأصل من عدم نقض مس الذكر للوضوء. كما أورد في هذا الباب حديثًا آخر يناقضه في الدلالة، وهو حديث بسرة بنت صفوان2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ" وقال الصنعاني عند شرحه له: وبه استدل من سمعت عن الصحابة والتابعين وأحمد والشافعي على نقض مس الذكر للوضوء والمراد مسه من غير حائل3. 3- وفي باب صلاة المسافر والمريض أورد حديثًا يستدل به الحنفية على أن القصر عزيمة لا رخصة، وهو حديث عائشة4 رضي الله عنها قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر". ثم أورد بعده حديثًا لعائشة5 رواه الدارقطني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر" وهو دليل للشافعية، ولكن أمانة ابن حجر العلمية وعدم تحيزه للمذهب الذي ارتضاه دفعاه إلى بيان ما في الحديث من إعلال، فقال عنه: إنه معلول، والمحفوظ عن عائشة من فعلها لا من روايتها. 4- وفي كتاب النكاح أورد الحافظ ابن حجر حديثًا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال6: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها" وفي رواية: "ليس للولي من الثيب أمر" وهو يختلف مع مذهب الشافعية من أن الولي ركن في النكاح مطلقًا دون تفرقة بين الثيب والبكر. وبعد: فإن هذا الكتاب من تأليف الحافظ ابن حجر، وهو من عرف علماء الحديث علمه وفضله واستيعابه لأكثر السنة، وإمامته في علوم الحديث والرجال، وقد أعانه ذلك على أن يقدم الضروري من أدلة الأحكام في إيجاز يعين على حفظه واستظهاره عند الحاجة، ومن أجل ذلك لم يسلك مسلك غيره ممن توسع في تقديم كثير من الأحاديث في موضوعات الفقه المتعددة، مما يفتر بعض الهمم، ويقعد بها عن دراسة الفقه والحديث. ويبدو لنا أن أبرز ميزة في هذا الكتاب أن مؤلفه قد توخى فيه إلى ما تدعو إليه حاجة المتفقهين والمستدلين، فإنه تناول فيه أحاديث الأحكام مراعيًا فيها ميزة القبول، بحيث تكون من بين الصحيح أو الحسن وتصلح للاحتجاج، فإن أورد حديثًا أدنى درجة من هذه فإنه يورده تابعًا أو شاهدًا، أو مشتملًا على زيادة لا تخل بدلالة غيره مما استوفى شروط القبول.   1 سبل السلام: ج1 ص67. 2 بلوغ المرام: ص26. 3 سبل السلام: ج1 ص67. 4 سبل السلام: ج1 ص67. 5 بلوغ المرام ص94. 6 نفس المرجع والصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 من أجل ذلك أقبل العلماء على هذا الكتاب، وتناولوه في مختلف الأعصار والأمصار بالشرح والتعليق، فقد شرحه1 الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني اليمني المتوفى سنة سبع ومائة وألف في كتابه "سبل السلام". وشرحه القاضي شرف الدين الحسين المعروف بالمغربي قاضي صنعاء المتوفى عام تسع عشر ومائة وألف في كتابه الذي سماه "البدر التمام" وهو مخطوط. وشرحه أيضًا مختصرًا من سبل السلام الشيخ أبو الخير نور الحسن خان وسماه "فتح العلام" وقد طبع في بولاق، كما شرحه العلامة أبو الطيب صديق حسن خان بشرح مطبوع بالهند باللغة الفارسية شرحه السيد محمد بن يوسف الأهدلي بشرح لم يطبع بعد. وشرحه أيضًا العلامة المواولي أحمد حسن الدهلوي بشرح منتخب من فتح الباري وشروح الكتب الستة ونيل الأوطار ومختصر سنن أبي داود وتلخيص الخبير لابن حجر، وطبع في جزأين بالهند. وشرحه كذلك الشيخ محمد عابدين أحمد الأنصاري الحنفي المتوفى سنة سبع وخمسين ومائتين ألف. "أخيرًا شرحه فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد علي أحمد أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف. وبهذا القدر نكتفي في دراسة هذا الكتاب العظيم من كتب الأحكام، ونسأل الله لمؤلفه المثوبة والأجر على ما قدم لأمة الإسلام من فضل ومنة، بتأليفه لكتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام الله الموفق وهو المستعان.   1 نقلًا بتصرف عن مقدمة طبعة مصطفى البابي الحلبي لكتاب سبل السلام سنة 1378هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 كشف الغمة عن جميع الأمة : للشعراني المتوفى سنة 973هـ: مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ العابد الزاهد عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي، أورده الشيخ عبد الرءوف المناوي في طبقاته فقال: هو شيخنا الإمام العابد الزاهد الفقيه المحدث الأصولي الصوفي المربي من ذرية محمد بن الحنفية ولد ببلده1 ونشأ بها، ومات أبوه وهو طفل فحفظ القرآن، وأبا شجاع والأجرومية وهو ابن سبع أو ثمان ثم انتقل إلى القاهرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة فقطن بجامع الغمري، وجد واجتهد فحفظ عدة متون في مختلف الفنون، ثم شرع في القراءة فأخذ عن الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري، وقرأ عليه ما لا يحصى كثرة منها الكتب الستة، وقرأ على الشمس الدواخلي والنور المحلى والنور الجارحي وتلا على العجمي وعلى القسطلاني2، والأشموني والقاضي زكريا والشهاب الرملي، وحبب إليه الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله، وكان مع ذلك فقيهًا صوفيًّا له دراية بأقوال السلف ومذاهب الخلف، وكان يديم الصوم ويفطر على أوقية من الخبز، واستمر كذلك حتى قويت روحانيته، ثم أخذ الطريق عن المشايخ المشهورين في عصره، ثم تصدى للتصنيف فألف كتبًا منها مختصر سنن البيهقي الكبرى، ومختصر تذكرة القرطبي، وكشف الغمة "وهو ما نحن بصدد دراسته" والمنهج المبين في أدلة المجتهدين، والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير، ولوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن، وحد الحسام على من أوجب العمل بالإلهام، والبرق الخاطف لبصر من عمل بالهواتف، والاقتباس في القياس، وغير ذلك من الكتب، وحسده طوائف فدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع، وعقائد زائفة ومسائل تخالف الإجماع، رموه بكل عظيمة فخذلهم الله وأظهره عليهم، وكان مواظبًا على السنة مبالغًا في الورع، مؤثرًا ذوي الفاقة على نفسه، حتى في ملبوسه، وكان عظيم الهيبة وافر الجاه تأتي إلى أبوابه الأمراء، ومن كلامه: دوروا مع الشرع كيف كان لامع الكشف فإنه قد يخطئ، وكان يحث على مطالعة كتب الفقه، على عكس ما عليه بعض المتصوفة الذين كانوا يزعمون أنها حجاب تحول بينهم وبين الله3 وفي الكواكب السائرة4 أنه قرأ على الشيخ نور الدين الجارحي شرح ألفية العراقي، وعلى القسطلاني كل المواهب وغالب شرحه للبخاري، قال صاحب الشذرات: توفي عام ثلاث وسبعين وتسعمائة للهجرة.   1 بلده قرية أبي شعرة من قرى مصر كما أورده نجم الدين الغزي في الكواكب السائرة ص176 ج3. 2 هو الحافظ شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني المصري صاحب المؤلفات العظيمة، منها شرحه لصحيح البخاري في عشرة أسفار، ومنها المواهب اللدنية بالمنح المحمدية توفي سنة 923هـ. 3 نقل بتصرف من شذرات الذهب ص372 ج8. 4 ص 176، ج3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وقد ذكر في سبب تأليفه لكتاب كشف الغمة1 وما كان من شكوى جماعات من المتصوفة ما يجدونه من العلماء الذين يقرأءون مذاهبهم وينصرون أقوالها، وأنهم وقعوا في حيرة شديدة من اختلاف هؤلاء العلماء، وتوجيه كل واحد منهم إلى مذهبه، وتهديد الكثير منهم ببطلان عباداتهم إذا خرجوا عن مذاهب أئمتهم، وأطال في تصوير ذلك، وفي بيان ترددهم عليه، وما كان يجيبهم به ليصرفهم عن هذا التكليف الشاق، ولكنهم ألحوا عليه في أن يجمع لهم كتابًا حاويًا لأدلة المذاهب الأربعة المشهورة وغيرها من صريح السنة النبوية، وسنة الخلفاء الراشدين، وأن يجرده عن أقوال جميع المجتهدين التي لم تصرح بأحكامها الشريعة؛ ليعرفوا ما شرعه نبينا صلى الله عليه وسلم فيقدموا العمل به؛ لأنه هو الذي يسألون عنه بين يدي الله سبحانه وتعالى، وطال الجدل بينهم وبينه، حتى تحقق من صدق قصدهم في اتباع سنة نبيهم، وشدة ظهور رغبتهم في ذلك، فشمر عن ساعد الجدر والاجتهاد، وشرع بعون الملك الوهاب في جمع أحاديث الشريعة وآثارها من كتب الأحاديث التي تيسرت له حال جمعه في البلاد المصرية، كموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام سنيد بن داود2 -وهو من أقران مالك يروي عن وكيع، وقد وقعت له منه نسخة بخط الإمام محمد بن عذرة، ولم يظفر بها أحد من حفاظ الحديث وكالصحيحين، ومسانيد الأئمة الثلاثة أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح الحاكم، وصحيح ابن خزيمة وابن حبان والترمذي والنسائي وابن ماجه، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي -قال الشيخ جلال الدين السيوطي: وكلها صحيحة- وغير ذلك من كتب حفاظ المحدثين رضي الله عنهم أجمعين، بل لم أذكر في هذا الكتاب شيئًا من أحاديث غير هذه الكتب إلا نادرًا؛ لأنها هي التي اعتمدها العلماء وتلقوها بالقبول، ولا يخرج عنها من أحكام الشريعة -فيما أعلم- إلا النادر. والفلك المحيط لجميع هذه الكتب وغيرها من المسانيد الغريبة هو كتاب جامع الأصول لابن الأثير، وكتاب السنن الكبرى للبيهقي، وكتاب الجامع الكبير والجامع الصغير، وكتاب زيادة الصغير، كل هذه الثلاثة الأخيرة للشيخ جلال الدين السيوطي خاتمة حفاظ الحديث بمصر المحروسة. ثم قال: وقد طالعت جميع هذه الكتب، وأخذت منها جميع ما يتعلق منها بأمر أو نهي أو مكارم أخلاق من الحديث والآثار، وتركت كل ما زاد على ذلك من السير والتفسير وغير ذلك مما هو ليس من شرط كتابنا، فصار كتابنا هذا بحمد الله حاويًا لمعظم أدلة المجتهدين.   1 ص3 وما بعدها من كشف الغمة. 2 واسمه حسين بن داود المصيصي لقبه العماد في الشذرات بالمحتسب الحافظ وقال: إنه اشتهر بلقب سنيد وإنه أحد أوعية العلم والآثر، وثقه ابن حبان، والخطيب البغدادي وإن تكلم فيه أحمد. توفي 226هـ شذرات الذهب، ص59 ج2 وذكره صاحب الرسالة المستطرفة في أصحاب المسانيد وضبط المصيص بكسر الميم وتشديد الصاد، ويقال بفتح الميم وتخفيف الصاد نسبة إلى المصيصة مدينة وقال: إن سنيد كزبير، وإنه الحافظ المحتسب صاحب التفسير المسند المشهور: الرسالة المستطرفة ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ثم ذكر أنه لا يعلم الآن في كتب المحدثين كتابًا أجمع لأحاديث الشريعة وآثارها منه، فإنه جمع -مع صغر حجمه- أدلة المجتهدين المشهورة، وإن أردت امتحان ذلك فانظر في أي باب منه، وانظر ذلك الباب في جميع أبواب كتب المحدثين تجد جميع ما قالوه في أبواب كتبهم كلها مستوفى في باب واحد، فإن كتب المحدثين إنما طالت بذكر السند وتكرار الأحاديث فلله الحمد، ولم أعز أحاديثه إلى من خرجها من الأئمة؛ لأني ما ذكرت فيه إلا ما استدل به الأئمة المجتهدون في مذاهبهم، وكفانا صحة لذلك الحديث استدلال مجتهد به، وملت فيه إلى الاختصار، فلا أذكر من كل حديث إلا محل الاستدلال المطابق للترجمة، فأقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا أو يقول أو يأمر بكذا أو ينهى عن كذا أو يشدد في كذا ومرادي مكان وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة، ثم "قد" يكون ذلك الأمر قد تكرر وقوعه منه صلى الله عليه وسلم وقد لا يكون تكرر، ولا أذكر القصة التي سبق فيها الحديث إلا إن اشتملت على موعظة أو اعتبار أو أدب من الآداب، ولا أكرر حديثًا في باب واحد إلا لزيادة حكم ظاهر لم يكن في الحديث الذي قبله، والذي دعاني إلى شدة هذا الاختصار مناسبة الزمان والسامعين، من غالب الفقراء والمحترفين من عامة المسلمين، وتعجيل ذكر ما هو المقصود من الحديث، ولم أمل فيه إلى تأويل حديث ولا إلى النسخ بالتاريخ -كما يفعله بعضهم- أدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتقيد كلامه فيما فهمه عالم دون آخر، وأن ينسخ غيره كلامه؛ إذ لا ناسخ لكلامه صلى الله عليه وسلم إلا هو كقوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها" وقوله: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فادخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الحنتم والنقير فانتبذوا غير ألا تشربوا مسكرًا". وقال أطال في هذا المنهج بما يؤكد أنه نقل السنة النبوية الكريمة في موضوعات الأحكام وما يتعلق بها بكل دقة وأدب وورع، وإنما هي الأمانة العلمية التي تقتضي أداءها كما هي، ونقلها بتصرف وحكمة مع تركها للقارئ يفهمها بما يفتح الله به عليه. غير أننا نلاحظ أن له استطرادات عديدة نضحها عليه اتجاهه الصوفي، وحرصه على ربط النفوس بحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وحفزها على التأسي به، ودراسة الكثير من أخلاقه وشمائله، مع حرصه على الترغيب والترهيب بتصوير أنواع من الثواب والعقاب، وكل ما عمله من تصرف هو بالقدر الذي يكفل تعجيل المنفعة للقارئ والسامع، مع عدم كده في المراجعات إلا أن يكون على سبيل الامتحان للاطمئنان إلى أنه استوعب ما في بطون كتب السنة، ولم يدخر منه شيئًا نصحًا للأمة، وفي هذا منه مسايرة للزمان الذي تطور فيه أمر التأليف بما يساير ظروف المجتمعات، ولهذا نرى أن النقل يختلف في كل زمان عنه في الزمان الآخر. فهذا الذي صنعه الإمام الشعراني لا يخرج أن يكون ثمرة لهذه التطورات، وأثرًا لانصباب دراسات الأئمة وتجاربهم في العصور المختلفة التي عهدت بها عناية الله ورعايته إلى من يصطفيه من هذه الأمة ليبلغهم رحيق الدين، وخالص ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلامذته الذين ورثوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 من بعده، وفي هذا تطبيق دقيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". وبهذا يكون الشعراني قد تأدب بأدب النبوة حيث آثر أن ينقل ما وصل إليه من علم النبوة إلى من يتلقاه عنه، ليتصرف فيه بفهمه وإدراكه، أو يسأل عنه أهل الذكر إن شاء ذلك، فهو وإن لم يكن سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فإن أمرنا جميعًا وأمره وأمر غيره من المحدثين أن يكون ممن يطبق هذا الحديث معنى وفقهًا لا لفظًا وحرفًا، فإن الغاية من ورائه أن يسارع العلماء إلى نقل السنة، وأن يبادروا بحملها إلى المسلمين. وأبرز ما في هذا الإمام من الأدب أنه ترك أمرين بارزين تقحم فيهما كثير من العلماء والفقهاء هما: التأويل والحكم بالنسخ؛ لأن واحدًا منهما لا يخلو من إظهار شخصية حيال الأحاديث النبوية، فقد أدى به ورعه وأدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يحمل عهدة ذلك؛ لأن المتعرض له قل أن يخلو من أن يكون عرضة للخطأ والمسئولية، وإن كان الخطأ في مثل ذلك مغفورًا، إلا أنه أخذ بالعزيمة فيه، وترك تلك الرخصة لمن عمل بها أو أراد أن يعمل بها، ولكل وجهته، وجزى الله الجميع خير الجزاء. وأهم ما في الموضوع أن الشعراني قد استطاع أن ينقل إلينا سفرًا جليلًا في جميع ما تناوله من أبواب لا تحويها الأسفار العظيمة لولا تصرفه الذي أغنانا به عن عناء الطلب الطويل الكثير. ونحن لا نستطيع أن نجزم -محاباة منا للمؤلف- بأن جميع أحاديث كتابه صحيحة، ولكنا نقول: إنه اجتهد في هذه الناحية وحمل مسئوليتها وحملنا معه تلك المسئولية بعرض ما نقل فيه من كتب السنة التي تروي الصحاح، وأن جميع أحاديث الكتاب أدلة فقهية للمجتهدين الذين تجل ساحتهم -وهم مسئولون عن أدلة الأحكام- أن يكون من بينها حديث ضعيف. ومهما يكن من أمر فإننا -بعرض هذا الكتاب ودراسته وتصويره- نكون قد عرضنا لونًا من ألوان التأليف في أحاديث الأحكام، في ختام هذا العصر الذي نحن بصدد دراسته، وهو لون لا نعلم أن غيره شاركه فيه، سواء أكان مبرأ من العيوب أو لم يكن كذلك. ثم إن مؤلفه رحمه الله لم يقصره على ذكر الأبواب المعهودة في كتب الفقه خاصة، بل إنه -باتجاهه الصوفي- أخلص النصيحة للأمة، واجتهد أن يكون بهذا الكتاب الشخصية المسلمة الكاملة التي تسير على جادة الإسلام، وهديه القويم الأكرم، وبذلك يمثل المسلمون -إذا انتهجوا نهجه- سيرة السلف الصالح على بينة واتجاه سليم، وقد نص على ذلك في مقدمة كتابه فقال: أولًا1 إنه أخذ جميع ما يتعلق بأمر أو نهي أو مكارم أخلاق من الأحاديث والآثار، وعرض ثانيًا2 لتفصيل ما أورده خارجًا عن أبواب الفقه المتعارفة وحدد مواضعه المتفرقة، فقال: إنه ختم ربع   1 ص5 ج1 كشف الغمة. 2 ص7 ج1 وما بعدها من نفس المصدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 العبادات1 بباب جامع لفضائل الذكر بجميع أنواعه مطلقًا ومقيدًا، وما جاء في فضل الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختم باب الجهاد بخاتمة لخص فيها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من ولادته إلى رسالته إلى وفاته، وختم أبواب فقه الكتاب بباب جامع لجملة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ولجملة من هديه في أنواع مخصوصة -وإن كان ذلك مفرقًا في أبواب الكتاب- وأتبع هذه الأخلاق بذكر ما جاء في حقوق الوالدين وصلة الرحم وستر عورات المسلمين، وما إلى ذلك من أبواب الدين التي ذكر منها الشيء الكثير، ثم أورد أنه ذكر الموت وأحوال الموتى وعذاب البرزخ ونعيمه، وما جاء في الحشر والنشر والحساب والميزان والصراط، وغير ذلك من مواقف القيامة وعدتها خمسون موقفا كل موقف للعاصي ألف سنة. وما جاء في صفة الجنة والنار وذبح الموت بينهما، ثم قال: وأكرم به من كتاب احتوى على مقاصد الشريعة كلها مع عذوبة لفظه وحلاوته، وكيف لا يكون ذلك وهو كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ومن نظر فيه علم يقينًا أن الشريعة لا تضييق فيها، ولا حرج على أحد من المسلمين، ولزم الأدب مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشفق على الأمة المحمدية، ولم يأمر أحدًا بشيء لم تصرح به الشريعة المطهرة إلا إن أجمع عليه، فإن في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: "اللهم من شق على أمتي فأشقق اللهم عليه"، ولا أحد أشق على الأمة من فقيه يحجر عليهم، ويحكم ببطلان عباداتهم ومعاملاتهم، وتطليق نسائهم، وسفك دمائهم، ويحكم بكفرهم بأمور ولَّدها بعقله ورأيه، ولم يأت بما صريحًا من كتاب ولا سنة، حتى تضيق الدنيا على العاصي منهم، فمن فعل ذلك معهم فقد دخل في دعائه صلى الله عليه وسلم بأن الله يشق عليه، نسأل الله العافية. ومؤلف هذا الكتاب -في أدب وتواضع- يقول: إنني أشكر الله عز وجل أن وفقني لعرض هذا الكتاب المختبئ، وهو كتاب جامع لكل هذه الأغراض التي قلما اجتمعت لمثله في استيعابها وإيجازها، ونبهت إليه كثرة من القراء الذين تتشوف نفوسهم إلى التضلع من الشريعة الإسلامية في أوجز وقت وأقربه، ينتفعون به في فقه الدين، ويستفيدون منه في معرفة السنة، وفي جميع أبواب السير والسلوك، مع الاطمئنان إلى ما فيه من المعلومات، والتأثر بروحه الطيب في الاستنارة بالهدي النبوي الكريم، فهو مادة جليلة لكل مسلم من الخواص والعوام، وهو بهذا جدير أن يعلم في المساجد والمدارس إن لم يكن كله فليكن بالقدر الذي يلزم المسلم في أعمال اليوم والليلة منه، والذي تدعو إليه ضرورة فوق ضرورة الطعام والشراب، والذي له أثر في إصلاح تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله. على أنه في تناوله للأحكام الفقهية الأخرى من المعاملات -كالبيع والشراء والإجارة وغيرها- يعرضها عرضًا نديًا يحفز النفوس إلى العودة إلى ذلك الهدي النبوي الكريم، كأنها تعيش فيه، مما يكفل للأمة الإسلامية أن تحيا في تكافل يؤلف النفوس ويجمعها على الحب والخير.   1 ص7 ج1 كشف الغمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ويا حبذا لو عرف أئمة المساجد والخطباء والوعاظ هذا الكتاب الذي يملأ نفوسهم وعقولهم بالمعارف الإسلامية الصحيحة، بدل تلك التي يلجأ إليها بعضهم من كتب خاصة بمجالس الوعظ: كتذكرة القرطبي وغالية المواعظ، وغيرها من الكتب التي تجمع الصحيح والمنكر، والتي تغري بعضهم بما فيه من ترغيب أو ترهيب أن ينقلها إلى الناس نقلًا لا يليق بخواص الأمة، ومن يحملون عبء دعوة الناس إلى الدين الصحيح. وإن من واجب أساتذة الكليات التي تدرس فيها علوم الشريعة أن يلفتوا أنظار طلابهم إلى ذلك الكتاب، لينهلوا من معينة الصافي، ولينتفعوا به في مواقفهم الإسلامية المختلفة، فإن ظروف الحياة، ووضعهم الديني والاجتماعي فيها يلجئهم إلى أن يخوضوا في أمور دينية ذات شأن عظيم، تستدعي أن يكون لديهم حصيلة نقية صافية من علوم الدين التي يسر تناولها هذا الكتاب في استيعاب وسهولة عرض، وتخير للأحاديث، واطمئنان إلى سلامتها، خروجًا من عهدة التدليس أو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله التوفيق. وإذا كنا قد تعودنا أن نصف كل مؤلف من الكتب التي مرت بنا، فإنه كان يسعنا أن نكتفي بما وصف به هذا الإمام كتابه -وهو أدرى به- غير أننا نرى أن نضع يد القارئ على بعض صفات سنحت لنا في هذا الكتاب، وقد يكون بعضها مما أشار إليه المؤلف إشارة عابرة في أثناء تصوير منهجه، ومن بين هذه الصفات. 1- الاستطراد: ولسنا نعني بالاستطراد ما يدعو إليه الحديث فيدخل بعضه في بعض لمناسبة تدعو إليه، ولكننا نعني أنه يقحم بعض مسائل بعنوان معين ربما يرى أن بينه وبين ما قبله ارتباطًا يدعو لأن يتناوله بشيء من الشرح والإيضاح، وذلك كموضوع التوبة1 الذي ألحقه بكتاب الإيمان ومباحثه التي أوردها، ثم تطرق في هذا الباب إلى إيراد عدة آثار لبعض الصحابة والتابعين كعبد الله بن عمر من الصحابة وعكرمة من التابعين وقد أورد له أثرين. ومن ذلك أنه أورد عنوانًا لبيان سنن الوضوء2 وكان مقتضى عرضه على منهجه أن يورد الأحاديث النبوية ويترك للقارئ الاستدلال، ولكنه في هذا المقام يبدأ بذكر الحكم ثم يورد الدليل عليه فيقول: أمهات السنن المؤكدة عشر ويورد الدليل، ثم يقول: الثانية غسل اليدين ويورد الدليل، والثالثة الاستنثار والمضمضة والاستنشاق3 ثم يورد الدليل. ومن ذلك أنه في صفحة 268 ج1 ذكر مع العنوان "كتاب الأطعمة" أن الأصل في الأعيان والأشياء الإباحة ... فأبدى رأيه في الحكم قبل أن يعرض الدليل عليه، وهي الأحاديث التي من بينها: "اتركوني ما تركتكم" وما يشبهه.   1 ص30 ج1 كشف الغمة. 2 ص52 ج1 كشف الغمة. 3 يلاحظ أنه اعتبر هذه الثلاثة سنة واحدة ولم يراع فيها الترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ومن ذلك أنه أكثر من ذكر الآثار والأخبار عند حديثه عن تكبير العيد، وقد كان يمكن الاجتزاء بقليل مما أورده لبيان الحكم الشرعي. ومن ذلك أيضًا أنه عند بيانه لما يحل ويحرم من اللباس1 أطال في ذكر ذلك حتى إنه ذكر أحوال آدم وحواء في اللبس، وفي نسخة وغزله للباس، وفي حلة تميم الداري التي اشتراها بألف درهم لليلة التي يرجو أنها ليلة القدر فقط. ومن ذلك أنه ألحق بموضوع الأشربة وآداب الأكل والشرب وما يتصل به كتابًا2 أورد فيه كثيرًا من صور الطب النبوي، والإرشادات فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في ذلك أحكام شرعية، وكتب فيه نحوا من ثماني صفحات. ومن ذلك أنه تعجل -قبل أن يدرس موضوع النكاح والهدي النبوي فيه- بذكر ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم3 سواء أكان اختص به في ذاته في الدنيا، أو في شرعه وأمته في الدنيا، أو في ذاته في الآخرة، أو في أمته أيضًا في الآخرة، أو كان من الواجبات التي هي تخفيف على غيره كصلاة الضحى والوتر والتهجد ولم يكن هذا الموضوع ليحتاج إلى أكثر من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح على ألا يكون سابقًا عليه، وقد قال في نهاية ما كتب: كما ثبت هذا من خط شيخنا خاتمة الحفاظ الشيخ جلال الدين السيوطي التي تتبعها مدة عشرين سنة. 2- الإكثار من ذكر الآثار، وهو شيء يطول بيانه، إلا أننا نكتفي بإيراد أمثلة منه، فقد أورد عن واثلة بن الأسقع4 أنه كان يقول: لا بأس بالحديث قدمت فيه أو أخرت إذا أصبت معناه. ومنها ما نقله في مجاز الإيمان5 لعمار بن ياسر أنه كان يقول: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان ... إلخ، وعن علي بن أبي طالب كان يقول: الإسلام ثلاث خصال، وأحيانًا كان يروي هذه الآثار باسم السلف أو الصحابة فيعطيها صورة قوية تؤكد الاستدلال بها مثل قوله6: كان السلف لا يرون بأسًا بطهارة البصاق، ومثل قوله7: قال عكرمة: كانت الصحابة رضي الله عنهم يغشون أزواجهم وهن مستحاضات، وقوله8: كانت الصحابة لا يصلون لمثل الزلازل، وكقوله9: كانت الصحابة رضي الله عنهم يستسقون لنواحي الأرض، وكقوله في معاملة العبيد10: كانت الصحابة رضي الله عنهم يرسلون عبيدهم في تجارتهم ... إلخ، ومن الطريف أنه لم يذكر تحت هذا العنوان "معاملة العبيد" إلا هذا الأثر، ولكنه أكده بحديث سبق   1 ص171 كشف الغمة. 2 ص 285 ج1 كشف الغمة. 3 ص2 ج2 إلى ص13 كشف الغمة. 4 ص19 ج1 كشف الغمة. 5 ص25 ج1 كشف الغمة. 6 ص37 ج1 كشف الغمة. 7 ص76 ج1 كشف الغمة. 8 ص177ج1 كشف الغمة. 9 ص178 ج1 كشف الغمة. 10 ص323 ج1 كشف الغمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 له في البيع، وقد يكون ذلك اختلاف عبارة لا اختلاف فقه، كما جاء فيمن سأل كلا من ابن عباس وابن عمر في حكم من نذر أن ينحر نفسه إن نجاه الله1. 3- كثيرًا ما ينقل عن شيخه بعض الأقوال ولكنه لا يعين هذا الشيخ. ومن ذلك قوله2: قال شيخنا: لم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في كراهية استقبال القبلة حال الجماع، ونقل عن شيخه3 في شأن التسليم الذي كان يفعله المؤذنون بأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وإنما كان في أيام الروافض بمصر تسليمًا على الخليفة ووزرائه، وأن صلاح الدين أبطل هذه البدعة، وأمر المؤذنين بالصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل تلك البدعة. ومن ذلك قوله4: قال شيخنا: وشذ من قال بوجوب النية "في الصوم" بعد صلاة العشاء. 4- أحيانًا يورد استنتاجًا يضيفه إلى غيره مثل قوله5: قال العلماء: وفي الحديث دليل على طهارة بول ما أكل لحمه، تعليقًا على قول إبراهيم النخعي: كانوا يستشفون بأبوال الإبل ولا يرون به بأسًا، ولعله اعتبره حديثًا بناء على وقوعه بعد حديث عرينة الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن يشربوا من أبوال الإبل. 5- أحيانًا يذكر عنوانًا دقيقًا يحتاج إلى تأمل في الربط بينه وبين الحديث، فقد عقد -في الإيمان-6 فصلا فيمن حلف لا يهدي هدية فتصدق، وأورد حديثًا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يسأل عما يأتيه من الطعام أحيانًا فيقول: "أهدية أم صدقة؟ " فإن قيل: صدقة لم يأكل منه. وليس في هذا الحديث تعرض للحلف، وإنما يدل على أن الهدية مغايرة للصدقة. 6- يورد أحكامًا تشتمل على بعض الغرابة ويضع لها عنوانًا مثل قوله: فصل في صلاة التوبة7، وذكر حديثًا يدل على ذلك، كما أنه ينقل عن بعض الصحابة أحكامًا8 فيها شيء من الغرابة كقوله: كان عمر يقول: من مس إبطه أو نقى أنفه أو مس أنثييه فليتوضأ، وكان علي إذا مس صليبًا على نصراني يذهب فيتوضأ من مسه ويقول: إنه رجس، وكثيرًا ما كان يتوضأ من مس الأبرص واليهودي، وكما يروى عن أبي هريرة قوله: من فسر القرآن برأيه وهو على وضوء فليتوضأ، وكان أيضًا يقول: من تجشأ فملأ فمه فليعد الوضوء. 7- يذكر من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدل على قاعدة أصولية9 وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "كلامي لا ينسخ كلام الله ... " إلخ، وأحيانًا يذكر في النسخ الذي تورع   1 ص176 ج1 كشف الغمة. 2 ص63 ج1 كشف الغمة. 3 ص87 ج1 كشف الغمة. 4 ص220 ج1 كشف الغمة. 5 ص37 ج1 كشف الغمة. 6 ص172 ج2 كشف الغمة. 7 ص133 ج1 كشف الغمة. 8 ص57 ج1 كشف الغمة. 9 ص28 ج1 كشف الغمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 من الإقدام عليه ما روي فيه عن بعض الصحابة كما يقول1: قال جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. وأحيانًا يضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يدل على النسخ صراحة كقوله2: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يكسوهم من الخز ثم نهى بعد ذلك عن لبسه. 8- يكثر من العناوين الفرعية التي لا يندرج تحتها كثير من الأحاديث3؛ لأن في ذكر العنوان تنبيهًا إلى الحكم، فيتعرف عليه السامع من السنة ويستقر في نفسه، فقد عقد فصلًا للاستمناء ولم يذكر فيه إلا أثرين عن ابن عباس4، كما ذكر عدة عناوين أخرى ليلفت إلى موضوعاتها الأنظار مثل: إجابة الداعي، وما يصنع إذا اجتمع الداعيان، وإجابة من قال لصاحبه: ادع من لقيت، ومن دعي فاستعفى لعذر، ومن دعي فرأى منكرًا، وطعام المتباهين، والنثار في العرس، وحجة من كره النثار، وإجابة دعوة الختان، وقد رأينا مثل ذلك لأبي داود في سننه. 9- لا يراعي الدقة في الترتيب وربط بعض الموضوعات ببعض، فقد ذكر آداب النوم والانتباه عقب التوبة التي جعلها ذيلًا للإيمان وما يتصل به5، ولو أنه ذكر التوبة في أخريات أبواب الكتاب لكان أشبه، ولو أنه ألحق آداب النوم وأذكاره بموضوعات الذكر التي يوردها فيما بعد لكان أقرب، كما ذكر حديث الأعمال بالنيات الذي يعنى به المحدثون ويجعلونه رأسًا سابقًا على كل ما يتكلمون فيه من السنة، فجعله المصنف ذيلًا لبعض أبواب الطهارة6، ثم ذكره في صدر باب التيمم7، ولهذا نظائر كثيرة في الكتاب، وقد يكون ذلك أثرًا لغلبة الاستطراد التي أشرنا إليها، والاستطراد أثر لذكر الشيء بالشيء وإن لم يكن على مقتضى الترتيب الطبيعي. 10- يفسر بعض الألفاظ النبوية -أحيانًا- وكأنه يفعل ذلك ليبحث تفسيره، ويوفق بينه وبين التفسيرات الأخرى، ونذكر من ذلك على سبيل المثال أنه فسر البردة الواقعة في حديث، "أصل كل داء البردة" بأنها بمعنى الهواء الذي يلفح الجسد8 ووفق بين ذلك وبين قول الأطباء: إنها إدخال الطعام على الطعام. 11- انفرد من بين كتب الأحكام بإيراد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من مولده إلى وفاته موجزة مركزة في نحو عشرين صفحة عقب كتاب الجهاد9. 12- وهناك ظاهرة غريبة لم تعهد في كتب الأحكام، بل نستطيع أن نقول: إنها لم ترد فيما نعرف من كتب السنة، تلك هي التزكيات التي أوردها المؤلف من الفقهاء والمحدثين المعاصرين   1 ص60 ج1 كشف الغمة. 2 ص172 ج1 كشف الغمة. 3 ص38 ج2 كشف الغمة وانظر ص172 ج2 وص186 ج2 يتجلى لك هذا الأمر. 4 ص44 ج2 كشف الغمة. 5 ص30، 31 ج1 كشف الغمة. 6 ص48 ج1 كشف الغمة. 7 ص69 ج1 كشف الغمة. 8 ص287 ج1 كشف الغمة. 9 ص149 ج2 كشف الغمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 في ذيل الكتاب1 وسماها إجازات، ليزيد القارئ بها طمأنينة تدفعه إلى الانتفاع بما في هذا الكتاب من فوائد حديثية، وهذه الإجازات من كل من الأئمة شهاب الدين أحمد بن حمزة الرملي الشافعي المتوفى سنة 957هـ، ونور الدين علي بن يس الطرابلسي الحنفي المتوفى سنة 942هـ وأحمد بن يونس الحنفي الشهير بابن شلبي المتوفى سنة 947هـ، ومحمد بن سالم الطبلاوي الشافعي المتوفى سنة 966هـ، وشهاب الدين أحمد البرلسي الشافعي المتوفى سنة 957هـ. ونكتفي بهذا القدر في بيان المكانة العلمية والحديثة لهذا الكتاب، عسى أن تتجه إليه أنظار المسلمين من الخاصة والعامة، فإنه من أنفس ما ألف في كتاب الدين، وأغزرها فائدة، وأعجلها بتحصيل المقصود لكل عالم وطالب. غير أنه يحتاج إلى كثير من الدقة في تحقيق ما ورد به من آثار، وتخريجها، وتمييز المقبول منها من غيره، فإن أحاديث الأحكام ينبغي أن تكون في مرتبة تجعلها صالحة للاحتجاج، ولا ينبغي أن يكون من بينها ما ليس بصالح، ونسأل الله التوفيق.   1 ص255 ج2 كشف الغمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 خاتمة الفصل الأول : والآن، وبعد أن استعرضنا نماذج من كتب أحاديث الأحكام، بدأناها بموطأ الإمام مالك، وختمناها بكشف الغمة عن جميع الأمة للإمام الشعراني، ورأينا كيف كانت محاولة الإمام مالك لجمع أحاديث الأحكام، والآثار التي وردت بشأنها، وكان لهذه المحاولة قيمتها وأثرها، باعتبار قربها من المنابع الأصيلة لتعاليم الإسلام زمانًا ومكانًا، فقد عاش صاحبها في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاصر كثيرًا من التابعين وأتباعهم، وكانت تعاليم الإسلام لا تزال غضة، وأهل العصر ما يزالون متمسكين بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومترسمين لنهجه وخطاه، ولم تكن الفرق قد نشأت بعد، ولا الأعاجم قد اختلطوا بالعرب والمسلمين ذلك الاختلاط الذي أثر فيهم، فكان الموطأ جامعًا لما تفرق من الآثار الواردة في الأحكام، يحدو مؤلفه الإخلاص للسنة، والنصح للأمة. ثم جاء أبو داود، وأدرك عصر الرواية، وتيسر له من الرسائل ما لم يتيسر لسلفه الإمام مالك، فجمع كثيرًا من الآثار، وحشد كل نوع منها في كتاب أو باب، وأعانة على ذلك وجوده في عصر الرواية، واعتماد الناس آنذاك في أمور دينهم على الإسناد، ولم يكن أبو داود يتدخل بشرح كلمة في الحديث إلا على ندرة، وبذلك يمكن أن نعتبر أبا داود جامعًا لنصوص الأحكام، مستوعبًا لما ورد بشأنها من الحديث والأثر أو يكاد. ولم يكد يمضي القرن الثالث الهجري حتى جاء الإمام الطحاوي، وكانت السنة قد جمعت على أيدي الأئمة الأعلام: فقد سبقه لذلك أبو داود، وسبقه إماما الحديث البخاري ومسلم، وسبقه أئمة الفقه الأعلام: الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل، ومن قبل هؤلاء الإمام مالك، والحركة الفكرية في الجمع والتصنيف والتدوين ما تزال على أشدها، فأعانه ذلك -بعد جمعه لأحاديث الأحكام- على إبراز شخصيته محدثًا وفقيهًا، وشارحًا للآثار، وموفقًا بين ما يبدو فيها من تضارب، ومنتصرًا لمذهبه الذي اختاره، ومرجحًا لأدلته على أدلة غيره، فجاء كتابه "شرح معاني الآثار" كتاب حديث وفقه، أو على الأصح نستطيع أن نقول: إنه قد برز للوجود أول كتاب في فقه السنة متمثلًا في كتاب الطحاوي شرح معاني الآثار. ثم جاء من بعد الطحاوي من رأى حذف السند اختصارًا، معتمدًا على ما استقاه من الصحيحين من أحاديث الأحكام، وكان ذلك أظهر ما يكون في كتاب المقدسي عمدة الأحكام، فكان اختصارًا للأدلة، واختيارًا لأقواها درجة وأصحها إسنادًا، ومن أجل ذلك كان قاصرًا لم يستوعب كثيرًا من الأدلة، تبعًا لاقتصاره على ما أورده الشيخان من أحاديث الأحكام، ومن ثم دعت الحاجة إلى شرحه وبيان ما فيه، وتدعيمه بما تيسر من الأدلة التي عزبت عنه، فكان شرح ابن دقيق العيد المسمى بإحكام الأحكام، وكتابه الآخر الذي سماه بالإلمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وجاء بعد المقدسي من تدارك مسلكه، وتوسع في المراجع التي يأخذ عنها الأحاديث؛ فكان الإمام مجد الدين بن تيمية في كتابه منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، ولم يكن كسلفه المقدسي في اقتصاره على الأخذ من الصحيحين، وإنما أخذ منها كما أخذ من غيرها من كتب الأصول المعتمدة في الحديث، ومن بين هذه الكتب التي أخذ منها مسند الإمام أحمد بن حنبل، وجامع أبي عيسى الترمذي، وكتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي، وكتاب السنن لأبي داود السجستاني، وكتاب السنن لابن ماجه القزويني، فجاء كتابه المنتقى أوسع دائرة فيما ألف مختصرًا من أحاديث الأحكام بعد عصر الرواية -كما سبق أن ذكرناه- وكان لذلك من أهم المراجع، لولا انصراف مؤلفه إلى إيراد هذه الكثرة الكاثرة من الأحاديث عن تقويمها وبيان درجتها، مما جعل كثيرا ممن جاء بعده يعنى أكبر العناية ببيان درجة الحديث والكلام على رجاله، وعلى رأس هؤلاء الحافظ العراقي، فكان كتابه تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد كما وصفه مؤلفه: بأنه مختصر في أسانيد الأحكام، متصل الأسانيد بالأئمة الأعلام، حتى لا يقع في نقيصة نقل العلم بدون إسناده. ومن بعد هؤلاء جميعًا جاء الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام الذي عبر عنه: بأنه مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، وذكر عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة؛ لإرادته نصح الأمة، وقد اختار ابن حجر نخبة من الأحاديث، واتجه في أكثر ما اختاره إلى ما بنى عليه الإمام الشافعي مذهبه، وراعى في اختيارها أن تكون من بين ما هو صحيح أو حسن، وأن تكون صالحة للاحتجاج، فإن أورد ما هو أدنى من ذلك درجة فإنما يورده كشاهد أو تابع، أو مشتمل على زيادة ليست في غيره مما استوفى شروط القبول. وأخيرًا كان الإمام الشعراني في كتابه كشف الغمة عن جميع الأمة، وهو كما قلنا كتاب يتناول أحاديث الأحكام، ويعرضها عرضًا نديًا يحفز النفوس إلى العودة إلى هدي النبي الكريم، وهو في هذا جامع لما تفرق، مستوعب في إيجاز، يفيد من تشوفت نفسه إلى التضلع من علوم الشريعة الإسلامية في أوجز وقت وأقربه، فهو مادة جليلة لكل مسلم، ينتفع به الخاص والعام. ونرجو أن نكون -فيما عرضناه من نماذج لكتب أحاديث الأحكام- قد وفقنا إلى إعطاء القارئ الكريم صورة صادقة لما كان عليه التأليف في السنة في تلك العصور، وما كان عليه سلفنا الصالح من بذل الجهد في سبيل تقريب السنة إلى الدارسين، وتقديمها خالصة من الوشائب، ينتفع بها من أراد الخير لنفسه ولأمته في دينه ودنياه، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب مدخل ... الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب تمهيد: من الأنواع التي تناولها المحدثون بالتأليف، وأفردوا لها كتبًا بعينها، أوردوا فيها من الأحاديث ما يوجد الرغبة في عمل الخير ببيان ما يترتب عليه من ثواب أو أجر، وما ينفر من عمل الشر ببيان ما يترتب عليه من عقاب أو وزر -كتب الترغيب والترهيب. وليس معنى احتواء هذه الكتب على ما يرغب في الخير أو ينفر من الشر أنه لا يستدل بشيء من أحاديثها على الأحكام الشرعية، وإنما الهدف المقصود من جمع هذه الأحاديث في كتب بعينها أن تتربى على موائدها النفوس الكريمة، فتندفع بها إلى الخير طمعًا في ثواب الله، وتنأى عن الشر خوفًا من عقابه تعالى، على أنه قد يستفاد من بعض هذه الأحاديث الحكم على بعض أفعال المكلفين بالوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة. فمثل حديث: "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له" 1 المقصود به أولًا الترغيب في كل من الصلاة والوضوء والتنفير من تركهما، ولكنه مع هذا لا يمكن إخلاؤه من الدلالة على أن الصلاة فرض، وأن تركها محظور، وأن الوضوء شرط في صحتها، وكذلك مثل حديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، وإنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد" 2 فإنه ترغيب في الأمانة والصلاة، وتشديد في الحث على فعل كل منهما، والتخويف من تركهما، ولكنه -مع هذا- واضح الدلالة على وجوب الأمانة وحرمة تركها، وعلى وجوب الصلاة وحرمة تركها كذلك. فالمقصود -كما بينا- من إيراد أمثال هذه الأحاديث في تلك الكتب إنما هو الحث على الفعل، والتحذير من الترك، وليس فيه مجرد بيان الحكم أو إقامة الدليل كما هو الشأن في الكتب الموضوعة لبيان أدلة الأحكام من السنة المطهرة. وبعد: فإنه يتضح من هذه المقدمة الموجزة أن الترغيب والترهيب يحتلان مكانة ممتازة في التربية الإسلامية على وجهها الصحيح، بحيث يسهل بها قيادة النفوس لتحقيق الأحكام الشرعية على أكمل الوجوه، ويتم عمران الحياة بدفع كل مكلف إلى الخير وكفه عن الشر، فإذا تم ذلك أخذت الأحكام الشرعية التي تتمثل في كتب الأحكام مكانها، وطبقت على أحسن الوجوه وأكملها ومن هنا كان التصوف المستمد من هذه الأحاديث خير مصلح للنفوس، وكان الآخذون به على وجهه أقرب الناس لتطبيق أحكام الشرع وعدم تجاوزها، فمهمة كتب الترغيب والترهيب خطيرة، ومهمة الداعين بها في معالجة النفوس وتقويمها من أدق المهام وأشقها بغير جدال.   1 الترغيب والترهيب ج1 ص380 أخرجه البزار بسنده إلى أبي هريرة. 2 الترغيب والترهيب ج1 ص381 أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 من أجل هذا عني علماء السنة قديمًا وحديثًا بجمع أحاديث الترغيب والترهيب وإفرادها في مؤلفات، فمنهم من جمع بين أحاديث الترغيب والترهيب في كتاب، ومنهم من أفرد كلا منهما على حدة، ومن النوع الأول كتاب الترغيب والترهيب للمنذري -وسنتناوله بالدراسة بعون الله- ومن النوع الثاني ترغيبًا كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه لأبي الشيخ، وترهيبًا كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي، وسوف نفسح لدراسته مكانًا في هذا الكتاب بإذن الله. ومن بين من ألفوا في الترغيب والترهيب من علماء الحديث من سنذكرهم مع بيان كتبهم على ترتيب سني وفاتهم على النحو التالي: 1- كتاب الزهد، وكتاب البر والصلة لأبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي المتوفى عام واحد وثمانين ومائة1. 2- كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين2. 3- كتاب الزهد لأبي السري "هناد بن السري" بن مصعب التميمي الدارمي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائتين3. 4- كتاب الترغيب والترهيب، كتاب الأهوال، كتاب فضائل الأعمال، وكتاب الآداب النبوية لحميد بن زنجويه أبو أحمد النسائي الحافظ المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين للهجرة4. 5- كتاب الشمائل للترمذي محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين للهجرة5. 6- كتب ابن أبي الدنيا أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس المعروف بابن أبي الدنيا، والمتوفى سنة إحدى وثمانين ومائتين، وله في هذا النوع كتب كثيرة ذكرها صاحبا الرسالة المستطرفة وهدية العارفين6. 7- ذم الغيبة لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله الحربي المتوفى سنة خمس وثمانين ومائتين7. 8- نخبة المؤانسة من كتاب المجالسة لأبي بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائتين، كما ذكره صاحب هدية العارفين أو سنة ثمان وتسعين ومائتين، كما ذكره صاحب الرسالة8.   1 الرسالة المستطرفة ص37، 39 وشذرات الذهب ج1 ص295 وهدية العارفين ج5 ص438. 2 الرسالة المستطفرة ص14، 39، شذرات الذهب ج2 ص96. 3 الرسالة المستطرفة ص39، وشذرات الذهب ج2 ص104. 4 شذرات الذهب ج2 ص124، والرسالة المستطرفة ص43، وكشف الظنون ج1 ص401. 5 شذرات الذهب ج2 ص174 وذيل كشف الظنون ج4 ص54. 6 الرسالة المستطرفة ص34 و38 وهدية العارفين ص 441 ج5. 7 الرسالة المستطرفة ص39، وهدية العارفين ج5 ص4 وشذرات الذهب ج2 ص190. 8 الرسالة المستطرفة ص41، وهدية العارفين ج5 ص55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 9- كتب: الشكر، واعتلال القلوب، ومساوئ الأخلاق، ومكارم الأخلاق. كلها لأبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي المتوفى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة1. 10- كتاب أدب النفوس لأبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي الآجري المتوفى سنة ستين وثلاثمائة للهجرة2. 11- كتاب الأخلاق للطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي المتوفى سنة ستين وثلاثمائة للهجرة3. 12- كتب: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، والأدب، وثواب الأعمال، والتوبيخ، كلها لأبي محمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ المتوفى سنة تسع وستين وثلاثمائة4. 13- كتاب الأخلاق لأحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن فرج بن لال أبي بكر الشافعي المتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة5. 14- كتاب الفتوة وأدب الصحبة كلاهما لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي المتوفى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة6. 15- الترغيب في الفروع "وهو يتضمن فروعًا بأدلتها" للإمام أبي بكر فخر الإسلام محمد بن القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنة سبع وخمسمائة7. 16- الأنوار في شمائل النبي المختار لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة ست عشرة وخمسمائة8. 17- الترغيب والترهيب لقوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة9. 18- الترغيب والترهيب لأبي موسى المديني محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة10.   1 الرسالة المستطرفة ص38 وهدية العارفين. 2 الرسالة المستطرفة ص32 و40 وشذرات الذهب ج3 ص35. 3 الرسالة المستطرفة ص39، شذرات الذهب ج3 ص30. 4 الرسالة المستطرفة ص39-43، وشذرات الذهب ج3 ص69. 5 الرسالة المستطرفة ص39، وهدية العارفين ج5 ص69. 6 الرسالة المستطرفة ص41، وشذرات الذهب ج3 ص196. 7 الرسالة المستطرفة ص43، وشذرات الذهب ج4 ص105، وكشف الظنون ج1 ص400. 8 الرسالة المستطرفة ج4 ص48 ومقدمة وتحقيق كتاب أخلاق النبي وآدابه لأبي الشيخ ص11. 9 شذرات الذهب ج4 ص105، وكشف الظنون ج1 ص400 والرسالة ص43. 10 كشف الظنون ج1 ص401، وشذرات الذهب ج4 ص273. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 19- مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار لمحيي الدين بن عربي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة1. 20- كتاب الترغيب والترهيب للحافظ الكبير الإمام شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة2 وسنتولى بإذن الله دراسته في هذا الفصل من الكتاب. 21- كتاب رياض الصالحين، وكتاب الأذكار محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الدمشقي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة3. 22- الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر لأبي العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المصري المتوفى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة للهجرة4. وله دراسة في هذا الكتاب بإذن الله. 23- الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للإمام محمد عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف للهجرة5. وسنفرد له دراسة بإذن الله. 24- كتاب الأحاديث القدسية لمؤلفه الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف. هذا ما وقفنا عليه من أسماء المؤلفين في الترغيب والترهيب، وما عرفناه من أسماء مؤلفاتهم، نعرضها على القارئ الكريم لتكون الصورة واضحة فيما سبق، وفيما نحن بصدده من الدراسة زمانًا ومكانًا، ولارتباط السابق باللاحق، وبيان فضل المدرسة المصرية التي استفادت -كما يبدو- من بعض المؤلفات التي سبقتها، ثم أنتجت أول كتاب مستوعب في هذا النوع، ذلك هو كتاب الترغيب والترهيب للإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري، الذي جمع فيه مؤلفه من كتب السنة ما تفرق من أحاديث الترغيب والترهيب، ولشخصيته الحديثية العظيمة وفق توفيقًا كريمًا في جمع هذه الأحاديث وتبويبها بإضافة كل حديث إلى موضعه، وتخريجها في ضبط يدل على قوة استعداد وبالغ دراية، حتى نستطيع أن نقول: إنه لم يأت بعده مؤلف في هذا النوع من الحديث إلا كان دونه في الضبط والاستيعاب، ولعل جميع من كتبوا بعده كانوا عالة عليه في منهجه ودراسته وطريقة عارضه. فلنبدأ على بركة الله في دراسة هذا الكتاب العظيم، ثم نتبعه ببعض ما ألف بعده في الترغيب والترهيب، والله الموفق، وهو الهادي لأقوم سبيل.   1 شذرات الذهب ج5 ص190. 2 حسن المحاضرة ج1 ص355 والشذرات ج5 ص277. 3 شذرات الذهب ج5 ص354. 4 شذرات الذهب ج8 ص370. 5 الرسالة المستطرفة ص138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 كتاب الترغيب والترهيب : للحافظ عبد العظيم المنذري المتوفى سنة 656هـ: ندرس لهذا الكتاب لأنه يدخل ضمن موضوع دراستنا، فإن مؤلفه حافظ مصر عاصر الفترة التي اتخذناها زمانا لهذه الدراسة، ولأن هذا الكتاب كان مادة أساسية للكتب التي ألفت بعده في الترغيب والترهيب، من أمثال الأذكار للنووي، والمتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي، و الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر لنور الدين الهيثمي، والإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للمناوي. وكذلك الإتحافات السنية للشيخ محمد المدني من علماء الحديث في القرن الثاني عشر الهجري. وهذا الكتاب من أمثل ما ألف في الترغيب والترهيب إن لم يكن أمثلها جميعًا، ولهذا كان له ولأمثاله اعتبار بين المسلمين، وانتشار بين أوساط العلماء والمتعلمين، وكان مادة خصيبة للدعاة والموجهين. وقد قسمه المؤلف تقسيمًا لا نرى أحدًا سبقه إليه في بابه، فقد جعله كتبًا عديدة، وأورد تحت كل كتاب أبوابًا كثيرة، اشتمل كل باب منها على عدة أحاديث. فأفرد كتبًا لكل من العلم والطهارة والصلاة المفروضة ونوافل الصلوات والجمعة والصدقات إلى آخره، وأورد تحت كل كتاب من هذه أبوابًا، وتحت كل باب منها عدة أحاديث، وهكذا سلك في بقية الكتاب. وبين المؤلف -في خطبة الكتاب- ما حفزه على تأليفه، وهو أنه مبني على طلب بعض ذوي الهمم العالية ممن اتصف بالزهد والإقبال على الله، وأنه أملى -بناء على ذلك- كتابه في الترغيب والترهيب مجردًا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل، فجاء -كما وصفه- صغير الحجم غزير العلم، حاويًا لما تفرق في غيره من الكتب، مقتصرًا فيه على ما ورد صريحًا في الترغيب والترهيب من السنة القولية في أكثر أحاديثه، وأن طريقته أن يروي الحديث، ثم يعزوه إلى من رواه من الأئمة أصحاب الكتب المشهورة، وقد يعزوه إلى بعضها دون بعض طلبًا للاختصار -ولا سيما إذا كان في الصحيحين أو أحدهما- ثم يشير إلى صحة إسناده وحسنه أو ضعفه، إن لم يكن من عزاه إليهم ممن التزم إخراج الصحيح. وذكر المؤلف أنه إذا كانت هناك علل دقيقة لبعض الأحاديث فإنه لا يذكرها؛ لأنها مما يختص به الجهابذة من النقاد، فاقتضى الاختصار ألا يتعرض لها، وأعانه على ذلك أن من تقدمه من العلماء أساغوا التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب. وقد أوضح منهجه بما يدل على دقة فاحصة في التخريج وتتبع رواة الحديث، والتنبيه على مرتبة كل حديث، مع تعليل أسباب الضعف إن وجد، وذكر خلاف الأئمة في بيان المرتبة إن وجد أيضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وأن المختلف فيهم من الرواة قد أورد -في آخر الكتاب- أسماءهم مرتبة على حروف المعجم، وذكر ما قيل في كل منهم من جرح وتعديل على سبيل الاختصار، وقد يكتفي بذكر أنه مختلف فيه فقط دون استقصاء سبب الاختلاف. وأورد أنه إذا كان في الإسناد متهم بالكذب أو الوضع أو ما إلى ذلك فإنه يصدر الحديث بلفظ "رُوي" ولا يذكر الراوي ولا ما قيل فيه ألبتة. ثم قال: إنه استوعب جميع ما كان من هذا النوع من: 1- موطأ مالك. 2- مسند الإمام أحمد. 3- صحيح البخاري. 4- صحيح مسلم. 5- سنن أبي داود. 6- المراسيل له. 7- جامع أبي عيسى الترمذي. 8- سنن النسائي الكبرى. 9- اليوم والليلة له. 10- سنن ابن ماجه. 11- المعجم الكبير للطبراني. 12- المعجم الأوسط له. 13- المعجم الصغير له. 14- مسند أبي يعلى الموصلي. 15- مسند أبي بكر البزار. 16- صحيح ابن حبان. 17- المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله النيسابوري رضي الله عنهم أجمعين. قال: ولم أترك شيئًا من هذا النوع في الأصول السبعة، إلا ما غلب على فيه ذهول أو نسيان، أو أكون قد ذكرت فيه ما يغني عنه، وقد يكون للحديث دلالتان فأكثر فأذكره في باب ثم لا أعيده، فيتوهم الناظر أني تركته وكذلك لا أترك شيئا من هذا النوع من المسانيد والمعاجم إلا ما غلب علي فيه ذهول أو نسيان، أو يكون ما ذكرت أصح إسنادًا مما تركت، أو يكون ظاهر النكارة جدًّا وقد أجمع على وضعه أو بطلانه1. ثم بين أنه أضاف إلى ذلك جملًا من الأحاديث معزوة إلى أصولها، 18- كصحيح ابن خزيمة. 19- وكتاب ابن أبي الدنيا. 20- وشعب الإيمان للبيهقي. 21- وكتاب الزهد الكبير له. 22- وكتاب الترغيب والترهيب لأبي القاسم الأصبهاني. وقال: إنه استوعب جميع ما في كتاب أبي القاسم هذا مما لم يكن في الكتب المذكورة وهو قليل، وأنه أضرب عن ذكر ما قيل فيه من الأحاديث المتحققة الوضع، وإذا كان الحديث في الأصول السبعة لا يعزوه إلى غيرها من المسانيد والمعاجم إلا نادرًا طلبًا للاختصار، وقد يعزوه إلى صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم إن لم يكن متنه في الصحيحين.   1 الترغيب والترهيب ج1 ص36 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وذكر أنه ينبه على كثير مما حضره حال الإملاء، مما تساهل أبو داود رحمه الله في السكوت عن تضعيفه، أو الترمذي عن تحسينه، أو ابن حبان والحاكم عن تصحيحه لا انتقادًا عليهم رضي الله عنهم، بل مقياسًا لمتبصر في نظائرها من هذا الكتاب. وقال: إن كل حديث عزاه إلى أبي داود وسكت عنه فهو كما ذكر أبو داود، ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما. هذا هو المنهج الذي أورده المؤلف بنفسه عن كتابه، وهو منهج يطمئن كل قارئ للكتاب أو دارس له على دقة علمية، وأمانة في العرض، واحتياط في النقل إلى أقصى حد، وليس هناك بعد بيان المصادر، ثم الهيمنة عليها بنقد ما يستحق النقد منها على بينة وبصيرة. فالحافظ المنذري من أئمة هذا الشأن، وخير من يرجع إليهم في تعرف درجات الأحاديث ومنزلة كل منها، وقد أفرغ هذا الإمام -رحمه الله- جعبته صادقًا في العلم، خالصًا مخلصًا في نشره، هذا إلى محاولة الاستيعاب التي مكنت له أن ينقب في هذه الكتب الأصول التي زادت على العشرين، ولكل كتاب منها خطره، ولمؤلفه فحولته، وكل واحد منها يكفي ليكون مرجعًا في أخذ السنة، والارتواء من مناهلها العذبة. فهو -إذن- كتاب غزير الفوائد، لا نبالغ إذا قلنا: إنه كفاية لكل من رجع إليه في هذا النوع من السنة، وهو الترغيب في صالح الأعمال، والترهيب من سيئها وقبيحها. والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء، ومبوب -كما قال- على أبواب الفقه، إلا أنه في واقع الأمر قد ذكر قبل أبواب الفقه أنواعًا من الترغيب والترهيب، كالترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة، والترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئًا منه، والترغيب في اتباع الكتاب والسنة، والترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء، والترغيب في البداءة بالخير ليستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوفًا من أن يستن به، ثم كتاب العلم وما تحته من عناوين مختلفة: كالترغيب في طلب العلم، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين، والترغيب في الرحلة في طلب العلم، وما يتصل بذلك. وبعد ذلك وضع كتابًا للطهارة تحته عدة عناوين، وتحت كل عنوان منها مواضيع مختلفة من الترغيب والترهيب، وفي كل موضوع أحاديث كثيرة تتناسب معه، وصنع مثل ذلك في كتاب الصلاة، ومثله في كتاب النوافل، وكذلك في كتاب الجمعة، ثم أورد كتب الصوم، والعيدين، والأضحية، والحج، والجهاد، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والبيوع، وغيرها، والنكاح وما يتعلق به، واللباس والزينة، والطعام وغيره، والقضاء وغيره، والحدود وغيرها، والبر والصلة وغيرها، والأدب وغيره، والتوبة، والزهد، والجنائز، والبعث، وأهوال يوم القيامة، وصفة الجنة والنار. وتحت كل كتاب من هذه الكتب موضوعات جمة، وفي كل منها أحاديث تندرج تحت عنوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ثم ختم الكتاب بباب ذكر الرواة المختلف فيهم، وهم الرواة المشار إليهم في الكتاب ولم يحقق اختلاف علماء الجرح والتعديل في شأنهم، فذكرهم في آخر الكتاب مرتبين على الحروف الهجائية في كل من الأسماء والكنى، وأورد اختلاف العلماء في كل واحد منهم، وهذا أيضًا مظهر من مظاهر الحرص على الدقة في التحري في الحكم على الأحاديث، وبيان مرتبة كل منها، فإذا كان هذا مسلكه في أحاديث الترغيب والترهيب، وهي مما قد يتساهل في شأنها بعض التساهل -فكيف يكون مسلكه في أحاديث العقائد والأحكام لو أنه صنف فيها؟ إن مثل هذا الإمام لجدير أن يفاخر به من علمه ودينه، طيب الله ثراه. والكتاب بعد هذا -موسوعة خصيبة جامعة، فيها غناء عن غيرها في موضوعاتها، ونخال أن ليس في غيرها غناء عنها، ويقرب ذلك إلى ذهن القارئ أن نبين له أن عدد أحاديث الكتاب قد بلغت في مجموعها سبعة وثمانين وسبعمائة وخمسة آلاف حديث، وأن فيها كثيرًا من المطولات، بحيث يبلغ الحديث الواحد منها صفحة أو يزيد، بل إن في بعضها ما يزيد على الصفحتين، وما أكثر المطولات في الأحاديث الواردة فيه، وهي ظاهرة يتميز بها عما سواه، ومن أمثلة ذلك ما يأتي: 1- في باب الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة1 أورد حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار ... " 2 وساق الحديث بطوله في نحو صفحة من الكتاب. 2- وفي باب الترهيب من الرياء، وما يقوله من خاف شيئًا منه أورد حديث عقبة بن مسلم رضي الله عنه3 "حدث أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الثاني فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة. قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس" ثم ساق الحديث بطوله في نحو صفحة أو يزيد. 3- وفي نفس الباب أورد حديث معاذ رضي الله عنه4 أن رجلًا قال: "حدثني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبكى معاذ حتى ظننت أنه لا يسكت ثم سكت، ثم قال ... " وأورد الحديث في نحو صفحتين من صفحات الكتاب. 4- وفي باب الترهيب من ترك الصلاة تعمدًا، وإخراجها عن وقتها تهاونًا أورد حديث سمرة بن جندب5 رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ " فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وساق حديثه الذي يزيد على الصفحتين.   1 الترغيب والترهيب ج1 ص51. 2 رواه البخاري ومسلم. 3 الترغيب والترهيب ج1 ص62. 4 الترغيب والترهيب ج1 ص73. 5 الترغيب والترهيب ج1 ص387. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 5- وفي باب الترغيب في صيام رمضان احتسابًا وقيام ليله أورد حديث ابن عباس1 رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان ... " ثم أورد حديثه الذي يزيد على صفحتين أيضًا. 6- وفي فصل الحشر وغيره من فصول كتاب البعث وأهوال يوم القيامة أورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه2 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم" وهو حديث يقع في نحو ثلاث صفحات. 7- وفي فصل زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى أورد حديث محمد بن علي بن الحسين3 رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يقال لها: طوبى لو يسخر الراكب الجواد يسير في ظلها لسار فيه مائة عام ... " وأورد حديثه في نحو ثلاث صفحات. 8- وأنه في باب الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب4 أورد حديث كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وأنه لفي نحو سبع صفحات من هذا الكتاب، ولا نطيل بسرد أمثلة لهذا، فإنه في الكتاب كثير. ومن الظواهر العامة في هذه الكتاب، ومما ينبغي أن ننبه له من مميزاته أن مؤلفه الإمام المنذري كثيرًا ما يشرح الغريب من ألفاظ الحديث الواردة فيه، أو يضبطه، أو يشرح جملة منه فيبين المراد منها، أو يتكلم عن الرواة ضبطًا لأسمائهم، ومن أمثلة ذلك ما يلي. أ- في حديث أبي هريرة عند مسلم قال: عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها ... " الحديث، وفيه نرى المؤلف يشرح كلمة غريبة وردت في آخره فيقول5: قوله من جراي بفتح الجيم وتشديد الراء: أي من أجلي. ب- وفي حديث شفي الأصبحي أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا؟ قالوا: أبو هريرة ... الحديث، نجد المؤلف يشرح كلمتين غريبتين وردتا فيه فيقول6: جريء هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي شجاع، نشغ بفتح النون والشين المعجمة وبعدها عين معجمة: أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفًا أو شوقًا. ج- وفي حديث معاوية رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ... " الحديث   1 الترغيب والترهيب ج2 ص99. 2 الترغيب والترهيب ج4 ص391. 3 الترغيب والترهيب ج4 ص546. 4 الترغيب والترهيب ج3 ص580. 5 الترغيب والترهيب ج1 ص60 6 الترغيب والترهيب ج1 ص64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يضبط المؤلف فيه كلمة غريبة فيقول: قوله1: الكلب بفتح الكاف واللام قال الخطابي: هو داء يعرض للإنسان من عضة الكلب، قال: وعلامة ذلك في الكلب أن تحمر عيناه، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنسانًا ساوره. د- وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة ... " الحديث يضبط المؤلف الكلمة ويشرحها فيقول2: الشرة بكسرالشين المعجمة وتشديد الراء وبعدها تاء التأنيث: هي النشاط والهمة، وشرة الشباب: أوله وحدته. هـ- وفي حديث جرير رضي الله عنه قال: "كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار والعبار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتعمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرى ما بهم من الفاقة ... " الحديث، يتكلم المؤلف على شرح ما فيه من غريب بعد أن يضبط ألفاظه فيقول3: قوله: مجتابي هو بالجيم الساكنة ثم تاء مثناة وبعد الألف باء موحدة "والنمار" جمع نمرة، وهي كساء من صوف مخطط: أي لابسي النمار قد خرقوها في رءوسهم، والجواب: القطع "وقوله: تمعر" هو بالعين المهملة المشددة أي تغير "وقوله: كأنه مذهبة" ضبطه بعض الحافظ بدال مهملة وهاء مضمومة ونون، وضبطه بعضهم بذال معجمة وبفتح الهاء وبعدها هاء موحدة، وهو الصحيح المشهور، ومعناه على كل التقديرين: ظهر البشر في وجهه صلى الله عليه وسلم حتى استنار وأشرق من السرور، والمذهبة صحيفة منتقشة بالذهب أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه صلى الله عليه وسلم. و وفي حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده نجد المؤلف بعد فراغه من رواية الحديث يتعرض لضبط اسم الراوي فيقول4: ربيح بضم الراء وفتح الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف وحاء مهملة ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى: وفي الكتاب من هذه الأمثلة شيء كثير، لو تتبعناه لخرج بنا عما نحن بصدده من دراسة الظواهر العامة للكتاب، ولكنا نكتفي بما ذكرناه من أمثلة إيثارًا للاختصار. وقد أحصيت ما أورده المؤلف من أحاديث الترغيب والترهيب في هذا الكتاب فوجدت عددها -كما سبق أن ذكرت- بلغ سبعة وثمانين وسبعمائة وخمسة آلاف حديث، وأنها موزعة على أجزاء الكتاب الأربعة: في الجزء الأول منها أربعة وستون ومائتان وألف حديث، وفي الجزء الثاني سبعة وثمانون وخمسمائة وألف حديث، وفي الثالث تسعة وسبعمائة وألف حديث، وفي الرابع سبعة وعشرون ومائتين وألف حديث.   1 الترغيب والترهيب ج1 ص84. 2 الترغيب والترهيب ج1 ص87. 3 الترغيب والترهيب ج1 ص90. 4 الترغيب والترهيب ج1 ص68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فإذا تصورنا هذه الكثرة الكاثرة من أحاديث الكتاب، وعلمنا أن من بينها ما يصل طول الحديث فيه إلى سبع صفحات أو تزيد، وإذا علمنا أن مؤلفه قد بوبه على نحو لا نرى أحدًا من المؤلفين يطاوله في بابه أو يدانيه، وأنه شرح غريبه وضبط كلماته ورواته، وترجم -في آخر كتابه- للمختلف فيهم من هؤلاء الرواة، وذكر آراء علماء الجرح والتعديل فيهم مرتبًا إياهم على حروف المعجم أقول إذا تصورنا هذا العمل الجليل والمجهود الضخم من الإمام المنذري -رحمه الله- لبان لنا أن الكتاب ثروة في الترغيب والترهيب لا تعدلها ثروة، ومرجع رئيسي يعول عليها العلماء والدارسون، ويقتبس من كنوزه الخطباء والمرشدون، وينتفع بما ورد فيه الخاصة والعامة كل بما يفتح الله عليه في فهم ما ورد فيه من حديث. رحم الله الإمام المنذري وأجزل له الثواب والجزاء. تعقيب: رياض الصالحين وفي هذا المجال لا يفوتنا أن ننوه بكتاب عظيم، له في باب الترغيب والترهيب قيمته وخطره قد ذاع صيته، وعم نفعه، وكثر تداوله، وتعددت طبعاته لولوع المسلمين به، وإقبالهم الكبير عليه ذلك هو كتاب "رياض الصالحين" لمؤلفه الإمام الفقيه المحدث محرر مذهب الشافعية أبي زكريا، يحيى بن شرف الدين النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة للهجرة ببلدته نوى من أعمال دمشق1. وهذا الكتاب يجمع ثروة حديثية متخيرة في الترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة أعوجاجها كما يقول المؤلف عنه في خطبة الكتاب التي ذكر فيها: أنه التزم فيه ألا يذكر إلا حديثًا صحيحًا من الواضحات، وإن كنا نستدرك عليه في ذلك بأنه وصف بعض الأحاديث بالحسن، وأنه ترك التنبيه على بعضها وذلك قليل، ومن أمثلة ذلك ما يأتي: 1- في حديث: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم 2 ... " الحديث، قال النووي، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 2- وفي حديث: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى 3 على رءوس الخلائق ... " الحديث علق المؤلف عليه بقوله: رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. 3- وعلق على حديث: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... " الحديث. بقوله4 رواه الترمذي وقال: حديث حسن.   1 شذرات الذهب ج5 ص354. 2 رياض الصالحين ص39. 3 رياض الصالحين ص42. 4 رياض الصالحين ص57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وكثير من أحاديث الكتاب من هذا النوع الذي يحمل وصف الحسن، ونرجو ألا يكون ذلك مخلا بالغرض المقصود للمؤلف من تخير الأحاديث المعتبرة، والحسن يجتمع مع الصحيح في هذا القدر، ويستدل به في الأحكام فضلًا عن الترغيب والترهيب الذي أورد المؤلف أحاديثهما في هذا الكتاب. ورياض الصالحين للإمام النووي يتفق مع الترغيب والترهيب للمنذري في قيمته العظيمة، وتحري الدقة في تحرير الأحاديث، وفي شرح غريبها، وإن كان يمتاز على الترغيب والترهيب في تصدير أكثر موضوعاته بتوضيح يصور المراد منها، وإيراد آيات من القرآن الكريم تتصل بهذه الأبواب، وإنه لم يذكر فيه حديثًا ضعيفًا، وأنه أوجزه بتخير أحاديثه إلى درجة سهلت تناوله وتداوله، ويسرت الانتفاع بما حواه من السنة وأنه أطلق نفسه من الالتزام بأبواب الفقه، ومسايرتها، كما يمتاز كتاب الترغيب والترهيب للمنذري بكثرة ما فيه من مادة غزيرة في أحاديث الترغيب والترهيب تجعله عدة ينتفع بها من أراد دراسة هذا النوع من السنة. نفع الله بهما المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر : للعلامة ابن العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي المتوفى سنة973هـ: وإنما أوردته بين كتب الحديث الخاصة بالترغيب والترهيب لأنه هو الكتاب الذي رأيناه يتمثل فيه هذا النوع من الأحاديث، ولأنه اشتمل من أحاديث الترهيب من الكبائر على ما يتعسر تحديده وتعداده لكثرته البالغة، ولما فيه من خصوبة في هذا الباب ينبغي توجيه الأنظار إليها، على أنه في الكثير من أبوابه التي يذكر أنه رتبها على أبواب الفقه الشافعي تيسيرًا على القراء كما يقول يتقدم بين يديها بإيراد كثير من الآيات القرآنية تبركًا بها، وتعزيزًا لما يورده من الأحاديث دليلًا على ما يذكره من الكبائر، ومع أنه فيما يورده من آيات يلتزم أن يفسر بعضها بالآثار من كلام الصحابة والتابعين إن احتاجت الآيات إلى التفسير ووجد إلى ذلك سبيلًا. ولا ينبغي أن يمنعنا من إيراده هنا ما أضافه المؤلف -إلى ما أورده فيه من حديث- من تعليقات يطلق عليها اسم التنبيهات شرحًا لما ارتضاه استنتاجًا من هذه الأحاديث، وبيانًا لما وقع من خلاف في بعض دلالاتها، فإن الناحية البارزة في الكتاب ما يغمره من الأحاديث الكثيرة التي اختارها استدلالا لآرائه في تحديد نوع الكبائر، والتي تترك القارئ وهو يعتبر الكتاب من كتب الحديث ذات الشأن والبال. والكتاب يقع في جزأين كبيرين في مجلد، وأول الجزأين في تسع وستين ومائتي صفحة، وثانيهما في أربع وستين ومائتي صفحة من القطع الكبير، تناول المؤلف فيه الكلام على اثنين وستين وأربعمائة كبيرة قسمها قسمين: 1- الكبائر الباطنة وما يتبعها مما ليس له مناسبة بخصوص أبواب الفقه، وذلك مثل كبائر الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والغضب بالباطل، والحقد والحسد، والكبر، والعجب، والخيلاء، والغش، والأمن من مكر الله، واليأس من رحمة الله، وكتم العلم، وتعلم العلم للدنيا، وما إلى ذلك مما هو أقرب غلى علوم الصوفية ومعارفهم، وما تناول الإمام الغزالي وأمثاله دراسته ترغيبًا وترهيبًا وتوجيهًا إلى التهذيب ومكارم الأخلاق، وقد أورد من هذه الكبائر ستًّا وستين كبيرة. 2- الكبائر الظاهرة التي رتبها على ترتيب فقه الشافعية -كما دل على ذلك في مقدمة كتابه- وذلك مثل الأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة، وكبيرة نسيان القرآن، وكبيرة الجدال والمراء -وذلك بمناسبة ذكر القرآن- وكبيرة التغوط في الطرق، وعدم التنزه من البول في البدن أو الثوب وترك شيء من واجبات الوضوء، وترك شيء من واجبات الغسل، وكشف العورة لغير ضرورة ووطء الحائض، وتعمد ترك الصلاة، ونحو ذلك من الكبائر المتعلقة بالعبادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ومثل كبيرة التبتل أي ترك التزوج، وكبيرة نظر الأجنبية بشهوة مع خوف الفتنة، وما إلى ذلك، وكبيرة الغيبة والسكوت عليها رضًا وتقريرًا. وكذلك كبيرة المطلق بالتحليل، وطواعية المرأة المطلقة عليه، ورضا الزوج المحلل له، وكبيرة إفشاء الرجل سر زوجته، وإفشائها سره، وإتيان الزوجة أو السرية في دبرها، وأن يتزوج امرأته وفي عزمه ألا يوفيها صداقها، وكبيرة التطفل وهو الدخول على طعام الغير، ومثل كبيرة سؤال المرأة زوجها الطلاق من غير بأس، وكبيرة الدياثة والقيادة بين الرجال والنساء، وكبيرة وطء الرجعية قبل ارتجاعها، وكبيرة الظهار، وكبيرة اللعان وكبيرة سب المسلم والاستطالة في عرضه، وما إلى ذلك من الكبائر المتعلقة بالمعاملات. ومجموع ما أورده من الكبائر الظاهرة ست وتسعون وثلاثمائة كبيرة. ولعلنا بهذا العرض لمفردات من هذه الكبائر في هذا التصوير للنوعين من الكبائر الباطنة والظاهرة ننبه القراء إلى أن أمورًا كثيرة مما هو من صميم المعاصي قد خفيت على كثير من العامة، بل الخاصة أنفسهم، ونلفت نظر كل دارس للعلم إلى وجوب الاطلاع على مثل هذا الكتاب القيم النفيس على كل مسلم ومسلمة؛ محافظة على أنفسهم من مخاطر هذه المعاصي، والتخلص منها جهد الاستطاعة لسلامة الدين. وقد بدأ المؤلف كتابه -قبل ذكر الكبائر- بخطبة أشار فيها إلى بيان الداعي إلى تأليفه وأنه قد ظفر بكتاب منسوب لإمام عصره الحافظ الذهبي لتعرف هذا النوع من العلوم الإسلامية فلم يشف هذا الكتاب أوامه؛ لأنه استروح فيه استرواحًا، تجل مرتبته عن مثله -يريد أنه تسامح في عرض بعض الكبائر بما قد يجرئ بعض العصاة، ولأنه أورد فيه أحاديث وحكايات لم يعز كلا منها إلى محله، مع عدم إمعان نظره في تتبع كلام الأئمة، وعدم تعويله على كلام من سبقه إلى تلك المسالك، فيقول: إن ذلك دعاه -مع ما تفاحش من ظهور الكبائر، وعدم أنفة الأكثر عنها في الباطن والظاهر- إلى الشروع في تأليف يتضمن ما قصده، ويتكفل ببيان جميع ما قدمه، ويكون في هذا الباب زاجرًا أي زجر، وواعظًا أي وعظ، ولهذا أسماه الزواجر عن اقتراف الكبائر. ثم ذكر في خطبة الكتاب أنه رتبة على مقدمة في تعريف الكبيرة، وما وقع للناس في تعريفها وفي عددها وما يتعلق بذلك، وبابين: الأول في الباطنة، والثاني في الظاهرة -كما قلنا- ثم أورد تلك المقدمة المعرفة للكبيرة، وأردفها ببيان تلك الكبائر التي أسلفنا عددها والتمثيل لها، ثم ذكر خاتمة في آخر الكتاب أورد فيها أربعة أمور: 1- ما جاء في فضائل التوبة ومتعلقاتها. 2- في ذكر الحشر والحساب والشفاعة وما إلى ذلك، وأورد فيه فصولًا: أحدها في الحشر وغيره، والثاني في الحساب وغيره، والثالث في الحوض والميزان والصراط، والرابع في الإذن في الشفاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 3- في ذكر النار وما يتعلق بها. 4- في الجنة ونعيمها. وفي الحق لقد جاء هذا الكتاب نفيسًا وافيًا، وقيمًا كافيًا، ما رأينا ولا سمعنا له بضريب في تحقيقه واستيعابه، وما فيه من صور الأمانة والدقة والإخلاص للعلم، لولا هنات يسيرة وقعت فيه، ترجع إلى تساهله -وهو أولى الناس بالتحقيق- في بيان مراتب كثير من الأحاديث التي أوردها مما يحتاج إلى ذلك، وإن كان قد نبه إلى مصادرها، والمراجع التي أخذها منها. وإنما قلنا: يترك بيان كثير من الأحاديث لأنه أحيانًا ينبه إلى ذلك ولا يغفله، فقد جاء في التعليق على الحديث الذي أوله: "كان صلى الله عليه وسلم بقباء وكان صائمًا1 ... " الحديث قوله: قال شيخ الإسلام الزين العراقي: قال الذهبي في الميزان: إنه خبر منكر، وكما جاء أيضًا في تعليقه على خبر أوله: "كان صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه في بيت يأكلون2 ... " إلى أن يقول: "فما مات هذا الرجل حتى كانت به زمانة" كذا في الإحياء، قال شيخ الإسلام الزين العراقي: لم أجد له أصلًا والموجود حديث أكله صلى الله عليه وسلم مع مجذوم. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال: غريب، وكتعليقه في نفس الصفحة على حديث: "أربع لا يعطيهن الله إلا لمن يحب ... " بقوله رواه الطبراني والحاكم بلفظ: "أربع لا يصبن إلا بعجب" وقال الحاكم: صحيح الإسناد، واعترض بأنه فيه من قال ابن حبان في حقه: إنه يروي الموضوعات ثم روى له هذا الحديث. وهذا مسلك واضح في بيان مرتبة الحديث عند أهل الشأن. ونستطيع أن نسجل أن المؤلف -في كتابه هذا- لا يلتزم حالًا واحدة في تقويم الأحاديث بل نراه كثيرًا يفرط بترك التقويم، وتارة يبالغ في أمره، وأحيانًا يتوسط، ولعل مما يبرر له ترك التقويم -أحيانًا- أنه يعتمد على كثرة ما يورده في الاستدلال، وأنه يعزو بعض ما يورده إلى ما ثبتت صحته من كتب السنة، كالصحيحين أو أحدهما، وصحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة، ولا سيما أنه بنى الكتاب على الاختصار الدقيق، حتى إنه كثيرًا ما يحذف الراوي، وكثيرًا ما يحذف اسم النبي صلى الله عليه وسلم اعتمادًا على أنه يروي أحاديث، وأنه يريد أن يفسح المجال لذلك الطوفان الذي قدمه للقراء من الأحاديث جهد طاقته، فجزاه الله خيرًا وتغمده برحمته ورضوانه.   1 الزواجر ج1 ص77. 2 الزواجر ج1 ص78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ولعله يكون من الخير أن نقف القارئ الكريم على أمثلة مما فعله المؤلف، ومن إسهاب في التخريج أو اقتصار فيه، ومن ذكر للتقويم أو إغفال له، ومن بيان لمن روى الحديث أو ترك لهذا البيان، فإن في ذلك تصويرًا للكتاب، وإيضاحًا لمنهجه ومسلك المؤلف فيه: 1- فمما اقتصر فيه ولم يورد إلا راويًا واحدًا وأتبعه بسيل من الأحاديث لا يدري القارئ أهو من رواية الراوي الذي ذكره، أو هو من رواية غيره، ولم يخرج منها إلا حديثًا واحدًا -على ما يبدو- وأغفل تقويمها جميعًا، ذلك الذي أورده في "خاتمة" في ذكر شيء من فضائل كظم الغيظ والعفو والصفح والحلم والرحمة والحب في الله تعالى قال: قال1 ابن مسعود: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء وقد ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعملون"، "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". ومسلم: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". قاله لأشج عبد القيس كما يأتي: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه"، "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه"، "من يحرم الرفق يحرم الخير كله"، "إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"، "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بيده قط ولا امراة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله عز وجل فينتقم لله عز وجل". 2- ومما اعتدل في تخريجه وتقويمه، ولم يذكر في بعضها رواته ما أورده في قوله: وقال صلى الله عليه وسلم2: "يخرج من النار عقرب له أذنان تسمعان ... " الحديث، قال في آخره رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وكذلك قوله:3 وفي أخرى صحيحة أيضًا: "احذروا بيتًا يقال له الحمام" فقالوا: يا رسول الله يذهب الدرن -أي الوسغ- وينفع المريض، قال: "فمن دخله فليستتر". زاد الطبراني في أولهما: "شر البيوت الحمام ترفع فيه الأصوات، وتكشف فيه العورات". وفي صحيحة أيضًا: إن نساء من حمص أو الشام دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي تدخلن نساءكم الحمام؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها"، وفي رواية لأحمد والبزار والطبراني: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ... " الحديث، وفي أخرى في سندها ابن لهيعة: إن عائشة رضي الله عنها سألته صلى الله عليه وسلم عن الحمام فقال: "إنه سيكون بعدي حمامات، ولا خير في الحمامات للنساء"، فقالت: يا رسول الله إنها تدخله بإزار فقال: "لا وإن دخلته بإزار ودرع وخمار، وما من امرأة تنزع خمارها في غير بيت زوجها إلا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها".   1 الزواجر ج1 ص65. 2 الزواجر ج1 ص70. 3 الزواجر ج1 ص129 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وإن من بين ما أوردناه هنا من الأمثلة ما لم يذكر له تخريجًا، ومن بينه ما لم يبين درجته اعتمادًا على وروده في الصحاح، ومن بينه ما ذكر في سنده راويا بعينه معروفًا بضعفه ليستغنى به عن ذكر درجة الحديث. 3- ومما خرجه ولم يقومه ما ذكره في القدر من أحاديث عزاها إلى أصولها، واكتفى بذلك عن تقويمها حيث قال1: وورد في القدر أحاديث كثيرة غير ما مر، أحببت ذكر أكثرها لعظم فائدتها وعموم عائدتها. منها: أخرج ابن عدي: "من كذب بالقدر فقد كفر بما جئت به". وأبو يعلى: "من لم يؤمن القدر خيره وشره فأنا منه بريء". وأحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع ... " الحديث، والطبراني في الأوسط: "من لم يرض بقضاء الله، ويؤمن بقدر الله فليلتمسن إلهًا غير الله" والحاكم: "لا يغني حذر عن قدر". والبيهقي: قال الله تعالى: "من لم يرض بقضائي وقدري فيلتمس ربًّا غيري" والحاكم وابن عدي والطبراني: "خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنًا". إلى آخر ما أورده من أحاديث في القدر. وكذلك ما أورده في خاتمة في بعض أحاديث منها على أمور مهمة تتعلق بالقرآن2، فقد ذكر الأصول التي وردت هذه الأحاديث فيها، ولم يقوّم من هذه الأحاديث رغم كثرتها إلا حديثًا واحدًا قال فيه: والبيهقي وضعفه عن أبي بن كعب. 4- وأحيانًا نرى المؤلف يعنى بتقويم الأحاديث، فيبين درجتها، وينص على رتبتها، ومع بيان تخريجها في بعض الأحيان، وذلك كما ورد في بعض الأحاديث حيث قال3: وابن شاهين وقال: غريب، وابن عساكر: "كان في بني إسرائيل جدي ترضعه أمه ... " وساق الحديث، ثم قال: والترمذي وابن سعد والحاكم وصححه لكن تعقب: "يا عائشة إذا أردت اللحوق بي فلكيفك من الدنيا كزاد الراكب ... " الحديث، ثم قال: والترمذي وحسنه النسائي والدارقطني عن أبي هريرة وأحمد والطبراني عن ابن عباس وابن عساكر عن ثوبان: "إن الدين النصيحة ... " الحديث. وكما أورد في الكبيرة الأربعين حين قال4: وأخرج الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ... " الحديث، وقال بعد ذلك: وعن أنس بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك ... " الحديث، وفي الكبيرة الثالثة والأربعين5 قوم بعض الأحاديث التي أوردها، فقال في أحدها: والترمذي وقال: حديث غريب وابن أبي الدنيا والحاكم شاهدًا والبيهقي، وقال في آخر: وابن ماجه   1 الزواجر ج1 ص 103. 2 الزواجر ج1 ص123. 3 الزواجر ج1 ص83. 4 الزواجر ج1 ص89. 5 الزواجر ج1 ص91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وحبان في صحيحه، والبيهقي بسند فيه من احتج به الشيخان، وغيرهما ولا التفات لمن شذ فيه، وقال في ثالث: وصح بسند فيه انقطاع، وقال في رابع: وابن ماجه بسند رواته ثقات. 5- وإن المؤلف في بعض أحيانه، وفي ختام دراسته لبعض الكبائر وما يورده بشأنها من أحاديث يذكر خاتمة يقول عنها: إنها في سرد أحاديث صحيحة وحسنة، وذلك مثل ما فعله في ثواب المتحابين في الله تعالى1، وفي فضل الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم2. هذا ما سنح لنا من عرض لعمل المؤلف في الكتاب، بالنسبة لما يورده فيه من أحاديث. وأما طريقة عرضه للزواجر والاستدلال لها، فإنه -بعد أن يذكر عنوان الكبيرة- كثيرًا ما يورد آيات من القرآن الكريم للاستدلال على أنها كبيرة، ثم يورد طائفة كثيرة من الأحاديث النبوية تدل على مبلغ إحاطته العظيمة بالسنة، ثم يورد بعدها بعض التنبيهات المتعلقة بتلك الكبيرة، فهو بعد كبيرة الشرك -مثلًا- يذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعه في الناس وعلى ألسنة العامة، ويشبعه أيضًا بأدلة من الكتاب والسنة النبوية في تنبيه، ثم يبين أن الشرك لا يغفره الله، ويدفع التعارض بين بعض الأدلة وبعض في هذا المقام في تنبيه آخر، ويذكر حكم من نطق بكلمة الردة ويزعم أنه أضمر التورية في تنبيه ثالث، ويذكر أنه لا يحصل الإسلام من كافر أصلي أو مرتد إلا بنطقه بالشهادتين في تنبيه رابع، ويذكر مذهب أهل الحق في الإيمان عند الغرغرة أو عند معاينة العذاب بالاستئصال في تنبيه آخر، ويذكر ما دلت عليه الآيات والأحاديث من أن عذاب الكفار في جهنم دائم في تنبيه آخر، فإذا انتقل إلى كبيرة الشرك الأصغر -وهو الرياء- ذكر أدلته من الكتاب والسنة التي تتجاوز أحاديثها مائة حديث، ويضيف إلى هذه الأدلة الإجماع، ثم يعقب على ذلك بتنبيهات: منها تنبيه في حقيقة الرياء وحده، وكونه تارة يكون بالفعل وتارة يكون بالقول، وتنبيه في أن الرياء حيث أطلق على لسان الشرع فالمراد به المذموم، وما يترتب عليه من بطلان العبادة، وقد يطلق الرياء على أمر مباح شرعًا نحو الجاه والتوقير كالتزين باللباس والنظافة وما إلى ذلك ويستدل عليه، وتنبيه في تحرير اختلاف العلماء في إحباط العمل كلًّا أو بعضًا، وتنبيه في تقسيم الرياء إلى درجات متفاوتة في القبح، وتنبيه إلى ما ورد في الخبر: "أن من الرياء ما هو أخفى من دبيب النمل" وما يتصل بذلك وتنبيه في طريق معالجة الرياء ومغالبته حتى يحصل الإخلاص، ثم يختم هذا الموضوع بخاتمة في الإخلاص والترغيب فيه، ويسوق ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة. فإذا انتقل إلى الكبيرة الثالثة، وأورد ما يدل عليها من الكتاب والسنة، من الأدلة التي تبلغ العجب كثرة فإنه ينتقل إلى تنبيهات تتعلق بقوة الغضب ومحلها، والحكمة من استعمالها، ومناقشة ما يقال من أن الرياضة تزيل قوة الغضب وما يتصل بذلك. ثم يلحق به كبيرة الحقد والحسد، ويبين مراتب كل وطريق علاجه، ويتبع ذلك بخاتمة في فضائل كظم الغيظ والعفو والصفح والحلم والرحمة، ويورد عددًا جمًّا من الأحاديث النبوية الكريمة في ذلك   1 الزواجر ج1 ص110. 2 الزواجر ج1 ص116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 هذا هو مسلكه المطرد من الكبائر الباطنة. وإنه لا يخرج عن مسلكه هذه في الكبائر الظاهرة التي رتبها على أبواب الفقه، فهو -مثلًا- يبدأ بذكر كبيرة الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، ويذكر ما يدل على ذلك من السنة النبوية، ثم يتبعه بتنبيهات، أحدها بيان الاختلاف في أنه كبيرة أو صغيرة، والثاني بيان ما ألحق بالأكل والشرب من وجوه الاستعمال، والثالث بيان أنه لا فرق في تحريم ذلك بين الرجال والنساء، بالأكل والشرب من وجوه الاستعمال، والثالث بيان أنه لا فرق في تحريم ذلك بين الرجال والنساء، ثم ينتقل إلى كبائر الأحداث، فيذكر نسيان القرآن أو آية منه فيستدل على ذلك، ثم يذكر تنبيهات: منها ما يبين به الخلاف في كونه كبيرة، ومنها ما يفسر به بعض ألفاظ الحديث، فيبين المراد بالأجذم في عقاب من ينسى القرآن ومنها ما قيد به بعض الفقهاء محل اعتبار ذلك كبيرة، ومنها بيان ما يقال في حكم حفظ جميع القرآن، ثم ينتقل إلى جريمة الجدال والمراء في القرآن فيستدل لها بعدة أحاديث، ثم يذكر تنبيهًا يبين فيه أنه لم يسبق إلى عد هذا النوع كبيرة، ولكن الأدلة تدل عليه ويفصل ذلك، ثم يذكر خاتمة في بضع أحاديث تنبه إلى أمور مهمة تتعلق بالقرآن، وهذا مسلكه في أمور العبادات. وهو أيضًا في المعاملات لا يختلف عن ذلك، فهو -مثلًا- يذكر من الكبائر إضاعة عياله كأولاده الصغار، ويستدل لها ببعض الأحاديث، ولكنه يستطرد بعد ذلك بإيراد تنبيه في أن ذكرها في الكبائر ظاهر لما يدل عليه، ولأنه من أقبح الظلم، ثم يذكر فائدة في ذكر ما ورد من الحث على الإحسان إلى الزوجة والعيال -ولا سيما البنات- ويذكر عددًا عديدًا من الأحاديث دليلًا على ذلك، ثم يذكر حقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا فيستدل له من الكتاب والسنة بما فوق المائة الدليل، ويتبع ذلك بتنبيه في كون العقوق من الكبائر مما اتفقوا عليه، ونقول عن العلماء في ذلك، ثم يتبع هذا كله بأحاديث في بر الوالدين وصلتهما، وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما، وبر أصدقائهما من بعدهما. ولعلنا بهذه الدراسة الموجزة، وبعد ما أوردناه من أمثلة تبين مسلك المؤلف بذكر الآيات والأحاديث والآثار، بل والإجماع -أحيانًا- فيما يذكره من الكبائر، والاستطراد -أحيانًا أخرى- بذكر ما يقابل تلك الكبائر من الفضائل ترغيبًا فيها وحثًّا عليها، مستشهدًا لذلك ومستدلًّا عليه، وما أورده من خاتمة قيمة هي جديرة أن تصلح شأن من انتفع بها، واهتدى بهدايتها لعلنا بذلك نكون قد قضينا بعض الحق بالتوجيه إلى ذلك الكتاب العظيم، والتنبيه إلى فضله وغزارة ما فيه من أحاديث، حتى لنستطيع أن نحكم بأنه كنز من كنوز العلم، وفيض من التراث الإسلامي لا نظير له في منهجه وبابه، ونسأل الله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية: للشيخ محمد عبد الرءوف المناوي الحدادي القاهري المتوفى سنة 1031هـ: تمهيد: الحديث القدسي: هو الحديث الذي يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل بقوله: قال الله عز وجل، أو يقول الله تعالى، أو نحو ذلك، ولكون الحديث القدسي من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل فإنه يندمج في الأحاديث النبوية ويذكر بينها في جميع كتب السنة، إلا أن بعض المؤلفين خص هذا النوع بالتأليف منفردًا لعلو مرتبته من حيث إضافته إلى الله عز وجل وإن كان في درجته يخضع لقواعد التحديث وأصوله من حيث الصحة والحسن، وربما اتصف بالوضع إذا كان في رواته من يبرر الحكم عليه بذلك، أو كان مما أضيف إلى الله عز وجل من غير سند كما يقع في بعض المؤلفات من كتب الوعظ التي لا يهم أصحابها التدقيق في تخريج الأحاديث لتقويمها، بقدر ما يهمهم أن يروجوا للموضوع الذي يستشهدون له ترغيبًا أو ترهيبًا. وإنما اهتم بعض المؤلفين بالكتابة في هذه الأحاديث على حدة لأن في نسبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأحاديث إلى الله عز وجل ما يرفع مستواها، مما يجعل النفوس المؤمنة تتقبلها بقبول حسن، ويهتز الشعور الطيب لها فيقبل على العمل بما تدعو إليه. والأحاديث القدسية في هذا الكتيب وفي غيره تدور حول الترغيب في فضائل الأعمال والترهيب من رذائلها، ولهذا يحشد فيها كثير من الأحاديث الضعيفة والمنكرة كما لمسنا ذلك في تنبيه أحد المصنفين، وهو الشيخ محمد المدني المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف، فإنه ألف كتابًا في الأحاديث القدسية، وأورد فيه عددًا من الأحاديث أكثر مما عرف فيما ألف من الكتب في هذا الباب، فإن أحاديثه القدسية بلغت أربعًا وستين وثمانمائة، وهي تربو على أضعاف ما في هذا الكتاب الذي لا تتجاوزو أحاديثه اثنين وسبعين ومائتين من الأحاديث القدسية، كما أُحصي ذلك بالأرقام في طبعة الشيخ منير الدمشقي. وقد تناول المحدثون التفرقة بين الحديث النبوي والقرآن وبينه وبين الحديث القدسي، فأوردوا أن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصر سورة منه، وهذان القيدان: التعبد بالتلاوة والتحدي، يخرج كل منهما الحديث القدسي عن دائرة القرآن، وهذا إذا اعتبرنا أن الأحاديث القدسية منزلة بلفظها على النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول بعض المحدثين، ثم يعتبرونه فرقًا بين الحديث القدسي والحديث النبوي، وأما إذا قلنا: إن المعنى في الأحاديث القدسية من عند الله عز وجل واللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فإن الأحاديث القدسية تكون بهذا خارجة عن القرآن من أول التعريف؛ لأنها ليست من كلام الله بهذا الاعتبار. والحق أن الأحديث القدسية معناها من الله تعالى ولفظها من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تختلف بهذا الاعتبار عن الأحاديث النبوية، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين يضيفها إلى الله عز وجل إنما يفعل ذلك في أمر يريد أن ينبه إليه النفوس ويوقظها اعتناء بشأنه، كما يتجلى ذلك في أغراض الأحاديث القدسية ومعانيها التي تدور حولها. وقد فرق بعضهم1 بين الحديث القدسي والقرآن بفروق: منها أن نزول القرآن لا يكون إلا بواسطة الروح الأمين ويكون مقيدًا باللفظ المنزل من اللوح المحفوظ، ثم يكون نقله متواترًا قطعيًّا، ومنها عدم صحة الصلاة بالأحاديث القدسية، وعدم حرمة لمسها وقراءتها للجنب والحائض، وعدم تعلق الإعجاز بها، وعدم كفر جاحدها، ونقل عن كل من الكرماني -شارح البخاري- والطيبي وابن حجر ما يؤيد هذه الفروق. ويرجع مبدأ التأليف في هذا النوع -فيما انتهت إليه دراستنا- إلى القرن السابع الهجري الذي نشأ فيه محيي الدين بن عربي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة للهجرة2 فقد ذكر في بعض تراجمه أنه جمع في الأحاديث القدسية مائة حديث وواحدًا3، وسماه مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار، ثم تبعه الشيخ الإمام ملا علي القارئ المتوفى سنة أربع عشرة وألف للهجرة، وقد نقل الزركلي أنه ألف أربعين حديثًا مخطوطة في الأحاديث القدسية4. ثم جاء من بعده الشيخ عبد الرءوف المناوي5 المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف -على ما ذكره صاحب الرسالة المستطرفة وذكر أنه الصواب في تاريخ وفاته- فألف في الأحاديث القدسية كتابًا سماه الإتحافات السنية، أورد فيه ما وقف عليه منها، مرتبًا إياه على حروف المعجم في مجلد لطيف، لكن بغير إسناد، ثم جاء من بعده الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف، فجمع في الأحاديث القدسية كتابًا لم يذكر عدد أحاديثه، ولكنه يذكر في ترجمة الشيخ النابلسي دون بيان لاسم كتابه هذا أو عدد أحاديثه، ثم جاء من بعد ذلك عالم جليل هو الشيخ محمد المدني من فقهاء الحنفية المتوفى سنة مائتين وألف للهجرة، فألف كتابًا سماه باسم كتابنا هذا -الإتحافات السنية- حشد فيه أكثر ما وصل إليه علمنا من المؤلفات حيث جمع ما بلغ به أربعا وستين وثمانمائة حديث قدسي، وقال في آخره: هذا قصارى ما وجدته من الأحاديث القدسية بالتتبع، والاستقراء يقتضي أكثر من هذا، وبين أن غالبها مأخوذ من جميع الجوامع للسيوطي، ومن غيره قليلًا كما هو مبين في غزو الأحاديث إلى مآخذها.   1 الإتحافات السنية للشيخ محمد المدني ص302 طبع مكتبة الكليات سنة 1970م. 2 شذرات الذهب ج5 ص190. 3 الرسالة المستطرفة ص61. 4 من مقدمة الإتحافات السنية ص8. 5 الرسالة المستطرفة ص61 و138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وقد عني المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة -بما له من الأهمية والاهتمامات في عصرنا الحاضر- بهذا النوع من الأحاديث، فشكل لجنة لجمعه من مظانه المختلفة من الجوامع والمسانيد، وأبرزت منه جزأين يشتملان على مجموعة كبيرة من الأحاديث القدسية وشرحها، ويبدو أنه خير ما وقفنا عليه ترتيبًا وتنقيحًا وتهذيبًا وتخريجًا، وهي على نظام الجوامع كالبخاري ومسلم، وأحاديثها أقرب إلى القبور لتخير تلك اللجنة لها من أمهات الكتب الحديثية ومشاهيرها. وبعد هذا يسعنا أن نتناول هذا الكتاب بالدراسة؛ إذ إنه يدخل ضمن عصور كتابنا، وتسري عليه أوصاف تلك العصور. كتاب الإتحافات السنية للمناوي: قضت ظروف البحث أن تدرس هذا الكتاب لأنه -كما ذكرنا- أقرب الكتب لمحدث مصري إلى عصورنا التي نتناولها بالدراسة، وعذرنا واضح في وقوع الاختيار على هذا الكتاب لأنه ليس لدينا من الكتب المؤلفة لمصريين في هذا الموضوع من الأحاديث القدسية غيره، وقد يؤيد عذرنا في ذلك أن الفوارق الدقيقة بين العصور ليست مما يظهر له أثر في اختلاف الصفات والمميزات، فإن المؤلف وقد توفي في بداية القرن الحادي عشر ليس بغريب أن يكون قد ألف كتابه هذا في أواخر القرن العاشر، وهو من عصور دراستنا، فقد نقل ناشر الكتاب الشيخ محمد منير الدمشقي أنه وجد في خطبة هذه الرسالة: لمحمد المدعو "تاج الدين المناوي"، وفي طرة الرسالة: جمع الفقير الحقير الراجي فضل ربه القدير محمد المدعو تاج الدين المناوي الحدادي، وفي فهرس دار الكتب المصرية: محمد تاج الدين محمد بن علي بن زين العابدين، وفي كشف الظنون هو الشيخ محمد المعروف بعبد الرءوف المناوي الحدادي ... وأوله "الحمد لله الذي نزل أهل الحديث أعلى منازل الشرف"، وقد وجد الشيخ فرصة لاختيار رأي بين هذه الخلافات فقال: والصواب على ما يظهر من ترجمة الحافظ عبد الرءوف بن تاج العارفين علي بن زين العابدين أنه لعبد الرءوف، إلا أنه لم يكمله، بل تركه مسودة، فجاء ولده تاج الدين وأكمله وبيضه ونسبه إلى نفسه؛ لأن والده عجز في آخر عمره -بسبب الأمراض- عن تكميل كثير من مؤلفاته كما جاء في كتاب خلاصة الأثر، فكان ولده محمد تاج الدين يستملي منه التآليف ويسطرها، لذلك نسب محمد تاج الدين الرسالة لنفسه في خطبتها، قال الناشر: وهذا ما اهتديت إليه بعد البحث العميق1. والكتاب يقع في أربعة وستين صفحة من الحجم الصغير، وأحاديثه كلها دائرة حول الترغيب والترهيب، وهي مرتبة على حروف المعجم، وقد التزم المصنف أن يعزو كل حديث إلى مأخذه، فهو يأخذ من الطبراني في الأوسط، ومن الترمذي، ومن البيهقي، ومن مسلم، ومن أبي نعيم،   1 الإتحافات السنية ص3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ومن أحمد، ومن أبي يعلى، ومن ابن عدي، ومن الحكيم، وينسب إلى المعاجم الثلاثة أجيانًا، ويأخذ عن البخاري وابن عوانة، وعن حميد بن زنجويه، وعن ابن عساكر، وعن القضاعي والديلمي، كما يأخذ عن النسائي وابن حبان، وتارة يعزو الحديث إلى الشيخين، ويأخذ عن ابن ماجه وابن جرير، وعن الحاكم والبزار، والشيرازي وابن النجار، والخرائطي والخطيب وابن الشيخ، كما يروى عن سمويه والبغوي وعبد بن حميد، وعن ابن أبي الدنيا وابن شاهين وعن الطبراني في الكبير، وعن ابن السني والرافعي والعقيلي، وعن تمام والخليلي وأبي نصر العجلي وعن ابن عبد البر معلقًا، وعن أبي موسى المديني والضياء، ولم يخرج في أخذه وروايته عن هؤلاء. وكثير من هذه المراجع التي أخذ عنها الشيخ المناوي هذه المختارات الحديثية كنوز مختفية لا يظفر بمثلها المجتمع الإسلامي، لبعد العهد بها، وقلة تداولها لعدم الاهتمام بطبعها، ولكن هذا الكتاب ينقصه أن مؤلفه -رحمه الله- لم يعن بتقويم أحاديثه وبيان مراتبها، ولا سيما ما أخذ منها من غير المشاهير وهي كتب يعز الاطلاع عليها، ومحاولة تعرف السليم من السقيم منها، وكان من شأن هذا الإمام المؤلف أن يبين ذلك، وأن يكفي القارئ مؤنة تتبعها، وبذلك يستكمل الوصف الذي رأيناه في الترغيب والترهيب للعلامة المنذري، وقد كان هو أحق بالعناية بهذه الناحية في كتابه، لا سيما وأن أحاديثه قليلة، وأنه أضاف كثيرًا منها إلى كتب نص علماء الحديث على أنها من مظان الأحاديث الضعيفة كمسند الفردوس للديملي الذي قيل فيه: إنه يروي عددًا من الموضوعات. وقد رأينا مؤلف كتابنا هذا -عبد الرءوف المناوي- يسلك مسلكًا دقيقًا عجيبًا في شرحه للجامع الصغير -كما سنبين ذلك بإذن الله في كتب الشروح- على كثرة ما في الجامع الصغير من الأحاديث، رأيناه يناقش الإمام السيوطي بالحجة في درجات بعض الأحاديث، ويؤيد رأيه بنقول يرويها عن العلماء، فلعل إهماله في رعاية هذه الناحية في هذا الكتيب مما يؤكد القول بأنه -رحمه الله- توفي قبل أن يبيضه فتولى أمره ولده الذي لم يبلغ مبلغ أبيه في مقدرته العلمية، ومكانته الحديثية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الفصل الثالث: كتب الجوامع مدخل ... الفصل الثالث: كتب الجوامع: تمهيد: الذي رأيناه في الاصطلاحات القديمة للمحدثين أن كلمة الجامع تطلق على نمط من كتب الحديث وهو ما يشتمل على أبواب الدين الثمانية: وهي العقائد والأحكام والرقاق والآداب والتفسير والشمائل والفتن والمناقب، ومن هذه الجوامع جامع البخاري "صحيح البخاري" وجامع الترمذي "صحيح الترمذي". وقد ظل هذا الاصطلاح قائمًا حتى ظهرت الجوامع بمعنى ما يجمع تلك الأبواب كلها، ولكنه مرتب على الحروف الهجائية، وأول ما أدركناه من ذلك جوامع السيوطي وهي: الجامع الكبير والجامع الصغير، وزيادات الجامع الصغير. وقد أوضح صاحب كشف الظنون بيان الجامعين للسنة وطريقة جمعهم لها فقال بعد كلام طويل عن كتب السنة وتدوينها على أيدي المتقدمين1: فمن هؤلاء المتأخرين من جمع بين كتب الأولين بنوع من التصرف والاختصار، كمن جمع بين كتابي البخاري ومسلم، مثل أبي بكر أحمد بن محمد الوقاني، وأبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، وأبي عبد الله محمد الحميدي، فإنهم رتبوا على المسانيد دون الأبواب كما سبق ذكره، وتلاهم أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري، فجمع بين كتب البخاري ومسلم والموطأ لمالك وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي ورتب على الأبواب، إلا أن هؤلاء أودعوا متون الحديث عارية من الشرح، وكان كتاب رزين أكبرها وأعمها، حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أهم كتب الحديث وأشهرها، وبأحاديثها أخذ العلماء واستدل الفقهاء وأثبتوا الأحكام، ومصنفوها أشهر علماء الحديث وأكثرهم حفظًا، وإليهم المنتهى، وتلاهم أبو السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة 606هـ فجمع بين كتاب رزين وبين الأصول الستة -بتهذيبه وترتيب أبوابه وتسهيل مطلبه وشرح غريبه- في جامع الأصول، فكان أجمع ما جمع فيه. ويحسن هنا أن ننقل عن صاحب الرسالة المستطرفة2 وهو يتحدث عن المؤلفين لكتب الجوامع ما ملخصه: إن من بين الجامعين لكتب السنة أبا عبد الله محمد بن عتيق بن علي التجيبي الغرناطي المتوفى في حدود سنة ست وأربعين وستمائة في كتابه أنوار المصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح، كما ألف بعضهم جامع الجوامع السبعة: أعني الصحيحين والسنن الأربعة وسنن الدارمي، والجمع بين الأصول الستة ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى والمعجم الكبير وربما زيد عليها من غيرها وهو للمسند الكبير الحافظ عماد الدين أبي الفدا إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير المتوفى سنة أربع   1 كشف الظنون ج1 ص639. 2 الرسالة المستطرفة ص131 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وسبعين وسبعمائة وسماه جامع المسانيد1 والسنن الهادي لأقوم سنن، رتبة على حروف المعجم، يذكر كل صحابي له رواية، ثم يورد في ترجمته جميع ما وقع له في هذه الكتب وما تيسر من غيرها وأبي الفرج بن الجوزي أيضًا كتاب جامع المسانيد بألخص الأسانيد، جمع فيه بين الصحيحين والترمذي ومسند أحمد، ورتبه أيضًا على المسانيد في سبع مجلدات. ثم جاء الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي فجمع بين الكتب الستة والمسانيد العشرة وغيرها في جمع الجوامع، فكان أعظم بكثير من جامع الأصول من جهة المتون، إلا أنه لم يبال بما صنع فيه من جمع الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة. وكان أول ما بدأ به هؤلاء المتأخرون أنهم حذفوا الأسانيد اكتفاء بذكر من روى الحديث من الصحابي إن كان خبرًا، وبذكر من يرويه عن الصحابي إن كان أثرًا، وذلك مع الرموز إلى المخرج؛ لأن الغرض من ذكر الأسانيد كان أولًا لإثبات الحديث وتصحيحه، وهذه كانت وظيفة الأولين وقد كفوا تلك المؤنة، فلا حاجة إلى ذكر ما فرغوا منه ... إلى آخر ما قال. ومن هذا يتبين أن أول من جمع بين كتب الحديث على ترتيب الحروف الهجاية دون المسانيد هو الإمام السيوطي في كتابه الجامع الكبير أو جمع الجوامع، وأنه بعمله هذا قد جمع بين كتب يعز وجود بعضها ويندر الحصول عليه، وأنه بهذا الجهد المشكور قد قرب السنة إلى المسلمين، ويسرها لهم في كتاب واحد هو الجامع الكبير، ثم اختصره في كتاب الجامع الصغير، ثم جمع الشيخ يوسف النبهاني زيادات للجامع الصغير ضمها إليه ومزجها به في كتاب سماه الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير. فلنبدأ -بعون الله- في دراسة هذين الجامعين، والله الموفق، ومنه التأييد والمدد والعون.   1 ذكره صاحب كشف الظنون أيضًا باسم جامع المسانيد ج1 ص573. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الجامع الكبير أو جمع الجوامع : للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: وهذا الكتاب قصد فيه مؤلفه جمع السنة باستيعاب، وإن لم يتسن له ذلك؛ لأن المنية اخترمته دون أن يتمه، نقل النبهاني في مقدمة كتابه الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير 1 عن الشيخ عبد القادر الشاذلي تلميذ المصنف في ديباجة كتابه "حلاوة المجامع": أنه سمع السيوطي رحمه الله يقول: أكثر ما يوجد على وجه الأرض من الأحاديث النبوية القولية والفعلية مائتا ألف حديث ونيف، فجمع المصنف منها مائة ألف حديث في هذا الكتاب -يعني الجامع الكبير- واخترمته المنية ولم يكمله، ووقع فيه تقديم وتأخير، سببه تقليب وقع في ورق المصنف، ثم قال: فراغ في الترتيب الحرف، فما بعده يستقم لك التعقيب في كل ما تجده مخالفًا. فهذا الكتاب إذًا سفر ضخم جليل القدر، يجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من كتب السنة، مع امتيازه بتقدير المؤلف لكل حديث، وبيان درجته بما بينه من اصطلاحات في التخريج -سنوردها- وإن أضخم عدد نقل إلينا في مؤلف حديثي من كتب السنة هو أربعون ألفًا، أو ثلاثون -بعد حذف المكرر- على اختلاف النقلين عن عدد أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل، والسيوطي -رحمه الله- لحرصه على أن يجمع كل ما تصل إليه يده من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قسم الأحاديث التي أوردها إلى قسمين: قسم الأقوال، وهو مرتب على حسب حروف المعجم، وقسم الأفعال، وهو مرتب على حسب مسانيد الرواة على معنى أنه في هذا القسم الأخير روى أحاديث كل راو من الصحابة لها على حدة. وإذا كان بعض الناس طعن في هذا الكتاب بأنه لم يسلم من الأحاديث الضعيفة والمتكلم فيها، فإن ذلك المعنى لم يسلم منه كتاب من كتب السنة إلا الصحيحان والكتب التي التزم أصحابها رواية الأحاديث الصحيحة، وهي: صحيحا ابن حبان وابن خزيمة، ومستدرك الحاكم على ما فيه من تساهل كبير، والمختارة للضياء المقدسي، وصحيح أبي عوانة، ومنتقى ابن الجارود، وصحيح ابن السكن، وموطأ مالك، والمستخرجات. على أن بعض هذه الكتب لم يسلم من النقد أيضًا في بعض ما رواه من الأحاديث الضعيفة وإن كان قليلًا. وإذا كان السيوطي رحمه الله لم يفته أن ينبه إلى درجة كل حديث مما أورده في كتابه بعد أن يعزوه إلى أصله الذي نقل منه هذا الحديث -حتى يتيسر للقارئ مراجعته في أصول كتب   1 ج1 ص6 الفتح الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 السنة- فإن ذلك جدير أن يطمئن الدارسين إلى هذا الكتاب لا يقل درجة عن غيره من كتب السنة التي تبين اصطلاحاتها المختلفة درجات ما تورده من الأحاديث، وهي كتب نقلتها الأمة بالقبول، وعولت عليها في نقل السنة، والاحتجاج بها في مختلف شئون الدين. وقد تكلم صاحب كشف الظنون عن هذا الجامع1 فقال: إنه كتاب كبير، أوله: سبحان مبدئ الكواكب اللوامع ... إلى آخره، وذكر فيه أنه قصد استيعاب الأحاديث النبوية، وقسمه قسمين: الأول: ساق فيه لفظ الحديث بنصفه، يذكر فيه من خرجه ومن رواه من واحد إلى عشرة أو أكثر، ويعرف فيه حال الحديث من الصحة والحسن والضعف، مرتبًا ترتيب اللغة على حروف المعجم. والثاني: الأحاديث الفعلية المحضة، أو المشتملة على قول وفعل، أو سبب ومراجعة. ونحو ذلك، مرتبًا على مسانيد الصحابة، قدم العشرة ثم بدأ بالباقي على حروف المعجم في الأسماء، ثم بالكنى كذلك، ثم بالمبهمات، ثم بالنساء، ثم بالمراسيل، وطالع لأجله كتبًا كثيرة. وفي الرسالة المستطرفة للسيد محمد جعفر الكتاني إيراد للجوامع الثلاثة للسيوطي وبيان لأمرها يقول فيه: الجامع الصغير -على ما قيل- عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثًا في مجلد وسط، وذيله بزيادة الجامع وهي قريب من حجمه، والكبير وهو المسمى بجمع الجوامع، قصد فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها، والمشاهدة تمنع ذلك، مع أنه توفي قبل إكماله، وهي مرتبة على الحروف عدا القسم الثاني منه وهو قسم الأفعال فإنه مرتب على المسانيد ذاكرًا عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة، واسم الصحابي الذي خرج عنه. وقال الشيخ محمد عبد الحي الكتاني -وهو يتحدث عن كتب السيوطي- إن من أهمها وأعظمها وهو من أكبر مننه على المسلمين كتابه الجامع الصغير، وأكبر منه وأسمع وأعظم الجامع الكبير، جمع فيه عدة آلاف من الأحاديث النبوية مرتبة على حروف المعجم. ويلاحظ على هذه العبارة أنها تخلو من الدقة، ولو أرادها لعبر بتعبير صاحب الرسالة المستطرفة الذي حاول تحديد كل من الكتابين تحديدًا يقرب تصويره للقارئ، على أن قوله: مرتبًا على حروف المعجم غير صحيح؛ لأنه لا يشمل الأفعال الذي رتبه المؤلف على المسانيد. ثم نقل الحافظ التيجاني عن الشيخ صالح المقبلي في كتابه العلم الشامخ -بعد أن استغرب لعدم تصدي أحد لجمع الأحاديث النبوية على الوجه المقرب- قال: لعلها مكرمة أدخرها الله لبعض المتأخرين، وإذ الله قد أكرم بذلك وأهل له من لم يكد يرى مثله في ذلك: الإمام السيوطي في كتابه الجامع الكبير.   1 كشف الظنون ج1 ص597 ونقلها الحافظ التيجاني في مقدمته لجمع الجوامع الذي تخرجه الآن لجنة السنة بجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ومن أراد التعرف الدقيق على هذا الكتاب ومنهجه، فإن ذلك بين من مقدمة الإمام السيوطي له؛ إذ يقول فيها بعد الديباجة1: هذا كتاب شريف حافل، ولباب منيف رافل، بجمع الأحاديث النبوية كافل، قصدت فيه إلى استيعاب الأحاديث النبوية، وأرصدته مفتاحًا لأبواب المسانيد العلية، وقسمته قسمين: الأول: أسوق فيه لفظ المصطفى بنصه، وأطوق كل خاتم منه بفصه، وأتبع متن الحديث بذكر من خرجه من الأئمة أصحاب الكتب المعتبرة، ومن رواه من الصحابة رضوان الله عليهم واحدًا إلى عشرة أو أكثر من عشرة، سالكًا طريقه يعرف منها صحة الحديث وحسنه وضعفه، مرتبًا ترتيب اللغة على حروف المعجم، مراعيا أول الكلمة فما بعده، ورمزت للبخاري "خ" ولمسلم "م" ولابن حبان "حب" وللحاكم في المستدرك "ك" وللضياء المقدسي في المختارة "ض". ثم قال: وجميع ما في هذه الخمسة صحيح، فالعزو إليها معلم بالصحة، سوى ما في المستدرك من المتعقب فأنبه عليه، وكذا ما في الموطأ، وصحيح ابن خزيمة، وأبي عوانة، وابن السكن والمنتقى لابن الجارود، والمستخرجات، فالعزو إليها معلم بالصحة أيضًا. ورمزت لأبي داود "د" فما سكت عليه فهو صالح، وما بين ضعفه نقلته عنه، وللترمذي "ت" وأنقل كلامه على الحديث، وللنسائي "ن" ولابن ماجه "هـ" ولأبي داود الطيالسي "ط" ولأحمد "حم" ولزيادات ابنه عبد الله "عم" ولعبد الرزاق "عبد" ولسعيد بن منصور "ص" ولابن أبي شيبة "ش" ولأبي يعلى "ع" وللطبراني في الكبير "طب" وفي الأوسط "طس" وفي الصغير "طص" وللدارقطني "قط" فإن كان في المسند أطلقته، وإلا بينته، وله2 في شعب الإيمان "هب". ثم قال: وهذه الكتب فيها الصحيح والحسن، والضعيف فأبينه غالبًا، وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول، فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن. وللعقيلي في الضعفاء "عق" ولابن عدي في الكامل "عد" وللخطيب "خط" فإن كان في التاريخ أطلقت وإلا بينته، ولابن عساكر في تاريخه "كر". وكل ما عزى لهؤلاء الأربعة، أو للحكيم الترمذي في نوادر الأصول، أو للحاكم في تاريخه أو لابن النجار في تاريخه، أو للديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف، فيُستغنى بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه.   1 مقدمة الجامع الكبير ص1 وما بعدها طبعة أولى لمجمع البحوث الإسلامية. 2 ظاهر هذا الضمير عوده على الدارقطني وهو غير صحيح، والذي استظهره أنه ذكر البيهقي هنا بعلامة "هق" في غير شعب الإيمان ثم قال: وله في شعب الإيمان "هب" كما يتبين ذلك في رموز الجامع الصغير، وكما في الفتح الكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وإذا أطلقت العزو إلى ابن جرير فهو في تهذيب الآثار، فإن كان في تفسيره أو تاريخه بينته وحيث أطلق في هذا القسم أبو بكر فهو الصديق، أو عمر فهو ابن الخطاب، أو أنس فابن مالك أو البراءة فابن عازب، أو بلال فابن رباح، أو جابر فابن عبد الله، أو حذيفة فابن اليمان، أو معاذ فابن جبل، أو معاوية فابن أبي سفيان، أو أبو أمامة فالباهلي، أو أبو سعيد فالخدري، أو العباس فابن عبد المطلب، أو عبادة فابن الصامت، أو عمار فابن ياسر. الثاني: الأحاديث الفعلية المحضة، أو المشتملة على قول وفعل، أو سبب أو مراجعة، أو نحو ذلك مرتبًا على مسانيد الصحابة على ما يأتي بيانه في أول القسم الثاني. وقد قدمنا لصاحب كشف الظنون بيان منهجه في المسانيد في التمهيد لهذا الفصل. ثم ختم السيوطي هذه المقدمة بذكر منامين مبشرين في شأن أبي زرعة وما لقيه من ثواب الله العظيم مع بيان سبب ذلك، من العناية بالسنة النبوية، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند كتابة الأحاديث. ويبدو أن هذا المنهج العظيم الذي ذكره السيوطي يشتمل على كثير من الدقة، ويدل على شدة الرغبة في الاستيعاب للحديث متنًا وسندًا، حتى إنه في الصفحة التالية يقول: إنه مع ذكر التخريج ينص على الرواة من الصحابة -ولو كانوا أكثر من عشرة- وأنه راعى فيه غاية الإيجاز حتى لجأ إلى بيان الرموز فيما لا يشكل معه ذلك، وإلا فإنه يذكر المخرجين بأسمائهم دفعًا للبس، على أنه ذكر في أثناء الكتاب كثيرًا من المخرجين بأسمائهم مثل ابن سعد، والبارودي في المعرفة، والبغوي في معجمه، وعبد بن حميد، والشيرازي، وهناد، والشافعي، والسراج، ومسدد، وغيرهم كثير ... ، وهذا لا يضر في جوهر العمل، ولكن نرى أن مقتضى الدقة في التصوير أنه كان ينبغي له أن يشير إلى هؤلاء في كلمة جامعة في مقدمته بأن يقول مثلًا: وقد ذكرت غير هؤلاء من المخروجين بأسمائهم، وذلك حتى لا يفاجأ القارئ بذكر أسماء في الكتاب لم تسبق الإشارة إليها ولو بمثل هذه الجملة العامة. ومما يجب التنبيه إليه ما ذكره الشيخ يوسف النبهاني1 من مراجع هذا الكتاب فيما أورده من الفوائد في مقدمة كتابه -الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير- قال: رأيت على ظهر كتاب الجامع الكبير المسمى بجمع الجوامع للحافظ السيوطي ما نصه: قال المؤلف رحمه الله رحمة واسعة: هذه تذكرة مباركة بأسماء الكتب التي أنهيت مطالعتها على هذا التأليف خشية أن تهجم المنية قبل تمامه على الوجه الذي قصدته، فيقيض الله تعالى من يذيل عليه، فإذا   1 الفتح الكبير ج1 ص5 و6 طبع الحلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 عرف ما أنهيت مطالعته استغنى عن مراجعته، ونظر ما سواه من كتب السنة، ثم ذكر أسماء هذه المراجع: الموطأ، مسند الشافعي، مسند الطيالسي، مسند أحمد، مسند عبد بن حميد، مسند الحميدي، مسند ابن أبي عمرو العدني، معجم ابن قانع، فوائد سمويه، المختارة للضياء المقدسي، طبقات ابن سعد، تاريخ دمشق لابن عساكر، معرفة الصحابة للباوردي "ولم أقف على سوى الجزء الأول منه وانتهى إلى أثناء حرف السين"، المصاحف لابن الأنباري، الوقف والابتداء له، فضائل القرآن لابن الضريس، الزهد لابن المبارك، الزهد لهناد بن السري، المعجم الكبير للطبراني، الأوسط له، الصغير له، مسند أبي يعلى، تاريخ بغداد للخطيب، الحلية لأبي نعيم، الطب النبوي له، فضائل الصحابة له، كتاب المهدي له، تاريخ بغداد لابن النجار، الألقاب للشيرازي، الكنى لأبي أحمد الحاكم، اعتلال القلوب للخرائطي، الإبانة لأبي نصر عبيد الله بن سعيد السجزي، الأفراد للدارقطني، عمل يوم وليلة لابن السني، الطب النبوي له، العظيمة لأبي الشيخ، الصلاة لمحمد بن نصر المروزي، نوادر الأصول للحكيم الترمذي، الأمالي لأبي القاسم الحسين بن هبة الله بن صصري، ذم الغيبة لابن أبي الدنيا، ذم الغضب له، مكايد الشيطان له، كتاب الإخوان له، قضاء الحوائج له، المستدرك لأبي عبد الله الحاكم، السنن الكبرى للبيهقي، شعب الإيمان له، المعرفة له، البعث له، دلائل النبوة له، الأسماء والصفات له، مكارم الأخلاق للخرائطي، مساوئ الأخلاق له، مسند الحارث بن أبي أسامة، مسند أبي بكر بن أبي شيبة، مسند مسدد، مسند أحمد بن منيع، مسند إسحاق بن راهويه، صحيح ابن حبان، فوائد تمام، الخلعيات، الغيلانيات، المخلصات، البخلاء للخطيب، الجامع للخطيب، مسند الشهاب للقضاعي، تفسير ابن جرير، مسند الفردوس للديلمي، مصنف عبد الرزاق، مصنف ابن أبي شيبة، الترغيب في الذكر لابن شاهين. وواضح أنه لم يذكر في هذا البيان كثيرًا من المراجع المهمة ذات الشأن مثل الكتب الستة مع أنه رجع إليها في كثير من الأحاديث، وأوردها في الرموز، فلعله اكتفى بشهرتها وتداولها عن النص عليها؛ أو أنه قد اعتبر هذا البيان للمراجع تكميلًا لبعض ما أورده في المقدمة، فاستغنى بذكر بعض المراجع فيها عن النص عليه هنا، وربما كان من روى هذا البيان عن المؤلف قد نقله بالمشافهة فسقطت منه أسماء بعض المراجع. وقد بدئ في طبع الكتاب -لأول مرة- منذ عام إحدى وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة بتوجيه لمجمع البحوث الإسلامية من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود -طيب الله ثراه- وهي يد بيضاء أسداها للأمة الإسلامية، برغم ما قام في سبيل نشره وإبرازه من معارضات بناء على أن في الكتاب بعض المناكير التي لا يخلو منها كتاب من كتب الستة المعتبرة كما أشرنا إلى ذلك في أول حديثنا عن هذا الكتاب، ولا تزال اللجنة المختارة لمتابعة الكتاب تحقيقًا وإخراجًا ونشرًا تزاول عملها فيه وقد أبرزت منه حتى الآن أعدادًا من الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وكل ذلك يدل على مبلغ ما وصل إليه السيوطي فيما جمع من السنة في هذا الكتاب من مجهود ضخم جبار، وعلى أن هذه المجموعة إن تمت -ونسأل الله لها التمام- ستكون فاتحة خير عظيم للأمة الإسلامية التي هي في أشد الحاجة إلى التضلع من السنة، والإفادة بما فيها من بيان للكتاب الكريم، وتشجيع في مختلف علوم الدين. غير أننا نرى أنه قد أصبح لزامًا على العلماء ورجال الدين -وقد وجد فيهم من درس طريقة السيرفي هذه المجموعة العظيمة- أن يعملوا ما وسعهم الجهد في متابعة هذا العمل الجليل إلى أن يتم على ما أراده مؤلفه رحمه الله وأحسن جزاءه وليكن ذلك من رجال تخصصوا في دراسة السنة النبوية كهذه اللجنة التي تقوم الآن بتحقيق الكتاب ونشره، وغيرهم من علماء السنة -وهم الآن كثير بحمد الله- ومنهم أساتذة لمادة السنة بكلية أصول الدين بالأزهر يمكنهم أن يستعينوا بتلامذتهم وأن يمرنوهم عمليًّا على القيام بدراسة ما ظهر من هذا الكتاب، وما يظهر -تباعًا- منه. وتكليفهم بمعاونة اللجنة على تحمل أعباء هذا المجهود المضني في سرعة استكمال إخراجه، ثم إضافة ما يكمل هذا الجامع كما أراده المؤلف. ولا بد من محاولة النفع بكل ما يظهر من الكتاب أولًا فأولا، وذلك بشرح ما ظهر، ومتابعة ما عساه أن يظهر منه، ودفع ما قد يكون فيه من إبهام أو تعارض، وذلك على غرار ما كتب من الشروح على الجامع الصغير من قبل، فإن في ذلك إصلاحًا لنفوس أعرضت عن السنة فاعوج سلوكها، وضعف كيانها، يعرف ذلك من زوال العمل في هذه السنة المطهرة، وذاق حلاوتها وعرف آثارها، فإن آخر أمر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها. ولدى ملاحظات سنحت أثناء استعراضي لما أظهرته اللجنة من هذا الكتاب أوردها فيما يلي: 1- سجل السيوطي في مقدمته أنه رتب الكتاب ترتيب اللغة على حروف المعجم مراعيًا أول الكلمة فما بعده، ومعنى ذلك أنه التزم الترتيب بين الحديث والذي بعده مراعيًا الحرف أول الكلمة مع الذي بعده من الحروف، ولم يذكر أنه التزم الترتيب بالنسبة للكلمة الأولى مع الثانية، ولا ترتيب حروف الكلمة الثانية أيضًا، ونحن -بمتابعة ما ظهر من الكتاب- وجدنا أنه التزم الترتيب بالنسبة للحرف الأول من الكلمة الأولى في الحديث مع الذي بعده من حروف الكلمة نفسها، وأنه يحرص على الترتيب بالنسبة إلى الحرف الثالث -وهو الغالب على مسلكه- مثل "آتى" فإن الحرف الثالث فيها وهو التاء موحد بالنسبة للحديث وما بعده، ولم يتخلف ذلك، وكذلك مثل "آجال" فإن الحرف الثالث منها وهو الجيم موحد في جميع الأحاديث التي وقع ثالثها حرف الجيم، ثم هو مع ذلك يحرص على الترتيب في الحرف الرابع بين كل حديث وما يليه، كما يحرص على الترتيب مراعيًا للكلمة الثانية مع الأولى بنفس الطريقة التي يرتب بها بين الأحاديث في الكلمة الأولى، وإن كان ذلك غير مطرد في الكتاب، كما يحرص على الترتيب بالنسبة للكلمة الثالثة، ولكنه لا يتلزمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فالحديث رقم 677 وأوله: "أحرج اسم عند الله ... " كان ينبغي أن يكون تاليا لأربعة أحاديث بعده، فإنه مقحم بين أحاديث ثالث الكلمة الأولى من كل منها ذال لولا أنه لم يلتزم ذلك الترتيب بين ثوالث الكلمة الأولى. والحديث رقم 720 مؤخر عن موضعه بالنسبة لترتيب الحرف الثالث، وكان ينبغي ألا نطيل الوقوف عند هذه النقطة غير الجوهرية في دراسة هذه الموسوعة الكبيرة. 2- يورد السيوطي كثيرًا من مطولات الحديث في هذا الكتاب على خلاف طريقته في الجامع الصغير الذي ادعى فيه أنه اقتصر على الأحاديث الوجيزة، وإن لم يتحر ذلك بالدقة أيضًا، حيث ورد فيه بعض مطولات عديدة نشير إليها -إن شاء الله- عند الحديث عنه. ومن هذه المطولات في الجامع الكبير على سبيل المثال الأحاديث التي تحمل أرقام: 10، 11، 12، 21، 124، 126، 230، 482، 522، 680، 787، 950، 1636، 1639، 1663، 2318، 3746. كما يورد فيه كثيرًا من المتوسطات، ومن ذلك الأحاديث التي تحمل الأرقام: 25، 34، 35، 36، 37، 54، 73، 74، 78، 123، 130، 136، 195، 216، 217 وغير ذلك كثير. ومن أحاديث الكتاب ما هو دون ذلك، وهو أكثر عددًا من النوعين السابقين. 3- يهتم المؤلف بالتخريج، فيتابع الحديث في مختلف المظان مهما تعددت، ومهما أدى ذلك إلى الإطالة في كثير من الأحيان، ويذكر الخلاف في تقويم السند بتعديل رجاله أو تجريحهم. ومن أمثلة ذلك الواضحة الحديث السابع والتسعون، فإنه بعد أن ذكر متن الحديث وخرجه بين أن فيه راويا لم يجد من ترجمه، ونظيره في ذلك الحديث السادس عشر بعد المائتين، وأما الحديث الخامس بعد المائة فإنه بعد أن أورد متنه في أقل من سطر: "أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" خرجه بما يأتي: ش حم خ هـ عن أبي سعيد، ش حم وابن قانع. طب ك ض عن صفوان بن مخرمة، ن عن أبي موسى البغوي في معجم الصحابة عن الحجاج الباهلي، وطب عن الحجاج الباهلي عن ابن مسعود عن جابر، ق عن المغيرة، ش عن عمر موقوفًا "في إسناد حم طب القاسم بن صفوان عن أبيه وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: لا يعرف إلا في هذا الحديث". وكذلك الحديث السابع بعد المائة، فإنه خرجه بتخريجين: وفي أحدهما راوٍ مجمع على ضعفه، والثاني لم يتعرض لسنده، والحديث السادس والخمسون بعد الثمانمائة، فإنه نظيره في هذا التقويم والحديث الثامن والسبعون بعد المائة، عقب عليه بما يدل على أن رجاله ثقات، ثم استدرك بأنه وجد في أحد المراجع عن الميزان أنه منكر، وكذلك الحديث الحادي والثمانون بعد المائة، فإنه بعد أن أورد الحديث نقل عن مخرجه الخطيب قوله: إنه ليس بثابت وفيه مجاهيل، ثم ذكر أن ابن الجوزي أورده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 في الموضوعات، على أن هذا لا يقتضي أن الحديث في ذاته موضوع؛ لأنه عرف عن ابن الجوزي عدم الدقة، فإنه يحكم على كثير من الأحاديث المقبولة بالوضع، عى عكس الحاكم في مستدركه إذ يصحح كثيرًا من المنكرات. ومن ذلك أيضًا الحديث الثلاثون بعد المائتين، فإنه خرجه وقوم سنده في نحو عشرة أسطر، وهو من الظواهر التي تلفت النظر، وتدل على تمام العناية بالتخريج والتقويم، والحديث الثمانون بعد الثلاثمائة والألف، ذكر في تخريجه راويا نسب إلى ابن حبان الحكم على هذا الراوي بأنه يروي الموضوعات عن الإثبات، وإنما قال السيوطي ذلك تبرئة لعهدته، وفي الحديث الرابع والستين بعد الأربعمائة والألف -وهو حديث القلتين- قال في تخريجه: إن الشافعي أورده في الأم والمسند والمختصر عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره، ثم قال: إن ابن الأثير والرافعي في شرح المسند قال: إن الإسناد الذي لم يحضره على ما ذكره أهل العلم بالحديث أن ابن جريج قال: أخبرني فلان عن فلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... ، ثم قال السيوطي: وقد رواه الدارقطني في سننه كما ذكراه "ابن الأثير والرافعي" ثم قال: إن ابن الأثير حكم بأنه مرسل، وقال السيوطي: قلت: إنه يعتضد بما رواه ابن عدي من حديث ابن عمر "وذكر الحديث" ثم قال: وفي سنده المغيرة بن صقلاب قال ابن حاتم: صالح الحديث، وقال أبو زرعة، جزري لا بأس به. ا. هـ من تخريج أحاديث الرافعي لابن الملقن. وهذا ولا شك مجهود يؤيد ما ذهبنا إليه من الدقة البالغة، والخبرة الفائقة في التخريج والتقويم على أن هذا الحديث يؤيد مذهب الشافعية فيما ذكروه من تقدير الماء الذي لا ينجس بملاقاة النجاسة1. هذا وللسيوطي عبارات مختلفة في تصوير التجريح في الأحاديث الواهية. ففي الحديث التاسع عشر: "آخر الطب الكي" حكم بأنه اشتهر وليس بحديث، وفي الحديث الخامس والأربعين جزم بأن فيه زنفلًا العوفي الكذاب، وفي الحديث الثاني بعد المائتين ذكر راويا ثم قال نقلًا عن رجال التجريح: إنهم كذبوه، وفي الحديث الرابع بعد المائتين وصف راويا فيه بأنه متروك، وغير ذلك من العبارات. ومسلكه هذا يتصل بالدقة في تقويم الحديث، فإن الواضح أن اختلاف العبارة في تجريح الرواة مما تختلف به الأحكام، وهو ما يتصل بأقسام الجرح والتعديل التي أوردها علماء أصول الحديث. 4- كثيرًا ما يذكر المؤلف الأسباب التي وردت من أجلها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ففي الأحاديث التي تحمل الأرقام: 70، 104، 118، 120، 157، 317، 346، 349، 367، 379، 800، 803، 804، 811، 815، 825، 827، 828،   1 وقد أسهب ابن حجر في كتابه تلخيص الحبير من ص16 إلى ص20 في بيان إسناد هذا الحديث ومعناه وتحديد القلة، والسيوطي يتفق معه في بعض جهات بحثه، غير أنه انفرد ببيان ما يعتضد به هذا الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 829، 862، 890، 893، 1576 في كل هذه الأحاديث وفي كثير غيرها ينقل السيوطي، عن الرواة أسبابًا لورود الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأحيانًا يورد المناسبات التي روى فيها الصحابي الحديث، ففي الحديثين الحادي والعشرين والأربعين بعد المائة ينقل عن الراوي المناسبة التي أرود فيها الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. 5- بين السيوطي في سرده للأحاديث -أحيانًا- بعض ما يحتاج إلى البيان، وذلك كما في الحديث السبعين، والثاني والسبعين بعد المائة، والحديث الثامن والسبعين ومائة. 6- يختلف السيوطي في تخريجه لأحاديث وردت في كل من الجامعين الصغير والكبير، بالزيادة في الكبير، والنقص في الصغير، ولعل ذلك لأنه بنى جامعه الصغير على الاختصار وعدم الاستيعاب، فهو فيه يكتفي بذكر ما يراه مبينًا للمرتبة، على أنه قل أن يخلو حديث فيه من بيان مرتبته بالرمز الذي يدل عليه، وذلك كما في الحديث الثمانين وخمسمائة وألف الذي يتعلق بصلاة ركعتي الجمعة، فإنه خرجه في الصغير هكذا "حم ق د ن هـ" عن جابر، أما في الكبير فقد خرجه من اثني عشر كتابًا عن جابر، ثم عن ثلاثة من المخرجين يروونه عن سليك بن هدية الغطفاني. وقد يتخلف هذا المعنى في بعض الأحاديث، فيترك التقويم في الكبير ويذكره في الصغير، كما في الحديث الحادي والثمانين والخمسمائة بعد الألف فقد اتفق الجامعان في التخريج وامتاز الصغير بذكر مرتبة الحديث بعلامة الصحة والحسن1، وقد يختلف الأمر -كما هو الأصل- فيقوم الحديث في الجامع الكبير دون الصغير، وذلك كما في الحديث الرابع عشر بعد الستمائة والألف. 7- يورد الجامع الكبير رموزًا من شأنها أن تدل على بعض الكتب، ولكنها لا تدل القارئ على شيء؛ لأن المؤلف لم يوردها من بين رموز الكتاب في مقدمته. ومن ذلك الرمز "ز" الذي ورد في الحديث السابع والثلاثين بعد المائتين ويقول فيه: ز عن ثوبان، والحديث الرابع والسبعين بعد السبعمائة والألف الذي يقول فيه ز عن أبي هريرة، والحديث التاسع والثمانين بعد السبعمائة والألف الذي يقول فيه: ز عن زيد بن أرقم، والحديث الثامن والأربعين بعد التسعمائة، والألف الذي يقول فيه: ز والديلمي عن أبي هريرة، والحديث السادس والستين بعد التسعمائة والألف الذي يقول فيه: ز عن أنس. ومن الرموز التي يوردها في الأحاديث، وليست مما نبه عليه في رموز الكتاب الرمز "بز" وقد ورد في كثير من الأحاديث، منها الحديث الحادي والعشرون بعد المائتين الذي يقول فيه: بز عن عائشة، والحديث الثالث والتسعون بعد الستمائة الذي يقول فيه بز خط عن   1 خلافًا لما نقلته اللجنة من أن الحديث مرموز له بالحسن فقط في الجامع الصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أبي هريرة والحديث، الثامن والأربعون بعد الأربعمائة والألف الذي يقول فيه: بزعق طس عن أبي هريرة، والحديث السادس والخمسون بعد التسعمائة والألف الذي يقول فيه: عب ... بزو ابن خزيمة ... إلخ، والحديث السابع والخمسون بعد التسعمائة والألف الذي يقول فيه: الشافعي وابن خزيمة بز حب عن العباس، والحديث السابع والستون بعد التسعمائة والألف الذي يقول فيه: ع بزو ابن خزيمة. تلك هي أهم الملاحظات التي سنحت لنا عند مدارسة الكتاب، وفي غالبها ما يشهد لهذا الكتاب بالدقة الفاحصة، والأمانة في العلم، والإخلاص للسنة، وغزارة الاطلاع على المراجع الحديثية وغير ذلك، مما هو جدير بالإمام السيوطي رحمة الله عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الجامع الصغير : للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: نستطيع -في مستهل دراستنا لهذا الكتاب- أن نبارد فنلخص ما قاله مؤلفه عنه: إن الجامع الصغير لباب خال عن القشر، وليس فيه وضاع ولا كذاب، ولذلك فاق الكتب المؤلفة كالفائق والشهاب1، وأنه حوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب، وأنه في هذا النوع رتبه على حروف المعجم مراعيًا أول الحديث فما بعده تسهيلًا على الطلاب، وأنه مقتضب من الكتاب الكبير الذي قصد فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها -وقد سبق كلامنا عليه. ونضيف إلى ذلك ما قاله الشيخ يوسف النبهاني في كتابه الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير2: وقد وقع لكتابه هذا القبول التام، وعم النفع به سائر البلاد الإسلامية الخاص والعام. وفي الواقع أن هذا الكتاب -لقصر أكثر الأحاديث الواردة فيه، وتخير المؤلف لها من كنوز السنة، وسهولة عباراتها- قد استطاع أن يتبوأ مكانته في نفوس محبي الحديث النبوي، والحريصين على التضلع من منهله العذب الروي، حتى سنح الانتفاع به لكل قارئ، وأمكن أن يكون سلوى لكل ناشد، يبتغي المتعة العلمية والراحة النفسية. وقد اشتهر على الألسنة وفي بطون الكتب أن عدد أحاديث هذا الكتاب هي عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثًا، وقد طعن النبهاني في مقدمة كتابه الفتح الكبير بأن ما ذكروه من ذلك العدد من غير تحقيق، واستظهر أن جميعهم قد قلد في ذلك شارح الشيخ المناوي -وهو لم يعده بنفسه- فذكر ما ذكره. ثم قال: والصحيح ما ذكرته هنا؛ لأني عددته بنفسي فوجدته عشرة آلاف حديث يزيد قليلًا نحو العشرة، والفرق كبير بين ما ذكرته وما ذكروه3.   1 مراده كتاب الفائق في اللفظ الرائق، وهو لابن غنايم "غانم" وهو جمال الدين محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان المتوفى سنة 744هـ قال في كشف الظنون ج2 ص1217 ما معناه: جمع فيه أحاديث من الرقائق على نحو الشهاب مجردة عن الأسانيد، مرتبة على الحروف، فهو من النوع الذي يريده السيوطي من ناحية الترتيب على الحروف وهو غير الفائق للزمخشري فإنه في غريب الحديث وهناك أيضًا الفائق في المواعظ والرقائق للشيخ صدر الدين محمد البارزي المتوفى سنة 785هـ وكلاهما غير داخل في هذه المقارنة. ا. هـ كشف الظنون. أما الشهاب فهو شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والآداب من الأحاديث النبوية للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الشافعي المتوفى سنة 454 هـ نقل في كشف الظنون ج2 ص1067 عن مؤلف الشهاب أنه قال: جمعت في كتابي هذا ما سمعته من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ألف كلمة من الحكمة في الوصايا والآداب والمواعظ، وجعلتها مسرودة مبوبة محذوفة الأسانيد، مبوبة أبوابًا على حسب تقارب الألفاظ، ثم أوردت مائتي كلمة، وختمت الكتاب بأدعية مروية عنه صلى الله عليه وسلم، أفردت للأسانيد جميعها كتابًا يرجع في معرفتها إليه. ا. هـ. 2 الفتح الكبير ج1 ص3. 3 الفتح الكبير ج1 ص6 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ومن حاول أن يعرف ما تناوله هذا الكتاب العظيم من أبواب السنة وجده حاويًا لكل الأبواب الجامعة لأمور الدين، والتي توردها الكتب الجوامع. ولنضرب لذلك أمثلة نراعي فيها ترتيب الكتاب: 1- فمن أحاديث العقائد: أول حديث فيه "آتي باب الجنة فأستفتح ... " الحديث من رواية أحمد ومسلم عن أنس، وهو حديث صحيح. والحديث الذي يليه وهو: "آخر من يدخل الجنة رجل يقال له جهينة ... " وهو من رواية الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر، وهو حديث ضعيف. وكذلك الحديث الذي يليه وهو: "آخر قرية من قرى الإسلام خرابًا المدينة" وهو من رواية الترمذي عن أبي هريرة ... وهكذا. 2- ومن أحاديث الآداب: "آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وهو من رواية ابن عساكر في تاريخه عن أبي مسعود البدري، وقد أورده في حرف إن بلفظ: "إن مما أدرك الناس ... " لأحمد والبخاري وأبي داود وابن ماجه عن ابن مسعود، وأحمد عن حذيفة، وهو حديث صحيح. ومنها حديث: "آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل" وهو من رواية الديلمي في مسند الفردوس. وكذلك حديث: "آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد" وهو من رواية الديلمي في مسند الفردوس. 3- ومن أحاديث الأحكام: "آمروا النساء في بناتهن" وهو لأبي داود والبيهقي عن ابن عمر وهو حديث حسن. ومنها حديث: "ايت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب" من رواية أبي داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهو حديث حسن. وكذلك حديث: "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر، وهو صحيح. 4- ومن أحاديث الطب: "ائتدموا بالزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة" من رواية ابن ماجه والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان، وهو صحيح. وحديث: "أبردوا بالطعام فإن الحار لا بركة فيه"، وهو من رواية الديلمي في الفردوس عن ابن عمر، والحاكم عن جابر وعن أسماء ... إلخ. وكذلك حديث: "اتقوا صاحب الجذام كما يتقى السبع، إذا هبط واديًا فاهبطوا غيره" رواه ابن سعد عن عبد الله بن جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 5- ومن أحاديث الترغيب: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي ذر، وأحمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن معاذ، وابن عساكر عن أنس، ومنها حديث: "اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة" رواه أبو يعلى والحاكم عن أنس. وكذلك حديث: "اتقوا الله وصلوا أرحامكم" رواه ابن عساكر عن ابن مسعود بسند ضعيف. 6- ومن أحاديث الترهيب: "اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر" رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة. وحديث: "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس، حسن. وكذلك حديث: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" رواه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب عن ابن عمر، صحيح. 7- ومن أحاديث بيان فضل العلم والعمل حديث: "إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علمًا يقربني إلى الله تعالى فلا بورك في طلوع الشمس ذلك اليوم" رواه الطبراني في الأوسط وابن عدي وأبو نعيم في الحلية عن عائشة، ضعيف. وكذلك حديث: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين وألهمه رشده" البزار عن ابن مسعود حسن. وحديث: "إذا علم العالم فلم يعمل كان كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه" رواه ابن قانع في معجمه عن سليك الغطفاني، ضعيف. 8- ومن أحاديث بيان فضل الصحابة: "إذا أراد الله برجل من أمتي خيرًا ألقى حب أصحابي في قلبه" رواه الديلمي في الفردوس عن أنس. ضعيف. وحديث: "أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر ... " الحديث رواه أبو يعلى عن ابن عمر. ضعيف. ومنها: "استوصوا بالعباس خيرًا فإنه عمي وصنوا أبي" رواه ابن عدي عن علي، ضعيف. 9- ومن أحاديث فضائل القرآن: "إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل يأيها الكافرون تعدل ربع القرآن، وقل الله أحد تعدل ثلث القرآن" رواه الترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس بسند صحيح. ومنها حديث: "استذكوا القرآن فلهو أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم في عقلها" رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن مسعود، صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وحديث: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه". رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي أمامة، صحيح. 10- ومن أحاديث الهدي النبوي في الدعاء: "إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحدًا اللهم أجرني من النار سبع مرات"1 الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان عن الحارث التيمي، صحيح. ومنها حديث: "إذا ظنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي ... "2 الحديث رواه العقيلي في الضعفاء والطبراني في الكبير ومسلم وابن عدي عن أبي رافع، ضعيف. وحديث: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل له يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لنا ولكم" 3 رواه الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود وآخرون، صحيح. 11- ومن أحاديث فضل الذكر: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذِّكر" 4 رواه أحمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن أنس، صحيح. ومنها حديث: "اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب"5 رواه ابن عساكر عن عطاء بن أبي مسلم مرسلًا. ضعيف. وحديث: "أربع أفضل الكلام لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" 6. رواه ابن ماجه عن سمرة، صحيح. 12- ومن أحاديث الشمائل النبوية: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ... "7 الحديث رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن بسر، صحيح. ومنها حديث: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال: الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال" 8 رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم في المستدرك عن عائشة، صحيح. وحديث: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض"9 رواه أبو داود والترمذي عن أنس وعن ابن عمر، والطبراني في الأوسط عن جابر، صحيح. وهكذا يجد القارئ نفسه في هذا الكتاب بين روضات دمثات يستمتع بعبيرها، ويتنقل بين أزاهيرها، فلا يعتريه ملل مع كثرة ما يفيده من تلك الفيوضات النبوية الكريمة.   1 الجامع الصغير ج1 ص30. 2، 3 الجامع الصغير ج1 ص31. 4 الجامع الصغير ج1 ص35. 5 الجامع الصغير ج1 ص37. 6 الجامع الصغير ج1 ص38. 7 الجامع الصغير ج1 ص100. 8، 9 الجامع الصغير ج1 ص101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وقد أردنا بهذه الشواهد التي ذكرناها مجرد ضرب المثل ليتصور القارئ بعض ما في الكتاب من غزارة علم، وصنوف أدب وحكم، وبذلك يسعى إلى اقتنائه، ثم يلتمس الإفادة مما كتب عليه العلماء من شروح لهذه الدرر النفيسة. ونعود بعد ذلك إلى بيان طريقة الكتاب في عرضه للأحاديث النبوية وتخريجها فنرى: 1- أنه يذكر الأحاديث على ترتيب الحروف -كما قلنا- مراعيًا الحرف الأول ثم الذي يليه والكلمة الأولى ثم التي تليها غالبًا، مؤثرًا اختيار جوامع الكلم النبوي من الأحاديث القصار، لتكون أيسر تناولًا وأسهل حفظًا، فإن ذكر بعض الأحاديث المتوسطة فذلك بالنسبة إلى عدد الأحاديث القصار قليل، وربما دعاه إلى ذلك عظة تستدعي الإطناب كما في حديث: "أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هازم اللذات ... " 1، أو دعاء في ضراعة اقتضت بعض التطويل كحديث: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ... " 2، أو كان وصية في أمر ذي بال وشأن كما في حديث: "إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني ... " 3 أو كان من الأحاديث القدسية المتآخذة المعاني كحديث: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة يابن آدم مرضت فلم تعدني ... " 4، أو كان من المعاني المترابطة التي تدعو الحاجة إلى عرضها كما هي كحديث: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ... " 5، أو كان تنويها ببعض أركان الإسلام كما في حديث: "أول ما فرض الله عز وجل على أمتي الصلوات الخمس ... " 6 ولئن ذكر بعض الأحاديث الطوال فلأن المقام اقتضى إيرادها استكمالًا لأنواع الأحاديث وقد يكون ذلك في الخطب النبوية كما في حديث: "أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ... " 7 وحديث: "أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة ... " 8، وقد يكون في الأدعية كحديث: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ... " 9. 2- وأنه يتبع نص الحديث في أي نوع كان بمن خرجه من أئمة الحديث، والكتب التي كانت مأخذا له فيه، مبينا ذلك بالرمز الذي يبينه إن كان من الرموز التي أوردها في المقدمة، وبالاسم إن لم يكن كذلك، ثم يذكر اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان موقوفًا ولو في بعض رواياته نبه على ذلك، ثم يذكر درجة الحديث بالرمز الذي عرف عنه دون أن ينبه عليه في المقدمة، ولو أنه كان قد نبه على الرموز التي تدل على درجة الحديث لكان أدق لصنعه لكنا عرفناه من تتبع التقويم لأحاديث الكتاب، وتنبيهات الشراح والناشرين، وقد وجدنا بهذا المعنى تنبيهًا في أول صفحة في الكتاب قبل خطبة المؤلف يقول: الحروف المرموز بها إلى الحديث الصحيح "صح" والحسن "ح" والضعيف "ض" وضعت في كتاب الجامع الصغير عقب رواة الحديث.   1 الجامع الصغير ج 1 ص63. 2 الجامع الصغير ج 1 ص57. 3 الجامع الصغير ج 1 ص68. 4 الجامع الصغير ج 1 ص77 5 الجامع الصغير ج 1 ص87. 6 الجامع الصغير ج 1 ص113. 7 الجامع الصغير ج 1 ص64. 8 الجامع الصغير ج 1 ص64. 9 الجامع الصغير ج 1 ص57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 والواقع أن المؤلف لا يلتزم ذلك التزامًا مطردًا مما يجعل بعض الشارحين يضطر إلى البحث عن مرتبة الحديث، ثم ينبه عليها. أما رموز الكتاب التي نبه المؤلف عليها في مقدمته بالنسبة لأكثر المخرجين فهي: "خ" للبخاري، "م" لمسلم، "ق" لهما، "د" لأبي داود، "ت" للترمذي، "ن" للنسائي، "5" لابن ماجه، "4" لهؤلاء الأربعة، "3" لهم إلا بن ماجه، "حم" لأحمد في مسنده، "عم" لابنه عبد الله في زوائده، "ك" للحاكم، فإن كان في المستدرك أطلق وإلا بينه، "خد" للبخاري في الأدب، "تخ" له في التاريخ، "حب" لابن حبان في صحيحه، "طب" للطبراني في الكبير، "طس" له في الأوسط "طص" له في الصغير، "ص" لسعيد بن منصور في سننه، و"ش" لابن أبي شيبة، "عب" لعبد الرزاق في الجامع، "ع" لأبي يعلى في مسنده، "قط" للدارقطني فإن كان في السنن أطلق وإلا بين، "فر" للديلمي في مسند الفردوس، "حل" لأبي نعيم في الحلية، "هب" للبيهقي في شعب الإيمان، "هق" له في السنن، "عد" لابن عدي في الكامل، "عق" للعقيلي في الضعفاء، "خط" للخطيب، فإن كان في التاريخ أطلق، وإلا بين. والسيوطي يكتفي بهذه الرموز، ولا ينبه على بقية من أخذ عنهم، وقد ذكرهم بأسمائهم، في ثنايا الكتاب، ومنهم ابن عساكر في أماليه، ووكيع في الغرر، وابن مردويه في التفسير، وأبو بكر بن الأنباري في المصاحف، وأبو الشيخ في الثواب، وابن سعد، والبغوي في معجمه، والبارودي في المعرفة، والطيالسي، والضياء في المختارة، وابن أبي عاصم في السنة، والشيرازي في الألقاب، والبيهقي في الأدب، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، والحكيم في نوادر الأصول، وأبو قرة الزبيدي في سننه، وابن خزيمة، وأبو بكر بن لال، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال، والحلواني، والروياني، وأبو الشيخ في الأذان، وأبو حميد الساعدي ... ، وغير هؤلاء كثير. ولو أنه -رحمه الله- نبه على ذلك في مقدمته ولو بإشارة عابرة لأراح القارئ من الوقوف عند الأسماء، فقد لا تكون له دراية بدلالة الاكتفاء التي تدرك بالعقل دون احتياج إلى النص. وفي الحق أن المتتبع للكتاب يلمس من النظرة الأولى -ودون تعمق في الدراسة- أن هناك جهدًا جهيدًا في استخلاص هذه المجموعة المختارة من الأحاديث، مع ما تقيد به مؤلفه من إيثاره الأحاديث الموجزة من جوامع الكلم، فإنه في الصفحة الواحدة من هذا الكتاب نرى أنه رجع في الأحاديث التي أوردها فيها إلى ما لا يقل عن خمسين كتابًا من أمهات كتب الحديث، حتى استوت له تلك المجموعة التي يطمئن إلى تقديمها للدارسين في حدود ما قيد به نفسه وهو بصدد اختياره. يضاف إلى ذلك أن كثرة كاثرة من هذه المراجع يتيه الباحث عنها فلا يجدها، وإذا وجد فإنه لا يجد إلا القليل منها، وإذا وجد ذلك القليل فهيهات له أن يستطيع الانتقاء منه على هذا الوجه المؤسس على ملكة حديثية خارقة لما يتصوره الإنسان في أية ملكة يظفر بها دارس أو محدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 3- وفي هذا المقام نستطيع أن نسجل أن حرص المؤلف على الاختصار متنا وتخريجًا وتقويمًا أعانه على ضبط الكتاب وسرعة إخراجه وتقديمه إلى الدارسين أكثر تهذيبًا، وأعظم ترتيبًا، وأقرب تناولًا، وأيسر تداولًا، حتى إنه -مع ما وصف به من أنه مختصر من الجامع الكبير- كتب له الظهور قبل الجامع الكبير الذي وصف بأنه أصل لهذا الصغير، وقد أعيا على الباحثين إخراج هذا الأصل بعد أن ظل مختفيًا زهاء خمسة قرون. 4- كما نستطيع أن نسجل أيضًا أنه يبدو لنا أن المؤلف على طريقته في توزيع المجهودات وملاحقة المؤلفات كان يشتغل بوضع الكتابين معًا في وقت واحد قبل اعتراض ما يحول دون تحقيق أمانيه: من ضعف يقعده عن العمل، أو موت مفاجئ، ولعل هذا هو السبب فيما وقع من وجود بعض أحاديث في الجامع الصغير ليس لها وجود في أصله الجامع الكبير، وقد بينت ذلك -مشكورة- لجنة تحقيق الكبير فيما أخرجته من أعداد، وأوردت بالفعل نصوص تلك الأحاديث بأرقامها من الجامع الصغير من النسخة التي طبعت مرقمة لأحاديث هذا الكتاب. 5- كما نسجل أن هناك مشابه بين الجامعين، ولا غرابة في ذلك وقد خرجا من منبع واحد، فطريقة العرض مشتركة في الجملة: فكل منهما يبدأ بإيراد لفظ الحديث ثم يخرجه بالرموز -وإن اختلفت بعض الاختلاف الذي سنبينه- ثم يورد كل منهما راوي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مع بيان وقفه إن كان، وأن هناك اختلافات بينهما قد يكون مردها إلى الاستيعاب في أحدهما والاختصار في الآخر، فالجامع الكبير كثيرًا ما يورد الأحاديث المطولة على عكس الجامع الصغير -كما أشرنا إلى ذلك- وفي تخريجه لأحاديث الكبير يحاول الاستيعاب حتى يصل في تخريج الحديث الواحد إلى صفحة أو يزيد، وقد يكون المتن مع ذلك سطرًا أو أقل، ولا نظير لذلك أبدًا في الجامع الصغير. 6- على أن رموز التخريج في الجامعين مختلفة في الجملة، فمنها رموز يذكرها المؤلف في الجامع الصغير ولا يذكرها في الكبير وذلك مثل "ق" للشيخين و"4" لمن عدا الشيخين من الستة و"3" لهم إلا ابن ماجه، و"خد" للبخاري في الأدب، و"تخ" له في التاريخ. كما أن منها رموزًا ذكرها في الجامع الكبير لتقويم الأحاديث فلم يستعلمها في الكبير اكتفاء بما أورده من قواعد لهذا الخضم الحافل من كتب التخريج. 7- أنه بالنسبة للكتب التي نص على صحتها لا يقوم أحاديثها اكتفاء بهذا النص، وبالنسبة للكتب التي نص على ضعفها لا يقوم أحاديثها اكتفاء بهذا النص أيضًا، أما الكتب التي خلطت بين الصحيح والحسن والضعيف فإنه بينها غالبًا بالكلمات لا بالرموز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وفي ختام دراستنا لكتاب الجامع الصغير نعود فنشير إلى أن خير دليل على مكانته الحديثية الرفيعة أنه رزق من الذيوع والانتشار ما قل أن يظفر بمثله كتاب من نوعه، ولهذا تناوله فحول العلماء من المحدثين وغيرهم بالشرح. شرحه الشيخ شمس الدين محمد بن العلقمي الشافعي المتوفى سنة تسع وعشرين وتسعمائة في كتابه الذي سماه الكوكب المنير في مجلدين، لكنه قد يترك أحاديث بلا شرح لكونها غير محتاجة إليه، وشرحه الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد المتبولي الشافعي، المتوفى سنة ثلاث وألف في كتاب سماه بالاستدراك النضير على الجامع الصغير، ذكر فيه أن ابن العلقمي أطال فيما لا يحتاج إليه، واختصر فيما يحتاج، بل ترك أحاديث فشرحها مفصلًا، وقدم له بمقدمة في أصول الحديث في مجلد، كما شرحه الشيخ شمس الدين المدعو بعبد الرءوف المناوي الشافعي المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف في كتابه الذي سماه فيض القدير في خمسة أجزاء، وسنتناوله بالدراسة في كتب الشروح بإذن الله، ثم اختصره بعضهم وسماه التيسير، كما شرحه الشيخ علي بن أحمد بن محمد المشهور بالعزيزي البولاقي الشافعي المتوفى عام سبعين وألف للهجرة في كتاب سماه السراج المنير بشرح الجامع الصغير في أربعة أجزاء، كما أن للحفني محمد بن سالم حاشية مطبوعة بهامش شرح العزيزي على الجامع الصغير. ويبدو أن أعظم شرح لهذا الكتاب هو كتاب فيض القدير للمناوي، فقد تحققت به الغنية في خدمة أحاديثه على مختلف أبوابها وأغراضها عن طلب شيء آخر، ويمتاز شرحه هذا بأن لمؤلفه مع السيوطي مناقشات في بعض ما أورده تقويم الأحاديث من صحة أو حسن أو ضعف، وأنه يؤيد رأيه بنقول عن العلماء تؤكد وجهة نظره فيما اختلف فيه مع السيوطي في درجة بعض الأحاديث. رحم الله الإمام السيوطي، وجزاه عن إخلاصه للعلم والدين خير الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق : للعلامة زين الدين عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة 1031هـ: نعود فنعتذر عن ذكر هذا الكتاب لمؤلف عاش فترة قصيرة بعد القرن العاشر المحدد نهاية للزمن في عنوان هذا الكتاب، نعتذر بأن قرب عهده بنهاية تلك العصور، بل إن زهرة حياته التي تكونت فيها ملكته العلمية أمضاها في القرن العاشر. وإذا كنا قد اعتذرنا في الإتحافات السنية بأنه لم يرد إلينا في الأحاديث القدسية مؤلف سواه لمصري في تلك الفترة التي تناولتها دراستنا، وكان هناك أمرًا ضروريًّا، فإنا نقول هنا غير ذلك: وهو أن الكتاب صورة تستكمل بها دراسات الجوامع في تلك العصور، ونضيف إلى ذلك أنه تأثر كثيرًا بكتاب الجامع الصغير الذي مارسه شرحًا وتخريجًا وتقويمًا في كتابه فيض القدير، فأراد أن يؤلف كتابًا يقرب نهجه من نهجه في الترتيب على الحروف، وإن كان قد تصرف بإضافة بعض أحاديث إلى أحاديث الجامع الصغير استقاها من مراجع لم يذكرها الإمام السيوطي، وحذف كثيرًا مما اختاره السيوطي لأنه لا يتفق مع منهجه الذي اختاره لنفسه، وكأنه يريد بذلك أن يبرز لنفسه شخصية مستقلة. وقد وصف كتابه في الخطبة التي قدمه بها بما يشوبه بعض المبالغة حيث قال:1 إنه كتاب عجاب، من تأمله دخلت عليه المسرة من كل باب، وأنه جمع فيه زهاء عشرة آلاف حديث، في عشرة كراريس، كل كراس ألف حديث، وفي كل ورقة مائة حديث، تقرأ بالعرض على العادة، وفي نصف العرض بالطول، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، ثم بين ذلك بقوله: كل نصف سطر مستقل بنفسه. ومن البين أنه إذا كان في نصف سطر مستقلًّا بنفسه أمكنت القراءة بالعرض على العادة وفي نصف العرض بالطول، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى كما ذكره المؤلف. وإليك مثالًا من الكتاب1: أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن "فر" أعتق أم إبراهيم ولدها "ق" أصبحوا بالصبح فإنه أعظم للأجر "حم" أصدق الحديث ما عطس عنده "ط" أصدق الطيرة الفأل "ع" أصلح بصرك "ط" أصلح الناس ولو تعني الكذب "ط" أصل النفاق الذي بني عليه الكذب "فر"   1 هامش الجامع الصغير ج1 ص3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ففي هذه المجموعة يمكن للقارئ أن يقرأ السطر عرضًا على الطبيعة، وعرضًا على العكس، بأن يقرأ النصف الثاني للسطر قبل الأول، وفي كل من نصفي السطر حديث كامل، كما يمكنه أن يقرأ النصف الأول من السطر الأول، ثم يقرأ النصف الأول من السطر الثاني حتى نهاية الصفحة، وهكذا في الإنصاف الثانية من السطور من الجانب الثاني، ومن أراد أن يقرأه من الأسفل إلى الأعلى مراعيًا كل السطور أو أنصافها من أي جانب أمكن له ذلك. وهذه الطريقة كان مبدأ ظهورها في أواخر العصر العباسي منذ ضعفت الملكات في العربية، فاتجهت الأذهان إلى استكمال النقص في الملكات بإظهار البراعة، والاختراع في الصناعة، وأشاع بينهم الكتابة بما يقرأ طردًا وعكسًا على ألوان مختلفة ووجوه متعدده، كما كانوا يكتبون الرسائل بحروف كلها معجمة، أو بحروف كلها مهملة إلى صور أخرى عديدة لا مجال لاستيعابها الآن ونحن في مجال الدراسة الحديثية، ومن أراد أن يتصور هذا فليرجع إلى مقامات الحريري. وقد كان جديرًا بالمؤلف -وهو من رجال الحديث والمنتسبين إلى هذه الصناعة التي هي أشرف الصناعات- أن يعني بالحقائق تطبيقًا لهذا الاسم الذي اختاره عنوانًا لهذا الكتاب، ولتلك الصفات التي ذكرها في تقديمه له، من أنه فصوص ياقوتية أو عقود زبرجدية أو قلائد زمردية، فإن الحديث النبوي في ذاته، ولا سيما إذا صحت روايته عن السيد المعصوم صلى الله عليه وسلم محقق لتلك المعاني دون هذه القيود والتكلفات. ولعلنا بعد هذا التصوير نضيف إلى أعذارنا السابقة عذرًا جديدًا في دراسة هذا الكتاب، وعرض صفاته على القارئ الكريم؛ لأننا بذلك نعرض صورة لما وصلت إليه دراسة السنة النبوية من الوقوع في شباك هذه التكلفات. ولقد ترك هذا المسلك أثرًا سيئًا في عدم ترتيب أحاديث الكتاب على الحروف والكلمات كما فعل الإمام السيوطي -رحمة الله عليه- وفي عدم التزام التخير المعنوي لأقوى الأحاديث، فإن التقيد بعدد الكلمات يلجئه إلى جمع ما يسمى حديثًا إلى جنب آخر من شكله، وإن لم تصح النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتصبح التخيرات الأصلية ضحية لما ألزم به نفسه من القراءة طردًا وعكسًا ويمينًا ويسارًا وصعودًا ونزولًا. ولهذا وصف صاحب الرسالة المستطرفة وهو يترجم لمؤلفه بأن كتابه هذا مشحون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وذكر أن في رموزه بعض تحريف يغلب على الظن بأنه من النساخ1.   1 الرسالة المستطرفة ص138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وهذا الحكم أيضًا صحيح، فقد لمسناه في رمزه بحرف النون للقضاعي، فإنه لا يناسب المرموز له، ولا معنى لذكر حرف النون مرة ثانية بعد أن رمز به للنسائي قبل ذلك. ونعود إلى وصف الكتاب بأنه لون من ألوان جمع السنة، وأن من مظاهر هذا اللون فيما لمسناه من الكتاب ما يأتي: 1- من الواضح أن المؤلف اختار أحاديثه قصارًا لا يتجاوز كل منها مع تخريجه نصف السطر، خلافًا لما رأيناه من طريقة الجوامع في هذا العصر من جمع الأحاديث الطوال إلى جانب المتوسطة والقصار، على التصوير الذي بيناه في كل من الجامعين الكبير والصغير. 2- أكثر المؤلف من المراجع الحديثية وإن لم تكن ملتزمة الصحة أو الحسن، بل إن بعضها مورد للأحاديث الضعيفة والمنكرة كالديلمي وابن النجار وابن عساكر، وقد فعل ذلك تنفيذًا لما التزمه من التقيد بهذه الأحاديث القصيرة، ليمكن قراءتها بالطول وبالعرض وبنصفه، ومن أعلى إلى أسفل وعكسه كما أراد. 3- يتفق مع كل من الجامعين الكبير والصغير في كثير مما اختاره من رموز للمراجع الحديثية، كما وضع رموزًا جديدة لمن ذكرهم السيوطي بالاسم في كل من الجامعين ويتبين ذلك فيما يأتي: "خ" للبخاري في صحيحه، "م" لمسلم، "ق" لهما، "د" لأبي داود، "ت" للترمذي "ن" للنسائي، "هـ" لابن ماجه، "4" لهؤلاء الأربعة، "3" لهم إلا ابن ماجه، "حم" للإمام أحمد في مسنده، "ما" للإمام مالك في الموطأ، "عم" لابن الإمام احمد، "ك" للحاكم، "خد" للبخاري في الأدب، "تخ" له في التاريخ، "ضا" للضياء المقدسي في المختارة "ط" للطبراني، "بز" للبزار، "عب" لعبد الرزاق، "ش" لابن أبي شيبة، "ع" لأبي يعلى الموصلي، "قط" للدارقطني، "فر" للديلمي، "حل" لأبي نعيم، "هق" للبيهقي، "عد" لابن عدي، "عق" للعقيلي، "خط" للخطيب البغدادي، "كر" لابن عساكر، "قا" لابن قانع، "أبو" لأبي الشيخ ابن حبان، "ن" للقضاعي، "سع" لابن سعد في الطبقات، "خر" للخرائطي، "طيا" لأبي داود الطيالسي، "حك" للحكيم الترمذي في النوادر، "نجا" لابن النجار، "حا" للحارث في مسنده، "عبد" لعبد بن حميد، "يا" لابن أبي الدنيا القراشي، "سن" لابن السني، "شير" للشيرازي، "يه" لابن مردويه، "نيع" لابن منيع، "غز" للغزالي، "ضر" لابن ضريس. ومن عرض هذه الرموز ترى أنه اتفق مع الجامعين في كثير منها، وأنه استقل بوضع رموز جديدة لمن كان يذكرهم السيوطي بالأسماء في جامعيه: كابن سعد والحكيم الترمذي وعبد بن حميد وتلك ضرورة ألجأته إليها رغبته في الاختصار الشديد في التخريج كما اختصر في المتون تحقيقًا لما التزم به من عدم إيراد حديث أكثر من نصف سطر متنًا وتخريجًا، كما أنه لبس بعض الرموز ببعض، فذكر النون مرة، رمزًا للنسائي وأخرى للقضاعي، وإن كان صاحب الرسالة المستطرقة يبين أن ذلك من تحريف النساخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الفصل الرابع: كتب الزوائد مدخل ... الفصل الرابع: كتب الزوائد تمهيد: أولًا: في المقصود بالزوائد وما وضع فيها من المؤلفات يصور لنا الإمام السيد محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف الزوائد في كتابه الرسالة المستطرفة1 ويذكر ما ألف فيها من الكتب فيقول. إن الزوائد هي الأحاديث التي يزيد فيها بعض كتب الحديث على بعض آخر معين منها، كزوائد ابن ماجه على كتب الحفاظ الخمسة للشهاب البوصيري2 سماه مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه في مجلد، وفوائد المنتقى لزوائد البيهقي له أيضًا، ضمنه زوائد البيهقي في سننه الكبرى على الكتب الستة، وإتحاف السادة المهرة الخيرة، بزوائد المسانيد العشرة أي على الكتب الستة له أيضًا وقد اختصره، والمطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر، وهي مسند ابن أبي عمر العدني، ومسند أبي بكر الحميدي، ومسند مسدد، ومسند الطيالسي، ومسند ابن منيع، ومسند ابن أبي شيبة، ومسند عبد بن حميد، ومسند الحارث، قال السخاوي: وفيه أيضًا الأحاديث الزوائد من المسانيد التي لم يقف عليها مصنفه -أعني شيخنا- تامة لإسحاق بن راهويه، والحسن بن سفيان، ومحمد بن هشام السدوسي، ومحمد بن هارون الروياني، والهيثم بن كليب وغيرها. ا. هـ. وزوائد مسند البزار على مسند أحمد والكتب الستة له أيضا، لخصها من مجمع الزوائد لشيخه نور الدين الهيثمي وزوائد الفردوس في مجلد له أيضًا، وغاية المقصد في زوائد المسند -أي مسند أحمد على الكتب الستة- للحافظ نور الدين أبي الحسن الهيثمي، وله أيضًا زوائد مسند البزار على الكتب الستة سماها البحر الزخار في زوائد مسند البزار3 في مجلد ضخم، وزوائد مسند أبي يعلى الموصلي عليها في مجلد، وزوائد المعجم الكبير للطبراني عليها أيضًا، وسماه البدر المنير في زوائد المعجم الكبير في ثلاث مجلدات وزوائد المعجم الأوسط والصغير له أيضًا، وسماه مجمع البحرين في زوائد المعجمين في مجلدين. ثم جمع الزوائد الستة في كتاب واحد محذوف الأسانيد مع الكلام عليها بالصحة والحسن والضعف وما في بعض رواتها من الجرح والتعديل، وسماه " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " وهو في ست مجلدات كبار، ويوجد في ثمان مجلدان وأكثر "والذي بين أيدينا في عشر مجلدات".   1 ص127 وما بعدها من الرسالة المستطرفة. 2 هو شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الشافعي المتوفى سنة 840هـ من تلامذة الحافظ العراقي سمع منه الكثير، ولازم ابن حجر فكتب عنه لسان الميزان، والنكث على الكاشف والكثير من التصانيف، وله أيضًا تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب لم يبيضه "شذرات الذهب ج7 ص233". 3 هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار البصري المتوفى بالرملة سنة 292هـ، من الشذرات ص209 ج2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قال الكتاني: وهو أنفع كتب الحديث "ولا تصح هذه العبارة إلا إذا كان يقصد ما كتب منه في الزوائد" على أنه يقول بعد ذلك: بل لم يوجد مثله كتاب، ولا صنف نظيره في هذا الباب. ثم قال: وللسيوطي بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد، لكنه لم يتم. ثم أورد بعد ذلك زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين لنور الدين الهيثمي أيضًا، وسماها موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان في مجلد، وزوائد الحارث بن محمد بن أبي أسامة له أيضًا، وسماها بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، وزوائد الحلية لأبي نعيم في مجلد ضخم، وزوائد فوائد تمام كلاهما له أيضًا، وزوائد سنن الدارقطني في مجلد لقاسم بن قطلوبغا الحنفي، وزوائد شعب الإيمان للبيهقي في مجلد، وزوائد نوارد الأصول للحكيم الترمذي كلاهما للسيوطي. وليس فيما وقفنا عليه من كتب الزوائد أكثر مما ذكرناه هنا سوى ما عثرنا عليه في مراجعاتنا لكشف الظنون من كتاب وضعه محمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى سنة 817هـ في الزوائد على كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606هـ وقد أشرنا إليه عقب الكلام على المسانيد. ثانيًا: بيان المزيد عليه والمزيد منه وفائدة الزيادة أ- فأما المزيد عليه فهو الكتب الستة في الجملة، وأحيانًا يضاف إليه مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المتوفى سنة 241هـ كما وقع في زوائد مسند البزار على مسند أحمد والكتب الستة. والكتب الستة هي المراجع الأصلية للمسلمين في السنة، وأصحابها على ترتيب الوفاة هم: 1- الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري حافظ الإسلام المتوفى ببخارى سنة 256هـ. 2- الإمام مسلم بن الحسين بن مسلم القشيري النيسابوري المتوفى سنة 261هـ. 3- الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني المتوفى سنة 273هـ1. 4- الإمام سليمان بن أشعث بن بشير بن شداد أبو داود المتوفى بالبصرة سنة 275هـ. 5- الإمام محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى بترمذ سنة 279هـ2. 6- الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي المتوفى بمكة سنة 303هـ. والكتب الستة ليست على مرتبة واحدة، فإن أصحها وأكثر قبولًا ورواجًا عند المسلمين الصحيحان: صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقد عرف أن جميع ما فيهما صحيح إلا ما ادعاه شذوذ من الناس من أن فيهما بعض الضعيف، وقد ردت عليه دعواه، وأما بقية الكتب الستة ومسند أحمد فإن فيها قليلًا من الضعيف مع التنبيه عليه.   1 كما في شذرات الذهب ج2 ص164 وانظر الرسالة للمستطرفة ص10 وفيها خلاف في سنة وفاته. 2 شذرات الذهب ج2 ص174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ومن أجل ذلك صارت هذه الكتب أهم مراجع الإسلام ومآخذه، واتجه المؤلفون في الزوائد إلى اعتبارها أصولًا يضيفون إليها ما يرون أنه صالح للإضافة من المسانيد الأخرى أو السنن، حتى يظل الناس عاكفين على الكتب الستة التي تلقتها الأمة بالقبول، ولا يشغلهم غيرهم عنها. ب- وأما المزيد مه فنعني به غير الأصول من كتب السنة الأخرى من المعاجم والسنن والمسانيد الأخرى غير مسند أحمد، والتي أفرزت منها الزيادات واعتبرت كالتكملة لتلك الأصول المزيد عليها، وهذه الكتب التي أخذت منها الزيادات هي: 1- مسند الطيالسي، وهو الإمام أبو داود الطيالسي، واسمه سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند، كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث. وقد نقل صاحب الرسالة المستطرفة عن بعضهم أن مسند الطيالسي هو أول مصنف من نوعه في هذا الباب، ونوقش بما لا ينهض دليلًا على خلاف ذلك، قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه، وقال عبد الرحمن بن مهدي: هو أصدق الناس، قال في العبر: قلت: كتب عن ألف شيخ منهم أبو عون وطبقته، قال عمر بن شيبة: كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث، توفي سنة أربع ومائتين1. 2- مسند أبي بكر الحميدي، وهو عالم أهل مكة الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الحميدي، روى عن فضيل بن عياض وطبقته، وكان إمامًا حجة، قال أحمد بن حنبل: الحميدي والشافعي وابن راهويه كان كل منهم إمامًا، أو كلاما هذا معناه، وصحب الحميدي الشافعي ووالاه بعد أن كان نافرًا عنه، وصحبه في رحلته إلى مصر، قال ابن ناصر الدين: حدث عنه البخاري وغيره من كبار الأئمة، وتوفي سنة تسع عشرة ومائتين2. 3- مسند مسدد، وهو مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورد الأسدي -بسكون السين، ويقال بالتحريك- كان يحيى بن معين إذا ذكر نسب مسدد قال: هذه رقية عقرب، قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري: نسب مسدد إذا أضيف إليه بسم الله الرحمن الرحيم كانت رقية من العقرب والخمسة الأول بصيغة المفعول والثلاثة الأخيرة أعجمية، وكان مسدد أحد الحفاظ الثقات، وهو ممن تفرد به البخاري دون مسلم، وقال في العبر: مسدد بن مسرهد الحافظ أبو الحسن البصري سمع جويرية ابن أسماء وأبا عوانة وخلقًا، وله مسند في مجلد سمعت بعضه، توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين3. 4- مسند أبي بكر بن أبي شيبة، وهو الإمام أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، صاحب التصانيف الكبار، سمع من شريك فمن بعده، قال أبو زرعة:   1 شذرات الذهب ج2 ص12. 2 شذرات الذهب ج2 ص45. 3 شذرات الذهب ج2 ص66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ما رأيت أحفظ منه، وقال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة: أبي بكر بن أبي شيبة وهو أسردهم له، وابن معين وهو أجمعهم له، وابن المديني وهو أعلمهم به، وأحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وقال صالح جزرة: أحفظ من رأيت عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة، وقال نفطويه: لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفًا، قال ابن ناصر الدين: كان ثقة عديم النظير، وخرج له الشيخان، وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائتين1. 5- مسند إسحاق بن راهويه، وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي النيسابوري الحافظ، صاحب التصانيف، سمع الداروردي وبقية وطبقتهما وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير فترك الرواية عنه لصغره، قال أحمد بن حنبل: لا أعلم بالعراق له نظيرًا وما عبر الجسر مثل إسحاق، وقال محمد بن أسلم: ما أعلم أحدًا كان أخشى لله من إسحاق، ولو كان سفيان حيًّا لاحتاج إلى إسحاق، وقال أحمد بن سلمة: أملى على إسحاق التفسير عن ظهر قلبه، وجاء من غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث، قال أبو زرعة: ما رئي أحفظ من إسحاق، وقال ابن الأهدل: ناظر الشافعي في بيع دور مكة، فلما عرف فضله صحبه وصار من أصحابه رضي الله عنهما، قال في العبر: توفي نيسابور ليلة النصف من شبعان سنة ثمان وثلاثين ومائتين2. 6- مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، وقد جمع زوائده على الكتب الستة. الحافظ نور الدين الهيثمي في كتابه غاية المقصد في زوائد المسند، توفي الإمام أحمد سنة إحدى وأربعين ومائتين3. 7- مسند ابن أبي عمر العدني، وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر أبو عبد الله العدني الحافظ صاحب المسند، روى عن الفضيل بن عياض والداروردي وخلق، وكان عبدًا صالحًا خيرًا، وقال مسلم وغيره: هو حجة صدوق، توفي بمكة سنة ثلاث وأربعين ومائتين4. 8- مسند ابن منيع وهو الحافظ الكبير أبو جعفر البغوي الأصم، واسمه أحمد بن منيع صاحب المسند، سمع هشيما وطبقته، وهو جد أبي القاسم البغوي للأمه، وقد خرج له الجماعة لكن البخاري بواسطة واحد، وكان أحد الثقات المشهورين، توفي سنة أربع وأربعين ومائتين5. 9- مسند عبد بن حميد، وهو الحافظ أبو محمد عبد بن حميد الكشي6 صاحب المسند والتفسير، واسمه عبد الحميد فخفف، سمع يزيد بن هارون وابن أبي فديك وطبقتهما، وكان ثقة ثبتًا، توفي سنة تسع وأربعين ومائتين7.   1 شذرات الذهب ج2 ص85. 2 شذرات الذهب ج2 ص89. 3 الرسالة المستطرفة ص128. 4 شذرات الذهب ج2 ص104. 5 شذرات الذهب ج2 ص105. 6 الكشي بالشين المعجمة كما في الشذرات. وقيل: بالسين المهملة كما في هامش التذكرة ج2 ص104 نقلًا من التقريب، وكما في الرسالة المستطرفة ص50. 7 شذرات الذهب ج2 ص120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 10- سنن ابن ماجه، الإمام السابق ذكره، وصاحب أحد الكتب الستة المشهورة وصاحب التفسير والتاريخ، ذكره صاحب الشذارت فقال: إنه أحد أعلام الإسلام، حافظ ثقة كبير، ونقل أن كتابه السنن لم يحتو على ثلاثين حديثًا في إسنادها ضعف، قاله ابن ناصر الدين، وذكر أنه سمع أبا بكر بن أبي شيبة ويزيد بن عبد الله اليماني وهذه الطبقة، وأنه ارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري ليكتب الحديث، وقد شرح زوائده على الخمسة سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى سنة 804هـ كما ذكره صاحب كشف الظنون1. وقد أخذت زوائد سننه على الكتب الخمسة السابقة عليها على طريقة من لا يعتبر سنن ابن ماجه من الكتب الستة المعتمدة، وقد اختلف الناس في ذلك، فإن هناك طرقًا عديدة للمحدثين في تحديد الكتب الستة المعتبرة، وأشهر هذه الطرق اعتبار سنن ابن ماجه من بين هذه الكتب، ومنهم من لا يعتبرها ويقول: إن فيها كثيرًا من الأحاديث الضعيفة ويضع مكانها موطأ الإمام مالك، ومنهم من يرى إضافة مسند الدارمي إلى الخمسة بدلًا من موطأ مالك باعتبار أنه أولى منه لقلة الضعفاء فيه ولعلو أسانيده2، ونقل الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف في كتابه3 أن البوصيري نبه في كتابه مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه على غالبية الأحاديث الضعيفة فيما انفرد به ابن ماجه عن الكتب الخمسة، توفي ابن ماجه سنة ثلاث وسبعين ومائتين4. 11- مسند الدارمي، وصاحبه هو الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي السجزي الحافظ صاحب المسند والتصانيف، روى عن سليمان بن حرب وطبقته، وكان قذى في أعين المبتدعة قيمًا بالسنة ثقة حجة ثبتًا، قال يعقوب بن إسحاق الفروي: ما رأينا أجمع منه، أخذ الفقه عن البويطي، والعربية عن ابن الأعرابي، والحديث عن ابن المديني، طاف الآفاق في طلب الحديث، وصنف المسند الكبير، توفي سنة ثمانين ومائتين للهجرة5. 12- مسند الحارث، وهو الحافظ أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي صاحب المسند، سمع علي بن عاصم وعبد الوهاب بن عطاء وطبقتهما، قال الدارقطني: صدوق، وقيل: فيه لين، كان لفقره يأخذ على التحديث أجرًا، وقد جمع الحافظ نور الدين الهيثمي زوائد الحارث بن محمد بن أبي أسامة في كتاب سماه بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث توفي يوم عرفة سنة اثنتين وثمانين ومائتين وله ست وتسعون سنة6. 13- مسند البزار، وصاحبه هو الإمام الحافظ أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسندين الكبير والصغير، روى عن هدبة بن خالد وأقرانه، قال الدارقطني: ثقة يخطئ ويتكل على حفظه، وقال في المغني: أحمد بن عمرو أبو بكر البزار الحافظ صاحب   1 ص1004 ج2. 2 الرسالة المستطرفة ص128. 3 المختصر ص87. 4 شذرات الذهب ج2 ص164. 5 شذرات الذهب ج2 ص176. 6 شذرات الذهب ج2 ص178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 المسند صدوق، قال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن، توفي بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومائتين1. 14- نوادر الأصول للحكيم الترمذي، وهو محمد بن علي بن بشر أبي عبد الله الزاهد الحافظ الصوفي، وكان ممن امتحن بسبب تصوفه وتكلم فيه، وله عدة مصنفات في المنقول والمعقول، ومن أنظفها نوادر الأصول، توفي مقتولًا ببلخ سنة خمس وتسعين ومائتين، وقيل غير ذلك2. 15- سنن النسائي، وهو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ، وقد شرح زوائده على الأربعة "الصحيحين وأبي داود والترمذي" الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن الشافعي المتوفى سنة أربع وثمانمائة، توفي النسائي سنة ثلاث وثلاثمائة3. 16- مسند أبي يعلى الموصلي، وهو أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي الحافظ صاحب المسند، روى عن علي بن الجعد وغسان بن الربيع والكبار، وصنف التصانيف وكان ثقة صالحًا متقنًا، توفي سنة سبع وثلاثمائة وله من العمر تسع وتسعون سنة4. 17- حلية الأولياء لأبي نعيم، وهو عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه، قال الحاكم: كان من أئمة المسلمين، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقوال الصحابة بخراسان من أبي نعيم، كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كلها، وله كتاب الضعفاء في عشرة أجزاء، وقد جمع الحافظ نور الدين الهيثمي زوائد الحلية في كتاب، توفي أبو نعيم سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة5. 18- صحيح ابن حبان، وهو الإمام أبو حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة للهجرة، وقد جمع زوائده الحافظ نور الدين الهيثمي على الصحيحين في ملجد سماه موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان6. 19- معاجم الطبراني الثلاثة، وصاحبها الحافظ العلم مسند العصر الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي، كان ثقة صدوقًا واسع الحفظ، بصيرًا بالعلل والرجال والأبواب، كثير التصانيف، وأول سماعه بطبرية المنسوب إليها سنة ثلاث وسبعين ومائتين، ورحل أولًا إلى القدس، ثم إلى قيسارية فسمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي، ثم رحل إلى حمص وجبلة ومدائن الشام، وحج ودخل اليمن، ورد إلى مصر، ثم رحل إلى العراق وأصبهان   1 شذرات الذهب ج2 ص309. 2 شذرات الذهب ج2 ص221 وذيل كشف الظنون ج6 ص16 وذكر فيه أن اسم الكتاب نوادر الأصول في معرفة أخبار الرسول. 3 كشف الظنون ص1006 ج2. 4 شذرات الذهب ج2 ص250. 5 شذرات الذهب ج2 ص299. 6 شذرات الذهب ج3 ص16 والرسالة المستطرفة ص128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وفارس، روى عن أبي زرعة الدمشقي وإسحاق الديري وطبقتهما كالنسائي، وعنه من شيوخه أبو خليفة الجمحي وابن عقدة وأبو نعيم الحافظ وأبو الحسين قادشاه وغيرهم. قال ابن خلكان: وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة منها المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير وهو أشهر كتبه، وقال ابن ناصر الدين: هو مسند الآفاق ثقة، له المعاجم الثلاثة المنسوبة إليه، توفي سنة ستين وثلاثمائة وله من العمر مائة سنة وعشرة أشهر1. 20- سنن الدارقطني، وهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الإمام الحافظ الكبير شيخ الإسلام، كان يدعى أمير المؤمنين في الحديث، روى عن البغوي وطبقته، ويقول الخطيب فيه: كان فريد عصره وقريع دهره، ونسيج وحده وإمام وقته، وقال الحاكم: صار أوحد أهل دهره في الحفظ والفهم والورع، واشتهر أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله، توفي ببغداد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة2، وزوائد كتابه في مجلد لقاسم بن قطلوبغا الحنفي. 21- فوائد تمام، وهو ثلاثون جزءًا، ومؤلفه هو تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي ثم الدمشقي من مشاهير حفاظ الحديث. قال ابن العماد في الشذرات نقلًا عن الكتاني: لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين، وقال أبو علي الأهوازي: ما رأيت مثله في معناه، وقال أبو بكر الحداد: ما رأينا مثل تمام في الحفظ والخير وقد جمع الإمام الحافظ نور الدين الهيثمي زوائد فوائد تمام في كتاب وتوفي تمام سنة أربع عشرة وأربعمائة3. 22- سنن البيهقي، وهو الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، صنف زهاء ألف جزء منها السنن الكبرى، والسنن الصغرى، والمعارف، والأسماء والصفات، ودلائل النبوة، وفضائل الصحابة، وارتحل إلى بغداد والحجاز، توفي بنيسابور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة هـ. والزوائد التي أخذت منه على الكتب الستة ألفها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الشافعي المتوفى سنة أربعين وثمانمائة هـ، وسماها فوائد المنتقى لزوائد البيهقي، ولشعب الإيمان للبيهقي أيضًا زوائد ألفها السيوطي في مجلد. 23- مسند الفردوس، ومؤلفه هو الحافظ أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الهمذاني، صاحب كتاب الفردوس وتاريخ همذان، قال ابن العماد في الشذرات نقلًا عن الذهبي: إن غيره أتقن منه، وشهد له ابن الصلاح بأنه محدث واسع الرحلة، حسن الخَلْق والخُلُق ذكي صلب في السنة، ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وتوفي في رجب سنة تسع وخمسمائة4.   1 شذرات الذهب ج3 ص30. 2 شذرات الذهب ج3 ص116. 3 الأعلام للزركلي ص165 وشذرات الذهب ج3 ص200. 4 شذرات الذهب ج3 ص23، وتذكره الحافظ ج4 ص53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ومن أسماء الكتب التي تشتمل على بعض الزوائد كتاب تسهيل طريق الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول في أربع مجلدات لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى سنة تسع وعشرة وثمانمائة هـ، زاد فيه أحاديث على كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجزري -ذكره صاحب كشف الظنون ولم يذكر موضوع الكتاب ولا طريقته1. وهناك عدة مسانيد لم تشتهر شهرة المسانيد المذكورة كمسند المطوعي المتوفى سنة 213هـ، ومسند أسد بن موسى المعروف بأسد السنة المتوفى سنة 212هـ، ومسند العبسي عبد الله بن موسى المتوفى سنة 213هـ، ومسند يحيى بن عبد الحميد الحماني المتوفى سنة 228هـ، ومسند أبي خيثمة زهير بن حرب الغساني البغدادي، ومسند أبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان المتوفى سنة 297هـ، ومسند بقي بن مخلد المتوفى سنة 296هـ، ومسند الهيثم بن كليب وغيرهما. وقد نبه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى بعضها في مقدمة كتابه المطالب العالية حين ذكر أن هناك أشباه كاملة من المسانيد هي التي جمع منها شيخه الهيثمي زوائدها، فلم ير أن يزاحمه عليها، ثم قال: إنه وقف على قطع من عدة مسانيد كمسند الحسن بن سفيان، ومحمد بن هشام السدوسي، ومحمد بن هارون الروياني، والهيثم بن كليب2. ثم قال: إنه لم يكتب منها شيئًا لعله إذا بيض هذا التصنيف أن يرجع فيتتبع ما فيها من الزوائد ويضيف إلى ذلك الأحاديث المتفرقة التي على فوائد الشيوخ. ج- وأما فائدة الزيادة، فإنه يبدو لنا أنها تتركز في أمر تقريب السنة وتيسير تداولها، ولا سيما على كثير ممن إنما يمارسون كتبًا محدودة، بل إن كثيرًا من الخاصة يقصرون اتجاهاتهم في كتب السنة على الكتب الستة وما يتصل بها استخراجًا أو اختصارًا أو شرحًا أو ما إلى ذلك، فأما أمثال هذه الزوائد فإنها عازبة عن كثير من الناس حتى الخاصة منهم كما قلنا، وهي مأخوذة من موسوعات عظيمة درس أكثرها في كثير من البلاد الإسلامية والمكتبات الدينية، وإذا كان قد بقي شيء منها فإنه إلى النفاد لعزته وصعوبة الحصول عليه، وأكثره من المخطوطات التي لا يتيسر لكثير من الناس الاطلاع عليها والاستفادة منها، ولعزة الفراغ الذي يمكنهم من السعي إليها في مظانها، ولضن المشرفين على المكتبات بتلك المخطوطات إلا بقيود معينة، وربما كان هناك بعض المطبوعات النادرة ولكنه قليل، كسنن البيهقي، ومسند أحمد، والحلية لأبي نعيم.   1 كشف الظنون ج1 ص537 والرسالة المستطرفة ص 131. 2 أوردت الرسالة المستطرفة مسند السدوسي وقال مؤلفها: إنه بصري مصري توفي سنة 251هـ، كما أورد مسند أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر الشيباني النسائي البالوزي المتوفى ببالوز سنة 303هـ، ومسانيده ثلاثة، كما أنه ذكر مسند الروياني وقال: إن صاحبه أبو بكر محمد بن هارون الروياني نسبة إلى رويان بلد بنواحي طبرستان توفي سنة 307هـ، وقال: إنه مسند مشهور قال فيه ابن حجر: إنه ليس دون السنن في الرتبة، وأشار أيضًا إلى مسند أبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي محدث ما وراء النهر، وشاش مدينة وراء نهر سيحون من ثغور الترك، وهو مسند كبير، وتوفي الهيثم سنة 335هـ. ا. هـ من الرسالة المستطرفة ص53 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فإذا أخذت الزيادات على الكتب الأصلية المتداولة من هذه الكتب الغزيرة الحافلة قربت السنة إلى الناس، ولو أن مثل السيوطي وجه همته إلى جميع هذه الزيادات من مظانها الميسرة له، بدلًا من تفكيره في جمع السنة كلها في جامعه الكبير، الذي اخترمته المنية فحالت دون استكماله، وتركه للمسلمين أوراقًا مبعثرة تستنفد كثيرًا من جهود العلماء في تنقيحها وتصحيحها وترتيبها إذاً لهان الأمر في تقريب السنة كثيرًا على من ينشدون ذلك ويسعون في تحصيله لهم وللأمة الإسلامية قضاء لحق واجب. ويا حبذا لو تنبه مجمع البحوث الإسلامية إلى تلك الفكرة فجمع هذه الزيادات وهذبها وحقق بها تلك البغية المنشودة للمسلمين في أقطار الأرض. ولا يستطيع أحد أن ينكر فضل تقريب السنة بجمع هذه الشوارد وإضافتها إلى كتبها المشهورة المتداولة، فإنها أحاديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، لها ما لتلك الأحاديث من أهمية في الاستدلال لشئون الدين، والإغناء عن كثير مما يضطر إليه أئمة المذاهب وأصحاب الفروع حين يعيهم الوصول إلى الأدلة من السنة فيلجئون إلى أدلة أخرى لا يجوز اللجوء إليها شرعًا لو تيسرت لهم الأدلة من الكتاب أو السنة، ولهذا كان كثير من رجال السنة والأثر يستغني بما آتاه الله منها -كالإمام أحمد والبخاري وغيرهما- عن أخذ الفقه على تلك الأساليب التي لجأ إليها كثير من أئمة الفقه وأصحاب الفروع، وإذا كان في كتب الزوائد بعض من الأحاديث الضعيفة أو المنكرة فإنها لا تعدو في ذلك أن يكون شأنها شأن غيرها من كتب السنة المعتبرة التي تحوي بعض تلك الأحاديث ولم يقل أحد إنه يمتنع كتابة الأحاديث الضعيفة أو روايتها ما دام هناك تنبيه إليها، ولا شك أن لها فضلها كاعتبارات أو متابعات أو شواهد ترفع من شأنه وتجعله حسنًا، وترفع من شأن الحسن أحيانًا وتجعله صحيحًا لغيره -كما بين في موضعه من علوم الحديث- وأحيانًا يستدل بها على الأحكام إذا عز الحديث الصحيح، وتقدم على القياس كما عرف من أسلوب الإمام أحمد في الاستدلال. على أن لأصحاب الزوائد التي أطلعنا عليها دقة عجيبة في تخريج الأحاديث وفحصها، والتنبيه إلى مراتبها ودرجات رجال إسنادها، حتى إنهم كثيرًا ما يقفون من بعضها مواقف سلبية لا يجزمون فيها بحكم كما سنبينه في دراسة كتب الزوائد إن شاء الله. ولا بد أيضًا أن نشير إلى ما لكتب الزوائد من أثر عظيم في توسيع المدارك الإسلامية، وتوجيه الأذهان إلى بعض النواحي غير المطروقة، والتي ينبغي للمسلمين أن يتعرفوا عليها في إبراز الجوانب المتعددة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه في جميع شئون حياته، مما يصلح أساسًا لبناء الشخصيات المسلمة، ويرسم لها سبل الحياة السعيدة الموفقة. ويتصل بهذا -أيضًا- أن توسيع المدارك أمر له خطره في شرح السنة، وتوضيح غوامضها وحل مشكلاتها، فإن السنة تفسر السنة، كما أنها تفسر الكتاب، وتبين كثيرًا من الغوامض والمشكلات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فكلما اتسعت دائرة النظر فيها أمكن الانتفاع بها في ترجيح بعض الأدلة، ورفع ما قد يبدو من تناقض بين بعضها وبعض، وبيان ناسخها ومنسوخها، وفي كتب الزوائد ما يعطي تلك الثمرات العظيمة، ويضيف سنة بعيدة عن المتناول إلى سنة قريبة متداولة، وفي اجتماع هذه بتلك بيان للدين, وكشف لحقائقه بين المسلمين. وننتقل بعد ذلك إلى دراسة لكل من كتابي الزوائد اللذين عرفا في الأوساط العلمية بعد نشرهما وهما: مجمع الزوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المصري، المتوفى سنة سبع وثمانمائة للهجرة، والمطالب العالية للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري، المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة، فإن لكل من هذين الكتابين منهجه في اختيار الزوائد وطريقة عرضها مما يتبين من دراستنا لكل منهما فيما نعرضه على القارئ الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى سنة 807هـ: ومؤلفه هو الإمام الحافظ علي بن أبي بكر بن سليمان أبي الحسن الهيثمي القاهري1 الشافعي المعروف بالهيثمي، ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، ونشأ فحفظ القرآن الكريم، ثم صحب الزين العراقي ولم يفارقه سفرًا ولا حضرًا حتى مات، بحيث حج معه جميع حجاته، ورحل معه سائر رحلاته، ورافقه في جميع مسموعه بمصر والقاهرة والحرمين وبيت المقدس وبعلبك وحلب وحماة وغيرها، وربما سمع الزين بقراءته، ولم ينفرد عنه الزين بغير ابن البابا والتقي السبكي، ولم يكن الزين يعتمد في شيء من أموره إلا عليه، حتى إنه أرسله مع ولده ولي الدين أبي زرعة لما ارتحل إلى دمشق، وزوجه ابنته خديحة، ورزق منها عدة أولاد، وكتب الكثير من تصانيف الشيخ، بل قرأ عليه أكثرها، وتخرج به في الحديث، بل دربه في أفراد زوائد كتب المعاجم الثلاثة للطبراني، والمسانيد لأحمد والبزار وأبي يعلى على الكتب الستة، وقد أفرد زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين، ورتب أحاديث الحلية لأبي نعيم على الأبواب، ومات عنه مسودة، فأكمله وبيضه الحافظ ابن حجر، كما رتب أحاديث الغيلانيات والخلعيات وفوائد تمام، والأفراد للدارقطني، وتركه مسودة فأكمله الحافظ ابن حجر، ورتب كلا من ثقات ابن حبان وثقات العجلي على الحروف، وقد أعانه الزين العراقي بكتبه، ثم بالمرور عليها وتحريرها وعمل خطبها ونحو ذلك، وعادت بركة الزين عليه في ذلك وفي غيره، وكان عجبًا في الدين والتقوى والزهد والإقبال على العلم والعبادة وخدمة الشيخ، والمحبة في الحديث وأهله. نقل ابن العماد في الشذرات2 عن ابن حجر أنه قال: قرأت عليه الكثير، ومما قرأت عليه بانفراده نحو النصف من مجمع الزوائد له وغير ذلك، توفي رحمه الله بالقاهرة ليلة الثلاثاء التاسع عشر من رمضان سنة سبع وثمانمائة للهجرة، ودفن خارج باب البرقوقية. وهذا الكتاب -كما سبق أن ذكرنا- جمع فيه مؤلفه الزوائد من المسانيد الثلاثة: مسند أحمد ومسند أبي يعلى ومسند البزار، وأضاف إليها المعاجم الثلاثة للطبراني -وقد أشرنا إليها- وهي المعجم الكبير والمعجم الأوسط والمعجم الصغير. والمسانيد في اصطلاحهم هي الكتب التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حده -صحيحًا كان أو حسنًا أو ضعيفًا- ولكل من أصحاب المسانيد طريقة يختلف بها عن الآخر، فمنهم من يرتبها على حروف المعجم، ومنهم من يرتبها على القبائل، أو على السابقة إلى الإسلام أو الشرف في النسب.   1 من مقدمة محقق مجمع الزوائد ج1 ص12 وما بعدها نقلًا عن الضوء اللامع والشذرات وذيول التذكرة. 2 شذرات الذهب ج7 ص70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ومعنى المعجم في اصطلاح المحدثين ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أيضًا، أو على ترتيب الشيوخ، أو على ترتيب البلدان، قال في الرسالة المستطرفة1: والغالب في تلك المعاجم أن تكون مرتبة على حروف الهجاء كمعجم الطبراني الكبير المؤلف في أسماء الصحابة على حروف المعجم إلخ. ولا بد لنا من تصوير كل من هذه المسانيد الثلاثة والمعاجم الثلاثة، التي هي مصدر الزوائد الواردة في كتاب الهيثمي كل على حدة في إيجاز. 1- مسند الإمام أحمد: وهو -كما وصفه الكتاني-2 يشتمل على ثمانية عشر مسندًا: أولها مسند العشرة وما معه وفيه زيادات ولده عبد الله، ويسير من زيادات أبي بكر القطيعي الراوي عن عبد الله، وقد اشتهر عند كثير من الناس أن عدة المسند أربعون ألف حديث، وقال ابن المديني: إنه لم يزل يسمع ذلك من الناس حتى قرأه على أبي منصور بن رزيق، وقد صرح بذلك الحافظ شمس الدين محمد بن الحسين في التذكرة فقال: عدة أحاديثه أربعون ألفًا بالمكرر، وقال ابن المنادي: إنه ثلاثون ألفًا، والاعتماد على قوله، وقد انتقاه الإمام من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث، ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به عنده3. وكما سبق أن أشرنا جمع الحافظ نور الدين أبو الحسن الهيثمي زوائد مسند أحمد على الكتب الستة في كتاب سماه، غاية المقصد في زوائد المسند. 2- مسند البزار: ذكره صاحب الرسالة المستطرفة4 وقال: إن له مسندين صغيرًا وكبيرًا، والمسند الكبير هو المسمى بالبحر الزخار، بين فيه الصحيح من غيره، وقال العراقي: إنه لم يفعل ذلك إلا قليلًا إلا أنه يتكلم في بعض رواة الحديث ومتابعة غيره عليه، وقد رجعنا إلى الزين العراقي في تعليقاته على مقدمة ابن الصلاح، فوجدناه ذكر ذلك جوابًا عما اعترض به على ابن الصلاح من الحكم على المسانيد بأنها أقل مرتبة من الكتب الخمسة الصحاح؛ لأن مسند البزار يبين فيه الصحيح وغيره فقال العراقي: إن ذلك قليل فيه إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواته ... إلخ، وقد نقلها عنه أيضا في تدريبه تمييزًا لمسند البزار عن غيره5 سماها البحر الزخار في زوائد مسند البزار في مجلد ضخم.   1 الرسالة المستطرفة ص101. 2 الرسالة المستطرفة ص15. 3 وانظر الحديث، والمحدثون للدكتور أبي زهو ص369 والتدريب جزء 1 ص172. 4 الرسالة المستطرفة ص51. 5 راجع التقييد والإيضاح ص56، 58، والتدريب ج1 ص174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 3- مسند أبي يعلى: ذكره صاحب كشف الظنون فقال -نقلًا عن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الحافظ: قرأت المسانيد كمسند العدني ومسند ابن منيع، فإذا هي كالأنهار ومسند أبي يعلى كالبحر، فيكون مجمع الأنهار1 وقد ذكر الكتاني في الرسالة -كما سبق أن أشرنا- أن للحافظ الهيثمي على مسند أبي يعلى الموصلي زوائد على الكتب الستة في مجلد ضخم إلا أنه -كما قال الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه المطالب العالية- لم يستوعب مسند أبي يعلى، بل اقتصر فيه على الرواية المختصرة، فترك أشياء من هذا المسند استدركها عليه تلميذه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية. وأما المعاجم فهي معاجم الطبراني الثلاثة، وقد تحدث عنها صاحب الرسالة المستطرفة فذكرها على النحو الآتي: 1- المعجم الكبير: وهو المعجم الذي ألفه في أسماء الصحابة على حروف المعجم -عدا مسند أبي هريرة فإنه أفرده في مصنف- ويقال إنه أورد في المعجم الكبير ستين ألف حديث في اثني عشر مجلدًا، وقال فيه ابن دحية: هو أكبر معاجم الدنيا، وإذا أطلق في كلامهم المعجم فهو المراد، وإذا أريد غيره قيد2. 2- المعجم الأوسط: وهو العجم الذي ألفه أسماء شيوخه، وهو قريب من ألفي رجل، حتى إنه روى عمن عاش بعده لسعة روايته وكثرة شيوخه، وأكثره من غرائب حديثهم، قال الذهبي3: إنه في ست مجلدات كبار على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب، فهو نظير كتاب الأفراد للدارقطني، بين فيه فضيلته وسعة روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي لأنه تعب عليه، وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر. 3- المعجم الصغير: وهو الذي يقول الذهبي فيه4: إنه روى عن كل شيخ له فيه حديثًا واحدًا، وقال صاحب الرسالة المستطرفة:5 إنه خرج فيه عن ألف شيخ يقتصر فيه غالبًا على حديث واحد عن كل واحد من شيوخه، قيل: وهو عشرون ألف حديث، ذكره غير واحد لكن ذكر المقري في فتح المتعال نقلًا عن كتاب إرشاد المهتدين لمشايخ ابن فهد تقي الدين أن المعجم الصغير للطبراني في مجلد يشتمل على نحو من ألف وخمسمائة حديث بأسانيدها، قال: لأنه   1 الرسالة المستطرفة ص54 وكشف الظنون ج2 ص1679. 2 الرسالة المستطرفة ص101. 3 الرسالة المستطرفة ص101، وانظر التذكرة ج3 ص118 و119. 4 التذكرة ص119. 5 ص101 و102 من الرسالة المستطرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 خرج فيه عن ألف شيخ، كل شيخ حديثًا أو حديثين، انتهى وهو التحرير والصواب وخلافة سبق قلم. هذا ما تيسر لنا من الحديث عن المسانيد الثلاثة والمعاجم الثلاثة التي أفرز منها الحافظ نور الدين الهيثمي زوائدها على الكتب الستة، وأودعها كتابه الكبير: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. وقد تحدث المؤلف رحمه الله في مقدمة كتابه عن السبب الباعث له على جمع الزوائد في هذا المؤلف فقال: وبعد، فقد كنت جمعت زوائد مسند الإمام أحمد وأبي يعلى الموصلي وأبي بكر البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة رضي الله عن مؤلفيها وأرضاهم، كل واحد منها في تصنيف مستقل، ما خلا المعجم الأوسط والصغير فإنهما في تصنيف واحد، فقال لي شيخي أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي رضي الله عنه: اجمع التصاينف واحذف أسانيدها لكي يجتمع أحاديث كل باب منها في باب واحد من هذا المؤلف. ثم ذكر أنه رتب هذه الزوائد على كتب أوردها ليسهل الكشف منه، وهي الكتب والأبواب المعروفة في الجوامع العامة -في الجملة- ولا تختلف عنها كثيرًا، وقال: إنه سماه بتسمية شيخه: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، وتكلم عما فيه من الاصطلاح فقال: إن ما تكلم عليه من الأحاديث من تصحيح أو تضعيف وكان من حديث صحابي واحد ثم ذكر له متنًا بنحوه فإنه يكتفي بالكلام عقيب الحديث الأول إلا أن يكون المتن الثاني أصح من الأول. بقيت مهمتنا نحن مع هذا الكتاب، وهي بيان ما أضافه إلى المكتبة الحديثية من جديد، وما تركه من أثر في خدمة السنة المحمدية. ونحن نرى أن هذا الكتاب ثروة ضخمة تركت لنا آلافًا مؤلفة مما لم يرد له ذكر في كتب السنة المتداولة، وأن ناحية بارزة ملموسة فيه، وهي أشياء من غرائب العلم مما ليس بمتداول في كتب السنة الأخرى التي بين أيدنا، حتى إن كثيرًا من الأحاديث الواردة فيه قد يكون لها أصل في كتب السنة المتداولة -وهو نفسه كثيرًا ما يشير إلى تلك الأصول- إلا أن هذه الأحاديث المكررة مع تلك الأصول تذكر في صور تبدو فيها تلك الغرائب، ولا سيما ما يراد منها مع ذكر مناسبة الحديث وسببه. وناحية عظيمة لا يمكن إغفالها في تلك المناسبة -وهي أنه ليس مجرد تسمية هذه الأحاديث بالزوائد أنها مجرد زوائد على الكتب الستة نقلت من المسانيد إلى هذا الكتاب- وحسبنا ذلك إضافة إليها فهذه الزوائد ليست ليست مجرد نقل لتلك الأحاديث، ولا هي نقل لها على الترتيب الذي كانت قد وردت عليه في تلك المسانيد والمعاجم، ولا على الصفة التي كانت عليها الأحاديث في تلك المراجع فإنه يبدو أنها فيها غير مخرجة ولا مقومة. وإن القارئ الفاضل يعلم مما أوردنا أن تلك المسانيد والمعاجم ترتب الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو نحو ذلك، مما أشرنا إليه في تصويرنا للمسانيد والمعاجم وطريقتها بعامة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وفي تصويرنا لمسانيدنا هنا ومعاجمنا بخاصة، ولو كان النقل على ذلك الترتيب الوارد هناك لهان الأمر بعض الشيء، ولكان أقل مجهودًا مما ورد عليه في هذا الوضع الجديد، فقد يكفيه أن يستعرض مسانيد الصحابة أو معاجم الشيوخ، ثم يورد هنا من أحاديثهم ما لم يرد ذكره في المزيد عليه من كتب السنة، ليكون العمل في تلك الزوائد على نسقها ومسايرًا لها، ولكن وراء ذلك مهمة شاقة لا يدركها إلا من زاول دراسة أبواب السنة في جوامعها الأولى وطريقة التبويب فيها. والمؤلف رحمه الله تعالى قد أشار إلى جانب من ذلك المجهود الضخم في تواضع وأدب حين قال: وقد رتبته على كتب أذكرها لكي يسهل الكشف منه ... إلخ، على أنه رحمه الله حين رتبه على الكتب لم يكتف بذكر كتب عامة، وإنما أورد ما أدرجه تحتها من أبواب -أكثر منها جدًّا- بحيث صار كثير من العنوانات يتفق في المعنى مع ما تدل عليه الأحاديث الواردة فيها، بل ربما كان العنوان بنفس لفظ الحديث الوارد، ولم يتأثر في ذلك بما سبق به من قبل إلا في طريقة البخاري وأبي داود ومن سار على نهجهما من ذكر عناوين قد تؤخذ منها الأحكام التي تدل عليها الأحاديث المندرجة تحتها، وهو مجهود قيم كبير يقتنع به كل الاقتناع من تصفح الكتاب بل إنه يدركه لأول وهلة من نظر في فهارس كتبه وأبوابه. وواضح أن في ذلك التصرف إحياء لتلك المعاجم، وإبراز لتلك النواحي الحديثية المقصودة منها، وهي توضيح معالم الدين، وإظهار ما فيه من أغراض مختلفة عظيمة، وأما تلك المعاجم والمسانيد فهي مجرد اختزان لتلك الأحاديث وحفظ لها، إلى أن يقيض الله لها أمثال هذا الحافظ العظيم، ممن يقف على تلك الخزائن فيخرج مما فيها بأمانة، ويوزعها على من ينتفع بها في أبوابها وعناوينها المختلفة، ويصيب الناس منها ما كتب الله لهم من العلم في يسر وسهولة. ومن هذا التقرير يتبين لنا مدى ما أسداه المؤلف وأمثاله رحمهم الله ممن سلك مسلكه في كتب الزوائد، حيث قدموا لنا هذه الزوائد على طريقة الكتب الجوامع التي خلدت بما فيها من التخير للأحاديث، مضافًا إليها ذلك التبويب الموضوعي الذي ينتفع به كل باحث في الدين ودارس للعلم. ومن أبرز هذه النواحي ما نلمسه في هذا المؤلف مما جاء أثرًا لتجميع الأحاديث المتعددة المراجع في باب واحد، من ظهور كثرة كاثرة من الأحاديث أحيانًا في موضوع واحد كنتيجة لذلك التجميع الموضوعي، فإنها لا بد وأن تترك أثر كبيرًا في نفس القارئ، وتنير أمامه الطريق للانتفاع بها كأدلة ووسائل للمعارف الإسلامية، وأنها تبهر القارئ الذي لو أراد أن يكلف نفسه ويرجع إلى نظائرها في الكتب الأخرى لعرف مقدار الحاجة التي كانت قائمة إلى تجميع هذه الأحاديث، وعدم حرمان الأمة الإسلامية من الانتفاع بها على هذا الوجه العظيم، وأنه لولا هذا التجميع على هذا الوجه لظلت موضوعات كثيرة من فروع الدين وأبوابه شاغرة تتطلب توجيهات إسلامية ترفع عن بعضها كثيرًا من التضارب، كما تزيل كثيرًا من الغموض عن بعضها الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أضف إلى ذلك أن مؤلف الكتاب كان حريصًا على استيعاب تلك الأحاديث مهما تكرر الحديث الواحد منها، علمًا منه -وهو من أئمة هذا الشأن- أن لتعدد الروايات فوائد عظيمة، منها الانتفاع باختلاف الروايات -بين بعض الألفاظ وبعض تارة، وبالزيادة والنقص تارة- في شرح لغامض، أو بيان لمجمل، أو إيضاح لمبهم، وفيه -في نفس الوقت- تقوية للأحاديث، برفع رتبة الضعيف منها إلى الحسن تارة، والحسن منها إلى الصحيح أخرى، ومن أجل ذلك، فإن المؤلف لا يمل من تكرار الأحاديث تقديرًا لأمانة العلم، وحرصًا على تقديم الفوائد المتعددة من هذا التكرار. ونبادر هنا فنذكر على سبيل المثال أنه أورد في خطبة حجة الوداع -تحت عنوان الخطب في الحج- ثمانية عشر حديثًا مختلفة الروايات في هذا المقام1. هذا: وإنه بهذا التصرف قد أراح نفوسًا كثيرة، وأغناها عن البحث عن تلك المعاجم والمسانيد التي نقل منها هذه الزوائد، حيث أصبحت في غير حاجة إلى طلبها والحرص على تحصيلها لأن ما زاد فيها عن الكتب الستة قد أصبح وافيًا على طرف الثمام، وهو مجمع في أبوابه، متضام كل إلف فيه إلى إلفه، بأسلوب بين غثه من سمينه، بل إنه ربما أصلح من شأن الغث بإلحاقه بالسمين بما نشأ من تلك الشواهد والاعتبارات التي كانت نتيجة لذلك التكرير. فهذه الأصول التي استقي منها المؤلف زوائده فوق أنه يعز الحصول عليها لندرتها أو فقد بعضها الآن، فإنها إذا وجدت يعز الوصول -على الخاصة بله العامة- إلى تجميع أحاديثها تحت عناوينها التي تربط بعضها ببعض، ولئن تم ذلك فإنه يحتاج إلى بيان مرتبة كل حديث منها، وهيهات أن يتم ذلك لغير متخصص ممتاز من أمثال صاحب هذا الكتاب رحمه الله وأحسن جزاءه، فقد عني بهذا الأمر عناية زادت من قيمة كتابه، ودلت على تمكنه ورجحانه على غيره ممن حاولوا تلك المحاولة، فأضحى كتابه للدارس مستغنيًا عن أن يبذل فيه مجهود آخر لنعرف ما فيه من مراتب الحديث. ومما يؤيدنا في اعتبار تلك المسانيد -قبل فرز الزوائد منها- في درجة لا تصلح للتعويل عليها كثيرًا، ولا تصلح مصدرًا لغير المتخصصين من أئمة هذا الشأن أن الإمام العارف الشيخ أحمد شاه المعروف بشاه الدهلوي قال -وهو بصدد إيراد طبقات كتب الحديث: إن هناك طبقة ثالثة -وأورد فيها المسانيد والمصنفات التي صنفت قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما- جمعت بين الصحيح والحسن والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب والثابت والمقلوب، ولم تشتهر بين العلماء ذلك الاشتهار وإن زال عنها اسم النكارة المطلقة، ولم يتداول ما تفردت به الفقهاء "يعني أحاديث الزوائد" ولم يفحص عن صحتها وسقمها المحدثون كثير فحص، ومنه ما لم يخدمه لغوي بشرح غريب، ولا فقيه لتطبيقه بمذاهب السلف، ولا محدث   1 مجمع الزوائد ج94 ص265. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ببيان مشكله، ولا مؤرخ بذكر أسماء رجاله، فهي باقية على استتارها واختفائها، وخمولها، كمسند أبي يعلى، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف عبد بن حميد، والطيالسي، وكتب البيهقي والطحاوي والطبراني، وكان قصدهم جمع ما وجدوه لا تلخيصه وتهذيبه وتقريبه من العمل، ثم ذكر طبقة أخرى وقال: إن مصنفيها جمعوا فيها -بعد قرون متطاولة- ما لم يوجد في الطبقتين الأوليين، وكانت في المجامع والمسانيد المختفية، وكانت على ألسنة من يكتب حديثه المحدثون، ثم قال: إنه من مظنة هذه الأحاديث كتب الخطيب وأبي نعيم ومسند الخوارزمي، وهذه الطبقة مادة كتب الموضوعات، ثم أورد في آخر حديثه فذلكة ذكر فيها أن الطبقة الثالثة لا يباشرها للعمل عليها والقول بها إلا النحارير الجهابذة الذين يحفظون أسماء الرجال وعلل الأحاديث، نعم يؤخذ منها المتابعات والشواهد، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا1. ولعل في هذا ما يؤيد -إلى حد كبير- رأينا في تلك الزوائد قبل فرزها من مراجعها على يد مثل ذلك الجهبذ النحرير، على يد الإمام الحافظ الهيثمي طيب الله ثراه. وأما طريقة المؤلف في عرضه لأحاديث الزوائد في هذا الكتاب، فإنه: أولًا: وكما سبق أن أشرنا سلك فيها الإيراد تحت عنوانات أبواب متعتددة تشملها كتب عامة ضمنها كتابه. فبدأ بكتاب الإيمان وأورد تحته أبوابًا عديدة في موضوعات منه مثل: باب فيمن شهد ألا إله إلا الله، باب فيما يحرم دم المرء وماله، حتى إذا طال الباب أورد جانبًا منه تحت عنوان: باب منه: دفعًا للسآمة، باب الإسلام يجب ما قبله، باب فيمن مات يؤمن بالله واليوم الآخر وهكذا إلى أن أورد خمسة وثمانين بابًا، كلها تندرج تحت كتاب الإيمان وتدل على فروع مختلفة فيه. ثم انتقل إلى كتاب العلم، فأورد تحته من الأبواب ما يأتي: باب في طلب العلم، باب منه، باب فضل العالم والمتعلم، باب منه، باب الخير كثير ومن يعمل به قليل، باب حث الشباب على طلب العلم. وهكذا حتى استوعب تحت كتاب العلم عشرة ومائة باب، ثم انتقل إلى كتاب الطهارة، وذكر من أبوابه: بابه الإبعاد عند قضاء الحاجة، باب الارتياد للبول، باب ما نهي عن التخلي فيه، باب فيه وفي أدب الخلاء، باب ما يقول عند الخلاء ... وهكذا حتى استوعب أبوابًا لا تقل عن الباب قبله، ثم انتقل إلى كتاب الصلاة: فأورد فيه عددًا كثيرًا جدًّا من الأبواب وقع بعضها في الجزء الأول، وكثير جدًّا منها في الجزء الثاني، ثم أورد كتاب الجنائز وما يتعلق بالمرض وثوابه وعيادة المريض ونحو ذلك، ثم كتاب الزكاة، وفيه صدقة التطوع، ثم كتاب الصيام ثم كتاب الحج، ثم الأضاحي والصيد والذبائح والوليمة، والعقيقة، وما يتعلق بالمولود، ثم البيوع، ثم الإيمان والنذور، ثم الأحكام، ثم الوصايا، ثم الفرائض، ثم العتق، ثم النكاح   1 حجة الله البالغة ص105 طبع المطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1322، وراجع قواعد التحديث للقاسمي ص239 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ثم الطلاق، ثم الأطعمة، ثم الأشربة، ثم الطب، ثم اللباس والزينة، ثم الجهاد، ثم المغازي والسير، ثم قتال أهل البغي وأهل الردة، ثم الحدود والديات، ثم التفسير، وفيه ما يتعلق بقراءة القرآن وثوابه، وعلى كم أنزل القرآن من حرف، ثم التعبير، ثم القدر، ثم الفتن، ثم الأدب، ثم البر والصلة، ثم ذكر الأنبياء عليهم السلام، ثم علامات النبوة، ثم المناقب، ثم التوبة، والاستغفار، ثم الأذكار، ثم الأدعية، ثم الزهد وفيه المواعظ، ثم البعث، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة. هذه الكتب التي ضمها مجمع الزوائد، والتي يشتمل كل كتاب منها على مجموعة كبيرة جدًّا من الأبواب، وتحت كل باب منها عدد من الأحاديث يقل أو يكثر بحسب ما ورد في الأسانيد والمعاجم متصلًا بتلك الأبواب، وهي في كثير من أمرها تزيد زيادة لا تخطر بالأذهان، حتى إن الباب الواحد قد يصل عدد الأحاديث فيه إلى قرابة أربعين حديثًا، ومن ذلك باب في الأذكار المندرج تحت كتاب الأذكار في الجزء العاشر من الكتاب1، وهو ما يصور مقدار الثروة الحديثية التي ضمها هذا الكتاب من أحاديث الزوائد، وبين أنه موسوعة إسلامية كبيرة ورائعة. ثانيًا: التزم المؤلف تخريج كل حديث أورده، فيذكر من خرجه من أصحاب تلك المعاجم والمسانيد ويعزوه إليها، مع تجريده من السند كما أمره شيخه العراقي، ويتبعه بعد ذلك بتقويم الحديث، فيصفه بالصحة أو الحسن أو الضعف، ويتكلم في رجاله بالتوثيق أو التوهين أو الإنكار أو الكذب أو الترك، وله في ذلك دقة ملموسة عجيبة، تجعله موضع ثقة لا يلتمس قارئه التعقيب عليه إلا في بعض رجال يريد أن يبرئ ذمته من الحكم عليهم فيقول: إنه لم يسم، أو إنه لم يجد من ترجمه، أو ما يشبه ذلك، وإليك صورًا قليلة تدل على ما وراءها، وتصور للقارئ هذا الإمام في تقويم الأحاديث وبيان مرتبتها في القبول أو عدمه: 1- قال في الحديث الأول: رواه أحمد والطبراني في الأوسط باختصار، وأبو يعلى بتمامه، والبزار بنحوه، وفيه رجل لم يسم ولكن الزهري وثقه وأبهمه2. 2- وفي الحديث الثاني قال: رواه أبو يعلى، وفي إسناده كوثر وهو متروك3. 3- وفي الحديث الثالث قال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح إلا أنه أبا وائل لم يسمعه من أبي بكر4.   1 مجمع الزوائد ص99 إلى 104. 2 يستثنى من ذلك الحديث الأول من الكتاب فإنه ذكره بسند أحمد، واعتذر عن ذلك بقوله: وقد ذكرته بسنده حتى لا ابتدئ الكتاب بسنده منقطع ج1 ص14. 3 يشير إلى قول أحمد عن الزهري: أخبرني رجل من الأنصار من أهل الثقة ج1 ص14 و15. 4 أبو وائل في أول الحديث قبل ذكر أبي بكر رضي الله عنه، وقد ذكره في أول الحديث قبل الصحابي على غير عادته حتى يمكن أن ينبه إليه في التخريج ج1 ص15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 4- وعن الحديث الرابع قال: رواه أبو يعلى، وفي إسناده سويد بن عبد العزيز، وهو متروك. 5- وفي الحديث الخامس، بادر المؤلف إلى ذكر الحكم على هذا الحديث في مسند ابن ماجه، وقال: إن رجاله ثقات، ثم أضافه إلى مسنده وهو مسند أحمد، ولم يذكر درجة أحمد، ولعله -وقد أطمأن إلى ثقة رجاله في مسند ابن ماجه ولم يتبين درجة الحديث في مسند أحمد- قد اكتفى بهذا القدر. 6- وفي الحديث السادس قال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ومداره على سعيد ابن عباس متصلًا، وهذا يرجح أن روايته عن سهيل بن بيضاء غير موثوق بها. 7- وقال في الحديث السابع: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 8- ثم قال في الحديث الثامن: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد أحمد أصح، وفيه ابن لهيعة، وقد احتج به غير واحد. وهذه الجملة الأخيرة كالاستدراك؛ لدفع ما قد يرد عليه في الحكم بصحة إسناد أحمد، لما يتردد من أن ابن لهيعة ضعيف عند المحدثين. 9- وقال في الحديث التاسع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا صالح لم يسمع من معاذ بن جبل. 10- وفي الحديث العاشر قال: رواه أحمد والبزار، وفيه انقطاع بين شهر ومعاذ، وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل الحجاز ضعيفة، وهذا منها. ولعلك ترى في تخريج تلك الأحاديث دقة ملموسة تظهر أكثر وضوحًا لمن تتبع أحاديث الكتاب أكثر مما ذكرنا، ولكننا نكتفي بهذا القدر لننتقل إلى مثله من آخره، حتى يتبين أن مسلك المؤلف لم يختلف في آخر الكتاب عنه في أوله، وأن ذلك خلق فيه لا يتغير. وإليك عشرة أحاديث أخرى من أواخر الكتاب: 1- جاء في كتاب التوبة1 حديث لأبي هريرة قال في تخريجه: رواه أحمد وفيه بقية، وهو ضعيف، والحديث التالي له قومه بمثل ذلك. 2- وقال في الحديث الثالث من هذا الباب: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة. وهنا تجلت أمانته في أن رجال سند هذا الحديث من رجال الصحيح، غير أن فيه هارون بن موسى الفروي وليس من شيوخ البخاري، وهذا لا يمنع من قبول حديثه لأن رجال التعديل حكموا بأنه ثقة.   1 مجمع الزوائد ص188 ج10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 3- وفي الحديث الرابع من هذا الباب قال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف. 4- وفي باب ما يحتقر من الذنوب1 خرج حديث عبد الله بن مسعود فقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن داور القطان2. وقد وثق. 5- وفي الحديث الذي يليه قال: رواه أبو يعلى، وفيه إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف. 6- وفي الحديث الذي يليه، وهو من رواية ابن مسعود أيضًا قال فيه: رواه الطبراني موقوفًا بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. 7- وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده في نفس الباب قال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم، وهو ثقة. 8- وفي الحديث الذي بعده من رواية سعد بن جنادة، قال: رواه الطبراني، وفيه نفيع أبو داود، وهو ضعيف. 9- وقال في حديث أبي سعيد الخدري الذي يليه في نفس الباب: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 10- وفي حديث عبادة بن قرض -أو قرظ-3 التالي لما سبقه قال: رواه أحمد وقال: عبادة، والطبراني وقال: عباد، والله أعلم، وبعض أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح. وبعد هذه التخريجات العشرين التي أوردناها من موضعين: من أول الكتاب وآخره، نترك للقارئ الحكم على أمانة الرجل ودقته التي تجعل كتابه هذا موضع اعتبار وحرص على الأخذ به والإفادة منه جهد الاستطاعة. ولو أننا تعمقنا بذكر أمثلة تدل على تصرفات المؤلف في تخريج الأحاديث في أجزاء الكتاب المتفرقة لطال المجال في ذلك، ولكنا نورد بعضًا مما يدل على صبر الرجل في تحقيق العلم وإفادته للقراء كما انتهى إليه بحثه. فقد ذكر في باب فضل الوضوء في تخريج حديث رواه أبو أمامة4 أن الطبراني رواه في الكبير، وفيه لقيط أبو المساور روى عن أبي أمامة، وروى عنه الحريري وفيه قرة بن خالد،   1 مجمع الزوائد ص189 ج1. 2 ورد في خلاصه تهذيب الكمال ص251 باسم عمران بن داود -بالراء- العمي أبو العوامه البصري. 3 هذه أيضًا صورة من صور الدقة؛ لأنه لم يبت في اسم الرجل من وجه واحد، فذكر الوجهين ولعله وجد اختلافًا في اسمه. 4 مجمع الزوائد ج1 ص223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ ويخالف، ثم ذكر هذا الحديث برواية أخرى وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، والأوسط بنحوه، وقال فيه: من بات طاهرًا على ذكر الله بدلًا من $"ما من مسلم يبيت على طهر ثم يتعرى من الليل فيذكر الله" ثم قال: وإسناده حسن قلت: ويأتي حديث ابن عمر من يبيت على طهارة بعد هذا، ثم ذكر حديثًا في المعنى وقال: رواه الطبراني ورجاله موثقون، وله طريق رواها أحمد ذكرتها في الخصائص في علامات النبوة. وفي نفس الباب ذكر في تخريج حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه1 قال: ما أدري ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أزواجًا أو أفرادًا. ثم قال في آخره: رواه الطبراني في الكبير ورواه بإسناد آخر فقال: عن ثعلبة بن عمارة، وقال: هكذا رواه إسحاق الديري عن عبد الرزاق ووهم في اسمه، والصواب ثعلبة بن عباد، ورجاله موثقون. وهكذا نرى أن تحقيقاته وتعمقاته في الرجال والأسانيد -مع تجريده منها امتثالًا لأمر شيخه- قد احتلت كثيرًا من أمكنة الباب، وذلك لأنه لم يستسغ أن يترك ما هو محل الفائدة الكبرى في نظر الأئمة من المحدثين، وهو تعرف درجة الحديث، والتنبيه عليها بكل أمانة ودقة. ثالثًا: يكثر من الأحاديث -في أغلب الأحيان- بما يبلغ العجب من القارئ، وقد أشرنا إلى ذلك في النظرة العامة للكتاب، والوصف الإجمالي له. وقد يكون مرجع الكثرة اختلاف الصحابة الرواة، أو اختلاف لفظ من ألفاظ الحديث بما يرادفها أو يقاربها في المعنى، أو بالزيادة في أحد الحديثين ونقص في الآخر. ومهما يكن من أمر فإن الدعامة والعمدة عنده هو أمانة النقل، والتقييد بما ورد في المعاجم والمسانيد التي يأخذ منها، فإن هذه الأحاديث قد تكررت لنفس الأسباب التي أوردناها، أو لتكرر الحديث في بعضها وحده، أو في بعضها مع البعض الآخر، مع اختلاف الراوي أو اختلاف بعض الألفاظ. ومما يوضح ذلك أن كتاب الإيمان ورد في أول هذه الزوائد، وهو كتاب واسع -كما سبق أن أشرنا- أورد فيه خمسة وثمانين بابًا، وإذا أردنا إحصاء أحاديث الباب الأول منها وموضوعه: "من شهد ألا إله إلا الله" وجدنا عدد الأحاديث التي وردت فيه ستة وثلاثين حديثًا. والباب الذي بعده وموضوعه: "ما يحرم دم المرء وماله"2 نجد عدد أحاديثه بمقتضى الإحصاء عشرين حديثًا. القدر الوارد من الأحاديث لهذين الموضوعين كثير جدًّا بالنسبة لهما، ولا يكاد يتوفر القليل منه في الصحاح الأخرى من الكتب المتداولة، وهذه ناحية جليلة من نواحي الفائدة في الكتاب.   1 مجمع الزوائد ج1 ص224. 2 باب ما يحرم دم المرء وماله ج1 ص24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 ومن بين أبواب كتاب الصلاة باب جامع فيما يصلي قبل الصلاة وبعدها1، كأنه أجمل فيه ما فصله في غيره من الأبواب، وقد ذكر فيه عشرة أحاديث في بعضها طول زائد، وهو عبارة عن كتاب كتبه أبو عبيدة بن عبد الله يحيى بن كثير، يخبره فيه عن عدي بن مسعود بما أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم من التحيات والأدعية في بضع الصلوات، وما يدعو به بعد الفراغ منها، وما ينبغي أن يكون عليه العبد من ضراعة وإخلاص عند الدعاء، وما يتصل بذلك من صلاة الضحى وغيرها. ثم أورد بعد ذلك بابًا في صلاة الضحى2، ذكر فيه خمسة وثلاثين حديثًا في هذه الصلاة التي لم تخل من خلاف بين بعض الصحابة وبعض في فعلها أو تركها مطلقًا أو في أوقات معينة، والإثبات مقدم إذا صح الحديث. وفي باب فرض الزكاة من كتاب الزكاة3، أورد المؤلف قرابة ثلاثين حديثًا فيما عدا الأبواب الأخرى التي بلغت خمسة وسبعين بابًا من كتاب الزكاة. وفي كتاب الأطعمة باب الحمر الأهلية4 أورد المؤلف في هذا الباب وحده ستة عشر حديثًا وفي باب ما جاء في الخمر ومن يشربها أورد اثنين وثلاثين حديثًا فيها كثير من المطولات. ولعل في هذا القدر ما يصور هذه الكثرة من تلك الثروة التي سبق أن أشرنا إليها في الإلمامة الإجمالية أول حديثنا عن هذا الكتاب. رابعًا: يورد كثيرًا من غرائب العلم، ونعني بها تلك المعاني غير المتعارفة في الثقافات المستمدة من كتب السنة المتداولة، مثل كون أهل اليمامة أحذق شيء بأخلاط الطين، فيما ورد عن طلق بن علي5 قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس مسجد المدينة، فجعلت أحمل الحجارة كما يحملون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم يا أهل اليمامة أحذق شيء بأخلاط الطين، فاخلط لنا الطين ... " الحديث، وهو من رواية الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن جابر اليمامي، وضعفه أحمد وغيره، واختلف في الاحتجاج به. ومثل كون صاحب القلم يكون يوم القيامة في تابوت من نار مقفل عليه6 في حديث عطاء، قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال: يا أبا عباس ما تقول في؟ قال: وما عسى أن أقول فيك: فقال: إني عامل بقلمي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بصاحب القلم يوم القيامة في تابوت من نار مقفل عليه بأقفال من نار، فإن كان أجراه في طاعة الله ورضوانه فك عنه التابوت، وإن كان أجراه في معصية الله هُوِي به في التابوت سبعين خريفًا حتى بارى القلم ولايق الدواة" رواه الطبراني في الأوسط والكبير   1 مجمع الزوائد ج2 ص231. 2 باب صلاة الضحى ج2 ص234. 3 مجمع الزوائد ج3 ص62. 4 مجمع الزوائد ج5 ص47. 5 مجمع الزوائد ج2 ص69. 6 مجمع الزوائد ج1 ص136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وفيه أبو أيوب الجيزي عن إسماعيل بن عياش، والظاهر أن آفة هذا الحديث هو الجيزي؛ لأن الطبراني قال في الأوسط: تفرد به الجيزي. ومثله كون أحب صلاة إلى الله المرأة إذا كانت في أظلم مكان في بيتها، وذلك في حديث ابن مسعود1 قال: "ما صلت امرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها ظلمة" رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. ومثله كون المرأة كانت في بني إسرائيل تلبس القالبين في الصلاة تطول بهما لخليلها، وذلك في حديث عن عبد الله بن مسعود2 قال: "كان الرجال والنساء من بني إسرائيل يصلون جميعًا، فكانت المرأة إذا كان لها خليل تلبس القالبين تطول بهما لخليلها، فألقى الله عليهن الحيض ... " الحديث. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. ومثله كون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى قتادة عرجونا ليضرب به الشيطان فأضاء العرجون مثل الشمعة، وذلك في حديث قتادة3: أنه كان في ليلة شديدة الظلمة والمطر فقال: لو أني اغتنمت الليلة شهود العتمة مع النبي صلى الله عليه وسلم: فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه ... إلى أن قال: فأعطاني العرجون فقال: "إن الشيطان قد خلفك في أهلك، فأذهب بهذا العرجون فأمسك به" ... إلى أن يقول: فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا فاستضأت به، فأتيت أهلي فوجدتهم قد رقدوا، فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ، فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج. رواه الطبراني في الكبير، ثم قال الهيثمي: ويأتي حديث عند أحمد أطول من هذا في الجمعة والساعة التي فيها إن شاء الله، ورجاله موثقون. ومثله ما جاء في الخبر من أن شيخنا من طيء4 قال: مر ابن مسعود على مسجد لنا، فتقدم رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب ثم قال: نحج بيت ربنا ونقضي الدين وهو مثل القطوات يهوين. فقال عبد الله: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق. والغريب في هذا الخبر أن رجلًا من هؤلاء القوم لا يعرف من القرآن غير الفاتحة يؤم عبد الله بن مسعود، وهو من أعلام الصحابة، ومن أقرئهم لكتاب الله كما شهد له بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يضع موضع الآيات التي تتلى بعد الفاتحة هذا الهراء على أنه قرآن يتلى، ويقول الهيثمي في تقويم هذا الخبر: الرجل الذي حدث عن عبد الله لا يعرفه، وبقية رجاله ثقات. ومن الغرائب أيضًا حديث أحمد والطبراني5 عن جابر قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يصلي قد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها ووضع اليمنى على   1 مجمع الزوائد ج2 ص35. 2 مجمع الزوائد ج2 ص35. 3 مجمع الزوائد ج2 ص41. 4 مجمع الزوائد ج2 ص66. 5 مجمع الزوائد ج2 ص104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 اليسرى" وقد اعتبرناه من الغرائب لطرافته، ولمبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم بتصحيح خطأ الرجل وهو في موقفه بين يدي الله عز وجل، وقد نص الحافظ على أن رجاله رجال الصحيح. ومن ذلك أيضًا أن فتية من قريش قد حلوا أزرهم1 فجعلوها مخاريق2 وهم عراة، وذلك في حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي: "أنه مر وصاحب له على فتية من قريش قد حلوا أزرهم فجعلوها مخاريق يجتلدون بها وهم عراة. قال عبد الله: فلما مررنا بهم قالوا: إن هؤلاء قسيسون فدعوهم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فلما أبصروه تبددوا، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا حتى دخل، وكنت وراء الحجرة فسمعته يقول: "سبحان الله، لا من الله استحيوا، ولا من رسوله استتروا"، وأم أيمن عنده تقول: استغفر لهم يا رسول الله، فبلأي ما استغفر لهم، وفي رواية: "فتأبي ما استغفر لهم"، رواه أحمد وأبو يعلى. ومن ذلك هذه المفاضلة اللطيفة التي فاضل فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل رفض شفاعته وبين الذي يبخل بالسلام، وذلك حديث جابر: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لفلان في خائطي عذقًا3 وإنه قد آذاني وشق على مكان عذقه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بعني عذقك الذي في حائط فلان"، قال: لا، قال: "فهبه لي"، قال: لا، قال: "فبعنيه بعذق في الجنة"، قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام" رواه أحمد والبزار، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح4. ومن ذلك أن عمرًا أتى النجاشي فوجد من عنده يدخلون مكفرين5 من خوخة، فلما رأى الخوخة ودخولهم عليه أولاه ظهره، ودخل يمشي القهقرى، فلما دخل منها اعتدل، ففزعت الحبشة وهموا بقتله، قالوا: ما منعك أن تدخل كما دخلنا؟ قال: لا نصنع ذلك بنبينا، فهو أحق أن نصنع ذلك به، فقال النجاشي: اتركوه صدق، رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر6. ومن ذلك أن رجلًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فرعم أنه ينزل له عن خير منها "يريد امرأته" وذلك في حديث جرير: أن عيينة بن حصن دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال: من هذه إلى جانبك؟ قال: "عائشة"، قال: يا رسول الله   1 مجمع الزوائد ج8 ص27. 2 المخاريق جمع مخراق، وهو ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضًا. 3 العذق -بالفتح- النخلة كما في النهاية وهو بالكسر العرجون، والحائط البستان المسور بجدار. 4 مجمع الزوائد ج8 ص31. 5 جاء في النهاية أن التكفير أن ينحني لأي إنسان ويطأطئ رأسه قريبًا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيمه لصاحبه ومنه حديث عمرو بن أمية -وساق هذا الحديث، والخوخة باب صغير كالنافذة الكبيرة كما في هامش مجمع الزوائد. 6 مجمع الزوائد ج8 ص39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أفلا أنزل لك عن خيرًا منها "يعني امرأته" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أخرج فاستأذن"، فقال له: إنها يمين علي ألا أستأذن على مضري، وقالت عائشة: من هذا؟ قال: "هذا أحمق متبع". رواه الطبراني عن شيخه علي بن سعيد بن بشير، وهو حافظ رحال قيل فيه: ليس بذاك، وبقية رجاله رجال الصحيح غير يحيى بن محمد بن مطيع وهو ثقة1. ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يومًا إلى حلب ناقة فتقدم لها بعض الناس ولكن لم يختر إلا صاحب الاسم الحسن، عن يعيش الغفاري قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحلب ناقة يومًا فقال: "من يحلبها؟ " فقال رجل: أنا، فقال له: "ما اسمك؟ " قال: مرة، قال: "اقعد"، ثم قام آخر، فقال: "ما اسمك؟ " قال: مرة قال: "اقعد"، ثم قام آخر، فقال: "ما اسمك؟ " قال: جمرة فقال: "اقعد"، ثم قام يعيش فقال: "ما اسمك؟ " قال: يعيش. قال: "احلبها". رواه الطبراني وإسناده حسن. وله نظير فيمن يسوق إبل النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ورد عن حدرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يسوق إبلنا هذه، أو من يبلغ إبلنا هذه؟ "، فقام رجل فقال: "ما اسمك؟ " قال: فلان: قال: "اجلس"، ثم قام آخر فقال: أنا، فقال: "ما اسمك؟ قال: ناجية. قال: أنت لها فسقها" رواه الطبراني من رواية أحمد بن بشير عن عمر، ولم أر فيها جرحًا ولا تعديلًا وبقية رجاله ثقات2. ومن ذلك أنه سمى مولودًا باسمه دون كنيته، ومسح على رأسه فعمر حتى شاب رأسه وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث محمد بن فضالة "يعني الظفري" قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أسبوعين، فأتى بي إليه فمسح على رأسي وقال: "سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي"، وحج بي معه حجة الوداع وأنا ابن عشر سنين، فلقد عمر محمد حتى شاب رأسه وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني وفيه يعقوب بن محمد الزهري وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات3. ومن ذلك أن رجلًا اسمه حرام سمع النبي صلى الله عليه وسلم اسمه فغيره إلى حلال، عن رجل من جهينة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقول: يا حرام، فقال: "يا حلال". رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. ونظير ذلك ما روي عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع اسمًا قبيحًا غيره، فمر على قرية يقال لها: عفرة، فسماها خضرة" رواه الطبراني في الصغير ورجاله رجال الصحيح4.   1 مجمع الزوائد ج8 ص45. 2 مجمع الزوائد ج8 ص47. 3 مجمع الزوائد ج8 ص48. 4 مجمع الزوائد ج8 ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان ينكر على من يلعن الدابة أو البرغوث أو نحو ذلك عن عائشة: أنها كانت1 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلعنت بعيرًا لها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد، وقال: "لا يصحبني شيء ملعون". رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، غير عمرو بن مالك البكري وهو ثقة. وعنها أنها ركبت جملًا فلعنته، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تركبيه" رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله ثقات إلا أن يحيى بن وثاب لم يسمع من عائشة وإن كان تابعيًّا. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فلعن رجل ناقة فقال: "أين صاحب الناقة؟ " فقال الرجل: أنا، فقال: "أخرها فقد أجبت فيها". رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وعن أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغت رجلًا برغوث فلعنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعلنها فإنها نبهت نبيًا من الأنبياء لصلاة الصبح". رواه أبو يعلى والبزار. وعن علي رضي الله عنه قال: نزلنا منزلًا فآذتنا البراغيث فسببناها، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوها فنعمت الدابة فإنها أيقظتكم لذكر الله" رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سعد بن طريف وهو متروك. ومن ذلك بعض المراجعات الطريفة مع بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عقبة بن عامر: أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم2 فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب؟ قال: "يكتب عليه"، قال: ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال: "يغفر له ويتاب عليه". قال: فيعود فيذنب؟ قال: "فيكتب عليه"، قال: ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال: "يغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا". رواه الطبراني في الكبير وسنده حسن. ونظيره عن عائشة قالت: جاء حبيب بن الحارث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل مقراف3 قال: "فتب إلى الله يا حبيب"، قال: يا رسول الله إني أتوب ثم أعود، قال: "فكلما أذنبت فتب" قال: يا رسول الله إذًا تكثر ذنوبي، قال: "عفو الله أكبر من ذنوبك يا حبيب بن الحارث"4 رواه الطبراني في الأوسط وفيه نوح ابن ذكوان وهو ضعيف. ومن ذلك ما ورد عن عائشة وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال: يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   1 مجمع الزوائد ج8 ص77 وما بعدها. 2 مجمع الزوائد ج10 ص200. 3 جاء في النهاية أن المقراف هو كثير المباشرة للذنوب، وأورد صدر هذا الحديث. 4 ج10 ص200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 "بحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلًا لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك"، فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لك؟ أما تقرأ كتاب الله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} " 1 فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئًا خيرًا لي من فراق هؤلاء، أشهدك أنهم أحرار كلهم2. رواه أحمد وفي إسناده الصحابي الذي لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الهيثمي: إن حديث عائشة وحده رواه الترمذي3. وقريب من هذا في الطرافة والدقة حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت4: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وكان بيده سواك فدعا وصيفة له -أو لها- حتى استبان الغضب في وجهه، فخرجت أم سلمة إلى الحجرات فوجدت الوصيفة وهي تلعب ببهمة5 فقالت: ألا أراك تلعبين بهذه البهمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك قالت: والذي بعثك بالحق ما سمعتك، فقال صلى الله عليه وسلم: "لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك"، وفي رواية "لولا القصاص لضربتك بهذا السواك"، وفي أخرى: "لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السوط" روى هذا كله أبو يعلى والطبراني بنحوه. ومن ذلك ما يجمع إلى غرابة اللفظ غزارة المعنى، كوصف المؤمن بأنه واه راقع، وبشارة الراقع في آخر حياته بالسعادة، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن واه راقع، فسعيد من هلك على رقعته"6، رواه الطبراني في الصغير والأوسط والبزار، وفيه سعيد بن خالد القزاعي وهو ضعيف. ولولا خشية الإطالة لأوردنا كثيرًا جدًّا من هذه الطرائف التي تبدو بارزة واضحة في هذه الزوائد كأنها خصيصة من خصائصها، واستيعاب ما تتطلع إليه النفوس في هذا المقام يخرج عن الغرض المقصود، وإنه لجدير بمؤلف مستقل يضم أطرافه، ويجمع ما تفرق منه. خامسًا: غير أننا نضيف إلى ذلك ما لفت نظرنا مما ورد في هذا الكتاب من أن النبي صلى الله عليه وسلم: "شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام ثم صلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام ثم صلى المغرب   1 سورة الأنبياء آية 47. 2 مجمع الزوائد ج10 ص352. 3 ج10 ص353. 4 نسبة حديث عائشة إلى الترمذي يعتبر إضافة على موضوع الزوائد، وفي الكتاب نظائر لهذا أحيانًا. 5 البهمة بفتح الباء كما في النهاية ولد الضأن الذكر والأنثى يجمع على بهم، وجمع الجمع بهام. 6 قال الهيثمي الواهي بمعنى المذنب والراقع بمعنى التائب المستغفر والحديث في ج10 ص201. وفسره في النهاية فقال واه يهي دينه بمعصيته، وراقع يرقعه بتوبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء" رواه أبو يعلى، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو ضعيف عند أهل الحديث، إلا أن ابن عديا قال: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. ومثله حديث لجابر ذكر فيه الأذان مع الإقامة في كل صلاة من هذه الصلوات الأربع، رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف. وقد تتبعت مظان هذا الحديث في كتب أحاديث الاحكام، وفي كتب الفقه المقارن: في كتاب المنتقى لاين تيمية وشرحه نيل الأوطار للشوكاني، وفي بلوغ المرام لابن حجر وشرحه سبل السلام للصنعاني، وفي معاني الآثار وشرحه للطحاوي مع أن الحديث يشهد لمذهبه الحنفي من أن الأذان يكرر للفائتة إذا تعددت، كما رجعنا إلى كتاب المغني والشرح الكبير لابن قدامة، فلم نعثر على هذا الحديث في مظانه من أبواب الفقه وأحاديث الأحكام ولو على سبيل الاستدلال لمن يخالف الجمهور من الحنيفية، الذين يستدلون لمذهبهم بالقياس على الأذان لها فيقولون: يؤذن لكل صلاة ويقيم؛ لأن ما سن للصلاة في أدائها سن في قضائها كسائر المسنونات1. فلو أن الطحاوي هدي إلى هذا الحديث لاستدل به لنصرة مذهبه، ولكان فرصة له في تدعيم هذا المذهب الذي يحرص على الانتصار له. سادسا: يتخير المؤلف كثيرا من عناوين الأبواب فيما ينتفع به طلاب الحديث، ويوجههم إلى كثير مما يخصهم ترغيبا وترهيبا، وهي ناحية بارزة فيما يناسبها من الكتاب. ومن ذلك العناوين الآتية2: باب وصية أهل العلم، باب في طالب العلم وإظهار البشر له، باب الرحلة في طلب العلم، باب أخذ كل علم من أهله، باب كتابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكره أو ذكر عنده، باب سماع الحديث وتبليغه، باب أخذ الحديث من الثقات، باب الاحتراز في رواية الحديث، باب فيمن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب فمن كذَّب بما صح من الحديث، باب الكلام في الرواة، باب الإمساك عن بعض الحديث، باب معرفة أهل الحديث بصحيحه وضعيفه، باب طلب الإسناد ممن أرسل، باب عرض الكتاب بعد إملائه، باب عرض الكتاب على من أمر به. هذا وإن في اختيار أحاديث هذه الأبواب وأمثالها من المسانيد والمعاجم المرتبة على أسماء الرواة وهي مفرقة في ثنايا هذه المعاجم وتلك المسانيد لأمر عسير على غير من أوتي فطانة ودقة في هذا الفن، وتوفيقا من الله سبحانه وتعالى. وقد كان معهودا للمؤلفين في الجوامع أن يوردوا موضوع العلم بصفة عامة في مثل ما أورده الحافظ الهيثمي في كتابه، لكن العجب كل العجب في تخير هذه الأحاديث، وإعطائها صبغة خاصة بما   1 المغني والشرح الكبير ج1 ص433. 2 مجمع الزوائد ج1 ص130 إلى ص152 في أبواب متفرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 أورده من عناوين تكاد تكون من خصائص توجيه أهل الفن إلى ما يلزم اتباعه في المسالك الخاصة بدراسة الحديث وطلبه: سابعا: يورد المؤلف عناوين متضاربة أحيانا ويورد أحيانا أخرى أحاديث متضاربة تحت عنوان واحد: فمن الأول: قوله: باب ما يقطع الصلاة1، وهو يختلف مع عنوان آخر بعده بقليل: لا يقطع الصلاة شيء2، وكذلك قوله: باب إمامة الفاسق3 المشعر بعدم جوازها وقد دل على ذلك صريحا ما ورد من خبر تحت هذا العنوان، وبعده مباشرة: الصلاة خلف كل إمام4 المشعر بجواز إمامة الفاسق، والحديث الذي أورده تحته يدل على هذا صراحة أيضا. ومنه أيضا: باب فيمن يأمر بالمعروف ولا يفعله5، وفيه وعيد شديد على ذلك، وبعده باب: مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به، وهو مختلف مع ما قبله في عنوانه وفي دلالة أحاديثه6. وبهذه المناسبة نورد أننا لاحظنا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر7 زيادة على ما فيه من تكرار واضح في العناوين مثل: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيمن لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو مكرر مع العنوان الاول الذي كأنه رئيسي في موضوعه ومع عنوان آخر في نفس اللفظ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر8 فإننا نلاحظ فيه تضاربا آخر بين الأبواب بعضها مع بعض، وبين الأحاديث كذلك. ومن الثاني: ما أورده في موضوع أذان الأعمى9: فقد ذكر حديثا يدل على كراهته، ثم ذكر بعده حديثا يدل على إباحته، والأول هو حديث ابن مسعود: "ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم" والثاني حديث زيد بن ثابت وفيه: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" ومن الواضح أن ابن أم مكتوم كان أعمى. ومن ذلك ما ورد في باب تلقين الإمام10: فإن فيه ما يدل على منعه، وما يدل على طلبه، والأول هو حديث ابن مسعود: "إذا تعايا الإمام فلا تردن عليه" والثاني حديث أبي بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فأسقط بعض سورة، فذكَّره أبي بعد الصلاة فقال: "أفلا لقنتنيها؟ " وفي حديث آخر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تردد في صلاة الفجر في آية، فلما قضى الصلاة سأل عن أبي بن كعب، فرأى القوم أنه إنما سأل عنه ليفتح عليه" وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر فالتبس فيها، ثم قال لأبي بن كعب: "ما منعك أن تفتح علي" ومنه أيضا ما ورد   1 مجمع الزوائد ج2 ص6. 2 مجمع الزوائد ج2 ص66. 3 مجمع الزوائد ج2 ص66. 4 مجمع الزوائد ج2 ص67. 5 مجمع الزوائد ج7 ص276. 6 مجمع الزوائد ج7 ص277. 7 مجمع الزوائد ج7 ص261 وما بعدها. 8 مجمع الزوائد ج7 ص270. 9 مجمع الزوائد ج2 ص2. 10 مجمع الزوائد ج2 ص69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 تحت عنوان: باب في الإمام يسيء صلاته1 فإن فيه ما يدل على ترك الصلاة خلف الإمام المسيء كما فعل أنس بن مالك مع عمر بن عبد العزيز، وكما فعل أيوب مع مروان، كما أن فيه ما يدعو إلى الصلاة خلفه، وهو حديث عقبة بن عامر الجهني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أم قومًا فإن أتم فله التمام ولهم التمام، وإن لم يتم فلهم التمام وعليه الإثم". ولعل عذره في إيراد الأحاديث المتضاربة أنه -وشكر الله له- بصدد العناية بجمع الأحاديث ونقلها إلى الأبواب التي تناسبها من المسانيد والمعاجم، وما دام بصدد الجمع فإن عليه أن يعرض الأحاديث، وليس عليه أن يتصرف في شأنها بالتوفيق بين المختلفات، أو الجمع بين المتعارضات، فتلك مهمة الفقهاء ومهمة شراح الحديث، وليس هو -في هذا المقام- واحد منهم، ثم تكون مهمة الدارس أن يبحث ويرجع إلى المظان التي تمارس ذلك، ككتب الفقه وأدلتها، وكتب شروح الأحاديث، وكتب مختلف الأحاديث وما إلى ذلك. ثامنًا: يحيل القارئ -في بعض الأحيان- على بعض الأحاديث التي ترتبط بالباب الذي هو بصدده ليضيفه القارئ إلى ذلك الباب وينتفع به فيه، كما صنع في باب: فيما يدرك مع الإمام وما فاته2، فقد ذكر بعض الأحاديث في ذلك، وأحال على بعض ما يتعلق به في باب آخر سبق فقال: وقد تقدمت أحاديث منها في هذا الباب في المشي إلى الصلاة، وهو يريد حديث سعد بن أبي وقاص الذي في آخره: "فصلِّ ما أدركت واقض ما فاتك" 3 وحديث أنس وفي آخره: "فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم" وحديث أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسرعين إلى الصلاة: "لا تفعلوا، ليصلِّ أحدكم ما أدرك وليقض ما فاته". ومن ذلك قوله في باب فضل الوضوء4 بعد حديث: "ما من مسلم يبيت على طهر ... " إلخ: ويأتي حديث ابن عمر فيمن يبيت على طهارة بعد هذا، وحديث ابن عمر فيمن يبيت على طهارة ورد في باب بهذا العنوان بعده5 وهو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات طاهرًا بات في شعاره ملك ... " إلخ. ومنه أيضًا قوله تحت عنوان: باب فعل الخير والإكثار منه في رمضان: قلت: وتأتي أحاديث6 فيمن يتصدق وهو صائم، أو يعود مريضًا أو يشهد جنازة. وفي هذا المقام ظاهرة لا تخلو من غرابة، وهي أنه أورد في كتاب الصوم: بابا في فضل الصوم7 ولم يذكر فيه شيئًا أكثر من قوله: يأتي بعد إن شاء الله، ثم أورد في باب فضل الصوم8 بعد العنوان مباشرة قوله: وقد تقدم فضل شهر رمضان وفيه بعض فضل الصوم، والواقع أنه   1 مجمع الزوائد ج2 ص68. 2 مجمع الزوائد ج2 ص76. 3 مجمع الزوائد ج2 ص31. 4 مجمع الزوائد ج1 ص223. 5 مجمع الزوائد ج1 ص226. 6 مجمع الزوائد ج3 ص150. 7 مجمع الزوائد ج3 ص145. 8 مجمع الزوائد ج3 ص179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 أورد في فضل شهر رمضان1 بعض فضل الصوم -وهو ما يختص بصوم رمضان- في أحاديث تخصه، ثم أورد بعد هذا مباشرة باب فيمن صام إيمانًا واحتسابًا. ونرى أن في هذه الإحالات المتداخلة مع تكرار الأبواب دون موجب ما لا يخلو عن إيقاع القارئ في بعض الحيرة عند متابعة موضوعات هذا الكتاب، والدوران معه في هذا التكرار وتلك الإحالات. هذا وربما كان عذره في ذلك أنه اضطلع رحمه الله بعبء ثقيل لا يطيقه إلا كثرة من الجماعين والمنظمين، فغفر له وأحسن جزاءه. تاسعًا: في روايته للأحاديث كثير من الموقوفات على الصحابة رضوان الله عليهم: فمن ذلك حديث نعيم بن قعنب الرياحي2، وفي آخره أنه سأله عما فعل من وأد البنات فقال: أفي الجاهلية؟ قال الرجل: نعم. فقال أبو ذر: عفا الله عما سلف. ومنه حديث ابن مسعود في باب أذان الأعمى3: "ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم" وحديثه أيضًا4 في باب الصلاة في المحراب: "أن عبد الله كره الصلاة في المحراب وقال: إنما كانت للكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب". ومن ذلك ما جاء في باب الصلاة في بقاع المسجد5 عن مرة الهمذاني أنه قال: حدثت نفسي أن أصلي خلف كل سارية من مسجد الكوفة ... وفي آخر الحديث فقال ابن مسعود: لو يعلم أن الله جل وعز عند أدنى سارية ما جاوزها حتى يقضي صلاته. ومنه باب كيف الجلوس في المسجد6 عن ابن مسعود أنه رأى قومًا قد أسندوا ظهورهم إلى قبله المسجد بين أذان الفجر والإقامة فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها، وقد قصر الهيثمي هذا الباب على هذا الخبر وحده ولم يزد عليه. ومن ذلك باب فيمن دخل المسجد لغير صلاة7 عن أبي عمرو الشيباني قال: كان ابن مسعود يعس في المسجد فلا يجد سوادًا إلا أخرجه إلا رجلًا مصليًا. ومن ذلك ما جاء في باب كيف المشي إلى الصلاة8 أن ابن مسعود سعى إلى الصلاة فقيل له، فقال: أو ليس أحق ما سعيتم إليه الصلاة؟ وفيه أنه خرج إلى المسجد فجعل يهرول فقيل له: أتفعل هذا وأنت تنهى عنه؟ قال: إنما أردت حد الصلاة التكبيرة الأولى.   1 مجمع الزوائد ج3 ص140. 2 مجمع الزوائد ج1 ص31. 3 مجمع الزوائد ج2 ص2. 4 مجمع الزوائد ج2 ص15. 5 مجمع الزوائد ج2 ص16. 6 مجمع الزوائد ج2 ص23. 7 مجمع الزوائد ج2 ص24. 8 مجمع الزوائد ج2 ص32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 ومن ذلك ما جاء في باب خروج النساء إلى المساجد1 عن ابن مسعود قال: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها ... " الحديث، وفي الباب عن ابن مسعود: "ما صلت المرأة في موضع خير لها من قعر بيتها إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا امرأة تخرج في منقليها -يعني خفيها" وعنه أيضًا: أنه كان يحلف فيبلغ في اليمن: "ما من مصلى للمرأة خير من بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من البعولة وهي في منقلبها2. قيل ما منقلبها؟ قال: امرأة عجوز قد تقارب خطوها" ومنه قال: "ما صلت امرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها ظلمة" وأمثال ذلك في الكتاب كثير لمن تتبعه. على أنه ربما يورد بعض المقطوعات، كما في باب من صلى بغير أذان ولا إقامة3، حيث أورد حديث سفيان أنه بلغه عن بعض الصحابة أنهم صلوا بغير أذان ولا إقامة، فقال: كفتهم إقامة المصر، وقد جاء بها الهيثمي في رواية أخرى عن ابن مسعود في الموضع نفسه أنه قال: إقامة المصر تكفي. عاشرًا: أنه لا يأبى أن ينقل من تلك المسانيد والمعاجم أحاديث أو آثارًا فيها مطاعن أو مغامز، تنفيذًا لما التزمه من نقل زوائد تلك المسانيد والمعاجم على الأصول، والتنبيه إلى ما فيها من مطاعن أو مغامز، تحقيقًا لأمانة العلم، وتحذيرًا من تلك الأحاديث التي وردت في تلك المعاجم والمسانيد. فمن ذلك حديث عبد الله بن أوفى: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال بلال: قد قامت الصلاة نهض فكبر" رواه الطبراني في الكبير من طريق حجاج بن فروخ، وهو ضعيف جدًّا4، وحديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تذهب الأرضون كلها يوم القيامة إلا المساجد" رواه الطبراني في الأوسط، وأصرم بن حوشب كذاب5، وحديث أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض كلها ينادي بعضها بعضًا ... " الحديث. رواه الطبراني في الأوسط، وصالح المزي ضعيف6 وحديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين، وقال: إن العبد إذا سجد لله سجدة طهر الله موضع سجوده" رواه الطبراني في الأوسط، ويزيع اتهم بالوضع7. وحديث عائشة الذي تقول فيه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أما علمت أن المؤمن تطهر سجدته موضعها" رواه الطبراني في الأوسط، وعبد الله بن صالح ضعفه الجمهور8.   1 مجمع الزوائد ج2 ص34. 2 مجمع الزوائد ج2 ص3. 3 مجمع الزوائد ج2 ص5. 4 مجمع الزوائد ج2 ص6. 5 مجمع الزوائد ج2 ص6. 6 مجمع الزوائد ج2 ص6. 7 مجمع الزوائد ج2 ص7. 8 مجمع الزوائد ج2 ص7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وفي باب بناء المساجد حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا أوسع منه في الجنة"1 رواه أحمد، وفيه الحجاج بن أرطأة وهو متكلم فيه. وفي باب تطهير المساجد حديث عبد الله بن مسعود: "جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكانة فاحتفر" الحديث رواه أبو يعلى، وفيه سمعان بن مالك2 وهو ضعيف. وفي باب ما جاء في القبلة عن عمارة بن رويبة قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء حين صرفت القبلة، فدار النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث. رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الملك بن حسين النخعي، وهو ضعيف3. ومن هذا النوع ما يكون فيه خلائف بين علماء الجرح والتعديل فيذكره، كما في حديث واثلة بن الأسقع أنه جاء وهم يبنون مسجدًا فوقف فسلم ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجدًا ... " الحديث رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه الحسن بن يحيى الخشني، ضعفه الدارقطني وابن معين في رواية، ووثقه دحيم وأبو حاتم4 وحديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى الله مسجدًا يراه الله بنى الله له بيتًا في الجنة" الحديث، رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمران بن عبد الله، وإنما هو ابن عبيد الله ذكره البخاري في تاريخه، وقال: فيه نظر، وضعفه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات وسمي أباه عبد الله مكبرًا. هذا وفي الكتاب كثير جدًّا من أمثال هذه الأحاديث تعرف بالتتبع، وإنما ينقلها -كما قلنا- تحقيقًا لأمانة العلم، وتحذيرًا منها إن لم تؤيدها أحادث صالحة للتأييد، وهو بهذا يصدق ما قاله النقاد من أن المعاجم والمسانيد مظنة الأحاديث الضعيفة والمنكرة، وأنها تصلح أن تكون موضعًا لالتماس الشواهد والمتابعات في غير ما اتفقت فيه مع الكتب الصحاح. ونختم هذه الدراسة الموجزة بما تعطيه هذه الإلمامة القصيرة من تصوير هذا الكتاب القيم في صورته القوية ثروة جامعة، تضيف إلى الكتب الصحاح زيادات كان لا بد من إضافتها، وهي لا تقل عنها عددًا إن لم تزد عليها إحصاء، مع ما فيها من طرائف العلم وغرائبه، وما لا بد من معرفته ولا سيما لخواص العلماء الذين تقتضيهم مهمتهم أن يتابعوا السنة النبوية الكريمة، ويلتمسوها حيث تكون. ولا يفوتنا وقد درسنا هذا الكتاب، وألمعنا إلى بعض النواحي البارزة فيه، بما هو مفخرة للأمة الإسلامية بهذا الحافظ العظيم، الذي استطاع أن يجمع شتات هذه الزوائد من مظانها المتعددة.   1 مجمع الزوائد ج2 ص7. 2 مجمع الزوائد ج2 ص11. 3 مجمع الزوائد ج2 ص13. 4 مجمع الزوائد ج2 ص7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 في محيط واحد، فيكمل ما تحتاج إليه كتب السنة الأصلية من استكمال جهد استطاعته -لا يفوتنا أن ننبه إلى أننا بعد أن تتبعنا كتب الزوائد من الرسالة المستطرفة التي هي أوسع ما كتب في تعداد كتب الحديث وإحصائها- أن الحافظ الهيثمي هو أول من رسم الطريق -فيمن علمنا- في جمع الزوائد وإضافتها إلى كتب السنة، فإنه هو الذي جمع هذا المجمع بإشارة شيخه الحافظ العراقي وهو الذي ألف زوائد مسند البزار على الكتب الستة في مجلد ضخم، وألف زوائد مسند أبي يعلى الموصلي عليها في مجلد، وألف زوائد المعجم الكبير للطبراني وسماها البدر المنير في ثلاث مجلدات، وألف زوائد المعجم الأوسط والصغير وسماها مجمع البحرين في مجلدين، ثم جمع الزوائد الستة المذكورة كلها في كتابنا هذا بعد حذف الأسانيد، وتناول كل حديث بدرجته من الصحة والحسن والضعف، وما في بعض الرواة من جرح وتعديل، وقد شهد له الحافظ الكتاني في رسالته المستطرفة بأنه أنفع كتب الحديث، بل لم يوجد مثله في كتاب، ولا صنف مثله في هذا الباب. جزى الله الإمام الحافظ الهيثمي خير الجزاء، ونفع بتراثه الطيب وعمله الخالص، إنه سميع مجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 المطالب المعالية بزوائد المسانيد الثمانية ... المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ: ومؤلف هذا الكتاب هو الإمام الحافظ أحمد بن علي العسقلاني المصري المعروف بابن حجر المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وقد سبقت ترجمته عند دراسة كتابه بلوغ المرام. وقد تحدث عن فكرة جمعه لهذا الكتاب في مقدمته: بأنه رأى جمع جميع ما وقف عليه من الحديث النبوي في كتاب واحد ليسهل الكشف منه، ثم عدل إلى جمع الأحاديث الزائدة في كتب المسانيد على الكتب المشهورة -وقصد بالمشهورة الأصول الستة ومسند أحمد، وبالمسندات ما رتب على مسانيد الصحابة- وأنه وقع له منها ثمانية كاملة، وهي مسند أبي داود الطيالسي، ومسند الحميدي، ومسند ابن أبي عمر العدني، ومسدد، وأحمد بن منيع، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة. ثم ذكر أنه وقع له من المسانيد أشياء كاملة، كمسند البزار وأبي يعلى والطبراني، ولكنه رأى شيخه الهيثمي قد جمع ما فيها وفي مسند أحمد في كتاب مفرد محذوف الأسانيد فلم ير أن يزاحمه عليها، لكنه تتبع ما فاته من مسند أبي يعلى لكون الهيثمي اقتصر في كتابه على الرواية المختصرة. كما ذكر أنه وقع له عدة من المسانيد غير مكملة، كمسند إسحاق بن راهويه فوقف منه على قدر النصف فتتبع ما فيه، فصار ما تتبعه من الزوائد من عشرة دواوين، وقد سبقت لنا دراسة لهذه المسانيد قبل الحديث عن مجمع الزوائد. كما أنه أشار إلى أنه وقف على قطع من عدة مسانيد أخرى فلم يكتب منها شيئًا رجاء إضافتها عند التبييض. وقد وجدناه أضاف إلى المسانيد الثمانية في تخريجاته عدة مراجع أخرى: كالفاكهي والبيهقي وعبد الرزاق، وأحمد في الزهد، وزوائد عبد الله بن أحمد، والبزار مفردًا أو مضمومًا إلى غيره من الثمانية، وابن حبان، وابن أبي أسامة، وابن شيرويه. فمما نقله عن مسند الفاكهي الحديث رقم 1223 و1224، وعن مسند البيهقي الحديث رقم 747، وعن مسند عبد الرزاق الحديث رقم 752، 2548، وعند أحمد في الزهد الحديث رقم 2494، 2495، 2676، وعن ابن حبان الحديث 275، 2368، وعن ابن أبي أسامة الحديث رقم 2237، وعن مسند البزار مفردًا الحديث رقم 3414 و3489 و3838 و3848 و3849، وعن البزار مضمومًا إلى أبي يعلى الحديث رقم 3496، وعن شيرويه الراوي لمسند إسحاق عنه الحديث رقم 2558. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وفي هذه المناسبة نشير إلى ما قاله الأستاذ الأعظمي -مخرج الكتاب ومحققه والمعلق عليه- في بيان التطوير الذي انتهى إلى تلك المطالب العالية، حيث ذكر أنه لم تنقطع محاولات تجميع السنة على صعيد واحد في مصنفات مستوعبة، بعد أن انتهت عهود الرواية والتدوين الأساسية في جوامع ومصنفات وسنن ومسانيد، ومن ذلك ما قصده الحميدي "المتوفى سنة 219هـ" حين ألف كتابه الجمع بين الصحيحين، وغيره كثير1، إلى أن صنف ابن الأثير2 كتابه جامع الأصول على آثار كتاب سابق لرزين العبدري، وهو يمثل الحلقة الأولى في تجميع كتب السنة على صورة تجريد الأسانيد ومقارنة الروايات3 قال صاحب الرسالة المستطرفة: إن كتاب جامع الأصول على وضع كتاب رزين إلا أن فيه زيادات كثيرة عليه، وقال عنه: إنه اختصره ابن الديبع -وهو أحسن مختصراته- كما اختصره قاضي حماه شرف الدين أبو القاسم هبة الله البرزي الجهني المتوفى سنة 733هـ وسماه تجريد جامع الأصول. ويقول الأستاذ الأعظمى: ثم تلا ابن الأثير الجزري الحافظ نور الدين الهيثمي في تصنيف كتابه مجمع الزوائد، وهو الذي درسناه قبل كتاب المطالب العالية. وينبغي أن نشير هنا إلى أن هذه الفترة التي طواها الأستاذ محقق المطالب العالية لم تكن غفلًا ولا خالية من محاولة الجمع كما قد توهمه عبارة الأستاذ المحقق. فقد ظهر فيها كتاب أنوار المصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح لأبي عبد الله محمد بن عتيق بن علي التجيبي الغرناطي المتوفى في حدود ست وأربعين وستمائة للهجرة، كما ظهر فيها كتاب جامع الجوامع السبعة عن الصحيحين والسنن الأربعة وسنن الدارمي لبعضهم، والجمع بين الأصول الستة ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى والمعجم الكبير وربما زيد عليها من غيرها، وهو المسند الكبير للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير، المتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة، سماه جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن، رتبه على حروف المعجم، يذكر كل صحابي له رواية ثم يورد في ترجمته جميع ما وقع له في هذه الكتب وما تيسر من غيرها4.   1 من المصنفات الجامعة المشهورة الجامع في الحديث للإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة 211هـ ومن المصنفات العظيمة بين هذه الجوامع كتاب جامع المسانيد للحافظ عبد الرحمن بن علي الشهير بأبي الفرج بن الجوزي في سبع مجلدات ذكره الذهبي في ترجمته ج4 ص132 وأورده صاحب الرسالة المستطرفة في كتب الجوامع ص132 وقال: إنه سماه جامع المسانيد بألخص الأسانيد. 2 هو مبارك بن محمد بن عبد الكريم الشيباني المتوفى سنة 606. 3 ثم جاء الشيخ عبد الرحمن بن علي بن محمد بن يوسف الزبيدي المشهور بالديبع المتوفى سنة 944هـ فهذب ذلك الكتاب وجمع أبوابه على حروف المعجم وسماه تيسير الوصول إلى جامع الأصول "وهو كتاب نافع ومتداول" راجع كشف الظنون ج1 ص537. 4 الرسالة المستطرفة ص131 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ولا يخلو الأمر -مع عناية علماء المسلمين بالسنة واهتمامهم بها- من أن تكون لهذه الكتب نظائر لمؤلفين من علماء الحديث في الأقطار الإسلامية، ولكن الأستاذ المحقق يريد الربط الإجمالي العام ليكون مدخلًا لموضوع كتاب المطالب العالية وصلته بالجوامع من كتب السنة، فهو لهذا يقول: ثم تلا ابن الأثير الحافظ نور الدين الهيثمي في تصنيف كتابه مجمع الزوائد، مبتغيًا من تأليفه إضافة حلقة أوسع أحاطت بستة كتب أخرى -وذكرها- وقد قدمنا الكلام على ذلك عند دراستنا لذلك المجمع الهيثمي بما اتسع له المقام. ونحن نتفق مع الأستاذ المحقق في أن كتاب المطالب العالية يدخل في دائرة المحاولات لتجميع السنة النبوية في صعيد واحد، ونرى أن الحافظ ابن حجر -بنقله عن هذه المسانيد- أضاف إلى الكتب المتداولة مع زوائد شيخه الحافظ نور الدين الهيثمي ما يرى باجتهاده أنه يحقق الغرض من تلك المحاولة الكريمة، فإنه أضاف إلى كتب السنة المتداولة ما لم يضفه شيخه إليها. وقبل أن نتناول هذا الكتاب بالدراسة ينبغي أن نتقدم بتمهيد نبين به الظروف التي أحاطت بإخراج تلك النسخة المطبوعة، والتي لا يمكن البت بأنها -على هذا الوجه- من وضع الإمام الحافظ ابن حجر، ولا يمكن الحكم بأنه صاحب ما وقع فيها من التصرفات، مع إمكان القطع بأن المتن المجرد -وحده- للإمام الحافظ ابن حجر. وبناء على هذا، فإن دراستنا لهذا الكتاب ستكون بالنسبة لهذه النسخة التي وصلت إلينا مطبوعة دون حكم على المؤلف نفسه بما هو فيه من نقص أو تقصير. وبيان ذلك -كما استقينا من واقع دراسات الأستاذ المحقق وجولاته بين تلك النسخة المخطوطة التي اختيرت من بينها هذه المطبوعة للنشر أن الأستاذ المحقق أفاد بما خلاصته: أنه بحث عن كتاب المطالب في مكتبات الهند والحجاز، فلم يظفر به إلا في المكتبة السعيدية بحيدر أباد عام ثمان وخمسين وتسعمائة وألف، لكن هذه النسخة كانت عبارة عن النصف الأول من الكتاب ... إلى أن قال: إنه ظفر نسختين أخريين في المكتبة العلمية بالمدينة المنورة إحداهما المخطوطة المسندة، والثانية المخطوطة المجردة، أما المسندة فقد نسخت ستة عشر ومائة وألف للهجرة، وهي مصورة عن نسخة في إحدى مكتبات تركيا، وذكر أن تصويرها لم يكن واضحًا؛ لأنه اختير تصويرها بحجم أصغر من أصلها مع وجود تصحيفات وتحريفات فيها فجاءت غامضة صعبة القراءة والإفادة، ولكنه تجلد وتصبر حتى أفاد منها في تحقيق الكتاب، وأما المجردة فهي مصورة من إحدى مكتبات تركيا ولكنها أوضح من المسندة، وقد كتبت عام اثني عشر ومائة وألف للهجرة، وذكر المحقق أن القائم بتجريد الكتاب من أسانيده ليس في المخطوطة ما يصح معه الجزم بتعيينه، وغالب الظن أنه كاتب النسخة نفسه، وذكر أن كاتبي النسختين شخصان مختلفان، ثم وازن بين المجردة والمسندة فقال: إنه لا فرق بينهما إلا حذف أسانيد الحديث في المجردة مع الإبقاء على اسم الصحابي فقط دون كلمة "عن" أو غيرها، ولكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 يؤخذ على مجرد النسخة أنه حذف كثيرًا من الكلام الضروري الذي عقب به المؤلف الحافظ ابن حجر على بعض الأحاديث، ويقول المحقق: "إنه استدرك ذلك في الحواشي، كما يؤخذ عليه إضافة كلمة "رفعه" مع التصريح بعبارة "قال" ونحوها وهما لا يجتمعان، وأنه كثيرًا ما يأتي بكلمة رفعه مع الموقوف، ثم بين أن اختيار المخطوطة المجردة كان بإشارة من قسم التراث الإسلامي بالكويت الذي رأى أن نشرها أولى -في هذا الزمن- من نشر المخطوطة المسندة، لا سيما مع الإفادة من خصائص النسخة المسندة، وكأنه يريد بهذه العبارة أن الخصائص المنشودة من النسخة المسندة والتي خلت منها المجردة هي بيان درجات الأحاديث، وقد حاول المحقق أن يستوعبها من مصادرها الثلاثة -وهي هذه النسخة المسندة وزوائد البوصيري وزوائد الهيثمي- على أن المحقق أيضًا ربما لم يصل إلى حكم في هذه المراجع الثلاثة فيرجع إلى رجال الأحاديث في مظانها، وما حكم به في كتب الرجال إذا نشط لذلك، وربما لم ينشط له. وبعد هذا نستطيع أن ندون رأينا في هذه النسخة التي وصلت إلينا أول ما ظهرت مطبوعة -لأول مرة- وكما نشرها التراث الإسلامي إدارة الشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف بالكويت وهي الطبعة الأولى عام سبعين وتسعمائة وألف ميلادية بالمطبعة العصرية بالكويت. والكتاب يقع في أربع مجلدات جميعها ست وسبعون وسبعمائة وألف صفحة من القطع المتوسط، فيها حديثان وسبعمائة وأربعة آلاف حديث موزعة على المجلدات الأربعة. وقالت المجردة1 في مقدمتها: إن المصنف رتبه على أبواب الأحكام الفقهية، ثم ذكر بدء الخلق، والإيمان، والعلم، والسنة، والتفسير وأخبار الأنبياء، والمناقب والسيرة النبوية، والمغازي، والخلفاء، والآداب، والأدعية، والزهد، والرقائق، والفتن، والتعبير، والبعث والحشر. لكن ما في الكتاب لا يتطابق مع ذلك، لا ترتيبًا ولا توصيفًا، فإن هذا الكلام يوهم أن ما عدا هذه الأبواب من الكتاب فقه، وليس كذلك، فإن فيما عداها كثيرًا مما ليس بفقه: كالطب والبر والصلة وفضائل القرآن، كما أنه يوهم أن هذه الأبواب التي ذكرها من أول بدء الخلق إلى آخرها هي أخريات ما ذكر في الكتاب، مع أن كتبًا وأبوابًا منها قد ذكرت قبل ذلك، مثل كتاب الأدب الذي ذكر بعد منتصف الجزء الثاني وقبل بدء الخلق وما بعده، ومثل كتاب الأذكار والدعوات الذي ذكر في الجزء الثالث وقبل بدء الخلق وما بعده، ومثل كتاب فضائل القرآن الذي ورد بعد بدء الخلق، ولم يرد عنه ذكر في المقدمة في غير أبواب الفقه، ومن تتبع التطبيق   1 وإنما عبر لنا بهذا التعبير لأن في تبويب الكتاب اختلافًا معيبًا بين ما في المقدمة وما ورد في الكتاب تطبيقًا عليها، وذلك ما لا يجوز إلصاقه بالمؤلف الحافظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وجد اختلافًا يطول شرحه، ولهذا نرى أن نقطع النظر عما ورد في مقدمة المجردة وأن نعرض الكتب والأبواب الرئيسية التي وردت في أجزاء الكتاب: كتاب الطهارة وتحته أبواب تتعلق بها، كتاب الغسل وتحته أبواب كذلك، كتاب الحيض وتحته أبواب، كتاب الصلاة وتحته أبواب الأذان والإقامة، ثم أبواب مواقيت الصلاة، ثم أبواب صفة الصلاة والمساجد والجماعة، كتاب النوافل وتحته أبواب تتعلق بها، ثم أبواب الجمعة، كتاب الجنائز وتحته أبواب تتعلق بها، كتاب الزكاة وتحته أبواب تتصل بالزكاة، كتاب الصيام وتحته أبواب كذلك، كتاب الحج وتحته أبواب كسوابقه، كتاب البيوع وتحته الأبواب المتصلة بالبيوع، كتاب العتق وليس تحته أبواب، باب الوصايا، كتاب المواريث وتحته أبواب تتعلق بها. وبهذا ينتهي المجلد الأول من الكتاب بناء على التقسيم الذي اختاره الناشر. وفي أول المجلد الثاني كتاب النكاح والطلاق وتوابعهما، وتحته الأبواب المتعلقة بذلك، ثم باب الإيمان والنذور، ثم كتاب الحدود وتحته أبواب، ثم كتاب القصاص وتحته الأبواب المتعلقة به، ثم كتاب الجهاد وتحته أبواب تتصل به، ثم كتاب الخلافة والإمارة ويندرج تحته أبواب كذلك، ثم كتاب القضاء والشهادات كذلك، ثم كتاب اللباس والزينة كذلك، ثم كتاب الأضحية والعقيقة وتحته أبواب، ثم كتاب الصيد وتحته أبواب، ثم كتاب الأطعمة والأشربة وتحته أبواب، ثم كتاب الأدب وتحته أبواب، ثم كتاب البر والصلة وتحته أبواب ينتهي عند بعضها المجلد الثاني من هذا الكتاب. ثم يبدأ المجلد الثالث ببقية أبواب البر والصلة، ثم يأتي كتاب تعبير الرؤيا وليس تحته أبواب ثم كتاب الإيمان والتوحيد وتحته أبواب، ثم كتاب العلم وتحته أبواب تتعلق به، ثم كتاب الرقائق والزهد وتحته أبواب كذلك، ثم كتاب الأذكار والدعوات كذلك، ثم كتاب بدء الخلق وما تحته من أبواب، ثم كتاب فضائل القرآن وما تحته من أبواب، ثم كتاب التفسير كذلك، وبه ينتهي المجلد الثالث من الكتاب. ثم يبدأ المجلد الرابع بكتاب المناقب المتضمن لشمائل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب الصحابة وغيرهم، وفضائل البلدان وتحته أبواب عديدة تتصل بهذه الموضوعات، ثم كتاب السيرة والمغازي وتحت كل منهما أبواب تتصل به، ثم كتاب الفتن وما تحته من أبواب فصل بين بعضها والبعض الآخر بكتاب الفتوح، ثم ينتهي الكتاب بكتاب البعث والحشر وما يتعلق به من أبواب. هذه هي الموضوعات التي شملها ذلك الكتاب، ذكرناها على وجه الإجمال، لنتبين مدى الاختلاف بين ما وقع في مقدمة المخطوطة المجردة وما في هذه النسخة المطبوعة في التقسيم والترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وأما أبرز ما ظهر لنا من صفات في عرض الأحاديث والآثار في هذه النسخة، فأول ما يلفت النظر ما نسب إلى الإمام المؤلف من قوله: وشرطي فيه ذكر كل حديث ورد عن صحابي ولم يخرجه الأصول السبعة من حديثه ولو أخرجوه أو بعضهم من حديث غيره، مع التنبيه عليه أحيانًا. والواقع أن هذا الشرط يخرج كثيرًا مما في هذه النسخة من النوعين الآتيين، وكل منهما كثير في هذا الكتاب: فأما النوع الأول فهو تلك الأحاديث المرسلة التي لا ذكر فيها للصحابي. وأما النوع الثاني فهو الآثار المقطوعة التي أضيفت إلى التابعين. فمن النوع الأول الحديث رقم 1533 وهو قول مجاهد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غطي عنا قنازعك 1 يا أم أيمن" والحديث رقم 1536 وهو قول سعيد بن المسيب: آمت حفصة من زوجها، وآم عثمان من رقية ... إلى آخر ما ذكره من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفصة. والحديث رقم 2793 وهو قول الشعبي: إنه صلى الله عليه وسلم مر على أصحاب الدركلة2 والحديث رقم 2795 وهو قول نصر بن شفي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمدًا فقد جهل" والحديث رقم 3099 وهو قول عروة: توفيت امرأة وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون منها فقال بلال: ويحها قد استراحت ... الحديث، وهذا النوع كثير في الكتاب لمن تتبعه. ومن النوع الثاني الأثر رقم 174 وهو عن عكرمة أنه لا يرى بأسًا أن يغتسل الرجل من الجنابة ثم يستدفئ بامرأته، والخبر رقم 2304 وهو أن الحسن كان يقول عند الذبائح: بسم الله والله أكبر اللهم لك ومنك. الخبر والأثر رقم 2477 وهو خبر السرى بن يحيى أنه سمع محمد بن سيرين يقول لغلام أراد أن يحتجم في أول الشهر: لا تحتجم في أول الشهر ... الخبر، والخبر رقم 2634 عن إبراهيم قال: إذا كانت لك إليه "الكافر" حاجة فابدأه بالسلام، وقال مجاهد: إذا كتبت فاكتب: السلام على من اتبع الهدى، والخبر رقم 4201 وهو عن الأعمش: ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم، وتكملته رقم 4202، والخبر 4238 وهو عن سعيد بن المسيب يقول: وج واد مقدس، وهذا أيضًا كثير في الكتاب لمن تتبعه. على أنه بعض الأحاديث لا يقتصر على ذكر الصحابي وحده، بل كثيرًا ما يذكر من روى عنه كما في الحديث 4621 لمحمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 القنازع: خصل الشعر. 2 الدركلة: ضرب من لعب الصبيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 قال ... الحديث، بل إنه أحيانًا يذكر من روى عمن روى عن الصحابي كما في الحديث رقم 4623 وهو حديث أن هارون العطاردي حدثه1 أن أبا الأشعث حدثه أن ابن عباس حدثه أن الروح الأمين حدثه، ومثل ذلك في حديث 4164، وواضح أن هذا خروج على المألوف فيما نسب إلى المؤلف في المقدمة. ثانيًا: أكثرت هذه النسخة من إيراد كلمة رفعه "وصفًا للصحابي" مع التصريح بالسماع أو بكلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها مثل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال، وهذا أسلوب مستدرك؛ لأنه لا معنى للجمع بين رفعه وما بعدها على هذا الوجه، وقد نبه إلى ذلك الأستاذ المحقق في تقديمه للكتاب، غير أنه يرد التعبير أحيانًا بأسلوب صحيح ليس فيه هذا الجمع. ومن ذلك الحديث رقم 1014 أبو سعيد رفعه: "صيام يوم عرفة بمنزلة سنتين" وواضح أن هذا التعبير يدل على أن هذا الكلام من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون حاجة إلى التصريح بقال أو نحوها، وهو تعبير دارج متعارف بين المحدثين. وأيضًا الحديث رقم 1146 وهو حديث عبد الله بن عمر رفعه: "لولا ما مسه "الحجر الأسود" من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي" ومنه الحديث رقم 2229 وهو حديث عائشة رفعته: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: "إني صنعت اليوم شيئًا ... " الحديث، ومن ذلك الحديث رقم 2231 وهو حديث أم ولد شيبة رفعته: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " إلخ، وإن كان الاختصار في مثل هذا الحديث والذي قبله لا يظهر لأن كلمة "قالت" تغني عن كلمة "رفعته" وتؤدي مؤداها بالأصالة، ومن ذلك الحديث رقم 2938 وعبارة: أنس رفعه: "مجوس هذه الأمة وإن صاموا وصلوا" يعني القدرية. وهذا النوع الذي نسب إلى الصحابي أنه صرح فيه بالرفع قلما يرد التعبير فيه سليمًا في هذا الكتاب. ثالثًا: قلما تذكر النسخة المجردة تقويمًا للحديث وبيانًا لدرجته الحديثية، ونحن ننزه الإمام الحافظ شيخ الإسلام أن يكون هذا التصرف منه، ولكنه اختصار من المجردة، وهو اختصار طغى على تقدير الحديث، ونحن نعلم أن تقدير الحديث أمر له أهميته وخطره في هذا الفن بين رجال الحديث، ولا سيما في كتب الزوائد التي تكثر فيها -تبعًا لأصولها المأخوذة منها- الأحاديث الضعيفة، ويتخللها بعض الأحاديث الموضوعة، فكان لا بد من التنبيه على ذلك.   1 الضمير في حدثه الأولى هذه لا مرجع له، وأما التي بعدها فله مرجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 ونحن نشكر الأستاذ محقق الكتاب فقد بذل جهد استطاعته في تقدير الأحاديث ونسبتها إلى مصادرها التي نبهت إلى ذلك، وهي في الأعم الأغلب: إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة للحافظ البوصيري المتوفى سنة 840هـ، ومجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى سنة 807هـ، والنسخة المسندة التي هي الأصل الذي أخذت منه هذه المجردة المبتورة الناقصة. ومهما يكن فإننا بترديد النظر في هذه المجردة قد وجدنا بها عدة تقريرات للأحاديث يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي: - الحديث رقم 486 وهو حديث أبي الدرداء رفعه: "من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله بنور يوم القيامة" فيه انقطاع بين مكحول والصحابي، والحديث في المسندة ورد بالسند الذي ذكر فيه مكحول راويا عن الصحابي، وفيه يتجلى الانقطاع. - الحديث رقم 487 وهو حديث أبي هريرة وابن عباس قالا: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذكرا حديثًا طويلًاِإلى أن قال صلى الله عليه وسلم: "ومن مشى إلى مسجد من المساجد فله بكل خطوة يخطوها عشر حسنات ... " الحديث، ثم ورد تقديره في المجردة هكذا: موضوع، ولم يذكر لذلك علة. - الحديث رقم 489 وهو حديث أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه، فقارب في الخطا فقال: "إنما فعلت هذا ليكثر عدد خطاي في طلب الصلاة" والتقدير لهذا الحديث: قلت: الضحاك ضعيف الحفظ، والمحفوظ في هذا موقوف على زيد بن ثابت، وقوله المحفوظ يدل على أن الحديث روي من وجه غير محفوظ وهو ما يسمى شاذًّا، والمحدثون يختلفون في قبول الشاذ. - الحديث رقم 490 وهو حديث أنس قال: خرجت وأنا أريد المسجد فإذا أنا بزيد بن ثابت ... الحديث، وفي تقديره قالت المجردة: فيه ضعيف، وهذا الوصف أوضحه المعلق بقوله: فيه داود بن المحير وهو ضعيف. - الحديث رقم 805 وهو حديث جميلة بنت سعد بن الربيع قالت: قتل أبي وعمي يوم أحد فدفنا في قبر واحد الحديث، فقد عقبت المجردة عليه بعبارة: قلت: جابر ضعيف. على أن الحكم على جابر وهو لم يذكر أمام القارئ قليل الجدوى، إلا أنه على وجه العموم يشعر بضعف الحديث لضعف بعض رجال المسند، لكن العبارة غير محددة. - الحديث 815 وهو للقاسم بن محمد أن أبا بكر الصديق كان إذا أعطى الرجال عطاءه قال له: هل لك مال؟ فإن قال: نعم. قال: أو زكاته ... الحديث، وتصويره التقدير هنا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 قلت: إسناده صحيح إلا أنه منقطع بين القاسم وجده الصديق. وهذا التقدير يبدو غريبًا في مصطلح الحديث؛ لأنه إذا حكم بالانقطاع فلا تتحقق صحة الحديث. - الحديث رقم 827 وهو حديث طلحة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجل صدقة العباس بن عبد المطلب سنتين" والتقدير الوارد في المجردة: قلت: يوسف تالف، لكنه توبع، وقال البزار بعد أن أخرجه من وجه آخر عن الحسن البجلي عن الحكم: الحسن البجلي هذا هو ابن عمارة لا نعلم رواه غيره. - الحديث رقم 1018 وهو حديث ابن عباس: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة" خالفه الحافظ، "وتمامه في الأصل". وهنا تعليقه تقول قلت: وهو مع ما قبله خالفه الحافظ عن حوشب، وقالوا: عن مهدي عن عكرمة عن أبي هريرة، ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه. ولا نتبين إذا كانت كلمة "قلت" من كلام المحقق، أو هو نقل لما في الأصل تفصيلًا لما أجمل بعبارة "وتمامه في الأصل". - الحديث رقم 1515 وهو حديث أبي هريرة وابن عباس قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكرا الحديث، وفيه: "ومن ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان ... " الحديث، وتقويمه في المجردة: موضوع، ولم يذكر لذلك سببًا. - الحديث رقم 1585 وما قبله، وهما من حديث جابر وأبي هريرة في الحث على الزواج، ذكرهما ثم قال: هذان حديثان منكران وخالد متهم بالكذب. - الحديث رقم 1604 وهو حديث ابن رومان: "سئل عمر بن الخطاب عن طعام العرس" الحديث، وتقويمه: هذا إسناد مظلم، ولم يذكر سبب إظلامه، وقد أورد المحقق السبب نقلًا عن البوصيري في التعليق على ذلك. - الحديث رقم 2958 وهو حديث أبي بكر الصديق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلون الجنة القدرية والمرجئة" وتقويمه الوارد: فيه انقطاع، وبين المحقق أصل الحديث نقلًا عن الإتحاف، فقال: "صنفان من أمتي لا يدخلون ... " إلى آخره. - الحديث رقم 2994 وهو حديث سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دون الله سبعون ألف حجاب من نور ... " الحديث، وتقويمه: فيه ضعف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 - الحديث رقم 4155 وهو حديث رزينة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى صفية يوم قريظة والنضير ... " الحديث، وتقويمه في المجردة هكذا: قلت: حديث منكر عن نسوة مجهولات، والذي في الصحيح عن أنس أنه جعل عتقها صداقها. ونحن نحمد للمجردة هذا التصحيح لأنه مقاومة لخطأ علمي. - الحديث رقم 4184 وهو حديث أسد بن حضير رفعه: "خير دور الأنصار" الحديث، وتقويمه: هذا حديث صحيح. وهذه الأمثلة التي ذكرناها تبين ما وقع على قلة من تقويم الأحاديث في هذه المجردة، وقد سبق لنا أن عدم التقويم ليس من الحافظ ولا ينبغي أن يكون منه، ولا ندري لماذا كان هذا القدر القليل من الأحاديث هو الذي ورد تقويمه دون غيره في هذه المجردة؟ رابعًا: يهمل بيان كثير من الأسماء التي يشترك فيها الصحابة بعضهم مع بعض، أو التابعون كذلك، فلا يدري القارئ أيهما المراد، وأحيانًا يبخل بذكر اسم الأب مما يوقع في اللبس في معرفة الرواة، ولو أن في مقدمة الكتاب اصطلاحًا يبين مثل هذه الأشياء المهمة لما وقع ذلك اللبس، والبيان واجب في عرض العلم، ولا سيما في السنة التي كان من موضوعاتها في علم الدراية بيان المشتبه والمتفق والمختلف وما إلى ذلك، مما يجعل القارئ على بينة من أمره، ولو أن محقق الكتاب فعل ذلك لأدى خدمة جليلة كان لا بد من أدائها. ونذكر من ذلك على سبيل المثال الحديث رقم 1897 الذي تقول فيه المجردة بشر قال: "أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجثا على ركبتيه" الحديث، وبشر كثير فأيهم هو الراوي؟ - وكذلك الحديث رقم 2173 الذي تقول فيه المجردة: سعيد "اشترى علي بن أبي طالب قميصين" الحديث، فمن هو سعيد؟. - وكذلك الحديث رقم 2307 المروي عن الصلت رفعه: "ذبيحة المسلم حلال ... " الحديث، والصلت كثير في الصحابة وغيرهم، فمن هو الصلت؟ - وكذلك الحديث رقم 4689 الذي تقول المجردة فيه: كعب: "نهر النيل نهر العسل في الجنة" الحديث، فمن هو كعب؟ وإن إهمال مثل هذا عجيب، ولا يمكن الاعتذار عنه؛ لأن لكل حديث مظانه التي يمكن الرجوع إليه فيها، وللأسماء المشتبهة كذلك. خامسًا: في المجردة أحاديث غريبة المعاني، وهي متفاوتة، فمنها ما هو طريف يبدو في شيء من الجدة لأنه غير متعارف ولا متداول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ومن ذلك الحديث رقم 97 وهو حديث أبي الجنوب: أنه رأى عليًّا يستقي ماء لوضوئه، فبادره يستقي له، فقال: مه يا أبو الجنوب فإني رأيت عمر يستقي ماء لوضوئه فبادرته أستقي له، فقال: مه يا أبا الحسن فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي ماء لوضوئه فبادرته أستقي له، فقال: "مه يا عمر فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد". والحديث رقم 172 وهو عن حذيفة قال: "قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من رمضان فقام يغتسل وسترته، ففضلت منه فضالة في الإناء، فقال: "إن شئت فأرقه، وإن شئت فصب عليه"، فقلت: يا رسول الله هذه الفضلة أحب إلي مما أصب عليه، قال: فاغتسلت به وسترني، فقلت: أتسترني؟، فقال: "بلى لأسترنك كما سترتني". ويبدو أن الحديث مروي بالمعنى، فإن بلى لا تستعمل عربية إلا في النفي. ومن ذلك أيضًا الحديث رقم 760 عن المطلب قال: "قام ابن عباس يصلي على جنازة فكبر، ثم افتتح أم القرآن رافعًا بها صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فكبر، فأخلص للميت الدعاء، ثم كبر فدعا للمؤمنين والمؤمنات، ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، والله ما رفعت صوتي بالقرآن إلا لتعلموا أنها سنة". والحديث رقم 2310 وهو حديث أبي سعيد قال: "رأى النبي صلى الله عليه وسلم حمارًا موسومًا بين عينيه فكره ذلك، وقال فيه قولًا شديدًا" ولفظ ابن مسهر زاد: ونهى عن أن يضرب الوجه أو يوسم. والحديث رقم 2310 وهو عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم في بيتك من بركة؟ يعني الشاة". والحديث رقم 2425 وهو عن أبي عثمان قال: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي جسيم ذو جثمان عظيم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "متى عهدك بالحمى؟ " قال: لا أعرفها قال: "فالصداع؟ " قال: لا أدري ما هو، قال: "فأصبت في مالك؟ " قال: لا. قال: "فرزئت بولدك؟ " قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبغض العفريت النفريت الذي لا يرزأ في ولده ولا يصاف في ماله". والحديث رقم 2470 وهو حديث العلاء بن زياد: أن امرأة النبي أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها وقد سقى1 بطنه، فقالت: يا رسول الله إن ابني لمصاب فما ترى؟ أفأكويه؟ قال: "لا تكويه" فأجمعت ألا تكويه، فضربه بعير فخبطه، ففقأ بطنه فبرأ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 سق بطنه حصل فيه الماء الأصفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله استأذنتك في ابني أن أكويه فنهيتني، فمر به بعير فخبطه أو لبطه1 ففقأ بطنه وبرأ، فقال: "أما لو أذنت لك لزعمت أن النار هي التي شفته". ومن ذلك الحديث رقم 2704 وهو حديث أبي إسحاق عن بعض أصحابه قال: لعن الله صاحب هذا القبر فإنه كان عدو الله -وابنه يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال له2: بل لعن الله أبا قحافة، فوالله ما كان يقرئ الضيف ولا يقاتل العدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء". والحديث رقم 2794 وهو حديث محمد بن عمرو بن حزم: "أن عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي وأراد أن يغير أسماءهم فشهد آباؤهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهم، وكان محمد بن عمرو بن حزم فيهم". والحديث رقم 4127 وهو عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا، فركبت لوحًا منها فطرحني في أجمة، فلم يرعني إلا به "أي الأسد" فقلت: يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضربني بمنكبه وطأطأ رأسه، وجعل يغمزني بمنكبه ثم مشى معي حتى أقامني على الطريق، ثم ضربني بيده وهمهم ساعة فرأيت أنه يودعني". ومن ذلك الحديث رقم 4134 وهو حديث عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: "ما يبكيك؟ " قلت: سبتني فاطمة، قال: "يا فاطمة سببت عائشة؟ " قالت: نعم يا رسول الله، قال: "ألست تحبين من أحب وتبغضين من أبغض؟ " قالت: بلى، قال: "فإني أحب عائشة فأحبيها"، قالت فاطمة: لا نقول لعائشة شيئًا يؤذيها أبدًا". والحديث رقم 4148 وهو حديث الزبير بن العوام قال: "لما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه يوم أحد بالمدينة خلفهن في فارع3، وتخلف فيهن حسان بن ثابت، فأقبل رجل من المشركين ليدخل عليهن، فقالت صفية لحسان: دونك الرجل، فجبن حسان وأبى عليها، فتناولت صفية السيف فضربت به المشرك حتى قتلته، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب لصفية بسهم كما يضرب للرجال". والحديث 4157 وهو حديث صفية بنت حيي قالت: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجز ناقته، قالت: فجعلت أنعس فيمسني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: ويقول: "يا هذه، يا بنت حيي، وجعل يقول: يا صفية إني أعتذر إليك مما صنعت بقومك، إنهم قالوا: كذا وكذا وكذا".   1 خبطه: ضربه بشدة، ولبطه: ضربه بقوائمه. 2 القائل هنا هو ابن الرجل الذي لعنه أبو بكر، والضمير في له راجع لأبي بكر. 3 والقارع أطم كان بباب الرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 والحديث 4159 وهو حديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن ... الحديث، فقام عمر في الناس فقال: إن أم ورقة غمها غلامها وجاريتها فقتلاها، وإنهما هربا، فأتيا بهما فصليا، فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "انطلقوا نزور الشهيدة". ومن ذلك الحديث رقم 4164 وهو حديث يحيى بن جعدة عن رجل عن أم مالك الأنصارية قال: "جاءت أم مالك بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بلالًا فعصرها، ثم دفعها إليها فرجعت فإذا هي مملوءة سمنًا، قالت: فأتيت فقلت: نزل في شيء يا رسول الله؟ قال: "وما ذاك يا أم مالك؟ " قالت: رددت على هديتي. قال: فدعا بلالًا فسأله، فقال: والذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هنيئًا لك يا أم مالك، هذه بركة قد عجل الله لك ثوابها". والحديث رقم 4206 وهو حديث الغفاري أنه سمع أبا هريرة بالمدينة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كيف بكم إذا شبعتم من الخبز والزيت؟ فسبحوا وكبروا ساعة" ثم قالوا: متى يا رسول الله؟ قال: "إذا فتحت الأمصار"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بكم إذا اختلفت عليكم الألوان، وغدوتم بثياب ورحتم بأخرى؟ " قالوا: متى ذلك يا رسول الله؟ قال: "إذا فتحت الأمصار وفتحت فارس والروم"، قالوا: فهم خير منا يا رسول الله يدركون الفتوح؟ قال: "بل أنتم خير منهم، وأبناؤكم خير من أبنائهم، وأبناء أبنائكم خير من أبناء أبنائهم، لم يأخذوا بشكر "ثلاثًا" ". والحديث رقم 4292 وهو حديث عائشة: أنه جاء رجل من المشركين حتى استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعورته يبول، فقال أبو بكر: يا رسول الله أليس الرجل يرانا؟ قال: "لو رآنا لم يستقبلنا بعورته -يعني وهما في الغار- ". ومن ذلك الحديث رقم 4396 وهو عن عامر الشعبي قال: قال المغيرة بن شعبة: إني لآخر الناس عهدًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، إنا حفرنا له ولحدنا فلما دفنوه وخرجوا ألقيت الفأس في القبر فقلت: الفأس، الفأس فدخلت فأخذته ومسحت يدي على النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث رقم 4647 وهو حديث عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال: "انطلقت في وفد ثقيف، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقمنا بالباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا وفي الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منا: يا رسول الله ألا تسأل ربك ملكًا كملك سليمان بن داود؟ فضحك وقال: "لعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبيًّا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطي بها، ومنهم من دعا بها على قوم إذا عصوه فأهلكوا بها، وإن الله قد أعطاني دعوة، فاختبأتها لأمتي يوم القيامة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 والحديث رقم 4655 وهو حديث أنس: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: "رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، قال الله عز وجل: أعط أخاك مظلمته، قال: يا رب لم يبق لي من حسناتي شيء، قال الله تعالى للظالم: كيف تصنع ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: فليحمل عني أوزاري" قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: "إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: أرفع بصرك فانظر إلى الجنة، فرفع بصره فقال: أي رب، أرى مدائن من فضة، وقصورا من ذهب مكللة بالؤلؤ، فيقول: لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا يارب، قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب إني قد عفوت عنه، قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيام" 1. وقد تكون الغرابة بعرض أمر غير مألوف، ولا متمش مع قواعد الشريعة أو لغة العرب، ولا ما ورد من السنة، وذلك كحديث شريح أنه سأل عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، فإني سمعت في كتاب الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} 2؟ ففي هذا الحديث اتجاه بالحصير إلى غير معناه المتداول في لغة العرب من أن معناه في مصل هذا "المحبس" كما صرح به علماء التفسر واللغة، وقد أورد الأزهري في تفسير الآية في مادة حصر، فقال: وقال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} قال أبو الحسن الأخفش حصيرا أي محبسا ومحصرا، ولذلك يقال للملك حصير لأنه محجوب، ثم قال بعد ذلك: ونقل مثله عن أبي الهيثم، ثم قال: والحصير البساط الصغير من النبات. وهذا الحديث -وإن نص الهيثمي على أن رجاله موثقون- لا يتفق مع الدين، وأن موضع الصلاة إذا كان طاهرًا لا تمتنع الصلاة عليه، وسياق المناقشة بين الراوي وبين عائشة يوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على الحصير لهذه الآية حتى يبتعد عن صفات جهنم، مع أنه قد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الحصير، جاء في حديث المغيرة: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة" أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح كما في الجامع الصغير3، وجاء في كشف الغمة للإمام الشعراني4 وهو كتاب قد التزم   1 المطالب العالية ج1 ص94. 2 سورة الإسراء آية رقم 7. 3 الجامع الصغير ج2 ص118. 4 كشف الغمة ج1 ص97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 صاحبه تصحيح أحاديثه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على البساط وعلى الحصير وعلى الفروة المدبوغة، وعلى الخمرة من الخوص وغيره، وربما كانوا ينضحون له الحصير بالماء إذا أسود من طول المكث فيصلي عليه، ورأى عمر رضي الله عنه رجلًا يصلي على الحصير فقال: الحصبان أعفر". سادسًا: في الكتاب كثير من الأحاديث الموقوفة والمقطوعة، فأما المقطوعة فقد تقدم تصويرها بإيراد جانب منها عند مناقشة الشرط الذي ورد في المجردة من التزام المؤلف بذكر كل حديث ورد عن الصحابي إلى آخره، وأما الموقوفات فمنها: الحديث رقم 173 وهو عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: "بينما عمر يغتسل إلى بعير وهو محرم وأنا أستر عليه بثوب إذ قال: يا يعلى أصب على رأسي الماء؟ " قلت: أمير المؤمنين أعلم. قال: والله ما أرى الماء يزيد الشعر إلا شعثًا، ثم قال: بسم الله وأفاض على رأسه". ومن ذلك الحديث رقم 334 وهو حديث محمد بن الحنفية: "أن عليًّا كان لا يرى بأسًا أن يصلى الرجل في الثوب الواحد، وكان يصلي في الثوب الواحد قد خالف بين طرفيه". وكذلك الحديث رقم 533 وهو حديث ابن عباس قال: "استقبل عمر الناس من القيام فقال: ما بقي من الليل أفضل مما مضى منه". والحديث رقم 544 وهو حديث الحسن أن عمر قال: "إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم عليه القرآن فلينم". والحديث رقم 545 وهو عن أبي يحيى قال: قال لي ابن عباس: "يا أبا يحيى. ألم ترني نمت الليلة عن الوتر، أتاني ابن مخرمة وآخر معه، فشغلاني عن الوتر، فنمت حتى أصبحت فأيقظتني الجارية، فقلت لها: هل طلعت الشمس؟ فقالت: لا، فركعت ركعتي الفجر ثم قلت: انظري هل تطلعت الشمس؟ قالت: لا، فصليت الفجر. والحديث 555 وهو حديث حذيفة بن أسيد قال: "رأيت علي بن أبي طالب إذا زالت الشمس صلى أربعًا طوالًا، فسألته فقال: إن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس، فلا ترتج حتى يصلى الظهر، فأحب أن يرفع لي إلى الله عمل". والحديث 557 وهو حديث عبد الله بن أبي الهذيل قال: "دعوت رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلي، فلما أذن مؤذن المغرب قام فصلى، فسألته عن ذلك فقال: كان أبي بن كعب يصليهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 والحديث 560 وهو عن إبراهيم: "أن عبد الرحمن بن عوف كان يصلي في بيته بعد المغرب ركعتين". ومن ذلك أيضًا الحديث 568 وهو حديث إبراهيم قال عمر بن الخطاب: "إن الأكياس الذين يؤثرون أول الليل، والأقوياء الذين يؤثرون آخر الليل". وكذلك الحديث 2081 وهو حديث مجمع: "أن عليًّا كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه رجلان يشهدان له: لم يحبس فيه المال للمسلمين" قال المحقق: والأظهر عن المسلمين، وفي المسندة: على المسلمين. سابعًا: يبدر في هذه المجردة إحالة كثير من الأحاديث إلى مواضع غير مواضعها التي ترد فيها لأول المناسبة، كما في كتاب الحج، فقد عقد بابًا لغرض الحج والعمرة قال فيه: حديث مخول البهزي يأتي في الإيمان وفيه وحج واعتمر، ثم باب فساد حج الأقلف، وهذا العنوان بعده جملة يأتي في كتاب الأدب، وهذان العنوانان بين رقم 1053 و1054 بالجزء الأول. وفي باب عرض المرأة على الرجل الصالح بعد حديث رقم 1564 حديثان محولان على موضعين أحدهما يأتي، والآخر مضى، أما الأول فهو حديث أنس أن امرأة أتت فقالت: يا رسول الله ابنة لي كذا وكذا فذكرت من حسنها وجمالها فقال: "فقد قبلتها ... " الحديث سيأتي في كتاب كفارات المرض، وأما الثاني، فهو حديث الفضل بن عباس: "أن أعرابيًّا كان معه ابنة حسناء فجعل يعرضها على النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها" الحديث تقدم في أحكام النظر. وفي باب من قصر في ضرب الحد وزاد فيه بعد حديث رقم 1805 بعد هذا العنوان يقول: حديث حذيفة في باب الإمام العادل وهو يقصد الحاكم رقم 2102 الذي ورد في باب فضل الإمام العادل. وفي باب درء الحد بالشبهة حديث رقم 1806 وبعده: وسيأتي حديث علي في السرقة. وفي باب الترغيب في الستر بعد الرقم السابق ورد قوله: فيه حديث عمر في باب الأولياء في أوائل النكاح. وفي باب الملح بعد الحديث رقم 2367 لم يذكر تحت هذا العنوان إلا جملة تقدم في آداب الأكل. وفي باب الزجر عن النظر في النجوم بعد حديث رقم 2463 هذه العبارة: حديث علي بن أبي طالب يأتي في العبث1 في قصة أهل النهروان من الخوارج.   1 قال محقق الكتاب تعليقًا: لعل الصواب في الفتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وفي باب فضل قريش صدره بقوله: تقدم في أول كتاب الخلافة والإمارة أحاديث من هذا ثم أورد بعد ذلك الحديث 4165. هذا: وإننا -مع تنويهنا بالمجهود القيم الذي بذل في إخراج هذه المجردة- نرجو أن يعاد النظر في إخراج هذا الكتاب مرة أخرى مع تجريد أدق، لتسلم النسخة من هذه العيوب التي أشرنا إليها، وذلك بالرجوع إلى النسخة المسندة، ومحاولة العثور على ما عسى أن يكون منها من نسخ كاملة أو غير كاملة، ليستعان بها على مقابلتها بهذه المسندة، التي أشار إليها المحقق، وينبغي أن يكون من يتولى تجريد المسندة من أهل هذا الشأن والدراية فيه، بحيث يحافظ كل المحافظة على تخريجات شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر، فإن له دقة وبعد نظر نستبعد معهما أن يكون قد أهمل شيئًا من هذه التخريجات، وهو من المبرزين في فن التخريج، وله فيه كتب سارت بذكرها الركبان، ورشف منها كل ظمآن. وبعد هذه الدراسة للكتابين في أحاديث الزوائد نستطيع أن نعترف بما لكل منهما من فضل في تجميع الأحاديث، بإضافة هذه الزوائد إلى الكتب المتداولة، ليتجه الناس إليها بالدرس، ويتضاعف الانتفاع بالسنة النبوية، وإن كان مجمع الزوائد للهيثمي أحفل بالأحاديث، وأكثر استيعابًا لها، وأجمل عرضًا وأدق تبويبًا، وأسلم من العيوب العديدة التي وقعت في هذه المجردة من البتر والنقص وعدم الوفاء بالشرط. فمن البارز -كما أشرنا في بيان مسلك هذه المجردة- أنها تبدأ بإيراد الرواة للأحاديث والآثار بأسماء ناقصة لا يتبين المقصود منها، مما يشق على القارئ، ويجعله يقع في لبس شديد لا يدري معه المقصود بهذه الأسماء، ثم إنها لا تبذل العناية اللائقة بتخريج الأحاديث وتعرف مراتبها وهذه ناحية مهمة لطالب الحديث، أما مجمع الزوائد فإنه قد سلم من هذه العيوب، وبذل جهدًا كبيرًا في تعرف الرواة، والتعريف بشأنها، ووقف عند موضع الشك، وترك البحث لمن عسى أن يلهمه الله التوفيق في أمثال هذه المواقف التي يعوزها البحث والتقصي مع توفيق الله ورعايته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات مدخل ... الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات تمهيد: نستطيع أن نقسم هذا المفهوم إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم يرجع إلى متن اللغة "الألفاظ المفردة"، وقد اختص بهذا النوع كتب غريب الحديث . 2- وقسم يرجع إلى أسلوب الحديث وما تضمن من تراكيب تحتاج إلى إيضاحها وبيان المراد منها، وهذا النوع لا يتم المقصود به إلا بشرح غرائب المفردات، لينتقل من شرحها إلى بيان معاني التراكيب المتضمنة لها، فوجود الشرح للغريب ضمن هذا القسم ليس على أنه مقصود فيه، بل على أنه وسيلة للمقصود من شرح التراكيب وبيان المراد منها، وهذا النوع اختصت به كتب الشروح الحديثية. 3- وقسم ثالث يرجع إلى رفع ما قد يبدو من تضارب ظاهري بين بعض الأحاديث وبعض، وبين بعض الأحاديث وما تفيده النصوص القرآنية أو ما علم من الدين بالضوررة، وقد اختص بهذا النوع كتب معينة، سميت باسم تأويل مختلف الحديث، أو بيان مشكل الآثار، أو مشكل الحديث، أو غير ذلك من الأسماء التي ترجع في جملتها إلى هذا المعنى. ولا يفوتنا أن ننوه هنا بأن كتب النوع الثاني لم تغفل النوعين الأول والثالث: ذلك أن فهم التراكيب -كما قلنا- يتوقف على فهم المفردات، فلا بد لشرح التراكيب من بيان مفرداتها، وهو ما تكفلت به كتب النوع الأول، وكذلك لا بد في شرح التراكيب وإيصالها إلى الدارسين خالصة من كل شائبة تحول دون الانتفاع بها وتطبيقها أن يكشف عنها ما قد يعلق بمعانيها من شبه ناشئة من ذلك التضارب الظاهري مع غيرها من النصوص، وذلك ما تكلفت به كتب النوع الثالث. ومن ذلك نرى أن كتب النوع الثاني إذا استوفت مقوماتها والثمرة المقصودة منها تجمع الأنواع الثلاثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 غريب الحديث : تمهيد: أما القسم الأول من كتب توضيح المبهمات وهو غريب الحديث فقد وضعت فيه كتب عديدة، لا نستطيع أن نصور مراحلها وبيان أطوالها بأكثر مما صوره الإمام الدارس الباحث المتخصص مجد الدين ابن الأثير الجزري المتوفى سنة ست وستمائة للهجرة إذ يقول في خطبة كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر -وهو بصدد بيان الباعث له على تأليف هذا الكتاب وإبراز قيمته بين ما ألف من كتب الغريب- ما نلخصه فيما يأتي: قيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئًا وألف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي "التيمي"1 فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابًا صغيرًا ذا أوراق معدودات2 ... وأطال في الدفاع عن صغر حجم الكتاب ثم قال: ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل المازني3 بعده كتابًا في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عبيدة، وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه، ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي4 -وكان في عصر أبي عبيدة وتأخر عنه- كتابًا أحسن فيه الصنع وأجاد، ونيف على كتابه وزاد، وكذلك محمد بن المستنير المعروف5 بقطرب وغيره أئمة اللغة والفقه جمعوا أحاديث تكلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذات عدد، واستمرت الحال إلى زمن أبي عبيد القاسم بن سلام فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والأثر، الذي صار -وإن كان أخيرًا- أولًا لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة، والمعاني اللطيفة، فإنه أفنى فيه عمره، فقد جمعه في أربعين سنة، وكان خلاصة عمره كما حدث   1 هو أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي العلامة الأخباري المتوفى سنة 210هـ وليس هو التميمي كما ورد في النسخة المطبوعة من النهاية ونقلها عنه صاحب كشف الظنون مما يدل على أنه ليس تخريفًا مطبعيًّا، فإن صحته التيمي كما ورد في شذرات الذهب ص24 ج2. 2 النهاية ج1 ص5. 3 هو النضر بن شميل بن خرشة المازني تزيل مرو وعالمها، كان إمامًا حافظًا جليل الشأن، وهو أول من أظهر السنة بمرو، وكانت وفاته سنة ثلاث ومائتين. ا. هـ الشذرات في ص7 ج2. 4 هو العلامة أبو سعيد عبد الملك بن قميص الباهلي البصري الأصمعي اللغوي الأخباري، وتوفي سنة ست عشرة ومائتين، شذرات الذهب ج2 ص36. 5 قطرب النحوي صاحب سيبويه، وهو الذي سماه قطربًا لأنه كان يبكر إليه في المجيء فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل، توفي سنة ست ومائتين. ا. هـ الشذرات ج2 ص15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 عن نفسه1 ... وأطال ابن الأثير في إطراء كتاب أبي عبيد والثناء عليه، ثم قال: إنه بقي في أيدي الناس يرجعون إليه إلى عصر أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري2، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار، حذا فيه حذو أبي عبيد، ولم يودعه شيئًا من الأحاديث المودعة في كتاب أبي عبيد إلا ما دعت إليه الحاجة فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه، وذكر ابن الأثير طرفًا من مقدمة كتاب ابن قتيبة3 ثم قال: إن الناس بعد ذلك صنفوا غير ما ذكرنا في هذا الفن تصانيف كثيرة، مثل شمر بن حمدويه، وأبي العباس أحمد بن يحيى اللغوي المعروف بثعلب4، وأبي العباس محمد بن يزيد الثمالي المعروف بالمبرد5، وأبي بكر محمد بن قاسم الأنباري6 وأحمد بن الحسن السكندري. وغيرهم من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث، ولم يخل زمان وعصر ممن جمع في هذا الفن شيئًا، وانفرد فيه بتأليف، واستمرت الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد7 بن محمد بن سليمان بن أحمد الخطابي8 البستي، فألف كتابه المشهور في غريب الحديث، سلك فيه نهج أبي عبيد وابن قتيبة واقتفى أثرهم ... وذكر ابن الأثير جملة من مقدمة كتاب الخطابي مشتملة على بيان طائفة من كتب الغريب ومزاياها ثم قال: إنه جمع فيه من غريب الحديث ما في كتاب أبي عبيد وابن قتيبة وغيرهما ممن تقدمه، مع ما أضاف إليه مما تتبعه من كلمات لم تكن في واحد من الكتب المصنفة قبله ... إلى أن قال: وفي عهد الإمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري9 رحمه الله صنف كتابه المشهور في غريب الحديث، وسماه الفائق   1 كان إمامًا في القراءات حافظًا للحديث صنف كتابه في غريب الحديث وقال عنه ابن الأهدل، إن أول من صنف غريب الحديث ووقف على كتابه عبد الله بن طاهر فاستحسنه معاشًا شهريًّا كبيرًا ذكره ابن العماد في الشذرات في وفيات سنة أربع وعشرين ومائتين. ا. هـ. ص55 ج2 شذرات الذهب. 2 هو الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الإمام النحوي اللغوي صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب وغريب القرآن ومشكل الحديث توفي سنة ست وسبعين ومائتين. ا. هـ. شذرات الذهب ص169 ج2. 3 ذكره صاحب كشف الظنون ص1205 ج2. كما ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة ص116 وقال: إنه توفي سنة ست وخمسين ومائتين. 4 ذكره العماد في الشذرات في وفيات سنة إحدى وتسعين ومائتين ص207 ج2. 5 المتوفى سنة خمس وثمانين ومائتين. ا. هـ. شذرات الذهب ص190 ج2. 6 ذكره في الشذرات في وفيات سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ص315 ج2. 7 الصواب أن اسمه حمد "دون ألف" قال العماد في الشذرات ص127 ج3: أنه في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة توفي أبو سليمان أحد أوعية العلم في زمانه وقال ابن الأهدل: إنه أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي الشافعي صاحب التصانيف النافعة الجامعة منها غريب الحديث وإصلاح غلط المحدثين. ا. هـ. ويذكره بعض المحدثين باسم أحمد وهو خطأ. 8 راجع كشف الظنون ص1204 ج2 وما بعدها. 9 هو محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي النحوي اللغوي المفسر المعتزلي صاحب الكشاف والمفصل توفي سنة 538، شذرات الذهب ص118 ج4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وأطنب في الثناء على هذا الكتاب، ولكنه ذكر أنه صعب على من يراجعه لإيراده الكثير من الكلمات في غير مظانها، فإذا تطلبها الإنسان تعب حتى يجدها، فكان كتاب الهروي أقرب متناولًا، وأسهل مأخذًا. فلما كان زمن الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني1 -وكان إمامًا في عصره، حافظًا متقنًا تشد إليه الرحال- صنف كتابًا جمع فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث، وسلك في وضعه مسلكه، ورتبه كما رتبه، وقد فاته من الغريب شيء كثير2. ثم قال ابن الأثير: وكان في زماننا معاصر أبي موسى الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي البغدادي رحمه الله3 فألف كتابًا في غريب الحديث خاصًّا، نهج فيه طريق الهروي، وقال في خطبته: فرأيت أن أبذل الوسع في جمع غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعه، وأرجو ألا يشذ عني مهم من ذلك. ثم قال ابن الأثير: ولقد تتبعت كتابه فرأيته مختصرًا من كتاب الهروي، ولم يزد عليه إلا الكلمة الشاذة واللفظة الفاذة، ولقد قايست ما زاد في كتابه فلم يكن إلا جزءًا يسيرًا من أجزاء كثيرة، وأما موسى الأصبهاني رحمه الله، فإنه لم يذكر في كتابه مما ذكره الهروي إلا كلمة اضطر إلى ذكرها، إما لخلل فيها، أو زيادة في شرحها، أو وجه آخر في معناها. ثم قال: ولما وقفت على كتابه الذي جعله مكملًا لكتاب الهروي -وهو في غاية الحسن والكمال- وكان الإنسان إذا أراد كلمة غريبة يحتاج إلى أن يتطلبها في أحد الكتابين، فإن وجدها فيه وإلا طلبها من الكتاب الآخر، ولإخفاء في ذلك من الكلفة، فرأيت أن أجمع ما فيهما من غريب الحديث، وأضيف كل كلمة إلى أختها في بابها تسهيلًا لكلف الطالب. ثم قال: ولما يسر الله الأمر وسهله أمعنت النظر وأنعمت الفكر في اعتبار الكتابين والجمع بين ألفاظهما فوجدتهما قد فاتهما الكثير الوافر؛ لأني في بادئ الأمر مر بذكري كلمات غريبة من غرائب أحاديث الكتب الصحاح -كالبخاري ومسلم- لم يرد شيء منها في هذين الكتابين، فتتبعت كتب الحديث المدونة في أول الزمان وأوسطه وآخره، وكتب اللغة على اختلافها، فرأيت فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيرًا ... وما أحسن ما قال الخطابي وأبو موسى في مقدمتي كتابيهما، وأنا أقول مقتديًا بهما: كم يكون قد فاتني من الكلمات الغريبة التي تشتمل عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم رضوان الله عليهم؟   1 هو محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ، كان بارعًا في الحفظ والرجال، صاحب ورع وعبادة وتقي، ذكره صاحب الشذرات في وفيات سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ا. هـ. ص273 شذرات الذهب ج4. 2 وقد أورد صاحب الرسالة المستطرفة اسم الكتاب في صفحة 117 فقال إنه كتاب المغيث وإنه في مجلد. 3 ذكره صاحب الشذرات في وفيات سنة سبع وتسعين وخمسمائة ص329 شذرات الذهب ج4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ولقد صدق القائل الثاني: كم ترك الأول للآخر، فحيث حقق الله سبحانه النية في ذلك سلكت طريق الكتابين في الترتيب والوضع الذي حوياه من التقفية على حروف المعجم بالتزام الحرف الأول والثاني من كل كلمة، وأتبعتها بالحرف الثالث منها على سياق الحروف. ورأيت أن أثبت ما فيه حروف مزيدة في باب الحرف الذي هو في أولها وإن لم يكن أصليًّا، ونبهت عند ذكره على زيادته دفعًا لشبهة الجهل عني. هذا هو ما جاء في مقدمة كتاب النهاية لابن الأثير، وإن كنا قد تعرضنا للإطالة في النقل عنه فلأنه كفانا عناء الرجوع إلى غيره في عرض الأطوار التي ينشدها طالب هذا النوع من علوم الحديث فكان لا بد لنا من هذا المسلك في بيان المراحل التي مر بها التأليف في غريب الحديث. ويبدو لنا أن هذا المؤلف كان غاية ما انتهت إليه الهمم في هذا الباب، وإن كان قد ألف في موضوعه شيء بعده فمبلغ علمنًا أنه لا يعدو أن يكون اختصارًا لهذا الكتاب، ونستطيع أن نقرر أن المرحلة التي نحن بصدد دراسة الحديث فيها زمانًا ومكانًا لم تثمر من الكتب شيئًا يستحق الذكر في هذا النوع الذي أغنى فيه ذلك الإمام العظيم من جاء بعده عن الاستدراك عليه، أو زيادة الترتيب أو التهذيب كما هو الشأن في المعارف الأخرى من علوم الحديث وغيرها، وإن كان صاحب لسان العرب1 -وقد أفرغ نهاية ابن الأثير في كتابه- قد أغضى عما اعتذر به ابن الأثير لنفسه ونقلناه عنه فيما أخذناه من مقدمته، حيث قال ابن منظور في خطبة لسان العرب: رأيت أبا السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري قد جاء في ذلك بالنهاية، وجاوز في الجودة حد الغاية، غير أنه لم يضع الكلمات في محلها، ولا راعى زائد حروفها من أصلها، فوضعت كلا منها في مكانه، وأظهرته مع برهانه. ا. هـ. وإذا كنا قد آثرنا ما ذكره ابن الأثير في تقديمه للنهاية من غير تصرف بإقحام ما وقع لنا من التعرف على بعض المؤلفات الأخرى لغريب الحديث في مراجع أخرى غير هذه المقدمة فإن ذلك قد جرى منا إبقاء على تسلسل هذا النقل وعرضه ملخصًا في تنسيقه وأسلوب مؤلفه، على أن نعود فنشير إلى هذا الذي وقع لنا في العهود التي تناولها ابن الأثير منذ ظهور هذا الفن إلى زمنه ولم يذكرها ضمن ما ذكره من الكتب المؤلفة، إما لأنه لم يطلع عليها، أو اطلع عليها ولم يرد إيرادها اختصارًا في الأسلوب، أو إغضاء عن تلك الكتب، كما نشير إلى ما وقع لنا بعد عهد ابن الأثير واقتضت دراستنا التنبيه إليه استيفاء للبحث على النهج الذي انتهجناه في كل تمهيد نضعه بين يدي الكتب التي اخترنا دراستها في هذا الكتاب.   1 هو محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري الإفريقي ثم المصري الشهير بابن منظور صاحب المختصرات الكثيرة في علوم الأدب واللغة والتواريخ، والذي اشتهر بكتابه لسان العرب توفي سنة 711هـ إحدى عشرة وسبعمائة. ا. هـ. من مقدمة لسان العرب نقلًا عن الدرر الكامنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وهذا بيان بالمؤلفين الآخرين الذين لم يذكرهم ابن الأثير في النهاية، والذين أسهموا بنصيب في كتب الغريب، مرتبًا على تواريخ وفاتهم ممن أوردهم صاحب كشف الظنون, وصاحب الرسالة المستطرفة، وابن العماد في شذرات الذهب وغيرهم على النحو التالي: 1- أحمد بن خالد الضرير الذهبي الحمصي، المتوفى سنة أربع عشرة ومائتين1. 2- أبو الحسن علي بن المغيرة الأثرم البغدادي، المتوفى سنة ثلاثين ومائتين2. 3- أبو مروان عبد الملك بن حبيب المالكي، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين3. 4- محمد بن حبيب البغدادي النحوي، المتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين4. 5- أبو جعفر محمد بن عبد الله بن قدام الكوفي، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين5. 6- إبراهيم بن إسحاق الحربي الحافظ، المتوفى سنة خمس وثمانين ومائتين، وكتابه في خمس مجلدات6. 7- ابن كيسان محمد بن أحمد النحوي، المتوفى سنة تسع وتسعين ومائتين7. 8- أبو محمد "قاسم" بن ثابت بن حزم بن طرف السرقسطي، المتوفى سنة اثنتين وثلاثمائة8، واسم كتابه "الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث" ولم يكمله. 9- قاسم بن محمد الأنباري، المتوفى سنة أربع وثلاثمائة9. 10- أبو القاسم ثابت بن حزم بن مطرف السرقسطي الذي أكمل كتاب ولده أبي محمد قاسم، والمسمى بكتاب الدلائل، توفي في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة10. 11- أبو الحسين عمرو بن محمد القاضي المالكي، المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة11. 12- القاضي نور الدين أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد الفيومي الأصل، المعروف بابن خطيب12 الدهشة، المتوفى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وكتابه مسمى بالتقريب في علم الغريب. 13- أبو عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب، والمتوفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة13.   1 شذرات الذهب ص33 ج2 وكشف الظنون ص1204. 2 ذيل كشف الظنون ج4 ص146. 3 كشف الظنون ج2 ص146. 4 كشف الظنون ج2 ص1205. 5 ذيل كشف الظنون ج4 ص146. 6 كشف الظنون ج2 ص1204. 7 كشف الظنون ج2 ص1205. 8 الرسالة المستطرفة ص116. 9 كشف الظنون ج2 ص1205. 10 الرسالة المستطرفة ص116. 11 كشف الظنون ج2 ص1205. 12 الرسالة المستطرفة ص118. 13- كشف الظنون ج2 ص1205. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 14- ابن درستويه عبد الله بن جعفر النحوي، المتوفى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة1. 15- ابن بابويه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بايويه القمي الشيعي، المتوفى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة2. 16- أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي، المتوفى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة3. 17- أبو الحسن محمد بن أحمد التجياني، المتوفى سنة أربعين وخمسمائة، وكتابه شرح غريب البخاري4. 18- إسماعيل عبد الغافر راوي صحيح مسلم، المتوفى سنة خمس وأربعين وأربعمائة، واسم كتابه مجمع الغرائب5. 19- القاضي عياض، المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، واسم كتابه مشارق الأنوار على صحاح الآثار6. 20- الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي، المعروف بابن قرقول "كعصفور" وهو تلميذ القاضي عياض، والمتوفي سنة تسع وستين وخمسمائة، واسم كتابه مطالع الأنوار على صحاح الآثار7. 21- أبو شجاع محمد بن علي بن الدهان البغدادي، المتوفى سنة تسعين وخمسمائة. ويقع كتابه في نحو ستة عشر مجلدًا8. 22- مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة ست وستمائة في كتابه النهاية9. 23- موفق الدين عبد اللطيف البغدادي، المتوفى سنة تسع وعشرين وستمائة10. 24- الحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة في غريب صحيح البخاري، الفصل الخامس من مقدمته لفتح الباري المسماة هدي الساري11. 25- الحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في كتابه الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير. ومن هذا البيان الذي أوردناه لكتب الغريب نرى أن الفترة التي اخترناها للدراسة كادت تخلو في مصر من التأليف في الغريب، اكتفاء بما يرد في كتب الشروح الحديثية ومؤلفوها كثيرون   1 كشف الظنون ج2 ص1205. 2 ذيل كشف الظنون ج4 ص146 وج3 ص123. 3 كشف الظنون ج2 ص1205. 4 كشف الظنون ج2 ص1205. 5 كشف الظنون ج2 ص1205. 6 الرسالة المستطرفة ص118. 7 الرسالة المستطرفة ص118. 8 كشف الظنون ج2 ص1205. 9 كشف الظنون ج2 ص1204. 10 كشف الظنون ج2 ص1204. 11 هدي الساري ص71 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 من علماء السنة المصريين الذين عاشوا في تلك الفترة، وكانت شروحهم للحديث حافلة ببيان غريبه، زاخرة بتوضيح ما استغلق من ألفاظه، وإن ما ذكروه في ثنايا شروحهم هذه من بيان للغريب وحل للمشكلات كاف كل الكفاية في تحقيق الهدف المقصود من كلا النوعين. وإذا كنا بصدد دراسة حصيلة ما بين القرنين السادس والعاشر في مصر في علوم الحديث عامة، وفي علم الغريب هنا بوجه خاص فلا بد أن ننوه بجهد الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي بما بذله في كتابه الدر النثير في تلخيص النهاية لابن الأثير، حيث لخصه ببيان ما تشتد إليه الحاجة وهو شرح المفردات الغريبة فقط دون إيراد ما يشتمل على هذه المفردات من الأحاديث والآثار اتجاهًا إلى أن تدارس غريب الحديث إنما يريد شرح الغريب الوارد فيه فقط، ومن شأنه ألا تكون به حاجة إلى بيان مواضع الكلمات من السنة النبوية، على أنه مع اختصاره لكتاب النهاية لابن الأثير قد زاد على هذا التلخيص بإيراد معان لبعض الألفاظ النبوية الغريبة التي لم يوردها ابن الأثير في كتابه النهاية. فلا بد إذا من أن نورد دراسة موجزة لكتاب السيوطي هذا، بما يصور الاختصار ويبين الزيادة ويصف أهم ما لاحظناه من تصرف مؤلفه في تلخيصه لكتاب النهاية في غريب الحديث والأثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الدر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير ... الدرر النثير تلخيص النهاية لابن الأثير: للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: هذا الكتاب -كما قلنا وكما دلت عليه تسميته وعنوانه- تلخيص لكتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير. ومؤلفه هو الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الذي سبقت ترجمته عند دراستنا لكتب الجوامع. وأهم ما نستطيع أن نتجه به إلى القارئ الكريم في تصوير هذا الكتاب ووصف النواحي البارزة فيه ما يأتي: أولًا: قدم له بخطبة موجزة جدًّا لم يشرح فيها منهجه في تأليفه، ولا فائدة في بابه، على خلاف ما عودنا في سائر كتبه، ولعل وصف التلخيص للكتاب قد طغى على تلك الخطبة فحال بين المؤلف وبيان ما كنا في حاجة إلى بيانه، لإخراج القارئ من ورطة الإبهام فيما يحتاج إلى بيان من تصرفه في هذا التلخيص، ولا سيما أنه -كما يبدو- لم ينجز ما وعد به في تلك الخطبة على وجهه، فقد ذكر فيها أنه لم يغادر شيئًا مما أورده ابن الأثير في نهايته، وقد وجدناه غادر فيه أشياء عديدة، ربما يكون في تركه إياها إخلال بالمقصود من التلخيص، بتفويت ما يحتاج إليه المراجع في شرح بعض الكلمات في الحديث، وقد أوردها صاحب الأصل. على أنه وصف هذا الملخص -بعد هذا- بأنه لم يلتزم فيه اليسير، ويا ليت شعري ما هو هذا اليسير الذي لم يلتزمه؟ إن لم يكن هناك تصرف من النساخ أو المطابع في نقل هذه العبارة التي قد يكون للسجع نفسه دخل في إيرادها على هذا الوجه المغلق. ولعل خير ما وفى به من وعد في هذه الخطبة أنه ضم إليه قدرًا كثيرًا -أي غير قليل في ذاته وإن كان قليلًا في نسبته- من الغريب. ولم تتناول خطبته رحمه الله أكثر من هذا القدر بعد البسملة مع حمد الله والصلاة على رسوله في أولها، والاعتصام بالله سبحانه في آخرها. ثانيًا: الزيادات التي أشار إليها في المقدمة بقوله: وضممت إليه مما فاته الشيء الكثير ظاهرة بارزة في تلخيصه، يقع عليها المتصفح في كثير من مواد الكتاب، ومن ذلك: 1- ما أورده في كلمة "الأبد" تعليقًا على قول ابن الأثير: لأبد الأبد أي لآخر الدهر، قوله: قلت: ومثله أبد الآيدين، قاله في الصحاح1.   1 الدر النثير ج1 ص9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 2- وقوله -عند كلمة "درهرهة" بعد التفسير الذي أورده ابن الأثير- قلت: قال ابن الأنباري: هي التي تسمى المنجل1. 3- وما أورده في كلمة "الدعادع" بعد ذكر المعنى الوارد في النهاية، قلت: ويدعدع ماله بيده يفرقه2. 4- وما أورده في مادة "سقط" بعد ما شرح كلمة أسقطوا لهابه يعني الجارية: أي سبوها وقالوا لها من سقط الكلام وهو رديئه، قلت: وقال ابن الجوزي: أي صرحوا بذلك3. 5- ومن ذلك قوله في نفس المادة بعد قوله تبعًا لابن الأثير: وشرب أبو هريرة من السقيط وفسره بالفخار ... إلخ، قلت: سقط في يده أي ندم، قاله في الصحاح4. 6- ومنه ما أورده في مادة "الشمم" بقوله قلت: والمشامة الدنو من العدو حتى يترأى الفريقان5 قاله في الصحاح. ثالثًا: لاحظنا أنه يبرز بعض المعلومات على أنه زيادة على ما أورده المؤلف، وهو في حقيقته ليس بزيادة، وإنما هو اختلاف مع ما أورده المؤلف بالتقديم والتأخير فقط، مما يعتبره الناظر في الكتاب سهوًا بينًا من المؤلف إن أحسن الظن به، أو غفلة ظاهرة إن أساء الظن فيه. ومن ذلك ما ورد في مادة "الدرء"6 التي يقول صاحب الأصل فيها تعليقًا على حديث الشعبي في المختلعة: "إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها" أي الخلاف والنشوز، فذكر السيوطي بعد قوله: قلت -وهي الكلمة التي اعتاد أن يستعملها عند إيراد زيادة منه على ما أورده المؤلف- قال ابن الجوزي في المختلعة: إذا كان الدرء من قبلها -يعني النشور والخلاف- وختمها بكلمة انتهى التي اعتاد أن يذكرها في نهاية زيادته. وواضح أنه ليس هناك زيادة في المعنى على ما أورده بن الأثير بأكثر من التقديم والتأخير بين كلمتي الخلاف والنشوز، ولا زيادة في هذا إلا أن تكون هي نسبة ما أورده ابن الأثير نقلًا عن الهروي، فأورده السيوطي نقلًا عن ابن الجوزي، وهذا مما يزيد في الحجم ولا يفيد في العلم. رابعًا: أورد من الزيادات ما لا يخلو من فائدة في هذا المقام، لإضافتها جديدًا إلى ما أورده ابن الأثير في شرح غريب الحديث، وذلك كقوله بعد تفسير الدرهرهة بما نقله عن ابن الأنباري من أنها التي تسمى بالمنجل، فإن هذه الزيادة تضيف إيضاحًا إلى ما أورده ابن الأثير في تفسير الكلمة،   1 الدر النثير ج2 ص21. 2 الدر النثير ج2 ص23. 3 الدر النثير ج2 ص168. 4 الدر النثير ج2 ص169. 5 الدر النثير ج2 ص237. 6 الدر النثير بهامش النهاية ج2 ص18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وكقوله في مادة سقط -بعد تفسير ابن الأثير لكلمة أسقطوا لها به يعني الجارية- قلت: قال ابن الجوزي: أي صرحوا لها بذلك، فإنه ذكر لوجه آخر في تفسير كلمة شرحها ابن الأثير، فهذه الزيادات وما أشبهها تضيف جديدًا في نفس الكلمات التي أوردها ابن الأثير. كما أنه أورد زيادات لا تفيد في غريب الحديث، ولا سيما أنه في مقام الاختصار، فلو أنه استغنى عن هذه الزيادات بإيراد بعض ما تركه مما شرحه ابن الأثير في غريب الحديث لكان أحق من إيراد هذه الزيادات. ومن ذلك شرحه لجملة سقط في يده التي يذكرها ابن الأثير في غريب الحديث، وكذلك شرحه لكلمة المشامة بأنها الدنو من العدو، والمشامة لم ترد في الحديث وليست من غريبه، فلم يكن هناك داع للتعرض لها في هذا المختصر. خامسًا: ليس من رأيه -في هذا الملخص- إيراد الآثار التي وقعت فيها الكلمات الغريبة كما فعل ابن الأثير من إيراده الأثر أولًا، ثم شرحه للكلمة الغريبة التي وردت فيه، لكنه أحيانًا يرى أن يورد الأثر لتوقف الشرح عن إيراده، مع أنه لا يذكر القائل اختصارًا، ومن ذلك: 1- قوله: وإذا تدارأتم في الطريق1. أي تدافعتم واختلفتم، وقد أورد ابن الأثير هذه الكلمة في أثر قال عنه: إنه حديث. 2- وكذلك قوله: وكان يساقط في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم2 أي يرويه عنه في خلال كلامه كأنه يمزج حديثه بحديثه، وهذا أثر ذكره ابن الأثير في حديث سعد نقلًا عن الهروي. 3- وقوله: وتطأطأت لكم تطأطؤ الدلاة3. أي خفضت لكم نفسي، والتطأطؤ كلمة وردت في حديث عثمان كما ذكره ابن الأثير، فإن شرح التطأطؤ دون ذكر الأثر قد لا يدل على المقصود. 4- وقوله: اللهم إني أستقدرك بقدرتك4: أي أطلب منك أن تجعل لي عليه قدرة، وكلمة أستقدرك وردت في حديث الاستخارة كما ذكر ابن الأثير. سادسًا: يقع في اختصاره ما هو إخلال أو شبيه بالإخلال في تصوير المعنى المقصود، ومن ذلك قوله في شرح كلمة قاذر: إنه اسم ابن إسماعيل5، وهو في هذا الاختصار قد أخل بالمعنى المقصود من شرح الكلمة الغريبة، ويتبين ذلك من قول ابن الأثير: وفي حديث كعب قال الله لرومية: إني أقسم بعزتي لأهين سبيك لبني قاذر أي بني إسماعيل بن إبراهيم، يريد العرب، وقاذر اسم ابن إسماعيل.   1 الدر النثير ج2 ص18. 2 الدر النثير ج2 ص169. 3 الدر النثير ج2 ص30. 4 الدر النثير ج2 ص233. 5 الدر النثير ج2 ص236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وبه يتبين أن السيوطي لم يذكر إلا شرح الاسم فقط دون توضيح ما دل عليه الأسلوب من أن المراد به العرب، ولو أنه ذكر إبراهيم والد إسماعيل لاتضح المقام بعض الشيء، ولقد كان حريًّا في هذا المقام أن يذكر الأثر ليتضح به معنى الكلام، وهو أولى من ذكره للأثر في مقامات أخرى قد يستغنى فيها عن ذكره. ومما يدخل في هذا الباب أنه يترك كلمة من غريب الأثر دون تفسير، اعتمادًا على ورودها في مقام آخر مع طول الفصل بينهما دون أن يشير إلى ذلك، وكان لا بد من هذه الإشارة؛ لأن الكلمة أولًا من غريب الحديث، وثانيًا لأن أصله أوردها ضمن الأثر وشرحها، وذلك مثل كلمتي: الفجر والبجر، اللتين وردتا في خبر أبي عبيدة عن أبي بكر وقد دخل عليه في مرضه الذي مات فيه، فقال له كلامًا كان من بينه "إنما هو والله الفجر أو البجر"1. وقد أورد ابن الأثير الكلام الذي وردت فيه هاتان الكلمتان، وهو قوله في حديث أبي بكر رضي الله عنه: "لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه "في غير حد"2 خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، يا هادي الطريق جرت، إنما هو "والله" الفجر أو البجر" وقد شرحهما ابن الأثير بقوله: إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت قصدك، وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه، ومع ذلك فقد أشار ابن الأثير إلى سبق ورود الأثر في مادة أخرى في كلمة بجر بالجيم3. وقد ضرب السيوطي صفحًا عن هذا كله، ولو أنه أشار إشارة موجزة إلى ما أشار إليه أصله لاستطاع الدارس أن يرجع إلى معنى الكلمتين في المادة السابقة وهي بحر فإنه ليس من شأن المراجع للكتاب بحثا عن معنى أثر غريب أن يرجع إلى مادة ما هو محتمل في الرواية إلى موضع الاحتمال الآخر دون تنبيه إلى ذلك. ويتصل بذلك أنه يترك شرح بعض ألفاظ أوردها ابن الأثير وشرحها، وهي بما تختلف وجهة النظر في بيان المراد بها بين الحقيقة والمجاز أو الكناية، مثل "كف الرحمن"4 التي وردت في حديث الصدقة، قال ابن الأثير في حديث الصدقة: "كأنما يضعها في كف الرحمن" هو كناية عن محل قبول الصدقة، فكأن المتصدق قد وصع صدقته في محل القبول، ثم نفى ما يقوله المشبهون، وأورد حديث عمر: "إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة" وذكر عدة أحاديث وقال فيها: وقد تكرر ذكر الكف والحفنة واليد في الحديث، وكلها تمثيل من غير تشبيه. والسيوطي قد أعرض عن هذا كله، ولم يسمح بذكره ولو في رأي آخر، مع أن الكلمة من الغريب، بل هي من أغرب الغريب في الحديث، فإذا كان منهجه ترك ذلك فهلا أشار إلى هذا المنهج -ولو في الخطبة- ليستبين القارئ طريقه في هذا الكتاب؟   1 الدر النثير ج3 ص184. 2 ما بين القوسين ليس موجودًا في النسخة التي بين أيدينا من النهاية وإنما هو مما أثبته المبرد في أوائل كتابه "الكامل". 3 وردت في الدر النثير ص60 ج1. 4 الدر النثير ص28 ج4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 سابعًا: تتجلى ظاهرة الاختصار في الكتاب أن ابن الأثير يذكر أحيانًا خلافًا في تفسير الكلمة، فيقتصر السيوطي على ما يترجح عنده في المعنى، كما في كلمة "كأس" التي تكرر ذكرها في الحديث كما قال ابن الأثير1، وقد شرحها بأنها الإناء فيه شراب، ولا يقال لها كأس إلا إذا كان فيها شارب، وقيل: هي اسم لهما على الانفراد والاجتماع، ولكن السيوطي اقتصر على قوله الكأس الإناء فيه شراب، ولا يقال لها فارغة كأس. كما أنها تتجلى أيضا في أنه يشرح الكلمة مفردة وإن وردت في الحديث مجموعة، أو وردت في صيغة أخرى غير التي ذكرها، وقد يصل في هذا إلى ما يقرب من الإخلال الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة، وذلك كما فعل في كلمة "الكبل"2 فقد شرحها ابن الأثير في عدة صور مما وردت فيه، وهي كبل الحديث في خبر: "ضحكت من قوم يؤتى بهم إلى الجنة في كبل الحديد" وشرح الكبل بالقيد الضخم، وأتى بالفعل كبله وكبله مخففًا ومثقلًا، وشرحها كذلك في حديث أبي مرثد: "ففككت عنه أكبله"، وقال: إن الأكبل جمع قلة في الكبل وهو القيد، وفي بيت كعب بن زهير: متيم إثرها لم يفد مكبول فقال: إن المكبول المقيد، وشرحها في حديث عثمان: "إذا وقعت السهمان فلا مكابة" بقوله: أي إذا حدت الحدود فلا يحبس أحد عن حقه، من الكبل وهو القيد، وشرحها في حديث ابن عبد العزيز: "أنه كان يلبس الفرو والكبل" بأن الكبل هو الفرو الكبير. وقد اقتصر السيوطي من هذا كله على قوله: الكبل قيد ضخم ج3 أكبل، والمكبول المقيد والكبل فرو كبير. وما كان أحوج هذا المختصر إلى شرح كلمة المكابلة التي وقعت في حديث عثمان إذا أعرض المؤلف عن ذكر غيره مما وردت فيه هذه الكلمة، وما كان أغناه عن ذكر كلمة المكبول التي كان يمكن فهمها من السياق مع فهم الكبل. ومهما يكن من شيء فإن لهذا الكتاب قيمته التي لا تنكر، ويكفيه أنه حفظ لنا تلك الثروة الضخمة من تراث الغريب التي تركزت في كتاب النهاية، فبقيت تراثًا كريمًا وأثرًا خالدًا لهذا الإمام الحافظ مهما كانت وجهات نظره في الاختصار، وحسب السيوطي أنه الإمام الوحيد من بين المصريين الذي تحمل هذا العبء الضخم بعد الإمام ابن الأثير الذي كان من قبل جامعًا لما تفرق من الغريب في كتب السنة، فجاء السيوطي ضاغطًا لهذا الجامع، ومقربًا له إلى طلاب الغريب في الحديث النبوي الكريم. رحمه الله وأجزل ثوابه.   1 الدر النثير ص2 ج4. 2 الدر النثير ص6 ج4. 3 مراده بالحرف "ج": جمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الشروح الحديثية : تمهيد: نوه العلماء والمؤرخون بالقرن الثالث الهجري وما كان فيه من نهضة علمية حديثية، أبرزها الله على يد جهابذة الحديث وصيارفته وأئمته، الذين شمروا عن ساعد الجد، فميزوا صحيح الحديث وسليمه من عليله وسقيمه، ونخلوا منه -بحكم الأمانة والدقة في التمييز- ما كان عمدة الدين، فجمعوه بأسانيده ورواياته، وقدموا للأجيال فيما خلفوا من تراث -جوامع ومسانيد وسننا وغير ذلك- مما اختلفت أنواعه، وتعددت تسمياته، يحدوهم في ذلك إخلاص لله ورسوله، ورغبة في الحافظ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها في الحقيقة -بعد القرآن- جامع الإسلام وبيان الدين. وقد صدق العلماء والمؤرخون في التنويه بشأنهم، والإشادة بذكرهم، فإن ما لدينا من نتاج ذلك العصر من مؤلفات جمعت الكثير من فنون الحديث وأنواعه المختلفة -تغايرت أسماؤها، واختلفت مراتبها، ولكنها اتحدت في غايتها وثمراتها- خير شاهد على أن ذلك العصر كان بحق العصر الذهبي لمتن السنة، وحفظها لمن يعيها، ويتولى الانتفاع بها لنفسه وللمسلمين. وقد كان أصحاب الكتب الستة -التي رزقت قبولًا من المسلمين- أصحاب القدح المعلى في هذا المضمار، حتى شهد العلماء بصحة كتبهم، وما نقلوه فيها بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وكانوا -ومن سار على دربهم وسلك طريقهم من الجامعين للسنة- كواكب هذا العصر اللامعة، وشموسه الساطعة، نذكر هنا أشهرهم مرتبين على سني وفاتهم على النحو التالي: 1- الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين، في كتابه صحيح البخاري. 2- الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، في كتابه صحيح مسلم. 3- الإمام محمد بن يزيد المعروف بابن ماجه، المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين، في كتابه سنن ابن ماجه. 4- الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي، المتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين، في كتابه سنن أبي داود. 5- الإمام محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، في كتابه سنن الترمذي. 6- الإمام أحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة في كتابه سنن النسائي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 هذه كتب الأصول الستة في الحديث، وقد عول عليها جمهرة المسلمين، لالتزام أصحابها شروطًا في نقل السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبروها بعد القرآن أهم مراجع الدين الحنيف. ومع هذه الأصول كانت هناك كتب في أحاديث الأحكام، جمع فيها الأئمة الأربعة -في القرنين الثاني والثالث- ما كان أدلة لما ذهب إليه كل منهم في الفقه على النحو التالي: 1- الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الفارسي الكوفي، المتوفى سنة خمسين ومائة، في كتابه مسند أبي حنيفة. 2- الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، في كتابه الموطأ. 3- الإمام محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان "الشافعي" المتوفى سنة أربع ومائتين، في كتابه مسند الشافعي. 4- الإمام أحمد بن حنبل الشيباني المروزي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين، في كتابه مسند أحمد. وبإضافة هذه الكتب الأربعة لأئمة الفقه إلى ما سلف ذكره من الكتب الأصول الستة لأئمة الحديث تكمل الكتب العشرة التي هي أصول الإسلام، وعليها مدار الدين1. وهؤلاء قد مهدوا السبيل لمن خلفهم وعشا إلى ضوئهم من أئمة أجلة من رجال الحديث، ممن عاصرهم أو جاء بعدهم، من أصحاب كتب السنن والمستدركات والزوائد. وهؤلاء وأولئك تركوا هذا التراث العظيم لمن جاء بعدهم، فقلبوا صفحاته، وقربوا جناه وثمراته، فأخذوه بقوة، وأبرزوه بقوة، وأوضحوا معالمه، ويسروا مآخذه، وأزالوا مبهماته، وكشفوا خفياته، وقدموا كل ذلك في كتب الشروح الحديثية التي كثرت كثرة تفوق العد والحصر، وبقي لنا منها الشيء النافع الكثير. وكان لعلماء الحديث المصريين في ذلك المضمار أكبر قسط وأوفر نصيب، فقد كانت مصر ملجأ وملاذًا لمن هاجر إليها من علماء المسلمين فرارًا من ظلم الظالمين، فوق عليها من الشرق والغرب -بعد نكبتي بغداد والأندلس- من كانوا أساطين العلم، وفحول الدراية والبحث   1 نقلًا بتصرف عن الرسالة المستطرفة ص9 وما بعدها، وشذرات الذهب ج1 وج2 في تحقيق الوفاة لهؤلاء الأعلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 في مختلف علوم الإسلام، ولا سيما أولئك المبرزون في علوم السنة، الذين أحبوها وتعلقوا بها أملا في أن يكونوا ممن نوه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع". ولقد تمثل وعي هؤلاء حقًّا للسنة النبوية الكريمة بما ظهر في شروحهم لها، وتحليلاتهم لما جاء فيها، واهتمامهم بكل ما اتصل بها متنًا وإسنادًا. فمنذ سقطت بغداد -عاصمة الخلافة العباسية- على أيدي التتار، أخذت العلوم والمعارف تنحسر عنها وترحل إلى أقطار أخرى، وكان للديار المصرية من ذلك النصيف الأوفى، فذخرت بالعلم والعلوم طيلة القرون الثلاثة الأولى لهذا الدور، وازدهرت المدرسة المصرية في علوم الدين وما يتصل به بعامة، وفي علوم السنة وما يتعلق بها بوجه خاص. وفي هذه الفترة من الزمان كانت مصر محكومة لدولتي المماليك البحرية والبرجية، وكان أمراء ذلك العصر يشجعون علوم الدين وعلوم السنة، حتى كان منهم من يحفظ الحديث ويرويه وكان منهم من بلغ مبلغ الإمامة فيه، حتى روى عنهم بعض أئمة الحديث وحفاظه، فهذا الحافظ ابن حجر -وهو من علمنا مكانته في علوم السنة- يسمع من السلطان المؤيد، ويترجم له في عداد مشايخه في المعجم المفهرس. وهذه طائفة من كتب الشروح الحديثية ومؤلفيها، نوردها مرتبة على التاريخ الزمني لوفاتهم، فإذا أنعمنا فيها النظر وجدنا المؤلفات الضخمة والأسفار الكبيرة منها متمثلًا في هذا النطاق الذي نتناوله بالدراسة زمانًا ومكانًا. أولًا: شروح البخاري فمما عرفناه من شروح للجامع الصحيح للبخاري ما أروده صاحب كشف الظنون1 وغيره، مما نرتبه ترتيبًا زمنيًّا على النحو التالي: 1- أعلام السنن للإمام أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة2. 2- شرح المهلب بن أبي صفرة الأزدي، المتوفى سنة خمس وثلاثين وأربعمائة3. 3- شرح الإمام أبي الحسن علي بن خلف، الشهير بابن بطال، المتوفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة4. 4- الأجوبة المرعبة على المسائل المستغربة من البخاري لابن عبد البر أو عمر بن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة5.   1 كشف الظنون ج1 ص545 وما بعدها. 2 شذرات الذهب ج2 ص127. 3 شذرات الذهب ج2 ص255. 4 شذرات الذهب ج3 ص283. 5 شذرات الذهب ج3 ص314. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 5- شرح الإمام علي بن محمد بن عبد الكريم البزدوي، المتوفى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. 6- مختصر شرح المهلب بن أبي صفرة، وزاد عليه فوائد لتلميذ المهلب، وهو أبو عبيد الله محمد بن خلف بن المرابط الأندلسي الصدفي، المتوفى سنة خمسين وثمانين وأربعمائة1. 7- شرح الإمام قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصفهاني الحافظ، المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة2. 8- النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح لأبي عمرو عمر بن محمد بن أحمد النسقي الحنفي، المتوفى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة3. 9- شرح العلامة أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المالكي الحافظ، المتوفى سنة ست وأربعين وخمسمائة4. 10- شرح الجامع الصحيح للإمام الصغاني رضي الدين حسن بن محمد الصغاني، المتوفى سنة خمسين وستمائة5. 11- شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، للعلامة جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي الطائي الجياني، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة6. 12- شرح الإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة7. 13- ترجمان التراجم، لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري، المتوفى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة8. 14- شرح الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور "ابن مسير" الحلي الحنفي، المتوفى سنة خمسين وثلاثين وسبعمائة9. 15- التلويح شرح الجامع الصحيح، للإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج التركي الحنفي المصري، المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة10. 16- شرح الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة أربع وسبعبن وسبعمائة11.   1 شذرات الذهب ج3 ص375 2 شذرات الذهب ج4 ص105 3 شذرات الذهب ج4 ص115 وهدية العارفين ج6 ص783. 4 شذرات الذهب ج4 ص141 وكشف الظنون ج1 ص553. 5 هدية العارفين ج5 ص281 وكشف الظنون ج1 ص553. 6 شذرات الذهب ج5 ص339. 7 شذرات الذهب ج5 ص354. 8 شذرات الذهب ج6 ص56. 9 شذرات الذهب ج6 ص110. 10 شذرات الذهب ج6 ص197. 11 شذرات الذهب ج6 ص331. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 17- شرح الشيخ ركن الدين أحمد بن محمد بن عبد المؤمن القرمي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة1. 18- الكواكب الدراري شرح البخاري لشمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني، المتوفى سنة ست وثمانين وسبعمائة كما في الشذرات2، وذكره صاحب الكشف في وفيات 796هـ. 19- التنقيح، وهو شرح الشيخ بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي، المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة3. 20- التوضيح شرح الجامع الصحيح، للإمام سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى سنة أربع وثمانمائة4، وهو في نحو عشرين مجلدًا 21- الفيض الجاري، لسراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي، المتوفى سنة خمس وثمانمائة5، وهو في نحو عشرين كراسة وصل فيه إلى كتاب الإيمان. 22- شرح القاضي مجد الدين بن إسماعيل بن إبراهيم البلبيسي الشافعي، المتوفى سنة عشر وثمانمائة6. 23- منح الباري بالسيح الفسيح الجاري، للعلامة مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي المتوفى سنة سبع عشر وثمانمائة7، وكمل منه ربع العبادات في عشرين مجلدًا. 24- مصابيح الجامع، لبدر الدين بن محمد بن أبي بكر الدماميني، المتوفى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة8. 25- اللامع الصبيح شرح الجامع الصحيح، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الدايم بن موسى البرماوي الشافعي، المتوفى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة9. 26- مجمع البحرين وجوهر الحبرين وهو في ثمانية أجزاء، للعلامة تقي الدين يحيى بن محمد الكرماني -ولد محمد بن يوسف الكرماني- المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة10. 27- التلقيح لفهم قارئ الصحيح، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي، المعروف بسبط بن العجمي المتوفى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة11.   1 شذرات الذهب ج6 ص279. 2 شذرات الذهب ج7 ص51. 3 كشف الظنون ج1 ص556. 4 كشف الظنون ج7 ص126. 5 كشف الظنون ج1 ص541. 6 شذرات الذهب ج7 ص157. 7 شذرات الذهب ج7 ص206. 8 كشف الظنون ج1 ص549. 9 شذرات الذهب ج7 ص197. 10 شذرات الذهب ج7 ص206. 11 شذرات الذهب ج7 ص237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 28- المتجر الربيح والمسعى الرجيح، للعلامة محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني المتوفى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة1، ولم يكمله. 29- شرح الشيخ شهاب أحمد بن رسلان المقدسي الرملي الشافعي، المتوفى سنة أربع وأربعين وثمانمائة2. 30- فتح الباري شرح صحيح البخاري للحفاظ أحمد بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة3. 31- عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، للعلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفي، المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة4. 32- شرح القاضي زين الدين عبد الرحيم بن الركن أحمد، المتوفى سنة أربع وستين وثمانمائة5. 33- شرح الإمام أبي الفضل محمد الكمال بن محمد بن أحمد النويري خطيب مكة، المتوفى سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة6. 34- التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح، لأبي ذر أحمد بن إبراهيم بن السبط الحلبي، المتوفى سنة أربع وثمانين وثمانمائة7. 25- الكوثر الجاري على رياض البخاري، للمولى أحمد بن إسماعيل بن محمد الكوراني، المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة8. 36- شرح الإمام زين الدين أبي محمد عبد الرحمن بن أبي بكر بن العيني الحنفي، المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة9. 37- التوشيح على الجامع الصحيح، للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة10. 38- شرح القسطلاني شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني المصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة11.   1 كشف الظنون ج1 ص550. 2 ذكره صاحب الشذرات باسم أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي الشافعي ج7 ص270. 3 شذرات الذهب ج7 ص270. 4 شذرات الذهب ج7 ص286. 5 كشف الظنون ج1 ص553. 6 كشف الظنون ج1 ص550. 7 كشف الظنون ج1 ص553. 8 كشف الظنون ج1 ص553. 9 كشف الظنون ج1 ص553. 10 شذرات الذهب ج8 ص51 وكشف الظنون ج1 ص549. 11 شذرات الذهب ج8 ص121 وكشف الظنون ج1 ص552. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 39- شرح الشيخ شمس الدين محمد بن الدلجي الشافعي، المتوفى سنة خمسين وتسعمائة، وهو شرح لقطعة منه1. 40- شرح العلامة زين الدين عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد العباسي الشافعي، المتوفى سنة ثلاث وستين وتسعمائة2، ورتبه على ترتيب عجيب وأسلوب غريب، قرظه كثير من العلماء. 41- فتح الباري لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، المتوفى سنة خمس وتسعين وتسعمائة3. 42- شرح جامع الصحيح للبخاري لنور الحق بن عبد الحق الدهلوي الهندي الحنفي، المتوفى سنة ثلاث وسبعين وألف4. 43- حاشية على الجامع الصحيح للبخاري لمحمد بن مصطفى بن حميد الكفوي القاضي الحنفي المعروف بالأفكرماني، المتوفى سنة أربع وسبعين ومائة وألف5. ثانيًا: شروح مسلم: ومما عرفناه من شروح للجامع الصحيح لمسلم بن الحجاج ما أورده صاحب كشف الظنون6 وغيره، وما نورده مرتبا فيما يلي: 1- شرح الإمام قوام السنة أبي القاسم إسماعيل الأصفهاني الحافظ، المتوفى سنة خمسين وثلاثين وخمسمائة7. 2- المعلم في شرح مسلم، لأبي عبيد الله محمد بن علي المازري المتوفى سنة ست وثلاثين وخمسمائة8، ولم يكمله. 3- الإكمال في شرح مسلم، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المالكي، المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة9، كمل به كتاب المعلم للمازري. 4- شرح عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي المصري، المتوفى سنة أربع وعشرين وستمائة10. 5- شرح العلامة شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاوغلي سبط ابن الجوزي، المتوفى سنة أربع وخمسين وستمائة11.   1 كشف الظنون ج1 ص551. 2 شذرات الذهب ج8 ص335 وكشف الظنون ج1 ص551. 3 كشف الظنون ج1 ص550. 4 ذيل كشف الظنون ج3 ص354. 5 هدية العارفين ج6 ص332. 6 كشف الظنون ج1 ص557 وما بعدها. 7 شذرات الذهب ج4 ص105. 8 شذرات الذهب ج4 ص114. 9 شذرات الذهب ج4 ص138. 10 شذرات الذهب ج5 ص114. 11 شذرات الذهب ج5 ص266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 6- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي المتوفى سنة ست وستمائة1. 7- المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج، للإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة2. 8- شرح أبي الفرج عيسى بن مسعود الزواوي، المتوفى سنة أربع وأربعين وسبعمائة3. 9- شرح زوايد مسلم على البخاري، لسراج الدين عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة أربع وثمانمائة4. 10- إكمال إكمال المعلم للإمام أبي عبد الله بن محمد بن خليفة الوشتاني الأبي المالكي، المتوفى سنة سبع وعشرين وثمانمائة5. 11- شرح الشيخ تقي الدين أبي بكر بن محمد الحصني الدمشقي الشافعي، المتوفى سنة تسع وعشرين وثمانمائة6. 12- شرح العلامة شمس الدين محمد بن عطاء الله بن محمد الرازي الهروي الحنفي، المتوفى سنة تسع وعشرين وثمانمائة7. 13- الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة8. 14- منهاج الابتهاج بشرح مسلم بن الحجاج، للشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني الشافعي، المتوفى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة9. 15- شرح القاضي زين الدين زكريا بن محمد الأنصاري الشافعي، المتوفى سنة ست وعشرين، وقيل: خمس وعشرين وتسعمائة10، قال عنه الشعراني: إن غالب مسوداته بخطه "الشعراني". 16- شرح مولانا علي القاري الهروي نزيل مكة، المتوفى سنة ست عشرة وألف11. 17- شرح جامع الصحيح لمسلم، لنور الحق بن عبد الحق الدهلوي الهندي الحنفي القاضي بأكبر آباد، المتوفى سنة ثلاث وسبعين وألف12.   1 شذرات الذهب ج5 ص273. 2 شذرات الذهب ج5 ص354. 3 كشف الظنون ج1 ص558. 4 شذرات الذهب ج7 ص44. 5 كشف الظنون ج1 ص557. 6 شذرات الذهب ج7 ص188. 7 شذرات الذهب ج8 ص15. 8 شذرات الذهب ج8 ص121. 9 ذكره صاحب الشذرات ج8 ص134 في وفيات سنة 925. 10 كشف الظنون ج1 ص558. 11 كشف الظنون ج1 ص558. 12 هذا الشرح مذكور في ذيل كشف الظنون ج3 ص354. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 ثالثًا: شروح سنن الترمذي ومما عرفناه من شروح لسنن الترمذي ما أورده صاحب كشف الظنون وغيره1 وما نورده مرتبًا فيما يلي: 1- عارضة الأحوذي في شرح الترمذي، للعلامة الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي "المعروف بابن العربي المالكي" المتوفى سنة ست وأربعين وخمسمائة2. 2- شرح الحافظ أبي الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس "اليعمري" الشافعي، المتوفى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة3، بلغ فيه إلى دون ثلثيه في نحو عشر مجلدات. 3- شرح الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، المتوفى سنة خمس وتسعين وسبعمائة4. 4- شرح زوائد الترمذي على الصحيحين وأبي داود، لسراج الدين عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة أربع وثمانمائة5. 5- العرف الشذي على جامع الترمذي، لسراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي، المتوفى سنة خمس وثمانمائة6 كتب منه قطعه ولم يكمله. 6- تكميل شرح ابن سيد الناس لسنن الترمذي، للإمام الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي المتوفى سنة ست وثمانمائة7. 7- قوت المغتذي على جامع الترمذي، للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة8. رابعًا: شروح سنن أبي داود ومما عرفناه من شروح لسنن أبي داود ما أورده صاحب كشف الظنون8 وغيره، وما نورده مرتبًا فيما يلي: 1- معالم السنن لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة9. 2- شرح قطب الدين أبي بكر بن أحمد بن رعين اليمني الشافعي، المتوفى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، في أربع مجلدات كبار، ومات عنه وهو مسودة10.   1 كشف الظنون ج1 ص559. 2 شذرات الذهب ج4 ص141. 3 شذرات الذهب ج6 ص108. 4 شذرات الذهب ج7 ص 44. 5 شذرات الذهب ج7 ص51. 6 شذرات الذهب ج7 ص55. 7 شذرات الذهب ج8 ص51. 8 كشف الظنون ج2 ص1004. 9 شذرات الذهب ج3 ص127. 10 شذرات الذهب ج6 ص171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 3- شرح الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج، المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة1. 4- انتحاء السنن واقتفاء السنن، لشهاب الدين أبي محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال المقدسي من أصحاب المزي، المتوفى بالمقدس سنة خمس وستين وسبعمائة2. 5- شرح زوائدها على الصحيحين في مجلدين، للشيخ سراج الدين عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة أربع وثمانمائة3. 6- شرح الشيخ ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي، المتوفى سنة ست وعشرين وثمانمائة4، في شرح أطال فيه، وكتب إلى سجود السهو منه في سبع مجلدات. 7- شرح الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الرملي المقدسي الشافعي، المتوفى سنة أربع وأربعين وثمانمائة5. 8- شرح العلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي، المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهو شرح لقطعة منها6. 9- مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة7. خامسًا: شروح سنن ابن ماجه ومما عرفناه من شروح السنن ابن ماجه ما أورده صاحب كشف الظنون8 وغيره، وما نورده مرتبًا فيما يلي: 1- شرح العلامة أبي الحسن علي بن عبد الله بن نعمة الأنصاري الأندلسي المحدث الفقيه المالكي، المتوفى سنة سبع وستين وخمسمائة9. 2- شرح العلامة سعد الدين أبي محمد مسعود بن أحمد العراقي الحارثي المصري، المتوفى سنة إحدى عشرة وسبعمائة10. 3- شرح قطعة من سنن ابن ماجه للحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج، المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة11،   1 شذرات الذهب ج6 ص197. 2 كشف الظنون ج2 ص1006. 3 شذرات الذهب ج7 ص44. 4 شذرات الذهب ج7 ص173. 5 شذرات الذهب ج7 ص248. 6 شذرات الذهب ج7 ص286. 7 شذرات الذهب ج8 ص 51. 8 كشف الظنون ج2 ص1004. 9 ذكره العماد في الشذرات ج4 ص223 وقال إنه شرح سنن النسائي. 10 شذرات الذهب ج6 ص28 وهذا الشرح والذي قبله مذكوران أيضًا في ذيل كشف الظنون ج4 ص28. 11 شذرات الذهب ج6 ص197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 4- شرح زوائده على الخمسة "الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي" في ثمان مجلدات، واسمه ما تمس إليه الحاجة من سنن ابن ماجه، للعلامة سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى سنة أربع وثمانمائة1. 5- الديباجة شرح سنن ابن ماجه، للشيخ كمال الدين محمد بن موسى الدمري الشافعي، المتوفى سنة ثمان وثمانمائة، في نحو خمس مجلدات2، مات قبل تحريره وتبيضه. 6- شرح العلامة الحافظ برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي سبط بن العجمي، المتوفى سنة إحدى واربعين وثمانمائة3. 7- مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه، للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة4. سادسًا: شروح سنن النسائي ومما عرفناه من شروح النسائي هذان الشرحان: 1- شرح الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي، المتوفى سنة أربع وثمانمائة5، وهو شرح لزوائدها على الصحيحين. 2- شرح الحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة6، وهو عبارة عن تعليقه عليها كتعليقته على البخاري. سابعًا: شروح مسند الإمام أبي حنيفة ومما عرفناه من شرح لمسند الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان7 ما يأتي: 1- شرح المستند على المعتمد من المسند، وكلاهما لجمال الدين محمود بن أحمد القونوي، المتوفى سنة سبعين وسبعمائة8. 2- الأمالي على المسند، للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة9. 3- التعليقة المنيفة على مسند أبي حنيفة، وهي شرح كتعليقته على البخاري ومسلم، للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة10.   1 شذرات الذهب ج7 ص44. 2 شذرات الذهب ج7 ص79. 3 شذرات الذهب ج7 ص237. 4 شذرات الذهب ج8 ص51. 5 شذرات الذهب ج7 ص44. 6 شذرات الذهب ج8 ص51. 7، 8 كشف الظنون ج2 ص168. 9 شذرات الذهب ج7 ص326. 10 شذرات الذهب ج8 ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 ثامنًا: شروح موطأ مالك ومما عرفناه من شروح لموطأ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ما أورده صاحب كشف الظنون1 وغيره، وما نورده مرتبًا على النحو التالي: 1- شرح أبي مروان عبد الملك بن حبيب المالكي، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين2. 2- شرح العلامة إبراهيم بن محمد الأسلمي، المتوفى سنة أربع وثمانين ومائتين. 3- شرح ابن رشيق القيرواني، المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة3. 4- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر بن عبد البر يوسف بن عبد البر القرطبي، المتوفى سنة ثلاث وأربعمائة4. 5- الاستيفاء في شرح الموطأ، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، المتوفى سنة أربع وسبعين وأربعمائة5، وله كتاب آخر سماه المنتقى. 6- شرح أبي محمد عبد الله بن محمد النحوي البطليموس، المتوفى سنة إحدى وعشرين وخمسمائة6. 7- القبس في شرح الموطأ، للقاضي الحافظ أبي بكر محمد بن العربي المغربي الإشبيلي، المتوفى سنة ست وأربعين وخمسمائة7. 8- كشف المغطى في شرح الموطا، وتنوير الحوالك على موطأ الإمام مالك، كلاهما للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وله أيضًا إسعاف المبطأ برجال الموطأ8. 9- شرح الشيخ زين الدين عمر بن أحمد الشماع الحلبي، المتوفى سنة ست وثلاثين وتسعمائة9. 10- شرح خاتمة المحدثين محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن علوان الزرقاني المصري المالكي، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف للهجرة10. تاسعًا: شروح مسند الإمام الشافعي ومما عرفناه من شرح لمسند الإمام الشافعي ما أورده صاحب كشف الظنون11 وما نورده مرتبًا فيما يأتي: 1- شافي العي في شرح مسند الشافعي، لأبي السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة ست وستمائة12.   1 كشف الظنون ج2 ص1907 وما بعدها. 2 ذكره ابن العماد في الشذرات في وفيات سنة ثمان وثلاثين ومائتين ج2 ص90. 3 شذرات الذهب ج3 ص297. 4 شذرات الذهب ج3 ص314. 5 شذرات الذهب ج3 ص344. 6 شذرات الذهب ج4 ص64. 7 شذرات الذهب ج4 ص141. 8 شذرات الذهب ج8 ص51. 9 شذرات الذهب ج8 ص218. 10 كشف الظنون ج2 ص1908. 11 كشف الظنون ج2 ص1683. 12 شذرات الذهب ج5 ص22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 2- شرح الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني الرافعي، المتوفى سنة ثلاث وعشرين وستمائة1. 3- شافي العي في شرح مسند الشافعي، للحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة. عاشرًا: شروح مسند الإمام أحمد ومما عرفناه من شروح لمسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني2 ما نورده فيما يلي: 1- المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد، وهو شرح للعلامة شمس الدين محمد بن محمد ابن علي بن يوسف الجزري، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة3. 2- شرح أبي الحسن بن عبد الهادي السندي نزيل المدينة المنورة، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة وألف4. 3- شرح الشيخ أحمد محمد شاكر من علماء القرن الرابع عشر الهجري، وهو مطبوع طبعته دار المعارف بمصر عام سبع وستين وثلاثمائة وألف للهجرة، وطبع منه خمسة عشر جزءًا. 4- بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني شرح مسند أحمد بن حنبل الشيباني، للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي أحد علماء القرن الرابع عشر الهجري، انتهى رحمه الله من تبييضه وأخرج أكثره. وهذا أهم ما عثرنا عليه من شروح لكتب الأصول الحديثية، وهي لأئمة أجلة زخرت بهم -وبأمثالهم في العلوم الأخرى- عصور الأمة الإسلامية، أوردناها مرتبة على أصولها ليسهل تناولها للدارسين في شروح السنة، ومنه يتبين أن نصيب المدرسة المصرية في هذه الكتب كان كبيرًا بالنسبة إلى البلدان الأخرى في الفترة التي اخترناها للدراسة. وفيما يلي دراسة لبعض كتب الشروح المهمة التي ألفها علماء الحديث المصريون، نشير بها إلى جهودهم في خدمة السنة، وقيامهم على حمايتها والدفاع عنها، ونبدأ من ذلك بكتاب عمدة القارئ شرح صحيح البخاري.   1 شذرات الذهب ج5 ص108. 2 من كشف الظنون ج2 ص1680. 3 ذيل كشف الظنون ج4 ص481. 4 ذكره صاحب كشف الظنون ج2 ص1680. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 عمدة القاري شرح صحيح البخاري ... عمدة القارئ شرح صحيح البخاري: لبدر الدين العيني المتوفى سنة 855هـ: ومؤلفه هو المحدث الكبير بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمد العينتابي المولد، ثم القاهري الحنفي. نشأ في عينتاب من أعمال حلب، ولازم الشيوخ فأخذ عنهم مختلف العلوم الشرعية والعربية، وتولى كثيرًا من المناصب في الديار المصرية، وحدث وأفتى ودرس، وأخذ عنه الأئمة من كل مذهب طبقة بعد طبقة. قال السخاوي في ترجمته للعيني: كنت ممن قرأ عليه أشياء، بل علق شيخنا "يريد ابن حجر" من فوائده، بل سمع عليه ثلاثة أحاديث مع ما بينهما مما يكون عادة بين المتعاصرين. وكذلك كان هو يستفيد من شيخه خصوصًا حين تصنيفه رجال الطحاوي قال: وترجمه شيخنا في رفع الإصر، وفي معجمه باختصار، وذكره ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: هو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده مروءة وحشمة وعصبية وديانة، ثم قال السخاوي: ولم يزل ملازمًا للجمع والتصنيف حتى مات، خصوصًا بعد صرفه عن نظر الأحباس، وصار يبيع من أملاكه وكتبه سوى ما وقفه على مدرسته منها، وهو شيء كثير. وقد ذكر السخاوي من تصانيفه العدد الكبير ذكر في أولها شرحه "عمدة القارئ لصحيح البخاري"، وقال: إنه استمد فيه من شرح ابن حجر بحيث كان ينقل منه الورقة بكمالها، وكان يعترض عليه أحيانًا، ولكن الشيخ ابن حجر تعقبه في مجلد حافل، ثم ذكر ما لكل من الشرحين العيني وابن حجر من المزايا، ثم أورد ما له من الشروح للكتب في الحديث وغيره، وذكر منها معاني الآثار للطحاوي شرحه في عشر مجلدات، وقطعة من سنن أبي داود في مجلدين، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام، وجمع الكلم الطيب لابن تيمية، وشرح الكنز في كتاب سماه رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق، وغيرها من الكتب الكثيرة، وله بعض المختصرات، مثل مختصر الفتاوى الظاهرية، والمحيط في الفقه الحنفي، وحواش على شرح الألفية لابن المصنف، وعلى التوضيح، وعلى شرح الجاربري في التصريف، وعمل سيرة الأنبياء، وتاريخًا كبيرًا في تسعة عشر مجلدًا، وله طبقات الشعراء، وطبقات الحنفية، ورجال الطحاوي، ومعجم شيوخه، واختصر تاريخ ابن خلكان، وله تحفة الملوك في المواعظ والرقائق. وفي مقدمة شرحه للبخاري بيان بشيوخه وتلامذته جاء فيه: أن من شيوخه زين الدين عبد الرحيم العراقي، سمع عليه صحيح البخاري، والإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد، ومنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 سراج الدين البلقيني، سمع عليه محاسن الاصطلاع، ومقدمة ابن الصلاح، ومنهم المحدث الكبير تقي الدين محمد بن محمد الدجوي، سمع عليه جميع الأصول الستة بأسرها وكثيرًا من المسانيد، ومنهم الحافظ نور الدين الهيثمي، سمع عليه جملة كتب، ومنهم قطب الدين عبد الكريم الحلبي، قرأ عليه المعاجم الثلاثة، ومنهم الشيخ المسند شرف الدين محمد بن محمد بن الكويك، سمع عليه الشفاء للقاضي عياض ومسند أبي حنيفة، وذكر كثيرًا جدًّا من الشيوخ الذين أخذ عنهم وسمع منهم. وذكر من تلامذته -الذين قال: إنهم كثير جدًّا -الإمام شيخ الإسلام ابن حجر الذي أخذ عنه بعض الفوائد والأحاديث كما ذكر السخاوي، ومنهم كمال الدين بن الهمام، والعلامة قاسم بن قطلوبغا، وشمس الدين السخاوي، والحافظ محمد بن أبي بكر الصالحي المعروف بابن زريق محدث الديار الشامية، ومنهم الشيخ كمال الدين الشمني، والبدر البغدادي، وقطب الدين الحيضري، والبرهان ابن خضر، والقاضي نور الدين علي بن داود الخطيب، وكثير غيرهم. وهذا الكتاب -عمدة القاري- يعد من الشروح المبسوطة للبخاري، وهو أحد الكتابين العظيمين الذين سارت بذكرهما الركبان، وانتفع بها طلاب الحديث أيما انتفاع، حتى كأنهم يستغنون بهما عما عداهما في هذا الباب، والكتاب الآخر هو فتح الباري للإمام العلامة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر، وإن كانت شهرة فتح الباري في عصرهما كانت أكثر، والإقبال عليه أعظم، ولعل ذلك كان لمكانة ابن حجر من السنة، ورسوخ قدمه فيها حتى إنه اختص من بينهما بلقب الحافظ، ولا سيما أن عمدة القاري ظهر بعد انتشار فتح الباري، الذي ظهر والناس متعطشون لكتاب حافل يشرح صحيح البخاري، يجلي عرائسه، ويكشف جناه ونفائسه. وإذا كنت قد ضمنت هذه الرسالة بحوثًا عديدة، وتناولت فيها دراسة كتب كثيرة، من بينهما هذا السفر الكريم والخضم العظيم، فإنني لا أستطيع أن أوفيه حقه، ولا أن أتناول كثيرًا من جوانبه التي تصوره للقارئ الكريم، ذلك أنه يحتاج إلى أزمنة متطاولة، ودراسات حافلة لا يتسع لها نطاق البحث في حدود المنهج المرسوم، وهذا بعينه هو السبب في إيثاري لهذا الكتاب بالدراسة دون فتح الباري؛ لأن عناوينه الضابطة تحدد مباحثه، وتجعل الناظر فيه على بصيرة أكثر من إبراز صفاته ووصف مزاياه، يضاف إلى ذلك أن الإمام العيني من أعلام هذه الحقبة التي جعلناها مادة لدراستنا في السنة، فإنه ممن يتوسطون في هذه المدرسة زمانًا ومكانًا، وهو من أعلامها الفحول البارزين ورجالها المبرزين، ولم تسبق دراستنا لشيء من مؤلفاته كما درسنا لابن حجر، الذي ظفرت مؤلفاته من دراستنا بنصيب كبير: في كتب الأحكام وكتب الزوائد وكتب الرجال وكتب التخريج وكتب المصطلح. فمن أجل ذلك آثرنا عمدة القارئ على فتح الباري بالدراسة في كتب الشروح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وفي مجال وصف المؤلفين لهذا الكتاب يقول صاحب كشف الظنون عند بيانه لكتب شروح الجامع الصحيح1 ما ملخصه: ومن الشروح المشهورة شرح العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة 855هـ وهو شرح كبير في عشرة أجزاء وأزيد، وسماه عمدة القاري، وأورد في خطبته أنه لما رحل إلى البلاد الشمالية قبل الثمانمائة مستصحبًا فيها هذا الكتاب "الجامع الصحيح" ظفر هناك من بعض مشايخه بغرائب النوادر المتعلقة به، ثم لما عاد إلى مصر شرحه -وهو بخطه في واحد وعشرين مجلدًا- بمدرسته التي أنشأها بالقرب من الجامع الأزهر، وشرع في تأليفه في أواخر رجب سنة 821هـ وفرع منه في أوائل جمادى الأولى سنة 847هـ، واستمد فيه من فتح الباري، بحيث ينقل منه الورقة بكمالها، وكان يستعيره من البرهان بن خضر بإذن مصنفه له، وتعقبه في مواضع، وطوله بما تعمد الحافظ ابن حجر حذفه من سياق الحديث بتمامه، وأفرد كل مراتب الرواة بالكلام، وبيان الأنساب واللغات والإعراب، والمعاني والبيان، واستنباط الفرائد من الأحاديث، والأسئلة والأجوبة. وحكى أن بعض الفضلاء ذكر لابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره فقال بديهة: هذا شيء نقله من شرح لركن الدين، وقد كنت وقفت عليه قبله، ولكني تركت النقل منه لكونه لم يتم، إنما كتب منه قطعة وخشيت من تعبي بعد فراغها من الاسترسال، ولذا لم يتكلم العيني -بعد تلك القطعة- بشيء من ذلك. ا. هـ. وبالجملة فإن شرحه حافل كامل في معناه، ولكنه لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه. هذا ما ذكره صاحب كشف الظنون من حكم على هذا الشرح ووصف له. وقد أورد المرحوم الشيخ محمد منير الدمشقي مخرج الكتاب وناشره في بداية الكتاب ترجمة مسهبة للمؤلف تناول فيها مؤلفات العيني، فأورد من بينها هذا الكتاب "عمدة القارئ" وذكر أنه وقع في إحدى وعشرين مجلدة على تجزئه المصنف، ووصفه بأنه أوسع شروح البخاري نقلًا وتحقيقًا، وأجمعها للفوائد بحثًا وتمحيصًا، ينتهج منهج إتمام سياق الحديث حيث اختصر البخاري، ويسلك مسلك تعيين مواضع تخريجه من الكتاب إذا تعددت طرقه وتكرر تخريجه في الأبواب، ويذكر اختلاف رواة الكتاب إذا كان هناك اختلاف، ويوفي حق الكلام في الرجال، وضبط الأسماء والأنساب، بحيث يغني عن تطلب ذلك في الكتب المؤلفة في هذا الباب، ويبين اللغة والإعراب أتم بيان، ويتعرض بأسلوب بديع لوجوه المعاني والبيان، ثم وصفه بأنه يتوسع في طرائق استنباط الأحكام من الحديث، ويذكر لطائف الإسناد من علو ونزول، ومدني وشامي   1 كشف الظنون ج1 ص548 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ونحوها، ويبسط في المسائل الخلافية تخريج الأحاديث المتعلقة بها بسطًا وافيًا، ويقارن بين الأدلة ويحاكم بينها، ويسرد تحت عنوان الأسئلة والأجوبة مواضع الأخذ والرد من فقه الحديث، وينتقي من شروح المتقدمين، مواطن العلم والفوائد مع تمام الاستقصاء، ثم تطرق من ذلك إلى الوصف بأنه يشرح الأحاديث من جميع مناحيها، وأن الكتاب بغية المتعلق بالمنقول وطالب المعقول، وأنه سهل الكشف عن المطالب في مظانها، بوضع العناوين الدالة عليها، ولم يحشد إلى كتابه ما هو أجدر بكتب المصطلح مما له كبير مساس بكتب الحديث، ولا يطيل بتخريج طرق الحديث عن كتب المستخرجات والأطراف المختصة بذلك، إلا ما يحتاج إليه في شرح الكتاب، أو ما يفيد ترجيح لفظ على لفظ في الروايات، ولا يفوته موضع الفائدة من ذلك، وقلما يحيل المطالع إلى مواضع قد يتيه في تطلبها، بخلاف صاحبه الشهاب فإنه كثير الإحالة، وقد لا توجد الفائدة حيث أحال، كما أنه خال عما سبق من مزايا شرح البدر، ثم نقل ناحية بين أنها تزيد شرح العيني مزية، وهي أنه كان يطلع على شرح الشهاب ابن حجر جزءًا بواسطة البرهان بن خضر أحد أصحاب الشهاب، وينتقده في مواطن انتقاده مع التوافق بين الشرحين في النقول في بعض المواضع لتوافق مراجعهما، وتناول الكاتب شبهة أن الثاني أخذ من الأول، وبين أنها نظرة من لا دراية له، وأنه يظهر عند الكشف عن مواطن اتفاقهما في مراجعهما، وأورد أيضا أن كتاب العيني ظهر بعد فراغ ابن حجر من شرحه بخمس سنوات، فدهش ابن حجر وأصحابه من ظهور شرح البدر بهذا المظهر، وابتدأ أصحابه يذيعون أعذارًا لشيخهم مولدة، وأورد أن الشهاب بدأ يرد انتقاد العيني عليه، فكتب الاعتراضات وترك ما تحتها بياضًا ليجيب عليها، فاخترمته المنية ولم يجب على كثير منها. ثم اعترف بأن كليهما شرح حافل، وأن العلامة ابن خلدون الذي قال في مقدمته:1 إن شرح البخاري دين على الأمة لو عاش إلى زمن ظهور هذين الشرحين لحكم لهما بقضاء هذا الدين، ثم عاد يفضل شرح العيني بأن من خاض بحار شرحه الفياض يرى نفسه في ملتقى سيل العلوم من جميع النواحي: لغة وإعرابًا وبلاغة واستنباطًا وكشفًا عن تراجم الرجال وكشف كناهم وألقابهم وأسمائهم وأنسابهم وبيانًا لفوائد حديثية، ولطائف إسنادية، وانتهى من ذلك إلى أن المنصف يحكم للعيني بقضاء هذا الدين بلا ارتياب. وهذه الكلمة المسهبة وإن بدا فيها روح التعصب للمؤلف وكتابه إلا أنها أغنتنا في وصف الكتاب عن بعض ما كنا سنتناوله من وصف، ونحن نرى أنها قد ذكرت كثيرًا مما للعيني من مزايا، وأغفلت بعض ما فيه مما رآه الكاتب نقصًا في شرح الشهاب، فإن الإحالات في كتاب العيني كثيرة ولا سيما في آخره، بل إنه منذ أول الكتاب يحيل في بيان تراجم الرجال عند ذكر أسمائهم، فمن تقدم ذكره   1 انظر مقدمة ابن خلدون ص351 مطبعة التقدم وفيها يقول: ولقد سمعت كثيرًا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاري دين على الأمة يعنون أن أحدًا من علماء الأمة لم يوفر له ما يجب من الشرح بهذا الاعتبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 في موضع ترك الكلام عليه وأحال على ما تقدم، دون ذكر الموضع الذي ورد فيه فيما تقدم، على أنه قط غمط العيني بعض مزاياه حين ذكر أنه يعين بعض مواضع تخريج الحديث من الكتاب إذا تعددت طرقه وتكرر تخريجه، فإن العيني لا يقتصر على هذا القدر من الإشارة إلى ذكر الحديث في مواضع من الجامع نفسه، بل إنه يذكر من أخرجه من المحدثين غيره، كمسلم وأبي داود والترمذي وغيرهم، وهذه ناحية ملموسة واضحة، بل إنها ترد في بعض عناوينه الخاصة بهذا المعنى إذ يقول: ذكر تعدد مواضعه ومن أخرجه غيره، ويفي بذلك تحت هذا العنوان. ونحن بدورنا نشير إلى ما سنح لنا من الصفات البارزة في هذا الكتاب، عند دراستنا لأجزاء من أوائله وأخرى من أواخره، إيثارًا للإيجاز الذي يتناسب مع منهجنا وخطتنا في البحث. 1- الكتاب في جملته مبسوط بحيث إنه يتناول كثيرًا مما لا يحتاج إليه طالب الحديث ولا سيما فيما يتعلق بالفوائد اللغوية والنحوية والبلاغية والصرفية والبيانية، وإن كان عظيم الفائدة غزير المادة في النواحي الحديثية، وفي شرح ما يحتاج إليه القارئ في استنباط الأحكام، وعرض الأسئلة والأجوبة التي تمكن المعاني في ذهن دارس الحديث، وبيان اختلاف الأئمة والعلماء من المتكلمين في العقائد والمتفقهين في الأحكام، وتفصيل مذاهب كل أولئك، وبيان وجهات كل منهم، وأدلته على ما ذهب إليه، وكثيرًا ما يرجح بعض المذاهب على بعض من وجهة نظره التي يبرزها بدليله وحجته. 2- الواقع أن وصف الكتاب بالبسط والإطناب يتجلى في الأجزاء الأولى منه، فهو يتناول الأحاديث في تلك الأجزاء بما لا يخلو أكثره مما يأتي: بيان مناسبة الحديث للباب الذي أورده البخاري، بيان رجاله، بيان لطائف إسناده، بيان مفردات اللغة، بيان الإعراب، بيان الصرف، بيان المعاني، بيان البيان، بيان استنباط الأحكام، الأسئلة والأجوبة، وإذا تطلب الحديث أكثر من ذلك كبيان الأسماء الخارجة عن السند وهي واردة في متن الحديث فإنه يتناولها كذلك بعنوان آخر، وكذلك إذا تطلب الحديث بيان الأنساب أو الأماكن أو غير ذلك فإنه يضع عنوانًا مناسبًا لما يتطلبه الحديث من بيان، ومن ذلك ما جاء في حديث هرقل حيث وضع فيه بيانًا بالأسماء الواقعة فيه1 وبيانًا بأسماء الأماكن فيه2، وقد يذكر في بعض الأحاديث بيانًا بضبط الرجال، وفوائد تتعلق بهم، كما أنه يذكر بيان نوع الحديث من كونه متواترًا أو غير متواتر، غريبًا أو عزيزًا أو ما أشبه ذلك، وقد يذكر بيان سبب الحديث ومورده، وذلك كما في حديث: "إنما الأعمال بالنيات" 3. 3- وطريقة تناوله لتلك النواحي التي أوردنا أنه لا يكاد يغفلها في مناسباتها أنه يغلب عليه التطويل المسهب، وإن كانت هذه النواحي لا تفيد الفائدة المنشودة في بيان الحديث.   1 عمدة القارئ ج1 ص79. 2 عمدة القارئ ج1 ص82. 3 عمدة القارئ ج1 ص28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 فهو مثلًا في بيان اللغة تحت العنوان الأول. كيف كان بدء الوحي وما تضمنه من الآية الكريمة: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك} يتكلم على كلمة باب، فيذكر أصله وجمعه ومؤنثه، ويذكر في "كيف" أنها من أي أنواع الكلمة، وما دليل ذلك، وكيف استعملها العرب، وفي كلمة "بدء الوحي" يتكلم على البدء ووزنه، وما أورده صاحب العباب في شأنه، ويتكلم في كلمة الوحي يذكر أصل معناها، وجمعها، وبعض ما وقعت فيه من أشعار العرب، ومن آيات القرآن الكريم والرسول، وبماذا يعرف، وما الفرق بينه وبين النبي، وغير ذلك، ما يشغل القارئ ويجعله يمل قبل أن يصل إلى مقصوده من الحديث. ثم ينتقل إلى بيان الصرف، فيذكر أنه "كيف" لا يتصرف لأنه جامد، وأن "الوحي" مصدر أوحى، وأن الرسول صفة مشبهة، ويطيل في ذلك أيضًا. ثم ينتقل إلى الإعراب فيذكر أن "باب" بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، ويجوز فيه التنوين وتركه للإضافة، وما ذكره بعضهم من أنه يجوز فيه الوقف، ويناقش ذلك، وما وقع في بعض الروايات من حذفه، وما إلى ذلك. ثم ينتقل إلى المعاني فيبين أن "كيف" تتضمن معنى همزة الاستفهام، وأنه للإنكار، وأن هذا الأسلوب من أي الأنواع. ثم ينتقل إلى: "إنا أوحينا" فيبين من أي ضروب الخبر هو، وما هي أضرب الخبر عند علماء المعاني ويستشهد من كلام عبد القاهر على ما يقول. ثم ينتقل إلى البيان، فيذكر أن الكاف في كما أوحينا للتشبيه، ويفسر ذلك. ثم ينتقل إلى التفسير، فيبين موضع الآية من القرآن الكريم، وسبب نزولها. ثم ينتقل إلى سر تصدير الباب بالآية المذكورة، وما جرت به عادة البخاري من ضمه إلى الحديث ما يناسبه من القرآن أو غيره. وهذا الأخير هو أنفع ما ينتفع به طالب الحديث ويعني بشأنه، وليس له حاجة بما قدمه من قبله. هذا هو صنيع الإمام العيني في شرح كل حديث يورده البخاري، وليس ذلك قاصرًا على أول الباب الأول، ولكنه مطرد في الأجزاء الأولى من الكتاب -كما قلنا. ولنضرب لك مثلًا آخر من الجزء الثاني من الكتاب: في الحديث الثالث والثلاثين من باب الغضب في الموعظة والتعليم1، وهو قول ابن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة فقال: "اعرف وكاءها -أو قال:   1 عمدة القارئ ج2 ص107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وعاءها وعفاصها- ثم عرفها سنة، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه"، قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه -أو قال: احمر وجهه- فقال: "ومالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها"، قال: فضالة الغنم، قال: "لك أو لأخيك أو للذئب". ا. هـ. تناول المؤلف فيه ما يأتي: مطابقته للترجمة، وهي باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، فذكر أن المطابقة في قوله: فغضب، ثم بيان رجاله وهم ستة، فترجم لهم عدا من سبق ذكره، ثم لطائف إسناده: وهي التحديث والعنعنة إلى آخره، ثم بيان تعدد مواضعه ومن أخرجه غير البخاري، وذكر في ذلك كلامًا كثيرًا يتجاوز نصف صفحة من القطع الكبير، ثم بيان اللغات، فضبط اللقطة، وذكر الخلاف في ضبطها، ونصوص رجال اللغة فيها ... وأطال في ذلك بإيراد نقول كثيرة، ثم تناول كلمة اعرف، وبين أنها من المعرفة لا من الإعراف، ثم تناول كلمة الوعاء فضبطها، وبين معناها والخلاف فيه، ثم تناول كلمة الوكاء وفعله وتعديه، وما قيل في ذلك، وأورد شاهدًا من كلام العرب على معنى أوعيت الزاد، ثم ضبط كلمة العفاص، وما ذكر من أنه يقال فيه العقاص وأورد عبارات اللغة في ذلك، واستطرد إلى عقاص القارورة كالصمام والسداد، وأورد للأخير شاهدًا من كلام العرب، وشرح كلمة ربها وما يستعمل فيه، ثم كلمة الضالة وما تستعمل فيه، وهل يصح حذف التاء فيه، ثم شرح كلمة الوجنة، ثم كلمة السقاء، وما يجمع عليه، ثم كلمة الحذاء ومعناه في البعير ومقابله في الفرس، ثم كلمة ذرها وبين أن ماضيه ميت غير مستعمل، وكلمة الغنم فبين أنه مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث. وأطال في ذلك. وبعد هذا ذكر بيان الإعراب، فبين أن رجلًا فاعل سأله، وأن وكاءها مفعول اعرف، وأن عرفها معطوف على اعرف، وأن سنة منصوب بنزع الخافض، وأورد أن استمتع معطوف على عرفها وبين أن "فأدها" جواب الشرط فذلك دخلته الفاء، وأن قول السائل: فضالة الإبل كلام إضافي مبتدأ وخبره محذوف، وأن الفاء في قوله فغضب للسببية مثلها "فوكزه موسى فقضى عليه" وأن حتى للغاية بمعنى إلى، وأن وجنتاه فاعل احمرت، وعلامة الرفع الألف، وأن قوله: مالك ولها يروى بالواو وبغير الواو، وأن كلمة ما استفهامية ومعناه ما تصنع بها، أي لم تأخذها ... وأن جملة ترد الماء يجوز أن تكون بيانًا لما قبلها لا محل لها وأن يكون محلها الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف، أي هي ترد الماء وترعى الشجر، وقوله: فذرها جملة من فعل فاعل، والفاء فيها جواب شرط محذوف "هكذا" وقوله: فضالة الغنم كلام إضافي مبتدأ، خبره ما حكمها قوله: لك أو لأخيك أو للذئب فيه حذف تقديره: ليست ضالة الغنم مثل ضالة الإبل، هي لك إن أخذتها أو هي لأخيك ... إلى آخر ما أطال به مما لا يكاد يكون دقيقًا إذا طبق على قواعد النحو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وفي بيان المعاني ذكر المراد بالرجل السائل، وبين في كلمة أو قال إنها شك من الراوي وما في ذلك من خلاف، وفي اعرف عفاصها ووكاءها أنها وردت في بعض الطرق من غير شك، ثم ذكر العلة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بمعرفة العفاص والوكاء، وفي قوله: ثم عرفها بين أن فيه حذفًا أي للناس، وبم يكون التعريف، وما عدته ... وأطال في ذلك، ثم ذكر السر في الإتيان بثم في قوله: "ثم استمتع" وبين في قوله: "فغضب" وأطال فيه. ثم انتقل إلى بيان البيان، وذكر أن فيه التشبيه للإبل بمن كان معه حذاء وسقاء في السفر، وانتقل بعد ذلك إلى البديع، وبين أن فيه جناسًا ناقصًا في اعرف وعرف، وهل يستوي الحرف المشدد مع الحرف المخفف. وبعد ذلك انتقل إلى استنباط الأحكام، فذكر وجوهًا كثيرة جدًّا. وأطال فيها، وكان استنباط الأحكام من هذا الحديث فيما يقرب من ثلاث صفحات من القطع الكبير. وواضح أن استنباط الأحكام هذا هو أهم ناحية في عرض السنة وشرحها للناس، أما تلك النواحي الأخرى التي بلغت نحوًا من ثلاث صفحات أخرى فقد كان يمكن الاقتصار فيها على أقل القليل حتى يصل طالب المعنى إلى بغيته من أقرب طريق. ولعل فيما عرضناه من طريقته في الموضوعين اللذين أوردناهما ما يلقي ضوءًا مسفرًا على ما وصفنا به الكتاب من البسط في أوائله. وأما أواخره، فإنها لم تكن على هذا الوجه من البسط ولا ما يقرب منه، فليس فيها تلك العناوين الكثيرة، وإن كان فيها بعض ما يندرج تحت هذه العناونين دون ذكرها، ولكن مع الإيجاز والاختصار البين، ولو أنه سلك هذا المسلك من أول الكتاب لكان أنفع لطالب الحديث، وأعون على تعجيل المنفعة وتيسيرها للراغب في السنة الذي يريد أن يستغني بأقل القليل مما أطال به المؤلف في غير جوهر الحديث ونواحيه الدينية الأصلية، وإليك مثالين من صنعه في آخر الكتاب: في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال1: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده، كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلًا لأهل الجنة"، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال: "بلى". قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: إدامهم بالأم ونون. قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زئادة كبدها سبعون ألفًا.   1 عمدة القارئ ج23 ص102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وبدر الدين العيني في هذا الحديث يذكر مطابقته للترجمة، وهي باب "يقبض الله الأرض يوم القيامة" ويبين من أخرجه غيره دون ترجمة، ويشرح الألفاظ دون ترجمة، فيشرح الخبزة بإيجاز، ويشرح التكفؤ كذلك، ويبين الشبه في قوله: كما يكفؤ أحدكم خبزته، ويذكر كلام الخطابي في ذلك، ثم يشرح كلمة النزل ويبين المراد بها، ثم يروي عن البيضاوي أن هذا الحديث مشكل جدًّا، لا من جهة إنكار صنع الله وقدرته، بل لعدم التوقف على قلب جرم الأرض من الطبع الذي عليه إلى طبع المطعوم والمأكول، ويزيل البيضاوي الإشكال في ذلك فيما ينقله العيني عنه ثم يذكر وجوهًا للمحدثين في إزالة هذه الإشكال، ثم ينتقل إلى بيان السبب في ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ويفسر قوله: بدت نواجذه، ثم يقسم الأضراس في هذه المناسبة، ثم يتكلم عن البالام بما ينقله عن الكرماني من بيان إعرابها، والأقوال فيها، والصحيح من ذلك، وهي أنها عبرانية معناها الثور، ويذكر تعليل الخطابي ذكر اليهودي لهذه الكلمة، ثم يذكر تفسير ابن الأثير لهذه الكلمة، ومناقشته لتفسير غيره، ثم ينتقل إلى بيان أن "من" في قوله: من زائدة كبدها زائدة، ويفسر الزائدة بأنها القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد، ويذكر أنها أطيبها، ولذلك خص بأكلها سبعون ألفًا، ويذكر خلاف المحدثين في هؤلاء السبعين، ثم يذكر أثرًا عن ابن المبارك عن كعب: "أن الله يقول لأهل الجنة: إن لكل ضيف جزورًا، وإني أجزركم اليوم حوتًا وثورًا" كما يذكر أثرًا عن مسلم من حديث ثوبان: "أن تحفة أهل الجنة زيادة كبد النون" وينتهي من هذا الشرح بلا جزم بقول، ولا اختيار لرأي، ومهما يكن فإنه لا يحرم القارئ من فائدة يفيدها مع إيجازه. وأنت ترى أنه قد أتى على المقصود من شرح هذا الحديث مع طول متنه بما لا يطيل به على القارئ، وما يمكن أن يجتزئ به مع وجازة، من غير إفاضة في اللغات ووجوه الإعراب والمعاني والبيان وما إلى ذلك، فإنه وقع في نحو صفحة ونصف، ولو أنه التزم في مثل هذا الحديث ما ألزم به نفسه في أول الكتاب لقرأنا في شرحه ما يزيد على عشر صفحات. وفي "باب النذر فيما لا يملك وفي معصية" حديث أبي إسرائيل قال ابن عباس1: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه". فيبين العيني في هذا الحديث مطابقته للترجمة، وبعض الأسماء التي وردت فيه باختصار، ومن أخرجه غير البخاري، ومواضع ذكره فيها، وما قيد به قوله يخطب في بعض الروايات،   1 عمدة القارئ ج23 ص212. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وأن قوله يخطب قيد في بعض الروايات بيوم الجمعة، وأنه ورد في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم التفت، وبين أن قوله قائم صفة لرجل، وأنه مقيد في بعض الروايات بأنه قائم في الشمس، وفي بضعها بأنه قائم يصلي، وذكر في أبي إسرائيل رواية أبي داود "هو أبو إسرائيل وما زاده كل من الخطيب والكرماني في وصفه، وما أورده ابن الأثير في وصفه أيضًا وما ترجمه به ابن عبد البر. ثم انتقل إلى بيان المراد بكلمة مره، ومرجع الضمير في مره، ثم إلى تعليل قوله صلى الله عليه وسلم: "ليتم صومه" ثم إلى ما يستفاد من الحديث من كونه يدل على أن السكوت عن المباح ليس بطاعة، وكذلك الجلوس في الشمس وكل ما يتأذى به الإنسان، وإنما الطاعة ما أمر الله به ورسوله. وكل هذا الشروح في نصف صفحة من هذا الكتاب. ولعلك ترى أنه اقتصر في هذا الحديث على قدر الضرورة أو ما هو أقل من ذلك، وكان بوسعه فيه أن يورد من التفصيلات ما يروي ظمأ القارئ فيما يجب الوفاء به وما لا يجب من النذر، ولعله اكتفى بذكر شرحه لأحاديث أخرى في هذا المعنى قبل هذا الحديث، قد يستفيد بها القارئ لو ضم بعضها إلى بعض متونًا وشروحًا، غير أننا أردنا أن نعرض بعض ما وقع لنا في أواخر الكتاب كما عرضنا بعض ما وقع لنا في أوله. وأرجو ألا يكون ما وصفنا به صاحب عمدة القارئ من الإطالة والبسط في أول الكتاب والاختصار والإيجاز في آخره مما قد يبدو لوثه في تأليفه، أو عيبًا في تصنيفه، ولعله يكون أقرب إلى النصح للأمة، والإخلاص للقارئ منه إلى غير ذلك، فإن الإطناب في أوائل الكتب أمر يتقدم به المؤلفون لشحذ الملكات واستنهاض الهمم، لمجاراة الإثراء من الثقافة، والتضلع من مختلف المواد والفنون، وقد رأينا الكثرة الكاثرة من المؤلفين في التفسير وشروح السنة يتنهجون هذا المنهج، فإذا كان قد بسط في أول الكتاب فإن ذلك لمزيد التزويد من الثقافة، وإذا كان قد أوجز في آخره فإن ذلك للاكتفاء بما سبقت دراسته في أوله، ولعلنا قد رأينا أن في اختصاره في آخر الكتاب ما لا يخل بالمطلوب من الشرح، وبيان أهم النواحي المنشودة فيه. ومهما يكن فإننا نسأل الله للإمام العيني بما نصح به لهذه الأمة، وقدم لطلاب الحديث من إحسان ومنه، أن يجزيه أحسن الجزاء، وأن ينفع به وبسائر مؤلفاته، إنه سميع قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ارشادات الساري لشرح صحيح البخاري ... إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: للحافظ القسطلاني المتوفى سنة 923هـ: وهذا كتاب من الكتب النافعة في الشروح الحديثية، ومؤلفه الحافظ1 شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك، العلامة الحجة الفقيه الرحالة المقرئ المسند. قال السخاوي: مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها وحفظ القرآن، ومن شيوخه الشيخ خالد الزهري النحوي، والفخر المقسمي، والجلال البكري كما أخذ بمكة عن جماعة منهم النجم بن فهد ولم يكن له نظير في الوعظ، وله تصانيف عديدة في علوم القراءات وعلوم الحديث التي من بينها شرحه المسمى إرشاد الساري الذي نورده للدراسة، وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة عام ثلاث وعشرين وتسعمائة، دفن بالمدرسة العينية جوار منزله. وكتابه إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، قدم له بمقدمة بين فيها منهجه، وتعرض فيها لفوائد حديثية، نورد هنا تلخيصًا لما ورد فيها على النحو التالي: بعد أن تكلم عن السنة وأنها أعظم العلوم قدرًا، وأرقاها شرفًا وفخرًا، وتكلم على كتاب البخاري الجامع، وأنه قد أظهر من كنوز مطالب السنة العالية إبريز البلاغة، وحاز قصب السبق في ميدان البراعة، وأتى من صحيح الحديث وفقهه بما لم يسبق إليه، ولا عرج أحد عليه، وأفاض في مدحه والثناء عليه قال: ولطالما خطر لي في الخاطر المخاطر أن أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا، وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل من الشرح بالحمرة والمداد، واختلاف الروايات بغيرها ليدرك الناظر سريعًا المراد، فيكون باديا بالصفحة، مدركًا باللمحة، كاشفًا بعض أسراره لطالبيه رافعًا النقاب عن وجوه معانيه لمعانيه، موضحًا مشكله، فاتحًا مقفله، مقيدًا مهملة، وافيًا بتغليق تعليقه، كافيًا في إرشاد الساري لطريق تحقيقه، محررًا لرواياته، معربًا عن غرائبه وخفياته. ثم بين أنه كثيرًا ما أحجم عن الإقدام على هذا العمل؛ لأنه كما قال عن هذا المنزل بمعزل لا سيما وقد قيل: إن أحدًا لم يستصبح سراجه، ولا استوضح منهاجه، ولا اقتعد صهوته، ولا افترع ذروته. ثم قال: ولم أزل على ذلك مدة من الزمان، حتى مضى عصر الشباب وبان فانبعث الباعث إلى ذلك راغبًا، وقام خطيبًا لبنات أبكار الأفكار خاطبًا إلى أن قال: وأطلقت لسان الحكم بعبارة صريحة واضحة وإشارة قريبة لائحة، لخصتها من كلام الكبراء الذين رقت في معارج علوما لشأن أفكارهم، وإشارات الألباء الذين أنفقوا على اقتناص شوارده أعمارهم، وبذلت الجهد في تفهم أقاوئل الفقهماء المشار إليهم بالبنان، وممارسة الدواوين   1 شذرات الذهب ج8 ص122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 المؤلفة في هذا الشأن، ومراجعة الشيوخ الذين حازوا قصب السبق في مضماره، ومباحثه الحذاق الذين غاصوا على جواهر الفرائد في بحاره، ولم أتحاش عن الإعادة في الإفادة عند الحاجة إلى البيان، ولا في ضبط الواضح عند علماء هذا الشأن، قصدًا لنفع الخاص والعام، راجيًا ثواب ذي الطول والإنعام، فدونك شرحًا قد أشرقت عليه من شرفات هذا الجامع أضواء نوره اللامع وصدع خطيبه على منبره السامي بالحجج القواطع، أضاءت مهجته فاختفت منه كواكب الداري وكيف لا وقد فاض عليه النور من فتح الباري. وبالجملة فإنما أنا من لوامع أنوارهم مقتبس، ومن فواضل فضائلهم ملتمس وسميته إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري. ثم أورد مقدمة تشتمل على وسائل المقاصد، فإنها جامعة لفصول خمسة ذكر أنها الأصول لقواعد هذا الشرح، وبيان محتوى هذه الفصول ما يأتي: الفصل الأول: في فضيلة أهل الحديث وشرفهم في القديم والحديث، ذكر فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" أورده برواياته المختلفة، وأسانيده المتعددة، وتكلم عنه وأفاض فيه، وأضاف إليه كثيرًا من الأحاديث والآثار تأكيدًا لفضل أهل الحديث وشرفهم، وأنهم -إن شاء الله- الفرقة الناجية. الفصل الثاني: في ذكر أول من دون الحديث والسنن ومن تلاه في ذلك سالكًا أحسن السنن، بين فيه اعتماد الأولين من الصحابة والتابعين وأتباعهم على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر، غير ملتفتين إلى ما يكتبون، ولا معولين على ما يسطرونه، وذلك لسرعة حفظهم، وسيلان أذهانهم، فلما انتشر الإسلام، وتفرقت الصحابة، وكثرت الفتوحات فمات معظمهم، وتفرق تبعًا لذلك أتباعهم وقل الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، وكان أول من أمر بذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه خوف اندراسه، فإنه -كما ورد في الموطأ- كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر إلى ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سننه فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأنه كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوه، وأورد أن ابن حجر قال في مقدمة كتابه الفتح: أول من جمع ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن انتهى الأمر إلى كبار الطبقة الثالثة، فصنف الإمام مالك بن أنس موطأه بالمدينة وصنف كل من الثوري والأوزاعي وعبد الملك بن جريج وحماد بن سلمة بن دينار تصنيفًا وتلاهم كثير من الأئمة، كل بما سنح له، وانتهى علمه إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 يسوغ فيه الإفراد نحو أكلت رأس شاتين، والجمع أجود نحو "فقد صغت قلوبكما" وإن كان غير جزئه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو سل الزيدان سيفهما، وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله في قبورهما، وقد تجتمع التثنية والجمع في نحو: ظهراهما مثل ظهور الترسين، قاله ابن مالك، ولم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، فيحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يسمهما قصدًا للستر عليهما، وخوفًا من الافتضاح على عادة ستره وشفقته على أمته صلى الله عليه وسلم، أو سماهما ليحترز غيرهما عن مباشرة ما باشره، وأبهمهما الراوي عمدًا لما مر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذبان" أي صاحبا القبرين "وما يعذبان في كبير" تركه عليهما "ثم قال" صلى الله عليه وسلم "بلى" إنه كبير من جهة المعصية، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام ظن أن ذلك غير كبير فأوحي إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك، وقال البغوي ورجحه ابن دقيق العيد وغيره: إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليها الاحتراز عن ذلك، والكبيرة هي الموجبة للحد أو ما فيه وعيد شديد، وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: يعذبان عذابا شديدًا في ذنب هين "كان أحدهما لا يستتر من بوله" بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة من الاستتار، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة، أي لا يتحفظ منه، وهي بمعنى رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التنزه وهو الإبعاد، ولا يقال إن معنى لا يستتر يكشف عورته لأنه يلزم منه أن مجرد كشف العورة سبب للعذاب المذكور لا اعتبار البول، فيترتب العذاب على مجرد الكشف وليس كذلك، بل الأقرب حمله على المجاز، ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته، وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقي بالاستتار مجازًا، ووجه العلاقة بينهما أن المستتر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجح المجاز وإن كان الأصل الحقيقة؛ لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى، وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حمل على كشف العورة زال هذا المعنى، وفي رواية ابن عساكر: لا يستبرئ، بموحدة ساكنة من الاستبراء، أي لا يستفرغ جهده بعد فراغه منه، وهو يدل على وجوب الاستنجاء؛ لأنه لما عذب على استخفافه بغسله وعدم التحرز منه دل على أن من ترك البول في مخرجه ولم يستنج منه حقيق بالعذاب "وكان الآخر يمشي بالنميمة" فعيلة من نم الحديث ينمه إذا نقله عن المتكلم به إلى غيره، وهي حرام بالإجماع إذا قصد بها الإفساد بين المسلمين، وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان للصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد وهو من أقبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 القبائح، ويجاب عن استشكال كونه النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بكان المقتضية له يصير حكمها حكم الكبيرة، ولا سيما على تفسيرها بما فيه وعيد شديد, ووقعت في حديثي أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني بإسناد صحيح: "يعذبان وما يعذبان في كبير، وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" بأداة الحصر، وهي تنفي كونهما كافرين؛ لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام المسلمين فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف، وبذلك جزم العلاء بن العطار وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب عنهما ولا ترجاه لهما. وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أول منازل الآخرة، وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله، وحق لعباده، وأول ما يقضى فيه من حقوق الله عز وجل الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ فيقضى فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة، فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما "ثم دعا" صلى الله عليه وسلم "بجريدة" من جريد النخل التي ليس عليها ورق فأتي بها "فكسرها كسرتين" بكسر الكاف تثنية كسرة، وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش الآتية إن شاء الله تعالى أنها كانت نصفين، وفي رواية جرير عنه باثنتين "فوضع" النبي صلى الله عليه وسلم "على كل قبر منهما كسرة" وفي الرواية الآتية فغرز، وهي تستلزم الوضع دون العكس "فقيل له يا رسول الله" ولابن عساكر فقيل: يا رسول الله "لم فعلت هذا" لم يعين السائل من الصحابة "قال" صلى الله عليه وسلم "لعله أن يُخَفَف" بضم أوله وفتح الفاء أي العذاب، وهاء لعله ضمير الشأن وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة، لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ويحتمل أن تكون زائدة مع كونها ناصبة، كزيادة الباء مع كونها جارة، قاله ابن مالك، ويقوي الاحتمال الثاني حذف إن في الرواية الآتية حيث قال: "لعله يخفف عنهما" أي المعذبين "ما لم تيبس" بالمثناة الفوقية بالتأنيث باعتبار عود الضمير فيه إلى الكسرتين، وفتح الموحدة من باب علم يعلم، وقد تكسر وهي لغة شاذة، وفي رواية الكشميهي إلا أن تيبس بحرف الاستثناء، وللمستملي إلى أن ييبس بإلى التي للغاية، والمثناة التحتية بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى العودين؛ لأن الكسرتين هما العودان، وما مصدرية زمنية إلى مدة دوامها إلى زمن اليبس المحتمل تأقيته بالوحي كما قاله المازري، لكن تعقبه القرطبي بأنه لو كان بالوحي لما أتى بحرف الترجي، وأجيب بأن لعل هنا للتعليل، أو أنه يشفع لهما في التخفيف هذه المدة كما صرح به في حديث جابر، على أن القصة واحدة كما رجحه النووي، وفيه نظر، لما في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني أنه الذي أتى بالجريدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه الذي قطع الغصنين، فدل ذلك على المغايرة، ويؤيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ذلك أن قصة الباب كانت بالمدينة، وكان معه عليه الصلاة والسلام جماعة، وقصة جابر كانت في السفر، وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده، فظهر التغاير بين حديث ابن عباس وحديث جابر، بل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المروي في صحيح ابن حبان ما يدل على الثالثة، ولفظة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف فقال: "ائتوني بجريدتين"، فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، يأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب وضع الجريدة على القبر في الجنائز. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وداري ومكي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا عن جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي الآتية عن الأعمش كمسلم عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، فأسقط المؤلف طاوسًا الثابت في الثانية من الأولى فانتقد عليه الدارقطني ذلك كما سيأتي مع الجواب عنه في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى، وقد أخرج المؤلف الحديث أيضًا في الطهارة في موضعين، وفي الجنائز والأدب والحج، ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الطهارة، وكذا النسائي فيها أيضًا وفي التفسير والجنائز. وأورد القسطلاني في كتابه ما يأتي كذلك. "باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه" لإشعاره بالإعراض عن العبادة. وبالسند قال: "حدثنا عباس بن الحسين" بالموحدة والمهملة، والحسين مصغرًا البغدادي القنطري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجهاد قال: "حدثنا مبشر" بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد المعجمة عند المنذر الحلبي، ولأبي ذر والأصيلي مبشر بن إسماعيل "عن الأوزاعي" عبد الرحمن بن عمر قال المؤلف "ح وحدثني" بالإفراد "محمد بن مقاتل أبو الحسن" المروزي "قال أخبرنا عبد الله" بن المبارك "قال أخبرنا الأوزاعي قال حدثني" بالإفراد، ولأبي ذر حدثنا، وللأصيلي أخبرنا "يحيى بن أبي كثير قال حدثني" بالإفراد "أبو سلمة بن عبد الرحمن" بن عوف "قال حدثني" بالإفراد "عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان" لم يسم "كان يقوم الليل" أي بعضه، ولأبي الوقت في نسخة، ولأبي ذر من الليل أي فيه كإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي فيها "فترك قيام الليل" وقال هشام: هو ابن عمار الدمشقي مما وصله الإسماعيلي وغيره "حدثنا ابن أبي العشرين" بكسر العين والراء بينهما معجمة ساكنة عبد الحميد بن حبيب الدمشقي البيروني كاتب الأوزاعي تكلم فيه "قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني" بالإفراد، وللأصيلي وأبي ذر حدثنا "يحيى" بن أبي كثير "عن عمر" بضم العين وفتح الميم "بن الحكم" بفتح الكاف "بن ثوبان" بفتح المثلثة "قال حدثني" بالإفراد "أبو سلمة" بن عبد الرحمن "مثله" ولأبوي ذر والوقت بهذا مثله، وفائدة ذكر المؤلف لذلك التنبيه على أن زيادة عمر بن الحكم بن ثوبان بن يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة، ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث "وتابعه" بواو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 العطف، ولأبي ذر تابعه بإسقاطها أي تابع ابن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم "عمرو بن أبي سلمة" بفتح اللام أبو حفص الشامي "عن الأوزاعي" وقد وصل هذه المتابعة مسلم. هذان مثالان مما كتبه القسطلاني شرحًا على البخاري، أوردناهما على صورة ما وردا عليه في كتابه وأولهما استدعت ضرورة البيان والشرح أن يطيل فيه، وثانيهما اقتصر فيه من الشرح على ما دعت إليه الحاجة، ومن مجموعها تتجلى طريقة المؤلف فيما عالج به أصله البخاري من شرح لما جاء فيه. ونرى أن هذا الشرح من هذا الإمام العظيم يلي حاجة طالب العلم في شرح كتاب البخاري سواء في ذلك ما ورد فيه من تراجم، وما جاء فيه من متون الحديث بأسانيدها ورجالها، وكما أنه يفيد طالب البيان في غريب الحديث ومشكلاته، وينير الطريق أمام الدارس لمسائل الخلاف في الفروع بين المذاهب الفقهية، وإن فيه لخيرًا كثيرًا لدارسي السنة والمنتفعين بها في دينهم ودنياهم ونسأل الله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 فيض القدير بشرح الجامع الصغير: للعلامة محمد عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة 1031هـ: ومؤلفه سبق أن ترجمنا له بما تيسر عند الكلام على الإتحافات السنية من بين كتب الجوامع. وهذا الكتاب تناول فيه شرح الأحاديث التي أوردها الحافظ السيوطي في جامعه الصغير من أحاديث البشير النذير. وقال في مقدمته لهذا الشرح: فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم، بل وكل مدرس ومعلم، من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير، الإمام الجلال الشهير، ينشر جواهره، ويبرز ضمائره ويفصح عن لغاته، ويكشف القناع عن إشاراته ... إلى آخر ما قال. وأوضح أنه بتأليفه هذا لم يدخل في عداد الناسخين، بلى أتى بالفوائد الشاردة من قاموس فكره وعباب قريحته، وأنه لم يعرب من ألفاظه إلا ما كان خفيًّا لأن الشأن هو معرفة قصده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمنه كلامه من الحكم والأسرار، بيانًا تعضده أصول الشريعة، وتشهد بصحته العقول السليمة، وما سوى ذلك ليس من الشرح في شيء. وقال: ولم أكثر من نقل الأقاويل والخلافات؛ لأن ذلك من أعظم الآفات على طالب الحديث فإنه يدهش عقله ويحير ذهنه، كما قال حجة الإسلام. ثم قال: إنه سمى كتابه هذا فيض القدير بشرح الجامع الصغير، ويحسن أن يترجم بمصابيح التنوير على الجامع الصغير، ويليق أن يدعى بالبدر المنير في شرح الجامع الصغير، ويناسب أن يوسم بالروض النضير في شرح الجامع الصغير. ثم بين اصطلاحه في هذا الكتاب، فأورد أنه حيث يقول القاضي فالمراد به البيضاوي، أو العراقي فجدنا من قبيل الأمهات الحافظ زين الدين العراقي، أو جدي فقاضي القضاة يحيى المناوي أو ابن حجر فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني1. وبدراستنا لهذا الكتاب، وتتبعنا لبعض ما ورد فيه، وجدنا من الظواهر ما نسجله فيما يأتي: 1- يشرح المتن شرحًا كافيًا بعبارة طلية، ويستشهد في ذلك بكثير من الآيات والأحاديث المناسبة، ويؤيد ما يراه بالنقل عن السابقين من العلماء، وربما يذكر بعد إفاضته في شرح الحديث أنه موضوع، وأنه كان الأولى للمصنف تركه.   1 من مقدمة فيض القدير: ج1 ص3 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ففي شرحه لحديث "ابن آدم 1 عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع. ابن آدم، إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنًا في سربك، عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء" "عدهب" عن ابن عمر "صح"، أورد المؤلف معنى "ما يكفيك" بأنه ما يسد حاجتك، ومعنى "وأنت تطلب ما يطغيك" أي تحاول أخذ ما يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية، ثم استشهد بالآية الكريمة: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} ثم قال: فإذا كان عندك ما يكفيك حالا فأشكر نعمة ربك ولا تطلب زيادة تطغيك "ابن آدم لا بقليل تقنع" أي ترضى لفقر نفسك إلى الزيادة، والقناعة: الرضا بما قسم، وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة، وهو معنى قولهم الرضا باليسير، ولعل المراد هنا بقوله: "تقنع" لا بقيد القلة وإلا لكفى أن يقول لا تقنع، ونكتة قصر القناعة على الرضا والنص على لفظ القلة معه رعاية الطباق بين القلة والكثرة المذكورة بقوله: "ولا من كثير تشبع" وهو من أنواع البديع المستحسنة، والباء في "بقليل" للمصاحبة، ومن في "من كثير" بمعنى الباء، ثم لما نعى عليه حاله، وذم إليه خصاله حثه على الزهادة، وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن محصل للغرض وزيادة، فقال له: "ابن آدم، إذا أصبحت" أي دخلت في الصباح "معافى" أي سالمًا من الأسقام والآثام، ومن قصره على الأول فقد قصر، والعافية والسلامة ودفع البلاء والمكروه "في جسدك" بدنك. قال الراغب: والجسد كالجسم لكنه أخص فلا يقال الجسد لغير الإنسان، أو الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء "آمنًا" بالمد وكسر الميم "في سربك" -بكسر فسكون- نفسك، أو -بفتح وسكون- مذهبك ومسلكك، أو -بفتحتين- بيتك "عندك قوت يومك" ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك، وخص اليوم لأنه يستتبعها، أو لأن الليل غير محل للاقتياب. قال في الصحاح: القوت ما يقوم به البدن، وفي المفردات ما يمسك الرمق. "فعلى الدنيا العفاء" بفتح المهملة والفاء كسماء الهلاك والدروس وذهاب الأثر. قال الزمخشري ومنه قولهم: عليه العفاء إذا دعا عليه ليعفو أثره، والمعنى إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا، فدع عنك ما عداه، واشتغل بما يقربك إلى الله. قال الغزالي: ومهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث مع أنه وبال عليهم، ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومر سليمان عليه السلام على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم: قال: يقول أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاخيه فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وقال صالح بن جناح لابنه: إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك، فأكثر الشكر لله، فكم من مسلوب دينه، ومنزوع ملكه، ومهتوك ستره في ذلك اليوم وأنت في عافية، ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد، وانكفوا بالورع عن الكد، وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد، وميز القريب من البعيد، والشقي من السعيد، والسادة من العبيد، وهذا هو المهيع.   1 فيض القدير: ج1 ص86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الذي قبض بسطة وجوه القلوب، فلم يبق للعاقل خطر فيما زاد على كسرة تكسر شهوته، وسترة تواري عورته، وما زاد متجر إن أتفقه ريحه، وإن ادخره خسره، وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها، جزيل نفعها، بل هي أجل النعم على الإطلاق، وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له ألا يغفل عن وعظ الناس، إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده، وترهيب يرده، ومواعظ ترققه، وأعمال تصدقه، وإخلاص يحققه، لترتفع أستار الغيبة عن عيون القلوب، وتكسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس، ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه، وبداعة ربطه، وبراعة تلاحمه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} 1. ثم شرح التخريج فقال: "عدهب" وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار "عن ابن عمر" بن الخطاب، ونقله عن ابن عدي، وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه، والأمر بخلافه، بل قال أبو بكر الداهري: أحد رجاله كذاب متروك. وقال الذهبي: متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي، وذكر نحو الحافظ ابن حجر، فكان ينبغي حذفه. وبعد، فإن التزام المؤلف بشرح ما ورد في الجامع الصغير يدعوه إلى الوفاء بما التزم، فهو يشرح النص الوارد فيه بما يفتح الله به عليه، ويعزز شرحه بما يورده من آيات وأحاديث، وما يذكره من نقول عن العلماء في ذلك، وإن أمانته العلمية لتحتم عليه أن يذكر رأيه في إسناد النص الذي شرحه، ويذكر كذلك رأي علماء الحديث فيه، حتى ولو كانت نتيجة هذه الآراء الحكم بأنه موضوع، وأنه كان ينبغي حذفه كما فعل في هذا الحديث. هذا هو مسلك المؤلف في شرحه للأحاديث الواردة في الجامع الصغير، وهو -كما يبدو- وافٍ بالغرض مؤدٍ للمقصود، وإن كان لنا من ملاحظة عليه في هذا المسلك فإنما هي في أنه -في الأعم الأغلب- حينما ينقل عن العلماء والسابقين لا يعزز نقله بإسناد، ولا يذكر كتابًا رجع إليه في روايته لهذه النقول. 2- يورد المؤلف أثناء الشرح فوائد وتنبيهات وتتمات يروي فيها بعض الآثار، أو يذكر فيها نقولًا عن العلماء، أو يحكي قصة أو رؤيا أو غير ذلك. ومثل هذا ورد في شرحه لحديث: "ابنوا المساجد، وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله بيتًا بنى الله له بيتًا في الجنة، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين" حيث أورد فائدة2 قال فيها: أخرج أبو الشيخ من مسند عبيدة بن مرزوق: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت، فلم يعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم بها، فمر على قبرها فقال: "ما هذا؟ " قالوا: أم محجن. قال: "التي كانت تقم المسجد؟ " قالوا: نعم، فصل الناس فصلى عليها ثم قال: "أي العمل وجدتِ أفضل؟ " قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ فقال: "ما أنت بأسمع منها": ثم ذكر أنها أجابته: "قم المسجد".   1 من سورة الحجر، آية: 37. 2 فيض القدير: ج1 ص84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وما ورد في نهاية شرحه لحديث: "أتدرون ما العضه؟ نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم" فقد أورد تتمة1 قال فيها: تتبع رجل حكيمًا سبعمائة فرسخ لأجل سبع كلمات قال: أخبرني عن السماء وما أثقل منها، وعن الأرض وما أوسع منها، وعن الحجر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها، وعن الزمهرير وما أبرد منه، وعن البحر وما أغنى منه، وعن اليتم وما أذل منه؟ فقال: البهتان على البريء أثقل من السماء، والحق أوسع من الأرض، والقلب القانع أغنى من البحر، والحرص والحسد أخر من النار، والحاجة إلى الغير إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافر أقسى من الحجر، والنمام إذا بأن للناس أمره أذل من اليتيم. وبعد شرح لحديث: "اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة" أورد فائدة2 قال فيها: رأى بعض العارفين عليًّا كرم الله وجهه في النوم فقال له: ما أحسن الأعمال؟ قال: عطف الأغنياء على الفقراء، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى. وأورد المؤلف تنبيهًا وتتمة بعد شرحه لحديث: "اتق الله يا أبا الوليد لا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثؤاج". فأما التنبيه3 فقال فيه: قال حجة الإسلام هذا الحمل حقيقي، فيأتي به حاملًا له، معذبًا بحمله وثقله، يعدل الجبل العظيم، مرعوبًا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رءوس الأشهاد، والملائكة تنادي: "هذا ما أغله فلان بن فلانة رغبة فيه وشحا". وأما التتمة4 فقال فيها: أجمعوا على أن الغال: يجب عليه إعادة ما غل قبل القسمة، وكذا بعدها عند الشافعي رحمه الله تعالى، فيحظفه الإمام كالمال الضائع، وقول مالك: يدفع الإمام خمسة ويتصدق بالباقي، فيه أنه لم يملكه فكيف يتصدق بمال غيره. وفي ختام شرحه لحديث: "أد ما اقترض الله تعالى عليك تكن من أعبد الناس، واجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس، وارض بما قسمه الله لك تكن من أغنى الناس" أورد تتمة قال فيها5: قال الغزالي: للشرع حكمان: حكم الجواز وحكم الأفضل الأحوط، فالجائز يقال له حكم الشرع، والأفضل الأحوط يقال له حكم الورع فافهم، وبه يخرج الجواب على من قال: الورع موضوع على التشديد، والشرع موضوع على اليسر والسماحة. كما أورد فائدة بعد شرحه لحديث: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له قفل قلبه، وجعل فيه اليقين والصدق، وجعل قلبه واعيًا لما سلك فيه، وجعل قلبه سليمًا، ولسانه صادقًا، وخليقته مستقيمة، وجعل أذنه سميعة، وعينه بصيرة"، وقال في هذه الفائدة6: قال الشبلي: استنار قلبي يومًا فشهدت ملكوت السموات والأرض، فوقعت مني هفوة فحجبت عن شهود ذلك، فعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر الكبير؛ فقيل لي: البصيرة كالبصر أدنى شيء فيه يعطل النظر.   1 فيض القدير: ج1 ص114. 2 فيض القدير: ج1 ص113. 3 فيض القدير: ج1 ص123. 4 فيض القدير: ج1 ص124. 5 فيض القدير: ج1 ص224. 6 فيض القدير: ج1 ص260. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 مثل هذا ما أورده من تنبيه وفائدة إثر شرحه لحديث: "أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: يا خليلي، حسن خلقك ولو مع الكافر تدخل مداخل الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي، وأن أسكنه حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري". فقال في التنبيه1: قال الراغب: التخلق والتشبه بالأفاضل ضربان. محمود، وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدريب على الوجه الذي ينبغي، وبالمقدر الذي ينبغي، ومذموم؛ وهو ما كان رياء وتصنعًا، ويتحراه فاعله ليذكر به، ويسمى تصنعًا وتشيعًا، ولا ينفك صاحبه من اضطراب يدل على تشيعه. وقال في الفائدة2: قال العارف ابن عربي: ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق: مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم، وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم، فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة، وعموم اللطف من حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه، فمن عامل الخلق بهذه الطريقة صحت له الخلة، وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه، وهكذا حال الخليل فهو رحمة كله. ومثل هذا في الكتاب كثير، ولكن المؤلف رحمه الله لم يكن -فيما يبدو- يتحرى الدقة في كل ما ينقله، ولا يهتم بصحة المنقول في بعض ما يرويه، فقد نرى من بين هذه النقول ما يبدو أنه ملفق، ومتكلف أو مصنوع، بما يحس معه القارئ بأنه ليس بصدد كتاب حديث، وإنما يقرأ كتاب وعظ قد يشبع العاطفة ولكنه لا يرضي العلم، يعتمد في نقوله على ما هو أدخل في باب الترغيب والترهيب. ومن ذلك ما أورده المؤلف بعد شرحه لحديث: "اتخذوا الغنم فإنها بركة": فقد أورد فائدة3 قال فيها: حُكي في الوحيد أنه ورد في بعض الآثاء أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان له أربعة آلاف كلب في غنمه، في عنق كل كلب طوق من الذهب الأحمر زنته ألف مثقال، فقيل له في ذلك، فقال: إنما فعلت ذلك لأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب، فدفعتها لطلابها. 3- يستدرك على المصنف ما فاته من متن الحديث فينبه إليه، ويصحح روايته: ففي حديث: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر"4 أورد تنبيهًا ذكر فيه أن تصرف المصنف بإيراد الحديث على هذا النحو يوهم أن سياق الحديث هكذا فحسب، وقال: إن الأمر بخلافة بل سقط من قلمه بعضه، ولفظه عند مخرجه الذي عزاه إليه "عم عن ابن عباس" "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له ذلك كله، فلو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا"، ثم قال: "سدوا كل خوخة في المسجد، غير خوخة أبي بكر".   1 فيض القدير: ج3 ص71. 2 نفس المرجع والصفحة. 3 فيض القدير: ج1 ص112. 4 فيض القدير: ج1 ص90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وكذلك حديث: "أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل يوضع في إخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه" ذكر فيه المؤلف1 أن المصنف أورده عن مسلم عن النعمان بن بشير الأنصاري ولكن رواية مسلم لفظها من حديث النعمان: "إن أهون أهل النار" وإنما قال: "أهون" في حديث ابن عباس الآتي، فهذا مما لم يحرر فيه المؤلف التخريج. 4- يزيل ما يبدو بين بعض الأحاديث من تعارض، ويعمل على اتساقها والتوفيق بين بعضها وبعض، أو بينها وبين ما هو معلوم من الدين بنصوص القرآن الكريم. ومن ذلك ما أورده في حديث: "ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" حيث قال: هذا الحديث وما على منواله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" قد وقع التعارض ظاهرًا بينه وبين خبر مسلم: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، وعند التأمل لا تدافع؛ إذ المراد بمدح القوة؛ القوة في ذات الله وشدة العزيمة، وبمدح الضعف لين الجانب، ورقة القلب، والانكسار بمشاهدة جلال الجبار، أو المراد بذم القوة التجبر والاستكبار، وبذم الضعيف ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار، على أنه لم يقل هنا إنهم ينصرون بقوة الضعفاء، وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم أو نحو ذلك. - ومن ذلك أيضًا ما نقله عن ابن الجوزي في حديث: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار" حيث قال2: وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضته لحديث أبي بكر مع أنه قد أجمع جمع منهم البزار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى باب علي؛ لأن بابه كان إلى جهة المسجد، ولم يكن لبيته باب غيره، فلما امروا بسدها سدوها، وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول للمسجد منها، فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر. وفي حديث: "اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد" وفق المؤلف بينه وبين خبر: "لا عدوى ولا طيرة" حيث قال:3 ولا يناقضه خبر: "لا عدوى ولا طيرة" لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله، فوقوعه بفعله تقدس، أو لأن الطاعون ينزل ببلد فيخرج منها خوف العدوى، وأما المجذوم ومثله المسلول فلم يرد به في هذا الخبر وما أشبهه إلا التحرز عن تعدي الرائحة، فإنها تستقم من أطال اشتمامها باتفاق حذاق الأطباء، وأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم معه تارة، وتارة لم يصافحه لبيان الجواز، وصحة الأمر على سالك طريق الفرار وسالك طريق التوكل، ففعل الأمرين ليأخذ من قويت ثقته بريه بطريق التوكل، ومن ضعف بطريق التحفظ، ثم قال: والحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر قد أباحت الحكم الربانية التحرز عنها، فلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها، وأما أهل الصدق واليقين فبالخيار، وعلى ذلك ينزل ما تعارض من الأخبار.   1 فيض القدير: ج3 ص38. 2 فيض القدير: ج3 ص91. 3 فيض القدير ج1 ص137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 ومثل ذلك ما أورده في حديث: "أدنى ما تقطع فيه يد السارق ثمن المجن" حيث قال:1 وعورض هذا الحديث بأحاديث: منها خير الشيخين عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" وخبر البيهقي عن عمر: "قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار" قال ابن عبد البر: هذا أصح حديث في الباب، قال ابن حجر: ويجمع بأنه قال أولًا: لا قطع فيما دون العشرة، ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها، فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر، وأما سائر الروايات فليس فيها إلا الإخبار عن فعل وقع في عهده صلى الله عليه وسلم وليس فيه تحديد النصاب، فلا ينافي رواية ابن عمر أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وهو مع كونه حكاية فعل لا يخالف حديث عائشة أن قيمته ربع دينار، فإن ربع الدينار صرف ثلاثة دراهم، وليس المراد به مجنًا بعينه، بل الجنس وأن القطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن فيكون نصابًا، ولا يقطع فيما دونه ... إلى آخر ما ذكره ونقله من توفيق العلماء بين الأحاديث التي يظهر فيها التعارض. 5- يشرح تخريج الحديث وتقويمه، ويتحدث عن رجاله، ويضيف إلى التخريج جديدًا في بعض الأحيان، وذلك مثل ما صنعه في تخريج حديث: "آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل" فإنه قال2: "خط" في ترجمة محمد بن يزداد "عن أبي هريرة" الدوسي "وقال" أي الخطيب حديث "غريب" أي تفرد به حافظ ولم يذكره غيره، ورواه عنه أيضًا الديلمي هكذا "والمحفوظ" عند المحدثين "عن" أبي العباس عبد الله "ابن عباس" ترجمان القرآن الذي قال فيه علي كرم الله وجهه: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، وأخرج ابن عساكر أنه كان يسمي حكيم المعضلات، ولم يرد عن أحد من الصحابة في الفتوى أكثر منه، وعمي آخر عمره كأبيه وجده "موقوف" عليه غير مرفوع، لكن مثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكمه، وهذا الموقوف صحيح، فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه بلفظ: "كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل" وفي رواية له عنه أيضًا: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم". ومثل ذلك حديث: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة" الحديث شرح تخريجه كما يأتي3: "حم والضياء" المقدسي في المختارة وأبو نعيم وابن أبي شيبة وغيرهم "عن سعيد بن زيد" عن عمرو بن نفيل "ت" وكذلك أحمد ولعله أغفله سهوًا وأبو نعيم في المعرفة كلهم من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه "عن" جده "عبد الرحمن بن عوف" الزهري وعبد الرحمن هذا تابعي ثقة إمام، وأبوه حميد أحد سادات التابعين ومشاهيرهم، خرج له الجماعة، قال ابن حجر: يكفي من مناقبه هذا الحديث الحسن وحده، فكيف مع كثرتها.   1 فيض القدير: ج1 ص231. 2 فيض القدير: ج1 ص44. 3 فيض القدير: ج1 ص92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وفي شرحه لتخريج حديث: "أتاني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ... " الحديث1 "الشيرازي" في كتاب معرفة "الألقاب والكنى" عن إسماعيل عن زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل بن سعد "ك" في الرقاق من طريق عيسى بن صبح عن زافر "هب" من طريق محمد بن حميد عن عيسى بن صبح عن زافر عن ابن عيينة عن أبي حازم "عن سهل بن سعد" ابن مالك الخزرجي الساعدي، قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي في التلخيص مع أن زافرًا أورده هو وغيره في الضعفاء، ولهذا جزم الحافظ العراقي في المغني يضعف الحديث، قال: وجعله بعضهم من كلام سهل ومراده القضاعي "هب" من طريق أبي داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير "عن جابر" بن عبد الله "حل" عن محمد بن عمر عن محمد بن الحسن وعلي بن الوليد قالا: حدثنا علي بن حفص بن عمر عن الحسن بن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن الحسن "عن علي" أمير المؤمنين وزاد في هذه الرواية: فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد أوجز لي جبريل في الخطبة" قال ابن حجر في أماليه: أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن صبح عن زافر، وصححه البيهقي من طريق ابن حميد عن زافر، قال أعني ابن حجر: تفرد بهذا الإسناد زافر وما له طريق غيره، وهو صدوق كثير الوهم، والراوي عنه فيه مقال لكن تويع، قال: وقد اختلف فيه نظر حافظين فسلكا طريقين متناقضين، فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي، والصواب أنه لا يحكم عليه بصحة ولا وضع، ولو توبع زافر لكان حسنًا، لكن جزم العراقي في الرد على الضغاني والمنذري في ترغيبه بحسنه. وكذلك في تخريج حديث: "أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض" الحديث قال في شرحه: "حم ع طب والضياء" المقدسي "عن خريم" بضم الخاء المعجمة وفتح الراء "ابن فاتك" بفتح الفاء وكسر المثناة التحتية الأسدي الصحابي قال ابن أبي حاتم: بدري له صحبة، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني موقوفًا على خريم ورجالهما ثقات. 6- يعقب -أحيانًا- على السيوطي في التخريج والتقويم: ففي حديث: "أول تحفة المؤمن أن يغفر لمن صلى عليه" شرح تخريجه وتقويمه، وعقب على ذلك بقوله:2 "الحكيم" الترمذي "عن أنس" من حديث معبد بن سرق العبدي عن الحكم بن سنان بن عون عن النميري، والحكم بن سنان قال الذهبي: ضعفوه، وزياد النميري أورده في الضعفاء وقال: صالح الحديث ابتلي برواة ضعفاء، ورواه الخطيب عن جابر والديلمي عن أبي هريرة، وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب، ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع وعده ابن الجدوزي من الموضوعات.   1 فيض القدير: ج1 ص102. 2 فيض القدير: ج3 ص84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وفي حديث "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ... " الحديث تكلم عن التخريج بما يلي1: "حم ت" وكذا الطبراني في الأوسط "عن أبي سعيد" الخدري وكذا ابن مسعود، قال الترمذي: حسن صحيح "قال الهيثمي": إسناد ابن مسعود صحيح، وفي إسناد أبي سعيد عطية والأكثر على ضعفه، ثم عقب المؤلف على ذلك بقوله: ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه وهو ذهول، فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: "أول زمرة تدخل الجنة وجوهم على مثل القمر ليلة البدر، والثانية على مثل أضواء كوكب في السماء، لكل رجل منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء الثياب وما في الجنة عزب". ا. هـ. ثم رأيته كذلك في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام، وفي مسلم في صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه، وليس في حديث الترمذي الذي آثره المصنف إلا زيادة عدد الحلل، وفي رواية البخاري زيادة عدد الحلل، وفي رواية البخاري زيادة نفي وجود الأعزب فيها. وفي الحديث الذي بعده: "أول سابق إلى الجنة عبد أطاع الله وأطاع مواليه" عقب على التخريج بما نقله الهيثمي وغيره بما يخالف تقويم المصنف لهذا الحديث قال: قال الهيثمي: فيه بشر بن ميمون أبو صيفي وهو متروك، وقال غيره: وفيه بشر بن ميمون أبو صيفي قال في الميزان عن البخاري يتهم بالوضع، وعن الدارقطني متروك الحديث، وعن ابن معين أجمعوا على طرح حديثه، ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر. وفي حديث: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" وبعد أن أورد تخريج المصنف له قال: وظاهره أنه لا يجد مخرجًا لأحد من السنة، وإلا لما أبعد النجعة، وهو ذهول عجيب، فقد خرجه النسائي في الكبرى وابن ماجه، وكذا الإمام أحمد والحاكم من حديث أنس، قال الحافظ العراقي: بإسناد حسن، والعجيب أ، ن المصنف نفسه عزاه لابن ماجه وأحمد في الدرر عن أنس المذكور. ولكن المؤلف كثيرًا ما يعزز تقويم السيوطي للحديث، ويؤكد ما ذهب إليه فيه: ففي حديث: "أتاني جبريل بالحمى والطاعون ... " الحديث، وبعد أن ذكر تخريج المصنف له بما يدل على صحته قال2: قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، ولذلك رمز المؤلف "السيوطي" لصحته. 7- يبين المؤلف لطائف إسناد الحديث ومثال ذلك: حديث: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة ... " الحديث قال فيه3: ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده حيث بين أنه من رواية عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه "حميد" عن جده "عبد الرحمن بن عوف".   1 فيض القدير ج3 ص85، 86. 2 فيض القدير: ج1 ص94. 3 فيض القدير: ج1 ص92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 8- يذكر أسماء الضعفاء من رواة الحديث للتدليل على ضعفه: ففي حديث: "أول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله" قال المناوي1: سكت المؤلف عليه فلم يشر إليه بعلامة الضعف، وكأنه ذهل عن قول الذهبي في التنقيح: في سنده كذاب. وعن قول ابن عبد الهادي عن معين: فيه الحسين بن حميد كذاب ابن كذاب، وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح، وقال ابن حجر: في سنده من لا يعرف، وقال: في الباب ابن عمر وابن عباس وعلي وأنس وأبو محذورة وأبو هريرة، فحديث ابن عمر رواه الترمذي والدارقطني، وفيه يعقوب بن الوليد المدني كان من كبار الكذابين، وحديث ابن عباس رواه البيهقي في الخلافيات وفيه نافع أبو هرمز متروك، وحديث علي رواه البيهقي عن أهل البيت وقال: أظن سنده أصح ما في هذا الباب قال -أعني ابن حجر: ومع ذلك فهو معلول، ولهذا قال الحاكم: لا أحفظ الحديث من وجه يصح، وحديث أنس خرجه ابن عدي والبيهقي، وقد تفرد به بقية عن مجهول مثله، وحديث أبي محذورة رواه الدارقطني وفيه إبراهيم بن زكريا متهم، وحديث أبي هريرة ذكره البيهقي وقال: هو معلول. وبعد: فلعل المناوي رحمه الله قد غفل عن أن المؤلف لم يسكت عن ذكر علامة الضعف في هذا الحديث، فقد رجعنا إلى الجامع الصغير فوجدناه في تخريجه لهذا الحديث نبه إلى ضعفه بذكر العلامة الدالة على الضعف "ض" في آخره2 بل إن متن الحديث في شرح المؤلف قد ختم تخريجه بهذه العلامة أيضًا، وعلى ذلك فإن السيوطي رحمه الله لم يغب عنه التنبيه على ضعف هذا الحديث كما ذكر المناوي فيه. ومثل هذا -أيضًا- حديث: "أول بقعة وضعت من الأرض موضع البيت ... ". الحديث فقد نبه المؤلف على رجال إسناده الذين كانوا سببًا في ضعف هذا الحديث فقال: وفيه عبد الرحمن بن علي عجلان القرشي قال في الميزان عن العقيلي: فيه جهالة وحديثه غير محفوظ ثم ساق له هذا الخبر وفيه أيضًا من لا يعرف. 9- يخالف المناوي المصنف في تقويم الحديث -أحيانًا- فيقول بالضعف على ما يراه المصنف حسنًا، ويقول بالوضع على ما خرجه المصنف بما يوهم غير ذلك. ومن ذلك حديث: "أو خصمين يوم القيامة جاران" الذي رمز المصنف له بعلامة الحسن، نقل المناوي3 عن الحافظ العراقي أن سنده ضعيف، وعن الحافظ المنذري أنه رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما جيد، وعن الهيثمي: أن أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير أبي نساقة وهو ثقة، وأعاده بمحل آخر وقال: إسناده حسن.   1 فيض القدير: ج3 ص82. 2 فيض القدير: ج1 ص112. 3 فيض القدير: ج3 ص85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 ولعل خلافه مع المصنف في تقويم هذا الحديث يرجع إلى أن سنده ضعيف في ذاته، وأنه لم يرتفع إلى درجة الحسن إلا بوجود تابع أو شاهد. وفي حديث: "أول سابق إلى الجنة عبد أطاع الله وأطاع مواليه" رمز المصنف له بعلامة الصحة، ولكن المؤلف عقب في شرحه بما يفيد ضعف الحديث، فقال نقلًا عن الهيثمي وغيره: وفيه بشر بن ميمون أو صيفي وهو متروك، وعن البخاري: يتهم بالوضع، وعن الدارقطني: متروك الحديث، وعن ابن معين: أجمعوا على طرح حديثه، ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر. وفي حديث: "أول تحفة المؤمن أن يُغفر لمن صلى عليه" لم يبين لنا المصنف درجة هذا الحديث، فقد رجعنا إلى الجامع الصغير1 فوجدناه أغفل تقويمه، ولكن المناوي ينبري له في التخريج فيذكر2 أنه من حديث معبد بن سرور العبدي عن الحكم بن سنان بن عون الذي قال الذهبي فيه: إنهم ضعفوه، وأن زياد النميري أورده في الضعفاء وقال: صالح الحديث ابتلي برواة ضعفاء، ورواه الخطيب عن جابر، والديلمي عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب، ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع، وعده ابن الجوزي من الموضوعات. 10- يضيف المؤلف إلى مراجع تخريج السيوطي مراجع أخرى خرجت الحديث غير تلك التي أوردها. من ذلك ما أورده في حديث: "أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس الأمر كله ... ". حيث أضاف المؤلف في نهاية تخريجه قوله: ورواه عنه أيضًا ابن لال والديلمي في مسند الفردوس. وفي حديث: "أولياء الله تعالى الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى" قال في ختام الحديث عن تخريجه:3 وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرج لأشهر من الحكيم ولا أعلى، وهو عجب، فقد رواه البزار عن ابن عباس: رواه عن شيخه علي بن حرب الرازي، قال الهيثمي: لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا. ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن أبي وقاص. وفي حديث: "أول زمرة تدخل الجنة ... " قال في نهاية الكلام عنه:4 ثم إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين لتخريجه، وهو ذهول، فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: "أول زمرة تدخل الجنة وجوهم على مثل القمر ليلة البدر ... " إلى آخر الحديث قال: ثم رأيته في كتاب الأنبياء وخلق آدم عليه السلام، وفي مسلم صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه.   1 الجامع الصغير ج1 ص112. 2 فيض القدير ج3 ص84 3 فيض القدير ج3 ص81. 4 فيض القدير ج3 ص85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ومثل ذلك حديث: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ... " الحديث قال -بعد أن أورد تخريج المصنف له:1 وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة، وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف عندهم، وهو ذهول، فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مع تغيير يسير، ثم روى لفظ الترمذي. وبعد: فإن الإمام المناوي بما قدم من جهد في شرح أحاديث الجامع الصغير هو -على ما نعلم- مما لم يقم بمثله أحد في هذا المضمار، فقد خدم الأحاديث الواردة فيه شرحًا وتخريجًا وتقويمًا بما نقله عن العلماء، وما أضافه إلى ذلك من رأيه، حتى أضحى كتابه "فيض القدير" خير ما رأيناه شرحًا لأحاديث الجامع الصغير.   1 فيض القدير: ج3 ص87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 كتب مشكل الآثار أو تأول مختلف الحديث ... كتب مشكل الآثار أو تأويل مختلف الحديث: وفي الفرق بين التأويل والتفسير قال أبو عبيد وطائفة: هما بمعنى، وقال الراغب: إن التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية، وقال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والتأويل توجيه لفظ يتجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة. هذا بعض ما نقله صاحب كشف الظنون1 خلاصة لما أورده أبو الخير في مقدمة علم التفسير. ثم قال: وقد ذكر في فروع علم الحديث علم تأويل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا علم معلوم موضوعه، وبين نفعه، وظاهر غايته وغرضه، ثم ذكر عددًا من المؤلفين في هذا العلم. وأورد صاحب الرسالة المستطرفة عددًا2 من هذه الكتب وأسماء المؤلفين في هذا العلم الذي سماه اختلاف الحديث، أو مشكل الحديث، أو تأويل مختلف الحديث، أو مناقضة الأحاديث وبيان محامل صحيحها. وهذا النوع من علوم الحديث ضروري لكل عالم بالسنة، فبمعرفته يندفع ما يبدو من تناقض بين الأحاديث النبوية، ويطمئن المكلف إلى ما يرد فيها من أمور الدين. وأشهر المؤلفين في هذا النوع من السنة فيما أورده صاحب الرسالة المستطرفة وما أورده صاحب كشف الظنون وكتاب إيضاح المكنون ما ذكرناه هنا مرتبًا بحسب سني الوفاة للمؤلفين، وما عرفناه من أسماء كتبهم على النحو التالي: 1- اختلاف الحديث للإمام الشافعي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي المتوفى سنة أربع ومائتين3 وهو من رواية الربيع بن سليمان المرادي عنه، وهو مطبوع على هامش الجزء السابع من كتاب الأم. 2- مشكل الحديث للإمام أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري، المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين4 وذكر صاحب كشف الظنون كتابه باسم تأويل مختلف الحديث5. 3- كتاب أبي يحيى زكريا بن يحيى الساجي البصري الحافظ، المتوفى سنة سبع وثلاثمائة6.   1 كشف الظنون ج1 ص334. 2 الرسالة المستطرفة ص118. 3 شذرات الذهب ج2 ص9 4 شذرات الذهب ج2 ص169. 5 كشف الظنون ج1 ص335. 6 شذرات الذهب ج2 ص250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 4- كتاب محمد بن جرير الطبري أبو جعفر، المتوفى سنة عشر وثلاثمائة1. 5- مشكل الآثار، لأبي جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة2. 6- تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات، لأبي الحسن علي بن مهدي الكسروي الأصفهاني ثم البغدادي الشافعي، المتوفى سنة ثلاثين وثلاثمائة3. 7- تأويلات أهل السنة، لأبي منصور محمد بن محمد الماتريدي الحنفي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. 8- مشكل الآثار، لأبي بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني الواعظ المتكلم، المتوفى سنة ست وأربعمائة4. 9- تأويل متشابه الأخبار، لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي، المتوفى سنة تسع وعشرين وأربعمائة. 10- التحقيق في أحاديث الخلاف، لأبي الفرج بن الجوزي، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسائة5. هذا أهم ما عرفناه من كتب تأويل مختلف الحديث ومؤلفيها، وقد أورد الدكتور أبو زهو في كتابه6 قوله: وقد كان إمام الأئمة ابن خزيمة7 من أحسن الناس كلامًا في هذا النوع من فنون الحديث حتى روي عنه أنه قال: لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده فليأتي به أؤلف بينهما. ولم نجد بين علماء الحديث في مصر في الفترة التي اخترناها للدراسة من ألف في هذا النوع من السنة تاليفًا خاصًّا به لكي نقدم للقارئ دراسة له. ولكنا نعود فنقول -ما سبق أن ذكرناه في تقديمنا لهذا الفصل- إن كتب الشروح الحديثية -وأغلبها لمصريين- قد حفلت بالكثير من هذه الدراسة التي يعمد إليها المؤلفون أثناء شرحهم للأحاديث المشكلة، توفيقًا بينها وبين ما يبدو في غيرها من تعارض، وأنهم ليفيضون في هذا كثيرًا، كما نلمسه في فتح الباري وعمدة القارئ وغيرهما من كتب الشروح، كما يفيضون في شرح مفرداتها وبيان غريبها، حتى تصل السنة إلى الدارسين واضحة الألفاظ، مستقيمة المعاني، لا تعلق بها شبهة، ولا تشوبها شائبة تحول دون الانتفاع بها ما استقامت النية، وصلحت الطوية. ولعل ذلك كان السبب في أن المحدثين في مصر لم يهتموا بالتأليف استقلالًا في الغريب ومشكل الحديث، بقدر ما كانوا يهتمون بالتأليف في الشروح الحديثية، فقد أعطوها من العناية ما جعلها تجمع إلى ما تناولته من شرح الحديث وتخريجه وغير ذلك -توضيحًا للغريب وحلًّا للمشكلات- وفي جمع هذا بذاك إبراز لمعالم الصورة، وإيضاح للمراد من السنة النبوية المطهرة.   1 شذرات الذهب ج2 ص260. 2 شذرات الذهب ج2 ص288. 3 إيضاح المكنون ج3 ص220. 4 إيضاح المكنون ج4 ص489. 5 شذرات الذهب ج4 ص329. 6 الحديث والمحدثون ص472. 7 المتوفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الفصل السادس: كتب أصول الحديث مدخل ... الفصل السادس: كتب أصول الحديث تمهيد: علم أصول الحديث هو العلم الذي يعرف به صفات الحديث من قبول ورد وصحة وضعف وما إلى ذلك، ويسمى علوم الحديث -أي العلوم والمعارف التي يمكن الحكم بها على صفة الحديث كما بيننا- كما أنه يسمى علم مصطلح الحديث -أي العلم الذي تعرف به الاصطلاحات التي تبين كل نوع من أنواع الحديث، من صحة وحسن وضعف، وغرابة وعزة وشهرة، وشذوذ ونكارة وما إلى ذلك، وما تتميز به أنواع الحديث بعضها على بعض. وقد توسع علماء الحديث في هذا العلم حتى نقل عن ابن الملقن أن أنواعه تزيد على المائتين وبلغ ابن حاتم في تقسيم الضعيف منه خمسين قسما إلا واحدا1. وقد تناوله القاسمي في كتابه قواعد التحديث2 فقال: اعلم أن الأئمة المصطلح سردوا في مؤلفاتهم من أنواعه ما أمكن تقريبه، وجملة ما ذكره النووي والسيوطي في التدريب خمسة وستون نوعًا، وقال: ليس ذلك بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى. وقد رجعنا إلى السيوطي في مقدمة كتابه التدريب3، فوجدناه يذكر في الفائدة الرابعة أن علوم الحديث كثيرة لا تعد، قال الحازمي في كتاب العجالة: علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة، كل نوع منها علم مستقل، لو أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته وقد ذكر ابن الصلاح منها -وتبعه المصنف- "يريد النووي في التقريب" خمسة وستين، قال: وليس ذلك بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى. قال الحازمي: أحوال رواة الحديث وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها، وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر فإذا هي نوع على حياله. قال شيخ الإسلام "ابن حجر" وقد أخل بأنواع مستعملة عند أهل الحديث، منها القوي والجيد والمعروف والمحفوظ والثابت والصالح، ومنها في صفات الرواة أشياء كثيرة، كمن اتفق اسم شيخه والراوي عنه، وكمن اتفق اسمه واسم شيخه وشيخ شيخه، أو اسمه واسم أبيه وجده ... إلى آخر ما نقله السيوطي في هذا المقام مما ليس في جوهر موضوعنا.   1 بتصرف عن مقدمة كتاب التدريب للأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف ج1 ص5. 2 قواعد التحديث ص79. 3 تدريب الراوي ج1 ص51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 ومقصودنا بالدراسة في هذا التمهيد بيان أن علم الحديث -منذ دون من عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، ثم اطرد التدوين فيه في جميع البقاع الإسلامية- لم يقتصر المدونون على إيراد الأحاديث مجردة من غمز ما يستحق الغمز منها، وتناول علل بعضها، ونقد بعض رواتها. وقد وجد في بعض هذه المدونات دراسات طويلة تتعلق بالإسناد ونقد الرواة وبيان الضعفاء كما في صحيح مسلم، فقد تقدم مؤلفه فيه بين يدي روايته للحديث بمقدمة طويلة تتعلق بتقسيم الأخبار النبوية، وبيان أحوال بعض الرواة، وتوجيه الاتهام إلى عدد منهم، مع بيان تفاوتهم في الضعف والنكارة، كما تناول موضوع اللقى والمعاصرة، ومناقشة من يشترطهما في اعتبار الحديث متصلًا، وما إلى ذلك من مسائل المصطلح. وكذلك صنع الترمذي في جامعه، فقد وضع في آخره بحثًا واسعًا في بيان علل الحديث، وكثير من كتب الجوامع والسنن والمسانيد عرضت لتناول بعض الرواة، وأعلت ببعضهم بعض الأحاديث وكان من ذلك مادة لما وضع بعد من علوم المصطلح. قال الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته للتدريب وهو يتحدث عما جمع من السنة النبوية في مختلف البلدان بكيفيات وصور مختلفة1. ووجد في بعض هذه المصنفات حكم على بعض الأحاديث، وقول في علل المعلول "المعل"2 ونقد لبعض الرواة، وجمع في تلك المصنفات أقوال العلماء في الإسناد، كما جمع ما بها من اصطلاحات المتقدمين فيما يتعلق بالأسانيد والمتون، ولما ظهر من الرواة صفات وأحوال لها مدخل في التعديل والتجريح اتسع النظر فيها وتتابعت الأفكار، وانتحى العلماء الفرز والاختيار، فتعمق البحث، وامتاز الصحيح من السقيم في الحديث، وألفت في أنواع علومه مؤلفات، بعضها في أحوال الإسناد، وبعضها في الرجال، وهو كتب التاريخ، والطبقات والوفيات، ومعرفة الوحدان، وما إلى ذلك. وابتدأ ذلك التدوين في أبواب وبعض أنواع منه أثناء المائة الثالثة، فلما كانت المائة الرابعة واستقرت الاصطلاحات ألف القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي من علماء أهل السنة، المتوفى عام ستين وثلاثمائة للهجرة، فجمع في ذلك العلم الكثير. وهنا نستطيع أن نرجع إلى نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر وشرحها للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة للهجرة إذ يقول في صدر كتابه3:   1 تدريب الراوي ج1 ص4. 2 المعل أصح هنا من المعلل والمعول لما سيجيء في الاعتراض الثالث تحت عنوان التقييد والإيضاح. 3 شرح النخبة ص2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 أما بعد، فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت في القديم والحديث، فمن أول من ألف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهزمزي في كتابه: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، المتوفى عام خمس وأربعمائة، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم1 الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجًا2 وأبقى أشياء للمتعقب، ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر3 البغددي فصنف في قوانين الرواية كتابًا سماه الكفاية، وفي آدابها كتابًا سماه: الجامع لآداب الشيخ والسامع، وقل فن من فنونه إلا وصنف فيه كتابًا مفردًا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه، ثم جاء من بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض4 كتابًا لطيفًا سماه الإلماع، وأبو حمض الميانجي5 جزءًا سماه ما لا يسع المحدث جهله. ثم جاء من بعد هؤلاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح6 عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع كتابه المشهور بمقدمة ابن الصلاح، فهذب فنونه، وأملاه شيئًا بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر. ا. هـ. وهذا الكتاب "مقدمة ابن الصلاح" هو الذي نقل السيوطي أنه جمع فيه خمسة وستين نوعًا ثم اختصره النووي في كتابيه: التيسير والتقريب. وقد ذكر الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته للتدريب ما يبين هذا الإنجاز الوارد في عبارة ابن حجر7 فقال: إن للزين العراقي المتوفى عام ست وثمانمائة، والبدر الزركشي المتوفى عام أربع وتسعين وسبعمائة، والحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة عليه نكتًا جيدة، ونكت العراقي تسمى التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، ونكت العسقلاني تسمى الإيضاح عن نكت ابن الصلاح.   1 هو إمام الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله بن أحمد الصوفي الأحول الشافعي المتوفى سنة 430هـ. 2 مستخرجًا -بكسر الراء- بمعنى مستدرك. 3 هو الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463هـ. 4 هو الإمام أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي صاحب الشفاء المتوفى سنة 544هـ. 5 هو أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانجي المتوفى سنة 580هـ. 6 هو الإمام تقي الدين بن الصلاح الحافظ شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي المتوفى سنة 643هـ. 7 ص7 ج1 تدريب الراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وقد اختصره مع التهذيب والزيادات الحافظ البلقيني المتوفى عام خمس وثمانمائة، وسماه: محاسن الاصطلاح، واختصره النووي في كتابه الإرشاد، ثم اختصره في: التقريب، وهو الذي شرحه السيوطي في كتابنا هذا: تدريب الراوي، كما شرحه الزين العراقي والسخاوي، وشرحه برهان الدين القباقبي الحلبي، ثم المقدسي المتوفى عام واحد وخمسين وثمانمائة. ثم أورد الدكتور عبد الوهاب أسماء بعض الناظمين والشارحين فقال: إن للزين العراقي منظومة لمقدمة ابن الصلاح، وقد زاد عليه في ألفيته نظم الدرر في علوم الأثر، وشرحها شرحين مطول ومختصر، والمختصر هو المطبوع باسم فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، وعلى هذا الشرح حاشية لبرهان الدين مر بن إبراهيم البقاعي المتوفى عام خمس وثمانين وثمانمائة بلغ بها نصفه وتسمى: النكت الوفية بما في شرح الألفية، وحاشية لقاسم بن قطلوبغا المتوفى عام تسع وسبعين وثمانمائة، وشرحها السخاوي المتوفى عام اثنين وتسعمائة في فتح المغيث في شرح ألفية الحديث، والشيخ زكريا الأنصاري المتوفى لعام ثمان وعشرين وتسعمائة في: فتح الباقي في شرح ألفية العراقي، وعلى هذا الشرح حاشية لعلي بن أحمد العدوي. ثم ذكر كتبًا عديدة شرحت ألفية العراقي، وأورد من الكتب المؤلفة في هذا الفن مختصرًا لتقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد المتوفى عام اثنين وسبعمائة يسمى "الاقتراح"، و"الخلاصة في أصول الحديث" لشرف الدين حسن بن محمد الطيبي المتوفى سنة ست عشرة وثمانمائة، والمختصر المنسوب إلى الشريف الجرجاني، وعليه شرح جيد لمحمد بن عبد الحي اللكنوي المتوفى عام أربع وثلاثائة وألف يسمى: ظفر الأماني، ومن ذلك: خلاصة الفكر في شرح المختصر كلاهما لعبد الله بن محمد الشنشورى الفرضي المتوفى عام تسع وتسعين وتسعمائة. ومن أنفع الكتب المختصرة نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر للحافظ ابن حجر، وقد شرحها في نزهة النظر، وعلى شرحها حاشية للقاني، ثم أورد لهذا الكتاب شروحًا كثيرة وبعض منظومات عليه، ثم ذكر أن من هذه المؤلفات "القصيدة الغرامية" لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن فرح الإشبيلي المتوفى عام تسع وتسعين وستمائة، وشرحها ابن قطلوبغا والبدر بن جماعة في: زوال الترح بشرح منظومة ابن فرح، ومن ذلك: المنظومة البيقونية لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي، وذكر لها عدة شروح، ثم قال: إن لجمال الدين القاسمي المتوفى عام اثنين وثلاثين وثلاثمائة والف كتاب: قواعد التحديث، جمع فيه فوائد1، ومن ذلك "التذكرة" لسراج الدين بن الملقن المتوفى عام ثلاث وتسعين وثمانمائة، والروض المكلل والورد المعلل للسيوطي، ومن الكتب الجامعة المحررة كتاب: تنقيح الأنظار لمحمد بن إبراهيم المعروف بابن الوزير الزيدي   1 يبدو أن هذا الكتاب لم يكن في دراسته يجري على منهج علماء المصطلح وأكثره فوائد حديثية غير متداولة في هذه الكتب استفادها من مطالعته في كتب فحول العلماء ولذلك لم توصف بأكثر من أنها "فوائد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 المتوفى عام أربعين وثمانمائة، وشرحه لمحمد بن إسماعيل المعروف بالأمير الصنعاني، صاحب سبل السلام، المتوفى عام اثنين وثمانين ومائة وألف، والمسمى: توضيح الأفكار، ذكر فيه مسائل أصولية ومسائل استطرادية. ولا يزال العلماء يتابعون المؤلفات والتأليف في هذا الفن اعتناء بشأنه وتقديرًا لمكانته، وقد كان لقسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر إسهام كريم بين، بما يؤلفه المتخصصون في مسائل مهمة منه ببحوثهم ورسائلهم التي يتقدمون بها لنيل الدرجات العلمية، وفيها صورة واضحة لما تربى لديهم من ملكة حديثية قوية، استطاعوا بها أن يوغلوا في التحقيق والبحث، وأن يظهروا شخصيات قوية تعتز بها السنة، ويفاخر بها الأزهر بأنه قام بدوره، وأدى ما عليه حيال السنة النبوية، فمنها ما هو بيان للحديث والمحدثين، ومنها ما هو دفاع عن السنة وتطهير لها من أرجاف المرجفين، ومنها ما هو رد على المستشرقين وأذنابهم أولئك الذين يريدون تقويض الدين من أساسه بهدم نقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة وذلك مثل كتاب "أبي هريرة في الميزان" و"دفاع عن السنة" ومنها ما هو في أصحاب الكتب الستة، ومنها ما هو تصوير لواحد من أصحابها مثل "البخاري محدثًا وفقيهًا" وكتاب "أصول الحديث النبوي". ولا غرو فقد تخرج هؤلاء على يد أساتذة فحول في العلم، وردوا مناهلهم العذبة فأدوا بما استمعوا من تحقيقاتهم وتوجيهاتهم، وانتفعوا بما دونوا لهم في مؤلفاتهم مثل كتاب: "المختصر في الرواة وعلوم الأثر" وكتاب "المنهج الحديث" بقسميه في الرواية والرواة، وكتاب "غيث المستغيث" في علم مصطلح الحديث، وذلك عدا ما يقوم به هؤلاء الأساتذة من إخراج الكتب الحديثية العظيمة، والسهر على تحريرها وتنقيتها وتحقيقها، جزاهم الله عن السنة والإسلام خيرًا, وأدام النفع بهم مطردًا، إنه سميع مجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 التقييد والإيضاح في شرح مقدمة ابن الصلاح : للحافظ زين الدين العراقي المتوفى سنة 806هـ: تمهيد: مقدمة ابن الصلاح هو الكتاب المبارك الذي تدور حوله مجموعة الكتب التي بقيت في هذا الفن، وصرنا نتدارسها ونأخذ عنها معارف علوم الحديث. ومؤلفه هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو وعثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي المعروف بابن الصلاح، ذكره ابن العماد في شذراته1 فقال: إنه برع في مذهب الشافعي وأصوله، وفي الحديث وعلومه، ونقل عن ابن خلكان أنه كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث واللغة، وذكر أنه سافر إلى خراسان وأقام بها زمنًا، وحصل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام وتولى المدرسة النظامية بالقدس الشريف، ثم انتقل إلى دمشق وبقي بها حتى بنى الأشرف دار الحديث، ففوض تدريسها إليه، وكان من العلم والدين على قدم عظيم، ولم يزل جاريًا على السداد والصلاح حتى توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة للهجرة. وذكر من تصانيفه مشكل الوسيط، وكتاب الفتاوى، وعلوم الحديث "وهو هذا الكتاب" وغيرها من الكتب. مقدمة ابن الصلاح: وكتابه علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح يعتبر هو الأصل والمرجع لمن جاء بعده، وقد نسق فيه أنواع علوم الحديث وجمعها في خمسة وستين نوعًا أشرنا إليها في غير هذا الموضع. وقد وضع فهرسًا بهذه الأنواع في مقدمة الكتاب، وقال: إنه ليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى؛ إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم، ولا أحوال متون الحديث وصفاتها. وهو يذكر في خطبته الباعث له على التأليف فيقول ما خلاصته؛ إن علوم الحديث في عصره انقرضت حتى اكتفى الناس بكتابة الحديث عطلًا، وطرحوا علومه التي بها جل قدره، فحين كان الباحث عن مشكلة لا يلقى له كاشفًا، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفًا مَنَّ الله سبحانه   1 شذرات الذهب ج5 ص221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 يجمع كتاب تعرف به أنواع علم الحديث، وأنه أوضح أصوله، وشرح وقواعده، وجمع شتاته، وقنص شوارده. وقد وصف شيخ الإسلام ابن حجر هذا الكتاب في نخبته1 بأنه جاء بعد التآليف العديدة والمصنفات الكثيرة في هذا الفن، فهذب فنونه، وأملاه شيئًا فشيئًا، فلم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب، وأنه اعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره ... إلخ. وهذا وصف إمام درس ونقب، وأحاط معرفة بكنه ما يقول، وإن كان الشيخ ابن الصلاح لم يسمح لنا بهذا التصريح المريح، المفيد فائدة كبرى لمتتبع الفن الذي يحاول معرفة تطوره وكيف كان التأليف فيه. ومهما يكن فقد فهرس ابن الصلاح أنواعه الخمسة والستين بما نذكره في غير هذا الموضع عند الحديث. عن التقريب الذي اختصره النووي فيه مختصرة الإرشاد. التقييد والإيضاح: وجاء الإمام العراقي، وهو الحافظ أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين الذي تقدمت ترجمته عند دراسة كتابه تقريب الأسانيد وشرحه المسمى بطرح التثريب من بين كتب الأحكام في الحديث. وهو إمام ضليع في علوم الحديث ضلاعة يعرفها كل من زاول هذا الشان وعرف رجاله، فأراد أن يضع على مقدمة ابن الصلاح نكتًا لم تكن شرحًا كسائر الشروح التي يفرغ فيها المؤلف كل ما في جعبته، ويطرح بها كل ما في حقيبته، وإنما هي مجرد نكت في أمور رأي وجوب التنبيه عليها، وذلك حتى لا يشغل القارئ عن فحص هذا الكتاب القيم، والعكوف على دراسة ما فيه من معارف جليلة. وقد أورد في مقدمة هذه النكت ما يدل على عظيم تقديره لذلك الكتاب، وعن منهجه اللطيف القيم فيما أسماء تعليقًا عيه إذ يقول: إن أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعًا. وهذه شهادة إمام جليل في الفن تزيد من قيمة الكتاب، وتعلن برفعة المؤلف فوق ما عرف له من مكانة.   1 نخبة الفكر ص2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 ثم قال في سبب تأليفه: إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه، وأماكن أخر تحتاج إلى تقييد وتنبيه، فأردت أن أجمع عليه نكتًا تقيد مطلقه، وتفتح مغلقه، وقد أورد عليه غير واحد من المتأخرين إيرادات ليست صحيحة، فأردت أن أذكرها، وأبين تصويب كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم، وينفق من مزجي البضاعات ما لا يصلح للسوم1. ثم ذكر أن الشيخ الإمام علاء الدين مغلطاي أوقفه على شيء جمعه عليه سماه إصلاح ابن الصلاح، وقرأ من لفظه موضعًا منه، وأنه لم ير الكتاب المذكور بعد ذلك، وفي ذلك من اعتداد المؤلف بنفسه ما يشعر بأنه لم يعتمد في شيء مما كتب على غيره، ولهذا يقول بعد ذلك: إن هناك جماعة قد اختصروا هذا الكتاب وتعقبوه عليه في مواضع منه، ثم أشعرنا بقوة شخصيته فقال أيضًا. فحيث كان الاعتراض غير صحيح ولا مقبول، ذكرته بصيغة اعتراض على البناء للمفعول. ثم ذكر -بعد ذلك- إجازته لكتاب ابن الصلاح. وبعد: فإن هذه الكلمات المحدودة من الإمام الحافظ العراقي أفادت أن نكته تدور في الأعم الأغلب -على ناحيتين: الناحية الأولى -ويبدو أنها المهمة- بيان ما خولف فيه الشيخ، وما اعترض به عليه، مع تحقيق ما يراه الإمام العراقي حقًّا، سواء أكان للشيخ أو عليه. الناحية الثانية -إيضاح ما عسى أن يكون في المقدمة من إبهام أو غموض، أو تفصيل بعض ما يحتاج إلى بسط وتفصيل، وإن ذكر غير ذلك فإنما يذكره لا على أنه الباعث الرئيسي له لشرح هذا الكتاب، بل ليسوق فيه فوائد استطرادية تفيد دارس السنة، وتبرهن على قوة اضطلاعه بمختلف العلوم. ولنذكر على سبيل المثال بعض ما أورده من اعتراض وما دفعه به: 1- قال ابن الصلاح: أعلم -علمك الله وإياي- أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف2، فقال العراقي: اعترض عليه بأمرين: أحدهما أن في الترمذي مرفوعًا: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه" فكان الأولى أن يقول علمنا الله وإياك، وأجاب عن هذا الاعتراض بأن الحديث ليس هكذا، وهو حديث أبي بن كعب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه" أخرجه الترمذي وقال حسن غريب صحيح ورواه أبو داود بلفظ: كان إذا دعا بدأ بنفسه وقال: "رحمة الله علينا وعلى موسى" الحديث، ورواه النسائي   1 ص 11 و12 من كتاب التقييد والإيضاح. 2 التقييد والإيضاح ص18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 في سنته الكبرى، وهو عند مسلم وليس فيه ما ذكره المعترض من أن كل داع يبدأ بنفسه، وإنما هو من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله، وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيًّا من الأنبياء كما ثبت في صحيح مسلم في حديث أبي الطويل، وفيه قال: وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه: "رحمة الله علينا وعلى أخي" فأما دعاؤه لغير الأنبياء فلم ينقل أنه كان يبدأ بنفسه، وذكر حديث ابن عباس: "يرحم الله أم إسماعيل ... " إلخ وحديث الصحيحين أنه سمع رجلًا يقرأ في سورة بالليل فقال "يرحمه الله" وشاهدًا آخر، ثم قال: فظهر أن بدءه بنفسه في الدعاء كان فيما إذا ذكر نبيًّا من الأنبياء، على أنه أحيانًا كان لا يذكر نفسه كقوله: "يرحم الله لوطًا" وقوله: "يرحم الله موسى". وإلى هذا الحد سكت العراقي ولم يذكر النتيجة، وواضح أنها تصويب لابن الصلاح في مسلكه وأنه لم يخالف السنة. والاعتراض الثاني: ما نقله من كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد، فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف، وسيأتي للمصنف النص على أن من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، وهو الظاهر من كلام الحاكم، فكان ينبغي الاحتراز عن هذا الخلاف هنا، والجواب:1 أن ما نقله المصنف عن أهل الحديث قد نقله عنهم الخطابي صراحة في خطبة معالم السنن -وساق عبارة الخطابي- ثم قال: ولم أر من سبق الخطابي إلى هذا التقسيم، وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن، ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة، فتبعه المصنف على ذلك هنا، ثم حكى الخلاف في الموضوع الذي ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف. 2- ذكر ابن الصلاح في المرسل صورة قال: إنه لا خلاف فيها بين العلماء، وهي حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة ... إلخ، ومثل لهذا التابعي بعبيد الله بن عدي بن الخيار، فاعترض عليه بأن عبيد الله بن عدي ذكر في جملة الصحابة فليس من التابعين2. ورد ذلك الحافظ العراقي بأن الاعتراض ليس بصحيح، وبرهن على ذلك بأنهم إنما ذكروه جريًا على قاعدتهم في ذكر من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عبيد الله ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب لذلك بعض الأمثلة ثم قال: إن عبيد الله بن عدي روى عن عمر وعثمان وعلي في آخرين. 3- قال ابن الصلاح في الحديث المعلل: ويسميه أهل الحديث المعلول، وذلك منهم ومن الفقهاء، في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة3.   1 التقييد والإيضاح ص19. 2 التقييد والإيضاح ص70 وما بعدها. 3 التقييد والإيضاح ص115 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 فقال العراقي: تبعه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي فقال في مختصره: إنه لحن، واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه الخليلي والجوهري في الصحاح والمطرزي في المغرب. ا. هـ. والجواب عن المصنف: إنه لا شك في أنه ضعيف وإن حكاه بعض من صنف في الأفعال كابن القوطية، وقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن سيدة والحريري، ثم ذكر عبارة المحكم التي تدل على أن ابن سيدة ليس على ثقة من قولهم: المعلول، وأن المعروف: معل ثم قال: أنكره الحريري أيضًا في درة الغواص، واستحسن أخيرًا أن يقال: معل بلام واحدة لا معلل، فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به من تعليل الصبي بالطعام، وأطال في ذلك ثم قال: إن التعبير بالمعلول موجود في كلام كثير من أهل الحديث وساق لذلك أمثلة. 4- قال ابن الصلاح في المعضل: وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته ... " الحديث، وقال السجزي: أصحاب الحديث يسمونه المعضل،1 فقال العراقي: وقد استشكل كون هذا الحديث معضلًا لجواز أن يكون الساقط بين مالك وأبي هريرة واحدًا، فقد سمع مالك عن جماعة من أصحاب أبي هريرة، كسعيد المقبري، ونعيم المحمر ومحمد بن المنكدر، فلم جعله معضلًا. وأجاب العراقي بأن مالكًا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ، فرواه عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة، فقد عرفنا سقوط اثنين منه، فلهذا سموه معضلًا. 5- قال ابن الصلاح في الشاذ: إن ما حكم عليه الشافعي بالشذوذ -يريد ابن الصلاح النقل عن الشافعي أن الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف به غيره؟ - فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره "أي من أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد ... إلخ" فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: "إنما الأعمال بالنيات ... " إلخ2. وقال العراقي: وقد اعترض عليه بأمرين: أحدهما: أن الخليلي والحاكم إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرقان، الثاني: أن حديث النية لم ينفرد به عمر بل رواه أبو سعيد الخدري وغيره كما ذكره الدارقطني وغيره. قال العراقي: والجواب عن الأول أن الحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة، والخليلي إنما ذكر مطلق الراوي، فيرد على إطلاقهما تفرد العدل الحافظ، وأطال في ذلك، ثم ذكر ما يفيد   1 التقييد والإيضاح ص82 وما بعدها. 2 التقييد والإيضاح ص100 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الجواب عن الثاني، وهو أن حديث عمر وإن كان قد ورد في المستخرج من أحاديث الناس لعبد الرحمن بن منده أنه رواه سبعة عشر من الصحابة، وأنه رواه عن عمر غير علقمة، وعن علقمة غير محمد بن إبراهيم. فإن الصحيح ما قاله الحافظ أبو بكر البزار في مسنده بعد تخريجه: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عمر، ولا عن عمر إلا من حديث علقمة، ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم، ولا عن محمد إبراهيم إلا من حديث يحيى بن سعيد. وبهذا يثبت أنه شاذ بالمعنى الثاني، ويصح الاعتراض به على من اعتبر الشذوذ منافيًا للصحة بالمعنى الثاني. ونذكر على سبيل المثال بعض ما رده الحافظ العراقي على ابن الصلاح وخطأه فيه: 1- أن ابن الصلاح ذكر في المرسل من الصور المختلف فيها إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه، فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلًا1. فقال الحافظ العراقي: إنه قوله قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد، بل الصواب قبل الوصول إلى الصحابي، فإنه لو سقط التابعي أيضًا كان منقطعًا لا مرسلًا عند هؤلاء، ولكن هكذا وقع في عبارة الحاكم فتبعه المصنف. 2- قال ابن الصلاح: إنه من المختلف فيه في المرسل قول الزهري وابن حازم ويحيى بن سعيد وأتباعهم من صغار التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم2. ويقول العراقي: إن ما ذكر في حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين ليس بصحيح بالنسبة إلى الزهري، فقد لقي من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك ... وساق البقية، ثم ذكر بعض مناقشات في بعض من سمع منهم من الصحابة. 3- قال ابن الصلاح: إذا قيل في الإسناد: عن رجل أو عن شيخ عن فلان فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلًا بل يسمى منقطعًا، وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من المرسل3. فقال العراقي: اقتصر ابن الصلاح من الخلاف على هذين القولين، وكل منهما خلاف ما عليه الأكثرون، فإن الأكثرين ذهبوا إلى أن هذا متصل في إسناده مجهول، وقد حكاه عن الأكثرين الحافظ رشيد الدين العطار في الغرر المجموعة، واختاره شيخنا الحافظ العلائي في جامع التحصيل.   1 التقييد والإيضاح ص71. 2 التقييد والإيضاح ص72. 3 التقييد والإيضاح ص73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ثم قال -استكمالا للبحث: إن ما ذكره عن بعض المصنفات المعتبرة لم يسمه، فالظاهر أنه أراد به البرهان لإمام الحرمين، فإنه قال فيه ... إلخ: 4- قال ابن الصلاح: وفي صدر صحيح مسلم المرسل في أصول قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة1. فقال العراقي: الحق أن هذا ليس قول مسلم، وإنما ذكره حاكيًا على لسان خصمه الذي نازعه في اشتراط اللقي، وساق العبارة الدالة على ذلك، وهي تبين أنها سيقت في مناقشة وقعت بين مسلم وخصمه الذي اشترط اللقي في الإسناد المعنعن. 5- ذكر ابن الصلاح في مرسل الصحابي أنه ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه، وعلل قوله بأن روايتهم عن الصحابة، والجهالة بالصحابي غير قادحة2. فقال العراقي: إن فيه أمرين: أحدهما أن قوله: لأن روايتهم عن الصحابة ليس بجيد، بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة، إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين، وذكره ابن الصلاح نفسه في موضعه، ثم ذكر العراقي لذلك أمثلة، واستطرد با يرد به على منكري ذلك من بعض أهل العلم، فأورد ثمانية عشر مثالًا تفيد رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين مع تخريج تلك الأحاديث. 6- قال ابن الصلاح في المعنعن: والصحيح الذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل ثم قال: وكاد أبو عمرو بن عبد البر الحافظ يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك3. فقال العراقي: لا حاجة إلى قوله: كاد، فقد إدعاه فقال في مقدمة التمهيد: أعلم وفقك الله أتى تأملت أقاويل أئمة الحديث ... إلى أن قال: فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطًا ثلاثة -وساقها- ثم قال: وهو قول مالك وعامة أهل العلم. 7- نقل ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل أنه يفرق بين "عن فلان" و"أن فلانًا"، ومثله عن يعقوب بن شيبة4. فقال الحافظ العراقي: وما حكاه المصنف عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن ليس الأمر فيه على ما فهمه من كلامهما، ولم يفرق أحمد ويعقوب بين   1 التقييد والإيضاح ص75. 2 التقييد والإيضاح ص75. 3 التقييد والإيضاح ص83. 4 التقييد والإيضاح ص85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 عن وأن لصيغة أن، ولكن لمعنى آخر أذكره ... وساق الحديث الذي يدل على ذلك المعنى ولا يدل على التفرقة بين عن وأن كما فهم ابن الصلاح. 8- قال ابن الصلاح في معرفة الأكابر من الرواة من الأصاغر: وقد صح عن عائشة أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم1. فقال العراقي: جزم المصنف بصحة حديث عائشة، وفيه نظر، فإن مسلمًا رحمه الله ذكره في مقدمة الصحيح بغير إسناد وبصيغة التمريض فقال: ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ... وذكر الحديث، وقد رواه أبو داود في سننه ثم قال: ميمون بن أبي شبيب "الراوي عن عائشة" لم يدرك عائشة، فلم يسكت عليه أبو داود بل أعله بالانقطاع، ثم قال: ولكن المصنف تبع في تصحيحه الحاكم، وليس فيه حجة للمصنف، فإن المصنف لا يرى ما انفرد الحاكم بتصحيحه صحيحًا. وطعن فيه أيضًا بأن البزار قال في مسنده بعد أن خرجه: لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه. وأورد عدة مناقشات في هذا المقام ثم قال: ولكن المؤلف لما رأى مسلمًا روى في مقدمة صحيحه حديثه عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" حمله على الاتصال اكتفاء بمذهب مسلم، ومسلم إنما رواه استشهادًا، بعد أن رواه من حديث ابن أبي ليلى عن سمرة، وحكم عليه مسلم بأنه مشهور، والشهرة لا تلازم الصحة، فقد يكون المشهور صحيحًا وقد يكون ضعيفًا. وانتهى إلى أن هذا الحديث لا يصح إسناده تخطئة لابن الصلاح في دعواه. 9- قال ابن الصلاح في المدبج: اعلم أن رواية القرين عن القرين تنقسم: فمنها المدبج، وهو أن يروي القرينان كل واحد منها عن الآخر، مثاله في الصحابة عائشة وأبو هريرة روى كل منهما عن الآخر2. فقال العراقي: إن تقييد المصنف للمدبج بالقرينين إذا روى كل منهما عن الآخر تبع فيه الحاكم في علوم الحديث، ثم قال: إن الأمر ليس على ما ذكراه، إنما المدبج أن يروي كل من الراويين عن الآخر سواء أكانا قرينين أو أحدهما أكبر من الآخر، فتكون رواية أحدهما عن الآخر من رواية الأكبار عن الأصاغر. ثم ذكر أن صاحب التسمية الأولى للمدبج -وهو الدارقطني- لم يتقيد بكونهما قرينين، بدليل أنه ذكر فيه رواية أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر، ورواية عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية النبي صلى الله عليه وسلم عنه   1 التقييد والإيضاح ص328. 2 التقييد والإيضاح ص333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وذكر مثل ذلك في سعد بن عبادة، وذكر أيضًا رواية الصحابة عن التابعين وبالعكس. وأطال في هذا جدًّا، ثم قال: فهذا يدل على أن المدبج لا يختص بكون الراويين الذين روى كل منهما عن الاخر قرينين، بل الحكم أعم من ذلك. 10- قال ابن الصلاح في رواية الآباء عن الأبناء: وآخر ما رويناه من هذا النوع وأقربه عهدًا ما حدثنيه أبو المظفر عبد الرحيم ... إلى أن قال: فذكر بإسناده عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع التسمية ... ". ا. هـ1. قال العراقي: وقد أبهم المصنف ذكر إسناده، والسمعاني رواه في الذيل من رواية العلاء بن مسلمة الراوسي عن إسماعيل بن مغر الكرماني عن ابن عياش -وهو إسماعيل- عن بردة عن مكحول عن أبي أمامة، وهو حديث موضوع، فأبهم المصنف موقع العلة وسكت عليه، وقد ذكر المصنف في النوع الحادي والعشرين أنه لا يحل رواية الحديث الموضوع لأحد علم حاله في أي معنى إلا مقرونًا ببيان وضعه، وهذا الحديث ذكر غير واحد من الحفاظ أنه موضوع. ثم ساق على ذلك أدلة، ثم ترفق بالمصنف فقال: إنه قد يجاب عن المصنف بأنه لا يرى أنه موضوع وإن كان في إسناده وضاع، فكأنه ما اعترف بوضعه. وبعد: فهذه أمثلة تدل على مبلغ دقة هذا الإمام الحافظ، فإنه يبدو أنه أنصف ابن الصلاح إنصافًا كريمًا بذكره ما له وما عليه في مواضع المناقشة، فما كتبه على وجازته التي تبدو في متابعة تعليقاته يعتبر من أنفس ما كتب في هذا الفن، كما يبدو أن صاحب التقييد رحمه الله رأى أن كتاب ابن الصلاح كفاية لمن أراد التزود من علوم الحديث، من غير تزيد في متابعة الفضول والمناقشات التي هي مشغلة عن العلم، ومضيعة للكثير من الوقت. على أن للإمام العراقي استطرادات جمة الفوائد، من بينها ما أشرنا إليه إجمالًا من ذكر الصحابة الذين يروي عنهم الزهري2، فقد عد فيمن روى عنهم الزهري، عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وعبد الله بن جعفر، وربيعة بن عِبَاد "بكسر العين وتخفيف الموحدة"3 وسنين أبو جميلة، والسائب بن يزيد، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، والمسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن أزهر ... إلخ، ثم ذكر بعض الصحابة الذين اختلف في رواية الزهري عنهم. ومن ذلك الاستطراد أيضًا ذكره لرواية بعض الصحابة عن بعض التابعين عن بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومهد له بقوله: بلغني عن بعض أهل العلم أنه أنكر أن يكون قد وجد شيء من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت أن أذكر من ذلك ما وقع لي، فذكر عشرين حديثًا مع بيان رواتها وتخريجها.   1 التقييد والإيضاح ص345 وما بعدها. 2 التقييد والإيضاح ص72. 3 ولهذا الضبط للأعلام فائدة استطرادية جميلة، وهي نصيحة طيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ومن هذه الأحاديث: حديث سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... " فجاء ابن أم مكتوم. الحديث رواه البخاري والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح. ومن ذلك: حديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القارئ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من نام عن حزبه أو عن شيء منه ... فذكره، رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة. ومن ذلك: حديث جابر بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق عن عائشة رضي الله عنها: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل ... " الحديث. وهكذا. وعلى أنه لا يخلو من فوائد أخرى يوردها، فقد كتب1 -مع هذه الوجازة الملموسة في كتابه- مناقشة طريفة تدل على قوة يقظته وشدة وعيه، عند قول ابن الصلاح: فالله أسأل أن يجعله مليًا بذلك وأملى، وفيا بكل ذلك وأوفى، يقول: استعمل المصنف هنا مليًا وأملى من غير همز على التخفيف، وكتبه بالياء لمناسبة قوله وفيا وأوفى، وإلا فالأول مهموز من قولهم ملأ الرجل -بضم اللام وبالهمز- أي صار مليئًا أي ثقة، وهو مليء بين الملاء والملاءة ممدودان. ومن ذلك ما أورده العراقي عند قول ابن الصلاح في دراسة المعضل2 تعليقًا عليه، قال ابن الصلاح: وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد، وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة، وبحثت فوجدت له قولهم: أمر عضيل أي مستغلق شديد، ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى. فقال العراقي: أراد المصنف بذلك تخريج قول أهل الحديث معضل بفتح الضاد على مقتضى اللغة، ثم زاده المصنف إيضاحًا فيما أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال: إن فعيلًا يدل على الثلاثي، قال: فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرًا، وأعضل متعديًا وقاصرًا، كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل والليل. ثم قال: اعترض عليه بأن فعيلًا لا يكون من الثلاثي القاصر، والجواب أنه إنما يكون من الثلاثي القاصر إذا كان فعيل بمعنى مفعول، فأما إذا كان بمعنى فاعل فيجيء من الثلاثي القاصر كقولهم حريص من حرص ... وأطال في ذلك. وقد كان يمكن أن تضاف هذه الأمثلة إلى ما ذكرناه في الاعتراضات والإجابة عنها، ولكنا ذكرناها هنا للدلالة على توسعة في اللغة أيضًا. وبعد فلعلنا بهذه الدراسة الموجزة لكتابي مقدمة ابن الصلاح وشرحها المسمى بالتقييد والإيضاح للحافظ العراقي نكون قد ألقينا ضوءًا مشرقًا ينبه إلى مكانة هذين الكتابين، وأنهما يستحقان مزيد عناية ممن يعنون بدراسة هذه العلوم، للانتفاع بهما فيما هم بصدده من هذه الدراسة.   1 التقييد والإيضاح ص13. 2 التقييد والإيضاح ص81 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ألفية الحديث : للعراقي المتوفى سنة 806هـ وشرحها المسمى فتح المغيث شرح ألفية الحديث؛ للسخاوي المتوفى سنة 902هـ: أما الألفية فإن ناظمها هو الحافظ زين الدين العراقي، المتوفى عام ست وثمانمائة، وقد أوردنا ترجمته عند دراسة كتابه طرح التثريب وأصله في كتب الأحكام. وقد وصف هذه المنظومة بأنها مقاصد مهمة، توضح من علم مصطلح الحديث رسمه، أي أثره الذي تبنى عليه أصوله، وأنه نظمها تبصرة للمبتدئ وتذكرة للمنتهي، وأنه لخص فيها مقاصد كتاب ابن الصلاح -يريد مقدمته المشهورة- وزاد عليه فوائد أخرى، وشرح فيها بعض اصطلاحاته التي يوردها في أثناء النظم، من أنه إذا جاء بالفعل والضمير لواحد مثل كلمة "قال" أو أطلق لفظ "الشيخ" فإنه يريد بذلك ابن الصلاح، وإن ذكر الفعل مع ضمير التثنية نحو "التزما" أو "ذهبا" فإنه يريد البخاري ومسلمًا. ثم إنه تناول في هذه المنظومة أقسام الحديث بتعريف كل منها، ثم تناول الخلاف في أصح الأسانيد، وأتبعه بيان الخلاف في أصح كتب الحديث، وأن الصحيحين لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، وعدد ما في البخاري من الأحاديث، ثم تكلم عن الصحيح الزائد على الصحيحين ونطاقه من كتب السنة، ثم انتقل إلى الكلام عن المستخرجات بتصويرها والإشارة إلى بعض ما ألف فيها، وأتبع ذلك ببيان مراتب الأحاديث الصحيحة وترتيبها بحسب الكتب، ثم الكلام في أن الحديث الصحيح المسند يفيد القطع أو الظن على الخلاف في ذلك، وأما غير المسند وهو ما يسمى معلقًا فإنه تارة يفيد القطع وتارة لا يفيده، ثم انتقل إلى بيان الطريقة في نقل الحديث من الكتب المعتمدة، وتناول بعد ذلك قسم الحسن من الحديث، وأورد الخلاف فيه وتقسيمه وما يتصل بذلك من مظانه وأقسامه، ثم تناول الحديث الضعيف تعريفًا له وإحصاء لأنواعه، وأورد بعد ذلك تقسيمًا للحديث من زاوية الاتصال وعدمه، فذكر كلا من المرفوع والمسند والمتصل والموقوف والمقطوع والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والمنكر والمعلل والمضطرب والمدرج والموضوع والمقلوب، يتخلل هذه التصويرات بعض فروع تتصل بها، مثل قول الصحابي أمرنا بكذا أو كنا نرى كذا وما أشبه ذلك، أو تنبيهات على أمور ترتبط أيضًا ببعض هذه الأقسام وفي أثناء ذلك تناول الحديث عن الاعتبارات والمتابعات والشواهد والفروق بينها، وأثرها في تقوية الحديث. ثم تناول كلا من مراتب التعديل ومراتب التجريج، والألفاظ التي تستعمل في كل مرتبة منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وانتقل بعد ذلك إلى موضوع تحمل الحديث، والوقت الذي يصح فيه التحمل، وأقسام التحمل العديدة، وما يصح منها وما لا يصح. وتناول بعد ذلك كتابة الحديث وضبطه، والمقابلة في المكتوب، وما يتصل بذلك كالكشط والمحو والضرب، وبين طريقة العمل في الجمع بين اختلاف الروايات. وأورد -بعد ذلك- شيئًا يسمى كتابه التسميع، وتناول بعده طريقة الرواية من الأصل، ثم أورد حكم الاقتصار في الرواية على بعض الحديث، وما في ذلك من التفصيل، واختلاف عبارات الأئمة في ذلك، وبين طريقة التسميع من الشيخ، والحث على الأخذ من أفواه الشيوخ، ثم عقد فصلًا لإصلاح اللحن والخطأ، وكيف يروى ما فيه لحن أو خطأ، وفصلًا لاختلاف ألفاظ الشيوخ، وفصلًا للزيادة على الرواية في نسبة الشيخ، وفصلا آخر للرواية من أثناء النسخ التي إسنادها واحد، وآخر لحكم تقديم المتن على السند، وفصلًا لما قال الشيخ مثله أو نحوه، وفصلًا لإبدال الرسول بالنبي وعكس ذلك، وفصلًا أورد فيه مسألتين: السماع على نوع من الوهن، أو بإسناد قرنت فيه الرواية عن رجلين. ثم تناول الحديث عن آداب الشيخ المحدث، وما ينبغي أن يكون عليه من الصفات، والكلام على آداب طالب الحديث. ثم أورد تقسيم كل من السند العالي والنازل، وانتقل إلى تقسيم الحديث باعتبار عدد الرواة، ثم غريب ألفاظ الحديث، ثم المسلسل والناسخ والمنسوخ والتصحيف ومختلف الحديث، وخفي الإرسال والمزيد في متصل الإسناد، ومعرفة الصحابة ومعرفة التابعين، والأكابر الذين يروون عن الأصاغر، ورواية الأقران والإخوة والأخوات، ورواية الآباء عن الأبناء وعكسه، والسابق واللاحق، ومن لم يرو عنه من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم إلا راو واحد، ومن ذكر من الرواة بنعوت متعددة وأفرد العلم، والأسماء والكنى والألقاب، والمؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق والمتشابه، والمقلوب، ومن نسب إلى غير أبيه، والمنسوبون إلى خلاف الظاهر، والمبهمات وتواريخ الرواة والوفيات، ومعرفة الثقات والضعفاء، ومعرفة من اختلط من الثقات، وطبقات الرواة، والموالي من العلماء والرواة، وأوطان الرواة وبلدانهم، كل هذا على الترتيب الذي أوردناه. غير أننا في هذا المقام ينبغي أن نصور للقارئ طريقة صاحب الألفية مع صاحب التقريب، وتصرف كل منهما مع الأصل الذي هو مقدمة ابن الصلاح فنقول: وقد وصف كل منهم كتابه في مقدمته بما يصور منهجه في القدر البارز في مؤلفه.   1 ص13 التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 فأما ابن الصلاح1: فقد ذكر أن علم الحديث لم يزل في اندراس، وصار أهله شرذمة قليلة لا تحقيق عندها، فمن الله عليه بأن يجمع في كتابه معرفة أنواع علم الحديث الذي أحكم معاقده، وقعد قواعده، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وجمع شتات علومه، وقنص شوارد نكته. ثم فهرس أنواع الحديث الخمسة والستين التي تعرض لها وقال: إنها قابلة للتنويع إلا ما لا يحصى. هو بهذا لم يزد على أنه تدارك علوم الحديث بجمع شتاتها، وأورد المنهج الإجمالي ببيان أقسامها. وأما النووي في التقريب: فإنه وصف كتابه بأنه اختصار لكتاب الإرشاد الذي صنفه اختصارًا لعلوم الحديث لابن الصلاح، كما وصفه بأنه بالغ في الاختصار من غير إخلال بالمقصود مع الحرص على إيضاح العبارة. وأما العراقي: فإنه وصف كتابه بأنه تلخيص لعلوم الحديث لابن الصلاح مع زيادة بعض الفوائد. ويمكننا أن نصور منهج كل منهم في إيجاز ببيان النواحي البارزة في تصرف كل منهم في النوع الأول وهو الصحيح، فنجد أن ابن الصلاح قد عرف الصحيح بالتعريف الذي أورده بعده كل من النووي والعراقي، وذكر قيوده الخمسة -اتصال السند والعدالة والضبط وعدم الشذوذ وعدم العلة- ثم قال على سبيل الإجمال: إنها احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في روايته نوع جرح. أما صاحبا التقريب والألفية، فلم يعرض واحد منهما لشيء من المحترزات. وعند الكلام على أفضلية صحيح البخاري على صحيح مسلم كان النووي أشد اختصارًا من العراقي، فاقتصر على مجرد ذكر القولين في أفضلية البخاري أو مسلم دون ذكر من قال بهما، وإن كان النووي قد زاد على كل منهما في هذا المقام أن مسلمًا اختص بجمع طرق الحديث، وأما العراقي فقد ذكر أن القول بأفضلية مسلم هو قول بعض المغاربة مع أبي علي النيسابوري تبعًا لابن الصلاح، الذي نقل عبارة النيسابوري في تصحيح مسلم وناقشها. وعند ذكر عدم استيعاب الصحيحين صرح ابن الصلاح بهذا الحكم، وذكر له دليلين من كلام الشيخين البخاري ومسلم، واشترك كل من النووي والعراقي في نقل القول بأنه لم يفت الصحيحين إلا القليل، وإن كان العراقي قد ذكر اسم القائل بذلك -وهو ابن الأخرم- تبعًا لابن الصلاح، ولم يذكر النووي اسم القائل، وفي هذا المقام أدعى النووي -زيادة على ابن الصلاح- أنه لم يفت الخمسة من الصحيح إلا اليسير، وأورد أسماء الخمسة، وقد نقل ذلك العراقي عنه ورده بما روي عن البخاري، مما يفيد أن البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ثم أول عبارة البخاري بأنه أراد ما يشمل المكرر والموقوف، وذلك لما فيها من المبالغة، ثم اشترك معه -تبعًا لابن الصلاح- في بيان عدد ما في صحيح البخاري مكررًا وغير مكرر، ولكن ابن الصلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 أورد استداركًا في هذا المقام فقال: إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين. وقد زاد النووي على كل من ابن الصلاح والعراقي بيان أن ما في مسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف حديث، ونرى أن النووي قد أحسن في إثبات هذه الزيادة، ولعل عنايته بشرح صحيح مسلم هي التي دفعته إلى إيرادها. لم يفصل العراقي فيما زاد على الصحيحين ببيان الكتب التي يلزم لاعتبار الحديث صحيحًا أن تنص على صحته، وقد بين هذه الكتب كل من ابن الصلاح والنووي، على أن العراقي اشترك معهما في بيان أن الكتب الملتزمة بإيراد الصحيح لا يشترط فيها نص على الصحة -اكتفاء بالحكم الكلي على ما في كل منها- وقد اشترك الثلاثة في أن الحاكم يدخل في هذه الكتب إلا أنه متساهل، غير أن كلا من ابن الصلاح والنووي قال: إن ما انفرد به الحاكم ولم يوجد الحكم عليه في الكتب الأخرى وليس به علة توجب ضعفه يعتبر حسنًا، وقد نقل العراقي ذلك عن ابن الصلاح، ثم رد عليه بأن الحق أن يحكم على كل حديث منها بما يليق به بحسب إسناده. انفرد العراقي عن ابن الصلاح والنووي في اعتراضه على الحميدي بأنه لم يميز بعض الأحاديث التي وصفها بأن البخاري اختصرها، فلم يذكر اللفظ الذي اختصر به مما أوجب اللبس على السامع وتمني لو أن الحميدي كان قد استوعب بيان القدر الذي اختصر عليه البخاري. وفي بيان مراتب الصحيح لم يبين العراقي المعنى الاصطلاحي لكلمة "متفق عليه" وقد ذكرها كل من ابن الصلاح والنووي. وفي بيان ما علق من الحديث في الصحيحين بدون جزم اتفقت عبارات الثلاثة على أنه، ليس بواه، إلا أن ابن الصلاح نص على أن إيراده في الصحيح يشعر بصحة أصله، ولم يتعرض المختصران لهذه الجزئية. ومن المفارقات هنا أن كلا من ابن الصلاح والعراقي عرف المعلق في هذا المقام، ولم يذكر النووي تعريفه اكتفاء بالمعنى، ولأن له موضعًا يذكر فيه باسمه من أقسام الحديث. وقد انفرد العراقي ببيان حكم من أسند لشيخه حديثًا يقال أو زاد أو نحوهما كما في حديث البخاري: "قال هشام بن عمار: حدثنا ... إلخ" وهو عند العراقي في حكم الحديث المعنعن لا يكون متصلًا إلا بالشرطين المعروفين: عدم التدليس واللقي أو المعاصرة، ولم يذكر هذه الجزئية ابن الصلاح ولا النووي. ومن هذه الدراسة يتبين أن الأصل -وهو مقدمة ابن الصلاح- أكثر بسطًا في الجملة -شأن صناعة التأليف- من هذين المختصرين: التقريب والألفية، وقد يزيد أحدهما على الآخر، وقد يزيد كلاهما أو أحدهما على الأصل في بعض المواضع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ولولا خشية الإطالة لأوردنا كثيرًا من الأمثلة، ولكن موضوع دارستنا لا يتسع لذلك. وهذه نماذج لما ورد في ألفية العراقي في مواضع متفرقة من علوم الحديث، نوردها فيما يلي: 1- في الغريب والعزيز والمشهور قال العراقي في الألفية1: وما به مطلقًا الراوي انفرد ... فهو الغريب وابن منده فحد بلا انفراد عن إمام يجمع ... حديثه فإن عليه يتبع من واحد واثنين فالعزيز أو ... فوق فمشهور وكل قد رأوه منه الصحيح والضعيف ثم قد ... يغرب أو مطلقًا أو إسناد فقد كذلك المشهور أيضًا قسموا ... بشهرة مطلقة كالمسلم من مسلم الحديث والمقصور ... على المحدثين من مشهور قنوته بعد الرجوع شهرًا ... ومنه ذو تواتر مستقرا في طبقاته كمتن من كذب ... ففوق ستين رووه والعجب بأن من رواته للعشرة ... وخص بالأمرين فيما ذكره الشيخ عن بعضهم قلب تلى ... مسح الخفاف وابن منده إلى عشرتهم رفع اليدين نسبًا ... وينفوا عن مائة من كذبا 2- وفي خفي الإرسال والمزيد في متصل الأسانيد قال2: وعدم السماع واللقاء ... يبدو به الإرسال ذو الخفاء كذا زيادة اسم راو في السند ... إن كان حذفه بعد فيه ورد وإن بتحديث أتى فالحكم له ... مع احتمال كونه قد حمله عن كل إلا حيث ما زيد وقع ... وهما في ذين الخطيب قد جمع 3- وفي رواية الأقران قال3: والقرنا من استووا في السند ... والسن غالبًا وقسمين اعدد ودبجا وهو إذا كل أخذ ... عن آخر وغيره انفراد فذ   1 فتح المغيث ج3 ص27. 2 فتح المغيث ج3 ص79. 3 فتح المغيث ج3 ص160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 4- وفيمن لم يرو عنه من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم إلا راو واحد قال1: ومسلم صنف في الوحدان ... من عنه راو واحد لا ثاني كعامر بن شهر أو كوهب ... هو ابن خنبش وعنه الشعبي وغلط الحاكم حيث زعما ... بأن هذا النوع ليس فيهما ففي الصحيحين أخرجا المسيبا ... وأخرج الجعفر لابن تغلبا 5- وفي الأسماء والكنى قال2: وأعن الأسماء والكنى وقد قسـ ... تم الشيخ ذا التسع أو عشر قسم من اسمه كنيته انفرادًا ... نحو أبي بلال أوقد زادا نحو أبي بكر بن حزم قد كنى ... أبا محمد بخلف فافطن والثاني قد يكنى ولا اسما ندري ... نحو أبي شيبة وهو الخدري ثم كنى الألقاب والتعدد ... نحو أبي الشيخ أبي محمد وابن جريج بأبي الوليد ... وخالد كنى للتعديد ثم ذوو الخلف كنى وعلما ... أسماؤهم وعكسه وفيهما وعكسه وذو اشتهار بسم ... وعكسه أبو الضحى لمسلم 6- وفي تلخيص المتشابه قال3: ولهم قسم من النوعين ... مركب متفق اللفظين في الاسم لكن أباه اختلفا ... أو عكسه ونحوه وصنفا فيه الخطيب نحو موسى بن علي ... وابن علي وحنان الأسدي هذه أمثلة لما جاء في ألفية العراقي، أوردناها تصويرًا لبعض ما جاء فيها، وفيما بعد نتبين منهج الإمام السخاوي في توضيح ما احتوته أبياتها من نفائس علوم الحديث.   1 فتح المغيث ج3 ص187. 2 فتح المغيث ج3 ص199. 3 فتح المغيث ج3 ص259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فتح المغيث بشرح ألفية الحديث : أما فتح المغيث، فهو ذلك الكتاب الذي ألفه الإمام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة اثنتين وتسعمائة شرحًا لألفية العراقي في الحديث. ويبدو من كلام صاحب كشف الظنون أن الإمام السخاوي ليس أول شارح لألفية العراقي، فقد شرحها قبله مؤلفها الإمام العراقي بشرحه الذي سماه فتح المغيث1 بشرح ألفية الحديث وفرغ منه في حياته، كما شرحها الشيخ أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن جماعة الكتاني، المتوفى سنة إحدى وستين وثمانمائة، وشرحها الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة، وشرحها الشيخ برهان الدين بن عمر البقاعي، المتوفى سنة خمس وثمانمائة، وسماه النكت الوفية بما في شرح الألفية، واستأنس فيه بآراء شيخه ابن حجر العسقلاني رحمه الله، وشرحها كذلك الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر العيني، المتوفى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، كما شرحها الشيخ قطب الدين محمد بن الخيضري الدمشقي، المتوفى سنة أربع وتسعين وثمانمائة، وسمى شرحه صعود المراقي، وشرحها بعد السخاوي الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، والقاضي زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، في شرحه الذي سماه فتح الباقي، والشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة خمس وخمسين وتسعمائة2. قال المؤلف في مقدمة كتابه بيانًا لمنهجه فيه: وبعد: فهذا تنقيح لطيف، وتلقيح للفهم منيف، شرحت فيه ألفية الحديث، وأوضحت فيه ما اشتملت عليه من القديم والحديث، ففتح من كنوزها المحصنة الأقفال كل مرتج، وطرح عن رموزها الإشكال ما بين الحجج، سابكًا لها فيه بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز؛ لأنه أبلغ في إظهار المعنى، تاركًا لمن لم ير حسن ذلك في خصوص النظم والترجيز، لكونه إن لم يكن متعنتًا لم يذق الذي هو أهنى، مراعيًا فيه الاعتناء بالناظم رجاء بركته، ساعيًا في إفادة ما لا غنى عنه لأئمة الشأن وطلبته، غير طويل ممل، ولا قصير مخل، استغناء عن تطويله بتصنيفي المبسوط له المقرر المضبوط، الذي جعلته كالنكت عليها وعلى شرحها للمؤلف، وعلمًا بنقص همم أماثل الوقت فضلًا عن المتعرف، إجابة لمن سألني فيه من الأئمة ذوي الوجاهة والتوجيه، ممن خاض معي في الشرح وأصله، وارتاض فكره بما يرتقي به عن أقرانه وأهله3.   1 نقل ذلك صاحب كشف الظنون وقد خطأه في ذلك صاحب كتاب النور السافر في أخبار القرن العاشر حيث ذكر أنه اسم كتاب السخاوي شرحًا للألفية، ونقله مخرج هذا الكتاب ج3 ص365 في الفائدة الثانية من فوائد خاتمة الطبع، ويترجح عندي خطأ صاحب الكشف، لاستبعاد أن يستعير السخاوي اسمًا لشرح وضعه صاحب الأصل، واستبعاد أن يكون قد خفي عليه هذا الشرح، ثم يتوافقا في التسمية على هذا النحو. 2 نقلًا عن كشف الظنون وتقديم التحقيق لفتح المغيث "فتح المغيث ص4" وبيان هذه المؤلفات وبعض أسمائها وأراد في كشف الظنون ج1 ص156. 3 فتح المغيث ج1 ص7 و8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 بهذه المقدمة الأنيقية افتتح المؤلف كتابه مبينًا طريقته في تأليفه، وأنه شرح ما اشتملت عليه الألفية من قديم علم المصطلح وحديثه، ومزج بينهما بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز؛ لأن في ذلك إبرازًا للمعاني وتوضيحًا لها، وتخلصًا من قيود النظم وتكلفاته، وأنه اهتم بناظمها في هذا الشرح أملًا في إدراك بركته، وقدم الضروري من هذا العلم في غير طول يمله الدارس، ولا قصر يخل بأداء الغرض المقصود من هذا الكتاب. وفي دراستنا لهذا الكتاب وجدنا من الظواهر العامة ما نبرزه فيما يأتي: 1- يورد المؤلف في أثناء شرحه للألفية أقوال العلماء الذين يخالفهم في الرأي ويرد عليهم: ومن ذلك ما أروده في باب الصحيح الزائد على الصحيحين، عندما ذكر العراقي أن مستدرك الحاكم من بين الكتب التي يرد فيه الصحيح1 قال السخاوي: وقول أبي سعد الماليني إنه طالعه بتمامه فلم ير فيه حديثًا على شرطهما غير مرض، نعم هو معروف عند أهل العلم بالتساهل في التصحيح والمشاهدة تدل عليه. وفي شرحه للأبيات التي تبين أن قول الصحابي: من السنة كذا أو أمرنا بكذا من المسند، وأن حكمه الرفع نقل نص الشافعي2 على ذلك في الأم، وجزم البيهقي بنفي الخلاف عن أهل النقل فيه، وكذلك نقل أن ممن حكى الاتفاق على ذلك ابن عبد البر لكن في السنة، ثم بين وجه الحق في المسألة، وأن الخلاف ثابت فيها، وأن ابن دقيق العيد قيد محل الخلاف بما إذا كان المأمور به يحتمل التردد بين شيئين، أما إذا كان مما لا مجال للاجتهاد فيه كحديث: "أمر بلال أن يشفع الأذان" فهو محمول على الرفع قطعًا، وبعد أن أورد السخاوي كل هذا قال: وممن ذهب إلى خلاف ما حكيناه فيهما من الشافعية أبو بكر الصيرفي صاحب الدلائل، ومن الحنفية أبو الحسن الكرخي، وفي السنة فقط الشافعي في أحد قوليه من الجديد، ومن الحنفية أبو بكر الرازي، وابن حزم من الظاهرية وبالغ في إنكار الرفع ... وأورد دليله على ذلك، وتعليل الكرخي لأمرنا، وأنه متردد بين كونه مضافًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى أمر القرآن، أو الأمة، أو بعض الأئمة، أو القياس أو الاستنباط، ثم فند أدلة الآراء المخالفة ورد عليها، وأيد رأيه بما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله يعني ابن عمر رضي الله عنهما: كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال ابن عمر: صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة. قال الزهري: فقلت لسالم: أفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهي يتبعون في ذلك إلا سنته3.   1 فتح المغيث ج1 ص36. 2 فتح المغيث ج1 ص 108. 3 فتح المغيث ج1 ص111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 2- كثيرًا ما ينقل عن العلماء ما يدعم رأيه، ففي باب الصحيح الزائد على الصحيحين؟؟؟ سبق أن ذكرناه، وفي أن ابن حبان يقارب الحاكم في التساهل في شروط الصحيح؟؟؟ اصطلاحه1، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وبين أنه أكثر تمكنًا من الحاكم في رواية الصحيح وأيد رأيه هذا بقوله: قلت ويتأيد بقول الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم، وكما قال العماد ابن كثير: قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة، وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف أسانيد ومتونًا، وعلى كل حال فلا بد من النظر للتمييز، وكم في كتاب ابن خزيمة من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن، بل وفيما صححه الترمذي من جملة، مع أنه ممن يفرق بين الصحيح والحسن. وفي قول الصحابي: كنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا أو نحوه أنه من قبل المرفوع2 ذكر السخاوي أن الرفع ثابت له بصريح الإضافة، وبما نقل عن العلماء وجمهور المحدثين وغيرهم، وقطع به الخطيب، ومن قبله الحاكم، ومن الأصوليين الإمام فخر الدين وأتباع قال ابن الصلاح: وهو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وقررهم، وتقريره كقوله وفعله، قال الخطيب: ولو علم الصحابي إنكارًا منه صلى الله عليه وسلم في ذلك لبينه، قال شيخنا: ويدل له احتجاج أبي سعيد الخدري على جواز العزل بفعلها له في زمن نزول الوحي فقال: كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن وهو استدلال واضح؛ لأن الزمان زمن تشريع. وظل السخاوي -في هذا الموضع- يورد من أقوال العلماء ما يؤيد به ما رآه تبعًا لصاحب الألفية فأورد بذلك قول الحاكم، والإمام فخر الدين الرازي، وابن الصلاح، والنووي في شرح المهذب وغيرهم من علماء السنة. 3- يضيف إلى الألفية معلومات جديدة يستكمل بها البحث، وذلك يكون منه في أثناء شرحه لأبياتها، أو على هيئة تتمات يوردها في نهاية الشرح يزيد بها -على ما في الألفية- الجدية في العلم: فمن الأول: ما ذكره أن من مظان الصحيح المختارة3 مما ليس في الصحيحين أو أحدهما للضياء المقدسي الحافظ قال: وتقع أيضًا في صحيح أبي عوانة الذي عمله مستخرجا على مسلم أحاديث كثيرة زائدة على أصله، وفيها الصحيح والحسن، بل والضعيف أيضًا، فينبغي التحرز في الحكم -عليها أيضًا.   1 فتح المغيث ج1 ص37. 2 فتح المغيث ج1 ص113. 3 فتح المغيث ج1 ص38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ومن الثاني: ما أورده ختامًا لبيان الفرع الأول من "فروع" سبعة أوردها العراقي في الألفية، فقد قال السخاوي بعد ذلك، تتمة: قول الصحابي: إني لأشبهكم صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما أشبه كلأقربن لكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كله مرفوع، وهو يلتحق التابعي بذلك بالصحابي في "من السنة، أو أمرنا بكذا" سيأتي في خامس الفروع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت بكذا" هو كقوله: أمرني الله، لأنه لا آمر له إلا الله، كما سيأتي نظيره في يرفعه ويرويه، وأمثلته كثيرة. ومنه أيضًا ما ذكره -بعد الفرع الرافع من "فروع" ذكرها صاحب الألفية حيث قال: تتمة1 وقع في بعض الأحاديث قول الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم برفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل، وأمثلته كثيرة: منها حديث حسن: "أن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه" وهذا من الأحاديث الإلهية، وقد جمع منها الحافظ ابن المفضل طائفة وأفردها غيره. 4- يفيض في الشرح بما يجلي المعنى ويوضح المراد: ومن ذلك ما أورده من شرح في مراتب الصحيح عند الكلام على تصحيح الحديث: هل هو ممكن في عصورنا أو غير ممكن؟ 2، فقد نقل -تبعًا للأصل- رأي ابن الصلاح، وأنه غير ممكن في عصرنا بالنسبة لما نص عليه الأئمة في تصانيفهم المعتمدة التي يؤمن فيها من التغيير والتحريف ونقل السخاوي عنه أن ذلك رأيه أيضًا في التحسين، وأن ابن الصلاح يحتج في ذلك بأنه ما من إسناد إلا وفي رواية من اعتمد كتابه عريًا عن الضبط والإتقان. ثم قال السخاوي: وظاهر كلامه -كما قال شيخنا- القول بذلك في التضعيف أيضًا، ولكن لم يوافق ابن الصلاح على ذلك كله حكمًا ودليلًا. أما الحكم في تصحيح جماعة من المعاصرين له كأبي الحسن بن القطان مصنف الوهم والإيهام، والضياء المقدسي صاحب المختارة، ومن توفي بعد كالزكي المنذري والدمياطي، وطبقة إلى شيخنا ومن شاء الله بعده، قال الشيخ النووي رحمه الله: الأظهر عندي جوازه، وهو ممكن لمن تمكن وقويت معرفته لتيسر طرقه. وأما الدليل فالخلل الواقع في الأسانيد المتأخرة إنما هو في بعض الرواة، لعدم الضبط والمعرفة بهاذ العلم، وهو في الضبط منجبر، بالاعتماد على المقيد عنهم، كما أنهم اكتفوا بقول بعض الحافظ فيما عنعنه المدلس: هذا الحديث سمعه هذا المدلس من شيخه.   1 فتح المغيث ج1 ص120. 2 فتح المغيث ج1 ص44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ثم ذكر المؤلف أن وراء هذا أن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه -ككتاب النسائي مثلًا- لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال الإسناد منا إليه إذا روى مصنفه فيه حديثًا ولم يعله، وجمع إسناده شروط الصحة، ولم يطلع المحدث فيه على علة، فما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على ذلك أحد المتقدمين، لا سيما وأكثر ما يوجد من ذلك ما رواته رواة الصحيح، وفيهم الضابطون المتقنون الحفاظ، هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن، أفاده شيخنا ومن قبله ابن الناظر في ديباجه شرحه لأبي داود. ثم قال: ولعل ابن الصلاح اختار حسم المادة لئلا يتطرق إليه بعض المتشبهين، ممن يزاحم في الوثوب على الكتب التي لا يهتدي للكشف منها، والوظائف التي لا تبرأ ذمته بمباشرتها. وللحديث رجال يعرفون به ... وللدواوين كتاب وحساب ولذلك قال بعض أئمة الحديث في هذا المحل للذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولًا، وعلق فروعًا من كتب المسانيد والعلل، والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف، فإذا كان كذلك فلا ينكر عليه ذلك، وأما إذا كان على رأسه طيلسان وفي رجليه نعلان، وصحب أميرًا من أمراء الزمان، أو من تحلى بلؤلؤ ومرجان، أو بثياب ذات ألوان، فحصل تدريس حديث بالإفك والبهتان، وجعل نفسه لعبة للصبيان، لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان، فهذا لا يطلق عليه اسم محدث بل ولا إنسان، وأنه مع الجهالة آكل حرام، فإن استحله خرج من دين الإسلام. قال: والظاهر أنها نفثة مصدور، ورمية معذور، وبها يتسلى القائم في هذا الزمان بتحقيق هذا الشان مع قلة الأعوان، وكثرة الحسد والخذلان، والله المستعان، وعليه التكلان. هذه الصورة لبعض ما أورده المؤلف في هذا الموضع أردت أن أنقله بنصه ليكون أمام القارئ محددًا معالم الصورة لبعض ما تعرض المؤلف له في شرح ألفية العراقي، مخالفًا ما وعد به في المقدمة من الاختصار في هذا الشرح، وقد كان رحمه الله في غنى عن التقيد بتكلفات السجع وقيوده، فكثيرًا ما تكون المعاني ضحية تلك التكلفات، وإن في بيانه الذي أورده بعد هذا، وأضاف به إلى ما سبق تأكيدات لما اختاره، وبما نقله عن العلماء في نحو خمس صفحات من هذا الكتاب أقول: إن في هذا لكفاية تغني الدارس في هذا المقام عن طلب المزيد مما هو إلى علوم الأدب والبيان أقرب منه إلى علوم الحديث. 5- يورد المؤلف في أثناء الشرح تراجم قصيرة لبعض من ورد ذكرهم في الألفية ومن ينقل عنهم من العلماء، تعريفًا بهم، وتوثيقًا لما نقله عنهم. ومن ذلك ما ذكره ترجمة للإمام فخر الدين1 فقد ذكر أنه الرازي نسبة: بإلحاق الزاي للري المدينة المشهورة من بلاد الديلم بين قومس والخيال، صاحب التفسير والمحصول ومناقب الشافعي   1 فتح المغيث ج1 ص114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وشرح الوجيز للغزالي وغيرها، وأحد الأئمة، وهو أبو عبد الله وأبو الفضائل محمد بن الخطيب بالري، تلميذ محيي السنة الإمام ضياء الدين عمر بن الحسين بن الحسن، وهكذا إلى أن ذكر سنة وفاته. هذا بعض ما لاحظناه من ظواهر عند الدراسة لهذا الكتاب في موضوعه من شرح ألفية الزين العراقي في علوم الحديث. وهناك -أيضًا- ما ينبغي التنبيه إليه، فإن ناشر الكتاب1 لم يعطه من العناية في التصحيح والإخراج ما هو جدير به، فإن فيه أخطاء في الطبع كثيرة، لا يستقيم مع وجودها فهم الكتاب، وإن فيه لسقطات في أبيات الأصل ذاته، لم تذكر في موضعها عند إيراد الأصل، وذكرت في ثنايا الشرح لأبيات الألفية. ومن ذلك ما سقط من "فروع"2 من أبيات الأصل أوردها الشرح في أثنائه3 نوردها مفروزة منه كما يأتي: لكن حديث كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب وأما عد ما فسره الصحابي ... رفعا فمفصول على الأسباب وقولهم يرفعه يبلغ به ... رواية ينميه رفع فاثبت وإن يقل عن تابع فمرسل ... عنه نقلوا تصحيح وقفه ويلاحظ أنه لم يورد هذه الأبيات صحيحة كما ينبغي، فإنها وما جاء في أثناء الشرح بعدها من أبيات كثيرة لم تدرج ضمن أبيات الأصل قد مسخت وشوهت في الشرح، ولا يستطيع الدارس أن يتبين منها المعاني إلا بعد عناء كبير يراجع معه كثيرًا من الكتب التي تناولت الموضوع، مما يجعلنا نرجو أن يعاد طبع هذا الكتاب على صورة تليق بجلاله ما ورد فيه من علوم، وأن يعنى بتصحيح عبارته وكلماته وتبيين أصله من شرحه. وبعد: فإن هذا الكتاب الجليل فتح المغيث شرح ألفية الحديث أعظم كتاب علمناه شرحًا لألفية العراقي، فهو أجلها فائدة وأغزرها مادة، وليس هذا بعجيب، فمؤلفه الإمام السخاوي أحد الأئمة الأفذاذ في علوم الحديث. رحم الله الإمامين الحافظين العراقي والسخاوي، وأجزل لهما من الأجر كفاء ما قدما للأمة الإسلامية من بر، وما أسديا إليها من معروف.   1 في طبعته الثانية بمطبعة العاصمة بالقاهرة، عام 1388هـ. 2 فتح المغيث ج1 ص107. 3 فتح المغيث ج1 ص116 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وهكذا سار بهذا المسلك المنطق الدقيق المنضبط الجامع الحاصر لأهم ما يلزم معرفته في هذا العلم. وتطرق في دراسته إلى بيان حقيقة الصحابي، والفرق بين المرفوع، والموقوف والمقطوع، ثم إلى مباحث أخرى كاتفاق الرواة في الأسماء والأوصاف أو اختلافهم، وما يتصل بذلك، ثم إلى بيان مراتب كل من الجرح والتعديل. وختم هذا الكتيب ببيان معرفة الكنى -كنى المسمين- وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن اختلفت كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس. وما إلى ذلك مما وضع فيه كثير من المؤلفات، حتى لا يبالغ من قال: إن من حفظ هذا الكتاب واحتفظ بما فيه من المعلومات يمكن أن يستغني به عما وراءه من كتب هذا الفن. وأما شرحه -وهو للمؤلف نفسه كما قلنا- فقد ذكر في سبب تأليفه أن من سأله تلخيص المهم من فن المصطلح رغب إليه ثانيًا أن يضع عليه شرحًا يحل رموزه، ويفتح كنوزه1، ويوضح ما خفي على المبتدء من ذلك، فشرحه شرحًا بالغ فيه في الإيضاح والتوجيه. ونبه على خفايا زواياه. لأن صاحب البيت أدرى بما فيه، وقال: إنه ظهر له أن إيراده على صورة البسط أليق، ودمجها ضمن توضيحه أفوق، فسلك هذه الطريقة القليلة المسالك. وهو يريد بذلك أنه قد بسط المتن بالشرح بسطًا يلقي عليه الضوء لإيضاح معلوماته، وهو في الوقت نفسه أدمجه معه فصارا كتابًا واحدًا بفنه التأليفي المتين. ولقد صدق في أنه بسط الكتاب فهو -مثلًا- عند تقسيم الخبر إلى متواتر وغيره2 أدمج في شرحه تصوير الخبر، والخلاف في أنه مرادف للحديث أو مخالف، وما يترتب على ذلك، وما قيل من أن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، وعند ذكر أن الطرق في المتواتر بلا عدد معين صور أن ذلك يكون بأن تكون العادة أحالت تواطؤهم على الكذب، وحينئذ لا يكون هناك معنى لتعيين العدد، ثم أورد الخلاف في ذلك بأن بعضهم يعين العدد في الأربعة، وقيل: في الخمسة، وقيل: السبعة، وقيل: العشرة، وغيرها إلى السبعين وقيل غير ذلك، وقال: إن كل قارئ تمسك بدليل جاء فيه ذكر العدد فأفاد العلم، ثم استوفى بقية شروط التواتر في إيجاز لطيف. وإذا انتقلنا إلى حديثه عن المشهور3 نرى أنه على وجازته يبين مرتبته من أقسام الآحاد، وأنه أولها، وأنه محصور بأكثر من اثنين، وأن جماعة من أئمة الفقهاء سموه المستفيض لانتشاره، من فاض يفيض فيضًا، وأن منهم من غاير بين المستفيض والمشهور بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء، والمشهور أعم من ذلك، ثم قال: ومنهم من غابر كيفية أخرى وليس من مباحث   1 نخبة الفكر ص3. 2 نخبة الفكر ص3. 3 نخبة الفكر ص5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 نخبة الفكر وشرحها : لشيخ الإسلام ابن حجر المتوفى سنة 852هـ: الكتابان للإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي الشهير بابن حجر العسقلاني، المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة للهجرة، وقد سبقت ترجمته عند دراسة كتابه بلوغ المرام من بين كتب الأحكام. والمتن كما وصفه المؤلف في أول كتابه وشرحه إذ يقول: إن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت في القديم والحديث، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فلخصته في أوراق لطيفة سميتها نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، على ترتيب ابتكرته، وسبيل انتهجته. مع ما ضممته إليه من شوارد الفرائد، وزوائد الفوائد، فأجبته إلى سؤاله، رجال الاندراج في تلك المسالك. وإنما كان الكتاب على ترتيبه المبتكر؛ لأنه لم يسرد الأنواع سردًا قد يتدخل فيه بعضها مع بعض، ولكنه قسمها تقسيمًا حاضرًا مباينًا دقيقًا كما يصنع المنطقيون بالترديد بين النفي والإثبات، أو بين القسم ومقابله، فإنه بدأ فقال: إن الخبر إما أن يكون له طرق بلا حصر معين، أو مع حصر بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحد، فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه، والثاني: المشهور وهو المستفيض على رأي جماعة، والثالث: العزيز، والرابع: الغريب، وكلها سوى الأول آحاد، وفيها المقبول والمردود، لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول، وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار، ثم قسم الغرابة بأنها إما أن تكون في أصل السند أولًا، وذكر اسم كل منهما، ثم انتقل إلى تقسيم خبر الآحاد إلى صحيح وحسن وضعيف، مع بيان وجه الحصر، وبين أن الصحيح تتفاوت مراتبه بتفاوت أوصافه، وربط بهذا ترتيب الكتب الصحاح في الأفضلية، ثم تطرق إلى بيان الحسن بحذف قيد من قيود الصحيح، وأورد أن كثرة الطرق فيه تجعله صحيحًا لغيره، وتطرق إلى بيان حكم ما إذا اجتمع الوصف بالصحة والحسن. ثم أورد صور التخالف مبينًا الرواية بأقسامها الأربعة التي تشمل المحفوظ والشاذ والمعروف والمنكر، وانتقل إلى بيان ما إذا وجدت موافقة بين حديثين، وما تناوله مما يشمل التابع والشاهد والاعتبار، وانتقل إلى بيان تقسيم في المقبول يتناول السلامة من المعارضة، فأدمج في ذلك المحكم ومختلف الحديث، والناسخ والمنسوخ، وانتقل بعد ذلك إلى تقسيم المردود بحسب موجب الرد، وأورد تحت ذلك ما يسمى المعلق والمرسل والمنقطع والمدلس والمعنعن والموضوع والمتروك والمنكر. وما إلى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 هذا الفن، وذكر لطيفة، وهي أن المشهور يطلق على ما حرر هنا وعلى ما اشتهر على الألسنة فيشمل ما له إسناد واحد فصاعدًا، بل ما ليس له إسناد أصلًا. وإذا انتقلنا إلى العزيز1 وجدناه يوضح قوله في المتن "وليس شرطًا للصحيح خلافًا لمن زعمه" فيقول: إن ذلك الزاعم هو أبو علي الجبائي من المعتزلة، وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث حيث قال: الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة، بأن يكون له راويان، ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة، وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه على البخاري بأن ذلك شرط البخاري، وأجاب عما أورد عليه من ذلك بجواب فيه نظر، ثم ذكر ما قيل في حديث: "الأعمال بالنيات"، وجواب القاضي الضعيف عن انفراد رواته، ثم نقل عن ابن رشيد قوله: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أنه شرط البخاري أول حديث مذكور فيه، ثم قال: وادعى ابن حبان نقيض دعوى القاضي فقال: إن رواية اثنين عن اثنين إلى النهاية لا توجد أصلًا، ورد ذلك ردًّا مفحمًا، وأورد مثاله من الصحيحين، وهو حديث أنس: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه ... " الحديث، وهذه من نفائس الفن. وهكذا نجده سلك ذلك المسلك الذي يشحن الأفئدة بالمعارف المتتابعة، ولولا أنه فني بارع لما استطاع أن ينفع قراءه بهذه النفائس القيمة. ولا بد أن نذكر -على سبيل المثال- ما أورده في المرسل الخفي2 إذا صدر عن معاصر لم يلق من حدث عنه، بل بينه وبينه واسطة، فقد ذكر الفرق بين المدلس والمرسل الخفي فقال: إنه دقيق حصل تحريره بما ذكر هنا، وهو أن التدليس يختص بمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقي لزمه دخول المرسل في تعريفه، والصواب التفرقة بينهما، ثم برهن على ذلك، وأطال في برهانه عليه. ونذكر -على سبيل المثال أيضًا- أنه ذكر الموضوع3 وهو المطعون فيه بكذب راويه في الحديث، فاستطرد بقوله: إن الحكم بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع، إذ قد يصدق الكذوب، لكن لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تامًّا وذهنه ثاقبًا، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة، وقد لا يعرف الوضع بإقرار واضعه، قال ابن دقيق العيد: لكن لا يقطع بذلك لجواز أن يكون كذب في ذلك الإقرار ... ا. هـ. وفهم منه بعضهم أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلًا، وليس ذلك   1 نخبة الفكر ص5. 2 نخبة الفكر ص18. 3 نخبة الفكر ص19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 مراده، وإنما نفى القطع بذلك، ولا يلزم من نفي القطع نفي الحكم؛ لأن الحكم يقع بالظن الغالب، وهو هنا كذلك، ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل، ولا رجم المعترف بالزنا، لاحتمال أن يكونا كاذبين. ثم تطرق إلى بيان القرائن التي يعرف بها الوضع1 فأطال وأفاد، ونذكر على سبيل المثال أنه قال في المتن2: ولا يجوز تعمد تغيير المتن "متن الحديث" مطلقًا، ولا الاختصار منه بالنقض، ولا إبدال اللفظ المرادف باللفظ المرادف إلا لعالم بمدلولات الألفاظ، وبما يحيل المعاني، وقال في الشرح: إن ذلك هو الصحيح في المسألتين -وذكر الخلاف في اختصار الحديث، ووجهة نظر الجمهور في جوازه بما يؤيد مذهبهم- وأما الرواية بالمعنى فقال: إن الخلاف فيها شهير، والأكثر على جوازه، ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى، ثم أفاض في ذكر الخلاف في ذلك. ثم ذكر على سبيل المثال أنه تناول الحديث المرفوع في تقسيمه، وبين أنه ما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحًا أو حكمًا من قوله أو فعله أو تقريره، وفي الشرح أورد مثالًا لكل فقال: إن المرفوع من القول تصريحًا أن يقول الصحابي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو يقول هو أو غيره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا أو نحو ذلك، وهذا الترديد يفهمه العارفون لفن المصطلح بأنه يشمل المتصل والمرسل والمعلق والمعنعن والمنقطع والمعضل، وغير ذلك. ثم قال: ومثال المرفوع من الفعل تصريحًا أن يقول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا، أو يقول هو أو غيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا، وهذا يتناول جميع الأقسام التي أشرنا إليها عند تمثيله للمرفوع من القول تصريحًا، ثم قال: ومثال المرفوع من التقرير تصريحًا أن يقول الصحابي: فعلت بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول هو أو غيره: فعل فلان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولا يذكر إنكاره لذلك، ومثال المرفوع من القول حكمًا لا تصريحًا أن يقول الصحابي -الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات- ما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء، أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، ثم بين لم كان ذلك في حكم المرفوع.   1 نخبة الفكر ص20. 2 نخبة الفكر ص22، 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وقال بعد ذلك: ومثال المرفوع من الفعل حكمًا أن يفعل الصحابي ما لا مجال لاجتهاد فيه. فيدل على أن ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الشافعي رضي الله عنه في صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين. وهكذا ظل يذكر الأمثلة التي تفتق الأذهان على ألوان من هذا الفن العظيم ثم قال: ويلتحق بقولي حكمًا ما ورد بصيغة الكتابة في موضع الصيغ الصريحة بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم، كقول التابعي عن الصحابي يرفع الحديث أو يرويه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية أو رواه، وقد يقتصرون على القول مع حذف القائل ويريدون به النبي صلى الله عليه وسلم، كقول ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: "تقاتلون قومًا ... " الحديث، وفي كلام الخطيب أنه اصطلاح خاص بأهل البصرة، ثم قال: ومن الصيغ المحتملة قول الصحابي: من السنة كذا وأطال في هذا كثيرًا، وسرد أنواعًا من الصيغ المختلفة، وما فيها من كلام العلماء أو اختلافهم، ووجهات نظرهم، مما يدل على أنه يطنب بعلمه في مواضع الإطناب بما تعظيم فائدته وتحلو ثمرته، ويوجز بحكمته في مواضع الإيجاز بما تعجل فائدته، فلله دره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 تدريب الراوي في شرح تقريب النواني ... تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: وبعد: فقد كان كتاب الإمام السيوطي "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي" من بين تلك الكتب العظيمة النافعة التي أبرزت شخصية السيوطي الجليلة بما له من تحقيق وسعة أفق، وعمق بحث وكثرة اطلاع، جعلت كتابه هذا مرجعًا لطلاب علوم الحديث، ومن يعشون إلى ضوء السنة النبوية في دراية علومها، والأخذ بأكبر نصيب منها، عدا ما له من الكتب القيمة في هذا الفن مما سبقت الإشارة إليه في التمهيد لهذا البحث، وفي الترجمة لمؤلفه الإمام السيوطي على الجوامع. وقد أورد الإمام السيوطي الباعث على تأليفه لهذا الكتاب مع بيان قيمته في تقدمته له فقال: طالما قيدت في هذا الفن فوائد وزوائد، وعلقت فيه نوادر وشوارد، وكان يخطر ببالي جمعها في كتاب ونظمها في عقد لينتفع بها الطلاب، فرأيت كاب التقريب والتيسير لشيخ الإسلام الحافظ ولي الله أبي زكريا النواوي، ثم أطنب في وصف الكتاب ومؤلفه إلى أن قال:" فقوي العزم على كتابة شرح عليه، كافل بإيضاح معانيه، وتحرير ألفاظه ومبانيه، مع ذكر ما بينه وبين أصله من التفاوت في زيادة أو نقص أو إيراد أو اعتراض، مع الجواب عليه إن كان. مضافًا إليه زوائد عملية، وفوائد جلية. ثم قال: إنه جعله شرحًا لهذا الكتاب خصوصًا، ثم لمختصر ابن الصلاح ولسائر كتب الفن عمومًا ثم أورد بعد ذلك عدة فوائد: الأولى: في حد علم الحديث وما يتبعه، ثم ذكر الحد بعبارات مختلفة، وتناول الكلام على كل من السند والمتن، وعلى معنى الحديث. والثانية: خصصها لحد كل من الحافظ والمحدث والمسند، واستطرد فيها إلى عدة بحوث ونقول مختلفة على عادته المعروفة في الاستطراد. والثالثة: في بيان من ألف في المصطلح ابتداء من القاضي أبي محمد الرامهرمزي إلى مقدمة ابن الصلاح، وساير في ذلك تصوير شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر، ولم يزد عليه أكثر من قوله وقد تبعه "يريد ابن الصلاح" على ترتيبه جماعة منهم المصنف "النووي" وابن كثير والعراقي والبلقيني، وغيره جماعة كابن جماعة والتبريزي والطيبي والزركشي. والرابعة: في أنواع علوم الحديث، وبيان عددها على النحو الذي بيناه في صدر هذا التمهيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وطريقته الأساسية في شرح هذا الكتاب أنه يلتزم متابعة الإمام النووي فيما أورده في كتاب التقريب. وجعل مقصوده الأول أن يشرح عباراته، ويبين المراد بها، ويوضح الغامض منها -إن كان- ثم يتبع ذلك بذكر تنبيهات أو فوائد مما وصل إليه بالتنقيب والبحث، مما يقيم أكبر البرهان على أنه استوعب هذا العلم، ووصل فيه إلى أعلى الدرجات، وكثيرًا ما ينص على ما يخالف فيه المختصر "التقريب" أصله "مقدمة ابن الصلاح ولنبين هذه الطريقة في مثال واحد: بدأ مصنف التقريب بتعريف الصحيح بأنه: ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة. فكان تعليق السيوطي على هذا التعريف في اثنتي عشرة صفحة من كتابه التدريب، وتناول فيها ما يأتي: أولًا: لم عدل المصنف عن عبارة أصله: المسند الذي تيصل إسناده؟ ثانيًا: ولماذا جمع العدل الضابط بالعدول الضابطين مع أن ابن الصلاح عبر بالمفرد؟ ثالثًا: ما الذي يخرج بالقيد الأول؟ وما الذي يخرج بالقيد الثاني؟ وما الذي يخرج بالقيد الثالث؟ وكذلك الرابع والخامس؟ رابعًا: أورد تنبيهات: أ- كيف حد الخطابي الصحيح؟ وما وجه الاختلاف بينه وبين المصنف؟ وما رأي شيخ الإسلام في الأرجح منها؟ وما مسلك العراقي في هذا المقام؟ ب- لماذا ترك المصنف قيد نفي الإنكار في الحديث؟ ج- لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا مع أنه مختلف، بعضه ينافي الصحة وبعضه لا ينافيها، وما موقف شيخ الإسلام ابن حجر في ذلك؟ د- لماذا لم يقيد العلة بكونها قادحة؟ وإن اشترك في ذلك مع أصله مقدمة ابن الصلاح. هـ- ورد على التعريف أنه لا يشمل الصحيح لغيره، وكان ينبغي إدخاله. و ورد على التعريف المتواتر فإنه لا يشترط فيه هذه الشروط مع كونه صحيحًا، وما رأي شيخ الإسلام في ذلك؟ ز- اعترض ابن حجر على المصنف وابن الصلاح معًا؛ لأنهما جعلا الحسن قسمين: لذاته ولغيره، وهذا التقسيم يجري في الصحيح. ثم ينتقل إلى ذكر فائدتين: الأولى: أن كلام ابن الصلاح في شرحه لمسلم يدل على أنه أخذ تعريف الصحيح هنا من كلام مسلم، ولكن شيخ الإسلام اعترض بأن مسلمًا لم يذكر انتفاء الشذوذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الثانية: أنه بقيت شروط أخرى -مختلف فيها- لم يذكرها، منها كون الراوي مشهور بالطلب، والخلاف في ذلك، واختيار شيخ الإسلام، ومنها اشتراط ثبوت السماع لكل راو من شيخه، ومنها اشتراط العدد في الرواية كالشهادة وما قيل في ذلك. وبهذه البحوث، وبذكر وجهات النظر المختلفة فيها -سواء أكانت في التنبيهات أو الفوائد- ينتهي تعليقه على تعريف الإمام النووي للحديث الصحيح. أما ذلك المسلك الذي سلكه الإمام النووي في عرض تلخيصه لمقدمة ابن الصلاح وسايره السيوطي بالشرح على الوجه الذي أوردناه، فإنه ابتدأ كتابه بخطبة بين فيها فضل علم الحديث إجمالًا، وأنه اختصر كتابه هذا من كتابه الإرشاد، الذي اختصره من كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، وأنه بالغ في الاختصار من غير إخلال بالمقصود، وحرص على إيضاح العبارة، ثم قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف1 وعرف الصحيح بما أوردناه عند بيان طريقة السيوطي في التدريب، ثم بين المراد بقوله "حديث صحيح"2 ثم بين المختار من أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقًا ثم بين أول مصنف في الصحيح المجرد، والخلاف في الأفضل من الصحيحين3، وكيف أن الصحيحين لم يستوعبا ولم يلتزما ذلك، وبيان الأصول الستة وما فاتها من الأحاديث الصحيحة، وجملة ما في البخاري بالمكرر وبحذفه، ومسلم كذلك، وبم تعرف الزيادة على الصحيحين من الأحاديث الصحيحة4 وما فائدة مستدرك الحاكم، وما قيمته الحديثية، والمفاضلة بينه وبين صحيح ابن حبان، ثم صور الكتب المخرجة على الصحيحين مع بيان منزلتها وقيمتها، والفرق بينها وبين المختصرات5 منها، ثم بيان الحديث المعلق على الصحيحين، وتقسيمه باعتبار الصحة وعدمها، ثم بيان أعلى أقسام الصحيح وما يليه وإذا قالوا: صحيح متفق عليه أو على صحته فما معنى ذلك؟ وهل رواية الشيخين أو أحدهما تفيد القطع بالصحة والخلاف في ذلك، ثم بين حكم من رأى في هذه الأزمان حديثًا صحيح الإسناد في كتب لم ينص على صحته والخلاف في ذلك، ثم بين كيف يسلك من أراد العمل بحديث من كتاب. وبعد هذا انتقل إلى تعريف الحديث الحسن، وإلى بيان تقسيم ابن الصلاح له، مع تعريف كل قسم، وحكم الحديث الحسن في الاحتجاج به، والفرق بين قولهم: حسن الإسناد أو صحيحة وقولهم: صحيح فقط، أو حسن فقط، ثم معنى قول الترمذي حسن صحيح، ثم اصطلاح البغوي في تقسيم الأحاديث إلى صحاح وحسان، ثم أورد فروعًا في الحديث الحسن: الأول: يتعلق ببيان مظان الحديث الحسن من كتب السنة. الثاني: أن الحديث الحسن يرتفع إلى درجة الصحيح أحيانًا. الثالث: أن الحديث الضعيف يرتفع إلى درجة الحسن أحيانًا.   1 ص62 ج1 وما بعدها بأعلى كتاب تدريب الراوي. 2 ص75 ج1 نفس المصدر. 3 ص76 ج1 نفس المصدر. 4 ص104 ج1 نفس المصدر. 5 ص112 ج1 نفس المصدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 ثم انتقل إلى بيان النوع الثالث وهو الضعيف، فعرفه، وبين وجهات تفاوته وما يدخل فيه من الأقسام. ثم انتقل إلى النوع الرابع، وهو المسند، وذكر الاختلاف في تعريفه، ثم إلى النوع الخامس، وهو المتصل فعرفه، ثم إلى النوع السادس، وهو المرفوع فعرفه، وذكر الخلاف فيه، ثم إلى النوع السابع وهو الموقوف فعرفه أيضًا، ثم أورد فروعًا تتعلق بكل من المرفوع والموقوف مثل قول الصحابي: "كنا نقول كذا" وغير ذلك من عبارات الصحابة أو من الرواة عنهم مثل يرفعه أو ينميه، ثم انتقل إلى الثامن، وهو المقطوع فعرفه، وتكلم في الاحتجاج به، وأنه ضعيف أو غير ضعيف. ثم انتقل إلى النوع التاسع، وهو المرسل، فبين إطلاقه على المنقطع والمعضل، وتكلم في حجيته، واحتجاج الشافعي به، ووجود المراسيل في مسلم، وعذره في ذلك. ثم انتقل إلى النوع العاشر، وهو المنقطع، وبين الخلاف في تعريفه، ثم إلى النوع الحادي عشر، وهو المعضل، وذكر صورًا منه، ثم أورد بعد ذلك فروعًا يتعلق بعضها بالإسناد المعنعن والخلاف فيه، وبعضها يتعلق بالإسناد المؤنن والخلاف فيه أيضًا، وبعضها يختص بالتعليق، وما يكون منه في حكم الصحيح وما ليس كذلك، وبعضها يتعلق بما إذا اختلفت رواية الحديث بين الإرسال والاتصال، والوقف والرفع وما إلى ذلك، ثم انتقل إلى الثاني عشر وهو التدليس، وتقسيمه ومذاهب العلماء فيه، ثم إلى الثالث عشر وهو الشاذ مع بيان أقسامه، واختلاف وجهات النظر فيه، وانتقل بعد ذلك إلى النوع الرابع عشر وهو المنكر، وذكر في النوع الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد والفرق بينها، وفي النوع السادس عشر تكلم على زيادة الثقة، وحكمها وتقسيمها والخلاف فيها، وفي السابع عشر، وهو معرفة الأفراد، وتقسيم الفرد وحكم كل، ثم أورد النوع الثامن عشر وهو المعلل فعرف العلة، وبين الطريق إلى معرفتها واختلاف إطلاقها، ثم انتقل إلى التاسع عشر. وهو المضطرب، وبيان تفصيله وحكمه، ثم تكلم في النوع العشرين عن المدرج وأقسامه وحكمها، وفي الحادي والعشرين تكلم عن الموضوع، ومفهومه، وحكمه شرعًا، وما ألف فيه من الكتب وأقسام الواضعين، والرد على من أجاز الوضع، وفي الثاني والعشرين أورد المقلوب، وما وقع للبخاري من الامتحان فيه، ثم أورد فرعًا يتعلق بالحديث الضعيف وما يوصف به: أهو السند أم المتن. وفي النوع الثالث والعشرين تكلم على من تقبل روايته، وأورد فيه مسائل: إحداها في شروط قبول الرواية، والثانية فيما يثبت العدالة والثالثة فيما يعرف به الضعف، والرابعة في حكم التعديل من غير سبب وبسبب، والخامسة فيما يثبت به كل من الجرح والتعديل، والسادسة حكم رواية مجهول العدالة، ثم ذكر فرعًا في تعديل العبد والمرأة، والسابعة في حكم رواية من كفر ببدعة ومن لم يكفر بها، والثامنة في رواية التائب من الفسق، والتاسعة فيمن روى حديثًا ثم نفاه، والعاشرة في رواية من أخذ أجرًا على التحديث والحادية عشرة في قبول رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو إسماعه، والثانية عشرة في إعراض الناس عن هذه الشروط، والثالثة عشرة في ألفاظ التجريح والتعديل ومراتبها. هذا ما يتصل بما ورد من المتن في الجزء الأول من كتاب التدريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وقد تناول السيوطي دراسة الجزء الثاني منه على غرار دراسته للجزء الأول، على ضوء ما بيناه في مسلكه فيه. واشتمل الجزء الثاني من الكتاب على ما يأتي من بقية الأنواع, وهي: كبقية سماع الحديث وتحمله وضبطه، وكتابة الحديث، وضبطه وصفته، وصفة رواية الحديث، وحجية المروي من الحفظ والكتاب، ومعرفة آداب المحدث، ومعرفة آداب طالب الحديث وما يتعلق بذلك، ومعرفة الإسناد العالي والنازل وما يتعلق بذلك، ومعرفة الحديث المشهور ثم المتواتر، ومعرفة الغريب والعزيز، وغريب ألفاظ الحديث والمؤلف فيه، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة المصحف وما يتعلق به، ومعرفة مختلف الحديث، ومعرفة المزيد في متصل الأسانيد، والمراسيل الخفية والصحابة وما صنف فيه، والتابعين ورواية الأكابر عن الأصاغر، والمدبج وما يتعلق به، ومعرفة الإخوة والمصنفات فيه، ورواية الآباء عن الأبناء وعكس ذلك، ومن اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفاتيهما، ومن لم يرو عنه إلا واحد، ومن ذكر بأسماء أو صفات مختلفة ومعرفة المفردات من الأسماء والألقاب، ومعرفة الأسماء والكنى، ومعرفة كنى المعروفين بالأسماء، ومعرفة ألقاب المحدثين والرواة، والمؤتلف والمختلف من ذلك كله، والمتفق والمفترق والمتشابه والمشتبه والمقلوب، والمنسوبين إلى غير آبائهم، والنسب التي على خلاف ظاهرها، والمبهمات، وتاريخ المواليد والوفيات، وما يتعلق بذلك، ومعرفة الثقات والضعفاء، ومعرفة من خلط من الثقات، وطبقات العلماء والرواة، ومعرفة الموالي والمنسوبين إلى القبائل، ومعرفة أوطان الرواة وبلدانهم. هذه هي الأنواع التي ذكرها صاحب التقريب وتناولها السيوطي بالشرح المسهب والمواد الغزيرة، التي تتفق مع ما بينه في خطبة الكتاب، من أنه كان يريد أن يضع كتابًا مستقلا جامعًا محشودًا بالفوائد والزوائد، ولكنه وجد كتاب التقريب كتابًا جليل النفع عالي القدر، كثير الفوائد غزير الموائد، ولم يجد من تصدى لشرحه على الوجه الذي يمكن أن تقيد فيه تلك الفوائد العظيمة, فجاء هذا الشرح على ما أوضحنا من وصفه، مما دل على أنه كأنه جمع فيه كل ما تسنى له من الكتب المؤلفة في هذا الفن، فأخذ زبدتها، وجمع شتى مسائلها، وإنه في الأمانة العلمية بحيث لم يدخر أن يدل القارئ على مراجع كل مسألة يوردها. غير أنه بعدما ساير به المصنف في الترتيب والتنظيم، وشرحه على ذلك الوجه العظيم, أورد أنواعًا أخرى: وهي معرفة المعلق والمعنعن ومعرفة المتواتر والعزيز، ومعرفة المستفيض والمحفوظ والمعروف والمتروك والمحرف، ومعرفة أتباع التابعين، ورواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين كذلك، وما رواه الصحابة عن التابعين، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه، ومعرفة من وافقت كنيته كنية زوجه، ومعرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه، ومن اتفق اسمه واسم أبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 ومن اتفق اسم شيخه وشيخ شيخه، ومعرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، ومعرفة من وافق اسمه نسبه، والأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء، وأسباب الحديث، وتواريخ المتون، ومعرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا، ومعرفة من أسند عنه من الصحابة الذين ماتوا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الحفاظ. وهذه الأنواع تنقسم قسمين: قسمًا لم يسبق أن تناوله التقريب، وهو يبتدئ من معرفة أتباع التابعين إلى نهاية ما أوردناه على أنه من زيادته على متن التقريب، وقسمًا سبق إيراده ضمن الأنواع الخمسة والستين الماضية التي ذكرها صاحب التقريب تبعًا لابن الصلاح، ولكنه أوردها لا على أنها أنواع رئيسية، بل على أنها تدخل في البحث ضمن الأنواع الرئيسية، وهي المذكورة قبل ذلك من الأنواع الزائدة. فالمعلق والمعنعن ورد ذكرهما في قسم المعضل1؛ لأنه يصدق على كل منهما، ويدخلان في مفهومه في بعض صوره، والمتواتر تقدم ذكره في قسم المشهور2، لأن المتواتر مشهور وزيادة, والعزيز تقدم ذكره في قسم الغريب3 على أنه مرادف له أو منفرد عنه على تفصيل في ذلك، وهذه الأنواع الأربعة وردت في متن التقريب نفسه ضمن الأنواع الرئيسية فيه، والمستفيض4 ورد ذكره في التدريب على أنه مرادف للمشهور أو قسم منه على الخلاف في ذلك، والمحفوظ والمعروف5 ورد ذكرهما في التدريب تصويرًا لتقسيم ورد في النخبة لابن حجر6 فيما وقعت فيه مخالفة الراوي لغيره، والمتروك ورد ذكره في تقسيم أورده ابن حجر في شرح النخبة في قسم المردود، ونقل السيوطي عنه ذلك في التدريب في تنبيه من تنبيهات المنكر7، والمعروف ورد ذكره في التدريب8 عند كلام المصنف في التقريب على معرفة المصحف، أورده السيوطي نقلًا عن شيخ الإسلام في تقسيم له يقول فيه: إن ما غير فيه النقط فهو المصحف، وما غير الشكل مع بقاء الحرف فهو المحرف. وبالجملة فإن الحافظ السيوطي يجمع في كتاب التدريب -على ما قال الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف-9 ملخصات لكثير من المؤلفات في علم المصطلح، ومنها شرح العراقي على ألفيته ومقدمة ابن الصلاح، وحاشية الزركشي، ونكت العراقي وابن حجر عليها، ومحاسن الاصطلاح والمشتبه للذهبي، وكتب الخطيب المفردة في أنواع علوم الحديث وغيرها، وقد لا ينسب القول لقائله، وقد ينسبه ويتصرف في العبارة، وامتاز كتابه بانفراد في بسط بعض الموضوعات والإسهاب فيها، خصوصًا عن رجال الحديث وتخريج بعضها, وببحوث دينية لم تذكر في غير هذا الكتاب نفع الله بكتاب السيوطي، وجزاه عن تأليفه خير الجزاء.   1 ص214 ج1 التدريب. 2 ص176 ج2 التدريب. 3 ص180 ج2 التدريب. 4 ص 173 ج2 التدريب. 5 ص 241 ج1 التدريب. 6 ص13 شرح النخبة وما بعدها. 7 ص241 ج1 تدريب، وراجع النخبة وشرحها ص21. 8 ص195 ج2 تدريب، ولعل السيوطي رآه في بعض كتب الحافظ ابن حجر غير النخبة وشرحها. 9 تدريب الراوي ج1 ص34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الفصل السابع: كتب التخريج مدخل ... الفصل السابع: كتب التخريج تمهيد: يفهم من استعمال كلمة التخريج في عرف المحدثين واصطلاحهم أنهم يريدون -في شأن الأحاديث التي وردت في غير كتب الحديث، أو في كتب الحديث, ولم تبين درجتها ولا وصفها من القبول وعدمه- أن يبينوا للناس مراتب هذه الأحاديث، ودرجاتها من الصحة أو الحسن أو الضعف، بعد الرجوع إلى مواطن الأحاديث وأصولها الأولى من كتب الرواية، كالجوامع والمسانيد والمعاجم والسنن، تلك التي كتبت بأسانيدها في العصور الأولى. وإنما يفعلون ذلك ذبًّا عن السنة، ونصحًا للأمة، حتى لا يتورط مسلم في قبول حديث غير معتبر، أو اتخاذه دليلا وهو لا يصلح لذلك، وحتى لا يسيء الظن في بعض الأحاديث التي ثبت روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي على خلاف ما يتوهمه أو يفهمه في بعض شئون الدين. وهذه المهمة لا يحسن القيام بها إلا فحول هذا الشأن المبرزون من رجاله، فهم الذين يفهمون حق الفهم مراجع السنة ومظانها، وإن بعض هؤلاء الأئمة قد يعوزهم الوصول إلى بعض المرويات، فيعترف بأنه لم يقف عليه أو لم يجده هكذا، أو ما أشبه ذلك، كما فعل الزين العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، وقد يستدرك بعض المتأخرين ببيان ما وصلوا إليه مما فات بعض المتقدمين، كما فعل قاسم بن قطلوبغا على الحافظ العراقي ببيان ما فات العراقي في تخريج الإحياء، في كتابه الذي سماه تحفة الأحياء بما فات من تخاريج الإحياء. ويبدو أن فكرة التخريج نجمت بعد أن ظهرت عدة كتب في الفقه والتصوف والعقائد، ولا سيما تلك التي يؤلفها أصحاب النحل، أو الذين يقحمون الأحاديث في كتب التفسير، فكان لا بد من بيان تلك الأحاديث، والرجوع بها إلى مصادرها الأصلية، وبحث أسانيدها للوصول من ذلك إلى تعرف مراتبها من الصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع. وقد ألف في التخريج علماء كثيرون، منهم من أطال، ومنهم من اختصر، ومنهم من سلك مسلكًا وسطًا بين ذلك، ثم تكون النتيجة من دراسات الجميع أن يصلوا بالدرس إلى تعرف درجات تلك الأحاديث التي خرجوها، ليكون على بينة من أمره في الانتفاع بها، أو إهمالها، أو رفضها على قدر درجة الحديث ومنزلته. والذي عرفناه من كتب التخريج هو ما نورده هنا على ترتيب الزمن مع بيان المؤلفين والكتب التي خرجوا أحاديثها بعد مراجعاتنا لما تيسر لنا من المراجع لذلك، ككتاب كشف الظنون وذيله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وهدية العارفين, وكتب التراجم الأخرى, والرسالة المستطرفة1 التي استوعبت أكثر ما بين من كتب التخريج في المراجع الأخرى. ومن هذه الكتب: 1- تخريج أحاديث المهذب في الفقه، لأبي بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم المعروف بالحازمي الهمذاني، غلب عليه علم الحديث، وصنف فيه تصانيفه المشهورة، منها الناسخ والمنسوخ في الحديث لم يصف في فنه مثله، وكتاب المشتبه، وكتاب سلسلة الذهب فيما روى الإمام أحمد عن الشافعي، توفي رحمه الله عام أربع وثمانين وخمسمائة2. 2- تخريج المختصر الكبير لابن الحاجب، لمحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل الحافظ الناقد النحوي المتفنن، أخذ عن ابن تيمية وأبي الحجاج المزي والذهبي وغيرهم، وصنف تصانيف كثيرة عدها ابن رجب في سبعين مصنفًا، وتوفي رحمه الله عام أربع وأربعين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون3. 3- تخريج أحاديث الهداية، لعلاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى المارديني التركماني الحنفي، تفقه وتمرس، وأفتى ودرس، وصنف التصانيف الحافلة، له غريب القرآن ومختصر ابن الصلاح، والكفاية في مختصر الهداية، والجوهر النقي، ومختصر المحصل في الفلسفة، وتوفي رحمه الله عام خمسين وسبعمائة4. 4- تخريج أحاديث الكشاف. 5- تخريج أحاديث الخلاصة في الفقه الحنفي. 6- نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية. وهذه الكتب الثلاثة ألفها الحافظ عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي الحنفي، المتوفى عام اثنين وستين وسبعمائة5. 7- كاشف الغمة عن شافعية الأمة، أو أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي، لشمس الدين أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم المغربي الأصل المصري المعروف بابن النقاش، المتوفى عام ثلاث وستين وسبعمائة6.   1 ص139 وما بعدها. 2 شذرات الذهب ص282 ج4. 3 شذرات الذهب ج6 ص141. 4 ج3 ص157 الدرر الكامنة. 5 البدر الطالع ج1 ص402, حسن المحاضرة ج1 ص359. 6 شذرات الذهب ص189 ج6, البدر الطالع ص211 ج2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 8- تخريج أحاديث الرافعي، لعبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة، المتوفى عام سبع وستين وسبعمائة1. 9- رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب. 10- تخريج أحاديث منهاج البيضاوي في الأصول. والكتابان لتاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي الشافعي القاهري، المتوفى عام سبعين وسبعمائة2. 11- العناية في تخريج أحاديث الكفاية، وهو تلخيص لكتاب الهداية في فقه الحنفية. 12- الطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل وتنقيح المسائل. والكتابان لعبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم الحنفي القرشي، سمع من ابن الصواف ومن الرشيد بن العلم ومن حسين الكردي ومن خلائق، وشرح معاني الآثار، توفي بعد أن أضر في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة3. 13- تخريج أحاديث الرافعي، لأبي عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي، الشافعي المصنف المحرر، المولود سنة خمس وأربعين وسبعمائة4 أخذ عن جمال الدين الإسنوي وسراج الدين البلقيني، ورجل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، قال البرماوي: كان منقطعًا إلى الاشتغال لا ينشغل عنه بشيء، ومن تصانيفه إعلام الساجد بأحكام المساجد، والبرهان في علوم القرآن، وتجلي الأفراح تلخيص المفتاح، وتكملة شرح المنهاج للإسنوي، والروضة، وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة، والنكت على البخاري، وشرح جمع الجوامع للسبكي5، توفي بمصر في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ودفن بالقرافة الصغرى. 14- المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح، لمحمد بن إبراهيم بن إسحاق6 بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي القاهري الشافعي، المتوفى عام ثلاث وثمانمائة.   1 شذرات الذهب ص208 ج6 والبدر الطالع 359 ج1. 2 شذرات الذهب ص221 ج6 والبدر الطالع ص467 ج1. 3 شذرات الذهب ص238 ج6. 4، 5 شذرات الذهب ص335 ج6، هدية العارفين ص174 ج6. 6 شذرات الذهب ج7 ص34، ليس هو محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المتوفى سنة 746 كما توهم ذلك صاحب هدية العارفين فنسب إليه تخريج أحاديث المصابيح نقلًا من السيوطي، والسيوطي لم يذكر ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 15- تخريج أحاديث المختصر الكبير لابن الحاجب "عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس المصري". 16- تذكرة الأحبار بما في الوسيط من الأخبار. 17- المحرر المذهب في تخريج أحاديث المهذب. 18- تحفة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، أي منهاج البيضاوي في الأصول. 19- البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، وهو في سبع مجلدات. 20- خلاصة البدر المنير في مجلدين. 21- منتقى خلاصة البدر المنير في مجلد. وهذه الكتب لابن الملقن عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله السراج، الأندلسي ثم المصري، المتوفى عام أربع وثمانمائة1. 22- تخريج أحاديث منهاج البيضاوي. 23- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، الذي اخترناه للدراسة من بين كتب التخريج. والكتابان لأبي الفضل زين الدين عبد الرحمن العراقي المصري، المتوفى سنة ست وثمانمائة للهجرة2. 24- تخريج أحاديث الرافعي لشهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال، قاضي القضاة الدمشقي المعروف بابن الحسباني، تفقه على أبيه وغيره، وسمع على أصحاب الفخر وطلب بنفسه فأكثر جدًّا بدمشق والقاهرة، وكتب تفسيرًا أجاد فيه ولم يكمل، وعلق على الحاوي في الفقه، وتوفي سنة خمس عشرة وثمانمائة3. 25- تخريج أحاديث الرافعي للإمام عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي، المتوفى عام ثماني عشر وثمانمائة4. 26- الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف. 27- تخريج أحاديث الأذكار للنووي.   1 شذرات الذهب ص44 ج7، والبدر الطالع ج1 ص508. 2 شذرات الذهب ص554 ج7 والبدر الطالع ج1 ص508. 3 شذرات الذهب ص108 ج7 وكشف الظنون ص2003. 4 شذرات الذهب ص139 ج7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 28- تخريج أحاديث الأربعين للنووي. 29- هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة. 30- الدراية في تخريج أحاديث الهداية. 31- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، وقد اخترناه للدراسة مع غيره من كتب التخريج. وهذه الكتب الستة للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري، المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة. 32- تخريج أحاديث تفسير أبي الليث السمرقندي. 33- تخريج أحاديث الشفا للقاضي عياض. 34- تخريج أحاديث الاختيار شرح المختار في الفقه الحنفي، لمؤلفه مجد الدين عبد الله بن محمود المتوفى سنة ثلاثة وستين وثمانمائة. 35- تحفة الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء. 36- تخريج أحاديث عوارف المعارف للسهروردي. 37- تخريج أحاديث البزدوي في الأصول. 38- تخريج أحاديث الأربعين في أصول الدين للغزالي. 39- تخريج أحاديث جواهر القرآن للغزالي. 40- تخريج أحايدث بداية الهداية للغزالي. 41- تخريج أحاديث منهاج العابدين للغزالي. 42- منية الألمعي بما فات الزيلعي. 43- تخريج أحاديث شرح القدوري للأقطع. 44- بغية الرائد في تخريج أحاديث شرح العقائد. 45- نزهة الرايض في تخريج أدلة الفرائض. وهذه الكتب جميعها للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله المصري، المتوفى عام تسع وسبعين وثمانمائة. 46- مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا، وهو من بين الكتب التي وقع اختيارنا عليها للدراسة ضمن كتب التخريج.   1 شذرات الذهب ص326 ج7، والبدر الطالع ص45 ج2، كشف الظنون ص1634. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 47- نشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير. 48- فلق الإصباح في تخريج أحاديث الصحاح. وهذه الكتب الثلاثة للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، المتوفى عام أحد عشر وتسعمائة. 49- تخريج أحاديث البحر الزخار في فقه الزيدية للشيخ محمد بن يحيى بن محمد الصعدي اليمني المعروف ببهران الزيدي، وهو أحد علماء اليمن المشهورين، بدأ حياته مشتغلًا بالتجارة ورحل بسببها كثيرًا إلى بلاد اليمن، ودخل الحبشة، وهو في كل ذلك يطلب العلم في كل مجلس يذهب إليه، ومن مشاهير مشايخه السيد المرتضى بن قاسم، وبرع في جميع الفنون، وفاق أقرانه، وصنف التصانيف الحافلة منها في الفقه "شرح الأثمار" في أربع مجلدات، وفي العربية "التحفة" وفي الأصول "الكافل" و"الشافي" في العروض والقوافي، و"المعتمد" في الحديث جمع فيه الأمهات الست، ورتبه على أبواب الفقه، توفي رحمه الله عام سبع وخمسين وتسعمائة1. 50- فرائد القلائد في تخريج أحاديث شرح العقائد، أي العقائد النسفية لعلي قارئ ولد بمهراة، ورحل إلى مكة واستقر بها وأخذ عن جماعة المحققين كابن حجر الهيثمي، قال العصامي في وصفه: الجامع للعوم النقلية والعقلية، والمتضلع من السنة النبوية، وله مصنفات منها شروحه لكل من المشكاة والشمايل والوترية والجزرية والشاطبية والنخبة والشفاء، والثمار الجنية في أسماء الحنفية، ولخص القاموس وسماه الناموس، توفي رحمه الله عام أربع عشرة وألف للهجرة2. 51- الفتح السماوي في تخريج أحاديث تفسير البيضاوي، للشيخ عبد الرءوف المناوي، المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف للهجرة. 52- تخريج أحاديث البيضاوي للشيخ محمد همات زادة المتوفى سنة 1175هـ. 53- موارد أهل السداد والوفا في تكميل مناهل الصفا. 54- تخريج أحاديث الشهاب للقضاعي. الكتابان لأبي العلاء إدريس بن محمد الحسيني العراقي المتوفى عام أربع وثلاثين ومائتين وألف3. 55- تخريج أحاديث الشهاب للقضاعي للإمام محمد بن جعفر الكتاني صاحب الرسالة المستطرفة المتوفى بعد العام الثلاثين والثلاثمائة والألف. وبعد: فهذا هو ما استطعنا أن نصل إلى معرفته عن هذه الثروة الكريمة النافعة، بما تتركه من أثر طيب في خدمة السنة، وتمييز صحيحها من سقيمها، وإن كان ذلك في دائرة معينة   1 ذيل كشف الظنون ج3 ص269 وكما جاء في البدر الطالع ج2 ص278. 2 البدر الطالع ج1 ص445. 3 الرسالة المستطرفة ص109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 هي دائرة الأحاديث الواردة في كتب المؤلفين، على أن لرجال الحديث جهدًا مشكورًا في جانب آخر، وهو تخريج ما يدور على ألسنة الناس من الحديث لتمييز صحيحه من سقيمه. وإننا لنحمد الله عز وجل أن وجدنا المحهود الأكبر في هذه الكتب لفحول أئمة من الحافظ والمحدثين من أهل مصر، إذا كان لهم أكثر من أربعين كتابًا من بين هذه الكتب التي وردت هنا لمؤلفين معروفين، وهي خمسة وخمسون، وذلك ما يعتز به أهل مصر ويفاخرون، ولعل فيه ما يحفزهم على وصل حاضرهم بماضيهم في تنقية السنة، وتمييزها عن غيرها. وإننا -كذلك- لنسأله تعالى أن يوجه أنظار المسلمين في سائر بقاع الأرض إلى السنة النبوية المطهرة، نشرًا لها وعملًا بها ودفاعًا عنها، وأن يجدوا هذا المجهود الطيب الكريم، واضعين نصب أعينهم أنه يكفي الناس الآن -وقد كثرت شواغلهم- أن يصلوا إلى معرفة درجة الحديث، وهل يصلح للعمل به أو لا يصلح، وهو أمر أصبح يسيرًا بعد أن خدمت السنة وعبدت مشارعها على يد الأولين، وإنه لما يؤسف له أن بعض من ينتسبون إلى العلم يحفظون أحاديث من الكتب المختلفة -سواء من الفقه أو من العقائد أو الوعظ- ثم يلقنونها للناس وهم أحوج ما يكونون إلى أن يعرفوا مقبولها من مردودها، ولكنهم لا يحاولون ذلك لا في أنفسهم، ولا مع من يأخذون عنهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار : للحافظ ابن الفضل زين الدين بعد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806هـ: وهذا الكتاب ثروة ضخمة، وثمرات طيبة، أماطت اللثام عن كثير من الأحاديث التي أوردها حجة الإسلام الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، وفيها كثير من الغث الذي يجب التنبيه إليه، والتوجيه إلى منزلته، وهو كتاب يحوي آلافًا مؤلفة من الأحاديث النبوية الكريمة التي استشهد بها حجة الإسلام الإمام الغزالي على ما أورده في هذا الكتاب الضخم عظيم الفائدة جليل المنافع في التصوف وعلومه المختلفة، فلولا هذا التخريج من هذا الإمام العليم بالسنة، الخبير بالأحاديث خبرة فائقة لضل كثير من الناس عن سبيل الحق في تعرف الأحاديث، ومعرفة درجتها ورتبتها الصحيحة. وقد تناول العراقي رحمه الله تعالى في مقدمة تخريجه لأحاديث كتاب الإحياء بيان السبب الباعث على تأليفه، فذكر أنه لما وفقه الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث علوم الدين سنة إحدى وخمسين وسبعمائة تعذر الوقوف على بعض الأحاديث، فأخر تبييضه إلى سنة ستين وسبعمائة وهو يريد بذلك رحمه الله أن يتحدث عن التخريج المطول الذي قد تعورف في الأوساط الحديثية ولكنه لم يصل إلينا، وكأنه يريد بإكماله أنه فرغ من تخريج ما انتهت إليه معرفته من الأحاديث الواردة فيه من أوله إلى آخره، بدليل أنه أكمله -كما يقول- ثم قال: إنه منذ سنة ستين ظفر بكثير مما عزب عنه علمه، ثم شرع في تبييضه في مصنف متوسط الحجم، وهو مع ذلك متباطئ في إكماله حتى ظفر بأكثر ما كان لم يقف عليه، ثم تكرر السؤال من جماعة في إكماله، فأجاب إلى ذلك وبادر إليه، ولكنه سلك مسلك الاختصار الشديد، ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار. فعبارة الحافظ التي تقول: إنه ظفر بأكثر ما كان لم يقف عليه تدل على أنه لم يستوعب جميع الأحاديث بالتخريج، بل ترك منها بقية للمتعقب، وقد تحقق هذا التعقب للإمام الحافظ قاسم بن قطلوبغا المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة، فظفر بما فات الإمام العراقي، ووضع كتابًا سماه تحفة الأحياء بما فات من تخريج الإحياء -كما أشرنا إلى ذلك في موضعه- ولعله استوعب فيه جميع ما فاته، وعسى الله أن يوفق من يعنون بأمر السنة الكريمة إلى إخراج هذا المستدرك ونشره كما نشر أصله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 كما تفيد عبارته بتمامها أنه رحمه الله أخرج الكتاب في ثلاثة أطوار: مطولا ثم متوسطًا ثم مختصرًا1 غاية الاختصار، وقد فسر هذا الاختصار الشديد، بأنه اقتصر فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه، وبيان صحته أو حسنة وضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، ثم قال: وأبين ما ليس له أصل في الكتب الأصول. ثم يذكر منهجه في بيان التخريج فيقول: إن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه، وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الكتب الستة "إن وجد"، وحيث كان في أحد الكتب الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح، بأن يكون2 في كتاب التزم مخرجه الصحة، أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء، وحيث كرر المصنف ذكر الحديث فإن كان في باب واحد منه اكتفيت بذكره أول مرة، وربما ذكرته فيه ثانيًا وثالثًا لغرض، أو لذهول عن كونه تقدم وإن كرره في باب آخر ذكرته ونبهت على أنه قد تقدم، وربما لم أنبه على تقدمه لذهول عنه وحيث عزوت الحديث لمن خرجه من الأئمة فلا أريد بذلك اللفظ بعينه، بل قد يكون بلفظه وقد يكون بمعناه، أو باختلاف على قاعدة المستخرجات، وحيث لم أجد ذلك الحديث ذكرت ما يغني عنه غالبًا، وربما لم أذكره. وإننا في هذه المناسبة نستطيع أن نتجه ببعض النقد المهذب إلى الإمام الحافظ، في أن يكون الاختصار حافزًا له على إهمال التنبيه على الحديث المكرر بإحالته على ما تقدم، فإن الكتاب موسوعة علمية كبيرة، وربما اقتصر القارئ له على دراسة موضوعات معينة تعرض فيها أحاديث، وبها ذلك التحويل في التخريج، فيحار في أمر الرجوع إليه في الموضع السابق، وربما حرم نفسه من معرفة درجة الحديث نتيجة لذلك الاختصار الزائد في عرض هذه التخريجات، وقد كان يكفي القارئ في الحديث المكرر أن يعرف درجته التي تبين أنه مقبول أو غير مقبول، وكأنه رحمه الله كان يتمثل همته الكريمة في همم القارئين والمطلعين. وإننا لنشكر لمن أخرجوا ذلك الكتاب القيم ممن ألحقوا تخريج أحاديث كل موضوع معه وبيان كل حديث في هامشه، من تخريج الحافظ العراقي للإحياء، حتى كأن القارئ للكتابين قارئ لكتاب واحد، لا يتكلف عناء ولا مشقة في تعرف درجات ما يقرأ، ولا سيما بعد أن اتجه المؤلف رحمه الله إلى الاكتفاء بذكر طرف الحديث، فإن طرف الحديث إذا كان في كتاب مستقل لا يغني القارئ في معرفة الحديث، إلا إذا كان من المتضلعين الذين بلغوا في هذا الفن شأوا   1 هذا ما تفيده عبارة الحافظ التي أوردناها من مقدمة كتابه وهو خلاف ما تفيده عبارة في المستطرفة ص142 من أن له كتابين أحدهما كبير والآخر صغير تأثرًا في ذلك بما ورد في كشف الظنون ج1 ص23 من أن له تخريجين كبيرًا وصغيرًا فإن هناك تبييضًا في مؤلف متوسط الحجم وضعه قبل المختصر. 2 لعل العبارة: كأن يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 بعيدًا، ولكن إلحاق تخريج أحاديث الإحياء به على هذا الوجه الذي طبع به الكتاب أصبح مغنيًا للقارئ عن استكمال الحديث في كتاب التخريج، فإن الحديث بتمامه مذكور في الأصل الذي خرجت أحاديثه وفي نفس الصحيفة. أما بيان منهج المصنف في هذا الكتاب فقد أغنانا عنه بما أورده في هذه المقدمة ونقلناه إلى القارئ الكريم. غير أننا في محاولة تتبعنا لهذا الكتاب سنحت لنا ملاحظات نكتفي بالإشارة إلى أهمها وهي ما يأتي: أولًا: لم يعن العراقي بتخريج الآثار الواردة عن الصحابة وغيرهم، وإن كان عنوان كتابه يسمح بذلك، فإنه خاص بتخريج ما في الإحياء من الأخبار -سواء قلنا إن الخبر مرادف للحديث، أو قلنا إنه أعم من الحديث وغيره، على ما ذكره الحافظ ابن حجر في النخبة- ولكنه لم يتجه إلى تخريج الموقوفات خشية الإطالة الزائدة، ولم ير ما يدعو إلى تلك الإطالة لأن عناية المحدثين بالأحاديث النبوية أكثر، فتخريجها أيسر، ولأن الركن الأعظم في الاستدلال هو السنة. فضلًا عن أن كتاب الإحياء ليس المقصود فيه الاستدلال الذي يدعو إلى تحري جميع الأخبار، وإنما هو كتاب توجيهي يشحن النفوس بطاقات روحية هائلة، تندفع بها إلى مستويات رفيعة من التهذيب الخلقي والكمال النفسي، وهو قدر يتحقق بما في تلك الآثار التي تأثر أصحابها بما في الدين الإسلامي من معان سامية فأبرزها توجيهات صالحة وهدايات راشدة، وهذا القدر لا يحتاج إلى تحر وتفتيش للتعرف، فإنها لا تخرج عن أن تكون من الحكم التي هي ضالة المؤمن كما ورد في الحديث الشريف1، فلهذا لم تتجه عناية المؤلف إلى تخريجها مع الأحاديث، حتى لا تزاحمها على ذلك المجهود الجبار في تخريج الأحاديث النبوية. وقد رأينا أن الحافظ العراقي صرح في مناسبة تخريج أثر موقوف بأن الآثار ليست من شرط كتابه، ولكن الأثر: "إن من مكفرات الذنب أن تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلي ركعتين" الذي أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما كان هذا الأثر في نظر الغزالي يحتمل أنه حديث موقوف ذكره العراقي في التخريج احتياطًا لهذا الاحتمال2، وقد سلك العراقي مسلك الاحتياط في محل آخر قد يكون مقابلًا لهذا المجال، فإن الغزالي أورد رواية ضمن استدلال بأحاديث قبله وبعده، ثم أورد بعد ذلك الآثار مما يدل على أنه يقصد بقوله يروي الخبر بمعنى الحديث، ويؤكد ذلك أنه قال قبل ذكر الآثار: والأخبار في هذا لا تحصى، ولكن الحافظ العراقي -لشدة تورعه ومبالغته في الاحتياط- اعتبر هذا التخريج احتياطًا لقصد الغزالي لأنه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه يقصد به شيئًا آخر غير الحديث، وهو تصرف من العراقي   1 "الحكمة ضالة المؤمن" حديث أخرجه الدارقطني كما في كنوز الحقائق بهامش الجامع الصغير ج1 ص121. 2 المغني ج4 ص47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 لا يخلو من غرابة؛ لأنه خرجه -فعلًا- على أنه حديث، ولم يذكر أنه ورد أثرًا ولو في بعض الروايات، فكيف يمكن الجمع بين تخريج الخبر على أنه حديث، ثم اعتبار ذلك التخريج احتياطًا. وهذه الرواية التي أشرنا إليها هي: "إن الله عز وجل لما لعن إبليس سأله النظيرة، فأنظره إلى يوم القيامة ... " الخبر1. ثانيًا: أنه يلتزم في تخريجه الدقة البالغة مع الأدب فيما عسى أن يكون قد صدر من الإمام الغزالي من تهاون في بعض الأحاديث زيادة أو نقصًا، أو روايته لما هو ظاهر الوضع، فهو ينص على عدة من الأحاديث بأنه لم يجدها، وفاء بما التزم به في مقدمته لهذا الكتاب، وتفصيلًا لما أجمله فيها، وهذا مما يدل على أنه -بعرضه في صور تتناسب مع ما يخرجه من الأخبار- لم يستوعب التخريج. ومن مظاهر هذه الدقة أنه يلون التخريج بألوان متعددة. فمن ذلك ما يقول في تخريجه: إنه لم يجده، أو لم يجد له أصلًا، ومنه ما جاء من خبر: "لا يدخل أحدكم الصلاة وهو مقطب ... "2، وخبر: "إذا قام العبد في الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبين عبده"3 وما ورد في الخبر: "إن المسجد لينزوي من النخامة ... "4 وخبر: "إن حبشيا قال: يا رسول الله إني كنت أعمل الفواحش فهل لي من توبة ... "5 وخبر: "إن الله تعالى يبغض الشاب الفاجر ... "6، وخبر: "إن البقعة التي يجتمع فيها الناس تلعنهم أو تستغفر لهم إذا تفرقوا ... "7. كل هذه الأخبار وأمثالها قال في تخريج كل منها: إنه لم يجده، أو لم يجد له أصلًا. ومن الأخبار ما يقول في تخريجها: إنه لم يجد لها إسنادًا، وذلك مثل الخبر: "نعم العون على الدين المرأة الصالحة"8 لكنه ذكر حديثًا صحيحًا يدل على معناه وهو حديث مسلم. ومنها ما يقول في تخريجه: وفي إسناده نظر، وذلك مثل الخبر: "لما نزل قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل} قال: "يا جبريل وما الصفح الجميل؟ ... " 9. وأحيانًا يقول: لم أجده مرسلًا تعليقًا على ما يفيد الإرسال في كلام الغزالي، وذلك مثل الخبر: "من أتاه رزق من غير وسيلة فرده فإنما يرد على الله"10.   1 المغني ج4 ص14. 2 المغني ج4 ص157. 3 المغني ج4 ص170. 4 المغني ج4 ص102. 5 المغني ج4 ص14. 6 المغني ج4 ص75. 8 المغني ج4 ص104. 9 المغني ص152 ج4. 10 المغني ج4 ص207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وتارة يقول: لم أجده مرفوعًا، وذلك مثل خبر: "ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها"1. وخير: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" ثم قال: إنه منسوب إلى علي كرم الله وجهه2، وخبر: "جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة"3 وقال: إنه قول عون بن عبد الله. وأخرى يقول: لم أجده مرفوعًا بهذا اللفظ، وذلك مثل خبر: "الدنيا مزرعة الآخرة"4 ثم ساق حديثًا آخر بمعناه وقال: إن إسناده ضعيف. وأحيانًا يقول: لم أجد له أصلًا وكأنه من الإسرائيليات، وذلك كالخبرين: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا"، وقوله: "إن الله أوحى إلى عبده داود عليه السلام أحبني وأحب من يحبني"5. وتارة يقول: لم أجده بهذا اللفظ، وأحيانًا يضيف إليها قوله: وهو صحيح المعنى أو يقول: لا يعرف بهذا اللفظ فضلًا عن صحته. فمن الأول خبر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الحاقب"6 وهو ضمن عدة منهيات، ومثل خبر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له أما ترضى؟ "7. ومن الثاني الخبر الذي أورده الغزالي ... "سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون ... "8 قال فيه الحافظ العراقي: لم أجده بهذا اللفظ إلا أنه يؤخذ من حديث ابن مسعود، فذكره. ومن الثالث الخبر: "المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم"9 قال العراقي في تخريج: ادعى الغزالي صحته، ولا يعرف بهذا اللفظ فضلًا عن صحته. وأحيانًا ينقل ما يعزز به اتجاهه في التخريج كما في الخبر: "أما إني لا أنسى، ولكني أُنسى لأشرع ... "10 فقد نقل عن أبي طاهر الأنماطي في هذا الخبر قوله: وقد طال بحثي عن هذا الخبر وسؤالي عنه للأئمة والحافظ فلم أظفر به، ولا سمعت عن أحد أنه ظفر به. قال: وادعى بعض طلبه الحديث أنه وقع له مسندًا. وهذا العرض في تخريج الأحاديث يمثل الأمانة الرفيعة، والدقة البالغة، والاحتياط الواجب. وإن العراقي -في بعض الأحيان- ليخالف بعض المؤلفين، فقد خالف رزينًا في نسبة بعض الأحاديث إلى بعض الرواة، وذلك كما في خبر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواصلة   1 المغني ج1 ص159. 2 المغني ج4 ص23. 3 المغني ج4 ص34. 4 المغني ج4 ص19. 5 المغني ج4 ص145. 6 المغني ج1 ص156. 7 المغني ج4 ص147. 8 المغني ج4 ص99. 9 المغني ج6 ص116. 10 المغني ج3 ص43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 في الصلاة ... "1. قال العراقي: عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده، وكذلك خبر: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الحازق"2 عزاه رزين إلى الترمذي ولم أجده عنده، والذي ذكره أصحاب الغريب حديث: "لا رأي لحازق". بل إنه أحيانا بعض أصحاب الرواية كالحاكم، وذلك كما في الخبر: "يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل ... "3 الخبر، قال الحاكم: ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن قايد، فقال العراقي: قلت: بل فيه عبد المنعم الديباجي منكر الحديث، كما قاله البخاري وغيره. ونراه يسجل على الإمام الغزالي التغيير في بعض الأحاديث4 بزيادة شيء لم يكن مذكورًا، أو ترك شيء مذكور، وذلك في حديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وهو وارد في قصة وفد عبد القيس في الصحيحين، لكن ليس فيه ذكر الحج الذي أورده، وفي البخاري: "وأن تؤدوا خمسًا من المغنم" زيادة على ما أورده الغزالي. كما نجده يسجل عليه إيراده لتعليل غير مطابق، لمخالفته ما هو منقول في نفس الحديث الذي أورده، وذلك في خبر: "شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا" قال الغزالي: ولعله كان لعذر، فقال العراقي: إن الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس، وأنه كان في ماء زمزم5. وتارة يسجل عليه أنه يروي بعض الموقوفات والمقطوعات وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك خبر النهي عن المغالاة في المهر، أورده الغزالي بين الأحاديث بصيغة: "وقد نهى عن المغالاة في المهر" ورد العراقي عليه ذلك، ولكنه لم يكن صريحًا، بل ذكر ما يدل عليه إذ قال: حديث النهي عن المغالاة في المهر. ورد العراقي عليه ذلك، ولكنه لم يكن صريحًا، بل ذكر ما يدل عليه إذ قال: حديث النهي عن المغالاة في المهر رواه أصحاب السنن الأربعة موقوفًا على عمر، وصححه الترمذي6، ومن ذلك خبر: "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله ... " قال العراقي: إنه لم يجده مرفوعًا، وإنما رواه ابن أبي الدنيا في الصمت من قول الحسن، وهنا ينصف العراقي الغزالي فيقول: إنه ذكره على الصواب في آفات اللسان،7 وكذلك خبر: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" قال العراقي: ليس له أصل في الحديث المرفوع، وإنما هو قول سفيان بن عيينة كما رواه ابن الجوزي في صفة الصفوة8. وأحيانًا يسجل على الغزالي زيادة على ما في الحديث، وذلك مثل حديث: "تذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنابة في صلاته فاستخلف واغتسل ثم رجع"9 قال العراقي: هذا الحديث أخرجه   1 المغني ج1 ص156. 2 المغني ج1 ص156 والحازق هو صاحب الخف الضيق. 3 المغني ج1 ص175. 4 المغني ج1 ص116. 5 المغني ج2 ص6. 6 المغني ج2 ص40. 7 المغني ج2 ص87. 8 المغني ج2 ص231. 9 المغني ج1 ص175. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 أبو داود بسند صحيح، وليس فيه ذكر الاستخلاف، وإنما قال الراوي: ثم أومأ إليهم أن مكانكم، وبين العراقي أن الاستخلاف وقع من عمر وعلي، وعند البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه. بل إننا نراه -تحقيقًا لأمانة العلم وإيثارًا لها على الأشخاص- يسجل على حجة الإسلام روايته لأحاديث يصفها العراقي -تارة- بأنها منكرة جدًّا، وتارة بأنها موضوعة أو نحو ذلك فمن ذلك خبر جابر: "من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة" قال العراقي: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من رواية محمد بن نعيم، وقال أحمد بن حنبل: هذا باطل كذب. ولعله يسعنا في هذا المقام أن نسجل على الإمام الغزالي -وهو الفيلسوف المسلم الحكيم، والفقيه العليم- الخطأ البين في رواية هذا الحديث وأمثاله من الموضوعات، فإنها تجرئ الناس -في ظل هذه الترغيبات البراقة، التي تكثر فيها المكافآت الخارجة عن العقل والنقل- على عمل التافه من الأمور، والذي قد يكون بمقتضى عمومه غير مشروع، فيتمسك به العصاة والمستهترون، ويحتجون به على من يحاولون توجيههم إلى الخير بردهم عن العصيان والاستهتار. وقد نرى الإمام العراقي متجاوبًا مع الغزالي في مقام يورد فيه كلمة الأخبار مجملة فيفصلها العراقي بذكر هذه الأخبار مع تخريج كل منها، وذلك كما أورد الغزالي -نقلًا عن أبي طالب المكي- إن الكبائر سبع عشرة نقلها من جملة الأخبار، فقال العراقي في تخريجه: وسأذكر ما ورد منها مرفوعًا، وقال على طريقته: وقد تقدم أربعة منها في حديث عبد الله بن عمرو، ثم ساق بقية الأحاديث الواردة وخرجها حديثًا حديثًا بما فيها من الموقوفات، ثم اعتذر عن ذلك فقال: وإنما ذكرت الموقوفات حتى يعلم ما ورد من المرفوع وما ورد من الموقوف1. ونظير ذلك أن الغزالي قال: إن الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بكذا وكذا أكثر من أن تحصى ... فعلق عليه العراقي بقوله: الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بالسموات والأرضين وأجزاء النبات ... ثم ساق عدة أخبار في هؤلاء الملائكة2. ومما يتصل بهذا أنه يذكر للخبر عدة روايات ثم يعقب عليه بأنها كلها ضعيفة، أو لا يصح منها شيء، وذلك كما في خبر: "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم" قال الغزالي: وفي رواية "ينفي الفقر قبل الطعام وبعده" فذكر العراقي عدة روايات في هذا الخبر، من بينها ما هو لأبي داود والترمذي، ثم قال: كلها ضعيفة3، وكما في خبر: "الإنسان عيناه هاد، وأذناه قمع، ولسانه ترجمان، ويداه جناحان ... " قال العراقي: أخرجه أبو نعيم في الطب، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة نحوه، ولأحمد من حديث أبي ذر:   1 المغني ج4 ص17 وما بعدها. 2 المغني ج4 ص121. 3 المغني ج2 ص3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وأما الأذن فقمع، وأما العين فمقرة لما يوعى القلب ... " ثم قال العراقي: ولا يصح منها شيء. ثالثًا: ربما ترك العراقي بعض الأخبار دون تخريج، وقد وقع لنا من ذلك أثناء المراجعة خبر: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ... " 1 الذي ذكره أكثر من مرة، فقد رأيناه في كتاب العلم، كما رأيناه في فضيلة الحلال ومذمة الحرام محالا على كتاب العلم، ولم يخرج العراقي هذا الحديث في المرة الأولى ولا في الثانية، وربما كان عذره أنه خرج حديث: "اطلبوا العلم ولو بالصين" الغزالي منفصلًا عن "طلب العلم فريضة" وهما حديث واحد في كتب الحديث، ولكن العراقي لم يشر إلى ذلك. وكذلك خبر: "جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك" فإن الحافظ العراقي لم يتعرض له بنفي ولا إثبات، ولم يخرجه مع أنه في أول باب فوائد الجوع. رابعًا: ومن الظواهر العامة في الكتاب أنه يسيطر على مؤلفه الاستطراد العلمي بما يخرج عن مهمة المخرج، فإنه -أحيانًا- لا يكتفي برد الحديث إلى مرجعه وبيان مرتبته، وإنما يتجاوز ذلك إلى ترجيح بعض الروايات على بعض. ومما وقع من ذلك تعليقه على قول الغزالي: وفي الصحيح أيضًا أخبار صحيحة في إباحة العزل عن المرأة2، فإن الحافظ العراقي علق على ذلك بإيراد أحاديث تدل على تلك الإباحة، ثم نقل عن البيهقي أن رواة الإباحة أكثر وأحفظ. خامسًا: ومن الظواهر البينة التي يلمسها متصفح الكتاب دون حاجة إلى بحث وتنقيب ما يراه فيه من كثرة المراجع التي يستعين بها في تخريج الأحاديث، وكثير من هذه المراجع عازب وبعيد، ولا يتيسر الحصول عليه ولا التوصل إليه، من أمثال أبي العباس الذهبي في العلم، وابن المجبر في العقل، والبغوي في معجم الصحابة، وأبي الشيخ في الثواب وكتاب العظمة، وابن قانع، وابن أبي الدنيا وما أكثر ما ينقل عن كتبه المتعددة، وأبي سعيد الماليني في مسند الصوفية، وغير هؤلاء كثير. وهذا مما يدل على تمكن الحافظ العراقي من العلم، وصبره على البحث والتحري، ودأبه في السعي وراء الحقيقة ينشدها في مظانها من كتب الحديث. وبعد: فإننا -بهذه الدراسة التي لمس منها القارئ جوانب كثيرة في هذا الكتاب- نستطيع أن نقرر أنه موسوعة علمية حديثية كريمة وقيمة، وهو فوق أنه في ذاته تحفة علمية في بابه، فإنه بضميمته إلى كتاب الإحياء يكونان مجموعة خطيرة في علوم الإسلام ومعارفه التي هيمن فيها   1 المغني ج1 ص9 وج2 ص89. 2 المغني ج2 ص52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الحافظ العراقي على أهم ناحية يعوزها البحث والتفتيش، فيما هو دعامة يستند إليها حجة الإسلام الغزالي في تحقيق علومه الدينية ومعارفه الإسلامية. وإذا كان كتاب الإحياء من أعظم منن الله على أمة الإسلام؛ إذ جمع زبد علوم الدين، وأحسن الدعاية لها، والهداية إلى مشاعل الحق والإصلاح في ظلالها فإن تخريج العراقي لأحاديث هذا الكتاب من أعظم منن الله على حجة الإسلام بخاصة، وعلى دارسي هذا الكتاب بعامة، فقد ميز الخبيث من الطيب في تلك الناحية التي لا يتصدى لها إلا الفحول من علماء الدين، وحفاظ الحديث المبرزين. ولا بد أن نشير هنا إلى أنه إن كان قد فات الحافظ العراقي تخريج بعض الأحاديث فقد تجلت منة الله على هذا الكتاب وعلى قرائه المنتفعين به، وقيض الله له من استكمل ما فات الحافظ العراقي من أحاديثه، وذلك هو الشيخ قاسم بن قطلوبغا إمام المحدثين في عصره في كتابه المسمى: تحفة الأحياء بما فات من تخريج أحاديث الإحياء. جزى الله الجميع عن جهادهم في تمييز السنة خير الجزاء، ووفقنا للسير على منوالهم، والاستنارة بأنوار مشاعلهم، حتى نستطيع الاحتفاظ بهذا التراث العظيم بعيدًا عن الشبه، جليلًا على المطاعن، يتسلمه من الأجيال القادمة من هو أهل لحمله من هذه الأمة الكريمة إنه سميع مجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير : للحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852هـ: هذا الاسم هو الموجود عنوانًا للكتاب المطبوع، ويبدو أنه محرف من "التلخيص الحبير" الذي أورده صاحب الرسالة المستطرفة اسمًا لهذا الكتاب1، والذي هو الأقرب في استعمال اللغة لأن الحبير في اللغة -كما استخلصنا من دراسة المادة-2 هو ذو الجمال والهيئة، وكون الحبير وصفًا للكتاب هو الأليق؛ لأن كون الكتاب جميلًا على هيئة حسنة سائغ مقبول، وأما استعماله بالإضافة فإنه يجعل الحبير وصفًا للمؤلف، وهو غير لائق في هذا المقام. ومؤلف هذا الكتاب هو الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى عام اثنين وخمسين وثمانمائة، وقد سبقت ترجمته عند دراسة كتابه بلوغ المرام من بين كتب الأحكام. وقد ذكر سبب تأليفه لهذا الكتاب فقال:3 إنه وقف على تخريج أحاديث شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي -شكر الله سعيه- لجماعة من المتأخرين منهم القاضي عز الدين بن جماعة والإمام أبو أمامة بن النقاش، والعلامة سراج الدين عمر بن علي الأنصاري، والمفتي بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر من الفوائد والزوائد، وأوسعها عبارة وأخلصها إشارة كتاب شيخه سراج الدين، إلا أنه أطاله بالتكرار فجاء في سبع مجلدات، ثم رأيته لخصه في مجلدة لطيفة أخل فيها بكثير من مقاصد المطول وتنبيهاته، ثم قال: إنني رأيت تلخيصه في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده، فمن الله بذلك، ثم تتبعت عليه الفوائد الزوائد من تخاريج المذكورين معه، ومن تخريج أحاديث الهداية في فقه الحنفية للإمام جمال الدين الزيلعي؛ لأنه ينبه فيه على ما يحتج به مخالفوه، وأرجو الله إن تم هذا التتبع أن يكون حاويا لحل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع. هذا هو ما قدم به الحافظ ابن حجر كتابه "التلخيص الحبير" وهو يدل على أنه ليس كتاب تخريج فقط، وإنما هو كتاب تخريج وترجيح وفوائد يوردها بعنوان فوائد تارة، وبعنوان تنبيهات أخرى. ومن تصفح الكتاب ونظر فيه وجد أنه ينطبق عليه ما أفادته هذه المقدمة، من أن هذا الكتاب ليس كتاب تخريج بالمعنى الذي نفهمه، مما تعارفه علماء الحديث في معنى التخريج، وكما سنبينه في أوصاف الكتاب ومظاهره من أنه لا يقتصر على مجرد التخريج ببيان مراجع الحديث ودرجته من القبول وعدمه، وكان مقتضى ذلك التجاوز عن مهمة المخرج إلى طريقة الفقيه أن يسمى هذا الكتاب   1 الرسالة ص142. 2 تهذيب اللغة للأزهري ج5 ص32. 3 تلخيص الحبير ص9 ج1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 بما يطابق موضوعه، فأما أن يسمى الكتاب تخريجًا ثم يجد القارئ فيه أضعافًا مضاعفة ما زاد على مهمة التخريج فذلك أمر لا يخلو من نقد، وإذا صح هذا النقد فإننا لا نتجه به إلى المؤلف وحده، وإنما نوجهه أيضًا إلى من سايرهم المؤلف من العلماء الذين ذكرهم في صدر كلامه، وبين أنه وقف على تخريجاتهم وبخاصة شيخه سراج الدين عمر بن علي الأنصاري المعروف بابن الملقن، الذي كان كتابه أصلًا لهذا الكتاب. وإذا أردنا أن نتناول أهم مظاهر الكتاب الواضحة وصفاته البارزة فإننا نسجل في ذلك ما يأتي مع التيسير بإيراد أرقام الأحاديث التي تبينا من خلالها هذه الصفات: أولًا: كثيرًا ما يتطرق شيخ الإسلام ابن حجر في هذا التلخيص إلى إعطاء الأحاديث صبغة الأدلة الفقهية، متناولًا إياها من هذه الزواية فوق تناوله إياها من الزاوية الأساسية التي هي تخريج الحديث ومن ذلك: 1- الأحاديث الأربعة1 الأولى في الكتاب أسرف المؤلف في دراستها بعد التخريج بإيراد الأقوال الفقهية، واختلاف الاستنباط باختلاف هذه الأدلة، واختلاف الروايات التي يمكن أن يقع من خلالها بعض ذلك الاختلاف، فهو يذكر رأي ابن عبد البر في حديث البحر: "وهو الطهور ماؤه الحل مينته" بأنه غير صحيح، وأنه لو صح أن البخاري صححه لأخرجه في صحيحه، ويرد عليه بذكر عدة روايات تقتضي صحته، ويطيل في ذلك إلى أن ينتهي إلى قول الشافعي: إن هذا الحديث نصف علم الطهارة، وهذا المسلك هو الذي سلكه أيضًا في حديث بئر بضاعة، وهي بئر كانت تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، ثم ينقل الحديث: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" ويتناول المناقشة في عموم هذا لحديث أو خصوصه بالنسبة لإطلاق لفظ الشيء، أو تقييده بما إذا لم يغير طعمه أو لونه أو ريحه وهذا التقييد هو ما صرح به في الحديث الثالث: "خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو ريحه" ثم يتكلم في صحة ورود هذا الاستثناء أو عدم وروده، وما يرتبط بذلك من الحكم الفقهي وصحة الاستدلال به لبعض المذاهب، وهل هناك متابعات أو شواهد تؤيده فيصح الاستدلال به -مثلًا- ثم يورد تلك المتابعات والشواهد التي ينتصر بها لمذاهبه في فقه الحديث، ثم يذكر الخلاف في القلتين في الحديث الرابع: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا" ويبين هل هو مضطرب فلا يستدل به كما يقول بعض الفقهاء؟ أو هو غير مضطرب؟، وعلى فرض اضطرابه فهل ترجحت بعض الطرق فيعمل بها كما هو شأن النظر في الحديث المضطرب؟ ويطيل في هذه الدراسات وما يتصل بها. وعلى وجه الإجمال فقد تناول هذه الأحاديث الأربعة بالدراسة التي وصفناها في أكثر من عشر صفحات، ولو أنه اقتصر على مهمة التخريج لأوردها جميعًا بتخريجاتها الوافية في أقل من صفحة.   1 التلخيص الحبير ج1 ص9 إلى 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 2- وفي الحديث الستين بعد المائتين: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة" يخرج هذا الحديث ويذكر اختلاف رواياته، والخلاف في صحته، ثم يذكر ما يعارضه، ومن استدل بما يعارضه ويحاول أن ينتهي بنتيجة تؤيد مذهبه الفقهي. 3- وفي الحديث الخمسمائة بعد الألف: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة" خرجه بالنسبة إلى الشيخين، وانتهى من تقويمه بهذه النسبة، ولكنه تطرق بعد ذلك إلى بيان أن نكاح المتعة كان جائزًا في صدر الإسلام ثم نسخ، وأورد عبارات من قال ذلك من الصحابة مثل علي وعمر بن الخطاب وابن عمر، ونقل عبارة عن الشافعي تفيد أنه الشيء الوحيد الذي أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم، وقول بعضهم: إنه نسخ ثلاث مرات، وقيل أكثر، واعتذر عمن قال بجوازه لأنه لم يبلغه النهي، وأورد في هذا المقام عبارات كثيرة جدًّا ليست من تخريج الحديث الذي أورده الرافعي. 4- وفي الحديث السادس بعد الخمسمائة والألف أورد حديث ابن عباس: "أنه كان يجوز نكاح المتعة ثم رجع عنه" فخرجه وقال: إن الترمذي عقد بابًا مفردًا، ثم ذكر اختلاف الأقوال فيما نقل عن عبد الله بن عباس في هذا المقام، وأورد أن كلام الرافعي يوهم أن ابن عباس انفرد عن غيره من الصحابة بتجويز المتعة، لقول الرافعي: إن صح رجوعه وجب الحد بالإجماع وأطال كثيرًا في هذا المقام، مبينًا أن ابن عباس لم ينفرد بهذا القول، بل هو منقول عن جماعة من الصحابة، وأورد كثيرًا من العبارات الدالة على ذلك. 5- وفي الحديث الثاني والأربعين بعد الخمسمائة والألف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ملعون من أتى امرأته في دبرها" خرج الحديث، وذكر اختلاف الروايات فيه، واختلاف العلماء في صحته، وأورد عددًا من متابعاته وشواهده، وكثيرًا مما يؤيده من الآثار ثم أورد نقلًا عن الشافعي أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال، ثم نقل عن محمد بن الحكم كلامًا وقع ين الشافعي ومحمد بن الحسن في صحة قوله بحله، وانتصار الشافعي على محمد بن الحسن في ذلك، ومناقشة في أن هذه الرواية هل تصح عن الشافعي مع محمد بن الحسن أو لا تصح؟ وهل هو مذهب قديم رجع عنه أو لا يرجع؟ ثم ذكر مذهب مالك والعراقيين، واختلاف الأدلة في هذا المقام، وأطال النقول وأكثر منها ثم انتهى إلى ما يفيد التحريم في بعض المذاهب، والكراهة في بعضها الآخر وقد بلغ ما كتبه في هذا الموضوع ثماني صفحات. ثانيًا: يكثر المؤلف من الاستطراد، وله عنده ألوان متعددة، فمنه ما يكون بعنوان فائدة، ومنه ما يكون بعنوان تنبيه، وتارة يورده بعنوان تتمة، وأخرى يورده بعنوان ذكر أحاديث في موضوع بعينه، وأحيانًا يكون الاستطراد بلا عنوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 فمن الفوائد: ما جاء في الحديث الواحد بعد المائة: "إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك" حيث قال بعد تخريجه: فائدة ذكر فيها حديثًا عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا، ثم أورد اختلافًا بين الرواة في رفعه أو وقفه وأيها أقرب إلى الصحة، والحديث الذي أورد هذا الاختلاف فيه هو: "لينهكن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكه النار"، وليس في هذه الفائدة أكثر من تعزيز حث الشارع على تخليل الأصابع، بالنهي عن تركه والتحذير من هذا الترك. وكذلك ما جاء في الحديث الثالث بعد المائة: "أن رجلًا توضأ وترك لمعة في عقبه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها" فخرجه ثم ذكر فائدة بإيراد حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة الوضوء في مثل ذلك وخرج هذا الحديث أيضًا بما يفيد أنه أقوى سندًا من الحديث الأول، ولم يخرج من ذلك بنتيجة فقهية صريحة. ومن ذلك أيضًا ما جاء في الحديث السابع والعشرين بعد الخمسمائة والألف وهو: أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر أربعًا وفارق سائرهن"، فإنه بعد تخريجه ذكر فائدة نقل فيها عن النسائي بسنده كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة ... الحديث، وفيه: "فأسلم وأسلمن معه" وفيه "فلما كان زمن عمر طلقهن فقال له عمر: راجعهن"، ثم أخذ يخرج هذا الحديث ويتكلم على رجاله، ويذكر الخلاف في رفع الحديث ووقفه، وفي ذكره لهذه الفائدة إضافة زيادة فيما يتعلق بغيلان ونسوته، وتدخل عمر فيما بينه وبينهن. ومن ذلك ما جاء في الحديث الثلاثين بعد الخمسمائة والألف وهو حديث: "لعن الله المحلل والمحلل له" فقد خرجه وأطال -كعادته- في تخريجه، ثم ذكر فائدة قال فيها: إنه يستدل بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه، أو شرط أن يطلقها أو نحو ذلك، وقد أيد هذا الاستدلال وأطال في تأييده. وما جاء في الحديث الرابع والستين بعد الخمسمائة والألف، وهو حديث أبي هريرة في شأن جبريل، وعدم دخوله بيت النبي صلى الله عليه وسلم لوجود الشمائل في ستر في البيت، فإنه -بعد أن خرجه- أورد فائدة ذكر فيها أن ابن حبان ادعى أن عدم دخول الملائكة مختص ببيت يوحى فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر وجهته في هذه الدعوى، وذكر حديثًا يؤيد ذلك ولم يناقشه فيه. وكذلك ما جاء في الحديث السادس والثلاثين بعد السبعمائة والألف، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: "ما حكم من بغى من أمتي؟ " قال: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم" فقد خرج شيخ الإسلام هذا الحديث، والحق به أن أبا بكر قائل ما نعى الزكاة، وأن عليًّا قاتل أصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الجمل، ثم ذكر فائدة قال فيها: كانت واقعة الجمل في سنة ست وثلاثين، وكانت واقعة صفين في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين واستمرت ثلاثة أشهر ... إلخ. ومن التنبيهات: ما جاء بعد الحديث الخمسين وهو عن جرير بن حازم: "أن قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من فضة" فإنه خرج هذا الحديث ثم ذكر تنبيهًا فسر فيه القبيعة بأنها ما تكون على رأس السيف وطرف مقبضه من فضة أو حديد، وقيل: ما تحت شاربي السيف وغير ذلك من الأقوال، وهذا التنبيه من تفسير الغريب في الحديث المخرج. وما جاء بعد الحديث السابع والستين وهو حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك" فقد أورد -بعد تخريجه- تنبيهًا نقل فيه عن النووي في شرح المهذب قوله: وأما الحديث المذكور في النهاية والوسيط: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل". فهو بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف، وخطأ إمام الحرمين في القول بصحته، وأطال في الرد عليه وعلى ابن الصلاح إذ سبقه بذلك. ومن ذلك ما جاء بعد الحديث الثالث والتسعين بعد المائة، وهو: "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل والحيض ... " فقد خرجه، ثم أورد تنبيهًا فسر فيه الفرصة في قوله صلى الله عليه وسلم: "خذي فرصة من مسك ... " فقال: إن الفرصة القطعة من كل شيء -وهي بكسر الفاء وإسكان الراء- ونسب ذلك إلى ثعلب، ثم نقل عن ابن سيده ما يؤيده، وفسر المسك بأنه الطيب المعروف، وأطال في ذلك. ومنه ما جاء بعد الحديث الثمانين بعد الأربعمائة والألف، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر: "هلا تزوجت بكرًا تلاعبها وتلاعبك" فقد ذكر -بعد تخريجه للحديث- تنبيهًا أورد فيه أن عياضًا علق على الرواية الأخرى "ما لك وللعذارى ولعابها" بقوله: إن الرواية ولعابها -بكسر اللام لا غير- وهو من اللعب، ثم رد على عياض بما ثبت لبعض رواة البخاري بضم اللام أي ريقها، وأطال في ذلك. وشبيه به ما أورده بعد الحديث السادس والثلاثين بعد السبعمائة والألف، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البغاة: "لا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم ... " إلخ فقد أتبعه بعدة استطرادات وأخبار في المفاضلة بين الصحابة جاء من بينها: "أن وفد بزاخة جاءوا إلى أبي بكر يسألونه الصلح" وأورد -تعليقًا على هذا- تنبيهًا يقول فيه: إن بزاخة بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة هو موضع قيل: بالبحرين وقيل: ماء لبني أسد. وكذلك ما جاء بعد الحديث الحادي والثمانين بعد الأربعمائة والألف وهو حديث: "إياكم وخضراء الدمن" فقد خرج الحديث، ثم أورد بعده تنبيهًا قال فيه: إن الدمن البعر نجمعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الريح ثم يركبه السافي، فإذا أصابه المطر ينبت نبتًا ناعمًا، وتطرق إلى شرح الحديث، ثم أورد بعده تنبيهًا آخر قال فيه: إن الرافعي احتج به على استحباب النسيبة، وأولى منه ما أخرجه ابن ماجه وغيره: "تخيروا لنطفكم" الحديث. وأيضا ما جاء بعد الحديث الثامن والتسعين بعد الخمسمائة والألف، وهو حديث: "أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض ... " الحديث، فإنه بعد أن خرجه أورد تنبيهًا قال فيه: إن اسم امرأته آمنة بنت غفار، وذكر عدة مراجع لذلك، كما ذكر استطرادًا بما وقع فيه من التصحيف والخلاف. وهذا نظير ما وقع في الحديث الحادي والعشرين بعد الأربعمائة والألف، وهو: أنه صلى الله عليه وسلم بعث عاملًا فقال لأبي رافع: "اصحبني كيما تصيب من الصدقة" الحديث فقد أورد -بعد التخريج- تنبيهًا بين فيه اسم الرجل الذي استتبع أبا رافع، وأنه الأرقم بن أبي الأرقم، ونسب ذلك إلى النسائي والطبراني. والحافظ ابن حجر معروف بالبحث عن أسماء المجاهيل من رواة الأحاديث: ومن ذلك ما وقع بعد الحديث الثامن والستين بعد الستمائة والألف، وهو حديث عبد الله بن عمرو: "أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ... " إلخ، فقد أورد تنبيهًا قال فيه: إنه في الأصل ابن عمر، وهو وهم، وإنما هو ابن عمرو بن العاص. وكذلك الحديث التاسع والستين بعد الستمائة والألف، وهو حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم خير غلامًا بين أبيه المسلم وأمه المشركة، فمال إلى الأم ... " الحديث، فإنه -بعد أن خرجه- أورد تنبيهين: الأول: ذكر فيه ما وقع عند الدارقطني من أن البنت المخيرة اسمها عميرة، وأن ابن الجوزي قال: رواية من روى أنه كان غلامًا أصح ... وأطال في ذلك وذكر في التنبيه الثاني أن الاصطخري احتج به على أنه يثبت به للأم حق الحضانة، وذكر عدة ردود عليه في ذلك. ومن ذلك ما جاء بعد الحديث الأربعين بعد السبعمائة والألف، وهو حديث جابر: "أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت ... " الحديث، فقد أورد -بعد تخريجه- تنبيهًا قال فيه: وقع في الأصل "أم رومان" وهو تحريف، والصواب أم مروان. وفي الحديث الثالث والأربعين بعد السبعمائة والألف، وهو ما روي: "أنه صلى الله عليه وسلم استتاب رجلًا أربع مرات" فإنه -بعد التخريج- أورد تنبيهًا قال فيه: جاء في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أم قرفة يوم قريظة، وهي غير تلك، وبين ذلك، ثم ذكر في هذا الحديث تنبيهًا آخر تعلقًا على قول عمر لبعض الناس: هل من مغربة خبر؟ قال في هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 التنبيه: إن قوله: من مغربة -يقال بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما- معناه هل من خبر جديد جاء من بلاد بعيدة، وقال الرافعي: شيوخ الموطأ فتحوا العين وكسروا الراء وشددوها. ومن التتمات: ما وجدناه بعنوان "تتمة" أورده المؤلف تعقيبًا على الرافعي بإيراد بعض خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها الرافعي1، فأورد الحافظ ابن حجر خصائص عديدة منها: وجوب الدفع بالتي هي أحسن، وأنه كان يغان على قلبه فيستغفر الله في اليوم سبعين مرة، وأنه كان يؤخذ عن الدنيا عند نزول الوحي، وما إلى ذلك. ومما أورده إلحاقًا لبعض موضوعات تناول أحاديثها بالتخريج ما جاء بعد موضوع السواك، وهو قوله: فصل فيما يستاك به وما لا يستاك به، نقل فيه عددًا من الأحاديث وخاض في تخريجها وأطال في ذلك بما يعد إضافة جديدة إلى أحاديث الأصل الذي يتناوله بالتخريج. وكذلك ما أورده في كتاب الصيام بعد تخريج حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع2" فإنه -بعد أن انتهى من ذلك- أورد هذا العنوان "ذكر الإشارة إلى طرق حديث أفطر الحاجم والمججوم باختصار" ذكر تحته من روى في ذلك من الصحابة وهم كثرة: منهم ثوبان وشداد بن أوس ورافع بن خديج، وأبو موسى ومعقل وغيرهم، ثم ذكر من أخرج لكل واحد من هؤلاء، فمثلًا حديث ثوبان وشداد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم ... وأطال في ذلك، ثم انتقل قائلًا: وأما حديث رافع بن خديج فراوه الترمذي، وذكر طريقه وحكمه على الحديث، وما يتعلق بذلك، ثم قال: وأما حديث أبي موسى فرواه النسائي والحاكم، وذكر طريق كل منهما، ورأيه في الحديث من جهة رفعه أو وقفه أو تصحيحه أو عدمه ... كل ذلك في حديث واحد: "أفطر الحاجم والمحجوم". وشبيه بهذا ما أورده قبل نهاية كتاب الطلاق من قوله: ذكر الآثار التي في كتاب الطلاق، وإن كان هذا محتملًا لأن يكون من كلام الرافعي عنوانًا لبعض الموضوعات، مثل قوله: كتاب الخلع كتاب الطلاق، فلعله ذكر عنوانًا للآثار الواردة في كتاب الطلاق فاتجه شيخ الإسلام ابن حجر إلى تخريجها كعادته، ويرجع هذا أنه ذكر بعد العنوان مباشرة حديث: "أن رجلًا على عهد عمر قال لامرأته ... " إلخ مما يدل على أن العنوان للرافعي وأن التخريج لابن حجر. ومما يورده استطرادًا دون عنوان ما يذكره أثناء دراسته للتخريج مثل قوله في حديث: "إذا بلغ الماء قلتين" إن فيه مباحث تعليقًا على قول الشافعي بعد أن روى حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماء قلتين" فإن الشافعي قال بعد هذا: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجسًا" فقال ابن حجر -تعليقًا على هذا: وفيه مباحث: الأول: في تبيين الإسناد الذي لم يحضر الشافعي   1 التلخيص ج1 ص121. 2 التلخيص ج2 ص193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ذكره، والثاني: في كونه متصلًا أم لا، والثالث: في كون التقييد بقلال هجر في المرفوع، والرابع: في ثبوت كون القربة كبيرة لا صغيرة، والخامس: في ثبوت التقدير للقلة بالزيادة على القربتين، وأخذ يفصل كل بحث من هذه المباحث الخمسة بما يخرج به كثيرًا على موضوع الكتاب. ومن ذلك ما يفيض فيه من إيراد الشواهد والمتابعات للحديث المخرج في كثرة غامرة من أحاديث الكتاب، وهي واضحة للمتصفح، فمن ذلك ما يعقب به شرحًا لكلام الرافعي مثل أن يقول: قوله: وسؤره نجس يعني الكلب لورود الأمر بالإراقة ... 1 إلخ" ومنه ما قال فيه2: قوله: يستحب للواطئ في الحيض التصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم، وبنصفه إن جامع في إدباره لورود الخبر في ذلك، ثم علق بعد ذلك بكلام طويل، وإن كان فيه لا يعدو أن يكون تعزيزًا بالأحاديث والآثار لما قاله المصنف -وهو كثير جدًّا- ولكنه خروج على مهمة المخرج. على أن ما وصفناه به من وضوح ظاهرة الاستطراد في تخريجه يزيد عليه أنه لا يكتفي بذكر طرف الحديث المخرج على عادة المخرجين من علماء الحديث، ولكنه يستكمل متن الأحاديث التي يريد تخريجها، وهذا هو الغالب على الكتاب، ولكنه لا يلتزم ذلك؛ فأحيانًا يكتفي بذكر طرف الحديث عن إيراده كله، وأحيانًا يذكر الطرفين الأول والأخير إذا كان الطرف الأخير موضع استشهاد. فمما أورد طرفه الأول فقط الحديث السابع والستون بعد المائتين: "يا علي. لا تؤخر أربعًا: الجنازة إذا حضرت ... " 3 الحديث، وكذلك الحديث العشرون بعد المائتين والألف: "من باع عبدًا وله مال ... " 4 الحديث، وكذلك الحديث التاسع والثلاثون بعد المائتين والألف: أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم جائحة أصابته فسأله أن يعطيه من الصدقة، فقال: "حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه ... " 5. وكذلك الحديث الذي أورده مخرج الكتاب بعد هذا الحديث ولم يذكر له رقما، وهو: "أن عمر خطب الناس وقال: ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج ... "6، وكذلك الحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ ... " 7 والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنون عند شروطهم ... " 8. ومما أورد طرفيه: الأول والأخير ما ذكره من حديث ابن عباس في أوقات الصلاة وهو: "أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس ... " الحديث وفي آخره "ثم التفت وقال: يا محمد. هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين" 9.   1 التلخيص ج1 ص23. 2 التلخيص ج1 ص164. 3 التلخيص ج1 ص186. 4 التلخيص ج3 ص30. 5 التلخيص ج3 ص40. 6 التلخيص ج3 ص40. 7 التلخيص ج3 ص42. 8 التلخيص ج3 ص44. 9 التلخيص ج1 ص173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 فإنه لم يكتف بذكر الطرف الأول للحديث ليدل به عليه، وإنما ذكر طرفه الأخير أيضًا لأنه محل الشاهد من الإيراد. على أن كل هذا مهما كثر في الكتاب فإنه قليل جدًّا بالنسبة لما ورد من أحاديث كاملة غير منقوصة، حتى ليبدو أن ذلك شيء التزمه المؤلف فلا يتركه إلا لداع يستوجب ذلك. ثالثًا: واستثناء مما ذكرناه من صفة الاستطراد الغالبة على المؤلف عند التخريج، فإن من واجب التحقيق العلمي أن نسجل هنا أنه لا يلتزم ذلك التزامًا كليًّا في جميع تخريجاته، وإنما يتجه أحيانًا إلى الاكتفاء بما يبين به مرجع الحديث ودرجته بل إنه أحيانًا يترك بيان الدرجة. فما أورد مرجعه مع بيان درجته الحديث الثالث بعد الخمسمائة، وهو: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا" 1 قال في تخريجه: "أبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، وكذا شيخه ابن خزيمة من حديث ابن عمر، وفيه محمد بن مهران وفيه مقال: لكن وثقه ابن حبان وابن عدي. وكذلك الحديث السادس بعد الخمسمائة، وهو: "صلوا قبل المغرب ركعتين، قال في الثالثة 2: لمن شاء" خرجه بقوله: البخاري وأبو داود وأحمد وابن حبان واتفقا عليه بلفظ: "بين كل أذانين صلاة" وفي رواية ضعيفة للبيهقي بين كل أذانين صلاة ما خلا المغرب. وكذلك الحديث الثامن بعد الخمسمائة، وهو: "الوتر حق وليس بواجب" 3 قال: رواه ابن المنذر فيما حكاه مجد الدين بن تيمية، وفي الدارقطني عن أيوب: "الوتر حق واجب فمن شاء فليوتر بثلاث" ورجاله ثقات، وهو عند أبي داود أيضًا، قال البيهقي: والأصح وقفه على أبي أيوب، وأعله ابن الجوزي بمحمد بن حسان فضعفه، وأخطأ ابن الجوزي فإنه ثقة، وفي صحيح الحاكم عن عبادة بن الصامت: "الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وليس بواجب" ورواته ثقات، قال البيهقي. ومثل هذا الإيراد للروايات المتعددة للحديث لا يعتبر استطرادًا بالمعنى الذي سبق لنا الكلام عنه، وإنما هو تخريج فيه دقة وأمانة ببيان درجة الحديث وما يتصل بمعناه، وليس خروجًا عنه إلى شيء آخر من دلالات الحديث الفقهية والمناقشات حولها، وإيراد أدلة المعارض وردها، إلى غير ذلك مما يعد استطرادًا بمعنى الخروج عن دائرة التخريج ومهمة المخرج.   1 التلخيص ج2 ص42. 2 المراد أنه ذكرها مرتين ثم قال في الثالثة: لمن شاء، والحديث وارد في التلخيص ج2 ص13.. 3 التلخيص ج2 ص13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 ومما جاء من هذا النوع أيضًا الحديث الحادي عشر بعد الخمسمائة وهو حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة" 1 خرجه بقوله: الدارقطني وابن حبان والحاكم بزيادة: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا بصلاة المغرب" ورجاله كلهم ثقات، ولا يضره وقف من أوقفه. ومن النوع الثاني مما أورده مخرجًا ببيان المرجع دون ذكر الدرجة الحديث السابع والتسعين بعد الأربعمائة، وهو حديث: "أنه كان لا يسجد في ص"2 خرجه فقال: الشافعي والبيهقي من حديثه. وكذلك الحديث التاسع والتسعين بعد الأربعمائة، وهو حديث ابن عباس أنه قال: "إنما السجدة لمن جلس لها" خرجه فقال: البيهقي من حديثه، وابن شيبة من طريق ابن جريج عن عطاء عنه: "إنما السجدة على من جلس لها". على أن الغالب فيما كان من هذا النوع أن المؤلف يكتفي ببيان المرجع الذي عرفت صحته كالبخاري ومسلم أو الصحيحين: ومن ذلك قوله في الحديث الخمسين بعد الألف وهو: "أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال"3 قال في تخريجه: مسلم من حديث جابر الطويل، وقوله في الحديث السابع والأربعين بعد الألف: "عرفة كلها موقف" 4 مسلم من حديث جابر الطويل، والحديث الثالث والأربعين بعد الألف: وهو: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يسير حين دفع من حجة الوداع العنق، فإذا وجد فجوة نص"5 قال فيه: متفق عليه من حديث أسامة بن زيد، وكذلك الحديث الرابع والأربعون بعد الألف، وهو: "أنه صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء"6 خرجه فقال: متفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر وأبي أيوب وابن عباس وأسامة بن زيد، فقال: متفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر وأبي أيوب وابن عباس وأسامة بن زيد، ولمسلم عن جابر، وكذلك الحديث الثاني والأربعون بعد التسعمائة وهو: "تحروا ليلة القدر من العشر الأواخر من رمضان" 7 خرجه فقال: متفق عليه من حديث عائشة، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه مسلم، وعن ابن عمر متفق عليه، وعن أبي سعيد كما سيأتي. رابعًا: يعني المؤلف بتخريج الآثار التي أوردها الرافعي عنايته بتخريج الأحاديث، ومن تتبع الكتاب وجد ذلك بارزًا فيه، على عكس ما فعل الحافظ العراقي من تركه لتخريج الآثار في كتابه   1 التلخيص ج2 ص11. 2 التلخيص ج2 ص 112. 3 التلخيص ج2 ص12. 4 التلخيص ج2 ص56. 5 التلخيص ج2 ص355. 6 العتق والنص نوعان من السير السريع، والحديث في التخصيص ج2 ص254. 7 التلخيص ج2 ص254. 8 التلخيص ج2 ص217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، الذي أسلفنا الكلام عليه، وذلك التصرف من ابن حجر تقديم لما هو المهم في هذا الكتاب. فمن تخريجه للآثار ما جاء في كتاب الوضوء في الحديث الخامس عشر بعد المائة1 من قول علي رضوان الله عليه: "ما أبالي بيميني بدأت أم بشمالي إذا أكملت الوضوء" فقد قال ابن حجر: إنه من رواية الدارقطني عن علي بهذا، ورواه عنه بلفظ آخر، وعن ابن مسعود كالأول. وكذلك الخبر السابع والتسعون بعد الخمسمائة، وهو حديث عائشة: "أنها أمت نساء فقامت وسطهن"2 فقد خرجه بأنه رواية عبد الرزاق، ومن طريق الدارقطني والبيهقي وغيرهم، وكذلك الحديث التاسع والتسعون بعد الخمسمائة، وهو حديث عائشة: "كان يؤمها عبد لها لم يعتق يكنى أبا عمرو"3 قال عنه: إنه رواية الشافعي عن عبد المجيد عن ابن جريج، وأيضًا الحديث الستمائة، وهو حديث: "أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف ... "4 فقد خرجه بأنه رواية البخاري. والحديث الواحد بعد الستمائة أيضًا وهو: "أن أبا هريرة صلى على ظهر المسجد"5 خرجه بأنه رواية الشافعي عن إبراهيم بن محمد ... إلخ. هذه بعض الآثار التي تناولها الحافظ ابن حجر بالتخريج في كتابه التلخيص الحبير، ومن تتبع الكتاب وجد فيه كثيرًا من الآثار التي خرجها، وهي ما ذكره منها مما يتصل بالأحاديث الواردة في الشرح الكبير. خامسًا: في الكتاب من الاستطراد ما هو مفيد، وذلك كشرح المؤلف لبعض الألفاظ اللغوية التي ترد في بعض الأحاديث، ومنه قوله في الحديث الرابع والستين6 شرحًا لكلمة الخلوف الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" الخلوف بضم المعجمة هو التغير في الفم، قال عياض: قيدناه عن المتقنين بالضم وأكثر المحدثين يفتحون خاءه وهو خطأ، وعده الخطابي في غلطات المحدثين، وكذلك قوله في الحديث الثالث والتسعين بعد المائة، وهو حديث: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال: "خذي فرصة من مسك" الفرصة القطعة من كل شيء إلى آخر ما نقلنا عنه في استطراده بالتنبيهات.   1 التلخيص ج2 ص42. 2 التلخيص ج2 ص42. 3 التلخيص ج2 ص43. 4 التلخيص ج1 ص33. 5 التلخيص ج2 ص61. 6 التلخيص ج3 ص179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ومن ذلك ما جاء في الحديث الحادي والأربعين بعد الخمسمائة والألف وهو ما روي أنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان المرأة في الدبر فقال: "في أي الخربتين ... " 1 الحديث، فقد أورد تنبيهًا قال فيه: إن الخربتين تثنيه خربة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وأن الخرزتين تثنية خرزة بوزن الأولى لكن بزاي بدل الموحدة، وإن الخصفتين تثنية خصفة بفتحات والخاء معجمة والصاد بعدها فاء، وقال الخطابي: كل ثقب مستدير خربة، والجمع خرب -بضم ثم فتح- وقال الأزهري: أراد بالخربتين المسلكين ... وأطال في ذلك كعادته في عرض المعلومات. ومنه أيضًا قوله في حديث أورده أثناء تخريجه للحديث الرابع والثمانين بعد الستمائة والألف وهو حديث أبي رافع قال: ولدت فاطمة حسنًا فقالت: يا رسول الله ألا أعق عن ابني بدم؟ قال: "ولا ولكن احلقي شعره وتصدقي بوزنه من الورق على الأوفاض". يعني أهل الصفة، ثم قال: فائدة الأوفاض بالفاء ومعجمة المتفرقون، وأصله من وفضت الإبل إذا تفرقت، وكأن الحافظ يريد بذلك أن تفسيرها بأهل الصفة ليس هو المعنى الأصلي، ولكنه يندرج تحت المعنى الأصلي. سادسًا: الحافظ ابن حجر لا يتحفظ عن التصريح بتخطئة العلماء، وهو أمر بارز في هذا الكتاب. فمن ذلك ما ذكره في تنبيه علق به على الحديث السابع والستين2 فقد نقل عن النووي في شرح المهذب أنه قال في حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل" أنه قال: هو بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف، وخطأ إمام الحرمين في الحكم بصحته وقال: إن إمام الحرمين تبع في ذلك ابن الصلاح، ثم قال الحافظ: وهذا يتعجب فيه من ابن الصلاح أكثر من النووي، فإنهما وإن اشتركا في قلة النقل من مستدرك الحاكم، فإن ابن الصلاح كثير النقل من سنن البيهقي، والحديث فيه أخرجه عن الحاكم، وفيه: "إلى نصف الليل" بالجزم. وهذا صريح في أن النووي مخطئ في القول بأن هذا الحديث منكر، وفي تخطئة من حكم بصحته. ومن ذلك ما جاء في الحديث الحادي والعشرين بعد التسعمائة وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي جاءه، وقد واقع: "صم شهرين"، فقال: وهل أتيت إلا من قبل الصوم؟ 3.   1 التلخيص ج3 ص179 ويلاحظ أن المفردات الغريبة التي أوردها وشرحها جاءت في عدة روايات أوردها الحافظ في هذا الحديث. 2 التلخيص ج1 ص64. 3 التلخيص ج2 ص207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 ثم قال: إن ابن الصلاح أنكر وروده بهذا اللفظ وقال: إن الذي وقع في الروايات أنه لا يستطيع ذلك، ثم قال: إن هذه غفلة عما أخرجه البزار، وساق حديث البزار الذي فيه أن الأعرابي قال: هل لقيت ما لقيت إلا من الصيام، وفي رواية لأبي داود: "وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام" إلخ. بل إن الحافظ ابن حجر لا يتحفظ أن يخطئ جماعة بأسرهم من المحدثين والفقهاء في حديث واحد. ومن ذلك ما جاء فيما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه" 1، فقد أورد من هذا الاستثناء بحثًا طويلًا قال بعده نقلًا عن الرافعي: وحمل الشافعي الخبر على الكثير؛ لأنه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرًا، وهذا مصير منه إلى هذا الحديث ورد في بئر بضاعة وليس كذلك، ثم صدر الحديث -كما قدمنا- دون قوله: خلق الله ... هو في حديث بئر بضاعة، وأما الاستثناء الذي هو موضع الحجة منه فلم يثبت، قال ابن حجر: والرافعي كأنه تتبع الغزالي في هذه المقالة، فإنه قال في المستصفى: لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه" وكلامه متعقب لما ذكرناه، وقد تبعه ابن الحاجب في المختصر في الكلام على العام وهو خطأ، ثم قال ابن حجر: تنبيه -وقع لابن الرفعة أشد من هذا الوهم، فإنه عزا هذا الاستثناء إلى رواية أبي داود فقال: ورواية أبي داود: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه" ووهم في ذلك، فليس هذا في سنن أبي داود أصلًا، ثم قال: فائدة -أهمل الرافعي الاستدلال على أن الماء لا تسلب طهوريته بالتغير اليسير بنحو الزعفران والدقيق. ونحو ذلك. ولعل القارئ يلمس من إيرادنا لهذه المثل ولوعه بالاستطراد فيما يتصل بمهمته من قريب أو بعيد. ولعل مما يؤكد حكمنا عليه بهذا الولوع إلى درجة توقع في العجب والغرابة أنه ذكر فائدة عن القشيري2 قال: إنه أوردها بلا إسناد عن أبي الدرداء أنه قال: عليكم بالسواك فلا تغفلوه، فإن فيه أربعًا وعشرين خصلة، ذكر الحافظ منها إحدى عشرة خصلة أوردها واحدة واحدة ثم أشار إلى بقيتها بقوله: وذكر القشيري بقيتها، ثم قال بعد كل هذا: ولا أصل له لا من طريق صحيح ولا ضعيف. وهذا أهم ما سنح لنا من ملاحظات عامة مشفوعة بالمثل التي تؤيدها في دراستنا لهذا الكتاب، على أننا -بعد هذا- لا نستطيع أن نغمط شيخ الإسلام في هذا المجهود القيم، الذي حشد فيه كثيرًا   1 التلخيص ج1 ص14 وما بعدها. 2 التلخيص ج1 ص71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 من الفوائد العظيمة، والتي تفتق الأذهان، وتعين على دراسة الفقه والحديث معًا، إلى حد أننا نرى أن الدارس لمثل هذا الكتاب يستطيع أن يحصل به ملكة في هاتين الناحيتين، مع ما يحصده من الفوائد العلمية القيمة التي حفل بها الكتاب، وهي كثيرة جدًّا ونافعة. ولعل ذلك هو الذي استهوى مخرج الكتاب فقرظه في تقديمه له بقوله: مما لا ريب فيه أن ذلك الكتاب جمع من السنة المطهرة ما لم يجمع في أي كتاب آخر من الكتب التي ألفت في الأحكام وأنه كاد أن يصل إلى غاية من الإحاطة بأحاديثها. ثم قال: ومن ثم جعلته وافيًا للعلماء الأجلاء على اختلاف مذاهبهم عند الحاجة إلى طلب الدليل. وبعد أن أطال في ذلك قال: لقد نقل الحافظ ابن حجر في تأليفه هذا جملة وافرة من الأحاديث الموجودة في الكتب القيمة التي لم تر النور حتى الآن، والتي أضاعتها يد الحدثان، ولا أثر لها في كتب الحديث وطبقات الرجال، كصحاح ابن خزيمة، وأبي عوانة، وابن حبان، وابن السكن ومصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومجموعة كبيرة من المسانيد والسنن والمعاجم، ككتاب الأستذكار والتمهيد لابن عبد البر وكتاب المعرفة والخلافيات للبيهقي، وغيرها من الكتب النافعة في الحديث والفقه المقارن وأسماء الرجال، والجرح والتعديل، وبهذا أصبح ذلك الكتاب القيم دائرة معارف كبرى لأدلة فقهاء الأمصار. هذا وإننا نؤيد المخرج في هذه الشهادة، فقد لمسنا الكثير مما ذكره عنه في هذه الموسوعة القيمة "التلخيص الحبير". ولولا خشية الإطالة لأيدنا ذلك بإيراد أماكن المراجع التي أشار إليها، وتحرير مواضعها من صفحات الكتاب، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا 1: للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: وموضوع هذا الكتاب هو تخريج أحاديث الشفا بالتعريف2 بحقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، وصفه صاحب الشذرات3 فقال: إنه الحافظ أحد أعلام الإسلام، وأنه ولي قضاء سبتة مدة ثم قضاء غرناطة، وله المصنفات البديعة ومن مصنفاته الشفا الذي لم يسبق إلى مثله، ومنها مشارق الأنوار في غريبي الصحيحين والموطأ وكان إمام وقته في علوم شتى، مفرطًا في الذكاء، توفي عام أربع وأربعين وخمسمائة. أما مؤلف "مناهل الصفا" فهو الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي الذي سبقت ترجمته عند دراسة الجوامع. وقد وصف المؤلف كتابه في خطبته بأنه كتاب نفيس، أخرج به أحاديث الشفا للقاضي عياض تخريجًا محررًا، سالكًا فيه طريقًا موجزًا مختصرًا، وأنه لم يستمد فيه من شيء من الكتب المؤلفة عليه، بل اعتمد فيه على حفظه ونظره، وراجع الأصول المعتمدة والجوامع. ومن الحق علينا أن نشير إلى أن السيوطي في تخريجه لأحاديث الشفا مسبوق بتخريج شيخه الإمام الحافظ قاسم بن قطلوبغا في كتابه الذي سماه تخريج أحاديث الشفا للقاضي عياض، وقد نبهنا إلى ذلك في موضعه عند ذكر كتب التخريج، كما أنه مستدرك عليه ببيان ما فاته في كتاب اسمه موارد أهل السداد والوفا في تكميل مناهل الصفا لإدريس بن محمد الحسيني العراقي، ولعله قد سد تلك الثغرات التي عثرنا عليها أثناء دراستنا لهذا الكتاب، وسنشير إلى بعضها في عرض أهم ملاحظاتنا عليه. وقد سلك المؤلف مسلكًا في التخريج أورد به من الأحاديث ما يتعلق بكل موضوع من موضوعات الكتاب، فخرج ما جاء في الخطبة من أحاديث، ثم ما جاء في القسم الأول في أبوابه المختلفة، ثم ما جاء في القسم الثاني كذلك، وهكذا.   1 ورد في ترجمة السيوطي لنفسه في كتاب حسن المحاضرة ج1 ص241 باسم مناهج الصفا بالجسم، ذكره من بين مؤلفاته في هذه الترجمة، ولعله خطأ مطبعي فإن اسمه المتداول بين المؤلفين هو كما ذكرناه "مناهل الصفا". 2 أورد صاحب الرسالة المستطرفة ص79 اسم كتاب الشفا كما أوردناه، أما صاحب كشف الظنون فقد أورده في ج2 ص1052 باسم "كتاب الشفا في تعريف حقوق المصطفى، أو بتعريف حقوق المصطفى". 3 الشذرات ج4 ص138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 والكتاب مركز مضغوط، قليل الألفاظ كثير المعاني، اقتصر فيه مؤلفه من التخريج على قدر الضرورة -وربما أخل بهذا الاقتصار في بعض المواضع كما سنشير إلى ذلك- حتى استوعب أحاديث الشفاء -التي تناهز الألف- بالتخريج والتقويم في ست وثمانين صفحة، إلا أنه ربما أخل أيضًا بموضوع التقويم واكتفى بذكر المرجع، بل إنه أحيانًا يغفل ذكر المرجع أيضًا. والسيوطي مع جلالة قدره ورسوخ قدمه -ولا سيما في علوم الحديث- أكبر الظن أنه لا يعجزه تقويم الحديث، ولا تخريجه ولو في الكثرة الكاثرة مما أورده، ولكنه لم يفعل ذلك، ولعله كان لظروف أعجلته عنه، وربما كان تأليف الكتاب بعد أن تقدمت به السن، أو أنه كان يريد أن يستكمل النقص الواقع في كتابه عند سنوح الفرصة فلم يتم له ذلك، ومما يؤيد رجحان هذا الرأي وجود بياض في الأصل في نهاية عدد من الأحاديث أو أثنائها مما وجدناه في صفحات الكتاب المطبوع، غير مستوف لشرطه في المقدمة على النحو التالي: 1- حديث: "أنه رفع له بيت المقدس حتى وصفه لقريش"1 لم يذكر بعده تخريجًا ولا تقويمًا، وبالهامش كلمة "بياض بأصله". 2- حديث أم معبد لم يذكر متنه ولا طرقه ولا تخريجه ولا تقويمه2. 3- حديث: "أنه أتته دنانير فقسمها3" خرجه ولم يقومه. 4- حديث قيلة رضي الله عنها: "أنه جلس القرفصاء"4. خرجه ولم يقومه. 5- حديث: "أنه سار في غزوة الطائف ليلًا وهو وسن"5 لم يخرجه ولم يقومه. مع وجود بياض نبه عليه في الهامش أنه موجود بالأصل. 6- حديث الجمل6 فيه بياض ورد في أثناء ذكر المراجع، ونبه عليه بالهامش على وجود بياض بأصله. 7- حديث تسخير الأسد لسفينة إذ وجهه إلى معاذ7 فيه بياض نبه عليه بالهامش على أنه موجود بالأصل. 8- حديث شاة ابن مسعود رضي الله عنه8، فيه بياض قبل كلمة "والبيهقي" مما يدل على أن هناك مرجعًا متروكًا، وليس فيه تقويم.   1 المناهل ص9. 2 المناهل ص12. 3 المناهل ص14. 4 المناهل ص34. 5 المناهل ص40. 6 المناهل ص42. 7 المناهل ص42. 8 المناهل ص48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 9- حديث أبي هريرة رضي الله عنه1 فيه بياض قبل اسم "ومالك بن أوس" مما يدل على أن هناك مرجعًا آخر متروكًا، ولا تقويم فيه. 10- حديث فاطمة: "إذا دخلت المسجد" الحديث فيه بياض بالأصل منه عليه بالهامش لا تخريج فيه ولا تقويم2. 11- رواية: "حمد الله وصلى"3 لا تخريج فيها ولا تقويم. 12- حديث: "أن رجلًا كذب عليه صلى الله عليه وسلم فبعث عليًّا ... " الحديث ذكر فيه وجوهًا لروايته، وخرجها ثم قال: وسمى الرجل الذي كذب جديد الجند عن ... ولم يتم الكلام، وفي الهامش: أن هنا بياضًا بالأصل. وبعد: فإنا نورد أهم الظواهر التي سنحت لنا عند قراءة هذا الكتيب فيما يأتي: أولًا: أكثر السيوطي من ذكر المراجع التي استقى منها تخريجاته للكتاب، والتي أربت على الخمسين مؤلفًا من أمهات كتب الحديث، نذكر منها -عدا الكتب المشهورة- ما يأتي موزعًا على بعض صفحات الكتاب على ما وراءها مما لم يذكره: الخطابي صفحة 10، وابن السمعاني في التاريخ صفحة 12 وابن زنجويه صفحة 17، وأبو نعيم في الدلائل صفحات 2، 3، 4، 5، 9، 10، 11، وأبو نعيم في الحلية صفحة 5، والطبراني 3، 4، 6، 9، 10، 12، وابن أبي عمر العدني صفحة3، وابن سعد صفحة 3، 9، والبزار صفحات 3، 7، 8، 9، والحارث بن أبي أسامة صفحة 3، والبيهقي في الدلائل في صفحات 3، 4، 6، 7، 8 ... ، وابن جرير في صفحات 3، 4، 5، وابن أبي حاتم 3، 4، 5، 6، وأبو يعلى في مسنده صفحات 3، 4، 7، 8 وابن مردويه صفحات 3، 5، وابن المنذر صفحات 3، 5، 9، والنسائي في اليوم والليلة صفحة 3، 11 وابن أبي شيبة في المصنف صفحة 3، وسعيد بن منصور صفحة 16، وابن أبي خيثمة في التاريخ صفحة 6، والدارمي صفحات 4، 6، 7، وابن عدي صفحات 5 و9، والضياء في المختارة صفحة 9، وابن أبي الدنيا في كتاب العزة صفحة 4، وابن مردويه في التفسير صفحة 4، وابن عساكر في تاريخه صفحات 7، 10، والدارقطني في الأفراد صفحات 7، 8، والديلمي في مسند الفردوس صفحات 5، 10، والخرائطي في مكارم الأخلاق صفحة 21، وابن لال في صفحات 5 و11، وعبد الرزاق في صفحات 8، 9، وأبو الشيخ في صفحات 6، 11، والخطيب صفحة 9، وابن راهويه في مسنده صفحة 6 وغير ذلك كثير.   1 المناهل ص69. 2 المناهل ص72. 3 المناهل ص72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 ثانيًا: يذكر السيوطي -بأضيق عبارة- طرق الحديث الذي يريد تخريجه وربما أخل في هذه الناحية فذكر الحديث بعنوان راويه من الصحابة فقط، مثل قوله: حديث أنس، حديث علي، حديث جابر، اعتمادًا على وروده في الأصل، وعلى متابعة القارئ له مقابلًا على الأصل المخرج عليه، ودون ذكر للباب الذي ورد فيه الحديث، مما يجعل التخريج مظلمًا لا يتبين فيه طالب الحديث سبيله إلى التعرف على الحديث المطلوب تخريجه، وهذا -ولا شك- عيب في التأليف بقدر ما فيه من فقدان الفائدة المرجوة منه، على أن السيوطي في أكثر تخريجاته يتحاشى هذا العيب فيذكر في طرف الحديث الدال عليه مرجعه ودرجته. وهذه صور تفصل بعض ما صورناه إجمالا في هذه الفقرة من ناحيتي الاختصار والاعتدال: فمما ورد مختصرًا مع الإخلال ما يأتي: 1- في الصفحة الثالثة من الكتاب حديث: "حياتي خير لكم ومماتي خير لكم" الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث بكر بن عبد الله المزني، والبزار من حديث ابن مسعود، ذكر المرجع وترك تقويم الحديث. 2- وفي الصفحة الخامسة حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء" الحديث، لم يذكر المرجع ولا التقويم. 3- وفي نفس الصفحة حديث: "لم يبعث الله نبيًّا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد" الحديث، ولم يذكر له مرجعًا ولا تخريجًا. 4- وفي الصفحة السابعة: "أنه كان يضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها" ذكره دون مرجع ولا تقويم. 5- وفي الصفحة الثامنة والثلاثين حديث ابن مسعود رضي الله عنه نحوه الحاكم، وحديث أنس رضي الله عنه الشيخان، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الشيخان، وحديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم والترمذي، وحديث حذيفة رضي الله عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل، وحديث علي رضي الله عنه، وحديث جبير رضي الله عنه أحمد والبيهقي، وكل هذه الأحاديث لم يذكر طرفها ولم يقوم بعضها، واكتفى في بعضها الآخر بنسبته إلى مرجع صحيح مع الاختصار الواضح. 6- وفي الصفحة الأربعين حديث بريدة البزار، وحديث جابر رضي الله عنه مسلم، وحديث علي رضي الله عنه نحوه. وربما كان عذره في عدم ذكر طرف هذه الأحاديث أنه ذكرها تحت عنوان انقياد الشجر، وإن لم يكن له عذر في ترك التقويم، فضلًا عن هذا الضغط الشديد في التعبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 ومما ورد مختصرًا مع الاعتدال ما يأتي: 1- في الصفحة السابعة حديث: "أنه كان إذا اراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه، وسطعت لذلك رائحة طيبة" البيهقي عن عائشة رضي الله عنها وقال: موضوع. 2- وفي نفس الصفحة أخرج الترمذي في نوادر الأصول من طريق عبد الرحمن بن قيس -وهو وضاع كذاب- عن عبد الملك بن عبد الله بن الوليد -وهو مجهول- عن ذكوان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى له ظل في شمس ولا قمر، ولا أثر قضاء الحاجة". 3- وفي الصفحة الثامنة حديث أبي بكر رضي الله عنه: "أنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وقال: طبت حيًّا وميتًا" البزار عن ابن عمر رضي الله عنهما بسند صحيح. وأيضًا حديث: "شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ومصه إياه وقوله: لن تمسه النار" الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أباه ... الحديث، وليس في سنده من أجمع على ضعفه، وأخرج البيهقي من وجه عن عمر بن السائب أنه بلغه من وجه آخر فذكره. 4- وفي الصفحة التاسعة حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه" ابن المنذر والبيهقي عن مجاهد مرسلًا بهذا اللفظ، وقد ذكر المصنف رواية الصحيحين معزوة إليها 5- وفي الصفحة الحادية عشرة حديث: "لا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له" ابن عدي في الكامل عن أنس رضي الله عنهما بسند ضعيف. وغير ذلك من الأمثلة كثير، بل هو أكثر مما اختصر فيه وأخل بسبب الاختصار. ثالثًا: إذا نسب الحافظ السيوطي في الحديث إلى مرجع من المراجع المعروفة بصحة الرواية فإنه يكتفي بذلك عن بيان درجة الحديث. ومن ذلك ما يأتي: 1- في الصفحة الحادية عشرة حديث: "المرء مع من أحب" الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه، وفيها حديث: "الناس معادن" الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيها حديث: "أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين" الشيخان في قصة كتابه صلى الله عليه وسلم. 2- وفي الصفحة الثانية عشرة حديث: "نهيه عن قيل وقال" الحديث الشيخان عن المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه، وفيها حديث: "الظلم ظلمات يوم القيامة" الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما، وفيها حديث: "لا يلدع المؤمن من جحر مرتين" البخاري عن ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 3- وفي الصفحة الثالثة عشرة حديث بريرة، الشيخان عن عائشة رضي الله عنها وفيها حديث: "أنه كان يأكل مقعيًا" مسلم عن أنس رضي الله عنهما. 4- وفي الصفحة السادسة عشرة حديث: "أعدل فإن هذه قسمة" الحديث مسلم عن جابر، والشيخان عن أبي سعيد، وفي الصحيحين نحوه عن ابن مسعود، وأخرجه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه. 5- وفي الصفحة السابعة عشرة حديث: "عفوه عن اليهودية التي سمته" الشيخان عن أنس رضي الله عنه، وفيها حديث: "لا يتحدث أن محمدًا يقتل أصحابه" الشيخان، وفيها حديث أنس: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فجبذه أعرابي ... " الحديث الشيخان إلى قوله: من مال الله الذي عندك قال: فضحك وأمر له بعطاء. وهذا أيضًا في الكتاب كثير. وكان آخر أحاديث الكتاب تخريجًا هو حديث: "أن عمر أتى بأعرابي يهجو الأنصار فقال: لولا أن له صحبة لكفيتكموه" أخرجه محمد بن قدامة المروزي في كتاب الخوارج عن ابن سعيد الخدري رضي الله عنه بسند رجاله ثقات. رحم الله الحافظ السيوطي، فقد أنار الطريق أمام الدارس لكتاب الشفاء، وخرج أحاديثه بما قد يكون كافيا في الدلالة على المقصود من غير إطالة يملها قارئ الكتاب ولكن في اختصار لا يفوت عليه تحصيل المنفعة في بيان مخرج الأحاديث ودرجتها فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الفصل الثامن: كتب الرجال مدخل ... الفصل الثامن: كتب الرجال تمهيد: نعني بكتب الرجال تلك التي عني بوضعها المحدثون للتعريف بأحوال رواة الحديث تعديلًا أو تجريحًا، أو بيانًا لسني ولادتهم، أو وفاتهم إلى غير ذلك، لما لهذه التعريفات من صلة بقبول الحديث أو رده، وقوته أو ضعفه. وفي هذا المقام يبين الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف أن هناك علمًا يسمى علم رجال الحديث، ويعرفه بأنه العلم بأحوال رواة الحديث من حيث القبول أو الرد، ويبين لنا أن من تلك الأحوال معرفة تاريخ المواليد والوفيات، ومعرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب، ومعرفة الأوطان والرحلات، ومعرفة الشيوخ والتلاميذ، ومعرفة الجرح والتعديل، ومعرفة المتفق والمفترق من الأسماء، ومعرفة المؤتلف والمختلف والمتشابه، ومعرفة الثقات والضعفاء، ونحو ذلك. فهذه أهم أنواعه التي يعرف بها مقبول الرواية ومردودها وأهمها علم الجرح والتعديل1. ثم يقول: إنه فائدة هذا العلم إجمالًا معرفة من يقبل ومن يرد من الرواة، وأما تفصيلًا فالعلم بكل حال من أحوال الرواة له فائدة خاصة به، ومن ذلك ما يأتي: 1- معرفة الأسماء والكنى والألقاب، ومعرفة المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف والمتشابه، يعرف بها شخص الراوي وتعين ذاته، ويؤمن بها اللبس والخلط بين الرواة بظن الاثنين واحدًا، وقد يكون أحدهما ضعيفًا والآخر موثقًا فيضعف الجاهل بهذه الأحوال الموثق، ويوثق الضعيف. 2- معرفة المواليد والوفيات والأوطان والرحلات والطبقات يعرف بها الإرسال والانقطاع والإرسال الظاهر والخفي، فمعرفة أن الراوي من التابعين وليس من الصحابة يعرف بها أن الحديث مرسل، ومعرفة أن الراويين ليسا متعاصرين، أو متعاصران وليس بينهما لقاء يعرف به أن الحديث منقطع، فإن أوهم الراوي المعاصر اللقاء ولا لقاء عرف أنه مدلس أو يكذب ... إلخ. 3- إمكان الحكم بصحة الحديث أو ضعفه إذا لم ينص أحد من المتقدمين على ذلك وعلمنا بصفات رجاله من كتب الجرح والتعديل كما قال النووي2، وقد صحح جماعة من الحفاظ كثيرًا من الأحاديث التي لم ينص على تصحيحها أحد من المتقدمين كالقطان والمقدسي والدمياطي والمنذري ولا عبرة بما ذهب إليه ابن الصلاح3.   1 المختصر في علم رجال الأثر ص8 فما بعدها. 2 يشير بذلك إلى ما أورده النووي في التقريب في المسألة السادسة من مسائل الصحيح من أن من رأى في هذه الأزمان حديثًا صحيح الإسناد في كتاب لم ينص على صحته حافظ معتمد أن الأظهر عنده جواز الحكم بصحته أو ضعفه لم تمكن وقويت معرفته، تدريب الراوي ص143 ج1 التقريب خلافا لابن الصلاح. 3 المختصر ص11، 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وقد اشتدت عناية المحدثين بهذا النمط من علوم الحديث، فأكثروا فيه من التأليف على ما فيه من صعوبة البحث والاستقصاء والمتابعات الزمنية؛ إخلاصًا للعلم وتمحيصًا للنصح، ولم يقتصر همهم على مجرد ذكر أسماء الرجال وأحوالهم السانحة المعرضة، بل أوغلوا في الدراسة والتقصي، حتى إن منهم من عني بدراسة أنواع معينة مما هو خاص بالوفيات فقط، أو التعديل فقط، أو بالتخريج، أو بالكنى، أو بالألقاب، أو بالمتشابه، أو بالمتفق والمفترق، بل إن بعض المؤلفين قد أفرد بالتأليف ما يختص برجال بعض كتب الحديث: كرجال صحيح البخاري، وكرجال صحيح مسلم، ورجال الصحيحين، ورجال السنن، ورجال الموطأ، وغير ذلك مما يبين من عرضنا لأسماء الكتب المؤلفة في رجال الحديث على مدى الأعصار. وإنه لمما يلفت النظر تلك العناية البالغة بالتأليف في الرجال من علماء الحديث في القرن الثالث وما بعده بقليل في عصر تدوين السنة، حيث تشتد الحاجة إلى معرفة النقلة من رجال الحديث، وحيث يكون التحري والاستقصاء عنهم مطلوبًا، رعاية للسنة وحماية لها من الدخيل، وقد عرفنا من أسماء المؤلفين في هذه الفترة القليلة من الزمن من يعدون بالعشرات، كما عرفنا من بعدها عددًا ليس بالقليل من الأعلام الذين خاضوا غمار هذا الميدان، وكان إنتاجهم فيه من الغزارة بمكان. وبين يدي دراستنا لكتب الرجال نورد هنا أهم ما عرفناه من أسماء المؤلفين في هذا العلم، وما تيسر من أسماء مؤلفاتهم أو موضوعاتها، على الترتيب الزمني لوفاة المؤلفين، أخذًا من الرسالة المستطرفة، وكشف الظنون في أسماء الكتب والفنون وذيوله وشذرات الذهب والأعلام للزركلي وطبقات الحفاظ للسيوطي وغيرها من المراجع على النحو التالي: - الطبقات الكبرى: لأبي عبد الله محمد بن سعد الحافظ المتوفى سنة 230هـ1. - الجرح والتعديل، التاريخ والعلل، معرفة الرجال، هذه الكتب لأبي زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد الغطفاني البغدادي الحافظ المتوفى سنة 233هـ2. - الجرح والتعديل: مؤلفه أبو خيثمة زهيربن حرب المتوفى سنة 234هـ3. - الصحابة -وهو في خمسة أجزاء- ذكر فيه من نزل من الصحابة في سائر البلدان، الكنى والعلل وهذه الكتب لعلي بن المديني، المتوفى سنة 234هـ4. - العلل والرجال، ومؤلفه محمد بن عبد الله بن نمير، المتوفى سنة 234هـ5. - العلل والرجال في المسند، الذي ألفه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة، المتوفى سنة 235هـ6. - العلل والرجال، وقد كتب فيها الحافظ عبد الله بن عمرو القواريري، المتوفى سنة 235هـ7.   1 شذرات الذهب ج2 ص69 والرسالة المستطرفة ص97. 2 شذرات الذهب ج2 ص79 والرسالة المستطرفة ص96 وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ص162. 3 شذرات الذهب ج2 ص80 وطبقات الحافظ ص191. 4 شذرات الذهب ج2 ص81 والرسالة ص90. 5 شذرات الذهب ج2 ص81 وطبقات الحافظ ص192. 6 شذرات الذهب ج2 ص85 وطبقات الحافظ ص189. 7 شذرات الذهب ج2 ص85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 - الكلام في الرجال، لإسحاق بن راهويه، المتوفى سنة 238هـ1. - الأسماء والكنى، والجرح والتعديل، للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، المتوفى سنة 241هـ2. - الجرح والتعديل، ومؤلفه الإمام أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، المتوفى سنة 242هـ3. - الجرح والتعديل، ومؤلفه أبو موسى البزار الحافط هارون بن عبد الله الحمال، المتوفى سنة 243هـ4. - الجرح والتعديل، ومؤلفه الحافظ أبو جعفر أحمد بن صالح حافظ مصر المتوفى سنة 248هـ5. - الجرح والتعديل، ومؤلفه محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد بن البرقي الزهري مولاهم، المتوفى سنة 249هـ6. - الجرح والتعديل، ومؤلفه الحافظ إسحاق الكوسج المتوفى سنة 251هـ7. - الجرح والتعديل، للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي، المتوفى سنة 255هـ8. - تواريخ البخاري الثلاثة: الصغير والأوسط الكبير، الكنى، الضعفاء. وهذه المؤلفات النافعة للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256هـ9. - الجرح والتعديل، الضعفاء. وهذان الكتابان لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الحافظ، المتوفى سنة 259هـ10. - الجرح والتعديل، أولاد الصحابة، الأسماء والكنى، من ليس له إلا راو واحد، المخضرمون طبقات التابعين. وهذه الكتب للإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المتوفى سنة 261هـ11. - الرجال، وقد ألف فيه عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي الرازي المعروف بأبي زرعة الحافظ، المتوفى سنة 264هـ12.   1 شذرات الذهب ج2 ص89. 2 شذرات الذهب ج2 ص96 والرسالة المستطرفة ص90، ومفتاح السنة ص148. 3 شذرات الذهب ج2 ص101 ومفتاح السنة ص148. 4 شذرات الذهب ج2 ص104، وطبقات الحافظ ص207. 5 شذرات الذهب ج2 ص117 وطبقات الحافظ ص216. 6 الرسالة المستطرفة ص108. 7 شذرات الذهب ج2 ص123. 8 شذرات الذهب ج2 ص134 وطبقات الحافظ ص235. 9 شذرات الذهب ج2 ص139 والرسالة ص90- 108. 10 الرسالة المستطرفة ص110 وطبقات الحفاظ ص244. 11 شذرات الذهب ج2 ص144 وطبقات الحفاظ ص260. 12 شذرات الذهب ج2 ص148 وطبقات الحفاظ ص249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 - در السحابة في وفيات الصحابة، للحجة الحافظ محمد بن إسحاق أبي بكر الصاغاني المتوفى سنة 270هـ1. - الجرح والتعديل، ومؤلفه سليمان بن الأشعث بن إسحاق الإمام أبي داود السجستاني المتوفى سنة 275هـ2. - الجرح والتعديل، ومؤلفه الحافظ الإمام أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد، المتوفى سنة 276هـ3. - الجرح والتعديل، وقد ألف فيه الحافظ محمد بن إدريس الحنظلي أبو حاتم، المتوفى سنة 277هـ4. - الجرح والتعديل، وألف فيه الإمام عبد الرحمن بن عمرو النصري أبو زرعة الدمشقي، المتوفى سنة 281هـ5. - الجرح والتعديل، للحافظ أبي محمد عبد الرحمن يوسف بن خراش البغدادي، المتوفى سنة 283هـ6. - المغازي، والجرح والتعديل، للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي، المتوفى سنة 285هـ7. - الجرح والتعديل، ومؤلفه الإمام أبو عبد الله محمد بن وضاح الأندلسي حافظ قرطبة، المتوفى سنة 286هـ8. - الجرح والتعديل، ومؤلفه أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، المتوفى سنة 287هـ9. - الرجال، وألف فيه الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، المتوفى سنة 290هـ10. - الجرح والتعديل، وقد كتب فيه الإمام أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، المتوفى سنة 292هـ11.   1 شذرات الذهب ج2 ص160 وطبقات الحفاظ ص256. 2 شذرات الذهب ج2 ص167. 3 شذرات الذهب ج2 ص169. 4 شذرات الذهب ج2 ص171 وطبقات الحفاظ ص255. 5 شذرات الذهب ج2 ص177 وطبقات الحفاظ ص266. 6 شذرات الذهب ج2 ص184. 7 شذرات الذهب ج2 ص190 وطبقات الحافظ 359 وهدية العارفين ج5 ص4. 8 شذرات الذهب ج2 ص194 وطبقات الحفاظ ص283. 9 شذرات الذهب ج2 ص194 وطبقات الحفاظ ص280. 10 شذرات الذهب ج2 ص203 وطبقات الحفاظ ص288. 11 شذرات الذهب ج2 ص208 وطبقات الحفاظ ص285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 - الرجال، وألف فيه الحافظ الكبير أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسدي، المعروف بصالح جزرة، المتوفى سنة 294هـ1. - الجرح والتعديل، ومؤلفه الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، المتوفى سنة 294هـ2. - الجرح والتعديل، وقد كتب فيه الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، المتوفى سنة 297هـ3. - الرجال، وقد ألف فيها جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركي أبو بكر القريابي، المتوفى سنة301هـ4. - الأسماء المفردة من رجال الحديث، ومؤلفه أحمد بن هارون بن روح أبو بكر البرذعي، المتوفى سنة 301هـ5. - الضعفاء والمتروكون، الكنى، والكتابان لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي الإمام صاحب السنن، المتوفى سنة 307هـ6. - معجم الصحابة -في مجلدين- مطبوع بالهند، لمؤلفه الحافظ أحمد بن علي بن المثنى الإمام أبو يعلى البوصلي، المتوفى سنة 307هـ7. - الكنى والأسماء، الضعفاء، والكتابان لأبي بشر محمد بن أحمد الدولابي، المتوفى سنة 310هـ8. - تاريخ الإسلام، ومؤلفه الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310هـ9. - الرجال، للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، المتوفى سنة 311هـ10. - تاريخ الجزيرتين، ومؤلفه الحافظ الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود أبو عروبة الجراني، المتوفى سنة 318هـ11.   1 شذرات الذهب ج2 ص216 وطبقات الحفاظ ص281. 2 شذرات الذهب ج2 ص216 وطبقات الحفاظ ص284. 3 شذرات الذهب ج2 ص266 وطبقات الحافظ ص287. 4 شذرات الذهب ج2 ص235 وطبقات الحافظ ص301. 5 شذرات الذهب ج2 ص334 هدية العارفين ج5 ص56. 6 شذرات الذهب ج2 ص239 والرسالة المستطرفة ص90 و108. 7 شذرات الذهب ج2 ص250 وطبقات الحفاظ ص306 وهدية العارفين ج5 ص57. 8 شذرات الذهب ج2 ص2601 والرسالة المستطرفة ص90 و108. 9 شذرات الذهب ج2 ص260 وطبقات الحفاظ ص307. 10 شذرات الذهب ج2 ص262 وطبقات الحفاظ ص310. 11 شذرات الذهب ج2 ص279 وطبقات الحفاظ ص325 وهدية العارفين ج5 ص325. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 - الضعفاء، لمحمد بن عمر بن موسى بن حماد وهو أبو جعفر العقيلي، المتوفى سنة 322هـ1. - الجرح والتعديل، وقد ألف فيه الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر البغدادي شيخ الدارقطني، المتوفى سنة 323هـ1. - الضعفاء، لأبي نعيم عبد الملك بن محمد الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه، المتوفى سنة 323هـ3. - الكنى -الجرح والتعديل- وهو في ست مجلدات، والكتابان لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327هـ4. - تاريخ المحدثين، لأحمد بن سعيد بن حزم بن يونس الصوفي القرطبي، المتوفى سنة 350هـ5. - الوفيات لعبد الباقي بن قانع، المتوفى سنة 351هـ6. - الثقات -الضعفاء- الجرح والتعديل، الصحابة، كنى المعروفين بالأسماء "وهو في ثلاث مجلدات" أسماء من يعرفون بالكنى، وجميع هذه الكتب للإمام أبي حاتم بن حبان البستي، المتوفى سنة 354هـ7. - معرفة الصحابة، للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، المتوفى سنة 360هـ8. - الكامل في الرجال "ستون جزءًا في اثني عشر مجلدًا"، ومؤلفه أبو أحمد عبد الله بن عدي بن محمد بن المبارك الجرجاني الحافط، المتوفى سنة 365هـ9. - تراجم المحدثين وتاريخ حياتهم، لأبي الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة، المتوفى سنة 366هـ10. - الضعفاء، لأبي الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي، المتوفى سنة 374هـ11.   1 شذرات الذهب ج3 ص295 والرسالة المستطرفة ص108. 2 شذرات الذهب ج2 ص298 وطبقات الحفاظ ص346. 3 شذرات الذهب ج2 ص299 والرسالة المستطرفة ص108. 4 شذرات الذهب ج2 ص308 والرسالة المستطرفة ص90 و110. 5 هدية العارفين ج5 ص63 6 شذرات الذهب ج3 ص7، والرسالة المستطرفة ص158. 7 شذرات الذهب ج3 ص16، والرسالة المستطرفة ص90 و108 و109 و110. 8 شذرات الذهب ج2 ص30، وطبقات الحفاظ ص372. 9 شذرات الذهب ج3 ص51، والرسالة المستطرفة ص108. 10 شذرات الذهب ج3 ص57. 11 الرسالة المستطرفة ص108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 - المقتنى في سرد الكنى، لشيخ الحاكم أبي أحمد النيسابوري محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق، المتوفى سنة 378هـ1. - الوفيات، لابن ربيعة الربعي الدمشقي "ابن زَبر" محمد بن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة المتوفى سنة 379هـ2. - الضعفاء، المختلف والمؤتلف، وهذان الكتابان للدارقطني أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد ابن مهدي بن مسعود الإمام الحافظ المتوفى سنة 385هـ3. - المتفق والمفترق، لأبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي الشيباني الحافظ، المتوفى سنة 388هـ4. - الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، وهو لأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن رستم الكلاباذي، المتوفى سنة 398هـ5. - مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب، المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة، وهذان الكتابان لأبي الوليد الفرضي عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي، المتوفى سنة 403هـ6. - أسماء الرجال، لأحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي البخاري، المتوفى سنة 404هـ7. - الكنى والألقاب، لأبي عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحافظ الإمام، المتوفى سنة 405هـ8. - المؤتلف والمختلف، لعبد الغني بن سعد بن علي بن سعيد بن بشر الحافظ الإمام الأزدي المصري، المتوفى سنة 409هـ9. - الألقاب والكنى، لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي الشيرازي، المتوفى سنة 411هـ10.   1 شذرات الذهب ج3 ص93 والرسالة المستطرفة ص91. 2 شذرات الذهب ج3 ص95 والرسالة ص158 وطبقات الحفاظ ص395. 3 شذرات الذهب ج3 ص116 والرسالة المستطرفة ص86. 4 شذرات الذهب ج3 ص129 وطبقات الحفاظ ص401. 5 شذرات الذهب ج3 ص151 والرسالة المستطرفة ص154. 6 شذرات الذهب ج3 ص168 والرسالة المستطرفة ص88 و90. 7 هدية العارفين ج5 ص71. 8 شذرات الذهب ج3 ص176 والرسالة المستطرفة ص90. 9 طبقات الحفاظ ص411. 10 الرسالة المستطرفة ص90، وهدية ج6 ص63 وأرخ وفاته سنة 476هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 - الأسباب والأنساب، المؤتلف والمختلف، وهذان الكتابان لأحمد بن محمد بن أحمد "أبي سعيد الماليني"، المتوفى سنة 412هـ1. - التعريف برجال الموطأ "وهو في أربعة أسفار" لأبي عبد الله محمد بن يحيى بن محمد الحذاء التميمي، المتوفى سنة416هـ2. - رجال الصحيحين لأبي القاسم هبة الله الطبري اللالكائي، المتوفى سنة 418هـ3. - الطبقات، المنتهى في الكمال في معرفة الرجال، وهذان الكتابان لأبي الفضل علي بن الحسين الهمداني الفلكي، المتوفى سنة 427هـ4. - رجال مسلم، لأبي بكر أحمد بن علي بن محمد الأصبهاني المعروف بابن منجويه، المتوفى سنة 428هـ5. - الصحابة، لأبي نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافط الصوفي، المتوفى سنة430هـ6. - التاريخ، الأنساب، المتفق والمفترق، تلخيص المتشابه، مقلوب الأسماء، أسماء المدلسين، من وافقت كنيته اسم أبيه، وهذه الكتب لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي الحافظ، المتوفى سنة 463هـ7. - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الأنساب، وهذان الكتابان لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، المتوفى سنة 463هـ8. - ذيل علي وفيات ابن ربيعة الربعي، لعبد العزي بن أحمد بن محمد الكناني الدمشقي الحافظ، المتوفى سنة 466هـ9. - الصحابة، لأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى المعروف بابن منده، المتوفى سنة 470هـ10.   1 هدية العارفين ج5 ص72. 2 شذرات الذهب ج3 ص206 وهدية العارفين ج6 ص63. 3 شذرات الذهب ج3 ص211، والرسالة المستطرفة ص155 وكشف الظنون ج2 ص1040. 4 شذرات الذهب ج3 ص231، والرسالة المستطرفة ص90 وطبقات الحفاظ ص431. 5 شذرات الذهب ج3 ص233 والرسالة المستطرفة ص154. 6 شذرات الذهب ج3 ص245 وطبقات الحفاظ ص423. 7 هدية العارفين ج5 ص79 وطبقات الحفاظ ص434. 8 شذرات الذهب ج3 ص314 والرسالة المستطرفة ص90 و152 وطبقات الحفاظ ص433. 9 شذرات الذهب ج3 ص325 والرسالة المستطرفة ص158. 10 شذرات الذهب ج3 ص337 والرسالة المستطرفة ص90 و158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 - التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، المتوفى سنة 474هـ1. - الإكمال في الرجال، للحافظ الكبير أبي نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر المعروف بابن ماكولا، المتوفى سنة487هـ2. - أسماء رجال سنن أبي داود، لأبي علي الحسين بن محمد الجياني الحافظ الغساني، المتوفى سنة 498هـ3. - الجمع بين رجال الصحيحين "جمع فيه مؤلفه بين كتابي الكلاباذي وابن منجويه" وهو لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، المتوفى سنة 507هـ4. - جامع الوفيات "وهو ذيل على ذيل وفيات الكتاني الدمشقي الحافظ" وهو لهبة الله بن أحمد الأنصاري الأكفاني، المتوفى سنة 524هـ5. - الأنساب، أوهام المؤتلف، والكتابان للحفاظ الرشاطي عبد الله بن علي بن عبد الله، المتوفى سنة 542هـ6. - الارتجال في أسماء الرجال، لأبي الحجاج محمد بن يوسف بن مقلد الجماهري التنوخي، المتوفى سنة 558هـ7. - تاريخ الوفاة للمتأخرين من الرواة، الأنساب، معجم الشيوخ، وهذه الكتب لأبي سعد عبد الركريم بن محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التيمي السمعاني، المتوفى سنة 562هـ8. - ذيل على كتاب ابن منده في الصحابة، لمحمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ المعروف بأبي موسى المديني، المتوفى سنة 581هـ9. - الفيصل في مشتبه النسبة، لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي، المتوفى سنة 584هـ10.   1 شذرات الذهب ج3 ص344 والرسالة المستطرفة ص154. 2 شذرات الذهب ج3 ص381 وطبقات الحفاظ ص444. 3 شذرات الذهب ج3 ص408، والرسالة ص155. 4 شذرات الذهب ج3 ص408، والرسالة ص115. 5 شذرات الذهب ج4 ص18، والرسالة المستطرفة ص115. 6 طبقات الحفاظ ص469. 7 الرسالة المستطرفة ص152ن وكشف الظنون ج1 ص61. 8 شذرات الذهب ج3 ص205، والرسالة ص157، وطبقات الحفاظ ص471. 9 شذرات الذهب ج3 ص273، وطبقات الحفاظ ص475. 10 الرسالة المستطرفة ص89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 - كشف النقاب عن الأسماء والألقاب، كتاب الضعفاء والمتروكين، والكتبان لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، المتوفى سنة 597هـ1. - الكمال في أسمال الرجال "في أربع مجلدات" للحفاظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، المتوفى سنة 600هـ2. - ذيل على ذيل وفيات الأكفاني، لشرف الدين علي بن المفضل المقدشي ثم الإسكندري الحافظ، المتوفى سنة 611هـ3. - معجم البلدان، لياقوت شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، المتوفى سنة 626هـ4. - الأنساب، التاريخ، أسد الغابة "جمع فيه مؤلفه بين كتب أربعة لابن منده والمديني وأبي نعيم وابن عبد البر" اللباب في تهذيب الأنساب، وهذه الكتب الثلاثة لعز الدين علي بن محمد بن محمد بن الأثير، المتوفى سنة 630هـ5. - الحافل "وهو تكملة الكامل لابن عدي الجرجاني وتذييل عليه" الأنساب، وهذان الكتابان لأحمد بن محمد مفرج الأموي الإشبيلي المعروف بابن الرومية، المتوفى سنة 637هـ6. - المتفق والمفترق، الأنساب، المؤتلف، الكمال في معرفة الرجال "جمع فيه مؤلفه بين رجال الكتب الستة" وهذه الكتب للحافظ الكبير محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن وهبة بن محاسن البغدادي المعروف بابن النجار البغدادي، المتوفى سنة 643هـ7. - التكملة لوفيات النقلة "وهو في ثلاث مجلدات ذيل على وفيات ابن المفضل" للإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة أبو محمد المنذري، المتوفى سنة 656هـ8. - كتاب في الرجال، للقاضي منهاج الدين أبي عمر عثمان بن سراج الدين عمر الجوزجاني المؤرخ، المتوفى سنة 660هـ9.   1 شذرات الذهب ج4 ص329، والرسالة المستطرفة ص90 و157. 2 شذرات الذهب ج4 ص345، والرسالة المستطرفة ص155. 3 شذرات الذهب ج5 ص47، والرسالة المستطرفة ص159. 4 شذرات الذهب ج5 ص121، والرسالة المستطرفة ص153. 5 شذرات الذهب ج5 ص137، والرسالة المستطرفة ص152، وطبقات الحافظ ص492. 6 هدية العارفين ج5 ص93، والرسالة ص109، طبقات الحافظ ص298. 7 شذرات الذهب ج5 ص226، وطبقات الحافظ ص499. 8 شذرات الذهب ج4 ص277، والرسالة المستطرفة ص157، 159. 9 هدية العارفين ج6 ص655. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 - مختصر أسد الغابة، تهذيب الأسماء واللغات، وهذان الكتابان لمحيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الإمام المتوفى سنة 676هـ1. - وفيات الأعيان، لابن خلكان شمس الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان، المتوفى سنة 681هـ2. - ذيل التكملة لوفيات النقلة، وهو لتلميذ المنذري الحافظ عز الدين أحمد بن محمد الشريف الحسيني الحلبي المصري، المتوفى سنة 695هـ3. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال "ويقع في اثني عشر مجلدًا ويقال: إن مؤلفه لم يكمله" وهو للحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف أبي الحجاج المزي، المتوفى سنة 742هـ4. - تذكرة الحفاظ وذيله "في ثلاث مجلدات كبار طبعت أخيرا في بيروت" المقتنى في سرد الكنى، ميزان الاعتدال في نقد الرجال "في مجلدين مطبوعين" مشبه الأسماء والنسبة "وهو مختصر جامع من مؤلفات عبد الغني وابن نقطة وابن ماكولا وأبي الوليد الفرضي". - ديون الضعفاء، ولعله مختصر من كتاب الضعفاء لابن الجوزي وذيله. - معرفة الرجال المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد، المغني في الضعفاء وبعض الثقات "وهو في مجلد يحكم فيه على الرجل بكلمة واحدة وهو نفيس جدًّا" تهذيب التهذيب. - تاريخ الإسلام "في اثني عشر مجلدًا" الكاشف في أسماء الرحال "وهو مختصر للتذهيب"5. - سير أعلام النبلاء "في عشرين مجلدًا" وفي مختصر من كتابه تاريخ الإسلام مع زيادات. - المقتضب من تهذيب الكمال للمزي، الإعلام بوفيات الأعلام، التاريخ الصغير. - التجريد في أسماء الصحابة "وهو مختصر أسد الغابة في معرفة الصحابة" المختصر في محدثي العصر، المعجم المختص في المحدثين، المجرد في رجال الكتب الستة، مختصر معجم الشيوخ التاريخ الأوسط. ومؤلف هذه الكتب النافعة هو الإمام محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المتوفى سنة 748هـ6.   1 شذرات الذهب ج5 ص254، والرسالة ص154. 2 شذرات الذهب ج5 ص371. 3 شذرات الذهب ج5 ص430 والرسالة 159. 4 شذرات الذهب ج6 ص136، والرسالة ص155 وطبقات الحفاظ ص517، ص155 وطبقات الحفاظ ص517. 5 ورد في تحقيق الأستاذ عزت على عبيد عطية لهذه المسألة أن الكاشف إنما هو اختصار لتهذيب الكمال نفسه، وليس اختصارًا لتذهيب التهذيب خلافًا لما أورده التاج السبكي ومن تابعه وهذا من مقدمة الأستاذ عزت لكتاب الكاشف المطبوع عام 1971 ص343. 6 شذرات الذهب ج6 ص153 والرسالة صفحات 19، 90، 109، 153، 156، 157 وطبقات الحفاظ ص517. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 - الطالع السعيد في أسماء نجباء الصعيد، لأبي الفضل كمال الدين جعفر بن ثعلب الأدقوي، المتوفى سنة 748هـ1. - ذيل على وفيات ابن زَبر، لشهاب الدين أبي الحسن أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي، المتوفى سنة 749هـ2. - أسماء رجال مشكاة المصابيح، لمؤلف المشكاة أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب، المتوفى سنة 749هـ3. - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ذيل لكتاب الضعفاء لابن الجوزي، والكتابان للحفاظ علاء الدين مغلطاي بن قليح بن عبد الله الحنفي، المتوفى سنة 762هـ4. - رجال السنن الأربعة "النسائي وأبي داود والترمذي وابن ماجه". - الجمع بين رجال الصحيحين. والكتابان لشهاب الدين أحمد بن أحمد بن أبي الحسين الكردي الأصل الهكاري، المتوفى سنة 763هـ5. - التكميل في أسماء الثقات والضعفاء والمجاهيل "جمع فيه مؤلفه بين تهذيب المزي وميزان الذهبي، وهو أنفع شيء للمحدث والفقيه" ومؤلفه الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير، المتوفى سنة 774هـ6. - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لسراج الدين عمر بن الملقن، المتوفى سنة 804هـ7. - الجمع بين رجال الصحيحين، لسراج الدين أبي حفص عمر بن نصير بن صالح البلقيني، المتوفى سنة 805هـ8. - ذيل على ذيل ابن أيبك الدمياطي، للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الإمام، المتوفى سنة 806هـ9.   1 شذرات الذهب ج6 ص153. 2 الرسالة المستطرفة ص158، 159 وطبقات الحفاظ ص523. 3 شذرات المستطرفة ص157 وهدية العارفين ج6 ص156. 4 شذرات الذهب ج6 ص197 والرسالة ص156 وطبقات الحفاظ ص534. 5 الرسالة المستطرفة ص155. 6 شذرات الذهب ج6 ص231، والرسالة ص157 وطبقات الحفاظ ص529. 7 الرسالة المستطرفة ص156 وطبقات الحفاظ ص537. 8 شذرات الذهب ج7 ص51 والرسالة المستطرفة ص155. 9 شذرات الذهب ج7 ص55 والرسالة المسترطفة ص109-158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 - ترتيب ثقات ابن حبان وثقات العجلي على الحروف، للحافظ نور الدين الهيثمي، المتوفى سنة 807هـ1. - ذيل علي ذيل العراقي لولده الحافظ ولي الدين أبي زرعة العراقي المتوفى سنة 826هـ2. - نهاية السول في رواية الستة الأصول، الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث. - التبيين لأسماء المدلسين، الاغتباط بمن رمي بالاختلاط، نثل الهميان في معيار الميزان. وهذه الكتب لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الإمام الحافظ الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي، المتوفى سنة 841هـ3. - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة "ترجم فيه ابن حجر لمن خرج له في كتاب من كتب الأئمة الأربعة: موطأ مالك، مسند الشافعي، مسند أحمد، مسند أبي حنيفة دون أحد الكتب الستة". - تهذيب الكمال للمزي "في ست مجلدات". - تقريب التهذيب "وهو مختصر كتابه تهذيب التهذيب في مجلد ضخم". - الإصابة في تمييز الصحابة "خمس مجلدات وهو مطبوع أخيرًا في بيروت في أربع مجلدات". - لسان الميزان "ثلاث مجلدات". - تحرير الميزان. - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه "مجلد ضخم" وهو مختصر لمختصر الذهبي في مشتبه الاسم والنسبة مع زيادات وضبط بالحروف. - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "في خمس مجلدات، مطبوعة في مصر أخيرًا". - رفع الأصر عن قضاة مصر "في مجلدين مطبوعين". - إنباه الغمر بأنباء العمر. - فوائد الاحتفال في أحوال الرجال "وهو في أحوال رجال البخاري زيادة على تهذيب الكمال في مجلد" ولعله الكتاب الذي ذكره صاحب كشف الظنون باسم الإعلام بمن ذكر في البخاري من الأعلام ص "552/ 1". - الثقات ممن ليس في التهذيب "ولم يكمل". - نزهة الألباب في الأسماء والألقاب. - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس.   1 شذرات الذهب ج7 ص70 والرسالة ص110 وطبقات الحفاظ ص541. 2 شذرات الذهب ج7 ص173 والرسالة ص159. 3 شذرات الذهب ج7 ص237 والرسالة ص109-155 وطبقات الحفاظ ص545. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وهذه الكتب الكثيرة النافعة للإمام الحافظ شيخ الإسلام شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الشهير بابن حجر العسقلاني المصري، المتوفى سنة 852هـ1. - مغاني الأخبار في رجال معاني الآثار، معجم شيوخ العيني، عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان "في عشرين مجلدًا واختصره في ثلاث مجلدات" تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر. وهذه المؤلفات لبدر الدين أبي الثناء وأبي محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابي الأصل المصري الدار والوفاة المعروف ببدر الدين العيني، المتوفى سنة 855هـ2. - الاهتمام الكلي بإصلاح ثقات العجلي، الإيثار برجال معاني الآثار، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة. وهذه الكتب للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفى سنة 879هـ3. - الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، للإمام المحدث عماد الدين أبي زكريا يحيى بن أبي بكر العامري اليمني، المتوفى سنة 893 هـ4. - الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، زيادة نزهة الألباب لابن حجر، السيف القاطع في التاريخ، الشافي من الألم في وفيات الأمم، طبقات المالكية، عمدة الأصحاب في معرفة الألقاب. - ذيل رفع الإصر عن قضاة مصر لابن حجر وهذه الكتب للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي، المتوفى سنة 902هـ5. - ذيل الإنباه عن قبائل الرواه لابن حجر، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة "في مجلدين مطبوعين" زوايد الرجال على تهذيب الكمال، إسعاف المبطأ برجال الموطأ. - اللمع في أسماء من وضع، الزوائد على المال في معرفة الرجال، وشد الرحال في ضبط الرجال، الملتقط من الدرر الكامنة، نظم العقيان في أعيان الأعيان، المنى في الكنى، كشف النقاب عن الألقاب، نثر الهميان في وفيات الأعيان، ورقات في الوفيات، تذييل على كتاب المغني في الضعفاء وبعض الثقات للذهبي، طبقات الحافظ "في مجلد مطبوع"، در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة، طبقات التابعين، لب الألباب في تحريح الأنساب، رسالة في أسماء المدلسين، عين الإصابة في مختصر أسد الغابة. وهذه الكتب للحفاظ جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين بن محمد بن أبي بكر بن محمد السيوطي، المتوفى سنة 911هـ6.   1 شذرات الذهب ج7 ص270 والرسالة المستطرفة ص90، 109، 153، 154، 155، 156، 157 وطبقات الحفاظ ص547. 2 شذرات الذهب ج7 ص286 والرسالة المستطرفة ص156. 3 شذرات الذهب ج7 ص326 والرسالة المستطرفة ص110 و156. 4 الرسالة المستطرفة ص155، 156، 157. 5 شذرات الذهب ج8 ص15 والرسالة ص90 و110. 6 شذرات الذهب ج8 ص51 والرسالة المستطرفة ص91 و156 و157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 - غاية المرام في رجال الصحيح البخاري إلى سيد الأنام، لأبي عبد الله محمد بن داود البازلي الكردي المتوفى سنة 952هـ1. - المغني في ضبط أسماء الرجال وأنسابهم، قانون الموضوعات في ذكر أسماء الضعفاء والوضاعين. وهذان الكتابان للسيد محمد طاهر الصديق الفتني رئيس محدثي الهند المتوفى سنة 986هـ2. - بهجة المحافل وأجمل الوسائل في التعريف برواة الشمائل. - نشر المآثر فيمن أدركتهم من علماء القرن العاشر. وهذان الكتابان للعلامة إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المالكي، المتوفى سنة 1041هـ3. - قرة العين في ضبط أسماء رجال الصحيحين. لعبد الغني بن صفي الدين أحمد بن محمد بن علي البحراني الشافعي، المتوفى سنة 1234هـ4. - مختصر لسان الميزان، لأبي زيد عبد الرحمن بن أبي العلاء إدريس بن محمد العراقي الحسيني الفارسي، المتوفى سنة 1234هـ5. هؤلاء من أهم من عرفنا من المؤلفين في هذه الحقبة من الزمن، وما تيسرت معرفته من أسماء مؤلفاتهم أو موضوعاتها في علم الرجال بأنواعه المختلفة، على أن هناك كتبا عديدة في تاريخ الرجال لا يقتصر مؤلفوها على ذكر ترجمة رجال الحديث، وقد يكون لرجال الحديث فيها قسط وفير، ولا سيما إذا كان مؤلفها من رجال الحديث أنفسهم، وذلك مثل كتاب الدرر الكامنة الذي وضعه مؤلفه الحافظ ابن حجر لأعيان المائة الثامنة، وذكر أنه جمع فيه تراجم من كان في تلك المائة ابتداء من سنة إحدى وسبعمائة إلى آخر سنة ثماني مائة من الأعيان والعلماء والملوك والأمراء والكتاب والوزراء والأدباء والشعراء، وأنه عني برواة الحديث النبوي، فذكر من أطلع على حاله، وأشار إلى بعض مروياته، ومثل كتاب الضوء اللامع للحافظ السخاوي المتوفى سنة 906هـ وألفه لأعيان القرن التاسع، وقال في مقدمته: إنه جمع فيه من علمه من أهل هذا القرن من سائر العلماء والقضاة والصلحاء والرواة والأدباء والشعراء، والخلفاء والملوك والأمراء، والمباشرين والوزراء، مصريًّا كان أو شاميًّا، أو حجازيًّا أو يمنيًّا، أو روميًّا أو هنديًّا، وسنتناوله بالدراسة في هذا الفصل إن شاء الله، ومثل كتاب وفيات الأعيان في أبناء الزمان للقاضي شمس الدين أبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن خلكان المتوفى سنة 681هـ والذي قال في مقدمته: إنه لم يذكر فيه أحدًا من الصحابة والتابعين إلا جماعة يسيرة اكتفاء بالمصنفات الكثيرة، وإنه لم يقتصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء والملوك، بل ذكر من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه مع الإيجاز وإثبات الوفاة والمولد إلا قدر عليه، وفيه من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وقد أشرنا إلى أسماء هذه الكتب عند عرضنا لما ألف في الرجال. وهذه دراسة موجزة لبعض الكتب التي آثرنا دراستها هنا لاتصالها بما نحن بصدده من هذا البحث زمانًا ومكانًا.   1 شذرات الذهب ج8 ص138. 2 شذرات الذهب ج8 ص410 والرسالة المستطرفة ص154. 3 الرسالة المستطرفة ص157. 4 الرسالة المستطرفة ص153. 5 الرسالة المستطرفة ص109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الإصابة في تمييز الصحابة : للحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852هـ: ومؤلف هذا الكتب هو الإمام شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني المصري، المتوفى سنة 852هـ والذي سبقت ترجمته عند دراسة كتابه بلوغ المرام من بين كتب الأحكام. وأما طريقته ومنهجه والباعث على تأليفه فإننا ندع المؤلف يتحدث عن ذلك في خطبة كتابه بما ملخصه. إن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبوي، ومن أجل معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن خلف بعدهم، وإن أول من عرفه صنف في ذلك أبو عبد الله البخاري الذي أفرد في ذلك تصنيفًا، فنقل منه أبو القاسم البغوي وغيره، وجمع أسماء الصحابة مضمومة إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه ومن قرانائه، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي بكر بن أبي داود وعبدان، ومن قبلهم بقليل كمطين، ثم كأبي علي بن السكن وغيره، ثم كأبي عبد الله بن منده وأبي نعيم، ثم كأبي عمرو بن عبد البر الذي سمى كتابه الاستيعاب مع أنه لم يستوعب، فذيل عليه أبو بكر فتحون ذيلًا حافلًا ... إلى أن قال: وقد وقع لي بالتتبع كثير من الأسماء التي لم يسبق ذكرها، فجمعت كتابًا كبيرًا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا جميعًا الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي، من أنه صلى الله عليه وسلم توفي ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، ثم أيد كلام أبي زرعة بما ثبت في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة تبوك: والناس كثير لا يحصيهم ديوان، وبما ثبت عن الثوري: أن من قدم عليًّا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفًا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وكان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر عامًا، بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الفتوح وغيرها، وفي خلافة عمر في الفتوح، وفي الطاعون وغيرها من لا يحصى كثرة. ثم بين أنه استخار الله تعالى في ذلك، ورتبه على أربعة أقسام: القسم الأول: من وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 القسم الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة من النساء والرجال، ممن مات صلى الله عليه وسلم وهم في سن دون سن التمييز، وقد ذكروا في الصحابة لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم، لتوافر دواعي أصحابه على إحضارهم بين يديه. القسم الثالث: فيمن ذكر في الكتب المؤلفة للصحابة من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا رأوه. ثم قال: وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق أهل العلم بالحديث، وإن كان بعض المؤلفين قد ذكر بعض هؤلاء في كتب معرفة الصحابة، فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا لمقاربتهم تلك الطبقة لا أنهم من أهلها، ومن هؤلاء النجاشي. القسم الرابع: فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط، وبيان ذلك بيانًا ظاهرًا يعول عليه على طريقة أهل الحديث. ثم ذكر أنه يورد فصولًا يتقدم بها أمام ذكر أسماء الصحابة، وأورد في الفصل الأول منها تعريف الصحابي، وما فيه من خلاف بين العلماء، وفي الثاني الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيًّا، وفي الثالث بيان حال الصحابة من العدالة، ثم ابتدأ بذكر أسماء الرجال من الصحابة مرتبين على الحروف الهجائية، فبدأ يحرف الألف، وذكر فيه الأقسام الأربعة مرتبة بحسب الحرف الثاني في كل كلمة، فبدأ بالهمزة التي بعدها ألف، ثم بالهمزة التي بعدها باء موحدة ... وهكذا. وقد انتهى من أسماء الرجال بنهاية الجزء الثالث من أجزاء الكتاب الثلاثة التي يقع الجزء الأول منها في تسع وثمانين وخمسمائة صفحة من القطع الكبير أولها اسم آبي اللحم وآخرها زيد بن وهب الجهني، ويقع الجزء الثاني منها في أربع وأربعين وخمسمائة صفحة تبتدئ باسم سابط بن أبي حميضة وتنتهي باسم عمرو بن طلق بن زيد، ويقع الجزء الثالث في ست وثمانين وستمائة صفحة تبتدئ باسم عمرو بن العاص، وتنتهي باسم يونس الأنصاري الظفري، وأما الرابع من أجزاء الكتاب فإن بعضه خاص بكنى الرجال تبتدئ من الصفحة الثانية منه وتنتهي بالصفحة الثالثة والعشرين ومائتين، وأول هذه الكنى أبو أمية الفزاري وآخرها أبو يزيد بن أبي مريم، والبعض الآخر خاص بالنساء أسماء وكنى، يبدأ بذكر أسمائهن من صفحة أربع وعشرين ومائتين وينتهي بصفحة تسع وعشرين وأربعمائة، وأول هذه الأسماء آسية بنت الحارث -أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وآخرها يسيرة أم ياسر الأنصارية، وأما كناهن فتبتدئ من صفحة تسع وعشرين وأربعمائة إلى نهاية الكتاب صفحة ست وخمسمائة، وأولى هذه الكنى أم أبان، وآخرها أم يحيى. وهذه هي أقسام الكتاب: وعدد أجزائه وصفحات كل جزء، وبيان إجمالي لما ورد فيه. وأما طريقة العرض بسطًا واختصارًا فيبدو أنها ترجع في الجملة إلى مكانة الصحابي أو الصحابية، ودرجته في الأقسام الأربعة، ومقدار ما عرف المؤلف عنه، أو رأى الحاجة ماسة إلى بيانه في مقام ما ينشده الدارس لهذا الفن. فنراه حين تناول ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه -أورده في القسم الأول في اسم عبد الله، وقال: إنه عبد الله بن عثمان بن عامر. حتى انتهى إلى نسبته القرشي التيمي، ووصفه بأنه خليفة رسول الله، وذكر اسم أمه وعام ولادته، وصحبته للرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض مواقفه معه: كموقف الهجرة وأطال فيه، وذكر ما لقب به في الإسلام، وموقفه من زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة، وبعض مزاياه في الجاهلية، ثم تناول ما كان من إجارة ابن الدغنة له، ثم رد جواره عليه ثم أشار إلى ما أطنب به أبو القاسم بن عساكر في ترجمته لأبي بكر حتى بلغت عنده مجلدًا، ثم أورد عدد سني خلافته، وسنة وفاته، وتناول ذلك في ثلاث صفحات من الجزء الثاني1 من الكتاب. وحين تكلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نراه قد تناوله أيضًا في قريب من هذا القدر من الصفحات، فذكر نسبه، وأنه أول الناس إسلامًا في قول كثير من أهل العلم، وأنه شهد المشاهد كلها إلا غزوة تبوك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حين آخى بين أصحابه قال له: أنت أخي، وأن مناقبه كثيرة حتى قال أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي، وقال: إن النسائي تتبع ما خص منه من دون الصحابة، فجمع منه أشياء بأسانيد أكثرها جياد، ثم أورد ما اشتهر به من الفروسية والشجاعة والإقدام، وذكر ما مدح به من الشعر في ذلك، ثم تناول كثيرًا من مواقفه وخصائصه التي منها اختصاصه يدفع الراية إليه في خيبر بعد أن قال صلى الله عليه وسلم: "لأدفعن الراية غدًا إلى رجل يحب الله ورسوله". وفي نهاية الترجمة ذكر مدة خلافته، وبعض وقائعه مع عائشة ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين2. وفي ترجمته لسارية بن زنيم أورد ما يشعر بأن له صحبة، ومن ذكر أن له صحبة من المؤرخين، وما أنشده سارية من شعر يعتذر به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد بلغه أنه هجاه   1 الإصابة ص341 ج2 وما بعدها. 2 الإصابة ص507 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 -قبل إسلامه- فتوعده، فاعتذر إليه بأبيات عد منها عشرة، وأن عمر ولاه ناحية فارس وأنه هو الذي قال له يا سارية الجبل، وذكر القصة في ذلك نقلًا عن الواقدي وعن البيهقي في الدلائل، بما استوعب صفحة واحدة، ولم يزد على ذلك1. وفي ترجمته للسائب بن عمير القاري قال: إن له ذكرًا في حديث أخرجه ابن منده، وذكر الحديث، ثم قال: إنه أخرجه الفاكهي من طريق أخرى، وترجم له في أربعة أسطر لم يزد عليها شيئًا2. وبعد: فقد رأينا في عرض هذه التراجم أنه أطال بعض الشيء في عرض ترجمة الصديق وابن أبي طالب، وأنه توسط في عرض ترجمة سارية، وأوجز في عرض ترجمة السائب بن عمير، وذلك راجع إلى ما سبق أن أوردناه من منزلة الصحابي المترجم له، ومقدار ما عرفه المؤلف عنه، وما يلزم عرضه من كل ذلك. ولا يخفى ما للإمام ابن حجر من مكانة علمية وسعة أفق، ودراية حديثية تجعلنا نطمئن إلى حسن عرضه، والثقة بما يورده في كتابه، وما يقدمه إلى الدارسين من معارف.   1 الإصابة ص2 و3 ج2. 2 الإصابة ص11 ج2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : للحافظ شمس الدين محمد بن الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902هـ: وهذا الكتاب من تلك التي أشرنا إليها في التمهيد لهذا الفصل، والتي تعنى بالتأريخ لمن اشتهروا بفن أو علم، أو قيادة أو سياسة، أو صلاح وتقوى، أو غير ذلك مما يظهر أثره ويشتهر به صحابه، وهي لذلك ليست خاصة بنوع من هذه الأنواع، فإذا أوردنا أحدها في هذا الفصل فلأنه ترجم من بين ما احتواه لمن يهمنا أمرهم ويعنينا ذكرهم، وهم رجال الحديث: علماؤه ورواته والمؤلفون فيه. فإنه إذا كان المؤلف لكتب التاريخ هذه من المحدثين فإنه ولا شك لا بد أن يعنى بشيوخه، ومن زاملوهم في طلب العلم، وعاصروهم أو أخذوا عنهم، فيوفي الترجمة بما يشمل المهم لطالب هذا العلم والدارس فيه. وإذا كان الكتاب لمؤلف من المحدثين الناقدين الذين يعنون بالجرح والتعديل، ويبدون اهتمامًا خاصًّا بالرواة وأحوالهم، من أمثال شيخ الإسلام ابن حجر، والحافظين السخاوي والسيوطي فإن ما يترجمون به لهؤلاء الرواة من أهم ما يعنينا في البحث في الرجال وأحوالهم، ومن نقلوا عنهم وتتلمذ عليهم، وما صنفوه من مدونات لها أثرها في دراسة علم الحديث بفروعه المختلفة، وفنونه المتعددة، ومن هنا كان اختيارنا لهذا الكتاب. فإن مؤلفه الحافظ شمس الدين السخاوي من فحول هذا الشأن والمبرزين فيه، نوه به ابن العماد في الشذرات فقال في ترجمته له: وانتهى إليه علم الجرح والتعديل حتى قيل: لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه، ونقل عن ابن حجر قوله عنه: إنه أمثل جماعتي، كما نقل أنه اجتمع له من الروايات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وذكر من بين مؤلفاته هذا الكتاب. وقد أبرز المؤلف عنايته بترجمة رجال الحديث، وبيان ضعفائهم وثقاتهم وما دونوه من مصنفات، بما أورده من بيان منهجه في مقدمة الكتاب بما ملخصه: إن علماء هذا القرن ومن بعدهم يشاركون في مسمى العلم وحفظه ونسخه، وإنهم فضلاء متفاوتون في الفهم والديانة، وإن الشرع قد ورد بإنزال كل منزلته، وبيان المزلزلين من الأثبات، والضعفاء من العدول الثقات، وأهل السنة من فاسدي العقيدة، ليكون المرء على بصيرة فيما يصل إليه منهم، وعلى بينة فيما بين يديه من مصنفاتهم، وأن ذلك من أوكد المهمات لما فيه من المصالح العامة المتعلقة بأمور الدين. والكتاب يقع في اثني عشر جزءًا، مجموع صفحاتها أربع وأربعون وتسعمائة وثلاثة آلاف، بما في ذلك الفهارس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ولندع الحافظ السخاوي يحدثنا عن محتوى الكتاب، ويبين لنا منهجه وطريقته ومراجعه التي استمد منها مادته، واصطلاحه عند إطلاق بعد الألفاظ، فإن ذلك مما يبرز معالم الصورة، وينير الطريق أمام الدارس الباحث عن تراجم الأعلام. قال المؤلف في مقدمة كتابه1: هذا كتاب من أهم ما به يعتني، جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن الذي أوله سنة إحدى وثمانمائة من سائر العلماء والقضاة والصلحاء، والرواة والأدباء والشعراء، أو الخلفاء والملوك والأمراء، والمباشرين والورزاء، مصريًّا كان أو شاميًّا، حجازيًّا أو يمنيًّا، روميًّا أو هنديًّا، مشرقيًّا أو مغربيًّا، بل وذكرت فيه بعض المذكورين بفضل ونحوه من أهل الذمة اكتفاء في أكثرهم بمن أضفتهم إليه في عزوه؛ لأنه اجتمع لي منه الجم الغفير، وارتفع على اللبس في جمهورهم إلا اليسير، مستوفيًا من كان منهم في معجم شيخنا وإنبائه، وتاريخي العيني والمقريزي، سيما في عقوده التي رتبها النجم بن فهد، وإن لم ينهضا لاسيتفائه، إلى غيرها من التواريخ، كالذيل لحلب لابن خطيب الناصرية، ولمكة للنجم بن فهد مع أصله للقاسمي، والطبقات والوفيات المدونة والتراجم لشيوخ ابن فهد التقي وولده وغيرها من المعاجم، وما علقته من مجامع مفيدنا الزين رضوان، أو رأيته في استدعاءات ابن شيخنا ونحوه من الأعيان، وسائر من ضبطته ممن أخذ عن شيخنا، أو عني أو أخذت عنه ولم يكن له كبير اعتنا، وربما أثبت من لا يذكر لبعض الأغراض التي لا يحسن معها الاعتراض، وألحقت في أثنائه كثيرًا من الموجودين رجاء انتفاع من لعله يسأل عنهم من المستفيدين، مع غلبة الظن الغني عن التوجيه، ببقاء من شاء الله منهم إلى القرن الذي يليه، مرتبًا له لتسهيل الكشف على حروف المعجم الترتيب المعهود في الأسماء والآباء والأنساب والجدود، مبتدئًا من الرجال بالأسماء ثم بالكنى ثم بالأنساب والألقاب، وكذا المبهمات بعد الأبناء، مراعيا في الترتيب لذلك كله حروف الكلمة المقصودة، بحيث أبدأ في الألف مثلًا بالهمزة الممدودة، ثم بالهمزة التي بعدها موحدة وألف، ثم بالتي بعدها راء على ما ألف، مردفًا ذلك بالنساء كذلك وكل ما أطلقت فيه شيخنا فمرادي به ابن حجر أستاذنا، وكنت أردت إيراد شيء مما لعله يكون عندي من حديث من شاء الله من المترجمين، فخشيت التطويل "لا" سيما إن حصل إيضاحه بالتبيين، ولذا اقتصرت على الرضي والزكي والسراج العضد والمحيى ممن يلقب رضي الدين أو زكي الدين أو سراج الدين أو محيي الدين ممن المصنف عليه محتوى، وأعرضت لذلك عن الإفصاح بالمعطوف عليه للعلم به، فأقتصر على قولي: مات سنة ثلاث مثلًا دون وثمانمائة، وثوقا بأنه ليس يشتبه. ولم آل في التحري جهدًا، ولا عدلت عن الاعتدال فيما أرجو قصدًا وسميته "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" وهو مع كتاب شيخنا وما استدركته عليه في القرن الثامن من تفويت أحد من أعيان القرنين فيما أرجو "نفعه" نفعني الله به والمسلمين.   1 الضوء اللامع ج1 ص5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 هذا بعض ما قدم به المؤلف كتابه، ونرى من خلال مقدمته ومن دلالة الاسم الذي وضعه عنوانًا له أنه غير مختص بالتأريخ لرجال الحديث من الرواة والحفاظ والمؤلفين -وإن كان قد ذكر الكثير منهم وترجم لهم- ولكنه يؤرخ لكل من علمه في القرن التاسع من سائر العلماء والقضاة والصلحاء والرواة والأدباء والشعراء وغيرهم، في كل قطر ومصر، في الشرق وفي الغرب، بل إنه ذكر فيه من عرف بالفضل ونحوه من أهل الذمة، فلم يخص به نوعًا من الرجال دون نوع، ولا أفرد به قطرًا دون قطر، وإنما سار فيه على نهج من سبقه ممن كتب التاريخ العام للرجال، مرتبًا مادته على الحروف، تسهيلًا للكشف منه. غير أننا في دراستنا لهذا الكتاب، واستعراضنا لبعض ما ورد فيه من تراجم، لمسنا عنايته الفائقة برجال الحديث ومن كانت له صلة منهم بفنونه المختلفة وأنواعه المتعددة، ورأيناه يبرز فيمن ترجم له منهم أهم النواحي المقصودة للدارس المتخصص في الحديث وعلومه، ويستوعب ما يعلمه من خصائصه بما لا يتوفر عند كثير من المؤلفين من غير رجال الحديث. إنه يذكر اسم العَلَم، واسم أبيه وجده الأول، ومن عرفه من أجداده الآخرين، ويذكر لقبه وكنيته ومذهبه، والاسم الذي اشتهر به، ومحل ولادته وتاريخها، ويذكر دار إقامته، ويتتبعه في طفولته وصباه ونشأته، ويذكر شيوخه الذين تفتحت عليهم عيناه، ثم من تتلمذ عليه وأخذ عنه، ثم يذكر ما حفظه من متون العلم إبان صغره، وينوه ببحوثه وقراءته، ويورد شيوخه في هذه القراءات وتلك البحوث، والأماكن التي درس بها كل نوع من العلوم، وعلى من تلقاها من الشيوخ، ومن كان منهم أكثر ملازمة له من غيره، ويحدد الأبواب أو الأجزاء التي قرأها عليه، ومدى استفادته من ذلك، ثم يبين اتجاهه إلى الحديث وحبه له، ويؤرخ لبدء اشتغاله به، وتفرغه للبحث فيه، ومن كان من الشيوخ أستاذًا له في علوم الحديث، وما قرأه عليه من كتب، وما حمله عنه من أمالي، ثم يذكر رحلاته إلى البلاد الإسلامية طلبا للعلم، وما أفاده في هذه الرحلات من معارف، ومن لقيه فيها من الشيوخ، وما تلقاه من كل منهم من أنواع العلم، ويتصدى لبيان فضل هؤلاء الشيوخ، والعلوم التي برزوا فيها، ومن أذن له منهم في نقل الحديث وتدوينه، ثم يبين جهوده في نقل السنة رواية أو تدوينًا، ومن شهد له بالعلم من كبار الشيوخ، ويذكر تلاميذه ومدى انتفاعهم به، ويورد ما صنفه في العلوم المختلفة عامة، وما ألفه في الحديث وعلومه بوجه خاص، ويبين عددها وينوه بما يستحق التنويه به منها، ثم يؤخر وفاته ومكانها والقبور التي دفن فيها إلى غير ذلك مما يهتم به الدارسون للسنة والمتخصصون فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 إنه يعني بالعلم من المحدثين أكثر مما يعني بغيره، ويذكر من هذه العناصر التي بينتها ما تتوفر له الإحاطة بمعرفته في دقة تامة، وأمانة بالغة، جعلت كتابه هذا من أهم كتب التراجم لرجال الحديث -إن لم يكن أهمها- في القرن التاسع الهجري، ولولا خشية الإطالة لأوردنا نماذج من تراجمه للمحدثين، وتراجم لغيرهم من الأعيان والوزراء والملوك والرؤساء، فإن إيراد هذه النماذج ومقارنة بعضها ببعض يستدعي أن نفرد له صفحات كثيرة يضيق عنها المقام، وحسبنا ما ذكرناه في التعريف بهذا الكتاب الجليل. رحم الله الإمام السخاوي، وبارك جهوده في خدمة السنة والتعريف برجالها الأفاضل، وعلمائها المبرزين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 طبقات الحفاظ : للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: وهذا كتاب من كتب التاريخ الخاص برجال الحديث، وهو -كما يبدو من اسمه- مختص بالحفاظ منهم، ألفه الإمام السيوطي على ترتيب الطبقات، وأورد فيه أربعًا وعشرين طبقة، أولها: طبقة الصحابة رضوان الله عليهم، وفيها ثلاثة وعشرون صحابيًّا وبدأها بأبي بكر الصديق، ولم يترجم لواحد منهم، وثانيها: طبقة كبار التابعين، وأورد فيها أربعين تابعيًّا كبيرًا وترجم لهم، وثالثهما: الطبقة الوسطى من التابعين، وفيها ثلاثون منهم وترجم لهم، ورابعها: طبقة صغار التابعين وذكر منهم خمسة وخمسين وترجم لهم أيضًا، ثم سار في عد الطبقات واحدة تلو الأخرى مترجمًا لرجالها حتى انتهى من الطبقة الرابعة والعشرين التي ختمها بالحافظ ابن حجر المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. ولم يحدثنا السيوطي في مقدمة كتابه عنه أكثر مما جاء بهذه المقدمة -بعد حمد الله وذكرالشهادتين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم- حيث قال: أما بعد: فهذا كتاب "طبقات الحافظ" ومعدلي حملة العلم النبوي، ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتجريح، والتضعيف والتصحيح لخصتها من "طبقات" إمام الحفاظ أبي عبد الله الذهبي، وذيلت عليه من جاء بعده. والله أسأل الإعانة، وبه العصمة والاستعانة. بهذه الكلمات القصار قدم لنا السيوطي كتابه: طبقات الحفاظ، لم يبين فيها منهجه وطريقته ولم يزد على أن كتابه هذا تلخيص لكتاب الذهبي، وتذييل عليه بذكر من جاء بعد الذهبي من الحفاظ إلى ابن حجر العسقلاني كما رأينا في الكتاب. فإذا رجعنا إلى كتاب الذهبي المسمى "تذكرة الحفاظ" وجدناه يقدم كتابه التذكرة أيضًا بكلمات قصار تقرب منها كلمات السيوطي في الألفاظ، وتشبهًا في المعاني، فهو يقول بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم. هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوي، ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف، وبالله أعتصم، وعليه أعتمد، وإليه أنيب. غير أنه بمقارنة الكتابين فيما احتويا من مادة، وفي تقسيم هذه المادة وتنويعها لاحظنا على كتاب: "طبقات الحفاظ" ما نورد أهمه فيما يأتي: 1- إن السيوطي في إيراده للطبقة الأولى في الكتاب قد نبع أصله للذهبي في عددها وأعيانها وترتيب أعلامها إلا في وضع سعد بن أبي وقاص، فقد جعله في ترتيب الأسماء خامسها بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 أن كان ترتيبه في التذكرة تاسعها، ولكنه خالف أصله بذكر أسماء الصحابة مجردين دون ترجمة أصلًا، بل إنه لم يكلف نفسه عناء تجاوز اسم الشهرة للصحابي إلى ما هو قريب منه يذكر الجد والنسبة، أما الأصل فقد ذكر اسم كل صحابي في هذه الطبقة، كما ذكر اسم أبيه وجده ونسبته، ثم وصفه وأورد شهادات النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة له، وبعض ما رواه من حديث، وصورة من أخلاقه، وأرخ وفاته، وذكر عمره عند الوفاة، ثم أردف أسماء هذه الطبقة الأولى بطائفة من رجال الصحابة عنون لها بقوله: ومن نبلاء الصحابة الذين حديثهم في الصحاح، وأورد أسماء تسعة وستين صحابيا، ثم ذكر عنوانًا آخر قال فيه: ومن النساء، ذكر تحته تسع عشرة صحابية من بينهن أربعة من أمهات المؤمنين. رضوان الله عليهن كما أن من بينهن السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أغفل السيوطي كل هذا، كما أغفل تلخيص الترجمة لكل واحد من هؤلاء الذين ذكرهم، واكتفى بسرد أسماء الشهرة فقط لأعلام الصحابة الثلاث والعشرين، وكأنما لم يكن تلخيصه لهذه الطبقة اختصارًا كما هو المعهود في المختصرات، وإنما كان تلخيصه لها اختزالًا، بل حذفًا لما ورد فيها من مادة علمية جديرة بالتنويه. 2- وفي الطبقة الثانية أورد -تبعًا للأصل- أسماء من ذكروا فيها على ترتيبه، غير أنه أغفل منها كعب الأحبار، وهو العلم الثالث والثلاثون، والربيع بن خيثم وهو العلم الحادي والأربعون، وترجم لكل من أعلامها بما يقتصر على ذكر الاسم والأب والجد والنسبة إلى القبيلة وإلى الموطن، وشهادات الحفاظ له -إن وجدت- وزمن مولده ووفاته. 3- وفي الطبقة الثالثة لخص الأصل فيما ورد فيه من أعلام ذكرها على ترتيب أصله إلا في اليسير في ختام هذه الطبقة، حيث قدم ذكر عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن موضعه في ترتيب الأصل، وأورده قبل وهب بن منبه وعبد الله بن أبي مليكة، وهو في الأصل مذكور بعدهما. 4- وفي الطبقة الرابعة أغفل ذكر أعلام ثمانية وردت في الأصل وهي ما يأتي: سعيد بن أبي سعيد، والعلاء بن عبد الرحمن، وسعد بن إبراهيم الزهري، ويزيد بن الهاد، وعوف الأعرابي، وسهيل بن أبي صالح، وأشعث الحمراني، وعبد الملك بن أبي سليمان العزرمي الكوفي. وأضاف أعلامًا خمسة لم ترد في الأصل وهي: حماد بن أبي سليمان، وعطاء بن السائب بن مالك الثقفي، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، ويزيد بن أبي زياد الهاشمي، وعبد الله بن أبي سليمان الأموي. وخالف ترتيب أعلام الأصل في مواضع. 5- وفي الطبقة الخامسة أغفل من الأصل هذه الأعلام السبعة: حبيب بن الشهيد الأزدي، يحيى بن سعد الحمصي، حنظلة بن أبي سفيان، روح بن القاسم الحافظ، هشام بن سعد، جبيرة بن أسماء، جعفر بن سليمان. وخالف ترتيب الأصل في مواضع أيضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 6- وفي الطبقة السادسة أغفل ذكر حميد بن عبد الرحمن بن حميد الحافظ الكوفي، وأضاف إلى الأصل جعفر بن سليمان الضبعي. ولم يلتزم ترتيب الأصل في بعض الأعلام. ثم سار في بقية الكتاب على هذا النسق يترك أعلامًا من الأصل، ويضيف أخرى إليه، مما جعل مخرج الكتاب يقول في مقدمته1: على أنني بعد أن قارنت ما في طبقات الحفاظ للسيوطي بما في طبقات الحفاظ2 للذهبي رأيت أن السيوطي لم يتقيد تمامًا بما ذكره الذهبي في طبقاته، فقد وجدت عند السيوطي من الآراء والنقول ما ليس مذكورًا عند الذهبي، وهذا الأمر يدل على أن السيوطي كان يختار ويؤلف، ولا يلخص فقط، ومن هنا يمكن أن نستنتج أنه لا غنى للباحثين عن كل من الكتابين، وأن لكل منهما سماته ومزاياه. وثمة مظهر آخر في طبقات السيوطي، هو أنه ذيل فيها على طبقات الذهبي بالحفاظ الذي تلوا عصر الذهبي إلى طبقة الحافظ ابن حجر. وفي الكتاب اثنان وتسعون ومائة وألف علم من أعلام الحافظ، حشدهم السيوطي في هذا المؤلف، ورتبهم على طبقات أجيالهم، وترجم لهم بما سنح له من أحواله فيما عدا الطبقة الأولى من الصحابة. ويقع الكتاب في ثمان وأربعين وخمسمائة صفحة تستوعب مادته، وسبعين ومائة صفحة تستوعب فهارسه ومراجع تحقيقه، كل ذلك في مجلد واحد مطبوع في القاهرة سنة 1393هـ.   1 طبقات الحفاظ ص8. 2 وهو المعروف بتذكرة الحفاظ للذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 إسعاف المبطأ برجال الموطأ: للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ: ومؤلف هذا الكتاب أيضًا هو الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة. وكتابه إسعاف المبطأ برجال الموطأ كتاب قيم موجز، تناول فيه الرواة الذين وردت أسماؤهم في الموطأ من شيوخ الإمام مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه إلى نهاية السند. وهذا الإيجاز في كتب السيوطي فن غالب عليه في تأليفها، يتمثل فيه مقالة العربي: "يضع الهناء مواضع النقب" فهو حكيم يضع كل كلمة في موضعها بميزان، ولا يكتبها إلا إذا دلت على معنى لا يستفاد بغير ذكرها، ويترك ما لا يحتاج إليه، في غير ترادف -عند الذكر- في مفرد أو جملة. قدم السيوطي لكتابه بمقدمة نوه فيها بالإمام مالك رضي الله تعالى عنه، وأنه لا يأخذ إلا عمن يصلحون للأخذ عنهم، لا من زاوية العدالة فقط، بل لا بد أن يتحقق مع العدالة معنى الضبط واليقظة، حتى إن مالكًا سئل عن ثلاثة من الرجال فأطرق ثم رفع رأسه وقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله -وكان كثيرا ما يقولها- ثم قال للسائل أدركت هذه المسجد وفيه سبعون شيخًا ممن أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن التابعين، ولم نحمل العلم إلا عن أهله1. ثم ذكر صورًا كثيرة تدل على هذا المعنى في مالك رضي الله عنه، وكان في آخر ما نقله عنه أن وهبًا سمع مالكًا يقول: لقد رأيت بالمدينة أقوامًا أو استسقي بهم القطر لسقوا، وقد سمعوا من الحديث والعلم شيئًا كثيرًا، وما أخذت عن واحد منهم، وذلك أنهم كانوا قد ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد، وهذا الشأن -يعني الحديث والفتيا- يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم، ويعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليها غدًا في القيامة، فأما زهد بلا إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به، وليس هو بحجة، ولا يحمل عنهم2 لعلم، وقال معن بن عيسى: سمعت مالكًا يقول: كما من أخ لي بالمدينة أرجو دعوته ولا أجيز شهادته. وتخير السيوطي لهذه المقدمة بما فيها من بيان منهجه على جهة الإطناب، والتي قد تكون طويلة بالنسبة لحجم الكتاب نفسه ربما يكون قد استغنى بها عن شيء كثير جدًّا مما يورده في أوصاف الرجال الذين أرخ لهم في كتابه، فإن فيها تزكية عامة لشيوخ مالك رضوان الله عليه.   1 إسعاف المبطأ ص2. 2 إسعاف المبطأ ص4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 والظواهر المائلة في هذا الكتاب تتجلى فيما يأتي: 1- رتبه على حروف المعجم، والتزم الحرف الأول من اسم الراوي ثم الذي يليه، وهكذا، ولا يعنيه الترتيب الزمني، حيث التزم الترتيب على أوائل حروف الهجاء، فإذا انتهى حرف الهمزة بدأ بما يليه وهو الباء من غير تقيد بزمن، وهذا يستلزم أن يجيء اسم الصحابي مثلًا بعد تابعي ثم يجيء بعده تابعي آخر لأنه التزم الحرف دون الزمان، ولهذا نرى أن أسامة بن زيد وهو صحابي وقع اسمه -على مقتضى هذا الترتيب- بعد اسم إبراهيم بن عقبة التابعي؛ لأن الهمزة والسين بعد الهمزة والياء، ثم جاء بعد أسامة بن يزيد إسحاق بن عبد الله المدني التابعي1؛ لأن الهمزة مع السين والحاء بعد الهمزة مع السين والألف وكذلك وقع اسم أيوب بن أبي تميمة السختياني التابعي بعد أنس من الصحابة2. 2- يقتصر من تاريخ الرجل على الهدف المنشود للمحدث من دراسة الرجال، فيذكر شيوخه وتلاميذه، وما حكم به عليه أئمة الجرح والتعديل، كابن سعد وابن معين وأحمد ويحيى والنسائي وابن حبان وأبي زرعة وابن حاتم. 3- إذا تناول أحدًا من الصحابة بالتأريخ ذكر أهم نواحيه التي تبرز مكانته، فهو يقول في أسامة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره على جيش فيهم أبو بكر وعمر ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وايم الله إن كان لحليقًا بالإمارة". ثم ذكر فيه أن والده وجده وابنه من الصحابة، فهم أربعة متوالدون صحابة3 وكقوله في أنس: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وأنه كان يطيل القيام في الصلاة حتى تقطر قدماه دمًا. ويبدو أن وجهة نظره في ذلك أن الصحابي ليس من شأنه أن يتناول من زاوية الجرح والتعديل ولا الشيوخ، فإذا حكم عليه بالتاريخ الموجز الذي التزمه فقد أبرز أهم النواحي فيه. 4- يذكر الخلاف بين علماء التجريح في الحكم على الراوي، فهو مثلًا يقول في داود بن الحصين الأموي:4 وثقه ابن معين وضعفه أبو حاتم وقال: لولا أن مالكًا روى عنه لترك حديثه، وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير، وقال ابن حبان: من أهل الحفظ والإتقان. وقد يبدو كأن في هذه الأحكام إطنابًا لا يتناسب مع وجازة الكتاب، ولكن إذا لوحظ أنه يخرج المؤلف من ورطة الكتمان، ويحقق له صفة الأمانة والدقة ذهبت تلك الشبهة.   1 إسعاق المطبأ ص5. 2 إسعاق المطبأ ص6. 3 إسعاق المطبأ ص5. 4 إسعاق المطبأ ص9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 5- ومن مظاهر دقته في التحري -مما قد يتوهم أنه إطناب أيضًا- أن ينقل عبارات في الحكم على الراوي كأنها مترادفة دون تصرف فيها، ومن ذلك ما جاء في حكمه على ذكوان السمان المدني1 أنه كان ثقة من أجل الناس وأوثقهم، وقال ابن المديني: ثقة ثبت، وقال ابن سعد: كثير الحديث، وأنه أيضًا يذكر ما عرفه من زمن السنة التي توفي الراوي فيها، كقوله في رافع ابن إسحاق الأنصاري2: إنه مات في أول سنة أربع وتسعين، كما أنه أيضًا يذكر مكان الوفاة كقوله في ذكوان السمان السابق3: إنه مات بالمدينة سنة إحدى ومائة، وقوله في ربيعة بن عبد الرحمن4: إنه مات بالأنبار سنة ست وثلاثين ومائة. 6- من لطائفه في هذا الكتاب أنه يذكر شيوخ الصحابي، فيورد فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان شيخًا للصحابي من الصحابة، ومن ذلك قوله في أسامة5: إنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وبلال وأم سلمة، وقال في أنس6: إنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان في آخرين، وربما ترك في بعض الصحابة ذكر الشيوخ والتلاميذ كما فعل في بلال، وعذره ما ذكرنا من أن الصحابي لا يحتاج في ناحيته الحديثية إلى ذلك. هذه أهم النواحي التي سنحت لنا في دراسة هذه الكتاب النفيس القيم، وكان يحق إسعافًا للطالبين وهو وإن كان قد سماه إسعاف المبطأ فإنما هو استجابة لداعي السجع الذي التزمه هو ومعاصروه من المؤلفين.   1 إسعاق المطبأ ص9. 2 نفس المرجع والصفحة. 3 نفس المرجع والصفحة. 4 نفس المرجع ص10. 5 نفس المرجع ص5. 6 نفس المرجع ص6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 خاتمة : أما بعد: فهذا ما استطعت التقدم به في هذا البحث الذي رجوت أن يكون تجديدًا في دراسة السنة من ناحية الموضوع -وهو مدرسة الحديث في مصر في أهم فترات أزدهار دراسته فيها- ومن ناحية المنهج التفصيلي الذي عولت عليه في عرضي له، وإبرازه للقارئ الكريم إما في صميم الموضوع وكنهه، وإما فيما لا بد منه لتصويره والإحاطة به، كالموضوعات التي تعرضت فيها لغير مصر من الأماكن، وتعرضت فيها لغير الزمن الذي حددته للبحث، ولغير الأعلام الذين ينتمون إلى هذا البلد، ضرورة الربط العلمي في التطوير، وبناء اللاحق على السابق، وربط المعاصر بالمعاصر بما تدعو إليه ضرورة الأخذ والإعطاء، مهما تباعدت الأماكن أو تقاربت، ومهما اختلفت الأشخاص والأجناس؛ إذ كان المهم أن يبرز الموضوع مستوفيًا جميع جوانبه، واضحًا للقارئ مهما كلف ذلك من استعانة بوسائل إيضاحه التي استدعتها ضرورة البحث فيه، وهذا ما دعاني إلى أن أتناول في دراسة الأعلام تراجم مختصرة للصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الزمن المحدد لهذا البحث، باعتبار أنهم الأسس الأولى لهذه المدرسة الحديثية في مصر، كما دعاني هذا إلى بذل الجهد في محاولة استقصاء أهم المؤلفات الحديثية التي سبقت العصر المقصود بالبحث في كل نوع تناولته بالدراسة من أنواع علوم الحديث، إذ كانت هذه الكتب هي مواد هذا العصر التي يرجع إليها بالاقتباس أو التهذيب، أو الاختصار أو الشرح، أو النسج على منوالها في جمع المعارف الحديثية، وإن اختلفت المناهج وتعددت المسالك ولذلك أوردت بين يدي دراستي لكتب الأحكام عديدًا من أسماء الكتب التي سبقت مؤلفات علماء مصر في أحاديث هذا النوع، كما أوردت دراسات لمناهج بعض هذه الكتب، حتى يظهر للقارئ مسلك المتقدمين في التأليف، وتتضح أمامه الصورة في تطوره وتدرجه في نقل العلوم الحديثية وتدوينها، وسلكت هذا الطريق في دراسة كتب الترغيب والترهيب، وفي دراسة كتب الجوامع، وكتب الزوائد، وكتب توضيح المهمات، وغيرها مما تضمنته الفصول الثمانية في دراسة المدونات الحديثية. ولقد بذلت أقصى الجهد في تتبع موضوع البحث في مظانه من كتب الأصول الأولى المعتمدة، سواء منها ما هو في متن السنة، أو فيما يتعلق به من علوم المصطلح و التخريج والرجال وغير ذلك. وقد عزوت كل ما استقيته من هذه الأصول إلى مراجعه, وأثبته في هوامش الصفحات تقريبًا للقارئ، وتيسيرًا، له حين يريد المراجعة والتثبت من صحة النقول، وصدق عزوها إلى الأصول، سواء في ذلك ما يتعلق بالأعلام والرجال، وما يتعلق بالمدونات والكتب، وما يتعلق بالأحكام في دراسة هذه المدونات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 ولعل القارئ يرى أنني لم أقتصر في دراسة أي موضوع على مرجع واحد، وإنما طلبته من عدة مراجع، تحقيقًا للعلم، وزيادة في الاطمئنان والتثبت، وربما استدعاني هذا إلى بحث عدة أسفار، أستغرق فيها وقتًا طويلًا أصل فيه الليل بالنهار في محاولة التأكد من جزئية صغيرة تتصل بعلم من أعلام الحديث، أو بمدونة من المؤلفات في السنة، حتى أصل إلى مظنته، ثم أواصل البحث في هذه المظنة حتى أطمئن إلى تحقيق تلك الجزئية، وإلى سلامة عرضها على القارئ -بعد التثبت منها- وقد أمنت العثار والزلل فيما أقدمه من معلومات جهد طاقتي. ولعل القارئ قد لمس في هذا البحث عدة استطرادات هي في حقيقتها أمور كان يدعو إليها محاولة التثبت، أو توثيق الربط بين ما هو من صميم الموضوع وصلبه، وما يحتاج إليه في تدعيمه وتأكيده. والواقع أنني حين بدأت محاولتي في كتابة هذا الموضوع لم أكن أتوقع أن يصل حجم البحث فيه إلى ما وصل إليه الآن من الكبر والضخامة، ولكنه شأن العلم وما يدعو إليه من التوافر على الاحتياط، ومحاولة إبرازه كاملًا في كل جوانبه ونواحيه مهما أمكن ذلك، على أنني ما ذكرت شيئًا ثم رأيت بعد إيراده أنه كان ينبغي تركه والإعراض عنه لأنه من الزوائد أو الفضول، بل كان الأمر على العكس من ذلك، لما يتركه من الأثر في إيضاح الحقائق المطلوبة في صميم البحث. وهل كان يسعنا أن نعرض عن دراسة تراجم أعلام الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم إلى العهد الذي حددنا به موضوع هذا البحث وهم الأساتذة الذين حملوا العلوم والمعارف الحديثية إلى هؤلاء الذين جعلناهم المقصود المهم من هذه الدراسة؟ وهل كان يسعنا أن نحلل الكتب المؤلفة في هذا العهد فقط وللمصريين وحدهم دون أن نبين من رسم لهم طريق التأليف والتصنيف من الأوائل والمتقدمين في مؤلفاتهم في مختلف الموضوعات، وأن نبين كيف اتفق هؤلاء وأولئك فيما اتفقوا فيه، وكيف اختلفوا معهم فيما اختلفوا فيه، وما لتوالي العصور وتجدد الثقافات وتطورها من أثر في ذلك؟ وماذا يضير القارئ أن يصل إلى مائدة شهية حافلة بالأطايب، مما أضنيت نفسي بالتنقيب عنه في بطون الكتب المتعددة، من بيان المراجع الحديثية وإيراد أسمائها وأسماء مؤلفيها وزمان تأليفها -فيما سبق التأليف فيه من الكتاب المناظرة لمؤلفات هذا العصر المقصود- في كل ما تناولته بالدراسة من أنواع علوم الحديث، ليرجع إليها عند إرادة الاستقلال توسعًا في البحث، أو موازنة بينها وبين كتب المتأخرين، وهي لا تتسنى له في مرجع واحد أو مرجعين أو ثلاثة، ولكنها مبعثرة في عدة مراجع يعز تطلبها والعثور عليها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 ولعل في عرض هذه الجهود ما يصور مدى عناية الأجيال المتلاحقة منذ عصر النبوة، بحمل رسالة الإسلام من كتاب وسنة إلى الناس في كل العهود والأقطار الإسلامية والحفاوة بها، وحياطتها بكل ما يلزم لبثها ونشرها والإفادة بها، بمختلف الأساليب والطرق والمناهج، ثم ما يصور نصيب المدرسة المصرية في الحديث وجهود أعلامها في جميع السنة وتدوينها ونشرها وتقريبها والدفاع عنها، وهو ما نراه واضحًا فيما خلفوه من ثروة دينية وعلمية حديثة، حافلة بما تحويه من دراسات لكل ما تحتاجه دراسة السنة، وتستدعيه ضرورة البحث فيها، وتفهمها على وجهها، متمثلًا في تلك المؤلفات التي لا تحصى كثرة في مختلف علوم الإسلام، وقد بينا ذلك بيانًا تفصيليًّا مسهبًا في هذه الدراسة، بل كان له أكثر نصيب منها. وقد شاء الله أن تكون تلك الموسعات الضخمة والمؤلفات المتكثرة في علوم الدين بعامة، وعلوم السنة بخاصة، مادة خصيبة لمعالجة قضايا العصر في المشاكل المتعلقة بشئون الدين والدنيا، وفي رد تيار العدوانات التي تفتح فوهاتها من كل جهات الكفر وأعداء الحق من المبشرين وأذنابهم، فكانت أسلحة لكل مدافع عن الإسلام، وقوة لكل واقف في ثغوره يدفع بها كل كيد له أو عدوان عليه. ولقد شاء الله أن يحتفظ للأزهر بنصيبه المدخر في خدمة السنة، فحفظ له هذا التراث، حتى استيقظ على تلك المجهودات رجال منه، كرمهم الله بحمل لواء السنة، وشرفهم بالعمل على تجديد العهد بها وإحياء الاتجاه إليها، فكان فيه تخصصات مختلفة لهذه العلوم تجلت في كلياته المختلفة: في كلية أصول الدين بالقاهرة، ونظيرتها في فرع جامعة الأزهر للبنات، ثم بأسيوط، ومعهد السنة وأقسام الدراسات العليا في السنة وعلومها، ولجان السنة بمجمع البحوث، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية -وعلماؤها من الأزهر- مما أبرز للعالم الإسلامي رجالًا تفاخر بهم مصر في خدمة السنة، وتجدد بجهودهم عهدها الأول الذي زخر بخيرة المحدثين ورجال السنة الأماثل. وهذا دليل على ما يريده الله لهذه الأمة من رعاية بتجديد أمر دينها، تحقيقًا لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الله يبعث لهذه الأمة في كل فترة من الزمن من يجدد لها أمر دينها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ولا يفوتني -قبل أن أختم هذا البحث- أن أتقدم بتوصيات تابعة عن شعور صادق وعميق بالرغبة في مباركة الجهود حول الحفاظ على السنة، وتيسير دراستها وتقريبها بكل الوسائل الممكنة، حتى تترك آثارها الإسلامية في نفوس المسلمين، فترد إليه مجدًا كاد يتقلص بإهمال شئون هذا الدين، وسبيلنا إلى هذا ما يأتي: 1- تكوين حلقات طلابية حديثية، يشرف عليها أساتذة متخصصون في الكليات المعنية بدراسة السنة: في أصول الدين والشريعة والدراسات الإسلامية وغيرها، ويختار الأساتذة لكل من هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 الحلقات أبوابًا من الكتب الأصول في الحديث بما يناسب أوقاتهم وطاقتهم في مراحلهم العلمية المختلفة، يكلفون بدراستها، وتعرف طريقة المؤلفين فيها، وتدوين بحوث تصور مناهج الدراسة في هذه الكتب، وما ينبغي الأخذ به من تلك المناهج، وما يصح الاستغناء عنه منها، على أن تعرض نتائج هذه البحوث في ندوة علمية يحضرها الأساتذة، ويناقشها من شاء مناقشة منظمة تعين على تكوين ملكة البحث، وتثير عند الطلاب غريزة المناقشة، ثم يرجع إلى تلك البحوث في تقديرهم عند الاختيار، ويوصي بنشر الجيد منها في المجلات الدينية والنشرات العلمية، حفزًا للطلاب على مواصلة البحث والإجادة فيه. 2- إنشاء قسم الاتصال بالأمم الإسلامية ذات الخبرات المتقدمة في خدمة السنة النبوية، مثل الهند وباكستان وبعض بلاد المغرب، يكون على صلة دائمة بهذه الأمم للانتفاع بما لديها من ملكات، والتعرف على ما عندها من مؤلفات في الحديث وعلومه، سواء في ذلك المطبوع النادر والمخطوط كذلك، لتيسير طبع ما يمكن تداوله منها، والرجوع إلى علماء السنة في هذه البلاد، لتبادل الرأي في المشكلات الحديثية التي قد تطرأ في مجال التطبيق العملي في حياة الناس ولتكوين رأي عام يقاوم ما يفد من الأمم المنحرفة عن الإسلام وتوجيهاته من آراء تفسد على الناس عقائدهم وسلوكهم، وتحول دون تطبيق تعاليم الإسلام في مختلف الشئون. 3- الدعوة إلى عقد مؤتمرين لعلماء الحديث في كل عام، أحدهما: في موسم الحج، حيث يجتمعون من شتات العالم الإسلامي لتداول الرأي فيما ينهض بالسنة، وللتعرض على ما عند كل أمة من وسائل النهوض بها، لتأخذ به بقية الأمم التي لم يقع لها الانتفاع به، والثاني: يتم تحديد موعده الزماني والمكاني في مؤتمر الحج حيث يكون تحديد زمان المؤتمر ومكانه من بين أعمال ذلك المؤتمر، ليجتمع مرة أخرى في العام نفسه في إحدى البلاد التي لها اعتناء بالسنة دراسة لها، أو جمعًا للكتب التي قد يقع عليها اختيار بعض المؤتمرين لنشرها، وليدلي المؤتمر برأيه في ذلك وفي الطريقة التي يعم الانتفاع بها من هذه الكتب، وفي عقد المؤتمر الثاني على هذا الوجه ما يمكنه من دراسة التراث الحديثي على الطبيعة في مواطن وجوده، على أن تتولى لجان المؤتمر متابعة تنفيذ توصياته على الصعيد الإسلامي، عن طريق أعضائه المشتركين فيه، والذين يقومون بدور فعال في الاتصال بالمسئولين في أممهم ممن لهم القدرة على ذلك التنفيذ. 4- العمل على إيفاد بعثات علمية من الممتازين في دراسة السنة إلى البلاد المتقدمة في دراستها للانتفاع بمواهب البارزين في تلك البلاد، وللتعاون مع المؤتمر تحضيرًا لأعماله في شأن الكتب التي تعرض عليه في الجلسة المقبلة، وتنفيذًا لما أوصى به في جلسة ماضية. 5- وإلى أن يتم تنفيذ ما سبق يمكن أن يبدأ منذ الآن بإخصاب المناهج الدينية في الأزهر بتضمين مناهجه مقررات خاصة من الأحاديث النبوية يلزم الطلاب بحفظها في جميع المراحل، بدءًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 من المرحلة الابتدائية، على أن تكون من الأحاديث الصحيحة المختارة بما يتناسب مع سنهم وقدرتهم العلمية، وأن يفيدوا بما فيها من ثقافات إسلامية رفيعة، تدفعهم إلى الخير، وتنأى بهم عن مواطن الزلل، وتكون مادتهم العلمية في أهم أصول الإسلام بعد كتاب الله عز وجل. وليس هذا بعسير، وفي المناهج متسع لهذا الركن الذي هو أساس الإسلام ودعامته، لو استطعنا أن نستغني عن بعض ما لا حاجة لإنفاق وقت الطلاب فيه. بل إن على ولاة الأمور في الدولة أن يضعوا مناهج لدراسة الحديث لتلاميذ المدارس الابتدائية والإعداية، وطلاب التعليم الثانوي والجامعات، كل على حسب سنه ومستواه الثقافي، فقد جرب الأزهر مزج المناهج العامة بالمناهج الدينية في جامعته في كلياتها المدنية، فلم يحل ذلك بين الطالب وبين استكمال دراسته المدنية كزملائه في بقية الجامعات. 6- على أن ما أوردناه فيما سبق لا يعدو أن يكون تصويرًا لبعض جوانب نشر السنة لإفادة الناس بها، وإلا فإن هناك من وسائل النشر الكثرة التي تستعملها الدولة في نشر ما تراه من توجيهات للشعب في شئونه الأخرى ما هو كفيل بأن يحقق جانبًا واسعًا في هذا السبيل، فعن طريق أئمة المساجد في المدن والقرى، وعلى موجات الأثير في الإذاعة المسموعة والمرئية، وفي الصحافة وفي النشرات التي تصدرها المؤسسات الدينية المختلفة مجال فسيح للتوجيه الإسلامي نحو السنة الكريمة، وتهيئة النفوس لها تهيئة صادقة، وهذه الوسائل مستعملة في بعض البلاد الإسلامية المعنية بالدين، فإن في كثير منها أركانًا مخصصة للسنة قراءة ودرسًا، وكتابة وبحثًا، فليكن لنا من الباعث والحافز مثل ما لهذه الأمم التي تضعنا في مركز الصدارة لها في كثير من شئون الحياة. نسأل الله سبحانه أن يبعث في نفوس المسلمين: أفرادًا وجماعات، حكامًا ومحكومين من الهمة ما يكفل العمل على مرضاة الله في إظهار هذا الركن العظيم من أركان الإسلام حتى يعيد لهم من المجد والنصر ما شمل به أولئك الأولين الذين قاموا بواجبهم في الدعوة إلى الدين ونشر تعاليمه من الكتاب والسنة في كافة الأرجاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين". محمد رشاد محمد خليفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 التخريج : هذا بيان بتخريج ما فاتنا تخريجه من أحاديث الباب الثالث موزعًا على الصفحات: الصفحة / الحديث وتخريجه 153 حديث: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه". أخرجه البخاري ومسلم ولفظ البخاري بزيادة. "حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له" ورواه أحمد والنسائي بنحوه، وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "حتى ينكح أو يدع". 153- حديث: "لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب". رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عروة بن مروان وقيل فيه: ليس بالقوي وبقية رجاله وثقوا، ورواه الطبراني في الصغير والوسط عن ابن عباس بلفظ: "أنا ومحمد والحاشر والمقفي والخاتم". 157- حديث: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". رواه مالك البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة صحيحه وزاد في آخره: قال مالك: تفسيره ذهاب الوقت. 157 حديث: "كان موضع المسجد حائطًا لبني النجار فيه حرث ونخل ... " إلخ. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، وزاد ابن ماجه في الحديث لفظ أبدًا، وفيه عند الإسماعيلي: "لا نطلب ثمنه إلا من الله" ورواه النسائي بنحوه في كتاب المساجد. 157 حديث: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا". أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة ورمز له السيوطي في جامعه الصغير بالصحة. 157 حديث: "لا نذر في معصية ... ". رواه أحمد في مسنده واحتج به، وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة، ولفظه في سننن أبي داود من طريق كريب عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به". 158 حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب ... ". هذا حديث موقوف رواه أبو داود في سننه وقال: أوقفه غندر عن ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الصفحة / الحديث وتخريجه 158 حديث: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس ... إلى أن قال: ثم أمر بلالًا فأذن". رواه النسائي بنحوه وأبو داود. 159 حديث: "كان أبو هريرة يحدث أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ... " رواه مسلم في كتاب الرؤيا عن محمد بن بشار مختصرًا وأبو داود، ورواه البخاري في كتاب التعبير، ورواه مقطعًا في الصلاة وفي الجنازة وفي البيوع وفي الجهاد وفي بدء الخلق وفي صلاة الليل وفي الأدب عن موسى بن إسماعيل وفي الصلاة وفي أحاديث الأنبياء وفي التفسير ولم يخرجه تامًّا إلا في التعبير، وأخرجه الترمذي في الرؤيا مختصرًا، وأخرجه النسائي في الرؤيا عن محمد بن عبد الأعلى. 159 حديث أبي بن كعب قال: "وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عرفها حولًا ... ". هذه رواية أبي داود، وقد رواه أيضًا البخاري ومسلم وأحمد في مسنده أبو داود الطيالسي. 159 حديث يعلى بن أمية: "أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق أو قال صفرة ... ". هذه رواية أبي داود، ورواه البخاري ومسلم، وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن قتادة عن عطاء بلفظ: "رأى رجلًا عليه جبة عليها أثر خلوق" ورواه البيهقي. 159 حديث نبيه بن وهب قال: "اشتكى عمر بن عبيد الله بن معمر عيينة فأرسل إلى أبان بن عثمان" هذه رواية أبي داود، وقد رواه مسلم في باب جواز مداواة المحرم عينيه. 160 حديث أبي بكرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: إن الزمان قد استدار كهيئته" هذه رواية أبي داود ورواه البخاري في التفسير وغيره، ورواه مسلم من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، ورواه البزار عن محمد بن معمر، وقد رواه ابن عون وقرة عن ابن سيرين، وروى ابن مردويه عن حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مثله أو نحوه. 160 حديث كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم ... ". هذه رواية أبي داود، ورواه النسائي بنحوه عن كثير بن كثير عن أبيه عن جده. 160 حديث عبد الرحمن بن سعيد المخزومي قال: "حدثني جدي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة أربعة لا أومنهم في حل ولا حرم ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الصفحة / الحديث وتخريجه هذه رواية أبي داود التي قال في ختامها: لم أفهم إسناده من أبي العلاء كما أحب، ومعنى ذلك عدم اعتداده بهذا السند، وهو جزء من حديث طويل قصته واردة في مجمع الزوائد ج6 ص173 وذكر مؤلفه أن أبا داود روى طرفًا من الحديث، ورواه الطبراني ورواته ثقات. 160 حديث التماس ليلة القدر رواه أبو داود وأخرجه مسلم في فضل ليلة القدر والحث على طلبها. 160 حديث: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ... ". هذه رواية أبي داود، ورواه النسائي في كتاب الإيمان عن أبي موسى الأشعري. 161 حديث جلب البز من هجر. رواه أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه ورواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن سويد بن قيس. 161 حديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر ... ". أخرجه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن عبد الله بن سرجس. 162-167 حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ... ". رواه مسلم والترمذي وابن ماجه عن عائشة، وأبو داود. 166 حديث: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهارة". 169 حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان اغتسل". رواه أحمد ومسلم والترمذي بنحوه وصححه، ولفظه: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل". 170 "لأغسل على من أكسل حتى ينزل". كسل بفتح الكاف وكسر السين إذا ضعف عن الإنزال، والحديث رواه مسلم المنذري في الترغيب والترهيب بنحوه. 170 حديث: "إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد وجب الغسل". أخرجه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم وأحمد: "وإن لم ينزل". 171 حديث: "كان يتوضأ لكل صلاة". رواه الجماعة إلا مسلمًا، زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس: "طاهرًا أو غير طاهر". 172 حديث: "من توضأ على طهر كتب الله له بذلك عشر حسنات". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر "ض". 172 حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". رواه أحمد بلفظ: "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" وللبخاري تعليقًا: "لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" ويروي نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 الصفحة / الحديث وتخريجه قال ابن منده: إسناده مجمع على صحته، ورواه الشافعي عن مالك مرفوعًا ورواه الترمذي وأبو داود عن زيد بن خالد، ورواه الطبراني عن ابن الزبير. 173 حديث: "كنا نصليها -أي صلاة العصر- مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نأتي العوالي والشمس مرتفعة". رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، والنسائي وابن ماجه وأبو داود. 178- حديث "إنما الأعمال بالنيات". رواه البخاري ومسلم. 178- حديث ابن مسعود: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله". رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 178 حدث أبي هريرة: "نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه" رواه البخاري ومسلم. 178 حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب ... " إلخ. رواه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه. وزاد البخاري في رواية: "في أموالهم" وفي رواية له أخرى: "افترض عليهم زكاة في أموالهم". 178 حديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين". رواه البخاري، ومسلم، والنسائي. 178 حديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة". رواه البخاري ومسلم وأحمد ونحوه وزاد في رواية: "وقاس الناس ذات عرق بقرن". 178 حديث: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار". رواه البخاري ومسلم، ورواه أبو داود والبيهقي بنحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وزاد لا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله. 178 حديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة". رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود، زاد مسلم في رواية: فلم ألبث حتى تزوجت، وزاد ابن حبان في صحيحه بعد قوله: فإنه له وجاء: وهو الإخصاء وهو مدرج، ورواه البزار عن أنس من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عنه، والطبراني في الأوسط من طريق بقية عن هشام عن الحسن عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 الصفحة / الحديث وتخريجه 179 حديث: "إن الحلال بين والحرام بين". رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن النعمان بن بشير: صحيح. 189 حديث: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن". رواه مسلم وزاد في رواية قال أنس: فهي سنة فهي سنة فهي سنة وأخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وأخرجه الشيخان أيضًا من رواية أبي طوالة واسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أنس. 189 حديث جابر: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب". أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه من هذا الوجه من طريق مالك، وأخرجه مسلم أيضًا من طريق عبد الله بن عمر بزيادة: "فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل" ومن طريق إسماعيل بن أمية زيادة: "فتتبعت في المدينة وأطرافها فلا ندع كلبًا إلا قتلناه حتى إنا لنقتل كلب المرية من أهل البادية يتبعها كلهم" وأخرجه مسلم أيضًا والترمذي والنسائي من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر. 189 حديث عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبايع النساء بالكلام". أخرجه البخاري باللفظ الأول عن محمود وهو ابن غيلان عن عبد الرزاق، وروى الترمذي بعضه عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق بلفظ: "ما كان يمتحنهن إلا بالآية التي قال الله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَك} وأخرجه البخاري تعليقًا، ومسلم والنسائي وابن ماجه من طريق يونس بن يزيد عن الزهري بلفظ: "كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق مالك عن الزهري. 190 حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة وإذا اشتد البرد بكر بالصلاة" يعني الجمعة وله من حديث أبي سعيد "من فوح جهنم" قال أحمد: لا أعرف أحدًا قال فوح غير الأعمش. ورواه البخاري بنحوه. 197 حديث: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ... ". رواه أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم، والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، ورمز له السيوطي بالصحة في كتابه الجامع الصغير. 198 حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد". أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 الصفحة / الحديث وتخريجه 200 حديث ثوبان قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب "يعني العمائم ... " إلخ. 200 حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ". أخرجه أحمد وضعفه البخاري. 201 حديث: "من مس ذكره فليتوضأ". رواه مالك، وأحمد في المسند، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم عن بسرة بنت صفوان وأشار السيوطي له بالصحة. 201 حديث: "الثيب أحق بنفسها من وليها". رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي عن ابن عباس، ورمز له السيوطي بالصحة. 205 حديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها". رواه الحاكم عن أنس. 206 حديث: "رحم الله امرأً سمع مقالتي". رواه الترمذي بنحو هذا الحديث ولفظه: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا"، والضياء عن زيد بن ثابت وأشار السيوطي إلى صحته. 217 حديث: "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له". أخرجه البزار بسنده إلى أبي هريرة، والمنذري في الترغيب والترهيب ج1 ص381. 217 حديث: "إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد". أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير، والمنذري في الترغيب والترهيب ج1 ص381. 224 حديث: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم". رواه البخاري ومسلم. 225 حديث: "إن الجنة لتنجد وتزين". أخرجه ابن حبان في كتاب الثواب، والبيهقي واللفظ له، وليس في إسناده من أجمع على ضعفه. 225 حديث: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم". رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني من طرق أحدها صحيح، واللفظ له والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 225 حديث: "إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى". رواه ابن أبي الدنيا، وأبو نعيم هكذا معضلًا، ورفعه منكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الصفحة / الحديث وتخريجه 225 حديث كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك رواه البخاري ومسلم، واللفظ له، ورواه أبو داود والنسائي بنحوه مفرقًا مختصرًا، وروى الترمذي قطعة من أوله ثم قال: وذكر الحديث. 225 حديث: قال تعالى: "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة". رواه البخاري ومسلم. 225 حديث شفي الأصبحي: "أنه دخل المدينة". رواه ابن خزيمة في صحيحه نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو حرفين. 225 حديث: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين ... ". رواه أحمد، وأبو داود، وزاد في روايته: وإنه ليخرج من أمتي أقوام تتجازى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه. 226 حديث: "لكل عمل شرة ولكل شرة فترة". رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في صحيحه، ورواه ابن حبان من حديث أبي هريرة. 226 حديث: جرير: "كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار والعباء ... ". رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي باختصار القصة. 227 حديث: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن ورواه ابن ماجه عن أنس ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بأنه حسن. 227 حديث: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله". رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 232 حديث: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكي نبيًّا من الأنبياء". رواه البخاري ومسلم. 232 حديث: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". رواه مسلم والترمذي عن ابن عباس "صحيح". 232 حديث: "ليس الشديد بالصرعة". رواه أحمد، والبخاري، ومسلم عن أبي هريرة، ورمز له السيوطي بالصحة. 232 حديث: "إن الله رفيق يحب الرفق". رواه البخاري في الأدب، ورواه أبو داود عن عبد الله بن مغفل، وابن ماجه وابن حبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 الصفحة / الحديث وتخريجه في صحيحه عن أبي هريرة، ورواه أحمد في مسنده، والبيهقي في شعب الإيمان عن علي. ورواه الطبراني عن أبي أمامة، والبزار عن أنس ورمز له السيوطي بأنه حديث حسن. 232 حديث: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه". رواه مسلم والمنذري في الترغيب والترهيب. 232 حديث: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله". رواه أحمد في مسنده، ورواه مسلم في البر، وأبو داود في الأدب، وابن ماجه عن جرير، ورمز له السيوطي بالصحة، ورواه مسلم من طريق بلفظ: من حرم الرفق حرم الخير. 232 حديث: "إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء ... ". رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه مسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن شداد بن أوس ورمز له السيوطي بالصحة في الجامع الصغير. 232 حديث: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بيده قط". رواه مسلم. 259 حديث: "أما أنكم لو أكثرتم من ذكر". رواه الترمذي عن أبي سعيد. 259 حديث: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي". رواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر. 259 حديث: "إن الله أمرني أن أعلمكم مما علمني". رواه الحكيم عن أبي هريرة. 259 حديث: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة". رواه مسلم عن أبي هريرة. 259 حديث: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه". رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود. 259 حديث: "أول ما افترض الله عز وجل على أمتي". رواه الحاكم في الكنى عن ابن عمر. 259 حديث: "أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى". رواه البيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عقبة بن عامر الجهني، وأبو نصر السجزي في الإنابة عن أبي الدرداء موقوفًا، ورواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفًا، ورواه البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 الصفحة / الحديث وتخريجه 259 حديث: "أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة". رواه أحمد في مسنده، والترمذي، والحاكم في مستدركه، ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد. 259 حديث: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي". رواه الترمذي، ومحمد بن نصر في الصلاة، ورواه الطبراني في الكبير والبيهقي في الدعوات عن ابن عباس. 297-299 حديث: "ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم". رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 297 حديث: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكثوم". رواه الطبراني في الكبير وفيه يزيد بن عياض وقد أجمعوا على ضعفه. 297 حديث: "إذا تعايا الإمام فلا تردن عليه" مجمع الزوائد ج2 ص69. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 297 حديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فأسقط بعض سورة فذكره أبي". رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن أرقم وهو ضعيف. 297 حديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم تردد في صلاة الفجر في آية". رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات خلا قيس بن الربيع فإنه ضعفه على القطان وغيره ووثقه شعبة والثوري. 297 حديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر فالتبس فيها". رواه أبو داود خلا قوله: "أن تفتح على" رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 298 حديث عقبة بن عامر الجهني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أم قومًا" رواه أحمد والطبراني ببعضه ورجاله ثقات. 298 حديث: "من بات طاهرا بات في شعاره ملك". رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه ميمون بن زيد قال الذهبي لينه أبو حاتم وفي إسناد الطبراني العباس بن عتبة قال الذهبي يروى عن عطاء: "ما من مسلم يبيت على طهر" رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وقال فيه: "من بات طاهرًا على ذكر الله" وإسناده حسن. 298 حديث: " ... فصل ما أدركت وأقض ما فاتك". رواه الطبراني في الأوسط من رواية السري عن سعد وقال في مجمع الزوائد ولم أجد من ذكره وبقية رجاله موثقون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الصفحة / الحديث وتخريجه 298 حديث: "فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم". رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون وله طريق رجالها رجال الصحيح. 298 حديث: "لا تفعلوا. ليصل أحدكم ما أدرك، وليقض ما فاته". رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح هو متفق عليه بلفظ "وما سبقكم فأتموا". من الموقوفات على الصحابة: 299 حديث: نعيم بن قعنب الرياحي: "سأله عما فعل من وأد البنات فقال ... ". رواه الإمام أحمد ورجاله موثقون. 299 حديث عبد الله بن مسعود في باب الصلاة في المحراب "أن عبد الله كره الصلاة في المحراب". رواه البزار ورجاله موثقون. 299 "عن مرة الهمذاني أنه قال: حدثني نفسي أن أصلي خلف كل سارية". رواه الطبراني وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. 299 "عن ابن مسعود أنه رأى قومًا قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد". رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 299 "عن أبي عمرو الشيباني قال: كان ابن مسعود يعس في المسجد". رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 299 "ابن مسعود سعى إلى المسجد فقيل له، فقال: أو ليس أحق ما سعيتم إليه الصلاة". رواه الطبراني في الكبير وسلمة لم يسمع من ابن مسعود. 300 "عن ابن مسعود قال: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها". رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 300 "ما من مصلى للمرأة خير من بيتها". رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 300 "بلغ سفيان أن بعض الصحابة صلوا بغير أذان ولا إقامة فقال: كفتهم إقامة المصر". رواه الطبراني في الكبير. 308 مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غطى عنا قنازعك يا أم أيمن". رواه إسحاق في مسنده. 308 حديث سعيد بن المسيب قال: آمت حفصة من زوجها وآم عثمان من رقية. رواه إسحاق في مسنده بإسناده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 الصفحة / الحديث وتخريجه 308 حديث الشعبي يرفعه: "أنه صلى الله عليه وسلم مر على أصحاب الدركلة فقال: خذوا يا بني أرفدة ليعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة". رواه الحارث في مسنده ورواه الحميدي مسندًا عن عائشة، وليس فيه أنه مر على أصحاب الدركلة لكنه منقطع. 308 حديث نصر بن شفي -رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهما محمدًا فقد جهل. رواه الحارث في مسنده، وله شاهد من حديث ابن عباس، ورواه الطبراني. 308 حديث عروة قال: "توفيت امرأة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون منها". رواه الحارث في مسنده ورجاله ثقات. 308 عن عكرمة: أنه كان لا يرى بأسًا أن يغتسل الرجال من الجنابة ثم يستدفئ بامرأته قبل أن تغتسل. رواه مسدد في مسنده. 308 عن الحسن أنه كان يقول عند الذبائح: "باسم الله والله أكبر". رواه أبو داود بنحوه في الأضحية جزءًا من حديث، ورواه مسدد وابن أبي عمر بنحوه بإسناد صحيح. 308 عن السري بن يحيى: سمعت محمد بن سيرين يقول لغلام أراد أن يحتجم في أول الشهر: لا تحتجم في أول الشهر فإن الحجامة في أول الشهر لا تنفع. رواه مسدد وقال البوصيري: رجاله ثقات. 308 عن إبراهيم قال: إذا كانت لك إليه حاجة فابدأه بالسلام. رواه مسدد في مسنده ورواته ثقات. 308 عن الأعمش قال: ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم فيقال: هل فيكم من صحب محمدًا تستنصرون فتنصروا. رواه أبو يعلى من طريقين، ورجالهما رجال الصحيح. 308 عن سعيد بن المسيب يقول: "وج واد مقدس". رواه إسحاق في مسنده، والحميدي بنحوه. 313 عن أبي الجنوب: رأيت عليًّا يستقي ماء لوضوئه فبادرته أستقي له. رواه أبو يعلى والبزار، وأبو الجنوب ضعيف. 313 عن حذيفة قال: "قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من رمضان فقام يغتسل وسترته". رواه أبو بكر بن أبي شيبة في صحيحه وفيه جابر الجعفي ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 الصفحة / الحديث وتخريجه 313 عن المطلب قال: قام ابن عباس يصلي على جنازة. رواه أحمد بن منيع في مسنده ورواه البيهقي من طريق شرحبيل بن سعد بن عباس أتم. 313 عن أبي سعيد قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا موسومًا بين عينيه فكره ذلك وقال فيه قولًا شديدًا. رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه وفي إسناده ابن أبي يعلى، وقال البوصيري رواه أبو يعلى بسند ضعيف، لضعف عطية العوفي وابن أبي ليلى ورواه أحمد وفيه أيضًا عطية. 313 عن أبي عثمان النهدي قال: "دخل على النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي جسيم ذو جثمان عظيم". رواه الحارث في مسنده، وقال البوصيري رواه الحارث مرسلًا. 313 عن العلاء بن زياد: "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها وقد سقى بطنه". رواه الحارث في مسنده مرسلًا. 314 عن أبي إسحاق عن بعض أصحابه قال: "بينا رسول الله يسير إذ أشرف على قبر رجل قد سماه". رواه الحارث في مسنده، وقال البوصيري: له شاهد من حديث المغيرة بن شعبة، ورواه ابن ماجه في صحيحه. 314 عن محمد بن عمرو بن حزم: أن عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم دارا وأراد أن يغير أسماءهم. رواه إسحاق بإسناد حسن؛ وتابعه البوصيري. 314 عن سفينة قال: ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا فركبت لوحًا منها. رواه أبو يعلى في مسنده، وضعف مسنده البوصيري لضعف بعض رجاله قال: ومن طريقه رواه البزار، ولم يقرره الهيثمي إلا للبزار والطبراني وقال: رجالهما وثقوا. 314 عن عائشة قالت: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ ". رواه أبو يعلى في مسنده، وضعف إسناده البوصيري، لضعف مجالد بن سعيد. 314 عن الزبير بن العوام قال: لما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه يوم أحد بالمدينة خلفهن في فارع. رواه أبو يعلى وفيه ضعف، لضعف محمد بن الحسن بن زبالة المدني، لكنه تابعه إسحاق بن محمد وهو من رجال البخاري فرواه عن أم عروة. وأخرجه البزار من طريقه. 314 عن صفية بنت حيي قالت: "أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجز ناقته" رواه أبو يعلى في مسنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الصفحة / الحديث وتخريجه 315 عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة. رواه إسحاق وسكت عليه البوصيري وقال: رواه أبو داود في سننه مختصرًا. 315 عن يحيى بن جعدة عن رجل عن أم مالك الأنصارية قال: "جاءت أم مالك بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فعصرها ثم دفعها إليها". رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه وقد سكت عليه البوصري، وفي إسناده رجل لم يسم. 315 "كيف بكم إذا شبعتم من الخبز والزيت". رواه الحارث بسند ضعيف لضعف رشدين بن سعد. 315 "جاء رجل من المشركين حتى استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعورته يبول". رواه أبو يعلى في مسنده. 315 قال المغيرة بن شعبة: إني لآخر الناس عهدًا بالنبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو بكر بن أبي شيبة. 315 عن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال: انطلقت في وفد ثقيف فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا بالباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه. رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه وهو صحيح موقوف، ورواه الطبراني بإسناد صحيح وطرف من أوائلة في زوائد نعيم من الزهد لابن المبارك. 316 حديث: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه. رواه أبو يعلى بسند ضعيف، لضعف سعيد بن أنس وعباد بن شيبة. 316 حديث شريح: "أنه سأل عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير". رواه أبو يعلى وأبو بكر بن أبي شيبة قال الهيثمي رجاله موثقون ووافقه البوصيري. 317 عن صفوان بن يعلى عن أبيه: بينما عمر يغتسل إلى بعير وهو محرم وأنا أستر عليه بثوب. رواه مسدد في مسنده، وقال البوصيري: رجاله ثقات. 317 حديث محمد بن الحنفية: أن عليًّا كان لا يرى بأسًا أن يصلي الرجل في الثوب الواحد. أخرجه مسدد في مسنده ورجاله ثقات. 317 حديث ابن عباس قال: استقبل عمر الناس من القيام فقال: ما بقي من الليل أفضل مما مضى منه. رواه مسدد في مسنده ورجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 الصفحة / الحديث وتخريجه 317 حديث الحسن أن عمر قال: إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم عليه القرآن فلينم. رواه مسدد وأصله في الصحيحين وغيرهما ورواه أحمد في مسنده. 317 عن أبي يحبى قال: قال لي ابن عباس: "يا أبا يحيى ألم ترأني نمت الليلة عن الوتر؟ ". إسناده حسن ورواه مسدد في مسنده. 317 عن حذيفة بن أسيد قال: "رأيت علي بن أبي طالب إذا زالت الشمس صلى أربعًا طوالًا". أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، وروى أبو داود والطبراني نحوه مرفوعًا من حديث أبي أيوب الأنصاري. 317 حديث عبد الله بن أبي الهذيل قال: دعوت رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلي. رواه مسدد في مسنده، وإسناده جيد ورجاله ثقات. 318 أن عبد الرحمن بن عوف كان يصلي في بيته بعد المغرب ركعتين. رواه مسدد وإسناده جيد، ورجاله ثقات. 318 حديث إبراهيم: قال عمر بن الخطاب: إن الأكياس الذين يؤثرون أول الليل. رواه مسدد في مسنده، وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل، وروى معناه عن ابن عمر مرفوعًا وروى البزار والطبراني معناه عن أبي هريرة وعقبة بن عامر مرفوعًا. 318 حديث مجمع: أن عليًّا كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه. رواه مسدد في مسنده، وهو حديث مرسل ورواته ثقات، لكنه ضعفه البوصيري في عدة مواضع. 318 حديث أنس أن امرأة أتت فقالت: يا رسول الله ابنة لي كذا وكذا فذكرت من حسنها وجمالها. رواه أبو بكر بن أبي شيبة وقال أبو يعلى حدثنا ابن أبي شيبة بهذا ورواه أحمد ورجاله ثقات. 318 حديث الفضل بن عباس: أن أعرابيًّا كان معه ابنة حسناء فجعل يعرضها. رواه أبو بكر بن أبي شيبة وإسناده لا بأس به. 354 عن ابن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة فقال: "أعرف وكاءها أو قال وعاءها وعفاصها". رواه مالك في الموطأ، ورواه الشافعي عنه من طريقه وهو متفق عليه من طرق بألفاظ. 356 حديث: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده" أخرجه البخاري ومسلم في التوبة عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده وروى مسلم. حديث ثوبان نحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 الصفحة / الحديث وتخريجه 357 حديث: قال ابن عباس: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل فقالوا: هذا هو إسرائيل". رواه البخاري، وأخرجه أبو داود في الأيمان عن موسى بن إسماعيل وابن ماجه في الكفارات عن الحسين بن محمد الواسطي. 367 حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل". رواه البخاري وأخرجه مسلم في الصوم عن أحمد بن يوسف الأزدي عن عمرو بن أبي سلمة، وأخرجه النسائي في الصلاة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به، وعن الحارث بن أسد عن بشر بن بكر عن الأوزاعي، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن الصباح عن الوليد ابن مسلم عن الأوزاعي. 371 حديث: "ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها. رواه الطبراني في الكبير والضياء في المختارة عن أبي قرقاصة. 372 "أتدرون ما العضة؟ ". رواه البخاري في الأدب ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس. 372 "اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن له دولة". رواه أبو نعيم في الحلية عن الحسين بن علي قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدًّا لكن ظاهر كلام الحافظ ابن حجر أنه موضوع، فإنه قال: لا أصل له، وتبعه تلميذه السخاوي. 372 "اتق الله يا أبا الوليد لا تأت يوم القيامة ببعير له رغاء". رواه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت وكذا ابن عساكر عنه. قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه الشافعي والبيهقي عن طاوس مرسلًا. 372 "أد ما افترض الله تعالى عليك تكن من أعبد الناس". رواه ابن عدي في الكامل. 372 "إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له قفل قلبه". رواه أبو الشيخ عن أبي ذر، وفيه سعيد بن إبراهيم قال الذهبي: إنه مجهول وقال أبو حاتم عن راويه عبد الله بن رجال: إنه ثقة، وقال الفلاس عنه: كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة. 373 "أوحى الله إلى إبراهيم: يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار". رواه الطبراني في الأوسط، وضعفه المنذري ولم يوجهه وقال الهيثمي فيه مؤمل بن عبد الرحمن وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 الصفحة / الحديث وتخريجه 373 "اتخذوا الغنم فإنها بركة". رواه الطبراني في الكبير والبخاري والخطيب في تاريخه عن أم هانئ ورواه ابن ماجه بنحوه ورواه أحمد، قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: وفيه موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة لم أعرفه. 373 "أبو بكر صاحبي ومؤنسني في الغار". رواه عبد الله بن أحمد في زوائده عن ابن عباس، ورواه الديلمي وابن مردويه قال في الفتح: رجاله ثقات. 374 "أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه". رواه مسلم عن النعمان بن بشير. 374 "ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". رواه أحمد في مسنده، ورواه مسلم، ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه عن أبي الدرداء. 374 "اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد". رواه البخاري في التاريخ عن أبي هريرة. 374 "لا عدوى ولا طيرة". رواه أحمد في مسنده ومسلم عن جابر. 375 "أدنى ما تقطع فيه يد السارق ثمن المجن". رواه الطبراني في الكبير عن أيمن الحبشي. 375 "آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل". رواه الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة وقال: غريب، ورواه عنه أيضًا الديلمي والمحفوظ عن ابن عباس أنه موقوف. 375 "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة". رواه أحمد في مسنده والضياء في المختارة عن سعيد بن زيد والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف. 443 "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة". أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وأبي ذر، ورواه ابن ماجه بنحوه ورواه مالك من رواية عطاء بن يسار مرسلًا. 443 "ملعون من أتى امرأة في دبرها". رواه أحمد وأبو داود الترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخرجه البزار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 الصفحة / الحديث وتخريحه 444 "إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك". رواه الترمذي ورواه أحمد وابن ماجه والحاكم وفيه صالح مولى التوءمة وهو ضعيف. ولكن حسنه البخاري؛ لأنه من رواية موسى بن عقبة عن صالح وسماع موسى منه قبل أن يختلط. 444 "أن رجلًا توضأ وترك لمعة". رواه الدارقطني ورواه الطبراني في الأوسط، وذكره العقيلي في الضعفاء في ترجمة المغيرة. 444 "أن غيلان أسلم وتحته عشرة نسوة". رواه الشافعي عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه بنحوه ورواه ابن حبان بهذا اللفظ وبغيره، ورواه الترمذي وابن ماجه كلهم من طرق عن معمر، قال البزار جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن فأرسله، وقال البخاري: هذا الحديث غير محفوظ، والمحفوظ ما رواه شعيب عن الزهري. 444 "لعن الله المحلل والمحلل له". رواه الترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود وصححه ابن القطان وابن دقيق على شرط البخاري. وأخرجه ابن ماجه ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث علي وفي إسناده مجالد وفيه ضعف. 444 حديث أبي هريرة في شأن جبريل وعدم دخوله بيت النبي لوجود التماثيل في ستر من البيت. رواه البيهقي وابن حبان في صحيحه بنحوه، وروى نحوه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان بسياق آخر ورواه مسلم مختصرًا. 444 حديث ابن مسعود: "ما حكم من بغى من أمتي؟ ". رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر وقال ابن عدي: هذا الحديث غير محفوظ. وقال البيهقي: ضعيف في إسناده كوثر بن حكيم قال البخاري عنه: متروك. 445 حديث جرير بن حازم: "أن قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من فضة" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأدمجه أحمد ورواه أبو حاتم والبزار والدارمي والبيهقي وقال: تفرد به جرير بن حازم. 445 "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك". رواه العقيلي وأبو نعيم والبيهقي بطرق أخرى عن سعيد به ورواه أبو داود ومسلم بلفظ: "لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة" ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث زيد بن خالد ولفظه: "ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل". 445 حديث: "أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن الغسل والحيض". رواه الشافعي والبخاري ومسلم، وذكره الخطيب في المبهمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 الصفحة / الحديث وتخريجه 445 قال لجابر: "هلا تزوجت بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟ ". رواه البخاري ومسلم من حديث جابر وزاد في رواية مسلم: "وتضاحكها وتضاحك" وفي رواية: "ما لك وللعذارى ولعابها". 445 "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البغاة: لا يتبع مدبرهم" سكت عنه الحاكم وقال ابن عدي: هذا الحديث غير محفوظ، وقال البيهقي ضعيف، قال ابن حجر في إسناده كوثر بن حكيم وقد قال البخاري: متروك. 445 حديث: "إياكم وخضراء الدمن". رواه الرامهرمزي والعسكري في الأمثال، وابن عدي في الكامل، والقضاعي في مسند الشهاب، والخطيب في إيضاح الملتبس، قال ابن عدي: تفرد به الواقدي. وذكره أبو عبيد في الغريب وقال الدارقطني لا يصح من وجه. 446 حديث: "أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض". رواه البخاري ومسلم وأخرجه محمد بن عبد السلام الخشني عن بندار عن ابن عمر وإسناده صحيح. 446 "أنه صلى الله عليه وسلم بعث عاملًا فقال لأبي رافع: أصحبني كيما تصيب من الصدقة". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث أبي رافع وهو في الطبراني من حديث ابن عياض. 446 حديث: "أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء. رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. 446 "أنه صلى الله عليه وسلم خير غلامًا بين أبيه المسلم وأمه المشركة". رواه أحمد والنسائي وأبو داود ابن ماجه والحاكم والدارقطني من حديث رافع ابن سنان وفي مسنده اختلاف كثير وألفاظ مختلفة. 446 "أن امرأة يقال لها أم رومان أرتدت". رواه الدارقطني والبيهقي من طريقين وإسنادهما ضعيفان. واحتج به ابن الجوزي في التحقيق. 446 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتاب رجلًا أربع مرات". رواه أبو الشيخ في كتاب الحدود من طريق المعلي بن هلال وهو متروك، ورواه البيهقي من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري. 447 حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع". رواه البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث ابن عباس دون قوله في حجة الوداع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 الصفحة / الحديث وتخريجه 447 "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي. والدارقطني في السنن. 448 "يا علي لا تؤخر أربعًا: الجنازة إذا حضرت". رواه الترمذي من حديث علي، ورواه الحاكم من هذا الوجه، وابن ماجه مقتصرًا على قوله: يا علي لا تؤخر الجنازة إذا حضرت، وقال البيهقي: أقل ما ورد في اعتبار الكفاءة حديث على هذا. 448 "من باع عبدًا وله مال ... ". متفق عليه من حديث ابن عمر ولأبي داود وابن حبان عن جابر نحوه والبيهقي من حديث عبادة بن الصامت نحوه. 448 "أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم جائحة أصابته". رواه مسلم من حديث قبيصة بن مخارق. 448 "أن عمر خطب الناس". رواه مالك في الموطأ بسند منقطع، ووصله الدارقطني في العلل، وذكره ابن أبي شيبة بنحوه بسند آخر. 448 "رفع القلم عن ثلاثة". رواه أحمد في مسنده، وأبو داود والحاكم عن علي وعمر. 448 "المؤمنون عند شروطهم". رواه الترمذي وغيره. 448 "أمني جبريل عند البيت مرتين". رواه الشافعي واحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة والدارقطني، والحاكم وفي إسناده عبد الرحمن بن الحارث بن عباس بن أبي ربيعة مختلف فيه لكنه توبع. 451 "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". متفق عليه من رواية أبي هريرة وله طرق وألفاظ، وراه مسلم من حديث أبي سعيد والبزار من حديث علي، وابن حبان من حديث الحارث الأشعري، وأحمد من حديث ابن مسعود والحسن بن سفيان من حديث جابر. 451 حديث: "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض" رواه الشافعي والبخاري ومسلم، والخطيب في المبهمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 الصفحة / الحديث وتخريجه 452 حديث: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان المرأة في الدبر". رواه الدارقطني والنسائي وأحمد وابن حبان. 452 حديث: "ولدت فاطمة حسنًا". رواه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر بن محمد، ورواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر. 452 حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". رواه الحاكم من حديث عبد الرحمن السراج عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ: "لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل". وروى النسائي الجملة الأولى، ورواه العقيلي وأبو نعيم والبيهقي من طرق أخرى عن سعيد به، ورواه أبو داود ومسلم بلفظ: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة. 452 حديث: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء". رواه ابن ماجه بنحوه، ورواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان عن ابن عباس بلفظ: "الماء لا ينجسه شيء" ورواه أصحاب السنن بلفظ "إن الماء لا يجنب" ورواه الدارقطني والطبراني في الأوسط، وأبو يعلى بنحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 بيان المراجع : 1- القرآن الكريم. 2- الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، للعلامة عبد الرؤوف المناوي، مطبعة صبيح سنة 1388. 3- إحياء علوم الدين، للإمام أبي حامد الغزالي، مطبعة الاستقامة بالقاهرة. 4- إرشاد الساري شرح البخاري. للحافظ القسطلاني. 5- الاستيعاب في معرفة الأصحاب بهامش الإصابة، لابن عبد البر القرطبي، مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1328هـ. 6- أسد الغابة في معرفة الصحابة. 7- إسعاف المبطأ برجال الموطأ، للحافظ جلائل الدين السيوطي، طبع الحلبي بالقاهرة سنة 1349هـ. 8- الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1328هـ. 9- الأعلام، لخير الدين الزركلي. 10- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، لإسماعيل باشا البغدادي، إعادة طبع إستنبول سنة 1951م. 11- البداية والنهاية في التاريخ، للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير، مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1358هـ. 12- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للعلامة الشوكاني، مطبعة السعادة بالقاهرة 1348هـ. 13- بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني، مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة 1378هـ. 14- تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، طبع دار المعارف بمصر سنة 1962م. 15- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للحافظ جلال الدين السيوطي، مطبعة السعادة بالقاهرة 1385هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 16- تذكرة الحفاظ، للإمام شمس الدين الذهبي، طبع بيروت 1347هـ. 17- الترغيب والترهيب، للحافظ عبد العظيم المنذري، مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة 1388هـ. 18- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد، للحافظ العراقي، طبع دار المعارف السورية سنة 1353هـ. 19- التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للحافظ العراقي، مطبعة العاصمة سنة 1389هـ. 20- التلخيص الخبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر العسقلاني، الطباعة الفنية بالقاهرة 1384هـ. 21- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، للحافظ جلال الدين السيوطي، طبع مصطفى الحلبي سنة 1349هـ. 22- تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني. 23- تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد الأزهري، مطابع سجل العرب بالقاهرة. 24- حجة الله البالغة، للدهلوي. 25- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، للحافظ جلال الدين السيوطي، مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة 1373هـ. 26- جمع الجوامع المعروف بالجامع للحافظ جلال الدين السيوطي، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1394هـ. 27- الحديث والمحدثون، للدكتور محمد أبو زهو، مطبعة مصر 1378هـ. 28- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للحافظ جلال الدين السيوطي، طبع عيسى الحلبي بالقاهرة 1387هـ. 29- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للحافظ جلال الدين السيوطي، طبع عيسى الحلبي بالقاهرة 1387هـ. 30- در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة، للحافظ جلال الدين السيوطي، طبع عيسى الحلبي بالقاهرة 1387هـ. 31- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، مطبعة المدني بالقاهرة 1387هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 32- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، العلامة محمد بن جعفر الكتاني، طبع بيروت 1332هـ. 33- رسالة أبي داود السجستاني، للإمام ابي داود، مطبعة الأنوار بالقاهرة 1369هـ. 34- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، للإمام النووي، طبع عيسى الحلبي بالقاهرة 1375هـ. 35- الزواجر عن اقتراف الكبائر، للحافظ أحمد بن حجر الهيثمي، طبع عيسى الحلبي بالقاهرة 1390هـ. 36- سبل السلام شرح بلوغ المرام، للإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، طبع مصطفى الحلبي بالقاهرة 1379هـ. 37- سنن النسائي، للإمام النسائي، المطبعة المصرية. 38- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي، طبع بيروت 1332هـ. 39- شرح صحيح مسلم، للإمام النووي، طبع محمود توفيق بمصر 1349هـ. 40- شرح معاني الآثار، للإمام أبي جعفر الطحاوي، مطبعة الأنوار المحمدية بالقاهرة سنة 1387هـ. 41- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للحافظ شمس الدين السخاوي، طبع بيروت. 42- الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد، لكمال الدين جعفر بن ثعلب الأدفوي، مطبعة سجل العرب سنة 1386هـ. 43- طبقات الحفاظ، للحافظ جلال الدين السيوطي، مطبعة الاستقلال بالقاهرة 1973م. 44- طرح التثريب شرح التقريب، للحافظ العراقي وولده ولي الدين أبي زرعة، طبع دار المعارف السورية 1353هـ. 45- عمدة القارئ شرح صحيح، للإمام بدر الدين العيني، المطبعة المنيرية بالقاهرة 1348هـ. 46- فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، المطبعة البهية بالقاهرة 1348هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 47- الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير، للشيخ يوسف النبهاني، طبع مصطفى الحلبي. 48- فتح المغيث شرح ألفية الحديث، للحافظ شمس الدين السخاوي، مطبعة العاصمة بالقاهرة 1388هـ. 49- فضائل مصر، لعمر بن يوسف الكندي، مطبعة الاستقلال بمصر 1391هـ. 50- فيض القدير شرح الجامع الصغير، للعلامة عبد الرءوف المناوي، مطبعة مصطفى محمد بالقاهرة سنة 1356هـ. 51- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، طبع عيسى الحلبي بالقاهرة 1380هـ. 52- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للإمام الذهبي، طبع دار التأليف بمصر 1394هـ. 53- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، إعادة طبع إستنبول سنة 1951هـ. 54- كشف الغمة عن جميع الأمة للشيخ عبد الوهاب الشعراني، مطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة سنة 1970م. 55- كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق. للعلامة عبد الرءوف المناوي مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة 1373هـ. 56- الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة. للشيخ نجم الدين الغزي، طبع بيروت 1945م. 57- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين الهيثمي، طبع بيروت 1967م. 58- المختصر في علوم الأثر، الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، مطبعة مخيمر بالقاهرة 1386هـ. 59- مختصر سنن أبي داود، للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، المطبعة التازية بالقاهرة 1348هـ. 60- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. للحافظ ابن حجر العسقلاني، المطبعة العصرية بالكويت 1390هـ. 61- المغني والشرح الكبير، لأبن قدامة الحنبلي، مطبعة المنار بمصر 1342هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 62- المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار، للحافظ العراقي، مطبعة الاستقامة بالقاهرة. 63- مفتاح السنة، لمحمد عبد العزيز الخولي، المطبعة العربية بمصر 1347هـ. 64- مقدمة ابن خلدون، للعلامة عبد الرحمن بن خلدون المغربي، مطبعة التقدم بمصر سنة 1322هـ. 65- مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا، للحافظ جلال الدين السيوطي، طبع حجر 1276هـ. 66- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، للحافظ ابن حجر العسقلاني، مطبعة السعادة بالقاهرة 1327هـ. 67- نظم العقيان في أعيان الأعيان، للحافظ جلال الدين السيوطي، المطبعة السورية بنيويورك 1927م. 68- النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام أبي السعادات بن الأثير الجزري، مطبعة عيسى الحلبي بالقاهرة سنة 1383هـ. 69- نيل الأوطار، للإمام محمد الشوكاني، مطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة1391. 70- هدية العارفين في أسماء المؤلفين، لإسماعيل باشا البغدادي، إعادة طبع إستنبول سنة 1951م. 71- هدي الساري مقدمة فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، مطابع الأهرام التجارية بمصر 1969م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 الفهارس فهرس الأعلام ... فهرس الأعلام: فيما يلي بيان بالأعلام الذين ورد ذكر تراجمهم في هذا البحث نذكرهم على الترتيب الهجائي الاسم الصفحة 33 إبراهيم بن سعيد الحبال 48 أحمد بن أحمد 48 أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي 31 أحمد بن أبي الليث 28 أحمد بن شعيب بن علي النسائي 25 أحمد بن صالح المصري الإمام الحافظ الطبري 29 أحمد بن عمرو بن جابر الحافظ الطحان 32 أحمد بن محمد بن أحمد الماليني أبو سعد 33 أحمد بن محمد بن أحمد السلفي 28 أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي 45 أحمد بن محمد الشريف الحلبي 31 أحمد بن محمد بن عيسى بن النحاس الحافظ 22 أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد الأموي 23 أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع الأموي 20 بكر بن مضر بن حكم 25 الحارث بن مسكين الأموي 24 حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي 31 الحسن بن رشيق الإمام المحدث 26 الحسن بن سليمان البصري المعروف بقبيطة 25 الحسن بن عبد العزيز الوزير الجذامي 44 الحسن بن محمد بن عمروك النيسابوري المعروف بالصدر البكري 30 حمزة بن محمد بن علي الكناني 19 حيوة بن شريج بن صفوان 27 الربيع بن سليمان المرادي 61 زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري 23 سعيد بن الحكم الجمحي 24 سعيد بن كثير الأنصاري 27 عبدان بن محمد بن عيسى المروزي 30 عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الإمام 18 عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي الشهير بالأعرج الحافظ المقرئ 62 عبد الرحيم العباسي 44 عبد العظيم بن عبد القوي المنذري 32 عبد الغني بن سعيد الأزدي ثم المصري الحافظ 34 عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي 47 عبد الكريم بن عبد النور "القطب الحلبي" 22 عبد الله بن الزبير الحميدي 32 عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني 20 عبد الله بن عقبة بن لهيعة الحضرمي20 17 عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 الاسم الصفحة 49 عبد الله بن محمد بن عبد الله البهائي 21 عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري 22 عبد الله بن يوسف التنيسي الدمشقي 46 عبد المؤمن بن خلف الدمياطي 45 عبيد بن محمد الأسعردي 19 عبيد الله بن أبي جعفر الكناني 33 عبيد الله بن سعيد السجزي 49 العز بن جماعة 17 عقبة بن عامر الجهني 19 عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي 27 علي بن سعيد بن بشير 35 علي بن فاضل الصوري ثم المصري 48 علي بن عبد الكافي تقي الدين السبكي 35 علي بن المفضل بن الإسكندراني 62 عمر بن أحمد بن الشماع الحلبي 35 عمرو بن حسين المعروف بابن دحية 19 عمرو بن الحارث بن يعقوب 58 قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله الجمال المصري 20 الليث بن سعد الفهمي 29 محمد بن أحمد بن جعفر الكتاني 21 محمد بن إدريس بن العباس الشافعي 27 محمد بن حماد الطهراني 25 محمد بن رمح التجيبي 26 محمد بن سنجر الجرجاني 26 محمد بن عبد الله بن عبد الحكم 25 محمد بن عبد الله بن البرقي الزهري 29 محمد بن عبد الله بن عبد السلام "مكحول" 30 محمد بن علي بن حسن الإمام النقاش 26 محمد بن علي داود البغدادي 28 محمد بن محمد بن النفاخ الباهلي 47 محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري 45 محمد بن محمد بن أبي بكر الأبيوردي 18 مرثد بن عبد الله اليزني 47 مسعود بن أحمد العراقي الحارثي 48 مغلطاي بن قليج الإمام الحافظ 18 مكحول أبو عبد الله الهذلي 21 المفضل بن فضالة بن عبيد الرعيني 18 نافع الإمام العلم العدوي المدني 24 نعيم بن حماد المروزي الخزاعي 20 يحيى بن أيوب الغافقي المصري 28 يحيى بن زكريا النيسابوري 24 يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي 27 يحيى بن عثمان بن صالح السهمي 45 يحيى بن علي الرشيد العطار 18 يزيد بن أبي حبيب الإمام 26 يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي 19 يونس بن يزيد الأيلي 17 أبو ذر الغفار جندب بن جنادة 55 ابو زرعة أحمد بن الحافظ عبد الرحيم العراقي 35 ابن الأنماطي 49 ابن جماعة عز الدين 56 ابن حجر العسقلاني "الحافظ أحمد ابن علي 63 ابن حجر الهيثمي "شهاب الدين أحمد بن محمد" 32 ابن حنزابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 الاسم الصفحة 46 ابن دقيق العيد 30 ابن السكن 49 ابن سند شمس الدين أبو العباس محمد بن موسى المصري 47 ابن سيد الناس 47 ابن شامة الإمام الحافظ الحجة 46 ابن الظاهري جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي 49 ابن عشائر الحافظ ناصر الدين أبو المعالي محمد بن علي السالمي الحلبي 20 ابن لهيعة عبد الله بن عقبة 31 ابن مسرور 53 ابن الملقن عمر بن علي أحمد بن محمد السراج الأنصاري 31 ابن النحاس 30 ابن يونس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 فهرس الأنساب : الاسم الصفحة 54 الأفقهسي "خليل بن محمد أبو سعيد" 53 البلقيني "عمر بن رسلان بن نصير" 56 البوصيري "أحمد بن أبي بكر الشهاب البوصيري" 47 الحارثي "سعد الدين أبو محمد 48 الدمياطي "أحمد بن أبيك" 46 الدمياطي "عبد المؤمن بن خلف" 48 الزيلعي "عبد الله بن يوسف" 58 السخاوي "شمس الدين محمد بن عبد الرحمن" 60 السيوطي "الحافظ جلال الدين" 21 الشافعي "الإمام" 63 الشعراني "الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي" 53 العراقي "الحافظ الإمام" 57 العيني "محمد بن أحمد بدر الدين" 61 القسطلاني "أحمد بن محمد الشهاب القسطلاني" 64 المناوي "محمد تاج الدين المناوي" 44 المنذري "الحافظ زكي الدين" 54 الهيثمي "الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 فهرس الموضوعات : الصفحة الموضوع ج المقدمة الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر 3 أعلام المحدثين في مصر 13 الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم 13 من هو الصحابي؟ 14 بم تعرف الصحبة؟ 14 إجماع الأمة على عدالة الصحابة 17 الصحابة 18 التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم 37 الفصل الثاني: أعلام المحدثين في مصر منذ سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن الهجري 53 الفصل الثالث: أعلام المحدثين في مصر في القرنين التاسع والعاشر 67 الفصل الرابع: الإنتاج العلمي في الحديث: ما عرف منه المشاهير في مصر الباب الثاني: مناهج المحدثين 95 الفصل الأول: مناهج المحدثين في مصر قبل سقوط بغداد 115 الفصل الثاني: مناهج المحدثين في مصر بعد سقوط بغداد 125 الفصل الثالث: مقارنة وموازنة الباب الثالث: المدونات الحديثة 139 تمهيد الفصل الأول: كتب أحاديث الأحكام 143 تمهيد 150 موطأ الإمام مالك 154 سنن أبي داود 164 معاني الآثار للطحاوي 176 عمدة الأحكام للمقدسي 180 منتق الأخبار لابن تيمية 184 تقريب الأسانيد للعراقي 193 بلوغ المرام لابن حجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 الصفحة الموضوع 203 كشف الغمة عن جميع الأمة للشعراني 213 خاتمة الفصل الأول الفصل الثاني: كتب الترغيب والترهيب 217 تمهيد 221 كتاب الترغيب والترهيب للمنذري 227 تعقيب "رياض الصالحين" 229 الزواجر لابن حجر الهيثمي 236 الإتحافات السنية للمناوي الفصل الثالث: كتب الجوامع 243 تمهيد 245 الجامع الكبير للسيوطي 255 الجامع الصغير 263 كنوز الحقائق للمناوي الفصل الرابع: كتب الزوائد 269 تمهيد 279 مجمع الزوائد لنور الدين الهيثمي 303 المطالب العالية لابن حجر الفصل الخامس: كتب توضيح المبهمات 323 تمهيد 324 غريب الحديث 331 الدر النثير للسيوطي 336 الشروح الجديثية 338 شروح البخاري 342 شروح مسلم 344 شروح سنن الترمذي 344 شروح أبي داود 345 شروح سنن ابن ماجه 346 شروح سنن النسائي 346 شروح مسند أبي حنيفة 347 شروح موطأ مالك 347 شروح مسند الشافعي 348 شورح مسند أحمد 349 عمدة القارئ للعيني 359 إرشاد الساري للقسطلاني 369 فيض القدير للمناوي 381 مشكل الآثار للطحاوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الصفحة الموضوع الفصل السادس: كتب أصول الحديث 385 تمهيد 390 التقييد والإيضاح للعراقي 390 مقدمة ابن الصلاح 400 ألفية الحديث للعراقي 406 فتح المغيث للسخاوي 412 نخبة الفكر لابن حجر 417 تدريب الراوي للسيوطي الفصل السابع: كتب التخريج 425 تمهيد 432 المغني عن حمل الأسفار للعراقي 441 التلخيص الحبير لابن حجر 455 مناهل الصفا للسيوطي الفصل الثامن: كتب الرجال 463 تمهيد 478 الإصابة لابن حجر 482 الضوء اللامع للسخاوي 486 طبقات الحافظ للسيوطي 489 إسعاف المبطأ للسيوطي 492 خاتمة 497 التخريج 519 بيان المراجع 523 فهرس الأعلام 527 فهرس الموضوعات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 ثم بين ترتيب مصنفاتهم على المسانيد والعلل والأبواب الفقهية، ومن تقيد منه بالصحيح ومن لم يتقيد بذلك، ومن صنف في الترغيب والترهيب، ومن اقتصر على المتن دون السند ومثل لذلك. الفصل الثالث: في نبذة لطيفة جامعة لفوائد فوائد مصطلح الحديث عند أهله، وتقسيم أنواعه، وكيفية تحمله وأدائه ونقله، مما لا بد للخائض في هذا الشرح منه، تكلم فيها عن أول من صنف في المصطلح، واسم كتابه، ومن تلاه في ذلك من الأئمة المحدثين، وأسماء كتبهم إلى ابن الصلاح، ثم بين أنهم قسموا السنن المضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا وتقريرًا ووصفًا وخلقًا إلى متواتر ومشهور وصحيح وحسن وصالح ومضعف وضعيف ومسند ومرفوع وموقوف وموصول ومرسل ومقطوع ومنقطع ومعضل ومعنعن ومؤنن ومعلق ومدلس ومدرج وعال ونازل ومسلسل وغريب وعزيز ومعلل وفرد وشاذ ومنكر ومضطرب وموضوع ومقلوب ومركب ومنقلب ومدبج ومصحف وناسخ ومنسوخ ومختلف، ثم عرف كل هذه الأقسام ومثل لها، ونقل آراء العلماء فيها. وفي بيانه للصحيح ذكر أصح الأسانيد ورجالها، وهل يحكم بتصحيح جزء نص على صحته من يعتمد عليه من الحفاظ النقاد أو لم ينص على صحته معتمد، وخلاف العلماء في ذلك، وهكذا فعل في بيان باقي الأقسام التي ذكرها، ثم أضاف إلى هذه الأقسام أنواعًا أخرى منها: رواية الآباء عن الأبناء، والأبناء عن الآباء، والسابق واللاحق، والإخوة والأخوات، ومن له أسماء مختلفة ونعوت متعددة، والمفردات من الأسماء والألقاب والكنى والأنساب، والمبهمات، والمؤتلف والمختلف، وغير ذلك مما استغني عن إيراده هنا بذكره في الشرح إن شاء الله. وفي خلال شرحه لهذه الأقسام وبعده تعرض لذكر أشياء مهمة لطالب الحديث، كمعرفة شرط الراوي، ومن اختلط في آخر عمره من الثقات، ومراتب الفاظ التعديل والتجريح، ورواية من أخذ أجرة على التحديث، وأنواع التحمل والأداء. الفصل الرابع: فيما يتعلق بالبخاري من تقرير شرطه، وتحريره وضبطه، وترجيحه على غيره، وما إلى ذلك، وقد ذكر أنه لخص هذا الفصل من مقدمة فتح الباري، وأن البخاري ومسلمًا ومن ذكر بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي مما يكون على شرط كذا1، وإنما تعرف شروطهم فيما أخرجوه من سير كتبهم، وقد علم بذلك شرط البخاري، ومسلم، وهو أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات،   1 هذا يخالف ما روي عن أبي داود في تقديمه لكتاب السنن من أنه قال: ذكرت في كتابي هذا الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان يه من وهن شديد بينته مما سبق أن ذكرناه عند دراستنا لسنن أبي داود في الفصل الأول من هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 ويكون إسناده متصلًا غير مقطوع، وذكر المفاضلة بين صحيح البخاري ومسلم، وما انتقد على كل منهما فيما أورده من أحاديث، وقسم ذلك إلى أقسام ستة ذكرها وأفاض فيها. الفصل الخامس: في ذكر البخاري ونسبته ومولده، وبدء أمره ونشأته، وطلبه للعلم، وذكر بعض شيوخه ومن أخذ عنه، ورحلته، وسعة حفظه، وثناء الناس عليه، وما ذكر من محنته ومنحته وكرامته، ترجم فيها للإمام البخاري بذكر اسمه واسم أبيه وجده ونسبته، بعد ذكر لقبه وأوصافه، وأفاض في بيان موضوعات هذا الفصل نقلًا عن العلماء، بما لا يدع مجالاً لمستزيد، واستنفدت مقدمة هذا الكتاب نحو ست وأربعين صفحة من القطع الكبير. وفي مجال دراستنا للكتاب ومقارنته بغيره من كتب الشروح نذكر من الظواهر العامة له ما يأتي: 1- يخلط القسطلاني شرحه بما أورده البخاري من متن الحديث وسنده، بحيث لا يتميز عنه إلا بما وضع حول البخاري إسنادًا ومتنًا من أقواس تفصل بينه وبين ما أورده له من شرح. وفي هذه الطريقة مشقة على القارئ، فإنه وهو طالب للحديث يهمه أن يحيط بمتنه كاملًا قبل شرحه، ويحيط بما أورده البخاري بشأنه من ترجمة وإسناد، لترتسم في ذهنه الصورة العامة كاملة لذلك، ثم يقبل على الشرح فيجد فيه إيضاحًا لما غمض، وتفسيرًا لما أبهم، وتفصيلًا لما أجمل، وبيانًا للغريب من لفظ الحديث، وتوفيقا بينه وبين غيره إن كان مما يحتمل التضارب، إلى غير ذلك من مقاصد كتب الشروح. فأما مع مزج الأصل بالشرح على هذه الطريقة، فإن طالب الحديث يتيه بين الأقواس، ولا يستطيع أن يصل إلى ما يبتغيه من متن البخاري إلا بعد عناء شديد، وإنه كذلك لا يدرك الشرح كما ينبغي، فإن أسلوب المؤلف فيه قد بات ضحية لهذا المزج بينه وبين المتن بتقطيع أوصاله بكلمات التفسير التي يوردها الشارح تبعًا لما يقحمه في ثناياه من كلمات المتن، مما يضيع معه تسلسل الربط وإحكامه، ويشتت ذهن القارئ، ويحول بينه وبين ما يرجوه من فائدة في هذا الكتاب. أضف إلى ذلك ما في هذه الطريقة من مخاطرة، فقد يتآكل بعض الأقواس أو تسقط عند الطبع لسبب ما، فيختلط المتن بالشرح، ويصعب التمييز بينهما على غير حافظ الحديث والمتضلعين من السنة. ولو أنه رحمه الله اختار فصل كل منهما عن الآخر، وجعل ما أورده البخاري أعلى الصفحة، وما يورده هو بعد ذلك فيها، لكان كتابه أقرب متناولًا، وأيسر مأخذًا، وآمن من اللبس، وأكثر إفادة، وكان في حل من إيراد كل ما أورده البخاري في ثنايا شرحه اعتمادًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 على إيراده كاملًا في أعلى الصفحات، فتترابط معاني الشرح، ويأخذ بعضها بحجز بعض، ويفيد منها بعد ذلك طالب الحديث وعلومه. وقد فعل ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فأورد متن البخاري في أعلى الصفحات ودون شرحه أدناها، ولم يدخل بين أجزاء شرحه إلا جملًا تامة تقتضيها ضرورة الشرح ولا تفقده حسن سبكه، ولا تحول دون الإفادة منه. 2- إن مسايرته للأصل كلمة كلمة جعلت شرحه غير محدد فيما يفيده من معارف، ومختلطًا لا يكاد طالب العلم يستبين طريقه فيه بسهولة ويسر، فإن كلامه على الإسناد وبيان الرجال، وكلامه عن الفقه، وتوضيح المفردات وضبطها، وكلامه عن الصرف والإعراب والمعاني والبيان، كل ذلك وغيره ويأتي في كتابه ممزوجًا بشرح ما ورد من الأصل كلمة فكلمة على حسب ما يستفاد من الكلمات، دون تحديد لموضوع معين، ولا تمييز بين علم وعلم. وهذه ضرورة ألجأه إليها منهجه الذي اختاره في شرح البخاري، وتحدث عنه في صدر مقدمته لهذا الشرح حين قال: ولطالما خطر لي في الخاطر المخاطر أن أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل عن الشرح بالحمرة والمداد، واختلاف الروايات بغيرها، ليدرك الناظر سريعًا المراد، فيكون باديًا بالصفحة، مدركًا باللمحة ... إلى آخر ما قال. ونرى أنه حتى ولو أمكن تنفيذ ما رآه المؤلف بتمييز الأصل عن شرحه بألوان المداد -مع ما في ذلك من صعوبات فنية- لما أغنى القارئ فيما يصادفه من عناء في تتبع الأصل أو الشرح متناثرًا بألوانه في هذا الكتاب. ولو أنه رحمه الله اختار منهجًا غير هذا لكتابه، وحدد فيه عناوين ضابطة لما يأتي به شرحًا للأصل، مميزًا بهذه العناوين أنواع ما يورده فيه من معارف بعد إيراده الأصل كاملًا بأعلى الصفحة كما سبق أن ذكرنا لو أنه فعل هذا لكان أقرب إلى الإفادة، وأعون على الانتفاع بما أورده في هذا الشرح العظيم. إن الإمام العيني في شرحه لهذا الأصل قد سلك هذا المسلك، فأفرد -بعد ذكر الأصل كاملًا- عناوين ضابطة لكل ما أتى به شرحًا للبخاري، حدد بها لقارئ كتابه أنواع ما يورده فيه، فهو يذكر بيان مناسبة الحديث للباب الذي أورده فيه البخاري، ويذكر بيان رجاله، ولطائف إسناده, وبيان مفردات اللغة، وبيان الإعراب، وبيان الصرف، وبيان المعاني، وبيان البيان، وبيان استنباط الأحكام، ثم الأسئلة والأجوبة وغير ذلك مما لا نطيل به على القارئ الكريم، فقد سبق لنا إيراده عند دراسة كتب عمدة القارئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 3- أنه يتبع الأصل بالشرح فيما يورده أولًا بأول، ويعنى بضبط مفرداته بالكتابة لا بالشكل، ويشرح هذه المفردات مبينًا ما تفيده في نفسها، وما تدل عليه مع غيرها، ويتكلم على السند ويضبط أسماء رجاله، ويضيف إليها ما تيسر له من أسماء الآباء والأجداد والنسبة وتاريخ الوفاة، ويطابق بين الحديث وترجمة البخاري، ويجمع بين ما يكون في الباب من أحاديث يوهم ظاهرها التعارض، ويورد أقوال العلماء في الخلافيات، وأدلتهم على ما ذهبوا إليه ويوازن بينها، ويرجح بعضها على بعض مستندًا إلى ما ينقله من آراء الأئمة في الفقه والحديث، محايدًا غير متعصب، معتدلًا في شرحه لا يستطرد، ولا يتعرض لمباحث اللغة والإعراب والمعاني والبيان إلا بقدر ما تمليه الضرورة فيما يتناوله من إيضاح الأصل، ثم يذكر لطائف الإسناد في الحديث، وينسب رواته إلى أوطانهم، ويذكر من خرجه من كتب الأصول غير البخاري، والأبواب التي ورد فيها من هذه الكتب. إن مؤلف الكتاب قد عرف طريقه وحدده على أساس منهجه الذي رسمه، وسار في هذا الطريق بما رأى أنه يفيد طالب الحديث، فلم يحد به إلى متاهات اللغة والنحو والبيان والشرح الطويل، ولم يزد فيما يورده في كتابه عما تمليه الضرورة وتستدعيه الحاجة في بيان ما ورد بالبخاري بما يوضح عبارته، ويقرب جناه وثمرته. هذا ما سنح لنا من ملاحظات على هذا الكتاب بقدر ما سمحت به الظروف في حدود المنهج المرسوم لهذه الدراسة. وهذان نموذجان لما ورد في الكتاب من شرح، نعرضهما على القارئ الكريم على الهيئة التي وردا بها في الكتاب، ليستبين منهما منهج المؤلف فيما عرضه في الكتاب من معارف. 1- هذا "باب"1 بالتنوين كما في الفرع "من الكبائر" التي وعد من اجتنبها بالمغفرة "أن لا يستتر من بوله" والكبائر جمع كبيرة، وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعًا لعظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف، ويأتي تمام مباحثها إن شاء الله تعالى، وبه قال "حدثنا عثمان" بن أبي شيبة الكوفي "قال: حدثنا جرير" هو ابن عبد الحميد "عن منصور" هو ابن المعتمد "عن مجاهد" أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة "عن ابن عباس" رضي الله عنهما أنه "قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط" أي بستان من النخل عليه جدار "من حيطان المدينة أو مكة" شك جرير، وعند المؤلف في الأدب المفرد من حيطان المدينة بالجزم من غير شك، ويؤيده رواية الدارقطني في أفراده من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية رضي الله عنها؛ لأن حائطها كان بالمدينة وفي رواية الأعمش مر بقبرين "فسمع صوت إنسانين" حال كونهما "يعذبان" حال كونهما "في قبورها" عبر بالجمع في موضع التثنية؛ لأن استعمالها في مثل هذا قليل وإن كانت هي الأصل؛ لأن المضاف إلى المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه   1 إرشاد الساري ج1 ص286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564