الكتاب: المنهاج القويم المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى 1420هـ-2000م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية ابن حجر الهيتمي الكتاب: المنهاج القويم المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى 1420هـ-2000م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمات : ترجمة مؤلف "المقدمة الحضرمية" 1: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي. قال في "النور السافر": ولد سنة خمسين وثمانمائة "850هـ" وارتحل لطلب العلم إلى عدن وغيرها، وأخذ عن الإمامين محمد بن أحمد بافضل, وعبد الله بن أحمد مخرمة، ولازم الثاني، وتخرج به، وانتفع به كثيرًا، وأخذ أيضًا عن البرهان بن ظهيرة، وتميز واشتهر ذكره، وبعد صيته، وأثنى عليه الأئمة من مشايخه وغيرهم، وكان حريًّا بذلك. وكان إمامًا، عالمًا، عاملًا، عابدًا، ناسكًا، ورعًا، زاهدًا، شريف النفس، كريمًا سخيًّا مفضالا، كثير الصدقة، حسن الطريقة, لين الجانب، صبورًا على تعليم العلم، متواضعًا، حسن الخلق، لطيف الطباع، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، له حرمة وافرة عند الملوك وغيرهم، حافظًا أوقاته لا يرى إلا في تدريس علم أو مطالعة كتاب أو اشتغال بعبادة وذكر. ولي التدريس بجامع الشحر وانتصب فيها للاشتغال والفتوى، وصار عمدة القطر، وانتهت إليه رئاسة الفقه في جميع تلك النواحي، ولم يزل على ذلك حتى توفي يوم الأحد خامس شهر رمضان سنة 918هـ2، ودفن في طرف بلد الشحر من جهة الشمال في موضع موات، وهو أول من دفن هناك، ودفن الناس إلى جانبه، حتى صارت مقبرة كبيرة انتهى. له مؤلفات كثيرة، نذكر منها: المقدمة الحضرمية؛ وهو الكتاب الذي بين أيدينا - الحجج القواطع في الواصل والقاطع. - الفتاوى. - رسالة في علم الفلك. - لوامع الأنوار في فضل القائم بالأسحار.   1 انظر ترجمته في شذرات الذهب "8/ 126, طبعة دار الكتب العلمية", والنور السافر "ص98", والأعلام للزركلي "4/ 97"، وهدية العارفين "1/ 470". 2 في هدية العارفين "1/ 470"، أنه توفي سنة 1033هـ؛ وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 ترجمة ابن حجر الهيتمي مؤلف "المنهاج القويم" 1: قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في وفيات سنة 973هـ: وفيها: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي ابن حجر -نسبة على ما قيل إلى جد من أجداده كان ملازمًا للصمت فشبه بالحجر- الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي الإمام العلامة البحر الزاخر. ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر المنسوب إليها، ومات أبوه وهو صغير، فكفله الإمامان الكاملان شمس الدين بن أبي الحمائل، وشمس الدين الشناوي، ثم إن الشمس الشناوي نقله من محلة أبي الهيتم إلى مقام سيدي أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادئ العلوم، ثم نقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع الأزهر، فأخذ عن علماء مصر، وكان قد حفظ القرآن العظيم في صغره. وممن أخذ عنه شيخ الإسلام القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي، والشمس المشهدي، والشمس السمهودي، والأمين الغمري، والشهاب الرملي، والطبلاوي، وأبو الحسن البكري، والشمس اللقاني الضيروطي، والشهاب ابن النجار الحنبلي، والشهاب ابن الصائغ في آخرين. وأذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وبرع في علوم كثيرة من التفسير، والحديث، والكلام، والفقه، أصولا وفروعًا، والفرائض، والحساب، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والمنطق، والتصوف. ومن محفوظاته "المنهاج الفرعي". ومقروءاته لا يمكن حصرها، وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جدًّا استوعبها في "معجم مشايخه". وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين، فحج وجاور بها، ثم عاد إلى مصر، ثم حج بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين، ثم حج سنة أربعين، وجاور من ذلك الوقت بمكة، وأقام بها يدرس ويفتي ويؤلف.   1 انظر ترجمته في شذرات الذهب "8/ 435، 436, طبعة دار الكتب العلمية" ومعجم المؤلفين "1/ 293، 294", والنور السافر للعيدروسي "ص287- 298", والبدر الطالع للشوكاني "1/ 109", وغيرها كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ومن مؤلفاته "شرح المشكاة" و"شرح المنهاج" وشرحان على "الإرشاد" و"شرح الهمزية البوصيرية" و"شرح الأربعين النواوية" و"الصواعق المحرقة" و"كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع" و"الزواجر عن اقتراف الكبائر" و"نصيحة الملوك" وشرح مختصر الفقيه عبد الله بافضل الحاج المسمى "المنهج القويم في مسائل التعليم" و"الأحكام في قواطع الإسلام" و"شرح العباب" المسمى بـ"الإيعاب" و"تحذير الثقات عن أكل الكفتة والقات", وشرح قطعة صالحة من "ألفية ابن مالك" و"شرح مختصر أبي الحسن البكري" في الفقه، و"شرح مختصر الروض" و"مناقب أبي حنيفة" وغير ذلك. وأخذ عنه من لا يحصى كثرة، وازدحم الناس على الأخذ عنه، وافتخروا بالانتساب إليه، وممن أخذ عنه مشافهة شيخ مشايخنا البرهان بن الأحدب. وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام، بحرًا لا تكدره الدلاء، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملأ، كوكبًا سيارًا في منهاج سماء الساري، يهتدي به المهتدون تحقيقًا لقوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] ، واحد العصر، وثاني القطر، وثالث الشمس والبدر، أقسمت المشكلات ألا تتضح إلا لديه وأكدت المعضلات أليتها أن تنجلي إلا عليه، لا سيما وفي الحجاز عليها قد حجر، ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر، وتوفي رحمه الله تعالى بمكة في رجب، ودفن بالمعلاة في تربة الطبريين، وانتهى. وترجم له عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين، فقال: أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي ابن حجر الهيتمي، السعدي الأنصاري الشافعي "شهاب الدين، أبو العباس" فقيه مشارك في أنواع من العلوم، ولد في محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر في رجب سنة 909هـ وتوفي بمكة سنة 973هـ1. من مؤلفاته الكثيرة: تحفة المحتاج لشرح المنهاج للنووي في فروع الفقه الشافعي بمجلدين، مبلغ الأرب في فضل العرب، الصواعق المحرقة لإخوان الابتداع والضلال والزندقة، معدن اليواقيت الملتمعة في مناقب الأئمة الأربعة، تحرير المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال، المنح المكية في شرح الهمزية للبوصيري، كنه أمراد في شرح بانت سعاد، الإعلام بقواطع الإسلام، الفتاوى الهيتمية "الفتاوى الحديثية"، شرح تحفة المحتاج، الإمداد في شرح الإرشاد، أشرف الوسائل إلى فهم   1 وفي النور السافر: 974هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الشمائل، القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، المطالب في صلة الأقارب، تحفة المزوار إلى قبر المختار "الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم المكرم"، الفتح المبين في شرح الأربعين للنووي، كنز الناظر في مختصر الزواجر، خلافة الأئمة الأربعة "تاريخ الخلفاء الراشدين"، الإيضاح والبيان لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان، الزواجر، النعمة الكبرى على العالم بدولة سيد بني آدم، الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 خطبة الكتاب ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي فرض علينا تعلم شرائع الإسلام، ومعرفة صحيح المعاملة وفاسدها   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين خصصتهم بمعرفتك وأيدتهم ببرهانك. وبعد؛ فقد سألني بعض الصلحاء أن أضع شرحًا لطيفًا على مقدمة الإمام المحقق الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بافضل الحضرمي نفعنا الله بعلومه وبركته فأجبته إلى ذلك ملتمسًا منه ومن غيره أن يمدني بدعواته الصالحة، وسائلًا من فضل مولانا أن يعم النفع به، وأن يبلغني كل مأمول بسببه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأقوى سبب للفوز بشهوده في جنات النعيم آمين. قال المؤلف رحمه الله: "بسم الله" أي أبتدئ أو أفتتح أو أؤلف متلبسًا أو مستعينًا أو متبركًا باسم الله إذ لا اعتداد بما لم يصدر باسمه تعالى، والاسم مشتق من السمو وهو العلو، والله علم على الذات الواجب الوجود لذاته المستحق لجميع الكمالات وهو عربي مشتق من "أَلِهَ" إذا تحير لتحير الخلق في كنه ذاته تعالى وتقدس وهو الاسم الأعظم وعدم الاستجابة لأكثر الناس مع الدعاء به لعدم استجماعهم لشرائط الدعاء، ولم يسم به غير الله قط، "الرحمن" هو صفة في الأصل بمعنى كثير الرحمة جدًّا ثم غلب على البالغ في الرحمة والإنعام بحيث لم يسم به غيره تعالى، وتسمية أهل اليمامة مسيلمة1 تعنت في الكفر، "الرحيم" أي ذي الرحمة الكثيرة فالرحمن أبلغ منه، وأتى به إشارة إلى أن ما دل عليه من دقائق الرحمة وإن ذكر بعد ما دل على جلائلها الذي هو المقصود الأعظم مقصود أيضًا لئلا يتوهم أنه غير ملتفت إليه فلا يسأل ولا يعطي، وكلاهما مشتق من الرحمة وهي عطف وميل روحاني غايته الإنعام، فهي لاستحالتها في حقه تعالى مجاز إما عن نفس الإنعام فتكون صفة فعل، أو عن إرادته فتكون صفة ذات، وكذا سائر أسمائه تعالى المستحيل معناها في حقه المراد بها غايتها. "الحمد" أي كل ثناء بجميل سواء كان من مقابلة نعمة أم لا ثابت ومملوك ومستحق، "لله" وأردف التسمية بالحمد اقتداء بأسلوب الكتاب العزيز وعملا بما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "كل   1 سمى أهل اليمامة مسيلمة الكذاب بالرحمان، وكتب "الرحمان" بالألف بعد الميم تمييزًا عن "الرحمن" بالألف الخنجرية فوق الميم؛ وهو من أسماء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 لتعريف الحلال والحرام، وجعل مآل من علم ذلك وعمل به الخلود في دار السلام،   أمر ذي بال": أي حال يهتم به "لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" 1 وفي رواية: "أقطع" 2 وفي أخرى "أبتر" 3: أي قليل البركة، وفي رواية: "ببسم الله الرحمن الرحيم" 4، وفي أخرى: "بذكر الله" 5 وبها يتبين أن المراد البداءة بأي ذكر كان، وقرن الحمد بالجلالة إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى يستحقه لذاته لا بواسطة شيء آخر وآثر كغيره الحمد على الشكر؛ لأن الحمد يعم الفضائل وهي الصفات التي لا يتعدى آثرها للغير والفواضل وهي الصفات المتعدية والشكر يختص بالأخيرة، "الذي فرض" أي أوجب "علينا" معشر الأمة إيجابًا عينيًّا6 لا رخصة في تركه "تعلم" ما نحتاج إليه لمباشرتنا لأسبابه، فالعبادات يجب على كل مكلف تعلم ما يكثر وقوعه من شروطها وأركانها فوزًا في الفوري وموسعًا في الموسع كالحج والمعاملة والمناكحة وغيرها، لا يجب تعلم ذلك فيه إلا على من أراد التلبس به، فمن أراد أن يتزوج مثلا امرأة ثانية لا يحل له حتى يتعلم غالب أحكام القسم ونحوه وعلى هذا فقس، أما الإيجاب على الكفاية بمعنى أنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين فيعم سائر "شرائع الإسلام" وما يتوقف معرفتها أو كمالها عليه كالنحو وغيره، والشرائع جمع شريعة وهي لغة مشرعة الماء7 وشرعًا ما شرعه الله لعباده من الأحكام، فالإضافة بيانية أو بمعنى اللام وهو أولى إذ الإسلام هو الانقياد والاستسلام وتعرف الشريعة أيضًا بأنها وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم، "و" تعلم "معرفة" جميع أحكام "صحيح المعاملة" والمناكحة والجناية وما يتعلق بكل "وفاسدها" وإنما وجب على الكافة ذلك عينًا أو كفاية "لتعريف" أي معرفة "الحلال" الشامل للواجب والمندوب والمباح والمكروه وخلاف الأولى "والحرام" حتى يفعل الحلال ويجتنب الحرام، وفي نسخة "من الحرام" أي لتمييز الحلال الطيب من الحرام الخبيث، "وجعل مآل" أي عاقبة "من علم ذلك وعمل به الخلود في دار السلام" على أسرّ حال وأهنئه من غير كدر يصيبه في قبره وما بعده، بخلاف من لم يعلم ذلك لتركه الواجب أو علمه ولم يعمل به فإن إسلامه وإن كان متكفلا له بالخلود أيضًا في دار   1 ذكره بهذه الرواية النووي في "الأذكار" "ص 249" ونسبه إلى أبي داود وابن ماجه. 2 أخرجه بهذه الرواية ابن ماجه في كتاب النكاح، باب 19، حديث رقم1894 عن أبي هريرة. 3 ذكره بهذه الرواية المتقي الهندي في كنز العمال "رقم2511" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 466". 4 ذكره بهذه الرواية السيوطي في الدر المنثور "1/ 10" والنووي في الأذكار "ص103" وروى معها الألفاظ الأخرى وقال: "روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي". 5 لم أجده بهذا اللفظ. 6 أي واجبًا على كل مسلم مكلف بعينه. 7 قال في اللسان "8/ 175 -مادة شرع": "والشريعة والشراع والمشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها، قال الليث: وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة من الصوم والصلاة والحد والنكاح وغيره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وجعل مصير من خالفه وعصاه دار الانتقام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المان بالنعم الجسام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام صلى الله   السلام وهي الجنة إلا أنه قد يكون بعد مزيد عذاب ومؤاخذة: "وجعل مصير" أي رجوع أو قرار "من خالفه وعصاه" عطف تفسير "دار الانتقام" وهي النار دائمًا إن كانت مخالفته في الكفر وإلا فمعنى كونها مصيره أن يستحق ذلك إن لم يعف عنه. "وأشهد" أي أعلم وأبين "أن لا إله" أي لا معبود بحق في الوجود "إلا الله وحده لا شريك له" في ذاته ولا في وصف من صفاته, "المان" أي المتفضل على عباده المؤمنين من المن والمنة النعمة الثقيلة ولا يحمد إلا في حقه تعالى لأنه المتفضل بما يملكه حقيقة وغيره لا ملك له معه فلم يناسبه المن به, "بالنعم" جمع وهي اللذة التي تحمد عاقبتها، ومن ثم لم يكن لله نعمة على كافر وإنما ملاذه استدراج "الجسام" أي العظام. "وأشهد أن" سيدنا "محمدًا" وهو علم موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة، وسمي به نبينا بإلهام من الله لجده1 بذلك ليطابق اسمه صفته. "عبده" قدمه لأنه أكمل أوصافه، ولذا خص بالذكر في أشرف مقامات كماله صلى الله عليه وسلم نحو: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه} [الفرقان: 1] ، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] ، لاسيما ليلة المعراج المتكفلة بغايات الكمالات المفاضة عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة وما بعدها، و"رسوله" هو إنسان ذكر حر أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ لشرع من قبله وآثره على النبي لأنه أفضل، لكن قال ابن عبد السلام: نبوة الرسول أفضل من رسالته لتعلقها بالله تعالى وتعلق الرسالة بالخلق وفيه نظر بينته في غير هذا الكتاب، "المبعوث رحمة للأنام" أي الخلق، أما كونه رحمة للخق فدل عليه الكتاب2 والسنة 3 والإجماع، ومعنى كونه رحمة للكافر أنه لا يعاجل بالعقوبة والأخذ بغتة كما وقع لأمم من قبله، وأما كونه مبعوثًا للخلق بناء على تعلق قوله للأنام بقوله المبعوث فهو ما ذكره بعض المحققين لخبر صحيح4 يدل له وهو اللائق بعلو مقامه صلى الله عليه وسلم، وقد بينت في بعض الفتاوى أن الأصح أنه صلى الله عليه وسلم مرسل للملائكة بما فيه مقنع   1 عبد المطلب بن هاشم. 2 في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107] . 3 منها ما رواه مسلم في كتاب الفضائل "حديث 125" عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد" وقد سماه الله رءوفًا رحيمًا، وروى أيضًا "حديث رقم 126" عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: "أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة". 4 وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " ... وبعثت إلى الناس عامة". رواه البخاري في التيمم "باب 1" والصلاة "باب 56", والنسائي في الغسل "باب 26", والدارمي في الصلاة "باب 111". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وسلم عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام. وبعد؛ فهذا مختصر لا بد لكل مسلم من معرفته أو معرفة مثله فيتعين الاهتمام به وإشاعته، فأسأل الله الكريم أن ينفع به وأن يجعل جمعي له خالصًا لوجهه الكريم.   لمن تدبره "صلى الله وسلم عليه" من الصلاة وهي الرحمة المقرونة بتعظيم ويختص لفظها بالأنبياء والملائكة فلا يقال لغيرهم إلا تبعًا. و"على آله" هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب، وقد يراد بهم في مقام الصلاة كل مؤمن لخبر ضعيف فيه، "وصحبه" اسم جمع لصاحب وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة وإن لم يره ولم يرو عنه مؤمنًا ومات على الإيمان "البررة" جمع بار وهو من غلبت عليه أعمال البر "الكرام" جمع كريم والمراد به هنا من خرج عن نفسه وماله لله تعالى وكل الصحابة كذلك رضوان الله عليهم أجمعين. و"بعد" كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأتون بأصلها وهو "أما بعد" في خطبهم لذلك، ولكون أصلها ذلك لزم الفاء في حيزها والأصل مهما يكن من شيء بعد الحمدلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "فهذا" المؤلف الحاضر في الذهن "مختصر" قل لفظه وكثر معناه "لا بد" أي لا غنى "لكل مسلم" يحتاج إلى معرفة ما هو مضطر إليه من العبادات محتاج إليه من المعاملات "من" معرفته أو من "معرفة مثله" ليكون على بصيرة من أمره وبينة من ربه وإلا ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء "فيتعين" حينئذ عليك أيها الراغب في الخير "الاهتمام به" أي بهذا المختصر أو مثله حفظًا وفهمًا وكتابة، "و" عليك أيضًا "إشاعته" في البلدان ليكون لك نصيب من الأجر إذ الدال على هدى كفاعله1، وليس المطلوب منك الإيصال للهدى فإن الهدى هدى الله وحده وحينئذ "فأنا أسأل الله الكريم أن ينفع به" فإنه لا يخيب من اعتمد عليه ولجأ في مهماته إليه "وأن يجعل جمعي له" من متفرقات الكتب "خالصًا لوجهه" أي ذاته "الكريم" أي المتفضل على من شاء بما شاء إنه جواد حليم رءوف رحيم.   1 ورد في حديث صحيح: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله". رواه مسلم في الإمارة "حديث 133", وأبو داود في الأدب "باب 115", والترمذي في العلم "باب 14", وأحمد في المسند 4/ 120، 5/ 274، 357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 باب أحكام الطهارة مدخل ... "باب أحكام الطهارة": لا يصح رفع الحديث ولا إزالة النجس إلا بما يسمى ماء، فإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه تغيرًا فاحشًا بحيث لا يسمى ماء مطلقًا بمخالط طاهر يستغني الماء عنه لم تصح الطهارة   باب أحكام الطهارة: وهي لغة الخلوص من الدنس الحسي والمعنوي كالعيب1 وشرعًا ما توقف على حصوله إباحة كالغسلة الأولى أو ثواب مجرد كالغسلة الثانية والثالثة والوضوء المجدد والغسل المسنونين. "لا يصح" ولا يحل "رفع الحدث" الأصغر, وهو ما أوجب الوضوء والأكبر وهو ما أوجب الغسل "ولا إزالة النجس" المخفف وهو بول الصبي الآتي ذكره والمغلظ وهو نجاسة نحو الكلب والمتوسط وهو ما عداهما من سائر النجاسات الآتية ولا فعل طهارة سلس ولا طهارة مسنونة "إلا بما" علم أو ظن كونه ماء مطلقًا وهو ما "يسمى ماء" من غير قيد لازم بالنسبة للعالم بحاله كماء البحر وما ينعقد منه الملح وينحل إليه نحو البرد الذي استهلك فيه الخليط والمترشح من بخار الماء الطهور المغلي والمتغير بما لا غنى عنه أو بمجاوره لأنه يسمى ماء لغة وعرفًا وما بباطن دود الماء وهو المسمى بالزلال2 لأنه ليس بحيوان وما جمع من ندى وليس نفس دابة في البحر، ودليل الحصر المذكور في الحدث آية التيمم3 والإجماع، وفي الخبث ما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بغسله وفي غيرهما القياس عليهما، وخرج بالمطلق المذكور المائع كالخل والجامد كالتراب في التيمم والنجاسة المغلظة والحجر في الاستنجاء وأدوية الدباغ ونحو ماء الزعفران مما قيد بلازم فلا يرفع حدثًا ولا يزيل نجسًا ولا يستعمل في طهر غيرهما "فإن تغير" حسًّا "طعمه" وحده "أو لونه" وحده "أو ريحه" وحده "تغيرًا فاحشًا" بأن سلب إطلاق اسم الماء عنه حتى صار "بحيث لا يسمى ماء مطلقًا" وإنما يسمى ماء مقيدًا كماء الورد أو استجد له اسم آخر كالمرقة مثلًا وكان ذلك التغير "بمخالط" مخالف للماء في صفاته أو واحدة منها وهو ما لا يمكن فصله "طاهر يستغني الماء عنه" بأن لا يشق صونه عنه ككافور رخو وقطران يختلطان بالماء وثمر وإن كان شجره نابتًا في الماء "لم تصح الطهارة به" لأنه ليس عاريًا عن القيود والإضافات فلا   1 انظر المعاني المتعددة للفظ "طهر" في لسان العرب "4/ 504-507" مادة "طهر". 2 في اللسان "مادة زلل": وزل الماء في حلقه يزل زلولا: ذهب، وماء زلال وزليل: سريع النزول والمر في الحلق، وماء زلال: بارد، وقيل: ماء زلال وزلازل: عذب، وقيل صاف خالص، وقيل: الزلال الصافي من كل شيء. 3 وهي الآية 6 من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... } الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 به، والتغير التقديري كالتغير الحسي، فلو وقع فيه ماء ورد لا رائحة له قدر مخالفًا له بأوسط الصفات، ولا يضر تغير يسير لا يمنع اسم الماء، ولا يضر تغير بمكث وتراب وطحلب وما في مقره وممره ولا بمجاور كعود ودهن ولا بملح مائي ولا بورق تناثر من الشجر.   يلحق بمورد النص العري1عنها. "والتغير التقديري كالتغير الحسي، فلو وقع فيه" أي الماء ما يوافقه في صفاته ومنه "ماء ورد لا رائحة له" سواء أوقع في ماء كثير أم قليل والماء المستعمل لكن إن وقع في ماء قليل لأن المستعمل إذا كثر طهر فأولى إذا وقع في الكثير "قدر مخالفًا له" للماء "بأوسط الصفات" كطعم الرمان ولون العصير وريح اللاذن2 فإن غير بفرضه في صفة سلب الطهورية, وإن كان عند فرض المخالفة في غير تلك الصفة لا يغير وذلك لأن لموافقته لا يغيره فاعتبر بغيره كالحكمية. "ولا يضر تغير يسير" وهو ما "لا يمنع اسم الماء" وإن كان بمخالط يستغنى لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من قصعة فيها أثر عجين3، "ولا يضر تغير بمكث" لتعذر الاحتراز عنه "وتراب" طهور وإن قلنا إنه مخالط لأنه يوافق الماء في الطهورية بخلاف النجس والمستعمل "وطحلب" لم يطرح ولو متفتتًا لعسر الاحتراز عنه وهو نبت أخضر يعلو الماء فإن طرح ضر إن كان متفتتًا وإلا فلا "وما في مقره وممره" من نحو نورة4 وزرنيخ5 ولو مطبوخين وطين لم يكثر تغير الماء به بحيث صار لا يجري بطبعه لذلك "ولا بمجاور" وهو ما يمكن فصله "كعود ودهن" ولو مطيبين ومنه البخور وإن كثر وظهر في الريح وغيره لأن الحاصل بذلك مجرد تروح فهو كما لو تغير بجيفة على الشط، ومنه أيضًا ما أغلى فيه نحو بر وتمر بحيث لم يعلم انفصال عين مخالطة فيه بأن لم يصل إلى حد بحيث يحدث له اسم كالمرقة. "ولا بملح مائي" لانعقاده من عين الماء كالثلج بخلاف الملح الجبلي فيضر التغير به ما لم يكن بمقر الماء أو ممره، وكالملح المائي متغير بخليط لا يؤثر فلا يضر صبه على غير متغير وإن غيره كثيرًا, لأنه طهور "ولا بورق تناثر" بنفسه "من الشجر" ولو ربيعًا بخلاف المطروح للاستغناء عنه ولا يضر تغييره بالثمر إن تناثر بنفسه، ولو شك على التغير يسير أو كثير فكاليسير، أو هل زاد التغير للكثير لم يطهر للأصل فيهما، أو هل هو من مخالط أو غيره، أو هل المغير مخالط أو مجاور، لم يؤثر.   1 العري: الخالي. 2 اللاذن: جنس جنبة من الفصيلة اللاذنية، يستخرج منه صمغ راتنجي يعلك، ويستعمل عطرًا ودواءً، انظر المعجم الوسيط "ص822". 3 روى ابن ماجه في الطهارة، باب 35 "حديث رقم 378" عن أم هاني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين" ورواه أيضًا النسائي في الغسل باب 11، والطهارة باب 148. وأحمد في المسند "6/ 342". 4 النورة: حجر الكلس، وأخلاط من أملاح الكلسيوم والباريون تستعمل لإزالة الشعر "المعجم الوسيط: ص962". 5 الزرنيخ: عنصر شبيه بالفلزات له بريق الصلب ولونه، ومركباته سامة، يستخدم في الطب وفي قتل الحشرات "المعجم الوسيط: ص393". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 فصل: "في الماء المكروه" الجزء: 1 فصل: "في الماء المستعمل" لا تصح الطهارة بالماء المستعمل القليل في رفع الحدث وإزالة النجس، فلو أدخل   فصل: في الماء المستعمل "لا تصح الطهارة بالماء المستعمل" هو ما أزيل به مانع من رفع حدث ولو حدث صبي لا يميز بناء على اشتراط طهره لصحة الطواف به, وهو المعتمد وإزالة خبث ولو معفوًّا عنه، وكذا ما لا رفع كطهر دائم الحدث وحنفي لم ينو وغسل ميت وكتابية من حيض أو نفاس المتوضيء يده في الماء القليل بعد غسل وجهه غير ناو للاغتراف صار الماء الباقي مستعملا، والمستعمل في طهر مسنون كالغسلة الثانية والثالثة تصح الطهارة به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فصل: "في الماء النجس ونحوه" ينجس الماء القليل وغيره من المائعات بملاقاة النجاسة، ويستثنى من ذلك مسائل:   لتحل لحليلها المسلم، ونحو مجنونة غسلها حليلها لذلك وذلك لأنه حصل باستعماله زوال المنع من نحو الصلاة فانتقل المنع إليه، كما أن الغسالة لما أثرت في المحل تأثرت، وإنما يؤثر الاستعمال في الماء "القليل" بخلاف الكثير وهو القلتان1 فإنه لا يؤثر الاستعمال فيه بل لو جمع المستعمل حتى بلغ قلتين صار طهورًا، وإنما يؤثر في القليل إن انفصل عن العضو المستعمل فيه ولو حكمًا؛ لأن جاوز ماء يده منكبه أو رجله ركبته، نعم لا يضر الانفصال من بدن الجنب إلا إذا كان إلى محل لا يغلب فيه التقاذف كأن انفصل من الرأس إلى نحو القدم بخلافه إلى نحو الصدر، وعلم مما تقرر أنه لا تصح الطهارة بالمستعمل "في رفع الحدث و" لا "إزالة النجس" ولا في غيرهما "فإذا أدخل المتوضئ يده" اليمنى أو اليسرى أو جزأ منهما وإن قل "في الماء القليل بعد غسل وجهه" ثلاثًا سواء قصد التثليث أو أطلق أو واحدة إن قصد ترك التثليث "غير ناو للاغتراف" سواء قصد غسلهما عن الحدث أم أطلق "صار الماء الباقي مستعملا" وإن لم تنفصل يده عنه لانتقال المنع إليه ومع ذلك له أن يحركها فيه ثلاثًا وتحصل له سنة التثليث، وله أن يغسل بقية يده بما فيها وإن صار ما اغترف منه مستعملا, لأن ماءها لم ينفصل عنها وإدخال الجنب شيئًا من بدنه بعد النية بلا نية اغتراف منه يصير الماء مستعملا أيضًا، ولو انغمس في ماء قليل ثم بعد انغماسه نوى رفع الجنابة ارتفعت، وله إذا أحدث أو أجنب ثانيًا وهو في الماء أن يرفع به الحدث المتجدد؛ لأنه لم ينفصل عن الماء فصورة الاستعمال باقية، وكذا لو انغمس محدث في ماء قليل ثم نوى فإن حدث جميع أعضائه يرتفع على المعتمد، ولو كان ببدنه خبث بمحلين فمر الماء بأعلاهما ثم بأسفلهما طهرا معًا كما لو نزل من عضو جنب إلى محل عليه خبث فأزاله بلا تغير "والمستعمل في طهر مسنون كالغسلة الثانية والثالثة" والوضوء المجدد والغسل المسنون "تصح الطهارة به" لأنه لم ينتقل إليه مانع2. فصل: في الماء النجس ونحو ه "ينجس الماء القليل" وهو ما ينقص عن القلتين بأكثر من رطلين "وغيره من المائعات" وإن كثر وبلغ قلالا كثيرة "بملاقاة النجاسة" وإن لم يتغير لمفهوم ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ   1 انظر تخريج الحديث في الحاشية "1" من الصفحة التالية. 2 أي مانع يمنع الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ما لا يدركه الطرف، وميتة لا دم لها سائل إلا إن غيرت أو طرحت وفم هرة تنجس ثم غابت واحتمل ولوغها في ماء كثير، وكذلك الصبي إذا تنجس ثم غاب واحتملت طهارته،   الماء قلتين لم يحمل خبثًا" 1 إذ مفهومه أن ما دونهما يحمل الخبث: أي يتأثر به ولا يدفعه وفارق كثير المائع كثير الماء بأن حفظ كثير المائع لا يشق "ويستثنى من ذلك مسائل" لا ينجس فيها قليل الماء ولا كثير غيره وقليله بملاقاة النجاسة: منها "ما لا يدركه الطرف" أي البصر المعتدل فإنه لا يؤثر إن كان من غير مغلظ وقل عرفًا, ولم يغير ولو تغيرًا قليلا ولم يحصل بفعله لمشقة الاحتراز عنه, ولو كان بمواضع متفرقة ولو اجتمع لرؤى لم يعف عنه. "و" منها "ميتة لا دم لها سائل" عند شق عضو منها في حياتها ويلحق شاذ الجنس بغالبه، وما شك في سيل دمه له حكم ما يتحقق عدم سيلان دمه ولا يجرح خلافًا للغزالي وذلك كزنبور وعقرب ووزغ2 ونمل ونحل وبق وقراد3 وقمل وبرغوث وخنفساء4 وذباب لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بغمسه فيما وقع فيه؛ لأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء5 وغمسه يفضي لموته كثيرًا، فلو نجس لما أمر به وقيس به سائر ما لا يسيل دمه فيعفى عنها "إلا إن غيرت" ما وقعت فيه ولو تغيرًا قليلا, فلا عفو إذ لا مشقة، ولو زال تغير نحو المائع بها طهر على احتمال فيه "أو طرحت", وهي ميتة وليس نشؤها منه، أما إذا طرحت وهي حية فإنها لا تنجس وإن ماتت، وكذا لو طرحت ميتة ونشؤها منه كما اقتضاه كلام الشيخين لكن خالفهما كثيرون ولعل المصنف تبعهم "و" منها "فم هرة تنجس ثم غاب واحتمل" ولو على بعد "ولوغها في ماء" جار أو راكد "كثير وكذلك الصبي إذا تنجس ثم غاب واحتملت طهارته" ومثلهما كل حيوان طاهر وإن لم يعم اختلاطه بالناس، فإذا عاد وولغ في ماء قليل أو مائع لم ينجسه وإن كان الأصل بقاء فمه على النجاسة لأن احتمال الطهر قوي أصل طهارة نحو الماء فلم يؤثر فيه أصل بقاء النجاسة إذ لا يلزم منها التنجيس مع اعتضاد أصل الطهر بظاهر فكان أقوى، ولا يضر في احتمال طهر فم الهرة كونها تلعقه بلسانها لأن الماء يرد على جوانب فمها فيطهره كوروده على   1 رواه من حديث ابن عمر: أبو داود في الطهارة باب 33، والترمذي في الطهارة باب50، والنسائي في الطهارة باب43، والمياه باب3، وابن ماجه في الطهارة باب75، والدارمي في الوضوء باب 55، وأحمد في المسند"2/ 23، 27، 107". 2 الوزغ: سام أبرص، واحدة وزغة، وقد يقال: الوزغة الأنثى، والوزغ الذكر، انظر المعجم الوسيط "ص1029". 3 القراد: دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة تعيش على الدواب والطيور؛ الواحدة قرادة "المعجم الوسيط: ص724". 4 الخنفساء: حشرة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح "المعجم الوسيط: ص259". 5 روى البخاري في بدء الخلق، باب 17 "حديث رقم 3320", والطب، باب 58 "حديث رقم 5782" عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 والقليل من دخان النجاسة واليسير من الشعر النجس واليسير من غبار السرجين ولا ينجس غبار السرجين أعضاءه الرطبة، وإذا كان الماء قلتين فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير طعمه أو لونه أو ريحه ولو تغيرًا يسيرًا، فإن زال تغيره بنفسه أو بماء طهر أو بمسك أو كدورة تراب فلا، والجاري كالراكد والقلتان خمسمائة رطلبالبغدادي تقريبًا فلا يضر   جوانب الإناء المتنجس، أما إذا لم يكن ذلك فإنه ينجس ما ولغ فيه. "و" منها "القليل من دخان النجاسة" والمتنجس ومثله البخار إن تصاعد بواسطة نار بخلاف المتصاعد لا بواسطة نار كبخار الكنيف1 والريح الخارجة من الشخص وإن كانت ثيابه رطبة فإنه طاهر. "و" منها "اليسير من الشعر النجس" لغير الراكب والكثير منه للراكب. "و" منها اليسير من غبار السرجين"2 ونحوه "ولا ينجس غبار السرجين أعضاءه" ولا ثيابه "الرطبة" كما لا ينجس ما وقع فيه وذلك لمشقة الاحتراز عن جميع ذلك، ولذلك عفى أيضًا عن منفذ غير الآدمي إذا وقع في الماء مثلا سواء غلب وقوع فيه أم لا بشرط أن لا يطرأ عليه نجاسة أجنبية وعما يحمله نحو الذباب، وعما يبقى من قليل الدم على اللحم والعظم، وعن قليل بول وروث ما نشؤه من الماء والمرجع في القلة والكثرة العرف، وشرط العفو عن ذلك أن لا يغير وأن لا يكون من مغلظ وأن لا يحصل بقصد، قيل: ويعفى عن جرة3 البعير وفم ما يجتر إذا التقم أخلاف أمه وفم صبي تنجس وإن لم يغب وذرق4 الطيور في الماء وإن لم تكن من طيوره وبعر فأرة عم الابتلاء بها، وبعر شاة وقع في اللبن حال الحلب، وما يبقى في نحو الكرش إذا شقت تنقيته منه، وفي أكثر ذلك نظر ومخالفة لكلامهم. "وإذا كان الماء قلتين فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير طعمه" وحده "أو لونه" وحده "أو ريحه" وحده "ولو" كان "تغيرًا يسيرًا" لفحش النجاسة، ومن ثم فرض النجس المتصل به الموافق له في الصفات كبول منقطع الرائحة بأشدها كلون الحبر وريح المسك وطعم الخل، فإن كان بحيث يغيره أدنى تغير تنجس وخرج بوقوعها فيه تغيره برائحة جيفة على الشط فلا يضر "فإن زال تغيره" الحسي أو التقديري "بنفسه" لنحو طول مكث وهبوب ريح "أو بماء" ضم إليه ولو متنجسًا أو نبع فيه أو نقص منه وبقي قلتان "طهر" لانتفاء علة التنجيس وهي التغير، ولا يضر عوده بعد زواله حيث خلا عن نجس جامد، "أو" زال "بمسك أو كدورة تراب" أو نحوهما "فلا" يطهر لأن الظاهر استتار وصف النجاسة به لا زواله، وأفهم تعبيره بكدورة أن الماء لو صفا منها ولا تغير به طهر ولو وقع النجس في كثير متغير بما لا يضر قدر زواله، فإن فرض تغيره بهذه النجاسة تنجس وإلا فلا، "و" الماء "الجاري" وهو ما نقصان رطلين ويضر نقصان أكثر وقدرهما بالمساحة في المربع ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا وفي المدور كالبئر ذراعان عمقًا وذراع عرضًا، وتحرم الطهارة بالماء المسبل للشرب.   1 الكنيف: المرحاض. 2 السرجين: الزبل. 3 الجرة لذوات الظلف والخف: كالمعدة للإنسان. 4 ذرق الطيور: سلحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 فصل: "في الاجتهاد" إذا اشتبه عليه طاهر بمتنجس اجتهد وتطهر بما ظن طهارته بعلامة ولو أعمى وإذا   اندفع في صبب1 أو مستو من الأرض وإلا فهو راكد "كالراكد" فإن كان قلتين لم ينجس إلا بالتغير أو أقل تنجس بمجرد ملاقاة النجس غير المعفو عنه، نعم الجاري وإن تواصل حسًا فهو منفصل حكمًا إذ كل جرية طالبة لما أمامها هاربة مما وراءها فاعتبر تقوي أجزاء الجرية الواحدة بعضها ببعض وهي لما يرتفع وينخفض بين حافتي النهر من الماء عند تموجه تحقيقًا أو تقديرًا، أما الجريات فلا يتقوى بعضها ببعض، فلو وقعت فيه نجاسة وجرت بجرية فموضع الجرية المتنجس بها نجس، وللمارة بعدها حكم غسالة النجاسة وإن لم تجر بجريه فكل جرية تمر عليها دون قلتين تكون نجسة وإن امتد النهر فراسخ إلى أن يجتمع فيه قلتان في محل، وبه يلغز فيقال لنا ماء بلغ آلافًا من القلال وهو نجس مع أنه ليس بمتغير "والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي" وبالمصري أربعمائة وستة وأربعون رطلًا2 "تقريبًا" لا تحديدًا "فلا يضر نقصان رطلين" فأقل "ويضر نقصان أكثر" من رطلين على ما في الروضة "وقدرهما بالمساحة في المربع3 ذراع وربع" بذراع اليد المعتدلة "طولًا وعرضًا وعمقًا" إذ كل ربع ذراع يسع أربعة أرطال بغدادية ومجموع ذلك مائة وخمسة وعشرين ربعًا في خمسة أرباع بسط العمق "وفي المدور كالبئر ذراعان عمقًا" بذراع النجار وهو بذراع اليد المعتدلة قيل ذراع وربع تقريبًا وقيل ذراع ونصف "وذراع عرضًا" وهو ما بين حائطي البئر من سائر الجوانب، وسبب اختلاف المربع والمدور مذكور في المطولات، "وتحرم الطهارة" وغيرها من سائر وجوه الاستعمالات ما عدا الماء "بالماء المسبل للشرب" لكن تصح الطهارة به، ويجب التيمم بحضرته، ومثله ما جهل حاله سواء دلت القرينة على أنه مسبل للشرب كالخوابي الموضوعة في الطرق أو لا كالصهاريج، ويحرم حمل شيء من المسبل إلى غير محله ما لم يضطر إليه. فصل في الاجتهاد: وهو كالتحري: بذل المجهود في تحصيل المقصود. "إذا اشتبه عليه طاهر" من ماء أو تراب أو غيرهما "بمتنجس" أو طهور بمستعمل "اجتهد" أخبره بتنجيسه ثقة وبين السبب أو أطلق وكان فقيهًا موافقًا اعتمده.   1 الصبب: ما انحدر من الأرض، جمعها أصباب. 2 الرطل: معيار يوزن به أو يكال يختلف باختلاف البلاد، وهو في مصر اثنتا عشرة أوقية، والأوقية اثنا عشر درهمًا، انظر المعجم الوسيط "ص352". 3 قوله "المربع" المراد به المكعب؛ لأنه قال بعد: "طولًا وعرضًا وعمقًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فصل: "في الأواني" ويحرم استعمال أواني الذهب والفضة إلا لضرورة واتخاذها ولو إناء صغيرًا   وجوبًا إن ضاق الوقت ولم يجد غير ذلك الماء أو التراب أو اضطر إلى تناول المتنجس وجوازًا فيما عدا ذلك، "وتطهر بما ظن طهارته" واستعمله لأن التطهر شرط من شروط الصلاة، وحل التناول والاستعمال والتوصل إلى ذلك ممكن بالاجتهاد فوجب عند الاشتباه إن تعين طريقًا كما مر، وللاجتهاد شروط أربعة: أحدها: أن يكون لكل من المشتبهين أصل في التطهير والحل، فلو اشتبه ماء بماء ورد أو طاهر بنجس العين فلا اجتهاد بل يتوضأ بالماء وماء الورد بكل مرة. ثانيها: أن يكون للعلامة فيه مجال فلا يجوز الاجتهاد إلا بعلامة كتغير أحد الإناءين ونقصه واضطرابه وقرب نحو كلب أو رشاش منه لإفادة غلبة الظن حينئذ بخلاف ما إذا لم يكن فيه محال كما لو اختلطت محرمة بنسوة: ثالثها: ظهور العلامة فإن لم يظهر لم يعمل به سواء الأعمى والبصير، ولا يشترط في إدراكها البصر بل يتحرى من وقع له الاشتباه، "ولو" كان "أعمى" فإن له طريقًا في التوصل إلى المقصود كسماع صوت ونقص ماء واعوجاج الإناء واضطراب عطائه فإن لم يظهر له شيء قلد، فإن لم يجد من يقلده أو اختلف عليه مقلدوه تيمم والبصير لا يقلد بل يتيمم، وشرط صحة التيمم إتلاف الماءين لأن أحدهما طهور بيقين والتيمم لا يصح مع وجوده، رابعها: تعدد المشتبه وبقاء المشتبهين فلا اجتهاد في واحد ابتداء ولا انتهاء، ويجب عليه إعادة الاجتهاد لكل طهور ولو مجددًا وإن لم يكفه لوجوب استعمال الناقص، ثم إن وافق اجتهاده الأول فذلك وإلا أتلفهما ثم تيمم "وإذا أخبره بتنجيسه" أي أحد الإناءين "ثقة" ولو عدل رواية كامرأة وعبد "وبين السبب أو أطلق أو كان فقيها موافقًا" للمخبر في باب تنجس المياه "اعتمده" وجوبًا بخلاف ما إذا أطلق وهو عامي أو مخالف فلا يعتمده، وخرج بالثقة الصبي والمجنون والفاسق والكافر فلا يقبل خبرهم إلا إن كان من غير المجانين ولو بلغ عدد التواتر، ومن يخبر عن فعل نفسه فهو مقبول مطلقًا. فصل في الأواني: "ويحرم" على المكلف ولو أنثى "استعمال أواني الذهب والفضة" في الطهارة وغيرها لنفسه أو لغيره ولو صغيرًا كسقيه في مسعط فضة لما صح من النهي عن الأكل والشرب فيهما مع اقترانه بالوعيد الشديد1، وقيس بهما سائر وجوه الاستعمال كالاحتواء على   1 روى البخاري في الأشربة، باب 28 "حديث 5633" عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، وروى أيضًا من حديث أم سلمة "رقم5634": "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وروى مسلم حديث أم سلمة في اللباس والزينة "حديث1" بنفس لفظ البخاري، ورواه "حديث رقم 2" بلفظ: "من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 كمكحلة وما ضبب بالذهب، ولا يحرم ما ضبب بالفضة إلا ضبة كبيرة للزينة، ويحل المموه بهما إذا لم يحصل منه شيء بالعرض على النار.   مجمرة1 وشم رائحتها من قرب بحيث يصير عرفًا متطيبًا بها "إلا لضرورة" بأن لم يجد غيرها "و" يحرم "اتخاذها" لأنه يجر إلى استعمالها المحرم كآلة اللهو المحرمة "ولو" كان مستعملًا "إناء صغيرًا" جدا حتى ساوى الضبة2 المباحة "كـ"ـمرود3 و"مكحلة"4, وخلال5 لعموم النهي عن الإناء "و" يحرم استعمال "ما ضبب بالذهب" مطلقًا أو طليت ضبة به بحيث يتحصل منه شيء بالعرض على النار وإن صغرت الضبة وكان لحاجة لأن الخيلاء فيه أشد. "ولا يحرم ما ضبب بالفضة إلا ضبة كبيرة للزينة" وحدها أو مع الحاجة فتحرم لما فيها من السرف والخيلاء بخلاف الصغيرة لزينة أو الكبيرة لحاجة والصغيرة لحاجة فإنها تحل وإن لمعت من بعد أو كانت بمحل الشرب أو استوعبت جزأ من الإناء لانتفاء الخيلاء مع الكراهة في الأولين وضابط الصغر والكبر العرف ولو شك في الكبر فالأصل الإباحة، والمراد بالحاجة الغرض المتعلق بالتضبيب سوى التزيين كإصلاح كسر وشد وتوثق، "ويحل" الإناء "المموه بهما" أي بالذهب والفضة "إذا لم يحصل شيء منه بالعرض على النار" وإلا حرم أما إناء الذهب والفضة إذا غشي بنحاس أو نحوه بحيث ستره فإنه يحل لأن علة التحريم العين مع الخيلاء وهما موجودان في الأول دون الثاني6 هذا في الاستدامة. أما فعل التمويه والاستئجار له فحرام مطلقًا حتى في الكعبة، ولو فتح فاه للمطر النازل من ميزابها لم يحرم وإن مسه الفم على الأوجه لأنه لا يعد مستعملًا له، وتحل حلقة الإناء ورأسه وسلسلته ولو من فضة لانفصالها عنه مع أنه لا تسمى إناء، ولا ينافي هذا قولهم يحل الاستنجاء بالنقد لأن محله في قطعة لم تطبع ولم تهيأ له وإلا حرم الاستنجاء بها أيضًا، وخرج بأواني الذهب والفضة سائر الأواني ولو من جواهر نفيسة فيحل استعمالها لأن الفقراء يجهلونها فلا تنكسر قلوبهم برؤيتها، نعم يحرم استعمال الإناء النجس في غير جاف وماء كثير لأنه ينجسه.   1 المجمرة: ما يوضع فيه الجمر مع البخور. 2 الضبة: حديدة عريضة يضبب بها الباب، وغلق من خشب ذو مفتاح يغلب به الباب "المعجم الوسيط: ص532". 3 المرود: الميل من الزجاج أو المعدن يكتحل به. 4 المكحلة: الوعاء الذي فيه الكحل، جمعه مكاحل. 5 الخلال: العود الذي يتخلل به. 6 أي أن العين "أي الذهب والفضة" والخيلاء موجودان معًا في الحالة الأولى، وغير موجودين معًا في الحالة الثانية وهي حالة تغشيتهما بنحاس أو نحوه؛ ففي هذه الحالة الثانية وجد العين وانتفت الخيلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فصل: "في خصال الفطرة" يسن السواك في كل حال ويتأكد للوضوء والصلاة لكل إحرام وإرادة قراءة القرآن والحديث والذكر واصفرار الأسنان ودخول البيت والقيام من النوم وإرادة النوم ولكل حال يتغير فيه الفم، ويكره للصائم بعد الزوال ويحصل بكل خشن لا أصبعه والأراك أولى ثم   فصل: في خصال الفطرة "يسن السواك في كل حال" للأحاديث الكثيرة الشهيرة1، ولو أكل نجسًا وجب إزالة دسومته بسواك أو غيره "ويتأكد للوضوء و" التيمم لخبر فيه2 ويتأكد عند إرادة "الصلاة لكل إحرام" ولو لنفل وسجدة تلاوة أو شكر وإن كان فاقد الطهورين ولم يتغير فمه واستاك للوضوء وقرب الفصل للخبر الصحيح: "ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك" 3، ويظهر أنه لو خشي تنجس فمه لم يندب لها وأنه لو تذكر فيها أنه تركه تداركه بفعل قليل، "و" عند "إرادة قراءة القرآن والحديث والذكر" وكذا كل عمل شرعي ويكون قبل الاستعاذة. و"اصفرار الأسنان "يعني تغيرها وإن لم يتغير فمه "و" عند "دخول البيت" أي المنزل ويصح أن يراد به الكعبة إذ يتأكد لدخول كل مسجد "و" عند "القيام من النوم" لأنه يورث التغير، "و" عند "إرادة النوم" لأنه يخفف التغير الناشئ منه، "و" يتأكد أيضًا "لكل حال يتغير فيه الفم" وعند كل طواف وخطبة وأكل وبعد الوتر وفي السحر وللصائم قبل أوان الخلوف وعند الاحتضار؛ لأنه يسهل طلوع الروح، ويسن التخلل قبل السواك وبعده ومن أثار الطعام، "ويكره للصائم بعد الزوال" وإن احتاج إليه لتغير حدث في فمه من غير الصوم كأن نام أو أكل ذا ريح كريه ناسيًا لأنه يزيل الخلوف المطلوب إبقاؤه فإنه عند الله أطيب من ريح المسك4 ولو لم يتعاط مفطرًا   1 من هذه الأحاديث: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". رواه النسائي في الطهارة باب 4، وابن ماجه في الطهارة باب 7، وأحمد في المسند "6/ 47، 62، 124"، ومنها: "عشر من الفطرة" ... وذكر منها السواك؛ رواه مسلم في الطهارة حديث 56، وأبو داود في الطهارة باب29، ورواه غيرهما ومنها: "أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" , رواه الترمذي في النكاح باب1، وأحمد في المسند "1/ 421"، ويوجد أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب. 2 رواه البخاري في الجمعة باب8، ومسلم في الطهارة حديث 42، ومالك في الطهارة حديث 114؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"، والمقصود: عند كل وضوء؛ فقد رواه مالك "حديث 115" عن أبي هريرة أنه قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء". 3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "1/ 38" في كتاب الطهارة "حديث رقم 160" من حديث عائشة بلفظ: "الركعتان بعد السواك أحب إليّ من سبعين ركعة قبل السواك"؛ ورواه أيضًا "حديث رقم 161" بلفظ: "صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك". 4 للحديث الصحيح: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". رواه البخاري في الصوم باب 2 و9, واللباس باب 78، ومسلم حديث 162-164، والترمذي في الصوم باب54، والنسائي في الصيام باب 41-43 وابن ماجه في الصيام باب1، ومالك في الصيام حديث 58، وأحمد في عدة مواضع من مسنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 النخل، ويستحب أن يستاك بيابس ندي بالماء وأن يستاك عرضًا إلا في اللسان وأن يدهن غبًا ويكتحل وترًا ويقص الشارب ويقلم الظفر وينتف الإبط ويزيل شعر العانة ويسرح   يتولد منه تغير الفم ليلًا كره له السواك من بعد الفجر لأنه يزيل الخلوف الناشئ من الصوم دون غيره، "ويحصل" فضله "بكل خشن" ولو نحو أشنان1 بخلافه بنحو ماء الغاسول2، وإن نقى الأسنان وأزال القلح3 لأنه لا يسمى سواكًا "لا أصبعه" المتصلة به وإن كان خشنة لأنها لا تسمى سواكًا لأنها جزء منه، أما أصبع غيره أو أصبعه المنفصلة عنه فتجزئ إن كان خشنة وإن وجب دفنها فورًا، "والأراك أولى ثم النخل" ثم ذو الريح ثم الطيب ثم اليابس المندى بالماء ثم العود ولا يكره بسواك الغير إذا أذن وإلا حرم. و"يستحب" إذا لم يجد سواكًا رطبًا أو لم يرد الاستياك به "أن يستاك بيابس ندي بالماء" لا بغيره لأن في الماء من التنظيف المقصود ما ليس في غيره. "وأن يستاك عرضًا" أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها لحديث مرسل فيه، ويكره طولًا لأنه قد يدمي اللثة ويفسدها "إلا في اللسان" فيسن فيه طولًا لحديث فيه4 ويكره بمبرد ومع الكراهة يحصل له أصل السنة، ويسن كونه باليد اليمنى وإن كان لإزالة تغير لأن اليد لا تباشره، وأن يبدأ بجانب فمه الأيمن ويذهب إلى الوسط ثم الأيسر ويذهب إليه "و" يستحب "أن يدهن غبًا" أي وقتًا بعد وقت "و" أن "يكتحل وترًا" ثلاثة في العين اليمنى ثم ثلاثة في اليسرى "و" أن "يقص الشارب" حتى تبين حمرة الشفة بيانًا ظاهرًا ولا يزيد على ذلك، وهذا هو المراد بإحفاء الشوارب الوارد في الحديث5 كما قال النووي، واختار بعض المتأخرين أن حلقه سنة أيضًا لحديث فيه6 "و" أن "يقلم الظفر" والأفضل أن يبدأ بسبابة يده اليمنى ثم الوسطى فالبنصر   1 الأشنان: شجر من الفصيلة الرمرامية ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي "المعجم الوسيط: ص19". 2 الغاسول: عشب حولي ينبت في صحاري مصر "المعجم الوسيط: ص652". 3 القلح والقلاح: صفرة أو خضرة تعلو الأسنان. 4 وهو ما رواه البخاري في الوضوء باب 73 "حديث 244" عن أبي بردة عن أبيه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول: أع أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع" ورواه أيضًا أبو داود في الطهارة باب26. 5 ولفظه: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى"، رواه البخاري في اللباس باب64، ومسلم في الطهارة حديث 52- 55، والترمذي في الأدب باب 18، والنسائي في الطهارة باب14، وأحمد في المسند "2/ 16، 52، 239، 283، 256، 365، 366، 387، 410، 489". 6 روى البخاري في اللباس باب 63 "حديث 5888" عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من الفطرة قص الشارب"، ورواه أيضًا "حديث 5889" عن أبي هريرة: "الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب". وروى أيضًا "حديث رقم 5893" عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى"، والنهك: المبالغة في كل شيء كما في لسان العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 اللحية ويخضب الشيب بحمرة أو صفرة والمزوجة يديها ورجليها بالحناء، ويكره القزع ونتف الشيب ونتف اللحية والمشي في نعل واحد والانتعال قائمًا   فالخنصر فالإبهام فخنصر اليسرى فالبنصر فالوسطى فالسبابة فالإبهام، أما رجلاه فيقلمهما كما يخللهما في الوضوء. "و"أن "ينتف الإبط" ويحصل أصل السنة بحلقه هذا إن قدر على النتف وإلا فالحلق أفضل. "و" أن "يزيل شعر العانة" والأولى للذكر حلقه وللمرأة نتفه ولا يؤخر ما ذكر عن وقت الحاجة ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يومًا، ويسن أيضًا غسل البراجم وهي عقد طهور الأصابع وإزالة وسخ معاطف الأذن والأنف وسائر البدن "و" أن "يسرح اللحية و" أن "يخضب الشيب بحمرة أو صفرة" للاتباع ويحرم السواد إلا لإرهاب الكفار كغاز "و" أن تخضب المرأة "المزوجة يديها ورجليها بالحناء" إن كان زوجها يحب ذلك، ويسن البداءة في كل ذلك باليمنى، أما غيرها فلا يندب لها ذلك بل يحرم عليها الخضب بالسواد وتطريف الأصابع وتحمير الوجنة إن كانت خلية أو لم يأذن حليلها، وكذا يحرم عليها وصل شعرها بشعر نجس أو بشعر آدمي مطلقًا، وكذا بالطاهر على الخلية والمزوجة والمملوكة بغير إذن حليلها والوشر وهو تحديد أطراف الأسنان وتفريقها كالوصل بشعر طاهر ولا بأس بتصفيف الطرر1 وتسوية الأصداغ، "ويكره القزع" وهو حلق بعض الرأس للنهي عنه2 ولا بأس بحلق جميعه لمن لا يخف عليه تعهده وتركه لمن يخف عليه ولو خشي من تركه مشقة سن له حلقه وفرقه سنة "ونتف الشيب" لأنه نور بل قال في المجموع3 ولو قيل بتحريمه لم يبعد ونص عليه في الأم4 "ونتف اللحية" إيثارًا للمرودة وطليها بالكبريت استعجالا للشيخوخة وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسينًا والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس، ونتف جانبي العنفقة وتركها شعثة إظهارًا لقلة المبالاة بنفسه والنظر في بياضها وسوادها إعجابًا وافتخارًا، ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، "و" ويكره بلا عذر "المشي في نعل واحد" للنهي الصحيح عنه5، والمعنى فيه أن مشيه يختل بذلك، وقيل لما فيه من ترك العدل   1 الطرر" جمع طرة، وهي ما تطره المرأة من الشعر الموفي على جبهتها وتصففه، وهي القصة "المعجم الوسيط: ص554". 2 وهو حديث ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع" رواه البخاري في اللباس باب 72، ومسلم في اللباس والزينة حديث 72 و113، وأبو داود في الترجل باب14. 3 "المجموع في شرح المهذب لأبي إسحاق الشيرازي" للإمام النووي المتوفى سنة 676هـ، بلغ فيه إلى باب الربا، ثم أخذه الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 756 فأكمله، انظر كشف الظنون "ص1912" وهدية العارفين "2/ 525". 4 كتاب "الأم" للإمام الشافعي. 5 روى البخاري في اللباس باب 40، ومسلم في اللباس والزينة "حديث 68" من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا" وروى مسلم أيضًا في اللباس "حديث 70" عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فصل: "في الوضوء" فروض الوضوء ستة: الأول: نية رفع الحدث أو الطهارة للصلاة أو نحو ذلك عند غسل الوجه وينوي   بين الرجلين وكالنعل الخف ونحوه. "والانتعال قائمًا" للنهي الصحيح عنه1 أيضًا ولأنه يخشى منه سقوطه، وإطالة العذبة2 والثوب والإزار عن الكعبين لا للخيلاء وإلا حرم، ولبس الخشن لغير غرض شرعي خلاف الأولى، ويسن أن يبدأ بيمينه لبسًا وبيساره خلعًا وأن يخلع نعليه إذا جلس وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه إلا لعذر كخوف عليهما، وأن يطوي ثيابه ذاكرًا اسم الله، وأن يجعل عذبته بين كتفيه وكمه إلى رسغه، وللمرأة إرسال ثوبها على الأرض ذراعًا، ولا يكره إرسال العذبة ولا عدمه. فصل: في الوضوء وهو معقول المعنى وفرض مع الصلاة على الأوجه قبل الهجرة بسنة وهو من خصائص هذه الأمة بالنسبة لبقية الأمم لا لأنبيائهم، وموجبه الحدث وإرادة فعل ما يتوقف عليه، وكذا يقال في الغسل. "وفروض الوضوء ستة" الأول: النية لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" 3 أي إنما صحتها بالنية فتجب إما "نية رفع حدث" أي رفع حكمه وإن نوى بعض أحداثه كأن نام وبال فنوى رفع حدث النوم لا البول لأن الحدث لا يتجزأ فإذا ارتفع بعضه ارتفع كله، وكذا لو نوى غير رفع حدثه كأن نام فنوى رفع حدث البول لكن بشرط أن يكون غالطًا وإلا كان متلاعبًا "أو" نية "الطهارة للصلاة" أو نحوهما أو الطهارة عن الحدث، ولا يكفي فيه نية الطهارة فقط ولا الطهارة الواجبة على الأوجه "أو" نية "نحو ذلك" كنية أداء الوضوء أو فرضه أو الوضوء وإنما لم تصح نية الغسل؛ لأنه قد يكون عادة بخلاف الوضوء، وكنية استباحة مفتقر إلى الوضوء كالصلاة وإن لم يدخل وقتها كالعيد في رجب وطواف وإن كان في الهند مثلا.   1 حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائمًا" رواه عن جابر: أبو داود في اللباس باب 41، والترمذي في اللباس باب35، وابن ماجه في اللباس باب 30. 2 العذبة: طرف الشيء؛ يقال: عذبة السوط، وعذبة اللسان، وعذبة العمامة، والمراد هنا عذبة العمامة. 3 رواه البخاري في بدء الوحي باب1، والإيمان باب 41، والنكاح باب 5، والطلاق باب11، ومناقب الأنصار باب 45، والعتق باب 6، ومسلم في الإمارة حديث رقم 155، ورواه أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 سلس البول ونحوه استباحة فرض الصلاة وإن توضأ للسنة نوى استباحة الصلاة. الثاني: غسل الوجه وحده ما بين منابت شعر رأسه ومقبل ذقنه وما بين أذنيه فمنه الغمم والهدب والحاجب والعذار والعنفقة بشرًا وشعرًا وإن كثف وشعر اللحية وشعر   ولا يعتد بالنية إلا إن كانت "عند غسل الوجه" فإن غسل جزأ منه قبلها لغا فإذا قرنها بجزء بعده كان الذي قارنها وهو أوله ووجب إعادة غسل ما تقدم عليها ثم المتوضئ إما سليم وإما سلس فالسليم يصح وضوؤه بجميع النيات السابقة بخلاف السلس. "و" من ثم "ينوي سلس البول ونحوه" كالمذي1 والودي2 "استباحة فرض الصلاة" أو غيرها من النيات السابقة لا رفع الحديث والطهخارة عنه لأن حدثه لا يرتفع ويستبيح السلس بذلك ما يستبيحه المتيمم مما يأتي وإنما تلزمه نية استباحة الفرض إن توضأ لفرض. "وإن توضأ لسنة نوى استباحة الصلاة" ولو نوى المتوضئ مع نية الوضوء تبردًا أو تنظفًا كفى، لكن إن نوى ذلك في الأثناء اشترط أن يكون ذاكرًا لنية الوضوء وإلا لم يصح ما بعدها لوجود الصارف، وكذا لو بقي رجلاه مثلا فسقط في نهر لم يرتفع حدثهما إلا إن كان ذاكرًا لها، بخلاف ما لو غسلهما فإنه يرتفع مطلقًا ولا يقطع نية الاغتراف حكم النية السابقة وإن عزبت3 لأنها لمصلحة الطهارة لصونها ماؤها عن الاستعمال، ومتى شرك بين عبادة وغيرها لم يثب مطلقًا عن ابن عبد السلام4، وعند الغزالي5 إن غلب باعث الآخرة أثيب وإلا فلا، وكلام المجموع وغيره في الحج يؤيده. الفرض "الثاني: غسل" ظاهر "الوجه" أي انغساله وكذا يقال في سائر الأعضاء للآية6 "وحده" طولا "ما بين منابت شعر رأسه" أي ما من شأنه ذلك "و" "مقبل ذقنه و" عرضًا "ما بين أذنيه فمنه الغمم" وهو ما ينبت عليه الشعر من جبهة الأغم إذ لا عبرة بنباته في غير   1 المذي: ماء رقيق يخرج من مجرى البول من إفراز الغدد المبالية عند الملاعبة والتقبيل من غير إرادة، "المعجم الوسيط، ص860". 2 الودي: الماء الرقيق الأبيض الذي يخرج في إثر البول في إفراز البروستاتة "المعجم الوسيط: ص1022". 3 عزب الشيء عزوبًا: بعد وخفي. 4 هو عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي الشافعي، فقيه، مشارك في الأصول والعربية والتفسير، ولد بدمشق سنة 577 أو 578هـ، وتوفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة 660هـ، انظر معجم المؤلفين "2/ 162". 5 هو الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، حكيم، متكلم، فقيه، أصولي، صوفي، مشارك في أنواع من العلوم، ولد بالطابران إحدى قصبتي طوس بخراسان سنة 450 أو 451هـ، وتوفي بها سنة 505هـ "معجم المؤلفين: 3/ 671". 6 الآية 6 من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... } . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 العارض إن خف غسل ظاهره وباطنه وإن كثف غسل ظاهره، ويستحب تخليل اللحية الكثة بأصابعه من أسفل. الثالث: غسل اليدين مع المرفقين وما عليهما. الرابع: مسح شيء من بشرة الرأس أو شعره في حده.   محله كما لا عبرة بانحسار شعر الناصية. "و" منه "الهدب والحاجب والعذار" وهو الشعر النابت على العظم الناتئ بقرب الأذن ومنه البياض الذي بينه وبين الأذن "والعنفقة" فيجب غسل جميع الوجه الشامل لما ذكره وغيره "بشرًا" حتى ما يظهر من حمرة الشفتين مع إطباق الفم وما يظهر من أنف المجدوع لا غير "وشعرًا" ظاهرًا وباطنًا "وإن كثف" لأن كثافته نادرة، نعم ما خرج عن حد الوجه لا يجب غسل باطنه إن كثف، ويجب غسل جزء من ملاقي الوجه من سائر الجوانب إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكذا يزيد أدنى زيادة في اليدين والرجلين، وأفاد كلامه أن ما أقبل من اللحيين من الوجه دون النزعتين وهما بياضان يكتنفان الناصية ودون موضع الصلع وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر ودون موضع التحذيف وهو ما ينبت عليه الشعر من ابتداء العذار والنزعة ودون وتد الأذن لكن يسن غسل جميع ذلك وأن يأخذ الماء بيديه جميعًا للاتباع وما مر في الشعر محله في غير اللحية والعارض. "وشعر اللحية" الإضافة فيه بيانية إذ اللحية الشعر النابت بمجتمع اللحيين. "وشعر العارض" الإفاضة فيه كذلك إذ هو الشعر الذي بين اللحية والعذار "إن خف" بأن كانت البشرة ترى من خلاله في مجلس التخاطب "غسل ظاهره وباطنه" سواء أخرج عن حد الوجه أم لا، "وإن كثف" بأن لم تر منه البشرة كذلك "غسل ظاهره" ولا يجب غسل باطنه للمشقة إن كان من رجل، فإن كان من امرأة أو خنثى غسل باطنه مطلقًا، ولو خف البعض وكثف البعض فلكل حكمه إن تميز وإلا وجب غسل الكل، ولو خلق له وجهان غسلهما أو رأسان مسح بعض أحدهما؛ لأن كلا منهما يسمى وجهًا ورأسًا. "ويستحب تخليل اللحية الكثة" وغيرها مما لا يجب غسل باطنه "بأصابعه" اليمنى "من أسفل" للاتباع. "الثالث: غسل اليدين مع المرفقين" للآية والمرفق مجتمع عظم الساعد والعضد فإن أبين الساعد وجب غسل رأس عظم العضد. "و" يجب غسلهما مع غسل "ما عليهما" من شعر وإن كثف وأظفار وإن طالت كيد نبتت بمحل الفرض وسلعة1 وباطن ثقب أو شق فيه، نعم إن كان لهما غور في اللحم لم يجب إلا غسل ما ظهر منهما، وكذا يقال في سائر الأعضاء، ولو خلق له يدان واشتبهت الزائدة بالأصلية وجب غسلهما. "الرابع: مسح شيء" وإن قل "من بشرة الرأس" كالبياض الذي وراء الأذن. "أو" من   1 السلعة: زيادة تحدث في الجسم في العنق وغيره، تكون قدر الحمصة أو أكبر "المعجم الوسيط: ص443". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين وشقوقهما. السادس: الترتيب، فلو غطس صح وضوءه وإن لم يمكث وتجب الموالاة في وضوء دائم الحدث واستصحاب النية حكمًا.   "شعره" أو من شعرة منه للآية مع ما صح من مسحه صلى الله عليه وسلم بناصيته وعلى عمامته1, وإنما يجزئ مسح شعر الرأس إن كان داخلًا "في حده" بحيث لا يخرج الممسوح عن الرأس بالمد من جهة نزوله من أي جانب كان ويجزئ غسله وبله بلا كراهة وليس الأذنان منه وخبر: "الأذنان من الرأس"2 ضعيف. "الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين" للآية وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم "و" مع "شقوقهما" وغيرهما مما هو في اليدين ويجب إزالة ما يذاب في الشق من نحو شمع. "السادس: الترتيب" كما ذكر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتوضأ إلا مرتبًا، فلو قدم عضوًا على محله لم يعتد به، ولو غسل أربعة أعضائه معًا ارتفع حدث وجهه فقط ويكفي وجود الترتيب تقديرًا "فلو غطس" ناويًا ولو في ماء قليل كما مر "صح وضوؤه وإن لم يمكث" زمنًا يمكن فيه الترتيب أو أغفل لمعة3 من غير أعضاء الوضوء لحصوله تقديرًا في أوقات لطيفة لا تظهر في الحس وخرج بغطس ما لو غسل أسافله قبل أعاليه فإنه لا يجزئ لعدم الترتيب حسًا حينئذ ويسقط وجوبه عن محدث أجنب، ومن ثم لو غسل جنب ما سوى أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يجب ترتيبها، "وتجب الموالاة في وضوء دائم الحدث" فيجب عليه أن يوالي بين الاستنجاء والتحفظ وبينهما وبين الوضوء وبين أفعاله وبينه وبين الصلاة تخفيفًا للحدث ما أمكن، "و" يجب في كل وضوء "استصحاب النية حكمًا" ولا يتركها قبل تمام الوضوء بأن لا يأتي بما ينافيها كردة أو قطع وإلا احتاج إلى استئنافها، وإذا أحدث في أثناء الوضوء أو قطعه أثيب على الماضي إن كان لعذر وإلا فلا.   1 رواه مسلم في الطهارة "حديث 81 و83" عن المغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين" نص الحديث رقم 83. 2 رواه أبو داود في الطهارة باب 51، والترمذي في الطهارة باب 29، وابن ماجه في الطهارة باب 53 من حديث عبد الله بن زيد وأبي أمامة وأبي هريرة، وفي زوائد ابن ماجه: إسناد حديث أبي هريرة ضعيف لضعف عمرو بن الحصين ومحمد بن عبد الله. 3 اللمعة: الموضع لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 فصل: "في سنن الوضوء" وسننه السواك، ثم التسمية مقرونة بالنية مع أول غسل الكفين والتلفظ بالنية واستصحابها، فإن ترك التسمية في أوله ولو عمدًا أتى بها قبل فراغه فيقول: بسم الله أوله وآخره كما في الأكل والشرب ثم غسل الكفين، فإن لم يتيقن طهرهما كره غمسهما في الماء القليل ومائع قبل غسلهما ثلاث مرات ثم المضمضة ثم الاستنشاق، والأفضل الجمع   فصل: في سنن الوضوء والسنة والتطوع والمندوب والنفل والحسن والمرغب فيه ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه. "وسننه" كثيرة ذكر المصنف بعضها فمنها: "السواك" لما مر وينوي به سنة الوضوء بناء على ما مشى عليه المصنف تبعًا لجماعة من أنه قبل التسمية، والمعتمد أن محله بعد غسل الكفين وقبل المضمضة فحينئذ لا يحتاج لنية إن نوى عند التسمية لشمول النية له كغيره. "ثم التسمية" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "توضؤوا باسم الله" 1 أي قائلين ذلك وخبر: "لا وضوء لمن لم يسم الله" 2 محمول على الكمال وأقلها باسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم، والسنة أن يأتي بالبسملة "مقرونة بالنية مع أول غسل الكفين" فينوي معها غسل الكفين بأن يقرنها بها عند أول غسلهما ثم يتلفظ بها سرًا عقيب التسمية، فالمراد بتقديم النية على غسل الكفين تقديمها على الفراغ منه. "و" منها "التلفظ بالنية" عقيب التسمية كما تقرر وعند غسل الوجه إن أخرها إليه ليساعد اللسان القلب. "واستصحابها" بقلبه من أول وضوئه إلى آخره لما فيه من مزيد الحضور المطلوب في العبادة ومر أن استصحابها حكمًا شرط. "فإن ترك التسمية في أوله" أي الوضوء "ولو عمدًا أتى بها قبل فراغه فيقول بسم الله في أوله وآخره كما" يسن الإتيان بها "في" أثناء "الأكل والشرب" إذا تركها أولهما ولو عمدًا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، لكن الوارد في حديث الترمذي وغيره "أوله وآخره" بإسقاط "في" أما في فراغ الوضوء فلا يأتي بها وكذا بعد فراغ الأكل والشرب على الأوجه، "ثم" بعد التسمية المقرونة بالنية "غسل الكفين" إلى الكوعين وإن لم يقم من النوم ولا أراد إدخالهما الإناء ولا شك في طهرهما والأفضل غسلهما معًا، ومر أن المراد بتقديم النية المقرونة بالتسمية على غسلهما الذي أشار إليه المصنف ثم تقديمها على الفراغ منه، "فإن لم يتيقن طهرهما" بأن تردد فيه على السواء أو لا "كره" له "غمسهما في الماء القليل" دون الكثير "و" في "مائع" وإن كثر "قبل غسلهما ثلاث مرات"   1 رواه النسائي في الطهارة باب 61، وأحمد في المسند "3/ 165" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 43". 2 رواه بهذا اللفظ الدولابي في الكنى والأسماء "1/ 36، 120" والزيلعي في نصب الراية "1/ 3" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 352" والمنذري في الترغيب والترهيب "1/163" ورواه بلفظ: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أبو داود والترمذي وأحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها والمبالغة فيهما لغير الصائم وتثليث كل من الغسل والمسح والتخليل ويأخذ الشاك باليقين، ومسح جميع الرأس، فإن   سواء أقام من نوم أم لا لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم المستيقظ عن غمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا1، وعلله بأنه لا يدري أين باتت يده الدال على أن المقتضي للغسل التردد في نجاسة اليد بسبب النوم لاستجمارهم بالحجر وألحق به التردد بغيره، ولا تزول الكراهة إلا بالغسل ثلاثا كما أفهمه كلام المصنف كالحديث وإن تيقنت الطهارة بالأولى لذكر الثلاث في الحديث، أما إذا تيقن ظهرهما أو كان الماء قلتين أو أكثر فهو مخير إن شاء قدم الغسل على الغمس أو أخره عنه، وهذه الثلاثة هي المندوبة أول الوضوء لكن يسن تقديمها عند التردد على الغمس. "ثم المضمضة ثم الاستنشاق" للاتباع ويحصل أقلهما بإصال الماء إلى الفم والأنف والجمع بينهما أفضل من الفصل لأن روايته صحيحة2 ويحصل بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا "والأفضل الجمع" بينهما "بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ويحصل أصل السنة بالفصل بأن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات أو يتمضمض ثلاثا من غرفة ثم يستنشق ثلاثا من غرفة وهذه أفضل وإن كانت الأولى أنظف، وأفهم عطفه بـ"ثم" أن الترتيب بين غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مستحق لا مستحب فما تقدم عن محله لغو، فلو أتى بالاستنشاق مع المضمضة أوقدمه عليها أو اقتصر عليه لم يحسب، ولو قدمها على غسل الكفين حسب دونهما على المعتمد. "و" الأفضل "المبالغة فيهما" بأن يبالغ بالماء في المضمضة إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات مع إمرار الأصبح اليسرى على ذلك وفي الاستنشاق بتصعيد النفس إلى الخيشوم من غير استقصاء لئلا يصير سعوطا مع إدخال الأصبع اليسرى ليزيل ما فيه من أذى هذا "لغير الصائم" أما الصائم فتكره له المبالغة فيهما خشية الإفطار "وتثليث كل من الغسل والمسح والتخليل" والدلك والسواك والذكر كالتسمية والدعاء للاتباع في أكثر ذلك. "ويأخذ الشاك باليقين" وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، فلو شك في استيعاب عضو وجب عليه استيعابه، أو هل غسل يده ثلاثا أو اثنتين جعله اثنتين   1 لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". رواه مسلم في الطهارة حديث 87، وأبو داود في الطهارة باب 49، والترمذي في لطهارة باب 19، والنسائي في الطهارة باب 1، وأحمد في المسند "2/ 241، 289، 455، 471، 507". 2 عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري قال: قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا إناء فأكفأ منها على يديه، فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة ... إلخ. رواه مسلم في الطهارة حديث 18، وهذا لفظه؛ والبخاري في الوضوء باب 41، وأحمد في المسند "4/ 42". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 لم يرد نزع ما على رأسه مسح جزأ من الرأس ثم تممه على الساتر ثلاثا ثم مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد وصماخيه بماء جديد، وتخليل أصابع اليدين بالتشبيك، وأصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل خنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى والتتابع   وغسل ثالثة ولا نظر إلى احتمال زيادة رابعة وهي مكروهة لأنها لا تكره إلا إن تحقق أنها رابعة، ويجب ترك التثليث كسائر السنن لضيق الوقت وقلة الماء واحتياج إلى الفاضل لعطش محترم، ويسن ترك ذلك لإدراك جماعة ما لم يرج جماعة أخرى، والتثليث في مسح الخف والعمامة والجبيرة خلاف الأولى "ومسح جميع الرأس" للاتباع والذي يقع فرضا هو القدر المجزئ فقط، والأكل وضع مسبحتيه على مقدم رأسه وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما معا ما عدا الإبهامين لقفاه ثم يرد إن كان له شعر ينقلب ولا يحسب الرد مرة ثانية هذا إن لم يكن على رأسه عمامة أو نحوها. "فإن" كان و"لم يرد نزع ما على رأسه" وإن سهل "مسح جزأ من الرأس" والأولى أن يكون الناصية "ثم تممه" أي المسح "على الساتر" وقوله "ثلاثا" إن أراد به أن يمسح الجزء الذي من الرأس ثلاثا فصحيح أو أنه يمسح الساتر ثلاثا فضعيف لما مر من أن التثليث فيه خلاف الأولى لأنه خلاف الاتباع. "ثم" السنة بعد مسح الرأس "مسح" جميع "الأذنين ظاهرهما وباطنهما" والأفضل مسحهما "بماء جديد" فلا يكفي ببلل المرة الأولى من الرأس. "و" مسح "صماخيه" وهما خرقا الأذنين والأفضل أن يكون "بماء جديد" غير ماء الرأس والأذنين، فلو مسحهما بمائهما حصل أصل السنة كما لو مسحهما أو الأذنين بماء ثانية الرأس أو ثالثته، والأحب في كيفية مسحهما مع الصماخين أن يمسح برأس مسبحتيه صماخيه وبباطن أنملتيهما باطن الأذنين ومعطفهما ويمر إبهاميه على ظاهرهما ثم يلصق كفيه مبلولتين بهما استظهارا. "ويسن" غسلهما مع الوجه ومسحهما مع الرأس و"تخليل أصابع اليدين" والرجلين لما صح من الأمر به1 والأولى كونه في أصابع اليدين "بالتشبيك" لحصول المقصود بسرعة وسهولة وإنما يكره لمن بالمسجد ينتظر الصلاة "و" في "أصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى" أو اليمنى كما في المجموع والأولى أن يبدأ "من أسفل خنصر" الرجل "اليمنى" ويستمر على التوالي "إلى خنصر" الرجل "اليسرى" لما في ذلك من السهولة مع المحافظة على التيامن ومحل ندبه حيث وصل الماء بدونه وإلا وجب، نعم إن التحمت أصابعه حرم فتقها. "والتتابع" بين أفعال وضوئه بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله مع اعتدال الهواء والمزاج والزمان والمكان ويقدر الممسوح مغسولا وذلك للاتباع.   1 روى الترمذي في الطهارة باب 30، وابن ماجه في الطهارة باب 54، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل الماء بين أصابع يديك ورجليك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والتيامن وإطالة غرته وتحجيله وترك الاستعانة بالصب إلا لعذر، والنفض والتنشيف بثوب إلا لحر أو برد أو خوف نجاسة وتحريك الخاتم والبداءة بأعلى الوجه والبداءة في اليد   "والتيامن" أي تقديم اليمنى على اليسرى للأقطع ونحوه في كل الأعضاء ولغيره في يديه ورجليه فقط ولو لابس خف لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يحب التيامن في شأنه كله"1 مما هو من باب التكريم كتسريح شعر وطهور واكتحال وحلق ونتف إبط وقص شارب ولبس نحو نعل وثوب وتقليم ظفر ومصافحة وأخذ وإعطاء، ويكره ترك التيامن، "وإطالة غرته وتحجيله" لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك2 ويحصلان بغسل أدنى زيادة على الواجب, وغاية تطويل الغرة أن يستوعب صفحتي عنقه ومقدم رأسه وتطويل التحجيل أن يستوعب عضديه وساقيه ويسن وإن ذهب محل الفرض من اليدين والرجلين، "وترك الاستعانة بالصب" عليه "إلا لعذر" لأنها ترفه لا يليق بحال المتعبد فهي خلاف الأولى وإن لم يطلبها أو كان المعين كافرًا لا مكروهة، نعم إن قصد بها تعليم المعين لم يكره فيما يظهر وهي في إحضار الماء مباحة وفي غسل الأعضاء بلا عذر مكروهة وتجب على العاجز ولو بأجرة مثل إن فضلت عما يعتبر في زكاة الفطر وإلا صلى بالتيمم وأعاد "و" ترك "النفض" لأنه كالتبري من العبادة فهو خلاف الأولى لا مباح على المعتمد. "و" ترك "التنشيف بثوب إلا لحر أو برد أو خوف نجاسة" بلا عذر وإن لم يبالغ فيه لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بمنديل بعد غسله من الجنابة فرده3 ويتأكد سنة في الميت وإذا خرج عقب الوضوء في هبوب ريح بنجس أو آلمه شدة نحو برد أو كان يتيمم، وكأن المصنف تبع في قوله بثوب قول مجلى الأولى تركه بنحو ذيله أو طرف ثوبه لكنه مردود لأنه صلى الله عليه وسلم فعله بهما4، والأولى وقوف   1 رواه البخاري في الصلاة باب 47، والأطعمة باب 5، ومسلم في الطهارة حديث 66 و67، وأبو داود في اللباس باب 41، والترمذي في الجمعة باب 75، والنسائي في الطهارة باب 89، والغسل باب 17، والزينة باب 8 و62، وابن ماجه في الطهارة باب 42، وأحمد في المسند "6/ 94، 130، 147، 188، 302، 310". 2 لما ورد في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله"، وفي لفظ آخر: "إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". رواه البخاري في الوضوء باب 3، ومسلم في الطهارة حديث 34 و35، وأحمد في المسند "2/ 334، 362، 400، 523". 3 عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: "أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده". رواه مسلم في الحيض "حديث 37" وفي حديث آخر عن ميمونة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بالماء هكذا؛ يعني ينفضه". رواه البخاري في الغسل باب 7، ومسلم في الحيض "حديث 38". 4 فقد روى الترمذي في الطهارة "باب 40" من حديث معاذ قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 والرجل بالأصابع، فإن صب عليه غيره بدأ بالمرافق والكعب ودلك العضو ومسح الساقين والاستقبال ووضع الإناء عن يمينه إن كان واسعًا، وأن لا ينقص ماؤه عن مد، وأن لا يتكلم في جميع وضوءه إلا لمصلحة، ولا يلطم وجهه بالماء ولا يمسح الرقبة   حامل المنشفة على اليمين والمعين على اليسار لأنه الأمكن "و" يسن "تحريك الخاتم" لأنه أبلغ في إيصال الماء إلى ما تحته فإن لم يصل إلا بالتحريك وجب "والبداءة بأعلى الوجه" للاتباع ولكونه أشرف. "والبداءة في" غسل "اليد والرجل" أي كل يد ورجل "بالأصابع" إن صب على نفسه "فإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب" هذا ما في الروضة، لكن المعتمد ما في المجموع وغيره من أن الأولى البداءة بالأصابع مطلقًا فيجري الماء على يده ويدير كفه الآخر عليها مجريًا للماء بها إلى مرفقه وكذا في الرجل ولا يكتفي بجريان الماء بطبعه، "ودلك العضو" مع غسله أو عقبه بأن يمر يده عليه خروجًا من خلاف من أوجبه، ويسن أن يصب على رجليه بيمينه ويدلك بيساره وأن يتعهد نحو العقب لا سيما في الشتاء، "ومسح الساقين" بسبابتيه شقيهما إن لم يكن بهما نحو رمص1 وإلا وجب وهما طرفا العين الذي يلي الأنف والمراد بهما هنا ما يشمل اللحاظ وهو الطرف الآخر، "والاستقبال" للقبلة في جميع وضوئه لأنها أشرف الجهات. "ووضع الإناء عن يمينه إن كان واسعًا" بحيث يغترف منه فإن كان يصب به وضعه عن يساره لأن ذلك أمكن فيهما، "وأن لا ينقص ماؤه" أي الوضوء "عن مد" للاتباع فيجزئ بدونه حيث أسبغ وصح "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد"2, هذا فيمن بدنه كبدنه صلى الله عليه وسلم اعتدالا وليونة وإلا زاد أو نقص بالنسبة. "وأن لا يتكلم في جميع وضوئه إلا لمصلحة" كأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعليم جاهل وقد يجب كأن رأى نحو أعمى يقع في بئر "و" أن "لا يلطم" بكسر الطاء "وجهه بالماء" ولعل الخبر فيه لبيان الجواز وإن أخذ منه ابن حبان3 ندب ذلك "و" أن "لا يمسح الرقبة" لأنه لم يثبت فيه شيء بل قال النووي4 إنه بدعة، وخبر: "مسح   1 الرمص: وسخ أبيض جامد يجتمع في موق العين، انظر المعجم الوسيط "ص372". 2 روى أبو داود في الطهارة باب 44 "حديث 94" عن عباد بن تميم عن جدته أم عمارة "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بإناء فيه ماء قدر ثلثي مد". ورواه أيضًا النسائي في الطهارة باب 58. 3 هو أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي الشافعي، محدث، حافظ، مؤرخ، فقيه، لغوي، واعظ، مشارك في الطب والنجوم وغيرهما، ولد في بست من بلاد سجستان سنة بضع وسبعين ومائتين، وتوفي فيها سنة 354هـ، انظر ترجمته في معجم المؤلفين "3/ 207". 4 هو محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن مري النووي الدمشقي الشافعي، فقيه، محدث، حافظ، لغوي، ولد بنوى من أعمال حوران في العشر الأول من المحرم سنة 631هـ، وتوفي فيها في 14 رجب سنة 677هـ، له مصنفات كثيرة في الحديث والفقه وغيرهما "معجم المؤلفين: 4/ 98". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وأن يقول بعده: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ولا بأس بالدعاء عند الأعضاء.   الرقبة أمان من الغل"1 موضوع لكنه متعقب بأن الخبر ليس بموضوع. "وأن يقول بعده" أي الوضوء وهو مستقبل القبلة رافعًا بصره إلى السماء: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك", وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وهذا الذكر أحاديثه صحيحة2 فتتأكد المحافظة عليه، ومنها أن من قال: "أشهد" إلى "رسوله" فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء3، وأن من قال: سبحانك إلخ كتب له في رق أي بفتح الراء ثم طبع بطابع بفتح الباء وكسرها فلم يكسر أي لم يتطرق إليه إبطال إلى يوم القيامة. "ولا بأس بالدعاء عند الأعضاء" أي أنه مباح لا سنة وإن ورد في طرق ضعيفة لأنها كلها ساقطة إذ لا تخلو عن كذاب أو متهم بالكذب أو بالوضع، وشرط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن يشتد ضعفه كما صرح به السبكي، ومن ثم قال النووي: لا أصل لدعاء الأعضاء ومنه عند غسل الكفين: اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها، وعند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا، وعند اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول فيه الأقدام.   1 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 365" وابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 92" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 133" وعلي القاري في الأسرار المرفوعة "315" والفتني في تذكرة الموضوعات "31" وابن عراق في تنزيه الشريعة "2/ 75" والشوكاني في الفوائد المجموعة "12" والعجلوني في كشف الخفاء "2/ 290" والألباني في السلسلة الضعيفة "69". 2 ذكر بعضها النووي في الأذكار "ص29، 30" ونسبها إلى مسلم والترمذي والنسائي في اليوم والليلة. 3 ذكره النووي في الأذكار "ص30", ونسبه إلى الإمام أحمد بن ماجه وكتاب ابن السني من رواية أنس، ثم قال: إسناده ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 فصل: "في مكروهات الوضوء" يكره الإسراف في الصب فيه وتخليل اللحية الكثة للمحرم والزيادة على الثلاث والاستعانة بمن يغسل أعضاءه إلا لعذر. فصل: في مكروهات الوضوء "يكره الإسراف في الصب فيه" ولو على الشط ومحله في غير الموقوف وإلا فهو حرام، ويكره ترك تخليل اللحية الكثة لغير المحرم "وتخليل اللحية الكثة للمحرم" لئلا يتساقط منها شعر وهذا ضعيف والمعتمد أنه يسن تخليلها حتى للمحرم لكن برفق "و" يكره "الزيادة على الثلاث" المحققة بنية الوضوء والنقص عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: "هكذا الوضوء فمن زاد على هذا الوضوء أو نقص فقد أساء وظلم" 1 أي أخطأ طريق السنة في الأمرين، وقد يطلق الظلم على غير المحرم إذ هو وضع الشيء في غير محله. "و" تكره "الاستعانة بمن يغسل أعضاءه إلا لعذر" كما مر وبالصب لغير عذر كما مر وترك التيامن، ويظهر أن كل سنة اختلف في وجوبها يكره تركها، وبه صرح الإمام في غسل الجمعة، بل وقياس قولهم يكره ترك التيامن وتخليل اللحية الكثة أن كل سنة تأكد طلبها يكره تركها.   1 رواه أبو داود في الطهارة باب 52 "حديث 135" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: إن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا, ثم غسل وجهه ثلاثًا, ثم غسل ذراعيه ثلاثًا, ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه, ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا, ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فصل: "في شروط الوضوء وبعضها شروط النية" شروط الوضوء والغسل: الإسلام والتمييز والنقاء من الحيض والنفاس وعما يمنع وصول الماء إلى البشرة والعلم بفرضيته وأن لا يعتقد فرضًا معينًا من فروضه سنة والماء   فصل: في شروط الوضوء وبعضها شروط النية والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، والمراد به هنا ما هو خارج الماهية وبالركن ما هو بداخلها. "شروط الوضوء والغسل الإسلام" لأنه عبادة يحتاج لنية والكافر ليس من أهلها ومر صحة غسل الكافر من حيض أو نفاس لكن لا مطلقًا بل لحل وطئها, ومن ثم لو أسلمت لزمها إعادته. "والتمييز" في غير الطفل للطواف لما مر أول الطهارة لأن غير المميز لا تصح عبادته فعلم أن هذين شرطان لكل عبادة. "والنقاء من الحيض والنفاس" لمنافاتهما له نعم أغسال الحج ونحوها تسن للحائض والنفساء وهذا شرط عبادة تحتاج للطهارة. "و" النقاء "عما بمنع وصول الماء إلى البشرة" كدهن جامد بخلاف الجاري، وكوسخ تحت الأظفار خلافًا الطهور وإزالة النجاسة العينية وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء وأن لا يعلق نيته وأن يجري الماء على العضو ودخول الوقت لدائم الحدث والموالاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فصل: "في المسج على الخفين" ... فصل: "في المسح على الخفين" ويجوز المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين في الوضوء، وشرط جواز المسح أن يلبسه بعد طهارة كاملة، وأن يكون الخف طاهرًا قويًّا يمكن تتابع المشي عليه   للغزالي، وكغبار على البدن وبخلاف العرق المتجمد عليه لأنه كالجزء منه, ومن ثم نقض مسه "والعلم بفرضيته" في الجملة؛ لأن الجاهل بها غير متمكن من الجزم بالنية "وأن لا يعتقد فرضًا معينًا من فروضه سنة", فيصح وضوء وغسل من اعتقد أن جميع مطلوباته فروض أو بعضها فرض وبعضها سنة ولم يقصد بفرض معين النفلية، وكذا يقال في الصلاة ونحوها. "والماء الطهور" أو ظن أنه طهور، فلو تطهر بماء لم يظن طهوريته لم يصح طهره به وإن بان أنه طهور "وإزالة النجاسة العينية وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء وأن لا يعلق نيته" فإن قال: نويت الوضوء إن شاء الله لم يصح إن قصد التعليق أو أطلق بخلاف ما إذا قصد التبرك، "وأن يجري الماء على العضو ودخول الوقت لدائم الحدث" أو ظن دخوله وتقديم استنجائه وتحفظ1 احتيج إليه "والموالاة" ومرت كاستصحاب النية حكمًا المعبر عنه بفقد الصارف. فصل: في المسح على الخفين وأحاديثه شهيرة2 قيل: بل متواترة حتى يكفر بها جاحده. "ويجوز المسح على الخفين بدلا عن غسل الرجلين في الوضوء" وقد يسن كما إذا تركه رغبة في السنة لإيثاره الغسل الأفضل أو شك في جوازه وكان ممن يقتدي به أو وجد في نفسه كراهيته، وكذا في سائر الرخص أو خاف فوت الجماعة وقد يجب إذا أحدث وهو لابسه ومعه ماء يكفي المسح فقط أو توقف عليه إدراك نحو عرفة أو الرمي أو طواف الوداع أو الجمعة إن لزمته أو الوقت أو إنقاذ أسير، وخرج بالرجلين مسح خف واحدة وغسل أخرى فلا يجوز بخلاف مسح واحدة لنحو أقطع وبالوضوء الغسل وإزالة النجاسة فلا يجوز فيهما "وشرط جواز المسح" على كل من الخفين "أن يلبسه بعد طهارة" من وضوء أو غسل أو تيمم لا لفقد الماء "كاملة" بأن لا يبقى من بدنه لمعة بلا طهارة فلا يجزئ لبسه قبل كماله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم   1 التحفظ: هو أن يكون على مخرج النجاسة شيء من العذرة فيزيله. 2 رواها البخاري في الوضوء باب 35 و48، والصلاة باب 7 و25، والجهاد باب90، والمغازي باب 81, واللباس باب 10 و11, ومسلم في الطهارة حديث 72 و73 و75 و77 و78 و80-86، والصلاة حديث 105، ورواها أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لذ1لمسافر في الحاجة ساترًا لمحل الغسل لا من الأعلى مانعًا لنفوذ الماء من غير الخرز والشق وينزعه المقيم بعد يوم وليلة، والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها، وابتداء المدة فيهما من الحدث بعد اللبس، فإن مسح خفيه حضرًا ثم سافر أو عكس أتم مسح   يرخص فيه إلا بعده، والعبرة باستقرار القدمين، فلو غسل رجلا ولبس خفها ثم الأخرى ولبس خفها أمر بنزع الأولى من موضع القدم وردها ويجزئ غسلهما في الخف قبل قرارهما ويضر الحدث قبله. "و" شرطه "أن يكون الخف طاهرًا" ولو مغصوبًا وذهبًا فإن كان نجس العين أو متنجسًا بما لا يعفى عنه لم يجز مسحه مطلقًا لا للصلاة ولا لغيرها لعدم إمكانها مع كونها الأصل وغيرها تبع لها أو بمعفو عنه، فإذا مسح محل النجاسة فكذلك وإلا استباح به الصلاة وغيرها، وأن يكون "قويًّا يمكن" ولو بمشقة "تتابع المشي عليه" وإن كان لابسه مقعدًا ثم الواجب بالنسبة "للمسافر" والمقيم أن يكون بحيث يمكن التردد فيه بلا نعل "في الحاجة" التي تقع مدة لبسه وهي ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم فلا يجزئ نحو رقيق يتخرق بالمشي عن قرب. وأن يكون "ساترًا لمحل الغسل" وهو القدم بكعبيه ولو زجاجًا شفافًا مشقوقًا شد بالعري1 ويشترط الستر من كل الجوانب "لا من الأعلى" عكس ستر العورة لأن الخف يلبس من أسفل ويتخذ لستره بخلاف القميص فيهما وأن يكون "مانعا لنفوذ الماء" لو صب عليه فالعبرة بماء الغسل فلا يجزئ نحو منسوج لا صفاقة2 له والمعتبر منعه لذلك "من غير" مواضع "الخرز" لا "الشق" ويمسح لابسه في غير سفر قصر مقيمًا كان أو مسافرًا سفرًا قصيرًا أو طويلا لا يبيح القصر يومًا وليلة، وفي سفر القصر له أن يمسح خفيه فيه ثلاثة أيام بلياليها كاملة سواء تقدم بعض الليالي على الأيام أم تأخر "و" حينئذ فيشترط في جواز المسح لمدة ثانية أن "ينزعه المقيم" ونحوه "بعد يوم وليلة والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها أو ابتداء المدة فيهما من" نهاية "الحديث بعد اللبس" لأن وقت المسح يدخل به فاعتبرت مدته منه "فإن مسح خفيه" أو أحدهما "حضرا ثم سافر أو عكس" أي مسح سفرا ثم أقام "أتم مسح مقيم" تغليبًا للحضر لأنه الأصل فيقتصر في الأول على يوم وليلة، وكذا في الثاني إن أقام قبل مضيهما وإلا انتهت المدة بمجرد إقامته وأجزأه ما مضى وإن زاد على مدة المقيم لأن الإقامة إنما يؤثر في المستقبل، ويشترط أيضًا أن لا يحصل له حديث أكبر وإلا لزمه النزع وإن أمكنه غسل رجليه في ساق الخف، وأن لا يشك في المدة، وأن لا تنحل العرى3، وإن لم يظهر شيء من محل الفرض، ثم إن كان بطهارة المسح لزمه غسل قدميه مقيم، ويسن مسح أعلاه وأسفله عقبه خطوطًا مرة والواجب مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه.   1 العروة من الثوب: مدخل زره، ومن القميص أو الكوز ونحوهما: مقبضة "المعجم الوسيط: ص597". 2 صفق الثوب صفاقة: كثف نسجه. 3 راجع الحاشية 1 في هذه الصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فصل: "في نواقض الوضوء" نواقض الوضوء أربعة: الأول: الخارج من أحد السبيلين إلا المني.   فقط. "ويسن مسح أعلاه وأسفله وعقبه" وحرفه وكونه "خطوطًا" مفرجًا أصابعه بأن يضع يسراه تحت عقبه ويمناه على ظهر الأصابع ثم يمر مفرجًا أصابعه هذه إلى آخر ساقه وتلك أطراف أصابعه، ويسن أن يكون مسحه "مرة" لما مر أن تثليثه خلاف الأولى. "والواجب" من ذلك "مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه" نظير ما مر في مسح الرأس، فلو مسح باطنه أو اقتصر على أسفله أو عقبه أو حرفه لم يجزه إذا لم يرد الاقتصار إلا على الأعلى. فصل: في نواقض الوضوء "نواقض الوضوء" أي ما ينتهي به "أربعة" لا غير "الأول: الخارج من أحد السبيلين" يعني خروج شيء من قبله أو دبره على أي صفة كان ولو نحو عود ودودة أخرجت رأسها وإن رجعت وريح ولو من قبل ودم باسور1 داخل الدبر لا خارج عنه لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِط} ، وهو محل قضاء الحاجة سمى باسمه الخارج للمجاورة، وصح الأمر بالوضوء من المذي2، وأن المصلي إذا سمع صوتًا أو وجد ريحًا أي علم بوجوده ينصرف من صلاته3 وقيس بذلك كل خارج "إلا المني" أي مني الشخص بنفسه فلا ينقض إن خرج منه أولًا لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل، بخلاف ما إذا خرج منه مني غيره أو نفسه بعد استدخاله فإنه ينقض، والأوجه أنه لو رأى على ذكره بللا لم ينتقض وضوؤه إلا إذا لم يحتمل طروه من خارج، وأن الولد الجاف ينقض لأن فيه شيئًا من مني الرجل، وخروج مني الغير ينقض كما تقرر.   1 الباسور: طية سميكة من الغشاء المخاطي في أسفل شق شرجي جمعها: بواسير "المعجم الوسيط: ص56". 2 روى البخاري في الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه "حديث رقم 269" عن علي قال: كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم -لمكان ابنته- فسأل فقال: "توضأ واغسل ذكرك". 3 روى مسلم في الحيض "حديث 98" عن سعيد وعباس بن تميم عن عمه: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وروى أيضًا "حديث 99" عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو نوم إلا النوم قاعدًا ممكنًا مقعده. الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة وينتقض اللامس والملموس ولا ينقض صغير أو صغيرة لا يشتهي ولا ينقض شعر وسن وظفر ومحرم وبنسب أو رضاع أو مصاهرة. الرابع: مس قبل الآدمي أو حلقة دبره بباطن الكف ولا ينتقض الممسوس وينقض   "الثاني: زوال العقل" أي التمييز إما بارتفاعه "بجنون أو" انغماره بنحو صرع أو سكر أو "إغماء" ولو ممكنًا "أو" استتاره بسبب "نوم" لخبر: "فمن نام فليتوضأ" 1 وخرج بذلك النعاس، ومن علاماته سماع كلام لا يفهمه وأوائل نشوة السكر لبقاء الشعور معهما "إلا النوم" الصادر من المتوضئ حال كونه "قاعدًا ممكنًا مقعده" من مقره كأرض وظهر دابة سائرة وإن كان مستندًا إلى شيء بحيث لو زال لسقط للأمن حينئذ من خروج شيء، أما غير الممكن فينتقض وضوؤه وإن كان مستقرًا ومثله ممكن نحيف لا يحس بخروج الخارج، وممكن انتبه بعد أن زالت أليتاه عن مقره يقينًا بخلاف ما لو شك في ذلك أو في أنه كان ممكنًا أم لا أو أنه نعس وإن رأى رؤيا. "الثالث: التقاء بشرتي الرجل" ولو ممسوحًا2 "والمرأة" ولو ميتة عمدًا أو سهوًا ولو بعضو أشل أو زائد لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أي لمستم كما في قراءة، واللمس الجس باليد وغيرها، والمعنى في النقض به أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بحال المتطهر والبشرة ظاهر الجلد وأراد بها ما يشمل اللحم كلحم الأسنان وخرج بما ذكره التقاء بشرتي ذكرين وإن كان أحدهما أمرد حسنًا أو أنثيين أو خنثيين أو خنثى مع غيره أو ذكر وأنثى بحائل3 وإن رق ولو بشهوة. "وينتقض اللامس والملموس" أي وضوؤهما لاشتراكهما في لذة اللمس "ولا ينقض صغير أو صغيرة" إن كان كل منهما بحيث "لا يشتهي" عرفًا غالبًا لذوي الطباع السليمة، فلا يتقيد بابن سبع سنين أو أكثر لاختلافه باختلاف الصغار والصغيرات وذلك لانتفاء مظنة الشهوة حينئذ بخلاف عجوز شوهاء أو شيخ هرم استصحابًا لما كان ولأنهما مظنتها4 في الجملة إذ لكل ساقطة لاقطة. "ولا ينقض شعر وسن وظفر" إذ لا يلتذ بلمسها "و" لا ينقض "محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة" كأم الزوجة لانتفاء مظنة الشهوة وخرج بالمحرم المحرمة باختلاف دين أو لعان أو وطء شبهة ما لم يطرأ عليه تحريم مصاهرة أو رضاع، ولو اشتبهت محرمة بأجنبيات ولو غير محصورات فلا نقض. "الرابع: مس قبل الآدمي أو حلقة دبره" من نفسه أو غيره ولو سهوًا وإن كان أشل أو   1 رواه أبو داود في الطهارة باب 79، وابن ماجه في الطهارة باب 62، وأحمد في المسند "1/ 111". 2 الممسوح: في اللسان "2/ 594": "وخصى ممسوح: إذا سلتت مذاكيره". 3 الحائل: الساتر. 4 أي الشهوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فصل: "فيما يحرم بالحدث" يحرم بالحدث الصلاة ونحوها، والطواف، وحمل المصحف ومس ورقه وحواشيه   زائدًا على سنن الأصلي أو مشتبهًا به لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره" وفي رواية: "ذكرًا فليتوضأ" 1 والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها وإنما ينقض المس "بباطن الكف" الأصلية ولو شلاء والمشتبهة بها والزائدة العاملة أي التي على سنن الأصلية لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ" 2 والإفضاء باليد المس بباطن الكف ولأنه هو مظنة التلذذ وهو الراحة وبطون الأصابع. "ولا ينتقض الممسوس" لأنه لا هتك منه "وينقض فرج الميت والصغير" لشمول الاسم له "ومحل الجب"3 كله لا الثقبة فقط, لأنه أصل الذكر "والذكر المقطوع" وبعضه إن سمى بعض ذكر بخلاف الجلدة المقطوعة في الختان، وكالذكر القبل والدبر إن بقي اسمهما بعد قطعهما. "ولا ينقض فرج البهيمة" لأنه لا يشتهي ولذا جاز كشفه والنظر إليه، "ولا المس برأس الأصابع وما بينها" وحرفها وحرف الكف نعم المنحرف الذي يلي الكف من حرفه ورؤوسها وهو ما بعده موضع الاستواء منها ينقض. فصل: فيما يحرم بالحدث والمراد به الأصغر عند الإطلاق. "ويحرم بالحدث الصلاة" إجماعًا "ونحوها" كسجدة تلاوة وشكر وخطبة جمعة وصلاة جنازة. "والطواف", ولو نفلا لأنه صلاة كما في الحديث4 "وحمل المصحف ومس ورقه وحواشيه وجلده" المتصل به لا المنفصل عنه، وإنما حرم الاستنجاء به وإن انفصل لأنه أفحش وجلده وخريطته وعلاقته وصندوقه وما كتب لدرس قرآن ولو بخرقة، ويحل حمله في أمتعة لا بقصده وفي تفسير أكثر منه وقلب ورقه بعود، ولا يمنع الصبي المميز من حمله ومسه للدراسة، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على يقينه.   1 رواه بلفظ: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ" ابن ماجه في الطهارة باب 63 و64، وأبو داود في الطهارة باب 69، والترمذي في الطهارة باب 61 و62، والنسائي في الطهارة باب 117 والغسل باب 30، ومالك في الطهارة حديث 58 و60-62 وأحمد في مواضع من مسنده. 2 رواه النسائي في الغسل باب 30 "حديث رقم 445" من حديث بسرة بنت صفوان بلفظ: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ". 3 الجب: القطع. 4 وهو ما رواه الترمذي في الحج باب 112 "حديث رقم960" عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير" ورواه أيضًا النسائي في المناسك باب 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فصل: "فيما يندب له الوضوء" يستحب الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف والنعاس والنوم قاعدًا ممكنًا   وذلك لقول تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمس المصحف إلا طاهر" 1, "و" يحرم أيضًا حمل ومس "خريطته"2 وهو فيها "وعلاقته وصندوقه" وهو فيه لأنها منسوبة إليه كالجلد "و" حمل ومس "ما كتب لدرس قرآن ولو بخرقة" لشبهه بالمصحف بخلاف ما كتب لا للدراسة كالتمائم وما على النقد لأنه لم يقصد به المقصود من القرآن فلم تجر عليه أحكامه. "ويحل حمله في أمتعة لا بقصده" أي معها بل ومع متاع واحد بقصد المتاع وحده أو لا بقصد شيء إذ لا يحل حمله بالتعظيم حينئذ، بخلاف ما إذا قصد المصحف وحده أو مع غيره، ويجري هذا التفصيل في حمل حامل المصحف على الأوجه ولو فقد الماء والتراب ومسلمًا ثقة جاز بل وجب حمله مع الحدث إن خاف عليه كافرًا أو تنجسًا أو ضياعًا وما يجب التيمم إن قدر عليه. "و" يحل حمله "في تفسير أكثر منه" بخلاف ما إذا استويا أو كان القرآن أكثر. "و" يحل "قلب ورقه بعود" ما لم تنفصل الورقة عن محلها وتصير محمولة على العود وكتابة ما لم يمس المكتوب. "ولا يمنع الصبي المميز" ولو جنبًا "من حمله ومسه للدراسة" لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرًا، أما غير المميز فيحرم تمكينه منه، وكذا لو لم يكن له غرض متعلق بالدراسة وإن قصد التبرك، "ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقينه" وهو الطهارة في الأولى والحدث في الثانية لأنه الأصل، والمراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه التردد مع استواء ورجحان. فصل: فيما يندب له الوضوء "يستحب الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف و" من "النعاس و" من "النوم قاعدًا مقعدته، والقيء والقهقهة في الصلاة وأكل ما مسته النار وأكل لحم الجزور والشك في الحدث، ومن الغيبة والنميمة والكذب والشتم والكلام القبيح والغضب، ولإرادة النوم، ولقراءة القرآن والحديث والذكر والجلوس في المسجد والمرور فيه ودراسة العلم وزيارة القبور، ومن حمل الميت ومسه.   1 ذكره بهذا اللفظ ابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 131" ورواه بلفظ: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، الدارمي في مسنده "2/ 161", والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 88، 309، 4/ 89", والطبراني في الكبير "12/ 312", والهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 276", والسيوطي في الدر المنثور "1/ 343، 6/ 162", والدارقطني في سننه "1/ 121، 2/ 285". 2 الخريطة: وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فصل: "في آداب قاضي الحاجة" يستحب لقاضي الحاجة بولا أو غائطًا أن يلبس نعليه ويستر رأسه ويأخذ أحجار الاستنجاء، ويقدم يساره عند الدخول ويمناه عند الخروج، وكذا يفعل في الصحراء ولا   ممكنًا مقعدته" من "القيء و" من "القهقهة في الصلاة و" من "أكل ما مسته النار و" من أكل "لحم الجزور و" من "الشك في الحدث" للخروج من خلاف من قال: إن هذه تنقض أخذًا من الأحاديث الواردة في ذلك، لكن أعلها أصحابنا بأن بعضها ضعيف وبعضها منسوخ لكن قوي في المجموع من حيث الدليل النقض بأكل لحم الجزور، ويسن الوضوء أيضًا من كل ما اختلف في النقض به كمس الأمرد ونحو الشعر. "و" يسن أيضًا "من الغيبة والنميمة والكذب والشتم" سائر "الكلام القبيح" لخبر فيه ولأن الوضوء يكفر الخطايا كما ثبت في الأحاديث، "و" من "الغضب" لأنه يطفئه "ولإرادة النوم" للاتباع وعند اليقظة. "ولقراءة القرآن والحديث" وسماعهما "والذكر" ليكون على أكمل حال "والجلوس في المسجد والمرور فيه" تعظيمًا له "ودراسة العلم" الشرعي وسماعه وكتابته وحمله تعظيمًا له "وزيارة القبور ومن حمل الميت ومسه" لاستقذاره وجماع وإنشاد شعر واستغراق ضحك وخوف وقص نحو شارب وحلق عانة ورأس ولجنب أراد نحو أكل أو جماع وللمعيان إذا أصاب بالعين، قال بعضهم ولما ورد فيه حديث وإن لم يذكروه كشرب ألبان الإبل ومس الكافر والصنم والأبرص. فصل: في آداب قاضي الحاجة "يستحب لقاضي الحاجة" أي لمريدها "بولا" كانت "أو غائطًا أن يلبس نعليه و" أن "يستر رأسه" للاتباع، روي مرسلا وهو كالضعيف والموقوف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقًا "و" أن "يأخذ" مريد الاستنجاء بالحجر "أحجار الاستنجاء" لما صح من الأمر به1   1 روى البخاري في الوضوء، باب الاستنجاء بالحجارة "حديث رقم155" عن أبي هريرة قال: اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت، فدنوت منه فقال: "ابغني أحجارًا أستنفض بها -أو نحوه- ولا تأتني بعظم ولا روث" , فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه، فلما قضى اتبعته بهن، وروى أيضًا "حديث 156" عن عبد الله قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هذا ركس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يحمل ذكر الله تعالى، ويعتمد على يساره ويبعد ويستتر، ولا يبول في ماء راكد وقليل جار ولا في جحر، ولا في مهب ريح، ولا في طريق، وتحت شجرة مثمرة يؤكل ثمرها،   وحذرًا من الانتشار1 إذا طلب بعد فراغه ويندب أيضًا إعداد الماء "و" أن "يقدم يساره" أو بدلها "عند الدخول" ولو لخلاء جديد وإن لم يرد قضاء حاجة "ويمناه" أو بدلها "عند الخروج" عكس المسجد إذ اليسرى للأذى واليمنى لغيره وكالخلاء في ذلك السوق ومحل المعصية ومنه محل الصاغة والحمام والمستحم. "وكذا يفعل في الصحراء" فيقدم يساره عند وصوله لمحل قضائها لأنه يصير مستقذرًا بإرادة قضائها به ويمناه عند مفارقته. "و" أن "لا يحمل ذكر الله تعالى" أي مكتوب ذكره ومثله كل اسم معظم ولو مشتركًا كالعزيز والكريم ومحمد وأحمد إن قصد به المعظم أو دلت على ذلك قرينة، ومن المعظم جميع الملائكة وحمل ذلك مكروه، واختار الأذرعي2 تحريم إدخال المصحف الخلاء بلا ضرورة إجلالا له وتكريمًا، ولو تختم في يساره بما عليه معظم3 وجب نزعه عند الاستنجاء لحرمة تنجيسه ولو غفل عن تنحية ما ذكر حتى دخل الخلاء غيبه ندبًا، "و" أن "يعتمد" ولو قائمًا "على يساره" وينصب يمناه بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع باقيها لأن ذلك أسهل لخروج الخارج مع أنه المناسب."و" أن "يبعد" ولو في البول بالصحراء وغيرها إن كان ثم غيره إلى حيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح فإن لم يفعل سن لهم الإبعاد عنه إلى ذلك وسن له أيضًا أن يغيب شخصه ما أمكن. "و" أن "يستتر" عن العيون بشيء طوله ثلثا ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل ولو بنحو ذيله، ولا بد أن يكون للساتر هنا عرض يمنع رؤية عورته أو بأن يكون بيتًا لا يعسر تسقيفه ومحل ذلك حيث لم يكن ثم من لا يغض بصره عن عورته ممن يحرم عليه نظرها وإلا وجب الستر مطلقًا. "و" أن "لا يبول" ولا يتغوط "في ماء راكد" وإن كثر ما لم يستبحر4 بحيث لا تعافه نفس ألبتة لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عنه فيه5 "و" لا في ماء "قليل جار" قياسًا على الراكد وإنما كره ذلك ولم يحرم وإن كان فيه إتلاف عليه وعلى غيره لإمكان طهره بالمكاثرة، أما الكثير الجاري فلا يكره فيه اتفاقًا لكن لاأولى اجتنابه، ثم قضاء   1 أي انتشار النجاسة. 2 هو أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني الأذرعي، فقيه، مفسر، ولد بأذرعات الشام سنة 627هـ، وتوفي سنة 708هـ، من مؤلفاته: جمع التوسط والفتح بين الروضة والشرح، وشرح المنهاج وسماه غاية المحتاج، وملاك التأويل في التفسير "معجم المؤلفين: 1/ 96". 3 أيْ أيّ اسم معظم ولو مشتركًا كما مر قبل أسطر. 4 استبحر الماء: اتسع وانبسط. 5 روى ابن أبي شيبة في مصنفه "1/ 141": "لا يبول أحدكم في الماء الراكد". ورواه البخاري في كتاب الوضوء، باب الماء الدائم، حديث رقم 239، عن أبي هريرة بلفظ: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، ورواه أيضًا مسلم في الطهارة حديث 95 و96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يستنجي بالماء في موضعه وأن يستبرئ من البول ويقول عند دخوله، بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وعند خروجه: غفرانك الحمد   الحاجة في الماء ليلا مكروه مطلقًا لما قيل إنه بالليل مأوى الجن، والكلام في المباح فالمسبل1 والمملوك يحرم ذلك فيه مطلقًا ويكره بقرب الماء. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط "في حجر" وهو الثقب المستدير المراد به ما يشمل السرب وهو المستطيل لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الحجر2 ولأنه مأوى الجن ولأنه ربما أذاه حيوان به أو تأذى به. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط مائعًا "في مهب ريح" أي محل هبوبها وقت هبوبها ومنه المراحيض المشتركة بل يستدبرها في البول ويستقبلها في الغائط لئلا يترشش. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط "في طريق" ومحل جلوس الناس كالظل في الصيف والشمس في الشتاء لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللعانين" 3 وفسرهما بالتخلي في طريق الناس ومجالسهم سيما بذلك لأنهما يجلبان اللعن كثيرًا عادة، وفي رواية "الملاعن الثلاث"4 وفسر الثالث بالبراز في الموارد وكراهة ذلك هو المعتمد وقيل يحرم. "و" لا يقضي حاجته "تحت شجرة مثمرة" أي من شأنها ذلك ولو مباحة وفي غير وقت الثمرة صيانة لها عن التلويث عند الوقوع فتعافها الأنفس، ومنه يؤخذ ما بحثه المصنف من أن شرطها أن تكون مما "يؤكل ثمرها" إلا أن يقال: الأنفس تعاف الانتفاع بالمتنجس أيضًا فحينئذ لا فرق، ولو كان يأتي تحتها ماء يزيل ذلك قبل الثمرة فلا كراهة. "و" أن "لا يتكلم" حال خروج الخارج بذكر ولا غيره لما صح من النهي عنه فيكره "إلا لضرورة" فيجوز بل يجب إن خشي من السكوت لحوق ضرر له أو لغيره، واختار الأذرعي تحريم قراءة القرآن. "و" أن "لا يستنجي بالماء في موضعه" بل ينتقل عنه لئلا يصيبه الرشاش فينجسه، ومن ثم لو كان في متخذ له5 لم ينتقل لفقد العلة. "وأن يستبرئ من البول" بعد انقطاعه بنحو مشي ونتر ذكر بلطف ولا يجذبه وتنحنح وغيره مما يظن به من عادته أنه لم يبق بمجرى البول ما يخاف خروجه لئلا يتنجس به وإنما لم يجب لأن الظاهر عدم عوده لكن اختار جمع وجوبه. "و" أن "يقول عند دخوله" بمعنى وصوله محل قضاء حاجته "بسم الله" اي أتحصن من الشياطين "اللهم إني أعوذ" أي أعتصم "بك من الخبث" بضم الخاء مع ضم الباء أو سكونها جمع خبيث وهم ذكران الشياطين "والخبائث" جمع خبيثة وهن إناثهم للاتباع في ذلك، وإنما قدم القارئ التعوذ لأن البسملة من القرآن المأمور بالاستعاذة له. "و"   1 أي الماء المجعول لعابري السبيل. 2 رواه أبو داود في الطهارة باب 16 و29، وأحمد في المسند "5/ 82". 3 رواه الإمام أحمد في المسند "2/ 372". 4 رواه أبو داود في الطهارة باب14، وابن ماجه في الطهارة باب21، وأحمد في المسند "1/ 299". 5 كالمراحيض العامة، أو المراحيض المتخذة في البيوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ويحرم ذلك إن لم يكن بينه وبينها ساتر، أو بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع أو كان الستر أقل من ثلثي ذراع إلا في المواضع المعدة لذلك، ومن آدابه أن لا يستقبل الشمس والقمر ولا يرفع ثوبه حتى   يقول "عند خروجه" بمعنى انصرافه منه: "غفرانك" منصوب على أنه مصدر بدل من اللفظ بفعله أو مفعول به "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" للاتباع، وحكمة سؤال المغفرة إما تركه الذكر بلسانه أو خوف التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة أعني نعمة الإطعام فالهضم فتسهيل الخروج، ومن ثم قال الشيخ نصر1: يكرر غفرانك مرتين والمحب الطبري2 يكرر ثلاثًا. "و" أن "لا يستقبل" بقبله أو دبره "القبلة" أي الكعبة أو بيت المقدس "ولا يستدبرها" حال قضاء حاجته حيث استتر بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل فإن فعل كره له ذلك لما صح من النهي عنه فيهما3. "ويحرم ذلك" أي استقبال الكعبة واستدبارها بفرجه حال قضاء حاجته. "إن لم يكن بينه وبينها ساتر أو" كان ولكن "بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع" بذراع الآدمي المعتدل. "أو كان الساتر أقل من ثلثي ذراع" تعظيمًا للقبلة، بخلاف ما إذا كان بينه وبينها ساتر مرتفع ثلثي ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل: وإن لم يكن له عرض فإنه لا يحرم لأنه لم يخل بتعظيمها حينئذ ويحصل الستر بإرخاء ذيله، وهذا التفصيل جمع به الشافعي رضي الله تعالى عنه بين الأحاديث الصحيحة الدالة على التحريم تراة وعلى الإباحة أخرى، ولا فرق في ذلك بين من في الصحراء وغيره ومن في مكان يعسر تسقيفه أو لا. "إلا في المواضع المعدة لذلك" فإن الاستقبال والاستدبار فيها مباح مطلقًا لكنه خلاف الأفضل حيث أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة، ولا استقبلها بالساتر المذكور جاز وإن كان دبره مكشوفًا على المعتمد، ولو اشتبهت القبلة وجب الاجتهاد حيث لا سترة، ويأتي هنا جميع ما ذكروه فيمن يجتهد في القبلة للصلاة، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها جاز   1 لعله الحافظ أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود بن أحمد المقدسي النابلسي شيخ الشافعية بدمشق الشام المتوفي سنة 490هـ، من تصانيفه: أربعين في الحديث، الانتخاب الدمشقي في المذهب، التهذيب في الفروع، شرح الإرشاد لسليم الرازي في الفروع، الكافي في الفروع، مناقب الشافعي، وغيرها، انظر هدية العارفين "2/ 490، 491". 2 هو محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري. ولد بمكة سنة 615هـ، وتوفي بها سنة 694هـ، من تصانيفه: الرياض النضرة في فضائل العشرة، غاية الإحكام لأحاديث الأحكام، شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، وغيرها "معجم المؤلفين: 1/ 185، 186". 3 رواه البخاري في الصلاة باب 29 "حديث 394" ومسلم في الطهارة "حديث 59" عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا". ورواه أيضًا مسلم "حديث 60" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 يدنو من الأرض، ولا يبول في مكان صلب، ولا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه، ولا يعبث بيده، وأن يسبل ثوبه قبل انتصابه، ويحرم البول في المسجد ولو في إناء وعلى القبر ويكره عند القبر وقائمًا إلا لعذر وفي متحدث الناس فإذا عطس حمد الله بقلبه   الاستقبال والاستدبار، فإن تعارضا وجب الاستدبار لأن الاستقبال أفحش، ولا يكره استقبالها باستنجاء أو جماع أو إخراج ريح أو فصد1 أو حجامة2. "ومن آدابه" أي قاضي الحاجة "أن لا يستقبل الشمس و" لا "القمر" تعظيمًا لهما لأنهما من آيات الله الباهرة فيكره ذلك بخلاف استدبارهما لأن الاستقبال أفحش، "و" أن "لا يرفع ثوبه" دفعة واحدة بل شيئًا فشيئًا "حتى يدنو" أي يقرب "من الأرض" فينتهي الرفع حينئذ محافظة على الستر ما أمكن، نعم إن خشي تنجسه كشفه بقدر حاجته وله كشفه دفعة واحدة إذا كان خاليًا. "و" أن "لا يبول" ولا يتغوط مائعًا "في مكان صلب" لئلا يترشش فإن لم يجد غيره دقه بحجر ونحوه. "و" أن "لا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه ولا يعبث بيده" ولا يلتفت يمينًا ولا شمالا ولا يستاك لأن ذلك كله لا يليق بحاله، ولا يطيل قعوده لأنه يورث الباسور، "وأن يسبل ثوبه" شيئًا فشيئًا "قبل انتصابه" كما مر، "ويحرم البول" ونحوه "في المسجد ولو في إناء" لأن ذلك لا يصلح له كما في خبر مسلم3 أي لمزيد استقذاره بخلاف الفصد فيه في الإناء لأن الدم أخف ولذا عفى عن قليله وكثيره بشرطه، "و" يحرم ذلك "على القبر" المحترم "ويكره عند القبر" المحترم احترامًا له. "و" يكره البول والغائط "قائمًا إلا لعذر" لأنه خلاف الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم، أما مع العذر كاستشفاء أو فقد محل يصلح للجلوس أو خشية خروج شيء من السبيل الآخر لو جلس أو كون البول أحرقه فلم يتمكن من الجلوس فمباح وعليه أو على بيان الجواز يحمل بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا لما أتى سباطة4 قوم5. "و" يكره ذلك "في متحدث الناس" كما   1 الفصد: يقال: فصد العرق فصدًا وفصادًا: شقه. وفصد المريض: أخرج مقدارًا من دم وريده بقصد العلاج، "المعجم الوسيط: ص690". 2 الحجامة: امتصاص الدم بالمحجم، والمحجم: القارورة التي يجمع فيها دم الحجامة "المعجم الوسيط: ص158". 3 الذي رواه في كتاب الطهارة "حديث 100" عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه، دعوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه". 4 السباطة: هي ملقى القمامة والتراب ونحوها تكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها. 5 روى البخاري في الوضوء، باب البول قائمًا وقاعدًا "حديث 224" وباب البول عند صاحبه والتستر بالحائط "حديث 225" ومسلم في الطهارة "حديث73" والجماعة، من حديث حذيفة قال: "رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إلى فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ". اللفظ للبخاري "حديث رقم 225". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 فصل: "في الاستنجاء" يجب الاستنجاء من كل رطب خارج من أحد السبيلين بالماء أو بالحجر، أو جامد طاهر قالع غير محترم، ويسن الجمع بينهما ولو بجامد متنجس دون ثلاث مسحات، فإن اقتصر على أحدهما فالأفضل الماء وشرط الحجر أن لا يجف النجس ولا ينتقل، ولا يطرأ   مر بدليله نعم إن كانوا يجتمعون على معصية فلا بأس بقضاء الحاجة في متحدثهم تنفيرًا لهم، ومر أنه يكره له أن يتكلم حال قضاء حاجته. "فإن عطس" حينئذ "حمد الله" تعالى "بقلبه" ولا يحرك لسانه. فصل: في الاستنجاء "يجب" لا على الفور بل عند خشية تنجس غير محله وعند إرادة نحو الصلاة "الاستنجاء من كل رطب خارج من أحد السبيلين" ولو نادرًا كدم "بالماء" على الأصل "أو بالحجر" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "وليستنج بثلاثة أحجار" وخرج بالرطب الريح وإن كان المحل رطبًا ونحو البعرة الجافة فلا يجب الاستنجاء من ذلك لكنه يسن من نحو البعرة وبأحد السبيلين الثقبة المنفتحة وقبلا المشكل أو أحدهما أو ذكران اشتبها فيتعين الماء كأقلف1 وصل بوله إلى جلدته، وليس المراد بالحجر خصوصه بل هو "أو" ما في معناه من كل "جامد طاهر" لا نجس ولا متنجس لأنه لا يصلح لإزالة النجاسة "قالع" لا ما لا يقلع لملاسته أو لزوجته أو تناثر أجزائه كالتراب "غير محترم" ومنه كتب التوراة والإنجيل إن علم تبديلهما وخليا عن اسم معظم، وجلد دبغ وجلد حوت كبير جف بحيث لو بل لم يلن على الأوجه بخلاف المحترم ككتب العلم الشرعي وآلته كالمنطق الموجود اليوم وجلدها المتصل بها بخلاف جلد المصحف فإنه محترم مطلقًا والمطعوم ولو عظمًا وإن حرق، وجزء آدمي محترم ولو منفصلا وجزء حيوان متصل به ولو فأرة على الأوجه، ويجزئ الحجر بعد المحترم وغير القالع ما لم ينقلا النجاسة. "ويسن" في القبل والدبر "الجمع بينهما" بأن يقدم الجامد ثم الماء ليزول العين ثم الأثر فتقل ملابسة النجاسة، وبه يعلم ما نقل عن الغزالي من أنه تحصل سنة الجمع "ولو بجامد متنجس" وما بحثه الإسنوي2 من حصولها أيضًا بعدد "دون ثلاث مسحات فإن اقتصر على أحدهما فالأفضل الماء" لأنه يزيل العين والأثر. "وشرط" إجزاء   1 الأقلف: الذي لم يختن، انظر لسان العرب "9/ 290". 2 هو جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي نزيل القاهرة. مؤرخ، مفسر، فقيه، أصولي، عالم بالعربية والعروض، ولد بإسنا من صعيد مصر سنة 704هـ، وتوفي سنة 772هـ، له تصانيف كثيرة في الفقه والنحو والأصول وغيرها "معجم المؤلفين 2/ 129". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 نجس آخر ولا يجاوز صفحته وحشفته ولا يصيبه ماء، وأن يكون بثلاث مسحات، فإن لم ينق المحل وجب الإنقاء، ويسن الإيتار، ويسن استيعاب المحل بالحجر، والاستنجاء باليسار، والاعتماد على الوسطى في الدبر إن استنجى بالماء، وتقديم الماء للقبل وتقديمه على الوضوء، ودلك يده بالأرض ثم يغسلها بعده ونضح فرجه وإزاره وأن يقول بعده: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.   "الحجر" لمن اقتصر عليه "أن لا يجف النجس" الخارج لأن الحجر لا يزيله حينئذ "و" أن "لا ينتقل" عن الموضع الذي استقر فيه عند الخروج لأنه حينئذ يطرأ على المحل نجاسة لا بسبب الخروج. "و" أن "لا يطرأ عليه نجس" أجنبي "آخر" ولو من الخارج كرشاشه لأن مورد النص الخارج والأجنبي ليس في معناه. "و" أن "لا يجاوز" الخارج "صفحته" في الغائط وهو ما ينضم من الأليتين عند القيام. "وحشفته" أو قدرها من مقطوعها في البول، وأن لا يدخل بول المرأة مدخل الذكر لأن مجاوزة ما ذكرنا نادرة جدًا فلا يلحق بما تعم به البلوى ولو تقطع الخارج تعين في المنفصل الماء وإن لم يجاوز ما ذكره. "و" أن "لا تصيبه ماء" غير مطهر له وإن كان طهورًا أو مائع آخر بعد الاستجمار أو قبله لتنجسهما، وكالمائع ما لو استنجى بحجر رطب أو كان المحل مترطبًا بماء ولا عرق على الأوجه. "وأن يكون بثلاث مسحات" وإن أنقى بدونها للنهي الصحيح عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار1 ويحصل ذلك ولو بأطراف حجر. "فإن لم ينق المحل" بالثلاث "وجب الإنقاء" بالزيادة عليها إلى أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف. و"يسن الإيتار" إن حصل الإنقاء بشفع لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به2. "ويسن استيعاب المحل بالحجر" أي بكل حجر من الثلاث بأن يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره برفق إلى محل ابتدائه وبالثاني من مقدم اليسرى ويديره كذلك ويمر الثالث على صحفتيه ومسربته3 جميعًا، ويسن وضع الحجر على موضع ويديره برفق ولا يضر النقل الحاصل من عدم الإدارة، وظاهر كلامه ككلام الشيخين أنه لا يجب المحل بكل مسحة من الثلاث، وفيه كلام بينته في شرح الإرشاد4 بما حاصله أن في كلامهم شبه   1 روى النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار: مسلم في الطهارة حديث 58، والترمذي في الطهارة باب12، وأبو داود في الطهارة باب4، والنسائي في الطهارة باب41، وأحمد في المسند "5/ 437، 438، 439". 2 حديث: "من استجمر فليوتر" روي عن أبي هريرة وغيره؛ فرواه البخاري في الوضوء باب 25 و26، ومسلم في الطهارة حديث 20 و22 و24، وأبو داود في الطهارة باب19، والترمذي في الطهارة باب 21، والنسائي في الطهارة باب 38 و71، وابن ماجه في الطهارة باب 23 و44 والدارمي في الوضوء باب 5 و32، ومالك في الطهارة حديث 4، وأحمد في عدة مواضع من مسنده. 3 المسربة: الشعر المستدق الذي أخذ من الصدر إلى السرة. 4 واسم الكتاب "الإمداد في شرح الإرشاد" كما في هدية العارفين "1/ 146", ومعجم المؤلفين "1/ 293" في ترجمة ابن حجر الهيتمي، ولعل الإرشاد المذكور هو "الإرشاد في فروع الشافعية" لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي المتوفى سنة 836هـ "كشف الظنون: ص69", ولكن لم يذكر في كشف الظنون ضمن شروحاته شرحًا للهيتمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فصل: "في موجب الغسل" موجبات الغسل: الموت والحيض، والنفاس والولادة ولو علقة ومضغة وبلا   تعارض، فرجح جمع متأخرون الوجوب رعاية للمدرك وآخرون عدمه أخذًا بظواهر كلامهم، "و" يسن "الاستنجاء باليسار" للاتباع ويكره باليمنى، وقيل يحرم لصحة النهي عن الاستنجاء بها1. "و" يسن "الاعتماد على" الأصبع "الوسطى في الدبر إن استنجى بالماء" لأنه أمكن ولا يتعرض للباطن وهو ما لا يصل الماء إليه لأنه منبع الوسواس، نعم يسن للبكر أن تدخل أصبعها في الثقب الذي للفرج لتغسله. "و" يسن لمن يستنجي بالماء "تقديم الماء للقبل" لأنه لو قدم الدبر ربما عاد إليه النجس عند غسل القبل وبالحجر تقديم الدبر. "و" يسن "تقديمه" أي الاستنجاء "على الوضوء" إن كان غير سلس وإلا وجب عليه ذلك. "و" يسن للمستنجي "دلك يده بالأرض" أو نحوهما "ثم يغسلها" ويكون ذلك أعنى الدلك ثم الغسل "بعده" أي الاستنجاء للاتباع. "و" يسن له بعده "نضح فرجه وإزاره" من داخله دفعًا للوسواس. "و" يسن "أن يقول بعده: اللهم طهر قلبي من النفاق وحسن فرجي من الفواحش" لمناسبته الحال، ويكفي غلبة ظن زوال النجاسة وشم ريحها من اليد ينجسها دون المحل ما لم يشمها من محل ملاق له فيما يظهر، ولا يسن له شم يده وليحذر من ضم شرج مقعدته بل يسترخي قليلا لبقاء النجاسة في تضاعيفه، ولو سال عرق المستنجي بالحجر فإن جاوز صفحته وحشفته لزمه غسل المجاوز وإلا فلا. فصل: في موجب الغسل وهو بالفتح والضم والأول أفصح وأشهر، وقد يقال بالضم لماء الغسل، وبالكسر اسم لنحو سدر اغتسل به. "موجبات الغسل" خمسة: أحدها: "الموت" لمسلم غير شهيد كما يعلم مما سنذكره في الجنائز. "و" ثانيها: "الحيض. و" ثالثها: "النفاس" مع الانقطاع ونحو القيام إلى الصلاة   1 روى مسلم في الطهارة "حديث 57" عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين ... ". وروى أيضًا النهي عن الاستنجاء باليمين النسائي في الطهارة باب 41، والدارمي في الوضوء باب 13 والأشربة باب21، وأحمد في المسند "2/ 250، 5/ 300، 310، 437". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 رطوبة والجنابة وتحصل بخروج المني، ويعرف بتدفقه أو لذة بخروجه، أو ريح عجين رطبًا أو ريح بياض بيض جافًا، وبإيلاج الحشفة أو قدرها في فرج ولو دبرًا، أو فرج ميت أو بهيمة ولو مع حائل كثيف، وبرؤية المني في ثوبه أو فراش لا ينام فيه غيره، ويحرم بالجنابة ما يحرم بالحدث، ومكث في المسجد وتردد فيه لغير عذر، وقراءة القرآن بقصد القراءة.   إجماعًا. "و" رابعها: "الولادة ولو علقة ومضغة وبلا رطوبة" لأن كلا منهما مني منعقد. "و" خامسها: "الجنابة وتحصل" إما "بخروج المني" إجماعًا أي مني الشخص نفسه أول مرة من مخرج معتاد ومن فرجي المشكل1 مطلقًا ومن تحت صلب2 الرجل وترائب3 المرأة إن كان مستحكمًا بأن لا يخرج لنحو مرض وانسد الأصلي وإن لم يجاوز فرج المرأة بأن وصل لما يجب غسله ولو خرج من غير قصد أو كان الخارج منيه منها بعد غسلها إن قضت شهوتها بذلك الجماع بأن تكون بالغة مختارة مستيقظة اعتبارًا للمظنة كالنوم إذ يغلب على الظن اختلاط منيها به حينئذ ولا أثر لنزوله لقصبة الذكر. "ويعرف" المني سواء كان من رجل أو امرأة "بتدفقه" أي خروجه على دفعات قال تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارقك 6] ، "أو لذة بخروجه" وإن لم يتدفق ويلزمهما فتور الذكر وانكسار الشهوة غالبًا "أو ريح4 عجين" أو طلع حال كون المني "رطبًا أو ريح بياض بيض" حال كون المني "جافًا" وإن لم يتدفق ولا التلذ به كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل فإن فقدت هذه الخواص الثلاث فلا غسل ولا أثر لنحو الثخانة والبياض في مني الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة وجودًا ولا فقدًا. "و" إما "بإيلاج الحشفة أو قدرها" من فاقد ولو كانت من مبان "في فرج ولو دبرًا أو فرج ميت أو بهيمة" ولو سمكة وإن لم يشته ولا حصل إنزال ولا انتشار لا قصد ولا اختيار. "ولو مع حائل كثيف" لخبر مسلم: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل" 5 وخبر: "إنما الماء من الماء" 6، منسوخ وذكر الختانين جرى على الغالب هذا كله في ذكر الواضح وفرجه، أما الخنثى فلا غسل بإيلاج ذكره عليه ولا على المولج فيه مطلقًا ولا بإيلاج واضح في قبله لاحتمال الزيادة. "و" تحصل الجنابة أيضًا "بـ"ـسبب "رؤية المني في ثوبه" الذي لا يلبسه غيره. "أو فراش لا ينام فيه غيره" ممن يحتمل أن له منيًّا لعدم احتمال كونه من غيره حينئذ وإن كان بظاهر الثوب ويلزمه إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوثه بعدها. "ويحرم   1 أي الخنثى المشكل. 2 صلب الرجل: فقار ظهره. 3 الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين. وفي التنزيل العزيز: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} . 4 أي رائحة. 5 لفظ الحديث في مسلم "كتاب الحيض، حديث رقم 88" من حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل". 6 رواه مسلم في الحيض "حديث 80 و81" من حديث أبي سعيد الخدري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فصل: "فص صفات الغسل" ... فصل: "في صفات الغسل" وأقل الغسل نية رفع الجنابة أو فرض الغسل أو رفع الحدث، واستيعاب جميع   بالجنابة ما يحرم بالحدث" وقد مر "ومكث" المسلم "في المسجد" ورحبته وهوائه وجناح بجداره وإن كان كله في هواء الشارع وبقعة وقف بعضها مسجدًا شائعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" 1 حسنه ابن القطان2. "وتردد فيه" أو في نحوه مما ذكر لأنه يشبه المكث بخلاف العبور، نعم هو خلاف الأولى إلا لعذر كقرب ومحل حرمة المكث والتردد إذا كانا "لغير العذر" فإن كانا لعذر كأن احتلم فأغلق عليه باب المسجد أو خاف من الخروج على تلف نحو مال جاز له المكث للضرورة ويجب عليه التيمم ويحرم بتراب المسجد وهو الداخل في وقفه، أما الكافر فلا يمنع من المكث فيه لأنه لا يعتقد حرمته. "و" يحرم على المسلم أيضًا "قراءة القرآن" بلسانه ولو لحرف منه "بقصد القراءة" وحدها أو مع غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن" 3، حسنه المنذري4 أما إذا لم يقصدها بأن قصد ذكره أو موعظته أو حكمه كالبسملة أو أطلق فلا يحرم لأنه لا يكون قرآنًا إلا بالقصد، نعم يجب قراءة الفاتحة في صلاة جنب فقد الطهورين لضرورة توقف صحة الصلاة عليها. فصل: في صفات الغسل "وأقل الغسل" الواجب "نية رفع الجنابة" في الجنب والحيض والنفاس في الحائض والنفساء أي رفع حكم ذلك أو استباحة ما يتوقف على الغسل. "أو فرض الغسل" أو الغسل المفروض أو الواجب أو أداء الغسل. "أو رفع الحدث" أو الحدث الأكبر أو عن جميع البدن وهو أفضل من الإطلاق أو الطهارة للصلاة في حق الجنب وما بعده5 لتعرضه للمقصود في غير رفع الحدث، وإلا استلزم رفع المطلق رفع المقيد فيها، ولا يكفي نية مطلق الغسل كما مر في   1 رواه أبو داود في الطهارة باب92، وابن ماجه في الطهارة باب 126. 2 هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد المبارك الجرجاني ويعرف بابن القطان، محدث، حافظ، فقيه، ولد سنة 277هـ، وتوفى سنة 365هـ، من تصانيفه: الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الأحاديث وغيره "معجم المؤلفين: 2/ 257". 3 رواه الترمذي في الطهارة باب 98، وابن ماجه في الطهارة باب 105، من حديث عبد الله بن عمر. 4 هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل المصري الشافعي، محدث، حافظ، فقيه، ولد سنة 581هـ، وتوفي سنة 656هـ، من مؤلفاته: شرح التنبيه للشيرازي، والترغيب والترهيب، ومختصر سنن أبي داود، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 171". 5 أي المذكور آنفًا من الحيض والنفاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 شعره وبشره، ويجب قرن النية بأول مغسول. وسننه: الاستقبال: والتسمية مقرونة بالنية، وغسل الكفين، ورفع الأذى، ثم الوضوء، ثم تعهد مواضع الانعطاف، وتخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبلولة ثم الإفاضة على رأسه، ثم على شقه الأيمن ثم الأيسر والتكرار ثلاثًا، والدلك في كل مرة واستصحاب النية، وأن لا ينقص ماؤه عن صاع، وأن تتبع المرأة غير معتدة الوفاة أثر الدم بمسك ثم بطيب ثم بطين، فإن لم تجد ذلك فالماء كافٍ، وأن لا يغتسل من خروج المني قبل البول، ويسن الذكر المأثور بعد الفراغ، وترك الاستعانة.   الوضوء. "واستيعاب جميع شعره" وظفره ظاهرًا وباطنًا وإن كثف. "و" جميع ظاهر "بشره" حتى ما ظهر من نحو صماخ الأذن وأنف جدع وشقوق لا غور1 لها وإلا فكما في الوضوء ومن فرج بكر أو ثيب إذا قعدت لقضاء حاجتها وما تحت قلفة الأقلف، فلا يجب غسل باطن عقد الشعر وباطن فم وأنف وفرج وعين وشعر نبت بها أو بالأنف، نعم يجب نقض الضفائر إذا لم يصل الماء إلى باطن الشعر إلا به. "ويجب قرن النية بأول مغسول" فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله. "وسننه" كثيرة منها "الاستقبال والتسمية مقرونة بالنية وغسل الكفين" كالوضوء فيهما، نعم يسن لمن يغتسل من نحو إبريق أن يقرن النية بغسل محل الاستنجاء بعد فراغه منه لأنه قد يغفل عنه أو يحتاج إلى المس فينتقض وضوؤه. "و" منها "رفع الأذى" الطاهر كمني ومخاط والنجس الحكمي وإن كفى لهما غسلة. "ثم" بعد إزالته "الوضوء" الكامل للاتباع فتأخيره أو بعضه عن الغسل خلاف الأفضل، وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر وإلا نوى به رفع الحدث الأصغر. "ثم" بعد الوضوء "تعهد مواضع الانعطاف" كالأذن وطبقات البطن والموق2 واللحاظ وتحت المقبل من الأنف والأذن "وتخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبلولة" بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في الشعر ليشرب بها أصوله لأن هذا وما قبله أقرب إلى الثقة بوصول الماء، وأبعد عن الإسراف فيه. "ثم الإفاضة على رأسه" للاتباع، ولا يسن فيها البداءة بالأيمن، ويظهر أن محله إن كفى ما يفيضه على كل رأسه وإلا فالبداءة بالأيمن أولى كالأقطع الذي لا يتأتى منه إفاضة، "ثم على شقه الأيمن" المقدم منه ثم المؤخر "ثم" على "الأيسر" كذلك "والتكرار" لجميع ذلك "ثلاثًا والدلك في كل مرة" من الثلاث لما تصله يده. "واستصحاب النية" ذكرًا كالوضوء في جميع ذلك. "و" أن "لا ينقص ماؤه عن صاع" في معتدل لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع3، فإن نقص وأسبغ كفى، أما غير المعتدل   1 أي عمق. 2 موق العين وماقها: لغة في المؤق والمأق، وجمعهما أمواق، ومؤق العين: مؤخرها، وقيل مقدمها، لسان العرب "10 /335 و350". 3 روى البخاري في الوضوء باب 47 "حديث 201" ومسلم في الحيض "حديث 51" عن أنس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل -أو كان يغتسل- بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد" وروى مسلم في الحيض "حديث 52" عن سفينة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضؤه المد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فصل: "في مكروهاته" ويكره الإسراف في الصب، والغسل والوضوء في الماء الراكد، والزيادة على الثلاث، وترك المضمضة والاستنشاق، ويكره للجنب الأكل والشرب والنوم والجماع قبل غسل الفرج والوضوء، وكذا منقطعة الحيض والنفاس.   فينقص ويزيد ما يليق بحاله. "وأن تتبع المرأة" ولو بكرًا أو خلية "غير معتدة الوفاة" والمحرمة "أثر الدم" الذي هو حيض أو نفاس "بمسك" بأن تجعله بعد غسلها بنحو قطنة وتدخلها إلى ما يجب غسله من فرجها لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به1 مع تفسير عائشة له بذلك، وحكمته تطييب المحل لا سرعة العلوق ويكره تركه، أما معتدة الوفاة والمحرمة فيمتنع عليها استعمال الطيب، نعم يسن للمحدة تطييب المحل بقليل قسط أو ظفار2. "ثم" إن لم تجد مسكًا يسن "بطيب" غيره "ثم" إن لم تجد طيبًا سن "بطين فإن لم تجد ذلك فالماء كاف" في دفع الكراهة. "و" لمن خرج منه مني الغسل قبل البول لكن السنة "أن لا يغتسل من خروج المني قبل البول" لئلا يخرج بعده شيء "ويسن الذكر المأثور" وهو ما مر عقب الوضوء "بعد الفراغ" من الغسل "وترك الاستعانة" والتنشيف كالوضوء. فصل: في مكروهاته "ويكره الإسراف في الصب" للغسل نظير ما مر في الوضوء بقيده "و" يكره "الغسل والوضوء في الماء الراكد" ولو كان كثيرًا أو بئرًا معينة لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغسل فيه، وقيس به الوضوء بجامع خشية الاستقذار والاختلاف في طهوريته، وبه يعلم أن الكلام في غير المستبحر الذي لا يتقذر بذلك بوجه ولا خلاف في طهوريته وإن فعل فيه ذلك، وأنه لا فرق بين الوضوء عن حدث أصغر أو أكبر. "و" يكره "الزيادة على الثلاث" كالوضوء بقيده السابق فيه "وترك المضمضة والاستنشاق" للخلاف في وجوبهما فيه كالوضوء. "ويكره للجنب الأكل   1 روى البخاري في الحيض باب 13 "حديث 314" عن عائشة: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها" قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله تطهري" , فاجتذبتها إليَّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم. وروى أيضًا "حديث 315" عن عائشة أن امرأة من الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: "خذي فرصة ممسّكة فتوضئي ثلاثًا" ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيا فأعرض بوجهه، أو قال: "توضئي بها" فأخذتها فجذبتها فاخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم. 2 القسط: عود يجاء به من الهند يجعل في البخور والدواء, وفي حديث أم عطية: "لا تمس طيبًا إلا نبذة من قسط وأظفار" , وفي رواية: "قسط أظفار" انظر لسان العرب "7/ 379" والأظفار: جنس من الطيب لا واحد له من لفظه، وقيل: واحده ظفر، وهو شيء من العطر أسود والقطعة منه شبيهة بالظفر "لسان العرب: 4/ 518". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 باب: النجاسة وإزالتها وهي: الخمر ولو محترمة، والنبيذ، والكلب، والخنزير وما تولد من أحدهما والميتة إلا الآدمي والسمك والجراد، والدم والقيح والقيء والروث، والبول والمذي   والشرب والنوم والجماع قبل غسل الفرج والوضوء لما صح من الأمر به في الجماع1 وللاتباع في البقية إلا الشرب فمقيس على الأكل، "وكذا منقطعة الحيض والنفاس" فيكره لها ذلك كالجنب بل أولى. باب: النجاسة وإزالتها "وهي" لغة كل مستقذر، وشرعًا بالحد مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، وبالعد كل مسكر مائع أصالة ومنه "الخمر" وهي المتخذة من عصير العنب "ولو محترمة" وهي ما عصر بقصد الخلية2 أو لا بقصد، ومن ثم لم تجب إراقتها بخلاف ما لو عصر بقصد الخمرية تجب إراقته فورًا ويعتبر تغيير القصد قبل التخمر "والنبيذ" وهو المتخذ من عصير نحو الزبيب للإجماع في الخمر وللأحاديث الصحيحة الصريحة في غيرها، أما الجامد فطاهر منه الحشيشة والأفيون وجوز الطيب والعنبر والزعفران فيحرم تناول القدر المسكر من كل ما ذكر كما صرحوا به. "والكلب" ولو معلمًا لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيع من ولوغه وبإراقة ما ولغ فيه3، "والخنزير" لأنه أسوأ حالا من الكلب إذ لا يقتنى بحال. "وما تولد من أحدهما" مع حيوان طاهر ولو آدميًا تغليبًا للنجس, "والميتة" بجميع أجزائها وإن لم يكن لها دم سائل وهي مازالت حياتها لا بزكاة شرعية بالنص4 والإجماع "إلا الآدمي" ولو كافرًا؛ لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن لا ينجس حيًّا ولا ميتًا" 5 والتعبير بالمؤمن للغالب أو للشرف إذ لا قائل بالفرق. "والسمك والجراد" للخبر الصحيح: "أحل لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد   1 روى مسلم في الحيض "حديث 27" عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ". 2 أي لاتخاذه خلا. 3 روى مسلم في الطهارة "حديث 89" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار"، ورواه بلفظ آخر "حديث 91": "طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب"، وفي لفظ له "حديث 90" وللبخاري في الوضوء باب 33 "حديث 172": "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا". 4 ورد ذلك نصًا في الآية 145 من سورة الأنعام: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} . 5 ذكره البخاري في الجنائز باب 8 تعليقًا عن ابن عباس بلفظ: "المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميتًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والودي، والماء المتغير السائل من فم النائم، ومني الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، ولبن ما لا يؤكل لحمه إلا الآدمي والعلقة والمضغة ورطوبة الفرج فطاهرات   والكبد والطحال" 1، "و" من النجاسات "الدم" وإن تحلب من كبد أو نحو سمك أو بقي على نحو العظام لكنه معفو عنه لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} ، أي سائلًا بخلاف غيره كالكبد والعلقة. "والقيح والقيء" وإن لم يتغير "والروث" بالمثلثة كالبول، نعم لو راثت أو قاءت بهيمة حبًّا صحيحًا صلبًا بحيث لو زرع نبت كان متنجسًا لا نجسًا، "والبول" للأمر بصب الماء عليه2 "والمذي" بسكون المعجمة للأمر بغسل الذكر أي رأسه منه وهو ماء أصفر رقيق غالبًا يخرج عند ثوران الشهوة ويشترك فيه الرجل والمرأة. "والودي" بسكون المهملة كالبول وهو ماء أبيض ثخين غالبًا يخرج عقب البول. "والماء المتغير السائل من فم النائم" إن تحقق كونه من المعدة بخلاف غيره لكن الأولى غسل ما يحتمل كونه منها ولو ابتلي بالأول شخص عفي عنه. "ومني الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما" ومن غيره لأنه الأصل. "ولبن ما لا يؤكل لحمه" كالأتان "إلا الآدمي" وإلا مني الحيوان غير الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما. "والعلقة" وهي دم غليظ "والمضغة" وهي لحمة صغيرة "ورطوبة الفرج" وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق من الحيوان الطاهر ولبن المأكول ولو ذكرًا صغيرًا ميتًا وإنفحته3 إن أخذت منه بعد ذبحه ولم يطعم غير لبن ولو نجسًا ومترشح كل حيوان طاهر كعرق ولعاب وبلغم إلا المتيقن خروجه من المعدة وماء قروح ونفط4 لم يتغير والبيض ولو من ميتة إن كان متصلبًا وبزر القز والمسك وفأرته 5 المنفصلة في حياته أو بعد ذكاته والزباد6 لا ما فيه من شعر السنور البري نعم يعفى عن قليله عرفًا، والعنبر وهو نبت بحري وإن ابتلعه حوت ما لم يستحل. "فطاهرات" للنصوص الصحيحة في أكثرها وقياسًا في باقيها ولو تحقق خروج رطوبة الفرج من باطنه كانت نجسة، وإنما لم ينجس ذكر   1 رواه ابن ماجه في الأطعمة باب 31 "حديث 3314" وأحمد في المسند "2/ 97" عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحلت لكم ميتتان ودمان؛ فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". 2 روى البخاري في الوضوء "حديث 219 و221" ومسلم في الطهارة "حديث 98 و99 100" من حديث أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه، لفظ البخاري "حديث 221" ورواه البخاري أيضًا "حديث 220" من حديث أبي هريرة بلفظ آخر. 3 الإنفحة: جزء من معدة صغار العجول والجداء ونحوهما "المعجم الوسيط: ص938". 4 النفط والنافطة: بئرة تخرج في اليد من العمل ملآى بالماء "المعجم الوسيط: ص941". 5 فأرة المسك: وعاؤه الذي يجتمع فيه. 6 الزباد: حيوان ثديي من الفصيلة الزبادية قريب من السنانير، له كيس عطر قريب من الشرج يفرز مادة دهنية تستخدم في الشرق أساسًا للعطر "المعجم الوسيط: ص388". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 والجزء المنفصل من الحيوان كميتته، إلا شعر المأكول وريشه وصوفه ووبره فطاهرات، ولا يطهر شيء من النجاسات إلا ثلاثة أشياء: الخمر من إنائها إذا صارت خلا بنفسها والجلد المتنجس بالموت، ويطهر بالدبغ ظاهره وباطنه وما صار حيوانًا.   المجامع إذا وطئ من استنجت بماء أو حجر ولم يتحقق إصابة البول للذكر ولا لمدخله لعدم تحقق خروجها من الباطن، ويجوز أكل بيض غير المأكول حيث لا ضرر فيه. "والجزء المنفصل من الحيوان كميتته" طهارة ونجاسة فيدخل نحو الآدمي ومشيمته طاهرة بخلافهما من نحو الفرس للخبر الصحيح: "ما قطع من حي فهو ميت"1، "إلا شعر" الحيوان "المأكول وريشه وصوفه ووبره" إذا لم يعلم إبانته بعد موته "فطاهرات" لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} ، الآية: ولو انفصل من مأكول حي جزء عليه شعر فهما نجسان وخرج بما ذكره القرن والظلف والظفر فهي نجسة. "ولا يطهر شيء من النجاسات" بالاستحالة "إلا ثلاثة أشياء" أحدها "الخمر" ولو غير محترمة فتطهر وإن فتح رأسها أو نقلت من محلها أو تخللت لا بفعل فاعل "مع إنائها" ولو نحو خزف جديد تبعًا لها للضرورة "إذا صارت" أي استحالت" "خلا بنفسها " أي بلا مصاحبة عين لزوال علة النجاسة وهي الإسكار، أما إذا تخللت بمصاحبة عين نجسة وإن نزعت قبل التخلل أو طاهرة استمرت إليه أو لم تستمر لكن تحلل منها شيء فلا تطهر إذ النجس يقبل التنجس في الأولى، ولتنجسها بعد تخللها بالعين التي تنجست بها في الثانية، وكالخمر فيما ذكر النبيذ على المعتمد. "و" ثانيها "الجلد المتنجس بالموت" بأن لم يكن من نحو كلب "و" إن كان من غير المأكول "يطهر بالدبغ" والاندباغ "ظاهره" وهو ما لاقاه الدباغ "وباطنه" وهو ما لم يلاقه بشرط أن ينقى من الرطوبات المعفنة له بحيث لا يعود إليه النتن والفساد لو نقع في الماء لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" 2 وإنما تحصل التنقية المذكورة بحريف ولو نجسًا كذرق حمام لا بنحو شمس وتراب وخرج بالجلد الشعر نعم يطهر قليله تبعًا كإناء الخمر ثم هو بعد الاندباغ كثوب متنجس فلا بد لنحو الصلاة فيه وعليه من تطهيره. "و" ثالثها "ما صار حيوانًا" كالميتة إذا صارت دودًا لحدوث الحياة وهو وإن لم يكن متولدًا منها لكنه متولد من عفوناتها وهي نجسة، ولا يصح التمثيل بدم بيضة صارت فرخًا لأنه حينئذ كالمني إذ هو أصل حيوان طاهر، وخرج بحيوان ما صار رمادًا أو ملحًا مثلا فلا يطهر.   1 رواه أبو داود في الأضاحي باب 23، وابن ماجه في الصيد باب8، والدارمي في الصيد باب 9، وأحمد في المسند "5/ 218". 2 رواه مسلم في الحيض حديث 105، وأبو داود في اللباس باب 38، والترمذي في اللباس باب 7، والنسائي في الفرع باب 4، والدارمي في الأضاحي باب 20، ومالك في الصيد حديث 17، وأحمد في المسند "1/ 219، 227، 262، 270، 327، 343، 365، 366، 372". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فصل: "في إزالة النجاسة" إذا تنجس شيء بملاقاة كلب أو فرعه مع الرطوبة غسل سبعًا مع مزج إحداهن بالتراب الطهور، والأفضل أن يكون في الأولى، ثم في غير الأخيرة، والخنزير كالكلب، وما تنجس ببول صبي لم يطعم إلا اللبن ينضح بالماء وما تنجس بغير ذلك، فإن كانت   فصل: في إزالة النجاسة "إذا تنجس شيء" جامد ولو نفيسًا يفسده التراب "بملاقاة" شيء من "كلب أو فرعه" ولو لعابه "مع الرطوبة" في إحداهما "غسل سبعًا مع مزج إحداهن" سواء الأولى والأخيرة وغيرهما "بالتراب الطهور" لخبر: "طهور إناء إحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات إحداهن بالبطحاء" 1 وفي رواية: "أولاهن" 2, وهي لبيان الأفضل كما يأتي. وفي أخرى: "السابعة"3 وهي لبيان أقل الإجزاء. وفي أخرى: "الثامنة"4 أي بأن يصاحب السابعة، وإنما يعتبر السبع بعد زوال العين فمزيلها وإن تعدد واحدة ويكتفي بها وإن تعدد الولوغ أو كانت معه نجاسة آخرى وغمسه في ماء كثير مع تحريكه سبعًا أو مرور سبع جرات عليه كغسله سبعًا، والواجب من التراب ما يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل كماء كدر ظهر أثره فيه، ولا يجب المزج قبل الوضع بل يكفي سبق التراب ولو مع رطوبة المحل لأن الطهور الوارد باق على طهوريته، ولا يجب التراب في تطهير أرض ترابية إذ لا معنى لتتريب التراب وخرج به نحو صابون وسحاقة خزف وبالطهور مختلط بنحو دقيق وإن قل ومستعمل للنص على التراب المنصرف للطهور وغيره لا يقوم مقامه. "والأفضل أن يكون" التراب "في الأولى ثم في غير الأخيرة" لعدم احتياجه حينئذ إلى تتريب ما يصيبه بعد التي فيها التراب. "والخنزير كالكلب" فيما ذكر قياسًا عليه بل أولى. "وما تنجس ببول صبي لم يطعم" بفتح أوله أي لم يتناول قبل الحولين "إلا اللبن" أو غيره للتحنيك أو للتداوي أو التبرك "ينضح" أي يرش "بالماء" حتى يعم موضعه ويغلب عليه وإن لم يغسل للاتباع فخرج غير البول وبول الأنثى   1 لفظ "البطحاء" رواه من حديث عليّ الدارقطني في سننه "كتاب الطهارة، حديث رقم 189" ولفظه: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالبطحاء". 2 هذه الرواية عند مسلم في الطهارة "حديث 91 " من حديث أبي هريرة، ورواها أيضًا أبو داود في الطهارة باب 37 "حديث 71". 3 هذه الرواية لأبي داود في الطهارة باب 37 "حديث رقم 73" من حديث أبي هريرة. 4 هذه الرواية لمسلم في الطهارة "حديث رقم 93" من حديث ابن المغفل، ولفظه في آخره: " ... وعفروه الثامنة بالتراب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 عينية وجبت إزالة عينه وطعمه ولونه وريحه، ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله ويضر بقاؤهما أو الطعم وحده، وإن لم يكن للنجاسة عين كفي جري الماء عليها، ويشترط ورود الماء القليل، والغسالة القليلة طاهرة ما لم تتغير وقد طهر المحل.   والخنثى وأكله أو شربه للتغذي ورضاعه بعد حولين فلا يكفي نضحه بل لا بد من غسله وهو تعميم المحل مع السيلان لخبر: "يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية" 1، ولأن الابتلاء بحمل الذكر أكثر والخنثى يحتمل كونه أنثى. "وما تنجس بغير ذلك" من سائر النجاسات السابقة وغيرها "فإن كانت" نجاسة "عينية" وهي التي تدرك بإحدى الحواس "وجبت إزالة عينه و" لا تحصل إلا بإزالة "طعمه ولونه وريحه" ويجب نحو صابون وذلك إن توقفت الإزالة عليه، "ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله" كلون الصبغ بأن صفت غسالته ولم يبق إلا أثر محض وكريح الخمر للمشقة. "ويضر بقاؤهما" بمحل واحد وإن عسر زوالهما. "أو" بقاء "الطعم وحده" لسهولة إزالته وعسرها نادر ويعرف بقاؤه فيما إذا دميت لثته أو غلب على ظنه زواله فيجوز له ذوق المحل استظهارًا. "وإن لم يكن للنجاسة عين" كبول جف ولم يدرك له طعم ولا لون ولا ريح "كفى جري الماء عليها" مرة من غير اشتراط نية وفيما مر لأنها من باب التروك "ويشترط ورود الماء القليل" على المحل لقوته وإلا تنجس بخلاف الكثير. "والغسالة القليلة" المنفصلة "طاهرة" غير مطهرة "ما لم تتغير" بطعم أو لون أو ريح ولم يزد وزنها باعتبار ما يأخذه الثوب من الماء ويعطيه من الوسخ الطاهر "وقد طهر المحل" بخلاف ما إذا تغيرت أو زاد وزنها أو لم يطهر المحل فهي نجسة كالمحل؛ لأن البلل الباقي فيه بعضها والماء القليل لا يتبعض طهارة ونجاسة ولا نظر لانتقال النجاسة إليه لأن الماء قهرها فأعدمها فعلم أنها كالمحل مطلقًا فحيث حكم بطهارته حكم بطهارتها وحيث لا فلا، فلو وضع ثوبًا في إجانة2 وفيه دم معفو عنه وصب الماء عليه تنجس بملاقاته لأن دم نحو البراغيث لا يزول بالصب فلا بد بعد زواله من صب ماء طهور وهذا مما يغفل عنه أكثر الناس، وتجب المبالغة في الغرغرة عند غسل فمه المتنجس ويحرم ابتلاع نحو طعام قبل ذلك.   1 رواه أبو داود في الطهارة باب 135، والترمذي في الجمعة باب 78، والنسائي في الطهارة باب 189، وابن ماجه في الطهارة باب 77. 2 الإجانة: إناء تغسل فيه الثياب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 باب التيمم مدخل ... باب: التيمم يتيمم المحدث والجنب لفقد الماء والبرد، والمرض، فإن تيقن فقد الماء تيمم بلا طلب، وإن توهم الماء أو ظنه أو شك فيه فتش في منزله وعند رفقته، وتردد قدر حد الغوث، وقدره بعضهم بغلوة سهم، فإن لم يجد ماء تيمم، وإن تيقن وجود الماء وجب طلبه في حد القرب -وهو ستة آلاف خطوة- فإن كان فوق حد القرب تيمم، والأفضل تأخير الصلاة إن تيقن وصول الماء آخر الوقت، ولا يجب طلبه في حد الغوث وحد   باب: التيمم هو لغة: القصد، وشرعًا: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط تأتي، وفرض سنة أربع أو ست، وهو من خصائصنا. "يتيمم المحدث والجنب" ومأمور بطهر مسنون من وضوء أو غسل "لفقد الماء والبرد والمرض" هذه أسبابه من حيث الجملة، وأما تفصيلها "فإن تيقن" المسافر أو غيره "فقد الماء تيمم بلا طلب" لأنه حينئذ عبق "وإن توهم الماء أو ظنه أو شك فيه" وجب عليه طلبه لكن لا يصح إلا بعد تيقن دخول الوقت، نعم يصح تقديم الأذان عليه وإنما يحصل إن "فتش" عليه بنفسه أو مأذونه الثقة ولو عبدًا أو امرأة وإن كان واحدًا عن جمع "وفي منزله وعند رفقته" المنسوبين إليه إن جوز بذلهم ولو بأن ينادي فيهم: من عنده ماء يجود به ولو بالثمن "وتردد" يمينًا وشمالًا وأمامًا وخلفًا "قدر حد الغوث" وجوبًا وهو ما يلحقه فيه غوث الرفقة مع ما هم عليه من التشاغل والتفاوض في الأقوال "وقدره بعضهم" كالرافعي1 "بغلوة سهم" أي غاية رميه ومراده تقريب ما مر، وليس المراد بذلك أنه يدور الحد المذكور لما فيه من عظيم الضرر والمشقة بل أن يصعد مرتفعًا بقربه، ثم ينظر حواليه إن كان بغير مستو وإلا نظر في الجهات الأربع قدر الحد المذكور، ويخص مواضع الخضرة والطير بمزيد نظر "فإن" تردد و"لم يجد ماء تيمم وإن تيقن وجود الماء وجب طلبه في حد القرب" وهو ما يقصده النازلون لنحو احتطاب واحتشاش، قال محمد بن يحيى2: ولعله يقرب من نصف فرسخ "وهو" نحو "ستة آلاف خطوة" إذ الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف خطوة فنصفه ما ذكر "فإن كان" الماء "فوق حد القرب تيمم" ولم يجب قصده للمشقة "والأفضل تأخير الصلاة إن تيقن وصول الماء" يعني وجوده أو القدرة على القيام أو ساتر العورة أو الجماعة "آخر الوقت" أي قبل أن يبقى منه ما يسع تلك الصلاة بالوضوء ومقدماتها لفضيلة الصلاة   1 هو أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني الشافعي، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، مؤرخ، ولد سنة 555هـ، وتوفي سنة 632هـ "معجم المؤلفين: 2/ 210". 2 هو محمد بن يحيى بن منصور النيسابوري الشافعي. فقيه، ولد بطريثيث من خراسان سنة 476هـ، وتفقه على الغزالي وغيره، وقتل بنيسابور على يد الغز سنة 548هـ. من تصانيفه الكثيرة: المحيط في شرح الوسيط، والإنصاف في مسائل الخلاف، والأربعون هو عن أربعين صحابيًّا في أربعين بابًا "معجم المؤلفين: 3/ 771". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 القرب إلا إذا أمن نفسًا ومالًا وانقطاعًا عن الرفقة، وخروج الوقت، فإن وجد ماء لا يكفيه وجب استعماله ثم يتيمم، ويجب شراؤه بثمن مثله إن لم يحتج إليه لدين مستغرق، أو   بالوضوء والقيام والسترة والجماعة عليها بضد ذلك، وسواء في الأولى منزله وغيره على الأوجه خلافًا للماوردي1، ولو كان إذا قدم التيمم صلى في جماعة، وإذا أخر صلى بالوضوء منفردًا فالتقديم أفضل، ولو صلى بالتيمم أوله وبالوضوء آخره فهو الأكمل، أما إذا لم يتيقن ذلك فالتقديم أفضل. "ولا يجب طلبه" أي الماء "في حد الغوث وحد القرب" السابقين "إلا إذا أمن نفسًا" محترمة وجميع أجزائها "ومالًا" له أو لغيره وإن قل ما لم يكن قدرًا يجب بذله في تحصيل الماء ثمنًا أو أجرة في مسألة التيقن فلا يعتبر الأمن عليه لأنه ذاهب على كل تقدير، ومثله الاختصاص وإن كثر بخلافه في غير صورة التيقن فإن يعتبر الأمن على المال والاختصاص مطلقًا. "و" أمن "انقطاعًا عن الرفقة" وإن لم يستوحش وفارق الجمعة بأنها لا بدل لها "و" أمن "خروج الوقت" فلو خاف فواته لو قصده من أوله أو من حين نزوله جاز له التيمم بخلاف ما لو وجده وخاف فوت الوقت لو توضأ أو غسل النجاسة به؛ لأنه غير فاقد، وبخلاف المقيم فإنه لا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء. "فإن وجد" المحدث أو الجنب "ماء" صالحًا للغسل "لا يكفيه" لطهره "وجب" عليه "استعماله" إذ الميسور لا يسقط بالمعسور وللخبر الصحيح: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" 2، "ثم" بعد استعماله في بعض أعضاء الجنب أي بعض شاء وفي وجه المحدث وما يليه "يتيمم" عن الباقي، ولا يجوز له تقديم التيمم على استعماله لأنه معه ماء طاهرًا بيقين، أما ما لا يصلح إلا للمسح كثلج أو برد أو ماء لا يمكن أن يسيل لقلته لم يؤمر المحدث باستعماله في مسح الرأس لفقد الترتيب، ويجب أيضًا استعمال تراب ناقص، "ويجب" بعد دخول الوقت لا قبله "شراؤه" أي الماء ولو ناقضًا للطهارة واستئجار نحو دلو يحتاج إليه "بثمن" أو أجرة "مثله" في ذلك المكان والزمان، فلو طلب مالكه زيادة فلسٍ لم يجب لكنه أفضل، ومحل ذلك حيث لم ينته الأمر إلى شراء الماء لسد الرمق وإلا لم يجب لأن الشربة حينئذ قد تساوي دنانير، نعم إن بذل منه ذلك نسيئة بزيادة لائقة بمثل تلك النسيئة عرفًا وكان موسرًا بمال غائب إلى أجل يبلغه موضع ماله ولو غير وطنه لزمه القبول إذ لا ضرر عليه فيه وإنما يجب الشراء أو الاستئجار بعوض المثل "إن لم يحتج إليه لدين مستغرق" ولو   1 هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي. فقيه، أصولي، مفسر، أديب، ولد سنة 364هـ، وتوفي سنة 450هـ، من تصانيفه: الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي، تفسير القرآن الكريم، أدب الدين والدنيا، الأحكام السلطانية، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 499". 3 رواه البخاري في الاعتصام باب 6، ومسلم في الفضائل حديث 130 والحج حديث 412، والنسائي في الحج باب 1، وابن ماجه في المقدمة باب 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 مئونة سفره، أو نفقة حيوان محترم ولو في المستقبل، ويجب طلب هبة الماء واستعارة دلو دون اتهاب ثمنه، ولو كان معه ماء يحتاج إليه لعطش حيوان محترم ولو في المستقبل وجب التيمم، ولا يتيمم للمرض إلا إذا خاف من استعمال الماء على نفس أو منفعة عضو أو طول المرض أو حدوث شين قبيح في عضو ظاهر، ولا يتيمم للبرد إلا إذا لم تنفع   مؤجلا ومستغرق صفة كاشفة إذ من لازم الحجة للدين أو يكون مستغرقًا "أو مئونة سفره" المباح ذهابًا وإيابًا "أو نفقة حيوان محترم ولو في المستقبل" ممن تلزم نفقته وإن لم يكن معه ومن رقيقه وحيوان معه ولو لغيره إن عدم نفقته، والمراد بالنفقة المئونة لتشمل حتى الملبوس والأثاث الذي لا بد منه وأجرة التداوي والمركوب، وكذا المسكن والخدام المحتاج إليهما لأن هذه الأشياء لا بدل لها بخلاف الماء، وخرج بالمحترم وهو ما حرم قتله نحو المرتد والحربي والزاني المحصن وتارك الصلاة بشرطه والخنزير والكلب العقور لا الذي لا منفعة فيه ولا ضرر بل هو محترم. "ويجب طلب هبة الماء" وقرضه وقبولهما لغلبة المسامحة فيه فالمنة فيه حقيرة "واستعارة" نحو "دلو" ورشاء1 مما يتوقف عليه القدرة على الماء أي طلب عاريته وقبولها وإن زادت قيمته على ثمن مثل الماء إذ لا تعظم المنة فيها والأصل عدم تلف المستعار، ولو امتنع من سؤال ذلك أو قبوله لم يصح تيممه ما دام قادرًا عليه "دون اتهاب ثمنه" أي الماء أو أجرة اتهاب نحو الدلو أو اقتراضه لعظم المنة في ذلك ولو من نحو أب أو ابن وإن كان قابل المقترض موسرًا بمال غائب وسائر العورة كالدلو فيما ذكر ولو لم يجد إلا ما يكفيه للماء أو الستر قدمه وإن لم يستر سوى السوءتين لدوام نفعه، ومن ثم وجب على السيد أن يشتريه لمملوكه دون ماء طهارته في السفر "ولو كان معه ماء يحتاج إليه لعطش حيوان محترم" من نفسه أو غيره ولو من أهل قافلته وإن كبرت ولم تنسب إليه. "ولو" كان "في المستقبل" وإن ظن وجود الماء "وجب التيمم" وحرم الطهارة بالماء دفعًا للضرر الناجز2 أو المتوقع وضبطه كضبط المرض الآتي ولا يكلف الطهر به ثم شربه لأن النفس تعافه بخلاف دابته بل لو كان معه نجس وطاهر سقاها النجس وتطهر بالطاهر، ولا يجوز ادخار الماء لطبخ وبل كعك قدبر على أكله يابسًا على المنقول فيهما وكالاحتياج للماء لذلك الاحتياج لبيعه لطعم المحترم أو لنحو دين عليه أو لغسل نجاسة، ولو جد العاصي بسفره ماء فاحتاج إليه للعطش لم يجز له التيمم اتفاقًا, وكذلك لو كان به قروح وخاف من استعماله لأنه قادر على التوبة وواجد للماء، "ولا يتيمم للمرض" أي لأجله حاصلا كان أو متوقعًا "إلا إذا خاف من استعمال الماء على نفس" أو عضو "أو منفعة عضو" أن يتلف "أو" خاف "طول" مدة "المرض"   1 الرشاء: الحبل، أو حبل الدلو ونحوها. 2 أي المحقق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 تدفئة أعضائه، ولم يجد ما يسخن به الماء، وخاف على منفعة عضو أو حدوث الشين المذكور، وإن خاف من استعمال الماء في بعض بدنه غسل الصحيح، وتيمم عن الجريح في الوجه واليدين، فإن كان جنبًا قدم ما شاء، وإن كان محدثًا تيمم عن الجريح وقت غسل العليل، ثم إن كان عليه جبيرة نزعها وجوبًا، فإن خاف من نزعها غسل الصحيح ومسح عليها، وتيمم عما تحتها في الوجه واليدين، ويجب عليه القضاء إذا وضع الجبيرة على غير طهر، أو كانت في الوجه واليدين، ويقضي إذا تيمم للبرد أو تيمم لفقد الماء في الحضر، والمسافر العاصي بسفره.   وإن لم يزد أو زيادته وإن لم يبطئ "أو" خاف "حدوث شين1 قبيح" أي فاحش كتغير لون ونحول واستحشاف2 وثغرة3 تبقى ولحمة تزيد لإطلاق المرض في الآية وضرر نحو الشين المذكور وما قبله فوق ضرر الزيادة اليسيرة على ثمن مثل الماء وإنما يؤثر إن كان "في عضو ظاهر" وهو ما لا يعد كشفه هتكًا للمروءة بأن يبدو في المهنة غالبًا والباطن بخلافه، واحترز بفاحش عن اليسير ولو على عضو ظاهر كأثر جدري وسواد قليل، وعن الفاحش بعضو باطن فلا أثر لخوف ذلك إذ ليس فيهما كثير ضرر، ولا نظر لكون المتطهر قد يكون رقيقًا فتنقص قيمته بذلك نقصًا فاحشًا لأن ذلك متوهم غير متحقق، ويعتمد في خوف ما ذكر قول عدل رواية أو نفسه إن عرف، وكذا لو لم يعرف ولا أخبره من ذكر وخاف ما مر لكنه يعيد إذا برأ. "ولا يتيمم للبرد" أي لأجله "إلا إذا لم تنفع تدفئة أعضائه" للضرر "ولم يجد ما يسخن به الماء" من إناء وحطب ونار "وخاف على منفعة عضو" له "أو حدوث الشين المذكور" للضرر حينئذ، أما إذا نفعته التدفئة أو جد ما يسخن به أو لم يخف ما ذكر فإنه لا يتيمم إذ لا ضرر حينئذ. والحاصل أنه حيث خاف محذور البرد أو مرض حاصل أو متوقع جاز له التيمم وحيث فلا فلا. "وإن خاف من استعمال الماء" لنحو جرح "في بعض بدنه غسل الصحيح" ثم يتلطف بوضع خرقة مبلولة بقرب العليل فإن تعذر أمسه ماء بلا إفاضة "وتيمم عن الجريح" تيممًا كاملا بأن يكون "في الوجه واليدين" وإن كان الجرح في غيرهما لئلا يخلو العضو عن طهارة، ويجب أن يمر التراب عليه إن كان بمحل التيمم ولا يجب مسحه بالماء وإن لم يضره لأن واجبه الغسل، فلو تعذر فلا فائدة في المسح عليه ولا ترتيب بين التيمم وغسل الصحيح لكن يجب أن يكون وقت غسل الصحيح. "فإن كان جنبًا" يعني محدثًا حدثًا أكبر "قدم ما شاء" منهما إذ لا ترتيب عليه. "وإن كان محدثًا" حدثًا أصغر "تيمم عن الجريح وقت غسل" العضو "العليل" ولم ينتقل عن كل عضو حتى يكمله غسلًا ومسحًا وتيممًا عملًا بقضية الترتيب، فإن كانت العلة بيده وجب تقديم التيمم والمسح على مسح الرأس وتأخيرهما عن غسل الوجه وله تقديمهما إلى غسل الصحيح وهو الأولى ليزيل الماء أثر التراب وتأخيرهما عنه وتوسيطه   1 أي عيب. 2 الاستحشاف: اليبوسة والتقبض، يقال: استحشف الأنف: يبس غضروفه فعدم الحركة الطبيعية "المعجم الوسيط: ص176". 3 الثغرة: الثلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فصل: "في شروط التيمم" شروط التيمم عشرة: أن يكون بتراب، وأن يكون طاهرًا، وأن لا يكون مستعملا،   بينهما، إذ العضو الواحد لا ترتيب فيه أو بوجهه ويده فتيممان، فإن عمت أعضاءه الأربعة فتيمم واحد، فإن بقي من الرأس شيء وجب ثلاث تيممات، ولا فرق في التيمم وغسل الصحيح المذكورين بين أن يكون بالجرح جبيرة أو لا. "ثم إن كان عليه جبيرة" وهي ألوح تهيأ للكسر والانخلاع تجعل على محله والمراد بها هنا الساتر لتشمل نحو اللصوق وعصابة نحو الفصد "نزعها" وغسل ما تحتها من الصحيح "وجوبًا فإن خاف من نزعها" محذورًا مما مر "غسل الصحيح" حتى ما تحت أطرافها إن أمكن ويتلطف كما مر "ومسح عليها" جميعها بماء إلى أن تبرأ بدلًا عما تحتها من الصحيح لا بتراب لأنه ضعيف فلا يؤثر من فوق حائل والماء يؤثر من ورائه في نحو مسح الخف، ولو ترشح الساتر بنحو دم امتنع المسح عليه حتى يجعل عليه ساترًا آخر لا ينفذ إليه الرشح "وتيمم عما تحتها" من الجريح تيممًا كاملًا "في الوجه واليدين ويجب عليه القضاء إذا وضع الجبيرة" أي الساتر "على غير طهر" وتعذر نزعه لفوات شرط الستر من الوضع على طهر كالخف "أو كانت في الوجه واليدين" وإن وضعت على طهر لنقص البدل والمبدل "ويقضي" وجوبًا أيضًا "إذا تيمم" في الحضر أو السفر "للبرد" لندرة فقد ما يسخن به أو يتدثر به "أو" إذا "تيمم لفقد الماء" وقد ندر فقده في محل التيمم وإن غلب في محل الصلاة بخلاف ما إذا غلب فقده أو استوى الأمران مسافرًا كان أو مقيمًا، إذ العبرة بندرة الفقد وعدمها لا بالسفر والإقامة، فقول المصنف كغيره "في الحضر" جرى على الغالب من ندرة الفقد في السفر وعدمها في الحضر. "و" يقضي المتيمم "المسافر العاصي بسفره" كآبق وناشزة لأن إسقاط القضاء من المتيمم بسبب السفر الذي لا يندر فيه فقد الماء رخصة فلا تناط بسفر المعصية بخلاف العاصي بإقامته. فصل: في شروط التيمم "شروط التيمم" أي ما لا بد منه فيه "عشرة" بل أكثر. الأول: "أن يكون بتراب" على أي لون كان كالمدر1والسبخ2 وغيرهما حتى ما يداوى به وغبار رمل خشن لا ناعم ومشوي   1 المدر: الطين اللزج المتماسك. 2 السبخ: المكان يظهر فيه الملح وتسوخ فيه الأقدام "المعجم الوسيط: ص 413". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وأن لا يخالطه دقيق ونحوه وأن يقصده فلو سفته الريح فردده لم يكفه، وأن يمسح وجهه ويديه بضربتين، وأن يزيل النجاسة أولا، وأن يجتهد في القبلة قبله، وأن يقع بعد دخول الوقت، وأن يتيمم لكل فرض عيني.   بقي اسمه. "و" الثاني: "أن يكون طاهرًا" قال الله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} ، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: ترابًا طاهرًا. "و" الثالث "أن لا يكون مستعملا" كالماء بل أولى وهو ما بقي بمحل التيمم أو تناثر بعد مسه العضو وإن لم يعرض عنه. "و" الرابع: "أن لا يخالطه دقيق ونحوه" وإن قل الخليط لأنه يمنع وصول التراب للعضو. "و" الخامس: "أن يقصده" أي التراب بأن ينقله إلى العضو الممسوح ولو بفعل غيره بإذنه أو يتمعك1 بوجهه أو يديه في الأرض لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ، أي اقصدوه. "فلو" انتفى النقل كأن "سفته"2 أي التراب "الريح عليه" عند وقوفه فيها ولو بقصد ذلك على عضو تيممه "فردده" عليه ونوى "لم يكفه" ذلك لانتفاء القصد بانتفاء المحقق له لأنه لم يقصد التراب وإنما التراب أتاه. "و" السادس: "أن يمسح وجهه ويديه بضربتين" وإن أمكن بضربة بخرقة3 لخبر أبي داود والحاكم وإن كان فيهما مقال. "و" السابع: "أن يزيل النجاسة أولا" فلو تيمم قبل إزالتها لم يجز على المعتمد سواء نجاسة محل النحو وغيرها لأنه للإباحة ولا إباحة مع المانع فأشبه التيمم قبل الوقت بخلاف ما لو تيمم عاريًا وعنده سترة لأن ستر العورة أخف من إزالة الخبث ولهذا لا إعادة على العاري بخلاف ذي الخبث. "و" الثامن "أن يجتهد في القبلة قبله" فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الأوجه ويفارق ستر العورة بما مر، وإما صح طهر المستحاضة قبله مع أنه للإباحة لأنه أقوى إذ الماء يرفع الحدث أصالة بخلاف التراب. "و" التاسع: "أن يقع" التيمم للصلاة التي يريد فعلها "بعد دخول الوقت" الذي يصح فعلها فيه لأنه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبله فيتيمم للنافلة المطلقة فيما عدا وقت الكراهة وللصلاة على الميت بعد طهره وللاستسقاء بعد تجمع الناس وللفائتة بعد تذكرها. "و" العاشر: "أن يتيمم لكل فرض عيني" لأن التيمم طهارة ضرورة فيقدر بقدرها، نعم يجوز تمكين الحليل مرارًا وجمعه مع فرض بتيمم واحد للمشقة وله فعل الجنائز وإن كثرت مع فرض عيني لشبهها بالنافلة في جواز الترك وتعينها بانفراد المكلف عارض.   1 تمعك: تمرغ في التراب وتقلب فيه. 2 سفته: ذرته أو حملته. 3 للحديث الذي رواه أبو داود في الطهارة باب 125 "حديث 336" عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: "قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال؛ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فصل: "في أركان التيمم" فروض التيمم خمسة: الأول: النقل. الثاني: نية الاستباحة، ويجب قرنها بالضرب واستدامتها إلى مسح وجهه فإن نوى بتيممه استباحة الفرض صلى الفرض والنفل، أو استباحة النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة لم يصل به الفرض. الثالث: مسح وجهه. الرابع: مسح يديه إلى المرفقين. الخامس: الترتيب بين المسحين. وسننه: التسمية وتقديم اليمنى، ومسح أعلى وجهه، وتخفيف الغبار، والموالاة، وتفريق الأصابع عند الضرب ونزع الخاتم، ويجب نزعه في الضربة الثانية، ومن سننه إمرار اليد على العضو، ومسح العضد وعدم التكرار والاستقبال والشهادتان بعده، ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى الفرض وحده وأعاد بالماء.   فصل: في أركان التيمم "فروض التيمم" أي أركانه "خمسة: الأول النقل" للتراب إلى العضو كما مر بدليله "الثاني: نية الاستباحة" لم يتوقف على التيمم كمس المصحف وتمكين الحليل1 في حق نحو الحائض "ويجب قرنها بالضرب" يعني النقل أول الأركان "واستدامتها إلى مسح" شيء من "وجهه" فلو أحدث مع النقل أو بعده قبل المسح أو عزبت بينهما بطل النقل وعليه إعادته لأنه أول الأركان لكنه غير مقصود فاشترط استدامتها إلى المقصود. "فإن نوى بتيممه استباحة الفرض صلى الفرض والنفل" وإن لم يستبحه لأن استباحة الأعلى تبيح الأدنى ولا عكس "أو استباحة النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة لم يصل به الفرض" إذ هو أصل فلا يجعل تابعًا للنفل ولا لمطلق الصلاة إذ الأحوط بتنزيلها على النفل ولا لصلاة الجنازة لما مر أنها تشبه النفل أو استباحة ما عدا الصلاة كمس المصحف لم يستبحها فالمراتب ثلاث أعلاها الأولى ثم الثانية بأقسامها. "الثالث: مسح" ظاهر "وجهه" كما مر في الوضوء للآية2 إلا أنه هنا لا يجب إيصال التراب إلى باطن الشعر وإن خف ومما يغفل عنه المقبل من أنفه على شفته. "الرابع: مسح يديه إلى المرفقين" للآية كالوضوء. "الخامس: الترتيب بين المسحين" لا النقلتين بأن يقدم ولو جنبًا مسح الوجه ثم اليدين كالوضوء. "وسننه" أي التيمم "التسمية" أوله ولو لنحو جنب. "وتقديم اليمنى" على اليسرى "و" تقديم "مسح أعلى وجهه" على أسفله كالوضوء في جميع ذلك "وتخفيف الغبار" من كفه الماسحة إن كثر لئلا يتشوه خلقه "والموالاة" فيه بتقدير   1 الحليل: الزوج. 2 الآية 6 من سورة المائدة: { ... وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فصل: "في الحيض والاستحاضة والنفاس" وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليها، وغالبه ست أو سبع،   التراب ماء كالوضوء "وتفريق الأصابع عند الضرب" لأنه أبلغ في إثارة الغبار "ونزع الخاتم" في الضربة الأولى ليكون مسح الوجه بجميع اليد، "ويجب نزعه" أي الخاتم "في الضربة الثانية" عند المسح ليصل الغبار إلى محله ولا يكفي تحريكه لأنه لا يوصله إلى ما تحته بخلافه في الماء. "ومن سننه إمرار اليد على العضو" كالدلك في الوضوء، "ومسح العضو" كالوضوء أيضًا "وعدم التكرار" للمسح لأن المطلوب فيه تخفيف الغبار. "والاستقبال والشهادتان بعده" كالوضوء فيهما. "ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى" وجوبًا "الفرض وحده" لحرمة الوقت وهي صلاة صحيحة فيبطلها ما يبطل غيرها بخلاف النفل إذ لا ضرورة إليه، "وأعاد بالماء" مطلقًا وبالتراب إن وجده بمحل يسقط به الفرض وإلا فلا فائدة في الإعادة به، ويجوز له فعل الجمعة بل يجب وإن وجب عليه قضاء الظهر. فصل: في الحيض والاستحاضة والنفاس الحيض لغة: السيلان. وشرعًا: دم جبلة1 يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات الصحة. "وأقل" زمن "الحيض" تقطع الدم أو اتصل "يوم وليلة" أي قدرهما متصلًا وهو أربع وعشرون ساعة فما نقص عن ذلك فليس بحيض بخلاف ما بلغه عن الاتصال أو التفريق فإنه حيض وإن كان ماء أصفر أو كدرًا ليس على لون الدم لأنه أذى فشملته الآية2. "وأكثره" زمنًا "خمسة عشر يومًا بلياليها" وإن لم يتصل "وغالبه ست أو سبع" كل ذلك باستقراء الإمام الشافعي رضي الله عنه ومن وافقه إذ لا ضابط له لغة ولا شرعًا فرجع إلى المتعارف بالاستقراء، "ووقته" أي أقل سنة يتصور أن ترى الأنثى فيه حيضًا "بعد تسع سنين" قمرية ولو بالبلاد الباردة تقريبًا حتى إذا رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يومًا كان حيضًا أو بأكثر كان دم فساد ولا آخر لسنه فما دامت حية فهو ممكن في حقها. "وأقل طهر" فاصل "بين الحيضتين خمسة عشر يومًا بلياليها" بالاستقراء أيضًا، وخرج بالحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه   1 الجُبْلَة والجِبِلَّة: الخلقة والطبيعة "المعجم الوسيط، ص106". 2 وهي قوله تعالى في الآية 222 من سورة البقرة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ووقته بعد تسع سنين، وأقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يومًا بلياليها، ويحرم ما يحرم بالجنابة، ومرور المسجد إن خافت تلويثه، والصوم، والطلاق فيه، والاستمتاع بما بين السرة والركبة، ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة.   يكون دون ذلك، فلو رأت حامل الدم ثم طهرت يومًا مثلا ثم ولدت فالدم بعد الولادة نفاس وقبلها حيض، ولو رأت النفاس ستين ثم طهرت يومًا مثلا ثم رأت الدم حيضًا على المعتمد. "ويحرم به" أي الحيض "ما يحرم بالجنابة" مما مر وزيادة على ذلك منها الطهارة بنية التعبد إلا في نحو أغسال الحج. "و" منها "مرور المسجد إن خافت تلويثه" صيانة له ومثلها كل ذي جراحة نضاحة فإن أمنته كره لها لغلظ حدثها وبه فارق ما مر في الجنب. "و" منها "الصوم" إجماعًا. "و" منها "الطلاق فيه" وإن لم تبذل له في مقابلته مالا لتضررها بطول مدة التبرص إذ ما بقي منه لا يحسب من العدة، ومن ثم لو كانت حاملا وكانت عدتها تنقضي بالحمل بأن يكون لاحقًا بالمطلق ولو احتمالا لم يحرم "والاستمتاع بما بين السرة والركبة" سواء بالوطء ومع حائل وهو كبيرة يكفر مستحله وغيره1 لا مع حائل لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، وصح أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يحل من الحائض قال: "ما فوق الإزار" 2، وخص بمفهومه عموم خبر مسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" 3، ولم يعكس عملا بالأحوط لخبر: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" 4، وشمل تعبيره بالاستمتاع تبعًا للروضة5 وغيرها النظر والمس بشهوة لا بغيرها، لكن عبر في التحقيق6 وغيره بالمباشرة الشاملة للمس ولو بلا شهوة دون النظر ولو بشهوة، والأوجه ما أفاده كلام المصنف وغيره من أن التحريم منوط بالتمتع، وبحث الإسنوي أن تمتعها بما بين سرته وركبته كعكسه فيحرم واعترضه كثيرون بما فيه نظر، والذي يتجه أن له أن يلمس يدها بذكره لأنها تمتع بما فوق السرة والركبة، بخلاف ما إذا لمسته هي لتمتعها بما بين سرته وركبته فيحرم على كل تمكين الآخر مما يحرم عليه، وخرج بما بين السرة والركبة ما عداه ومنه السرة والركبة ويستمر تحريم ذلك عليهما إلى أن ينقطع وتغتسل أو تتيمم بشرطه، نعم الصوم   1 أي الوطء. 2 رواه أبو داود في الطهارة باب 82 "حديث رقم 212" من حديث حزام بن حكيم عن عمه، ورقم "213" من حديث معاذ بن جبل. 3 رواه مسلم في الحيض "حديث 16" وأبو داود في الطهارة باب 102 "حديث 258" من حديث أنس بن مالك. 4 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 159، 7/ 275". 5 هو كتاب "روضة الطالبين وعمدة المتقين" في الفروع للإمام النووي سنة 676هـ، وعليه مختصرات وشروح كثيرة، انظر كشف الظنون "ص929، 930". 6 للإمام النووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فصل: "في المستحاضة والمستحاضة تغسل فرجها ثم تحشوه، إلا إذا أحرقها الدم، أو كانت صائمة، فإن لم يكفها تعصب بخرقة ثم تتوضأ، أو تتيمم في الوقت، وتبادر بالصلاة، وإن أخرت لغير مصلحة الصلاة استأنفت، وتجب الطهارة، وتجديد التعصيب لكل فرض، وسلس البول   والطلاق يحلان بمجرد الانقطاع "ويجب عليها" أي الحائض "قضاء الصوم" بأمر جديد "دون الصلاة" إجماعًا فيهما للمشقة في قضائها لتكررها دون قضائه. فصل: في المستحاضة والاستحاضة دم علة يخرج من عرق فمه في أدنى الرحم, وقيل هو المتصلة بدم الحيض خاصة وغيره دم فساد والخلاف لفظي. "والمستحاضة" يجب عليها أمور منها "تغسل فرجها" عما فيه من النجاسة "ثم تحشوه" بنحو قطنة "إلا إذا" تأذت به كأن "أحرقها الدم" فحينئذ لا يلزمها "أو كانت صائمة" فحينئذ يلزمها ترك الحشو والاقتصار على الشد نهارًا رعاية لمصلحة الصوم، وإنما روعيت مصلحة الصلاة فيمن ابتلع بعض خيط قبل الفجر وطرفه خارج لأن المحذور هنا لا ينتفي بالكلية فإن الحشو يتنجس وهي حاملته بخلافه ثم "فإن لم يكفها" الحشوة لكثرة الدم وكان يندفع أو يقل بالعصب ولم تتأذ به "تعصب" بعد الحشو "بخرقة" مشقوقة الطرفين بأن تدخلها بين فخذيها وتلصقها بأعلى الفرج إلصاقًا جيدًا ثم تخرج طرفًا لجهة البطن وطرفًا لجهة الظهر وتربطها بنحو خرطقة تشدها بوسطها. "ثم تتوضأ أو تتيمم" عقب ذلك، ومر في الوضوء أنه يجب الموالاة في جميع ذلك وإنما يجوز لها فعل ذلك "في الوقت" لا قبله كالتيمم "وتبادر" وجوبًا عقب الطهر "بالصلاة" تقليلًا للحدث. "فإن أخرت لغير مصلحة الصلاة" كالأكل "استأنفت" جميع ما ذكر وجوبًا، وإن لم تزل العصابة عن محلها ولا ظهر الدم من جانبها لتكرر حدثها مع استغنائها عن احتماله بالمبادرة، أما إذا أخرت لمصلحة الصلاة كإجابة المؤذن والاجتهاد في القبلة وستر العورة وانتظار الجمعة والجماعة وغير ذلك من سائر الكمالات المطلوبة منها لأجل الصلاة فإنه لا يضر مراعاة لمصلحة الصلاة. "وتجب الطهارة وتجديد التعصيب" وغيره مما مر على الوجه السابق وإن لم يزل عن محله نظير ما مر "لكل فرض" عيني أو انتقاض طهر أو تأخير الصلاة عنه كما مر أو خروج دم بتقصير في نحو شد لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لها1   1 هي فاطمة بنت أبي حبيش. والحديث رواه البخاري في الوضوء، باب غسل الدم "حديث رقم 228" عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلى ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وسلس المذي والودي مثلها، وأقل النفاس لحظة، وأكثره ستون يومًا، وغالبه أربعون يومًا، ويحرم به ما يحرم بالحيض.   بالوضوء لكل صلاة، ولها مع الفرض ما شاءت من النوافل "وسلس البول وسلس المذي والودي" ونحوها "مثلها" في جميع ما مر، نعم سلس المني يلزمه الغسل لكل فرض، ولو استمسك الحدث بالجلوس في الصلاة وجب بلا إعادة، ولا يجوز للسلس أن يعلق قارورة يقطر فيها بوله. "وأقل النفاس" وهو الدم الخارج بعد فراغ الرحم "لحظة" يعني لا حد لأقله بل ما وجد منه نفاس وإن قل "وأكثره ستون يومًا وغالبه أربعون يومًا" بالاستقراء، "ويحرم به ما يحرم بالحيض" مما مر قياسًا عليه. تتمة: يجب على النساء أن يتعلمن ما يحتجن إليه من هذا الباب كغيره، فإن كان زوجها عالمًا لزمه تعليمها وإلا فلها الخروج ما لزمها تعلمه عينًا بل يجب ويحرم منعها إلا أن يسأل ويخبرها وهو ثقة وليس لها خروج إلى مجلس ذكر أو علم غير واجب عيني إلا برضاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 باب الصلاة مدخل ... باب: الصلاة تجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل طاهر، فلا قضاء على كافر إلا المرتد، ولا على صبي ولا حائض ونفساء ولا مجنون إلا المرتد، ولا على مغمى عليه إلا السكران المتعدي بسكره، ويجب على الولي والسيد أمر الصبي المميز بها لسبع سنين، وضربه عليها لعشر، وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه أو أسلم الكافر أو طهرت   باب: الصلاة هي لغة: الدعاء. وشرعًا: أقوال وأفعال غالبًا مفتتحة بالتكبير المقترن بالنية مختتمة بالتسليم، وأصلها قبل الإجماع الآيات والأحاديث الشهيرة. "تجب" الصلاة وجوبًا موسعًا إلى أن يبقى من وقتها ما يسعها مع مقدماتها إن احتاج إليها فيجوز تأخيرها إلى ذلك بشرط أن يعزم على الفعل فيه "على كل مسلم" بخلاف الكافر فإنه وإن كان مخاطبًا بها لكن في الآخرة ليترتب عقابها عليه لا في الدنيا لأنا نقره على تركها بنحو الجزية. "بالغ" لا صبي وإن لزم وليه أمره بها "عاقل" لا مجنون "طاهر" لا حائض ونفساء "فلا قضاء على كافر" أصلي أسلم ترغيبًا له في الإسلام "إلا المرتد" فعليه بعد الإسلام قضاء جميع ما فاته تغليظًا عليه "ولا" قضاء "على صبي" لعدم تكليفه وإن صحت منه "ولا حائض ونفساء" لأنهما مكلفان بتركها ومن ثم حرم عليهما قضاؤها وقيل: يكره. "ولا مجنون" لعدم تكليفه "إلا المرتد" فلزمه قضاؤها حتى أيام الجنون تغليظًا عليه. "ولا" قضاء "على" نحو "مغمى عليه" ومعتوه ومبرسم1 لعدم تكليفهم إلا المرتد فإنه يقضي مطلقًا كما علم مما مرّ و"إلا السكران المتعدي بسكره" فيلزمه قضاء الزمن الذي ينتهي إليه الشكر غالبًا دون ما زاد عليه من أيام الجنون ونحوه، وفارق المرتد بأن من جن في ردته مرتد في جنونه حكمًا، ومن جن في سكره ليس بسكران في دوام جنونه قطعًا، وإنما منع نحو الحيض القضاء ولو مع الردة لأن سقوط الصلاة عن الحائض عزيمة لأنها مكلفة بالترك، وعن نحو المجنون رخصة، والمرتد والسكران ليسا من أهلها وكذا لا قضاء باستعجال الحيض بخلاف استعجال الجنون، أما إذا لم يتعد بسكره كما إذا تناول شيئًا لا يعلم أنه مزيل للعقل فلا قضاء عليه كما مر في الإغماء لعذره. "ويجب على الولي" الأب أو الجد ثم الوصي أو القيم "والسيد" والملتقط والمودع والمستعير ونحوهم تعليم المميز أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد بمكة وبعث بها ومات بالمدينة ودفن فيها ثم "أمر" كلٍ من "الصبي المميز" والصبية المميزة "بها" أي بالصلاة بشروطها. "لسبع" أي بعد سبع من السنين وإن ميز قبلها, ولا بد مع صيغة الأمر من التهديد "وضربه" وضربها "عليها لعشر" أي بعد   1 المبرسم: المصاب بعلة البرسام؛ وهي ذات الجنب، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة "المعجم الوسيط: ص49". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الحائض أو النفساء قبل خروج الوقت ولو بتكبيرة التحرم وجب القضاء بشرط بقاء السلامة من الموانع بقدر ما يسع الطهارة والصلاة، ويجب قضاء ما قبلها إن جمعت معها بشرط السلامة من الموانع قدر الفرضين والطهارة، ولو جن أو حاضت أو أغمي عليه أول الوقت وجب القضاء إن مضى قدر الفرض مع الطهر إن لم يمكن تقديمه.   العشر لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر" 1 وحكمة ذلك التمرين على العبادة والتمييز أن يصير بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده ويختلف باختلاف أحوال الصبيان فقد يحصل مع الخمس وقد لا يحصل إلا مع العشر، وعلى من ذكر أيضًا نهيه عن المحرمات حتى الصغائر وتعليمه الواجبات ونحوها وأمره بها كالسواك وحضور الجماعات وسائر الوظائف الدينية، ولا يسقط الأمر والضرب عمن ذكر إلا بالبلوغ مع الرشد، "وإذا" زال المانع السابق كأن "بلغ الصبي" أو الصبية "أو أفاق المجنون أو المغمى عليه أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض أو النفساء قبل خروج الوقت ولو بتكبيرة التحرم" أي بقدر ما يسعها "وجب القضاء" لصلاة ذلك الوقت "بشرط بقاء السلامة من الموانع بقدر ما يسع الطهارة والصلاة" قياسًا على اقتداء المسافر بمتم في جزء من صلاته بجامع لزوم الإتمام ثم ولزوم القضاء هنا. "ويجب" أيضًا "قضاء ما قبلها إن جمعت معها" كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء لأن وقتها وقت لها حالة العذر فحالة الضرورة أولى، بخلاف ما يجمع معها كالعشاء مع الصبح وهي مع الظهر والعصر مع المغرب فلا تلزم وإنما تجب مع قبلية تجمع "بشرط" بقاء "السلامة من الموانع قدر الفرضين والطهارة" بأن يبقى بعد زوال العذر سالمًا من الموانع زمنًا يسع أخف ما يمكن كركعتين للمسافر القاصر، ولا بد أن يسع مع ذلك مؤداة وجبت عليه بخلاف ما لو أدرك ركعة آخر العصر مثلًا، وخلا من الموانع قدر ما يسعها وطهرها فعاد المانع بعد أن أدرك من وقت المغرب ما يسعها فإنه يتعين صرفه للمغرب وما فضل لا يكفي للعصر فلا تلزم هذا إن لم يشرع في العصر قبل الغروب وإلا تعين صرفه العصر لعدم تمكنه حينئذ من المغرب، ولو أدرك ما يسع العصر والمغرب مع الطهارة دون الظهر تعين صرفه للمغرب والعصر، وكذا يقال فيما لو أدرك آخر وقت العشاء، "ولو جن" البالغ "أو حاضت" أو نفست المرأة "أو أغمي عليه أول الوقت" أو أثناءه واستغرق المانع باقيه "وجب القضاء" لصلاة الوقت مع فرض قبلها إن صلح لجمعه معها "إن مضى قدر الفرض مع الطهر إن لم يمكن تقديمه" كتيمم وطهر سلس لأنه أدرك من وقتها ما يمكن فيه فعلها فلا تسقط بما طرأ بعده كما لو هلك النصاب بعد الحول وإمكان الأداء بخلاف الشروط التي يمكن تقديمها كوضوء الرفاهية فلا يشترك اتساع ما أدركه إلا للصلاة فقط لإمكان تقديم الطهر في الجملة، وإنما لم يؤثر هنا إدراك ما لا يسع   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 26 "حديث رقم 495" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 فصل: "في مواقيت الصلاة" وأول وقت الظهر زوال الشمس، وآخره مصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء، ولها وقت فضيلة أوله ثم اختيار إلى آخره. وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر، وزاد قليلا، ولها أربعة أوقات: فضيلة   بخلاف نظيره آخر الوقت كما مر لإمكان البناء على ما أوقعه فيه بعد خروجه بخلافه هنا، ولا تجب الثانية هنا, وإن اتسع لها وقت الخلو من زمن الأولى كما أفهمه كلامه بخلاف عكسه السابق؛ لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إذا صلاهما جمعًا بخلاف العكس. فصل: في مواقيت الصلاة والأصل فيها حديث جبريل المشهور1. "أول وقت الظهر زوال الشمس" وهو ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب في الظاهر لنا بزيادة الظل أو حدوثه لا نفس الميل فإنه يوجد قبل ظهوره لنا وليس هو أول الوقت. "وآخره مصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء" إن وجد، أما دخوله بالزوال فإجماع، وأما خروجه بالزيادة على ظل المثل فلحديث جبريل وغيره. "ولها" أي الظهر "وقت فضيلة أوله" على ما يأتي تحريره2 "ثم" وقت "اختيار" ويمتد "إلى" أن يبقى ما يسعها من "آخره" على المعتمد ووقت عذر وهو وقت العصر لمن يجمع ووقت ضرورة بأن يزول المانع وقد بقي من الوقت قدر تكبيرة كما مر ووقت الفضيلة والحرمة والضرورة يجري في سائر الصلوات. "وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر و" لا يظهر ذلك إلا إن "زاد" ظل الشيء على مثله "قليلا" وليست هذه الزيادة فاصلة بين الوقتين بل هي من وقت العصر لخبر مسلم: "وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر" 3،   1 وهو الحديث الذي رواه أبو داود في الصلاة باب 2 "حديث 393" والترمذي في المواقيت باب 1، من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي -يعني المغرب- حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين". 2 وهو قوله في المتن: "وأفضل الأعمال الصلاة أول الوقت". 3 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 173" عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر" , ورواه برقم "174" بلفظ: " ... ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أوله، واختيار إلى مصير الظل مثلين، ثم جواز إلى الاصفرار، ثم كراهة إلى آخره. وأول المغرب بالغروب، ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر، وهو أول وقت العشاء. ولها ثلاثة أوقات: وقت فضيلة أوله، ثم وقت اختيار إلى ثلث الليل، ثم وقت جواز إلى الفجر الصادق، وهو المنتشر ضوؤه معترضًا بالأفق، وهو أول وقت الصبح. ولها أربعة أوقات: وقت فضيلة أوله، ثم اختيار إلى الإسفار، ثم جواز إلى الحمرة، ثم كراهة، ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتمة، ويكره النوم قبلها   وقوله صلى الله عليه وسلم في خبر جبريل: "صلى بي الظهر حين كان ظله مثله" 1، أي فرغ منها حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول حينئذ قاله الشافعي رضي الله عنه نافيًا به اشتراكهما في وقت واحد المصرح بعدمه خبر مسلم السابق. "ولها أربعة أوقات" بل سبعة "فضيلة" يصح فيها وفيما عطف عليها الجر بدلا من أوقات والرفع بدلا من أربعة "أوله واختيار إلى مصير الظل مثلين" غير ظل الاستواء "ثم جواز" بلا كراهة "إلى الاصفرار ثم كراهة إلى آخره" أي إلى بقاء ما يسعها ووقت عذر ووقت ضرورة ووقت حرمة. "وأول" وقت "المغرب بالغروب" إجماعًا "ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر" كما في خبر مسلم2، وخرج بالأحمر ما بعده من الأصفر ثم الأبيض ولها وقت فضيلة وحرمة وضرورة وعذر واختيار وهو وقت الفضيلة. "وهو" يعني غيبوبة الشفق الأحمر "أول وقت العشاء" للإجماع على دخوله بالشفق والأحمر هو المتبادر منه. "ولها ثلاثة أوقات" بل سبعة كالعصر "وقت فضيلة أوله ثم وقت اختيار إلى ثلث الليل" الأول "ثم وقت جواز" بلا كراهة إلى الفجر الكاذب ثم بكراهة إلى بقاء ما يسعها ثم وقت حرمة "إلى الفجر الصادق" ولها وقت ضرورة ووقت عذر "وهو" أي الفجر الصادق "المنتشر ضوؤه معترضًا بالأفق" أي نواحي السماء وقبله يطلع الكاذب مستطيلا ثم يذهب وتعقبه ظلمة "وهو" أي الفجر الصادق "أول وقت الصبح" لخبر مسلم" "وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس"3، "ولها أربعة أوقات" بل ستة "وقت فضيلة أوله ثم اختيار إلى الإسفار ثم جواز" بلا كراهة "إلى الحمرة ثم كراهة" إلى أن يبقى ما يسعها ثم حرمة ولها وقت ضرورة. "ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتمة" للنهي الصحيح عنها. "ويكره النوم قبلها" ولو قبل دخول وقتها على الأوجه خشية الفوات وكالعشاء في هذه غيرها، نعم يحرم النوم الذي لم يغلب حيث توهم الفوات بعد دخول الوقت وكذا قبله على ما اعتمده كثيرون   1 هو الحديث المتقدم في الحاشية "1" من الصفحة السابقة. 2 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "الأحاديث 171 و172 و173 و174 و176 و177 و178 و179", وليس فيها لفظ: "الأحمر". 3 رواه مسلم بهذا اللفظ في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 173". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 بالبلد الحار لمن يصلي جماعة في موضع بعيد إلى حصول الظل، ولمن تيقن السترة آخر الوقت، ولمن تيقن الجماعة آخره، وكذا لو ظنها ولم يفحش التأخير، وللغيم حتى يتيقن الوقت أو يخاف الفوات، ومن صلى ركعة في الوقت فهي أداء أو دونها فقضاء، ويحرم تأخيرها إلى أن يقع بعضها خارجه.   وإقامة "حين دخل الوقت" أي عقب دخوله فلا يشترط تقدمها عليه بل لو أخر من هو متلبس بها بقدرها لم تفته الفضيلة على ما في الذخائر1 ولا يكلف العجلة على غير العادة بل يعتبر في حق كل أحد الوسط المعتدل من فعل نفسه ولا يضر التأخير لعذر آخر كخروج من محل تركه الصلاة فيه وسيأتي وكقليل أكل وكلام عرفًا، والحاصل أن كل تأخير فيه تحصيل كمال خلا عنه التقديم يكون أفضل. "و" من ذلك أنه "يسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر لا الجمعة" وإنما يسن بشروط كونه "في الحر" الشديد وكونه "بالبلد الحار" وكونه "لمن يصلي جماعة" وكونها تقام "في موضع" مسجد أو غيره وكونهم يقصدون الذهاب إلى محل "بعيد" بأن يكون في مجيئه مشقة تذهب الخشوع أو كماله وكونهم يمشون إليها في الشمس لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" 2 أي غليانها وانتشار لهبها دل بفحواه على أنه لا بد من الشروط المذكورة، فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ولو بقطر حار ولا في قطر بارد أو معتدل وإن اتفق فيه شدة حر ولا لمن يصلي منفردًا أو جماعة ببيت أو بمحل حضرة جماعة لا يأتيهم غيرهم أو يأتيهم من قرب أو من بعد لكن يجد ظلا يمشي فيه إذ ليس في ذلك كثير مشقة، وإذا سن الإبراد سن التأخير "إلى حصول الظل" الذي يقي غالب الجماعة من الشمس وغايته نصف الوقت. "و" منه أن يسن التأخير أيضًا "لمن" أي لعار "تيقن السترة آخر الوقت" لأن الصلاة بها أفضل "ولمن تيقن الجماعة آخره" أي بحيث يبقى ما يسعها لذلك. "وكذا لو ظنها ولو يفحش التأخير" عرفًا لذلك أيضًا فإن انتفى ما ذكر فالتقديم أفضل. "و" أن يسن أيضًا "للغيم" ونحوه مما يمنع العلم بدخول الوقت "حتى يتيقن الوقت" أي دخوله بأن تطلع الشمس مثلا فيراها أو يخبره بها ثقة. "أو" حتى يخاف الفوات "للصلاة. ومن صلى ركعة" من الصلاة "في الوقت فهي" أي الصلاة كلها "أداء أو" صلى "دونها فقضاء" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 3   1 لعله "الذخائر في فروع الشافعية" للقاضي أبي المعالي مجلى بن جميع المخزومي الشافعي المتوفى سنة 550هـ، وهو من الكتب المعتبرة في هذا المذهب "كشف الظنون: ص822". 2 رواه البخاري في الوقت باب 9 و10، والأذان باب 18، وبدء الخلق باب 10، ومسلم في المساجد حديث 180 و181 و183 و184 و186. وأبو داود في الصلاة باب 4. والترمذي في المواقيت باب 5، والنسائي في المواقيت باب 5، وابن ماجه في الصلاة باب 4، والطب باب 19. 3 رواه البخاري في مواقيت الصلاة باب 30 "حديث رقم 580" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 161" من حديث أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فصل: "في مواقيت الصلاة" ... والحديث بعدها إلا في خير أو حاجة. وأفضل الأعمال الصلاة أول الوقت، ويحصل ذلك بأن يشتغل بأسباب الصلاة حين دخل الوقت، ويسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر لا الجمعة في الحر   لكن خالف في السبكي وغيره. "و" يكره "الحديث" وسائر الصنائع "بعدها" أي بعد فعلها ولو مجموعة جمع تقديم على ما زعمه ابن العماد1 خشية الفوات أيضًا "إلا في خير" كمذاكرة علم شرعي أو آلة له وإيناس ضيف وملاطفة زوجة. "أو حاجة" كمراجعة حساب لأن ذلك خير أو عذر ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة، وقد ورد: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل"2. "وأفضل الأعمال" البدنية بعد الإسلام "الصلاة" ففرضها أفضل الفرائض ونفلها أفضل النوافل للأدلة الكثيرة في ذلك، وقيل الحج وقيل الطواف وقيل غير ذلك، وأفضل أحوال الصلاة المؤقتة من حيث الوقت مع عدم العذر أن توقع" أول الوقت" ولو عشاء لأن ذلك من المحافظة عليها المأمور بها في آية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} ، ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لأول وقتها" 3، ومن أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر ليلة ثالثة4، ومن أن نساء المؤمنين كن ينقلبن بعد صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرفهن أحد من الغلس5 فخبر: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" 6، وخبر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يؤخر العشاء"7 معارضان بذلك. "ويحصل ذلك" الفضل الذي في مقابلة التعجيل "بأن يشتغل" أول الوقت "بأسباب الصلاة" كطهر وستر وأذان   1 هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي ثم القاهري الشافعي، ويعرف بابن العماد، ولد قبل 750هـ، وتوفي سنة 808هـ. من تصانيفه: عدة شروح على منهاج الطالبين في الفقه الشافعي. انظر معجم المؤلفين "1/ 214". 2 رواه الحاكم في المستدرك عن عمران بن الحصين. 3 رواه من حديث ابن مسعود البخاري في مواقيت الصلاة باب "حديث 527" ومسلم في الإيمان "حديث 137 و140" وأحمد "1/ 418، 442، 444". 4 رواه بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة" الترمذي في الصلاة باب 9، والنسائي في المواقيت باب 19، وأبو داود في الصلاة باب 7 "حديث 419" والدارمي في الصلاة باب 18، كلهم من حديث النعمان بن بشير. 5 رواه البخاري في المواقيت باب 27، والأذان باب 163 و165، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 232، وأبو داود في الصلاة باب 8، والنسائي في المواقت باب 25، والسهو باب 101، وابن ماجه في الصلاة باب 2، ومالك في الصلاة حديث 4، وأحمد في المسند "6/ 37، 179، 248، 259". 6 رواه الترمذي في الصلاة باب 3، والنسائي في المواقت باب 27، والدارمي في الصلاة باب 21، وأحمد في المسند "5/ 429". 7 رواه البخاري في المواقيت باب 13، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 237". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فصل: "في الاجتهاد في الوقت" ومن جهل الوقت أخذ بخبر ثقة عن علم، أو أذان مؤذن واحد، أو صياح ديك مجرب فإن لم يجد اجتهد بقراءة أو حرفة أو نحو ذلك، ويتخير الأعمى بين تقليد ثقة والاجتهاد، فإن تيقن صلاته قبل الوقت قضاها، ويستحب المبادرة بقضاء الفائتة، وتقديمها على الحاضرة التي لا يخاف فوتها وإن خاف فوات الجماعة فيها، ويجب المبادرة بقضاء الفائتة إن فاتته بغير عذر.   أي مؤداة واختصت الركعة بذلك لاشتمالها على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرار لها، فجعل ما بعد الوقت تابعًا لها بخلاف ما دونها، وثواب القضاء دون ثواب الأداء لا سيما إن عصي بالتأخير. "ويحرم تأخيرها إلى أن يقع بعضها" أي الصلاة ولو التسليمة الأولى "خارجة" أي الوقت وإن وقعت أداء نعم إن شرع فيها وقد بقي من وقتها ما يسعها ولم تكن جمعة فطولها بالقراءة ونحوها حتى خرج جاز له ذلك وإن لم يوقع ركعة منها في الوقت لأنه استغرقه بالعبادة. فصل: في الاجتهاد في الوقت "من جهل الوقت" لنحو غيم أو حبس ببيت مظلم "أخذ" وجوبًا "بخبر ثقة" ولو عدل رواية "يخبر عن علم" أي مشاهدة، وكإخباره أذان الثقة العارف بالمواقيت في الصحو فيمتنع معهما الاجتهاد لوجود النص، فإن فقد جاز له الاجتهاد وجاز له الأخذ إما بأذان مؤذنين كثروا وغلب على الظن إصابتهم "أو أذان مؤذن واحد" عدل عارف بالمواقيت في يوم غيم إذ لا يؤذن عادة إلا في الوقت "أو صياح ديك مجرب" بالإصابة للوقت أو بحسابه إن كان عارفًا به لغلبة الظن بجميع ذلك "فإن لم يجد" ما ذكر "اجتهد" وجوبًا "بقراءة أو حرفة" كخياطة "أو نحو ذلك" من كل ما يظن به دوله كورد، ويجوز الاجتهاد لمن لو صبر تيقن بل حتى للقادر على اليقين حالًا بنحو الخروج من بيت مظلم لرؤية الشمس لأن في الخروج إلى رؤيتها نوع مشقة وبه فارق ما مر في الخبر عن علم. "ويتخير الأعمى بين تقليد ثقة" عارف "والاجتهاد" لعجزه في الجملة وإنما امتنع عليه التقليد في الأواني عند عدم التحير لأن الاجتهاد هنا يستدعي أعمالًا مستغرقة للوقت ففيه مشقة ظاهرة بخلافه، ثم أما البصير القادر على الاجتهاد فلا يقلد مجتهدًا مثله، وإذا تحرى وصلى فإن لم يبن له الحال فلا شيء عليه لمضي صلاته على الصحة ظاهرًا وإن بان الحال ولو بخبر عدل رواية عن علم "فإن تيقن صلاته" وقعت "قبل الوقت قضاها" وجوبًا لوقوعها في غير وقتها سواء أعلم في الوقت أم بعده، وإن علم وقوعها فيه أو بعده فلا قضاء ولا إثم، أما إذا لم يجتهد وصلى فإنه يعيد وإن بان وقوعها في الوقت لتقصيره. "ويستحب المبادرة بقضاء الفائتة" بعذر كنوم أو نسيان تعجيلا لبراءة الذمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فصل: "في الصلاة المحرمة من حيث الوقت" تحرم الصلاة في غير حرم مكة وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح، ووقت الاستواء إلا يوم الجمعة حتى تزول، ووقت الاصفرار حتى تغرب، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع، وبعد صلاة العصر حتى تغرب، ولا يحرم ما له سبب غير متأخر عنها كفائتة   وللأمر بذلك في خبر الصحيحين1. "و" يستحب "تقديمها على الحاضرة التي لا يخاف فوتها وإن خاف فوات الجماعة فيها" أي الحاضرة على المعتمد خروجًا من خلاف من أوجب ذلك، ولا نظر لكون أحمد يوجب الجماعة عينًا لأنها عنده ليست شرطًا للصحة على الأصح بخلاف الترتيب عند من اشترطه فكانت رعاية خلافه أولى، أما إذا خاف فوتها ولو بخروج جزء منها عن الوقت فإنه يلزمه تقديم الحاضرة لحرمة إخراج بعضها عن الوقت. "ويجب المبادرة بقضاء الفائتة إن فاتته بغير عذر" تغليظًا عليه، ويجب عليه أيضًا أن يصرف لها سائر زمنه إلا ما يضطر لصرفه في تحصيل مؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته، ولا يجوز له أن ينتفل حتى تفرغ ذمته من جميع الفوائت التي تعدى بإخراجها عن وقتها. فصل: في الصلاة المحرمة من حيث الوقت "تحرم الصلاة" التي لا سبب لها أو لها سبب متأخر ولا تنعقد في "غير حرم مكة" في خمسة أوقات ثلاثة منها تتعلق بالزمان من غير نظر لمن صلى ولمن لم يصل واثنان يتعلقان بفعل صاحبة الوقت، فمن فعلها حرم عليه الصلاة الآتية ومن لا فلا ونعني بالثلاثة "وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح" تقريبًا فيما يظهر لنا وإلا فالمسافة طويلة. "ووقت الاستواء إلا يوم الجمعة حتى تزول" ووقته وإن ضاق جدًا لكنه يسع التحرم. "ووقت الاصفرار" للشمس "حتى تغرب و" نعني بالاثنين "بعد" فعل "صلاة الصبح" لمن صلاها "حتى تطلع" الشمس "وبعد" فعل "صلاة العصر" ولو مجموعة في وقت الظهر "حتى تغرب" لما صح من النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة ومن استثناء حرم مكة بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد   1 وهو حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: أقم الصلاة لذكري". رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 316"، ومالك في الوقوت "حديث 26"، وأحمد في المسند "3/ 184، 216". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وكسوف، وسنة وضوء وتحية وسجدة تلاوة وشكر، إن لم يقصد به تأخيرها إليها ليصليها فيها، ويحرم ما لها سبب متأخر عنها كصلاة الاستخارة، وركعتي الإحرام والصلاة إذا صعد الخطيب المنبر إلا التحية ركعتين إن لم يخش فوات التكبيرة.   مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" 1 وليس في رواية الدارقطني وابن حبان "طاف" وبه يتجه أن الصلاة ثم ليست خلاف الأولى لأن الخلاف ضعيف بذلك، وأما استثناء يوم الجمعة ففي خبر أبي داود2 وإن كان مرسلًا3 لأنه عضده ندب التكبير إليها والترغيب في الصلاة إلى حضور الإمام. "ولا يحرم" من الصلاة "ما له سبب غير متأخر عنها" بأن كان متقدمًا أو مقارنًا "كفائتة" ولو نفلًا ما لم يقصد تأخيرها إليها ليقضيها فإنها لا تنعقد وإن كانت واجبة على الفور. "و" صلاة "كسوف" للشمس أو للقمر وعيد بناء على أن وقتها يدخل بالطلوع واستقاء وجنازة لم يتحر أي يقصد تأخير الصلاة عليها إلى وقت المكروه لا لفضيلة فيه ككثرة المصلين كما يأتي ومنذورة ومعادة "وسنة وضوء" وطواف ودخول منزل "وتحية" للمسجد "وسجدة تلاوة و" سجدة "شكر" فلا تحرم هذه الصلاة في الأوقات الخمسة "إن لم يقصد به تأخيرها إليها ليصليها فيها" فإن قصد ذلك لم ينعقد لأنه بالتأخير إلى ذلك مراغم للشرع بالكلية، ومنه تأخير الفائتة إليها ليقضيها فيها أو يداوم عليها وإن تضيق وقتها بأن فاتته عمدًا وتأخير الصلاة على الجنازة إليها أي لا لفضيلة تحصل فيها ككثرة المصلين فيما يظهر ودخول المسجد فيه بقصد التحية فقط، بخلاف ما إذا لم يقصد شيئًا أو دخله لغرض آخر، ومنه أيضًا تعمد التلاوة فيه ليسجد لها فلا تنعقد في الكل وللمراغمة المذكورة. "ويحرم ما لها سبب متأخر عنها كصلاة الاستخارة وركعتي الإحرام" لتأخر سببهما عنهما أعني الاستخارة والإحرام والمتأخر ضعيف باحتمال وقوعه وعدمه. "و" يحرم على الحاضرين "الصلاة" إجماعًا ولا تنعقد وإن كان لها سبب أو كانت فائتة بغير عذر "إذا صعد الخطيب المنبر" وجلس وإن لم يشرع في الخطبة ولا سمعها المصلي لإعراضه عنها بالكلية إذ من شأن المصلي الإعراض عما سوى صلاته بخلاف المتكلم، ويحرم أيضًا إطالة الصلاة التي شرع فيها قبل صعود الخطيب أما الداخل فلا يباح له. "إلا التحية ركعتين" فتسن له للأمر بها في الخبر الصحيح4، لكن يجب عليه تخفيفها بأن يقتصر على الواجبات ولو لم   1 رواه الترمذي في الحج باب42، والنسائي في المواقيت باب41 والمناسك باب 137، وابن ماجه في الإقامة باب 149، والدارمي في المناسك باب 79، وأحمد في المسند "4/ 80، 81، 82، 83، 84". 2 رواه في الصلاة باب 217 "حديث 1083" عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". 3 قال أبو داود بعد أن رواه: وهو مرسل؛ مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة. 4 وهو ما رواه مسلم في الجمعة "حديث 59" عن جابر بن عبد الله قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: "يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما"، ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 فصل: "في الأذان" يستحب الأذان والإقامة للمكتوبة إن لم يصلها بفائتة للرجل ولو منفردًا ولو سمع الأذان، ولجماعة ثانية، وفائتة، فإن اجتمع فوائت أو جمع تقديمًا أو تأخيرًا أذن للأولى   يكن صلى سنة الجمعة القبلية نواها مع التحية إذ لا يجوز له الزيادة على ركعتين بكل حال هذا "إن لم يخش فوات التكبيرة" للإحرام وإلا بأن دخل آخر الخطبة وغلب على ظنه أنه إن صلى التحية فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام فلا يصلي التحية لأنها حينئذ مكروهة تنزيهًا بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لكراهة الجلوس قبل التحية ولو صلاها وقد أقيمت الصلاة كان أشد كراهة. فصل: في الأذان وهو لغة: الإعلام1. وشرعًا: قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة وهو مجمع على مشروعيته، لكن اختلفوا في أنه سنة أو فرض كفاية. "يستحب الأذان والإقامة" على الكفاية فيحصلان بفعل البعض كابتداء السلام وإنما يسنان "للمكتوبة" دون المنذورة وصلاة الجنازة والسنن لعدم ثبوته في ذلك بل يكرهان فيه وتسن الإقامة لها مطلقًا، وأما الأذان فإنما يسن لها. "وإن لم يصلها بفائتة" أو مجموعة، أما إذا صلى فوائت ووالى بينها فلا يؤذن إلا للأولى، وكذا إن عقبها بحاضرة بلا فصل طويل، نعم إن دخل وقتها كأن صلى فائتة قبل الزوال وأذن لها فلما فرغ منها زالت الشمس أذن للظهر للإعلام بوقتها، ومثله ما لو أخر مؤداة لآخر وقتها فأذن لها وصلى فدخل وقت ما بعدها فيؤذن لها أيضًا، وأما أولى المجموعتين جمع تقديم أو تأخير فيؤذن لها دون ثانيتهما للاتباع ولو لم يوال بين ما ذكر أذن وأقام للكل، وإنما يسن الأذان "للرجل" أي الذكر ولو صبيًا بخلاف المرأة والخنثى كما يأتي، ويسن لكل مصل "ولو منفردًا" عن الجماعة "ولو سمع الأذان" من غيره كما في التحقيق وغيره، ويكفي في أذان المنفرد إسماع نفسه بخلاف أذان الإعلام كما يأتي "و" يسن أيضًا "لجماعة ثانية" مع رفع الصوت وإن كرهت كأن يكون المسجد غير مطروق ولم يأذن لهم إمامه الراتب2، نعم إن كان الجماعة الأولى أذنوا وصلوا جماعة أو فرادى وذهبوا لم يسن للجماعة الثانية رفع الصوت بل يسن لهم عدمه لئلا   1 انظر لسان العرب "13/ 12" قال: "والأذان والأذين والتأذين: النداء إلى الصلاة، وهو الإعلام بها وبوقتها". 2 الراتب: الثابت الدائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وحدها، ويستحب الإقامة وحدها للمرأة وأن يقال في الصلاة المسنونة جماعة: الصلاة جامعة. وشرط صحة الأذان الوقت إلا الصبح فيجوز بعد نصف الليل، وإلا الأول من يوم   يوهم السامعين دخول وقت صلاة أخرى لا سيما في يوم الغيم "و" يسن أيضًا لأجل "فائتة" لأن بلالًا كما رواه مسلم1 أذن للصبح لما فاتته صلى الله عليه وسلم حين نام بالوادي هو وأصحابه عنها إلى طلوع الشمس. "فإن اجتمع فوائت" أو والى بينها "أو جمع تقديمًا أو تأخيرًا" ووالى بينها "أذن للأولى وحدها" وأقام للكل، أما الأولى فاتباعًا لما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بسند فيه انقطاع لكنه معتضد بما مر من أنه أذن للفائتة، وأما الثاني فلما صح أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين2. "ويستحب الإقامة وحدها للمرأة" لنفسها وللنساء لا للرجال والخناثى وللخنثى لنفسه وللنساء لا للرجال، أما الأذان فلا يندب للمرأة مطلقًا فإن أذنت سرًّا لها أو لمثلها أبيح أو جهرًا فوق ما تسمع صواحبها، وثمة من يحرم نظره إليه حرم للافتتان بصوتها كوجهها، وإنما جاز غناؤها مع استماع الرجل له لأنه يكره له استماعه، وإن أمن الفتنة والأذان يسن له استماعه، فلو جوزناه لها لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة وهو ممتنع، وأيضًا فالنظر للمؤذن حال الأذان سنة، فلو جوزناه لها لأدى الأمر بالنظر إليها وإنما جاز لها رفع صوتها بالتلببية لفقد ما ذكر مع أن كل أحد ثم مشتغل بتلبية نفسه والتلبية لا يسن الإصغاء إليها، وتسن حتى للمرأة بخلاف الأذان ومثلها في جميع ما ذكر الخنثى. "و" يستحب "أن يقال في الصلاة المسنونة جماعة" غير المنذورة و"غير الجنازة" كصلاة عيد وكسوف واستسقاء وتراويح ووتر حيث ندبت الجماعة له ولم يكن تابعًا للتراويح "الصلاة جامعة" برفعهما ونصبهما ورفع أحدهما ونصب الآخر لو رود ذلك في الصحيحين3 في كسوف الشمس وقيس به الباقي، ويغني عن ذلك الصلاة وهلموا إلى الصلاة والصلاة يرحمكم الله ومحله عند الصلاة، وينبغي جعله عند أول الوقت أيضًا ليكون بدلًا عن الأذان والإقامة، وخرج بما ذكر النافلة التي لم تصل جماعة والتي لم تشرع الجماعة فيها والمنذورة وصلاة الجنازة فلا يسن فيها ذلك لأن مشيعي الجنازة حاضرون فلا حاجة لإعلامهم. "وشرط صحة الأذان الوقت" لأنه للإعلام به فلا يصح قبله "إلا الصبح فيجوز بعد نصف الليل" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم   1 هو جزء من الحديث الطويل الذي رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رثم 311" عن أبي قتادة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم ... إلخ". 2 وهو في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم في كتاب الحج "حديث رقم 147". 3 في حديث عبد الله بن عمرو قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة. رواه البخاري في الكسوف باب 3 و8 ومسلم في الكسوف حديث 20، وأبو داود في الاستسقاء باب 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الجمعة والترتيب، والموالاة وكونه من واحد وبالعربية إن كان ثم من يحسنها، وعليه أن يتعلم، وشرطهما: إسماع بعض الجماعة وإسماع نفسه إن كان منفردًا، وشرط المؤذن:   مكتوم"1 "وإلا" الأذان "الأول من يوم الجمعة" فيجوز قبل الزوال أيضًا على ما في رونق الشيخ أبي حامد2 لكن فيه نظر إذ الأذان للصبح قبل وقتها خارج عن القياس فلا يلحق به غيره، على أن الفرق بينهما جلي إذ الناس قبل الفجر مشغولون بالنوم فندب تنبيههم ليتأهبوا للصلاة أول وقتها، بخلافهم يوم الجمعة فإنهم فيه كبقية الأيام وليسوا مشغولين بما يمنعهم معرفة أول الوقت فالأوجه أنه كغيره فلا يندب إلا بعد الزوال، على أنه نوزع في نسبة الرونق للشيخ أبي حامد3. "و" شرطه أيضًا كالإقامة "الترتيب" للاتباع ولأن تركه يوهم اللعب فلو عكس ولو ناسيًا لم يصح لكن يبني على المنتظم منه "والموالاة" بين كلماتهما فإن تركها ولو ناسيًا بطل أذانه ولا يضر يسير سكوت وكلام وإغماء ونوم إذ لا يخل بالإعلام "وكونه" كالإقامة أيضًا "من واحد" فلا يصح بناء غير المؤذن والمقيم على ما أتيا به لأنه يورث اللبس في الجملة وإن اشتبها صوتًا. "و" كونه "بالعربية" فلا يصح بغيرها "إن كان ثم من يحسنها" وإلا صح بها كأذكار الصلاة هذا إذا أذن لجماعة فإن أذن لنفسه وهو لا يحسنها صح وإن كان هناك من يحسنها، "وعليه" أي يتأكد له ندبًا "أن يتعلم وشرطهما" أيضًا "إسماع بعض الجماعة" ولو واحدًا إن أذن أو أقام لجماعة لأنها تحصل باثنين فلا يجزئ الإسرار ولو ببعضه ما عدا الترجيع لفوات الإعلام. "وإسماع نفسه" وإن لم يسمع غيره "إن كان منفردًا" لأن الغرض منهما حينئذ الذكر، ويسن أن يكون الرفع بالإقامة أخفض منه بالأذان. "وشرط المؤذن" كونه عارفًا بالوقت إن نصب له وإلا حرم نصبه وإن صح أذانه وشرطه وشرط المقيم "الإسلام" فلا يصحان من كافر لعدم أهليته للصلاة ويحكم له بإسلامه لنطقه بالشهادتين إلا إن كان عيسويًّا 4 لأنهم يعتقدون أن نبينا صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة. "والتمييز" فلا يصحان   1 رواه البخاري في الأذان باب 11 و13، والشهادات باب 11، والصوم باب 17، ومسلم في الصيام حديث 36-39 والترمذي في الصلاة باب 35، والنسائي في الأذان باب 9 و10، والصيام باب 30، والدارمي في الصلاة باب 4. 2 أي أبو حامد الإسفراييني. قال حاجي خليفة في كشف الظنون "ص 934": "الرونق: مختصر في فروع الشافعية على طريقة اللباب للمحاملي، وقد اختلف في مؤلفه، قيل إنه منسوب إلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وقيل: إنه من تصانيف أبي حاتم القزويني؛ كذا في طبقات ابن السبكي، قال ابن السبكي: وهذا غير مستبعد فإن أبا حاتم قرأ على المحاملي، والرونق أشبه شيء بكلام المحاملي في اللباب". 3 راجع الحاشية السابقة. 4 العيسوية: نسبوا إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني. كان في زمان المنصور وابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بني أمية مروان بن محمد، فاتبعه بشر كثير من اليهود وأدعوا له آيات ومعجزات، وزعم أن الله تعالى كلمه وكلفه أن يخلص بني إسرائيل من أيدي الأمم العاصين، انظر الملل والنحل للشهرستاني "ص239". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الإسلام والتمييز والذكورة، ويكره التمطيط، والكلام اليسير فيه، وترك إجابته، وأن يؤذن قاعدًا أو راكبًا إلا المسافر الراكب، وفاسقًا، وصبيًا وجنبًا، ومحدثًا إلا إذا احدث في أثناء   من مجنون وصبي غير مميز وسكران إلا في أول نشوته، ويتأدى بأذان الصبي المميز وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت وأفعال الإمام "والذكورة" فلا يصحان من الأنثى للرجال أو الخناثى ولو محارم على الأوجه كما لا تصح إمامتها لهم ولا من الخنثى للرجال ولا للنساء كذلك ولحرمة نظر الفريقين إليه. "ويكره" فيهما التطريب والتلحين وتفخيم الكلام والتشادق1 "والتمطيط"2 بل قال ابن عبد السلام: يحرم التلحين أي إن غير المعنى أو أوهم محذورًا كمد همزة أكبر ونحوها، ومن ثم قال الزركشي3: وليحترز من أغلاط تقع للمؤذنين كمد همزة أشهد فيصير استفهامًا، ومد باء أكبر فيصير جمع كبر بفتح أوله وهو طبل له وجه واحد، ومن الوقف على إله والابتداء بإلا الله لأنه ربما يؤدي إلى الكفر كالذي قبله، ومن مد ألف الله والصلاة والفلاح لأن الزيادة في حرف المد واللين على مقدار ما تكلمت به العرب لحن وخطأ، ومن قلب الألف هاء من الله ومد همزة أكبر ونحوها وهو خطأ ولحن فاحش وعدم النطق بها للصلاة لأنه يصير دعاء إلى النار "و" يكره على المعتمد "الكلام اليسير فيه" وفي الإقامة حيث لم يكن في مصلحة وإلا كأن رد السلام أو شمت العاطس كان خلاف السنة، نعم قد يجب الكلام إن كان في تركه إلحاق ضر له أو لغيره ويسن له إذا عطس أن يحمد الله سرًا. "و" يكره "ترك إجابته" أي الأذان ومثله الإقامة "و" يكره "أن يؤذن" أو يقيم "قاعدًا أو راكبًا" لتركه القيام المأمور به، ومنه يؤخذ كراهة ترك كل سنة مؤكدة "إلا المسافر الراكب" فلا يكرهان له لحاجته إلى الركوب، لكن الأولى له أن يقيم بعد نزوله لأنه لا بد له منه للفريضة، ولا يكره له أيضًا ترك الاستقبال، ولا يكره له المشي لاحتياجه إليه، ويجزئه الأذان والإقامة مع المشي وإن بعد عن مكان ابتدائهما بحيث لا يسمع آخرهما من سمع أولهما. "و" يكرهان ممن يكون "فاسقًا وصبيًا" لأنهما غير مأمونين وأعمى ليس معه بصير يعرف الوقت. "وجنبًا ومحدثًا" لخبر: "كرهت أن أذكر الله إلا على طهر" 4 وخبر: "لا يؤذن   1 تشادق في الكلام وتشدق: لوى شدقه بكلام يتفصّح. 2 تمطط في الكلام: مده ولون فيه "المعجم الوسيط: ص876". 3 هو بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي, فقيه، أصولي، محدث، أديب. ولد سنة 745هـ، وتوفي سنة 794هـ، من مصنفاته: البحر في أصول الفقه، وشرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، والبرهان في علوم القرآن، وغيرها "معجم المؤلفين: 3/ 174، 175". 4 رواه أبو داود في الطهارة باب 8 "حديث 17" وأحمد في المسند "5/ 80" عن المهاجرين قنفذ: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: "إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر" أو قال: "على طهارة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الأذان فيتمه، والتوجه فيهما لغير القبلة، ويسن ترتيله، والترجيع فيه، والتثويب في الصبح أداء وقضاء، ويسن الالتفات برأسه وحده يمينه في حي على الصلاة، ويساره في حي على الفلاح، ويسن وضع أصبعيه في صماخي أذنيه في الأذان دون الإقامة، وكون المؤذن ثقة   إلا متوضيء" 1 "إلا إذا أحدث في أثناء الأذان فيتمه" ولا يقطعه لئلا يوهم التلاعب فإن خالف بني إن قصر الفصل وإلا استأنف. "و" يكره "التوجه فيهما لغير القبلة" لتركه الاستقبال المنقول سلفًا وخلفًا. "ويسن ترتيله" أي التأني فيه بأن يأتي بكلماته مبينة وإدراج الإقامة لما صح من الأمر بهما. "والترجيع فيه" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم علمه لأبي محذورة وهو إسرار كلمتي الشهادة قبل الجهر بهما فهو اسم للأول، وسمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه، والمراد بإسرار ذلك أن يسمع من بقربه عرفًا وأهل المسجد إن كان واقعًا عليهم والمسجد متوسط الخطة. "والتثويب" وبالمثلثة من ثاب إذا رجع "في الصبح" أي في أذانيه أداء "و" كذا "قضاء" كما صرح به ابن عجيل2 وأقروه وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم مرتين لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم لقنه لأبي محذورة، وخص بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم ويكره في غيره لأنه بدعة. "ويسن الالتفات" في الأذان والإقامة "برأسه وحده" لا بصدره "يمينه" مرة "في" مرتي قوله: "حي على الصلاة ويساره" مرة "في" مرتي قوله: "حي على الفلاح" لأن بلالا كان يفعل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان رواه الشيخان3 وقيس به الإقامة واختصت الحيعلتان بذلك لأن غيرهما ذكر الله تعالى وهما خطاب الآدمي كالسلام في الصلاة وإنما كره في الخطبة لأنها وعظ للحاضرين فالأدب أن لا يعرض عنهم ولا يلتفت في التثويب على ما قاله ابن عجيل لكن نوزع فيه لأنه في المعنى دعاء إلى الصلاة كالحيعلتين. "ويسن وضع" المؤذن أنملتي "أصبعيه" السبابتين "في صماخي أذنيه" لما صح من فعل بلال ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان بإحدى يديه علة يجعل السليمة فقط أو بإحدى سبابتيه جعل أصبعًا أخرى، وإنما يسن ذلك "في الأذان دون الإقامة" لفقد علته فيها وهي كونه أجمع للصوت، وبه يستدل الأصم على كونه أذانًا فيكون أبلغ   1 رواه الترمذي "حديث 200" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 397". 2 هو أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر بن عجيل اليمني. توفي سنة 690هـ، له كتاب جمع فيه مشايخه وأسانيده في كل علم "معجم المؤلفين: 1/ 316". 3 رواه البخاري في الأذان باب 19 "حديث 634" ومسلم في الصلاة "حديث 249" عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان، هكذا رواه مختصرًا. ورواه مسلم مطولا عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم. قال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه. قال: فتوضأ وأذن بلال. قال: فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا "يقول يمينًا وشمالًا" يقول: حي على الصلاة حتى على الفلاح ... إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ومتطوعًا وحسن الصوت وعلى مرتفع، وبقرب المسجد، وجمع كل تكبيرتين بنفس، وبفتح الراء في الأولى في قوله: الله أكبر الله أكبر ويسكن في الثانية، وقول ألا صلوا في   في الإعلام. "و" يسن "كون المؤذن" والمقيم "ثقة" أي عدل شهادة لأنه أمين على الوقت ليخبر به "و" كونه "متطوعًا" لخبر الترمذي وغيره "من أذن سبع سنين محتسبًا كتب الله له براءة من النار" 1 "و" كونه "صيتًا" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك" 2 أي أبعد مدى صوت ولزيادة الإعلام. "و" كونه "حسن الصوت" لخبر الدارمي وابن خزيمة وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر نحوًا من عشرين رجلًا فأذنوا له فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان3، ولأنه أرق لسامعيه فيكون ميله إلى الإجابة أكثر. "و" كونه "على مرتفع" كمنارة أو سطع للاتباع ولزيادة الإعلام فإن لم يكن للمسجد منارة ولا سطح فعلى بابه، ولا يسن في الإقامة المرتفع إلا إن احتيج إليه لكبر المسجد. "و" كونه "بقرب المسجد" لأنه دعاء الجماعة وهي فيه أفضل، ويكره الخروج منه بعده من غير صلاة إلا لعذر. "و" يسن في الأذان "جمع كل تكبيرتين بنفس" أي بصوت لخفتهما وإفراد كل كلمة مما بقي من كلماته بصوت، بخلاف الإقامة فإنه يسن فيها جمع كل كلمتين بصوت وتبقى الأخيرة فيفردها بصوت "ويفتح" المؤذن إذا لم يفعل ما يأتي عن المجموع "الراء في" التكبيرة "الأولى" من لفظتي التكبير "في قوله الله أكبر الله أكبر" على ما قاله المبرد4. وقال الهروي5: عوام الناس أي عامة العلماء على ضمها وبينت ما في ذلك في بشرى الكريم6 وغيره. وحاصله: أن لكل من الفتح والضم وجهان، وأن القول بأن الثاني هو القياس دون الأول، وأن كلا منهما غلط ممنوع، وفي المجموع عن البندنيجي7 وصاحب   1 رواه الترمذي في الصلاة باب 38، وابن ماجه في الأذان باب 5. 2 جزء من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، رواه أبو داود في الصلاة باب 28 "حديث 499"، والترمذي في المواقيت باب 25، وابن ماجه في الأذان باب 1، والدارمي في الصلاة باب 3، وأحمد في المسند "4/ 43". 3 رواه الدارمي في الصلاة باب 7. 4 هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي المعروف بالمبرد. ولد سنة 210هـ، وتوفي سنة 285هـ، وله تصانيف كثيرة تدل على ثقافته الواسعة وتضلعه من اللغة والنحو والأدب وعلوم القرآن والأخبار والبلاغة "معجم المؤلفين: 3/ 773". 5 هو أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي العبدي الباشاني. لغوي، أديب، صنف غريب القرآن وغريب الحديث. توفي سنة 401هـ "معجم المؤلفين: 1/ 292". 6 اسم كتاب شرحه ابن حجر الهيتمي. قال في الحواشي المدنية: لا وجود له الآن. انظر حاشية المنهاج القويم "ص125" طبعة دار الفيحاء. 7 هو أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت البندنيجي الشافعي نزيل مكة، ويعرف بفقيه الحرم، ولد ببندنيج بقرب بغداد سنة 407هـ، وتوفي باليمن سنة 495هـ، من تصانيفه: الجامع والمعتمد وكلاهما في فروع الفقه الشافعي "معجم المؤلفين: 3/ 758". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الرحال في الليلة الممطرة أو ذات الريح أو الظلمة بعد الأذان أو الحيعلتين، والأذان للصبح مرتين ويثوب فيهما، وترك رد السلام عليه، وترك المشي فيه، وأن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن والمقيم إلا في الحيعلتين فيقول عقب كل: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويكون ذلك أربعًا في الأذان بعد الحيعلتين، وإلا في التثويب فيقول: صدقت وبررت،   البيان1: يسن الوقت على أواخر الكلمات في الأذان لأنه روي موقوفًا، ولا ينافيه ما مر من ندب قرن كل تكبيرتين في صوت لأنه يوجد من الوقف على الراء بسكنة لطيفة جدًّا، "ويسكن" ندبًا الراء "في" التكبيرة "الثانية", لأنه يسن الوقف عليها. "و" يسن "قول ألا صلوا في الرحال" أو في رحالكم أو بيوتكم "في الليلة الممطرة" وإن لم تكن مظلمة ولا فيها ريح. "أو ذات الريح" وإن لم تكن مظلمة ولا ممطرة "أو" ذات "الظلمة" وإن لم يكن فيها مطر ولا ريح "بعد" فراغ "الأذان" وهو الأولى "أو" بعد "الحيعلتين" للأمر به في خبر الصحيحين، ويكره أن يقول حي على خير العمل لأنه بدعة لكنه لا يبطل الأذان بشرط أن يأتي بالحيعلتين أيضًا. "و" يسن "الأذان للصبح مرتين" ولو من واحد مرة قبل الفجر وأخرى بعده للاتباع، فإن أراد الاقتصار على مرة فالأولى أن يكون بعده. "ويثوب فيهما" على المعتمد كما مر "و" يسن للمؤذن والمقيم "ترك رد السلام عليه" لأنه مشغول بعبادة لا يليق الكلام في أثنائها ومن ثم تلزمه الإجابة، ويسن له الرد بعد الفراغ وإن طال الفصل على الأوجه. "و" يسن لهما "ترك المشي فيه" وفيها لأنه قد يخل بالإعلام ويجزيان مع المشي وإن بعد كما مر "و" يسن السامع" ولو لصوت لا يفهمه أو كان نحو حائض وجنب ومن به نجس ولم يجد ما يتطهر به وقارئ وذاكر وطائف ومشتغل بعلم ومن بحمام لا نحو أصم ممن لا يسمع ونحو مجامع وقاضي حاجة لكراهة الكلام لهما ومن بمحل نجاسة لكراهة الذكر فيه، ومن يسمع الخطيب "مثل ما يقول المؤذن والمقيم" بأن يجيبه عقب كل كلمة لما في خبر مسلم أن من فعل ذلك دخل الجنة2 وفي رواية: أنه يغفر له ذنبه3. ويجيب في الترجيع وإن لم يسمعه تبعًا لما سمعه، ومن ثم لو سمع بعضه فقط أجاب في الجميع "إلا في" كل من "الحيعلتين" وإلا ألا صلوا في رحالكم "فيقول عقب كل" في الأذان والإقامة "لا حول" أي عن المعصية "ولا قوة" أي على ما دعوتني إليه وغيره "إلا بالله ويكون ذلك أربعًا في الأذان بعد الحيعلتين" وثنتين في الإقامة للاتباع ولأنهما دعاء للصلاة لا يليق بغير المؤذن فيسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله "وإلا في التثويب فيقول" بدل كل من   1 هو "البيان في الفروع" للشيخ أبي الخير يحيى بن سالم اليمني الشافعي العمراني المتوفى سنة 558هـ، مكث في تأليفه ست سنين، وهو كبير في نحو عشر مجلدات، انظر كشف الظنون "ص264". 2 رواه مسلم في الصلاة "حديث رقم 12" من حديث عمر بن الخطاب. 3 رواه مسلم في الصلاة "حديث رقم 13" من حديث سعد بن أبي وقاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وإلا في كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها، وأن يقطع القراءة للإجابة، وأن يجيب بعد الجماع والخلاء والصلاة ما لم يطل الفصل، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، والدعاء عقبه وبينه وبين الإقامة، والأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة، ويسن الجمع بينهما، وشرط المقيم: الإسلام والتمييز، ويستحب أن تكون الإقامة في غير موضع الأذان، وبصوت أخفض من الأذان، والالتفات في الحيعلة، فإن أذن جماعة فيقيم الراتب ثم الأول، ثم يقرع، والإقامة بنظر الإمام، والأذان بنظر المؤذن.   كلمتيه "صدقت وبررت" بكسر الراء الأولى وقيل: بفتحها أي صرت ذا بر أي خير كثير، وقيل: يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مناسب. "وإلا في كلمتي الإقامة فيقول" مرتين بدل كلمتيها "أقامها الله وأدامها" وجعلني من صالحي أهلها للاتباع وإن كان سنده ضعيفًا زاد في التنبيه1 بعد قوله وأدامها ما دامت السموات والأرض وروي بلفظ اللهم أقمها بالأمر إلخ. "و" يسن "أن يقطع القراءة" وغيرها مما مر "للإجابة وأن يجيب بعد" انقضاء ما يمنع الإجابة مما مر كانقضاء "الجماع والخلاء والصلاة" وقوله "ما لم يطل الفصل" بحثه غيره أيضًا وفيه نظر، وقضية كلام المجموع أنه لا فرق وما أشار إليه من أن المصلي لا يجيب هو كذلك إذ هي مكروهة له بل تبطل صلاته إن أجاب بحيعلة أو تثويب أو صدقت وبررت لأنه كلام آدمي. "و" يسن "الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم" لكل من المؤذن والمقيم وسامعهما "بعده" وبعدها "ثم يقول" عقب ذلك: "اللهم رب هذه الدعوة" وهي الأذان "التامة" أي السالمة عن تطرق نقص إليها لاشتمالها على معظم شرائع الإسلام "والصلاة القائمة" أي التي ستقام قريبًا "آت محمدًا الوسيلة" وهي منزلة في أعلى الجنة كما في خبر مسلم2 "والفضيلة" عطف بيان لها. "وابعثه مقامًا محمودًا" وهو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون والآخرون. "الذي وعدته" بدل مما قبله لا نعت، نعم ورد أيضًا المقام المحمود فعليه يصح أن يكون نعتًا وذلك لخبر مسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة الله عليه بها عشرًا ثم أسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة"3 أي غشيته ونالته، وحكمة سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار شرفه وعظم منزلته. "و" يسن لكل من المؤذن والمقيم والسامع "الدعاء عقبه وبينه وبين الإقامة" لأنه بينهما لا يرد كما صح في خبر الترمذي وغيره وفيه   1 التنبيه في فروع الشافعية، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 476هـ، انظر كشف الظنون "ص489". 2 رواه مسلم في الصلاة "حديث 11" عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا؛ ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة". 3 هو الحديث المخرج في الحاشية السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 باب صفة الصلاة مدخل ... باب: "صفة الصلاة" فروضها ثلاثة عشر:   " سلوا الله العافية" 1 "والأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة" كما قاله النووي وأطال هو وغيره الاحتجاج له والنزاع فيه رددته في غير هذا الكتاب. "ويسن" لمن تأهل لهما "الجمع بينهما" ولو بجماعة واحدة لحديث حسن فيه والنهي عن كون الإمام مؤذنًا لمن يثبت. "وشرط المقيم" كالمؤذن كما أشرت إليه فيما مر ومن ذلك أن يشترط فيه "الإسلام والتمييز" لما تقدم "ويستحب أن تكون الإقامة في غير موضع الأذان" للاتباع "و" أن تكون "بصوت أخفض من" صوت "الأذان" لحصول المقصود به بحضور المدعوين "و" يستحب "الالتفات في الحيعلة" التي في الإقامة كالأذان كما مر، ويسن لمحل الجماعة مؤذنان للاتباع ويزاد عليهما بقدر الحاجة والمصلحة ولا يتقيد بأربعة يترتبون في أذانهم إن اتسع الوقت، ويندب أن يقيم المؤذن دون غيره للخبر الصحيح: "من أذن فهو يقيم" 2 "فإن أذن جماعة فيقيم" المؤذن "الراتب" وإن تأخر أذانه لأنه له ولاية الأذان والإقامة وقد أذن. "ثم" إن لم يكن راتب أو كانوا راتبين كلهم فليقم "الأول" لسبقه "ثم يقرع" إن أذنوا معًا وتنازعوا لعدم المرجح "والإقامة" أي وقتها منوط "بنظر الإمام و" وقت "الأذان" منوط "بنظر المؤذن" لخبر ابن عدي وغيره: "المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة"3 ويعتد بها وإن لم يستأذن الإمام. باب: صفة الصلاة أي كيفيتها المشتملة على واجب وهي إما داخل في ماهيتها ويسمى ركنًا وإما خارج عنها ويسمى شرطًا، وعلى مندوب وهو إما يجبر بالسجود ويسمى بعضًا، وإما لا يجبر ويسمى هيئة، وهو ما عدا الأبعاض. "فروضها" أي أركانها على ما هنا كالمنهاج "ثلاثة عشر" بجعل الطمأنينة في محالها الأربع هيئة تابعة للركن وهذا أولى من جعل الروضة لها أركانًا مستقلة لأنه أوفق بكلامهم في   1 رواه الترمذي في الصلاة باب 44، والدعوات باب 128. 2 رواه الترمذي في الصلاة باب 32، وابن ماجه في الأذان باب 3، وأحمد في المسند "4/ 169". 3 ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء "4/ 1327" والطحاوي في مشكل الآثار "3/ 55" والمتقي الهندي في كنز العمال "رقم 20963" وابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 211". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الأول: النية بالقلب، ويكفيه في النفل المطلق نحو تحية المسجد وسنة الوضوء، نية فعل الصلاة، وفي المؤقتة، والتي لها سبب نية الفعل والتعيين كسنة الظهر أو عيد الفطر أو الأضحى، وفي الفرض نية الفعل والتعيين صبحًا أو غيرها، ونية الفرضية للبالغ، ويستحب ذكر عدد الركعات والإضافة إلى الله تعالى، والأداء والقضاء، ويجب قرن النية بالتكبيرة.   التقدم والتأخر بركن وفقد الصارف شرط للاعتداد بالركن لا ركن مستقل. "الأول: النية" لما مر في الوضوء وهي معتبرة هنا وفي سائر الأبواب "بالقلب" فلا يكفي النطق مع غفلته، ولا يضر النطق بخلاف ما فيه، ثم الصلاة على ثلاثة أقسام: نفل مطلق وما ألحق به كصلاة التسبيح، ونفل مقيد بوقت أو سبب، وفرض. فالأول يشترط فيه نية فعل الصلاة. والثاني: يشترط فيه فعل ذلك مع التعيين. والثالث: يشترط فيه فعل ذلك مع نية الفرضية كما قال. "ويكفيه في النفل المطلق" وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب ولا ما هو في معناه مما المقصود منه إيجاد صلاة لا خصوصه. "نحو تحية المسجد وسنة الوضوء" والاستخارة والإحرام والطواف. "نية فعل الصلاة" لتتميز عن بقية الأفعال فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن قصد فعلها لأنه المطلوب وهي هنا ما عدا النية لأنها لا تنوي، ولا ينافي ما تقرر تصريحهم في سنة الإحرام والطواف بأنه لا بد من التعيين لأن معناه أنه لا بد منه في حصول الثواب، أما بالنسبة لإسقاط الطلب فلا يشترط، وكذا يقال في تحية المسجد وما بعدها. "و" يكفيه "في" النافلة "المؤقتة والتي لها سبب نية الفعل والتعيين" بالرفع لتتميز عن غيرها ويحصل التعيين بالإضافة "كسنة الظهر" قبلية أو بعدية ولا يكفي سنة الظهر فقط سواء آخر القبلية إلى ما بعد الفرض أم لا، ومثلها في ذلك سنة المغرب والعشاء لأن كل قبلية وبعدية بخلاف سنة الصبح والعصر "أو" سنة "عيد الفطر أو" سنة عيد "الأضحى" فلا يكفي سنة العيد فقط، وكذا لا بد أن يعين سنة كسوف الشمس أو خسوف القمر وينوي بما قبله الجمعة وما بعدها سنتها. "و" يكفيه "في الفرض" ولو كفاية أو منذورة "نية الفعل" كما مر "والتعيين صبحًا" مثلًا "أو غيرها" ولا يكفي نية فرض الوقت "ونية الفرضية" لتتميز عن النفل والمعادة، ولو رأى الإمام يصلي العصر فظنه يصلي الظهر فنوى ظهر الوقت لم يصح لأن الوقت ليس وقت الظهر أو ظهر اليوم صح لأنه ظهر يومه، وإنما تشترط نية الفرضية "للبالغ" على ما صوبه في المجموع قال: إذ كيف ينوي الصبي الفرضية وصلاته لا تقع فرضًا. ا. هـ. لكن الأوجه ما في الروضة وأصلها من أنه كالبالغ، والمراد به في حقه صورة الفرض أو حقيقته في الأصل لا في حقه كما يأتي في المعادة، ويؤيد ذلك أنه لا بد من القيام في صلاته وإن كانت نفلا. "ويستحب ذكر عدد الركعات" لتمتاز عن غيرها فإن عينه وأخطأ فيه عمدًا بطلت لأنه نوى غير الواقع. "والإضافة إلى الله تعالى" ليتحقق معنى الإخلاص وخروجًا من الخلاف، ويصح عطف هذا على ذكر وعلى عدد. "و" ذكر "الأداء والقضاء" ولو في النفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الثاني: أن يقول الله أكبر في القيام، ولا يضر تخلل يسير وصف لله تعالى أو   لتمتاز عن غيرها، ويصح كل منهما بنية الآخر إن عذر بغيم أو نحوه لأن كلا يأتي بمعنى الآخر، بخلاف ما لو نواه مع علمه بخلافه وقصد المعنى الشرعي فإنه لا يصح لتلاعبه، ويسن ذكر الاستقبال لا اليوم والوقت إذ لا يجبان اتفاقًا. "ويجب قرن النية" المشتملة على جميع ما يعتبر فيها من قصد الفعل أو والتعيين أو والفرضية أو والقصر في حق المسافر أو والإمامة أو والمأمومية في الجمعة "بالتكبيرة" التي للإحرام وذلك بأن يستحضر في ذهنه ذلك ثم يقصد إلى فعل هذا المعلوم، ويجعل قصده هذا مقارنًا لأول التكبير، ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير، ولا يكفي توزيعه عليه بأن يبتدئه من ابتدائه وينهيه مع انتهائه لما يلزم عليه من خلو معظم التكبير الذي هو أول أفعال الصلاة عن تمام النية، واختار النووي وغيره كابن الرفعة1 والسبكي2 تبعًا للغزالي وإمامه3 أنه يكفي المقارنة العرفية عن العوام بحيث يعد مستحضرًا للصلاة. "الثاني" من الأركان: "أن يقول الله أكبر في القيام" أو بدله لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته به4، والحكمة في الاستفتاح به استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلئ هيبة فيخشع ويحضر قلبه وتسكن جوارحه ويتبين بفراغه دخوله في الصلاة بأوله، وأفهم كلام المصنف أنه لا يكفي الله كبير أو أعظم أو أجل، ولا الرحمن أكبر ولا أكبر من الله بل لا بد من لفظ الجلالة وأكبر وتقديم الجلالة للاتباع. "ولا يضر تخلل يسير وصف لله تعالى" بين كلمتي التكبير كالله عز وجل أكبر لبقاء النظم والمعنى بخلاف الله لا إله إلا هو أكبر فلا يكفي كما في التحقيق لطوله، وخرج بالوصف غيره كهو وزيادة واو ساكنة أو متحركة   1 هو أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس بن الرفعة الأنصاري البخاري المصري الشافعي الشهير بابن الرفعة، فقيه، ولد بمصر سنة 645هـ وتوفي بالقاهرة سنة 710هـ، انظر معجم المؤلفين "1/ 282". 2 هو تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الشافعي السبكي. فقيه، أصولي، مؤرخ، أديب، ناظم، ناثر، ولد بالقاهرة سنة 727 أو 728هـ، وتوفي بدمشق سنة 771هـ، من تصانيفه: طبقات الشافعية الصغرى والوسطى والكبرى، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 343". 3 أي الشافعي. 4 وهو الحديث الذي رواه البخاري في الأذان باب 95 "حديث 757" وفي مواضع أخرى من كتابه "حديث 793 و6251 و6252 و6667" ومسلم في الصلاة "حديث 45" عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" "ثلاثًا" فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 سكوت، يترجم العاجز بأي لغة شاء، ويجب تعلمه ولو بالسفر، ويؤخر الصلاة للتعلم، ويشترط إسماع نفسه التكبير، وكذا القراءة وسائر الأركان. الثالث: القيام في الفرض للقادر، ويشترط نصب فقار ظهره، فإن لم يقدر وقف   فلا يكفي. "أو" يسير "سكوت" وضبطه المتولي1 وغيره بقدر سكتة التنفس ويضر فيه الإخلال بحرف من غير الألثغ وزيادة حرف يغير المعنى كمد همزة الله وزيادة ألف بعد الباء وتشديدها وزيادة واو قبل الجلالة لا تشديد الراء من أكبر، وكذا إبدال همزة أكبر واوًا أو كافة همزة من جاهل لكن يلزمه تعلم مخرجهما، وكذا ضم راء أكبر مطلقًا على المعتمد ووصل همزة مأمومًا أو إمامًا بالله أكبر خلاف الأولى، وقال ابن عبد السلام: يكره. "ويترجم" وجوبًا "العاجز" عن النطق بالتكبير بالعربية "بأي لغة شاء" ولا يعدل إلى ذكر غيره. "ويجب تعلمه" لنفسه وطفله ومملوكه إن قدر عليه "ولو بالسفر" ببلد آخر وإن بعد لكن يشترط أن يستطيعه وينبغي ضبط الاستطاعة هنا بالاستطاعة في الحج "ويؤخر" وجوبًا "الصلاة" عن أول الوقت "للتعلم" إن رجاه فيه حتى لا يبقى إلا ما يسعها بمقدماتها فحينئذ يلزم فعلها على حسب حاله لحرمة الوقت، ولا يقضي بعد التعلم إلا ما فرط في تعلمه ويلزم الأخرس تحريك شفتيه ولسانه ولهاته2 ما أمكنه، فإن عجز نواه بقلبه، وكذا حكم سائر الأركان القولية. "ويشترط" على القادر على النطق بالتكبير "إسماع نفسه التكبير" إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط أو غيره. "وكذا القراءة" الواجبة "وسائر الأركان" القولية كالتشهد الأخير والسلام، ولا بد في حصول ثواب السنن القولية من ذلك أيضًا ولو كبر للإحرام مرات بنية الافتتاح بالأولى وحدها لم يضر أو بكل دخل في الصلاة بالأوتار وخرج بالأشفاع، لأنه من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة أخرى بطلت صلاته، هذا إذا لم ينو بين كل خروجًا وافتتاحًًا وإلا خرج بالنية ودخل بالتكبير. "الثالث" من الأركان: "القيام في الفرض" ولو منذورًا أو كفاية أو على صورة الفرض كالمعادة وصلاة الصبي "للقادر" عليه ولو بغيره فيجب من أول التحرم به إجماعًا، أما النفل والعاجز فسيأتيان. "وشرط" فيه "نصب فقار" أي عظام "ظهره" لا رقبته لأنه يسن إطراق الرأس، ولا يضر استناده إلى شيء وإن كان بحيث لو رفع لسقط لوجود اسم القيام لكن يكره ذلك إلا إن أمكن معه رفع قدميه فتبطل كما لو انحنى بحيث صار أقرب إلى أقل الركوع أو   1 هو أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي الشافعي المعروف بالمتولي. فقيه، أصولي، متكلم، فرضي، ولد بنيسابور سنة 426هـ، وتوفي ببغداد سنة 478هـ، من تصانيفه: تتمة الإبانة تأليف شيخه الفوراني في الفقه ولم يكملها، كتاب صغير في أصول الدين، ومختصر في الفرائض "معجم المؤلفين: 2/ 106". 2 اللهاة من كل ذي حلق: اللحمة المشرفة على الحلق، أو الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم "المعجم الوسيط: ص843". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 منحنيًا، فإن لم يقدر قعد وركع محاذيًا جبهته قدام ركبتيه، والأفضل أن يحاذي موضع سجوده، وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة، فإن لم يقدر اضطجع على جنبه، والأيمن أفضل، فإن لم يقدر استلقى، ويرفع رأسه بشيء، يومئ برأسه للركوع والسجود وإيماؤه للسجود أكثر قدر إمكانه، فإن لم يقدر أو ما بطرفه، فإن لم يقدر أجرى   مال على جنبه بحيث خرج عن سنن القيام "فإن لم يقدر" على القيام إلا منحنيًا لكون ظهره تقوس أو متكئًا على شيء أو إلا على ركبتيه أو إلا مع نهوض ولو بمعين بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة "وقف منحنيًا" في الأولى وكما قدر فيما بعدها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ويلزمه في الأولى زيادة الانحناء في ركوعه إن قدر لتتميز الأركان ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومأ إليهما قدر إمكانه. "فإن لم يقدر" على القيام في الفرض بأن لحقته مشقة شديدة لا تحتمل في العادة كدوران رأس راكب السفينة "قعد" كيف شاء للخبر الصحيح: "فإن لم تستطع" أي القيام "فقاعدًا" 1، ولو شرع في السورة فله القعود ليكملها، وكذا لو كان إذا صلى منفردًا صلى قائمًا ومع جماعة صلى قاعدًا فله أن يصلي معهم قاعدًا. "وركع" أي المصلي قاعدًا وأقل ركوعه أن ينحني حتى يكون "محاذيًا جبهته" ما "قدام ركبتيه والأفضل" أي أكمله هو "أن يحاذي" جبهته "موضع سجوده" وركوع القاعد في النفل كذلك "وهما على وزان ركوع القائم في المحاذاة" أي بالنسبة إلى النظر فإنه يسن لكل النظر إلى موضع سجوده، قال العز بن عبد السلام فيمن اتقى التشبهات فضعف عن القيام والجمعة لا خير في ورع يؤدي إلى إسقاط فرائض الله تعالى. "فإن لم يقدر" على القعود بأن نالته به المشقة السابقة "اضطجع" وجوبًا "على جنبه" مستقبلا للقبلة بوجه ومقدم بدنه "و" الجنب "الأيمن" أي الاضطجاع عليه "أفضل" بل الاضطجاع على الأيسر بلا عذر مكروه "فإن لم يقدر" على الاضطجاع بالمعنى السابق "استلقى" على ظهره وأخمصاه للقبلة لخبر النسائي: "فإن لم تستطع فمستلقيًا" "ويرفع" وجوبًا "رأسه" قليلًا "بشيء" ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه هذا في غير الكعبة وإلا جاز له الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه لأنه كيفما توجه فهو متوجه لجزء منها، نعم إن لم يكن لها سقف امتنع الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه من غير أن يرفع رأسه "ويومئ"وجوبًا إن عجز عن ذلك "برأسه للركوع والسجود" يجب أن يكون "إيماؤه للسجود أكثر قدر إمكانه" لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ولوجوب التمييز بينهما على المتمكن "فإن لم يقدر" على الإيماء برأسه "أومأ بطرفه" أي بصره إلى أفعال الصلاة "فإن لم   1 روى البخاري في تقصير الصلاة باب 19 "حديث 1117" عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، ورواه أيضًا الترمذي في الصلاة باب 157، وابن ماجه في الإقامة باب 139، وأحمد في المسند "4/ 426". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الأركان على قلبه، ويتنفل القادر قاعدًا ومضطجعًا لا مستلقيًا ويقعد للركوع والسجود، وأجر القاعد القادر نصف أجر القائم، والمضطجع نصف أجر القاعد. الرابع: الفاتحة إلا لمعذور لسبق وغيره، والبسملة والتشديدات التي فيها منها، ولا يصح إبدال الظاء عن الضاد، ويشترط عدم اللحن المخل بالمعنى، والموالاة فتنقطع   يقدر" على الإيماء بطرفه إليها "أجرى الأركان" جميعها "على قلبه" مع السنن إن شاء بأن يمثل نفسه قائمًا وراكعًا وهكذا لأنه الممكن، فإن اعتقل لسانه أجرى القراءة وغيرها على قلبه كذلك، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتًا لوجود مناط التكليف، ومتى قدر على مرتبة من المراتب السابقة في أثناء الصلاة لزمه الإتيان بها، نعم لا تجزئ القراءة في النهوض وتجزئ في الهوي، "ويتنقل القادر قاعدًا" إجماعًا "ومضطجعًا لا مستلقيًا ويقعد للركوع والسجود" ولا يومئ بهما لعدم وروده "وأجر القاعد" في النفل "القادر نصف أجر القائم و" أجر "المضطجع نصف أجر القاعد" كما ثبت ذلك في خبر البخاري1، نعم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن تطوعه قاعدًا مع القدرة كتطوعه قائمًا. "الرابع" من الأركان: "الفاتحة" أي قراءتها في كل قيام أو بدله حتى القيام الثاني في صلاة الكسوفين في السرية والجهرية حفظًا أو تلقينًا أو نظرًا في نحو مصحف للخبر الصحيح: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"2 أي في كل ركعة منها كما صرح به في خبر المسيء صلاته "إلا لمعذور لسبق" فإنها لا تلزمه أي لتحمل إمامه لها عنه لا لعدم مخاطبته بها فيدرك الركعة بإدراكه معه ركوعه المحسوب له "وغيره" كرحمة أو نسيان أو بطء حركة بأن لم يقم من السجود إلا والإمام راكع أو قريب من الركوع، وكذا لو انتظر سكتة الإمام فركع أو شك هل قرأ الفاتحة فإنه يتخلف لقراءتها فيهما، فإذا لم يقم إلا والإمام راكع مثلا ركع معه وسقطت عنه الفاتحة، وبهذا يعلم أن يتصور سقوط الفاتحة في الركعات الأربع "والبسملة" آية منها عملا بما صح أنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها وأنه قال: "بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها وآية من كل سورة غير براءة" , كما دل عليه خبر مسلم وغيره فهي قرآن ظنًا لا قطعًا لعدم التواتر، "والتشديدات التي فيها" وهي أربع عشرة "منها" لأنها هيئات لحروفها المشددة فوجوبها شامل لهيئاتها فإن خفف مشددًا بطلت قراءته بل قد يكفر به في إياك إن علم وتعمد لأنه بالتخفيف ضوء الشمس، وإن شدد مخففًا أساء ولم تبطل صلاته، "ولا يصح إبدال" قادر أو مقصر   1 وهو ما رواه في تقصير الصلاة باب 17 "حديث 1115" عن عمران بن حصين -وكان مبسورًا- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدًا، فقال: "إن صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد". 2 رواه ابن خزيمة في صحيحه "490" وابن حجر في فتح الباري "2/ 241" والنووي في الأذكار "46" وابن عدي في الكامل في الضعفاء "3/ 991". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الفاتحة بالسكوت الطويل إن تعمده، أو كان يسيرًا وقصد به قطع القراءة، وبالذكر إلا إذا كان ناسيًا، وإلا إذا سن في الصلاة كالتأمين والتعوذ، وسؤال الرحمة وسجود التلاوة لقراءة إمامه والرد عليه.   "الظاء عن الضاد" ولا حرفًا منها بآخر وإن لم يكن ضادًا ولا ظاء كإبدال الذال زايًا في الذين والحاء هاء في الحمد، ومنه أن ينطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف، ومن قال في هذه بعدم البطلان يحمل كلامه على المعذور كما صرح به في المجموع. "ويشترط" لصحة القراءة "عدم اللحن المخل بالمعنى" كضم تاء أنعمت أو كسرها ممن يمكنه التعلم وكقراءة شاذة وهي ما وراء السبعة إن غيرت المعنى كقراءة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، برفع الأول1 ونصب الثاني2 أو زادت ولو حرفًا أو نقصت، فمن فعل شيئًا من ذلك بطلت قراءته إلا أن يتعمده ويعلم تحريمه فتبطل صلاته، ولو بالغ في الترتيل فجعل الكلمة كلمتين قاصدًا إظهار الحروف كالوقفة اللطيفة بين السين والتاء من نستعين لم يجز إذ الواجب أن يخرج الحرف من مخرجه ثم ينتقل إلى ما بعده متصلًا به بلا وقفة، وبه يعلم أنه يجب على كل قارئ أن يراعي في تلاوته ما أجمع القراء على وجوبه. "و" تشترط "الموالاة" في الفاتحة للاتباع، وكذا التشهد على ما اعتمده جمع. "فتنقطع الفاتحة بالسكوت الطويل" وهو ما يزيد على سكتة التنفس والعي "إن تعمده" وإن لم ينو القطع لإشعاره بالإعراض، بخلاف ما إذا كان ناسيًا أو ساهيًا وإن طال لعذره كالسكوت الطويل للإعياء أو لتذكر آية نسيها "أو كان يسيرًا وقصد به قطع القراءة" لتعديه بخلاف مجرد قصد قطع القراءة باللسان ولم يقطعها وإنما بطلت الصلاة بنية قطعها لأن النية ركن فيها يجب إدامتها حكمًا والقراءة لا تفتقر إلى نية مخصوصة، ومن لم يؤثر نية قطع الركوع أو غيره من الأركان، وتنقطع الموالاة أيضًا بقراءة آية من غيرها. "وبالذكر" وإن قل كالحمد للعاطس لأنه ليس مختصًا بالصلاة ولا لمصلحتها فأشعر بالإعراض "إلا إذا كان ناسيًا" لعذره "وإلا إذا سن" بالذكر "في الصلاة" بأن كان مأمورًا به فيها لمصلحتها فلا تنقطع به القراءة "كالتأمين" لقراءة إمامه "والتعوذ" من العذاب "وسؤال الرحمة" عند قراءة آيتهما منه أو من إمامه، وقوله بلى عند سماعه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] ، وسبحان ربي العظيم عند: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، ونحو ذلك. "وسجود التلاوة لقراءة إمامه والرد" من المأموم "عليه" إذا توقف فيها ومحله إذا سكت فلا يفتح عليه ما دام يردد التلاوة، وإلا انقطعت الموالاة فيما يظهر، ونسيان الموالاة لا الفاتحة عذر، ولو شك قبل الركوع هل قرأ الفاتحة؟ أو قبل السلام هل تشهد؟ لزمه إعادتهما أو في أثنائهما في بعض منهما لزمه إعادتهما أو بعدهما في بعضهما لم يؤثر، ويجب ترتيب الفاتحة   1 أي لفظ الجلالة "الله". 2 أي لفظ "العلماء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الخامس: الركوع وأقله أن ينحني حتى تنال راحتاه ركبتيه، ويشترط أن يطمئن بحيث تستقر أعضاؤه وأن يقصد به غيره، فلو هوى للتلاوة فجعله ركوعًا لم يكفه. السادس: الاعتدال وهو أن يعود ما كان عليه قبله. وشرطه الطمأنينة، وأن لا يقصد به غيره، فلو رفع رأسه فزعًا من شيء لم يكف.   أيضًا، فإن تعمد تركه استأنف القراءة إن لم يغير المعنى وإلا بطلت صلاته، وكذا في التشهد وإن لم يجب ترتيبه، ويجب التوصل إلى قراءة الفاتحة، فكل وجه قدر عليه وإلا أعاد ما صلاه مع التمكن من تعلمها، ومن تعذرت عليه قرأ سبع آيات من غيرها بقدر حروفها وإن تفرقت ولم تفد معنى منظومًا، فإن عجزت لزمه سبعة أنواع من الذكر أو الدعاء الأخروي بقدر حروفها، فإن لم يحسن شيئًا وقف بقدرها ولا يترجم عن شيء من القرآن لفوات إعجازه بخلاف غيره. "الخامس" من الأركان: "الركوع" للكتاب1 والسنة والإجماع وتقدم ركوع القاعد بقسميه. "وأقله" للقائم "أن ينحني" بلا انخناس2 وإلا لم يصح "حتى تنال راحتاه ركبتيه" بأن يكون بحيث تنال راحتا معتدل الخلقة ركبتيه لو أراد وضعهما عليهما لأنه بدون ذلك أو به مع الانخناس لا يسمى ركوعًا والراحتان ما عدا الأصابع من الكفين. "ويشترط أن يطمئن" فيه "بحيث تستقر أعضاؤه" حتى ينفصل رفعه عن ركوعه عن هويه للخبر الصحيح: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا"3 ولا تقوم زيادة الهوى مقامها لعدم الاستقرار. "و" يشترط "أن لا يقصد به" أي بالهوى "غيره" أي غير الركوع بأن يهوي بقصده أو لا بقصد "فلو هوى للتلاوة" أي لسجودها "فجعله" عند بلوغ حد الراكع "ركوعًا لم يكفه" لوجود الصارف فيجب العود إلى القيام ليهوي، ولو ركع إمام فظن أن يسجد للتلاوة فهوى لذلك فرآه لم يسجد فوقف عن السجود حسب له عن ركوعه على ما رجحه الزركشي ويغتفر له ذلك للمتابعة، ورجح شيخنا زكريا4 أنه يعود للقيام ثم ركع وهو أوجه، ولو أراد أن يركع فسقط قام ثم ركع ولا يقوم راكعًا فإن سقط في أثناء انحنائه عاد للمحل الذي سقط منه في حال انحداره. "السادس" من الأركان: "الاعتدال" ولو في النفل على المعتمد "وهو أن يعود" بعد الركوع "إلى ما كان عليه قبله" من قيام أو قعود "وشرطه الطمأنينة" فيه للخبر الصحيح: "ثم ارفع حتى تطمئن قائمًا" "و" شرطه "أن لا يقصد به غيره" بأن يقصد الاعتدال أو يطلق "فلو   1 وهو قوله تعالى في الآية 77 من سورة الحج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . 2 هو حديث المسيء صلاته الذي تقدم. 3 وهو خبر المسيء صلاته. 4 هو زيد الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري الشافعي، ولد بسنيكة -بليدة من شرقية مصر- سنة 826، وتوفي في القاهرة سنة 926هـ، وقيل في وفاته غير ذلك، انظر معجم المؤلفين "1/ 733". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 السابع: السجود مرتين، وأقله أن يضع بعض بشرة جبهته على مصلاه، وشرطه: الطمأنينة ووضع جزء من ركبتيه، وجزء من بطون كفيه وأصابع رجليه، وتثاقل رأسه، وعدم الهوي لغيره، فلو سقط على وجهه وجب العود إلى الاعتدال وارتفاع أسافله على أعاليه، وعدم السجود على شيء يتحرك بحركته إلا أن يكون في يده، فلو عصب جميع   رفع رأسه" منه "فزعًا" أو خوفًا "من شيء لم يكف" لوجود الصارف، ولو سقط عن ركوعه من قيام قبل الطمأنينة عاد إليه وجوبًا واطمأن ثم اعتدل أو بعدها نهض معتدلا ثم سجد، ولو شك غير المأموم وهو ساجد هل أتم اعتداله اعتدل فورًا وجوبًا فإن مكث ليتذكر بطلت صلاته. "السابع" من الأركان: "السجود مرتين" في كل ركعة للكتاب1 والسنة والإجماع. "وأقله أن يضع بعض بشرة" أو شعر "جبهته على مصلاه" بلا حائل بينهما وخرج بالجبهة الجبين والأنف. "وشرطه الطمأنينة" فيه للخبر الصحيح: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا" 2 "ووضع جزء" على مصلاه وإن قل أو كان مستورًا أو لم يتحامل عليه على الأوجه "من ركبتيه وجزء من بطون كفيه" سواء الراحة والأصابع "و" جزء من بطون "أصابع رجليه" للخبر الصحيح: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين" 3، "و" شرطه أيضًا "تثاقل رأسه" بأن يتحامل على محل سجوده بثقل رأسه وعنقه بحيث لو كان على قطن لاندك وظهر أثره في يديه لو فرضت تحت ذلك. "و" شرطه "عدم الهوى لغيره" بأن يهوي له أو يطلق نظير ما مر "فلو سقط" من الاعتدال "على وجهه" لمحل السجود "وجب العود إلى الاعتدال" ليهوي منه أو من الهوي عليه لم يلزمه العود بل يحسب ذلك سجودًا ما لم يقصد بوضع جبهته الاعتماد عليها وإلا أعاد السجود لوجود الصارف أو على جنبه فانقلب بنية السجود أو بلا نية أو بنيته ونية الاستقامة أجزأه فقط لوجود الصارف فلا يجزئه بل يجلس ولا يقوم فإن قام عامدًا عالمًا بطلت صلاته. "و" شرطه "ارتفاع أسافله" أي عجيزته وما حولها "على أعاليه" للاتباع فلو تساويا لم يجزه لعدم اسم السجود إلا أن يكون به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك، ولو عجز عن وضع جبهته إلا على نحو وسادة فإن حصل التنكيس لزمه وضع ذلك ليسجد عليه وإلا فلا إذ لا فائدة فيه. "و" شرطه "عدم السجود على شيء" محمول له أو متصل به بحيث "يتحرك بحركته" في قيامه أو قعوده فإن سجد عليه عامدًا عالمًا بطلت صلاته و"إلا" لزمه إعادة السجود فإن لم يتحرك بحركته أو لم يكن من   1 راجع الحاشية الأولى في الصفحة السابقة. 2 هو حديث المسيء صلاته. 3 رواه البخاري في الأذان باب 133 و134 و138، ومسلم في الصلاة حديث 227 و229 و230، والترمذي في المواقيت باب 87، والنسائي في التطبيق باب 44 و58. وابن ماجه في الإقامة باب 19، والدارمي في الصلاة باب 73، وأحمد في المسند "1/ 279، 280، 286، 292، 305". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 جبهته لجراحة وخاف من نزع العصابة سجد عليها ولا قضاء. الثامن: الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة، وأن لا يطوله، ولا الاعتدال، وأن لا يقصد بالرفع غيره، فلو رفع فزعًا من شيء لم يكف. التاسع: التشهد الأخير وأقله: التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتشترط موالاته، وأن يكون بالعربية. العاشر: القعود في التشهد الأخير.   محموله وإن تحرك بحركته مثل "أن يكون" سريرًا هو عليه أو شيئًا "في يده" كعود جاز السجود عليه وإنما بطلت صلاته بملاقاة ثوبه للنجاسة وإن لم يتحرك بحركته لأنه منسوب إليه، وليس المعتبر هنا إلا السجود على قرار وبعدم تحركه بحركته هو قرار، وشرطه أيضًا كما علم من قوله بشرط أن لا يكون بين الجبهة ومحل السجود حائل إلا لعذر. "فلو عصب جميع جبهته لجراحة" مثلًا "وخاف من نزع العصابة" محذور تيمم "سجد عليها" للعذر "ولا قضاء" لأنه عذر غالب دائم. "الثامن" من الأركان: "الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة" ولو في النفل للخبر الصحيح: "ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا" "وأن لا يطوله ولا الاعتدال" لأنهما ركنان قصيران إذ القصد بهما الفصل فإن طولهما فوق ذكرهما بقدر سورة الفاتحة في الاعتدال، وأقل التشهد في الجلوس عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت صلاته. "وأن لا يقصد بالرفع غيره" أي الجلوس "فلو رفع فزعًا من شيء لم يكف" لما مر. "التاسع" من الأركان: "التشهد الأخير" للخبر الصحيح: "قولوا التحيات لله" إلى آخره. "وأقله التحيات لله" جمع تحية وهي ما يحيا به من سلام أو غيره، والقصد الثناء على الله تعالى بأنه مالك لجميع التحيات من الخلق "سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" وهم القائمون بحقوق الله تعالى وحقوق العباد. "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" أو وأن محمدًا عبده ورسوله ولا يكفي وأن محمدًا رسوله. "وتشترط موالاته" لا ترتيبه كما مر. "وأن يكون" هو وسائر أذكار الصلاة المأثورة "بالعربية" فإن ترجم عنها قادرًا على العربية أو عما لم يرد وإن عجز بطلت صلاته، ويشترط أيضًا ذكر الواو العاطفة بين الشهادتين ويتعين لفظ التشهد فلا يكفي معناه بغير لفظه كأن يأتي بدل لفظ الرسول بالنبي أو عكسه أو بدل محمد بأحمد أو بدل أشهد بأعلم، ويشترط رعاية حروفه وتشديداته وعدم الإعراب المخل بالمعنى وإسماع النفس والقراءة في حال القعود القادر. "العاشر" من الأركان: "القعود في التشهد الأخير" لأنه محله فيتبعه في الوجوب على القادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعدًا، وأقلها: اللهم صل على محمد أو على رسوله أو على النبي. الثاني عشر: السلام وأقله السلام عليكم. الثالث عشر: الترتيب فإن تعمد تركه كأن سجد قبل ركوعه بطلت صلاته، وإن سها فما بعد المتروك لغو، فإن تذكر قبل أن يأتي بمثله أتى به، وإلا تمت ركعته وتدارك الباقي، ولو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة سجدها وأعاد تشهده أو من غيرها أو شك فيها أتى بركعة، وإن قام إلى الثانية وقد ترك سجدة من الأولى، فإن كان قد جلس ولو للاستراحة هوى للسجود، وإلا جلس مطمئنًا ثم يسجد، وإن تذكر ترك ركن بعد السلام، فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته، وإن كان غيرها بنى على صلاته إن قرب الفصل ولم يمس نجاسة ولا يضر استدبار القبلة، ولا الكلام، وإن طال الفصل استأنفت الصلاة.   "الحادي عشر" من الأركان: "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعدًا" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بها في الصلاة والمناسب لها منها التشهد آخرها "وأقلها اللهم صل" أو صلى الله "على محمد أو على رسوله أو على النبي" دون أحمد أو عليه ويتعين صيغة الدعاء هنا لا في الخطبة لأنها أوسع، وشروط الصلاة شروط التشهد فلو أبدل لفظ بالسلام أو الرحمة لم يكف. "الثاني عشر" من الأركان: "السلام" بعد ما مر للخبر الصحيح: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم"1 "وأقله السلام عليكم" للاتباع فلا يجزئ سلام عليكم وإنما أجزأ في التشهد كما مر لوروده ثم لا هنا ويجزئ عليكم السلام لكن يكره، ويشترط الموالاة بين قوله السلام وعليكم والاحتراز عن زيادة أو نقص فيه تغيير المعنى وأن يسمع نفسه. "الثالث عشر: الترتيب" كما ذكر في عددها المشتمل على قرن النية بالتكبير وجعلهما مع القراءة في القيام وجعل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود، فالترتيب عند من أطلقه مراد فيما عدا ذلك، وتقديم الانتصاب على تكبيرة الإحرام شرط لها لا ركن، ونية الخروج غير واجبة، والموالاة وهي عدم تطويل الركن القصير وعدم طول الفصل بعد سلامه ناسيًا شرط أيضًا، "فإن تعمد تركه" أي الترتيب بأن قدم ركنًا فعليًّا على محله "كأن سجد قبل ركوعه" عامدًا عالمًا "بطلت صلاته" لتلاعبه بخلاف تقديم القولي غير السلام لأنه لا يخل بهيئتها فيلزمه إعادته في محله. "وإن سها" عن الترتيب فترك بعض الأركان "فما" فعله "بعد المتروك لغو" لوقوعه في غير محله "فإن تذكر" المتروك "قبل أن يأتي بمثله أتى به" محافظة على الترتيب "وإلا" بأن لم يتذكره حتى أتى بمثله من ركعة أخرى "تمت" به "ركعته" لوقوعه في محله ولغا ما بينهما "وتدارك الباقي" من صلاته وسجد آخرها للسهو، ومحل ذلك فيما شملته الصلاة فجزئه الجلوس، وإن نوى به الاستراحة والتشهد عن الأخير وإن ظنه الأول   1 رواه أبو داود في الطهارة باب 31 "حديث 61" والصلاة باب 73 "حديث 618" والترمذي في الطهارة باب 3، والصلاة باب 62، وابن ماجه في الطهارة باب 3، والدارمي في الوضوء باب 22، وأحمد في المسند "1/ 123، 129" عن علي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فصل: "في سنن الصلاة" ويسن التلفظ بالنية قبيل التكبير، واستصحابها، ورفع اليدين مع ابتداء تكبيرة   بخلاف سجدة التلاوة والشكر وسجدتي السهو فإنها لا تقوم السجود لأن نية الصلاة لم تشملها لعروضها فيها، بخلاف جلسة الاستراحة لأنها أصلية فيها، "ولو تيقن" أو شك "في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة سجدها وأعاد تشهده" لوقوعه في غير محله وسجد للسهو "أو" تيقن أو شك في ترك سجدة "من غيرها" أي الركعة الأخيرة "أو شك فيها" هل هي من الأخيرة أو من غيرها "أتى بركعة" لأن الناقصة في مسألة اليقين كملت بسجدة من التي بعدها ولغا ما بينهما وأخذ بالأسوأ في مسألة الشك وهو جعل المتروك من غير الأخيرة حتى تلزمه ركعة لأنه الأحوط. "وإن قام إلى" الركعة "الثانية" مثلًا "وقد ترك سجدة من الأولى" أو شك فيها "فإن كان قد جلس" قبل قيامه "ولو للاستراحة هوى للسجود" اكتفاء بجلوسه لما مر "وإلا" بأن لم يكن جلس قبل قيامه "جلس مطمئنًا ثم يسجد" رعاية للترتيب. "وإن تذكر ترك ركن بعد السلام فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته" وكذا لو شك فيهما. "وإن كان غيرهما بنى على صلاته إن قرب الفصل ولم" يأت بمناف للصلاة كأن "يمس نجاسة" غير معفو عنها. "و" لكن "لا يضر استدبار القبلة" إن قصر زمنه عرفًا "ولا الكلام" إن قل عرفًا أيضًا لأنهما قد يحتملان في الصلاة بخلاف ما إذا طال زمن الأول أو كثر الثاني. "وإن طال الفصل" عرفًا "استأنفت الصلاة" وإن لم يحدث فعلًا آخر، ولا يقال غايته أنه سكوت طويل وتعمده لا يضر خلافًا لمن وهم فيه لأن محله حيث لم يصدر منه شيء غير السكوت، وهنا صدر منه السلام وهو مبطل في هذه الصورة لو علم المتروك فلما جهله جوزنا له البناء ما لم يحصل منه ما يمنعه وهو طول الفصل بين تذكره وسلامه. فصل: في سنن الصلاة وهي كثيرة. "و" منها أنه "يسن التلفظ بالنية" السابقة فرضها ونفلها "قبيل التكبير" ليساعد اللسان القلب وخروجًا من خلاف من أوجب ذلك في كل عبادة تجب لها نية "واستصحابها" ذكرًا بأن يستحضرها بقلبه إلى فراغ الصلاة لأنه معين على الخشوع والحضور، أما حكمًا بأن لا يأتي بمنافيها فواجب. "ورفع اليدين" وإن اضطجع "مع اليدين" همزة "تكبيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الإحرام، وكفه مكشوفة إلى الكعبة ومفرجة الأصابع، ومحاذيًا بإبهاميه شحمة أذنيه، وينهي رفع اليدين مع آخر التكبير، ويرفع يديه عند الركوع، والاعتدال، والقيام من التشهد الأول، فإذا فرغ من التحرم حط يديه تحت صدره، وقبض بكف اليمنى كوع اليسرى، وأول الساعد، ونظر موضع سجوده إلا عند الكعبة، وإلا عند قوله إلا الله فينظر مسبحته، ويقرأ دعاء الاستفتاح عقب تكبيرة الإحرام، ومنه: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان   الإحرام و" تكون "كفه مكشوفة" بل يكره سترها إلا لعذر ومتوجهة "إلى الكعبة" ليقع الاستقبال ببطونها "ومفرجة الأصابع" تفريجًا وسطًَا ليكون لكل عضو استقبال بالعبادة ولا يميل أطرافها نحو القبلة. "و" يسن أن يكون في رفعه "محاذيًا" أي مقابلًا "بإبهاميه" أي رأسهما "شحمة أذنيه" وبرأس بقية أصابعه أعلى أذنيه وبكفيه منكبيه وهذه الكيفية جمع بها الشافعي رضي الله عنه بين الروايات المختلفة في ذلك "وينهي رفع اليدين مع آخر التكبير" على المعتمد والأفضل قرن هذه الهيئة كلها بجميع التكبير، وينبغي أن ينظر قبل الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلًا. "ويرفع يديه" كذلك "عند الركوع" لكن يسن أن يكون ابتداء الرفع وهو قائم مع ابتداء تكبيره فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى "و" عند "الاعتدال" بأن يكون الرفع مع ابتداء رفع رأسه ويستمر إلى انتهائه. "و" عند "القيام من التشهد الأول" للاتباع في الكل "فإذا فرغ من التحرم" لم يستدم الرفع لكراهته بل "حط يديه" مع انتهاء التكبير كما مر "تحت صدره" وفوق سرته فهو أولى من إرسالهما بالكلية ومن إرسالهما ثم ردهما إلى تحت الصدر "وقبض بكف" يده "اليمنى" وأصابعها "كوع" يده "اليسرى" وهو العظم الذي يلي إبهام اليد "وأول الساعد" وبعض الرسغ وهو المفصل بين اليد والساعد، وحكمة ذلك أن يكونا فوق أشرف الأعضاء وهو القلب الذي هو محل النية والإخلاص والخشوع والعادة أن من احتفظ على شيء جعل يده عليه وقيل يبسط أصابعها في عرض المفصل أو ينشرها صوب الساعد. "و" يسن للمصلي "نظر موضع سجوده" في جميع صلاته لأنه أقرب إلى الخشوع، ويسن للأعمى ومن في ظلمة أن تكون حالته حالة الناظر لمحل سجوده "إلا عند الكعبة" فينظرها على ما قاله الماوردي ومن تبعه لكن المعتمد أنه بحضرتها لا ينظر إلا إلى محل سجوده "وإلا عند قوله" في تشهده "إلا الله فينظر" ندبًا "مسبحته" بكسر الباء عند الإشارة بها لخبر صحيح فيه1، وإلا في صلاة الخوف فينظر ندبًا إلى جهة عدوه لئلا يبغتهم "ويقرأ" ندبًا في غير صلاة الجنازة "دعاء الاستفتاح" سرًا "عقب تكبيرة الإحرام" لكن يفصل بينهما بسكتة   1 رواه أبو داود في الصلاة 181 "حديث 988" عن عبد الله بن الزبير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه" وأرانا عبد الواحد: وأشار بالسبابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الله بكرة وأصيلًا. ويفوت بالتعوذ وبجلوس المسبوق مع الإمام لا بتأمينه معه، والتعوذ سرًا قبل القراءة، وفي كل ركعة، والتأمين بعد فراغ الفاتحة، والجهر به في الجهرية والسكوت بين آخر الفاتحة وآمين، وبين آمين والسورة، ويطولها الإمام في الجهرية بقدر الفاتحة وبعد فراغ السورة، وقراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة غير الفاتحة، وفي الصبح   يسيرة للاتباع ومحله إن غلب على ظنه أنه مع الاشتغال بالافتتاح يدرك الفاتحة قبل ركوع الإمام "ومنه الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحانه الله بكرة وأصيلًا" ومنه الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ومنه وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الخ وغير ذلك للأحاديث الصحيحة في كل ذلك، ويسن أن يقول في الأخير: وأنا من المسلمين وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض الأحيان: "وأنا أول المسلمين"؛ لأنه أول مسلمي هذه الأمة. "ويفوت" دعاء الافتتاح "بالتعوذ" فلا يندب له العود إليه لفوات محله "و" يفوت "بجلوس المسبوق مع الإمام" كذلك فلو سلم قبل أن يجلس لم يفت و"لا" يفوت "بتأمينه معه" أي مع إمامه لأنه يسير "و" يسن "التعوذ سرًا قبل القراءة" ولو في صلاة جهرية بالشروط السابقة في دعاء الاستفتاح لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} ، أي إذا أردت قراءة شيء منه {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ} ، أي قل أعوذ بالله من الشيطان {الرَّجِيمِ} ، وهذه أفضل صيغ الاستعاذة. "و" يسن "في كل ركعة" كالقيام الثاني من ركعتي صلاة الخسوف لأنه مأمور به للقراءة وهي في كل ركعة ولا تسن إعادته إذا سجد للتلاوة، ويسن لعاجز أتى بالذكر بدل القراءة. "و" يسن لكل قارئ "التأمين" أي قول آمين أي استجب "بعد" أي عقب "فراغ الفاتحة" أبو بدلها للاتباع في الصلاة وقيس بها خارجها، ويسن تخفيف الميم مع المد وهو الأفصح الأشهر ويجوز القصر، فإن شدد مع المد أو القصر وقصد أن يكون المعنى قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدًا لم تبطل. "و" يسن للمأموم وغيره "الجهر به في" الصلاة "الجهرية" والإسرار به في السرية اتباعًا في المأموم لفعل جماعة كثيرين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقيس بالمأموم غيره. "و" يسن "السكوت" لحظة لطيفة "بين آخر الفاتحة وآمين" لتتميز عن القرآن "وبين آمين والسورة" كذلك "ويطولها" أي هذه السكتة التي بين آمين والسورة "الإمام" ندبًا "في الجهرية بقدر الفاتحة" التي يقرءها المأموم ليتفرغ لسماع قراءته ويشتغل في سكوته هذا بذكر أو قرآن وهو أولى، لكن يظهر أنه إذا اشتغل بالقرآن راعى فيما يقرؤه جهرًا كونه مع ما قرأه سرًا على ترتيب المصحف وكونه عقبه لأن ذلك مندوب. "و" ويسن السكوت لحظة لطيفة أيضًا "بعد فراغ السورة" وقبل الركوع ليتميز بينهما، ويسن سكتة لطيفة أيضًا بين التحرم والافتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبينه وبين القراءة، وكلها مع ما ذكر سكتات خفيفة إلا التي ينتظر فيها المأموم، وليس في الصلاة سكوت مندوب إليه غير ذلك. "و" يسن لكل مصل بالقيد الآتي في المأموم "قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة غير الفاتحة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 والأوليين من سائر الصلوات إلا المأموم إذا سمع الإمام، وسورة كاملة أفضل من البعض، وتطويل قراءة الركعة الأولى، والجهر لغير المرأة بحضرة الأجانب في ركعتي الصبح، وأوليي العشاءين، والجمعة حتى بعد سلام إمامه، وفي العيدين، والاستسقاء، والخسوف، والتراويح، والوتر بعدها والإسرار في غير ذلك، والتوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار، وقراءة قصار المفصل في المغرب، وطواله للمنفرد وإمام   آية فأكثر للاتباع، بل قيل بوجوب ذلك والأولى ثلاث آيات. وقضية كلامه حصول أصل السنة بأقل من آية، وينبغي حمله على حصول أصل السنة. "و" يسن السورة "في" ركعتي "الصبح" والجمعة والعيد وغيرهما مما يأتي. "و" في "الأولتين من سائر الصلوات" ولو نفلا للاتباع في المكتوبات وقيس بها غيرها وقراءته صلى الله عليه وسلم في غير الأولتين لبيان الجواز، نعم المسبوق إذا لم يدرك السورة فيما لحقه مع الإمام يقضيها فيما يأتي به بعد سلامه، أما الفاتحة فلا يتأدى بها إذا كررها أصل سنية السورة لأن الشيء الواحد لا يتأدى به فرض ونفل مقصودان في محل واحد، ولو اقتصر المتنفل على تشهد واحد سنت له السورة في الكل أو أكثر سنت له فيما قبل التشهد الأول "إلا المأموم إذا سمع الإمام" أي قراءته فلا تسن له حينئذ سورة لما صح من النهي عن ذلك، أما لو لم يسمعها أو سمع صوتًا لا يفهمه فتسن له السورة "سورة كاملة أفضل من البعض" من طويلة وإن طال لما فيه من الاتباع الذي قد يزيد ثوابه على ثواب زيادة الحروف، ولاشتمال السورة على مبدأ ومقطع ظاهرين بخلاف البعض، هذا إن لم يرد الاقتصار عليه وإلا كقراءة آيتي البقرة وآل عمران في سنة الصبح، والقرآن جميعه في التراويح كان البعض أفضل. "و" يسن "تطويل قراءة الركعة الأولى" على الثانية للاتباع ولأن النشاط فيها أكثر، نعم قد يطلب تطويل الثانية على الأولى لورود فيها كـ {سَبِّحْ} [الأعلى: 1] ، و {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] ، في نحو الجمعة أو ليلحق نحو المزحوم. "و" يسن "الجهر" بالقراءة "لغير المرأة" والخنثى أما هما "بحضرة الأجانب" فيسن لهما عدم الجهر خشية الفتنة، وبحضرة نحو المحارم فيسن لهما الجهر لكن دون جهر الرجل، وسنية الجهر تكون "في ركعتي الصبح وأوليي العشاءين" أي المغرب والعشاء "و" في "الجمعة حتى" في ركعة المسبوق التي يأتي بها "بعد سلام إمامه وفي العيدين والاستسقاء والخسوف" للقمر "والتراويح والوتر بعدها" للأحاديث الصحيحة في أكثر ذلك وبالقياس في غيره. "و" يسن "الإسرار في غير ذلك" كذلك أيضًا. "و" يسن "التوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار" إن لم يخف رياء أو تشويشًا على نحو مصل أو طائف أو قارئ أو نائم وإلا أسر، والتوسط أو يجهر تارة ويسر أخرى كما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وخرج بالمطلقة المقيدة بوقت أو سبب فنحو العيدين يندب فيه الجهر كما مر، ونحو الرواتب يندب فيه الإسرار، وحد الجهر أن يكون بحيث يسمع غيره، والإسرار أن يكون بحيث يسمع نفسه. "و" يسن "قراءة قصار المفصل في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 محصورين رضوا في الصبح، وفي الظهر بقريب منه، وفي العصر والعشاء بأوساطه كالشمس ونحوها، وفي أولى صبح الجمعة {الم, تَنْزِيلُ} ، وفي الثانية {هَلْ أَتَى} ، وسؤال الرحمة عند آية رحمة، والاستعاذة عند آية عذاب، والتسبيح عند آية التسبيح وعند آخر {وَالتِّينِ} وآخر القيامة "بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ"، وآخر المرسلات: "آمَنَّا بِاللَّهِ"، يفعل ذلك الإمام والمأموم، ويجهران به في الجهرية، والتكبير للانتقال، ومده إلى الركن الذي بعده إلا في الاعتدال فيقول: سمع الله لمن حمده.   المغرب وطواله" بكسر أوله وضمه بالنسبة "للمنفرد وإمام محصورين رضوا" بالتطويل "في الصبح وفي الظهر بقريب منه" أي مما يقرأ في الصبح "وفي العصر والعشاء بأوساطه" للاتباع قال ابن معن1. وطواله من الحجرات إلى عم ومنها إلى الضحى أوساطه ومنها إلى آخر القرآن قصاره وفيه نظر, وإن كان قول المصنف "كالشمس ونحوها" يوافقه والمنقول كما قاله ابن الرفعة وغيره أن طواله كقاف والمرسلات، وأوساطه كالجمعة، وقصاره كسورة الإخلاص، وأشار بقوله للمنفرد إلخ أن طواله وإن قل حضوره رضوا بالتطويل إلا للمنفرد وإمام محصورين بمسجد غير مطروق لم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره رضوا بالتطويل وكانوا أحرارًا ولم يكن فيهم متزوجات ولا أجراء عين وإلا اشترط إذن السيد والزوج والمستأجر، فإن اختل شرط من ذلك ندب الاقتصار في سائر الصلوات على قصار المفصل، ويكره خلافه خلافًا لما ابتدعه جهلة الأئمة من التطويل الزائد على ذلك، وكذا يقال في سائر أذكار الصلوات، فلا يسن للإمام تطويلها على أدنى الكمال فيها إلا بهذه الشروط وإلا كره "و" يسن "في أولى صبح الجمعة الم تنزيل وفي الثانية هل أتى" بكمالها للاتباع، وتسن المداومة عليهما، ولا نظر إلى قول يسن الترك في بعض الأيام لأن العامة قد تعتقد وجوبهما خلافًا لبعض ولو ضاق الوقت عنهما، فسورتان قصيرتان أفضل من بعضهما على الأوجه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقين، وفي مغاربها بالكافرون والإخلاص فيكون ذلك سنة، ويسن الكافرون والإخلاص أيضًا في سنة الصبح والمغرب والطواف والإحرام والاستخارة وفي صبح المسافر وإن قصر سفره أو كان نازلا. "و" يسن "سؤال الرحمة" بنحو: {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِين} [المؤمنون: 118] ، "عند" قراءة "آية رحمة والاستعاذة" بنحو: رب أعذني من عذابك "عند" قراءة "آية عذاب" نحو: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71] ، "و" يسن "التسبيح عند" قراءة "آية التسبيح" نحو: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، "و" يسن "عند" قراءة "آخر" سورة "والتين وآخر" سورة "القيامة" أن يقول "بلى وأنا على ذلك من الشاهدين" عند قراءة "آخر" سورة "المرسلات آمنا بالله يفعل ذلك الإمام" والمنفرد لقراءة نفسه "والمأموم" لقراءة إمامه أو نفسه حيث سنت له وغير المصلى لكل قراءة سمعها "ويجهران" أي الإمام والمأموم وكذا المنفرد "به" أي بما ذكر "في الجهرية" كما في المجموع. "و" يسن لكل مصل "التكبير للانتقال" من ركن إلى آخر فيكبر للركوع والسجود والرفع منه ومن التشهد الأول، ويسن ابتداؤه عند أول هويه أو رفعه. "ومده إلى الركن الذي بعده" وإن جلس للاستراحة للاتباع ولئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر والمد المذكور إنما هو على لام الجلالة "إلا في الاعتدال" ولو لثاني قيام الكسوف "فيقول" إمامًا كان أو منفردًا أو مأمومًا مبلغًا أو غيره: "سمع الله لمن حمده" للاتباع أي تقبل الله منه حمده ويحصل أصل السنة بقوله من حمد الله سمعه.   1 لعله محمد بن سعيد بن معن القريضي اليمني الشافعي المعروف بابن معن. ولد سنة 497هـ، وتوفي سنة 576هـ. له: مختصر إحياء علوم الدين للغزالي، والمستصفى في سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 فصل: "في سنن الركوع" ويسن في الركوع مد الظهر والعنق ونصب ساقيه وفخذيه وأخذ ركبتيه بيديه وتفريق الأصابع وتوجيهها للقبلة، ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده. وثلاثًا أفضل. ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين.   فصل: في سنن الركوع "ويسن في الركوع مد الظهر والعنق" حتى يستويا كالصفحة للاتباع فإن ترك ذلك كره. "ونصب ساقيه وفخذيه" لأنه أعون على مد الظهر والعنق "و" يسن فيه أيضًا "أخذ ركبتيه بيديه" مع تفريقهما "وتفريق الأصابع" للاتباع ويسن كونه تفريقًا وسطًا "وتوجيهها للقبلة" لا يمنة ولا يسرة لأنها أشرف الجهات. "ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده" ويحصل أصل السنة بمرة ولو بنحو سبحان الله. "و" قوله ذلك "ثلاثًا" فخمسًا فسبعًا فتسعًا فإحدى عشرة. "أفضل" للاتباع "ويزيد المنفرد" إن شاء "و" كذا "إمام" جمع "محصورين رضوا بالتطويل" بالشروط السابقة وإلا اقتصر على التسبيح ثلاثًا: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي" أي حملته وهو جميع الجسد فيكون من ذكر العام بعد الخاص "لله رب العالمين" تأكيد لقوله لك وذلك للاتباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فصل: "في سنن الاعتدال" الجزء: 1 فصل: "في سنن الركوع" ويسن في الركوع مد الظهر والعنق ونصب ساقيه وفخذيه وأخذ ركبتيه بيديه وتفريق الأصابع وتوجيهها للقبلة، ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده. وثلاثًا أفضل. ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين.   فصل: في سنن الركوع "ويسن في الركوع مد الظهر والعنق" حتى يستويا كالصفحة للاتباع فإن ترك ذلك كره. "ونصب ساقيه وفخذيه" لأنه أعون على مد الظهر والعنق "و" يسن فيه أيضًا "أخذ ركبتيه بيديه" مع تفريقهما "وتفريق الأصابع" للاتباع ويسن كونه تفريقًا وسطًا "وتوجيهها للقبلة" لا يمنة ولا يسرة لأنها أشرف الجهات. "ويقول: سبحان ربي العظيم وبحمده" ويحصل أصل السنة بمرة ولو بنحو سبحان الله. "و" قوله ذلك "ثلاثًا" فخمسًا فسبعًا فتسعًا فإحدى عشرة. "أفضل" للاتباع "ويزيد المنفرد" إن شاء "و" كذا "إمام" جمع "محصورين رضوا بالتطويل" بالشروط السابقة وإلا اقتصر على التسبيح ثلاثًا: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي" أي حملته وهو جميع الجسد فيكون من ذكر العام بعد الخاص "لله رب العالمين" تأكيد لقوله لك وذلك للاتباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فصل: "في سنن الاعتدال" ويسن إذا رفع رأسه للاعتدال أن يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، والقنوت في اعتدال ثانية الصبح، وأفضله: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك، ويأتي الإمام بلفظ الجمع، ويسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخره ورفع اليدين فيه، والجهر به للإمام وتأمين المأموم للدعاء، ويشاركه في الثناء، وقنوته إن لم يسمع قنوت إمامه، ويقنت في سائر المكتوبات للنازلة.   فصل: في سنن الاعتدال "ويسن إذا رفع رأسه للاعتدال أن يقول" عند ابتداء الرفع: "سمع الله لمن حمده" إمامًا كان أو غيره كما مر. "فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد" أو ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو لك الحمد، أو ولك الحمد ربنا، أو الحمد لربنا للاتباع "ملء السموات" بالرفع والنصب أي مالئًا بتقدير كونه جسمًا "وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" أي كالكرسي والعرش وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله. "ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا بالتطويل" بالشروط السابقة: "أهل" أي يا أهل "الثناء" أي المدح "والمجد" أي العظمة "أحق مبتدأ "ما قال العبد وكلنا لك عبد" جملة معترضة "لا مانع" خبر "لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت ولا ينفع ذا الجد" أي صاحب الغنى "منك" أي عندك "الجد" أي الغنى وإنما ينفعه ما قدمه من أعمال البر وذلك للاتباع. "و" يسن "القنوت في اعتدال ثانية الصبح" بعد الذكر الراتب وهو إلى من شيء بعد لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا، ويحصل أصل السنة بآية فيها دعاء إن قصده وبدعاء محض ولو غير مأثور إن كان بأخروي وحده أو مع دنيوي "وأفضله" ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وهو: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت" أي معهم "وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضتي فإنك" زيادة الفاء فيه أخذت من ورودها في قنوت الوتر "تقضي ولا يقضى عليك وإنه" في الواو هنا ما ذكر في الفاء1 "لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت" , ولا بأس بزيادة: "فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك ويأتي الإمام" به "بلفظ الجمع" وكذا سائر الأذكار لخبر فيه إلا التي وردت بصيغة الانفراد نحو: رب اغفر لي إلى آخر بين السجدتين. "ويسن الصلاة" والسلام "على النبي صلى الله عليه وسلم" وآله وصحبه "في آخره" للاتباع في الصلاة وقياسًا في الباقي "ورفع اليدين" مكشوفتين إلى السماء "فيه", أي ولو في حال الثناء كسائر الأدعية, ويجعل فيه وفي غيره ظهر كفيه إلى السماء إن دعا لرفع بلاء وقع وعكسه إن دعا لتحصيل شيء كرفع   1 قبل سطرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فصل: "في سنن السجود" ويسن في السجود وقع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه مكشوفًا، ومجافاة الرجل مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويجافي في الركوع أيضًا، وتضم المرأة بعضها إلى بعض، وسبحان ربي الأعلى وبحمده وثلاثًا أفضل، ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا: سبوح قدوس رب الملائكة والروح, اللهم لك سجدت وبك آمنت, ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين، واجتهاد المنفرد في الدعاء في سجوده، والتفرقة بين القدمين والركبتين والفخذين ووضع الكفين حذو المنكبين، وضم أصابع اليدين واستقبالها ونشرها ونصب القدمين وكشفهما وإبرازهما من ثوبه، وتوجيه أصابعهما للقبلة والاعتماد على بطونهما.   البلاء عنه فيما بقي من عمره، ولا يسن مسح الوجه بهما عقب القنوت بل يكره مسح نحو الصدر "والجهر به للإمام" في الجهرية والسرية للاتباع ولكن الجهر به دون الجهر بالقراءة، وأما المنفرد فيسر به مطلقًا. "وتأمين المأموم" جهرًا إذا سمع قنوت إمامه "للدعاء" منه ومن الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمن لها. "ويشاركه في الثناء" سرًا وهو: فإنك تقضي ولا يقضى عليك ... إلخ, فيقوله سرًا أو يقول: أشهد أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين أو نحو ذلك أو يستمع والأول أولى. "و" يسن "قنوته" سرًا "إن لم يسمع قنوت إمامه" كبقية الأذكار والدعوات التي لا يسمعها "ويقنت" ندبًا "في" اعتدال الركعة الأخيرة من "سائر" أي باقي "المكتوبات للنازلة" إذا نزلت بالمسلمين أو بعضهم إن عاد نفعه عليهم كالعالم والشجاع1 والخوف من نحو عدو ولو من المسلمين والقحط والجراد والوباء والطاعون ونحوها لما صح أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك شهرًا2 لدفع ضرر عدوه عن المسلمين، وخرج بالمكتوبة النفل والمنذورة وصلاة الجنازة فلا يسن فيها. فصل: في سنن السجود "ويسن في السجود وضع ركبتيه" أولا للاتباع, وخلافه منسوخ على ما فيه "ثم يديه ثم جبهته وأنفه" معًا, ويسن كونه3 "مكشوفًا" قياسًا على كشف اليدين, ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الأنف. "و" يسن فيه أيضًا "مجافاة4 الرجل" أي الذكر ولو صبيًّا بشرط أن يكون مستورًا "مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه" وتفريق ركبتيه "ويجافي في الركوع" كذلك "أيضًا" للاتباع إلا في رفع البطن عن الفخذين في الركوع فبالقياس. "وتضم المرأة" أي   1 أي النازلة التي تنزل بالمسلمين لموت العالم والشجاع. 2 روى البخاري في الجنائز باب 41 "حديث 1300" عن أنس قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قتل القرّاء، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزنًا قط أشد منه". ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 301" بلفظ: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يدعون القرّاء، فمكث شهرًا يدعو على قتلتهم". ورواه أيضًا "حديث 303" بلفظ: "قنت شهرًا يلعن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله ورسوله". ورواه "حديث 304" بلفظ: "قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه". 3 أي أنفه. 4 جافى الشيء: أبعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فصل: "في سنن الجلوس بين السجدتين" ويسن في الجلوس بين السجدتين الافتراش، ووضع يديه قريبًا من ركبتيه ونشر أصابعهما وضمهما قائلا: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني واعف عني، وتسن جلسة خفيفة للاستراحة قدر الجلوس بين السجدتين بعد كل سجدة يقوم عنها إلا سجدة التلاوة، والاعتماد بيديه على الأرض عند القيام.   الأنثى ولو صغيرة ومثلها الخنثى "بعضها إلى بعض" في الركوع والسجود كغيرهما لأنه1 أسر لها وأحوط له ولو استمسك حدث السلس بالضم فالذي يظهر أخذًا من كلامهم وجوب الضم. "و" يسن في السجود "سبحان ربي الأعلى وبحمده" للاتباع, وأقله مرة, وأكثره إحدى عشرة مرة. "و" كونه "ثلاثًا" للإمام "أفضل" نظير ما مر في تسبيح الركوع. "ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا" بالتطويل بالشروط السابقة على الثلاث إلى إحدى عشرة مرة, ثم "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" وهو جبريل وقيل: غيره. "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين" للاتباع. "و" يسن أيضًا "اجتهاد المنفرد" وإمام من مر "في الدعاء في سجوده" سيما بالمأثور فيه وهو كثير لخبر مسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه" أي من رحمته ولطفه وإنعامه عليه "وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء" 2. "و" يسن فيه أيضًا لكل مصل "التفرقة" بقدر شبر "بين القدمين والركبتين والفخذين ووضع الكفين حذو المنكبين" للاتباع وهو مجتمع عظم الكتف والعضد. "وضم أصابع اليدين واستقبالها ونشرها" للقبلة للاتباع "ونصب القدمين وكشفهما" حيث لا خف, "وإبرازهما من ثوبه وتوجيه أصابعهما للقبلة والاعتماد على بطونهما"؛ لأن ذلك أعون على الحركة وأبلغ في الخشوع والتواضع. فصل: في سنن الجلوس بين السجدتين "ويسن في الجلوس بين السجدتين الافتراش" الآتي. "ووضع يديه" فيه على فخذيه وكون موضعهما "قريبًا من ركبتيه" بحيث تسامت3 رؤوسهما الركبة ولا يضر في أصل السنة   1 أي الضم. 2 رواه من حديث أبي هريرة مسلم في الصلاة "حديث 215" والنسائي في المواقيت باب 35، والتطبيق باب 78. والترمذي في الدعوات باب 118، وأحمد في المسند "2/ 421". 3 تسامت: تقابل وتوازي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فصل: "في سنن التشهد" ويسن في التشهد الأخير التورك، وهو أن يخرج رجله من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض، إلا من كان عليه سجود سهو أو مسبوقًا فيفترش، ويضع يده اليسرى على فخذه   انعطاف رؤوس أصابعهما على ركبتيه، وعلم مما قررت به كلامه أنه لو جلس, ثم سجد ولم يرفع يديه عن الأرض صحت صلاته, وهو كذلك خلافًا لمن زعم بطلانها. "ونشر أصابعهما وضمهما" صوب القبلة "قائلا: رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني" للاتباع "واعف عني", وهذا زاده الغزالي لمناسبته لما قبله. "وتسن جلسة خفيفة للاستراحة" للاتباع ويسن كونها "قدر الجلوس بين السجدتين" فإن زاد عليه أدنى زيادة كره, وقدر التشهد بطلت صلاته؛ لأن تطويل جلسة الاستراحة كتطويل الجلوس بين السجدتين كما بينته في غير هذا المحل1 ومحلها "بعد كل سجدة يقوم عنها" وتسن في التشهد الأول عند تركه وفي غير العاشرة لمن صلى عشر ركعات مثلًا بتشهد واحد، قال الأذرعي: وقد تحرم إن فوتت بعض الفاتحة لكونه بطيء النهضة أو القراءة والإمام سريعها وهي فاصلة وليست من الأولى ولا من الثانية، وتسن بعد كل سجدة يقوم عنها "إلا" بعد "سجدة التلاوة" لأنها لم ترد فيها "و" يسن لكل مصل "الاعتماد بيديه" أي ببطنهما مبسوطتين "على الأرض عند القيام" عن سجود أو قعود للاتباع، والنهي عن ذلك2 ضعيف. فصل: في سنن التشهد "ويسن" لكل مصل "في التشهد الأخير التورك وهو أن يخرج رجله من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض" للاتباع "إلا من كان عليه سجود سهو", ولم يرد تركه سواء أراد فعله أو أطلق على الأوجه "أو" كان "مسبوق" الأولى أو مسبوقًا "فيفترش" كلا منهما كما في سائر جلسات الصلاة ما عدا ما ذكر للاتباع والافتراض أن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الأرض وينصب يمناه ويضع بطون أصابعها على الأرض ورؤوسها للقبلة "ويضع" ندبًا   1 صفحة 94 في الركن الثامن من أركان الصلاة: "الجلوس بين السجدتين وشرطه الطمأنينة وأن لا يطوله". 2 روى أبو داود في الصلاة باب 182 "حديث 992" وأحمد في المسند "2/ 147" عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 اليسرى في الجلوس للتشهد وغيره مبسوطة مضمومة محاذيًا برؤوسها طرف الركبة، ووضع اليد اليمنى على طرف الركبة اليمنى ويقبض في التشهدين أصابعها إلا المسبحة فيرسلها، ويضع الإبهام تحتها كعاقد ثلاثة وخمسين، ورفعها عند إلا الله بلا تحريك لها، وأكمل التشهد: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا   "يده اليسرى على فخذه اليسرى في الجلوس للتشهد وغيره" من سائر جلسات الصلاة وأفهم كلامه أنه يسن وضع مرفق يسراه وساعدها أيضًا على الفخذ, وهو ما صرح به غيره وعليه لا مبالاة بما فيه من نوع عسر، ويسن كون أصابعها "مبسوطة مضمومة", ويسن كونه "محاذيًا برؤوسها طرف الركبة" بحيث تسامتها رؤوسها ولا يضر انعطافها كما مر. "و" يسن "وضع اليد اليمنى على طرف الركبة اليمنى" كذلك في كل جلوس ما عدا جلوس التشهد. "ويقبض" في الجلوس لأجل "التشهدين" الأول والآخر "أصابعها" الخنصر والبنصر والوسطى "إلا المسبحة فيرسلها" ممدودة, "ويضع الإبهام" أي رأسها "وتحتها" أي عند أسفلها على حرف الراحة "كعاقد ثلاثة وخمسين" للاتباع وكون هذه الكيفية ثلاثة وخمسين طريقة لبعض الحساب وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين, وآثر الفقهاء الأول تبعًا للفظ الخبر ولو أرسل الإبهام والسبابة معًا أو قبضهما فوق الوسطى أو حلق بينهما برأسهما أو وضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام أتى بالسنة لورود جميع ذلك لكن الأول أفضل لأن رواته أفقه. "و" يسن "رفعها" أي المسبحة مع إمالتها قليلا لخبر صحيح1 فيه لئلا تخرج عن سمت القبلة وخصت بذلك لأنه لها اتصالا بنياط2 القلب فكان رفعها سببًا لحضوره "عند" الهمزة من قوله "إلا الله" للاتباع ويقصد أن المعبود واحد ليجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله, ويستديم رفعها إلى السلام "بلا تحريك لها", فلا يسن بل يكره وإن ورد فيه حديث؛ لأن المراد بالتحريك فيها الرفع وتكره الإشارة باليسرى ولو لأقطع لفوات سنية بسطها. "وأكمل التشهد" ما رواه مسلم3 عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو "التحيات المباركات" أي الناميات "الصلوات" أي الخمس, وقيل: الدعاء بخير "الطيبات" أي الصالحات للثناء على الله "لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدًا   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 181 "حديث 991" والنسائي في السهو باب 38، وأحمد في المسند "3/ 471" عن مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعًا إصبعه السبابة قد حناها شيئًا". 2 النياط: عرق غليظ علق به القلب إلى الرئتين "المعجم الوسيط: ص963". 3 في الصلاة "حديث 60". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 رسول الله، وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والدعاء بعده بما شاء، وأفضله: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال؛ ومنه: اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم؛ ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، ويكره الجهر بالتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح.   رسول الله", وفي رواية1: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله الصلوات لله، وقدم الأول لأنه أصح، وليس في هذا زيادة إذ المباركات ثم بمعنى الزاكيات هنا وهما أولى من خبر ابن مسعود رضي الله عنه وإن كان أصح منهما وهو: التحيات والصلوات والطيبات السلام عليك ... إلخ, إلا أنه قال: وأشهد أن محمدًا عبد وروسوله لما فيهما من الزيادة عليه ولتأخر الأول عنه وموافقته لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] ، "وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم", وعلى آله ما في الأذكار2 وغيره وهو أولى مما في الروضة3 لزيادته عليه وهو: "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد", ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد، وخبر: "لا تسيدوني في الصلاة"4 ضعيف, بل لا أصل له، وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وآلهما, وخص إبراهيم بالذكر لأن الرحمة والبركة لم تجتمعا لنبي غيره. "و" يسن "الدعاء بعده" أي بعد التشهد الأخير "بما شاء وأفضله: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن شر فتنة المسيح" بالحاء المهملة لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبالخاء المعجمة لمسخ إحدى عينيه. "الدجال" أي الكذاب للاتباع, وفيه قول بالوجوب فكان أفضل مما بعده. "ومنه: اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم. ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت", ولا مانع من طلب مغفرة ما سيقع إذا وقع, فلا يحتاج لتأويل ذلك. "وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت   1 لفظ " الزكيات" رواه البيهقي في السنن الكبرى "2/ 141، 145، 377" والدارقطني في سننه "1/ 351". 2 انظر الأذكار النووية "ص107-109". 3 روضة الطالبين للنووي. راجع الحاشية 5 ص65. 4 ذكره البغوي في شرح السنة "381". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فصل: "في سنن السلام" وأكمل السلام: السلام عليكم ورحمة الله، وتسليمة ثانية والابتداء به مستقبل القبلة، والالتفات في التسليمتين بحيث يرى خده الأيمن في الأولى، وخده الأيسر في الثانية، ناويًا بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة، والسلام على من على يمينه من ملائكة ومسلمي إنس وجن، وينوي المأموم بالتسليمة الثانية الرد على الإمام إن كان على يمينه، وإن كان على يساره فبالأولى، وإن كان قبالته تخير وبالأولى أحب، وينوي الإمام الرد على المأموم.   أعلم به مني أنت المقدم, وأنت المؤخر لا إله إلا أنت", ومنه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ومنه: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وروي كبيرًا بالموحدة والمثلثة1 فيسن الجمع بينهما خلافًا لمن نازع فيه، ويسن أن يجمع المنفرد وإمام من مر بشرطه بين الأدعية المأثورة في كل محل, لكن السنة هنا أن يكون الدعاء أقل من التشهد والصلاة. "ويكره" لكل مصل "الجهر بالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح" وسائر الأذكار التي لم يطلب فيها الجهر. فصل: في سنن السلام "وأكمل السلام: السلام عليكم ورحمة الله" دون وبركاته. "و" يسن "تسليمة ثانية", وإن تركها إمامه للاتباع, وقد تحرم إن عرض عقب الأولى مناف كحدث وخروج وقت جمعة ونية إقامة, وهي وإن لم تكن جزأ من الصلاة إلا أنها من توابعها ومكملاتها، ويسن فصلها عن الأولى، "والابتداء به" أي بالسلام فيهما "مستقبل القبلة" بوجهه أما بصدره فواجب "والالتفات في التسليمتين بحيث يرى خده الأيمن في الأولى وخده الأيسر في الثانية" للاتباع. ويسن له أن يكون "ناويًا بالتسليمة الأولى" مع أولها الخروج من الصلاة" خروجًا من خلاف من أوجبها، أما لو نوى قبل الأولى فإن صلاته تبطل أو بعد أولها فإنه لا يحصل له أصل السنة, ولا يضر تعيين غير صلاته خطأ بخلافه عمدًا. "و" يسن لكل مصل "السلام" أي نيته "على من على يمينه من ملائكته ومسلمي إنس وجن وينوي" ندبًا "المأموم بالتسليمة الثانية الرد على الإمام إن كان عن يمينه, وإن كان عن يساره فبالأولى" ينوي الرد عليه, "وإن كان" الإمام "قبالته تخير" بين أن ينوي عليه بالأولى أو الثانية "وبالأولى أحب" لسبقها "وينوي الإمام" الابتداء   1 أي "كثيرًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فصل: "في سنن بعد الصلاة وفيها" ويندب الذكر عقب الصلاة، ويسر به إلا الإمام المريد تعليم الحاضرين فيجهر إلى أن يتعلموا، ويقبل الإمام على المأمومين: يجعل يساره إلى المحراب، ويندب فيه وفي   على من على يمينه بالأولى ومن على يساره إذا لم يفعل السنة بأن سلم قبل أن يسلم الإمام الثانية "على المأموم" الذي على يساره إذا لم يفعل السنة بأن سلم قبل أن يسلم الإمام الثانية ولم يصبر إلى فراغه منها، ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض فينويه من على يمين المسلم بالثانية ومن على يساره بالأولى ومن خلفه وأمامه وبأيهما شاء والأولى أولى لسبقها، والأصل في ذلك خبر البزار1: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة", وخبر الترمذي وحسنه عن علي رضي الله تعالى عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعًا وبعدها أربعًا وقبل العصر أربعًا بفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين"2. فصل: في سنن بعد الصلاة وفيها "ويندب الذكر" والدعاء المأثوران "عقب الصلاة" من ذلك: أستغفر الله ثلاثًا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، والتسبيح ثلاثًا وثلاثين والتحميد كذلك والتكبير أربعًا وثلاثين أو ثلاثًا وثلاثين وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومنه: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, وقراءة الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي والفاتحة. ومنه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلخ بزيادة: يحيي ويميت عشرًا بعد الصبح والعصر والمغرب و {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180] ، إلى آخر السورة، وآية {شَهِدَ اللهُ} [آل عمران: 18] ، و {قُلِ اللَّهُمَ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] ، إلى {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 27] ، وغير ذلك مما بسطته في شرح مختصر الروض3 مع بيان الترتيب والأكمل فيه. "ويسر به" المنفرد والمأموم خلافًا لما يوهمه كلام الروضة4. "إلا الإمام المريد تعليم الحاضرين فيجهر إلى أن يتعلموا" وعليه حملت أحاديث الجهر بذلك, لكن استبعده الأذرعي واختار ندب رفع الجماعة أصواتهم بالذكر دائمًا "ويقبل الإمام" ندبًا   1 هو صاحب المسند الكبير في الحديث أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار الحافظ أبو بكر. سكن الرملة وتوفي بها سنة 292هـ، انظر هدية العارفين "1/ 54". 2 رواه الترمذي في الصلاة باب 26، والجمعة باب 66، والنسائي في الإقامة باب 65، وابن ماجه في الإقامة باب 109. 3 في كشف الظنون "ص919": "الروض: مختصر الروضة في الفروع للنووي، وهو لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المعروف بابن المقري اليمني الشافعي المتوفى سنة 837هـ". 4 سبق التعريف به، وهو للنووي، راجع الحاشية 5 ص65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 كل دعاء رفع اليدين، ثم مسح الوجه بهما، والدعوات المأثورة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره، وأن ينصرف الإمام عقب سلامه إذا لم يكن ثم نساء، ويمكث المأموم حتى يقوم الإمام وينصرف في جهة حاجته، وإلا ففي جهة يمينه، وأن يفصل بين السنة والفرض بكلام أو انتقال وهو أفضل، والنفل الذي لا تسن فيه الجماعة في بيته أفضل، ومن سنن الصلاة: الخشوع وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر، والدخول فيها بنشاط، وفراغ القلب.   "على المأمومين" وفي الذكر والدعاء عقب الصلاة, وذلك بحيث "يجعل يساره إلى المحراب" ويمينه إليهم وإن كان بالمسجد النبوي، وقول ابن العماد: يحرم جلوسه بالمحراب مردود. "ويندب فيه" يعني في الذكر الذي هو دعاء "وفي كل دعاء رفع اليدين" للاتباع ولو فقدت إحدى يديه أو كان بها علة رفع الأخرى، ويكره رفع المتنجسة ولو بحائل وغاية الرفع حذو المنكبين إلا إذا اشتد الأمر، قال الغزالي: ولا يرفع بصره إلى السماء، وتسن الإشارة بسبابته اليمنى وتكره بأصبعين "ثم مسح الوجه بهما" للاتباع, "و" يندب في كل دعاء "الدعوات المأثورة" عنه صلى الله عليه وسلم في أدعيته, وهي كثيرة يضيق نطاق الحصر عنها أي تحريها والاعتناء بها لمزيد بركتها وظهور غلبة رجاء استجابتها ببركته صلى الله عليه وسلم. ومنها: "اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار، واللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء"، ومنها ما مر آخر التشهد: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، ويسن في كل دعاء الحمد أوله، والأفضل تحري مجامعه كالحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، "والصلاة" والسلام "على النبي صلى الله عليه وسلم أوله" بعد الحمد ووسطه "وآخره" للاتباع. "و" يندب "أن ينصرف الإمام" والمأموم والمنفرد "عقب سلامه" وفراغه من الذكر والدعاء بعده "إذا لم يكن ثم" أي بمحل صلاته "نساء" أو خناثى, وإلا مكث حتى ينصرفن, "و" أن "يمكث المأموم" في مصلاه "حتى يقوم الإمام" من مصلاه إن أراده1 عقب الذكر والدعاء إذ يكره للمأموم الانصراف قبل ذلك حيث لا عذر له. "و" أن "ينصرف في جهة حاجته" أي جهة كانت "وإلا" بأن لم يكن له حاجة "ففي جهة يمينه" ينصرف لأنه أفضل. "و" يندب "أن يفصل بين السنة" القبلية والبعدية "والفرض بكلام أو انتقال" من مكانه الأول إلى آخر للنهي عن وصل ذلك2 إلا بعد ما ذكر، والأفضل الفصل بين الصبح وسنته باضطجاع على جنبه الأيمن   1 أي القيام. 2 في حديث معاوية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج". رواه مسلم في الجمعة حديث 73، وأبو داود في الصلاة باب 238، وأحمد في المسند "4/ 95، 99". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فصل: "في شروط الصلاة" وشروط الصلاة: الإسلام والتمييز، ودخول الوقت والعلم بفرضيتها، وأن لا يعتقد فرضًا من فروضها سنة، والطهارة عن الحدثين، فإن سبقه بطلت، والطهارة عن الخبث في   أو الأيسر للاتباع "وهو" أي الفصل بانتقال "أفضل" تكثيرًا للبقاع التي تشهد له يوم القيامة "والنفل الذي لا تسن فيه الجماعة في بيته أفضل" منه بالمسجد للخبر الصحيح: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"1 وسواء كان المسجد خاليًا وأمن الرياء أم لا، لأن العلة ليست خوف الرياء فقط بل مع النظر إلى عود بركة صلاته على منزله. "ومن سنن الصلاة الخشوع" بل هو أهمها؛ لأن فقده يوجب عدم ثواب ما فقد فيه من كلها أو بعضها وللخلاف القوي في وجوبه في جزء من صلاته وهو حضور القلب وسكون الجوارح. "وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر" لأن ذلك أعون على الخشوع والحضور فيه "والدخول فيها" أي في الصلاة "بنشاط" لأنه تعالى ذم المنافقين بكونهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى2. "وفراغ القلب" من الشواغل الدنيوية ومن التفكر في غير ما هو فيه ولو في أمر من أمور الآخرة لأن ذلك أعون على الحضور، وبقي من سنن الصلاة شيء كثير، ومن ثم قال بعض أئمتنا: من صلى الظهر أربع ركعات كان عليه فيها ستمائة سنة. ويكره ترك سنة من سنن الصلاة. ا. هـ. فينبغي الاعتناء بسننها لأن الكراهة قد تنافي الثواب أو تبطله. فصل: في شروط الصلاة والشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته3. "وشروط" صحة "الصلاة الإسلام والتمييز" لما مر في الوضوء "ودخول الوقت" ولو ظنًا كما مر, "والعلم بفرضيتها" بتفصيله السابق في الوضوء فلا تصح ممن جهل بفرضيتها بخلاف من علمها فإنها تصح منه مطلقًا إلا إن قصد بفرض معين النفلية، ومن ثم قال: "وأن لا يعتقد فرضًا" أي معينًا "من فروضها سنة" لإخراجه حينئذ الفرض عن حقيقته الشرعية "والطهارة عن   1 رواه البخاري في الأذان باب 81، والأدب باب 75، والاعتصام باب 3، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 213، وأبو داود في الصلاة باب 199، والوتر باب 11، والترمذي في الصلاة باب 213، والنسائي في قيام الليل باب 1، ومالك في الجماعة حديث 4، وأحمد في المسند "5/ 182، 184، 186، 187". 2 في الآية 141 من سورة النساء. 3 في المعجم الوسيط "ص479": الشرط، في الفقه: ما لا يتم الشيء إلا به ولا يكون داخلا في حقيقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الثوب، والبدن، والمكان، ولو تنجس بعض بدنه أو ثوبه وجهله، وجب غسل جميعه ولا يجتهد، ولو غسل نصف متنجس ثم باقيه طهر كله إن غسل مجاوره، وإلا فيبقى المنتصف على نجاسته، ولا تصح صلاة من تلاقي بدنه أو ثوبه نجاسة وإن لم يتحرك بحركته، ولا صلاة قابض طرف حبل على نجاسة وإن لم يتحرك بحركته ولا يضر محاذاة النجاسة من   الحدثين" الأصغر والأكبر "فإن سبقه بطلت" وإن كان فاقد الطهورين للخبر الصحيح: "إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته" 1, ويسن لمن أحدث في صلاته أن يأخذ بأنفه ثم ينصرف سترًا على نفسه لئلا يخوض الناس فيه فيأثموا. "والطهارة عن الخبث" الذي لا يعفى عنه "في الثوب والبدن والمكان" فتبطل بخبث في أحد الثلاثة وإن جهله مقارن وكذا طارئ ما لم ينح محله أو هو2 بشرط أن يكون يابسًا وأن ينحيه بنحو نفض لا بنحو يده أو عود فيها أو كمه وذلك لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] ، وللخبر الصحيح: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" 3, وثبت الأمر باجتناب النجاسة وهو لا يجب في غير الصلاة فيجب فيها، نعم يحرم التضمخ4 بها خارجها في البدن والثوب بلا حاجة. "ولو تنجس بعض بدنه أو ثوبه" بغير معفو عنه "وجهله" بأن لم يدر محله فيه "وجب غسل جميعه" لأن ما بقي منه جزء فالأصل بقاء النجاسة فيه هو مؤثر في الصلاة لأن لا بد فيها من ظن الطهارة، وبه فارق ما لو أصاب جزء منه قبل غسله رطبًا فإنه لا ينجسه لأن الأصل عدم تنجس ملاقيه. "ولا يجتهد" وإن كان الخبث بأحد كميه لأن شرط الاجتهاد تعدد المحل كما مر، فإن انفصل الكمان اجتهد فيهما. "ولو غسل نصف متنجس" كثوب تنجس كله "ثم باقيه طهر كله إن غسل" مع الباقي "مجاوره" من المغسول أولا "وإلا" يغسل المجاور "فيبقى المنتصف" بفتح الصاد "على نجاسته" دون ملاقيه لأن نجاسة المجاور لا تتعدى لما بعده، ألا ترى أن السمن الجامد لا ينجس منه إلا ما لاقى النجاسة دون ما جاوره "ولا تصح صلاة من تلاقي" بعض "بدنه أو" محموله من "ثوبه" أو غيره "نجاسة" في جزء من صلاته "وإن لم يتحرك بحركته" لنسبته إليه، ومر الفرق بين هذا وصحة السجود عليه. "و" لا تصح "صلاة قابض طرف حبل" أو نحوه "على نجاسة" لاقاها أو لاقى ملاقيها كأن شد بقلادة كلب أو بمحل طاهر من سفينة تنجر بجره برًا أو بحرًا فيها نجاسة أو حمار حامل لها لأنه حينئذ كالحامل للنجاسة، وشرط   1 من حديث علي بن طلق، رواه أبو داود في الطهارة باب 81 "حديث 205", والصلاة باب 187 "حديث 1005", والترمذي في الرضاع باب 12. 2 أي الخبث. 3 رواه الدارقطني في سننه "1/ 127", والزيلعي في نصب الراية "1/ 128", والمنذري في الترغيب والترهيب "1/ 139", والألباني في إرواء الغليل "1/ 310". 4 التضمخ: التلطخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 غير إصابة في ركوع أو غيره، وتجب إزالة الوشم إن لم يخف محذورًا من محذورات التيمم، ويعفى عن محل استجماره، وعن طين الشارع الذي تيقن نجاسته ويتعذر الاحتراز عنه غالبًا، ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن، وأما دم البثرات والدماميل   البطلان في ذلك أن يكون الموضع الذي لاقى النجاسة من الحبل ونحوه يتحرك بحركته على المعتمد، فقول المصنف: "وإن لم يتحرك بحركته" ضعيف وإن وافق ما في الروضة وأصلها وخرج بشد مجرد اتصاله بنحو القلادة وبقوله قابض ما لو جعله تحت قدمه فإنه لا يضر وإن كان مشدودًا بذلك في الثانية أو تحرك بحركته؛ لأنه ليس حاملًا للنجاسة ولا للمتصل بها. "ولا يضر محاذاة النجاسة" لبدنه ومحموله "من غير إصابة في ركوع أو غيره", وإن تحرك بحركته كبساط بطرفه خبث لعدم ملاقاته له ونسبته إليه، نعم تكره الصلاة مع محاذاته كاستقبال نجس أو متنجس وكصلاته تحت سقف متنجس قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفًا كما هو ظاهر. "وتجب إزالة الوشم" لحمله نجاسة تعد بحملها إذ هو غرز الجلد بالإبرة إلى أن يدمي ثم يذر عليه نيلة1 أو نحوها, فإن امتنع أجبره الحاكم هذا كله "إن لم يخف محذورًا من محذورات التيمم" السابقة في بابه وإن لم يتعد به بأن فعل به مكرهًا أو فعله وهو غير مكلف خلافًا لجمع لأنه حيث لم يخش محذورًا فلا ضرورة إلى بقاء النجاسة، أما إذا خاف ذلك فلا يلزمه مطلقًا "ويعفى عن محل استجماره" بحجر أو نحوه في حق نفسه ولو عرف ما لم يجاوز صفحته أو حشفته لمشقة اجتناب ذلك مع حل الاقتصار على الحجر، أما لو حمل مستجمرًا أو حامله فإن صلاته تبطل إذ لا حاجة إليه، ومثله حمل طير بمنفذه نجاسة ومذبوح وميت طاهر لم يطهر باطنه، وبيضة مذرة بأن حكم أهل الخبرة أنه لا يأتي منها فرخ، وخبث بقارورة ولو رصصت عليه للنجاسة بخلاف حمل الحي الطاهر المنفذ. "وعن طين الشارع الذي تيقن نجاسته" وإن اختلط بنجاسة مغلظة لعسر تجنبه "و" إنما يعفى عما "يتعذر" أي يتعسر "الاحتراز عنه غالبًا ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن" فيعفى في الذيل والرجل في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في الكم واليد والذيل والرجل زمن الصيف، أما إذا لم يعسر تجنبه فلا يعفى عنه كالذي ينسب صاحبه لسقطة أو كبوة أو قلة تحفظ، وخرج بالطين عين النجاسة فلا يعفى عنها، وبتيقن نجاسته ما لو غلبت على الظن فإنه طاهر للأصل، ويعفى عن ذرق الطيور في المساجد وإن كثر لمشقة الاحتراز عنه ما لم يتعمد المشي عليه من غير حاجة أو يكون هو أو ممارسه رطبًا، وظاهر كلام جمع وصرح به بعض أصحابنا أنه لا يعفى عنه في الثوب والبدن مطلقًا وبه جزم في الأنوار، لكن قضية تشبيه الشيخين2 العفو عنه بالعفو عن طين الشارع   1 النيلة: مادة صبغية زرقاء. 2 إذا أطلق "الشيخان" في الفقه الشافعي فالمراد بهما الرافعي والنووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والقروح والقيح والصديد منها، ودم البراغيث والقمل والبعوض والبق، وموضع الحجامة والفصد وونيم الذباب وبول الخفاش، وسلس البول ودم الاستحاضة وماء القروح والنفاطات المتغير عن قليل ذلك وكثيره، إلا إذا فرش الثوب الذي فيه ذلك، أو حمله لغير ضرورة فيعفى عن قليله دون كثيره، ويعفى عن قليل دم الأجنبي غير الكلب والخنزير، وإذا عصر البثرة أو الدمل، أو قتل البرغوث عفي عن قليله فقط، ولا يعفى عن جلد البرغوث ونحوه، ولو صلى بنجس ناسيًا أو جاهلا أعادها.   العفو عما يتعسر الاحتراز عنه غالبًا. "وأما دم البثرات" بفتح المثلثة جمع بثرة بسكونها وهي خراج صغير "و" دم "الدماميل والقروح" أي الجراحات "والقيح والصديد" وهو ماء رقيق مختلط بدم أو دم مختلط بقيح "منها" أي من القروح "ودم البراغيث والقمل والبعوض والبق" ونحوها من كل ما لا نفس له سائلة "وموضع الحجامة والفصد وونيم الذباب" أي روثه "وبول الخفاش" وروثه "وسلس البول ودم الاستحاضة وماء القروح والنفاطات1 المتغير ريحه فيعفى عن قليل ذلك وكثيره" على المعتمد لعموم البلوى به "إلا إذا فرش الثوب الذي فيه ذلك" المعفو عنه "أو حمله لغير ضرورة" أو حاجة وصلى فيه "فيعفى عن قليله دون كثيره" إذ لا مشقة في تجنبه بخلاف ما لو لبسه لغير صحيح كتجمل فإنه يعفى حتى عن كثيره، ومحل العفو في جميع ما ذكر بالنسبة للصلاة، فلو وقع المتلوث بذلك في ماء قليل نجسه، فلو اختلط به أجنبي لم يعف عنه، نعم يعفى عن رطوبة ماء نحو الوضوء والغسل أما ماء ما ذكر غير المتغير فطاهر. "ويعفى عن قليل دم الأجنبي غير الكلب والخنزير" وفرع أحدهما لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل من ذلك في محل المسامحة ومن الأجنبي ما انفصل من بدنه ثم أصابه، قال الأذرعي: أي سواء دم البثرات وما بعده، أما دم نحو الكلب فلا يعفى عنه وإن قل لفظ حكمه. "وإذا" حصل ما مر من دم البثرات وما بعده بفعله كأن "عصر البثرة أو الدمل أو قتل البرغوث" أو نام في ثوبه لا لحاجة فكثر فيها دم نحو البراغيث "عفي عن قليله فقط" أي دون كثيره على المعتمد إذ لا كثير مشقة في تجنبه حينئذ "ولا يعفى عن جلد البرغوث ونحوه" مما مر لعدم عموم البلوى به، فلو قتله في الصلاة بطلت إن حمل جلده بعد موته وإلا فلا، نعم إن كان في تعاطيف الخياطة ولم يمكن إخراجه فينبغي أن يعفى عنه. "ولو صلى بنجس" لا يعفى عنه "ناسيًا" له "أو جاهلًا" به أو بكونه مبطلًا ثم تيقن كونه فيها "أعادها" وجوبًا لأن الطهر عنه من قبيل الشروط وهي من باب خطاب الوضع وهو لا يؤثر فيه الجهل والنسيان.   1 النفاطات: جمع نفاطة، وهي البثرة المملوءة ماء "المعجم الوسيط: ص941". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الشرط الثامن: ستر العورة، وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، والحرة في صلاتها وعند الأجانب جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وعند محارمها ما بين السرة والركبة، وشرط الساتر ما يمنع لون البشرة ولو ماء كدرًا لا خيمة ضيقة وظلمة، ولا يجب   "الشرط الثامن: ستر العورة" عن العيون فتبطل بعدم سترها مع القدرة عليه وإن كان خاليًا في ظلمة لإجماعهم على الأمر بالستر في الصلاة والأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي هنا يقتضي الفساد. "وعورة الرجل" أي الذكر الصغير والكبير "والأمة" ولو مبعضة1 ومكاتبة2 ومستولدة3 "ما بين السرة والركبة" لخبر: "عورة المؤمن ما بين سرته وركبته"4 وهو وإن كان ضعيفًا إلا أن له شواهد تجبره، وقيس بالذكر الأمة بجامع أن رأس كل ليس بعورة. "و" عورة "الحرة" الصغيرة الكبيرة "في صلاتها وعند الأجانب" ولو خارجها "جميع بدنها إلا الوجه والكفين" ظهرًا وبطنًا إلى الكوعين لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، أي ما ظهر منها وجهها وكفاها وإنما لم يكونا عورة حتى يجب سترهما لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما، وحرمة نظرهما ونظر ما عدا بين السرة والركبة من الأمة ليس لأن ذلك عورة بل لأن النظر إليه مظنة الفتنة. "و" عورة الحرة "عند" مثلها ومملوكة العفيف إذا كانت عفيفة أيضًا من الزنى وغيره وعند الممسوح الذي لم يبقى فيه شيء من الشهوة وعند "محارمها" الذكور "ما بين السرة والركبة" فيجوز لمن ذكر النظر من الجانبين لما عدا ما بين السرة والركبة بشرط أمن الفتنة وعدم الشهوة بأن لا ينظر فيتلذذ، والخنثى المشكل كالأنثى فيما ذكر رقًا وحرية فإن استتر كرجل لم تصح صلاته على المعتمد. "وشرط الساتر" في الصلاة وخارجها أن يشمل المستور لبسًا ونحوه مع ستر اللون فيكفي "ما يمنع" إدراك "لون البشرة ولو" حكى الحجم كسروال ضيق لكنه للمرأة مكروه وخلاف الأولى للرجل أو كان على غير ساتر لحجم الأعضاء كأن كان طينًا ولو لم يعتد به الستر كأن كان "ماء مكدرًا" أو صافيًا تراكمت خضرته حتى منعت الرؤية وحفرة أو خابية ضيقي رأس يستران الواقف فيهما وإن وجد ثوبًا لحصول المقصود بذلك بخلاف ما لا يشمل المستور كذلك، ومن ثم قال: "لا خيمة ضيقة وظلمة" وما يحكي لون البشرة بأن يعرف به بياضها من سوادها كزجاج ومهلهل5 وماء صاف؛ لأن مقصود الستر لا يحصل بذلك كالأصباغ التي لا جرم لها من نحو حمرة أو صفرة وإن   1 المبعضة: المجزأة. أي بعضها رقيق وبعضها مر. 2 المكاتبة: هي التي يكاتبها سيدها على مال ينجمه عليها، فيكتب عليها أنها إذا أدت نجومها في كل نجم كذا وكذا فهي حرة. انظر لسان العرب "1/ 700". 3 استولد الرجل المرأة: أحبلها. انظر المعجم الوسيط "ص1056". 4 ذكره المتقي الهندي في كنز العمال "حديث رقم 19096" ونسبه إلى سمويه عن أبي سعيد الخدري. 5 المهلهل من الثياب: الذي رق من الاستعمال حتى كاد يبلى "المعجم الوسيط: ص993". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الستر من أسفل، ويجوز ستر بعض العورة بيده، فإن وجد ما يكفي سوأتيه تعين لهما أو أحدهما فيقدم قبله، ويزر قميصه، أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره. الشرط التاسع: استقبال القبلة إلا في صلاة شدة الخوف وإلا في نفل السفر المباح،   سترت اللون لأنها لا تعد ساترًا وتتصور الصلاة في الماء فيمن يمكنه الركوع والسجود فيه وفيمن يومئ بهما وفي الصلاة على الجنازة، ولو قدر على الصلاة فيه والسجود في الشط لم يلزمه بل له الإيماء به، ويجب على فاقد نحو الثوب الستر بالطين وإن رق والماء الكدر ويكفي بلحاف فيه اثنان وإن حصلت مماسة محرمة. "ولا يجب" عليه "الستر من أسفل" وإنما يجب من الأعلى والجوانب؛ لأنه المعتاد. "ويجوز ستر بعض العورة بيده" من غير مس ناقض لحصول المقصود به وكذا بيد غيره وإن حرم ولو لم يجد المصلي رجلًا أو غيره إلا ما يستر بعض عورته وجب لأنه ميسوره "فإن وجد ما يكفي سوأتيه" القبل والدبر "تعين لهما" لأنهما أغلظ "أو" كفى "أحدهما فيقدم" وجوبًا رجلًا أو غيره "قبله" ثم دبره لتوجهه بالقبل للقبلة فستره أهم تعظيمًا لها وستر الدبر غالبًا بالأليتين. "ويزر" وجوبًا "قميصه" أي جيب1 قميصه ولو بنحو مسلة أو يستره ولو بنحو لحيته أو يده. "أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره" فإن لم يفعل صح إحرامه، ثم عند الركوع إن ستره وإلا بطلت صلاته، ويجب عليه السعي في تحصيل الساتر بملك أو إجارة أو غيرهما نظير ما مر في الماء ويقدمه على الماء لدوام نفعه ولأنه2 لا بدل له، ويصلي عاريًا مع وجود ساتر النجس لا مع وجود الحرير بل يلبسه للحاجة ولو أمكنه تطهير الثوب وجب وإن خرج الوقت ولا يصلي فيه عاريًا ولو حبس على نجس فرش السترة عليه وصلى عاريًا وأتم الأركان ولا إعادة عليه. "الشرط التاسع: استقبال" عين "القبلة" أي الكعبة فلا يكفي التوجه لجهتها للخبر الصحيح: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في وجهها وقال: هذه القبلة"3 وخبر: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"4 محمول على أهل المدينة ولا بد أن يسامتها بجميع بدنه، فلو خرج بعض بدنه أو بعض صف طويل امتد بقربها عن محاذاتها بطلت الصلاة سواء من بأخريات المسجد   1 جيب القميص ونحوه: ما يدخل منه الرأس عند لبسه "المعجم الوسيط: ص149". 2 أي الثوب. 3 روى البخاري في الصلاة باب 30 "حديث 398" عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة، وقال: "هذه القبلة" ورواه أيضًا بالأرقام "1601 و3351 و3352 و4288". 4 رواه الترمذي في المواقيت باب 139، والنسائي في الصيام باب 43، وابن ماجه في الإقامة باب 56، ومالك في القبلة حديث 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فإن كان في مرقد أو في سفينة أتم ركوعه وسجوده واستقبل، وإن لم يكن في مرقد ولا في سفينة فإن كان راكبًا استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه، وطريقه قبلته في باقي صلاته   الحرام وغيرهم، ويجب استقبالها في كل صلاة "إلا في صلاة شدة الخوف" كما يأتي وصلاة العاجز كمريض لا يجد من يوجهه إلى القبلة ومربوط على خشبة وغريق ومصلوب فيصلي على حسب حاله ويعيد "وإلا في نفل السفر" المعين المقصد "المباح" أي الجائز وإن كره أو قصر بأن كان ميلا فأكثر لا أقل فحينئذ لا يشترط الاستقبال فيه بتفصيله الآتي لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر غير المكتوبة حيثما توجهت به"1 أي في جهة مقصده، وقيس بالراكب الماشي, ولأن بالناس حاجة بل ضرورة إلى الأسفار، فلو كلفوا الاستقبال لتركوا أورادهم لمشقته فيه، أما الفرض ولو جنازة ومنذورة فلا يصلي على دابة سائرة مطلقًا لأن الاستقرار فيه شرط احتياطًا له، نعم إن خاف من النزول على نفسه أو ماله وإن قل أو فوت رفقته إذا استوحش به كان له أن يصلي الفرض عليها وهي سائرة إلى مقصده ويومئ ويعيد، ويجوز فعله على السائرة والواقفة إن كان لها من يلزم لجامها بحيث لا تتحول عن القبلة إن أتم الأركان، وعلى سرير يمشي به رجال وفي زورق جار وفي أرجوحة معلقة بحبال، وإذا جاز التنفل على الراحلة "فإن كان في مرقد" كهودج2 ومحارة3 "أو في سفينة أتم" وجوبًا "ركوعه وسجوده" وسائر الأركان أو بعضها إن عجز عن الباقي "واستقبل" وجوبًا لتيسر ذلك عليه ومحل ذلك في غير مسير السفينة أما هو وهو من له دخل في سيرها فلا يلزمه التوجه في جميع صلاته ولا إتمام الأركان بل في إحرامه فقط إن سهل كراكب الدابة. "وإن لم يكن في مرقد وفي سفينة فإن كان راكبًا" فيما لا يسهل فيه الاستقبال في جميع الصلاة وإتمام الأركان "استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه" بأن كانت الدابة غير صعبة ولا مقطورة وإلا لم يلزمه في الإحرام أيضًا أما غيره ولو السلام فلا يلزمه فيه مطلقًا لأن الانعقاد يحتاط له ما لا يحتاط لغيره. "وطريقه" يعني جهة مقصده وإن لم يسلك طريقه ولو لغير عذر "قبلته في باقي صلاته" بالنسبة لمن سهل عليه التوجه إلى التحرم فقط وفي كلها بالنسبة لغيره للخبر السابق، فلو انحرف عن صوب مقصده أو استدبره عمدًا وإن قصر أو أكره أو غير عمد إن طال بطلت صلاته وإلا فلا ويسجد للسهو، نعم إن انحرف إلى القبلة ولو بركوبه مقلوبًا أو   1 رواه البخاري في الصلاة باب 31 "حديث 400" عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة". ورواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 39" عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة". 2 الهودج: أداة ذات قبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء "المعجم الوسيط: ص976". 3 المحارة: منسم البعير. كذا في لسان العرب "4/ 222" والمعجم الوسيط "ص206". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ويومئ الراكب بركوعه وسجوده أكثر، وإن كان ماشيًا استقبل في الإحرام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، ومن صلى في الكعبة واستقبل من بنائها شاخصًا ثابتًا قدر ثلثي ذراع صحت صلاته، ومن أمكنه مشاهدتها لم يقلد، فإن عجز أخذ بقول ثقة يخبر عن علم فإن فقد اجتهد بالدلائل، فإن عجز لعماه أو عمى بصيرته قلد ثقة عارفًا،   على جنبه لم يضر لأنها الأصل، ومن ثم جاز له جعل وجهه لها وظهره لمقصده، "ويومئ الراكب" وجوبًا "بركوعه وسجوده" ويجب كون الإيماء بالسجود "أكثر" تمييزًا له لكن لا يلزمه بذل وسعه في الإيماء "وإن كان" المسافر "ماشيًا استقبل" القبلة "في الإحرام و" في "الركوع والسجود" ويتمها "و" في "الجلوس بين السجدتين" لسهولة ذلك كله عليه بخلاف الراكب ولا يمشي إلا في قيامه، ومنه الاعتدال وتشهده مع السلام لطول زمنهما "ومن صلى في الكعبة" أو عليها فرضًا أو نفلًا جاز له بل يندب الصلاة فيها. "و" حينئذ فإن "استقبل من بنائها" أو ترابها المجموع من أجزائها لا الذي تلقيه الريح "شاخصًا ثابتًا" كعتبة وباب مردود وكذا عصا مسمرة فيه أو مثبتة "قدر ثلثي ذراع" تقريبًا فأكثر بذراع الآدمي وإن بعد عنه ثلاثة أذرع فأكثر "صحت صلاته" لتوجهه إلى جزء منها بخلاف نحو حشيش نابت بها وعصا مغروزة فيها وإنما صح استقبال هوائها بالنسبة لمن هو خارج عنها؛ لأنه يعد حينئذ متوجهًا إليها كالمصلي على أعلى منها كأبي قبيس1 بخلاف المصلي فيها أو عليها "ومن أمكنه مشاهدتها" أي الكعبة بأن لم يكن بينه وبينها حائل كأن كان بالمسجد أو كان بينهما حائل بني لغير حاجة "لم يقلد" يعني لم يأخذ بقول أحد وإن كان مخبرًا عن علم بل لا بد من مشاهدتها أو مسها بالنسبة للأعمى ومن في ظلمة لإفادته اليقين فلا يرجع إلى غيره مع قدرته عليه. "فإن عجز" عن علمها لحائل بينه وبينها ولو طارئًا بني لحاجة "أخذ" وجوبًا "بقول ثقة" في الرواية ولو رقيقًا وأنثى "يخبر عن علم" أي مشاهدة لعينها؛ لأن خبره أقوى من الاجتهاد فلا يعدل إلى الاجتهاد مع قدرته على أقوى منه، ومثله رؤية محراب لم يطعن فيه وإن كان ببلدة صغيره لكن يشترط أن يكثر طارقوه، وقول الثقة رأيت كثيرًا من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة أو القطب هاهنا والمصلي يعلم دلالته على القبلة أما غير الثقة كالفاسق والصبي فلا يقبل خبره، "فإن فقد" الثقة المذكور "اجتهد" وجوبًا بأن يستدل على القبلة "بالدلائل" التي تدل عليها وهي كثيرة أضعفها الرياح وأقواها القطب وهو عند الفقهاء نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي ويختلف باختلاف الأقاليم، ففي مصر يكون خلف أذن المصلي اليسرى، وفي العراق يكون خلف اليمنى، وفي أكثر اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه، ويجب تعلم أدلتها عينًا على من أراد سفرًا يقل فيه العارفون بالقبلة وإلا وجب على   1 أبو قبيس: جبل مشرف على مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وإن تحير صلى كيف شاء ويقضي، ويجتهد لكل فرض، فإن تيقن الخطأ فيها أو بعدها استأنفها، وإن تغير اجتهاده عمل بالثاني فيما يستقبل ولا قضاء للأول. الشرط العاشر: ترك الكلام فتبطل بنطق بحرفين، أو حرف مفهم، أو ممدود ولو بتنحنح وإكراه، وضحك وبكاء، وأنين، ونفخ من الفم أو الأنف، ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه، أو نسي أو جهل التحريم وهو قريب عهد بالإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة   الكفاية، ومن ترك التعلم وقد خوطب به عينًا لم يجز له التقليد إلا عند الضيق الوقت ويعيد بخلاف من خوطب به كفاية فإن له التقليد مطلقًا ولا يعيد وعليه يحمل قول المصنف "فإن عجز" عن الاجتهاد "لعماه" أي لعمى بصره "أو عمى بصيرته قلد ثقة عارفًا" يجتهد له لعجزه "وإن تحير" المجتهد فلم يظهر له شيء بعد اجتهاده أو اختلف على الأعمى مجتهدان ولم يترجح أحدهما عنده "صلى كيف شاء" لحرمة الوقت "ويقضي" وجوبًا لأنه نادر "ويجتهد" وجوبًا "لكل فرض" يعني صلاة وإن لم يفارق محله الأول سعيًا في إصابة الحق ما أمكن، نعم إن كان ذاكرًا للدليل الأول لم يلزمه ذلك، وإذا اجتهد وصلى "فإن تيقن الخطأ فيها أو بعده" ولو بخبر ثقة عن عيان "استأنفها" وجوبًا لتبين فساد الأولى "وإن" لم يتيقنه وإنما "تغير اجتهاده عمل بالثاني" وجوبًا لا فيما مضى لمضيه على الصحة ولم يتيقن فساده بل يعمل "فيما يستقبل" وإن كان في الصلاة فيتحول إلى ما ظنه الصواب إن ظهر له مقارنًا لظهور خطأ الأول وهكذا حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته، "ولا قضاء للأول" من الاجتهادين ولا لغير الأخير من الاجتهادات لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، أما لو ظهر له الخطأ ثم ظهر له الصواب ولو عن قرب فإن صلاته تبطل لمضي جزء منها إلى غير قبلة محسوبة. "الشرط العاشر: ترك الكلام" أي كلام الناس لخبر مسلم: "كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام"1 وفي رواية له2: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" , "فتبطل" الصلاة "بنطق بحرفين وإن لم يفهما أو كانا من آية نسخ لفظها أو لمصلحة الصلاة كقوله لإمامه قم "أو حرف مفهم" نحو ق أو ع أو ل أو ط من الوقاية والوعاية والولاية والوطء "أو" حرف "ممدود" وإن لم يفهم إذ المد ألف أو واو أو ياء فالممدود في الحقيقة حرفان وتبطل بالنطق بما ذكر "ولو" حصل "بتنحنح وإكراه" لندرته فيها "وضحك وبكاء" ولو للآخرة "وأنين ونفخ من الفم أو الأنف" كما قاله جماعة من المتأخرين لكن يبعد تصوره وعطاس وسعال بلا غلبة في الكل إذ لا ضرورة حينئذ. "ويعذر في يسير الكلام" عرفًا كالكلمتين والثلاث "إن سبق لسانه" إليه "أو نسي" أنه   1 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 35" من حديث زيد بن أرقم. 2 في المساجد ومواضع الصلاة "حديث رقم 33" من حديث معاوية بن الحكم السلمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عن العلماء أو حصل بغلبة ضحك أو غيره، ولا يعذر في الكثير بهذه الأعذار، ويعذر في التنحنح لتعذر القراءة الواجبة، ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم أو أطلق بطلت صلاته. ولا تبطل بالذكر والدعاء بلا خطاب، ولا بالتلفظ بقربة كالعتق والنذر، ولا بالسكوت   في الصلاة "أو جهل التحريم" للكلام فيها "وهو قريب عهد بالإسلام أو من" أي شخص "نشأ ببادية بعيدة عن العلماء" أي عمن يعرف ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم تكلم قليلا في الصلاة معتقدًا فراغها, ولم يبطل صلاة من تكلم فيها قليلا جاهلا لقرب إسلامه، وقيس بذلك الباقي، وكالجاهل من جهل تحريم ما أتى به أو كون التنحنح مبطلا وإن علم تحريم جنس الكلام، بخلاف ما لو علم الحرمة وجهل الإبطال فإنه يبطل إذ حقه بعد العلم بالتحريم الكف. "أو" إن "حصل" اليسير "بغلبة ضحك أو غيره" مما سبق إذ لا تقصير, "ولا يعذر" كما في المجموع وغيره وإن خالفه جماعة "في" الكلام "الكثير بهذه الأعذار" السابقة من التنحنح وما بعده إلى هنا؛ لأن الكثير يقطع نظم الصلاة. "و" قد "يعذر" فيه وذلك "في التنحنح لتعذر القراءة الواجبة" والتشهد الواجب وغيرهما من الواجبات القولية فلا تبطل الصلاة بالكثير حينئذ للضرورة بخلاف التنحنح لسنة كالجهر فإنه يبطلها إذ لا ضرورة إليه، "ولو نطق بنظم القرآن" أو ذكر كقوله لجماعة استأذنوا في الدخول عليه: باسم الله, أو فتح على إمامه بقرآن أو ذكر أو جهر الإمام أو المبلغ بتكبيرات الانتقالات فإن كان ذلك "بقصد التفهيم" أو الفتح أو الإعلام "أو أطلق" فلم يقصد شيئًا "بطلت صلاته"؛ لأن عروض القرينة أخرجه عن موضوعه من القراءة والذكر إلى أن صيره من كلام الناس، بخلاف ما لو قصد القراءة وحدها أو الذكر وحده أو مع نحو التفهيم فإن الصلاة لا تبطل لبقاء ما تكلم به على موضوعه، ولا فرق على الأوجه بين أن يكون انتهى في قراءته إلى تلك الآية أو أنشأها حينئذ، ولا بين ما يصلح لتخاطب الناس به من نظم القرآن والأذكار وما لا يصلح، وخرج بنظم القرآن ما لو غير نظمه كقوله: يا إبراهيم سلام كوني1, فتبطل صلاته مطلقًا، نعم إن لم يصل بعضها ببعض وقصد القراءة فلا بطلان. "ولا تبطل" الصلاة "بالذكر والدعاء بلا خطاب" لمخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا تعليق "ولا بالتلفظ بقربة كالعتق والنذر" والصدقة والوصية وسائر القرب المنجزات بلا تعليق ولا خطاب لمن ذكر؛ لأن ذلك قربة ومناجاة لله فهو من جنس الدعاء بخلافه مع خطاب مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم من إنس وجن وملك وغيرهم وإن لم يعقل كقوله لعاطس: رحمك الله, ولهلال: ربي وربك الله, أو مع تعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت, فتبطل بذلك مطلقًا كما لو نطق بشيء من ذلك بغير العربية وهو يحسنها، ولا تضر إشارة الأخرس ولو ببيع وإن صح بيعه ولا خطاب الله تعالى وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو في غير التشهد، ويسن حتى   1 نص الآية 69 من سورة الأنبياء: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الطويل بلا عذر، ويسن لمن نابه شيء أن يسبح الله تعالى إن كان رجلا، وتصفق المرأة ببطن كف على ظهر أخرى. الشرط الحادي عشر: ترك الأفعال الكثيرة، فلو زاد ركوعًا أو غيره من الأركان بطلت إن تعمده، أو فعل ثلاثة أفعال متوالية كثلاث خطوات أو حكات في غير الجرب، أو وثب وثبة فاحشة، أو ضرب ضربة مفرطة بطلت سواء كان عامدًا أو ناسيًا، ولا يضر   للناطق رد السلام بالإشارة ولمن عطس أن يحمد الله ويسمع نفسه، ولو قرأ إمامه: إياك نعبد وإياك نستعين فقالها أو قال استعنا أو نستعين بالله بطلت إن لم يقصد تلاوة أو دعاء قاله في التحقيق. "ولا" تبطل "بالسكوت الطويل" ولو "بلا عذر"؛ لأنه لا يخل بنظمها "ويسن لمن نابه شيء" في صلاته كتنبيه إمامه وإذنه لداخل وإنذاره نحو أعمى من وقوعه في محذور "أن يسبح الله تعالى إن كان رجلًا" بقصد الذكر وحده أو مع التنبيه وإلا بطلت صلاته كما علم مما مر، "و" أن "تصفق المرأة" والخنثى والأولى أن يكون "ببطن كف على ظهر" كف "أخرى" سواء اليمنى واليسرى وذلك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليسبح" 1, فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء فلو صفق الرجل وسبح غيره كان خلاف السنة، ولو كثر التصفيق بأن كان ثلاثًا متوالية أبطل ولا يضر حيث قصد به الإعلام وإن كان بضرب الراحتين. "الشرط الحادي عشر: ترك" تعمده زيادة الركن الفعلي والفعل الفاحش وإن قل وترك "الأفعال الكثيرة" عرفًا ولو سهوًا "فلو زاد ركوعًا" لغير قتل نحو حية "أو غيره من الأركان" الفعلية "بطلت" صلاته "إن تعمده" ولم يكن للمتابعة وإن لم يطمئن فيه لتلاعبه بخلاف الركن القولي لأن زيادته لا تغير نظمها، وبخلاف الزيادة سهوًا أو للمتابعة لعذره، ولا يضر تعمد زيادة قعود قصير إن عهد في الصلاة غير ركن كأن جلس بعد الاعتدال وقبل السجود مثل جلسة الاستراحة، بخلاف الجلوس قبل نحو الركوع لأنه لم يعهد، "أو فعل ثلاثة أفعال متوالية" بأن لا يعد عرفًا كل منها منقطعًا عما قبله "كثلاث خطوات" وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة أو مضغات ثلاث "أو حكات" متوالية مع تحريك اليد "في غير الجرب" وكأن حرك يديه ورأسه ولو معًا أو خطا خطوة واحدة ناويًا فعل الثلاث وإن لم يزد على الواحدة. "أو وثب وثبة" ولا تكون الوثبة إلا "فاحشة أو ضرب ضربة مفرطة" أو صفق تصفيقة أو خطا خطوة بقصد اللعب وإن كانت التصفيقة بغير ضرب الراحتين "بطلت" صلاته في جميع ما ذكر "سواء   1 من حديث سهل بن سعد الساعدي. رواه البخاري "حديث 684 و1201 و1204 و1218 و1234 و2690 و2693 و7190" ومسلم في الصلاة "حديث 102"، وأبو داود في الصلاة باب 169 وأحمد في المسند "5/ 330، 332، 333". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الفعل القليل، ولا حركات خفيفات وإن كثرت كتحريك الأصابع. الشرط الثاني عشر: ترك الأكل والشرب، فإن أكل قليلا ناسيًا أو جاهلا بتحريمه لم تبطل. الشرط الثالث عشر: أن لا يمضي ركن قولي أو فعلي مع الشك في نية التحرم أو يطول زمن الشك. الشرط الرابع عشر: أن لا ينوي قطع الصلاة أو يتردد في قطعها. الشرط الخامس عشر: عدم تعليق قطعها بشيء.   كان عامدًا أو ناسيًا" لمنافاة ذلك لكثرته أو فحشه للصلاة وإشعاره بالإعراض عنها، والخطوة بفتح الخاء المرة وهي المرادة هنا إذ هي عبارة عن نقل رجل واحدة فقط حتى يكون نقل الأخرى إلى أبعد عنها أو أقرب خطوة أخرى بخلاف نقلها إلى مساواتها وذهاب اليد ورجوعها ووضعها ورفعها حركة واحدة، أما في الجرب الذي لا يصبر معه على عدم الحك فيغتفر الحك لأجله وإن كثر لاضطراره إليه. "ولا يضر الفعل القليل" الذي ليس بفاحش ومنه الخطوتان وإن اتسعتا واللبس الخفيف وفتح كتاب وفهم ما فيه لكنه مكروه. "ولا حركات خفيفات وإن كثرت" وتوالت لكنها خلاف الأولى وذلك "كتحريك الأصابع" في نحو سبحة وحكة فلا بطلان بجميع ذلك وإن تعمده ما لم يقصد به منافاتها، وإنما لم يعف عن قليل الكلام عمدًا لأنه لا يحتاج إليه فيها بخلاف الفعل فيفعل عما يتعسر الاحتراز عنه مما لا يخل بها، والأجفان واللسان كالأصابع، وقد يسن الفعل القليل كقتل نحو الحية. "الشرط الثاني عشر: ترك" المفطر فتبطل بوصول مفطر جوفه وإن قل ولو بلا حركة فم أو مضغ لأن وصوله يشعر بالإعراض عنها وترك غير المفطر أيضًا نحو "الأكل والشرب" الكثير سهوًا أو لجهل تحريمه فيها فتبطل به، وإنما لم يفطر الصائم لأن الصائم لا تقصير منه إذ ليس لعبادته هيئة تذكره بخلاف الصلاة "فإن أكل قليلا ناسيًا" أنه فيها "أو جاهلا بتحريمه" وعذر لقرب عهده بالإسلام أو نشئه بعيدًا عن العلماء "لم تبطل" صلاته لعذره. "الشرط الثالث عشر: أن لا يمضي ركن قولي" كالفاتحة "أو فعلي" كالاعتدال "مع الشك في" صحة "نية التحرم" بأن تردد هل نوى أو أتم النية أو أتى ببعض أجزائها الواجبة أو بعض شروطها أو هل نوى ظهرًا أو عصرًا "أو يطول" عرفًا "زمن الشك" أي التردد فيما ذكر فمتى طال أو مضى قبل انجلائه ركن بأن قارنه من ابتدائه إلى تمامه أبطلها لندرة مثل ذلك في الأولى ولتقصيره بترك التذكر في الثانية وإن كان جاهلا وبعض الركن القولي ككله إن طال زمن الشك أو لم يعد ما قرأه فيه وقراءة السورة والتشهد الأول كقراءة الفاتحة إن قرأ منهما قدرها أو قدر بعضها وطال وخرج بقوله أن لا يمضي إلى آخره ما لو تذكره قبل طول الزمن وإتيانه بركن فلا بطلان لكثرة عروض مثل ذلك، وبتعبيره بالشك ما لو ظن أنه في صلاة أخرى فإنه تصح صلاته وإن أتمها مع ذلك سواء كان في فرض وظن أنه في نفل أو عكسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 فصل: "في مكروهات الصلاة" ويكره الالتفات بوجهه إلى لحاجة ورفع البصر إلى السماء وكف شعره أو ثوبه، ووضع يده على فمه بلا حاجة، ومسح غبار جبهته، وتسوية الحصى في مكان سجوده،   "الشرط الرابع عشر: أن لا ينوي قطع الصلاة أو يتردد في قطعها" فمتى نوى قطعها ولو بالخروج منها إلى أخرى أو تردد فيه أو في الاستمرار فيها بطلت لمنافاة ذلك للجزم بالنية، ولا يؤاخذ بالوسواس القهري ولو في الإيمان لما فيه من الحرج، ولو نوى فعل مبطل فيها لم تبطل إلا إن شرع في المنوي، ولا يبطل الوضوء والصوم والاعتكاف والحج بنية القطع وما بعده لأن الصلاة أضيق بابًا من الأربعة. "الشرط الخامس عشر: عدم تعليق قطعها بشيء" فإن علقه بشيء ولو محالا فيما يظهر بطلت لمنافاته للجزم بالنية. فصل: في مكروهات الصلاة "ويكره الالتفات بوجهه" فيها لأنه اختلاس من الشيطان كما صح في الحديث1 "إلا لحاجة" للاتباع ولا بأس بلمح العين من غير التفات، أما الالتفات بالصدر فمبطل كما مر، "ورفع البصر إلى السماء" لأنه يؤدي إلى خطف البصر كما في حديث البخاري2 "وكف شعره أو ثوبه بلا حاجة" لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بأن لا يكفهما ليسجدا معه."ووضع يده على فمه بلا حاجة" للنهي الصحيح عنه أما وضعها لحاجة كالتثاؤب فسنة لخبر صحيح فيه3، ولا فرق بين اليمنى واليسرى لأن هذا ليس فيه دفع مستقذر حسي. "ومسح غبار جبهته" قبل الانصراف   1 من حديث عائشة. رواه البخاري في الأذان باب 93، وبدء الخلق باب 11. وأبو داود في الصلاة باب 161، والترمذي في الجمعة باب 59، والنسائي في السهو باب 10، وأحمد في المسند "6/ 7، 106". 2 الذي رواه في الأذان باب 92 "حديث 750" عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟ " فاستشد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم". 3 روى البخاري في الأدب باب 125 "حديث 6223" وباب 128 "حديث 6226" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته؛ وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها, ضحك منه الشيطان". ورواه مسلم في الزهد والرقائق "حديث 56" مختصرًا؛ ورواه أيضًا "حديث رقم 57 و58 و59" من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ آخر أكثر اختصارًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 والقيام على رجل، وتقديمها ولصقها بالأخرى، والصلاة حاقنًا أو حاقبًا أو حازقًا إن وسع الوقت، ومع توقان الطعام إن وسع أيضًا، وأن يبصق في غير المسجد عن يمينه أو قبالته، ويحرم في المسجد، ويكره أن يضع يده على خاصرته، وأن يخفض رأسه في ركوعه،   منها. "وتسويه الحصى في مكان سجوده" للنهي الصحيح عنه1 ولأنه كالذي قبله ينافي التواضع والخشوع. "والقيام على رجل" واحدة "وتقديمها" على الأخرى "ولصقها بالأخرى" حيث لا عذر لأنه تكلف ينافي الخشوع، ولا بأس بالاستراحة على إحداهما لطول القيام أو نحوه "والصلاة حاقنًا" بالنون أي بالبول "أو حاقبًا" بالموحدة أي بالغائط "أو حازقًا" أي بالريح للنهي عنها مع مدافعة الأخبثين بل قد يحرم إن ضره مدافعة ذلك، ويندب أو يجب تفريغ نفسه من ذلك وإن فاتت الجماعة "إن وسع الوقت" ذلك وإن وجبت الصلاة مع ذلك حيث لا ضرر لحرمة الوقت. "ومع توقان الطعام" الحاضر أو القريب الحضور أي اشتهائه بحيث يختل الخشوع لو قدم الصلاة عليه لأمره صلى الله عليه وسلم بتقديم العشاء على العشاء2 ويأكل ما يتوفر معه خشوعه فإن لم يتوفر إلا بالشبع شبع، ومحل ذلك "إن وسع" الوقت "أيضًا" وإلا صلى فورًا وجوبًا لما مر. "وأن يبصق عن غير المسجد عن يمينه أو قبالته" وإن كان خارج الصلاة للنهي عن ذلك3 بل يبصق عن يساره إن تيسر وإلا فتحت قدمه اليسرى. "ويحرم" البصاق "في المسجد" إن اتصل بشيء من أجزائه للخبر الصحيح أنه خطيئة وكفارتها دفنها4 أي أنه يقطع الحرمة ولا يرفعها "ويكره أن يضع يده" اليمنى أو اليسرى "على خاصرته" لغير حاجة لصحة   1 روى أبو داود في الصلاة باب 171 "حديث 945" عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى". وروى أيضًا "حديث رقم 946" عن معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى". 2 حديث: "إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء". رواه البخاري في الأذان باب 42 "حديث 671 و672 و673" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 64 و65 و66" كلاهما رواه من حديث عائشة وأنس بن مالك وابن عمر. 3 حديث: "إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه". روي من حديث أنس وأبي سعيد الخدري، رواه البخاري في الصلاة باب 36 "حديث 413 و414" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 52 و54" والترمذي في الجمعة باب 49، والنسائي في الطهارة باب 192، وابن ماجه في الإقامة باب 61، وأحمد في عدة مواضع من مسنده. 4 "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها". وروي "البساق" وروي "البزاق". رواه البخاري في الصلاة باب 37، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 55-57 وأبو داود في الصلاة باب 22، والترمذي في الجمعة باب 49، والنسائي في المساجد باب 30، وأحمد في المسند "3/ 173، 232، 274، 277". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وقراءة السورة في الثالثة والرابعة إلا لمن سبق بالأولى والثانية فيقرؤها في الأخيرتين، والاستناد إلى ما يسقط بسقوطه، والزيادة في جلسة الاستراحة على قدر الجلوس بين السجدتين، وإطالة التشهد الأول والدعاء فيه وترك الدعاء في التشهد الأخير، ومقارنة الإمام في أفعال الصلاة، والجهر في موضع الإسرار، والإسرار في موضع الجهر، والجهر خلف الإمام، ويحرم الجهر إن شوش على غيره، وتكره في المزبلة والمجزرة والطريق   النهي عنه1 ولأنه فعل المتكبرين، ومن ثم لما هبط إبليس من الجنة كان كذلك وورد أنه راحة أهل النار أي اليهود والنصارى "وأن يخفض رأسه" أو يرفعه "في ركوعه" لأنه خلاف الاتباع، ويكره ترك قراءة السورة في الأولتين للخلاف في وجوبها "وقراءة السورة في" الركعة "الثالثة والرابعة" من الرباعية والثالثة من المغرب وهذا ضعيف، والمعتمد أن قراءتها فيهما ليست خلاف الأولى بل ولا خلاف السنة وإنما هي ليست بسنة، وفرق بين ما ليس بسنة وما هو خلاف السنة. "إلا لمن سبق بالأولى والثانية فيقرؤها" أي السورة "في الأخيرتين" من صلاة الإمام لأنهما أولياه إذ ما أدركه المأموم أول صلاته فإن لم يمكنه قراءتها فيهما قرأها في الأخيرتين لئلا تخلو صلاته من السورة، ولو سبق بالأولى فقط قرأها في الثانية والثالثة. "والاستناد" في الصلاة "إلى ما يسقط" المصلي "بسقوطه" للخلاف في صحة صلاته حينئذ ومحله حيث يسمى قائمًا وإلا بأن كان بحيث يمكنه رفع قدميه على الأرض بطلت صلاته كما مر في بحث القيام لأنه ليس بقائم بل معلق نفسه. "والزيادة في جلسة الاستراحة على قدر الجلوس بين السجدتين" أي على أقله، أما الزيادة على أكمله بقدر التشهد الواجب فباطلة كما مر أن تطويل جلسة الاستراحة مبطل كتطويل الجلوس بين السجدتين. "وإطالة التشهد الأول" ولو بالصلاة على الآل فيه والدعاء فيه لبنائه على التخفيف. "وترك الدعاء في التشهد الأخير" للخلاف في وجوب بعضه السابق كما مر. "ومقارنة الإمام في أفعال الصلاة" بل وأقوالها للخلاف في صحة صلاته حينئذ، وهذه الكراهة من حيث الجماعة لأنها لا توجد إلا معها فتفوت فضيلتها ككل مكروه من حيث الجماعة كالانفراد عن الصف وترك فرجة فيه مع سهولة سدها والعلو على الإمام والانخفاض عنه لغير حاجة ولو في المسجد والاقتداء بالمخالف ونحو الفاسق والمبتدع واقتداء المفترض بالمتنفل ومصلي الظهر مثلا بمصلي العصر وعكسهما. "و" يكره "الجهر في موضع الإسرار والإسرار في موضع الجهر والجهر" للمأموم "خلف الإمام" لمخالفته للاتباع المتأكد في ذلك. "ويحرم" على كل أحد "الجهر" في الصلاة   1 حديث النهي عن الصلاة مختصرًا رواه البخاري في العمل في الصلاة باب 17، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 47، وأبو داود في الصلاة باب172، والترمذي في الصلاة باب 164، والنسائي في الافتتاح باب 12، والدارمي في الصلاة باب 138، وأحمد في المسند "2/ 232، 290، 295، 331، 399". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 في البناء وبطن الوادي مع توقع السيل، والكنيسة والبيعة والمقبرة والحمام وعطن الإبل، وسطح الكعبة، وثوب فيه تصاوير أو شيء يلهيه والتلثم، والتنقيب وعند غلبة النوم.   وخارجها "إن شوش على غيره" من نحو مصل أو قارئ أو نائم للضرر ويرجع لقول المتشوش ولو فاسقًا لأنه لا يعرف إلا منه، وما ذكره من الحرمة ظاهر لكن ينافيه كلام المجموع وغيره فإنه كالصريح في عدمها إلا أن يجمع بحمله على ما إذا خف التشويش، "وتكره" الصلاة أيضًا "في المزبلة" بفتح الموحدة وضمها وهي موضع الزبل. "والمجزرة" وهي موضع الجزر أي الذبح لصحة النهي عنهما1 ولما فيهما من محاذاة النجاسة فإن مسها بعض بدنه أو محموله بطلت صلاته كما مر. "والطريق في البناء" دون البرية للنهي ولاشتغال القلب بمرور الناس فيها، وبه يعلم أن التعبير بالبناء دون البرية جرى على الغالب، وأنه حيث كثر مرورهم بمحل كرهت الصلاة فيه حينئذ وإن لم يكن طريقًا كالمطاف وفي الوادي الذي نام فيه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عن صلاة الصبح لأنه ارتحل عنه ولم يصل فيه وقال: "إن فيه شيطانًا" 2. "و" في "بطن الوادي" أي كل واد "مع توقع السيل" لخشية الضرر وانتفاء الخشوع "و" في "الكنيسة" وهي متعبد اليهود "و" في "البيعة" وهي متعبد النصارى وغيرهما من سائر أمكنة المعاصي كالسوق لأنها مأوى الشياطين كالحمام. "و" في "المقبرة" الطاهرة والمنبوشة إن جعل بينه وبين النجاسة حائلا لما مر في المزبلة، وبه يعلم أن الكلام في مقابر الأنبياء "والحمام" أو مسلخه ولو جديدًا لما مر "وعطن الإبل" وهو المحل الذي تنحى إليه بعد شربها ليشرب غيرها أو هي ثانيًا للنهي عنه3 ولتشوش خشوعه بشدة نفارها. "و" على "سطح الكعبة" لما فيه من الاستعلاء عليها. "و" في "ثوب" أو إليه أو عليه إن كان "فيه تصاوير أو شيء" آخر "يلهيه" عن الصلاة كخطوط وكآدمي يستقبله للخبر الصحيح: أنه صلى صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب ذو أعلام فلما فرغ قال: "ألهتني هذه" 4 "والتلثم" للرجل "والتنقيب" لغيره للنهي عن   1 روى الترمذي في الصلاة باب 141، وابن ماجه في المساجد والجماعات باب 4 "حديث 746" عن ابن عمر قال: "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى في سبع مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق الكعبة". ورواه ابن ماجه أيضًا "حديث 747" عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة: ظاهر بيت الله والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومحجة الطريق". 2 رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمران بن حصين. 3 النهي عن الصلاة في معاطن الإبل رواه الترمذي في المواقيت باب 142، والنسائي في المساجد باب 41، وابن ماجه في المساجد والجماعات باب 12، والدارمي في الصلاة باب 112، وأحمد في المسند "3/ 404، 405، 4/ 85، 86، 150، 303، 5/ 54، 55، 97، 102، 105". 4 عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي". رواه البخاري في الصلاة باب 14 "حديث 373" ورواه أيضًا برقم "752 و5817" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 62، وأبو داود في اللباس باب 8، وأحمد في المسند "6/ 199". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فصل: "في سترة المصلي" ويستحب أن يصلي إلى شاخص قدر ثلثي ذراع بينه وبينه ثلاثة أذرع فما دون، فإن لم يجد بسط مصلى أو خط خطا، ويندب دفع المار حينئذ، يحرم المرور حينئذ إلا إذا صلِّي في قارعة الطريق وإلا لفرجة في الصف المتقدم.   الأول1 وقيس به الثاني. "وعند غلبة النوم" لفوات الخشوع حينئذ ومحله إن اتسع الوقت وغلب على ظنه استيقاظه وإدراك الصلاة كاملة فيه وإلا حرم كما مر. فصل: في سترة المصلي "ويستحب" لكل مصل "أن يصلي إلى شاخص" من نحو جدار أو عمود فإن لم يجد فنحو عصا أو متاع يجمعه "قدر ثلثي ذراع" فأكثر أي طوله بقدر ذلك وإن لم يكن له عرض كسهم "بينه" أي بين قدميه "وبين ثلاثة أذرع فما دون" ذلك "فإن لم يجد" شاخصًا مما ذكر "بسط مصلى أو خط خطا" من قدميه نحو القبلة وكونه طولا أولى وذلك للأخبار الصحيحة كخبر: "استتروا في صلاتكم ولو بسهم" 2 وخبر: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها" 3 ولما صلى عليه الصلاة والسلام في الكعبة جعل بينه وبين حائطها قريبًا من ثلاثة أذرع لأنها قدر إمكان السجود، ولذلك يسن التفريق بين كل صفين بقدرها، وصحح جماعة خبر: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه" 4, وما اقتضاه هذا الخبر من الترتيب هو المعتمد خلافًا للإسنوي5 التابع له المصنف فلا بد من تقديم نحو الجدار ثم نحو العصا ثم المصلى ثم الخط ومتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم. "ويندب" له "دفع المار" بينه وبين سترته "حينئذ" أي حين استتر بسترة مستوفية للشروط المذكورة لأمره صلى الله عليه وسلم   1 روى أبو داود في الصلاة باب 85 "حديث 643" عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يعطي الرجل فاه". ورواه ابن ماجه في الإقامة باب 42 "حديث 966" بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي الرجل فاه في الصلاة". قال الخطابي في معالم السنن: هو التلثم على الأفواه. 2 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 252" من حديث سبرة بلفظ: "استتروا لصلاتكم ولو بسهم". وقال الحاكم: على شرط مسلم. 3 رواه أبو داود في الصلاة باب 107 "حديث 698" من حديث أبي سعيد الخدري، ولفظه: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها". ورواه أيضًا "حديث رقم 695" عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته". 4 رواه أبو داود في الصلاة باب 102 "حديث رقم 689" من حديث أبي هريرة. 5 تقدمت ترجمته. راجع الحاشية 2 صفحة 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فصل: "في سجود السهو" يسن سجدتان للسهو بأحد ثلاثة أسباب: الأول: ترك كلمة من التشهد الأول أو القنوت في الصبح، أو وتر نصف رمضان   بذلك وقال: "فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان" 1 أي فليدفعه بالتدريج كالصائل2 ولا يزيد على مرتين وإلا بطلت صلاته إن والى، ويسن لغير المصلي دفعه أيضًا. "ويحرم المرور" بينه وبين سترته "حينئذ" أي حين استيفائها للشرط ولو لضرورة وإن لم يجد المار سبيلا غيره لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفًا خيرًا له من أن يمر بين يدي المصلي" 3, وهو مقيد بالاستتار بشرطه المعلوم من الأخبار السابقة، ولا يحرم المرور "إلا إذا" لم يقصر المصلي فإن قصر بأن "صلى على قارعة الطريق" أو شارع أو درب يضيق أو باب مسجد أو نحوها كالمحل الذي يغلب مرور الناس فيه في تلك الصلاة ولو في المسجد كالمطاف لم يحرم المرور بين يديه "و" يحرم المرور في غير ما ذكر "إلا" إذا كان "لفرجة في الصف المتقدم" فله المرور بين يدي المصلي ليصلي فيها وإن تعددت الصفوف بينه وبينها لتقصيرهم بالوقوف خلفها مع وجودها، وحيث انتفى شرط من شروط السترة السابقة جاز المرور وحرم الدفع، ولو أزيلت سترته حرم المرور على من علم بها بخلاف من لم يعلم بها لعدم تقصيره، ويظهر أن مثله ما لو استتر بسترة يراها مقلده ولا يراها مقلد المار. فصل: في سجود السهو "يسن سجدتان للسهو" في الفرض والنفل للأحاديث الآتية. وإنما يسن "بأحد ثلاثة أسباب: الأول ترك كلمة التشهد الأول" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم تركه ناسيًا وسجد قبل أن يسلم4، وقيس بالنسيان العمد بل خلله أكثر، والمراد به اللفظ الواجب في الأخير فقط كالقنوت، ولو نوى أربع ركعات وقصد أن يتشهد بتشهدين فترك أولهما لم يسجد لأنه ليس سنة مطلوبة   1 رواه البخاري في بدء الخلق باب 11، ومسلم في الصلاة حديث 258، 259، 260، وأبو داود في الصلاة باب 107، والنسائي في القبلة باب 8، والقسامة باب 48، والدارمي في الصلاة باب 125، ومالك في السفر حديث 33، وأحمد في المسند "2/ 86، 3/ 34، 44". 2 الصائل: يقال: صال عليه صولا وصولانًا: سطا عليه ليقهره " المعجم الوسيط ص529". 3 رواه من حديث أبي جهيم: البخاري في الصلاة باب 101 "حديث 510", ومسلم في الصلاة حديث 261، وأبو داود في الصلاة باب 108، والترمذي في المواقيت باب 134، والنسائي في القبلة باب 8، والدارمي في الصلاة باب 130، ومالك في السفر حديث 34، 35، وأحمد في المسند "4/ 169". 4 رواه الشيخان وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الأخير أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، أو القنوت أو الصلاة على الآل في التشهد الأخير. الثاني: فعل ما لا يبطل سهوه ويبطل عمده كالكلام القليل ناسيًا، أو زيادة ركن فعلي ناسيًا كالركوع، ولا يسجد لما لا يبطل سهوه ولا عمده كالالتفات، والخطوة الخطوتين، إلا إن قرأ في غير محل القراءة كالركوع أو تشهد في غير محله، أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في غير محله، فيسجد سواء فعله سهوًا أو عمدًا، ولو نسي التشهد الأول   لذاتها في محل مخصوص، "أو" كلمة من "القنوت" الراتب وهو الذي "في الصبح أو وتر نصف رمضان الأخير، قياسًا على التشهد الأول دون قنوت النازلة لأنه عارض قيامه وقعود التشهد الأول مثلهما فيسجد لكل منهما وحده لأن لا يحسنهما, لأنه يسن له حينئذ أن يجلس ويقف بقدرهما. "أو" ترك "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" أو الجلوس لها "في التشهد الأول" لأنها ذكر يجب الإتيان به في الأخير فيسجد لتركه في الأول كالتشهد، "أو" ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو على آله وأصحابه أو القيام لها في "القنوت" قياسًا على ما قبلها. "أو" ترك "الصلاة على الآل" أو الجلوس لها "في التشهد الأخير" قياسًا على ذلك أيضًا، وصورة السجود لتركها أن يتقين ترك إمامه لها بعد أن يسلم إمامه وقبل أن يسلم هو أو بعد أن سلم ولم يطل الفصل. "الثاني" من الأسباب "فعل ما لا يبطل سهوه" الصلاة "ويبطل عمده كالكلام القليل ناسيًا" أو الأكل القليل ناسيًا "أو زيادة ركن فعلي ناسيًا كالركوع" وتطويل نحو الاعتدال بغير مشروع ناسيًا لما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا وسجد للسهو بعد السلام1 وقيس غير ذلك عليه، بخلاف ما يبطل سهوه أيضًا كالكلام والعمل الكثيرين لأنه ليس في صلاة. "ولا يسجد لما لا يبطل سهوه ولا عمده كالالتفات والخطوة والخطوتين" لا لعمده ولا لسهوه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد للفعل القليل ولا أمر به مع كونه فعله "إلا إن قرأ" الفاتحة أو السورة "في غير محل القراءة كالركوع" والاعتدال "أو تشهد في غير محله" كالجلوس بين السجدتين "أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في غير محله" كالركوع "فيسجد" لذلك "سواء فعله سهوًا أو عمدًا" لتركه التحفظ المأمور به في الصلاة فرضها ونفلها أمرًا مؤكدًا كتأكد التشهد الأول، نعم لو قرأ السورة قبل الفاتحة لم يسجد لأن القيام محلها في الجملة، ويقاس به ما لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل التشهد، وقضية كلام المصنف أن التسبيح ونحوه من كل مندوب قولي مختص بمحل لا   1 روى البخاري في السهو باب 2 "حديث 1226" ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 93" عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: "وما ذاك؟ قال: صليت خمسًا. فسجد سجدتين بعدما سلم. اللفظ للبخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فذكره بعد انتصابه لم يعد إليه، فإن عاد عالمًا بتحريمه عامدًا بطلت أو ناسيًا أو جاهلا، فلا، ويسجد للسهو، ويجب العود لمتابعة إمامه، وإن تذكر قبل انتصابه عاد، ولو تركه عامدًا فعاد إليه بطلت إن كان إلى القيام أقرب، ولو نسي القنوت فذكره بعد وضع جبهته لم يرجع له أو قبله عاد وسجد للسهو إن بلغ حد الراكع. الثالث: إيقاع ركن فعلي مع التردد فيه، فلو شك في ركوع أو سجود أو ركعة أتى به   يسجد لنقله إلى غير محله واعتمده بعضهم لكن اعتمد الإسنوي وغيره أنه لا فرق، نعم نقل السلام وتكبيرة الإحرام عمدًا مبطل، وأفهم كلامهم أن السجود لما ذكر مستثنى من مفهوم قولهم ما لا يبطل عمده لا سجود لسهوه ولا لعمده، ويضم إليها صور كثيرة كالقنوت قبل الركوع بنيته، وكتفريقهم في الخوف1 غير التفريق الآتي المأمور به. "ولو نسي" الإمام أو المنفرد "التشهد الأول" وحده أو مع قعوده "فذكره بعد انتصابه" أي قيامه "لم يعد إليه" لتلبسه بفرض فلا يقطعه لسنة "فإن عاد عالمًا بتحريمه عامدًا بطلت" صلاته لتعمده زيادة قعود "أو" عاد "ناسيًا" أنه في الصلاة "أو جاهلا" بتحريم العود "فلا" بطلان لعذره وعليه أن يقوم إذا ذكر "ويسجد للسهو" لأن عمد فعله هذا مبطل، أما المأموم فإن انتصب إمامه فتخلف عامدًا عالمًا ولم ينو مفارقته بطلت صلاته لفحش المخالفة ولا يعود ولو عاد إمامه لأنه إما متعمد فصلاته باطلة أو ساه والساهي لا يجوز متابعته فيفارقه أو ينتظره، فإن عاد عامدًا عالمًا بطلت صلاته، وإن انتصب هو وجلس إمامه للتشهد فإن كان ساهيًا لم يعتد إذ لا قصد له. "ويجب" عليه "العود لمتابعة إمامه" فإن لم يعد بطلت إن علم وتعمد أو عامدًا سن له العود لأن له قصدًا صحيحًا، وكما أن المتابعة فرض كذلك القيام فرض وإنما تخير من ركع قبل إمامه سهوًا لعدم فحش المخالفة. "وإن تذكر" الإمام أو المنفرد ترك التشهد الأول "قبل انتصابه" أي استوائه قائمًا "عاد" له ندبًا لأنه لم يلتبس بفرض. "ولو تركه" أي غير المأموم التشهد الأول "عامدًا فعاد إليه" عامدًا عالمًا "بطلت" صلاته "إن كان" وقت العود "إلى القيام أقرب" منه إلى القعود لقطعه نظم الصلاة بخلاف ما إذا عاد وهو إلى القعود أقرب أو كانت نسبته إليهما على السواء لكن بشرط أن يقصد بالنهوض ترك التشهد ثم يبدو له العود، أما لو زاد هذا النهوض عمدًا لا لمعنى فإن صلاته تبطل بذلك، والقنوت كالتشهد في جميع ما ذكر، "و" منه أنه "لو نسي" غير المأموم "القنوت فذكره بعد وضع جبهته" للسجود "لم يرجع له" لتلبسه بفرض "أو قبله" أي قبل وضعها على الأرض، وإن وضع بقية أعضاء السجود "عاد" ندبًا لعد تلبسه بفرض "وسجد للسهو إن بلغ حد الراكع" لزيادة ما يبطل تعمده فإن لم يبلغه لم يسجد. "الثالث" من الأسباب "إيقاع ركن فعلي مع التردد فيه فلو شك" أي تردد مع استواء أو   1 أي في صلاة الخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وسجد وإن زال الشك قبل السلام إلا إذا زال الشك قبل أن يأتي بما يحتمل الزيادة، فلو شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا لزمه أن يبني على الأقل، وإذا زال الشك في غير الأخيرة لم يسجد أو فيها سجد، ولا يضر الشك بعد السلام في ترك ركن إلا النية وتكبيرة الإحرام والطهارة، ويسجد المأموم لسهو إمامه المتطهر وإمامه، وإن تركه الإمام أو أحدث قبل إتمامها إلا إن علم المأموم خطأ إمامه فلا يتابعه، ولا يسجد المأموم لسهو نفسه خلف   رجحان "في" ترك شيء معين من "ركوع أو سجود أو ركعة أتى به" وجوبًا لأن الأصل عدم فعله "وسجد" لتردده في زيادة ما أتى به. "وإن زال الشك قبل السلام" لتردده حال الفعل وهو مضعف للنية "إلا إذا زال الشك قبل أن يأتي بما يحتمل الزيادة" فلا يسجد؛ لأن ما فعله واجب على كل تقدير فلم يؤثر في التردد. "فلو شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا لزمه أن يبني على الأقل" وإن أخبره كثيرون بأنه صلى أربعًا إذ لا يجوز له الرجوع إلى قول غيره في النقص ولا في الزيادة لبطلان الصلاة بكل منهما، بخلاف نحو الطواف له الأخذ بإخبار غيره بالنقص، "وإذا" تردد ثم "زال الشك" فإن كان قد زال "فيها" أي في الأخيرة "سجد" لأن ما فعله منها قبل التذكر يحتمل الزيادة، فلو شك في ترك بعض معين سجد أخرى أو في ارتكاب منهي فلا، أو هل سجد للسهو أو لا سجد له، أو هل سجد له سجدتين أو واحدة سجد أخرى عملا بالأصل في جميع ذلك. والحاصل أن المشكوك فيه كالمعدوم غالبًا. "و" من غير الغالب أنه "لا يضر الشك بعد السلام في ترك ركن" لأن الظاهر مضي الصلاة على التمام "إلا النية وتكبيرة الإحرام" فإنه يضر الشك فيهما ولو بعد السلام فتلزمن الإعادة لأنه شك فيما به الانعقاد فتلزمه الإعادة، كما لو شك هل نوى الفرض أو النفل أو هل صلى أو لا؟ "و" إلا الشك في "الطهارة" وغيرها من بقية الشروط على ما في موضع المجموع1، لكن المعتمد ما فيه في موضع آخر وفي غيره من أنه لا يضر الشك فيه بعد تيقن وجود عند الدخول في الصلاة إلا في الطهارة فإنه يكفي تيقن وجودها ولو قبل الصلاة لقولهم: يجوز الدخول فيها بطهر مشكوك فيه. "ويسجد المأموم لسهو" وعمد "إمامه المتطهر وإمامه" أي إمام إمامه المتطهر أيضًا وإن كان سهو إمامه أو إمام إمامه قل القدوة لتطرق الخلل فيهما لصلاته من صلاة إمامه ومن ثم يسجد. "وإن تركه الإمام" فلم يسجد "أو" بطلت صلاة الإمام كأن "أحدث قبل إتمامها" وبعد وقوع السهو منه أو فارقه، أما المحدث فلا يلحقه سهوه إذ لا قدوة في الحقيقة وإن كانت الصلاة خلف المحدث جماعة لأن ذلك بالنسبة لحصول الثواب فضلًا لا ليترتب عليه أحكامها، وعند سجود الإمام المتطهر يلزم 0المأموم متابعته فيه مسبوقًَا كان أو   1 المجموع شرح المهذب للنووي. راجع ص22 حاشية 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 إمامه المتطهر، ولو ظن سلام إمامه فسلم فبان خلافه أعاد السلام معه ولا سجود، ولو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام صلى ركعة بعد سلام إمامه ولا يسجد أو شك في ذلك أتى بركعة بعد سلام إمامه وسجد، وإذا سجد إمامه لزمه متابعته، فإن كان المأموم مسبوقًا سجد معه وجوبًا إن سجد، ويستحب أن يعيده في آخر صلاة نفسه، وسجود السهو وإن كثر سجدتان كسجود الصلاة، ومحل سجود السهو بين التشهد والسلام ويفوت بالسلام عامدًا وكذا ناسيًا إن طال الفصل، فإن قصر عاد إلى السجود.   موافقًا، فإن تخلف عامدًا عالمًا بطلت صلاته وإن جهل سهوه "إلا إن علم المأموم خطأ إمامه" في السجود للسهو بأن علم أن سجد لغير مقتض كنهوض قليل "فلا يتابعه" فيه اعتبارًا بعقيدته، نعم يلحقه سهوه بسجوده لذلك فيسجد له، ولو علم غلطه وهو ساجد معه لزمه العود إلى الجلوس، ثم إن شاء فارقه وسجد أو انتظر سلامه ثم يسجد ويتصور علم المأموم بغلط الإمام في ذلك بقوله له ذلك بعد سلامه أو بكتابته أو بخبر معصوم لا بغير ذلك لاحتمال أنه شك في فعل بعض معين وذلك يقتضي السجود، وإن علم المأموم أنه أتى به فيلزمه موافقته فيه. "ولا يسجد المأموم لسهو نفسه خلف إمامه المتطهر" لأنه يتحمل عنه سهوه في حال قدوته كما يتحمل عنه القنوت وغيره، أما المحدث فلا يتحمل عنه لما مر، وخرج بقوله خلف إمامه ما لو سها منفردًا ثم اقتدى به فإنه لا يتحمله وإنما لحقه سهو إمامه ولو قبل الاقتداء به لأنه قد عهد تعدي الخلل من صلاة الإمام إلى صلاة المأموم دون عكسه. "ولو ظن" المأموم "سلام إمامه فسلم فبان خلافه" أي خلاف ظنه "أعاد السلام معه" أي مع إمامه أو بعده لامتناع تقدمه على سلام إمامه. "ولا سجود" لأنه سهو حال القدوة كما لو نسي نحو الركوع فإنه يأتي بركعة بعد سلام إمامه ولا يسجد سواء تذكره قبل سلام إمامه أم بعده، بخلاف ما لو سلم المسبوق بعد سلام الإمام سهوًا فإنه يسجد لأنه سهو بعد انقطاع القدوة وبه فارق ما لو سلم معه. "ولو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن" فإن كان النية أو تكبيرة الإحرام تبين بطلان صلاته كما مر، أو "بعد سلام إمامه" وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا لغا ما أتى به ولزمه العود إلى الجلوس وإن كان الإمام قد سلم ثم القيام إلى الإتيان بما بقي عليه. "ولا يسجد" للسهو فيما إذا أتى بالركعة بعد سلام إمامه لوجود سهود حال القدوة "أو شك في ذلك" أي في ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام "أتى بركعة بعد سلام إمامه" أيضًا "وسجد" ندبًا لأن ما فعله مع التردد محتمل للزيادة. "وإذا سجد إمامه" للسهو "لزمه متابعته" كما مر مع ما يستثنى منه. "فإن كان المأموم مسبوقًا سجد معه وجوبًا إن سجد" لأجل المتابعة، "ويستحب أن يعيده" أي سجود السهو "في آخر صلاة نفسه" لأنه محل السجود. "وسجود السهو وإن كثر" السهو من نوع أو أكثر "سجدتان" للاتباع "كسجود الصلاة" أي كسجدتيها في الأقل والأكمل وما يندب فيهما وما بينهما، فإن سجد واحدة بنية الاقتصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فصل: "في سجود التلاوة" يسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع والسامع عند قراءة آية سجدة إلا لقراءة النائم   عليها ابتداء بطلت صلاته بخلاف ما إذا بدا له الاقتصار عليها بعد فراغها ولا بد من نية سجود السهو. "ومحل سجود السهو" سواء سها بنقص أو بزيادة أو بهما "بين التشهد" وما يتبعه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن الدعاء "والسلام" بحيث لا يتخلل بينه وبين السلام شيء فلا يجوز فعله بعد السلام لأن فعله قبله هو آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم1 كما قاله الزهري، ولو اقتدى بمن يراه بعد السلام وتوجه على المأموم سجود سهو في اعتقاده سجد هو قبل سلامه وبعد سلام الإمام اعتبارًا بعقيدته ولا ينتظره الموافق ليسجد معه لأنه فارقه بسلامه، وقد يتعدد السجود صورة لا حكمًا كما مر في مسألة المسبوق. "ويفوت" السجود "بالسلام عامدًا" بأن كان ذاكرًا للسهو عالمًا بأن محله قبل السلام لفوات محله ولا عذر فلا يعود إليه وإن قرب الفصل. "وكذا" يفوت بالسلام "ناسيًا إن طال الفصل" عرفًا بين السلام وتيقن الترك بأن مضى زمن يغلب على الظن أنه ترك السجود قصدًا أو نسيانًا لفوات محله ولتعذر البناء بالطول، وكذا لو لم يرده وإن قرب الفصل "فإن قصر" وأراده "عاد إلى السجود" ندبًا بلا إحرام إن لم يطرأ مناف كخروج وقت الجمعة للاتباع، وإذا عاد إليه بأن وضع جبهته بالأرض ولو من غير طمأنينة صار عائدًا إلى الصلاة وبان أنه لم يخرج منها حتى يحتاج إلى سلام ثان وتبطل بطرو مناف كالحدث بعد العود وتصير الجمعة ظهرًا إن خرج وقتها بعد العود ويحرم إن علم ضيق وقت الصلاة لإخراج بعضها عن الوقت. فصل: في سجود التلاوة وهو في أربع عشرة آية منها سجدتا الحج وثلاث في المفصل في النجم والانشقاق واقرأ. "يسن سجود التلاوة للقارئ" للاتباع "والمستمع" أي قاصد السماع "والسامع عند قراءة آية سجدة" لما صح من سجود الصحابة رضوان الله عليهم لقراءته صلى الله عليه وسلم2 وهو للمستمع آكد وخرج الأصم فلا يسجد وإن علم سجود القارئ، ولا يجوز لمن ذكر إلا عند آخر الآية،   1 روى البخاري في السهو باب 1 "حديث 1224" عن عبد الله ابن بحينة أنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم". 2 روى أبو داود عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 والجنب والسكران والساهي، ويتأكد للمستمع إن سجد القارئ ولا يسجد المصلي لغير قراءة نفسه إلا المأموم فيسجد إن سجد إمامه وإلا بطلت صلاته، ويتكرر السجود بتكرر القراءة ولو في مجلس وركعة إلا قرأها في وقت الكراهة أو في الصلاة بقصد السجود فقط فلا يسجد فإن فعل بطلت صلاته.   والأصح أن آخرها في النحل: {يُؤْمَرُونَ} 1، وفي النمل: {الْعَظِيمِ} 2، وفي ص: {وَأَنَابَ} 3، وفي حم السجدة: {يَسْأَمُونَ} 4، وفي الانشقاق: {يَسْجُدُونَ} 5، والبقية لا خلاف فيها وإلا عند مشروعية القراءة، فيسجد كل من ذكر لقراءة كافر حلت له بأن رجي إسلامه ولم يكن معاندًا وصبي ومحدث ومصل قرأ في القيام وتارك لها وملك وجني ولكل قراءة "إلا لقراءة النائم والجنب والسكران والساهي" ونحو الدرة6 من الطيور المعلمة فلا يسن السجود لسماع قراءتهم لعدم مشروعيتها وعدم قصدها فالشرط حل القراءة والسماع أي عدم كراهتهما وإن لم يندبا. "ويتأكد" السجود "للمستمع" أكثر منه للسامع ولهما "إن سجد القارئ" لما قيل: إن سجودهما متوقف على سجوده ولهما الاقتداء به. "ولا يسجد المصلي لغير قراءة نفسه" من مصل وغيره وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد "إلا المأموم فيسجد إن سجد إمامه" وإن لم يسمع قراءته "وإلا" بأن سجد دون إمامه ولو لقراءة إمامه أو تخلف عنه في سجوده لها وإن لم يسمع قراءة "بطلت صلاته" إن علم وتعمد فيهما ولم ينو المفارقة في الثانية ولو علم والإمام في السجود فرفع وهو هاو رفع معه ولا يسجد، أما المصلي المستقل بأن كان إمامًا أو منفردًا فيسجد لقراءة نفسه في القيام ولو قبل الفاتحة ولا يكره له قراءة آيتها بخلاف المأموم، ويكره لكل مصل الإصغاء إلى قراءة غيره إلا المأموم لقراءة إمامه، ويسن للإمام تأخير السجود في السرية7 إلى السلام. "ويتكرر السجود" ندبًا "بتكرر القراءة ولو في مجلس وركعة" لتجدد السبب مع توفية حكم الأول، فإن لم يوفه كفى لهما سجدة، ومن يكرر للحفظ كغيره، وإنما يسن للإمام التكرير للسجود إن أمن التشويش على المأمومين وإلا لم يسن له ذلك، ويسن أن يسجد حيث قرأ آية السجدة على ما مر. "إلا إذا قرأها في وقت الكراهة" ليسجد في وقت الكراهة فلا يسجد لحرمتها فيه كما مر. "أو" قرأها "في الصلاة بقصد السجود فقط فلا يسجد" لعدم مشروعيتها حينئذ "فإن   1 الآية 50 من سورة والنحل: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . 2 الآية 26 من سورة النمل: {اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} . 3 الآية 24 من سورة ص: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} . 4 الآية 38 من سورة فصلت: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} . 5 الآية 21 من سورة الانشقاق: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} . 6 الدرة: الببغاء الصغيرة "المعجم الوسيط: ص279". 7 أي القراءة السرية غير الجهرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 فصل: "في سجود الشكر" ويسن سجود الشكر عند هجوم نعمة واندفاع نقمة لرؤية فاسق متظاهر، ويظهرها للمتظاهر أو رؤية مبتلى ويسرها، ويستحب في آية "ص" في غير الصلاة، فإن سجد فيها عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت.   فعل" عامدًا عالمًا "بطلت صلاته" لأنه زاد فيها ما هو من جنس بعض أركانها تعديًا، بخلاف ما لو ضم إلى قصد السجود قصدًا صحيحًا من مندوبات القراءة أو الصلاة فإنه لا بطلان لمشروعية القراءة والسجود حينئذ، ولا بد في سجدتي التلاوة والشكر من شروط الصلاة والنية مع تكبيرة الإحرام والسلام إن كانت سجدتي التلاوة خارج الصلاة ويسن فيهما سائر سنن الصلاة التي يتأتى مجيئها هنا. فصل: في سجود الشكر "ويسن سجود الشكر عند هجوم1 نعمة" ظاهرة من حيث لا يحتسب سواء توقعها قبل ذلك أم لا، وسواء كانت له أم لنحو ولد أم لعامة المسلمين، وذلك كحدوث معرفة أو ولد أو نحو أخ أو جاه أو مال وإن كان له مثله وقدوم غائب ونصر على عدو. "واندفاع نقمة" ظاهرة من حيث لا يحتسب توقعها أم لا عمن ذكر2 كنجاة من نحو غرق أو حريق وكستر المساوي لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسر به خر ساجدًا"3، وخرج بالظاهرتين ما لا وقع له عادة كحدوث درهم وعدم رؤية عدو حيث لا ضرر فيها، وبما بعده: ما لو تسبب فيهما تسببًا تقضي العادة بحصولهما عقبه ونسبتهما إليه فلا سجود حينئذ، فعلم أنه لا نظر لتسببه في حصول الولد بالوطء والعافية بالدواء وبالهجوم المراد به الحدوث استمرار النعم واندفاع النقم فلا يسجد له لاستغراقه العمر في السجود. "و" يسن أيضًا "لرؤية فاسق متظاهر" بفسقه ومنه الكافر قياسًا على سجوده صلى الله عليه وسلم لرؤية المبتلى الآتي4، ومصيبة الدين أشد من مصيبة الدنيا فطلب منه السجود شكرًا على السلامة من ذلك. "ويظهرها للمتظاهر" المذكور حيث لم يخف منه فتنة أو مفسدة لعله يتوب، وفي بعض النسخ فاسق متظاهر ظاهرًا وهي أحسن "أو رؤية مبتلى" ببلية في نحو بدنه أو عقله للاتباع. "ويسرها" ندبًا لئلا يتأذى بالإظهار، نعم إن كان غير معذور كمقطوع في سرقة ومجلود في زنى ولم يعلم توبته أظهرها له، وكرؤية من ذكر سماع صوته. "ويستحب" سجود الشكر "في" قراءة "آية ص في غير الصلاة"   1 هجوم النعمة: حصولها بغتة. 2 أي نحو ولد أو أخ ... إلخ. 3 رواه أبو داود في الجهاد باب 162 "حديث 2774" وابن ماجه في الإقامة باب 192، من حديث أبي بكر. 4 بعد سطرين؛ وهو قوله: أو رؤية مبتلى ... للاتباع، وقد روي هذا الحديث البيهقي في السنن الكبرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فصل: "في صلاة النفل" أفضل الصلاة المسنونة صلاة العيدين، ثم الكسوف ثم الخسوف، ثم الاستسقاء، ثم الوتر، وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة بالأوتار، ووقته بين العشاء وطلوع الفجر،   للاتباع1 وشكرًا على قبول توبة داود صلى الله علي نبينا وعليه وسلم ويحرم فيها "فإن سجد فيها" لها "عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت" صلاته وإن كان تابعًا لإمامه الذي يراها فيها أو ناسيًا أو جاهلًا فلا يسجد للسهو، وإذا سجدها إمامه فارقه أو انتظره قائمًا. فرع: يحرم التقرب إلى الله تعالى بسجدة من غير سبب ولو بعد صلاة وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقًَا ولو بقصد التقرب إلى الله تعالى وفي بعض صوره ما يكون كفرًا. فصل: في صلاة النفل وهو لغة: الزيادة، وشرعًا: ما عدا الفرض. وهو كالسنة والمندوب والمستحب والمرغب فيه والحسن ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه. "أفضل" عبادات البدن بعد الشهادتين "الصلاة" ففرضها أفضل الفروض وتطوعها أفضل التطوع، ولا يرد الاشتغال بالعلم وحفظ القرآن لأنهما فرض كفاية. وأفضل الصلاة "المسنونة صلاة العيدين" الأكبر والأصغر لشبههما الفرض في الجماعة وتعيين الوقت وللخلاف في وجوبهما على الكفاية وتكبير الأصغر أفضل من تكبير الأضحى للنص عليه. "ثم الكسوف" للشمس "ثم الخسوف" للقمر للاتفاق على مشروعيتهما بخلاف الاستسقاء وتقديم كسوف الشمس لتقدمها في القرآن2 والأخبار3 ولأن الانتفاع بها أكثر من الانتفاع به، "ثم الاستسقاء" لتأكد طلب الجماعة فيها ولعموم نفعها. "ثم الوتر" للخلاف في   1 روى النسائي في الافتتاح باب 48: أنه صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال: "سجدها نبي الله داود توبة ونسجدها شكرًا". ورواه أيضًا الطبراني في المعجم الكبير "12/ 34" والبيهقي في السنن الكبرى "2/319" وعبد الرزاق في مصنفه "5870" والدارقطني في سننه "1/ 207". 2 أي أن ذكر الشمس يتقدم غالبًا في القرآن على ذكر القمر، كقوله تعالى في الأنعام 96: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} ، وقوله في الأعراف 54: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} ، وقوله في يونس 5: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} ، إلى آيات كثيرة غيرها مثل: يوسف "24" والرعد "2" وإبراهيم "33" والنحل "12" والأنبياء "33" والحج "18" والعنكبوت "61" ولقمان "29" وفاطر "13" ... إلخ. 3 كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله"، وقوله: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وتأخيره بعد صلاة الليل أو إلى آخر الليل إذا كان يستيقظ أفضل، ويجوز وصله بتشهد أو بتشهدين في الأخيرتين، وإذا أوتر بثلاث يقرأ في الأولى سورة الأعلى، وفي الثانية   وجوبه بخلاف سائر الرواتب، "وأقله ركعة" لكن الاقتصار عليها خلاف الأولى. "وأكثره إحدى عشرة" ركعة للأخبار الصحيحة1 في ذلك وما بينهما أوسطه. وإنما يفعل "بالأوتار" إما ثلاثًا وهي أدنى الكمال أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا وكل أكمل مما قبله، ولا تجوز الزيادة على إحدى عشرة بنية الوتر، ورواية "أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس عشرة" حسب فيها سنة العشاء ركعتان خفيفتان كان يفتتح بهما صلاة الليل ومن ثم كانتا سنة غير الوتر. "ووقته بين" فعل صلاة "العشاء" وإن جمعها تقديمًا "وطلوع الفجر" الصادق للإجماع، ثم إن أراده قبل النوم كان وقته المختار إلى ثلث الليل وإلا فهو آخر الليل. "وتأخيره بعد صلاة الليل" من نحو راتبة أو تراويح أو تهجد وهو الصلاة بعد النوم أو صلاة نفل مطلق قبل النوم أو فائتة أراد قضاءها ليلًا أفضل من تقديمه عليها سواء كان ذلك بعد النوم أو قبله لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" 2 "أو" تأخيره "إلى آخر الليل" فيما "إذا كان" من عادته أنه "يستيقظ" له آخره بنفسه أو غيره "أفضل" من تقديمه أوله لخبر مسلم بذلك3، وعليه يحمل إطلاق بعض الأخبار أفضلية التقديم وبعضها أفضلية التأخير، ويتأتى هذا التفصيل فيمن له تهجد يعتاده ثم الوتر إن فعل بعد نوم حصلت به سنة التهجد أيضًا وإلا كان وترًا لا تهجدًا فبينهما عموم وخصوص من وجه. "ويجوز وصله" أي الوتر لكن "بتشهد" في الركعة الأخيرة وهو أفضل "أو بتشهدين في الأخيرتين" لثبوت كل منهما لا بأكثر من تشهدين ولا بهما في غير الأخيرتين لأنه خلاف الوارد، والفصل بالسلام من كل ركعتين إن أوتر بثلاث فأكثر أفضل من الوصل بقسميه لأنه أكثر أخبارًا وعملا. "وإذا أوتر بثلاث" فالسنة أنه "يقرأ" بعد الفاتحة "في"   1 منها ما رواه البخاري في التهجد باب 16 عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؛ يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا. قال عائشة: فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: "يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي". 2 رواه البخاري في الصلاة باب 4 "حديث 472" عن ابن عمر قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى؛ فإذا خشع الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى" وإنه كان يقول: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ورواه البخاري أيضًا بالأرقام "473 و990 و993 و995 و1137" ورواه أيضًا مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 148". 3 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 162" عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر لأوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الكافرون: وفي الثالثة المعوذات، ثم يتلو الوتر في الفضيلة ركعتا الفجر، ثم ركعتان قبل الظهر أو الجمعة وركعتان بعدهما، وركعتان بعد المغرب وبعد العشاء، ثم التراويح وهي لغير أهل المدينة عشرون ركعة يسلم من كل ركعتين بين العشاء والفجر، ثم الضحى   الركعة "الأولى سورة الأعلى وفي الثانية" سورة "الكافرون وفي الثالث المعوذات" يعني: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} , والمعوذتين للاتباع. "ثم يتلو الوتر في الفضيلة ركعتا الفجر" لما صح من شدة مثابرته صلى الله عليه وسلم عليهما أكثر من غيرهما ومن قوله1: "إنهما خير من الدنيا وما فيها" 2 "ثم" الأفضل بعدهما بقية الرواتب المؤكدة فهي في مرتبة واحدة وهي عشر "ركعتان قبل الظهر أو الجمعة وركعتان بعدهما وركعتان بعد المغرب" كذا "بعد العشاء" للاتباع3 إلا في الجمعة فقياسًا على الظهر. ثم الرواتب المؤكدة وغيرها مما يأتي إن كانت قبلية دخل وقتها بدخول وقت الفرض ويجوز تأخيرها عنه وإن كانت بعدية لم يدخل وقتها إلا بفعل الفرض، ويجري ذلك بعد خروج الوقت أيضًا على الوجه، فلا يجوز تأخيرها عنه وإن كانت بعدية لم يدخل وقتها إلا بفعل الفرض، ويجري ذلك بعد خروج الوقت أيضًا على الأوجه، فلا يجوز تقديم البعدية على الفرض المقضي "ثم" يتلو هذه الرواتب العشر في الفضل "التراويح" وإن فعلت جماعة لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الرواتب دونها "وهي لغير أهل المدينة" على مشرفها أفضل الصلاة والسلام "عشرون ركعة" في كل ليلة من رمضان بنية قيام رمضان أو سنة التراويح أو صلاة التراويح والإضافة فيهما للبيان لما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى التراويح ليالي أربعًا فصلوها معه ثم تأخر وصلاها في بيته باقي الشهر، وقال: "خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها" 4 وتعيين كونها عشرين جاء في حديث ضعيف لكن أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ورواية ثلاث وعشرين مرسلة5 أو حسب معها الوتر فإنهما كانوا يوترون بثلاث، أما أهل المدينة فلهم فعلها ستًا   1 أي: ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم. 2 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 96" عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". ورواه أيضًا الترمذي في الصلاة باب 190. 3 روى البخاري في التهجد باب 25 "حديث 1165" عن ابن عمر قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء". 4 رواه البخاري في الجمعة باب 29 "حديث 924" وصلاة التراويح باب 1 "حديث 2012" ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 178" عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته؛ فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح. فلما قضي الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يخف على مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها". 5 روى مالك في الموطأ، كتاب الصلاة في رمضان، باب ما جاء في قيام رمضان "حديث 5" عن يزيد بن رومان أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ركعتان إلى ثمان يسلم ندبًا من كل ركعتين بعد ارتفاع الشمس إلى الاستواء وتأخيرها إلى ربع النهار أفضل، ثم ركعتا الإحرام الطواف وركعتا التحية، ثم سنة الوضوء، وتحصل التحية بفرض أو نفل هو ركعتان أو أكثر نواها أو لا، وتتكرر بتكرر الدخول   وثلاثين وإن كان اقتصارهم على العشرين أفضل ولا يجوز لغيرهم ذلك ويجوز فيها أن تكون مثنى فحينئذ "يسلم من كل ركعتين" فلو صلى أربعًا بتسليمة لم تصح لشبهها بالفرض في طلب جماعة فلا تغير عما ورد بخلاف سنة الظهر وغيرها من الرواتب فإنه يجوز جمع الأربع القبلية أو البعدية بتسليمة. ووقتها "بين" فعل صلاة "العشاء و" طلوع "الفجر" كالوتر "ثم" يتلوها في الفضيلة "الضحى" لمشروعية الجماعة في التراويح وأقلها "ركعتان" ويزاد عليهما فتفعل أشفاعًا "إلى ثمان" من الركعات فهي أفضلها وإن كان أكثرها اثنتي عشرة لحديث ضعيف1 فيه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعلها أحيانًا ويتركها2 كذلك فقول عائشة رضي الله عنها: "ما رأيته صلاها" وقول ابن عمر: إنها بدعة مؤول "يسلم ندبًا من كل ركعتين" للاتباع3، ويسن أن يقرأ فيها سورتي الشمس والضحى. ووقتها "بعد ارتفاع الشمس" كرمح تقريبًا "إلى الاستواء وتأخيرها إلى ربع النهار أفضل" لحديث صحيح4 فيه. "ثم" بعد الضحى "ركعتا الإحرام" بنسك ولو مطلقًا "وركعتا الطواف" وهما أفضل من ركعتي الإحرام للخلاف في وجوبهما "ثم" بعد الثلاثة "سنة الوضوء" وإن كان سببها متقدمًا وسبب سنة الإحرام متأخرًا ودليل ندبها الاتباع. "وتحصل التحية بفرض أو نفل هو ركعتان أو أكثرها نواها أو لا" لأن القصد أن لا ينتهك المسجد بلا صلاة، ثم المراد بحصولها بغيرها عند عدم نيتها سقوط الطلب وزوال الكراهة لا حصول الثواب لأن شرط النية فالمتعلق بالداخل حكمان: كراهة الجلوس قبل صلاة وتنتفي بأي صلاة كانت ما لم ينو عدم التحية، وحصول الثواب عليها وهو متوقف على النية، أما أقل من ركعتين كركعة   1 روى الترمذي في الوتر باب 15، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 187 "حديث 1380" عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا من ذهب في الجنة". 2 روى الترمذي في الوتر باب 15 عن أبي سعيد قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها". 3 روى أبو داود في التطوع باب 12 "حديث 1290" عن أم هانئ بن أبي طالب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعان يسلم من كل ركعتين". 4 روى مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 143 و144" وأحمد في المسند "4/ 366، 367، 372، 375" أن زيد بن أرقم رأى قومًا يصلون من الضحى، فقال: أما قد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال". وبلفظ آخر: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون فقال: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وتفوت بالجلوس عامدًا أو ناسيًا وطال الفصل، ويستحب زيادة ركعتين قبل الظهر، وقبل الجمعة وبعده وبعدها وأربع قبل العصر وركعتين قبل المغرب وقبل العشاء وعند السفر في بيته وعند القدوم في المسجد وصلاة الاستخارة والحاجة والتسبيح، ومن فاتته صلاة مؤقتة   وسجدة تلاوة وشكر وصلاة جنازة فلا تحصل به لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" 1, والاشتغال بهما عن فرض ضاق وقته وعن فائتة وجب عليه فعلها فورًا حرام، وعن الطواف لمن دخل المسجد الحرام بقصده وقد تمكن منه، وعن الخطبة، وعن الجماعة ولو في نفل دخل وهي قائمة أو قرب قيامها مكروه قيل والمدرس كالخطيب بجامع التشوف2 إليه. "وتتكرر بتكرر الدخول" ولو على قرب للخبر السابق وإن لم يرد الجلوس "وتفوت" التحية "بالجلوس" قبل فعلها حال كونه عالمًا "عامدًا" وإن قصر الفصل "أو ناسيًا" أو جاهلا "وطال الفصل" بخلاف ما إذا قصر الفصل على المعتمد لعذره لا بالقيام وإن طال ولا بالجلوس بعد الإحرام بها قائمًا، ويكره دخول المسجد بغير وضوء، ويسن لمن لم يتمكن منها لحدث أو شغل أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعًا. "ويستحب زيادة" رواتب أخر غير ما مر لكنها ليست مؤكدة وهي فعل "ركعتين قبل الظهر و" ركعتين "قبل الجمعة و" ركعتين "بعده وبعدها" ركعتين "وأربع قبل العصر وركعتين قبل المغرب و" ركعتين "قبل العشاء" للاتباع في كل ذلك إلا الجمعة فقياسًا على الظهر. "و" من المندوب أيضًا ركعتان "عند" الخروج من المنزل ولو لغير "السفر" ويسن فعلهما "في بيته" للاتباع ويقرأ فيهما الكافرون والإخلاص. "و" ركعتان "عند القدوم" من السفر ويبدأ بهما "في المسجد" قبل دخوله منزله ويكفيانه عن ركعتي دخوله فإنهما سنة أيضًا وإن دخله من غير سفر، ويسن ركعتان أيضًا عقب الأذان وبعد طلوع الشمس وخروج وقت الكراهة وعند الزفاف لكل من الزوجين وبعد الزوال عقب الخروج من الحمام، ولمن دخل أرضًا لا يعبد الله فيها، وللمسافر كلما نزل منزلًا، وللتوبة ولو من صغيرة. "وصلاة الاستخارة" أي طلب الخيرة فيما يريد أن يفعله ومعناها في الخير والاستخارة في تعيين وقته لا في فعله وهي ركعتان للاتباع3 ويقرأ فيهما ما مر ثم يدعو بعد السلام منهما   1 رواه من حديث أبي قتادة: البخاري في الصلاة باب 60 "حديث 444" والتهجد باب 25 "حديث 1163" ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 69، 70". 2 تشوف إلى الشيء: تطلع إليه. 3 عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك ... ". رواه البخاري في التهجد باب 25 والدعوات باب 49 والتوحيد باب 10، والترمذي في الوتر باب 18، وابن ماجه في الإقامة باب 188، وأحمد في المسند "3/ 344". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قضاها، ولا يقضى ما له سبب، ولا حصر للنفل المطلق، فإن أحرم بأكثر من ركعة فله أن   بدعائها المشهور1 ويسمي فيه حاجته وتحصل بكل صلاة كالتحية، فإن تعذرت استخار بالدعاء ويمضي بعدها لما ينشرح له صدره. "و" صلاة "الحاجة" وهي ركعتان لحديث فيها ضعيف2 وفي الإحياء3 أنها اثنتا عشرة ركعة فإذا سلم منها أثنى على الله سبحانه وتعالى بمجامع الحمد والثناء ثم صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم سأل حاجته، وصلاة الأوابين وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء. "و" صلاة "التسبيح" وهي أربع ركعات يقول في كل ركعة بعد الفاتحة والسورة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، زاد في الإحياء: ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس عشرة مرة وفي كل من الركوع والاعتدال وكل من السجدتين والجلوس بينهما والجلوس بعد رفعه من السجدة الثانية في كل عشرة فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة وقد علمها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه وذكر له فيها فضلا عظيمًا منه: "لو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفر الله لك" 4, وحديثها ورد من طرق بعضها حسن، وذكر ابن الجوزي له في الموضوعات مردود، قال التاج السبكي5 وغيره: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين أي ومن ثم ورد في حديثها "فإن استطعت أن تصليها كل يوم مرة وإلا ففي كل جمعة، وإلا ففي كل شهر، وإلا ففي كل سنة، وإلا ففي عمرك مرة". ومن البدع القبيحة صلاة الرغائب أول جمعة من رجب وصلاة نصف شعبان وحديثهما باطل، وقد بالغ النووي وغيره في إنكارهما. "ومن فاتته صلاة مؤقتة" بوقت مخصوص وإن لم تشرع جماعة أو اعتادها وإن لم تكن مؤقتة "قضاها" ندبًا وإن طال الزمان للأمر به وللاتباع في سنة الصبح والظهر القبلية. "ولا يقضي" نفل مطلق لم يعتده إلا إن شرع فيه وأفسده ولا "ما له سبب" كتحية وكسوف واستسقاء وغيرها مما يفعل لعارض إذ فعله لذلك العارض وقد زال، وينبغي لمن فاته ورده ولو غير   1 وهو الذي رواه البخاري في التهجد باب 25، والدعوات باب 49، والتوحيد باب 10، ولفظه: "اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر -فيسميه، ما كان من شيء- خيرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمره فاقدره لي ويسره لي ... إلخ". وهو من حديث جابر بن عبد الله. 2 رواه الترمذي في الوتر باب 17، وابن ماجه في الإقامة باب 189 "حديث 1384" عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من خلقه فليتوضأ وليصل ركعتين ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم ... إلخ". 3 "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي. 4 رواه الترمذي في الوتر باب 19, والدعوات باب 17، وابن ماجه في الإقامة باب 190، وأحمد في المسند "3/ 10". 5 تقدمت ترجمته. راجع الحاشية 2 صفحة 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 يتشهد في كل ركعتين أو كل ثلاث أو أربع، ولا يجوز في كل ركعة، وله أن يزيد على ما نواه وينقص بشرط تغيير النية قبل ذلك، والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، وطول القيام أفضل من عدد الركعات، ونفل الليل المطلق أفضل، ونصفه الأخير وثلثه الأوسط أفضل، ويكره   صلاة أن يتداركه في وقت آخر لئلا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية. "ولا حصر للنفل المطلق" وهو ما لا يتقيد لوقت ولا سبب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "الصلاة خير موضوع استكثر منها أو أقل" 1, "فإن أحرم" في النفل المطلق "بأكثر من ركعة فله أن يتشهد في كل ركعتين أو" في "كل ثلاث أو" كل "أربع" لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة "ولا يجوز في كل ركعة" من غير سلام؛ لأنه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد، ويسن أن يقرأ السورة ما لم يتشهد. "وله" في النفل المطلق إذا أحرم بعدد "أن يزيد على ما نواه و" أن "ينقص" عنه "بشرط تغيير النية قبل ذلك" أي قبل الزيادة والنقص فلو نوى أربعًا وسلم من ركعتين أو قام لخامسة قبل تغيير النية بطلت صلاته إن علم وتعمد، فلو قام لزيادة ناسيًا أو جاهلا, ثم تذكر أو علم قعد وجوبًا ثم قام للزيادة إن شاء. "والأفضل" فيه "أن يسلم من كل ركعتين" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" 2 "وطول القيام" في سائر الصلوات "أفضل من عدد الركعات" للخبر الصحيح: "أفضل الصلاة طول القنوت" 3, ولأن ذكره القرآن وهو أفضل من ذكر غيره، فلو صلى شخص عشرًا وأطال في قيامها وصلى آخر عشرين في ذلك الزمن كانت العشر أفضل على ما اقتضاه كلام المصنف وهو أحد احتمالات في الجوهر4. "ونفل الليل المطلق أفضل" من نفل النهار المطلق وعليه حمل خبر: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" 5 "ونصفه الأخير" إن قسمه نصفين أي الصلاة فيه أفضل منها في نصفه الأول   1 ذكره المتقي الهندي في كنز العمال "رقم 18916" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 361" وابن حجر في فتح الباري "2/ 479". 2 رواه أبو داود في التطوع باب 13 و24 و26، والترمذي في الصلاة باب 166، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب 116، ومالك في صلاة الليل حديث 7، وأحمد في المسند "1/ 211، 2/ 5، 9، 10، 26، 51، 4/ 167". 3 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 164 و165، والترمذي في الصلاة باب 168، والنسائي في الزكاة باب 49، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب 200، وأحمد في المسند "3/ 302، 391، 412، 4/ 385". 4 هو كتاب "جواهر البحرين في الفروع" لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي المتوفى سنة 772هـ. انظر كشف الظنون "ص613". 5 رواه مسلم في الصيام "حديث 202" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". ورواه أيضًا الترمذي في المواقيت باب 207، والنسائي في قيام الليل باب 6، وأحمد في المسند "2/ 344". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 قيام كل الليل دائمًا وتخصيص ليلة الجمعة بقيام، وترك تهجد اعتاده، وإذا استيقظ مسح وجهه ونظر إلى السماء وقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ، إلى آخر السورة، وافتتاح تهجده بركعتين خفيفتين، وإكثار الدعاء والاستغفار بالليل، وفي النصف الأخير والثلث الأخير أهم.   للخبر الصحيح: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل" 1 "وثلثه الأوسط" إن قسمه أثلاثًا "أفضل" من ثلثيه الأول والأخير والأفضل من ذلك السدس الرابع والخامس للخبر الصحيح: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" 2 "ويكره قيام كل الليل دائمًا" للنهي فيه3 ولأن من شأنه أن يضر وخرج بدائمًا بعض الليالي كالليالي العشر4 الأخير من رمضان وليلتي العيدين5 للاتباع "و" يكره "تخصيص ليلة الجمعة بقيام" أي صلاة للنهي عنه6 "و" يكره "ترك تهجد اعتاده" ونقصه بلا ضرورة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: "لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم تركه" 7 ويسن أن لا يخلي الليل من صلاة وإن قلت، وأن يوقظ من يطمع في تهجده إن لم يخف ضررًا. "وإذا استيقظ مسح" النوم عن "وجهه نظر إلى السماء وقرأ" قوله تعالى في أواخر آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ، إلى آخر السورة وأن ينام من له تهجد وقت القيلولة، وأن ينام أو يستريح من نعس أو فتر في صلاته. "وافتتاح تهجده بركعتين خفيفتين" للاتباع كما مر. "وإكثار الدعاء والاستغفار بالليل" لخبر مسلم: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم   1 رواه مسلم في الصيام "حديث 203" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم". 2 رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب 38، والتهجد باب 7، ومسلم في الصيام حديث 188 و189 و201، وأبو داود في الصوم باب 66، والنسائي في الصيام باب 69، وابن ماجه في الصيام باب 31، والدارمي في الصوم باب 42، وأحمد في المسند "2/ 160، 206". 3 وهو الحديث الذي رواه البخاري في الصوم باب 55 "حديث 1975" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ " فقلت: بلى يا رسول الله. قال: "فلا فلا تفعل، صم وأفطر وقم ونم ... إلخ" ورواه أيضًا مسلم في الصيام "حديث 188" ولفظه: " ... فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك ... إلخ ". 4 روى البخاري في ليلة القدر باب 5, ومسلم في الاعتكاف حديث 7، وأبو داود في رمضان باب 1، والنسائي في قيام الليل باب 17، وابن ماجه في الصيام باب 57، وأحمد في المسند "6/ 41، 67، 68، 146" من حديث عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره ... إلخ". 5 روى ابن ماجه في الصيام باب 68 "حديث 1782" عن أبي أمامه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلتي العيدين محتسبًا لله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب". 6 روى مسلم في الصيام "حديث 148" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام؛ إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم". 7 رواه البخاري في التهجد باب 19، ومسلم في الصيام حديث 185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فصل: "في صلاة الجماعة وأحكامها"   يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه" 1, وذلك كل ليلة لأن الليل محل الغفلة. "و" ذلك "في النصف الأخير والثلث الأخير أهم" للخبر الصحيح: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له" 2, ومعنى ينزل ربنا ينزل أمره أو ملائكته أو رحمته أو هو كناية عن مزيد القرب، وبالجملة فيجب على كل مؤمن أن يعتقد من هذا الحديث ومشابهه من المشكلات الواردة في الكتاب والسنة كـ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} , وغير ذلك مما شاكله أنه ليس المراد بها ظواهرها لاستحالتها عليه تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، ثم هو بعد ذلك مخير إن شاء أولها بنحو ما ذكرناه وهي طريقة الخلف وآثروها لكثرة المبتدعة القائلين بالجهة والجسمية وغيرهما مما هو محال على الله تعالى وإن شاء فوض علمها إلى الله تعالى وهي طريقة السلف وآثروها لخلو زمانهم عما حدث من الضلالات الشنيعة والبدع القبيحة فلم يكن لهم حاجة إلى الخوض فيها. واعلم أن القرافي3 وغيرها حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك. فصل: في صلاة الجماعة وأحكامها والأصل فيها الكتاب4 والسنة كخبر الصحيحين: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" 5, وفي رواية البخاري: "بخمس وعشرين" ولا منافاة؛ لأن القليل لا ينفي الكثير أو أنه أخبر أولا بالقليل, ثم أعلم بالكثير فأخبر به أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة.   1 من حديث أبي هريرة. رواه البخاري في الجمعة باب 37، ومسلم في الجمعة حديث 13 ومالك في الجمعة حديث 15. 2 رواه البخاري في التهجد باب 14، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 168-170، وأبو داود في السنة باب 19، والترمذي في الصلاة باب 211، والدعوات باب 78، وابن ماجه في الإقامة باب 182، والدارمي في الصلاة باب 168، ومالك في القرآن حديث 30، وأحمد في المسند "2/ 264، 267، 282، 419، 487، 504". 3 هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي البهفشي القرافي. ولد سنة 626، وتوفي سنة 684هـ، انظر هدية العارفين "5/ 99". 4 في قوله تعالى في الآية 102 من سورة النساء: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... } . 5 رواه البخاري في الأذان باب 30، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 249، والنسائي في الإمامة باب 42، ومالك في الجماعة حديث1، وأحمد في المسند "2/ 65، 112" من حديث ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الجماعة في المكتوبة المؤداة للأحرار الرجال المقيمين فرض كفاية بحيث يظهر الشعار، وفي التراويح والوتر بعدها سنة، وآكد الجماعة في الصبح ثم العشاء ثم العصر، والجماعة للرجال في المساجد أفضل إلا إذا كانت الجماعة في البيت أكثر، وما كثرت   "الجماعة في" الجمعة فرض عين كما يأتي وفي "المكتوبة" غيرها "المؤداة للأحرار الرجال المقيمين" ولو ببادية توطنوها المستورين الذين ليسوا معذورين بشيء مما يأتي "فرض كفاية" فإذا قام بها البعض "بحيث يظهر الشعار" في محل إقامتها بان تقام في القرية الصغيرة بمحل وفي الكبيرة والبلد بمحال بحيث يمكن قاصدها أن يدركها من غير كثير تعب فلا إثم على أحد وإلا كأن أقاموها في الأسواق أو البيوت وإن ظهر بها الشعار أو في غيرهما ولم يظهر أثم الكل وقوتلوا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة" أي جماعة كما أفادته رواية أخرى: "إلا استحوذ عليهم الشيطان" 1 أي غلب، وخرج بالمكتوبة المنذورة وصلاة الجنازة والنوافل وبالمؤداة المقضية وبالأحرار من فيهم رق وبالرجال النساء والخناثى وبالمقيمين المسافرون وبالمستورين العراة وبغير المعذورين المعذورون فليست فرض كفاية في جميع ما ذكر بل هي سنة فيما عدا المنذورة والرواتب ولا تكره فيهما ومحل ندبها في المقضية إن اتفق فيها الإمام والمأموم وإلا كرهت كالأداء خلف القضاء وعكسه وتسن للعراة إن كانوا عميًا أو في ظلمة "و" الجماعة "في التراويح" سنة للاتباع "و" في "الوتر" في رمضان سواء فعل "بعدها" أما لم تفعل هي بالكلية "سنة" لنقل الخلف له عن السلف "وآكد الجماعة" الجماعة "في الصبح" يوم الجمعة لحديث فيه ثم سائر الأيام لأنها فيه أشق منها في بقية الصلوات "ثم" في "العشاء" لأنها فيه أشق منها في العصر "ثم" في "العصر" لأنها الصلاة الوسطى وبما تقرر علم أن ملحظ التفضيل المشقة لا تفاضل الصلوات. "والجماعة للرجال في المساجد أفضل" منها في غيرها للأخبار المشهورة في فضل المشي إليها2 أما النساء والخناثى فبيوتهن أفضل لهن "إلا إذا كانت الجماعة في البيت أكثر" منها في المسجد على ما قاله القاضي أبو الطيب3 ومال إليه الأذرعي4   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 46 "حديث 547" عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية". 2 روى البخاري في الأذن باب 31 "حديث 651" عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام". ورواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 277. 3 هو أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري البغدادي. فقيه، أصولي، جدلي، ولد سنة 348، وتوفي سنة 450هـ، انظر معجم المؤلفين "2/ 12". 4 تقدم ترجمته. راجع صفحة 41 حاشية 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 جماعته أفضل إلا إذا كان إمامها حنفيًّا أو فاسقًا أو مبتدعًا أو يتعطل عن الجماعة مسجد قريب، فالجماعة القليلة أفضل، فإن لم يجد إلا جماعة إمامها مبتدع ونحوه فهي أفضل من الانفراد، وتدرك الجماعة ما لم يسلم، وفضيلة الإحرام بحضور تحرم الإمام واتباعه   والزركشي1 لكن الأوجه ما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما وصرح به الماوردي2 من أنها في المسجد أفضل وإن قلت؛ لأن مصلحة طلبها فيه تربو3 على مصلحة وجودها في البيت والكلام في غير المساجد الثلاثة أما هي فقليل الجماعة فيها أفضل من كثيرها خارجها باتفاق القاضي والماوردي وقول المتولي4 الانفراد فيها أفضل من الجماعة خارجها ضعيف "وما كثرت جماعته" من المساجد وغيرها "أفضل" مما قلت جماعته للخبر الصحيح: "وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى" 5: "إلا إذا كان إمامها" أي الجماعة الكثيرة "حنفيًا" أو غيره ممن لا يعتقد وجوب بعض الأركان والشروط وإن علم منه الإتيان بها لأنه مع ذلك لا يعتقد وجوب بعض الأركان "أو فاسقًا" أو متهمًا بالفسق "أو مبتدعًا" كمعتزلي ومجسم وجوهري وقدري ورافضي وشيعي وزيدي "أو" كان "يتعطل عن الجماعة" القليلة بغيبته عنه "مسجد قريب" منه أو بعيد عنه لكون جماعته لا يحضرون إلا إن حضر أو كان محل الجماعة الكثيرة بنى من شبهة أو شك في ملك بانيه لبقعته أو كان إمامه سريع القراءة والمأموم بطيئها بحيث لا يدرك مع الفاتحة أو يطيل طولا مملا والمأموم لا يطيقه، أو يزول به خشوعه. "فالجماعة القليلة" في كل هذه المسائل وما شابهها مما فيه توفر مصلحة أو زيادتها مع الجمع القليل دون الكثير "أفضل" لما فيه من المصلحة المقصودة للشارع بل الصلاة وراء المبتدع واللذين قبله مكروهة لجريان قول ببطلانها، أما إذا لم يحضر بحضوره أحد فتعطيله والذهاب لمسجد الجماعة أولى اتفاقًا. "فإن لم يجد إلا جماعة إمامها مبتدع ونحوه" ممن يكره الاقتداء به "فهي" أي الجماعة معهم "أفضل من الانفراد" على ما زعمه جمع متأخرون والمعتمد أنها خلف من ذكر مكروهة مطلقًا.   1 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 80 حاشية 3. 2 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 58 حاشية 1. 3 تربو: تزيد. 4 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 88 حاشية1. 5 تمام الحديث كما رواه أبو داود في الصلاة باب 47 "حديث 554" عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان" قالوا: لا. قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب؛ وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل". ورواه أيضًا النسائي في الإمامة باب 45، وأحمد في المسند "5/ 145". Results فصل: "في صلاة الجماعة وأحكامها" جماعته أفضل إلا إذا كان إمامها حنفيًّا أو فاسقًا أو مبتدعًا أو يتعطل عن الجماعة مسجد قريب، فالجماعة القليلة أفضل، فإن لم يجد إلا جماعة إمامها مبتدع ونحوه فهي أفضل من الانفراد، وتدرك الجماعة ما لم يسلم، وفضيلة الإحرام بحضور تحرم الإمام واتباعه   والزركشي1 لكن الأوجه ما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما وصرح به الماوردي2 من أنها في المسجد أفضل وإن قلت؛ لأن مصلحة طلبها فيه تربو3 على مصلحة وجودها في البيت والكلام في غير المساجد الثلاثة أما هي فقليل الجماعة فيها أفضل من كثيرها خارجها باتفاق القاضي والماوردي وقول المتولي4 الانفراد فيها أفضل من الجماعة خارجها ضعيف "وما كثرت جماعته" من المساجد وغيرها "أفضل" مما قلت جماعته للخبر الصحيح: "وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى" 5: "إلا إذا كان إمامها" أي الجماعة الكثيرة "حنفيًا" أو غيره ممن لا يعتقد وجوب بعض الأركان والشروط وإن علم منه الإتيان بها لأنه مع ذلك لا يعتقد وجوب بعض الأركان "أو فاسقًا" أو متهمًا بالفسق "أو مبتدعًا" كمعتزلي ومجسم وجوهري وقدري ورافضي وشيعي وزيدي "أو" كان "يتعطل عن الجماعة" القليلة بغيبته عنه "مسجد قريب" منه أو بعيد عنه لكون جماعته لا يحضرون إلا إن حضر أو كان محل الجماعة الكثيرة بنى من شبهة أو شك في ملك بانيه لبقعته أو كان إمامه سريع القراءة والمأموم بطيئها بحيث لا يدرك مع الفاتحة أو يطيل طولا مملا والمأموم لا يطيقه، أو يزول به خشوعه. "فالجماعة القليلة" في كل هذه المسائل وما شابهها مما فيه توفر مصلحة أو زيادتها مع الجمع القليل دون الكثير "أفضل" لما فيه من المصلحة المقصودة للشارع بل الصلاة وراء المبتدع واللذين قبله مكروهة لجريان قول ببطلانها، أما إذا لم يحضر بحضوره أحد فتعطيله والذهاب لمسجد الجماعة أولى اتفاقًا. "فإن لم يجد إلا جماعة إمامها مبتدع ونحوه" ممن يكره الاقتداء به "فهي" أي الجماعة معهم "أفضل من الانفراد" على ما زعمه جمع متأخرون والمعتمد أنها خلف من ذكر مكروهة مطلقًا.   1 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 80 حاشية 3. 2 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 58 حاشية 1. 3 تربو: تزيد. 4 تقدمت ترجمته. راجع صفحة 88 حاشية1. 5 تمام الحديث كما رواه أبو داود في الصلاة باب 47 "حديث 554" عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان" قالوا: لا. قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب؛ وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل". ورواه أيضًا النسائي في الإمامة باب 45، وأحمد في المسند "5/ 145". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 فورًا، ويستحب انتظار الداخل في الركوع والتشهد الأخير بشرط أن لا يطول الانتظار ولا يميز بين الداخلين، ويكره أن ينتظر في غيرهما ولا ينتظر في الركوع الثاني من الكسوف، ويسن إعادة الفرض بنية الفرض مع منفرد أو مع جماعة وإن كان قد صلاها معها، وفرضه الأولى، ولا يندب أن يعيد الجنازة.   "وتدرك الجماعة" أي جميع فضلها بإدراك جزء من الصلاة مع الإمام من أولها أو أثنائها بأن بطلت صلاة الإمام عقب اقتدائه أو فارقه بعذر أو من آخرها وإن لم يجلس معه "ما لم يسلم" أي ينطق بالميم من عليكم, فإذا أتم تحرمه قبل النطق بها صح اقتداؤه وأدرك الفضيلة لإدراكه ركنًا معه لكنها دون ثواب من أدركها من أولها إلى آخرها، ويسن لجماعة حضروا والإمام قد فرغ من الركوع الأخير أن يصبروا إلى أن يسلم ثم يحرموا، وتسن المحافظة على إدراك تحرم الإمام، لما فيه من الفضل العظيم. "و" تدرك "فضيلة" تكبيرة "الإحرام بحضور تحرم الإمام واتباعه" للإمام فيها "فورًا" لخبر البزار: لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها"1 نعم يعذر في وسوسة خفيفة، ولا يسن الإسراع لخوف فوت التحرم بل يندب عدمه وإن خافه، وكذا إن خاف فوت الجماعة على المعتمد. "ويستحب" للإمام والمنفرد "انتظار الداخل" لمحل الصلاة مريدًا الاقتداء "في الركوع" غير الثاني من صلاة الكسوف "و" في التشهد الأخير" من صلاة تشرع فيها الجماعة وإن لم يكن المأمومون محصورين، ويسن ذلك للمنفرد مطلقًا وللإمام "بشرط أن لا يطول الانتظار ولا يميز بين الداخلين" للإعانة على إدراك الركعة في الأولى وعلى إدراك فضل الجماعة في الثانية، ولو كان الداخل يعتاد البطء وتأخير الإحرام إلى الركوع لم ينتظره زجرًا له، وكذا إن خشي من الانتظار خروج الوقت، أو كان الداخل لا يعتقد إدراك الركعة أو الجماعة بما ذكر أو أراد جماعة مكروهة إذ لا فائدة في الانتظار حينئذ. "ويكره أن ينتظر في غيرهما" لفقد المعنى السابق، وكذا عند فقد شرط مما ذكر بأن أحس به خارج محل الصلاة أو داخله ولم يكن في الركوع أو التشهد الأخير أو كان فيهما وأفحش فيه بأن يطول تطويلا لو وزع على الصلاة لظهر له أثر محسوس في كل ركن على حياله أو ميز بين الداخلين ولو لملازمة أو علم أو دين أو مشيخة أو استمالة أو غير ذلك أو سوى بينهم لكن لم يقصد بانتظارهم وجه الله تعالى، نعم إن كان الانتظار للتودد حرم وقيل يكفر. "ولا ينتظر في الركوع الثاني" من صلاة "الكسوف" لأن الركعة لا تحصل بإدراكه. "ويسن" ولو في وقت الكراهة "إعادة الفرض" أي المكتوبة ولو جمعة "بنية الفرض" أي كونها على صورته وإلا فهي نافلة   1 رواه المتقي الهندي في كنز العمال "18937 و19636" والهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 103", وأبو نعيم في حلية الأولياء "5/ 67" وابن عدي في الكامل في الضعفاء "2/ 740". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فصل: "في أعذار الجمعة والجماعة" أعذار الجمعة والجماعة المطر إن بل ثوبه ولم يجد كنًا، والمرض الذي يشق كمشقته، وتمريض من لا متعهد له، وإشراف القريب على الموت أو يأنس به، ومثله الزوجة والصهر والمملوك والصديق والأستاذ والمعتق والعتيق، ومن الأعذار الخوف على   كما يأتي "مع منفرد" يرى جواز الإعادة ولم يكن ممن يكره الاقتداء به. "أو مع جماعة" غير مكروهة. "وإن كان قد صلاها معها" أي جماعة وإن كانت أكثر من الثانية عددًا أو زادت على الثانية بفضيلة أخرى ككون إمامها أعلم مثلا لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لمن صلى جماعة بأنه إذا أتى مسجد جماعة يصليها معهم وعلله بأنها تكون له نافلة، ومن قوله وقد جاء بعد صلاة العصر رجل: "من يتصدق على هذا فيصلي معه؟ " 1 فصلى معه رجل. ومن ثم يسن لمن لم يصل مع الجائي لعذر أو غيره أو يشفع2 إلى من يصلي معه ولاحتمال اشتمال الثانية على فضيلة وإن كانت الأولى أكمل منها ظاهرًا وإنما تسن الإعادة مرة. "وفرضه الأولى" للخبر السابق فلو تذكر خللا فيها لم تكفه الثانية، وإن نوى بها الفرض على المعتمد لما مر أن معنى نيته الفرض أي صورته لا حقيقته إذ لو نوى حقيقته لم يصح لتلاعبه، وإذا نوى صورته لم يجزه عن فرضه. "ولا يندب أن يعيد" المنذورة ولا "الجنازة" إذ لا ينتفل بهما، بخلاف ما تسن فيه الجماعة من النوافل فإنه تسن إعادته كالفرض. فصل: في أعذار الجمعة والجماعة "أعذار الجمعة والجماعة" المرخصة لتركهما حتى تنتفي الكراهة حيث سنت والإثم حيث وجبت "المطر" والثلج والبرد ليلا أو نهارًا "إن بل" كل منهما "ثوبه" أو كان نحو البرد كبارًا يؤذي "ولم يجد كنًا" يمشي فيه للاتباع "والمرض الذي يشق" مع الحضور "كمشقته" مع المطر وإن لم يبلغ حدًا يسقط القيام في الفرض قياسًا عليه بخلاف الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر. "وتمريضه من لا متعهد له" ولو غير قريب ونحوه بأن لا يكون له متعهد أصلًا أو يكون لكنه مشتغل بشراء الأدوية ونحوها لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات. "وإشراف القريب على الموت" وإن لم يأنس به "أو" كونه "يأنس به" وإن كان له متعهد فيهما. "ومثله" أي القريب "الزوجة والصهر" وهو كل قريب لها "والمملوك والصديق و" كذا على الأوجه "الأستاذ" أي المعلم "والمعتق والعتيق" لتضرر أو شغل قلبه السالب   1 رواه أحمد في المسند "3/ 45". رواه أبو داود في الصلاة باب 55 "حديث 574" عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه". 2 أي يطلب من آخر أن يصلي معه فيكون شفعًا له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 نفسه، أو عرضه، أو ماله وملازمة غريمه وهو معسر ورجاء عفو عقوبة عليه، ومدافعة الحدث مع سعة الوقت، وفقد لبس لائق، وغلبة النوم وشدة الريح بالليل، وشدة الجوع والعطش والبرد والوحل والحر ظهرًا، وسفر الرفقة وأكل منتن نيئ إن لم يمكنه إزالته، وتقطير سقوف الأسواق والزلزلة.   للخشوع بغيبته عنه "ومن الأعذار الخوف على" معصوم من "نفسه أو عرضه أو ماله" أو نحو مال غيره الذي يلزمه الدفع عنه، ومن ذلك خشية ضياع متمول كخبزه في التنور ولا متعهد غيره يخلفه. "و" خوف "ملازمة غريمه" الذي له عليه دين "وهو معسر" عنه وقد تعسر عليه إثبات إعساره بخلاف الموسر بما عليه والمعسر القادر على الإتيان ببينة أو يمين لتقصيره. "ورجاء عفو" ذي "عقوبة عليه" كقود في نفس أو طرف مجانًا أو على مال وحد قذف, وتعزير لآدمي أو لله تعالى؛ لأن موجب ذلك وإن كان كبيرة لكن العفو منه مندوب إليه، أما ما لا يقبل العفو عنه كحد الزنى والسرقة فلا يعذر بالخوف منه إذا بلغ الإمام وثبت عنده. "ومدافعة الحدث" البول أو الريح أو الغائط، وكذا مدافعة كل خارج من الجوف وكل مشوش للخشوع وإنما يكون ذلك عذرًا "مع سعة الوقت" كما مر في مكروهات الصلاة، ومر أنه لو خشي من كتم ذلك ضررًا فرغ نفسه منه وإن خشي خروج الوقت "وفقد لبس لائق" به وإن وجد ساتر عورته أو بدنه إلا رأسه مثلا؛ لأن عليه مشقة في خروجه كذلك، بخلاف ما إذا وجد ما اعتاد الخروج معه إذ لا مشقة. "وغلبة النوم" أو النعاس لمشقة الانتظار حينئذ "وشدة الريح بالليل" أو بعد الصبح إلى طلوع الشمس للمشقة، ويؤخذ من تقييده بالليل أنه ليس عذرًا في ترك الجمعة. "وشدة الجوع والعطش" بحضرة مأكول أو مشروب يشتاقه، وقد اتسع الوقت للخبر الصحيح: "لا صلاة بحضرة الطعام" 1 وقريب الحضور كالحاضر وحينئذ فيكسر شهوته فقط ولا يشبع ويأتي على المشروب كاللبن. "و" شدة "البرد" ليلا أو نهارًا. "و" شدة "الوحل" بفتح الحاء2 ليلا أو نهارًا كالمطر وكثرة وقوع البرد والثلج على الأرض بحيث يشق المشي عليهما كمشقته في الوحل. "و" شدة "الحر" حال كونه "ظهرًا" أي وقته وإن وجد ظلا يمشي فيه للمشقة. "وسفر الرفقة" لمريد سفر مباح وإن قصر ولو سفر نزهة لمشقة تلحقه باستيحاشه وإن أمن على نفسه أو ماله. "وأكل منتن" كبصل أو ثوم أو كراث وكذا فجل في حق من يتجشأ منه "نيئ" بكسر النون وبالمد والهمزة، أو مطبوخ بقي له ريح يؤذي لما صح من   1 جزء من حديث رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 67" عن عائشة؛ وفيه: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان". 2 قال في اللسان "11/ 723": "الوحل بالتحريك الطين الرقيق الذي ترتطم فيه الدواب. والوحل بالتسكين لغة ردية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فصل: "في شروط القدوة" شروط صحة القدوة أن لا يعلم بطلان صلاة إمامه بحدث أو غيره، وأن لا يعتقد بطلانها كمجتهدين اختلفا في القبلة أو إناءين أو ثوبين، وكحنفي علمه ترك فرضًا، وأن   قوله صلى الله عليه وسلم: "من أكل بصلًا أو ثومًا أو كراثًا فلا يقربن المساجد وليقعد في بيته فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" 1، قال جابر رضي الله عنه: أراه يعني إلا نيئه، زاد الطبراني: "أو فجلًا" ومثل ذلك كل من ببدنه أو ثوبه ريح خبيث وإن عذر كذي بخر2 أو صنان3 مستحكم وحرفة خبيثة، وكذا نحو المجذوم والأبرص، ومن ثم قال العلماء: إنهما يمنعان من المسجد وصلاة الجماعة واختلاطهما بالناس، وإنما يكون أكل ما مر عذرًا "إن لم يمكنه" أي يسهل عليه "إزالته" بغسل أو معالجة، فإن سهلت لم يكن عذرا وإن كان قد أكله بعذر، ومحل ذلك ما لم يأكله بقصد إسقاط الجمعة وإلا لزمه إزالته ما أمكن ولا تسقط عنه، ويكره لمن أكله لا لعذر دخول المسجد وإن كان خاليًا ما بقي ريحه والحضور عند الناس ولو في غير المسجد قاله القاضي حسين4. "و" من الأعذار "تقطير" الماء من "سقوف الأسواق" التي في طريقه إلى الجماعة وإن لم يبل ثوبه لأن الغالب فيه النجاسة أي والقذارة، وقال غيره: "و" منها "الزلزلة" والسموم وهي ريح حارة ليلا أو نهارًا, وللبحث عن ضالة يرجوها والسعي في استرداد مغصوب والسمن المفرط والهم المانع من الخشوع والاشتغال بتجهيز ميت ووجود من يؤذيه في طريقه أو المسجد، وزفاف زوجته إليه في الصلاة الليلية وتطويل الإمام على المشروع وترك سنة مقصودة وكونه سريع القراءة والمأموم بطيئها أو ممن يكره الاقتداء به وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به. فصل: في شروط القدوة "شروط صحة القدوة أن لا يعلم" المقتدي "بطلان صلاة إمامه بحدث أو غيره" كنجاسة؛ لأنه حينئذ ليس في صلاة فكيف يقتدي به "وأن لا يعتقد بطلانها" أي بطلان صلاة إمامه "كمجتهدين اختلفا في القبلة" فصلى كل لجهة غير التي صلى إليها الآخر. "أو" في "إناءين" من الماء "أو" في "ثوبين" طاهر ونجس فتوضأ كل في الثانية بإناء منهما وليس كل   1 رواه البخاري في الأذان باب 160، والأطعمة باب 49، والاعتصام باب 24، وأبو داود في الأطعمة باب 13، والنسائي في المساجد باب 16 و17. 2 البخر: الرائحة الكريهة في الفم. 3 الصنان: النتن، والرائحة الكريهة. 4 هو القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المروزي الشافعي. توفي بمرو الروذ سنة 462هـ, من تصانيفه: تلخيص التهذيب للبغوي في فروع الفقه الشافعي وسماه لباب التهذيب، والتعليق الكبير، والفتاوى، وغيرها "معجم المؤلفين: 1/ 634". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 لا يعتقد وجوب قضائها كمقيم تيمم، وأن لا يكون مأمومًا ولا مشكوكًا فيه، وأميًّا -وهو من لا يحسن حرفًا من الفاتحة- إلا إذا اقتدى به مثله، وأن لا يقتدي الرجل بالمرأة ولو   في الثالثة ثوبًا منهما لاعتقاد كل بطلان صلاة صاحبه بحسب ما أداه إليه اجتهاده. "وكحنفي" أو غيره اقتدى به شافعي وقد "علمه ترك فرضًا" كالبسملة ما لم يكن أميرًا أو الطمأنينة أو أخل بشرط كأن لمس زوجته ولم يتوضأ فلا يصح اقتداء الشافعي به حينئذ اعتبارًا باعتقاد المأموم لأنه يعتقد أنه ليس في صلاة, بخلاف ما إذا علمه اقتصد لأنه يرى صحة صلاته وإن اعتقد هو بطلانها، وبخلاف ما إذا لم يعلم أنه ارتكب ما يخل بصلاته أو شك فيه لأن الظاهر أنه يراعي الخلاف ويأتي بالأكمل عنده. "وأن لا يعتقد" المأموم "وجوب قضائها" على الإمام "كمقيم تيمم" لفقد ماء بمحل يغلب فيه وجوده ومحدث صلى مع حدثه لإكراه أو فقد الطهورين ومتحيرة وإن كان المأموم مثله لعدم الاعتداد بصلاته من حيث وجوب قضائها فكانت كالفاسدة وإن صحت لحرمة الوقت، أما من لا قضاء عليه كموشوم خشي من إزالة وشمه مبيح1 تيمم وإن كان تعدى به فيصح الاقتداء به. "وأن لا يكون" الإمام "مأمومًا" لأنه تابع فكيف يكون متبوعًا؟ "و" أن "لا" يكون "مشكوكًا فيه" أي في كونه إمامًا أو مأمومًا، فمتى جوز المقتدي في إمامه أنه مأموم كأن وجد رجلين يصليان وتردد في أيهما الإمام لم يصح اقتداؤه بواحد منهما وإن ظنه الإمام ولو باجتهاد على الأوجه إذ لا مميز هنا عند استوائهما إلا النية ولا اطلاع عليها. "و" أن لا يكون "أميًّا" ولو في سرية وإن لم يعلم بحاله "وهو" أي الأمي "من لا يحسن" ولو "حرفًا من الفاتحة" بأن يعجز عنه بالكلية أو عن إخراجه من مخرجه أو عن أصل تشديد منها لرخاوة لسانه فلا يصح الاقتداء به حينئذ؛ لأنه لا يصلح لتحمل القراءة والإمام إنما هو بصدد ذلك. "إلا إذا اقتدى به مثله" في كونه أميًّا أيضًا في ذلك الحرف بعينه بأن اتفق الإمام والمأموم في إحسان ما عداه وأخلا به لاستوائهما وإن كان أحدهما يبدله غينًا مثلا والآخر يبدله لامًا، بخلاف ما إذا أحسن أحدهما حرفًا لم يحسنه الآخر فلا يصح اقتداء كل منهما بالآخر كمن يصلي بسبع آيات من غير الفاتحة لا يقتدي بمن يصلي بالذكر ولو عجز إمامه في الأثناء فارقه وجوبًا فإن لم يعلم حتى فرغ أعاد لندرة حدوث الخرس دون الحدث، وتكره القدوة بمن يكرر حرفًا من حروف الفاتحة كلاحن لا يغير المعنى فإن غيره ولو بإبدال أو قراءة شاذة فيها زيادة أو نقص أو تغيير معنى، فإن كان في الفاتحة أو بدلها وعجز عن النطق به إلا كذلك فكأمي أو في غيرها صحت صلاته والقدوة به إن عجز أو جهل أو نسي. "وأن لا يقتدي الرجل" أي الذكر "بالمرأة" أو الخنثى المشكل ولا الخنثى بامرأة أو   1 قوله "مبيح" هو مفعول قوله "خشي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 صلى خلفه ثم تبين كفره أو جنونه أو كونه امرأة أو مأمومًا أو أميًّا أعادها إلا إن بان محدثًا أو جنبا أو عليه نجاسة خفية أو ظاهرة أو قائمًا لركعة زائدة، ولو نسي حدث إمامه, ثم تذكره أعاد.   خنثى لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة" 1. وروى ابن ماجه: "لا تؤمن المرأة رجلا" 2 بخلاف اقتداء المرأة بالمرأة وبالخنثى وبالرجل واقتداء الخنثى أو الرجل بالرجل فيصح إذ لا محذور. "ولو صلى" إنسان "خلفه" أي خلف آخر وهو يظنه أهلا لإمامته "ثم تبين" في أثناء الصلاة أو بعدها أنه لا يصح الاقتداء به لمانع يمكن إدراكه بالبحث عنه كأن بان "كفره" ولو بارتداد أو بزندقة "أو جنونه أو كونه امرأة أو مأمومًا أو أميًّا أعادها"؛ لتقصيره بترك البحث عما من شأنه أن يطلع عليه، وتجب الإعادة أيضًا على من ظن بإمامه خللا مما ذكر ونحوه فبان أن لا خلل به لعدم صحة القدوة في الظاهر للتردد عندها "إلا إن بان" إمامه "محدثًا أو جنبًا" أو حائضًا لانتفاء تقصير المأموم "أو عليه نجاسة خفية أو ظاهرة" في ثوبه أو بدنه على ما صححه في التحقيق3 واعتمده الإسنوي، لكن المعتمد أن الخفي وهو ما يكون بباطن الثوب لا إعادة معه لعسر الإطلاق عليه بخلاف الظاهر، ومحل هذا وما قبله في غير الجمعة وفيها إن زاد الإمام على الأربعين وإلا بطلت لبطلان صلاة الإمام فلم يتم العدد والصلاة خلف المحدث وذي الخبث الخفي جماعة يترتب عليها سائر أحكامها إلا نحو لحوق السهو وتحمله وإدراك الركعة بالركوع. "أو" بان إمامه "قائمًا لركعة زائدة" وقد ظنه في ركعة أصلية فقام معه جاهلا زيادتها أو أتى بأركانها كلها فلا قضاء عليه لحسبان هذه الركعة لعدم تقصيره بسبب خفاء الحال عليه ولو لم يدرك المقتدي بذي حدث أو خبث أو أتى بركعة زائدة الفاتحة بكمالها لم تحسب له الركعة، "ولو" علم المأموم حدث إمامه أو خبثه أو قيامه لزيادة, ثم "نسي حدث إمامه" أو خبثه أو قيامه لزائدة فاقتدى به, ولم يحتمل وقوع طهارة عنه, "ثم تذكره أعاد" استصاحبًا لحكم العلم ولا نظر لنسيانه؛ لأنه فيه نوع تقصير منه.   1 رواه البخاري في المغازي باب 82، والفتن باب 18، والترمذي في الفتن باب 75، والنسائي في القضاة باب 8، وأحمد في المسند "5/ 43، 47". 2 جزء من حديث رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 78 "حديث 1081" والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 93" من حديث جابر بن عبد الله. 3 راجع الحاشية 6 صفحة 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فصل: "فيما يعتبر بعد توفر الشروط السابقة" يشترط لصحة الجماعة سبعة شروط: أن لا يتقدم المأموم على إمامه بعقبه، أو بأليته إن صلى قاعدًا، أو بجنبه إن صلى مضطجعًا، فإن ساواه كره ويندب تخلفه عنه قليلًا ويقف الذكر عن يمينه، فإن جاء آخر فعن يساره، ثم يتقدم الإمام أو يتأخران وهو أفضل،   فصل: فيما يعتبر بعد توفر الشروط السابقة "يشترط لصحة الجماعة" بعد توفر الصفات المعتبرة في الإمام "سبعة شروط": الأول: "أن لا يتقدم المأموم على إمامه" في الموقف لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" 1 والائتمام الاتباع والمتقدم غير تابع، ولو شك في تقدمه عليه لم يؤثر سواء جاء من خلفه أو أمامه لأن الأصل عدم المبطل والعبرة في التقدم "بعقبه" التي اعتمد عليها من رجليه أو من إحداهما وهو مؤخر القدم مما يلي الأرض هذا إن صلى قائمًا "أو بأليته إن صلى قاعدًا" وإن كان راكبًا "أو بجنبه إن صلى مضطجعًا" أو برأسه إن كان مستلقيًا فمتى تقدم في غير صلاة شدة الخوف في جزء من صلاته بشيء مما ذكر لم تصح صلاته لما مر، وأفهم تعبيره بالعقب أنه لا أثر للأصابع تقدمت أو تأخرت لأن عدم العقب يستلزم تقدم المنكب بخلاف تقدم غيره، نعم لو تأخر وتقدمت رؤوس أصابعه على عقب الإمام فإن اعتمد على العقب صح أو على رؤوس الأصابع، فلا. "فإن ساواه" بالعقب "كره" ولم يحصل له شيء من فضل الجماعة "ويندب" للمأموم الذكر ولو صبيًّا اقتدى وحده بمصل مستور "تخلفه عنه قليلا" إظهارًا لرتبة الإمام "ويقف الذكر" المذكور كما ذكر "عن يمينه" لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه وقف عن يساره صلى الله عليه وسلم فأخذ برأسه فأقامه عن يمينه2، وبه يعلم أنه يندب للإمام إذا فعل أحد المأمومين خلاف السنة أن يرشده إليها بيده أو غيرها إن وثق منه بالامتثال، أما إذا لم يقف عن يمينه أو تأخر كثيرًا فإنه يكره له ذلك ويفوته فضل الجماعة، "فإن جاء آخر فعن يساره" أي الإمام يقف ويكره وقوفه عن يمين المأموم ويفوته به فضل   1 روي في الصحاح من طرق كثيرة، فرواه البخاري في الصلاة باب 18، والأذان باب 51 و74 و82 و128، وتقصير الصلاة باب 17، والسهو باب 9، والمرضى باب 12، ومسلم في الصلاة حديث 77 و82 و86 و89، وأبو داود في الصلاة باب 68، والترمذي في الصلاة باب 150، والنسائي في الأئمة باب 38 و40، والافتتاح باب 30, والتطبيق باب 22، وابن ماجه في الإقامة باب 13 و144، والدارمي وأحمد ومالك وغيرهم كثير. 2 رواه البخاري في العلم باب 41، والوضوء باب 5، والأذان باب 57 و59 و161، واللباس باب 71، والأدب باب 118، والتوحيد باب 27، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث 181 و182 و184-189 و192 و193، والنسائي في الإمامة باب 22، والتطبيق باب 63، وابن ماجه في الطهارة باب 48، والإقامة باب 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ولو حضر ذكران صفًا خلفه وكذا المرأة أو النسوة، ويقف خلفه الرجال ثم الصبيان إن لم يسبقوا إلى الصف الأول، فإن سبقوا فهم أحق به، ثم النساء وتقف إمامتهن وسطهن، وإمام العراة غير المستور وسطهم، ويكره وقوفه منفردًا عن الصف، فإن لم يجد سعة   الجماعة. "ثم" بعد إحرامه "يتقدم الإمام أو يتأخران" حالة القيام لا غيره "وهو" أي تأخرهما حيث أمكن كل من التقدم والتأخر "أفضل" فإن لم يمكن إلا أحدهما فعل وأصل ذلك خبر مسلم عن جابر رضي الله عنه: "قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدارني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فأقامه عن يساره فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه" ولكون الإمام متبوعًا لم يلق به الانتقال من مكانه، أما إذا تأخر من على اليمين قبل إحرام الثاني أو لم يتأخرا أو تأخرا في غير القيام فيكره ويفوت به فضل الجماعة. "ولو حضر" ابتداء معًا أو مرتبًا "ذكران" ولو بالغًا وصبيًا "صفا خلفه وكذا" إذا حضرت "المرأة" وحدها "أو النسوة" وحدهن فإنها تقوم أو يقمن خلفه لا عن يمينه ولا عن يساره للاتباع "ويقف" ندبًا فيما إذا تعددت أصناف المأمومين "خلفه الرجال" صفًّا "ثم" بعد الرجال إن كمل صفهم "الصبيان" صفًّا ثانيًا وإن تميزوا عن البالغين بعلم ونحوه هذا "إن لم يسبقوا" أي الصبيان "إلى الصف الأول فإن سبقوا" إليه "فهم أحق به" من الرجال فلا ينحون عنه لهم لأنهم من الجنس بخلاف الخناثى والنساء ثم بعد الصبيان وإن لم يكمل صفهم الخناثى "ثم" بعدهم وإن لم يكمل صفهم "النساء" للخبر الصحيح: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهي" أي البالغون العاقلون "ثم الذين يلونهم ثلاثًا" 1, ومتى خولف الترتيب المذكور كره، وكذا كل مندوب يتعلق بالموقف فإنه يكره مخالفته وتفوت به فضيلة الجماعة كما قدمته في كثير من ذلك ويقاس به ما يأتي "وتقف" ندبًا "إمامتهن" أي النساء "وسطهن", لأنه أستر لها. "و" يقف "إمام العراة" البصراء "غير المستور وسطهم" بسكون السين ويقفون صفًّا واحدًا إن أمكن لئلا ينظر بعضهم إلى عورة بعض فإن كانوا عميًا أو في ظلمة تقدم إمامهم. "ويكره" للمأموم "وقوفه منفردًا عن الصف" إذا وجد فيه سعة لما صح من النهي عنه وأمر المنفرد بالإعادة في خبر الترمذي2 الذي حسنه محول على الندب على أن الشافعي رضي الله عنه ضعفه "فإن لم يجد سعة" في الصف "أحرم"   1 رواه مسلم في الصلاة "حديث 122" عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". ورواه أيضًا "حديث 123" بلفظ: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم -ثلاثًا- وإياكم وهيشات الأسواق". 2 في المواقيت باب 56 من حديث وابصة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة". ورواه أيضًا أبو داود في الصلاة باب 99 "حديث 682" وابن ماجه في الإقامة باب 54، وأحمد في المسند "4/ 23، 228". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أحرم ثم جرَّ واحدًا ويندب أن يساعده المجرور. الشرط الثاني: أنيعلم بانتقالات إمامه برؤية أو سماع ولو من مبلغ. الشرط الثالث: أن يجتمعا في مسجد وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية وأغلق الباب بشرط إمكان المرور، فإن كانا في غير مسجد اشترط أن لا يكون بينهما وبين كل   مع الإمام "ثم جر" ندبًا في القيام "واحدًا" من الصف إليه ليصطف معه خروجًا من الخلاف ومحله إن جوز أنه يوافقه وإلا فلا جر بل يمتنع لخوف الفتنة وأن يكون حرًّا لئلا يدخل غيره في ضمانه، وأن يكون الصف أكثر من اثنين لئلا يصير الآخر منفردًا، "ويندب أن يساعده المجرور" لينال فضل المعاونة على البر والتقوى وذلك يعادل فضيلة ما فات عليه من الصف، ويحرم الجر قبل الإحرام لأنه يصير المجرور منفردًا، أما إذا وجد سعة في صف من الصفوف وإن زاد ما بينه وبين صفها على ثلاثة صفوف فأكثر فالسنة أن يخترق الصفوف إلى أن يدخلها، والمراد بها أن يكون بحيث لو دخل بينهم لوسعه من غير مشقة تحصل لأحد منهم ولو كان عن يمين الإمام محل يسعه لم يخترق بل يقف فيه. "الشرط الثاني" لصحة الجماعة "أن يعمل بانتقالات إمامه" أو يظنها ليتمكن من متابعته ويحصل ذلك "برؤية" للإمام أو لبعض المأمومين "أو سماع" نحو أعمى ومن في ظلمة نحو صوت "ولو من مبلغ" بشرط كونه عدل رواية؛ لأن غيره لا يجوز الاعتماد عليه ويكفي الأعمى والأصم مس ثقة بجانبه. "الشرط الثالث: أن يجتمعا" أي الإمام والمأموم في موقف إذ من مقاصد الاقتداء اجتماع جمع في مكان كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية ومبنى العبادات على رعاية الاتباع ثم هما إما أن يكونا في مسجد أو غيره من فضاء أو بناء أو يكون أحدهما بمسجد والآخر بغيره، فإن كانا "في مسجد" أو مساجد تنافذت أبوابها، وإن كانت مغلقة غير مسمرة أو انفرد كل مسجد بإمام ومؤذن وجماعة صح الاقتداء. "وإن بعدت المسافة" كأن زادت على ثلاثمائة ذراع فأكثر "وحالت الأبنية" النافذة أو اختلفت كبئر وسطح ومنارة داخلين فيه. "و" إن "أغلق الباب" المنصوب على كل مما ذكر غلقا مجردًا من غير تسمير, لأنه كله مبني للصلاة فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها فلم يؤثر اختلاف الأبنية. "بشرط إمكان المرور" من كل منها إلى الآخر, لأنها حينئذ كالبناء الواحد، بخلاف ما إذا كان في بناء لا ينفذ كأن سمر بابه وكسطحه الذي ليس له مرقى، وإن كان له مرقى منه من خارجه أو حال بين جانبيه أو بين المساجد المذكورة نهر أو طريق قديم بأن سبقا وجوده أو جودها فلا تصح القدوة حينئذ مع بعد المسافة أو الحيلولة الآتية كما لو وقف من وراء شباك بجدار المسجد، وقول الإسنوي لا يضر سهو وكالمسجد في ذلك رحبته، والمراد بها هنا ما كان خارجه محجرًا عليه لأجله، وإن جهل أمرها أو كان بينها وبين طريق لا حريمه وهو المحل المتصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 صفين أكثر من ثلاثمائة ذراع تقريبًا، فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع، وأن لا يكون بينهما جدار أو باب مغلق أو مردود أو شباك، ولا يضر تخلل الشارع والنهر الكبير، والبحر بين سفينتين، وإذا وقف أحدهما في سفل والآخر في علو اشترط محاذاة أحدهما الآخر في غير المسجد والآكام، ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه فالثلاثمائة محسوبة من   به المهيأ لمصلحته فليس له حكمه في شيء. "فإن كانا" أي الإمام والمأموم "في غير المسجد" كفضاء "اشترط أن لا يكون بينهما وبين كل صفين أكثر من ثلاثمائة ذراع" بذراع الآدمي المعتدل وهو شبران "تقريبًا فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع" ونحوها وما قاربها كما في المجموع وغيره فتقييد البغوي1 التابع له المصنف بثلاثة ضعيف وهذا التقييد مأخوذ من العرف، وعلم من كلام المصنف أنه لا يضر بلوغ ما بين الإمام والأخير فراسخ. "و" اشتراط القرب حيث لم يجمعهما مسجد يعم ما لو كانا في فضاءين أو فلكين2 مكشوفين أو مسقفين أو بناءين كصحن3 وصفة4 سواء في ذلك المدرسة والرباط وغيرهما، فالشرط في الكل القرب على المعتمد بشرط "أن لا يكون بينهما جدار أو باب مغلق أو مردود أو شباك" لمنعه الاستطراق وإن لم يمنع المشاهدة وصفف5 المدارس الشرقية أو الغربية إذا كان الواقف فيها لا يرى الإمام ولا من خلفه ولا تصح قدوته به، وعند إمكان المرور والرؤية لا يضر انعطاف وازورار في جهة الإمام ويضر في غيرها. "ولا يضر تخلل الشارع والنهر الكبير" وإن لم يمكن عبوره والنار ونحوها. "و" لا تخلل "البحر بين سفينتين"؛ لأن هذه تعد للحيلولة فلا يسمى واحد منها حائلا عرفًا وحيث كان بين البناءين سواء أكان أحدهما مسجدًا أم لا منفذ يمكن الاستطراق منه ولا يمنع المشاهدة صحت قدوة أحدهما بالآخر, لكن إن وقف أحد المأمومين في مقابل المنفذ حتى يرى الإمام أو من معه في بنائه وهذا في حق من في المكان الآخر كالإمام؛ لأنهم تبع له في المشاهدة فيضر تقدمهم عليه في الموقف وإلا حرم "وإذا وقف أحدهما" أي الإمام والمأموم "في سفل والآخر في علو اشترط محاذاة أحدهما الآخر في غير المسجد والآكام" بأن يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى وإلا لم يعدا مجتمعين، ويعتبر غير المعتدل بالمعتدل وهذا ضعيف خلافًا لجمع متأخرين وإن تبعهم المصنف والمعتمد أن ذلك   1 هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بابن الفراء البغوي الشافعي، فقيه، محدث، مفسر. توفي بمرو الروذ سنة 516، وقيل: 515هـ. من تصانيفه: معالم التنزيل، مصابيح السنة، التهذيب في فروع الفقه الشافعي، وغيرهما "معجم المؤلفين: 1/ 644". 2 أي سفينتين. 3 الصحن: ساحة وسط الدار أو المسجد "المعجم الوسيط: ص508". 4 الصفة: الظلة، والبهو الواسع العالي السقف "المعجم الوسيط: ص517". 5 جمع صفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 آخر المسجد، نعم إن صلى في علو داره بصلاة الإمام في المسجد قال الشافعي: لم تصح، ويكره ارتفاع أحدهما على الآخر بغير حاجة. الشرط الرابع: نية القدوة أو الجماعة، فلو تابع بلا نية أو مع الشك فيها بطلت إن طال انتظاره.   ليس بشرط. "ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه فالثلاثمائة" الذراع "محسوبة من آخر المسجد" لا من آخر مصل فيه؛ لأنه مبني للصلاة فلا يدخل منه شيء في الحد الفاصل، وفي عكس صورة المصنف تعتبر المسافة من صدره. "نعم إن صلى" المأموم "في علو داره بصلاة الإمام في المسجد قال الشافعي" رضي الله عنه: "لم تصح" صلاته أي سواء كانا متحاذيين أم لا ويوافقه نصه -فيمن صلى بأبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام- على المنع وصوبه الإسنوي لكن المعتمد نصه الآخر في أبي قبيس على الصحة وإن كان أعلى منه والنص في السطح وأبي قبيس محمول على ما إذا لم يمكن المرور للإمام إلا بالعطاف من غير جهة الإمام أو على ما إذا بعدت المسافة أو حالت أبنية هناك منعت الرؤية فعلم أنه يعتبر في الاستطراق أن يكون استطراقًا عاديًا وأن يكون من جهة الإمام، وأن لا يكون هناك ازورار وانعطاف بأن يكون بحيث لو ذهب للإمام من مصلاه لا يلتفت عن القبلة بحيث يبقي ظهره إليها وإلا ضر لتحقيق الانعطاف حينئذ من غير جهة الإمام، وأنه لا فرق في ذلك بين المصلي على نحو جبل أو سطح. "ويكره" في المسجد وغيره "ارتفاع أحدهما" أي الإمام أو المأموم "على الآخر" للنهي عن ارتفاع الإمام وقياسًا عليه في ارتفاع المأموم، هذا إن كان الارتفاع "بغير حاجة" وإلا كتعليم المأموم كيفية الصلاة أو تبليغ تكبيرة الإمام فلا يكره بل يندب. "الشرط الرابع: نية" نحو "القدوة أو الجماعة" أو الائتمام بالإمام الحاضر أو بمن في المحراب أو نحو ذلك. "فلو تابع" في فعل أو سلام "بلا نية أو مع الشك فيها بطلت" صلاته "إن طال" عرفًا "انتظاره" له ليتبعه في ذلك الركن؛ لأنه وقف صلاته على صلاة غيره بلا رابط بينهما، والتقييد في مسألة الشك بالطول والمتابعة هو الأوجه خلافًا لجمع، وإنما أبطل الشك في أصل النية مع الانتظار الكثير وإن لم يتابع وباليسير مع المتابعة لأن الشك في أصلها ليس في صلاة بخلافه هنا فإن غايته أنه كالمنفرد، فلا بد من مبطل وهو المتابعة مع الانتظار الكثير، ولو عرض ذلك الشك في الجمعة أبطلها حيث طال زمنه لأن نية الجماعة شرط فيها فالشط فيها كالشك في أصل النية، وأفهم كلام أنه لو تابعة اتفاقًا أو بعد انتظار يسير أو انتظره كثيرًا بلا متابعة لم تبطل لأنه في الأولى لا يسمى متابعة وفي الثانية يغتفر لقلته وفي الثالثة لم يتحقق الانتظار لفائدته وهي المتابعة فألغى النظر إليه وأنه لا يجب تعيين الإمام بل لو عينه وأخطأ بطلت صلاته إلا أن يشير إليه لأنه يجب التعرض له في الجملة، بخلاف ما لو عين الإمام المأموم فأخطأ فإنه لا يضر مطلقًا لأنه لا يجب التعرض له في الجملة ولا تفصيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الشرط الخامس: توافق نظم صلاتيهما، فإن اختلف كمكتوبة وكسوف أو جنازة لم تصح القدوة، ويصح الظهر خلف العصر والمغرب، والقضاء خلف الأداء وعكسه، والفرض خلف النفل وعكسه. الشرط السادس: الموافقة في سنة فاحشة المخالفة، فلو ترك الإمام سجدة التلاوة وسجدها المأموم أو عكسه أو ترك الإمام التشهد الأول وتشهده المأموم بطلت، وإن تشهد   وأن الإمام لا تلزمه نية الإمامة وهو كذلك بل تسن له وإلا لم تحصل له فضيلة الجماعة ومحله في غير الجمعة أما فيها فتلزمه نية الإمامة مقترنة بالتحرم. "الشرط الخامس: توافق نظم صلاتيهما" أي الإمام والمأموم بأن يتفقا في الأفعال الظاهرة وإن اختلفا عددًا "فإن اختلف" نظم صلاتيهما "كمكتوبة" أو فرض آخر أو نفل "وكسوف" أو كمكتوبة أو فرض آخر "أو" نفل أو "جنازة لم تصح القدوة" ممن يصلي غير الجنازة بمصليها وغير الكسوف بمصليه وعكسهما لتعذر المتابعة، ومن ثم يصح الاقتداء بإمام الكسوف في القيام الثاني من الركعة الثانية لإمكان المتابعة حينئذ، وإلا لم يصح الاقتداء بمصلي الجنازة أو الكسوف، ويفارق عند الأفعال المخالفة؛ لأن ربط إحدى الصلاتين بالأخرى مع تنافيهما مبطل ومثلهما1 سجدتا التلاوة والشكر وإن صحت إحداهما خلف الأخرى، ويصح الفرض خلف صلاة التسبيح وعند تطويل ما يبطل تطويله كالاعتدال ينتظره في الركن الذي بعده. "ويصح" مع الكراهة المفوتة لفضيلة الجماعة "الظهر خلف" مصلى "العصر و" خلف مصلي "المغرب" وعكسه لاتحاد النظم وإن اختلفا عددًا ونية "والقضاء خلف" مصلي "الأداء وعكسه والفرض خلف" مصلي "النفل وعكسه" لاتفاق النظم في الجميع وحيث كانت صلاة الإمام أطول تخير المأموم عند إتمام صلاته بين أن يسلم وأن ينتظر وهو أفضل ومحل حل انتظاره حيث لم يفعل تشهدًا لم يفعله الإمام، فلو صلى المغرب خلف مصلي العشاء امتنع الانتظار، وإن جلس الإمام للاستراحة في الثالثة أو الصبح خلف الظهر جاز الانتظار إن جلس الإمام للتشهد الأول وتشهد؛ لأنه حينئذ يكون مستصحبًا تشهد الإمام، فإن لم يجلس أو جلس ولم يتشهد لزم المأموم المفارقة لئلا يحدث تشهد لم يفعله الإمام. "الشرط السادس: الموافقة" للإمام "في سنة فاحشة المخالفة" يعني تفحش المخالفة بها "فلو ترك الإمام سجدة التلاوة وسجدها المأموم أو عكسه" بأن سجدها الإمام وتركها المأموم "أو ترك الإمام التشهد الأول وتشهده المأموم بطلت" صلاته إن علم وتعمد وإن لحقه عن القرب لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة ويخالف ذلك سجود السهو والتسليمة الثانية لأنهما يفعلان بعد فراغ الإمام، أما غير فاحشة المخالفة كجلسة الاستراحة فلا يضر الإتيان بها، ومثلها القنوت لمن أدرك الإمام في   1 أي الكسوف والجنازة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الإمام وقام المأموم عمدًا لم تبطل، ويندب له العود. الشرط السابع: المتابعة فإن قارنه في التحرم بطلت، وكذا إن تقدم عليه بركنين فعليين أو تأخر عنه بهما لغير عذر، وإن قارنه في غير التحرم أو تقدم عليه بركن فعلي أو تأخر عنه به لم يضر، ويحرم تقدمه عليه بركن فعلي وإن تخلف بعذر كبطء قراءة بلا وسوسة واشتغال   السجدة الأولى وفارق التشهد الأول بأنه لم يحدث غير ما فعله الإمام وإنما طول ما كان فيه، ومن ثم لو أتى الإمام ببعض التشهد وقام عنه جاز للمأموم إكماله؛ لأنه حينئذ مستصحب كالقنوت. "وإن تشهد الإمام وقام المأموم" سهو لزمه العود وإلا بطلت صلاته أو "عمدًا لم تبطل" صلاته بعدمه؛ لأنه انتقل إلى فرض آخر وهو القيام. "ويندب له العود" خروجًا من خلاف من أوجبه. "الشرط السابع: المتابعة" للإمام كما سيعلم من كلامه، وأما المتابعة المندوبة فهي أن يجري على أثره في الأفعال والأقوال بحيث يكون ابتداؤه بكل منهما متأخرًا عن ابتداء الإمام ومتقدمًا على فراغه منه، ويشترط تيقن تأخر جميع تكبيرته للإحرام عن جميع تكبيرة إمامه. "فإن قارنه في التحرم" أو في بعضه أو شك فيه أو بعده هل قارنه فيه أو لا وطال زمن الشك أو اعتقد تأخر تحرمه فبان تقدمه "بطلت صلاته يعني لم تنعقد للخبر الصحيح: "إذا كبر فكبروا" 1 ولأنه نوى الاقتداء بغير مصل إذ يتبين بتمام تكبيرة الإحرام الدخول في الصلاة من أولها. "وكذا" تبطل صلاة المأموم "إن تقدم عليه" أي على إمامه عامدًا عالمًا بالتحريم "بركنين فعليين" ولو غير طويلين بأن يركع المأموم فلما أراد إمامه أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فبمجرد سجوده تبطل صلاته وفارق ما يأتي في التخلف بأن التقدم أفحش فأبطل السبق بالركنين ولو على التعاقب؛ لأنهما لم يجتمعا في الركوع ولا في الاعتدال. "أو تأخر عنه بهما" أي بركنين فعليين تامين ولو غير طويلين كأن ركع الإمام واعتدل وهوى للسجود وإن كان إلى القيام أقرب والمأموم قائم أو سجد الإمام السجدة الثانية وقام وقرأ وهوى للركوع والمأموم جالس بين السجدتين هذا إن كان "لغير عذر" مما يأتي كأن تخلف لإكمال السنة كالسورة "وإن قارنه في غير التحرم" من أفعال الصلاة لم يضر وإن قارنه في السلام لكن يكره ذلك وتفوته به فضيلة الجماعة. "أو تقدم عليه بركن فعلي أو تأخر عنه به لم يضر" لعدم فحش المخالفة. "ويحرم تقدمه عليه بركن فعلي" تام كأن ركع ورفع والإمام قائم للخبر الصحيح: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار"2 أما إذا لم يتم كأن   1 رواه البخاري في الصلاة باب 18، والأذان باب 82 و128، وتقصير الصلاة باب 17، ومسلم في الصلاة حديث 62 و77 و86 و87 و89، ورواه أيضًا بقية الستة وأحمد. 2 رواه البخاري في الأذان باب 53، ومسلم في الصلاة حديث 115 و116 و119، والترمذي في الجمعة باب 56، وأبو داود في الصلاة باب 75، والنسائي في الإمامة باب 38، وابن ماجه في الإقامة باب 41، وأحمد في المسند "2/ 260، 271، 425، 469، 472، 504". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الموافق بدعاء الافتتاح أو ركع إمامه فشك في الفاتحة أو تذكر تركها، أو أسرع الإمام قراءته عذر إلى ثلاثة أركان طويلة، فإن زاد نوى المفارقة أو وافقه وأتى بركعة بعد سلامه هذا في الموافق -وهو من أدرك مع الإمام قدر الفاتحة- وأما المسبوق إذا ركع الإمام في فاتحته، فإن اشتغل بسنة كدعاء الافتتاح أو التعوذ قرأ بقدرها، ثم إن أدركه في الركوع أدرك الركعة، وإلا فاتته ووافقه، ويأتي بركعة، وإن لم يشتغل بسنة قطع القراءة وركع معه.   ركع قبله ولم يعتدل فيكره، ويسن له العود ليوافقه فإن سها بالركوع قبله تخير بين العود والدوام ويكره التأخر بركن. "وإن تخلف" المأموم "بعذر كبطء قراءة" واجبة "بلا وسوسة" بل لعجز لسانه ونحوه "واشتغال" المأموم "الموافق بدعاء الافتتاح" والتعوذ عن الفاتحة حتى ركع الإمام أو قاربه الركوع "أو" كان "ركع إمامه فشك" بعد ركوعه وقبل أن يركع هو "في الفاتحة" هل قرأها أم لا؟ ومثلها بدلها. "أو تذكر تركها أو" كان "أسرع الإمام قراءته", وركع قبل أن يتم المأموم فاتحته وإن لم يكن بطيء القراءة "عذر" في التخلف عن الإمام لإتمام قراءة ما بقي عليه لعذره بوجوب ذلك عليه بخلاف تخلفه لمندوب كقراءة السورة أو لوسوسة بأن كان يردد الكلمات من غير موجب سواء كانت ظاهرة أو خفية, فإنه متى كان بتمام ركنين فعليين بطلت صلاته لعدم عذره وحيث عذر بالتخلف كما في الصورة التي ذكرناها فإنما يتخلف "إلى" تمام "ثلاثة أركان طويلة", وهي المقصودة بنفسها فلا يعد منها القصير وهو الاعتدال والجلوس بين السجدتين فيسعى على ترتيب نظم صلاة نفسه حيث فرغ قبل قيام الإمام من السجدة الثانية وجلوسه بعدها. "فإن زاد" التخلف على ذلك بأن لم يفرغ إلا والإمام منتصب للقيام أو جالس للتشهد "نوى المفارقة" إن شاء وجرى على ترتيب صلاة نفسه "أو وافقه" فيما هو فيه بأن يترك قراءته ويتبع الإمام في القيام أو التشهد "وأتى بركعة" بدل هذه الركعة التي فاتته "بعد سلامه" أي سلام الإمام كالمسبوق ولا يجوز له بلا نية المفارقة الجري على ترتيب صلاة نفسه، فإن فعل عامدًا عالمًا بطلت صلاته لما فيه من المخالفة الفاحشة. "وهذا" كله "في الموافق وهو من أدرك مع الإمام قدر الفاتحة" سواء الركعة الأولى وغيرها. "وأما المسبوق" وهو من لم يدرك مع الإمام من الركعة الأولى أو غيرها قدرًا يسع الفاتحة "إذا ركع الإمام" وهو باق "في فاتحته" إلى الآن لم يكملها "فإن" كان قد "اشتغل" قبلها "بسنة كدعاء الافتتاح" أو التعوذ أو سكت أو سمع قراءة الإمام أو غيره "قرأ" وجوبًا من الفاتحة "بقدرها" أي بقدر حروف السنة التي اشتغل بها وبقدر زمن السكوت الذي اشتغل به لتقصيره بعدوله عن الفرض إليها إذ السنة للمسبوق أن لا يشتغل بسنة غير الفاتحة، فإن ركع ولم يقرأ قدر ما فوته بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا فركعة. "ثم" إذا اشتغل بقراءة قدر ما فوته "إن" أكمله و"أدركه" أي الإمام "في الركوع أدرك الركعة" كغيره "وإلا" يدركه فيه بأن لم يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقله فإن فرغ والإمام في الاعتدال "فاتته" الركعة على اضطراب طويل فيه بين المتأخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فصل: "في إدراك المسبوق الركعة" ومن أدرك الإمام المتطهر راكعًا واطمأن معه قبل ارتفاعه أدرك الركعة، وإن أدركه في ركوع زائد أو في الثاني من الكسوفين لم يدركها.   "و" حينئذ "وافقه" وجوبًا في الاعتدال وما بعده ولا يركع؛ لأنه لا يحسب له فإن ركع عامدًا عالمًا بطلت صلاته. "ويأتي بركعة" بعد سلام إمامه لأنه لم يدرك الأولى معه وإن لم يفرغ والإمام في الاعتدال بأن أراد الهوي منه إلى السجود وهو إلى الآن لم يكمل قراءة ما لزمه فقد تعارض معه واجبان: متابعة الإمام وقراءة ما لزمه، ولا مرجح لأحدهما فيلزمه فيما يظهر أن ينوي المفارقة ليكمل الفاتحة ويجري على ترتيب صلاة نفسه وتكون مفارقته بعذر فيما يظهر أيضًا، وإن قصر بارتكاب سبب وجوبها وهو اشتغاله بالسنة عن الفرض. "وإن لم يشتغل" المسبوق بعد إحرامه "بسنة" ولا بغيرها بل بالفاتحة وركع إمامه "قطع القراءة وركع معه" ليدرك الركعة ويتحمل الإمام عنه بقية الفاتحة أو كلها إن لم يدركه إلا في الركوع، فإن لم يركع معه فاتته الركعة بل وبطلت صلاته إن تخلف ليكمل الفاتحة إلى أن شرع الإمام في الهوي إلى السجود. فصل: في بيان إدراك المسبوق الركعة "ومن أدرك الإمام المتطهر راكعًا" ركوعًا محسوبًا له أو قريبًا من الركوع بحيث لا يمكنه قراءة الفاتحة جميعها قبل ركوعه. "و" تيقن أنه "اطمأن معه" في الركوع "قبل ارتفاعه" عن أقل الركوع السابق بيانه "أدرك الركعة" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها" 1, ومن لم يسن الخروج من خلاف من منع إدراك الركعة بذلك. "وإن أدركه" وهو محدث أو متنجس أو "في ركوع" غير محسوب له نحو "زائد" قام إليه سهوًا أو في أصلي ولم يطمئن معه فيه أو اطمأن بعد ارتفاع الإمام عن أقل الركوع وهو بلوغ راحتيه ركبتيه، أو تردد هل اطمأن قبل وصول الإمام لحد أقل الركوع سواء أغلب على ظنه شيء أم لا؟ "أو" أدركه "في" الركوع" الثاني من" صلاة "الكسوفين لم يدركها" أي الركعة لعدم أهلية نحو المحدث لتحمل القيام والقراءة، ولأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بالركوع رخصة فلا يصار إليها إلا بيقين، ولأن الركوع الثاني وقيامه من كل ركعة من صلاة الخسوفين تابع للركوع الأول وقيامه فهو في حكم الاعتدال، ولذا سن فيه: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ولو قرأ الفاتحة أدرك الركعة، وإن كان الإمام محدثًا أو في زائدة ما لم يعلم بحدثه أو بسهوه، وإن نسي بعد كما مر وحيث أتى الشاك في الطمأنينة المذكورة بركعة بعد سلام الإمام سجد للسهو، وشرط صحة صلاة المسبوق المذكور أن يكبر للإحرام ثم للهوي، فإن اقتصر   1 رواه الدارقطني في سننه "1/ 347". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فصل: "في صفات الأئمة المستحبة" أحق الناس بالإمامة الوالي، فيتقدم أو يقدم غيره ولو في ملك غيره، والساكن بملك أو إعارة أو إجارة أو وقف أو وصية أو نحوها يتقدم أو يقدم أيضًا، إلا أن المعير أحق من المستعير، والسيد أحق من عبده الذي ليس بمكاتب، والإمام الراتب أحق من غير الوالي فيتقدم أو يقدم، ثم قدم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم من سبق بالهجرة هو أو   على تكبيرة اشترط أن ينوي بها الإحرام وأن يتمها قبل أن يصير أقرب إلى أقل الركوع، فإن نوى بها الهوي أو مع التحرم أو أطلق لم تنعقد صلاته. فصل: في صفات الأئمة المستحبة "أحق الناس بالإمامة الوالي" في محل ولايته الأعلى فالأعلى وإن اختص غيره بسائر الصفات الآتية للخبر الصحيح: "لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه" 1, ومحل ذلك في غير من ولاه الإمام الأعظم أو نائبه، أما من ولاه أحدهما في مسجد فهو أولى من والي البلد وقاضيها، وفيمن تضمنت ولايته الإمامة عرفًا بخلاف نحو ولاة الحروب والشرطة فلا حق لهم في الإمامة وحيث كان الوالي أحق "فيتقدم" بنفسه "أو غيره" لأن الحق له فينيب فيه من شاء. "ولو" أقيمت الصلاة "في ملك غيره" وقد رضي المالك بإقامتها في ملكه؛ لأن تقدم المالك وغيره بحضرته من غير استئذانه لا يليق ببذل الطاعة له "و" الأحق بعد الوالي فيما إذا أقيمت الصلاة في مملوك الرقبة أو المنفعة "الساكن" يعني المستحق لتلك المنفعة "بملك أو إعارة أو إجارة أو وقف أو وصية أو نحوها" فحينئذ "يتقدم" بنفسه "أو يقدم أيضًا" لما مر في الوالي ولخبر أبي داود: "لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في بيته" 2 والحاصل أن مقدم المقدم هنا وفي جميع ما أتى كالمقدم وإن كان من قدمه غيره أهل للإمامة كالمرأة المستحقة لمنفعة محل أقيمت الجماعة فيه والشريكان يعتبر إذنهما ولا يتقدم أو يقدم أحدهما إلا بإذن الآخر أو وكيله، ولا حق لولي المحجور في التقديم ولا التقدم والساكن أولى كما تقرر "إلا" في مسائل منها "أن المعير أحق" بالتقديم والتقدم "من المستعير" لأنه مالك للمنفعة وللرجوع فيها متى شاء. "و" منها أن "السيد أحق" بما ذكر "من عبده" أي قنه "الذي ليس بمكاتب" لأنه المالك بخلاف المكاتب كتابة صحيحة فإنه أحق من السيد لأنه مستقل بالتصرف. "والإمام الراتب" بمحل الجماعة "أحق من غير الوالي" وإن اختص الغير بما يأتي "فيتقدم أو يقدم" من تصح   1 رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 290 و291، وأبو داود في الصلاة باب 60، والترمذي في الصلاة باب 60 والأدب باب 24، والنسائي في الإمامة باب 3 و6، وابن ماجه في الإقامة باب 46. 2 لم أجده بهذا اللفظ في أبي داود، والذي فيه مثل الرواية السابقة "في سلطانه". راجع سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب 60، حديث 583. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أحد آبائه, ثم من سبق إسلامه ثم النسيب، ثم حسن الذكر، ثم نظيف الثوب، ثم نظيف البدن وطيب الصنعة، ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة، فإن استووا أقرع، والعدل أولى من الفاسق وإن كان أفقه أو أقرأ، والبالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه أو أقرأ، والحر أولى من العبد، ويستوي العبد الفقيه والحر غير الفقيه، والمقيم أولى من المسافر، وولد الحلال أولى من ولد الزنى، والأعمى مثل البصير.   إمامته وإن كان هناك أفضل منه للخبر السابق ولو لم يحضر الراتب سن الإرسال إليه ليحضر أو يأذن، فإن خيف فوت أول الوقت ولا فتنة ولا تأذي لو تقدم غيره سن لواحد أن يؤم بالقوم، ولو ضاق الوقت أو كان المسجد مطروقًا جمعوا مطلقًا. "ثم" إن لم يكن هناك أولى باعتبار المكان كأن كانوا بموات أو مسجد ولا إمام له راتب أو له إمام وأسقط حقه وجعله للأولى "قدم" باعتبار الصفة "الأفقه" بأحكام الصلاة على من بعده لاحتياج الصلاة إلى مزيد الفقه بل مزيده أكثر من نحو القراءة. "ثم" إن استوى اثنان في الفقه وأحدهما أقرأ قدم "الأقرأ" أي الأحفظ لأن الصلاة أشد احتياجًا إليه من الأورع. "ثم" إن استويا فقهًا وقراءة قدم "الأورع" أي الأكثر ورعًا وهو اجتناب الشبهات خوفًا من الله تعالى ومن لزمه حسن السيرة والعفة. "ثم" إن استويا فقهًا وقراءة وورعًا قدم "من سبق الهجرة" إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى دار الإسلام سواء كان السابق "هو أو أحد آبائه" لخبر مسلم1 وجعل الهجرة هنا هو المعتمد. "ثم" بعد من ذكر يقدم الأسن لخبر مسلم أيضًا2، والمراد به "من سبق إسلامه" كشاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم فإن أسلما معًا قدم الأكبر سنًّا، ويقدم المسلم بنفسه على المسلم بالتبعية. "ثم" بعد ما ذكر يقدم "النسيب" بما يعتبر في الكفاءة فيقدم الهاشمي ثم المطلبي ثم بقية قريش ثم بقية العرب، ويقدم ابن الصالح والعالم على غيره، "ثم" بعد ما ذكر يقدم "حسن الذكر" لأنه أهيب ممن بعده والقلوب إليه أميل. "ثم" بعده "نظيف الثوب ثم" بعده نظيف البدن وطيب الصنعة" عن الأوساخ لذلك. "ثم" بعده "حسن الصوت ثم حسن الصورة" أي الوجه لذلك أيضًا، وهذا الذي ذكره آخذًَا لأكثره من الروضة ولبعضه من التحقيق هو المعتمد لأن المدار كما أشعر به تعليلهم على ما هو أفضى إلى استمالة القلوب، وكل واحد ممن ذكر أفضى إلى ذلك مما بعده كما لا يخفى، وحينئذ فالأولى بعد الاستواء في النسب وما قبله الأحسن ذكرًا فالأنظف ثوبًا فبدنًا فصنعة فالأحسن صوتًا فوجهًا. "فإن استووا" في جميع ما ذكر وتشابهوا "أقرع" بينهم ندبًا قطعًا للنزاع "والعدل" ولو قنًّا3 "أولى" بالتقديم والتقدم "من   1 رواه في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 291" عن أبي مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنًا، ولا تؤمن الرجل في أهله في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك". 2 راجع تخريج الحديث السابق. 3 القن: العبد الذي كان أبوه مملوكًا لمواليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فصل: "في بعض السنن المتعلقة بالجماعة" يستحب أن لا يقوم إلا بعد فراغ الإقامة، وتسوية الصفوف والأمر بذلك ومن الإمام آكد، وأفضل الصفوف الأول فالأول للرجال، وتكره إمامة الفاسق والأقلف -وهو الذي   الفاسق وإن كان" الفاسق حرًّا أو "أفقه أو أقرأ" لكراهة الاقتداء به؛ لأنه قد يقصر في الواجبات. "و" كذلك "البالغ" ولو قنًّا "أولى من الصبي وإن كان" الصبي حرًّا أو "أفقه أو أقرأ" لكراهة الاقتداء به وللخلاف في صحة إمامته. "والحر أولى من العبد" لأنه أكمل "ويستوي العبد الفقيه" أو القارئ مثلا "والحر غير الفقيه" أو القارئ لانجبار نقص الرق بما انضم إليه من صفة الكمال، وإنما كان الحر أولى في صلاة الجنازة مطلقًا لأن القصد بها الدعاء والشفاعة وهو بهما أليق "والمقيم" والمتم "أولى من المسافر" الذي يقصر؛ لأنه إذا أم أتموا كلهم فلا يختلفون وإذا أم القاصر اختلفوا. "وولد الحلال أولى من ولد الزنى" وممن لا يعرف له أب وإن كان أفقه أو أقرأ لأن إمامته خلاف الأولى للحوق العار به، ولو تعارضت هذه الصفات فالذي يظهر أن العدل أولى من الفاسق مطلقًا، وأن البالغ العدل أولى من الصبي العدل وإن زاد بنحو الفقه، وأن الحر العدل أولى من الرقيق العدل ما لم يزد بما ذكر، والمبعض أولى من كامل الرق، وقد علم مما مر أن الوالي يقدم وإن كان فيه جميع هذه النقائص. "والأعمى مثل البصير" حيث استويا في الصفات السابقة؛ لأن في كل مزية ليس في الآخر؛ لأن الأعمى لا ينظر إلا ما يشغله فهو أخشع، والبصير ينظر إلى الخبث فهو أحفظ لتجنبه. فصل: في بعض السنن المتعلقة بالجماعة "يستحب" لمريد الجماعة غير المقيم "أن لا يقوم إلا بعد فراغ الإقامة" إن كان يقدر على القيام بسرعة بحيث يدرك فضيلة تكبيرة الإحرام وإلا قام قبل ذلك بحيث يدركها، ومن دخل في حال الإقامة أو وقد قربت بحيث لو صلى التحية فاته فضل التكبيرة مع الإمام استمر قائمًا ولا يجلس ولا يصلي. "و" يستحب "تسوية الصفوف والأمر بذلك" لكل أحد "و" وهو "من الإمام" بنفسه أو مأذونه "آكد" للاتباع مع الوعيد على تركها والمراد بها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحاذي القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من هو بجنبه ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول، ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله، فإن خولف في شيء من ذلك كره أخذًا من الخبر الصحيح: "ومن وصل صفًّا وصله الله ومن قطع صفًّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 لم يختتن- والمبتدع والتمتام، والفأفاء، والوأواء، وكذا تكره الجماعة في مسجد له إمام راتب وهو غير مطروق إلا إذا خشي فوات فضيلة أو الوقت ولم يخش فتنة، ويندب أن يجهر الإمام بالتكبير وبقوله: سمع الله لمن حمده والسلام، ويوافقه المسبوق في الأذكار.   قطعه الله" 1, "وأفضل الصفوف الأول" وهو الذي يلي الإمام وإن تخلله منبر أو نحوه "فالأول" وهو الذي يليه وهكذا وإذا استداروا في مكة فالصف الأول في غير جهة الإمام ما اتصل بالصف الذي وراء الإمام لا ما قرب من الكعبة على الأوجه، وأفضلية الأول فالأول تكون "للرجال" والصبيان وإن كان ثم غيرهم وللخناثى الخلص أو مع النساء وللنساء الخلص بخلاف النساء مع الذكور أو الخناثى فالأفضل لهن التأخر، وكذا الخناثى مع الذكور كما علم مما مر، وأصل ذلك خبر مسلم: "خير صفوف الرجال أولها وأشرها آخرها وخير صفوف النساء -أي مع غيرهن- آخرها وشرها أولها"2 وسن تحري يمين الإمام "وتكره إمامة الفاسق" والاقتداء به حيث لم يخشَ فتنة بتركه وإن لم يوجد أحد سواه على الأوجه للخلاف في صحة الاقتداء به لعدم أمانته. "و" إمامة "الأقلف" والاقتداء به "وهو الذي لم يختتن" سواء ما قبل البلوغ وما بعده؛ لأنه قد لا يحافظ على ما يشترط لصحة صلاته فضلا عن إمامته وهو غسل جميع ما يصل إليه البول مما تحت قلفته؛ لأنها لما كانت واجبة الإزالة كان ما تحتها في حكم الظاهر. "و" إمامة "المبتدع" الذي لم يكفر ببدعته والاقتداء به وإن لم يوجد غيره كالفاسق بل أولى، وبحث الأذرعي حرمة الاقتداء به على عالم شهير لأنه سبب لإغوء العوام ببدعته، أما من يكفر ببدعته كمنكر علم الله بالجزئيات وبالمعدوم والبعث والحشر للأجساد وكذا المجسم على تناقض فيه3 والقائل بالجهة على قول نقل عن الأئمة الأربعة فلا يصح الاقتداء به كسائر الكفار "و" إمامة "التمتام" وهو الذي يكرر التاء "والفأفاء" وهو من يكرر الفاء "والوأواء" وهو من يكرر الواو وغيرهم ممن يكرر شيئًا من الحروف للزيادة ولتطويل القراءة بالتكرير ولنفرة الطباع عن سماع كلامهم وصحت إمامتهم لعذرهم، ويكره أيضًا إمامة من يلحن بما لا يغير المعنى والموسوس ومن كرهه أكثر من نصف القوم المذموم فيه شرعًا. "وكذا تكره الجماعة أي إقامتها "في مسجد له إمام راتب" قبله أو معه أو بعده "وهو" أي المسجد "غير مطروق" ولم يأذن في ذلك؛ لأنه يورث الطعن فيه وتفرق الناس عنه بخلاف ما إذا لم يكن له إمام راتب أو أذن إمامه الراتب لأن الحق له أو كان المسجد مطروقًا لانتفاء ما ذكر لأن العادة في المطروق أن لا يقتصر فيه على جماعة واحدة، ويكره ذلك في غير المطروق بغير إذنه كما   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 93 "حديث 666" من حديث ابن عمر. ورواه أيضًا الإمام أحمد في المسند "2/ 98" والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 101" والحاكم في المستدرك "1/ 213". 2 رواه مسلم في الصلاة "حديث 132"، وأبو داود في الصلاة باب 97، والترمذي في المواقيت باب 52، والنسائي في الإمامة باب 32، وابن ماجه في الإقامة باب 52. 3 أي مع الخلاف في تكفيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 باب صلاة المسافر مدخل ... باب: صلاة المسافر يجوز للمسافر سفرًا طويلا مباحًا قصر الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين أداء وقضاء، لا فائتة الحضر والمشكوك أنها فائتة سفر أو حضر، والطويل يومان معتدلان بسير الأثقال والإتمام أفضل إلا في ثلاث مراحل، ولمن وجد في نفسه كراهة القصر.   تقرر "إلا إذا" غاب الراتب أول الوقت و"خشي" بالبناء للمفعول "فوات فضيلة أول الوقت ولم يخش فتنة" ولا يتأذى الراتب لو تقدم غيره فيسن حينئذ لواحد، وكونه الأحب للإمام أولى أن يؤم بالقوم، فإن خشي فتنة أو تأذى به صلوا فرادى، ويسن لهم الإعادة معه، فإن لم يبق من الوقت إلا ما يسع تلك الصلاة جمعوا وإن خافوا الفتنة هذا كله في غير المطروق كما تقرر، أما المطروق فلا بأس أن يصلوا أول الوقت جماعة. "ويندب أن يجهر الإمام بالتكبير وبقوله: سمع الله لمن حمده والسلام" للاتباع فإن كبر المسجد سن مبلغ يجهر بذلك، "ويوافقه" أي الإمام "المسبوق في الأذكار" والأقوال الواجبة والمندوبة أي يندب له ذلك وإن لم يحسب له، ومن ذلك أنه يكبر معه فيما يتابعه فيه، فلو أدركه في الاعتدال كبر للهوي ولما بعده من سائر الانتقالات، وفي نحو السجود لم يكبر للهوي إليه؛ لأنه لم يتابعه فيه ولا هو محسوب له، وخرج بذلك الأفعال فيجب عليه موافقته فيما أدركه معه منها وإن لم يحسب له, وإذا قام بعد سلام الإمام ليأتي بما عليه، فإن كان جلوسه في محل تشهده كالأول من الرباعية أو الثلاثية قام مكبرًا ندبًا ولا يلزمه القيام فورًا، وإن لم يكن محل تشهده قام فورًا وجوبًا بلا تكبير ندبًا، وما أدركه مع الإمام فهو أول صلاته، وما أتى به بعده آخرها فيقرأ فيه السورة ندبًا إن لم يكن قرأها في أولييه ولا يجهر بقراءته في الأخيرتين ولو أدركه في ثانية الصبح أو العيد قنت معه وكبر معه خمسًا وقنت في ثانيته وكبر فيها خمسًا لا سبعًا. باب: كيفية "صلاة المسافر" قصرًا وجمعًا ويتبعه جمع المقيم بالمطر "يجوز للمسافر سفرًا طويلا مباحًا" يعني جائزًا وإن كره كسفر الواحد أو الاثنين "قصر الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين" دون الصبح والمغرب والمنذورة والنافلة؛ لأنه لم يرد "أداء" لو بأن سافر وقد بقي من الوقت قدر ركعة "و" كذا "قضاء" عما فات في سفر قصر يقينًا وقضى فيه أو في سفر قصر آخر "لا فائتة الحضر" لأنها لزمته تامة. "و" لا "المشكوك" فيها "أنها فائتة سفر أو حضر" لأن الأصل الإتمام، وخرج بالطويل القصير وبالجائز الحرام بأن يقصد محلا لفعل محرم وهذا هو العاصي بالسفر، بخلاف من عرضت له معصية وهو مسافر فارتكبها وهذا هو العاصي في السفر، فلا يقصر ذو السفر القصير إذ لا مشقة عليه، ولا العاصي بسفره لأن السفر سبب الرخصة فلا تناط بالمعصية، ومن ثم امتنع رخص السفر حتى أكل الميتة عند الاضطرار لتمكنه من دفع الهلاك بالتوبة، ومنه من يسافر لمجرد رؤية البلاد ومن يتعب نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فصل: "فيما يتحقق به السفر" وأول السفر الخروج من السور في المسورة، ومن العمران مع ركوب السفينة فيما   أو دابته بالركض بلا غرض شرعي. "و" السفر "الطويل يومان" أو ليلتان أو يوم وليلة "معتدلان" أي مسيرهما ذهابًا مع المعتاد من النزول والاستراحة والأكل ونحوها وذلك مرحلتان "بسير الأثقال" ودبيب الأقدام وهي بالبرد أربعة وبالفراسخ ستة عشر وبالأميال ثمانية وأربعون ميلا والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعًا والأصبع ست شعيرات معتدلات معترضات والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون، والمسافة في البحر كالبر ولو قطعها فيه أو في البر في لحظة ترخص، ولو شك في طول سفره اجتهد فإن ظهر له أن القدر المعتبر قطع ترخص وإلا فلا. "والإتمام" للصلاة في مرحلتين أو أكثر "أفضل" من القصر "إلا في ثلاث مراحل" فالقصر أفضل خروجًا من قول أبي حنيفة رضي الله عنه: وجوب الإتمام في الأول والقصر في الثاني، نعم الأولى لملاح وهو من له دخل في تسيير السفينة إذا كان معه أهله فيها ولمن لم يزل مسافرًا بلا وطن الإتمام مطلقًا لأن أحمد رضي الله عنه يوجبه عليه. "و" إلا "لمن" يقتدي به أو "وجد في نفسه كراهة القصر" لا رغبة عن السنة؛ لأنه كفر بل لإيثاره الأصل وهو الإتمام فالأولى له القصر بل يكره تركه، وكالقصر في ذلك كل رخصة، وكالكاره لذلك الشاك في جوازه أي لظن فاسد تخيله فيؤمر به قهرًا لنفسه عن الخوض في مثل ذلك. فصل: فيما يتحقق به السفر "وأول السفر" الطويل هنا والقصير فيما مر بالنسبة للمتنفل على الدابة أو ماشيًا "الخروج من السور في" البلدة "المسورة" أو من بعضه في المسور بعضها وهو صوب سفره وإن تهدم أو تعدد أو كان ظهره ملصقًا به أو كان وراءه عمارة أو احتوى على خراب ومزارع؛ لأن ما كان خارجه لا يعد من البلد بخلاف ما كان داخله ولو من الخراب والمزارع ومثله الخندق ومحل ذلك إن اختص وإلا بأن جمع بلدتين أو قريتين لم يشترط مجاورته بل لكل حكمه. "و" أوله فيما لا سور له الخروج "من العمران" وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان ليفارق محل الإقامة، وأفهم كلامه أنه لا يشترط مجاوزة الخراب الذي وراءه ولا المزارع والبساتين المتصلة بالبلد وإن كانت محوطة أو كان فيها دور تسكن في بعض فصول السنة وهو المعتمد فيهما والقريتان المتصلتان كالقرية فإن انفصلتا ولو يسيرًا فلكل حكمها، ويعتبر في سفر البحر المتصل ساحله بالبلد الخروج منها "مع ركوب السفينة" وجريها أو جري الزورق إليها قاله البغوي1 وأقره   1 تقدم التعريف به. راجع الحاشية 1 صفحة 156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 لا سور له، ومجاوزة الحلة، وينتهي سفره بوصوله سور وطنه أو عمرانه إن كان غير مسور، وبنية الرجوع إلى وطنه، وبوصول موضع نوى الإقامة فيه مطلقًا أو أربعة أيام صحيحة، أو لحاجة لا تنقضي إلا في المدة المذكورة، وإن كان يتوقع قضاءها كل وقت ترخص إلى ثمانية عشر يومًا، ولا يقصر هائم وطالب غريم أو آبق لا يعرف موضعه، ولا زوجة وعبد لا يعرفان المقصد.   ابن الرفعة1 وغيره، وظاهر قول المصنف "فيما لا سور له" أن خاص بما لا سور له وهو متجه. "و" أوله لساكن الخيام "مجاوزة الحلة" بكسر الحاء وهي بيوت مجتمعة وإن تفرقت، ولا بد أيضًا من مفارقته مرافقها كمعاطن2 الإبل ومطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ونحوها كالماء والمحتطب إلا أن يتسعا بحيث لا يختصان بالنازلين لأن ذلك كله من جملة موضع الإقامة، فاعتبرت مفارقته واتحاد الحلة باتحاد ما يسمرون3 فيه واستعارة بعضهم من بعض، وإلا فكالقريتين فيما مر. "وينتهي سفره" المجوز لترخصه بالقصر وغيره "بوصوله" ما مر مما يشترط مجاوزته في ابتداء السفر وإن لم يدخله وذلك بأن يصل "سور وطنه" إن كان مسورًا "أو عمرانه" أي عمران وطنه "إن كان" وطنه "غير مسور" وإن لم ينو الإقامة به. "و" ينتهي أيضًا "بنية الرجوع" وبالتردد فيه من مستقل ماكث ولو بمحل لا يصلح للإقامة كمفازة قبل وصوله مسافة القصر "إلى وطنه" سواء أقصد مع ذلك ترك السفر أو أخذ شيء منه فلا يترخص في إقامته ولا رجوعه إلا أن يفارق وطنه تغليبًا للوطن وخرج به4 غيره، وإن كان له فيه أهل أو عشيرة فيترخص، وإن دخله كسائر المنازل وبنية الرجوع ما لو رجع إليه ضالا عن الطريق وبالمستقل من هو تحت حجر غيره وقهره كالزوجة والعبد فلا أثر لنيتهم، وبالماكث السائر فلا أثر لنيته حتى يصل إلى المحل الذي نوى الإقامة ويقيم به لأن فعله وهو السير يخالف نيته، فألغيت ما دام فعله موجودًا، ويقبل وصوله ما ذكر ما لو رجع أو نوى الرجوع من بعيد لحاجة فيترخص إلى أن ينتهي سفره. "و" ينتهي أيضًا "بوصول موضع نوى" المستقل "الإقامة فيه مطلقًا" من غير تقيد بزمن وإن لم يصلح للإقامة "أو" نوى أن يقيم فيه "أربعة أيام" بلياليها "صحيحة" أي غير يومي الدخول والخروج لأن من الأول الحط وفي الثاني الرحيل وهما من أشغال السفر. "أو" أن يقيم فيه "لحاجة لا تنقضي إلا في المدة المذكورة" لأنه صلى الله عليه وسلم رخص للمهاجرين في إقامة الثلاثة بين أظهر الكفار5, وكانت الإقامة عندهم محرمة   1 تقدم التعريف به. راجع الحاشية 1 صفحة 87. 2 معاطن الإبل وأعطانها: جمع عطن ومعطن، وهو مبرك الإبل ومربض الغنم عند الماء "المعجم الوسيط: ص609". 3 يسمرون: يتحدثون ليلا "المعجم الوسيط: ص448". 4 أي بالوطن. 5 روى مسلم في الحج "حديث 442" عن العلاء بن الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا". وفي لفظ "حديث 443": "ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر". وفي لفظ "حديث 444": "مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا". ورواه أيضًا الترمذي في الحج باب 103، والنسائي في التقصير باب 4, والدارمي في الصلاة باب 180، وأحمد في المسند "4/ 339، 5/ 52". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 فصل: "في بقية شروط القصر ونحوه" الجزء: 1 فصل: "في بقية شروط القصر ونحوه" وشروط القصر: العلم بجوازه، وأن لا يقتدي بمتم، ولا بمشكوك السفر، وأن ينوي القصر في الإحرام، وأن يدوم سفره من أول الصلاة إلى آخرها.   والترخيص فيها يدل على بقاء حكم السفر فيها وفي معناها ما فوقها ودون الأربعة، وألحق بإقامتها نية إقامتها "وإن كان" نوى الإقامة لحاجة كريح لمن حبس لأجله في البحر "يتوقع قضاءها كل وقت" أي قبل مضي أربعة أيام صحاح "ترخص" بالقصر وغيره سواء المقاتل والتاجر وغيرهما "إلى ثمانية عشر يومًا" غير يومي الخروج والدخول للاتباع1. "ولا" يجوز الترخص بالقصر وغيره إلا لمن قصد مكانًا معينًا "يقصر هائم" وهو من لا يدري أين يتوجه وإن طال تردده لأن سفره معصية إذ إتعاب النفس بالسفر لغير غرض حرام. "و" لا يقصر "طالب غريم أو آبق لا يعرف موضعه" ومتى وجده رجع وإن طال سفره كالهائم إذ شرط القصر أن يعزم على قطع مسافة القصر، فإن علم أنه لا يجده قبل مرحلتين أو قصد الهائم سفرهما قصر فيهما لا فيما زاد عليهما إذ ليس له بعدهما مقصد معلوم. "ولا" يقصر قبل قطع مسافة القصر "زوجة وعبد لا يعرفان المقصد" إلا بعد مرحلتين للزوج أو السيد لانتفاء شرط الترخص وهو تحقق السفر الطويل، بخلاف ما إذا جاوزهما فإنهما يقصران وإن لم يقصر المتبوع لتبين طول سفره. فصل: في بقية شروط القصر ونحوه "وشروط القصر" ونحوه غير ما مر أربعة: الأول: "العلم بجوازه" فلو قصر أو جمع جاهلًا بجواز ذلك لم يصح لتلاعبه. "و" الثاني: "أن لا يقتدي" في جزء من صلاته "بمتم" ولو مسافرًا مثله وإن ظنه مسافرًا أو أحدث عقب اقتدائه كأن اقتدى مصلي الظهر مثلًا به في جزء من الصبح أو الجمعة أو المغرب أو النافلة لأنها تامة في نفسها. "ولا بمشكوك السفر" لأنه لم يجزم حينئذ بنية القصر والجزم بها شرط كما يأتي، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك   1 روى أبو داود في صلاة السفر باب 10 "حديث 1229" عن عمران بن حصين قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت مع الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يقول: "يا أهل البلد صلوا أربعًا فإنا قوم سفر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فصل: "في الجمع بالسفر والمطر" يجوز الجمع بين العصرين والعشاءين تقديمًا وتأخيرًا وتركه أفضل إلا لمن وجد في   السنة. "و" الثالث: "أن ينوي القصر في الإحرام" أي عنده بأن يقرنها به يقينًا ويستديم الجزم بها لأن لا يأتي بما ينافيها إلى السلام لأن الأصل الإتمام فاحتيج في الخروج منه إلى قصد جازم، فإن لم يجزم بها أو عرض ما ينافيها كأن تردد هل يقطعها أو شك هل نوى القصر أو لا؟ أتم وإن تذكر حالا لأنه الأصل، وبه فارق الشك في أصل النية إذا تذكر حالا، نعم لا يضر تعليقها بنية إمامه بأن ظن سفره ولم يعلم قصره فقال: إن قصر قصرت وإن أتم أتممت لأن الظاهرة من حال المسافر القصر، وإنما لم يضر التعليق لأن الحكم معلق بصلاة إمامه وإن جزم. "و" الرابع: "أن يدوم سفره من أول الصلاة إلى آخرها" فإن انتهت به سفينته إلى محل إقامته أو سارت به منها أن نوى الإقامة أو شك هل نواها أو هل هذه البلدة التي انتهى إليها هي بلده أو لا وهو في أثناء الصلاة في الجميع أتم لزوال الرخصة أو الشك في زواله. فصل: في الجمع بالسفر والمطر "يجوز" في السفر الذي يجوز فيه القصر "الجمع بين العصرين" أي الظهر والعصر وغلبت لشرفها لأنها الوسطى. "و" بين "العشاءين" أي المغرب والعشاء وغلبت لأنها أفضل، وعبر غيره بالمغربين كأنه توهم أن في هذه تسمية المغرب عشاء وهو مكروه وليس كذلك، فلا اعتراض على المصنف "تقديمًا وتأخيرًا" ويكون كل أداء لأن وقتيهما صارا كالوقت الواحد، نعم يمتنع جمع التقديم للمتحيرة وفاقد الطهورين وكل من لم تسقط صلاته؛ لأن شرطه كما يأتي وقوع الأولى معتدًا بها وما يجب إعاته لا اعتداد به لأنها إنما فعلت لحرمة الوقت، أما الصبح مع غيرها والعصر مع المغرب فلا جمع فيهما لأنه لم يرد بخلاف ما ذكره، فقد صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زالت قبل ارتحاله صلاهما ثم ركب، وأنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء"1 أي في وقت العشاء. "وتركه" أي الجمع "أفضل" لا رعاية لخلاف من منعه لأنه عارض السنة الصحيحة الدالة على الجواز كما تقرر، بل أن فيه إخلاء أحد الوقتين عن وظيفته، وبه فارق ندب القصر فيما مر2 "إلا لمن وجد في نفسه كراهة الجمع أو شك في   1 رواه أبو داود في صلاة السفر باب 5 "حديث رقم 1206" من حديث معاذ بن جبل، و"حديث رقم 1218" من حديث أنس بن مالك. ورواه أيضًا الترمذي في الجمعة باب 42، والنسائي في المواقيت باب 45 و46. 2 راجع قوله في المتن: " ... والإتمام أفضل إلا في ثلاث مراحل ولمن وجد في نفسه كراهة القصر" في باب كيفية صلاة المسافر قبل صفحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 نفسه كراهة الجمع أو شك في جوازه، أو يصلي منفردًا لو ترك الجمع، وشروط التقديم أربعة: البداءة بالأولى، ونية الجمع ولو مع السلام، والموالاة بينهما، ودوام السفر إلى الإحرام بالثانية، ويشترط في التأخير نيته قبل خروج وقت الأولى ولو بقدر ركعة ودوام السفر إلى تمامها وإلا صارت الظهر قضاء، ويجوز الجمع بالمطر تقديمًا لمن صلى جماعة في مكان بعيد وتأذى بالمطر في طريقه.   جوازه" أو كان ممن يقتدى به فيسن له الجمع نظير ما مر في القصر. "أو" كان "يصلي منفردًا لو ترك الجمع" وفي جماعة لو جمع فالأفضل الجمع أيضًا لاشتماله على فضيلة لم يشتمل عليها ترك الجمع، ومثل الجماعة في ذلك سائر الفضائل المتعلقة بالصلاة، فمتى اقترنت صلاته في الجمع بكماله ولو ترك الجمع فات ذلك الكمال كان الجمع أفضل، والأفضل للمسافر الحاج جمع العصرين تقديمًا بمسجد نمرة1، وجمع العشاءين تأخيرًا بمزدلفة إن كان يصليهما قبل مضي وقت الاختيار للعشاء للاتباع فيهما وفي ذلك صور كثيرة. "وشروط" جمع "التقديم أربعة" الأول: "البداءة بالأولى" للاتباع ولأن الثانية تابعة فلا تتقدم على متبوعها، ولو قدم الأولى وبان فسادها فسدت الثانية. "و" الثاني: "نية الجمع" فيها "ولو مع السلام" منها أو بعد نية الترك بأن نواه ثم نوى تركه ثم نواه تمييزًا للتقديم المشروع عن التقديم سهوًا أو عبثًا وفارق القصر بأنه يلزم من تأخر نيته عن الإحرام تأدي جزء على التمام. "و" الثالث: "الموالاة بينهما" في الفعل للاتباع في الجمع بنمرة وقياسًا عليه في غير ذلك، ولأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة فوجبت الموالاة كركعات الصلاة، ولا يضر الفصل بزمن يسير عرفًا ولو بغير شغل، بخلاف الطويل عرفًا ولو بعذر كسهو وإغماء ومنه صلاة ركعتين. "و" الرابع: "دوام السفر" من حين الإحرام بالأولى "إلى" تمام "الإحرام بالثانية" فالإقامة قبل الإحرام بها مبطلة للجمع لزوال العذر. ولا يشترط في جمع التأخير شيء من الشروط الثلاثة الأول لكنها سنة فيه. "و" إنما "يشترط في" جمع "التأخير" شيئان: الأول شرط لجواز التأخير وكون الأولى أداء وهو "نيته قبل خروج وقت الأولى" ويجزئ بالنسبة إلى الأداء تأخير النية إلى زمن. "ولو" كان "بقدر ركعة" وأما الجواز فشرطه أن ينوي وقد بقي من وقت الأولى ما يسعها أو أكثرها وإلا عصى وإن كانت أداء، وعلى الأول تحمل عبارة الروضة وأصلها، وعلى الثاني تحمل عبارة المجموع وغيره، فلا تنافي بين العبارات خلافًا لمن ظنه."و" الثاني شرط لكون الأولى أداء وهو "دوام السفر إلى تمامها" أي الثانية "وإلا" يدم إلى ذلك بأن أقام ولو في أثنائها "صارت" الأولى وهي "الظهر" أو المغرب "قضاء" لأنها تابعة للثانية في   1 في معجم البلدان لياقوت: نمرة، ناحية بعرفة نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: الحرم من طريق الطائف على طرف عرفة من نمرة على أحد عشر ميلا، وقيل: نمرة الجبل الذي عليه أصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف، قال الأزرقي: حيث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع؛ ونمرة أيضًا: موضع بقديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 باب صلاة الجمعة مدخل ... باب: صلاة الجمعة تجب الجمعة على كل مكلف حر ذكر مقيم بلا مرض ونحوه مما تقدم، وتجب   الأداء للعذر وقد زال قبل تمامها، وقضيته أنه لو قدم الثانية وأقام في أثناء الأولى لا تكون قضاء لوجود العذر في جميع المتبوعة وهو ما اعتمده الإسنوي لكن خالفه بعض شراح الحاوي1. "ويجوز الجمع بالمطر تقديمًا" لا تأخيرًا لأن استدامة المطر ليست إلى المصلي بخلاف السفر، ويجوز جمع العصر إلى الجمعة بعذر المطر والسفر وذلك لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر"2، قال الشافعي كمالك رضي الله عنهما: أرى ذلك بعذر المطر، ويؤيده جمع ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم به، وإنما يباح الجمع به في العصرين والعشاءين "لمن" وجدت فيه الشروط السابقة في جمع التقديم، نعم الشرط وجود المطر عند الإحرام بالأولى والتحلل منها والتحرم بالثانية ولا يضر انقطاعه فيما عدا ذلك. و"صلى" أي أراد أن يصلي "جماعة في مكان" مسجد أو غيره وكانت تلك الجماعة تأتي ذلك المكان من محل "بعيد" عنه "وتأذى" كل منهم "بالمطر" ولو خفيفًا بحيث يبل الثوب والبرد والثلج إن ذابا أو كانا قطعًا كبارًا للمشقة حينئذ، أما إذا صلى ولو جماعة ببيته أو بمحل الجماعة القريب بحيث لا يتأذى "في طريقه" إليه بالمطر أو مشى في كن أو صلوا فرادى ولو في محل الجماعة فلا جمع لانتفاء التأذي، نعم للإمام الجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ به. باب: صلاة الجمعة هي بتثليث الميم وبإسكانها، وهي فرض عين عند اجتماع شروطها الآتية، ومثل سائر الخمس في الأركان والشروط والآداب، لكنها اختصت بشروط لصحتها وشروط للزومها وبآداب كما يأتي بعض ذلك. "تجب الجمعة على كل مكلف" لا صبي ومجنون كغيرها "حر" لا من فيه رق ولو مبعضًا وإن كانت النوبة له ومكاتبًا لنقصه "ذكر" لا امرأة وخنثى لنقصهما أيضًا "مقيم" بالمحل الذي تقام فيه وإن لم يكن مستوطنه لا مسافر كما يأتي "بلا مرض ونحوه مما تقدم" من سائر أعذار الجماعة، فالمعذور بشيء منها لا تلزمه الجمعة لما مر، ثم نعم لا تسقط عمن أكل   1 كتاب "الحاوي الكبير في الفروع" للقاضي أبي الحسن علي بن محمد الماوردي البصري الشافعي المتوفى سنة 450هـ "كشف الظنون: ص628". 2 رواه مسلم في صلاة المسافررين وقصرها حديث 49 و50 و54، وأبو داود في صلاة السفر باب 5, والترمذي في الصلاة باب 24، والنسائي في المواقيت باب 47، وأحمد في المسند "1/ 283". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 على المريض ونحوه إذا حضر وقت إقامتها، أو حضر في الوقت ولم يشق عليه الانتظار، ومن بلغه نداء صيت من طرف موضع الجمعة مع سكون الريح والصوت لا على مسافر سفرًا مباحًا طويلا أو قصيرًا، ويحرم السفر بعد الفجر إلا مع إمكانها في طريقه، أو توحش بتخلفه عن الرفقة، وتسن الجماعة في ظهر المعذورين ويخفونها إن خفي عذرهم، ومن صحت ظهره صحت جمعته، ومن وجبت عليه لا يصح إحرامه بالظهر قبل سلام الإمام، ويندب للراجي زوال عذره تأخير ظهره إلى اليأس من الجمعة.   منتنًا إلا إذا لم يقصد به إسقاطها وإلا لزمته، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" 1 "وتجب" الجمعة "على المريض ونحوه" كالمعذور بالمطر "إذا حضر" محل إقامتها "وقت إقامتها" ولا يجوز له الانصراف إلا إن كان هناك مشقة لا تحتمل كمن به إسهال ظن انقطاعه فحضر, ثم عاد بعد تحرمه وعلم من نفسه أنه إن مكث جرى جوفه فله الانصراف لاضطراره إليه، وكذا لو زاد ضرره بطول صلاة الإمام "أو حضر في الوقت" أي بعد الزوال "ولم يشق عليه الانتظار" بأن لم يزد ضرره بذلك لأن المانع في حقه مشقة الحضور وبالحضور زال المانع، فإن تضرر بالانتظار أو لم يتضرر لكن حضر قبل الوقت فله الانصراف ولمن لا تلزمه لنحو رق الانصراف مطلقًا. "و" كما تجب على أهل محل إقامتها تجب على غيرهم وهم كل "من بلغه" نداء الجمعة لخبر: "الجمعة على من سمع النداء"2 إسناده ضعيف لكن له شاهد بإسناد جيد. والمعتبر "نداء صيت" أي عالي الصوت يؤذن كعادته في علو الصوت وهو واقف على الأرض "من طرف موضع الجمعة" الذي يلي المكان الخارج عن موضعها "مع سكون الريح والصوت" واعتبر ما ذكر من الشروط لأنه عند وجودها لا مشقة عليه في الحضور بخلافه عند فقدها أو فقد بعضها، وتجب على من ذكر "لا على مسافر سفرًا مباحًا طويلا أو قصيرًا" بشرط أن يخرج من سور محلها أو عمرانه قبل الفجر. "ويحرم" على من لزمته الجمعة "السفر بعد الفجر" ولو لطاعة لأنها مضافة إلى اليوم وإن كان وقتها بالزوال، ولذا دخل وقت غسلها بالفجر ولزم بعيد الدار السعي قبل وقتها ليدركها فيه "إلا مع إمكانها في طريقه أو" إن "توحش" أي حصلت له وحشة "بتخلفه عن الرفقة" وإن لم يخف ضررًا على الأوجه أو إن خشي ضررًا على محترم له أو لغيره. "وتسن الجماعة في ظهر المعذورين" لعموم أدلتها "ويخفونها" ندبًا "إن خفي عذرهم" لئلا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام أو الجمعة، أما ظاهر العذر كالمرأة فيسن لها إظهارها لانتفاء التهمة. "ومن صحت ظهره" ممن لا تلزمه الجمعة "صحت جمعته" فيتخير   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 209 "حديث 1067" من حديث طارق بن شهاب، ورواه أيضًا الحاكم في المستدرك "1/ 288". 2 رواه أبو داود في الصلاة باب 206 "حديث 1056" عن عبد الله بن عمرو بن العاص، بلفظ: "الجمعة على كل ... " ورواه أيضًا الدراقطني في سننه "2/ 6". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فصل: "للجمعة شروط زوائد" للجمعة شروط زوائد: الأول: وقت الظهر، فلا تقضى الجمعة فلو ضاق الوقت أحرموا بالظهر.   بين فعل ما شاء منهما لكن الجمعة أفضل لها لأنها صلاة أهل الكمال، نعم إن أحرم مع الإمام بالجمعة تعين عليه إتمامها فليس له أن يتمها ظهرًا بعد سلام الإمام لانعقادها عن فرضه. "ومن وجبت عليه" الجمعة "لا يصح إحرامه بالظهر قبل سلام الإمام" من الجمعة ولو بعد رفعه من ركوع الثانية لتوجه فرضها بناء على الأصح أنها الفرض الأصلي، وليست بدلًا عن الظهر وبعد سلام الإمام يلزمه فعل الظهر فورًا وإن كانت أواء لعصيانه بتفويت الجمعة فأشبه عصيانه بخروج الوقت، ولو تركها أهل بلد تلزمهم وصلوا الظهر لم تصح إلا إن ضاق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والركعتين "ويندب للراجي زوال عذره" قبل فوات الجمعة كالعبد يرجو العتق والمريض يرجو الخفة1 "تأخير ظهره إلى اليأس من الجمعة" لما في تعجيل الظهر حينئذ من تفويت فرض أهل الكمال، فإن أيس من الجمعة بأن رفع الإمام رأسه من ركوعها الثاني فلا تأخير، وإنما لم يكن الفوات فيما مر بهذا بل بالسلام لأن الجمعة ثم لازمة له فلا ترتفع إلا بيقين بخلافه هنا، أما من لا يرجو زوال عذره كالمرأة فيسن له حيث عزم على أنه لا يصلي الجمعة الظهر أول الوقت ليحوز فضيلته. فصل: "للجمعة" أي لصحتها "شروط زوائد" على شروط غيرها "الأول: وقت الظهر" بأن تقع كلها مع خطبتيها فيه للاتباع رواه الشيخان2. "فلا تقضي الجمعة" لأنه لم ينقل "فلو ضاق الوقت" عن أن يسعها مع خطبتيها أو شكوا هل بقي ما يسع ذلك أم لا "أحرموا بالظهر" وجوبًا لفوات الشرط، ولو مد الركعة الأولى حتى تحقق أنه لم يبق ما يسع الثانية أتم وانقلبت ظهرًا من الآن وإن لم يخرج الوقت، ولو خرج الوقت وهم فيها أتموها ظهرًا وجوبًا، ولا يشترط تجديد نية لأنهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء أطولهما على أقصرهما كصلاة الحضر مع السفر، ويسر بالقراءة من حينئذ، ولا أثر للشك أثناءها في خروجه لأن الأصل بقاؤه3، ولو قام المسبوق ليكمل فخرج الوقت انقلبت له ظهرًا أيضًا.   1 أي من مرضه. 2 روى البخاري في كتاب الجمعة باب 16 "حديث 904" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حين تميل الشمس". 3 أي بقاء وقت الظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الثاني: أن تقام في خطة بلد أو قرية. الثالث: أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة في تلك البلد أو القرية إلا لعسر الاجتماع. الرابع: الجماعة وشروطها أربعون مسلمًا ذكرًا مكلفًا حرًّا متوطنًا لا يظعن إلا لحاجة   "الثاني" من الشروط: "أن تقام في خطة بلدة أو قرية" مبنية ولو بنحو قصب للاتباع، فلا تصح إلا في أبنية مجتمعة في العرف وإن لم تكن في مسجد وإن انهدمت وأقاموا لعمارتها ولو في غير مظال لأنها وطنهم، وبه فارق ما لو نزلوا مكانًا ليعمروه قرية فإن جمعتهم لا تصح فيه قبل البناء، ودخل في قوله خطة -وهي بكسر الخاء المعجمة أرض خط عليها أعلام للبناء فيها- الفضاء المعدودة من الأبنية المجتمعة بأن كان في محل منها لا تقصر فيه الصلاة وإن كان منفصلا عن الأبنية، بخلاف غير المعدود منها وهو ما يقصر فيه المسافر إذا وصله، وعليه يحمل قولهم: لو بنى أهل بلد مسجدهم خارجها لم يجز لهم إقامة الجمعة فيه لانفصاله وخرج بالبلد والقرية الخيام وإن استوطنها أهلها فلا جمعة عليهم. "الثالث" من الشروط: "أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة في تلك البلاد أو القرية" للاتباع "إلا لعسر الاجتماع" في محل مسجد أو غيره منها فحينئذ يجوز تعددها بحسب الحاجة أما إذا سبقت واحدة مع عدم عسر الاجتماع فهي الصحيحة، وما بعدها باطل، وإما إذا تقارنتا فهما باطلتان، والعبرة في السبق والمقارنة بالراء من تكبيرة إحرام الإمام، فإن علم سبق وأشكل الحال أو علم السابق ثم نسي فالواجب الظهر على الجميع لالتباس الصحيحة بالفاسدة، وإن علمت المقارنة أو لم يعلم سبق ولا مقارنة أعيدت الجمعة إن اتسع الوقت لعدم وقوع جمعة مجزئة من خلاف من منع التعدد ولو لحاجة. "الرابع" من الشروط: "الجماعة" فلا تصح بأربعين فرادى لأنه لم ينقل "وشروطها" أي الجماعة ليعتد بها في الجمعة "أربعون" بالإمام لأن الأمة أجمعوا على اشتراط العدد فيها وإلا صلى الظهر، ولا تصح الجمعة إلا بعدد ثبت فيه توقيف1 وقد ثبت جوازها بأربعين1 ولم تثبت صلاته صلى الله عليه وسلم لها بأقل من أربعين فلا تجوز بأقل منه "مسلمًا ذكرًا مكلفًا" أي بالغًا عاقلًا "حرًا متوطنًا" ببلد الجمعة بأن يكون بحيث "لا يظعن" عن وطنه صيفًا ولا شتاء "إلا لحاجة" كتجارة وزيارة فلا تنعقد بأضداد من ذكر لنقصهم، ومنهم غير المتوطن كمن أقام على عزم عوده إلى بلده بعد مدة ولو طويلة كالمتفقهة3   1 إما من الكتاب أو من السنة. 2 كما رواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود: "أنه صلى الله عليه وسلم جمع المدينة وكانوا أربعين رجلًا". 3 أي طالبو العلم والفقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فإن نقصوا في الصلاة صارت ظهرًا، ويجوز كون إمامها عبدًا أو مسافرًا أو صبيًّا إن زاد على الأربعين. الخامس: خطبتان قبل الصلاة، وفروضهما خمسة: حمد الله تعالى، والصلاة على   والمتوطن خارج بلد الجمعة وإن سمع النداء فلا تنعقد بهما، وفي صحة تقدم إحرام من لا تنعقد بهم على من تنعقد بهم اضطراب طويل، فينبغي لمن لا تنعقد به أن لا يحرم بها إلا بعد إحرام أربعين ممن تنعقد بهم. "فإن نقصوا" عن الأربعين بانفضاض أو غيره "في" الخطبة أو بينها وبين الصلاة أو في الركعة الأولى من "الصلاة" بطلت الخطبة في الأولتين والجمعة في الثالثة و"صارت ظهرًا" إلا أن أتموا على الفور بمن سمع أركان الخطبتين، فحينئذ يبني على ما مضى أو كان أحرم قبل الانفضاض من كمل العدد به وإن لم يسمع الخطبة لأنهم لما لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدًا، ولو تحرم تسعة وثلاثون لاحقون بعد رفع الإمام من ركوع الأولى ثم انفض الأربعون الذين أحرم بهم أو نقصوا فالجمعة باقية وإن لم يحضر اللاحقون الركعة الأولى لما مر، ولا يضر تباطؤ المأمومين بالإحرام بعد إحرام الإمام لكن بشرط تمكنهم من قراءة الفاتحة قبل ركوعه وإلا لم تنعقد الجمعة بهم، ولو كان في الأربعين أمي قصر في التعلم لم تصح جمعتهم لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض فصار كاقتداء القارئ بالأمي، ولو جهلوا كلهم الخطبة لم تصح الجمعة بخلاف ما إذا جهلها بعضهم، وعلم مما تقرر أن الجماعة هنا إنما تشترط في الركعة الأولى، فلو صلى بالأربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل وحده أو فارقوه في الثانية وإن لم يحدث وأتموا منفردين أجزأتهم الجمعة، لكن يشترط بقاء العدد إلى السلام، فلو بطلت صلاة واحد من الأربعين حال انفرادهم في الركعة الثانية بطلت صلاة الجميع لتبين فساد صلاته من أولها فكأنه لم يحرم. "ويجوز كون إمامها عبدًا أو مسافرًا أو صبيًا" أو محدثًا ولم يبن حدثه إلا بعد الصلاة أو محرمًا برباعية كالعصر "إن زاد على الأربعين" ولا أثر لحدثه لأنه لا يمنع الجماعة ولا نيل فضلها فإن لم يكن زائدًا على الأربعين لم تنعقد الجمعة لانتفاء العدد المعتبر، ومثله ما لو بان كافرًا أو امرأة وإن زاد على الأربعين لأنهما ليسا أهلًا للإمامة بحلا، ولو بان حدث الأربعين صحت للإمام وللمتطهر تعبًا له وإن لم يكن الإمام زائدًا على الأربعين لأنه لم يكلف العلم بطهارتهم، بخلاف ما لو بان فيهم نحو عبد أو امرأة لسهولة الاطلاع على حاله. "الخامس" من الشروط: "خطبتان قبل الصلاة" للاتباع1 وأخرت خطبتا نحو العيد   1 روى البخاري في كتاب الجمعة، باب 30 -القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة "حديث رقم 928" عن عبد الله بن عمر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يقعد بينهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بالتقوى، وتجب هذه الثلاثة في الخطبتين. الرابع: قراءة آية مفهمة في إحداهما. الخامس: الدعاء للمؤمنين في الثانية، وشروطهما: القيام لمن قدر، وكونهما بالعربية وبعد الزوال والجلوس بينهما بالطمأنينة، وإسماع العدد الذي تنعقد به والولاء بينهما وبينهما والصلاة وطهارة الحدثين، وطهارة النجاسة والستر.   للاتباع أيضًا1. "وفروضهما" من حيث المجموع "خمسة: حمد الله تعالى" للاتباع2 ويشترط كونه بلفظ الله ولفظ حمد وما اشتق منه كالحمد لله أو أحمد الله أو الله أحمد أو لله الحمد أو أنا حامد لله فخرج الحمد للرحمن والشكر لله ونحوهما فلا يكفي. "والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ويتعين صيغتها كاللهم صل أو أصلي أو نصلي أو الصلاة والسلام على محمد أو أحمد أو الرسول أو النبي أو الحاشر أو الماحي أو العاقب أو البشير أو النذير فخرج سلم الله على محمد ورحم الله محمدًا وصلى الله عليه فلا يكفي على المعتمد خلافًا لمن وهم فيه وإن تقدم له ذكر يرجع إليه الضمير. "والوصية بالتقوى" للاتباع ولأنه المقصود الأعظم من الخطبة ولا يتعين لفظها بل يكفي أطيعوا الله أو اتقوا الله، ولا يكفي الاقتصار فيها على التحذير من غرور الدنيا وزخارفها لأن ذلك معلوم حتى عند الكافر، بل لا بد من الحث على الطاعة أو المنع من المعصية. "وتجب هذه" الأركان "الثلاثة في" كل من "الخطبتين" اتباعًا للسلف والخلف. "والرابع: قراءة آية مفهمة" للاتباع سواء آية الوعد والوعيد وغيرهما فلا يكفي شطر آية ولو طويلة ولا آية غير مفهمة نحو ثم نظر وتكفي ولو "في إحداهما" لأن الثابت القراءة في الخطبة دون تعين محلها، ويسن كونها بعد فراغ الأولى وقراءة ق في الأولى في كل جمعة للاتباع. "الخامس: الدعاء للمؤمنين" والمؤمنات بأخروي "في" الخطبة "الثانية" لاتباع السلف والخلف وإن اختص بالسامعين نحو رحمكم الله. "وشروطهما" أي شروط كل منهما "القيام لمن قدر" عليه للاتباع3 فإن عجز عنه بالضابط السابق في صلاة الفرض خطب قاعدًا فإن عجز عن ذلك فمضطجعًا ويجوز الاقتداء به وإن لم يتبين عذره لأن الظاهر أنه معذور،   1 روى أبو داود في الصلاة باب 242 "حديث 1140" عن أبي سعيد الخدري قال: "أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ... ". الحديث, وروى أيضًا "حديث 1141" عن جابر بن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس". الحديث, وروى أيضًا "حديث 1142" من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه خرج يوم فطر فصلى ثم خطب ... ". الحديث. 2 روى أبو داود في الصلاة باب 223 "حديث 1096" عن الحكم بن حزن الكلفي قال: "وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ... ", وفيه: " ... شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئًا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ... ". الحديث. 3 روى البخاري في الجمعة باب 27 "حديث 920" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فصل: "في بعض سنن الخطبة وصلاة الجمعة" تسن على منبر فإن لم يتيسر فعلى مرتفع، وأن يسلم عند دخوله وعند طلوعه، وإذا   فإن بانت قدرته لم يؤثر والأولى للعاجز الاستنابة. "وكونها بالعربية" وإن كان الكل أعجميين لاتباع السلف والخلف، فإن أمكن تعلمهما بها خوطب به جميع أهل البلد على الكفاية، وإن زادوا على الأربعين فإن لم يفعلوا عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر، وفائدة الخطبة بها وإن لم يعرفها القوم العلم بالوعظ من حيث الجملة إذ الشرط سماعها لا فهم معناها، وإن لم يمكن تعلمها خطب واحد بلغته وإن لم يعرفها القوم فإن لم يحسن أحد منهم الترجمة فلا جمعة لهم بانتفاء شرطها. "و" كونهما "بعد الزوال" للاتباع1 "والجلوس بينهما" للاتباع2 "بالطمأنينة" فيه وجوبًا كما في الجلوس بين السجدتين هذا في القائم إن أمكنه الجلوس وإلا فصل بسكتة، وكذا من يخطب جالسًا لعجزه فلا يكفيه الفصل بالاضطجاع، ويندب كون الجلوس ونحوه بقدر سورة الإخلاص "وإسماع العدد الذي تنعقد به" الجمعة بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون فلا بد من الإسماع والسماع بالفعل لا بالقوة3، ولو كان الخطيب أصم لم يشترط أن يسمع نفسه على الوجه وإن كان من الأربعين، ولا يشترط معرفة الخطيب معنى أركان الخطبة خلافًا للزركشي4 "والولاء بينهما" أي بين كلمات كل من الخطبتين "وبينهما" وبين "الصلاة" للاتباع "وطهارة الحدثين" الأصغر والأكبر "وطهارة النجاسة" في الثوب والبدن والمكان "والستر" للعورة للاتباع كما في الصلاة فلو أحدث في الخطبة استأنفها وإن سبقه الحدث وقصر الفصل بخلاف ما لو أحدث بينهما وبين الصلاة وتطهر عن قرب لأنهما مع الصلاة عبادتان مستقلتان كما في الجمع بين الصلاتين، وأفهم كلامه أنه لا يشترط ترتيب الأركان الثلاثة ولا نية الخطبة ولا نية فرضيتها. فصل: في بعض سنن الخطبة وصلاة الجمعة "تسن" الخطبة "على منبر" للاتباع5 "فإن لم يتيسر فعلى مرتفع" لأنه أبلغ في الإعلام،   1 راجع الحديث المخرج في الحاشية 2 ص174. 2 راجع الحديث المخرج في الحاشية 1 ص176. 3 السماع بالفعل: أي السماع واقعا. أما السماع بالقوة: أي إمكان السماع، يعني افتراض إمكان السماع من دون شروط تحققه فعلاً. 4 تقدمت ترجمته: ارجع الحاشية 3 ص80. 5 روى البخاري في الجمعة باب 25 "حديث916" عن السائب بن يزيد قال: "إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنه وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أقبل عليهم، وأن يجلس حالة الأذان، وأن يقبل عليهم بوجهه، وأن تكون بليغة مفهومة قصيرة، وأن يعتمد على نحو عصا بيساره ويمناه بالمنبر، ويبادر بالنزول، ويكره التفاته والإشارة بيده، ودقة درج المنبر، ويقرأ في الأولى الجمعة، وفي الثانية المنافقين، أو سبح الأعلى، وفي الثانية الغاشية جهرًا.   فإن تعذر استند إلى خشبة أو نحوها. "وأن يسلم" الخطيب على الحاضرين "عند دخوله" المسجد لإقباله عليهم ولا يسن له فعل التحية. "و" أن يسلم ثانيًا على من "عند" المنبر قرب وصوله وإرادة "طلوعه" للاتباع "و" أن يسلم ثالثًا "إذا أقبل عليهم" للاتباع أيضًا "وأن يجلس" على المستراح "حالة الأذان" ليستريح من تعب الصعود وأن يؤذن بين يديه للاتباع "وأن يقبل عليهم بوجهه" ويستدبر القبلة للاتباع ولأنه اللائق بالمخاطبات، فإن استقبل أو استدبر كره، وأن يرفع صوته زيادة على الواجب للاتباع1 أيضًا، وأن لا يلتفت يمينًا ولا شمالا ولا يعبث بل يخشع كما في الصلاة. "وأن تكون" الخطبة "بليغة" لأن المبتذلة الركيكة لا تؤثر في القلوب "مفهومة" لكل الناس لأن الغريبة الوحشية لا ينتفع بها أكثرهم "قصيرة" يعني متوسطة بين الطويلة والقصيرة للاتباع رواه مسلم2، ولا يعارضه خبره أيضًا المصرح بالأمر بقصرها وبإطالة الصلاة بأن ذلك علامة على الفقه3 لأن القصر والطول من الأمور النسبية، فالمراد بإقصارها إقصارها عن الصلاة، وبإطالة الصلاة إطالتها على الخطبة، فعلم أن سن قراءة ق في الأولى لا ينافي كون الخطبة قصيرة أو متوسطة. "وأن يعتمد" الخطيب "على نحو عصا" أو سيف أو قوس "بيساره" للاتباع4 وحكمته أن هذا الدين قام بالسلاح "و" تكون "يمناه" مشغولة "بالمنبر" إن لم يكن فيه نجاسة كعاج أو ذرق طير فإن لم يجد شيئًا من ذلك جعل اليمنى على اليسرى تحت صدره. "و" أن "يبادر بالنزول" ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الإمامة في تحقيق الموالاة ما أمكن بين الخطبة والصلاة. "ويكره" ما ابتدعه جهلة الخطباء   1 روى مسلم في الجمعة "حديث 43" عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش ... ". الحديث. 2 روى مسلم في الجمعة "حديث 41 و42" عن جابر بن سمرة قال: "كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا". قوله قصدًا: أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق، ورواه أيضًا أبو داود في الصلاة باب 223، والترمذي في الجمعة باب 12، والنسائي في الجمعة باب 35، وابن ماجه في الإقامة باب 85. 3 وهو ما رواه مسلم في الجمعة "حديث 47" عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة؛ وإن من البيان سحرًا". ومئنة: علامة. 4 راجع الحاشية 2 صفحة 177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فصل: "في سنن الجمعة" يسن الغسل لحاضرها، ووقته من الفجر، ويسن تأخيره إلى الرواح، والتبكير لغير   ومنه "التفاته" في الخطبة الثانية "والإشارة بيده" أو غيره "ودقة درج المنبر" في صعوده بنحو سيف أو رجله والدعاء إذا انتهى إلى المستراح قبل جلوسه عليه، والوقوف في كل مرقاة وقفة خفيفة يدعو فيها، ومبالغة الإسراع في الثانية، وخفض الصوت بها والمجازفة في وصف السلاطين عند الدعاء لهم، ومن البدع المنكرة كتب كثير أوراقًا يسمونها حفائظ آخر جمعة من رمضان حال الخطبة، بل قد يحرم كتابة ما لا يعرف معناه لأنه قد يكون دالا على كفر، "ويقرأ" ندبًا "في" الركعة "الأولى الجمعة وفي" الركعة "الثانية المنافقين" ولو صلى بغير المحصورين "أو" في الأولى "سبح الأعلى وفي الثانية الغاشية" للاتباع فيهما وقراءة الأوليين أولى كما يشير إليه كلامه فإن ترك الجمعة أو سبح في الأولى عمدًا أو لا وقرأ بدلهما المنافقين أو الغاشية قرأ الجمعة أو سبح في الثانية ولا يعيد ما قرأه في الأولى، وإن لم يقرأ في الأولى واحدة منهما جمع بينهما في الثانية لئلا تخلو صلاته عنهما، ويسن أن تكون قراءته في الركعتين "جهرًا" للاتباع. فصل: في سنن الجمعة "يسن الغسل لحاضرها" أي مريد حضورها وإن لم تجب عليه لأن الغسل للصلاة لا لليوم بخلاف العيد، وذلك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى الجمعة من الرجال أو النساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل" 1 ويكره تركه للخلاف في وجوبه وإن صح الحديث بخلافه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" 2 "ووقته من الفجر" لأن الأخبار علقته باليوم. "ويسن تأخيره إلى الرواح" لأنه أفضى إلى الغرض من التنظيف ولا يبطله حديث ولا جنابة، ويندب لمن عجز عنه التيمم بنية الغسل بدلًا عنه إحرازًا لفضيلة العبادة وإن فات قصد النظافة كسائر الأغسال المسنونة. "و" يسن "التبكير" إلى المصلى ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة للخبر الصحيح: "من اغتسل يوم الجمعة ثم   1 ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 384" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 181" وابن القيسراني في تذكرة الموضوعات "731" وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق "6/ 234". 2 رواه من حديث جابر بن سمرة أبو داود في الطهارة باب 128 "حديث 354"، والترمذي "حديث رقم 497", وابن ماجه في سننه "حديث 1091" وأحمد في المسند "5/ 15، 16، 22" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 295، 296، 3/ 190", والطبراني في الكبير "7/ 240، 269". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الإمام من طلوع الفجر، ولبس البيض، والتنظيف، والتطيب، والمشي بالسكينة،   راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة" 1, وفي رواية صحيحة: "وفي الرابعة دجاجة، وفي الخامسة عصفورًا وفي السادسة بيضة" 2, وفي أخرى صحيحة أيضًا: "وفي الرابعة بطة، وفي الخامسة دجاجة وفي السادسة بيضة" 3, وإنما يندب البكور "لغير الإمام" أما الإمام فيندب له التأخير إلى وقت الخطبة للاتباع والساعات المذكورة "من طلوع الفجر" والمراد بها ساعات النهار الفلكية وهو اثنتا عشر ساعة زمانية صيفًا وشتاء، والعبرة بخمس ساعات منها أو ست طال الزمان أو قصر، ويؤيده الخبر الصحيح وهو: "يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة" 4 إذ مقتضاه أن يومها لا يختلف فلتحمل على مقدار سدس بين الفجر والزوال لكن بدنة من جاء أول ساعة أكمل من بدنة من جاء آخرها، وبدنه المتوسط متوسطة، وكذا يقال في بقية الساعات، هذا هو المعتمد من اضطراب طويل في المسألة. "ولبس" الثياب "البيض" والأعلى منها آكد لمن صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم" 5 وما صبغ غزله قبل النسج أولى مما صبغ بعده، بل يكره المصبوغ بعده ولم يلبسه صلى الله عليه وسلم ولبس الأول، ويندب للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والارتداء. "والتنظيف" بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار وبالسواك وإزالة الأوساخ والروائح الكريهة للاتباع6 "والتطيب" وأفضله وهو المسك آكد للخبر الصحيح: "من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده ثم أتى ولم يتخط أعناق الناس ثم   1 من حديث أبي هريرة. رواه البخاري في الجمعة باب 4 "حديث 881", ومسلم في الجمعة "حديث10", وأبو داود في الطهارة باب 127 "حديث 351", والترمذي في الجمعة باب 6، ومالك في الجمعة "حديث 1"، وأحمد في المسند "2/ 460", والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 226". 2 لم أجد هذه الرواية. 3 هذه الرواية " ... ثم كالمهدي شاة ثم كالمهدي بطة" رواها النسائي في الجمعة باب 13، والدارمي في الصلاة باب 193، وأحمد في المسند "2/ 259". 4 رواه من حديث جابر بن عبد الله أبو داود في الصلاة باب 202 "حديث 1048" والحاكم في المستدرك "1/ 279" وابن حجر في فتح الباري "2/ 368". 5 من حديث ابن عباس. رواه بهذا اللفظ أحمد في المسند "1/ 328", ورواه بلفظ: "البياض" أبو داود "حديث 3878 و4061", والترمذي "حديث 994", وأحمد "1/ 247، 363" والطبراني في الكبير "12/ 65، 66". 6 روى الإمام أحمد في المسند "5/ 363", والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 252": "حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 والاشتغال بقراءة أو ذكر في طريقه وفي المسجد، والإنصات بترك الكلام والذكر للسامع، وبترك الكلام دون الذكر لغيره، ويكره الاحتباء فيها، وسلام الداخل لكن تجب إجابته،   صلى ما كتب له ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يخرج من صلاته كان كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها" 1. "والمشي بالسكينة" للخبر الصحيح: "من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" 2 ومعنى غسل قيل جامع حليلته فألجأها إلى الغسل، إذ يسن له الجماع قبل ذهابه ليأمن أن يرى في طريقه ما يشغل قلبه، والأولى فيه أن معناها من غسل ثيابه وغسل رأسه ثم اغتسل لخبر أبي داود3. وبكر بالتخفيف: خرج من باب بيته باكرًا وبالتشديد: أتى الصلاة أو وقتها وابتكر أي أدرك أول الخطبة، ومحل ندب ما ذكر ما لم يضق الوقت وإلا وجب إن لم يدرك الجمعة إلا به، ويكره عند اتساع الوقت العدو إليها كسائر العبادات. "والاشتغال بقراءة أو ذكر في طريقه وفي المسجد" ليحوز فضيلة ذلك "والإنصات" في الخطبة ليحصل الإصغاء إليها قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} ، أي الخطبة {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف: 204] ، وإنما يحصل "بترك الكلام والذكر" بالنسبة "للسامع وبترك الكلام دون الذكر لغيره" أي لغير السامع إذ الأولى أن يشتغل بالتلاوة والذكر، وأفهم كلامه أن ندب الإنصات لا يختص بالأربعين بل سائر الحاضرين فيه سواء، أما الكلام فمكروه لخبر مسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت" 4, وإنما يحرم لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من كلمه وهو يخطب ولم يبن له وجوب السكوت، والأمر في الآية للندب ومعنى لغوت تركت الأدب جمعًا بين الأدلة، ولا يكره الكلام قبل الخطبة وبعدها وبين الخطبتين ولا كلام الداخل إلا إن اتخذ له مكانًا واستقر فيه. "ويكره الاحتباء" للحاضرين ما دام الخطيب "فيها"   1 رواه أحمد في المسند "5/ 181" وابن خزيمة في صحيحه "1763، 1812" والحاكم في المستدرك "1/ 290" والطبراني في الكبير "6/ 332". 2 رواه ابن ماجه "حديث 1087" والحاكم في المستدرك "1/ 282، 283" والبيهقي في السنن الكبرى "3/ 229" وأحمد في المسند "2/ 209، 4/ 104". 3 رواه أبو داود في الطهارة باب 127 "حديث 346" عن أوس بن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ... ". 4 رواه البخاري في الجمعة باب 36، ومسلم في الجمعة حديث 12، وأبو داود في الصلاة باب 229، والترمذي في الجمعة باب 16، والنسائي في الجمعة باب 22 والعيدين باب 21، وابن ماجه في الإقامة باب 86، ومالك في الجمعة حديث 6، والدارمي في الصلاة باب 195، وأحمد في المسند 2/ 244، 272، 280، 393، 396، 485، 518، 532". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ويستحب تشميت العاطس وقراءة سورة الكهف يومها وليلتها وإكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما، والدعاء في يومها وساعة الإجابة فيما بين جلوس الإمام للخطبة وسلامه،   أي الخطبة لما صح من النهي عنه1 ولأنه يجلب النوم. "و" كره "سلام الداخل" على الحاضرين كما في المجموع وغيره لأنهم مشغولين بما هو أهم منه. "لكن تجب إجابته" لأن عدم مشروعيته لعارض لا لذاته بخلافه على نحو قاضي الحاجة. "ويستحب" لكل من الحاضرين "تشميت العاطس" إذا حمد الله بأن يقول له: رحمك الله لعموم أدلته2، وإنما لم يكره كسائر الكلام لأن سببه قهري، ولو عرض مهم ناجز كتعليم خير ونهي عن منكر وإنذار مهلك لم يكره الكلام بل قد يجب3، ومر أنه يحرم على أحد الحاضرين بعد صعود الخطيب المنبر وجلوسه اشتغال بالصلاة وإن لم يسمع الخطبة. "و" يسن "قراءة سورة الكهف" وإكثارها "يومها وليلتها" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" 4 وورد "من قرأها ليلتها أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق" 5, وقراءتها نهارًا آكد والأولى بعد صلاة الصبح مبادرة بالعبادة ما أمكن "وإكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما" أي في يومها وليلتها للأخبار الكثيرة الشهيرة في ذلك6 "والدعاء في يومها" ليصادف ساعة الإجابة فإنها فيه كما ثبت في أحاديث كثيرة لكنها متعارضة في وقتها. "وساعة الإجابة" أرجاها أنها "فيما بين جلوس الإمام للخطبة وسلامه", كما رواه مسلم7، والمراد أنها لا تخرج عن هذا الوقت لا أنها مستغرقة له لأنها لحظة لطيفة   1 روى أبو داود في الصلاة باب 228 "حديث 1110", والترمذي في الجمعة باب 18، وأحمد في المسند "3/ 429" من حديث معاذ بن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب". 2 روى البخاري في الأدب باب 125 "حديث 6224" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم". وروى مسلم في الزهد "حديث 45" عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه". 3 لأنه من الضرورات التي تبيح المحظورات. 4 رواه الدارمي في فضائل القرآن باب 18. 5 رواه البيهقي في السنن الكبرى "3/ 249". 6 منها ما رواه أبو داود في الجمعة باب 201 "حديث رقم 1047" عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة؛ فأكثروا من الصلاة عليّ فإن صلاتكم معروضة علي" ورواه أيضًا ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب 79 "حديث 1085" بنفس اللفظ ولكن فيه "شداد بن أوس" بدل "أوس بن أوس". 7 رواه مسلم في الجمعة "حديث 16" عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة". وروى أيضًا "حديث 13" عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 يكره التخطي، ولا يكره لإمام، ومن بين فرجة والعظم إذا ألف موضعًا، ويحرم التشاغل عنها بعد الأذان الثاني، ويكره بعد الزوال، ولا تدرك الجمعة إلا بركعة، فإن أدركه بعد ركوع الثانية نواها جمعة وصلاها ظهرًا، وإذا أحدث الإمام في الجمعة أو غيرها استخلف مأمومًا موافقًا لصلاته، ويراعي المسبوق نظم إمامه ولا يلزمه تجديد نية القدوة.   وخبر: "التمسوها آخر ساعة بعد العصر" 1 قال في المجموع: يحتمل أنها متنقلة تكون مرة في وقت ومرة في آخر كما هو المختار في ليلة القدر. "ويكره" تنزيهًا وقيل تحريمًا وعليه كثيرون وهو المختار من حيث الدليل للأخبار الصحيحة الدالة عليه "التخطي" لما فيه من الإيذاء2 "ولا يكره لإمام" لا يبلغ المنبر أو المحراب إلا به لاضطراره إليه، ومن ثم لو وجد طريقًا يبلغ لهما بدونه كره له "و" لا "من بين يديه فرجة" وبينه وبينها صف أو صفان لتقصير القوم بإخلائها لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى، فإن زاد في التخطي على الصفين ورجا أن يتقدموا إليها إذا أقيمت الصلاة كره لكثرة الأذى. "و" لا "المعظم" لعلم أو صلاح "إذا ألف موضعًا" من المسجد على ما قاله جمع لأن النفوس تسمح بتخطيه وفيه نظر، والذي يتجه الكراهة له كغيره بل تأخيره الحضور إلى الزحمة غاية في التقصير بالنسبة إليه فلم يسامح له في ذلك، ويحرم عليه أن يقيم أحدًا ليجلس مكانه بل يقول: تفسحوا أو توسعوا للأمر به3، فإن قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة على الغير، نعم يكره للجالس ذلك إن انتقل إلى مكان أبعد لكراهة الإيثار بالقرب. "ويحرم" على من تلزمه الجمعة "التشاغل عنها" ببيع أو غيره "بعد" الشروع في "الأذان الثاني" بين يدي الخطيب لآية آخر الجمعة4، وقيس بالبيع فيها كل شاغل أي ما شأنه ذلك ولا يبطل العقد وإن حرم لأنه لمعنى خارج ولو تبايع اثنان أحدهما تلزمه الجمعة إثمًا كما لو لعب الشافعي الشطرنج مع حنفي؛ نعم له نحو شراء ما يحتاجه كماء طهره ونحو البيع5 وهو سائر إليها وفي المسجد. "ويكره" التشاغل بذلك "بعد الزوال" وقبل الأذان السابق لدخول وقت الوجوب نعم لا كراهة في نحو مكة مما يفحش فيه التأخير لما فيه من الضرر ومر أن بعيد الدار يلزمه السعي ولو قبل الوقت فيحرم عليه التشاغل بذلك من وقت وجوب السعي ولو قبل الوقت.   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 202 "حديث رقم 1048" والنسائي في الجمعة باب 14؛ كلاهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. 2 روى أبو داود في الصلاة باب 232 "حديث 1118" عن أبي الزاهرية قال: كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال عبد الله بن بسر: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اجلس فقد آذيت". 3 في قوله تعالى في الآية 11 من سورة المجادلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} . 4 وهي الآية 9 من سورة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} . 5 أي نحو بيع الماء لمن أراده للطهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 باب: صلاة الخوف إذا التحم القتال المباح، أو اشتد الخوف، أو هرب هربًا مباحًا من حبس وعدو   "ولا تدرك الجمعة إلا بركعة" لما مر من أنه يشترط الجماعة وكونهم أربعين في جميع الركعة الأولى، فلو أدرك المسبوق ركوع الثانية واستمر معه إلى أن يسلم أتى بركعة بعد سلام الإمام جهرًا وتمت جمعته، ولو شك مدرك الركعة الثانية قبل سلام الإمام هل سجد معه أم لا سجد وأتمها جمعة أو بعد سلامه أتمها ظهرًا لأنه لم يدرك ركعة معه فعلم أنه لو أتى بركعته الثانية وعلم في تشهده ترك سجدة من الثانية سجدها ثم تشهد وسجد للسهو وهو مدرك للجمعة وإن علمها من الأولى أو شك فاتته الجمعة حصلت له ركعة من الظهر. "فإن أدركه بعد ركوع الثانية نواها جمعة" وجوبًا وإن كانت الظهر هو اللازمة له موافقة للإمام ولأن اليأس منها لا يحصل إلا بالسلام "وصلاها ظهرًا" لعدم إدراك ركعة مع الإمام. "وإذا أحدث الإمام" أو بطلت صلاته بغير الحدث "في الجمعة" استخلف هو أو أحد المأمومين: وجوبًا إن بطلت في الركعة الأولى ليدركوا الجمعة وندبًا إن بطلت في الثانية ليتموها جماعة، وإنما لم يجب الاستخلاف فيها لإدراكهم مع الإمام ركعة، وإذا استخلف فيها جاز لهم المتابعة والانفراد، ويشترط في خليفة الجمعة أن يكون مأمومًا وإن لم يحضر الخطبة ولا الركعة الأولى ثم الخليفة في الأولى يتم الجمعة، وكذا خليفة الثانية إن اقتدى في الأولى ثم أحدث الإمام في الثانية فاستخلفه بخلاف ما لو اقتدى في الثانية لأنه لم يدرك ركعة خلف إمام يكون تابعًا له في إدراك الجمعة وإنما أدركه وهو خليفة، نعم إن أدرك المسبوق الثانية خلفه أتمها جمعة لأنه صلى ركعة خلف من يراعي نظم صلاة الجمعة، أما غير المأموم فلا يجوز استخلافه في الجمعة لأنه يشبه إنشاء جمعة بعد أخرى وهو ممتنع. "أو" بطلت صلاة الإمام "في غيرها" من سائر الفروض والنوافل "استخلف" ندبًا مطلقًا الإمام أو غيره "مأمومًا" أو غيره لكن يشترط أن يكون "موافقًا لصلاته" أي الإمام ليمشي على نظمه كأن يستخلف في أولى الرباعية أو ثالثتها، بخلاف ما إذا استخلفه في ثانيتها أو رابعتها لأنه يحتاج إلى القيام وهم إلى الجلوس. "ويراعي" الخليفة "المسبوق نظم" صلاة "إمامه" لأنه التزمه بقيامه مقامه "و" من ثم "لا يلزمهم" أي المأمومين "تجديد نية القدوة" به والله أعلم. باب: كيفية "صلاة الخوف" من حيث إنه يحتمل في الصلاة عنده ما لا يحتمل فيها عند غيره ويتبعه بيان حكم اللباس، وقد جاءت بها الأحاديث على ستة عشر نوعًا اختار الشافعي رضي الله عنه منها أنواعًا أربعة ذكر المصنف منها واحدًا لكثرة وقوعه فقال: "إذا التحم القتال المباح" ولو مع باغ أو صائل عليه أو على غيره ولم يتمكنوا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وسبع أو ذب عن ماله، عذر في ترك القبلة أو كثرة الأفعال والركوب والإيماء بالركوع والسجود أخفض ولا يعذر في الصياح.   تركه1 "أو اشتد الخوف" ولم يأمنوا أن يدركهم العدو ولو ولوا أو انقسموا "أو هرب هربًا مباحًا من حبس" بغير حق "وعدو" زاد على الضعف "وسبع" وسيل لم يجد معدلًا عنه وغريم لا يصدقه في دعوى إعساره ولا بينة معه أو من قاصد نفسه أو ماله أو حريمه، ومن مقتص رجا بهربه منه سكون غضبه حتى يعفو عنه. "أو ذب" ظالمًا "عن" نحو "ماله" أو حريمه أو مال الغير أو حريمه، ففي كل هذه الصور لا يباح إخراج الصلاة عن وقتها بل يصلي كيف أمكن عند ضيق الوقت "وعذر" حينئذ "في ترك القبلة" عند العجز عن الاستقبال بسبب العدو ونحوه سواء الراكب والماشي وحالة التحرم وغيرها للضرورة، ويعذر حينئذ أيضًا في استدبار الإمام التقدم عليه للضرورة. "أو" في "كثرة الأفعال" التي يحتاج إليها ابتداء كالطعنات والضربات المتوالية والعدو والإعداء2. "و" في "الركوب" الذي احتاج إليه ابتداء وفي الأثناء كذلك لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] ، ولو أمن وهو راكب نزل فورًا وجوبًا وبنى إن لم يستدبر القبلة وإلا استأنف. "و" في "الإيماء بالركوع" والسجود عند العجز عنهما للضرورة. "و" يجب أن يكون "السجود أخفض" ليتميز عن الركوع، وفي حمل السلاح الملطخ بنجس لا يعفى عنه إذا احتاج إلى إمساكه وإن لم يضطر إليه لكن يجب عليه القضاء في هذه الأخيرة لندرة عذره. "ولا يعذر في الصياح" بل تبطل به الصلاة إذ لا ضرورة إليه بل السكوت أهيب، ولا يعذر أيضًا في النطق بلا صياح كما في الأم، وعلم من كلامه أنه يمتنع جميع ما ذكر على العاصي بنحو قتاله كبغاة وقطاع طريق أو هربه كأن لم يزد العدو على ضعفنا لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، ولا يباح شيء من ذلك لطالب عدو خاف فوته لو صلى متمكنًا لأن الرخص إنما وردت في خوف فوت ما هو حاصل وهي لا تتجاوز محلها وهو المحصل، نعم إن خشي كره3 عليه أو كمينًا أو انقطاعه عن رفقته جاز له لأنه خائف، ومن خاف فوت الوقوف بعرفة لو صلى متمكنًا وجب عليه تحصيل الوقوف وترك الصلاة في وقتها لأن قضاء الحج صعب بخلاف الصلاة.   1 أي القتال في حال الالتحام. 2 الإعداء: من أعداه أي جعله يعدو. انظر المعجم الوسيط: "ص589". 3 الكر: خلاف الفر. وكر على العدو: حمل عليه. وكر عنه: رجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فصل: "في اللباس" يحرم الحرير والقز للذكر البالغ إلا لضرورة كجرب وحكة وقمل، ويحل المركب من حرير وغيره إن استويا في الوزن وإلباس الصبي الحرير، والذهب والفضة، والحرير   فصل: في اللباس "يحرم الحرير والقز" وهو نوع منه لكنه أدون1 "للذكر" والخنثى "البالغ" العاقل أي عليه بسائر وجوه الاستعمالات كالتستر والتدثر لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن لبسه وعن الجلوس عليه2، وقيس بهما سائر وجوه الاستعمالات، ولأن فيه من معنى الخيلاء أنه يورث رفاهية وزينة وإبداء زي يليق بالنساء دون شهامة الرجال "إلا لضرورة" أو حاجة "كجرب وحكة" إن آذاه غيره ودفع حر وبرد شديدين "وقمل" فيحل استعماله لأجل ذلك حضرًا وسفرًا إن كان القمل لا يندفع بدونه ولا بأسهل منه للحاجة، ولأنه صلى الله عليه وسلم أرخص فيه لعبد الرحمن بن عوف وللزبير لحكة كانت بهما3 ويجوز بل يجب لبسه إذا لم يجد غيره ليستر عورته ولو في الخلوة، وللمحارب لبس ديباج لا يقي غيره وقايته، وكذا لمن فاجأه قتال بغتة فلم يمكنه طلب غير الحرير أو لم يجد غيره. "ويحل المركب من حرير وغيره إن استويا في الوزن" أو كان الحرير أقل سواء زاد ظهور الحرير أو لا لأنه حينئذ لا يسمى حريرًا والأصل بخلاف ما أكثره حرير في الوزن لأنه حينئذ يسمى ثوب حرير، وخرج بالذكر المرأة فيحل لها سائر استعماله افتراشًا وغيره لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "حل لإناثهم" 4 نعم يحرم عليها تزيين الجدران به وتعليق الستور على الأبواب ونحوها، وخرج بالبالغ الصبي وبالعاقل المجنون. "و" من ثم حل "إلباس الصبي" ولو مراهقًا والمجنون "الحرير و" حلي "الذهب والفضة" في يوم العيد وغيره إذ ليس لهما شهامة تنافي خنوثة ذلك ولأنهما غير مكلفين، وكاللبس هنا أيضًا سائر وجوه الاستعمال. "و"   1 في المعجم الوسيط "ص733": "القز: الحرير على الحال التي يكون عليها عندما يستخرج من الصلجة". 2 روى البخاري في اللباس باب 27 "حديث 5837" عن حذيفة قال: "نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه". 3 رواه من حديث أنس بن مالك البخاري في اللباس باب 29 "حديث 5839" ومسلم في اللباس "حديث 25" وأبو داود في اللباس باب 9، والنسائي في الزينة باب 92، وأحمد في المسند "3/ 127، 180، 255، 273". 4 روى ابن ماجه في اللباس باب 19 "حديث 3559" عن علي بن أبي طالب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حريرًا بشماله وذهبًا بيمينه ثم رفع بهما يديه فقال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" , ورواه أيضًا "حديث 3597" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إحدى يديه ثوب من حرير وفي الأخرى ذهب فقال: "إن هذين محرم على ذكور أمتي حل لإناثهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 للكعبة، وتطريف معتاد وتطريز وترقيع قدر أربع أصابع وحشو وخياطة به وخيط سبحة،   يحل "الحرير للكعبة" أي لسترها سواء الديباج وغيره لفعل السلف والخلف له وليس مثلها في ذلك سائر المساجد، ويكره تزيين مشاهد العلماء والصلحاء وسائر البيوت بالثياب لخبر مسلم1. ويحرم بالحرير والمصور. أما تزيين الكعبة بالذهب والفضة فحرام كما يشير إليه كلامهم "و" يحل للرجل والخنثى "تطريف معتاد" أي جعل ثوبه مسجفًا بالحرير بقدر العادة وإن جاوزت أربع أصابع لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان له جبة يلبسها له رقعة في طوقها من ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج"2، و"أنه كان له جبة مسجفة الطوق، والكمين والفرجين بالديباج"3، أما ما جاوز العادة فيحرم. "وتطريز وترقيع قدر أربع أصابع" مضمومة بخلاف ما إذا جاوزها لخبر مسلم: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث أو أربع"4 ولو تعددت محالهما اشترط على الأوجه أن لا يزيد على طرازين كل طراز على كم، وأن كل طراز لا يزيد على إصبعين ليكون مجموعهما أربع أصابع، والتطريز جعل الطراز الذي هو حرير خالص مركبًا على الثوب، أما المطرز بالإبرة فكالمنسوج على الأوجه فإن زاد الحرير على وزن الثوب حرم وإلا فلا. "و" يحل "حشو" لنحو مخدة وجبة بالحرير ولبس ذلك المحشو واستعماله لأنه ليس ثوبًا منسوجًا ولا يعد صاحبه لابس حرير وبهذا فارق حرمة البطانة. "و" يحل للرجل وغيره "خياطة به" لذلك "وخيط سبحة" كما في المجموع وليقة5 الدواة لاستتارها بالحبر قاله الزركشي. وكيس المصحف قاله الفوراني6، وكيس الدراهم وغطاء الكوز على ما زعمه الإسنوي، وخلع الحرير من الملوك على ما نقل عن الماوردي لا   1 وهو ما رواه في اللباس والزينة "حديث 87" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: رأيته خرج في غزاته فأخذت نمطًا فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه، وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين". 2 رواه مسلم في اللباس والزينة حديث 10. 3 عن ابن عمر مولى أسماء قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصه، فدخلت على أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسًا لعبد الله، يا جارية هاتي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والفرجين بالديباج. رواه ابن ماجه في اللباس باب 18 "حديث 3594" وأبو داود في اللباس باب 9. 4 رواه مسلم في اللباس والزينة "حديث 15 ولفظه: أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال: نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربع. 5 الليقة: صوفة الدواة؛ أو إذا بلت "المعجم الوسيط: ص850". 6 هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران الفوراني المروزي الشافعي. فقيه، أصولي، محدث، تفقه على القفال وروى الحديث، وأخذ عنه عبد الرحمن المتولي وغيره، توفي بمدينة مرو سنة 461هـ، من تصانيفه: كتاب الإبانة، العمدة، أسرار الفقه، وكتاب العمل، انظر معجم المؤلفين "2/ 108". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 والجلوس عليه فوق حائل، ويحرم على الرجل المزعفر والمعصفر، ويسن التختم بالفضة للرجل دون مثقال في الخنصر واليمنى أفضل، ويكره نزول الثوب من الكعبين، ويحرم للخيلاء، ويكره لبس الثياب الخشنة لغير غرض شرعي.   كتابة الصداق فيه ولو للمرأة على المعتمد ولا اتخاذه بلا لبس "و" حل لمن مر "الجلوس عليه فوق حائل" فرش عليه ولو خفيفًا مهلهل النسج لأنه لا يسمى في العرف مستعملا له. "ويحرم على الرجل" والخنثى "المزعفر والمعصفر" كما في الروضة وغيرها من تصويب البيهقي1 وأطال فيه. وألحق جمع المورس2 بالمزعفر3 لكن ظاهر كلام الأكثرين حله، وحرم على الرجل وغيره استعمال جلد الفهد والنمر. "ويسن التختم بالفضة للرجل" ولو لغير ذي منصب للاتباع4 والأولى أن يكون "دون مثقال" فإن بلغ مثقالًا وعده العرف إسرافًا حرم وإلا فلا على الأوجه، وخبر: "فلا يبلغه مثقالا"5 ضعيف وإن حسنه بعض المتأخرين. ويسن كونه "في الخنصر" اليمنى أو اليسرى للاتباع6. "و" لكن "اليمنى أفضل" لأن حديث لبسه فيها أصح كما قاله البخاري، ويكره لبسه في غير الخنصر وقيل يحرم واعتمده الأذرعي7 ويجوز لبسه فيهما معًا وبفص وبدونه وجعله في باطن الكف أفضل ونقشه ولو بذكر ولا يكره ويكره تنزيهًا للرجل لبس فوق خاتمين، وللمرأة لبس أكثر من خلخالين، ويجوز التختم بنحو الحديد والنحاس والرصاص بلا كراهة وخبر: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار" 8 لرجل وجده لابسًا خاتم حديد ضعيف لكن حسنه بعضهم فالأولى   1 هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي الشافعي، محدث، فقيه، ولد سنة 384، وتوفي سنة 458هـ. من مصنفاته الكثيرة: السنن الكبير، المبسوط في نصوص الشافعي، دلائل النبوة، وشعب الإيمان، وغيرها. انظر معجم المؤلفين "1/ 129". 2 المورس: المصبوغ بالورس، وهو نبت من الفصيلة القرنية ينبت في بلاد العرب والحبشة والهند، وثمرتها قرن مغطى عند نضجه بغدد حمراء، كما يوجد عليه زغب قليل "المعجم الوسيط: ص1025". 3 المزعفر: المصبوغ بالزعفران، وهو نبات بصلي معمر من الفصيلة السوسنية منه أنواع برية ونوع صبغي طبي مشهور: المعجم الوسيط: ص394". 4 روى أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة وكان فصه منه". رواه البخاري في اللباس باب 48 "حديث 5870" وأبو داود في الخاتم باب 1، والترمذي في اللباس باب 15، والنسائي في الزينة باب 47، وأحمد في المسند "3/ 266". 5 رواه بلفظ: "اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالًا" أبو داود في الخاتم باب 4، والترمذي في اللباس باب 43، والنسائي في الزينة باب 46. 6 روى البخاري في اللباس باب 51 "حديث 5874" والنسائي في الزينة باب 79، عن أنس رضي الله عنه قال: صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا قال: "إنا اتخذنا خاتمًا ونقشنا فيه نقشًا فلا ينقش عليه أحد" قال: فإني أرى بريقه في خنصره. 7 تقدمت ترجمته. راجع الحاشية 2 ص41. 8 رواه أو داود في الخاتم باب 4 "حديث 4223", والترمذي في اللباس باب 43، والنسائي في الزينة باب 46، وأحمد في المسند "2/ 163، 179" من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 باب: صلاة العيدين هي سنة، ووقتها بعد طلوع الشمس إلى الزوال، ويسن تأخيرها إلى الارتفاع وفعلها في المسجد إلا إذا ضاق وإحياء ليلتيهما بالعبادة، والغسل من نصف الليل، والتطيب   ترك ذلك، والسنة في الثوب والإزار للرجل أن يكون إلى نصف الساقين، ويجوز بلا كراهة إلى الكعبين، وفي العذبة1 أن تكون بين الكتفين، وفي الكم أن يكون إلى الرسغ وهو المفصل بين الكف والساعد. "ويكره نزول" ذلك عما ذكر ومنه نزول "الثوب" أو الإزار "من الكعبين" أي عنهما. "ويحرم" نزول ذلك عما ذكر فيه "للخيلاء" أي بقصده للوعيد الشديد الوارد فيه2، وللمراة إرسال الثوب على الأرض إلى ذراع ويكره لها الزيادة على ذلك، وابتداء الذراع من الكعبين على الأقرب وإفراط توسعة الأكمام والثياب بدعة وسرف، نعم ما صار شعارًا للعلماء يندب لهم لبسه كما قال العز بن عبد السلام ليعرفوا بذلك فيسألوا وليطاعوا فيما عنه زجروا، ويسن أن يبدأ بيمينه لبسًا ويساره خلعًا، وأن يخلع نحو نعليه إذا جلس وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه إلا لعذر، وأن يطوي ثيابه ذاكرًا اسم الله تعالى وإلا لبسها الشيطان كما ورد "ويكره لبس الثياب الخشنة لغير غرض شرعي" على ما قاله جمع لكن الذي اختاره3 في المجموع أنه خلاف السنة ويقاس بذلك أكل الخشن. باب: صلاة العيدين الأصل فيها الإجماع وغيره، وأول عيد صلاه النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ولم يتركها. "هي سنة" مؤكدة على كل مكلف وإن لم تلزمه الجمعة فلا إثم ولا قتال بتركها، وتسن حتى للحاج بمنى لكن فرادى لا جماعة، "ووقتها بعد طلوع الشمس" أي يدخل بالطلوع ويبقى "إلى الزوال ويسن تأخيرها إلى الارتفاع" أي ارتفاع الشمس قدر رمح للاتباع وللخروج من خلاف من قال: إنما تدخل بارتفاعها. "و" يسن "فعلها في المسجد" لشرفه فإن صلى في الصحراء كره ويقف نحو الحيض ببابه "إلا إذا ضاق" عن الناس فالسنة فعلها في الصحراء   1 العذبة: طرف الشيء؛ يقال: عذبة السوط، وعذبة اللسان، وعذبة العمامة. 2 لما روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" , رواه البخاري في اللباس باب 1 و2 و5، وفضائل الصحابة باب 5، ومسلم في اللباس حديث 42 و43 و46 و48. 3 أي الإمام النووي، مصنف المجموع شرح المهذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 والتزين للقاعد والخارج وللكبار والصغار للمصلي وغيره، وخروج العجوز ببذلة بلا طيب، والبكور لغير الإمام، والمشي ذهابًا والرجوع بطريق آخر أقصر كما في سائر   للاتباع1، ويكره فعلها حينئذ في المسجد وكاتساعه حصول نحو مطر مانع من الصحراء، وتسن في مسجد مكة وبيت المقدس مطلقًا تبعًا للسلف والخلف. "و" يسن "إحياء ليلتيهما" أي ليلة عبد الفطر وعيد الأضحى "بالعبادة" من نحو صلاة وقراءة وذكر لما ورد بأسانيد ضعيفة: "من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب"2 ويحصل ذلك بإحياء معظم الليل. "و" يسن "الغسل" لكل من العيدين للاتباع3 وإن كان سنده ضعيفًا4 ويدخل وقته "من نصف الليل"ليتسع الوقت لأهل السواد5 الآتين إليه قبل الفجر لبعد خطتهم6 والأفضل فعله بعد الفجر. "و" يسن "التطيب والتزين" بما مر7 في الجمعة ومنه ليس أحسن ما عنده والأولى البياض إلا أن يكون غيره أحسن فهو أفضل، وفارق ندب البياض في الجمعة مطلقًا بأن القصد هنا إظهار التواضع، ويندب ذلك لكل أحد حتى "للقاعد" في بيته والخارج "إلى صلاة العيد" والكبار والصغار "للمصلي" منهم "غيره" بخلاف نظيره في الجمعة لا يفعله إلا مريد حضورها لما مر ثم. "و" يسن "خروج العجوز" لصلوات العيد والجماعات "ببذلة" أي في ثياب مهنتها وشغلها "بلا طيب" ويتنظفن بالماء، ويكره بالطيب والزينة كما يكره الحضور لذوات الهيئات ولو عجائز وللشابات وإن كن مبتذلات بل يصلين   1 روى أبو داود في الصلاة باب 249 "حديث 1158" عن بكر بن مبشر الأنصاري قال: "كنت أغدو مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يوم الفطر ويوم الأضحى، فنسلك بطن بطحان حتى نأتي المصلى فنصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا". 2 رواه بلفظ: "من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه ... " الهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 198" والمنذري في الترغيب والترهيب "2/ 153" والألباني في السلسلة الضعيفة "520" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "3/ 410، 5/ 206" والمتقي الهندي في كنز العمال "12077" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 367". وروي أيضًا بألفاظ أخرى. 3 روى ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 169 "حديث 1315" عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى" وروى أيضًا "حديث 1316" عن الفاكه بن سعد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة". 4 سند حديث ابن عباس قال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد فيه جبارة وهو ضعيف، وحجاج بن تميم ضعيف أيضًا، وحديث الفاكه بن سعد، قال البوصيري: هذا إسناد فيه يوسف بن خالد، قال فيه ابن معين: كذاب خبيث زنديق. 5 السواد في البلد، قراه، يقال: خرجوا إلى سواد المدينة، وهو ما حولها من القرى والريف "المعجم الوسيط: ص461". 6 الخطة "بكسر الخاء": شبه القطائع من المدينة "المعجم الوسيط: ص244". 7 راجع: فصل في سنن الجمعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 العبادات، والإسراع في النحر، والتأخير في الفطر والأكل فيها قبلها وتمر، ووتر، ويكبر   في بيوتهن ولا بأس بجماعتهن ولا بأن تعظهن واحدة، ويندب لمن لا يخرج منهن التزين إظهارًا للسرور وإنما يجوز الخروج للحليلة بإذن حليلها. "و" يسن لقاصد صلاة العيد "البكور" إلى المصلى ليحصل فضيلة القرب إلى الإمام وانتظار الصلاة "لغير الإمام" أما الإمام فيسن له تأخير الحضور إلى إرادة التحرم للاتباع. "و" يسن "المشي" إلى المصلى إن قدر عليه "ذهابًا" أي في الذهاب للخبر الصحيح في الجمعة: "وأتوها وأنتم تمشون" 1، أما العاجز لبعد أو ضعف فيركب، وأما غيره فلا يسن له المشي راجعًا بل هو مخير بينه وبين الركوب، نعم إن تضرر الناس بركوبه لغير الزحمة كره إن خفّ الضرر وإلا حرم. "و" يسن لمصلي العيد "الرجوع" من المصلى "بطريق" أي في طريق "آخر" غير الذي ذهب فيه وأن يكون "أقصر" من طريق الذهاب "كما في سائر العبادات" لمن صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في العيد"2 إما لشهادة الطريقين له أو لتبرك أهلهما به أو لاستفتائه3 فيهما أو لتصدقه على فقرائهما أو لإرادة غيظ المنافقين أو للتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا. "و" يسن للإمام "الإسراع في" الخروج من صلاة عيد "النحر والتأخير" قليلًا "في" الخروج إلى صلاة عيد "الفطر" لما ورد مرسلًا من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك وليتسع الوقت بعد صلاة النحر للتضحية وقبل صلاة الفطر لإخراج الفطرة. "و" يسن "الأكل" والشرب "فيه" أي الفطر "قبلها" أي قبل الصلاة والإمساك في عيد النحر للاتباع4 وليتميز اليومان عما قبلهما، ويسن الأكل من كبد الأضحية للاتباع5. "و" يسن "تمر ووتر" أي أن يكون المأكول كذلك للاتباع6، وصلاة العيد ركعتان وصفتهما في الشروط والأركان والسنن كغيرها لكنها   1 رواه البخاري في الجمعة باب 18، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 151 و153، وأبو داود في الصلاة باب 54، والترمذي في الصلاة باب 127، والنسائي في الإمامة باب 57، وابن ماجه في المساجد باب 14، والدارمي في المساجد باب 59، وأحمد في المسند "2/ 318، 452". 2 روى البخاري في العيدين باب 26 "حديث 989" عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ومعه بلال". 3 يريد: لسؤاله الناس طلبًا للعلم ولما ينتفع به. 4 روى ابن ماجه في الصيام باب 49 "حديث 1756" عن ابن بريدة عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل، وكان لا يأكل يوم النحر حتى يرجع". 5 روى البيهقي في السنن الكبرى: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من كبد أضحيته". 6 روى البخاري في العيدين باب 4 "حديث 953" عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وفي لفظ: "ويأكلهن وترًا" ورواه أيضًا الترمذي في الجمعة باب 38، وابن ماجه في الصيام باب 49، وأحمد في المسند "3/ 126، 164، 232". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 في الركعة الأولى قبل القراءة سبعًا يقينًا مع رفع اليدين بين الاستفتاح والتعوذ، وفي الثانية خمسًا، ولا يكبر المسبوق إلا ما أدرك، وقراءة ق واقتربت أو الأعلى والغاشية، ويقول بين كل تكبيرتين: "الباقيات الصالحات": سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سرًا واضعًا يمناه على يسراه بينهما ثم خطب خطبتين يجلس قبلهما جلسة خفيفة ويذكر فيهما ما يليق، ويكبر في الأولى تسعًا وفي الثانية سبعًا ولاء.   امتازت عن غيرها بأمور تندب فيها. "و" منها أنه "يكبر" الإمام والمنفرد "في الركعة الأولى" ولو من المقضية "قبل القراءة" أي قراءة الفاتحة "سبعًا يقينًا" سوى تكبير الإحرام والركوع فإن شك أخذ بالأقل "مع رفع اليدين" في كل تكبيرة حذو منكبيه كما مر في صفة الصلاة ووقت السبع الفاصل "بين الاستفتاح والتعوذ" فإن فعلها بعد التعوذ حصل أصل السنة لبقاء وقتها بخلاف ما إذا شرع في الفاتحة عمدًا أو سهوًا أو جهلا بمحله1 أو شرح إمامه قبل أن يأتي بالتكبير أو يتمه فإنه يفوت ولا يأتي به للتلبس بفرض، ولو تداركه بعد الفاتحة سن له إعادتها أو بعد الركوع بأن ارتفع ليأتي به بطلت صلاته إن علم وتعمد. "وفي الثانية خمسًا" ويأتي فيها نظير ما تقرر في الأولى، والمأموم يوافق إمامه إن كبر ثلاثًا أو ستًّا فلا يزيد عليه ولا ينقص عنه ندبًا فيهما، ولو ترك إمامه التكبيرات لم يأت بها. "ولا يكبر المسبوق إلا ما أدرك" من التكبيرات مع الإمام، فلو اقتدى به في الأولى مثلًا ولم يبق من السبع إلا واحدة مثلًا كبرها معه ولا يزيد عليها ولو أدركه في أول الثانية كبر معه خمسًا وأتى في ثانيته بخمس أيضًا أن في قضاء ذلك ترك سنة أخرى. "و" يسن "قراءة ق" في الأولى وإن أم بجميع غير محصورين "واقتربت" في الثانية "أو الأعلى" في الأولى "والغاشية" في الثانية للاتباع "ويقول" ندبًا "بين كل التكبيرات" من السبع أو الخمس "الباقيات الصالحات" في قوله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] ، وهي عند ابن عباس وجماعة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" ويسن أن يأتي بذلك "سرًّا" وأن يكون "واضعًا يمناه على يسراه" تحت صدره "بينهما" أي بين كل تكبيرتين كما يضعهما كذلك في حال القراءة كما مر في صفة الصلاة. "ثم" بعد الصلاة "خطب" ندبًا ولو لمسافرين لا منفردًا للاتباع "خطبتين" كخطبتي الجمعة في الأركان والسنن دون الشروط فلا تجب هنا بل تسن، ويسن أن يسلم على من عند المنبر وأن يقبل على الناس بوجهه ثم يسلم عليهم ثم "يجلس قبلهما جلسة خفيفة" بمقدار الأذان في الجمعة "ويذكر فيهما" أي الخطبتين "ما يليق" بالحال فيتعرض لأحكام زكاة الفطر   1 أي التكبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فصل: "في توابع ما مر" يكبر غير الحاج برفع الصوت إن كان رجلًا من غروب الشمس ليلتي العيدين في الطريق ونحوها، ويتأكد مع الزحمة ثلاث تكبيرات متواليات، ويزيد لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وندب زيادة الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا، ويستمر إلى تحرم الإمام، ويكبر الحاج من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر التشريق، ويكبر غيره من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر التشريق بعد صلاة كل فرض أو نفل أداء وقضاء وجنازة وإن نسي كبر إذا تذكر، ويكبر لرؤية النعم في الأيام المعلومات -وهي عشر ذي الحجة- ولو شهدوا قبل الزوال برؤية الهلال الليلة الماضية أفطرنا وصلينا العيد أو بعد الزوال وعدلوا قبل الغروب فاتت وتقضى، أو بعد الغروب صليت من الغد أداء.   في عيده ولأحكام الأضحية في عيدها للاتباع في بعض ذلك1 "ويكبر ندبًا" في الخطبة "الأولى" عند استفتاحها "تسعًا يقينًا متوالية إفرادًا، "وفي" الخطبة "الثانية" عند استفتاحها "سبعًا" كذلك "ولاء" لما ورد عن بعض التابعين بسند ضعيف أن ذلك في السنة والتكبيرات المذكورة مقدمة للخطبة لا منها. فصل: في توابع ما مر "يكبر غير الحاج" سواء الرجل والمرأة لكن "برفع الصوت إن كان رجلًا" إظهارًا لشعار العيد بخلاف المرأة والخنثى "من غروب الشمس ليلتي العيدين في الطريق ونحوها" من المنازل والمساجد والأسواق راكبًا وماشيًا وقائمًا وقاعدًا وفي غير ذلك من سائر الأحوال، "و" لكن "يتأكد مع الزحمة" وتغاير الأحوال فيما يظهر قياسًا على التلبية للحاج. وكيفية التكبير أن يكون "ثلاث تكبيرات متواليات" اتباعًا للسلف والخلف "ويزيد" بعد الثلاث "لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وندب" أخذًا من كلام الأم "زيادة الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا" لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر "ويستمر" مكبرًا كذلك "إلى تحرم الإمام" أي نطقه بالراء من تكبيرة الإحرام بصلاة العيد، فإن صلى منفردًا فالعبرة بإحرامه، وتكبير ليلة عيد الفطر منصوص عليه في قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} ، أي عدة صوم رمضان {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] ، وليلة عيد النحر نقيس عليه ومن ثم كان الأول آكد. "ويكبر الحاج من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر" أيام "التشريق"؛ لأن أول صلاة يصليها بعد تحلله الظهر وآخر صلاة يصليها بمنى قبل نفره الثاني الصبح أي من شأنه ذلك، فلا فرق بين أن يقدم التحلل على الصبح أو يؤخره   1 روى البخاري في العيدين باب 17 "حديث 976" عن البراء قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، فصلى العيد ركعتين, ثم أقبل علينا بوجهه وقال: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيء عجله لأهله ليس من النسك في شيء" , فقام رجل فقال: يا رسول الله إني ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة؟ قال: "اذبحها ولا تفي عن أحد بعدك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 باب: صلاة الكسوف هي سنة مؤكدة، وهي ركعتان، ويستحب زيادة قيامين وركوعين وتطويل القيامات،   عنه، ولا بين أن يكون بمنى أو غيرها، ولا بين أن ينفر النفر الأول أو الثاني قبل صلاة الظهر أو بعدها في جميع ذلك فيما يظهر، "ويكبر غيره" أي غير الحاج "من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر" أيام "التشريق" للاتباع وتكبير الحاج وغيره في الوقتين المذكورين يكون "بعد" أي عقب "صلاة كل فرض أو نفل أداء وقضاء وجنازة" ومنذورة "وإن نسي" التكبير عقب الصلاة "كبر إذا تذكر" وإن طال الزمان لأنه شعار للأيام لا تتمة للصلاة بخلاف سجود السهو "ويكبر" ندبًا "لرؤية النعم" أي عند رؤية شيء منها وهي الإبل والغنم "في الأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة" لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] ، "ولو شهدوا قبل الزوال" يوم الثلاثين بزمن يسع الاجتماع والصلاة كلها أو ركعة منها "برؤية الهلال الليلة الماضية أفطرنا وصلينا العيد" أداء أو قبل الزوال بزمن لا يسع ما ذكر "أو بعد الزوال وعدلوا قبل الغروب" قبلوا أيضًا وأفطرنا لقبول شهادتهم لكن الصلاة "فاتت" لخروج وقتها "وتقضى" في أي زمن أراد لما مر في صلاة النفل "أو" شهدوا "بعد الغروب" أو قبله وعدلوا بعده لم يقبلوا بالنسبة لصلاة العيد إذ لا فائدة في قبولهم إلا تركها فلم نصغ إلى شهادتهم ولذا "صليت من الغد أداء" وليس يوم الفطر أول يوم في شوال مطلقًا بل يوم فطر الناس، وكذا يوم النحر يوم يضحون ويوم عرفة يعرفون للحديث الصحيح1 بذلك، أما بالنسبة لنحو أجل وتعليق طلاق فتسمع شهادتهم مطلقًا. باب: صلاة الكسوف للشمس والقمر ويسميان خسوفين وكسوفين وقيل الكسوف للشمس والخسوف للقمر. و"هي سنة مؤكدة" للاتباع2 فإنه صلى الله عليه وسلم فعلها: "وهي" على كيفيات أقلها   1 روى الترمذي في الصوم باب 77: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس" , ورواه الشافعي في مسنده "73" بلفظ: "الفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون وعرفة يوم تعرفون". 2 حديث صلاة الكسوف للشمس والقمر روي في الصحاح من طرق متعددة، فرواه من حديث ابن عمر: البخاري في الكسوف باب 1، ومسلم في الكسوف حديث 28، ومن حديث ابن عباس: البخاري في الكسوف باب9، والنكاح باب 88، ومن حديث عائشة: البخاري في الكسوف باب 2 و4 و5 و13، ومسلم في الكسوف حديث 3، ورواه البخاري أيضًا في الكسوف باب 1 من حديث أبي بكر أبي مسعود والمغيرة بن شعبة. ورواه مسلم في الكسوف حديث 9 من حديث جابر بن عبد الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وتطويل الركعات والسجدات، والجهر في القمر، ثم يخطب الإمام خطبتين أو واحدة، ويحث فيهما على الخير، ويفوت الكسوف بالانجلاء وبغروب الشمس، والخسوف بالانجلاء وبطلوع الشمس، لا بالفجر ولا بغروبه خاسفًا، وإذا اجتمع صلوات خاف فواتها قدم الفرض ثم الجنازة ثم العيد ثم الكسوف، وإن وسع الوقت قدم الجنازة ثم الكسوف، ويصلون لنحو الزلازل والصواعق منفردين.   "ركعتان"1 كسنة الظهر "ويستحب" إذا أراد أدنى الكمال "زيادة قيامين وركوعين" بأن يجعل في كل ركعة قيامًا بعد الركعة بعد القيام للاتباع، ويسن أن يأتي بسمع الله لمن حمده ثم بربنا لك الحمد في كل اعتدال وإن كان يقرأ فيه كالاعتدال من قراءة الفاتحة كما مر "و" يسن إن أراد الأكمل "تطويل القيامات" فيقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة البقرة أو قدرها، وفي القيام الثاني بعد الفاتحة آل عمران أو قدرها، وفي الثالث بعد الفاتحة النساء أو قدرها، وفي الرابع بعد الفاتحة المائدة أو قدرها. "وتطويل الركعات والسجدات" للاتباع بأن يسبح في الأول منها قدر مائة آية من البقرة، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين. "و" يسن "الجهر" بالقراءة "في" كسوف "القمر" والإسرار بها في كسوف الشمس لأنها نهارية والأولى ليلية. "ثم" بعد الصلاة "يخطب الإمام خطبتين" للاتباع كخطبة الجمعة في الأركان والسنن دون الشروط. "أو واحدة" على ما قاله جماعة أخذًا من نص البويطي2 لكنه مردود بأن النص لا يفهم ذلك وبأن الأوجه أنه لابد من خطبتين. "وبحث فيهما على الخير" كالعتق والصدقة والتوبة والاستغفار ويحذرهم من الغفلة والتمادي في الغرور للاتباع في بعض ذلك والأمر به في الباقي "ويفوت الكسوف" أي صلاة كسوف الشمس "بالانجلاء" التام يقينًأ لأنه المقصود بالصلاة وقد حصل "وبغروب الشمس" كاسفة لعدم الانتفاع بها بعده "والخسوف" أي صلاة خسوف القمر3 "بالانجلاء" التام يقينًا "وبطلوع الشمس" لذهاب سلطانه "لا بالفجر" لبقاء ظلمة الليل والانتفاع به "ولا بغروبه" قبل الفجر أو بعده وقبل طلوع الشمس "خاسفًا" كما لو استتر بغمام "وإذا اجتماع صلوات خافت فواتها قدم"   1 كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري في الكسوف باب 2 "حديث 1044" عن عائشة قال: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام -وهو دون القيام الأول- ثم ركع فأطال الركوع -وهو دون الركوع الأول- ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا". 2 هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي "نسبة لبويط من أعمال الصعيد الأدنى بمصر" فقيه. مناظر، صحب الإمام الشافعي وقام مقامه في الدرس والإفتاء، وتوفي سنة 231هـ "معجم المؤلفين: 4/ 188". 3 قال في اللسان "9/ 67": "وخسفت الشمس وكسفت بمعنى واحد. ابن سيده: خسفت الشمس تخسف خسوفًا ذهب ضوؤها، وخسفها الله، وكذلك القمر، قال الثعلب: كسفت الشمس وخسف القمر، هذا أجود الكلام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 باب صلاة الاستقساء مدخل ... باب: صلاة الاستسقاء ويسن الاستسقاء بالدعاء خلف الصلاة، ولو في خطبة الجمعة، والأفضل أن يأمر   الأخوف فوتًا ثم الآكد فيقدم "الفرض" العيني ولو منذورًا لتعينه وضيق وقته "ثم الجنازة" لما يخشى عليها من تغيير الميت1 بتأخيرها ومحله إن لم يخف انفجارها2 لو قدم غيرها3 وإلا وجب تقديمها مطلقًا ويكون اشتغاله بمواراتها عذرًا في إخراج الصلاة عن وقتها. "ثم العيد" لأن صلاته آكد من صلاة الكسوف. "ثم الكسوف" ولو اجتمع خسوف ووتر قدم الخسوف وإن تيقن فوت الوتر لأن صلاة الخسوف آكد. "وإن وسع الوقت" بأن أمن الفوات "قدم الجنازة" مطلقًا "ثم الكسوف" لكن يخففه فلا يزيد على نحو سورة الإخلاص بعد الفاتحة في كل قيام ثم الفرض أو العيد لكن تؤخر خطبة الكسوف عن الفرض، ثم إن اجتمع عيد وكسوف كفى لهما خطبتان بعد صلاتيهما بقصدهما ويذكر فيها أحكامهما وإن اجتمعا مع جمعة وصلاهما قبلها سقطت خطبتهما وخطب للجمعة بنيتها ولكن يتعرض فيهما باختصار لما يندب فيهما. "ويصلون" ندبًا ركعتين ككيفية الصلوات لا على هيئة صلاة الخسوف "لنحو الزلازل والصواعق" والريح الشديدة "منفردين" لئلا يكونوا غافلين لا جماعة لأنه لم يرد، ويسن الخروج إلى الصحراء وقت الزلزلة. باب: صلاة الاستسقاء هو لغة: طلب السقيا4. وشرعًا طلب سقيا العباد من الله تعالى عند حاجتهم إليها، والأصل فيها قبل الإجماع الاتباع5. "ويسن" على التأكيد لمقيم ومسافر "الاستسقاء" ولو لجدب الغير المحتاج إليه ما لم يكن ذا بدعة أو ضلالة، ثم هو ثلاثة أنواع ثابتة بالأخبار الصحيحة6 أدناها في الفضل أن يكون بالدعاء فرادى أو مجتمعين في أي وقت أرادوا وأوسطها أن يكون "بالدعاء خلف الصلاة ولو" نافلة و"في خطبة الجمعة" ونحوها لأنه عقب الصلاة أقرب إلى الإجابة. "والأفضل" من الأنواع   1 أي تآكل جثته. 2 أي جثة الميت. 3 أي غير صلاة الجنازة. 4 الاستسقاء: استفعال من طلب السقيا، أي إنزال الغيث على البلاد والعباد "لسان العرب: 14/ 393". 5 روى البخاري في الاستسقاء باب 1 "حديث 1005" وباب 4 "حديث 1011 و1012" وباب 14 "حديث 1023" وباب 15 و16 و17 و18 و19 "الأحاديث 1024 و1025 و1026 و1027 و1028" عن عباد بن تميم عن عمه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فصلى ركعتين وقلب رداءه". 6 وهي في البخاري ومسلم وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الإمام الناس بالبر وصم ثلاثة، ويخرجون في الرابع صيامًا إلى الصحراء بثياب البذلة متخشعين، وبالمشايخ والصبيان والبهائم بعد غسل وتنظيف، ويصلون ركعتين كالعيد بتكبيراته، ويخطب خطبتين أو واحدة وبعدها أفضل، وأستغفر الله بدل التكبير، ويدعو في الأولى جهرًا، ويستقبل القبلة بعد ثلث الخطبة الثانية، وحول الإمام والناس ثيابهم حينئذ، وبالغ فيها في الدعاء سرًّا وجهرًا ثم استقبل الناس.   الثلاثة هذا الأخير وهو "أن يأمر الإمام" بنفسه أو نائبه "الناس" سواء مريد الحضور وغيره "بالبر" من صدقة وعتق وغيرهما كالتوبة والخروج من المظالم لأن ذلك أرجى للإجابة. "و" يأمر المطيقين منهم بموالاة "صوم ثلاثة" من الأيام مع يوم الخروج لأن الصوم معين على الرياضة والخشوع وبأمر الإمام أو نائبه به يصير واجبًا امتثالًا له لأنه تعالى بطاعة أولي الأمر1، ويجب فيه2 التبييت3 لأنه فرض، ويجب على القادرين منهم امتثال كل ما يأمر به من نحو صدقة وعتق على ما رجحه الإسنوي وفيه كلام بينته في شرح الإرشاد4. "ويخرجون" بعد صوم الثلاثة "في" اليوم "الرابع" حال كونهم "صيامًا" فيه كالذي قبله "إلى الصحراء" وإن كانوا بمكة أو بيت المقدس "بثياب البذلة" بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة وهي ما يلبس في حال مباشرة الإنسان الخدمة في بيته فلا يصحبون طيبًا ولا زينة للاتباع5، ولأن هذا يوم مسألة واستكانة بخلاف العيد، ولا يلبسون الجديد من ثياب البذلة، ويسن كونهم "متخشعين" في مشيهم وجلوسهم وغيرهما للاتباع6. "و" يخرجون "بالمشايخ" أي مع المشايخ "والصبيان" لأن دعاءهم أرجى للإجابة. "والبهائم" لخبر ضعيف7 لكن له شاهد: "لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبًا"8 وتقف معزولة عن الناس، ويكره إخراج الكفار ولو ذميين، معنا أو منفردين؛ لأنهم ربما كانوا سبب القحط، فإن خرجوا أمروا بالتمييز9 عنا ولا ينفردوا بيوم وإنما يسن خروجهم "بعد غسل" لجميع أبدانهم "وتنظيف" بالماء والسواك وقطع الروائح الكريهة لئلا يتأذى بعضهم ببعض. "ويصلون" للاستسقاء "ركعتين   1 قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . 2 أي الصيام. 3 أي النية في الليل. 4 تقدم الكلام على "شرح الإرشاد" للمصنف. راجع الحاشية 4 صفحة 46. 5 روى أبو داود في صلاة الاستسقاء باب 1 "حديث 1165"عن ابن عباس قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلًا متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلى، فرقي المنبر، فلم يخطب خطبكم هذه؛ ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد". ورواه أيضًا الترمذي في الجمعة باب 43، والنسائي في الاستسقاء باب 3، وابن ماجه في الإقامة باب 153، وأحمد في المسند "1/ 230، 355". 6 راجع الحديث في الحاشية السابقة. 7 لعله الحديث الذي رواه ابن ماجه في الفتن باب 22 "حديث 4019" عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، وفيه: "ولولا البهائم لم يمطروا". 8 رواه البيهقي في السنن الكبرى "3/ 345" من حديث أبي هريرة. 9 بالشارة واللباس، أو بجمعهم في مكان متميز عن مكان المسلمين، وما أشبه ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فصل: "في توابع ما مر" ويسن أن يظهر غير عورته لأول مطر السنة، ويغتسل ويتوضأ في السيل، فإن لم   كالعيد بتكبيراته" أي كصلاته فيكبر سبعًا يقينًا أول الأولى وخمسًا كذلك أول الثانية ويرفع يديه، ويقف بين كل تكبيرتين قائلًا ما مر ولا تتأقت بوقت صلاة العيد لكنه أفضل. "ويخطب خطبتين" كخطبة العيد في الأركان والسنن دون الشروط. "أو واحدة" على ما مر في صلاة الكسوف. "و" كون الخطبة "بعدها" أي الصلاة "أفضل" لأنه الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم "وأستغفر الله" تعالى في الخطبة "بدل التكبير" فيستغفر الله قبل الأولى تسعًا وقبل الثانية سبعًا ويكثر من الاستغفار حتى يكون هو أكثر دعائه. "ويدعو في" الخطبة "الأولى" والثانية "جهرًا" فالأولى أن يكثر من دعاء الكرب ومن قوله: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ومن الأدعية المأثورة في ذلك وهي مشهورة1. "ويستقبل" الخطيب "القبلة" للدعاء "بعد ثلث الخطبة الثانية" إن لم يستقبل له في الأولى وإلا لم يستقبل له في الثانية. "وحول الإمام والناس" في حال جلوسهم "ثيابهم" أي أرديتهم "حينئذ" أي حين استقباله القبلة بأن يجعل ما كان على كل جانب من الأيمن وعلى الأيسر ومن الأعلى والأسفل على الآخر وهذا في الرداء المربع، أما المثلث والمدور فليس فيهما إلا تحويل ما على الأيمن على الأيسر. "وبالغ فيها" أي في الثانية "في الدعاء سرًّا وجهرًا" ويسرون به إن أسر ويجهرون به إن جهر "ثم" بعد فراغه من الدعاء "استقبل الناس" بوجهه وحثهم على الطاعة وصلى وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ آية أو آيتين ودعا للمؤمنين والمؤمنات وختم بقوله: أستغفر الله لي ولكم ويترك كل رداء أو نحوه محولا حتى ينزع ثيابه بعد وصوله منزله، ويسن لكل من حضر أن يستشفع سرًّا بخالص عمله وبأهل الصلاح سيما أقاربه عليه الصلاة والسلام. فصل: في توابع ما مر "ويسن" لكل أحد "أن" يبرز "ويظهر غير عورته لأول مطر السنة" ليصيبه للاتباع   1 ذكرها النووي في الأذكار "ص159 وما بعدها" ومنها: "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا غدقًا مجللا سحا عامًا طبقًا دائمًا، اللهم على الظراب ومنابت الشجر وبطون الأودية، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانتين، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنه من البلاء ما لا يكشفه غيرك" , ويستحب إذا كان فيهم رجل مشهور بالصلاح أن يستسقوا به فيقولوا: "اللهم إنا نستسقي ونتشفع إليك بعبدك فلان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 يجمعهما فليتوضأ، ويسبح للرعد والبرق ولا يتبعه بصره، ويقول عند نزول المطر: اللهم صيبًا هنيئًا وسيبًا نافعًا، وبعده: مطرنا بفضل الله ورحمته. ويقول عند التضرر بكثرة المطر: اللهم حوالينا ولا علينا. ويكره سب الريح.   ولأنه حديث عهد بربه1 أي بتكوينه وتنزيله. "و" أن "يغتسل ويتوضأ في السيل" سواء سيل أول السنة وغيره. "فإن لم يجمعهما" فليغتسل, فإن لم يغتسل "فليتوضأ" ولا تشترط النية هنا لأن الحكمة فيه هي الحكمة فيما قبله. "و" أن يسبح للرعد" وهو ملك "والبرق" وهو أجنحته لقول ابن عباس رضي الله عنهما عن كعب رضي الله عنه: "من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثًا عوفي من ذلك". "ولا يتبعه" أي البرق ومثله الرعد والمطر "بصره" خشية من أن يذهبه. "و" أن "يقول عند نزول المطر: اللهم صيبًا" وهو بتحتية مشددة المطر الكثير "هنيئًَا وسيبًا" أي عطاء "نافعًا" مرتين أو ثلاثًا للاتباع المأخوذ من ورود ذلك في أحاديث متفرقة، وأن يكثر من الدعاء والشكر حال نزول المطر. "و" يندب أن يقول بعده أي بعد نزوله "مطرنا بفضل الله ورحمته" ويكره مطرنا بنوء كذا2 أي بوقت النجم الفلاني هذا إن لم يضف الأثر إليه وإلا كفر "و" أن يقول "عند التضرر بكثرة المطر" ودوام الغيم "اللهم حوالينا ولا علينا" اللهم على الآكام3 والظراب4 وبطون الأودية ومنابت الشجر، اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم ولا غرق "ويكره سب الريح" بل يسأل الله خيرها ويستعيذ به من شرها للاتباع5.   1 روى مسلم في صلاة الاستسقاء "حديث 13" وأبو داود في الأدب باب 105، وأحمد في المسند "3/ 133، 267" عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى". 2 روى البخاري في الاستسقاء باب 27 "حديث 1038" عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب". ورواه أيضًا مسلم وغيره من أصحاب الصحاح. 3 الآكام: التلال، جمع أكمة. 4 الظراب: جمع الظرب، وهو ما نشأ من الحجارة وحدد طرفه. والظرب أيضًا: الجبل المنبسط. انظر المعجم الوسيط "ص575". 5 روى أبو داود في الأدب باب 104 "حديث 5097" عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الريح من روح الله، فروح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فصل: "في تارك الصلاة" من جحد وجوب المكتوبة كفر أو تركها كسلا أو الوضوء أو الجمعة وصلى الظهر فهو مسلم، ويجب قتله بالسيف بعد الاستتابة إن لم يتب.   فصل: في تارك الصلاة "من جحد وجوب" الصلاة "المكتوبة" أي إحدى الخمس "كفر" لإنكار ما هو مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. "أو تركها" بلفظ الماضي أي المكتوبة دون المنذورة ونحوها "كسلا أو" ترك "الوضوء" لها أو شرطًا آخر من شروطها إن أجمع عليه "أو" ترك "الجمعة و" إن "صلى الظهر" لأنه لا يتصور قضاؤها والظهر ليست بدلا عنها "فهو" مع ذلك "مسلم" لما في الحديث "إن الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه"1 والكافر لا يدخل تحت المشيئة ولا يعارضه خبر مسلم: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة"2, لأنه محمول على الجاحد أو على التغليظ. "و" مع كونه مسلمًا "يجب" على الإمام أو نائبه "قتله" ولو بصلاة واحدة لكن يشترط إخراجها عن وقت الضرورة فلا يقتله بترك الظهر حتى تغرب الشمس ولا بترك المغرب حتى يطلع الفجر، ويقتله في الصبح بطلوع الشمس وفي العصر بغروبها وفي العشاء بطلوع الفجر، فيطالب بأدائها إذا ضاق وقتها ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن الوقت، فإذا خرج الوقت ضرب عنقه "بالسيف بعد الاستتابة إن لم يتب" قياسًا على ترك الشهادتين بجامع أن كلا3 ركن للإسلام ولا يدخله نيابة ببدن ولا مال بخلاف بقية الأركان. والاستتابة مندوبة، وإنما وجبت استتابة المرتد لأن الردة تخلد في النار فوجب إنقاذه منها بخلاف ترك الصلاة، ويندب أن تكون استتابته حالا، ومن قتله في مدة الاستتابة أو قبلها أثم ولا ضمان عليه، ولو قال حين إرادة قتله صليتها في بيتي أو ذكر عذرًا ولو باطلا لم يقتل، نعم يجب أمره بها إن ذكر عذرًا باطلا، ومتى قال: تعمدت تركها بلا عذر قتل سواء قال لا أصليها أم سكت لتحقق جنايته بتعمد التأخير، ولا يقتل بفائتة إن فاتته بعذر مطلقًا أو بلا عذر وقال أصليها لتوبته بخلاف ما إذا لم يقل ذلك.   1 رواه أبو داود في الصلاة باب 9 "حديث 425" عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه". 2 رواه مسلم في الإيمان "حديث 134" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. 3 أي الصلاة والشهادتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 باب الجنائز مدخل ... باب: الجنائز يستحب ذكر الموت بقلبه والإكثار منه والاستعداد له بالتوبة، والمريض أولى، ويسن عيادة المريض المسلم حتى الأرمد، والعدو والجار والكافر إن كان جارًا أو قريبًا غبًا ويخفف، ويدعو له بالعافية إن احتمل حياته، وإلا فيرغبه في توبة ووصية، ويحسن   باب: الجنائز جمع جنازة بالفتح وبه1 وبالكسر للميت في النعش فإن لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش من جنزه إذا ستره به2. "يستحب" لكل أحد "ذكر الموت بقلبه" ولسانه "والإكثار منه" أي من ذكره بأن يجعله نصب عينيه لأنه أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره، وعلله بأنه "ما ذكر في كثير" أي من أمر الدنيا والأمر فيها "إلا قلله، ولا في قليل" أي من الأعمال "إلا كثره"3. "و" يستحب "الاستعداد له بالتوبة" أي تجديدها والاعتناء بشأنها، ومحله إن لم يعلم أن عليه مقتضيًا لها وإلا وجبت فورًا بالإجماع "والمريض أولى" بذلك لأنه إلى الموت أقرب. "ويسن عيادة المريض المسلم حتى الأرمد" للاتباع ولو في أول يوم من مرضه وخبر: "إنما يعاد بعد ثلاثة"4 موضوع "والعدو" ومن لا يعرفه "والجار والكافر" أي الذمي والمعاهد والمستأمن "إن كان جارًا أو قريبًا" أو نحوهما كخادم ومن يرجى إسلامه فإن انتفى ذلك جازت عيادته بلا كراهة، ويكره عيادة تشق على المريض، ولا تندب عيادة ذي بدعة منكرة وأهل الفجور والمكس5 إذا لم يكن قرابة ولا نحو جوار ولا رجا توبته لأنا مأمورون بمهاجرتهم، ويندب أن تكون العيادة "غبًا" أي يومًا بعد يوم مثلا فلا يواصلها كل يوم إلا أن يكون مغلوبًا، نعم نحو القريب والصديق ممن يستأنس به المريض أو يتبرك به أو يشق عليه عدم رؤيته كل يوم يسن لهم المواصلة ما لم ينهوا أو يعلموا كراهته لذلك "ويخفف" المكث عنده بل تكره إطالته ما لم يفهم منه الرغبة فيها. "ويدعو له بالعافية إن احتمل حياته" أي طمع فيها ولو على بعد، وأن يكون دعاؤه: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن   1 أي بالفتح. 2 انظر لسان العرب "5/ 324" مادة "جنز". 3 رواه النسائي في الجنائز باب 3. 4 حديث: "لا يعاد المريض إلا بعد ثلاث" أو "ثلاثة" ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "6/ 299"، والهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 295" والمتقي الهندي في كنز العمال "25188" والفتني في تذكرة الموضوعات "210" والألباني في السلسلة الضعيفة "146" والعجلوني في كشف الخفا "2/ 526" والشوكاني في الفوائد المجموعة "264" وابن عراق في تنزيه الشريعة "2/ 253" والسيوطي في اللآلئ المصنوعة "2/ 216". 5 المكس: الضريبة يأخذها المكاس من يدخل البلد من التجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 المريض ظنه بالله، ويكره الشكوى وتمني الموت بلا فتنة في الدين، وإكراهه على تناول الدواء، وإذا حضره الموت ألقي على شقه الأيمن، فإن تعذر فالأيسر، وإلا فعلى قفاه   يشفيك سبع مرات ويطيب نفسه بمرضه بأن يذكر له من الأخبار والآثار ما تطمئن به نفسه. "وإلا" يطمع في حياته "فيرغبه في توبة ووصية" ويذكر له أحوال الصالحين في ذلك ويزيد في وعظه ويطلب الدعاء منه ويوصي أهله وخادمه بالرفق به واحتماله والصبر لندب ذلك لهم، ويأمره بأن يتعهد نفسه بأن يلازم الطيب والتزين كالجمعة وبقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت فإن المريض يسن له جميع ذلك، ويوصي أهله بالصبر عليه وترك النوح ونحوه وتحسين خلقه واجتناب المنازعة في أمور الدنيا واسترضاء من له به علقة وإن خفت. "ويحسن المريض ظنه بالله" لا سيما إن حضرته أمارات الموت لخبر مسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" 1 أي يظن أن يرحمه ويعفو عنه أما الصحيح فالأولى أن يستوي خوفه ورجاؤه ما لم يغلب عليه القنوط فالرجاء أولى أو أمن المكر فالخوف أولى، ويسن للمريض الصبر على المرض وترك التضجر منه. "ويكره" له "الشكوى" وعبر غيره بكثرة الشكوى ومحله ما لم يكن على جهة التبرم بالقضاء وعدم الرضى به وإلا حرمت كما هو ظاهر، بل ربما يخشى من ذلك الكفر، ولو سأله نحو صديق أو طبيب عن حاله فأخبره بما هو فيه من الشدة لا على صورة الجزع فلا بأس، والأنين خلاف الأولى بل يشتغل بالتسبيح ونحوه. "و" يكره "تمني الموت" لضر نزل به كما في الروضة وغيرها للنهي عنه2 "بلا" خوف "فتنة في الدين" فإن كان ولا بد متمنيًا فليقل: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وأمتني ما كان الموت خيرًا لي" للخبر الصحيح بذلك3، أما تمنيه عند خشية الفتنة فلا يكره، وكذا عند عدم الضرر، والفرق أن التمني مع الضر يشعر بعدم الرضى بالقضاء بخلافه بدونه. "و" يكره "إكراهه" أي المريض "على تناول الدواء" والطعام لحديث: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فإن الله يطعمهم ويسقيهم" 4   1 رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها "حديث 81 و82" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. 2 روى البخاري في الدعوات باب 30 "حديث 6351" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي". ورواه أيضًا أبو داود في الجنائز باب 9، والترمذي في الجنائز باب3، وابن ماجه في الزهد باب31، والنسائي في الجنائز باب 1، وأحمد في المسند "3/ 101، 104، 195، 208، 247، 281". 3 راجع الحاشية السابقة. 4 رواه الترمذي في جامعه "حديث 2040", والحاكم في المستدرك "1/ 350، 4/ 410" والطبراني في الكبير "17/ 293" وابن ماجه في سننه "حديث 3444" وأحمد في المسند "1/ 364". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ووجهه وأخمصاه للقبلة، ويرفع رأسه بشيء ويلقن لا إله إلا الله ولا يلح عليه، ولا يقال له قال. والأفضل تلقين غير الوارث، فإذا مات غمض عيناه، وشد لحياه بعصابة عريضة، ولينت مفاصله ولو بدهن إن احتيج إليه، وتنزع ثياب موته، ويستر بثوب خفيف، ويوضع على بطنه شيء ثقيل، ويستقبل به القبلة، ويتولى جميع ذلك أرفق محارمه به ويدعى له، ويبادر ببراءة ذمته، وإنفاذ وصيته، ويستحب الإعلام بموته للصلاة.   لكنه ضعيف1، ولذلك كان المعتمد أن ذلك خلاف السنة لا مكروه "وإذا حضر الموت" أي أماراته2 "ألقي على شقه الأيمن" وجعل وجهه إلى القبلة كالوضع في اللحد "فإن تعذر فالأيسر" لأنه أبلغ في الاستقبال من إلقائه على قفاه "وإلا" يتيسر إلقاؤه على الأيسر "فعلى قفاه" يلقى "و" يجعل "وجهه وأخمصاه" وهما بطون رجليه "للقبلة"؛ لأن ذلك هو الممكن "ويرفع رأسه" قليلا "بشيء" ليستقبل بوجهه "ويلقن" ندبًا "لا إله إلا الله" للأمر به في خبر مسلم3 ولا يسن زيادة محمد رسول الله لأنه لم يرد مع أن هذا مسلم ومن ثم يلقن الكافر الشهادتين ويؤمر بهما للاتباع "ولا يلح عليه" أي على المسلم "ولا يقال له قل" لئلا يتأذى بذلك بل يذكر الشهادتين بين يديه ليتذكرهما أو يقال ذكر الله مبارك فلنذكر الله جميعًا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. "والأفضل تلقين غير الوارث" والعدو والحاسد إن كان ثم غيره وإلا لقنه، فإذا قالها لم يعد عليه حتى يتكلم فإذا تكلم ولو بغير كلام الدنيا أعيدت عليه للخبر الصحيح: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" 4 "فإذا مات غمض" ندبًا "عيناه وشد لحياه بعصابة عريضة" يربطها فوق رأسه حفظًا لفمه من الهوام5 وقبح منظره "ولينت" عقب مفارقة روحه بدنه "مفاصله" فترد أصابعه إلى بطن كفه وساعده إلى عضده وساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ثم يمدها تسهيلا لغسله وتكفينه فإن في البدن حينئذ حرارة فإن لينت لانت وإلا لم يمكن تليينها بعد، نعم إن أمكن تليينها "ولو بدهن إن احتيج إليه" فلا بأس "وتنزع" عنه "ثياب موته" المحيطة التي مات فيها بحيث لا يرى شيء من بدنه لئلا يسرع فساده "ويستر" جميع بدنه "بثوب خفيف" يجعل أحد طرفين تحت رأسه والآخر تحت رجليه اتباعًا لما فعل به صلى الله عليه وسلم. "ويوضع على بطنه شيء ثقيل" من حديد كسيف ومرآة ثم   1 قال البوصيري في زوائد ابن ماجه في إسناد الحديث: إسناده حسن؛ لأن بكر بن يونس بن بكير مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات. 2 أماراته: علاماته. 3 حديث: "لقنوا موتاكم" وفي لفظ: "هلكاكم لا إله إلا الله". رواه مسلم في الجنائز "حديث 1 و2" وأبو داود في الجنائز باب 16، والترمذي في الجنائز باب 7، والنسائي في الجنائز باب 4، وابن ماجه في الجنائز باب 3، وأحمد في المسند "3/ 3". 4 رواه أبو داود في الجنائز باب 16 "حديث 3116" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورواه أيضًا أحمد في المسند "5/ 233، 247" والحاكم في المستدرك "1/ 351، 500". 5 الهوام: جمع الهامة، وهي الدابة، وكل ذي سم يقتل سمه "المعجم الوسيط: ص995". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فصل: "في بيان غسل الميت وما يتعلق به" غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض كفاية وأقل الغسل تعميم بدنه بعد إزالة النجاسة، ويسن في قميص، في خلوة تحت سقف على لوح، ويغض الغاسل ومن معه   طين رطب ثم ما تيسر لئلا ينتفخ، وينبغي صون المصحف عنه احترامًا له وألحق به كتب العلم المحترمة. "ويستقبل به القبلة" كالمحتضر فيما مر، ولا ينافي ذلك وضع شيء على بطنه لأنه يوضع عليها طولا ويشد بنحو خرقة، ويندب جعله على نحو سرير من غير فرش لئلا يتغير بنداوة الأرض أو يحمي عليه الفرش فيغيره "ويتولى جميع ذلك" أي إلقاءه على الشق الأيمن وما ذكر بعده "أرفق محارمه به" اتحد معه ذكورة أو أنوثة. "ويدعي له" عند فعل ما ذكر به وفي غير ذلك لاحتياجه إلى الدعاء حينئذ. "ويبادر ببراءة ذمته" بقضاء دينه "وتنفيذ وصيته" حالا إن تيسر وإلا سأل وليه غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، فإن فعلوا برئ في الحال على خلاف القاعدة للحاجة والمصلحة، وتجب المبادرة على الوارث والوصي عند الطلب والتمكن من التركة. "ويستحب الإعلام بموته" لا للرياء والسمعة بذكر الأوصاف الغير اللائقة به بل "للصلاة" ليكثر المصلون عليه للاتباع. فصل: في بيان غسل الميت وما يتعلق به "غسله" إن كان مسلمًا غير شهيد وإن غرق. "وتكفينه" ولو كافرًا. "والصلاة عليه" إن كان مسلمًا غير شهيد. "ودفنه" وحمله ولو كافرًا. "فروض كفاية" للإجماع، والمخاطب بذلك كل من علم بموته أو قصر في العلم به سواء أقاربه وغيرهم، فإن فعله أحد منها ولو غير مكلف لا من الملائكة أو الجن سقط الحرج عن الباقين وإلا أثم الجميع "وأقل الغسل تعميم بدنه" بالماء ولو من كافر أو بلا نية لأن القصد منه النظافة، ويندب أن لا يفيض الماء على بدنه إلا "بعد إزالة النجاسة" فإن صبه فأزالها بلا تغير في مرة واحدة أجزأت عن غسل الخبث والموت كما تكفي في الحي عن الحدث والخبث. "ويسن" أن يغسل "في قميص" لأنه أستر له وأن يكون القميص خلقًا1 أو سخيفًا2 حتى لا يمنع الماء إليه، ثم إن اتسع أدخل يده في كمه وإلا فتح دخاريصه3، فإن تعذر غسله ستر ما بين سرته وركبته مع جزء منهما، وأن يغسل "في خلوة" بأن لا يدخل عليه غير الغاسل ومعينه لأنه قد يكون ببدنه ما يخفيه،   1 ثوب خلق: يقال: خلق الثوب والجلد وغيرهما: بلى. 2 أي رقيقًا ضعيفًا. 3 الدخاريص، جمع دخرص، وهو ما يوصل به بدن الثوب أو الدرع ليتسع "المعجم الوسيط: ص274". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بصره إلا لحاجة، ومسح بطنه بقوة ليخرج ما فيه بعد إجلاسه مائلا مع فوح مجمرة بالطيب وكثرة صب وغسل سوأتيه والنجاسة بخرقة، ثم أخذ أخرى ليسوكه بها، ويخرج ما في أنفه؛ ثم وضأه ثم غسل رأسه ثم لحيته بالسدر، ثم غسل ما أقبل منه الأيمن ثم الأيسر، ثم ما أدبر الأيمن ثم الأيسر بالسدر ثم أزاله، ثم صب الماء البارد الخالص مع قليل كافور   وللولي الدخول وإن لم يغسل ولم يعن والأفضل كما في الأم أن يكون "تحت سقف" لأنه أستر وأن يرفع "على" نحو "لوح" أو سرير مهيأ لذلك لئلا يصيبه الرشاش ويستقبل به القبلة ويرفع منه ما يلي الرأس لينحدر الماء عنه. "ويغض الغاسل ومن معه بصره" وجوبًا عما بين السرة والركبة وجزء منهما إلا أن يكون زوجًا أو زوجة ولا شهوة وندبًا فيما عدا ذلك فنظره بلا شهوة خلاف الأولى "إلا لحاجة" إلى النظر كمعرفة المغسول من غيره، واللمس كالنظر فيما ذكر "و" يسن "مسح بطنه" بيده اليسرى "بقوة ليخرج ما فيه" لئلا يخرج منه شيء بعد غسله أو تكفينه ويكون ذلك "بعد إجلاسه" عند وضعه على المغتسل برفق "مائلًا" إلى ورائه قليلا، ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ويضع يده اليمنى على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه ثم يمسح بطنه كما ذكروا، ويكون ذلك "مع فوح مجمرة بالطيب وكثرة صب" من المعين لتخفى الرائحة بل يسن التبخير عنده من حين الموت لاحتمال ظهور شيء منه فتغلبه رائحة البخور "و" بعد ذلك "غسل سوأتيه" أي قبله ودبره "والنجاسة" التي حولهما كما يستنجي الحي "بخرقة" يلفها على يده اليسرى لئلا يمس العورة ويلفها ندبًا لغسل نجاسة سائر البدن كما اقتضاه كلامه، ويغسل قذره أيضًا لكن إنما يفعل هذا بالخرقة الثانية لا بالأولى خلافًا لما اقتضاه كلامه. "ثم أخذ" خرقة "أخرى" ولفها على يده اليسرى "ليسوكه بها" بسبابته مبلولة بالماء ولا يفتح أسنانه لئلا يسبق الماء إلى الجوف فيسرع فساده ثم ينظف بخنصرها مبلولة أنفه "ويخرج" بها "ما في أنفه" من أذى "ثم وضأه" ثلاثًا ثلاثًا كالحي بمضمضة واستنشاق يميل فيهما رأسه لئلا يسبق الماء إلى باطنه ولا يكفي عنهما ما مر لأنه كالسواك، ويتبع بعود لين ما تحت أظفاره وظاهر أذنيه وصماخيه1، "ثم" بعد ذلك "غسل رأسه ثم لحيته بالسدر2" ولا يعكس لئلا ينزل الماء من رأسه إلى لحيته فيحتاج إلى غسلها ويسرحهما بمشط برفق. "ثم غسل ما أقبل منه" بأن يغسل شقه "الأيمن" مما يلي وجهه من عنقه إلى قدمه "ثم الأيسر" كذلك. "ثم" يحوله إلى شقة الأيسر فيغسل منه "ما أدبر" بأن يغسل شقه "الأيمن" مما يلي القفا من كتفه إلى قدمه. "ثم" يحوله للأيمن فيغسل "الأيسر" كذلك ولا يعيد غسل رأسه ووجهه لحصول الغرض بغسلهما أولا بل يبدأ بصفحة عنقه فما تحتها، ويحرم كبه على وجهه   1 الصماخ: قناة الأذان التي تفضي إلى طبلته. 2 السدر: شجر النبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 من قرنه إلى قدمه ثلاثًا ثم ينشفه بثوب بعد إعادة تليينه، ويكره أخذ شعره وظفره، والأولى بغسل الرجل الرجال، وبالمرأة النساء، وحيث تعذر غسله أو لم يحضر إلا أجنبي أو أجنبية يمم.   احترامًا له، وإنما كره للحي ذلك لأن الحق1 له، وهذه الغسلة بكيفيتها المذكورة يندب أن تكون "بالسدر" أو الخطمي2 ونحوهما. "ثم" إذا فرغ من غسل جميع بدنه بالماء ونحو السدر على الكيفية المذكورة "أزاله" أي السدر أو نحوه بصب الماء الخالص من رأسه إلى قدمه. "ثم" إن لم تحصل النظافة بنحو السدر في الكيفية الأولى على خلاف الغالب جعله في كل غسلة من غسلات التنظيف، فإذا حصل النقاء "صب" وجوبًا "الماء" الخالص، ويسن حينئذ ثانية وثالثة بالماء الخالص كغسل الحي، ويسن أن يتحرى الماء "البارد" لأنه يشد البدن والمسخن يرخيه، نعم إن احتيج إليه لنحو وسخ وبرد كان المسخن أولى، ولا يبالغ في تسخينه لأنه يسرع الفساد والماء الملح أولى من العذب، ولا ينبغي أن يغسل بماء زمزم للخلاف في نجاسة الميت، وينبغي أن يبعد إناء الماء عما يقذره من الرشاش وغيره ما أمكن، ويجب أن يتحرى في إزالة نحو السدر الماء "الخالص" عما يسلبه الطهورية لما مر أول الكتاب، نعم يسن أن يكون كل غسلة من الثلاث التي بالماء الخالص في غسل غير المحرم "مع قليل كافور" وهو في الأخيرة آكد لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به3 فيها4، ويكره تركه لأنه يقوي البدن ويدفع الهوام، وخرج باليسير الكثير بحيث يفحش التغير به فإنه يسلب طهورية الماء إن لم يكن صلبًا، وعلم مما تقرر أن نحو السدر ما دام الماء يتغير به يمنع الحسبان عن الغسل الواجب والمندوب فيغسل "من قرنه إلى قدمه" بعد الغسلة المزيلة له "ثلاثًا" بالماء الخالص متوالية كما قدمته وهو الأولى أو متفرقة بأن يستعمل الماء الخالص بعد تمام كل غسلة من غسلات التنظيف ويكون كل مرة من التنظيف، واستعمال الماء الخالص بعد غسله "ثم" بعد فراغه من غسله "ينشفه بثوب" مع المبالغة في ذلك لئلا تبتل أكفانه فيسرع فساده وبه فارق ندب ترك التنشيف في طهر الحي، ويسن أن يكون تنشيفه "بعد إعادة تليينه" أي تليين مفاصله عقب الفراغ من غسله ليبقى لينها. "ويكره أخذ شعره" أي الميت غير المحرم "وظفره" وإن كان مما يزال للفطرة واعتاد إزالته حيًا لأن أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بذلك ومن ثم لا يختن الأقلف، نعم لو لبد شعره بنحو صمغ   1 أي حق الاحترام. 2 الخطمي: نبات من الفصيلة الخبازية كثير النفع، يدق ورقه يابسًا ويجعل غسلا للرأس فينقيه "المعجم الوسيط: ص245". 3 أي بالكافور. 4 روى البخاري في الجنائز باب 13 "حديث 1258", ومسلم في الجنائز "حديث 36" وغيرهما عن أم عطية قال: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور فإذا فرغتن فآذنني" فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال: "أشعرنها إياه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فصل: "في الكفن" وأقل الكفن ثوب ساتر للعورة، ويسن للرجل ثلاث لفائف وللمرأة خمسة: إزار ثم   ولم يصل الماء إلى أصوله إلا بها وجبت إزالته، أما المحرم إذا مات قبل تحلله الأول فيجب أن يبقى أثر إحرامه فلا يجوز أن يفعل به شيء مما يحرم على المحرم بخلاف المعتدة عن وفاة لأن تحريم نحو الطيب عليها إنما كان للتفجع وقد زال بالموت. "والأولى بغسل الرجل الرجال" فيقدمون حتى على الزوجة وأولاهم به أولاهم بالصلاة عليه، نعم الأفقه هنا أولى من الأسن، والأولى بعد الرجال الأقارب الرجال الأجانب ثم الزوجة وإن نكحت غيره ثم النساء المحارم. "و" الأولى "بالمرأة" أن يغسلها "النساء" لكن الأولى منهن ذات المحرمية وهي من لو فرضت ذكرًا حرم تناكحهما، وتقدم نحو العمة على نحو الخالة فإن لم تكن ذات محرمية قدمت القربى فالقربى ثم ذات الولاء ثم محارم الرضاع ثم محارم المصاهرة ثم الأجنبيات، والحائض كغيرها إذ لا كراهة في تغسيلها ثم بعد النساء الزوج وإن نكح أختها أو أربعًا سواها، ويندب أن يتقي المس بخرقة يلفها على يديه ثم رجال المحارم بترتيبهم الآتي في الصلاة، وشرط المقدم الحرية والاتحاد في الدين وعدم القتل المانع للإرث، وعدم العداوة والصبا والفسق، ويغسل السيد أمته ولو مكاتبة وأم ولد حيث لم تكن مزوجة ولا معتدة أو مستبرأة1 ولا مشتركة2 ولا مبعضة3 وإلا امتنع عليه تغسيلها، وليس لأمة تغسيل سيدها لانتقال ملكه عنها، ولكن من الرجال والنساء تغسيل صغير وصغيرة لم يبلغا حد الشهوة، وتغسيل الخنثى الذي لا محرم له للحاجة ولضعف الشهوة بالموت وبه فارق حرمة نظر الفريقين له وهو حي. "وحيث تعذر غسله" بأن أدى إلى تهريه يمم وجوبًا بخلاف ما إذا أدى إلى إسراع فساده بعد الدفن فإنه يغسل. "أو لم يحضر" في المرأة "إلا" رجل "أجنبي أو" في الرجل إلا امرأة "أجنبية يمم" وجوبًا أيضًا لحرمة النظر حينئذ إلى شيء من بدن الميت. فصل: في الكفن "وأقل الكفن" الواجب "ثوب" لحصول الستر به، فلا يكفي ما يصف البشرة مع وجود غيره لا في الرجل ولا في المرأة، ويجب كونه مما يباح له لبسه في الحياة كالحرير للمرأة وغير المكلف بخلافه للبالغ، ولا يكتفي بالطين هنا عند وجود غيره ولو حشيشًا لما فيه من   1 الاستبراء: أن يشتري الرجل جارية فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة ثم تطهر؛ ومعناه: طلب براءتها من الحمل "لسان العرب: 1/ 33". 2 بين سيدين. 3 بعضها قن وبعضها حر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 قميص ثم خمار ثم لفافتان والبياض والمغسول والقطن أفضل، ويبخر بعود، والأفضل أن   الإزراء بالميت، ولا يجوز التكفين في متنجس بما لا يعفى عنه عند وجود طاهر غير حرير ونحوه، أما الطاهر الحرير ونحوه فيقدم عليه المتنجس، ولو تعذر الثوب وجب الحشيش ثم الطين ويكفي بالنسبة لحق الله تعالى ثوب "ساتر للعورة" فقط وهو في الذكر ما بين السرة والركبة، وفي المرأة ولو أمة والخنثى غير الوجه والكفين، أما بالنسبة لحق الميت فيجب ثوب يعم به جميع البدن لا رأس المحرم ووجه المحرمة تكريمًا له وسترًا لما يعرض من التغير، فالحاصل أن من خلف مالا وسترت عورته ولم يوص بترك الزائد سقط الحرج عن الأمة ويقي حرج ترك الزائد على الورثة، بخلاف ما إذا انتفى ذلك، ومن ثم جاز للميت منع الزائد بأن يوصي بستر عورته فقط لأنه حقه، وليس له الإيصاء بترك التكفين من أصله لأنه حق الله تعالى، ولغريم استغرق دينه التركة منع الزائد على الأقل وإن رضي به الورثة لأنه أحوج إلى براءة ذمته من التجمل، ومن ثم لم يكن للوارث المنع من ثلاث لفائف لأن المنفعة تعود له لا للميت وله المنع من الزائد على ثلاثة ولو في المرأة. "ويسن للرجل ثلاث لفائف" يستر كل منها جميع البدن لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كفن فيها1، وكالرجل غيره إذا كفن في ثلاثة فالأفضل أن تكون لفائف. "و" يسن "للمرأة" والخنثى "خمسة: إزار" يشد عليها وهو ما يستر العورة "ثم" بعد شد الإزار يندب "قميص" يجعل فوقه "ثم" بعد لبس القميص يندب "خمار" يغطي به الرأس "ثم" بعد ذلك يندب "لفافتان" تلف فيهما للاتباع2 في الأنثى وقيس بها الخنثى احتياطًا للستر. "والبياض" أفضل من غيره لما صح من الأمر به3، "والمغسول" أفضل من الجديد لأن مآله للبلى، والمراد بإحسان الكفن في خبر مسلم4 بياضه   1 روى البخاري في الجنائز "حديث 1264 و1272 و1273 و1387" ومسلم في الجنائز "حديث 45" والنسائي في الجنائز باب 39، وابن ماجه في الجنائز باب 11، ومالك في الجنائز حديث 5 و6 و7، وأحمد في المسند "6/ 40، 93، 118، 132، 165، 231" عن عائشة قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية من كرسف ليس فيهن قميص ولا عمامة". 2 روى أبو داود في الجنائز باب 32 "حديث 3157" عن ليلى بنت قانف الثقفية قال: "كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر" قالت: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبًا ثوبًا". 3 روى أبو داود في الطب باب 14 "حديث 3878" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" ورواه أيضًا في اللباس باب 13، ورواه الترمذي في الجنائز باب 18 والأدب باب 46، والنسائي في الجنائز باب 38، وأحمد في المسند "1/ 247، 274، 328، 355، 363". 4 خبر مسلم هو ما رواه في الجنائز عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" ورواه أيضًا الترمذي في الجنائز باب 19، والنسائي في الجنائز باب 37، وابن ماجه في الجنائز باب12، وأبو داود في الجنائز باب 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 يحمل الجنازة خمسة، والمشي قدامها بقربها، والإسراع بها، ويكره اللغط فيها، واتباعها بنار واتباع النساء.   ونظافته وسبوغه1 وكثافته لا ارتفاعه إذ تكره المبالغة فيه للنهي عنه2، نعم إن كان الوارث محجورًا عليه أو غائبًا حرمت المغالاة فيه من التركة. "و" الثوب "القطن أفضل" من غيره كما قاله البغوي لأن كفنه صلى الله عليه وسلم كان كذلك3. "ويبخر" ندبًا الكفن لغير المحرم، ويندب أن يبخر ثلاثًا وأن يكون التبخير "بعود" وأن يكون العود غير مطيب بالمسك ثم بعد تبخيره تبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويذر عليه حنوط ويبسط فوقه الثاني ويذر عليه الحنوط ثم الثالث كذلك لئلا يسرع بلاها من بلل يصيبها، ثم يوضع الميت على الثالث برفق مستلقيًا على قفاه، ثم يلصق بجميع منافذه مواضع السجود منه قطن حليج4 مع كافور وحنوط دفعًا للهوام عن ذلك5 ويدس القطن بين أليتيه ويكره إدخاله باطنه إلا لعله يخالف خروج شيء بسببها، ثم يلف عليه الثوب الذي يليه فيضم منه شقه الأيسر على شقه الأيمن ثم الأيمن على الأيسر ثم يلف الثاني كذلك ثم الثالث كذلك ثم تربط الأكفان ثم تحل في القبر، والتكفين يجب على من كان عليه نفقته حيًا كزوجته غير الناشزة والصغيرة وخادمتها وإن كانت موسرة رجعية أو بائنًا حاملًا، نعم يجب على الأب تجهيز ولده الكبير، وعلى السيد تجهيز مكاتبه وإن لم يلزمهما نفقتهما حيين، وليس على الولد تجهيز زوجة أبيه وإن لزمه نفقتها حية وإنما يجب عليه تكفين الغير بثوب يعم فقط، نعم تحرم الزيادة عليه إن كفن من بيت المال أو مما وقف للتكفين. واعلم أن حمل الجنازة من وظيفة الرجال ولا دناءة فيه، ويحرم بهيئة مزرية كحمله في غرارة6 أو قفة أو بهيئة يخشى سقوطه منها، والحمل بين العمودين أفضل من التربيع7 إن أريد الاقتصار على أحدهما، وكيفية الأول8 أن يحمله ثلاثة يضع أحدهم الخشبتين المقدمتين على عاتقيه ويأخذ اثنان بالمؤخرتين. "والأفضل أن يحمل الجنازة" عند عجز   1 سبغ الشيء سبوغًا، تم، وطال، واتسع. 2 روى أبو داود في الجنائز باب 31 عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعًا". 3 روى الإمام أحمد في المسند "6/ 304" من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض كرسف، يعني قطنًا. 4 أي محلوج؛ فعيل بمعنى مفعول. 5 أي منافذه ومواضع السجود منه. 6 الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، وهو أكبر من الجوالق "المعجم الوسيط: ص648". 7 ستأتي كيفية التربيع بعد خمسة أسطر. 8 أي الحمل بين العمودين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   المتقدم عن حمل المقدمتين كما ذكر "خمسة" بأن يعينه اثنان فيضع كل واحد منهما واحدة من المقدمتين على عاتقه والثلاثة الباقون على الكيفية السابقة فحاملوها بلا عجز ثلاثة وبه خمسة فإن عجزوا فسبعة أو تسعة أو أكثر أوتار بحسب الحاجة، والتربيع أن يحمله أربعة كل واحد بعمود فإن عجزوا فستة أو ثمانية أو أكثر أشفاعًا بحسب الحاجة، ويكره الاقتصار على واحد أو اثنين إلا في الطفل، والجمع بين الكيفيتين بأن يحمل تارة بالهيئة الأولى وتارة بالهيئة الثانية أفضل من الاقتصار على إحداهما. "و" يندب لكل مشيع قادر "المشي" للاتباع1 ويكره لغير المعذور بنحو مرض ركوبه في ذهابه معها دون رجوعه، ويندب حتى للراكب المشي "قدامها" وكونه "بقربها" بحيث يراها إن التفت للاتباع "و" يندب "الإسراع بها" بين المشي المعتاد والخبب2 إن لم يضره لما صح من الأمر به3 ولو خيف عليه تغير زيد في الإسراع ويندب ستر المرأة بشيء كالخيمة، ويتأكد تشييع الجنازة للرجال، ويندب مكثهم إلى أن يدفن. "ويكره اللغط فيها" بالتحدث في أمور الدنيا بل السنة الفكر في الموت وما بعده. ويكره القيام لمن مرت به ولم يرد الذهاب معها والأمر به4 منسوخ5. "و" يكره "اتباعها بنار" ولو في مجمرة وأن يحمي عند القبر. "و" يكره "اتباع النساء" للجنازة إن لم يتضمن حرامًا وإلا حرم، وعليه يحمل ما ورد مما يدل على التحريم.   1 روى أبو داود في الجنائز باب 45 "حديث 3179" عن ابن عمر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنائز" ورواه أيضًا الترمذي في الجنائز باب 26، والنسائي في الجنائز باب 56، وابن ماجه في الجنائز باب 16، ومالك في الجنائز حديث 8، وأحمد في المسند "2/ 8، 122". 2 الخبب: العدو. 3 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك صالحة فخير تقدمونها، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم". رواه البخاري في الجنائز باب 51 "حديث 1315" وهذا لفظه. ومسلم في الجنائز حديث 50 و51، وأبو داود في الجنائز باب 46، والنسائي في الجنائز باب 44، وابن ماجه في الجنائز باب 15، ومالك في الجنائز حديث 58، وأحمد في المسند "2/ 240، 280، 488". 4 الأمر بالقيام للجنازة رواه البخاري في الجنائز باب 47 "حديث 1308" ومسلم في الجنائز حديث 73، عن عامر بن ربيعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشيًا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه" ولفظ مسلم: " ... حتى تخلفكم أو توضع". ورواه أيضًا البخاري في الجنائز باب 48 "حديث 1310" ومسلم في الجنائز حديث 76، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يعقد حتى توضع". ورواه البخاري في الجنائز باب 49 "حديث 1311" ومسلم في الجنائز حديث 78، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا". 5 نسخ الأمر بالقيام للجنازة رواه مسلم في الجنائز حديث 82 عن علي بن أبي طالب قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد". وبلفظ آخر "حديث 84": "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا" يعني في الجنازة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 فصل: "في أركان الصلاة على الميت وما يتلعق بها" ... فصل: "في أركان الصلاة على الميت وما يتعلق بها" أركان صلاة الميت سبعة: الأول: النية كغيرها. الثاني: أربع تكبيرات. الثالث: قراءة الفاتحة. الرابع: القيام للقادر. الخامس: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية. السادس: الدعاء للميت بعد الثالثة.   فصل: في أركان الصلاة على الميت وما يتعلق بها "أركان صلاة الميت سبعة. الأول: النية كغيرها" فيجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض، فمن ذلك النية بالتكبيرة الأولى والتعرض للفرضية وإن لم يقل فرض كفاية، وعلى المأموم نية الاقتداء أو نحوه، ولا يجب تعيين الميت ولا معرفته بل الواجب أدنى تمييز كقصد من صلى عليه الإمام. "الثاني" من الأركان: "أربع تكبيرات" منها تكبيرة الإحرام للاتباع1 ولا يضر الزيادة عليها سواء الخمس وما فوقها. "الثالث: قراءة الفاتحة" لعموم خبر: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"2 ولا تتعين في الأولى كما أفهمه كلام المصنف بل تجزئ في الثانية أو غيرها على تناقض فيه. "الرابع: القيام للقادر" عليه بخلاف العاجز عنه فيقعد ثم يضطجع ثم يستلقي كما في سائر الصلوات المفروضة. "الخامس: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد" التكبيرة "الثانية" لفعل السلف والخلف. "السادس: الدعاء للميت" بخصوصه ولو طفلا فيما يظهر كـ:"اللهم اغفر له" أو "اللهم ارحمه" أو نحو ذلك "بعد" التكبيرة "الثالثة" لفعل من ذكر ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" 3.   1 روى مسلم في الجنائز "حديث 68" وأبو داود في الجنائز باب 54 "حديث 3196" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دفن فكبر عليه أربعًا". 2 رواه مسلم في الصلاة حديث 34 من حديث عبادة بن الصامت. ورواه أيضًا أبو داود "حديث 822" والترمذي "حديث 247 و311" وأحمد في المسند "5/ 314" والبيهقي في السنن الكبرى "2/ 38, 61, 164، 375" وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 11، والدارقطني في سننه "1/ 321، 322". 3 رواه من حديث أبي هريرة أبو داود في الجنائز باب 56 "حديث 3199" وابن ماجه "حديث رقم 1497" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 40". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 السابع: السلام. ويسن رفع يديه في التكبيرات، والإسرار والتعوذ دون الاستفتاح ويشترط فيها شروط الصلاة، ويصلي على الغائب والمدفون من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم الموت إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بالصلاة عليه عصباته، ثم ذوو الأرحام. ولا   "السابع السلام" كغيرها في جميع ما مر في صفة الصلاة، ويجب أن يكون بعد الرابعة ولا يجب فيها ذكر لكن يسن تطويل الدعاء فيها. "ويسن رفع يديه" حذو منكبيه "في" كل من "التكبيرات" ووضع يديه بين كل تكبيرتين تحت صدره "والإسرار" للقراءة ولو ليلا لما صح عن أبي أمامة رضي الله عنه أن ذلك من السنة1 "والتعوذ" للفاتحة لأنه من سننها ولا تطويل فيه "دون الاستفتاح" والسورة وإن صلى على غائب؛ لأن مبناها على التخفيف ما أمكن. "ويشترط فيها شروط الصلاة" لأنها صلاة، ويشترط أيضًا تقدم غسل الميت أو تيممه بشرطه لا تكفينه لكن تكره الصلاة عليه قبل التكفين "ويصلي" جوازًا من يأتي "على الغائب" من عمارة البلد أو سورها. "و" على "المدفون" في البلد لما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي بالمدينة يوم موته بالحبشة فخرج بهم إلى المصلى وصف بهم وكبر أربع تكبيرات وذلك في رجب سنة تسع، وأنه صلى على القبر. وإنما يصلي على من ذكر "من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم الموت" أي وقته لأن غيره متنفل وهذه لا يتنفل بها فتمتنع على الكافر والحائض وقت الموت وعلى من بلغ أو أفاق بعده وقبل الغسل "إلا النبي صلى الله عليه وسلم" فلا تجوز الصلاة على قبره كسائر قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للعنه صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد2 ولأنا لم نكن أهلًا للفرض وقت موتهم. "وأولى الناس بالصلاة عليه" أي الميت "عصباته" لأنهم أقرب وأشفق فيكون دعاؤهم أقرب للإجابة، ويقدم منهم الأقرب كالأب ثم أبيه وإن علا لأن الأصول أشفق ثم الابن ثم ابنه وإن سفل ثم الأخ الشقيق ثم لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم عم ثم ابن العم كذلك وهكذا، ولو اجتمع ابنا عم أحدهما أخ لأم قدم لترجحه بقرابة الأم وإن لم يكن لها دخل هنا. "ثم ذوو الأرحام" الأقرب فالأقرب فيقدم   1 رواه النسائي في قيام الليل باب 23. 2 حديث: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفي لفظ: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" , روي من حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، فرواه البخاري في صحيحه "الأحاديث 435 و436 و437 و1390 و3453 و3454 و4441 و4443 و4444 و5815 و5816", ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 19 و23" وأبو داود في الجنائز باب 72، والنسائي في المساجد باب 13 والجنائز باب 106، والدارمي في الصلاة باب 120، ومالك في المدينة حديث 17، وأحمد في عدة مواضع من مسنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 يغسل الشهيد، ولا يصلى عليه وهو من مات في قتال الكفار بسببه، ولا على السقط إلا إذا ظهرت أمارات الحياة كالاختلاج، ويغسل إن بلغ أربعة أشهر.   أبو الأم ثم بنو البنات على ما في الذخائر1 ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم، ولا حق هنا للوالي ولا لإمام المسجد وكذا لا حق للزوج أو السيد إن وجد أحد من الأقارب وإلا قدم على الأجانب، ولا لامرأة مع ذكر وإلا قدمت بترتيب الذكر السابق، ولا لقاتل وعدو ونحو صبي، ولو استوى اثنان في درجة قدم العدل الأسن في الإسلام على أفقه منه بخلاف ما مر في سائر الصلوات لأن الغرض هنا الدعاء ودعا الأسن أقرب إلى الإجابة، ويقدم العدل الحر الأبعد على القن الأقرب والأفقه والأسن لأنه أليق بالإمامة لأنها ولاية فإن استووا في جميع ما ذكر وغيره كنظافة الثوب والبدن وتشاحوا2 قدم واحد بقرعة، ولو أوصى الميت بالصلاة لغير المقدم وإن كان صالحا لغا3 لأنها حق القريب كالإرث. "ولا يغسل الشهيد" ولو حائضًا مثلا "ولا يصلى عليه" أي يحرم غسله والصلاة عليه لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بثيابهم ولو يغسلهم ولم يصل عليهم"4 وحكمة ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء غيرهم. "وهو" أي الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلى عليه "من مات في قتال الكفار" أو كافر واحد ولم يبق فيه حياة مستقرة "بسببه" ولو برمح5 دابة لنا أو لهم أو سلاحه أو سلاح مسلم آخر خطأ أو تردى بوهدة6 أو جبل أو جُهِلَ ما مات به وإن لم يكن به أثر دم لأن الظاهر أن موته بسبب القتال، بخلاف ما لو مات بغير سببه أو جرح فيه ومات به وبقي بعد انقضائه حياة مستقرة فإنه ليس له حكم السبب فيما ذكر وإن قطع بموته بعد، كمن مات فجأة فيه أو بمرض أو قتله أهل البغي أو اغتاله مسلم مطلقًا أو كافر في غير قتال، ويجب أن يزال عنه نجس غير دم وإن حصل بسبب الشهادة ودم حصل بغير سببها وإن أدت إزالة ذلك إلى إزالة دمها لأنه ليس من أثر العبادة، ويندب أن ينزع عنه آلة الحرب ونحوها، وأن يكفن في ثيابه الملطخة بالدم. "ولا" يصلى "على السقط" أي تحرم الصلاة عليه "إلا إذا ظهرت أمارات الحياة" بصياح أو غيره "كالاختلاج" بعد انفصاله فيجب حينئذ غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه لتيقن حياته أو ظهور أماراتها، وصح: "إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه" 7. "ويغسل" ويكفن ويدفن وجوبًا.   1 راجع الحاشية 1 صفحة 73. 2 تشاحوا: تخاصموا. 3 لغا: بطل. 4 رواه بنحو هذا اللفظ من حديث ابن عباس: أبو داود في الجنائز باب 27 "حديث 3134" وفي الجهاد باب 38، وابن ماجه في الجنائز باب 28، ومالك في الجهاد حديث 38. 5 رمحت الدابة فلانًا: رفسته. 6 الوهدة: الأرض المنخفضة. 7 رواه بهذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى "4/ 8". ورواه بدون لفظ "ورث" ابن ماجه في سننه "حديث 2750" والحاكم في المستدرك "4/ 348". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 فصل: "في الدفن" وأقل الدفن حفرة تكتم رائحته وتحرسه من السباع، وأكمله قامة وبسطة وذلك أربعة أذرع ونصف، ويحرم نبشه قبل بلاء إلا لضرورة.   "إن بلغ أربعة أشهر" أي مائة وعشرين يومًا حد نفخ الروح فيه ولم تظهر فيه أمارة حياة، ولا تجوز الصلاة عليه لأن نحو الغسل أوسع بابًا منها إذ الذمي يفعل به ما ذكر إلا الصلاة، أما إذا لم يبلغ الأربعة فلا يجب فيه شيء من ذلك لكن يندب أو يوارى بخرقة وأن يدفن. فصل: في الدفن ويجب تقديم الصلاة عليه. "وأقل الدفن حفرة تكتم رائحته وتحرسه من السباع" لأن حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه وانتشار رائحته المستلزم للتأذي بها واستقذار جيفته، فاشترطت حفرة تمنعهما، ومن ثم لم تكف الفساقي1 وإن منعت الوحش لأنها لا تكتم الريح، وخرج بالحفرة ما لو وضع على وجه الأرض وبني عليه ما يمنعهما2 فإنه لا يكفي إلا إن تعذر الحفر كما لو مات بسفينة والساحل بعيد أو به مانع فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه، ثم يجعل بين لوحين ثم يلقى في البحر، ويجوز أن يثقل لينزل إلى القرار. "وأكمله" قبر واسع لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك3 وضابط ارتفاعه الأكمل "قامة وبسطة" أي قدرهما من معتدل الخلقة "وذلك أربعة أذرع ونصف" بذراع اليد وهي نحو ثلاثة أذرع ونصف بالذراع المعتدل المعهود. "ويحرم نبشه" أي القبر "قبل بلاء" الميت لإدخال ميت آخر أو لغير ذلك احترامًا لصاحبه "إلا لضرورة" كأن دفن بلا طهارة أو لغير القبلة أو في ثوب مغصوب أو أرض مغصوبة أو سقط في القبر متمول4 فيجب النبش لحصول الستر المقصود من الكفن وحرمة الحرير لحق الله تعالى، ولو ابتلع مال غيره وجب النبش وشق جوفه إن طلب المالك، وكذا يجب شق جوف من ماتت وفيه5 جنين وجبت حياته، وينبش أيضًا إن لحقه بعد الدفن نحو نداوة أو سيل أو دفن كافر بالحرم أو احتيج لمشاهدته للتعليق على صفة فيه أو لكون القائف6 يلحقه بأحد المتنازعين فيه.   1 الفساقي: جمع فسقية، وهي حوض من الرخام ونحوه مستدير غالبًا تمج الماء فيه نافورة ويكون في القصور والحدائق والميادين "المعجم الوسيط: ص689". 2 أي ما يمنع انتشار رائحته وعدو السباع عليه. 3 روى أبو داود في الجنائز باب 67 "حديث 3215" وأحمد في المسند "4/ 20" عن هشام بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر". ورواه بلفظ: "احفروا وأوسعوا وأعمقوا" البيهقي في السنن الكبرى "3/ 412، 4/ 234". 4 أي ما له قيمة مالية. 5 أي جوفها. 6 القائف: من يحسن معرفة الأثر وتتبعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 باب كتاب الزكاة مدخل ... كتاب: الزكاة لا تجب الزكاة إلا على الحر المسلم غير الجنين وذلك في أنواع: الأول النعم، ففي كل خمس من الإبل إلى عشرين شاة جذعة، أو جذع ضأن له سنة، أو ثنية معزٍ أو   كتاب: الزكاة وهي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعًا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص وهي أحد أركان الإسلام، ومن ثم يكفر جاحدها على الإطلاق أو في القدر المجمع عليه، ويقاتل الممتنع من أدائها وتؤخذ منه وإن لم يقاتل قهرًا. "لا تجب الزكاة إلا على الحر" ولو مبعضًا ملك ببعضه الحر نصابًا بخلاف الرقيق لأنه لا يملك وإن ملكه سيده ولا زكاة على مكاتب لضعف ملكه ولا على سيده لأنه ليس مالكًا له "المسلم" ولو غير مكلف كالصبي والمجنون للخبر الصحيح فرضها على المسلمين والمراد بلزومها لغير المكلف أنها تلزم في ماله حتى يلزم الولي الذي يعتقد وجوبها في مال المولي إخراجها من ماله، أما الكافر فلا يلزمه إخراجها ولو بعد الإسلام، لكنه إذا مات على كفره طولب بها في الآخرة وعوقب عليها كسائر الواجبات، ويوقف الأمر في مال المرتد، فإن مات مرتدًا بان أن لا مال له من حينها وإلا أخرج الواجب في الردة وقبلها. "غير الجنين" فلا زكاة في المال الموقوف1 لأنه لا ثقة بوجوده فضلا عن حياته، ويشترط أيضًا كون المالك معينًا، فلا زكاة في ريع موقوف على نحو الفقراء والمساجد كما يأتي لعدم تعين المالك، بخلاف الموقوف على معين واحد أو جماعة، وتجب على من ذكر بالشروط الآتية وإن كان عليه ديون بقدر ما في يده أو أكثر. "وذلك" أي وجب الزكاة "في أنواع" خمسة أو ستة لأنها إما زكاة بدن وهي زكاة الفطر، وإما زكاة مال وهي إما متعلقة بالعين وهي زكاة النعم والمعشرات والنقدين والركاز2 والمعدن، وإما متعلقة بالقيمة وهي زكاة التجارة. "الأول: النعم" وهي الإبل والبقر والغنم الإنسية فلا يجب في غيرها حتى المتولد منها ومن غيرها بخلاف المتولد بينها كالمتولد بين الإبل والبقر فالواجب فيه زكاة أخف أبويه، ولوجوبها شروط منها النصاب. "ففي كل خمس من الإبل إلى عشرين" منها "شاة" والمراد بها "جذعة أو جذع ضأن له سنة" أو أجذع قبل تمامها "أو ثنية معز أو ثني له سنتان" كاملتان وإنما أجزأ الذكر هنا لصدق اسم الشاة به في الخبر3 إذ تاؤها للوحدة لا للتأنيث، وشرط الشاة هنا   1 أي المال الواجب للجنين إرثًا من مورثه الذي مات قبل ولادته. 2 الركاز: أي المركوز، وهو المدفون؛ كما سيأتي في باب زكاة النقد. 3 وهو قوله: "وفي أربعين شاة شاة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ثني له سنتان، وفي خمس وعشرين بنت مخاص لها سنة، أو ابن لبون له سنتان إن فقدها، وفي ست وثلاثين بنت لبون لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة لها ثلاث، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، ثم في كل أربعون بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن فقد واجبة صعد إلى أعلى منه، وأخذ شاتين كالأضحية، أو عشرين درهمًا إسلامية، أو نزل إلى أسفل منه وأعطى بخيرته شاتين أو عشرين درهمًا.   أن تكون من غنم البلد أو مثلها أو أعلى منها قيمة وأن تكون صحيحة وإن كانت إبله مراضًا، وعلم من كلامه أنه يجب في العشر شاتان وفي الخمسة عشر ثلاث شياه وفي العشرين أربع. "وفي خمس وعشرين بنت مخاض" وهي ما "لها سنة" كاملة سميت بذلك لأن أمها آن لها أن تحمل مرة أخرى فتصير من المخاض أي الحوامل وتجزئ في أقل من خمس وعشرين وإن زادت قيمة الشياه عليها "أو ابن لبون" ولو خنثى وهو ما "له سنتان" وإنما يجزئ "إن فقدها" أي بنت المخاض بأن لم يملكها أو ملكها معيبة أو مغصوبة وعجز عن تخليصها أو مرهونة بمؤجل، ولا فرق بين أن تساوي قيمة ابن اللبون قيمة بنت المخاض أو لا، ولا يكلف تحصيلها بشراء أو غيره، ويجزئ ما فوق ابن اللبون كالحق بالأولى لا ابن المخاض لأنه لا جابر فيه بخلاف ابن اللبون وما فوقه لأن فضل السن يجبر فضل الأنوثة، ولو كانت عنده بنت مخاض كريمة لم يجز ابن اللبون لقدرته عليها ولا يكلفها إلا إن كانت إبله كلها كرامًا ولا يكلف عن الحوامل حاملا. "وفي ست وثلاثين" من الإبل "بنت لبون" هي التي تم "لها سنتان" سميت بذلك لأن أمها آن لها أن تضع ثانيًا وتصير ذات لبن "وفي ست وأربعين حقة" وهي التي تم "لها ثلاث" من السنين سميت بذلك لأنها استحقت الركوب أو طروق الفحل. "وفي إحدى وستين جذعة" بالذال المعجمة وهي التي تم "لها أربع" من السنين سميت بذلك لأنها أجذعت مقدم أسنانها أي أسقطته "وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان" وكذا في مائة وعشرين وبعض واحدة. "وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" والحاصل أن بنات اللبون الثلاث تجب في مائة وإحدى وعشرين وتستمر إلى مائة وثلاثين فيتغير الواجب، فيجب حينئذ في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ففي المائة والثلاثين ما ذكر، وفي مائة وأربعين بنت لبون وحقتان، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وهكذا، والأصل في جميع ما مر كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كتبه لأنس لما وجهه إلى البحرين على الزكاة1. "ومن فقد واجبه" كأن فقد بنت اللبون وعند ست وثلاثون فإن شاء حصلها وإن شاء "صعد إلى أعلى منه" بدرجة كالحقة "وأخذ" جبرانًا أعني "شاتين كالأضحية" يعني يجزئان   1 رواه البخاري في الزكاة باب 40 "زكاة الغنم" حديث رقم 1454. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 فصل: "في واجب البقر" وفي ثلاثين من البقر تبيع له سنة أو تبيعة، وفي أربعين مسنة لها سنتان، وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.   في الأضحية بأن يكون لكل من الضائنتين سنة، أو لكل من الماعزتين سنتان وتجزئ ضائنة لها سنة وماعزة لها سنتان "أو عشرين درهمًا" نقرة1 خالصة "إسلامية" وهي المراد بالدراهم الشرعية حيث أطلقت، نعم إن لم يجدها أو غلبت المغشوشة أجزأ منها ما يكون فيه من النقرة قدر الواجب، ولا يجوز شاة وعشرة دراهم إلا إن كان الأخذ هو المالك ورضي بذلك والخيرة فيه للمعطي وهي الساعي. "أو نزل إلى أسفل منه" أي من الواجب بدرجة كبنت مخاض في المثال المذكور. "وأعطى بخيرته" جبرانًا أعني "شاتين أو عشرين درهمًا" وإنما كان المدار على خيرة المعطي من المالك أو الساعي لظاهر خبر أنس الذي في البخاري2 وغيره ومصرفه بيت المال فإن تعذر فمن مالهم3، وعلى الساعي العمل بالمصلحة لهم في دفعة وأخذه، ولا يجوز أن يصعد درجتين بجبرانهما مع إمكان درجة في تلك الجهة لعدم الحاجة إليهما، بخلاف ما إذا تعذرت الجهة القربى في جهة المخرجة فقط كأن لم يجد من وجبت عليه الحقة إلا بنت مخاض حيث أراد النزول، أو من لزمته بنت اللبون إلا جذعة أراد الصعود، وكذا يقال في حال الصعود بأكثر من درجتين، نعم له صعود درجتين مطلقًا إذا قنع بجبران واحد ولا يصعد له من بإبله عيب لأنه4 للتفاوت بين السليمتين وهو فوق التفاوت بين المعيبتين. فصل: في واجب البقر ولا شيء فيها حتى تبلغ الثلاثين "وفي ثلاثين من البقر تبيع" ذكر وهو ما "له سنة" كاملة سمي تبيعًا لأنه يتبع أمه "أو تبيعة" أنثى وهي بنت سنة كاملة أيضًا وهذا أحد المواضع التي يجزئ فيها الذكر لكن الأنثى أفضل. "وفي أربعين" منها "مسنة" وهي ما "لها سنتان" كاملتان سميت بذلك لتكامل أسنانها وذلك لما صح عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك لما بعثه إلى اليمن5. "وفي ستين تبيعان ثم" يختلف الواجب بكل عشر فيجب "في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة" ففي مائة وعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة وقس على ذلك، وليس هنا ولا في زكاة الغنم صعود ولا نزول بجبران.   1 النقرة: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة "المعجم الوسيط: ص945". 2 وهو قوله في الحديث: " ... ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين". 3 أي من مال المؤذين للزكاة. 4 أي الجبران. 5 وجاء في الحديث عن معاذ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل شيء ثلاثين تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة" رواه أبو داود في الزكاة باب 5، والترمذي في الزكاة باب 15، والنسائي في الزكاة باب 8، وابن ماجه في الزكاة باب 12، ومالك في الزكاة حديث 24، وأحمد في المسند "5/ 230، 233، 240، 247". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 فصل: "في زكاة الغنم" وفي أربعين شاة شاة، إلى مائة وإحدى وعشرين فشاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث، وفي أربعمائة أربع، ثم في كل مائةٍ شاةٌ.   فصل: في زكاة الغنم ولا شيء حتى تبلغ أربعين "وفي أربعين شاة شاة" ويستمر ذلك "إلى مائة وإحدى وعشرين فشاتان" فيها وما دونها كمائة وعشرين وبعض شاة فيها شاة واحدة. "وفي مائتين وواحدة" من الشياه "ثلاث" منها "وفي أربعمائة أربع" منها "ثم في كل مائة" من الضأن "شاة" جذعة منه وهي ما لها سنة، ومن المعز شاة ثنية منه وهي ما لها سنتان للخبر الصحيح1 بجميع ما ذكر، ولا يجزئ نوع عن آخر إلا برعاية القيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فصل: "في بعض ما يتعلق بما مر" ولا يجوز أخذ المعيب من ذلك إلا إذا كانت نعمه معيبة كلها، وكذلك المراض، ولا يجوز أخذ الذكر إلا فيما تقدم وإلا إذا كانت كلها ذكورًا، ولا أخذ الصغير إلا إذا كانت صغارًا، ولو اشترك اثنان من أهل الزكاة في نصاب وجبت عليهما الزكاة.   فصل: في بعض ما يتعلق بما مر "ولا يجوز أخذ المعيب من ذلك" أي جميع ما مر وذلك للخبر الصحيح: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عور"2 أي عيب والمراد به هنا عيب المبيع لا الأضحية لأن الزكاة يدخلها التقويم عند التقسيط فلا يعتبر فيها إلا ما يخل بالمالية. "إلا إذا كانت نعمه معيبة كلها" فيؤخذ منها حينئذ معيب ولا يكلف صحيحًا لأن فيه إضرارًا به. "وكذلك المراض" فلا يجوز أخذ المريض إلا إذا كانت نعمه كلها مريضة فيؤخذ منها مريض، ولا يكلف صحيحًا لذلك، ويجب أن يكون ذلك المعيب أو المريض متوسطًا جمعًا بين الحقين "ولا يجوز أخذ الذكر إلا فيما تقدم" في قوله: ففي كل خمس ... إلخ "وإلا إذا كانت كلها ذكورًا" فيخرج ذكرًا   1 الذي مر تخريجه في الحاشية صفحة 217. 2 رواه البخاري في الزكاة باب 39، وأبو داود في الزكاة باب 5، والنسائي في الزكاة باب 5 و10، وابن ماجه في الزكاة باب 13، والدارمي في الزكاة باب 4، ومالك في الزكاة حديث 23، وأحمد في المسند "1/ 12". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فصل: "في شروط زكاة الماشية" وشروط وجوب زكاة الماشية مضيٌّ حولٍ كاملٍ متوالٍ في ملكه، إلا في النتاج فيتبع   منها تسهيلا عليه لبناء الزكاة على التخفيف، لكنه يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ من خمس وعشرين بالقسط لئلا يسوي بين النصابين. "ولا" يجوز "أخذ الصغير إلا إذا كانت" جميعها "صغارًا" بأن كانت في سن لا فرض فيه ويتصور بأن تموت الأمهات وقد تم حولها والنتاج صغار أو ملك نصابًا من صغار المعز وتم لها حول، ولا بد أن يكون المأخوذ من ست وثلاثين بعيرًا فصيلا فوق المأخوذ من خمس وعشرين، ومن ستة وأربعين فوق المأخوذ من ست وثلاثين وعلى هذا القياس، وإنما يجزئ الصغير إن كان من الجنس، وإلا كخمسة أبعرة صغار أخرج عنها شاة فلا يجزئ إلا ما يجزئ في الكبار، ومحل أخذ المعيب وما بعده حيث لم يكن في نعمه كامل وإلا بأن كانت كلها كوامل أو تنوعت إلى سليم ومعيب أو صحيح ومريض، أو ذكور وإناث أو كبير وصغير، والكامل فيها قدر الواجب أو أكثر فيؤخذ الكامل ولا يجزئ غيره، لكن مع اعتبار التقسيط1 بقدر ما في ماشيته من كامل وناقص، ففي أربعين شاة نصفها صحاح وقيمة كل صحيحة ديناران، وكل مريضة دينار يؤخذ صحيحة بنصف القيمتين وهو دينار ونصف وهكذا لو كان بعضها سليمًا وبعضها مريضًا مثلا. "ولو اشترك اثنان" أو أكثر "من أهل الزكاة" حولا كاملا "في نصاب" زكوي أو أكثر بشراء أو إرث أو غيرهما وهو من جنس واحد "وجبت عليهما الزكاة" قياسًا على خلطة الجوار2 بل أولى بخلاف ما لو كان أحدهما ليس أهلا للزكاة كأن كان ذميًّا أو مكاتبًا أو جنينًا فإنه لا أثر لمشاركته، بل إن كان نصيب الأهل3 نصابًا زكاه زكاة الانفراد وإلا فلا شيء عليه لأن من ليس أهلا للوجوب لا يمكن أن يكون ماله سببًا لتغيير زكاة غيره، وبخلاف ما لو كان مالهما معًا دون نصاب أو نصابًا واشتركا فيه أقل من حول أو كان من جنسين كبقر بغنم بخلاف ضأن بمعز مثلا4، وتجب الزكاة أيضًا على مالكي نصاب أو أكثر وهما من أهل الزكاة إذا خلطاهما خلطة جوار حولا كاملا ولم يتميز في المشرب والمسرح والمرعى وغيرهما مما ذكر في المطولات. فصل: في شروط زكاة الماشية وبعضها شروط لزكاة غيرها أيضًا. "وشروط وجوب زكاة الماشية" النصاب وقد مر،   1 أي توزيع المستحق حسب نوع النصاب. 2 أي اختلاط نعم الجارين بعضها مع بعض. 3 أي من هو أهل للوجوب كما سيأتي في السطر التالي. 4 لأن الضأن والمعز من جنس واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الأمهات في الحول، وأن تكون سائمة في كلأ مباح، وأن يكون كل السوم من المالك فلا زكاة فيما سامت بنفسها، أو أسامها غير المالك، وأن لا تكون عاملة في حرث ونحوه.   و"مضي حول كامل متوال في ملكه" لخبر أبي داود: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"1 وعليه إجماع التابعين والفقهاء فمتى تخلل زوال الملك أثناءه بمعاوضة أو غيرها كأن بادل خمسًا من الإبل بخمس من نوعها أو باع النصاب أو وهبه ثم رده عليه ولو قبل القبض أو ورثه استأنف الحول لتجدد الملك ويكره وقيل يحرم، وعليه كثيرون أن يزيل ملكه عما تجب الزكاة في عينه بقصد رفع وجوب الزكاة لأنه فرار من القربة، ولا بد من مضي الحول كما ذكر في سائر النعم. "إلا في النتاج" بأن نتجت الماشية وهي نصاب في أثناء الحول وكان نتاجها يقتضي الزكاة من حيث العدد كأن نتج من مائة شاة وعشرين واحدة قبل تمام حولها بلحظة، ومن تسع وثلاثين بقرة واحدة كذلك، ومن خمس وثلاثين من الإبل واحدة كذلك. "فيتبع" النتاج المذكور "الأمهات في الحول" حتى يجب في المثل المذكور عند تمام حول الأصل شاتان في الأول ومسنة في الثاني وبنت لبون في الثالث، لأن المعنى في اشتراط الحول حصول النماء والنتاج نماء عظيم "وأن تكون" الماشية "سائمة" أي راعية "في كلأ مباح" كل الحول لما في الحديث الصحيح من التقييد بسائمة الغنم، وقيس بها سائمة الإبل والبقر واختصت السائمة بالزكاة لتوفر مؤنتها بالرعي في الكلأ المذكور، ومن ثم لو أمسيت في كلأ مملوك كانت معلوفة على الأوجه وإن قلت قيمته، بخلاف ما إذا لم يكن له قيمة فإنه كالكلأ المباح "وأن يكون كل السوم من المالك" بنفسه أو نائبه "فلا زكاة" في سائمة اعتلفت بنفسها أو علفها غاصبها أو مشتريها شراء فاسدًا القدر المؤثر أو ورثها ولم يعلم أنه ورثها إلا بعد الحول ولا "فيما" أي في معلوفة "سامت بنفسها أو أسامها غير المالك" كالغاصب أو المشتري شراء فاسدًا لعدم السوم من أصله ولعدم إسامة المالك أو نائبه، ولا في سائمة علفها المالك بنية قطع السوم لانتفاء الإسامة كل الحول أو اعتلفت بنفسها أو علفها المالك من غير نية قطع السوم قدرًا لولاه لأشرفت على الهلاك بأن كانت لا تعيش بدونه بلا ضرر بينٍ كثلاثة أيام فأكثر لانتفاء السوم مع كثرة المؤنة بخلاف ما دونها لقلة المؤنة فيه بالنسبة إلى نماء الماشية، ولا أثر لمجرد قصد العلف ولا للاعتلاف من مال حربي لا يضمن، والمتولد بين سائمة معلوفة كالأم فيضم إليها في الحول إن أسيمت وإلا فلا. "وأن لا تكون" السائمة "عاملة في حرث ونحوه" فالعاملة بالفعل لا بالقوة في ذلك ولو محرمًا لا زكاة فيها وإن أسيمت أو لم يؤخذ في مقابلة عملها أجرة للخبر الصحيح: "ليس في البقر العوامل شيء" 2 وقيس بها غيرها، وشرط تأثير استعمالها أن يستمر ثلاثة أيام وأكثر وإلا لم يؤثر.   1 رواه من حديث عائشة رضي الله عنها: ابن ماجه في الزكاة باب 5 "حديث 1792" والدارقطني في سننه "2/ 90، 91". 2 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 116" والطبراني في الكبير "11/ 40" والدارقطني في سننه "2/ 103". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 باب: زكاة النبات لا تجب إلا في الأقوات، وهي من الثمار الرطب والعنب، ومن الحب الحنطة والشعير والأرز وسائر ما يقتات في حال الاختيار، ونصابُه خمسةُ أوسقٍ؛ كل وسقٍ:   باب: زكاة النبات أي النابت. "لا تجب" الزكاة الآتية "إلا في الأقوات" أي التي يقتات بها اختيارًا ولو نادرًا. "وهي من الثمار الرطب والعنب" دون غيرهما من سائر الثمار للخبر الصحيح: "فأما القثاء1 والبطيخ والرمان فعفو عفا عنه صلى الله عليه وسلم". "ومن الحب الحنطة والشعير والأرز" والذرة والدخن2 والعدس والبسلاء3 والحمص والباقلاء واللوبياء ويسمى الدجر4 والجلبان5 والماش6 وهو نوع منه. "وسائر ما يقتات" أي ما يقوم به بدن الإنسان غالبًا "في حال الاختيار" فتجب الزكاة في الجميع لورودها في بعضه وألحق به الباقي، ووجه اختصاص الوجوب بما ذكر دون غيره مما لا يقتات كالزعفران والورس والعسل والقرطم7 والترمس وحب الفجل والسمسم والبطيخ والكمثرى والرمان والزيتون وغيرها ومما يقتات لا في حال الاختيار كحب الغاسول8 وحب الحنظل والحلبة؛ لأن الاقتيات به ضروري للحياة فوجب فيه حق لأرباب الضرورات. "ونصابه" أي المقتات المذكور تمرًا أو حبًّا "خمسة أوسق" تحديدًا فلا زكاة في أقل منها إلا في مسألة الخلطة السابقة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة" 9, وقوله: "ليس في تمر ولا حب صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق" 10 "كل وسق ستون صاعًا" بالإجماع   1 القثاء: نوع من البطيخ قريب من الخيار لكنه أطول. انظر المعجم الوسيط "ص715". 2 الدخن: نبات عشبي من النجيليات حبه صغير أملس كحب السمسم. "المعجم الوسيط: ص276". 3 البسلاء والبسلة والبازلاء: بقل زراعي حولي من القرنيات الفراشية. "المعجم الوسيط: ص57". 4 الدجر: بفتح الدال وضمها وكسرها وسكون الجيم. "المعجم الوسيط: ص271". 5 الجُلْبان والجُلُبان: عشب حولي من الفصيلة القرنية تؤكل بذوره. "المعجم الوسيط: ص128". 6 الماش: جنس نباتات من القرنيات الفراشية له حب أخضر مدور أصغر من الحمص يكون بالشام وبالهند. "المعجم الوسيط: ص891". 7 القرطم، نبات زراعي صبغي من الفصيلة المركبة يستعمل زهره تابلا وملونًا للطعام. "المعجم الوسيط: ص727". 8 الغاسول: عشب حولي ينبت في صحاري مصر. "المعجم الوسيط: ص652". 9 رواه البخاري في الزكاة باب 4 و32 و42 و56 والبيوع باب 83 والمساقاة باب 17، ومسلم في الزكاة حديث 1 و3 و4 و6 والبيوع حديث 71، ورواه أيضًا بقية الستة ومالك وأحمد. 10 رواه مسلم في الزكاة "حديث 4" ولفظه: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ستون صاعًا، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالبغدادي، ويعتبر ذلك بالكيل تمرًا أو زبيبًا إن تتمر أو تزبب، وإلا فرطبًا وعنبًا، ويعتبر الحب مصفى من التبن، ولا يكمل جنس بجنس، وتضم الأنواع بعضها إلى بعض، والعلس إلى الحنطة، ويخرج من كل بقسطه إن سهل وإلا أخرج من الوسط ولا يضم تمر عام إلى عام آخر، وكذلك الزرع، ويضم تمر العام وزرعه بعضه إلى بعض.   "والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي" فجملتها ألف وستمائة رطل بالبغدادي1، والأصح أنه مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم فيكون بالرطل المصري2 ألف رطل وأربعمائة رطل وثمانية وعشرين رطلا ونصف رطل ونصف أوقية وثلثها وسبعي درهم، وبالأردب المصري خمسة أرادب ونصف أردب وثلث أردب. "ويعتبر ذلك بالكيل" كما ذكره المصنف بالأوسق وذكرته بالأرادب والتقدير بالوزن إنما هو للاستظهار أو إذا وافق الكيل، فإن اختلفا فبلغ بالأرطال ما ذكره ولم يبلغ بالكيل خمسة أوسق لم تجب زكاته وفي عكسه عجب، واعتباره بما ذكر إنما يكون إذا كان "تمرًا أو زبيبًا إن تتمر أو تزبب وإلا" لا يتتمر ولا يتزبب بأن لم يأت منه تمر ولا زبيب جيدان في العادة أو كانت تطول مدة جفافه كسنة "فرطبًا وعنبًا" أي يؤخذ منه حال كونه رطبًا أو عنبًا؛ لأن ذلك وقت كماله فيكمل به نصاب ما يجف من ذلك "ويعتبر الحب" حال كونه "مصفى من" نحو "التبن" والقشر الذي لا يؤكل معه غالبًا وكل من الأرز والعلس3 يدخر في قشره ولا يؤكل معه فلا يدخل في الحساب فنصابه عشرة أوسق، نعم إن حصلت الأوسق الخمسة من دون عشرة أوسق كسبعة اعتبرت دون العشرة، وتدخل قشرة الباقلاء والحمص والشعير وغيرها في الحساب وإن أزيلت تنعمًا. "ولا يكمل جنس بجنس" فلا يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب إجماعًا في التمر والزبيب وقياسًا في الحبوب. "وتضم الأنواع بعضها إلى بعض" ليكمل النصاب وإن اختلفت جودة ورداءة ولونًا وغيرها كبرني وصيحاني4 من التمر "و" يضم "العلس" وهو قوت صنعاء اليمن وكل حبتين منه في كمامة5 "إلى الحنطة" في إكمال النصاب؛ لأنه نوع منها بخلاف السلت6 لأنه يشبهها لونًا والشعير طبعًا فكان جنسًا مستقلا فلا يضم إلى أحدهما. "ويخرج من كل" من الأنواع "بقسطه إن سهل" إذ لا ضرر "وإلا" يسهل "أخرج من الوسط" رعاية   1 الرطل يختلف باختلاف البلاد. وأشهره الرطل المصري والرطل البغدادي. 2 الرطل المصري: اثنتا عشرة أوقية، والأوقية اثنا عشر درهمًا. 3 العلس: ضرب من البر تكون حبتان منه أو ثلاث في قشرة. "المعجم الوسيط: ص621". 4 البرني: نوع جيد من التمر مدور أحمر مشرب بصفرة. "المعجم الوسيط: ص52" والصيحاني: ضرب من التمر أسود صلب المضغة. "لسان العرب: 2/ 522". 5 الكمامة: الوعاء الذي يكون فيه الحب. 6 السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر يشبه الحنطة. "المعجم الوسيط: ص441". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فصل: "في واجب ما ذكر وما يتبعه" وواجب ما شَرِبَ بغير مؤونة العشرُ وما سُقِيَ بمؤونة كالنواضح نصفُ العشرِ، وما   للجانبين فإن أخرج من الأعلى أو تكلف وأخرج من كل حصته جاز لأنه أتى بالواجب وزاد خيرًا في الأولى. "ولا يضم" في أكمل النصاب "تمر عام إلى" تمر عام آخر" وإن أطلع1 تمر العام الثاني قبل جداد2 الأول، ومثلها الشجر الذي يثمر مرتين في عام بأن أثمر نخل أو كرم ثم قطع ثم أطلع ثانيًا في عامه فلا يضم أحدهما إلى الآخر لأن كل حمل كثمرة عام. "وكذلك الزرع" فلا يضم زرع عام إلى زرع عام آخر. "ويضم" في إكمال "ثمر العام" بأن أطلعت أنواعه في عام واحد وإن لم تقطع في عام واحد "وزرعه" بأن حصدت أنواعه المتفاصلة بأن اختلف أوقات بذرها عادة في عام واحد وإن لم يقع الزرعان في سنة "بعضه إلى بعض" إذ الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب، والمراد بالعام فيما ذكر اثنا عشر شهرًا عربية، ولا فرق بين اتفاق واجب المضمومين واختلافه كأن سقي أحدهما بمؤونة والآخر بدونها. فصل: في واجب ما ذكر وما يتبعه "وواجب ما شرب بغير مؤونة" كالمسقى بنحو مطر أو نهر أو عين أو قناة أو ساقية حفرت من النهر وإن احتاجت لمؤونة "العشر، و" واجب "ما سقي بمؤونة كالنواضح"3 والدواليب4 وكالماء الذي اشتراه أو اتهبه5 أو غصبه "نصف العشر" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر" 6، وفي رواية: "الأنهار والغيم" 7 أي المطر "وفيما سقي بالنضح نصف العشر"، وفي رواية: "بالسانية" 8, والمعنى في ذلك كثرة المؤونة وخفتها، والعثري   1 أطلع النخل وطلع: خرج طلعه. وطلع النخلة: غلاف يشبه الكوز ينفتح عن حب منضود فيه مادة إخصاب النخلة. "المعجم الوسيط: ص562". 2 الجداد "بالدال المهملة": أوان قطع ثمر النخل. 3 النواضح: جمع ناضح، وهي الدابة يستقى عليها. "المعجم الوسيط: ص928". 4 الدولاب: الآلة التي تديرها الدابة ليستقي عليها. "المعجم الوسيط: ص305". 5 اتهب: قبل الهبة. ويقال: اتهب الهبة. "المعجم الوسيط: ص1095". 6 روى البخاري في الزكاة باب 55 "حديث 1483" عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر". 7 رواه بهذا اللفظ مسلم في الزكاة حديث 7، وأحمد في المسند "3/ 341" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 130". 8 رواه أحمد في المسند "3/ 341" بلفظ: "فيما سقت السانية نصف العشر"، ورواه أيضًا "3/ 353" بلفظ: "فيما سقي بالسانية نصف العشر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 سُقِيَ بهما سواء أو أشكل ثلاثة أرباعه وإلا فبقسطه، ولا تجب إلا ببدو الصلاح في الثمر، واشتداد الحب في الزرع، ويسن خرص الثمر على مالكه، وشرط الخارص أن يكون ذكرًا مسلمًا حرًّا عدلًا عارفًا، ويضمن المالك الواجب في ذمته ويقبل ثم يتصرف في جميع الثمر.   بفتح المثلثة ما سقي بالسيل الجاري إليه في حفر والسانية والنضح ما يسقى عليه من بعير ونحوه. "و" واجب "ما سقي بهما" أي المؤونة ودونها "سواء" بأن كان النصف بهذا والنصف بهذا "أو أشكل" مقدار ما سقي به منهما إن سقي بالمطر والنضح وجهل نفع كل منهما باعتبار المدة "ثلاثة أرباعه" أما في الأولى فعملا بواجبهما، ومن ثم لو كان ثلثاه بمطر وثلثه بدولاب وجب خمسة أسداس العشر وفي عكسه ثلثا العشر، وأما في الثانية فلئلا يلزم التحكم، فإن علم تفاوتهما بلا تعيين فقد علمنا نقص الواجب عن العشر وزيادته على نصفه فيؤخذ المتيقن ويوقف الباقي إلى البيان، ويصدق المالك فيما سقي به منهما فإن اتهمه الساعي حلفه ندبًا. "وإلا" بأن سقي بهما متفاوتًا وعلم "فبقسطه" أي كل منهما ويكون التقسيط على حسب النشوّ والنماء في الزرع والثمر باعتبار المدة وإن كان السقي بالآخر أكثر عددًا لا على عدد السقيات لأن النشوّ هو المقصود ورب سقية أنفع من سقيات، فلو كانت مدة إدراكه ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقي بالمطر وفي شهرين في زمن الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر لهما وربع نصفه للثلاث. "ولا تجب" الزكاة "إلا ببدوّ الصلاح في" كل "الثمر" أو بعضه في ملكه بأن يظهر فيه مبادي النضج والحلاوة والتلوُّن "واشتداد الحب" كله أو بعضه في ملكه أيضًا "في الزرع" فحينئذ تجب الزكاة فيهما لأنهما قد صارا قوتين وقبلهما كانا من الخضروات1 والبسر2 وألحق البعض بالكل قياسًا على البيع. "ويسنّ" للإمام أو نائبه "خرص3 الثمر" الشامل للرطب والعنب "على مالكه" بعد بدو الصلاح لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بخرص العنب كما يخرص التمر"4 وحكمته الرفق بالمالك والمستحق، ولا خرص في الحب لاستتاره ولا في الثمر قبل بدو الصلاح لكثرة العاهات حينئذ، فلو فقد الحاكم جاز للمالك أن يحكم عدلين عارفين يخرصان عليه لينتقل الحق إلى الذمة ويتصرف في الثمرة كما يأتي "وشرط الخارص أن يكون ذكرًا مسلمًا حرًّا عدلا" لأن الخرص إخبار وولاية وانتفاء وصف مما ذكر يمنع قبول الخبر والولاية ويكفي خارص واحد،   1 الخضروات: جمع خضراء وهو خضر البقول. 2 البسر: تمر النخل قبل أن يرطب. 3 خرص الثمر: حزر ما عليه من الرطب تمرًا ومن العنب زبيبًا. "المعجم الوسيط: ص227". 4 رواه أبو داود في الزكاة باب 14 "حديث 1603" عن عتاب بن أسيد قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 باب: زكاة النقد وزكاتُه ربع العشر ولو من معدن ونصاب عشرون مثقالا خالصة، والمثقال أربعة وعشرون قيراطًا، ونصاب الفضة مائتا درهم إسلامي والدرهم سبعة عشر قيراطًا إلا خُمْسَ قيراطٍ وما زاد على ذلك فبحسابه، ولا شيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه   ولو اختلف خارصان وقف إلى البيان، ويشترط كون الخارص "عارفًا" بالخرص لأن الجاهل بالشيء ليس من أهل الاجتهاد فيه، ويجب أن يعم جميع الثمر والعنب ولا يترك للمالك شيئًا وأن ينظر جميع الشجر شجرة شجرة ويقدر ثمرتها وهو الأحوط أو ثمرة كل نوع رطبًا ثم يابسًا لأن الأرطاب تتفاوت، وإذا خرص وأراد نقل الحق إلى ذمة المالك لينفذ تصرفه في الجميع فلا بد أن يكون مأذونًا له من الإمام أو الساعي في التضمين. "و" أنه "يضمن المالك" القدر "الواجب" عليه من المخروص تضمينًا صريحًا "في ذمته" كأن يقول: ضمنتك نصيب المستحقين من الرطب بكذا تمرًا. "ويقبل" المالك ذلك التضمين صريحًا أيضًا فحينئذ ينتقل الحق إلى ذمته. "ثم يتصرف في جميع الثمر" بيعًا وأكلا وغيرهما لانقطاع تعلق المستحقين عن العين، فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم ينفذ تصرفه إلا فيما عدا الواجب شائعًا. باب: زكاة النقد الذهب والفضة ولو غير مضروبين. "وزكاته ربع العشر ولو" حصل "من معدن" وهو المكان الذي خلق الله فيه الجواهر لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي الرقة" أي الفضة "ربع العشر" 1, وخرج بهما سائر الجواهر وغيرها، والفرق أنهما معدان للنماء كالماشية السائمة بخلاف غيرهما. "ونصاب الذهب عشرون مثقالا خالصة" بوزن مكة تحديدًا، وإن لم يساو نصاب الفضة الآتي لرداءته لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في أقل من عشرين مثقالا شيء وفي عشرين نصف دينار" 2, "والمثقال أربعة وعشرون قيراطًا" وهو اثنان وسبعون حبة من الشعير المعتدل الذي لم يقشر وقطع من طرفيه ما دق وطال ولم يختلف جاهلية ولا إسلامًا. "ونصاب الفضة مائتا درهم إسلامي والدرهم" الإسلامي "سبعة عشر قيراطًا إلا خُمْس قيراط" فيكون خمسين حبة وخُمْسي حبة فهو ستة   1 من حديث كتاب أبي بكر إلى أنس حين بعثه مصدقًا، رواه البخاري في الزكاة باب 38 "حديث 1454", وأبو داود في الزكاة باب 5 "حديث 1567", والنسائي في الزكاة باب 5 و10، ومالك في الزكاة حديث 23، وأحمد في المسند "1/ 12، 121". 2 رواه البخاري في الزكاة باب 5 "حديث 1573" من حديث علي، ولفظه: " ... وليس عليك شيء -يعني من الذهب- حتى تكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 نصابًا، ولا في الحلي إن لم يقصد كنزه، ويشترط الحول في النقد، وفي الركاز الخُمُسُ،   دوانق إذ الدانق ثمان حبات وخُمسا حبة ومتى زيد عليه ثلاث أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهمًا، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهمًا وسبعان. "وما زاد" منهما "على ذلك" ولو بعض حبة "فبحسابه" إذ لا وقص1 في النقدين كالمعشرات لإمكان التجزي بلا ضرر بخلاف المواشي، وخرج بالعشرين والمائتين ما نقص عنهما ولو ببعض حبة ولو في بعض الموازين، وإن راج رواج التام فلا زكاة فيه للخبر السابق2، وصح أيضًا: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" 3، ولا يكمل جنس بآخر ويكمل النوع بالنوع من الجنس الواحد وإن اختلفا جودة ورداءة، ويؤخذ من كل نوع بالقسط إن سهل وإلا فمن الوسط، ولا يجزئ رديء ومكسور عن جيد وصحيح بخلاف عكسه. "ولا شيء من المغشوش" من الذهب والفضة "حتى يبلغ خالصه نصابًا" فحينئذ يخرج خالصًا أو مغشوشًا خالصة قدر الزكاة ويكون متطوعًا بالغش، ولا يجوز إخراج المغشوش إذ لا يجوز له التبرع بمخالطه، ومحله إن نقصت قيمة السبك إن احتيج إليه عن قيمة الغش وإلا جاز إخراجه، ويصدق المالك في قدر خالص المغشوش ويحلف إن اتهم ندبًا، وتصح المعاملة بالمغشوش معينة وفي الذمة وإن لم يعلم عيارها، ولو ملك نصابًا في يده نصفه ونصفه الباقي مغصوب أو مؤجل زكى النصف الذي بيده حالا لأن الميسور لا يسقط بالمعسور. "ولا" شيء "في الحلي المباح" أي غير الحرام والمكروه؛ لأنه معد لاستعمال مباح كعوامل المواشي هذا "إن لم يقصد كنزه" سواء اتخذه بلا قصد أو بقصد أن يستعمله استعمالا مباحًا أو بقصد أن يؤجره أو يعيره لمن يحل له استعماله، وخرج بالمباح ما حرم لعينه كالأواني أو بالقصد كقصد الرجل أن يلبس أو يلبس رجلا حلي امرأة أو أن تلبس امرأة حلي رجل كسيف وعكسه أو بغير ذلك كتبر مغصوب صيغ حليًّا، وكحلي نساء بالغن في الإسراف فيه وما كره استعماله كضبة الإناء الكبيرة للحاجة أو الصغيرة للزينة وما اتخذ بنية كنزه فتجب الزكاة في ذلك كله، أما في المحرّم فبالإجماع، وأما في المكروه فبالقياس عليه، وأما في نية الكنز فلأنه صرفه بها عن الاستعمال فصار مستغنى عنه كالدراهم المضروبة، ولو ملكه بإرث   1 الوقص "بالتحريك" واحد الأوقاص في الصدقة، وهو ما بين الفريضتين، نحو أن تبلغ الإبل خَمسًا ففيها شاة ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عَشرًا، فما بين الخَمس إلى العَشر وقص. وبعض العلماء يجعل الوقص في البقر خاصة. انظر المعجم الوسيط "ص1049، 1050". 2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في أقل من عشرين مثقالا شيء ... ". 3 رواه البخاري في الزكاة باب 42 و56، ومسلم في الزكاة حديث 7، والنسائي في الزكاة باب 18, ومالك في الزكاة حديث 2، وأحمد في المسند "3/ 86". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ولا حول فيه ولا في المعدن، وشرط الركاز أن يكون نقدًا نصابًا من دفن الجاهلية في موات أو ملكٍ أحياهُ.   ثم مضت عليه أحوال ثم علم به لزمه زكاته، وكذا لو مضت عليه وهو متكسر ولم يقصد إصلاحه بأن قصد جعله تبرًا أو دراهم أو كنزه أو لم يقصد شيئًا أو أحوج انكساره إلى سبك وصوغ وإن قصدهما فتجب زكاته وينعقد حوله من حين انكساره؛ لأنه غير مستعمل ولا معد للاستعمال، أما إذا قصد عنه علمه بانكساره إصلاحه, وأمكن بالالتحام من غير سبك وصوغ أو مضي حول, ولم يقصد إصلاحه ثم قصده بعد ذلك فلا زكاة فيه مطلقًا في الأولى, وإن دارت عليه أحوال ولا بعد الحول الأول في الثانية لبقاء صورته، ولا أثر لتكسر لا يمنع الاستعمال فلا زكاة فيه وإن لم ينو إصلاحه. "ويشترط الحول في" وجوب زكاة "النقد" للخبر السابق1 "وفي الركاز" أي المركوز وهو المدفون الآتي. "الخمس" للخبر الصحيح فيه2 بذلك؛ ولأنه لا مؤونة فيه بخلاف المعدن "ولا حول" يشترط فيه ولا "في المعدن" لأنه إنما يشترط لتحصيل النماء فيه, وكل منهما نماء في نفسه "وشرط الركاز أن يكون نقدًا" أي ذهبًا أو فضة مضروبًا أو غير مضروب، وأن يكون "نصابًا" وهو عشرون مثقالا في الذهب ومائتا درهم في الفضة, ويكفي بلوغه نصابًا ولو بضمه إلى مال آخر له، فإن كان دون نصاب من الذهب والفضة أو نصابًا من غيرهما لم يجب, فهي شيء لأنه مال يستفاد من الأرض فاختص بما تجب الزكاة فيه قدرًا ونوعًا كالمعدن، وأن يكون "من دفن الجاهلية" الذي قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وقد وجده أهل الزكاة "في موات" بدار الإسلام وإن لم يحيه ولا أقطعه أو بدار الحرب وإن كانوا يذبون عنه. "أو" في "ملك أحياه" من الموات سواء وجده بالحفر أو بإظهار السيل أو بانهيار الأرض أو بغير ذلك أو في قلاع عادية من دار الإسلام وقد عمرت في الجاهلية، ويشترط أن لا يعلم أن مالكه بلغته الدعوة وعائد وإلا فهو فيء. وخرج بما ذكر ما وجد بطريق نافذ أو مسجد وما دفنه مسلم أو ذمي أو معاهد بموات، أو وجد عليه ضرب الإسلام بأن كان عليه أو على ما معه قرآن أو اسم ملك من ملوك الإسلام فإنه لقطة إن لم يعرف مالكه، وكذا لو شك في أنه إسلامي أو جاهل كالتبر والأواني، أو ظهر وشك في أنه ظهر بسيل ونحوه أو لا.   1 المذكور في "فصل في شروط زكاة الماشية". راجع الحاشية 1 صفحة 221. 2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ... وفي الركاز الخمس". رواه البخاري في المساقاة باب 3، والزكاة باب 66، ومسلم في الحدود حديث 45 و46. وأبو داود في الإمارة باب 40، والديات باب 27، والترمذي في الأحكام باب 37. وابن ماجه في اللقطة باب 4، ورواه أيضًا مالك وأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فصل: "في زكاة التجارة" وفي التجارة ربع العشر، وشروطها ستة: الأول: العروض دون النقد. الثاني: نية التجارة. الثالث: اقتران النية بالتملك. الرابع: أن يكون التملك بمعاوضة. الخامس: أن لا يَنِضَّ ناقصًا بنقده في أثناء الحول.   فصل: في زكاة التجارة وهو تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح. "وفي" مال "التجارة" الذي لا زكاة في عينه لولا التجارة كالخيل والرقيق والمتولد بين أحد النعم وغيره وغيرها من سائر العروض وما يتولد منها من نتاج وثمرة وغيرهما. "ربع العشر" اتفاقًا كما في النقدين لأنه يقوم بهما. "وشروطها" أي التجارة حتى تجب الزكاة في مالها "ستة، الأول: العروض" التي لا تجب الزكاة في عينها لولا التجارة "دون النقد" لأن الزكاة تجب في عينه كما مر. "الثاني: نية التجارة، الثالث: اقتران النية" المذكورة "بالتملك" أي بأول عقده لينضم قصده التجارة إلى فعلها، نعم لا يحتاج إلى تجديدها في كل تصرف. "الرابع: أن يكون التملك بمعاوضة" محضة وهي التي تفسد بفساد العوض كالبيع والهبة بثواب والإجارة لنفسه أو ما استأجره أو غير محضة كالصداق وعوض الخلع وصلح الدم، بخلاف ما ملكه بغير معاوضة كالإرث والهبة بلا ثواب والصيد, وما اقترضه أو ملكه بإقالة, أو رد بعيب فلا زكاة فيه وإن اقترن به نية التجارة؛ لأنه لا يعد من أسبابها لانتفاء المعاوضة، ولو اشترى لها صبغًا ليصبغ به أو دباغًا ليدبغ به للناس صار مال تجارة فتلزمه زكاته بعد مضي حوله، وإن لم يبق عين نحو الصبغ عنده عامًا أو صابونًا أو ملحًا ليغسل أو يعجن به لهم لم يصر كذلك؛ لأنه يستهلك فلا يقع مسلمًا إليهم. "الخامس: أن لا ينض" مال التجارة حال كونه "ناقصًا" عن النصاب بنقده الذي يقوم به في أثناء الحول فمتى نض1 "بنقده" ناقصًا عن النصاب "في أثناء الحول" كأن   1 نض الشيء: حصل وتيسر، يقال: خذ ما نض لك من دينك. "المعجم الوسيط: ص929". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 السادس: أن لا يقصد القنية في أثناء الحول. وواجبها ربع عشر القيمة، ويقوم بجنس رأس المال، أو بنقد البلد إن ملكه بعرض، ولا يشترط كونه نصابًا إلا في آخر الحول.   اشترى عرضًا بنصاب ذهب أم دونه ثم باعه أثناء الحول بتسعة عشر مثقالا انقطع حول التجارة لتحقق نقص النصاب حسابًا للتنضيض، بخلاف ما لو نض بنقد لا يقوم به كأن باعه في هذا المثال وخمسين درهمًا فضة أو نض بنقد يقوم به وهو نصاب أو أكثر فإنه لا ينقطع، كما لو باعه بعرض لاستوائهما في عدم التقويم بهما والمبادلة لا تقطع حول التجارة. "السادس: أن لا يقصد القنية" بمال التجارة "في أثناء الحول" فمتى قصد بشيء معين من مالها ذلك ولو لاستعمال محرم انقطع حول التجارة فيحتاج إلى تجديد قصد مقارن للتصرف، بخلاف مجرد الاستعمال بلا نية قنية فإنه لا يؤثر، وإنما أثر مجرد نية القنية دون مجرد التجارة لأن القنية هي الإمساك للانتفاع وقد اقترنت نيتها به فأثرت بخلاف التجارة, فإنها تقليب المال كما مر ولم يوجد حتى تكون نيتها مقترنة به. "وواجبها ربع عشر القيمة" لا العروض لأنها متعلقة كما دل عليه قول عمر رضي الله تعالى عنه لمن يبيع الأدم: "قوّمه وأد زكاته", والمراد ربع عشر القيمة آخر الحول؛ لأنه وقت الوجوب كما يأتي، فلو أخر الإخراج بعد التمكين منه فنقصت ضمن ما نقص لتقصيره بخلافه قبله، وإن زادت ولو قبل التمكن أو بعد الإتلاف فلا شيء عليه. "ويقوّم" مال التجارة حتى يؤخذ ربع عشر قيمته "بحبس رأس المال" الذي اشترى العرض به نصابًا كان أو بعضه وإن لم يملك باقيه ولو أبطله السلطان أو لم يكن هو الغالب أنه أصل ما بيده وأقرب إليه من نقد البلد, فإذا لم يبلغ به نصابًا فلا زكاة وإن بلغ بغيره، "أو" يقوّم "بنقد البلد" الغالب دراهم كان أو دنانير "إن ملكه بعرض" للقنية أو بنحو خلع أو نكاح أو بنقد ونسي أو جهل جنسه، فإذا حال عليه الحول بمحل فيه نقد قوّم بنقده جريًا على قاعدة التقويم كما في الإتلاف ونحوه أو بمحل لا نقد فيه اعتبر أقرب البلاد إليه، ولو ساوى نصابًا بغالب زكي، وإن لم يساوره بغيره أو ساواه بغير لم يزكَ، فإن غلب نقدان وتم بأحدهما نصابًا قوّم به أو بكل منهما تخير "ولا يشترط كونه" أي مال التجارة يبلغ "نصابًا إلا في آخر الحول" فمتى بلغه آخره وجبت زكاته وإلا فلا، سواء اشتراه بنصاب أو بدونه، وسواء باعه بعد التقويم بنصاب أو بدونه، لأن آخر الحول وقت الوجوب فقطع النظر عما سواه لاضطراب القيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فصل: "في زكاة الفطر" وتجب زكاة الفطر بشروطٍ: إدراكُ غروب الشمس ليلة العيد، وأن يكون مسلمًا، وأن يكون ما يخرجُه فاضلا عن مؤونته ومؤونة من عليه مؤونته ليلة العيد ويومه وعن دست ثوب يليق به، ومسكن وخادم يحتاج إليه، وتجب عمن في نفقته من المسلمين من   فصل في زكاة الفطر: والأصل فيها قبل الإجماع الأخبار الصحيحة الشهيرة1، والمشهور أنها وجبت كرمضان في السنة الثانية من الهجرة والخلاف فيها شاذ منكر فلا ينافي حكاية الإجماع المذكور. "وتجب زكاة الفطر بشروط" منها "إدراك" وقت وجوبها بأن يكون حيًّا بالصفات الآتية عند "غروب الشمس ليلة العيد" بأن يدرك آخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال لإضافتها إلى الفطر في الخبر، وأيضًا فالوجوب نشأ من الصوم والفطر منه فكان لكل منهما دخل فيه فأسند إليهما دون أحدهما لئلا يلزم التحكم، فلا تجب بما يحدث بعد الغروب من ولد ونكاح وإسلام وغنى وملك قنّ، ولا تسقط بما يحدث بعده من نحو موت ومزيل ملك كعتق وطلاق ولو بائنًا أو ارتداد وغنى قريب ولو قبل التمكن من الأداء لتقررها وقت الوجوب، نعم إن تلف المال قبل التمكن سقطت كما في زكاة المال. "و" منها "أن يكون" المخرِجُ "مسلمًا" فلا تجب على كافر أي في الدنيا كما مر أول الباب؛ لأنها طهرة وهو ليس من أهلها وهذا بالنسبة لنفسه، أما مسلم عليه مؤونته فيلزمه إخراجها عنه، ويجزئه إخراجها بلا نية هذا في الكافر الأصلي، أما المرتد فإن عاد إلى الإسلام وجبت فطرة نفسه أيضًا وإلا فلا، وأن يكون حرًّا أو مبعضًا، فلا تجب على رقيق ولو مكاتبًا لضعف ملكه وإنما لم تلزم سيده في الكتابة الصحيحة لأنه معه كالأجنبي، فعلم أنه لا يلزم الرقيق فطرة زوجته وإن لزمه نفقتها في كسبه بل إن كانت أمة فعلى سيدها أو حرة فسيأتي "و" منها "أن يكون" المخرج عن نفسه أو ممونه موسرًا بأن يكون "ما يخرجه فاضلا عن مؤونته ومؤونة من" تجب "عليه مؤونته ليلة العيد ويومه" لأن مؤونته ومؤونة ممونه في هذا الزمن ضرورية فاعتبر الفضل عنها، وإنما لم يعتبر زيادة على اليوم والليلة المذكورين لعدم ضبط ما وراءهما. "و" فاضلا "عن دست2 ثوب" له أو لممونه "يليق به" أي بكل منهما منصبًا ومروءة ومنه قميص وسراويل وعمامة ومكعب3 وما يحتاج إليه من زيادة   1 منها ما رواه البخاري في الزكاة باب 70 "فرض صدقة الفطر" ومسلم في الزكاة حديث 12، ومالك في الزكاة حديث 52، عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 زوجة وولد ووالد ومملوك، والواجب صاع سليم من العيب من غالب قوت البلد، وإن   للبرد والتجمل وغير ذلك مما يترك للمفلس؛ لأن ذلك يبقى للمدين والفطرة ليست بأشد من الدين. "و" عن "مسكن" له أو لممونه "و" عن "خادم" له أو لممونه "يحتاج" كل منهما "إليه" أي إلى ما ذكر من المسكن والخادم ويليقان بهما قياسًا على الكفارة, ولأنهما من الحوائج المهمة كالثوب فإن كانا نفيسين يمكن إبدالهما بلائقين ويخرج التفاوت لزمه ذلك وإن كانا مألوفين والحاجة للمسكن واضحة، وللعبد تعم الحاجة لأجل منصب من ذكر أو ضعفه لا لأجل عمله في ماشيته أو أرضه، بل يبيع في الفطرة العبد المحتاج إليه فيهما، والحاجة إلى ما ذكر تمنع تعلق الوجوب ابتداء، وأما إذا وجد فلا ترفعه، فإذا تعلقت الفطرة بالذمة صارت دينًا فيباع فيها نحو المسكن والخادم، وهل يعتبر الفضل عما عليه من الدين الذي لله أو للآدمي؟ فيه تناقض والمعتمد أن الدين يمنع الوجوب، فإذا لم يكن المخرج فاضلا عنه لم تلزمه فطرة. "و" كما تجب الفطرة عن نفسه كذلك "تجب" عليه "عمن في نفقته" وقت غروب الشمس ليلة العيد "من المسلمين" فلا تجب فطرة الكافر وإن وجبت نفقته لقوله في الخبر: "من المسلمين"1 ولأنها طهر للصائم من اللغو والرفث كما ورد2 والكافر ليس من أهلها ومحله في الكافر الأصلي، أما الرقيق المرتد فتجب فطرته إن عاد إلى الإسلام "من زوجه" ولو رجعية وبائن حامل ولو أمة لوجوب نفقتهما بخلاف البائن غير الحامل ولو لزمه إخدام زوجته، فإن أخدمها أمتها لزمه فطرتها أيضًا أو أجنبية فلا، وفي معناها من صحبتها لتخدمها بنفقتها بإذنه، ولا تجب فطرة ناشزة بخلاف التي حيل بينها وبين الزوج، ولا فطرة زوجة أب ومستولدته وإن وجبت نفقتهما لأنها لازمة للأب مع إعساره فيتحملها الولد بخلاف الفطرة، ولو أعسر الزود بأن كان قنًّا أو حرًّا ليس معه ما يفضل عما مر لم يلزم زوجته الحرة فطرتها وإن كانت غنية، لكن يسن لها إخراجها خروجًا من الخلاف، وإنما لزمت سيد أمة مزوجة بمعسر حر أو عبد لكمال تسليم الحرة نفسها بخلاف الأمة إذ لسيدها أن يسافر بها ويستخدمها. "و" من "ولد" وإن سفل "ووالد" وإن علا لعجزهما بخلاف الولد الغني والوالد الغني أو القادر على الكسب إذ لا تجب نفقتهما حينئذ. "ومملوك" ومنه المكاتب كتابة فاسدة والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأما الولد والمرهون والجاني والمؤجر والموصي بمنفعته والآبق وإن انقطع خبره والمغصوب فتجب فطرتهم في الحال كما تجب نفقتهم، ولأن الأصل فيمن انقطع خبره بقاء حياته، ولا تجب فطرة من وجبت نفقتها في باب المال أو على المسلمين وقن بيت المال   1 راجع الحاشية 1 من الصفحة السابقة. 2 روى أبو داود في الزكاة باب 18 "حديث 16109" وابن ماجة في الزكاة باب 21، عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 قدر على بعضه فقط أخرجه، ويجوز إخراجها في رمضان، ويسن قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يومه.   والمملوك للمسجد والموقوف عليه والموقوف ولو على معين وإن وجبت نفقتهم. "والواجب، على كل رأس "صاع" وهو قدحان بالمصري إلا سبعي مد تقريبًا هذا فيما يكال، أما ما لا يكال أصلًا كالأقط1 الجبن فمعياره الوزن، فيعتبر فيه الصاع بالوزن لا بالكيل وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وأربعة أرطال ونصف وربع رطل وسبع أوقية بالمصري، وإنما يجزئ صاع "سليم من العيب" فلا يجزئ المعيب بنحو غش أو سوس أو قدم غير طعمه أو لونه أو ريحه ولا أقط فيه ملح يعيبه وإن لم يفسد جوهره، فإن لم يعبه وجب بلوغ خالصه صاعًا ولا يحسب الملح في الكيل ويجب كونه "من غالب قوت البلد" سواء المعشر كالحب والتمر والزبيب وغيره كالأقط واللبن والجبن بشرط أن يكون في كل منها زبدة لثبوت بعض المعشر والأقط في الأخبار وقيس بهما الباقي، أما المخيض والسمن واللحم والدقيق والسويق والأقوات التي لا زكاة فيها والأقط واللبن والجبن المنزوعة الزبد فلا يجزئ شيء منها وإن كان قوت البلد لأنه ليس في معنى ما نص عليه، والعبرة في ذلك بغالب قوت محل المؤدي عنه لا المؤدي لأنها وجبت عليه ابتداء ثم يتحملها المؤدي، فلا يجزئ من غير غالب قوت محل المؤدي عنه ولا من غالب قوت محل المؤدي أو قوته لتشوف النفوس إلى الغالب في ذلك المحل، ومن ثم وجب صرف الفطرة لفقراء بلد المؤدي عنه لا بلد المؤدي، فلو كان الرقيق أو الزوجة مثلا ببلد والسيد أو الزوج ببلد آخر صرفت من غالب قوت بلد الرقيق أو الزوجة على مستحقي بلديهما لا بلد السيد أو الزوج، ويختلف الغالب باختلاف النواحي والأزمان، والعبرة بغالب قوت البلد في غالب السنة لا بغالب وقت الوجوب، ويجزئ الأعلى في الاقتيات وإن كان أنقص في القيمة عن الأدنى فيه ولا عكس، فالتمر أعلى اقتياتًا من الزبيب والشعير أعلى منهما. "وإن قدر على بعضه" أي الصاع "فقط" أي دون باقيه "أخرجه" وجوبًا للخبر الصحيح: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" 2 ومحافظة على الواجب بقدر الإمكان وعند الضيق يجب أن يقدم نفسه ثم زوجته؛ لأن نفقتهما آكد ثم ولده الصغير ثم أباه وإن علا ولو من قبل الأم ثم أمه، وإنما قدمت الأم في النفقة لأنها للحاجة والأم أحوج، وأما الفطرة فللتطهير والشرف والأب أولى بهذا لأنه منسوب إليه ويشرف بشرفه. "ويجوز" للمالك دون الولي تعجيل الزكاة في الفطرة بعد دخول رمضان فيجزئ "إخراجها" ولو "في" أول ليلة من "رمضان" لانعقاد السبب الأول إذ هي تجب بسببين رمضان   1 الأقط: لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به "المعجم الوسيط: ص22". 2 رواه البخاري في الاعتصام باب 6، ومسلم في الفضائل حديث 130 والحج حديث 412، والنسائي في الحج باب 1، وابن ماجه في المقدمة باب 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فصل: "في النية في الزكاة وفي تعجيلها" وتجب النية فينوي: هذا زكاة مالي ونحو ذلك، ويجوز تعجيلها قبل الحول،   والفطرة منه فجاز تقديمها على أحدهما دون تقديمها عليهما كزكاة المال وسيأتي شرط إجزاء المعجل. "ويسن" إخراج الفطرة نهارًا وكونه بعد فجر يوم الفطر و"قبل صلاة العيد" إن فعلت أول النهار كما هو الغالب وأولى للأمر به قبل الخروج في الصحيحين1، فإن أخرت الصلاة سن المبادرة بالأداء أول النهار توسعة على المستحقين وانتظار نحو القريب والجار أفضل في زكاة المال فيأتي مثله هنا ما لم يؤخرها عن يوم الفطر. "ويحرم تأخيرها عن يومه" بلا عذر كغيبة ماله أو المستحقين؛ لأن القصد إغناؤهم عن الطلب فيه لكونه يوم سرور ومن ثم ورد: "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" 2 ويلزمه القضاء فورًا إن أخر بلا عذر. فصل: في النية في الزكاة وفي تعجيلها "وتجب النية" بالقلب ولا يشترط النطق بها ولا يجزئ وحده كما في الصلاة وغيرها "فينوي" المزكي "هذا زكاة مالي" ولو بدون الفرض؛ لأنها لا تكون إلا فرضًا بخلاف الصلاة والصدقة لكن الأفضل ذكر الفرضية معها. "ونحو ذلك" كهذا فرض صدقة مالي أو صدقة مالي المفروضة، وكذا فرض الصدقة أو الصدقة المفروضة على الأوجه، بخلاف صدقة المال فقط؛ لأنها قد تكون نافلة, وفرض المال؛ لأنه قد يكون كفارة ونذرًا، ويجوز تقديم النية على الدفع بشرط أن تقارن عزل الزكاة أو إعطاءها للوكيل أو بعده وقبل التفرقة كما تجزئ بعد العزل وقبل التفرقة وإن لم تقارن أحدهما، ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها بأن يكون مسلمًا مكلفًا، أما نحو الصبي والكافر فيجوز توكيله في أدائها لكن بشرط أن يعين له المدفوع إليه، ويتعين نية الوكيل إن دفع من ماله بإذن المالك، وتجب نية الولي في زكاة الصبي والمجنون والسفيه وإلا ضمنها لتقصيره ولو دفعها المزكي للإمام بلا نية لم تجزئه نية الإمام، ومتى امتنع من دفعها أخذها الإمام أو نائبه منه قهرًا، ثم إن نوى الممتنع عند الأخذ منه أجزأه وإلا وجب على الآخذ النية فإن ترك أثم ولم يجزئ المالك. "ويجوز" للمالك دون الولي كما مر "تعجيلها" أي الزكاة في الحول "قبل" آخر "الحول" وبعد انعقاده بأن يكمل النصاب في السائمة والنقدين دون عروض التجارة لما صح أنه صلى الله عليه وسلم   1 عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". رواه البخاري في الزكاة باب 70، ومسلم في الزكاة حديث 22 و23، والنسائي في الزكاة باب 33 و45، وأحمد في المسند "2/ 67، 151، 155، 157". 2 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 175" عن ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وشرط إجزاء المعجل أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول، وأن يكون القابض في آخر الحول مستحقًّا، وإذا لم يجزئه استرد إن علم القابض أنها زكاة معجلة.   أرخض في التعجيل للعباس1 وهو مرسل2 لكن عضد بورود معناه في الصحيحين، وقول جمع من الصحابة رضي الله عنهم بخلاف ما لو عجل عن معلوفة سيسيمها, أو عن دون نصاب فإنه لا يجزئ مطلقًا، وإنما يجوز التعجيل لعام فقط، وفي الثمار بعد بدو الصلاح، وفي الزروع بعد اشتداد الحب، ولا يجوز قبل ذلك؛ لأنه لم يظهر ما يمكن معرفة مقداره تحقيقًا ولا ظنًّا. "وشرط إجزاء المعجل" هنا وفيما مر في زكاة الفطر "أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول" في الحوالي ودخول شوال في الفطرة. "وأن يكون القابض في آخر الحول" أو عند دخول شوال "مستحقًّا" والمالك المعجل عنه باقيًا، فإن مات المالك أو القابض قبل ذلك أو ارتد القابض أو غاب أو استغنى بمال غير المعجل كزكاة أخرى ولو معجلة أخذها بعد الأولى، أو نقص النصاب أو زال عن ملكه وليس مال تجارة لم يجزئه المعجل لخروجه عن الأهلية عند الوجوب، ولا يضر عروض مانع في المستحق زال قبل الحول، وكذا لو لم يعلم استحقاقه أو حياته. "وإذا لم يجزئه" المعجل لفوات شرط مما ذكر أو لتلف النصاب الذي عجل عنه كله أو بعضه "استرد" من القابض "إن علم القابض" عند القبض أو بعده "أنها زكاة معجلة" ولو بقول المالك له: هذه زكاتي المعجلة كما لو عجل أجرة الدار ثم انهدمت في أثناء المدة، نعم لو قال: هذه زكاتي المعجلة فإن لم تقع زكاة فهي نافلة لم تسترد، ولو اختلف المالك والقابض في مثبت الاسترداد كعلم القابض بالتعجيل صدق القابض بيمينه؛ لأن الأصل عدم الاسترداد، وإذا رد المعجل لم يلزمه رد زيادته المنفصلة ولو حكمًا كاللبن في الضرع والصوف على الظهر، ولا أرش لنقص صفة حدث بيده قبل حدوث سبب الرجوع والقابض والمالك أهلان للزكاة لحدوثهما في ملك المستحق فلا يطالب بشيء منهما. تتمة: إذا حال الحول على المال الزكوي وجبت الزكاة وإن لم يتمكن من الأداء فابتداء الحول الثاني من تمام الأول لا من التمكن، ويجب عند آخر الحول أداء الزكاة على الفور إذا تمكن بأن حضر المال والمستحق وخلا المالك من مهم ديني أو دنيوي، فإن أخر الأداء بعد التمكن ضمن قدر الزكاة وإن تلف المال وله انتظار قريب وإن بعد وجار وأحوج ما لم يكن هنا من يتضرر بالجوع أو العري فيحرم التأخير مطلقًا؛ لأن دفع ضرره فرض فلا يجوز تركه   1 روى أبو داود في الزكاة باب 22 "حديث 1624" عن علي: "أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له في ذلك". 2 قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فصل: "في قسمة الزكاة على مستحقيها" ويجب صرف الزكاة إلى الموجودين من الأصناف الثمانية وهم الفقراء،   لفضيلة، ومع جواز التأخير لذلك يضمن ما تلف في مدة التأخير أيضًا، أما ما تلف قبل التمكن فلا يضمنه بل يقسط قسطه، وتتعلق الزكاة بالمال تعلق شركة، فالمستحق شريك للمالك بقدر الواجب إن كان من الجنس وإلا فبقدر قيمته فيمتنع عليه بيع القدر المذكور ورهنه، فإذا باع النصاب أو بعضه أو رهنه بعد تمام الحول صح إلا في قدر الزكاة. نعم مال التجارة يجوز بيعه ورهنه؛ لأنه متعلقهما القيمة لا العين، ومن له دين حل وقدر على استيفائه بأن كان على مليء حاضر باذل أو جاحد وعليه بينة أو يعلمه القاضي أو على غيره1 وقبضه لزمه إخراج زكاته حتى للأحوال الماضية لوجوبها فيه، كما تجب في الضال والمغصوب والمرهون والغائب وما اشتراه وتم حوله قبل القبض أو حبس عنه بأسر ونحوه لملك النصاب وحولان الحول, لكن لا يجب الإخراج من ذلك إلا عند عود المغصوب والضال وإمكان السير للغائب مع الوصول إليه فيخرجها حينئذ عن جميع الأحوال الماضية. فصل: في قسمة الزكاة على مستحقيها والأصل في ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية. "ويجب صرف الزكاة إلى الموجودين من الأصناف الثمانية"2, فإن وجدوا كلهم بمحل الزكاة وجب الصرف إليهم، ولا يجوز أن يحرم بعض الأصناف، فإن فقد بعضهم أو بعض آحاد الصنف ردت حصة من فقد الفاضل عن كفاية بعضهم على بقية الأصناف، ونصيب المفقود من آحاد الصنف على بقية ذلك الصنف، ولا ينقل شيء من ذلك إلى غيرهم لانحصار الاستحقاق فيهم، ومحله إذا نقص نصيبهم عن كفايتهم وإلا نقل إلى ذلك الصنف، أما لو عدمت الأصناف كلهم في البلد أو فضل عنهم شيء فإن الكل في الأولى والفاضل في الثابتة ينقل إلى جنس مستحقه بأقرب بلد إلى الزكاة، فعلم أنه لا يجوز للمالك ولا يجزئه نقل الزكاة مع وجود مستحقيها بموضع المال حال الوجوب عنه إلى غيره وإن قربت المسافة؛ لأن ذلك يوحش أصناف البلد بعد امتداد أطماعهم إليها. "وهم: الفقراء" والفقير من ليس له زوج ولا أصل ولا فرع تكفيه نفقته ولا مال ولا كسب يقع موقعًا من كفايته مطعمًا وملبسًا ومسكنًا، كمن يحتاج إلى عشرة ولا يجد إلا ثلاثة، وإن كان صحيحًا يسأل الناس، أو كان له مسكن وثوب يتجمل به وعبد يخدمه وإن تعدد ما يحتاجه من ذلك، ولا أثر لقدرته على كسب حرام أو غيره لائق بمروءته، ومن ثم أفتى   1 أي على غير مليء، أو غير جاحد، أو لا يعلمه القاضي. 2 المذكورين في الآية 60 من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 والمساكين، والغارمون، وأبناء السبيل وهم المسافرون، أو المريدون للسفر المباح   الغزالي بأن لأرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب أخذ الزكاة، ويعطى من غاب ماله بمسافة القصر، قال القفال1: بشرط أن لا يجد من يقرضه أو بأجل إلى حضوره أو حلوله لا من دينه قدر ماله إلا إن صرفه في الدين، وللمكفي بنفقة قريبه الأخذ من باقي السهام2 إن كان من أهلها حتى ممن تلزمه نفقته ولو لم تكتف الزوجة بنفقة زوجها أعطيت من سهم المساكين، ويسن لها أن تعطي زوجها المستحق من زكاتها. "و" الصنف الثاني: "المساكين" والمسكين من له ما يسد مسدًّا من حاجته بملك أو كسب حلال لائق ولكنه لا يكفيه3 كمن يحتاج إلى عشرة وعنده ثمانية لا تكفيه الكفاية اللائقة بحاله من مطعم وملبس ومسكن وغيرها مما مر وإن ملك أكثر من نصاب، والعبرة في عدم كفايته وكفاية الفقير بالعمر الغالب بناء على الأصح أنهما يعطيان كفاية ذلك، ولا يمنع الفقر والمسكنة اشتغاله عن كسب يحسنه بحفظ القرآن أو بالفقه أو التفسير أو الحديث أو ما كان آلة لذلك, وكان يتأتى منه ذلك فيعطى ليتفرغ لتحصيله لعموم نفعه وتعديه4, وكونه فرض كفاية، ومن ثم لم يعط المشتغل بنوافل العبادات وملازمة الخلوات؛ لأن نفعه قاصر على نفسه، ولا يمنعهما أيضًا كتب المشتغل بما ذكر إن احتاجت للتكسب كالمؤدب والمدرس بأجرة أو القيام بفرض من نحو إفتاء وتدريس من غير أجرة؛ لأن ذلك من الحاجات المهمة، وكذلك كتب من يطبب نفسه أو غيره، وكتب الوعظ إن كان في البلد واعظ، بخلاف كتب التواريخ المشتملة على وقائع دون تراجم الرجال ونحوها، وكتب الشعر الخالي عن نحو الرقائق والمواعظ ومن له عقار ينقص دخله عن كفايته يعطى تمامها، ومن نذر صوم الدهر ولم يمكنه أن يكتسب مع الصوم كفاية جاز له الأخذ، وكذا من يكتسب كفايته لكنه يحتاج للنكاح فله أخذ ما ينكح به؛ لأنه من تمام كفايته. "و" الصنف الثالث: الغارمون" أي المدينون وهم أنواع: الأول: من استدان لدفع فتنة بين متنازعين فيعطى ما استدانه لذلك وإن كان غنيًّا بنقد أو غيره لعموم نفعه. الثاني: من استدان لقرى ضيف أو عمارة مسجد وقنطرة وفك أسير ونحوها من المصالح العامة فيعطى ما استدانه وإن كان غنيًّا لكن بغير نقد، والثالث: من استدان لنفسه لطاعة أو مباح أو لمعصية وصرفه في   1 هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الشافعي. فقيه، محدث، مفسر، أصولي، لغوي، شاعر، ولد في الشاش سنة 291هـ، وتوفي فيها سنة 365هـ. انظر معجم المؤلفين "3/ 498". 2 وهي الأصناف الستة الباقية بعد الفقراء والمساكين. 3 قيل: المسكين أسوأ حالا من الفقير، وقيل: المسكين أحسن حالا منه. انظر اللسان "13/ 214، 215". وفي اللسان أيضًا "13/ 216": "المسكين الصحيح المحتاج، وقال زيادة الله بن أحمد: الفقير: القاعد في بيته لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل. وأصل المسكين في اللغة الخاضع، وأصل الفقير المحتاج". 4 أي تعدي نفع تحصيل العلم إلى غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 المحتاجون. والعاملون عليها، والمؤلفة وهم: ضعفاء النية في الإسلام، وشريف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه. والغزاة الذكور المتطوعون، والمكاتبون كتابة صحيحة،   مباح أو لمباح وصرفه في معصية إن عرف قصد الإباحة أو لا لكن لا نصدقه فيه1 أو لمعصية وصرفه فيها لكنه تاب وغلب على الظن صدقه في توبته فيعطى في هذه الأحوال كلها قدر دينه إن حل وعجز عن وفائه، وثم إن لم يكن معه شيء أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن ترك له مما معه ما يكفيه وأعطي ما يقضي به باقي دينه. والرابع: الضامن فيعطى إن أعسر وحل المضمون وكان ضامنًا لمعسر أو لموسر لا يرجع هو عليه كأن ضمنه بغير إذنه ومن قضى دينه بقرض استحق بخلاف من مات وإن لم يخلف وفاءه. فرع: دفع زكاته لمديونه بشرط أن يردها له عن دينه لم يجز ولا يصح قضاء الدين بها، فإن نويا ذلك بلا شرط لم يضر، وكذا إن وعده المدين بلا شرط ولا يلزمه الوفاء بالوعد، ولو قال لمدينه: اقض ديني وأرده لك زكاة فأعطاه بريء من الدين ولا يلزم إعطاءه، ولو قال لمدينه: جعلت ديني عليك زكاة لم يجز بل لا بد من قبضه منه ثم دفعه له عن الزكاة إن شاء. "و" الصنف الرابع: "أبناء السبيل" أي الطريق سموا بذلك لملازمتهم لها "وهم المسافرون أو المريدون للسفر المباح المحتاجون" بأن لم يكن معهم ما يكفيهم في سفرهم، فمن سافر كذلك ولو لنزهة أو كان غريبًا مجتازًا بمحل الزكاة أعطي وإن كان كسوبًا جميع كفاية سفره لا ما زاد بسبب السفر فقط ذهابًا, وإن لم يكن له مال أو ما يوصله إلى محل ماله وإيابًا إن قصد الرجوع ويعطى ما يحمله إن عجز عن المشي أو طال سفره وما يحمل عليه زاده ومتاعه إن عجز عن حملها بخلاف المسافر سفر معصية ما لم يتب أولا لمقصد صحيح كالهائم. "و" الصنف الخامس: "العاملون عليها" ومنهم الساعي الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكوات وبعثه واجب وشرطه فقه بما فوض إليه، ومنها أن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا عدلا بصيرًا ذكرًا؛ لأنه نوع ولاية والكاتب والقاسم والحاشر الذي يجمع أرباب الأموال والعريف الذي يعرف أرباب الاستحقاق والحاسب والحافظ والجندي والجابي ويزاد فيهما بقدر الحاجة وليس منهم الإمام والوالي والقاضي بل رزقهم في خمس الخمس، والذي يستحقه العامل أجرة مثل عمله فقط، فإن استؤجر بأكثر من ذلك بطلت الإجارة والزائد من سهمه على أجرته يرجع للأصناف. "و" الصنف السادس: "المؤلفة" قلوبهم "وهم" أصناف: الأول: "ضعفاء النية في الإسلام" فيعطون ليقوى إسلامهم. "و" الثاني: شريف في قومه" مسلم "يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه" والثالث: مسلم مقيم بثغر من ثغورنا ليكفينا شر من يليه من الكفار ومانعي الزكاة، والرابع، من يكفينا شر البغاة، والخامس، من يجبي الصدقات من قوم يتعذر إرسال ساع   1 أي يجب عليه في ذلك بينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وأقل ذلك ثلاثة من كل صنف إلا إذا انحصروا ووفت الزكاة بحاجتهم، وإلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا.   إليهم وإن لم يمنعوا، وشرط إعطاء المؤلف بأقسامه احتياجنا إليه لا كونه ذكرًا على المعتمد، ولا يعطى من الزكاة كافر لا لتأليف ولا لغيره، نعم يجوز أن يكون الكتاب والحمال والحفاظ ونحوهم كفارًا مستأجرين من سهم العامل؛ لأن ذلك أجرة لا زكاة. "و" الصنف السابع: "الغزاة الذكور المتطوعون" بالجهاد بأن لم يكن لهم رزق في الفيء وهم المراد بسبيل الله في الآية1 فيعطى كل منهم وإن كان غنيًّا كفايته وكفاية ممونه إلى أن يرجع من نفقة وكسوة ذهابًا وإيابًا وإقامة في الثغر ونحوه إلى الفتح وإن طالت إقامته مع فرس إن كان يقاتل فارسًا، ومع ما يحمله في سفره إن عجز عن المشي أو طال السفر وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يطق حملهما، أما المرتزق فلا يعطى من الزكاة مطلقًا فإن اضطررنا إليه أعانه أغنياؤنا من أموالهم لا من الزكاة. "و" الصنف الثامن: "المكاتبون كتابة صحيحة" وهم المراد بالرقاب في الآية بخلاف فاسد الكتابة؛ لأنها غير لازمة من جهة السيد، وإنما يعطي صحيحها إن عجز عن الوفاء وإن كان كسوبًا فيعطى ولو بغير إذن سيده، أو يعطى سيده بإذنه قدر دينه الذي عجز عنه ولو قبل حلول النجوم2، ويرد ما أعطيه من الزكاة بزوائده المتصلة إن رق بأن عجز نفسه لعدم حصول العتق أو أعتقه سيده تبرعًا أو بإبرائه أو بأداء غيره عنه أو أدائه هو من مال آخر لعدم حصول المقصود به، ويصدق بلا يمين مدعي فقر أو مسكنه أو عجز عن كسب لا في تلف مال عرف وولد إلا بإخبار عدلين أو عدل أو اشتهار بين الناس، ومدعي ضعف نية لا بقية أصناف المؤلفة إلا بذلك ومدعي إرادة غزو، ويكفي تصديق سيد مكاتب ودائن غارم أو الإخبار أو الاشتهار المذكور، وشرط الآخذ من هذه الأصناف الإسلام والحرية، وأن لا يكون هاشميًّا ولا مطلبيًّا ولا مولى لهم وإن انقطع خمس الخمس عنهم، ولا يعطى أحد بوصفين في حالة واحدة بخلاف ما لو أخذ فقير غارم بالغرم فأعطاه غريمه فإنه يعطى بالفقر. "وأقل" من يعطى من كل صنف من "ذلك" إذا فرق المالك بنفسه أو وكيله "ثلاثة من كل صنف" عملا بأقل الجمع في غير الأخيرين في الآية وبالقياس عليه فيهما، وتجب التسوية بين الأصناف وإن تفاوتت حاجاتهم لا بين آحاد الصنف فله أن يعطى الثمن كله لفقير إلا أقل متمول فيعطيه لفقيرين آخرين، فإن أعطى واحدًا الكل وثم غيره من ذلك الصنف غرم للآخرين أقل متمول من ماله. "إلا إذا انحصروا" في آحاد يسهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم   1 في قوله تعالى: { ... وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 60] . 2 النجوم: جمع نجم، وهو الوقت المعين لأداء دين أو عمل، وما يؤدى في هذا الوقت، وهي هنا الأقساط المتوجبة للسيد على عبده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فصل: "في صدقة التطوع" والأفضل الإسرار بصدقة التطوع بخلاف الزكاة، والتصدق على القريب الأقرب، والزوج، ثم الأبعد ثم محارم الرضاع، ثم المصاهرة، ثم الولاء، ثم الجار، وعلى   ولم يزيدوا على ثلاثة من كل صنف أو زادوا عليها. "ووفت الزكاة بحاجتهم" فإنه يلزم المالك الاستيعاب، ولا يجوز له الاقتصار على ثلاث إذ لا مشقة في الاستيعاب حينئذ، وفيما إذا انحصر كل صنف أو بعض الأصناف في ثلاثة فأقل وقت الوجوب يستحقونها في الأولى، وما يخص المحصورين في الثانية من وقت الوجوب فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة أو موت لأحدهم بل حقهم باق بحاله فيدفع نصيب الميت لوارثه وإن كان هو المزكي، ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب، فإن زادوا على ثلاثة لم يملكوا إلا بالقسمة إلا العامل فإنه يملك بالعمل. "وإلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا" إذا حصل به الغرض بل إذا استغنى عن الواحد بأن فرق المالك بنفسه سقط سهم العامل. فصل: في صدقة التطوع وهي سنة مؤكدة للأحاديث الكثيرة الشهيرة1، وقد تحرم كأن يعلم من آخذها أنه يصرفها في معصية، وقد تجب كأن وجد مضطرًا ومعه ما يطعمه فاضلًا عنه. "والأفضل الإسرار بصدقة التطوع" لأنه صلى الله عليه وسلم عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه2، نعم إن أظهرها مقتدى به ليقتدى به ولم يقصد رياء ولا سمعة ولا تأذى به الآخذ كان الإظهار أفضل "بخلاف الزكاة" فإن إظهارها للإمام أفضل مطلقًا وكذا للمالك في الأموال الباطنة3. "و" الأفضل "التصدق على القريب" لأنه أولى من الأجنبي والأفضل تقديم "الأقرب" فالأقرب من المحارم وإن لزمته نفقتهم "والزوج" أو الزوجة فهما في درجة الأقرب "ثم" بعد الأقرب والزوجين الأفضل تقديم "الأبعد" من الأقارب ويقدم منهم الأقرب فالأقرب رحمًا. "ثم" بعد سائر الأقارب الأفضل تقديم "محارم الرضاع ثم المصاهرة ثم الولاء" من الجانبين ثم   1 منها ما رواه البخاري في الزكاة باب 27 "حديث 1442" ومسلم في الزكاة حديث 57، وأحمد في المسند "2/ 306، 347" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا". 2 لفظ الحديث: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه". رواه البخاري في الأذان باب 36 والزكاة باب 16 والرقاق باب 247 والحدود باب 19 "الأحاديث 660 و1423 و6479 و6806" ومسلم في الزكاة حديث 91، والترمذي في الزهد باب 53، والنسائي في القضاة باب 2، ومالك في الشعر حديث 4، وأحمد في المسند "2/ 439". 3 الأموال الباطنة: هي النقد وعروض التجارة وزكاة الفطر. والظاهرة: المواشي والزروع والثمار والمعادن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 العدو، وأهل الخير المحتاجين، وفي الأزمنة الفاضلة كالجمعة، والأماكن الفاضلة، وعند الأمور المهمة كالغزو والكسوف والمرض، وفي الحج وبما يحبه وبطيب نفس وبشر، ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته، أو لدين لا يرجو له وفاء، ويستحب بما فضل عن حاجته إذا لم يشق عليه الصبر على الضيق، ويكره   من جانب "ثم" الأفضل تقديم "الجار" فهو أولى حتى من القريب لكن بشرط أن تكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه وإلا قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره1. "و" الأفضل الصدقة "على العدو" القريب أو الأجنبي والأشد عداوة أولى لما فيه من التأليف وكسر النفس2. "و" على أهل "الخير المحتاجين" فهما أولى من غيرهما وإن اختص الغير بقرب أو نحوه. "و" الأفضل تحري الصدقة "في سائر "الأزمنة الفاضلة كالجمعة" ورمضان سيما عشره الأواخر وعشر ذي الحجة وأيام العيد. "والأماكن الفاضلة" كمكة والمدينة وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل بل إنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتنامًا لعظيم ثوابه والأفضل تحريها. "و" الاستكثار منها "عند الأمور المهمة كالغزو والكسوف والمرض وفي الحج" والسفر لأنها أرجى لقضاء الحاجات وتفريج الكروب ومن ثم سنت عقب كل معصية. "و" الأفضل أن يتصدق "بما يحبه" لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} [آل عمران: 92] ، وتكره الصدقة برديء وجد غيرها وبما فيه شبهة ولا يأنف من التصدق بالقليل، ويسن أن يتصدق بثوبه إذا لبس جديدًا غيره، وليس من التصدق بالرديء ومثله ما اعتيد من التصدق بالفلوس دون الفضة. "و" أن يكون تصدقه مقرونًا "بطيب نفس وبشر" لما فيه من تكثير الأجر وجبر القلب وبالبسملة وبإعطاء الفقير الصدقة من يده وبعدم الطمع في الدعاء منه فإن دعا له سن أن يرد عليه لئلا ينقص أجر الصدقة. "ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول" 3 وإطعام الأنصاري قوت صبيانه لمن نزل به ضيافة لا صدقة والضيافة لتأكدها ووجوبها عند أحمد لا يشترط فيها الفضل عن العيال. "أو" بما يحتاج إليه "لدين لا يرجو له وفاء" لأن أداءه واجب لحق الآدمي فلا يجوز   1 أي دار القريب. 2 قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] . 3 رواه بهذا اللفظ أحمد في المسند "2/ 194" والحاكم في المستدرك "1/ 415، 4/ 50" ورواه بلفظ "يقوت" بدل "يعول" أبو داود "حديث 1692" وأحمد "2/ 160، 164، 195" والبيهقي في السنن الكبرى "7/ 467، 9/ 25" والطبراني في الكبير "9/ 342". ورواه مسلم في الزكاة حديث 40 بلفظ: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته" عن عبد الله بن عمرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 أن يأخذ صدقته ممن أخذ منه ببيع أو غيره، ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب، والمن بالصدقة يحبطها، وتتأكد بالماء والمنيحة.   تفويته أو تأخيره بسبب التطوع بالصدقة، ومحله إن لم يغلب على ظنه وفاؤه من جهة أخرى ظاهرة ولم يحصل بذلك تأخيره عن أدائه الواجب فورًا بمطالبة أو غيرها، ومحل ما ذكر في نفسه ما لم يصبر على الإضافة، ومن ثم قالوا يحرم إيثار عطشان آخر بالماء فإن صبر جاز، ومن ثم قالوا: يجوز للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرًا آخر مسلمًا. "ويستحب" التصدق "بما" أي بجميع ما "فضل عن حاجته" وحاجة ممونه يومه وليلته "إذا لم يشق عليه" ولا عليهم "الصبر على الضيق" وإلا كره، وعلى هذا التفصيل حملت الأخبار المختلفة الظاهر كخبر: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" 1 وخبر تصدق أبي بكر رضي الله عنه بجميع ماله والتصدق ببعض الفاضل عن حاجته مسنون مطلقًا وحيث حرمت الصدقة بشيء لم يملكه الآخذ. "ويكره" للإنسان "أن يأخذ صدقته" أو نحوها من زكاة أو كفارة "ممن أخذ منه" شيئًا على سبيل الصدقة سواء الأخذ من المتصدق عليه "ببيع أو غيره" لأن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه كما في الحديث2، وخرج بقوله "يأخذ" المشعر بالاختيار ما لو ورثها فلا يكره له التصرف فيها، وبقوله "ممن أخذ منه" ما لو أخذها من غيره فإنه لا يكره، ولو بعث لفقير شيئًا لم يزل ملكه عنه فإن لم يوجد أو لم يقبل من التصدق سن أن يتصدق به على غيره ولا يعود فيه. "ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب" وكذا إظهار الفاقة وأن يسأل وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيتان من نار" 3، ويكره له التعرض لها بدون إظهار فاقة، أما أخذها بلا تعرض ولا إظهار فاقة فخلاف السنة. "والمن بالصدقة" حرام "يحبطها" أي يمنع ثوابها للآية4. "وتتأكد بالماء" لخبر: "أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء"5 ومحله فيما يظهر إن كان الاحتياج إليه أكثر منه إلى الطعام وإلا فهو أفضل. "والمنيحة" وهي الشاة اللبون ونحوها بأن يعطيها لمحتاج يشرب لبنها ما دامت لبونًا ثم يردها إليه لما في ذلك من مزيد البر والإحسان.   1 رواه البخاري في النفقات باب 2، ومسلم في الزكاة حديث 95، وأبو داود في الزكاة باب 39، وغيرهم. ولفظ الحديث عند مسلم عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". 2 حديث "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" رواه النسائي في الزكاة باب 98، وأما ما جاء بلفظ: "العائد في هبته ... " فقد رواه البخاري في الهبة باب 30، ومسلم في الهبات حديث 5 و6؛ وغيرها. 3 رواه أحمد في المسند "1/ 137، 138" عن عبد الله بن مسعود. 4 وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 264: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} . 5 رواه أبو داود في الزكاة باب 41 "حديث 1681" عن سعد بن عبادة أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء" قال: فحفر بئرًا وقال: هذه لأم سعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 باب كتاب الصيام مدخل ... كتاب: الصيام يجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين أو برؤية عدل الهلال، وإذا رؤي الهلال   كتاب: الصيام وهو لغة: الإمساك. وشرعًا: الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص، وفرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة. "ويجب صوم رمضان باستكمال شعبان ثلاثين" يومًا إن كانت السماء مطبقة بالغيم. "أو برؤية عدل" واحد "الهلال" إذا شهد بها عند القاضي بلفظ الشهادة ولو بنحو: أشهد أني رأيت الهلال فلا يكفي أن يقول غدًا من رمضان، ولا يشترط تقدم دعوى بل أن يكون عدل شهادة، فلا يكفي عبد وامرأة لكن لا يشترط فيه العدالة الباطنة وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين بل يكفي كونه مستورًا؛ ودليل الاكتفاء بواحد ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه"1 والمعنى في ثبوته بواحد دون غيره من المشهور الاحتياط للصوم ومن ثم لم يكتف بواحد إلا بالنسبة للصوم وتوابعه كالتراويح والاعتكاف والعمرة المعلقين بدخول رمضان بخلاف غير الصوم وتوابعه فلا يحل دين مؤجل به ولا يقع ما علق به من نحو طلاق وعتق، نعم يثبت ذلك في حق الرائي ولذلك يلزمه الصوم وإن كان فاسقًا، وكذا يلزم من أخبره فاسق أنه رآه واعتقد صدقه، ولا يجوز العمل بقول المنجم والحاسب لكن لهما العمل باعتقادهما، ولكن لا يجزئهما صومهما عن فرضهما، وبحث الأذرعي الاكتفاء برؤية القناديل المعلقة بالمنائر ليلة أول رمضان، وقياسه الاكتفاء بذلك أيضًا حيث اطردت العادة بتعليقها في البلد المرئية فيها فجر ليلة العيد حيث اعتقد من رآها أن غدًا عيد، ثم رأيت جمعًا بحثوه أيضًا، ولا عبرة بقول من قال أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أن غدًا من رمضان فلا يجوز بالإجماع العمل بقضية منامه لا في الصوم ولا في غيره. "وإذا رئي الهلال ببلد لزم" الصوم "من وافق مطلعهم مطلعه" لأن الرؤية تختلف باختلاف المناظر وعروض البلدان فكان اعتبارهما أولى كما في طلوع الفجر والزوال وغروبها، أما إذا اختلفت المطالع فلا يجب الصوم على من اختلف مطلعه لبعده، وكذا لو شك في اتفاقها، ولا يمكن اختلافها في دون أربعة وعشرين فرسخًا، ولو سافر من بلد الرؤية إلى بلد تخالفه في المطلع ولم ير أهله الهلال وافقهم في الصوم فيمسك معهم وإن كان معيدًا   1 رواه أبو داود في الصوم باب 158 "حديث 2342" بلفظ: "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ببلد لزم من وافق مطلعهم مطلعة، ولصحة الصوم شروط: الأول: النية لكل يوم. ويجب التبييت في الفرض دون النفل، فتجزئه نيته قبل الزوال، ويجب التعيين أيضًا دون الفرضية في الفرض.   لأنه بالانتقال إليهم صار منهم، وكذا لو جرت سفينة صائم إلى بلد فوجدهم معيدين فإنه يفطر معهم لذلك، ولا قضاء عليه إلا إن صام ثمانية وعشرين يومًا، ولا أثر لرؤية الهلال نهارًا ولو قبل الزوال. "ولصحة الصوم شروط: الأول النية" لخبر: "إنما الأعمال بالنيات" 1 ومر الكلام عليها وإنما تجب بالقلب ويسن التلفظ بها وتجب في الفرض والنفل "لكل يوم" لظاهر الخبر الآتي2 ولأن كل يوم عبادة مستقلة، فلو نوى أول ليلة من رمضان صوم الشهر كله لم يكف لغير اليوم الأول لكن ينبغي له ذلك ليحصل له ثواب صوم رمضان إن نسي النية في بعض أيامه عند القائل بأن ذلك يكفي "ويجب التبييت في الفرض" بأن يوقع نيته ليلًا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" 3 وهو محمول على الفرض بقرينة الخبر الآتي في النفل4، ولا يضر وقوع مناف كأكل وجماع بعد النية ولا تجزئ مقارنتها للفجر ولا إن شك عندهما في أنها متقدمة على الفجر أو لا خلاف ما لو نوى ثم شك أطلع الفجر أم لا، أو شك نهارًا هل نوى ليلًا ثم تذكر ولو بعد مضي أكثر النهار بخلاف ما لو مضى ولم يتذكر "دون النفل" فلا يجب التبييت فيه "فتجزئه نيته قبل الزوال" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "هل عندكم من غداء؟ " قالت: لا. قال: "فإني إذن أصوم" 5, ولا بد من اجتماع شرائط الصوم من الفجر للحكم عليه بأنه صائم من أول النهار حتى يثاب على جميعه إذ صومه لا يتبعض، ولو أصبح ولم ينو صومًا ثم تمضمض ولم يبالغ فسبق ماء المضمضة إلى جوفه ثم نوى صوم صح، وكذا كل ما لا يبطل به الصوم. "ويجب التعيين أيضًا" للمنوي من فرض كرمضان أو نذر أو كفارة ومن نفل له سبب كصوم الاستسقاء بغير أمر الإمام أو مؤقت كصوم يوم الاثنين وعرفة وعاشوراء وأيام البيض، لكن معنى وجوب التعيين في النفل المذكور بقسميه أنه بالنسبة لحيازة الثواب المخصوص لا أن الصحة متوقفة عليه، ولو كان عليه قضاء رمضانين أو صوم نذر أو كفارة عن   1 رواه البخاري في بدء الوحي باب 1، والإيمان باب 41، والنكاح باب 5، والطلاق باب 11، ومناقب الأنصار باب 45، والعتق باب 6، ومسلم في الإمارة حديث 155. ورواه أيضًا باقي الستة والإمام أحمد. 2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له". 3 رواه النسائي في الصيام باب 68، والدارمي في الصوم باب 10، والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 202". 4 بعد أربعة أسطر. 5 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 203" والدارقطني في سننه "2/ 176". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الثاني: الإمساك عن الجماع عمدًا، وعن الاستمناء. الثالث: الإمساك عن الاستقاءة، ولا يضر تقيؤه بغير اختياره.   جهات مختلفة فنوى صوم غد عن رمضان أو صوم نذر وكفارة جاز وإن لم يعين عن قضاء أيهما في الأول ولا نوعه في الثاني لأن كله جنس واحد "دون" نية "الفريضة في" صوم "الفرض" فإنها لا تجب لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضًا، بخلاف الصلاة فإن المعادة وإن كانت جمعة نفل، وعلم من كلامه أن أقل النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن رمضان، والأكمل أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى لتتميز عن أضدادها، ولو تسحر ليصوم أو شرب لدفع العطش نهارًا أو امتنع من نحو الأكل خوف الفجر ذلك إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها لتضمن كل منها قصد الصوم، وكذا لو تسحر ليتقوى على الصوم وخطر بباله ذلك. "الثاني: الإمساك عن الجماع" فيفطر به وإن لم ينزل إجماعًا بشرط أن يصدر من واضح "عمدًا" مع العلم بتحريمه ومع كونه مختارًا "وعن الاستمناء" يعني وعن تعمد الإنزال بلمس لما ينقض لمسه الوضوء أو استمناء بيده أو بيد حليلته؛ لأنه إذا أفطر بالجماع بلا إنزال فبالإنزال بمباشرة فيها نوع شهوة أولى، أما الإنزال بنحو فكر ونظم وضم امرأة بحائل وإن رق فلا يفطر به وإن تكررت الثلاثة بشهوة إذ لا مباشرة كالاحتلام لكن يحرم تكريرها، وإن لم ينزل كالتقبيل في الفم أو غيره لمن لم يملك نفسه من جماع أو إنزال لأن فيه تعريضًا لإفساد العبادة بخلاف ما إذا ملكها معه فإن تركه أولى، ولا يفطر بلمس ما لا ينقض لمسه كلمس عضو مبان1 وإن اتصل، ولو حك ذكره لعارض سوداء أو حكة فأنزل لم يفطر لتولده من مباشرة مباحة، ولو قبلها ثم فارقها ساعة ثم أنزل فإن كانت الشهوة مستصحبة والذكر قائمًا حتى أنزل أفطر وإلا فلا، ولا يضر إمناء الخنثى المشكل ولا وطؤه بأحد فرجيه لاحتمال زيادته، وخرج بما مر الناسي والجاهل والمعذور لقرب إسلامه أو نشئه ببادية بعيدة عن العلماء والمكره فلا يفطرون بالجماع ونحوه لعذرهم. "الثالث: الإمساك عن الاستقاءة" فيفطر من استدعى القيء عامدًا عالمًا مختارًا وإن لم يعد منه شيء إلى جوفه لأنه مفطر لعينه لا لعود شيء منه. "ولا يضر تقيؤه" نسيانًا ولا جهلًا إن عذر به ولا "بغير اختياره" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء -أي غلبه- وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض" 2.   1 مبان: أي منفصل. 2 رواه أو داود في الصوم باب 33 "حديث 2380" من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا أحمد في المسند "2/ 498" وابن ماجه "حديث 1676" والحاكم في المستدرك "1/ 427" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 219" والدارقطني في سننه "2/ 184، 185" وابن حبان في صحيحه "907". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الرابع: الإمساك عن دخول عين جوفًا كباطن الأذن والإحليل بشرط دخوله من منفذ مفتوح، ولا يضر تشرب المسام بالدهن والكحل والاغتسال، فإن أكل أو شرب ناسيًا أو جاهلًا قليلًا أو كثيرًا لم يفطر، ولا يعذر الجاهل إلا إن قرب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية   "الرابع: الإمساك عن دخول عين" وإن قلت كسمسمة أو لم تؤكل عادة كحصاة من الظاهر في منفذ مفتوح مع تعمده دخولها واختياره والعلم بأنه مفطر إلى ما يسمى "جوفًا كباطن الأذن والإحليل" وهو مخرج البول من الذكر واللبن من الثدي فإذا أدخل في شيء من ذلك شيئًا فوصل إلى الباطن أفطر، وإن كان لا ينفذ منه إلى الدماغ في الأولى ولم يجاوز الداخل فيه الحشفة أو الحلمة في الثانية لوصوله إلى جوف وكخريطة1 دماغ وصل إليها دواء من مأمومة2 وإن لم يصل إلى باطنها وكجوف وصل إليه طعنه من نفسه أو غيره بإذنه ولا يضر وصوله لمخ ساقه لأنه ليس بجوف أو وصل إليه دواء من جائفة3 أو حقنة أو سعوط، وإن لم تصل إلى باطن الأمعاء أو الدماغ إذ ما وراء الخيشوم وهو أقصى الأنف جوف وإنما يفطر بالواصل إلى الحلق إن وصل إلى الباطن منه شيء، ومخرج الهمزة والهاء باطن ومخرج الخاء المعجمة والحاء المهملة ظاهر، ثم داخل الفم إلى منتهى المهملة والأنف إلى منتهى الخيشوم له حكم الظاهر في الإفطار باستخراج القيء إليه أو ابتلاعه النخامة منه، وفي عدم الإفطار بدخول شيء فيه وإن أمسكه، وفي أنه إذا تنجس وجب غسله، وله حكم الباطن في عدم الإفطار بابتلاع الريق منه وفي سقوط غسله عن الجنب وفارق وجوب غسل النجاسة عنه بأنها أفحش وأندر فضيق فيها ما لم يضيق في الجنابة، وإنما يفطر بإدخال ما ذكر إلى الجوف "بشرط دخوله" إليه "من منفذ مفتوح" كما تقرر "و" من ثم "لا يضر تشرب المسام" بتثليث الميم وهي ثقب البدن "بالدهن والكحل والاغتسال" فلا يفطر بذلك وإن وصل جوفه لأنه لما لم يصل من منفذ مفتوح كان في حيز العفو ولا كراهة في ذلك لكنه خلاف الأولى، وإنما يفطر بما مر إن علم وتعمد واختار. "فإن أكل أو شرب ناسيًا" للصوم "أو جاهلًا" بأن ذلك مفطر أو مكرهًا على الأكل مثلًا "قليلًا" كان المأكول أو المشروب "أو كثيرًا لم يفطر" لعموم خبر الصحيحين: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب" وفي رواية: "وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" 4   1 خريطة الدماغ: الوعاء من جلد رقيق يكون المخ داخلها. 2 المأمومة والآمة: الشجة بلغت أم الرأس "المعجم الوسيط: ص27". 3 يقال: جاف فلانًا بطعنة، وجافت الطعنة فلانًا، فهي جائفة؛ وهي الطعنة التي بلغت الجوف ولم تظهر من الجانب الآخر "المعجم الوسيط: ص147". 4 رواه البخاري في الصوم باب 26، والأيمان باب 15، ومسلم في الصيام حديث 17. وابن ماجه في الصيام باب 15، والدارمي في الصوم باب 23، وأحمد في المسند "2/ 395، 425، 489، 491، 492، 493، 514". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 بعيدة عن العلماء، ولا يفطر بغبار الطريق وإن تعمد فتح فمه، ولا ببلع الريق الطاهر الخالص من معدنه وإن أخرجه على لسانه، ويفطر بجري الريق بما بين الأسنان لقدرته على مجه وبالنخامة كذلك، وبوصول ماء المضمضة الجوف إن بالغ في غير نجاسة وبغير   وصح: "ولا قضاء عليه" 1، ولخبر: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" 2 والجاهل كالناسي بجامع العذر. "و" لكن "لا يعذر الجاهل" هنا وفيما مر "إلا إن قرب عهده بالإسلام" ولم يكن مخالطًا أهله بحيث لم يعرف منهم أن ذلك يفطر "أو نشأ ببادية" أو بلدة "بعيدة عن العلماء" بحيث لا يستطيع النقلة3 إليهم لعذره حينئذ، بخلاف ما إذا كان قديم الإسلام وهو بين ظهراني العلماء أو من يعرف أن ذلك مفطر فإنه لا عذر له لتقصيره بترك ما يجب من تعلم ذلك كما مر أول الكتاب. "ولا يفطر بغبار" نحو "الطريق" ولا بغربلة نحو الدقيق ولا بوصول الأثر كوصول الريح بالشم إلى دماغه والطعم بالذوق إلى حلقه، ولا بدخول ذبابة في جوفه. "وإن تعمد فتح فمه" لعدم قصده لذلك ولعسر تجنبه ولأنه معفو عن جنسه. "ولا" يفطر أيضًا "ببلع الريق الطاهر الخالص من معدنه" وهو الفم جميعه ولو بعد جمعه. "وإن أخرجه على لسانه" لعسر التحرز عنه ولأنه لم يخرج عن معدنه، إذ اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه معدنه، وخرج بالطاهر المتنجس كمن دميت لثته وإن ابيض ريقه بالخالص المختلط ولو بطاهر آخر كمن فتل خيطًا مصبوغًا تغير به ريقه وبالذي ابتلعه من معدنه كأن خرج من فمه ولو إلى ظاهر الشفة وإن عاد إلى فمه من خيط خياط أو امرأة في غزلها فيفطر بجميع ذلك لوصول النجاسة أو العين المخالطة إلى جوفه ولسهولة الاحتراز عنه في الأخيرة "ويفطر بجري الريق بما بين الأسنان لقدرته على مجه" أي مع قدرته عليه لتقصيره حينئذ، بخلاف ما إذا عجز عن تمييزه ومجه لعذره "و" يفطر "بالنخامة كذلك" بأن نزلت من الرأس أو الجوف ووصلت إلى حد الظاهر من الفم فأجراها هو وإن عجز بعد ذلك عن مجها أو جرت بنفسها وقدر على مجها لتقصيره مع أن نزولها منسوب إليه بخلاف ما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها فلا يفطر للعذر، وكذا لو لم تصل إلى حد الظاهر كأن نزلت من دماغه إلى حلقه وهي في حد الباطن   1 هذه الرواية عند الدارقطني في سننه "حديث 2223-2228". 2 رواه بهذا اللفظ ابن حجر في تلخيص الحبير "/ 281" والمتقي الهندي في كنز العمال "رقم 10307" والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين "16" والسيوطي في الدرر المنتثرة "87" والفتني في تذكرة الموضوعات "91". وروي بلفظ: "إن الله جاوز لي عن أمتي الخطأ ... " رواه البيهقي في السنن الكبرى "7/ 356، 10/ 61" والحاكم في المستدرك "2/ 198" والدارقطني في سننه "4/ 171". وبلفظ: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ ... " رواه الطبراني في الكبير "11/ 134". 3 أي الانتقال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 مبالغة من مضمضة لتبرد أو رابعة أو عبث، وبتبين الأكل نهارًا لا بالأكل مكرها. الخامس والسادس والسابع: الإسلام، والنقاء عن الحيض والنفاس، والعقل في جميع النهار، ولا يضر الإغماء والسكر إن أفاق لحظة في النهار، ولا يصح صوم العيدين ولا أيام التشريق، ولا النصف الأخير من شعبان إلا لورد أو نذر أو قضاء أو كفارة، أو وصل ما بعد النصف بما قبله.   ثم إلى جوفه فلا يفطر وإن قدر على مجها لأنها نزلت من جوف إلى جوف. "و" يفطر "بوصول ماء المضمضة" والاستنشاق "الجوف" أي باطنه أو دماغه "إن بالغ" ولو في واحدة من الثلاث؛ لأن المبالغة غير مشروعة للصائم فهو مسيء بها. هذا إن بالغ "في غير نجاسة" في الفم أو الأنف فإن احتاج للمبالغة في تطهيرها فسبق الماء إلى جوفه لم يفطر لوجوب ذلك عليه. "و" يفطر أيضًا بوصول ما ذكر إلى جوفه ولو "بغير مبالغة" إن كان "من مضمضة" أو استنشاق "لتبرد أو رابعة أو" بوصول ما جعله في فمه أو أنفه لا لغرض بل لأجل "عبث" لأنه غير مأمور بذلك بل منهي عنه في الرابعة بخلاف ما إذا سبق ماء مضمضة أو استنشاق مشروعين من غير مبالغة فإنه لا يفطر به لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره، ويحرم أكل الشاك آخر النهار لا آخر الليل لأن الأصل بقاؤهما حتى يجتهد ويظن انقضاء النهار فيجوز له الأكل لكن الأحوط أن لا يفطر إلا بعد اليقين "و" إذا أكل باجتهاد وظن به بقاء الليل أو غروب الشمس أفطر في الصورتين "بتبين الأكل نهارًا" بخلاف ما إذا بان الأمر كما ظنه أو لم يبن غلط ولا إصابة ولو عجم وأكل من غير تحر فإن كان ذلك آخر النهار أفطر وإن لم يبن له شيء لأن الأصل بقاؤه أو آخر الليل لم يفطر بذلك، ولو هجم فبان أنه وافق الصواب لم يفطر مطلقًا، ويجوز اعتماد العدل إذا أخبر بالغروب على الأوجه خلافًا لاشتراط الروياني1 إخبار عدلين فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على فطره على خبر واحد بغروب الشمس ولو أخبره بالفجر وجب العمل بقوله "لا بالأكل" أو غيره من المفطرات إذا تناوله "مكرهًا" فإنه لا يفطر لما مر. "الخامس والسادس والسابع: الإسلام والنقاء عن الحيض والنفاس والعقل في جميع النهار" قيد في الكل فمتى ارتد أو نفست أو ولدت وإن لم تر دمًا أو حاضت أو جن في لحظة من النهار بطل الصوم كالصلاة وإن كان الجنون بشرب مخدر ليلا, "ولا يضر الإغماء والسكر" الذي لم يتعد به "إن أفاق لحظة في النهار" بخلاف ما إذا لم يفق لحظة منه فإن الصوم يبطل بهما لأنهما في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فلو قلنا: إن المستغرق منهما لا يضر كالنوم لألحقنا الأقوى بالأضعف، ولو قلنا إن اللحظة منهما تضر كالجنون لألحقنا الأضعف بالأقوى فتوسطنا وقلنا إن الإفاقة في لحظة كافية. "ولا يصح صوم العيدين" ولو عن   1 هو فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني "نسبة إلى رويان بلدة بنواحي طبرستان" الطبري الشافعي. فقيه، أصلي، ولد ببخارى سنة 415هـ، وقتلته الملاحدة بآمل سنة 502هـ، وتصانيفه: بحر المذهب من أطول كتب الشافعية، الكافي، حلية المؤمن، الفروق، وعوال في الحديث "معجم المؤلفين: 2/ 332". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 فصل: "فيمن يجب عليه الصوم" شرط من يجب عليه صوم رمضان: العقل والبلوغ، والإسلام، والإطاقة، ويؤمر به الصبي لسبع ويضرب على تركه لعشر إن أطاقه.   واجب للنهي عنه في خبر الصحيحين1. "ولا" صوم يوم من "أيام التشريق" ولو عن واجب أيضًا لما صح من النهي عن صيامها2. "ولا" صوم يوم من أيام "النصف الآخير من شعبان" ومنه يوم الشك لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" 3 "إلا لورد" بأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم معين كالاثنين فصادق ما بعد النصف. "أو نذر" مستقر في ذمته "أو قضاء" لنفل أو فرض "أو كفارة" فيجوز صوم ما بعد النصف عن ذلك وإن لم يصل صومه بما قبل النصف لخبر الصحيحين: "لا تقدموا" أي لا تتقدموا "رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم يومًا ويفطر يومًا فليصمه" 4 وقيس بالورد الباقي بجامع السبب. "أو وصل" صوم "ما بعد النصف بما قبله" ولو بيوم النصف وإن اقتضى ظاهر الحديث السابق الحرمة في هذه الصورة أيضًا حفظًا لأصل مطلوبية الصوم. فصل: فيمن يجب عليه الصوم "شرط من يجب عليه صوم رمضان العقل والبلوغ" فلا يجب على المجنون ولا الصبي لا أداء ولا قضاء لرفع القلم عنهما. "والإسلام" فلا يجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة في الدنيا كالصلاة. "والإطاقة" فلا يجب على العاجز بنحو هرم أو مرض كما يأتي. "ويؤمر به" وجوبًا "الصبي لسبع" من السنين "ويضرب على تركه لعشر" منها "إن أطاقه" كما مر في الصلاة تفصيله5.   1 روى مسلم في الصيام "حديث 139" ومالك في الحج "حديث 136" عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى", وروى البخاري في الأضاحي باب 16 "حديث 5571" عن عمر بن الخطاب قال: "يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين: أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نسككم". 2 ورد في الحديث: "أيام التشريق أيام أكل وشرب". رواه مسلم في الصيام حديث 144 و145، والنسائي في الإيمان باب 7. 3 رواه أبو داود في الصوم باب 13، والترمذي في الصوم باب 37؛ من حديث أبي هريرة. 4 رواه البخاري في الصوم باب 14، ومسلم في الصيام حديث 21، وأبو داود في الصوم باب 7 و11، وابن ماجه في الصيام باب 5، والنسائي في الصيام باب 31 و32. 5 راجع باب الصلاة قول المتن: ويجب على الولي والسيد أمر الصبي المميز بها لسبع سنين وضربه عليها لعشر ... إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فصل: "فيما يبيح الفطر" ويجوز الفطر بالمرض الذي يبيح التيمم، وللخائف من الهلاك، ولغلبة الجوع والعطش، وللمسافر سفرًا طويلا إلا إن طرأ السفر بعد الفجر، والصوم في السفر أفضل إن لم يتضرر به، وإذا بلغ الصبي أو قدم المسافر أو شفي المريض وهم صائمون حرم الفطر، وإلا استحب الإمساك، وكل من أفطر لعذر أو غيره وجب عليه القضاء بعد التمكن إلا الصبي والمجنون والكافر الأصلي، ويستحب موالاة القضاء والمبادرة به وتجب إن أفطر بغير عذر. ويجب الإمساك في رمضان على تارك النية، والمتعدي بفطره في يوم الشك إن تبين كونه في رمضان، ويجب قضاؤه.   فصل: فيما يبيح الفطر "ويجوز الفطر بالمرض الذي" يشق معه الصوم مشقة ظاهرة أو الذي "يبيح التيمم" كأن يخشى زيادة مرضه بسبب الصوم لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، أي فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] ، "و" يجوز الفطر "للخائف من الهلاك" بسبب الصوم على نفسه أو عضوه أو منفعته بل يلزمه الفطر كمن خشي من الصوم مع أحدهما مبيح تيمم لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] ، وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، "وللمسافر سفرًا طويلًا مباحًا" للآية السابقة بخلاف ذي السفر القصير والسفر المحرم وكل ما مر في القصير يأتي هنا. "إلا" أنه هنا لا يفطر "إن طرأ السفر" بأن لم يفارق العمران أو السور إلا "بعد الفجر" تغليبًا للحضر بخلاف حدوث المرض فإنه يجوز الفطر لوجود المحوج له بلا اختيار، وإذا كان سفره قبل الفجر فله الفطر وإن نوى ليلا، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد العصر في سفره بقدح ماء لما قيل له: إن الناس شق عليهم الصيام1. "والصوم في السفر أفضل" من الفطر "إن لم يتضرر به" أي بالصوم ليحوز فضيلة الوقت وإلا بأن خشي ضررًا في الحال أو الاستقبال فالفطر أفضل، بل ربما يجب إن خشي من الصوم فيه ضررًا يبيح التيمم نظير ما مر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر السابق لما أفطر فبلغه أن أناسًا صاموا: $"أولئك العصاة"2، أو هو محمول على عصيانهم بمخالفتهم أمره بالفطر ليتقووا على عدوهم. "وإذا بلغ الصبي أو قدم المسافر أو شفي المريض وهم صائمون" بأن نووا من الليل "حرم الفطر" لزوال السبب المجوز له، ومن ثم جامع أحدهم حينئذ لزمته الكفارة. "وإلا" يكونوا صائمين بأن كانوا مفطرين ولو بترك النية "استحب" لهم "الإمساك" لحرمة الوقت وإنما   1 رواه مسلم في الصيام "حديث 91" من حديث جابر بن عبد الله. 2 رواه مسلم في الصيام "حديث 90" عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراغ الغميم، فصام الناس. ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: "أولئك العصاة، أولئك العصاة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فصل: "في سنن الصوم" يستحب تعجيل الفطر عند تيقن الغروب، وأن يكون بثلاث رطبات أو تمرات، فإن   لم يجب الإمساك لأن الفطر مباح لهم مع العلم بحال اليوم1 وزوال العذر بعد الترخص لا يؤثر، ويستحب الإمساك أيضًا لمن طهرت من نحو حيض ولمن أفاق أو أسلم في أثناء النهار، ويندب لهذين القضاء خروجًا من الخلاف. "وكل من أفطر" في رمضان "لعذر أو غيره وجب عليه القضاء" لكن على التراخي فيمن أفطر لعذر وإلا فعلى الفور كما يأتي، وإنما يجب القضاء حيث تجب الفدية عنه لو مات قبل صومه إن أخره "بعد التمكن" منه وإلا بأن مات عقب موجب القضاء أو استمر به العذر إلى موته أو سافر أو مرض بعد أول يوم من شوال إلى أن مات فلا فدية عليه لعدم تمكنه منه. "إلا الصبي والمجنون" فلا قضاء عليهما لرفع القلم عنهما. "و" إلا "الكافر الأصلي" فلا قضاء عليه أيضًا ترغيبًا له في الإسلام كالصلاة، فعلم أن المريض المسافر والمرتد والحائض والنفساء والمغمى عليه والسكران ونحوهم يلزمه القضاء للنص2 في بعض ذلك وللقياس في الباقي. "ويستحب موالاة القضاء والمبادرة به" مسارعة لبراءة الذمة ما أمكن. "وتجب" المبادرة به وموالاته "إن أفطر بغير عذر" ليخرج عن معصية التعدي بالترك الذي هو متلبس به. "ويجب الإمساك في رمضان" دون غيره من النذر والقضاء "على تارك النية" ولو سهوًا. "و" على "المتعدي بفطره" لحرمة الوقت وتشبيهًا بالصائمين مع عدم العذر فيهما، ويجب الإمساك أيضًا "في يوم الشك إن تبين كونه من رمضان" لذلك, "ويجب قضاؤه" على الفور لكنه مخالف للقاعدة وكأن وجهه أن فطره ربما فيه نوع تقصير لعدم الاجتهاد في الرؤية وطردًا للباب في بقية الصوم. فصل: في سنن الصوم وهي كثيرة، فمنها أنه "يستحب تعجيل الفطر عند تيقن الغروب" لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي إذا كان صائمًا حتى يؤتى برطب وماء فيأكل"3، ويكره تأخير الفطر إن رأى أنه فيه فضيلة وإلا فلا بأس، أما مع عدم تيقن الغروب فلا يسن تعجيل الفطر بل يحرم مع الشك في   1 بكونه من شهر رمضان. 2 في قوله تعالى في الآية 184 من سورة البقرة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وفي الآية 185: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . 3 رواه الطبراني في الأوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 عجز فبتمرة، فإن عجز فالماء، وأن يقول عنده: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وتفطير صائمين، وأن يأكل معهم، والسحور وتأخيره ما لم يقع في شك، والاغتسال إن   الغروب كما مر. "و" يسن "أن يكون" الفطر وإن كان بمكة على الرطب فإن لم يجد فالتمر، وأن يكون "بثلاث رطبات أو تمرات" للخبر الصحيح: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء"1 "فإن عجز" عن الثلاث "فبتمرة" أو رطبة يحصل له أصل السنة "فإن عجز" عن الرطب والتمر "فالماء" هو الذي يسن الفطر عليه دون غيره خلافًا للروياني حيث قدم عليه الحلو وذلك للخبر الصحيح المذكور2. "و" يستحب "أن يقول عنده" يعني بعد الفطر: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت" اللهم ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى للاتباع فيهما3. "و" يستحب "تفطير صائمين" ولو على تمرة أو شربة ماء أو غيرهما، والأكمل أن يشبعهم لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائمًا فله مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيء"4. "وأن يأكل معهم" لأنه أليق بالتواضع وأبلغ في جبر القلب. "و" يستحب "السحور" لخبر الصحيحين: "تسحروا فإن في السحور بركة"5 وصح: "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلولة النهار على قيام الليل"6 ويحصل بجرعة ماء لخبر صحيح فيه7، والأفضل أن يكون بالتمر8 لخبر في صحيح ابن حبان. "و" يسن "تأخيره" أي السحور للخبر المتفق عليه:   1 رواه من حديث أنس: أبو داود في الصوم باب 22 "حديث 2356" والترمذي في الصوم باب 10، وأحمد في المسند "3/ 164". 2 المتقدم قبل سطرين. 3 رواهما أبو داود في الصوم باب 23 "حديث 2357 و2358" الأول من حديث ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" , والثاني عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت". 4 رواه الترمذي "حديث 807" وابن ماجه "حديث 1746" وأحمد "5/ 192" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 240" والطبراني في الكبير "5/ 297". 5 رواه البخاري في الصوم باب 20، ومسلم في الصيام حديث 45، والترمذي في الصوم باب 17، والنسائي في الصيام باب 18 و19، وابن ماجه في الصيام باب 22، والدارمي في الصوم باب 9، وأحمد في المسند "2/ 377، 477، 3/ 32، 99، 215، 229، 243، 258، 281". 6 رواه من حديث ابن عباس: ابن ماجه في سننه "حديث 1693", والحاكم في المستدرك "1/ 435". 7 رواه أحمد في المسند "3/ 12، 44" عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء". 8 روى أبو داود في الصوم باب 17، "حديث 2345" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 237" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعم سحور المؤمن التمر" ورواه الطبراني في الكبير "17/ 283" بلفظ: "نعم سحور للمسلم التمر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 كان عليه غسل قبل الصبح، ويتأكد له ترك الكذب والغيبة، ويسن له ترك الشهوات المباحة، فإن شاتمه أحد تذكر أنه صائم، وترك الحجامة، والمضغ وذوق الطعام،   "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخرو السحور"1 وصح: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قمنا إلى الصلاة وكان قدر ما بينهما خمسين آية2، وفيه ضبط لقدر ما يحصل به سنة التأخير. ومحل سن تأخيره "ما لم يقع" به "في شك" في طلوع الفجر وإلا لم يندب تأخيره لخبر: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" 3 "و" يستحب "الاغتسال إن كان عليه غسل قبل الصبح" ليؤدي العبادة على الطهارة، ومن ثم ندب له المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام نهارًا، ولئلا يصل الماء نحو باطن أذنه أو دبره، ومن ثم ينبغي له غسل هذه المواضع قبل الفجر إن لم يتهيأ له الغسل الكامل قبله، وللخروج من قول أبي هريرة رضي الله عنه بوجوبه للخبر الصحيح: "من أصبح جنبًا فلا صوم له" 4 وهو مؤول أو منسوخ5 "ويتأكد له" أي للصائم "ترك الكذب والغيبة" وإن أبيحا في بعض الصور والمشاتمة وغير ذلك من كل محرم لأنه يحبط الثواب كما صرحوا به للأخبار الصحيحة الدالة على ذلك6. "ويسن له ترك الشهوات المباحة" التي لا تبطل الصوم من التلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم ريحان ولمسه والنظر إليه لما في ذلك من الترفه الذي لا يناسب   1 رواه البخاري في الصوم باب 45، ومسلم في الصيام حديث 48، والترمذي في الصوم باب 13، وابن ماجه في الصيام باب 24، والدارمي في الصوم باب 11، ومالك في الصيام حديث 6 و7، وأحمد في المسند "5/ 147، 172، 331، 334، 336، 337، 339". 2 رواه من حديث زيد بن ثابت: البخاري في الصوم باب 19، ومسلم في الصيام حديث 47، والترمذي في الصوم باب 14، والنسائي في الصيام باب 21 و22، وابن ماجه في الصوم باب 23، والدارمي في الصوم باب 8، وأحمد في المسند "5/ 182، 185، 186، 188". 3 رواه الترمذي "حديث 2518" والنسائي في الأشربة باب 48، وأحمد "1/ 200، 3/ 112، 153" والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 335", والحاكم في المستدرك "2/ 13، 4/ 99" والطبراني في الكبير "3/ 75". 4 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 320. ورواه بلفظ: "من أصبح جنبًا فلا يصوم" أحمد في المسند "2/ 248"، وبلفظ: "من أصبح جنبًا فلا يصومن يومئذ" الطبراني في الكبير "18/ 293". 5 حمل هذا الحديث على من طلع عليه الصبح وهو مجامع. 6 منها ما رواه البخاري في الصوم باب 8 "حديث 1903", والأدب باب 51 "حديث 6057"، وأبو داود في الصوم باب 26 "حديث 2362" والترمذي "حديث 707" وأحمد "2/ 452" والبيهقي "4/ 270" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وروى أبو داود في الصوم باب 26 "حديث 2363" عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 والقبلة، وتحرم إن خشي فيها الإنزال، والسواك بعد الزوال، ويستحب في رمضان   حكمة الصوم، ويكره له ذلك كله كدخول الحمام "فإن شاتمه أحد تذكر" بقلبه "أنه صائم" للخبر الصحيح: $"الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم"1 مرتين؛ أي يسن له أن يقول ذلك بقلبه لنفسه ليصبر ولا يشاتم فتذهب بكرة صومه أو بلسانه بنية وعظ الشاتم ودفعه بالتي هي أحسن، والأولى الجمع بينهما، ويسن تكراره كما أفهمه الخبر لأنه أقرب إلى إمساك كل عن صاحبه. "و" يسن له "ترك" الفصد و"الحجامة" منه لغيره وعكسه خروجًا من خلاف من فطر بذلك، ودليلنا ما صح أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم2، وخبر: "أفطر الحاجم والمحجوم" 3 منسوخ كما يدل عليه ما صح عن أنس رضي الله عنه4 أو مؤول بأنهما تعرضا للإفطار: المحجوم للضعف والحاجم لأنه لا يأمن أن يصل شيء إلى جوفه بمص المحجمة5. "و" ترك "المضغ" للبان أو غيره لانه يجمع الريق فإن ابتلعه أفطر في وجه وإن ألقاه عطشه، ومن ثم كره كما في المجموع خلافًا لما توهمه عبارة المصنف والكلام حيث لم ينفصل من الممضوغ عين تصل إلى الجوف وإلا حرم وأفطر كما علم مما مر. "و" ترك "ذوق الطعام" أو غيره خوف الوصول إلى حلقه أو تعاطيه لغلبة شهوته، "و" ترك "القبلة" في الفم أو غيره والمعانقة واللمس ونحو ذلك إن لم يخش الإنزال لأنه قد يظنها غير محركة وهي محركة. "وتحرم" ولو على نحو شيخ "إن خشي فيها" أو في غيرها مما ذكر "الإنزال" أو فعل الجماع ولو بلا إنزال لأن في ذلك تعريضًا لإفساد العبادة، وصح أنه صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب وقال: "الشيخ يملك إربه والشاب يفسد صومه" 6 فأفهم التعليل أن الحكم دائر مع خشية ما ذكر وعدمها. "و" يكره للصائم ولو نفلا "السواك بعد الزوال" إلى الغروب وإن نام أو أكل كريهًا ناسيًا للخبر الصحيح: "لخلوف فم الصائم يوم القيامة أطيب عند الله من ريح   1 رواه البخاري في الصوم باب 2 "حديث رقم 1894" ومسلم في الصيام "حديث 163" من حديث أبي هريرة. 2 رواه البخاري في الطب باب 11، وأبو داود في الصوم باب 28 و29 و30، والترمذي في الصوم باب 59، 61، وابن ماجه في الصيام باب 18، ومالك في الصيام حديث 30 و32. 3 رواه أبو داود في الصوم باب 28، والترمذي في الصوم باب 59، وابن ماجه في الصيام باب 18، والدارمي في الصوم باب 26، وأحمد في عدة مواضع من مسنده. 4 وهو ما رواه البخاري في الصوم باب 32 "حديث 1940" عن شعبة قال: سمعت ثابتًا البناني يسأل أنس بن مالك رضي الله عنه: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف. 5 المحجمة: أداة الحجم. 6 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 212" من حديث عائشة رضي الله عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 التوسعة على العيال، والإحسان إلى الإرحام والجيران، وإكثار الصدقة والتلاوة والمدارسة للقرآن والاعتكاف لا سيما العشر الأواخر وفيها ليلة القدر، ويقول فيها: اللهم إنك عفو   المسك"1 وهو2 بضم المعجمة التغير، واختص بما بعد الزوال لأن التغيير ينشأ غالبًا قبله من أثر الطعام وبعده من أثر العبادة، ومعنى أطيبيته عند الله تعالى ثناؤه تعالى عليه ورضاه به فلا يختص بيوم القيامة، وذكرها في الخبر ليس للتقييد بل لأنها محل الجزاء، وتزول الكراهة بالغروب وإنما حرمت إزالة دم الشهيد مع أنه كريح المسك وهذا أطيب من المسك؛ لأنه فيه تفويت فضيلة على الغير، ومن ثم حرم على الغير إزالة خلوف فم الصائم بغير إذنه كما هو ظاهر. "ويستحب في رمضان التوسعة على العيال والإحسان إلى الأرحام والجيران وإكثار الصدقة" والجود لخبر الصحيحين "أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل"3، والمعنى في ذلك تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجاتهم. "و" إكثار "التلاوة والمدارسة للقرآن" وهي أن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه لخبر الصحيحين: "كان جبريل يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"4 "و" إكثار "الاعتكاف" للاتباع5، ولأنه أقرب لصون النفس على ارتكاب ما لا يليق "لا سيما العشر الأواخر" فهي أولى بذلك من غيرها للاتباع6، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها7. "وفيها" لا في غيرها اتفاقًا، وشذ من قال: إنها في العشر الأواسط   1 رواه البخاري في الصوم باب 2 و9، ومسلم في الصيام حديث 162-164، والترمذي في الصوم باب 54، والنسائي في الصيام باب 41 و42 و43، وابن ماجه في الصيام باب 1، ومالك في الصيام حديث 58، وأحمد في عدة مواضع في المسند. 2 أي الخلوف. 3 من حديث ابن عباس، رواه البخاري في صحيحه "الأحاديث 6 و1902 و3220 و3554 و4997", ومسلم في الفضائل حديث 50. 4 جزء من حديث ابن عباس الذي رواه البخاري. راجع الحاشية السابقة. ولفظ مسلم فيه "الفضائل، حديث 50": " ... كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن". 5 روى البخاري في الأذان باب 135 "حديث 813" ومسلم في الصيام "حديث 215" وأحمد في المسند "3/ 74" من حديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان فقال: "من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها، وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء" اللفظ للبخاري. 6 راجع الحاشية السابقة. 7 رواه مسلم في الاعتكاف حديث 8، والترمذي في الصوم باب 72، وابن ماجه في الصيام باب 75، والدارمي في الصوم باب 52، وأحمد في المسند "6/ 82، 123، 256". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 تحب العفو فاعف عني، ويكتمها ويحييها ويحيي يومها كليلتها، ويحرم الوصال في الصوم.   "ليلة القدر" لا تنتقل منها إلى غيرها وإن كانت تنتقل من ليلة منها إلى أخرى منها على ما اختاره النووي وغيره جمعًا بين الأخبار المتعارضة في محلها وحثا على إحياء جميع ليالي العشر، وقال جماعة منهم الشافعي رضي الله عنه تلزم ليلة بعينها وأرجاها عنده ليلة الحادي أو الثالث والعشرين ثم سائر الأوتار وهي من خصائص هذه الأمة والتي يفرق فيها كل أمر حكيم1، وأفضل ليالي السنة وباقية إلى يوم القيامة إجماعًا، والمراد برفعها في الخبر2 رفع علم عينها وإلا لم يؤمر بالتماسها فيه. "ويقول فيها: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بقول ذلك إن وافقتها3. "ويكتمها" ندبًا إذا رآها. "ويحييها ويحيي يومها كليلتها" بالعبادة بإخلاص وصحة يقين ويجتهد في بذل الوسع في ذلك لقوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] ، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وصح: "من قام ليلة القدر إيمانًا" أي تصديقًا بأنها حق وطاعة "واحتسابًا" أي طلبًا لرضا الله تعالى وثوابه لا للرياء ونحوه "غفر الله له ما تقدم من ذنبه" 4، وقيس بها يومها، ومن علاماتها عدم الحر والبرد فيها، وأن تطلع الشمس صبيحتها بيضاء بلا كثرة شعاع لخبر مسلم بذلك5، وحكمة ذلك كثرة صعود الملائكة ونزولها فيها فسترت بأجنحتها وأجسادها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها، ولا ينال كمال فضلها إلا من أطلع عليها.   1 قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ, فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} . 2 روى البخاري في الإيمان باب 36، وليلة القدر باب 4، والأدب باب 44 "الأحاديث 49 و2023 و6049", ومالك في الاعتكاف "حديث 13" وأحمد في المسند "5/ 313، 319" عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس" اللفظ للبخاري. 3 رواه الترمذي في الدعوات باب 84، وأحمد في المسند "6/ 171، 182، 183، 208، 258". 4 رواه من حديث أبي هريرة: البخاري في الإيمان باب 25 و27 و28 و35، والصوم باب 6، والتراويح باب 1، وليلة القدر باب 1 "الأحاديث 35 و37 و38 و1901 و2008 و2009 و2014" ومسلم في صلاة المسافرين "حديث 173-176". 5 رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها "حديث 179" وفي الصيام "حديث 220" ولفظه -في الصيام- عن زر بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس؛ أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين. ثم حلف لا يستثنى أنها ليلة سبع وعشرين. فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة، أو بالآية، التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فصل: "في الجماع في رمضان وما يجب له ويجب الكفارة على من أفسد صوم رمضان بالجماع ولو في دبر، وبهيمة، لا على المرأة ولا من جامع ناسيًا أو مكرهًا، ولا على من أفسد صوم غير رمضان، ولا على من   "ويحرم الوصال في الصوم" الفرض والنفل عنه في الصحيحين1 وهو صوم يوم فأكثر من غير أن يتناول بينهما في الليل مفطرًا، وعلة ذلك الضعف مع كون ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ففطم2 الناس عنه وإن لم يكن فيه ضعف، ومن ثم لو أكل ناسيًا كثيرًا قبل الغروب حرم عليه الوصال مع انتفاء الضعف، ولو ترك غير الصائم الأكل أيامًا ولم يضره ذلك لم يحرم عليه. فصل: في الجماع في رمضان وما يجب به "ويحب" التعذير و"الكفارة" الآتية "على من أفسد" على نفسه "صوم" يوم من "رمضان بالجماع" الذي يأثم به من حيث الصوم "ولو" كان الجماع "في دبر" من رجل أو امرأة "و" فرج أو دبر "بهيمة" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لمن جامع في نهار رمضان بالإعتاق، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا3، وكالإفساد منع الانعقاد كاستدامة مجامع أصبح فتلزمه الكفارة أيضًا وسيأتي ما خرج به، وإنما تجب الكفارة هنا على الواطئ "لا على المرأة" الموطوءة ولا على الرجل الموطوء وإن فسد صومهما بالجماع بأن يولج فيهما مع نحو نوم ثم يستديمان ذلك بعد الاستيقاظ لأنه لم يؤمر بها في الخبر إلا الرجل المواقع مع الحاجة إلى البيان ولأنها غرم مالي يتعلق بالجماع فيختص بالرجل الواطئ كالمهر. "ولا" تجب الكفارة "على من جامع" أي وطئ ولم يفسده صومه كأن جامع "ناسيًا" أو جاهلًا وقرب إسلامه أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء "أو مكرهًا" لعذرهما "ولا على من أفسد صوم" غيره كأن أفسد مريض أو مسافر صوم امرأة لأنها لو أفسدت صوم نفسها بالجماع لم تلزمها كفارة فأولى لأن لا يلزم غيرها إذا أفسده، ولا على من أفسد بجماعه صوم "غير   1 روى البخاري في الصوم باب 49 "حديث 1966" ومسلم في الصيام "حديث 58" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال" مرتين، قيل: إنك تواصل. قال: "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما تطيقون"؛ وفي لفظ آخر "البخاري حديث 1965، ومسلم حديث 59" أن أبا هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله. قال: "وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال. فقال: "لو تأخر لزدتكم" كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا. 2 فطم: قطع. 3 رواه البخاري من حديث أبي هريرة "الأحاديث 1936 و1937 و2600، و5368 و6087 و6164 و6709 و6710 و6711 و6821". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أفطر بغير الجماع، ولا على المسافر والمريض وإن زنيا، ولا على من ظن أنه ليل فتبين نهارًا. وهي: عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تخل بالعمل، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر أطعم ستين مسكينًا كل واحد مدًّا، وتسقط الكفارة بطرو الجنون والموت في أثناء النهار، لا بالمرض والسفر ولا بالإعسار، ولكل يوم يفسده كفارة.   رمضان" كالقضاء والنذر لورود النص في رمضان وهو مختص بفضائل لا يشركه فيها غيره. "ولا على من أفطر بغير الجماع" كاستمناء وإن جامع بعده لورود النص في الجماع وهو أغلظ من غيره. "ولا على" من لا يأثم بجماعه نحو "المسافر والمريض" إذا جامع بنية الترخص لعدم تعديه. ولا على من أثم به لكن لا من حيث الصوم كمريض ومسافر وإن جامعا حليلتيهما من غير نية الترخص. "و" كذا "إن زنيا" فإنهما وإن أثما لكن لا لأجل الصوم وحده بل لأجله مع عدم نية الترخص في الأولى ولأجل الزنى في الثانية ولأن الإفطار مباح فيصير شبهة في درء الكفارة. "و" علم مما مر آنفًا أنها1 "لا" تجب "على" غير آثم ومن أمثلته غير ما مر "من ظن أنه" أي الزمن الذي جامع فيه "ليل فتبين نهارًا" بأن غلط فظن بقاء الليل أو دخوله، وكذا لو شك في بقائه أو دخوله، فجامع ثم بان له أنه جامع نهارًا لأن الكفارة تسقط بالشبهة وإن لم يجز له الإفطار بذلك ولا تلزم أيضًا من أكل ناسيًا فظن أنه أفطر فجامع لأنه جامع معتقدًا أنه غير صائم لكن يفطر بالجماع، ومن رأى هلال رمضان وحده فردت شهادته لزمه صومه فإن جامع لزمته الكفارة. "و" أي الكفارة هنا كهي في الظهار فيأتي فيها هنا جميع ما قالوه ثم ومن ذلك أنه يجب "عتق رقبة" كاملة الرق عتقًا خاليًا عن شائبة عوض."مؤمنة سليمة من العيوب التي تخل بالعمل" والكسب إخلالًا بينًا وإن لم تسلم عما يثبت الرد في البيع، ويمنع الإجزاء في غرة الجنين لأن المقصود من عتق الرقبة تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الأحرار من العبادات وغيرها، وذلك إنما يحصل بقدرته على القيام بكفايته فيجزئ مقطوع أصابع الرجلين ومقطوع الخنصر أو البنصر من يد واحدة وأنامله العليا من غير الإبهام، وأعرج يتابع المشي، وأعور لم يضعف بصر سليمته2 ضعفًا يضر بالعمل إضرارًا بينًا، ومقطوع الأذن والأنف وأعوج الكراع3 وأجذم وممسوح ومفقود الأسنان ومن لا يحسن صنعة ولا يجزئ زمن4 ولا مجنون ومريض لا يرجى برؤه، ومقطوع الخنصر والبنصر أن الإبهام أو السبابة أو الوسطى أو أنملة من الإبهام أو أنملتين من الوسطى أو السبابة، والشلل كالقطع. "فإن لم يجد" رقبة كاملة بأن يعسر عليه تحصيلها وقت الأداء لا الوجوب لكونه يحتاجها أو ثمنها لخدمة تليق به أو كفايته أو كفاية ممونه5 سنة مطعمًا وملبسًا   1 أي الكفارة. 2 أي عينه السليمة. 3 الكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب. 4 الزمن: من به زمانة، وهو مرض يدوم. 5 أي مؤنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فصل: "في الفدية الواجبة" يجب مد من غالب قوت البلد، ويصرف إلى الفقراء والمساكين، لكل يوم؛ يخرج   ومسكنًا وغيرها "صام شهرين متتابعين" وهما هلاليان، فإن انكسر الأول تمم ثلاثين من الثالث، فإن أفسد يومًا ولو اليوم الأخير ولو بعذر كسفر ومرض وإرضاع ونسيان نية استأنف الشهرين. نعم، لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق لأن كلا منها ينافي الصوم مع كونه اضطراريًّا. "فإن لم يقدر" على صومهما بأن عسر عليه هو أو تتابعه لنحو هرم أو مرض يدوم شهرين غالبًا أو لخوف زيادة مرضه أو لنحو شدة شهوته للوطء "أطعم" أي ملك "ستين مسكينًا" أو فقيرًا من أهل الزكاة "كل واحد" منهم "مدا" مما يجزئ في الفطرة وسبق فيها بيان المد ويجوز أن يملكهم ذلك كله مشاعًا وأن يقول خذوه وينوي به الكفارة، فإن صرف الستين إلى مائة وعشرين بالسوية حسب له ثلاثين مدا فيصرف ثلاثين أخرى إلى ستين منهم ويسترد الباقي من الباقين إن ذكر لهم أنها كفارة وإلا فلا، ويجوز أن يصرف لمسكين مدين من كفارتين وأن يعطي رجلًا مدًّا ويشتريه منه ثم يصرفه لآخر ويشتريه منه وهكذا إلى الستين، لكنه يكره لشبهه بالعائد في صدقته. "وتسقط الكفارة" هنا "بطرو والجنون والموت في أثناء النهار" الذي جامع فيه لأنه بان بطرو ذلك أنه لم يكن في صوم لمنافاته له "لا بالمرض والسفر" والإغماء والردة إذا طرأ أحدها بعد الجماع فإن طروه لا يمنع وجوب الكفارة لأن المريض والسفر لا ينافيان الصوم فيتحقق هنا هتك حرمته، ولأن طرو الردة لا يبيح الفطر فلا يؤثر فيما وجب من الكفارة. "ولا بالإعسار" بل إذا عجز المجامع عن الخصال الثالثة السابقة استقرت الكفارة في ذمته، فإذا قدر بعد ذلك على خصلة منها فعلها، ولا يجوز له أن يصرف شيئًا منها إلى من تلزمه نفقته كسائر الكفارات وكالزكاة، نعم لغير المكفر التطوع بالتكفير عنه بإذنه ولو حينئذ صرفها له ولأهله لأن الصارف لها غير المجامع. "ولكل يوم يفسده" من رمضان بالجماع السابق "كفارة" ولا يتداخل سواء كفر عن كل يوم قبل إفساده ما بعده أم لا لأن كل يوم عبادة مستقلة بنفسها لا ارتباط لها بما بعدها بدليل تخلل منافي الصوم من نحو أكل وجماع في الليالي بين الأيام. فصل: في الفدية الواجبة بدلا عن الصوم وفيمن تجب عليه "يجب" مع القضاء الفدية بثلاث طرق وهي "مد" وجنسه جنس الفطرة جنسًا ونوعًا وصفة فيجب "من غالب قوت البلد" في غالب السنة "يصرف إلى" واحد من "الفقراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 من تركة من مات وعليه صوم رمضان أو غيره، وتمكن من القضاء أو تعدى بفطره أو يصوم عنه قريبه أو من أذن له الوارث أو الميت، ويجب المد أيضًا على من لا يقدر على الصوم لهرم أو مرض لا يرجى برؤه، وعلى الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على الولد   والمساكين" دون غيرهما من مستحقي الزكاة لأن المسكين ذكر في الآية1 الآية والفقير أسوأ حالا منه2 ولا يجب الجمع بينهما، ويجوز إعطاء واحد مدين وثلاثة لأن كل مد كفارة مستقلة، وبه فارق ما مر في كفارة الجماع، ويمتنع إعطاؤه دون مد وحده أو مع مد كامل لأنه بدل عن صوم يوم وهو لا يتبعض، ويجب المد "لكل يوم" لما مر أن كل يوم عبادة مستقلة. الطريق الأول: فوات نفس الصوم فحينئذ "يخرج" مد لكل يوم "من تركة من مات وعليه صوم رمضان أو غيره" كنذر أو كفارة "و" قد "تمكن القضاء" ولم يقض "أو تعدى بفطره" وإن لم يتمكن "أو يصوم عنه قريبه" وإن لم يوصه بذلك سواء العاصب والوارث وولي المال وغيرهم من سائر الأقارب. "أو" يصوم عنه "من أذن له" القريب المذكور سواء "الوارث" وغيره "أو" من أذن له "الميت" في أن يصوم عنه بأجرة أو دونها وذلك للأخبار الصحيحة كخبر الصحيحين: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" 3 وصح "أنه صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن تصوم عن أمها صوم نذر ماتت وهو عليها"4، ولو صام عمن عليه رمضان مثلا ثلاثون قريبًا أو أجنبيًّا بالإذن في يوم واحد أجزأ، والإطعام أولى من الصوم للخلاف فيه دون غيره، وخرج بالقريب ومأذونه الأجنبي الذي يأذن له القريب ولا الميت فلا يجوز الصوم، وفارق نظيره من الحج بأن له بدلا وهو الإطعام والحج لا بدل له، ولو مات وعليه صلاة أو الاعتكاف فلا قضاء عليه ولا فدية، ولا يصح الصوم عن حي ولو نحو هرم اتفاقًا، وخرج بقوله "تمكن" ما إذا مات قبل التمكن منه بأن مات عقب موجب القضاء أو النذر أو الكفارة أو استمر به العذر كالسفر أو المرض إلى موته فإنه لا فدية عليه كما لا زكاة على من تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن من الأداء. "ويجب المد" لكل يوم "أيضًا على من لا يقدر على الصوم" الواجب سواء رمضان وغيره بأن عجز عنه "لهرم" أو زمانة "أو" لحقته به مشقة شديدة لأجل "مرض لا يرجى برؤه" قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، أي لا يطيقونه أو يطيقونه حال الشباب ثم يعجزون عنه أو   1 وهي قوله تعالى في الآية 184 من سورة البقرة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . 2 وقيل العكس. انظر لسان العرب "13/ 214، 215". 3 رواه البخاري في الصوم باب 42، ومسلم في الصيام حديث 153، وأبو داود في الصوم باب 41، وأحمد في المسند "6/ 69". 4 روى مسلم في الصيام حديث 156 عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ " قالت: نعم، قال: "فصومي عن أمك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 مع القضاء، وعلى من أفطر لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك، وعلى من أخر القضاء إلى رمضان آخر بغير عذر   يطيقونه أي يكلفونه فلا يطيقونه بناء على خلاف ما عليه الأكثرون من عدم نسخ الآية، والفدية هنا واجبة ابتداء لا بدلا عن الصوم، فلو أخرت عن السنة الأولى لم يلزمه للتأخير شيء، ولو عجز عنها لم تثبت في ذمته على ما بحثه النووي. الطريق الثاني: فوات فضيلة الوقت. "و" من ثم وجبت الفدية أيضًا "على" الحرة والقنة1 بعد العتق "الحامل والمرضع" غير المتحيرة وإن كانت مستأجرة أو متطوعة أو كانتا مريضتين أو مسافرتين "إذا أفطرتا خوفًا على الولد" فقط وإن كان من غير المرضع للآية السابقة فإنها على القول بنسخها باقية بلا نسخ في حقهما كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أما المتحيرة فلا فدية عليها للشك، هذا إن أفطرت ستة عشر يومًا فأقل وإلا لزمتها الفدية لما زاد لأنه لا يحتمل فساده بسبب الحيض، والفطر فيما ذكر جائز بلا واجب إن خيف تضرر الولد، لكن محله في المستأجرة والمتطوعة إذا لم توجد مرضعة مفطرة أو صائمة ولا تتعدد الفدية بتعدد الأولاد بخلاف العقيقة لأنها فداء عن كل واحد، ولو أفطرت المريضة أو المسافرة بنية الترخص لم يلزمهما فدية، وكذا إن لم يقصدا ذلك ولا الخوف على الولد أو قصدا الأمرين. وخرج بقوله "على الولد" ما لو خافتا على أنفسهما ولو مع ولديهما لأنها لا فدية عليهما حينئذ كالمرض المرجو البرء، ولا تلزمهما الفدية وحدها بل "مع القضاء و" تجب الفدية والقضاء أيضًا "على من أفطر لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك" أو على إتلاف عضوه أو منفعته بغرق أو صائل أو غيرهما وتوقف الإنقاذ على الفطر فأفطر ولم تكن امرأة متحيرة ولا نحو مسافر بتفصيله السابق لأنه فطر ارتفق به شخصان وإن وجب. وخرج بالحيوان المال فلا تلزم الفدية فيه أخذًا من كلام القفال2، لكنه فرضه في مال نفسه لأنه ارتفق به شخص واحد. الطريق الثالث: تأخير القضاء. "و" حينئذ فتجب الفدية لكل يوم "على من أخر القضاء" أي قضاء رمضان أو شيئًا منه سواء فاته بعذر أو بغير عذر "إلى رمضان آخر بغير عذر" بأن أمكنه القضاء في تلك السنة لخلوه عن نحو سفر ومرض قدر ما عليه من القضاء لخبر فيه ضعيف3 لكنه يعضده إفتاء ستة من الصحابة رضي الله عنهم به ولا مخالف لهم ولتعديه   1 كذا في الأصل، والصواب "القن" فهو يطلق بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع، وقد يجمع على أقنان وأقنة. والقن: العبد الذي كان أبوه مملوكًا لمواليه. انظر المعجم الوسيط "ص763". 2 تقدمت ترجمته. راجع ص237 حاشية1. 3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 253" حديث رقم 8213 عن أبي هريرة قال في المريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يبرأ ولا يصوم حتى يدركه رمضان آخر، قال: يصوم الذي حضره ويصوم الآخر ويطعم لكل ليلة مسكينًا. ورواه أيضًا "حديث 8211" عن ابن عباس بلفظ: "يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا ويقضيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فصل: "في صوم التطوع" صوم التطوع سنة وهو ثلاثة أقسام: ما يتكرر بتكرر السنين، وهو صوم يوم عرفة لغير الحاج والمسافر، وعشر ذي الحجة، وعاشوراء وتاسوعاء والحادي عشر من   بحرمة التأخير حينئذ، أما إذا أخره بعذر كأن استمر مريضًا أو مسافرًا أو امرأة حاملًا أو مرضعًا إلى قابل1 أو أخر ذلك جهلا أو نسيانًا أو كرهًا فلا شيء عليه بالتأخير ما دام العذر باقيًا وإن استمر سنين لأن ذلك جائز في الأداء بالعذر ففي القضاء به أولى، وتتكرر الفدية بتكرر الأعوام فيجب لكل سنة مد لأن الحقوق المالية لا تتداخل. فصل: في صوم التطوع "صوم التطوع سنة" لخبر الصحيحين: "من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا" 2 "وهو" يعني المتأكد منه "ثلاثة أقسام" الأول: "ما يتكرر بتكرر السنين وهو صوم يوم عرفة" وهو تاسع ذي الحجة لخبر مسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" 3 قال الإمام: والمكفر الصغائر أي ما عدا حقوق الآدميين فإن لم تكن ذنوب زيد في حسناته وإنما يسن صوم يوم عرفة "لغير الحاج والمسافر" والمريض بأن يكون قويًّا مقيمًا أما الحاج فلا يسن له صومه بل يسن له فطره وإن كان قويًّا للاتباع وليقوى على الدعاء، ومن ثم يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا، وأما المسافر والمريض فيسن لهما فطره مطلقًا. ويوم عرفة أفضل الأيام، ويسن أن يصوم معه الثمانية التي قبله وهو مراد المصنف بقوله: "وعشر ذي الحجة" لكن الثامن مطلوب من جهة الاحتياط لعرفة ومن جهة دخوله في العشر غير العيد، كما أن صوم يوم عرفة مطلوب من جهتين لما تقرر من أنه يسن صوم العشر غير العيد لكن صوم ما قبل عرفة يسن للحاج وغيره. "و" صوم "عاشوراء" وهو عاشر المحرم "وتاسوعاء" وهو تاسعه للخبر الصحيح: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" 4, وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" 5, فمات قبله صلى الله عليه وسلم. "و" يسن صومها مع "الحادي عشر من المحرم" لخبر فيه   1 أي إلى عام قابل. 2 رواه البخاري في الجهاد باب 36، ومسلم في الصيام حديث 167 و168. 3 جزء من حديث رواه مسلم في الصيام "حديث رقم 196" من حديث أبي قتادة. 4 هو جزء من الحديث المخرج في الحاشية السابقة. 5 رواه مسلم في الصيام حديث 134 من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: $"لئن بقيت إلى قابل ... " ورواه أيضًا ابن ماجه في الصيام باب 41، وأحمد في المسند "1/ 225، 236، 345". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 المحرم، وست من شوال، ويسن تواليها واتصالها بالعيد؛ وما يتكرر بتكرر الشهور، وهي الأيام البيض: وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. والأيام السود: وهي الثامن والعشرون وتالياه، وما يتكرر بتكرر الأسابيع: وهو الاثنين والخميس، وسن صوم الأشهر الحرم: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب،   رواه أحمد1 ولحصول الاحتياط به وإن صام التاسع لأن الغلط قد يكون بالتقديم وبالتأخير ولا بأس بإفراد عاشوراء. "و" صوم "ست من شوال" لمن صام رمضان للخبر الصحيح: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" 2 أما من لم يصم رمضان ولو تعذر فهو ولو سن له صومها على الأوجه لكن لا يحصل له الثواب المذكور لترتبه في الخبر على صيام رمضان. "ويسن تواليها واتصالها بالعيد" مبادرة للعبادة. "و" القسم الثاني: "ما يتكرر بتكرر الشهور وهي الأيام البيض" وصفها بالبياض مجاز عن بياض لياليها لتعميمها بالنور "وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر" لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا ذر بصيامها"3 والمعنى فيه أن الحسنة بعشر أمثالها، وصوم الثلاثة كصوم الشهر، ومن ثم سن صوم ثلاثة من كل شهر ولو غير أيام البيض فإن صامها أتى بالسنتين، وصوم ثالث عشر ذي الحجة حرام فيصوم بدله سادس عشر، والأحسن أن يصوم الثاني عشر مع الثلاثة عشر للخلاف في أنها أولها. "و" صوم "الأيام السود" في وصفها بالسواد تجوز يعرف مما مر "وهي الثامن والعشرون وتالياه" لكن عند نقص الشهر يتعذر الثالث فيعوض عنه أول الشهر لأن ليلته كلها سوداء، ويسن صوم السابع والعشرين مع الثلاثة بعده. "و" القسم الثالث: "ما يتكرر بتكرر الأسابيع وهو الاثنين والخميس" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما وقال: "إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" 4 والمراد عرضها على الله، وأما رفع الملائكة لها فإنه بالليل مرة وبالنهار مرة،   1 في المسند "1/241" ولفظه: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا ويعده يومًا". ورواه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى "4/ 287". 2 رواه مسلم في الصيام "حديث 204" عن أبي أيوب الأنصاري. ورواه أيضًا أبو داود في الصيام باب 57، والترمذي "حديث 759" وابن ماجه "حديث 1716" وأحمد "5/ 417، 419" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 292" والطبراني في الكبير "4/ 161". 3 رواه النسائي في الصيام باب 70. 4 رواه الترمذي في الصوم باب 43، والنسائي في الصيام باب 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وكذا صوم شعبان، وأفضلها المحرم ثم باقي الحرم، ثم شعبان، ويكره إفراد الجمعة والسبت والأحد، وأفضل الصيام صوم يوم وفطر يوم.   ورفعها في شعبان الثابت في الخبر1 محمول على رفع أعمال العام مجملة. "وسن صوم الأشهر الحرم" بل هي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان. "وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وكذا" يسن "صوم شعبان" لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم غالبه"2 "وأفضلها" أي الأشهر الحرم "المحرم" ثم رجب وإن قيل: إن الأخبار فيه ضعيفة أو موضوعة3 "ثم باقي الحرم" ولو قيل بتفضيل ذي الحجة على ذي القعدة لم يبعد "ثم" بعد الحرم "شعبان" لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثره ولم يستكمل شهرًا مما عدا رمضان غيره، وهذا لا يقتضي تفضيله على الحرم كما بسطته في بعض الفتاوى. "ويكره إفراد الجمعة" لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن صومه إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده4 وليتقوى بفطره على الوظائف الدينية، ومن ثم لو لم يضعف عنها بالصوم لم يكره له إفراده. "و" إفراد "السبت" وإفراد "الأحد" للنهي عن الأول5 وقيس به الثاني لجامع أن اليهود تعظم الأول والنصارى تعظم الثاني فقصد الشارع بذلك مخالفتهم، ومحل ذلك ما إذا لم يوافق إفراد كل من الأيام الثلاثة عادة له وإلا فلا كراهة، ولا يكره إفرادها بنذر وقضاء وكفارة، وخرج بالإفراد ما لو صام أحدها مع يوم قبله أو بعده فلا كراهة، ويسن صوم الدهر غير العيدين وأيام التشريق لمن لم يخف به ضررًا أو فوت   1 روى النسائي في الصيام باب 70، وأحمد في المسند "5/ 201" أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن إكثار الصوم في شعبان فقال: "إنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". 2 عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان". رواه البخاري في الصوم باب 52 "حديث 1969" ورواه أيضًا "حديث 1970" بلفظ: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله". وروى حديث عائشة أيضًا مسلم في الصيام حديث 176، وأبو داود في الصوم باب 59، والترمذي في الصوم باب 36، وابن ماجه في الصيام باب 30، ومالك في الصيام حديث 56، وأحمد في المسند "6/ 39، 84، 107، 128، 143، 153، 165، 188، 189، 233، 242، 249، 268". 3 والثابت من الأخبار في ذلك فضيلة صيام شهر الله المحرم بعد شهر رمضان كما ورد في مسلم في الصيام "حديث 202 و203" عن أبي هريرة. 4 روى البخاري في الصوم باب 63 "حديث 1985", ومسلم في الصيام "حديث 146" عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده". اللفظ للبخاري. 5 عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه". رواه أبو داود في الصوم باب 52 "حديث 2421" واللفظ له، وابن ماجه في الصيام باب 28، والدارمي في الصوم باب 40، وأحمد في المسند "4/ 189، 6/ 368، 369". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   حق. "و" مع ذلك "أفضل الصيام صوم يوم وفطر يوم" فهو أفضل من صوم الدهر خلافًا لابن عبد السلام1 لخبر الصحيحين: "أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا" 2 وفيه أفضل من ذلك. تتمة: يحرم على المرأة تطوع غير عرفة وعاشوراء بغير إذن زوجها الحاضر أو علم رضاه للنهي عنه3، وكالزوج السيد إن حلت له وإلا حرم بغير إذنه إن حصل لها به ضرر ينقص الخدمة. والعبد كمن لا تحل فيما ذكر.   1 تقدم التعريف به. راجع ص24 حاشية 4. 2 رواه البخاري في الصوم باب 57 و59، وأحاديث الأنبياء باب 37 و38. ومسلم في الصيام حديث 182، وأبو داود في الصوم باب 66. والنسائي في الصيام باب 69 و76 و77 و78 و80. وابن ماجه في الصيام باب 31. وغيرهم كثير. 3 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه" والمقصود صوم التطوع كما رواه البخاري في النكاح، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا "حديث 5192". ورواه مسلم في الزكاة باب 84، وأبو داود في الصوم باب 73، والترمذي في الصوم باب 64، والدارمي في الصوم باب20، وأحمد في المسند "2/ 245، 316، 444، 464، 476، 500". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 باب: الاعتكاف هو سنة مؤكدة، وشروطه سبعة: الإسلام، والعقل، والنقاء عن الحيض والنفاس وأن لا يكون جُنُبًا، وأن يلبث فوق طمأنينةِ الصلاة، وأن يكون في المسجد والجامع أولى، وأن ينوي الاعتكاف، وتجب نية الفرضية إن نذره ويجدد النية بالخروج إن لم ينو   باب: الاعتكاف وهو لغة: اللبث، وشرعًا: لبث مخصوص من شخص مخصوص في مكان مخصوص، وهو من الشرائع القديمة. "هو سنة مؤكدة" ولا يختص بوقت لإطلاق الأدلة لكنه في العشر الأواخر من رمضان أفضل لما مر1. "وشروطه سبعة" الأول: "الإسلام" فلا يصح من كافر لتوقفه على النية وهو ليس من أهلها. "و" الثاني: "العقل" فلا يصح من مجنون ومغمى عليه وسكران إذ لا نية لهم، ويصح من المميز والعبد والمرأة وإن كره لذوات الهيئة. "و" الثالث: "النقاء عن الحيض والنفاس، و" الرابع: "أن يكون جنبًا" فلا يصح من حائض ونفساء وجنب لحرمة مكثهم من حيث كونه مكثًا بخلاف من حرم مكثه لأمر خارج. "و" الخامس: "أن يلبث فوق طمأنينة الصلاة" ساكنًا كان أو مترددًا وإن كان مفطرًا لإشعار لفظ الاعتكاف بذلك، ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: $"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه"2 فلا يكفي مكث أقل ما يجزئ في طمأنينة الصلاة كمجرد العبور؛ لأن كلا منهما لا يسمى اعتكافًا ولو نذر اعتكافًا مطلقًا أجزأه لحظة لكن يسن يوم لأنه لم ينقل الاعتكاف أقل منه وضم الليلة إليه، ويسن كلما دخل المسجد أن ينويه لينال فضله، وكذا إذا مر فيه ليناله على قول بشرط أن يقلد القائل به فيما يظهر. "و" السادس: "أن يكون في المسجد" للاتباع سواء سطحه وصحنه ورحبته المعدودة منه، فلا يصح في مصلى بيت المرأة ولا فيما وقف جزؤه شائعًا مسجدًا وإن حرم مكث الجنب فيه احتياطًا في الموضعين، ولا في مسجد أرضه مستأجرة إلا إن بنى فيه مسطبة ووقفها مسجدًا "و" المسجد "الجامع أولى" للاعتكاف من مسجد غير جامع للخروج من خلاف من أوجبه ولكثرة جماعته وللاستغناء عن الخروج للجمعة، وقد يجب الاعتكاف فيه بأن ينذر زمنًا متتابعًا فيه يوم جمعة وكان ممن تلزمه ولم يشترط الخروج لها لأن الخروج لها يقطع التتابع. "و" السابع: "أن ينوي الاعتكاف" عند مقارنة اللبث كما في الصلاة وغيرها "وتجب نية الفرضية إن نذره" ليتميز عن النفل وإنما لم يشترط من نية الفرضية تعيين   1 في "فصل في سنن الصوم" وانظر الحاشية 6 ص255. 2 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 439" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الرجوع، وإن قدره بمدة فيجددها إن خرج لغير قضاء الحاجة، وإن كان متتابعًا جددها إن خرج لما يقطع التتابع، وإن عين في نذره مسجدًا فله أن يعتكف في غيره، إلا المساجد الثلاثة، ويحرم بغير إذن الزوج والسيد.   سبب وجوبه وهو النذر لأن وجوبه لا يكون إلا به بخلاف الصوم والصلاة. "ويجدد" وجوبًا معتكف أطلق الاعتكاف في نيته بأن لم يقدره بزمان "النية بالخروج" من المسجد ولو لقضاء الحاجة إن أراد العود إليه للاعتكاف لأن الثاني اعتكاف جديد فاحتاج إلى نية جديدة. "إن لم ينو الرجوع" حال الخروج بخلاف ما لو خرج عازمًا على العود فإنه لا يلزمه تجديد النية لأنه يصير كنية المدتين ابتداء. "وإن قدره بمدة" مطلقة كيوم أو شهر "فيجددها" أي النية وجوبًا إذا عاد "إن خرج" غر عازم على العود "لغير قضاء الحاجة" بخلاف ما إذا خرج لقضاء الحاجة من بول أو غائط أو إخراج ريح فإن اعتكافه لا ينقطع لأن ذلك لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية، ولا فرق في ذلك بين الاعتكاف المتطوع به والواجب، كما إذا نذر أيامًا غير معينة ولم يشترط تتابعًا. "وإن كان" الاعتكاف "متتابعًا" وخرج منه غير عازم على العود "جددها" أي النية وجوبًا إذا عاد "إن خرج لما يقطع التتابع" بخلاف ما إذا خرج لما لا يقطعه من قضاء حاجة وأكل وغيرهما مما يأتي فإنه لا يلزمه تجديد النية لشمول النية جميع المدة "وإن عين في نذره مسجدًا" لم يتعين "فله أن يعتكف في غيره" وكذا الصلاة لكن يندبان فيما عينه "إلا المساجد الثلاثة" المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى فتتعين لمزيد فضلها، نعم يجزئ الفاضل عن المفضول ولا عكس فيجزئ المسجد الحرام عن الآخرين، ومسجد المدينة عن المسجد الأقصى، ولا يجزئ الأقصى عن الآخرين، ولا مسجد المدينة عن المسجد الحرام، ودليل تفاوتها في الفضل ما صح عن غير طعن في "أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في مسجد المدينة، وأنها في مسجد المدينة بألف صلاة فيما عدا المسجد الحرام، وأنها في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة فيما سواه"1 أي إلا المسجدين الأولين بقرينة ما قبله، وفي ذلك مزيد بينته في حاشية الإيضاح، وبينت فيها أيضًا أن المراد بالأول الكعبة والمسجد حولها، وبالثاني ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه. "ويحرم" الاعتكاف على الزوجة والقن "بغير إذن الزوج والسيد" نعم إن لم تفت به منفعة كأن حضر المسجد بإذنهما فنوياه حل.   1 روى البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب 1 "حديث 1190" ومسلم في الحج "حديث 505-510" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فصل: "فيما يبطل الاعتكاف وفيما يقطع التتابع" ويبطل الاعتكاف بالجماع، والمباشرة بشهوة إن أنزل وبالجنون والإغماء والجنابة والردة والسكر، وإذا نذر اعتكاف مدة معينة لزمه، ويقطع التتابع السكر والكفر، وتعمد الجماع، وتعمد الخروج من المسجد لا لقضاء الحاجة ولا الأكل ولا الشرب إن تعذر   فصل: فيما يبطل الاعتكاف وفيما يقطع التتابع "ويبطل الاعتكاف" بموجب جنابة يفطر به الصائم، فيبطل "بالجماع" من واضح عمدًا مع العلم والاختيار "وبالمباشرة بشهوة إن أنزل" وبالاستمناء كما مر مبسوطًا في الصوم وإن فعل ذلك خارج المسجد لمنافاته له، ويحرم ذلك في الاعتكاف الواجب مطلقًا وفي المستحب في المسجد. "و" يبطل "بالجنون والإغماء" إن طرآ بسبب تعدى به لأنهما حينئذ كالسكر، أما إذا لم يطرآ بسبب تعدى به فلا يقطعانه إن لم يخرج من المسجد أو خرج ولم يمكن حفظه فيه أو أمكن لكن بمشقة، بخلاف ما إذا أخرج من المسجد وقد أمكن حفظه فيه بلا مشقة على ما اقتضاه كلام الروضة وغيرها إذ لا عذر في إخراجه. "و" يبطل بالحيض والاحتلام ونحوه من "الجنابة" التي لا تبطل الصوم كإنزال بلا مباشرة وجماع ناس أو جاهل ومكره إن لم يغتسل فورًا لوجوب المبادرة بالغسل رعاية للتتابع، وله الغسل في المسجد إن لم يمكث فيه والخروج له وإن أمكنه في المسجد؛ لأنه أصون لمروءته ولحرمة المسجد، وإذا عاد له جدد النية إن كان اعتكافه غير متتابع وإلا فلا. "والردة والسكر" المحرم وإن لم يخرج المتصف بأحدهما من المسجد لعدم أهليته للعبادة. "وإذا نذر اعتكاف مدة معينة لزمه" اعتكاف تلك المدة مع تتابعها فلا يجوز تقديمه عليها ولا تأخيره عنها وإنما يلزم التتابع إن تلفظ بالتزامه سواء كانت المدة معينة أم غير معينة بخلاف ما إذا نواه فإنه لا يلزمه على المعتمد. "ويقطع التتابع السكر والكفر وتعمد الجماع" وغيرها مما مر آنفًا بتفصيله. "و" يبطله أيضًا "تعمد الخروج من المسجد" لما ليس ضروريًا ولا ما هو ملحق بالضروري "ولا" يؤثر الخروج "لقضاء الحاجة" إذ لا بد منه وإن كثر خروجه لذلك العارض نظرًا إلى جنسه ولا يكلف فيه كالأكل الصبر إلى حد الضرورة ولا غير داره كسقاية المسجد إن لم تلق به، وله الوضوء الواجب خارج المسجد تبعًا للاستنجاء. "ولا" لأجل "الأكل" وإن أمكن في المسجد فقد يستحيي منه ويشق عليه بخلاف الشرب وإذا خرج لداره ولقضاء الحاجة أو الأكل فإن تفاحش بعدها عن المسجد عرفًا، وفي طريقه مكان أقرب منه لائق به وإن كان لصديقه أو كان له دار إن لم يتفاحش بعدهما وأحدهما أقرب تعين الأقرب في الصورتين وإلا انقطع تتابعه، ولا يضر وقوفه لشغل بقدر الصلاة المعتدلة على الميت ما لم يعدل عن طريقه أو يتباطأ في مشيه أو يجامع وإن كان سائرًا وإلا بطل تتابعه أيضًا. "ولا الشرب" والوضوء الواجب "إن تعذر الماء في المسجد" بخلاف ما إذا وجد الماء فيه أو تيسر إحضاره ولو من بيته. "ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الماء في المسجد، ولا للمرض إن شق لبثه فيه أو خشي تلويثه، ومثله الجنون والإغماء، ولا إن أكره بغير حق على الخروج، ولا يقطعه الحيض إن لم تسعه مدة الطهر.   للمرض إن شق لبثه فيه" لاحتياجه إلى نحو فراش وتردد طبيب "أو خشي تلويثه" بخبث أو مستقذر يخرج منه بخلاف نحو الحمى الخفيفة والصداع. "ومثله" في ذلك "الجنون والإغماء" إذا حصل أحدهما للمعتكف. "ولا" يضر "إن" دام في المسجد أو خرج وقد "أكره بغير حق على الخروج" أو خرج خوفًا من ظالم أو غريم وهو معسر ولا بينة له أو من نحو سبع أو حريق لعذره كأن حمل بغير إذنه بخلاف ما لو أخرج مكرهًا بحق كزوجة وقن يعتكفان بلا إذن، وكمن أخرجه ظالم لأداء حق مطل به أو خرج خوف غريم له وهو غني مماطل أو معسر وله بينة فينقطع تتابعه بذلك لتقصيره. "ولا يقطعه الحيض إن لم تسعه مدة الطهر" بأن طالت مدة الاعتكاف بحيث لا ينفك عن الحيض غالبًا بأن يكون أكثر من خمسة عشر يومًا وفيه نظر رددته في شرح الإرشاد، ولا يقطعه أيضًا خروج مؤذن راتب إلى منارة المسجد المنفصلة عنه لكنها قريبة منه للأذان لإلفه صعودها للأذان، وإلف الناس صوته ولا الخروج لأن يقام عليه حد ثبت بغير إقراره ولا لأجل عدة ليست بسببها، ولا لأجل أداة شهادة تعين عليه تحملها وأداؤها للعذر في جميع ذلك بخلاف أضداده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 باب: كتاب الحج والعمرة مدخل ... كتاب: الحج والعمرة هما فرضان، وشرط وجوبهما الإسلام، والحرية، والتكليف، والاستطاعة ولها شروط: الأول: وجود الزاد وأوعيته ومؤنة ذهابه وإيابه. الثاني: وجود راحلة لمن بينه وبين مكة مرحلتان، أو شق محمل لمن لا يقدر على   كتاب: الحج هو لغة القصد. وشرعًا: قصد الكعبة للأفعال الآتية, "والعمرة" وهي لغة: الزيارة. وشرعًا قصد الكعبة للأفعال الآتية. "هما فرضان" أما الحج فبالإجماع. وأما العمرة فلما صح عن عائشة, قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" 1 وخبر: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا"2 ضعيف اتفاقًا ثم لهما مراتب خمس: صحة مطلقة وشرطها الإسلام فقط فيصح إحرام الولي أو مأذونه عن المجنون والصبي الذي لا يميز. وصحة مباشرة وشروطها الإسلام مع التمييز وإذن الولي فلا تصح مباشرة غير مميز ولا مميز لم يأذن له وليه. ووقوع عن حجة النذر وشروطها الإسلام والتكليف. ووقوع عن حجة الإسلام وعمرته وشروطه التكليف والحرية فيجزئ حج الحر المكلف الفقير واعتماره عن فرض الإسلام. والمرتبة الخامسة وجوبهما "وشرط وجوبهما الإسلام" فلا يجبان على كافر أصلي في الدنيا ويجبان على مرتد وإن استطاع في حال ردته ثم أعسر بعد إسلامه، لكن لو مات مرتدًا لم يحج عنه لتعذر وقوعه له. "والحرية والتكليف" فلا يجبان على رقيق وصبي ومجنون لنقصهم. "والاستطاعة" لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] . والعمرة كالحج والاستطاعة الواحدة كافية فيهما "ولها شروط. الأول: وجود الزاد وأوعيته" حتى السفرة3 "ومؤنة ذهابه وإيابه" اللائقة به من نحو ملبس ومطعم وغيرهما مما يأتي. "الثاني: وجود راحلة" فاضلة عن جميع ما مر وما يأتي ذهابًا وإيابًا وإن لم يكن له بوطنه أهل ولا عشيرة. "لمن بينه وبين مكة مرحلتان" والأصل فيها وفي النفقة أنه صلى الله عليه وسلم فسر بهما السبيل في الآية4، والمراد بها هنا كل دابة اعتيد ركوبها في مثل تلك المسافة ولو نحو بغل   1 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 350". 2 رواه الإمام أحمد في المسند "3/ 357". 3 السفرة: طعام يصنع للمسافر، وما يحمل فيه هذا الطعام "المعجم الوسيط: ص433". 4 روى ابن ماجه في المناسك باب 6 "حديث 2897" عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الزاد والراحلة" يعني قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الراحلة، وللمرأة مع وجود شريك، ولا تشترط الراحلة لمن بينه وبين مكة أقل من مرحلتين وهو قوي على المشي، ويشترط كون ذلك كله فاضلًا عن دينه ومؤنة من عليه مؤنتهم ذهابًا وإيابًا، وعن مسكن وخادم يحتاج إليه.   وحمار. وبوجدانها القدرة على تحصيلها ببيع أو إجارة بثمن أو بأجرته لا بأزيد وإن قلت الزيادة، أو ركوب موقوف عليه أو على الحمل إلى مكة أو موصى بمنفعته إلى ذلك والأوجه الوجوب على من حمله الإمام من بيت المال كأهل وظائف الركب من القضاة أو غيرهم، والشرط إما وجود راحلة فقط وهو في حق من ذكر إن بعد محله أو ضعف كما يأتي. "أو" وجود "شق محمل" وهو "لمن لا يقدر على الراحلة" بأن يلحقه بها مشقة شديدة إذ لا استطاعة معها وضابطها أن يخشى منها مبيح تيمم، فإن لحقته بالمحمل وهو شيء من خشب أو نحوه يجعل في جانب البعير للركوب فيه اشترط فيه قدرته على الكنيسة1 وهو المسمى الآن بالمحارة. فإن عجز فمحفة2، فإن عجز فسرير يحمله رجال وإن بعد محله لأن الفرض أنه قادر على مؤن ذلك وأنها فاضلة عما مر. "وللمرأة" والخنثى وإن لم يتضرر؛ لأن المحمل أستر لهما والشرط وجدان المحمل في حق من ذكر "مع وجود شريك" عدل يليق به مجالسته وليس به نحو جذام ولا برص فيما يظهر في الكل، فإن لم يجده فلا وجوب. وإن وجد مؤنة المحمل بتمامه، ولو سهلت معادلته بنحو أمتعة ولم يخش منها ضررًا ولا مشقة لم يشترط وجود الشريك. "ولا تشترط الراحلة لمن بينه وبين مكة أقل من مرحلتين وهو قوي على المشي" بأن لم يلحقه به المشقة الآتية إذ ليس عليه في ذلك كثير ضرر، بخلاف ما لو ضعف عن المشي بأن خشي منه مبيح تيمم فإنه لا بد له من المحمل في حقه مطلقًا وحيث لم يلزمه المشي فالركوب قبل الإحرام وبعده أفضل، والأفضل الركوب على القتب3 والرحل4 للاتباع. "ويشترط كون ذلك كله" أي ما مر من نحو الراحلة والمؤنة "فاضلا عن دينه" ولو مؤجلا وإن أمهل به إلى إيابه لأن الحال5 على الفور والحج على التراخي والمؤجل يحل عليه فإذا صرف ما معه في الحج لم يجد ما يقضي به الدين "و" عن "مؤنة من عليه مؤنتهم" كزوجته وقريبه ومملوكه   1 الكنيسة: شبه هودج، يُغرز في المحمل أو في الرحل قضبان ويلقى عليها ثوب يستظل به الراكب ويستتر به "المعجم الوسيط: ص800". 2 المحفّة: هودج لا قبة له تركب فيه المرأة "المعجم الوسيط: ص186". 3 القتب "بالتحريك، وبكسر القاف وسكون التاء": الرحل الصغير على قدر سنام البعير "المعجم الوسيط: ص714". 4 الرحل: ما يوضع على ظهر البعير للركوب "المعجم الوسيط: ص334". 5 أي الدين الحال أجلّ سداده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الثالث: أمْنُ الطريق. الرابع: وجود الزاد والماء في المواضع المعتاد حمله منها بثمن مثله، وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان، وعلف الدابة في كل مرحلة، ولا يجب على المرأة إلا إن خرج معها زوج أو محرم أو نسوة ثقات.   المحتاج إليه، والمراد المؤنة اللائقة بهم من نحو ملبس ومطعم وإعفاف أب وأجرة طبيب وثمن أدوية لحاجة قريبه ومملوكه إليهما ولحاجة غيرهما إذا تعين الصرف إليه، ويشترط الفضل عن جميع ما يحتاجه إلى ذلك "ذهابًا وإيابًا" إلى وطنه, وإن لم يكن له به أهل ولا عشيرة لما في الغربة من الوحشة ولنزع النفوس إلى الأوطان وعلى القاضي منعه حتى يترك لممونه نفقة الذهاب والإياب، ولكنه يخيره في الزوجة بين طلاقها وترك نفقتها عند ثقة يصرفها عليها. "وعن مسكن وخادم يحتاج إليه" أي إلى خدمته لنحو زمانة أو منصب تقديمًا لحاجته الناجزة، نعم إن كانا نفيسين لا يليقان به لزم إبدالهما بلائق إن وفى الزائد عليه بمؤنة نسكه، ومثلهما الثوب النفيس، ولو أمكن بيع بعض الدار ولو غير نفيسة وفي ثمنه بمؤنة النسك لزمه أيضًا، والأمة النفيسة للخدمة أو للتمتع كالعبد فيما ذكر، ولا يلزم العالم أو المتعلم بيع كتبه لحاجته إليها إلا إن كان له من كتاب نسختان وحاجته تندفع بإحداهما فيلزم بيع الأخرى ولا الجندي بيع سلاحه ولا المحترف بيع آلته. "الثالث: أمن الطريق" أمنًا لائقًا بالسفر ولو ظنًّا على نفس والبضع والمال وإن قل، فإن خاف على شيء منها لم يلزمه النسك لتضرره سواء كان الخوف عامًّا أم خاصًّا على المعتمد، ولا أثر للخوف على مال خطير استصحبه للتجارة وكان يأمن عليه ولو تركه في بلده، ويشترط الأمن أيضًا من الرصدي وهو من يرقب الناس ليأخذ منهم مالا1، فإن وجد لم يجب النسك وإن قل المال ما لم يكن المعطى له وهو الإمام أو نائبه. "الرابع: وجود الزاد والمال في المواضع المعتاد حمله منها بثمن مثله وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان", فإن عدم ذلك ولو في مرحلة اعتيد حمله منها تبين عدم الوجوب، والعبرة في ذلك بعرف أهل كل ناحية لاختلافه باختلاف النواحي. "و" وجود "علف الدابة في كل مرحلة" لعظم تحمل المؤنة في حمله بخلاف الماء والزاد لكن بحث2 في المجموع اعتبار العادة فيه كالماء وسبقه إليه سليم3 وغيره واعتمده السبكي وغيره. "ولا يجب" الحج   1 يجب أن يزيد هنا: ظلمًا وعدوانًا. انظر المعجم الوسيط "ص348". 2 أي النووي صاحب "المجموع شرح المهذب". 3 لعله سليم بن أيوب بن سليم الرازي الشافعي أبو الفتح. فقيه، أصولي، مفسر، محدث. توفي سنة 447هـ. من مصنفاته الكثيرة: المجرد، التقريب، الكافي وكلها في فروع الشافعية، ضياء القلوب في التفسير، وغرائب الحديث "معجم المؤلفين: 1/ 777". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 الخامس: أن يثبت على الراحلة بغير مشقة شديدة، ولا يجب على الأعمى الحجإلا إذا وجد قائدًا، ومن عجز عن الحج بنفسه وجبت عليه الاستنابة إن قدر عليها بماله أو بمن يطيعه، إلا إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر فيلزمه بنفسه.   ولا يستقر "على المرأة" ولو عجوزًا لا تشتهي سواء المكية وغيرها "إلا إن" وجد فيها ما مر و"خرج معها زوج أو محرم" لها بنسب أو رضاع أو مصاهرة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة بريدًا إلا ومعها زوجها أو ذو محرم" 1 ولا يشترط عدالتهما لأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي. ومثلهما عبدها الثقة إن كانت ثقة أيضًا إذ لا يجوز لكل منهما نظر الآخر والخلوة به إلا حينئذ، ويكفي مراهق وأعمى له وجاهة وفطنة بحيث تأمن معه على نفسها، ويشترط فيمن يخرج معها مصاحبته لها بحيث يمنع تطلع أعين الفجرة إليها وإن كان قد يبعد عنها قليلا في بعض الأحيان، والأمرد الجميل لا بد أن يخرج معه من يأمن على نفسه من قريب ونحوه. "أو نسوة ثقات" بأن بلغن وجمعن صفات العدالة وأن كن إماء سواء العجائز وغيرهن، وإن لم يخرج معهن زوج أو محرم لإحداهن لانقطاع الأطماع باجتماعهن، ومن ثم جازت خلوة رجل بامرأتين دون عكسه، وأفهم كلامه أنه لا بد من ثلاث غيرها وأنه لا يكتفي بغير الثقات وإن كن محارم، واعتبار العدد إنما هو بالنظر للوجوب الذي الكلام فيه، أما بالنظر لجواز الخروج فلها أن تخرج مع واحدة لفرض الحج، وكذا وحدها إذا أمنت، أما سفرها لغير فرض فحرام مع النسوة مطلقًا. "الخامس: أن يثبت على الراحلة بغير مشقة شديدة" فمن لا يثبت عليها أصلا أو يخشى من ثبوته عليها محذور تيمم لا يلزمه الحج بنفسه بل بنائبه بشروطه الآتية. السادس: أن يجد ما مر من الزاد وغيره وقت خروج الناس من بلده. السابع: إمكان السير بأن يبقى من الزمن عند وجود الزاد ونحوه مقدار ما يمكن السير فيه إلى الحج السير المعهود فإن احتاج إلى أن يقطع في كل يوم أو في بعض الأيام أكثر من مرحلة لم يلزمه الحج ولا يقضي من تركته لو مات قبله. الثامن: أن يجد رفقة بحيث لا يأمن إلا بهم يخرج معهم ذلك الوقت المعتاد، فإن تقدموا بحيث زادت أيام السفر أو تأخروا بحيث احتاج أن يقطع معهم في يوم أكثر من مرحلة فلا وجوب لزيادة المؤنة في الأول وتضرره في الثاني، ويلزمه السفر وحده في طريق آمنة لا يخاف فيها الواحد وإن استوحش. التاسع: أن يجد ما مر من الزاد ونحوه بمال حاصل عنده فلا يلزمه اتهابه2 ولا قبول هبته لعظم المنة فيه ولا شراؤه بثمن مؤجل, وإن امتد الأجل إلى وصوله موضع ماله، ولا أثر لدين له مؤجل أو حال على معسر أو منكر ولا بينة له ولا يمكنه الظفر بماله، بخلاف الحال   1 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 442". 2 أي طلب هبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فصل: "في المواقيت" يحرم بالعمرة كل وقت، وبالحج في أشهره، وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. فلو أحرم به في غير وقته انقعد عمرة، ومن كان بمكة فيحرم بالحج منها،   على مليء مقر أو عليه بينة أو أمكنه الظفر من ماله بقدره ووجدت شروط الظفر والمال الموجود بعد خروج القافلة كالمعدوم. "ولا يجب على الأعمى الحج" والعمرة "إلا إذا وجد قائدًا" ويشترط قدرته على أجرته إن طلبها ولم تزد على أجرة مثله، وكذا يشترط قدرة المرأة على أجرة نحو الزوج إن طلبها. "ومن عجز عن الحج بنفسه" وقد أيس من القدرة عليه لزمانة أو هرم أو مرض لا يرجى برؤه ويسمى معضوبًا "وجبت عليه الاستنابة إن قدر عليها بماله" بأن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل فاضلة عما مر، نعم يستثنى مؤنة نفسه وعياله فلا يشترط كونها فاضلة عنها إلا يوم الاستئجار فقط؛ لأنه إذا لم يفارقهم يمكنه تحصيل مؤنتهم بخلاف المباشر بنفسه "أو بمن يطيعه" بأن وجد متبرعًا يحج عنه وهو موثوق به ولا حج عليه وهو ممن يصح منه حجة الإسلام ولم يكن معضوبًا فيلزمه القبول بالإذن له في الحج عنه لأنه مستطيع بذلك وإن كان المطيع أنثى أجنبية. نعم إن كان المطيع أصلا أو فرعًا وهو ماش لم تجب إنابته لأن مشيهما يشق عليه، وكذا إن لم يجد ما يكفيه أيام الحج وإن كان راكبًا كسوبًا، والفقير المعول على الكسب أو السؤال كالبعض في ذلك، ولو توسم الطاعة في قريب أو أجنبي لزمه سؤاله، بخلاف ما لو بذل له آخر مالا يستأجر به من يحج عنه فإنه لا يلزمه قبوله، نعم إن استأجر المطيع الذي هو والد أو ولد من يحج عن المعضوب لزمه القبول، ويجوز للمعضوب الاستنابة أو تجب "إلا إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر فيلزمه" أن يحج "بنفسه"؛ لأنه لا يتعذر عليه الركوب في المحمل فالمحفة فالسرير الذي يحمله رجال ولا نظر للمشقة عليه لاحتمالها في حد القرب فإن فرض تعذر ذلك عليه صحت إنابته وإن كان مكيًّا. فصل: في المواقيت "يحرم بالعمرة كل وقت"؛ لأن جميع السنة وقت لها، نعم يمتنع على الحاج الإحرام بها ما دام عليه شيء من أعمال الحج كالرمي؛ لأن بقاء حكم الإحرام كبقاء نفس الإحرام، ومن ثم لم يتصور حجتان في عام واحد خلافًا لمن زعم تصوره، ويسن الإكثار من العمرة ولو في اليوم الواحد إذ هي أفضل من الطواف على المعتمد، والكلام فيما إذا استوى الزمن المصروف إليها وإليه. "و" يحرم "بالحج في أشهره وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة" فيمتد وقت الإحرام به من ابتداء شوال إلى صبح يوم النحر فيصح الإحرام به وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وبالعمرة من أدنى الحل، وغير المكي يحرم بالحج والعمرة من الميقات، وهو لتهامة اليمن يلملم، ولنجده قرن، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة، ولأهل المدينة ذو الحليفة، فإن جاوز الميقات مريدًا للنسك ثم أحرم عليه دم إن لم يعد إلى الميقات قبل التلبس بنسك، والإحرام من الميقات أفضل من بلده.   ضاق الزمن كأن أحرم به مصري بمصر مثلا قبيل فجر النحر "فلو أحرم به في غير وقته" كرمضان أو بقية الحجة "انعقد عمرة" وإن كان عالمًا بذلك متعمدًا له وأجزأته عن عمرة الإسلام لشدة لزوم الإحرام، فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف لما يقبله، هذا حكم الميقات الزماني "و" أما الميقات المكاني فهو أن "من كان بمكة" كانت ميقاته بالنسبة للحج وإن كان من غير أهلها "فيحرم بالحج منها" سواء القارن والمتمتع والمفرد فإن فارق ما لا يجوز فيه القصر لو سافر منها مما مر بيانه في بابه وأحرم خارجها ولم يعد إليها قبل الوقوف أثم ولزمه دم، وكذا إن عاد إليها قبله وقد وصل في خروجه إلى مسافة القصر، ويستثنى من ذلك الأجير المكي إذا استأجر عن آفاقي1 فإنه يلزمه الخروج إلى ميقات المحجوج عنه ليحرم منه، والأفضل لمن يحرم من مكة أن يصلي سنة الإحرام بالمسجد ثم يأتي باب داره ويحرم منه، ثم يأتي المسجد لطواف الوداع إن أراده فإنه مندوب له "و" أما بالنسبة للعمرة فليست ميقاتًا بل يحرم من بها "بالعمرة من أدنى الحل" من أي جانب شاء فإن أحرم بها في الحرم انعقد، ثم إن خرج إلى أدنى الحل فلا دم وإلا أثم ولزمه دم، وأفضل بقاع الحل للإحرام بالعمرة الجعرانة للاتباع ثم التنعيم لأمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالاعتمار منه ثم الحديبية "وغير المكي" وهو من ليس بمكة سواء الآفاقي والمكي القاصد مكة للنسك "يحرم بالحج والعمرة من الميقات" الذي أقته صلى الله عليه وسلم لطريقه التي يسلكها "وهو لتهامة اليمن يلملم ولنجده" أي اليمن ومثله نجد الحجاز "قرن" بسكون الراء "ولأهل العراق" وخراسان "ذات عرق" وكل من هذه الثلاثة على مرحلتين من مكة. "ولأهل الشام" الذين لا يمرون على ذي الحليفة. "و" أهل "مصر والمغرب الجحفة" قرية خربة بعيدة عن رابغ على نحو ست مراحل من مكة. "ولأهل المدينة ذو الحليفة" وهي المحل المسمى الآن بأبيار عليٍّ بينها وبين المدينة نحو ثلاثة أميال فهي أبعد المواقيت من مكة، ومن سلك طريقًا لا ميقات به فإن سامته ميقات يمنة أو يسرة أحرم من محاذاته ولا أثر لمسامته وراء أو خلفًا فإن أشكل عليه الميقات أو موضع محاذاته تحرى، ويسن أن يحتاط فإن حاذى ميقاتين وأحدهما أقرب إليه فهو ميقاته فإن استويا في القرب إليه فميقاته الأبعد من مكة، وإن حاذى الأقرب إليها أولا فإن استويا في القرب إليها وإليه أحرم من محاذاتهما ما لم يحاذ أحدهما قبل الآخر فيحرم من محاذاته، ولا ينتظر محاذاة الآخر، كما ليس للمار على ذي الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة، ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه فإن لم يكن بطريقه ميقات ولا حاذى ميقاتًا أحرم على مرحلتين من مكة. "فإن جاوز الميقات مريدًا للنسك" الحج أو العمرة "ثم أحرم" ولم ينو العود إليه أو إلى مثل مسافته "فعليه دم" لعصيانه بالمجاوزة إجماعًا ويلزمه العود إليه محرمًا أو ليحرم منه تداركًا لما تعدى بتفويته ويعصي بتركه إلا لعذر وإنما يلزمه الدم "إن" أحرم بعد المجاوزة في تلك السنة و"لم يعد إلى الميقات" ولا إلى مثل مسافته وإن كان تركه للعود إليه لعذر لإساءته بترك الإحرام من الميقات، بخلاف ما إذا عاد لأنه قطع المسافة كلها محرمًا وإنما ينفعه العود "قبل التلبس بنسك" إن عاد بعد التلبس بنسك ولو طواف القدوم لم يسقط عنه الدم لتأدي النسك بإحرام ناقص "والإحرام من الميقات أفضل" منه "من بلده" للاتباع فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم بحجته وبعمرة الحديبية من ذي الحليفة.   1 الآفاقي: الضارب في آفاق الأرض، ومن لا ينتسب إلى وطن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فصل: "في بيان أركان الحج والعمرة" أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي، والحلق. وأركان العمرة أربعة وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والحق.   فصل: في بيان أركان الحج والعمرة "أركان الحج خمسة" بل ستة "الإحرام" وهو نية الدخول في النسك "والوقوف بعرفة والطواف والسعي والحلق" والترتيب في معظمها إذ لا بد من تقديم الإحرام على الكل والوقوف على ما بعده والطواف على السعي ويجوز تقديم الحلق عليهما وتأخيرهما عنه. "وأركان العمرة أربعة" بل خمسة "وهي: الإحرام والطواف والسعي والحلق" والترتيب في الكل1 على ما ذكر.   1 الترتيب في الأربعة المذكورة هو الركن الخامس من أركان العمرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فصل: "في بيان الإحرام" الإحرام نية الحج أو العمرة أو هما، وينعقد مطلقًا ثم يصرفه لما شاء، ويستحب   فصل: في بيان الإحرام "الإحرام نية" الدخول في "الحج أو العمرة أو هما" لما صح عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد أن يهلّ بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهلّ بحج فليفعل، ومن أراد أن يهلّ بعمرة فليفعل" 2 "وينعقد" الإحرام "مطلقًا" لما روى الشافعي رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه ينتظرون القضاء أي نزول الوحي فأمر من   2 رواه مسلم في الحج حديث 114 عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد منكم أن يهلّ بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهلّ بحج فليهلّ، ومن أراد أن يهلّ بعمرة فليهلّ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 التلفظُ بالنية فيقول: نويت الحج أو العمرة وأحرمت به لله تعالى، وإن حج أو اعتمر عن غيره قال: نويت الحج أو العمرة عن فلان وأحرمت به لله تعالى، ويستحب التلبية مع النية والإكثار منها، ورفع الصوت بها للرجل إلا في أول مرة فيسر بها، ويندب أن يذكر ما   لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن أهدى أن يجعله حجًّا" "ثم يصرفه" أي الإحرام المطلق بالنية لا باللفظ "لما شاء" من حج وعمرة وقران وإن ضاق وقت الحج، أما لو فات ففيه خلاف، والمتجه أنه يبقى مبهمًا فإن عينه لعمرة فذاك أو لحج فكمن فاته الحج. وأفهم كلامه أنه لا يجزئ العمل قبل التعيين بالنية، نعم لو طاف ثم صرفه للحج وقع طوافه عن القدوم وإن كان من سنن الحج، ولو أحرم مطلقًا ثم أفسده قبل التعيين فأيهما عينه كان مفسدًا له، ويجوز له أن يحرم كإحرام زيد، ثم إن كان زيد مطلقًا أو غير محرم أصلا أو أحرم إحرامًا فاسدًا انعقد له مطلقًا، وإن علم حال زيد وإن كان زيد مفصلا ابتداء تبعه في تفصيله، بخلاف ما لو أحرم مطلقًا وصرفه لحج أو لعمرة ثم أدخل عليها الحج ثم أحرم كإحرامه فلا يلزمه في الأولى أن يصرفه لما صرفه له زيد ولا في الثانية إدخال الحج على العمرة إلا أن يقصد التشبه به في الحال في الصورتين. "ويستحب التلفظ بالنية" التي يريدها مما ذكر ليؤكد ما في القلب كما في سائر العبادات " فيقول" بقلبه ولسانه: "نويت الحج أو العمرة" أو الحج والعمرة أو النسك "وأحرمت به لله تعالى، وإن حج أو اعتمر عن غيره قال نويت الحج أو العمرة عن فلان وأحرمت به لله تعالى، ويستحب التلبية مع النية" فيقول عقب التلفظ بما ذكر: لبيك اللهم لبيك ... إلخ, لخبر مسلم: "إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج" 1 والإهلال رفع الصوت بالتلبية والعبرة بالنية لا بالتلبية فلو لبى بغير ما نوى فالعبرة بما نوى "و" يستحب "الإكثار منها" أي من التلبية في دوام إحرامه حتى لنحو الحائض وتتأكد عند تغير الأحوال من نحو صعود وهبوط واجتماع وافتراق وإقبال ليل أو نهار وركوب ونزول وفراغ من صلاة وتكره في مواضع النجاسة "و" يستحب "رفع الصوت بها للرجل" حتى في المساجد بحيث لا يتعبه الرفع لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال" 2   1 لم أجده في مسلم بهذا اللفظ، وفيه "كتاب الحج، باب 33، حديث 211" عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخًا، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي، فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج". وفي لفظ له أيضًا "كتاب الحج، حديث رقم 143" من حديث جابر بن عبد الله، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج ... ". 2 رواه من حديث الخلاد بن سائب الأنصاري عن أبيه: أبو داود في المناسك باب 26 "حديث 1814", والترمذي في الحج باب 15، وابن ماجه في المناسك باب 16، والدارمي في المناسك باب 14، ومالك في الحج حديث 34، وأحمد في المسند "4/ 55، 56". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أحرم به وصيغتها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويكررها ثلاثًا، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله تعالى الرضا والجنة والاستعاذة من النار، ثم دعا بما أحب، وإذا رأى المحرم أو غيره شيئًا يعجبه أن يكرهه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة.   ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الحج العج والثج" 1 والعج، رفع الصوت بالتلبية، والثج نحر البدن، أما المرأة ومثلها الخنثى فيندب لها إسماع نفسها فقط فإن جهرت بها كره، وإنما حرم أذانها لأن كل أحد يصغي إليه فربما كان سببًا لإيقاع الناس في الفتنة بخلافه هنا فإن كل أحد مشتغل بتلبيته عن تلبية غيره "إلا في أول مرة" وهي التي في ابتداء الإحرام "فيسر بها" ندبًا بحيث يسمع نفسه فقط على المعتمد "و" في هذه " يندب أن يذكر ما أحرم به" لا فيما بعدها "وصيغتها" المستحبة تلبيته صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه وهي: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" 2 ويجوز كسر إن وفتحها والكسر أصح وأشهر، ويستحب أن يقف وقفة لطيفة عن قوله: والملك "ويكررها" أي جميع التلبية المذكورة لا لفظ لبيك فقط "ثلاثًا" والمقصود بلبيك وهو مثنى مضاف الإجابة لدعوة الحج في قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] ، من لب بالمكان إذا أقام به، ومعناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، فالقصد بلبيك التكثير لا التثنية والزيادة على ما ذكر غير مكروهة. "ثم" بعد فراغه من تلبيته وتكريرها ثلاثًا إن أراد أن "يصلي" ويسلم "على النبي صلى الله عليه وسلم" بصوت أخفض من صوت التلبية لتتميز عنها والأفضل صلاة التشهد. "ثم" بعد ذلك "يسأل الله تعالى الرضا والجنة والاستعاذة من النار" كما روي بسند ضعيف عن فعله صلى الله عليه وسلم "ثم دعا بما أحب" دينًا ودنيا، ويسن أن لا يتكلم في أثناء التلبية، وقد يندب له الكلام كرد السلام، وقد يجب كإنذار مشرف على التلف ويكره السلام عليه "وإذا رأى المحرم أو غيره شيئًا يعجبه أو يكرهه قال" ندبًا: "لبيك إن العيش" أي الغنى المطلوب الدائم "عيش الآخرة" أي فلا أحزن على فوات ما يعجب ولا أتأثر بحصول ما يكره وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في أسر أحواله وفي أشد أحواله، فالأول وقوفه بعرفة لما رأى جميع المسلمين، والثاني في حفر الخندق لما رأى ما بالمسلمين.   1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "3/ 224" وابن حجر في المطالب العالية "1200" وابن كثير في تفسيره "8/ 327" والزيلعي في نصب الراية "3/ 33، 35" وابن حجر في تلخيص الحبير "2/ 239" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 388، 440" والمتقي الهندي في كنز العمال "11883" وأبو حنيفة في جامع المسانيد "1/ 509". 2 رواه البخاري في اللباس باب 69، ومسلم في الحج حديث 147 و269 و271، ورواه أيضًا بقية الستة وأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فصل: "في سنن تتعلق بالنسك" ويسن الغسل للإحرام، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة ومزدلفة ولرمي أيام التشريق، وتطييب بدنه للإحرام دون ثوبه، ولبس إزار ورداء أبيضين جديدين ثم مغسولين   فصل: في سنن تتعلق بالنسك "ويسن الغسل للإحرام" بسائر كيفياته للاتباع حتى للحائض والنفساء؛ لأن القصد التنظف لكن تسن لهما النية والأولى لهما تأخير الإحرام إلى الطهر إن أمكن وحتى غير المميز فليغسله وليه، ومن عجز عنه لفقد الماء حسًّا أو شرعًا تيمم ندبًا لأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإذا فات أحدهما بقي الآخر، ويجري ذلك في سائر الأغسال الآتية. "ولدخول مكة" وإن كان حلالا للاتباع، نعم من خرج من مكة وأحرم بالعمرة من قريب بحيث لا يغلب التغير في مسافته كالتنعيم واغتسل للإحرام لم يسن له الغسل لدخولها لحصول النظافة بالغسل السابق، وكذا من أحرم بالحج من ذلك، ويسن الغسل أيضًا لدخول الحرم ولدخول الكعبة ولدخول المدينة. "ولوقوف عرفة" والأفضل أنه يكون بعد الزوال "و" للوقوف في "مزدلفة" على المشعر الحرام ويكون بعد الفجر. "ولرمي" جمار كل يوم من "أيام التشريق" لآثار وردت في ذلك ولأن هذه المواضع يجتمع بها الناس فأشبه غسل الجمعة ونحوها، والأفضل أن يكون الغسل للرمي بعد الزوال، وأفهم كلامه أن لا يسن الغسل لرمي جمرة العقبة يوم النحر ولا لمبيت مزدلفة ولا لطواف القدوم أو الإفاضة أو الحلق وهو كذلك اكتفاء بما قبل الثلاثة الأول مع اتساع وقت ما عدا الثاني والثالث "و" يستحب "تطييب بدنه للإحرام" بعد الغسل للاتباع1 رجلا كان أو غيره لانعزال المرأة هنا عن الرجال بخلافها في الصلاة في جماعتهم، وأفضل أنواع الطيب المسك والأولى خلطه بماء الورد "دون ثوبه" فلا يندب له تطييبه بل يكره ولا يحرم بما تبقى عينه بعد الإحرام، وله استدامته ولو في ثوبه لا شده فيه، ولو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم أعاده إليه وهو محرم أو نزع ثوبه المطيب ثم لبسه لزمته الفدية. وكذا لو مسه بيده عمدًا ولا أثر لانتقاله بعرق للعذر "و" يستحب للرجل قبل الإحرام "لبس إزار ورداء" للاتباع2 "أبيضين" لخبر مسلم "البسوا من ثيابكم البياض" 3 "جديدين ثم" إن لم يجدهما   1 عن عائشة رضي الله عنها قال: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت". رواه البخاري في صحيحه "الأحاديث 1539 و1754 و5922 و5928 و5930" ومسلم في الحج "حديث 31"، وباقي الستة ومالك وأحمد. 2 روى البخاري في الحج، باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر "حديث 1545" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه ... ". إلخ. 3 لم أجده بهذا اللفظ في مسلم؛ ورواه بهذا اللفظ أبو داود في الطب باب 14 واللباس باب 13 "حديث 3878 و4061" والترمذي في الجنائز باب 38 والزينة باب 98، وأحمد في المسند "1/ 247، 363" والطبراني في الكبير "12/ 65، 66". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ونعلين، وركعتان يحرم بعدهما مستقبلا عند ابتداء سيره، ويستحب دخول مكة قبل الوقوف، ومن أعلاها نهارًا ماشيًا حافيًا، وأن يطوف للقدوم إن كان حاجًّا أو قارنًا ودخل مكة قبل الوقوف.   لبس "مغسولين" ويندب غسل جديد يغلب احتمال النجاسة في مثله "ونعلين" لخبر أبي عوانة: "ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين"1 ويكره المصبوغ إلا المزعفر والمعصفر فإنهما يحرمان أما المرأة والخنثى فلا حرج عليهما في غير الوجه والكفين ويستحب له قبل الغسل أن يتنظف بقص شارب وأخذ شعر إبط وعانة وظفر إلا في عشر ذي الحجة لمريد التضحية "و" يسن بعد فعل ما ذكر "ركعتان" أي صلاتهما بنية سنة الإحرام للاتباع ولا يصليهما في وقت الكراهة لحرمتهما فيه في غير حرم مكة، ويجزئ عنهما الفريضة والنافلة لكن إن نواهما مع ذلك حصل ثوابهما أيضًا وإلا سقط عنه الطلب ولم يثب عليهما نظير ما مر في تحية المسجد، ثم إذا صلاهما "يحرم بعدهما" حال كونه "مستقبلا" للقبلة عند الإحرام لخبر البخاري بذلك والأفضل أن يحرم "عند ابتداء سيره" فيحرم الراكب إذا استوت به دابته قائمة لطريق مكة والماشي إذا توجه إلى طريق مكة للاتباع في الأول وقياسًا عليه في الثاني "ويستحب" للحاج "دخول مكة قبل الوقوف" بعرفة للاتباع2 ولكثرة ما يفوز به من الفضائل التي تفوته لو دخلها بعد الوقوف "و" يستحب أن يدخلها "من أعلاها" وهو المسمى الآت بالحجون وإن لم يكن في طريقه للاتباع3 وأن يدخلها "نهارًا" والأفضل أوله بعد صلاة الصبح للاتباع4 و"ماشيًا" و"حافيًا" إن لم تلحقه مشقة ولم يخف تنجس رجله ولم يضعفه عن الوظائف؛ لأنه أشبه بالتواضع والأدب، ومن ثم ندب له المشي والحفاء من أول الحرم بقيده المذكور، ودخول المرأة في نحو هودجها أفضل، وينبغي أن يستحضر عند دخول الحرم ومكة من الخشوع والخضوع والتواضع ما أمكن، ولا يزال كذلك حتى يدخل من باب السلام، فإذا وقع بصره على الكعبة أو وصل الأعمى أو من في الظلمة إلى محل يراها لو زال مانع الرؤية وقف ودعا بالمأثور في ذلك وبما أحب "وأن يطوف للقدوم" عند دخوله المسجد مقدمًا له على تغيير ثيابه واكتراء منزله وغيرهما إن أمكنه، نعم إن رأى الجماعة قائمة أو قرب   1 ذكر في حاشية الأذكار النووية "ص174" وقال: رواه أبو عوانة في صحيحه وصححه ابن المنذر ولم يتعرض لتخريج مستند ذلك الحافظ. 2 رواه مسلم في الحج "حديث 147" ضمن حديث جابر الطويل. 3 روى البخاري في الحج، باب من أين يدخل مكة "حديث 1575" عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من التثنية العليا ويخرج من التثنية السفلى" وروى أيضًا عن عائشة "حديث 1577": "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها". 4 عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهارًا" رواه الترمذي وقال: حديث حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فصل: "في واجبات الطواف وسننه" : وواجبات الطواف ثمانية: ستر العورة، وطهارة الحدث والنجس، وجعل البيت على يساره، والابتداء من الحجر الأسود، ومحاذاته بجميع بدنه وكونه سبعًا، وكونه داخل   قيامها أو ضاق وقت صلاة لو نافلة أو منع الناس من الطواف أو كان فيه زحمة يخشى منها أذى بدأ بالصلاة فيما عدا الأخيرتين وبتحية المسجد فيهما، وإنما يندب طواف القدوم للداخل "إن كان" حلالا أو "حاجًّا أو قارنًا ودخل مكة قبل الوقوف" لأنه ليس عليه عند دخوله طواف مفروض، بخلاف المعتمر فإنه لا قدوم عليه لأنه مخاطب عند دخوله بطواف عمرته، فإذا فعله اندرج فيه طواف القدوم، وبخلاف حاج أو قارن دخل مكة بعد الوقوف وانتصاف ليلة النحر فإنه مخاطب بطواف حجه. فإذا فعله اندرج فيه طواف القدوم أيضًا، ولا يفوت طواف القدوم بالجلوس وإن كان تحية للبيت، ويندب لذات الهيئة تأخيره إلى الليل، ويسن لمن قصد دخول الحرم ومكة أن يحرم بنسك. فصل: في واجبات الطواف وسننه "وواجبات الطواف ثمانية" الأول والثاني والثالث: "ستر العورة وطهارة الحدث والنجس" كما في الصلاة ولخبر: "الطواف بالبيت صلاة" 1 فلو أحدث أو تنجس بدنه أو ثوبه أو مطافه بغير معفو عنه أو عري مع القدرة على الستر في أثناء الطواف تطهر وستر عورته وبنى على طوافه وإن تعمد ذلك وطال الفصل، إذ لا تشترط الموالاة فيه كالوضوء، ويسن الاستئناف. وغلبة النجاسة في المطاف مما عمت به البلوى، فيعفى عما يشق الاحتراز عنه أيام الموسم وغيره بشرط أن لا يتعمد المشي عليها، وأن لا يكون فيها أو في ممارسها رطوبة، والعاجز عن التر يطوف ولا إعادة عليه، والأوجه أن للمتيمم والمتنجس العاجزين عن الماء طواف الركن ليستفيدا به التحلل ثم إن عادا إلى مكة لزمتهما إعادته. "و" الرابع: "جعل البيت على يساره" مع المشي أمامه للاتباع2، فإن جعله على يمينه ومشى أمامه أو القهقري أو أمامه أو خلفه أو على يساره ومشى القهقرى لم يصح لمنافاته ما ورد الشرع به، وإذا جعله على يساره وذهب تلقاء وجهه فلا فرق على الأوجه بين أن يذهب ماشيًا أو قاعدًا زحفًا أو حبوًا، أن يكون ظهره للسماء ووجه للأرض أو عكسه، وفيما عدا   1 رواه بلفظ: "الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة" النسائي في الحج باب 132، والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 87" والحاكم في المستدرك "1/ 459، 2/ 267". وبلفظ: "الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق" الدارمي في مسنده "2/ 44" والطبراني في الكبير "11/ 34". وبلفظ: $"الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام" الطبراني في الكبير "11/ 40". "وبلفظ: "الطواف حول البيت مثل الصلاة" الترمذي "حديث 960". 2 روى البخاري في الحج باب 137 "حديث 1748" عن ابن مسعود: أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 المسجد وخارج البيت والشاذروان والحجر، ومن سننه: المشي فيه، واستلام الحجر   هذه الصور لا يصح بحال، وإذا استقبل البيت لنحو دعاء فليحترز عن المرور في الطواف ولو أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره. "و" الخامس: "الابتداء من الحجر الأسود" للاتباع1 فلا يعتد بما بدأ به قبله ولو سهوًا فإذا انتهى إليه ابتدأ منه. "و" السادس: "محاذاته" أي الحجر أو بعضه عند النية إن وجبت "بجميع بدنه" أي جميع شقه الأيسر بحيث لا يتقدم جزء من الشق الأيسر على جزء من الحجر، فلو لم يحاذه أو بعضه بجميع شقه كأن جاوزه ببعض شقه إلى جهة الباب أو تقدمت النية على المحاذاة المذكورة أو تأخرت عنها لم يصح طوافه. "و" السابع: "كونه سبعًا" يقينًا ولو في وقت كراهة الصلاة وإن ركب لغير عذر، فلو ترك من السبع خطوة أو أقل لم يجزئه، ولو شك في العدد أخذ باليقين كما في الصلاة، نعم يسن له أن يأخذ بخبر من أخبره بالنقص، أما من أخبره بخبر الإتمام فليس له الأخذ بخبره وإن كثر. "و" الثامن: "كونه داخل المسجد، و" إن وسع "خارج البيت والشاذروان2 والحجر قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، وإنما يكون طائفًا به حيث لم يكن جزء منه فيه وإلا فهو طائف فيه، والشاذروان وهو الجدار القصير المسنم بين اليمانيين والغربي واليماني دون جهة الباب وإن أحدث الآن عنده شاذروان من البيت لأن قريشًا تركته منه عند بنائهم الكعبة لضيق النفقة، ولا ينافيه كون ابن الزبير رضي الله عنهما أعاد البيت على قواعد إبراهيم لأنه باعتبار الأصل، فلما ظهر الجدار نقص من عرضه لما فيه من مصلحة البناء، والحجر فيه من البيت ستة أذرع تتصل بالبيت وإنما وجب مع ذلك الطواف خارجه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما طاف خارجه وقال: "خذوا عني مناسككم" 3 فمتى دخل جزء من بدنه في هواء الشاذروان أو الحجر أو جداره لم يصح طوافه وليتفطن لدقيقة وهي أن من قبل الحجر الأسود فرأسه في حال التقبيل في جزء من البيت فيلزمه أن يقر قدميه في محلهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائمًا. "ومن سننه" وهي كثيرة إذ هو يشبه الصلاة، فكل ما يمكن جريانه فيه من سننها لا يبعد أن يقال بندبه فيه قياسًا عليها "المشي فيه" ولو امرأة للاتباع4 فالركوب بلا عذر خلاف الأولى   1 رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه في الحج باب 148 "حديث 1767". 2 سيأتي تفسيره بعد سطرين. 3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "5/ 125". 4 رواه مسلم في الحج "حديث 147" ضمن حديث جابر الطويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وتقبيله ووضع جبهته عليه، واستلام الركن اليماني، والأذكار في كل مرة، ولا يسن للمرأة الاستلام والتقبيل إلا في خلوة، ويسن للرجل الرمل في الثلاثة الأول في طواف بعده   والزحف مكروه، ويسن أيضًا الحفاء وتقصير الخطا رجاء كثرة الأجر له "واستلام الحجر" الأسود بيده أو طوافه "وتقبيله" من غير صوت يظهر "ووضع جبهته عليه" للاتباع في الثلاثة1، ويسن تكرير كل منها ثلاثًا وفعل ذلك في كل مرة، فإن منعته زحمة من الأخيرتين استلم بيده، فإن عجز فبنحو عود ويقبل ما استلمه به فيهما، فإن عجز عن استلامه أشار إليه باليد أو بشيء فيها، ثم يقبل ما أشار به ولا يشير للتقبيل بالفم لقبحه، ويندب كون الاستلام والإشارة باليد اليمنى، فإن عجز فباليسرى. "واستلام الركن اليماني" بيده ثم يقبلها فإن عجز عن استلامه أشار إليه ولا يقبله ولا يستلم، ولا يقبل الركنين الآخرين لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة ولا يستلم الركنين الذين يليان الحجر"2 وتقبيل واستلام غير ما ذكر من سائر أجزاء البيت مباح، ويسن فعل جميع ما ذكر في كل مرة وهو في الأوتار آكد. "والأذكار" المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" 3، "اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف علي كل غائبة لي بخير" 4 بين اليمانيين، والاشتغال بالمأثور أفضل من الاشتغال بالقراءة وهي أفضل من غير المأثور، ويسن الإسرار بهما بل قد يحرم الجهر بأن تأذى به غيره أذى لا يحتمل عادة، ويسن الأذكار كالاستلام وما بعده "في كل مرة ولا يسن للمرأة" والخنثى "الاستلام والتقبيل" والسجود "إلا في خلوة" المطاف عن الرجال ليلا كان أو نهارًا لضررهن وضرر الرجال بهن، وجميع ما تقرر للحجر الأسود في هذا الباب يأتي لموضعه لو قلع منه والعياذ بالله. "ويسن للرجل" أي الذكر ولو صبيًا بخلاف الخنثى والأنثى حذرًا من تكشفهما "الرمل5 في" الأشواط "الثلاثة الأول" مستوعبًا به البيت، فأما الأربعة الباقية فيمشي فيها على هينته للاتباع، ويكره تركه؛ وسببه إظهار القوة لكفار مكة لما قالوا عن الصحابة حين قدومهم   1 استلام الحجر رواه مسلم في الحج "حديث 150" وفي فضائل الصحابة "حديث 132" ضمن حديث طويل. وروى مسلم أيضًا في الحج "حديث 248-252" تقبيل عمر رضي الله عنه للحجر وقوله: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك". 2 رواه البخاري في الحج باب 58، ومسلم في الحج "حديث 253 و256 و257". 3 رواه البخاري في الدعوات باب 55، ومسلم في الذكر حديث 23 و26، وأبو داود في الوتر باب 26 والمناسك باب 51، والترمذي في الدعوات باب 71، وابن ماجه في المناسك باب 32، وأحمد في المسند "3/ 101، 107، 208، 209، 247، 277، 288، 411". 4 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 510، 2/ 356، 357". 5 الرمل: الهرولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 سعي، والاضطباع فيه، والقرب من البيت، والموالاة، والنية وركعتان بعده.   لعمرة القضاء قد وهنتهم حمى المدينة فلقوا منها شدة وجلسوا ينظرونهم فأمرهم صلى الله عليه وسلم به لذلك حتى قالوا هؤلاء أجلد من كذا وكذا1، وإنما شرع مع زوال السبب لأن فعله يستحضر به سبب ذلك وهو ظهور أمرهم فيتذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله. وإنما سنية الرمل "في طواف بعده سعي" مطلوب في حج أو عمرة وإن كان مكيًّا، فإن رمل في طواف القدوم وسعى بعده لم يرمل في طواف الركن لأن السعي بعده حينئذ غير مطلوب، ولم يرمل في طواف الوداع لذلك، ولو تركه في الثلاثة الأول لم يقضه في الأربعة الأخيرة لأن هيئتها الهينة فلا تغير كالجهر لا يقضي في الأخيرتين أو في طواف القدوم الذي سعى بعده لم يقضه في طواف الركن. "و" يسن للذكر دون غيره "الاضطباع فيه" أي في الطواف الذي بعده سعي مطلوب، ويسن أيضًا في جميع السعي بين الصفا والمروة للاتباع في الطواف وقيس به السعي، ويكره تركه؛ وهو2 جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ويكشف إن تيسر وطرفيه على عاتقه الأيسر، وخرج بقوله في الطواف الذي لا يسن فيه رمل فلا يسن فيه اضطباع، ولا يسن أيضًا في ركعتي الطواف لكراهته في الصلاة فيزيله عند إرادتها ويعيده عند إرادة السعي "والقرب من البيت" للطائف تبركًا به ولأنه المقصود ولأنه أيسر في الاستلام والتقبيل، نعم إن حصل له أو به أذى لنحو زحمة فالبعد أولى إلا في ابتداء الطواف أو آخره فيندب له استلام ولو بالزحام كما في الأم3 ومعناه أن يتوقى التأذي والإيذاء بالزحام مطلقًا، ويتوقى الزحام الخالي عنهما إلا في الابتداء والأخير، ويسن للمرأة والخنثى البعد حال طواف الذكور بأن يكونا في حاشية المطاف بحيث لا يخالطانهم، ولو تعذر الرمل مع القرب لنحو زحمة ولم يرج فرجة عن قرب تباعد ورمل لأن الرمل متعلق بنفس العبادة والقرب متعلق بمكانها، والقاعدة أن المتعلق بنفسها أولى ومحله إن لم يخش لمس النساء والأقرب بلا رمل، ويندب له أن يتحرك في مشيه عند تعذر الرمل والسعي ويحرك المحمول دابته. "والموالاة" بين الطوافات السبع خروجًا من خلاف من أوجبها فيكره التفريق بلا عذر، ومن الأعذار إقامة الجماعة وعروض حاجة لا بد منها، ويكره قطع الطواف المفروض كالسعي لجنازة أو راتبة. "و" تسن "النية" في طواف النسك وتجب في طواف لم يشمله نسك وفي طواف الوداع "وركعتان بعده" للاتباع ويحصلان بما مر في سنة الإحرام وفعلهما خلف المقام أفضل ففي الكعبة ثم تحت الميزاب ثم في بقية الحجر ثم إلى وجه البيت ثم فيما قرب منه ثم في بقية المسجد ثم في دار خديجة ثم في بقية مكة ثم في الحرم ثم فيما شاء متى شاء ولا يفوتان إلا بموته ويجهر فيهما بلطف من الغروب   1 رواه الجماعة. 2 أي الاضطباع. 3 للإمام الشافعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 فصل: "في السعي" وواجبات السعي أربعة: أن يبدأ في الأولى بالصفا، وفي الثانية بالمروة، وكونه سبعًا، وأن يكون بعد طواف ركن أو قدوم، وسننه: الارتقاء على الصفا والمروة قامة والأذكار ثم الدعاء ثلاثًا بعد كل مرة والمشي أوله وآخره، والعدو في الوسط، ومكانه معروف.   إلى طلوع الشمس ولو والى بين أسابيع ثم بين ركعاتها أو صلى عن الكل ركعتين جاز بلا كراهة، والأفضل أن يصلي عقب كل طواف ركعتين، ويكره في الطواف الأكل والشرب ووضع اليد في فيه بلا حاجة، وأن يشبك أصابعه أو يفرقعها وأن يطوف بما يشغله كالحقن1 وشدة توقانه إلى الأكل وترك الكلام فيه أولى إلا بخير وليكن بحضور قلب ولزوم أدب. فصل: في السعي "وواجبات السعي أربعة" الأول: "أن يبدأ في الأولى بالصفا، و" الثاني: أن يبدأ "في الثانية بالمروة" وفي الثالثة بالصفا وفي الرابعة بالمروة وهكذا يجعل الأوتار للصفا والأشفاع للمرة فإن خالف ذلك لم يعتد بما فعله للاتباع2 "و" الثالث: "كونه سبعًا" يقينًا للاتباع فإن شك فكما مر في الطواف ويحسب العود مرة والذهاب أخرى. "و" الرابع: "أن يكون بعد طواف ركن أو قدوم" ما لم يقف بعرفة وإن كان بينهما فصل طويل، وتكره إعادته فإن أخره إلى ما بعد طواف الوداع وجب عليه إعادة طواف الوداع لأن محله بعد الفراغ، وأفهم كلامه أنه لا بد من قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة بأن يلصق عقبه بما يذهب منه وأصابع قدميه بما يذهب إليه، وكذا حافر دابته وبعض درج الصفا محدث فليحذر من تخلفها وراءه. "وسننه" كثيرة منها "الارتقاء" للذكر دون غيره "على الصفا والمروة قامة" أي قدر قامة إنسان للاتباع3. "والأذكار ثم الدعاء" بعدها فيقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يدعو بما أحب ويكرر جميع ذلك "ثلاثًا بعد كل مرة" من السعي للاتباع "والمشي أوله وآخره" على هينته "والعدو" للذكر جهده دون غيره "في الوسط" للاتباع في ذلك "ومكانه معروف" وهو قبل الميل الأخضر المعلق بجدار المسجد بستة أذرع إلى ما   1 الحقن: احتباس البول وتجمعه. 2 لما رواه مسلم "حديث 147" من حديث جابر الطويل، ورواه أيضًا أبو داود في المناسك باب 56 "حديث 1905" وغيرهما، وفيه: "نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا ... ". إلخ. 3 ورد في صحيح مسلم "الحج، حديث 147" ضمن حديث جابر الطويل: "أنه رقي على كل منهما حتى رأى البيت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فصل: "في الوقوف" وواجب الوقوف حضوره بأرض عرفة لحظة بعد الزوال يوم عرفة ومارًّا ونائمًا بشرط كونه عاقلا، ويبقى إلى الفجر. وسننه: الجمع بين الليل والنهار، والتهليل   بين الميلين الأخضرين المعلق أحدهما بجدار المسجد والآخر بدار العباس، ويسن فيه أيضًا الطهارة والستر وتحري خلو المسعى والموالاة فيه وبينه وبين الطواف، ويكره للساعي أن يقف أثناء سعيه لحديث أو غيره. فصل في الوقوف: "وواجب الوقوف حضوره بأرض عرفة" أي بجزء منها "لحظة" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "وقفت هنا وعرفة كلها موقف" 1 وهي معروفة ليس منها نمرة ولا عرنة ومسجد إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه آخره منها وصدره من عرنة، ويشترط كون الحضور فيها "بعد الزوال يوم عرفة" وهو تاسع ذي الحجة، ويكفي حضور المحرم فيها في الوقت المذكور. "و" لو كان "مارًّا" في طلب آبق2 وإن قصد صرف حضوره عن الوقوف "ونائمًا" كما في الصوم "بشرط كونه عاقلا" فلا يكفي الوقوف مع إغماء أو جنون أو سكر كما في الصوم لانتفاء أهلية العبادة ويقع حج المجنون نفلا. "ويبقى" وقت الوقوف "إلى الفجر" أي فجر يوم النحر لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" 3. "وسننه" كثيرة فمنها "الجمع بين الليل والنهار" للاتباع4 فلا دم على من دفع من عرفة قبل الغروب وإن يعد إليها بعده لما في الخبر الصحيح: "إن من أتى عرفة قبل الفجر ليلا أو نهارًا فقد تم حجه"5 ولو لزمه دم لكان حجه ناقصًا. نعم يسن دم له وهو دم ترتيب وتقدير خروجًا من خلاف من أوجبه. "و" يسن لهم "التهليل" وأفضله لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, بل قال النبي صلى الله عليه وسلم   1 رواه مسلم في الحج "حديث 149" عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا وجمع كلها موقف". ورواه أيضًا أبو داود "حديث 1936" وأحمد "3/ 320" والبيهقي "5/ 115، 239" وابن خزيمة "2815". 2 الآبق: الهارب. 3 رواه الترمذي "حديث 2975" والطبراني في الكبير "11/ 202 والدارقطني في سننه "2/ 241". 4 لما روى مسلم ضمن حديث جابر الطويل في الحج "رقم 147": " ... لم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص". 5 رواه أبو داود في المناسك باب 68 "حديث 194" عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ... وفيه: "الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه، أيام منى ثلاثة ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 والتكبير والتلبية والتسبيح والتلاوة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإكثار البكاء معها، والاستقبال، والطهارة، والستارة، والبروز للشمس، وعند الصخرات للرجل، وحاشية الموقف للمرأة أولى، والجمع بين العصرين للمسافر وتأخير المغرب إلى العشاء للمسافر ليجمعهما بمزدلفة.   فيه: "إنه أفضل ما قاله هو والنبيون يوم عرفة"1."و" الذكر ومنه "التكبير والتلبية والتسبيح والتلاوة" وأولاها سورة الحشر لأثر فيها "والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" وأولاها صلاة التشهد. "وإكثار" جميع ذلك وغيره من الأذكار والأدعية من حين يقف إلى حين ينفر. وإكثار "البكاء معها" بتضرع وخضوع وخشوع فهناك تسكب العبرات وتقال العثرات ويكون كل دعاء ثلاثًا ويفتتحه بالتحميد والتمجيد والتسبيح والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختمه بمثل ذلك مع التأمين ويرفع يديه ولا يجاوز بهما رأسه، ويكره الإفراط بالجهر وتكلف السجع في الدعاء. "و" يسن للواقف "الاستقبال" حال الدعاء وغيره "والطهارة والستارة" ليكون على أكمل الأحوال "والبروز للشمس" إلا لعذر بأن يتضرر أو ينقص دعاؤه واجتهاده في الأذكار، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم استظل بعرفات مع أنه صح أنه استظل بثوب وهو يرمي الجمرة. "و" أن يتحرى الوقوف في موقفه صلى الله عليه وسلم2 وهو "عند الصخرات" الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة الذي بوسط أرض عرفة ومحل ندب ذلك "للرجل" أي الذكر "وحاشية الموقف" أي الوقوف بها "للمرأة" والخنثى "أولى" كما تقف آخر المسجد، نعم إن شق عليهما ذلك لفراق أهل أو غيره لم يندب ذلك. "و" يسن "الجمع" تقديمًا "بين العصرين" الظهر والعصر بمسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه في أول وقت الوقوف للاتباع3، ويكون بعد أن يخطب الإمام خطبتين وإنما يجوز الجمع المذكور "للمسافر" المقيم لأنه بسبب السفر لا النسك. "و" يسن "تأخير" المغرب إلى العشاء للمسافر ليجمعهما" تأخيرًا "بمزدلفة" للاتباع4 ومحل ندبه إن كان يصلي بمزدلفة قبل مضي وقت الاختيار للعشاء وإلا فالسنة أن يصلي كل واحدة في وقتها أما غير المسافر فلا يجوز له الجمع تأخيرًا أيضًا لما مر.   1 رواه الترمذي في الدعوات باب 122 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا؛ ورواه مالك في الموطأ "كتاب القرآن، حديث 32" مرسلا بلفظ: $"أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك لك". 2 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147". 3 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147". 4 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فصل: "في الحلق" وأقل الحلق إزالة ثلاثة شعرات، ويندب تأخيره بعد رمي جمرة العقبة، والابتداء باليمين من الرأس، واستقبال القبلة، واستيعاب الرأس للرجل، والتقصير للمرأة.   فصل: في الحلق وقد مر أنه ركن في الحج والعمرة فلا تحلل بدونه إلا لمن لا شعر برأسه. "وأقل الحلق" الذي هو ركن "إزالة ثلاثة شعرات" من شعر الرأس وإن نزل عنه بالمد سواء أزال ذلك بنتف أو إحراق أو قص أو غيرها من سائر طرق الإزالة على دفعة أو على دفعات، فلا يكفي ما دون الثلاث ولا ثلاث من غير شعر الرأس أو منه ومن غيره، ولا أخذ شعرة واحدة على ثلاث دفعات، ويسن لمن لا شعر بجميع رأسه أو بعضه إمرار الموسى على ما لا شعر عليه تشبيهًا بالحالقين، وأن يأخذ من نحو لحيته وشاربه؛ وما نبت بعد دخول وقت الحلق لا يأمر بإزالته لأن الواجب حلق شعر اشتمل الإحرام عليه. "ويندب تأخيره" أي الحلق "بعد رمي جمرة العقبة" يوم النحر وتقديمه على طواف الإفاضة في ذلك اليوم للاتباع1. "والابتداء باليمين من الرأس" بأن يبدأ بجميع شقه الأيمن "واستقبال" المحلوق لجهة "القبلة" والتكبير بعد الفراغ "واستيعاب الرأس" بالحلق للرجل بأن يبلغ به إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين لأنهما منتهى نبات شعر الرأس. والحلق "للرجل" أفضل "والتقصير للمرأة" ومثلها الخنثى أفضل لخبر أبي داود: "ليس على النساء حلق إنما عليهن التقصير" 2 ويكره لها الحلق بل يحرم بغير إذن بعلها أو سيدها إن كان ينقص به استمتاعه أو قيمة الأمة.   1 روى مسلم في الحج "حديث 323" عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس. 2 رواه من حديث ابن عباس: أبو داود في المناسك باب 78 "حديث 1984 و1985" والنسائي في الزينة باب 4، والدارمي في المناسك باب 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 فصل: "في واجبات الحج" وواجبات الحج ستة: المبيت بمزدلفة، وهو أن يكون ساعة من النصف الثاني فيها، ولا يجب على من له عذر، ورمي جمرة العقبة سبعًا، ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق كل واحدة سبعًا، ومبيت لياليها الثلاث أو الليلتين الأولتين إذا أراد النفر الأول في اليوم الثاني، والإحرام من الميقات، وطواف الوداع.   فصل: في واجبات الحج "وواجبات الحج ستة" الأول: "المبيت بمزدلفة" للاتباع3 وهي ما بين مأزمي4 عرفة ووادي محسر "وهو" أي المبيت الواجب "أن يكون ساعة" أي لحظة "من النصف الثاني" من   3 كما ورد في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم في الحج "حديث 147". 4 المأزم: الطريق الضيق بين الجبلين "المعجم الوسيط: ص16". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 فصل: "في بعض سنن المبيت والرمي وشروطه" ويسن الوقوف بالمشعر الحرام بمزدلفة، وأخذ حصى جمرة العقبة منها، وقطع   ليلة النحر "فيها" وإن كان مارًّا كما في عرفة، وقيل المبيت بها ركن لا يصح الحج بدونه. "ولا يجب" كمبيت منى ورمي الجمار "على من له عذر" يمنعه منه كأن يخاف على محترم أو يشتغل عنه بإدراك عرفة أو بطواف الإفاضة أو عن الرمي بالرعي أو عنه وعن المبيت بمنى ليسقي الناس. "و" الثاني: "رمي جمرة العقبة سبعًا" والثالث: "رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق كل واحدة سبعًا" والرابع: "مبيت لياليها الثلاث أو الليلتين الأولتين إذا أراد النفر الأول في اليوم الثاني" من أيام التشريق. "و" الخامس: "الإحرام من الميقات" السابق لمن مر عليه أو خرج منه مريدًا للنسك. "و" السادس: "طواف الوداع" على كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر مطلقًا أو إلى وطنه وإن كان قريبًا، ويجب على حاج أراد الرجوع من منى إلى بلده وإن كان قد طافه قبل عوده من مكة إلى منى، ويسقط دمه بعوده قبل بلوغ وطنه أو مسافة القصر، ولا يلزم حائضًا أو نفساء طهرت بعد مفارقة عمران مكة، ومتى مكث بعده أو بعد ركعتيه والدعاء عقبهما أعاده وإن كان معذورًا ما لم يكن لاشتغاله بأسباب السفر أو بصلاة جماعة أقيمت. والسنة له إذا انصرف بعده أن يمشي تلقاء مستدبر البيت لا ملتفتًا إليه ولا ماشيًا القهقري. فصل: في بعض سنن المبيت والرمي وشروطه "ويسن" بعد صلاة الصبح بغلس "الوقوف" بجزء من مزدلفة مستقبل القبلة والأفضل أن يكون "بالمشعر الحرام" وهو البناء الموجود الآن "بمزدلفة" فيذكر الله تعالى ويدعو إلى الإسفار للاتباع1 ثم عقب الإسفار يدفع إلى منى بسكينة ومن وجد فرجة أسرع كالدفع من عرفة، ويسن أن يزيد في الإسراع إذا بلغ وادي محسر رمية حجر حتى يقطع عرض الوادي للاتباع2. "و" يسن "أخذ حصى جمرة العقبة" وهي سبع من غير كسر "منها" أي من مزدلفة ليلا ويزيد لئلا يقع منه شيء ويأخذ حصى بقية الرمي من محسر أو غيره من منى ولا يأخذه من المرمى لأن ما تقبل رفع كما ورد وشوهد، ولولا ذلك لسد الحصى على توالي الأزمان   1 كما في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم في الحج "حديث 147" وفيه: "ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا". 2 كما في حديث جابر، وفيه: "حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 التلبية عند ابتداء الرمي بجمرة العقبة والتكبير مع كل حصاة، ويدخل وقت الحلق ورمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة بنصف ليلة النحر، ويبقى الرمي إلى آخر التشريق، والحلق والطواف أبدًا، وتسن المبادرة بطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة، فيدخل مكة ويطوف ويسعى إن لم يكن قد سعى، ثم يعود إلى منى ويبيت بها ليالي التشريق، ويرمي كل يوم من أيام التشريق الجمرات الثلاث بعد الزوال كل واحدة سبع حصيات، ويشترط رمي السبع الحصيات واحدة واحدة وترتيب الجمرات في أيام التشريق، وأن يكون بين الزوال   المتطاولة ما بين الجبلين "و" يسن "قطع التلبية عند ابتداء الرمي بجمرة العقبة" لشروعه في أسباب التحلل ويرميها الراكب قبل نزوله لأن الرمي تحية منى فلا يبدأ بغيره. "والتكبير" في كل رمي "مع كل حصاة" فيقول: الله أكبر ثلاثًا لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. "ويدخل وقت الحلق ورمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة بنصف ليلة النحر" لمن وقف قبله، ويستحب تأخيرها إلى بعد طلوع الشمس للاتباع وما بدا منها قطع التلبية معه. "ويبقى الرمي" لجمرة العقبة وللجمرتين الأخيرتين أداء "إلى آخر" أيام "التشريق" ويبقى "الحلق" يعني إزالة ثلاث شعرات "والطواف" المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى عقب طواف القدوم أي وقتهما "أبدًا" فلا يفوتان ما دام حيًّا لأن الأصل عدم التوقيت إلا بدليل، نعم يكره تأخيرهما عن يوم النحر وتأخيرها عن أيام التشريق أشد كراهة وعن خروجه من مكة أشد وأشد، نعم ما فاته الوقوف لا يجوز له الصبر على إحرامه إلى السنة القابلة لأن إحرام سنة لا يصلح لأخرى فكأن وقتهما فات، بخلافه هنا فإن وقتهما باق لتمكنه منهم متى أراد. "وتسن المبادرة بطواف الإفاضة" يوم النحر "بعد رمي جمرة العقبة" والحلق "فيدخل مكة ويطوف ويسعى" بعد الطواف "إن لم يكن قد سعى" بعد طواف القدوم "ثم يعود إلى منى" ليصلي بها الظهر للاتباع في كل ذلك "ويبيت" وجوبًا "بها" أي بمنى معظم "ليالي أيام التشريق ويرمي" وجوبًا "كل يوم من أيام التشريق الجمرات الثلاث" وإنما يدخل وقته بالزوال فيرمي "بعد الزوال كل واحدة سبع حصيات ويشترط رمي" جمرة العقبة من أسفلها من بطن الوادي، وأما ما يفعله كثير من الجهلة من المرمي من أعلاها فباطل لا يعتد به ورمي "السبع الحصيات" إليها وإلى غيرها "واحدة واحدة" إلى أن تفرغ السبع للاتباع1 ولو بتكرير حصاة، فلو رمى حصاتين معًا فواحدة وإن وقعتا مرتبًا أو مرتبتين فثنتان وإن وقعتا معًا اعتبارًا بالرمي. "وترتيب الجمرات في أيام التشريق" بأن يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد   1 من حديث جابر الطويل، وفيه: "ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 والغروب فيها وكون المرمي حجرًا، وأن يسمى رميًا، وكونه باليد، وسننه: أن يكون بقدر حصى الخذف، ومن ترك رمي جمرة العقبة أو بعض أيام التشريق تداركه في باقيها، ومن أراد النفر من منى في ثاني أيام التشريق جاز.   الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة للاتباع1، فلا يعتد برمي الثانية قبل تمام الأولى ولا برمي الثالثة قبل تمام الأولتين، ويشترط تيقن السبع في كل جمرة فلو شك بنى على الأقل، ولو ترك حصاة وشك في محلها جعلها من الأولى فيرميها ثم يعيد رمي الأخيرتين لأن الموالاة بين الجمرات لا تشترط لكنها سنة، ويجب عدم الصارف في الرمي كالطواف وإصابة الحجر للمرمى يقينًا لا بقاؤه فيه وقصد الجمرة، فلو رمى إلى غيرها كأن رمى في الهواء أو إلى العلم المنصوب في الجمرة أو الحائط الذي بجمرة العقبة كما يفعله أكثر الناس لم يكف. "وأن يكون" الرمي "بين الزوال والغروب فيها" أي في أيام التشريق وهذا ضعيف فسيصرح هو بنفسه بأنه يتدارك في الباقي أداء، وقد تؤول عبارته هنا على أن هذا واجب على من أراد الرمي في وقت الاختيار، ويكون المراد بالوجوب فيه أنه لا بد منه في حصول ثواب وقت الاختيار. "وكون المرمي" به "حجرًا" ولو ياقوتًا وحجر حديد وبلور وعقيق وذهب وفضة لأنه صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وقال: "بمثل هذا فارموا" 2 وخرج بالحجر نحو اللؤلؤ وتبر الذهب والفضة والإثمد3 والنورة4 المطبوخة والزرنيخ5 والمدر6 والجص والآجر والخذف7 والملح والجواهر المنطبعة كالذهب والفضة. "وأن يسمى رميًا" فلا يكفي وضعه في الجمرة. "وكونه باليد" للاتباع فلا يجزئ بنحو القوس والرجل ولا بالمقلاع ولا بالفم، نعم إن عجز عنه باليد جاز بالرجل. "وسننه" كثيرة منها "أن يكون" الرمي باليد وبطاهر و"بقدر حصى الخذف" بالخاء والذال المعجمتين وهو حصى قدر الباقلاء لخبر مسلم: "عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به   1 روى البخاري في الحج باب 141 و142 و143 "حديث 1751 و1752 و1753" عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله". 2 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: "هات القط لي حصيات" , فلقطت له حصيات من حصى الخذف، فلما وضعتهن بيده قال: "بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين". رواه النسائي في المجتبى "5/ 268، 269" وأحمد في المسند "1/347" والحاكم في المستدرك "1/ 466". 3 الإثمد: عنصر معدني بلوري الشكل قصديري اللون صلب هش يوجد في حالة نقية وغالبًا متحدًا مع غيره من العناصر، يكتحل به "المعجم الوسيط: ص100". 4 النورة: حجر الكلس. 5 الزرنيخ: عنصر شبيه بالفلزات له بريق الصلب ولونه ومركباته سامة "المعجم الوسيط: ص393". 6 المدر: الطين اللزج المتماسك، والقطعة منه مدرة "المعجم الوسيط: ص858". 7 حصى الخذف: حصى صغار بحيث يمكن أن يرمى بأصبعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 فصل: "للحج تحللان" للحج تحللان: الأول يحصل باثنين من رمي جمرة العقبة والحلق، وطواف الإفاضة، وبالثالث يحصل التحلل الثاني: ويحل بالأول جميع المحرمات إلا النكاح وعقده والمباشرة بشهوة، وبالتحلل الثاني باقيها.   الجمرة" 1 ودونه وفوقه مكروه، ويكره أخذه من الحل والمسجد إن لم يكن جزءًا منه وإلا حرم ومن المرمى ومن موضع نجس وإن غسله لبقاء استقذاره كما يكره الأكل في إناء البول بعد غسله، ويؤيد ذلك استحباب غسل حصى الجمار قبل الرمي بها وإن أخذها من محل طاهر، ويجب على من عجز عن الرمي لنحو مرض أو حبس أن يستنيب من يرمي عنه، وإنه يجزئه ذلك إن أيس من القدرة في الوقت، واستناب من رمى عن نفسه وإلا وقع عن النائب. "ومن ترك رمي جمرة العقبة أو بعض أيام التشريق" جاز له "تداركه في باقيها" لأنه حينئذ يكون أداء إذ جميع يوم النحر وأيام التشريق وقت لأداء الرمي لأنه لو وقع قضاء لما دخله التدارك كالوقوف بعد فواته ولأن صحته مؤقتة بوقت محدود والقضاء ليس كذلك. ويجب عليه الترتيب بين الرمي المتروك ورمي يوم التدارك، فإن خالف وقع عن المتروك، فلو رمى إلى كل جمرة أربع عشرة حصاة سبعًا عن أمسه وسبعًا عن يومه لم يجزئه عن يومه، ويجزئ رمي المتدارك ليلا وقبل الزوال. "ومن أراد النفر من منى في ثاني أيام التشريق جاز" ولا دم عليه لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وإنما يجزئ ذلك بشرط أن يبيت الليلتين الأولتين، وإلا لم يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها حيث لم يكن معذورًا، ويطرد ذلك في الرمي أيضًا، وأن يكون نفره بعد الزوال والرمي وقبل الغروب، وإلا لم يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها، فإن غربت بعد ارتحاله وقبل انفصاله من منى فله النفر، وكذا إن غربت وهو في شغل الارتحال على ما في أصل الروضة2، لكن المصحح في الشرح الصغير ومناسك النووي3 أنه ممتنع عليه. فصل: "للحج تحللان" لطول زمنه وكثرة أفعاله كالحيض لما طال زمنه جعل له تحللان انقطاع الدم والغسل، بخلاف العمرة ليس لها إلا تحلل واحد وهو الفراغ من جميع أركانها لقصر زمانها غالبًا كالجنابة. "الأول: يحصل باثنين من" ثلاثة "رمي جمرة العقبة والحلق" يعني إزالة ثلاث شعرات "وطواف الإفاضة" المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.   1 رواه مسلم في الحج "حديث 268" من حديث الفضل بن العباس. 2 أي روضة الطالبين وعمدة المتقين للنووي. 3 مناسك النووي، وهي ثلاث نسخ: كبرى، ووسطى، وصغرى. انظر كشف الظنون "ص1832". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فصل: "في أوجه أداء النسكين" ويؤدي النسكان على أوجه أفضلها الإفراد إن اعتمر في سنة الحج وهو أن يحج ثم يعتمر ثم التمتع وهو أن يعتمر ثم يحج ثم القرآن بأن يحرم بهما أو بالعمرة ثم يحرم بالحج قبل الطوف، ويجب على المتمتع دم بأربعة شروط: الأول: أن لا يكون من أهل الحرم ولا بينه وبين الحرم دون مسافة القصر. الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج. الثالث: أن يكون في سنة واحدة. الرابع: أن لا يرجع إلى ميقات. وعلى القارن دم بشرطين: أن لا يكون من أهل الحرم، وأن لا يعود إلى الميقات بعد دخول مكة.   "وبالثالث" من الثلاثة المذكورة "يحصل التحلل الثاني ويحل بالأول" من التحللين "جميع المحرمات" على المحرم الآتية "إلا النكاح" أي الوطء "وعقده والمباشرة بشهوة" يحل "بالتحلل الثاني باقيها" وهو الثلاثة المذكورة. ولو أخر رمي يوم النحر عن أيام التشريق ولزمه بدله توقف التحلل على البدل ولو صومًا لقيامه مقامه، ويسن استعمال الطيب بين التحللين تأخير الوقت عن رمي أيام التشريق. فصل: "في أوجه أداء النسكين" "ويؤدي النسكان على أوجه أفضلها الإفراد" لأن رواته عنه صلى الله عليه وسلم أكثر، ولأن جابرًا رضي الله عنه منهم وهو أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك، ولأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أولا، وللإجماع على أنه لا كراهة فيه ولا دم، بخلاف التمتع والقرآن والجبر دليل النقص. ومحل أفضليته "إن اعتمر في سنة الحج" وإلا فالتمتع والقرآن أفضل منه لأنه يكره تأخير الاعتمار عنها "وهو أن يحج" أولا "ثم" بعد الحج "يعتمر" من سنته "ثم" يليه في الفضيلة "التمتع وهو أن يعتمر" أولا "ثم" بعد الفراغ من العمرة "يحج ثم" يليه في الفضيلة "القرآن" ثم الحج وحده ثم العمرة. والقرآن يحصل "بأن يحرم بهما" أي بالحج والعمرة معًا "أو بالعمرة" وحدها ولو قبل أشهر الحج "ثم يحرم بالحج قبل" شروعه في "الطواف" أما بعد شروعه فيه ولو بخطوة فلا يجوز إدخال الحج على العمرة لاتصال إحرامها بمقصوده وهو أعظم أفعالها فيقع عنها ولا ينصرف بعد ذلك إلى غيرها، ولو استلم الحجر بنية الطواف جاز إدخال الحج عليها لأنه مقدمته لا بعضه. "ويجب على المتمتع دم بأربعة شروط: الأول أن لا يكون من أهل الحرم ولا بينه وبين الحرم دون مسافة القصر" لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] والقريب من الشيء يسمى حاضرًا به، والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتًا عامًّا لأهله ولمن مر به، ولغريب توطن الحرم أو قريبًا منه حكم أهل محله في عدم الدم، بخلاف الآفاقي إذا تمتع ناويًا الاستيطان بمكة ولو بعد فراغ العمرة فإنه يلزمه الدم لأن الاستيطان لا يحصل بمجرد النية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فصل: "في دم الترتيب والتقدير ودم التمتع والقرآن وترك الإحرام من الميقات، وترك الرمي، والمبيت بمزدلفة ومنى، شاة أضحية، فإن عجز عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه.   "الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج" من ميقات بلده ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة وإن كان أجيرًا فيهما لشخصين. "الثالث: أن يكون" أي الإحرام بالعمرة ثم بالحج "في سنة واحدة" فإن أحرم بها في غير أشهره ثم أتمها ولو في أشهره ثم حج لم يلزمه دم لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه المفرد، ولأن دم العمرة منوط بربح الميقات وبوقوع العمرة بتمامها في أشهر الحج لأن الجاهلية1 كانوا لا يزاحمون بها الحج في وقت إمكانه، فرخص في التمتع للآفاقي مع الدم لمشقة استدامة الإحرام من الميقات وتعذر مجاوزته بلا إحرام، وكذا لا دم على من لم يحج من عامه لانتفاء المزاحمة التي ذكرناها. "الرابع: أن لا يرجع إلى ميقات" فلا دم على من حج من عامه لكن رجع إلى ميقات عمرته أو إلى مثل مسافته أو إلى ميقات آخر، وإن كان دون مسافة ميقاته سواء عاد محرمًا أو حلالا وأحرم منه بشرط أن يعود قبل تلبسه بنسك لأن المقتضي لإيجاب الدم وهو ربح الميقات قد زال بعوده إليه. "وعلى القارن دم بشرطين" الأول: "أن لا يكون من أهل الحرم" وهم المتوطنون به أو بمحل بينه وبينه دون مرحلتين لأن دم القران فرع دم التمتع لأنه وجب بالقياس عليه، ودم التمتع لا يجب على الحاضر ففرعه أولى. "و" الثاني: "أن لا يعود إلى الميقات بعد دخول مكة" فإن عاد إليه منها قبل وقوفه بعرفة وقبل التلبس بنسك آخر سقط الدم عنه في التمتع. فصل: في دم الترتيب والتقدير "ودم التمتع والقران وترك الإحرام من الميقات وترك الرمي والمبيت بمزدلفة ومنى" وترك طواف الوداع "شاة أضحية" صفة وسنًّا ويجزئ عنها سبع بدنة أو بقرة، ويجب بالفراغ   1 أي أهل الجاهلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فصل: طفي محرمات الإحرام" ... فصل: "في محرمات الإحرام" يحرم بالإحرام ستة أنواع: أحدها: يحرم على الرجل ستر رأسه أو بعضه ولبس محيط ببدنه أو عضو منه. وعلى المرأة ستر وجهها ولبس القفازين.   من العمرة وبالإحرام بالحج، فيجوز تقديمه على الإحرام بالحج لا على الفراغ من العمرة؛ لأن ما وجب بسببين يجوز تقديمه على أحدهما لا عليهما، والأفضل ذبحه يوم النحر "فإن عجز" عن الدم كأن لم يجده بموضعه أو وجده بأكثر من ثمن مثله أو غاب عنه ماله أو احتاج إلى صرف ثمنه في نحو مؤن سفره "صام" وجوبًا "عشرة أيام ثلاثة في الحج" إن تصور وقوعها فيه كالدماء الثلاثة الأول لا كالبقية، فيصوم الثلاثة عقب أيام التشريق، ووقت صوم التي في الحج من الإحرام به إلى يوم النحر، فلا يجوز تقديمها عليه ولا تأخيرها أو ما يمكن منها عنه. ويستحب له الإحرام بالحج قبل سادس الحجة ليتم صومها قبل يوم عرفة لأنه يسن للحاج فطره، ولا يجب عليه تقديم الإحرام لزمن تمكنه من صوم الثلاثة فيه قبل يوم النحر، بل إن أحرم قبل يوم عرفة لزمه الصوم أداء وإلا لزمه بعد أيام التشريق ويكون قضاء لا إثم فيه، ولو علم أنه يجد الدم قبل فراغ الصوم لم يجب انتظاره، وإذا لم يجده لم يجز تأخير الصوم، ولو وجده قبل الشروع فيه لزمه ذبحه لأن العبرة في الكفارة بحال الأداء أو بعد الشروع لم يلزمه. "وسبعة إذا رجع إلى وطنه" لا في الطريق لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وروى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال للمتمتعين: $"من كان معه هدي فليهد ومن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله"1, ومن توطن بمكة بعد فراغ الحج صام بها وإلا فلا، ومتى لم يصم الثلاثة في الحج لزمه صوم الثلاثة قضاء كما مر والسبعة أداء والتفريق بين الثلاثة والسبعة بأربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق في الدماء الثلاثة الأول وبيوم في البقية، ومدة إمكان السير إلى أهله على العادة الغالبة كما في الأداء فلو صام العشرة ولاء حصلت الثلاثة فقط. فصل: في محرمات الإحرام "يحرم بالإحرام" المقيد والمطلق "ستة أنواع: أحدها يحرم على الرجل ستر رأسه أو بعضه" كالبياض الذي وراء الأذن بما يعد ساترًا عرفًا كعصابة ومرهم وطين وحناء ثخينين بخلاف ستره بماء وخيط شد به رأسه وهودج استظل به وإن مس رأسه ووضع كفه وكف غيره، وكذا محمول كقفة على رأسه ما لم يقصد الستر به وتوسد وسادة وعمامة لأن ذلك لا يعد ساترًا، ويجب عليه كشف شيء من مجاور رأسه ليتحقق كشفه الواجب. "و" يحرم عليه   1 رواه البخاري في الحج باب 104، ومسلم في الحج "حديث 173", وأبو داود في المناسك باب 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الثاني: الطيب في بدنه أو ثوبه.   أيضًا "لبس محيط" بالحاء المهملة سواء أحاط "ببدنه أو عضو منه" أو نحوه كخريطة لحيته سواء كان المحيط زجاجًا شفافًا أو مخيطًا كالقميص أو منسوجًا كالدرع1 أو معقودًا أو ملزقًا كالثوب من اللبد2 ولا بد من لبسه كالعادة وإن لم يدخل اليد في الكم وإن قصر الزمن، بخلاف ما لو ألقى على نفسه فرجية3 وهو مضطجع وكان بحيث لو قعد لم تستمسك عليه إلا بمزيد أمر فلا حرمة ولا فدية، كما لو ارتدى أو اتزر بقميص أو سراويل أو بإزار لفقه4 من رقاع أو أدخل رجليه في ساق الخف, أو التحف بنحو عباءة ولف عليه منه طاقات أو تقلد نحو سيف أو شد نحو منطقة في وسطه أو عقد الإزار رتكة في معقده أو شده بخيط أو شد طرفه في طرف ردائه بخلاف شد طرفي ردائه بخيط أو بدونه أو خللهما بخلال فإنه يجوز وفيه الفدية كما لو جعل له في إزار عروات تباعدت. "و" يحرم "على المرأة ستر وجهها" بما مر في الرأس دون ستر بقية بدنها بالمخيط أو غيره من الملبوسات فإنه لا يحرم لما ورد بسند حسن: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب"5, ويعفى عما تستره من الوجه احتياطًا للرأس سواء في ذلك الحرة والأمة، ولها أن ترخي على وجهها ثوبًا متجافيًا بخشبة أو غيرها، ولو لغير حاجة، ثم إن أصابه باختيارها أبو غير اختيارها ولم ترفعه فورًا أثمت ولزمتها الفدية. "و" يحرم عليها أيضًا "لبس القفازين" بالكفين أو أحدهما بأحدهما للخبر السابق أو غيره وهو شيء يعمل لليدين يزر على اليد سواء المحشو وغيره، ويجوز ستر يديها بغيرهما ككم وخرقة. "الثاني: الطيب" فيحرم على كل من الرجل والمرأة ولو أخشم6 "في" ظاهر "بدنه" أو في باطنه كأن أكله أو احتقن أو استعط به "أو ثوبه" أي ملبوسه حتى نعله للنهي عنه في الثوب7 وقيس به البدن، والمراد بالطيب هنا ما يقصد ريحه غالبًا كمسك وعود وورس8   1 الدرع: قميص المرأة، وهو أيضًا ثوب صغير تلبسه الجارية في البيت "المعجم الوسيط: ص280". 2 اللبد "بفتح اللام والباء": الصوف. 3 الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام يتزيا به علماء الدين "المعجم الوسيط: ص679". 4 لفق بين الثوبين: لأم بينهما بالخياطة "المعجم الوسيط: ص833". 5 رواه الإمام أحمد في مسنده "2/ 22، 32". 6 خشم الإنسان خشمًا فهو أخشم: أصابه داء في أنفه فأفسده فصار لا يشم "المعجم الوسيط: ص236". 7 روى البخاري في جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة "حديث 1838" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئًا مسه زعفران ولا ورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين". 8 الورس: نبت من الفصيلة القرنية ينبت في بلاد العرب والحبشة والهند "المعجم الوسيط: ص1025". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الثالث: دهن شعر الرأس واللحية. الرابع: إزالة الشعر والظفر، فإن لبس أو تطيب أو دهن شعرة أو باشر بشهوة أو   ونرجس وريحان فارسي، ومثله الكاذي1 والفاغية2 ونيلوفر3 وبنفسج وورد وبان4 ودهنها وهو ما طرحت فيه لا ما طرح سمسمه بها، بخلاف ما يقصد به التداوي أو الأكل وإن كان له رائحة طيبة كتفاح وأترج5 وقرنفل وسنبل وسائر الأبازير الطيبة ولو استهلك الطيب في غيره جاز استعماله وأكله، وكذا إن بقي لونه فقط بخلاف بقاء الطعم مطلقًا أو الريح ظاهرًا أو خفيًّا لكنه يظهر برش الماء عليه ثم المحرم من الطيب مباشرته على الوجه المعتاد فيه بأن يلصقه بيده أو ملبوسه، فلا يضر مس طيب يابس عبق به ريحه لا يعينه ولا حمل العود وأكله، وكذا ريحه بالجلوس عند متجمر6 وشم الورد من غير أن يلصقه بأنفه وشم مائه من غير أن يصبه على بدنه أو ملبوسه، وحمل نحو مسك في خرقة مشدودة أو فأرة7 غير مشقوقة. "الثالث: دهن شعر الرأس واللحية" ولو من امرأة وإن كانا محلوقين بدهن ولو غير مطيب كسمن وزبد وشحم وشمع ذائبين ومعتصر من حب كزيت لخبر: $"المحرم أشعث أغبر"8 أي شأنه المأمور به ذلك بخلاف اللبن وإن كان أصل السمن لأنه لا يسمى دهنًا، ونحو الشارب والحاجب مما يقصد تنميته ويتزين به من شعر الوجه كالرأس واللحية فيما ذكر، ولا يحرم دهن رأس أقرع وأصلع ولا ذقن أمرد ولا سائر شعور بدنه لانتفاء المعنى. "الرابع: إزالة" شيء وإن قل من "الشعر و" كذا من "الظفر" لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أي شعورها وقيس به شعر بقية البدن وبالحلق غيره لأن المراد الإزالة، وبإزالة الشعر إزالة الظفر بجامع الترفه في الجميع، ويستثنى من ذلك شعر نبت بعينه وتأذى به أو طال بحيث يستر بصره وظفر انكسر فلا إثم عليه بقطع المؤذي فقط، ومما يحرم عليه أيضًا مقدمات الجماع إن كانت عمدًا بشهوة ويحرم على الحلال تمكينه منها ولو بين التحللين،   1 الكاذي: دهن عطري طيب الرائحة يصنع من زهر الكاذي، وهو شجر عظام من الفصيلة الكاذية، لزهره رائحة جميلة "المعجم الوسيط: ص781". 2 الفاغية: نور الحناء خاصة؛ والفاغية أيضًا نور كل نبت ذي رائحة طيبة "المعجم الوسيط، ص696". 3 النيلوفر: جنس نباتات مائية من الفصيلة النيلوفرية، فيه أنواع تنبت في الأنهار والمناقع وأنواع تزرع في الأحواض لورقها وزهرها، ومن أنواعه اللوطس "المعجم الوسيط: ص967". 4 البان: ضرب من الشجر سبط القوام لين ورقه كورق الصفصاف "المعجم الوسيط: ص77". 5 الأترج: شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون ذكي الرائحة حامض الماء "المعجم الوسيط: ص4". 6 المتجمر: الذي يبخر ثوبه بالمجمر وهو العود "المعجم الوسيط: ص133". 7 فأرة المسك: وعاؤه الذي يجتمع فيه. 8 لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 استمنى فأنزل عامدًا عالمًا مختارًا لزمه، أو أزال ثلاثة أظفار أو أكثر متواليًا أو ثلاث شعرات أو أكثر متواليات ولو ناسيًا وجب ما يجزئ في الأضحية، أو إعطاء ستة مساكين   وإن لم ينزل حتى النظر لكن بشهوة بخلاف الدم فإنه لا يجب إلا في مباشرة عمدًا بشهوة كما يأتي. واعلم أن هذه المحرمات المذكورة يجب في كل منها دم وأنه دم تخيير وتقدير. "فإن لبس أو تطيب أو دهن" ولو "شعرة أو باشر بشهوة أو استمنى" بيده أو بيد غيره "فأنزل" وكان قد فعل اللبس أو ما بعده حال كونه "عامدًا عالمًا مختارًا لزمه" الدم الآتي بخلاف ما لو فعل شيئًا منها ناسيًا للإحرام أو مكرهًا عليه أو جاهلا بتحريمه أو بكون الممسوس طيبًا أو رطبًا لعذره، فإن علم التحريم وجهل وجوب الفدية لزمته لأن حقه الامتناع، وإن علمه بعد نحو اللبس جهلا وأخر إزالته فورًا مع الإمكان عصى ولزمته الفدية أيضًا، وتلزمه أيضًا إن لبس أو ستر لحاجة كحر، نعم للعاجز عن تاسومة1 وقبقاب2 لبس سرموزة3 وزربول4 لا يستر الكعبين وخف قطع أسفل كعبيه وعن إزار لبس سراويل ولا دم في ذلك، ولو فقد الرداء ارتدى بالقميص ولا يلبسه أو النعل أو الإزار لم يلزمه قبول شرائه نسيئة ولا هبته ويلزمه قبول عاريته، ومحل لزوم دم مقدمات الجماع ما لم يجامع وإلا اندرجت في بدنته، وخرج بقوله باشر ما لو نظر بشهوة أو قبل بحائل كذلك فإنه لا دم عليه وإن أنزل فيهما لكنه يأثم كما مر، وهذا مستثنى من قاعدة أن كل ما حرم بالإحرام فيه الفدية، ومن المستثنى أيضًا عقد النكاح والاصطياد إذا أرسل الصيد والتسبب في إمساك ونحوه حتى قتل غيره الصيد "أو أزال ثلاثة أظفار أو أكثر متواليًا" بأن اتحد الزمان والمكان "أو" أزال "ثلاث شعرات أو أكثر متواليات" بأن اتحد ما ذكر "ولو" أزال ذلك حال كونه "ناسيًا" للإحرام أو لحرمته أو جاهلا بحرمته "وجب" عليه الدم الآتي للآية5، وكسائر الإتلافات والشعر يصدق بالثلاث، وكذا الأظفار، وفارق هذا ما قبله حيث أثر فيه الجهل والنسيان لأنه تمتع وهو يعتبر فيه العلم والقصد، وفارق ما لو أزالها مجنون أو مغمى عليه أو صبي لا يميز فإنه لا فدية عليهم بأن الناسي والجاهل يعقلان فعلهما فينسبان إلى تقصير بخلاف هؤلاء، ولو أزال الشعر أو الظفر بقطع الجلد أو العضو لم يجب شيء؛ لأن ما أزيل تابع غير مقصود بالإزالة، ويجوز الحلق لأذى   1 التاسومة: نوع من النعال. 2 القبقاب: النعال تتخذ من خشب وشراكها من جلد أو نحوه "المعجم الوسيط: ص712". 3 السرموزة: البابوج. 4 لم أعثر عليها. 5 الآية 196 من سورة البقرة: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 أو فقراء كل مسكين نصف صاع أو صوم ثلاثة أيام، وفي شعرة أو ظفر مد أو صوم يوم وفي شعرتين أو ظفرين مدان أو يومان. الخامس: الجماع؛ فإذا جامع عامدًا عالمًا مختارًا قبل التحلل الأول في الحج وقبل الفراغ من العمرة فسد نسكه ووجب إتمامه وقضاؤه على الفور، وبدنه، فإن عجز فبقرة   نحو قمل وجرح وفيه الفدية ويأثم الحالق بلا عذر والفدية على المحلوق حيث أطاق الامتناع منه أو من نار أحرقت شعره لأنه في يده أمانة ولزمه دفع متلفاته، فإن لم يطق امتناعًا فعلى الحالق وللمحلوق مطالبته بها لأن نسكه يتم بأدائها. واعلم أن هذه المحظورات إما استهلاك كالحلق أو استمتاع كالتطيب وهما أنواع، ولا يتداخل فداؤها إلا إن اتحد النوع كتطيبه أو لبسه بأصناف أو بصنف مرتين فأكثر أو حلق شعر رأسه وذقنه وبدنه واتحد الزمان والمكان عادة ولم يتخلل بينهما تكفير، ولم يكن مما يقابل بمثل أو نحو لأن ذلك يعد حينئذ خصلة واحدة، نعم لو جامع فأفسد ثم جامع ثانيًا لم يتداخل لاختلاف الواجب وهو بدنة في الأول وشاة في الثاني، فإن اختلف النوع كحلق وقلم تعددت مطلقًا ما لم يتحد الفعل كأن لبس ثوبًا مطيبًا أو طلى رأسه بطيب أو باشر بشهوة عند الجماع وتتعدد أيضًا باختلاف مكان الحلقين أو اللبسين أو التطيبين أو زمانهما، ويتخلل تكفير وإن نوى بالكفارة الماضي والمستقبل ولا تداخل بين صيود وأشجار. والدم الواجب هنا هو "ما يجزئ في الأضحية" صفة وسنًّا ومنه سبع بدنة أو بقرة "أو إعطاء ستة مساكين أو فقراء" ثلاثة آصع "كل مسكين نصف صاع" وهو نحو قدح مصري إذ الصاع قدحان بالمصري تقريبًا كما مر في زكاة النبات "أو صوم ثلاثة أيام" فهو مخير بين هذه الثلاثة "وفي شعرة أو ظفر مد" من الطعام وهو نصف قدح لعسر تبعيض الدم هذا إن اختار الدم، أما إذا اختار الإطعام فواجبه صاع "أو" الصوم فواجبه "صوم يوم" على ما نقله الإسنوي وغيره واعتمدوه لكن خالفهم آخرون "وفي شعرتين أو ظفرين مدان" أو صاعان "أو يومان" نظير ما ذكر في الشعرة. "الخامس" من محرمات الإحرام: "الجماع فإذا جامع" في قبل أو دبر ولو لبهيمة أو مع حائل وإن كثف "عامدًا عالمًا مختارًا قبل التحلل الأول في الحج وقبل الفراغ من" جميع أعمال العمرة في "العمرة فسد نسكه" وإن كان المجامع رقيقًا أو صبيًا للنهي عنه فيه بقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197] أي فلا ترفثوا أي لا تجامعوا، والأصل في النهي اقتضاء الفساد، والعمرة كالحج، أما الجماع بين تحلليه فلا يفسد وإن حرم لضعف الإحرام حينئذ وخرج بالقيود المذكورة أضدادها فلا فساد نظير ما مر في التمتع بنحو اللبس لأن الجماع من أنواع التمتعات. "ووجب" على المجامع المفسد "إتمامه" أي النسك الذي أفسده كما صح بأسانيد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم. "وقضاؤه على الفور" وإن كان نسكه تطوعًا لأنه يلزم بالشروع فيه ويقع كالفاسد، فإن كان فرضًا أو تطوعًا فلا يصح جعله عن نسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فإن عجز فسبع شياه فإن عجز فطعام بقيمة البدنة فإن عجز صام بعد الأمداد. السادس: اصطياد المأكول البري أو المتولد منه ومن غيره، ويحرم ذلك في الحرم على الحلال، ويحرم قطع نبات الحرم الرطب وقلعه إلا الإذخر والشوك وعلف البهائم   ووجب أن يحرم به من مكان إحرامه بالأداء إن أحرم به قبل الميقات وإلا فمن الميقات، وإنما لم يتعين الزمن الذي أحرم منه بالأداء لانضباط المكان بخلاف الزمان، فإن أفسد القضاء فكفارة أخرى وقضاء واحد لأن المقضي واحد فلا يلزمه أكثر منه ويجب عليه كفارة "و" هي دم ترتيب وتعديل فتلزمه "بدنة" تجزئ في الأضحية إن كان نسكه نفلا. "فإن عجز" عنها "فبقرة" تجزئ في الأضحية. "فإن عجز" عنها "فسبع شياه" تجزئ فيها "فإن عجز فطعام بقيمة البدنة" يتصدق به على مساكين الحرم. "فإن عجز صام بعدد الأمداد" ويكمل المنكسر. "السادس" من المحرمات على المحرم: "اصطياد المأكول البري" الوحشي "أو المتولد منه ومن غيره" كمتولد بين حمار وحشي وحمار أهلي، أو بين شاة وظبي، أو بين ضبع وذئب لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] أي التعرض له بأي وجه من أوجه الإيذاء حتى بالتنفير {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 196] وخرج بما ذكر المتولد بين وحشي غير مأكول وإنسي مأكول كالمتولد بين ذئب وشاة أو بين غير مأكول أحدهما وحشي كالذي بين حمار وذئب أو بين أهليين أحدهما غير مأكول كالبغل، فلا يحرم التعرض لشيء منها كإنسي وإن توحش وبحري إلا إن عاش في البر كطيره الذي يغوص فيه، ولو شك في كونه مأكولا أو بريًّا أو متوحشًا لم يجب الجزاء بل يندب، ويحرم التعرض أيضًا لسائر أجزائه كبيضه ولبنه ويضمن بالقيمة ويجب مع الجزاء قيمته لمالكه إن كان مملوكًا، ومن أحرم وفي ملكه صيد زال ملكه عنه ولزمه إرساله ولو بعد التحلل، ومن أخذه قبل إرساله ملكه ولا يجب إرساله قبل الإحرام. "ويحرم ذلك" أي التعرض بأي وجه كان للصيد المذكور "في الحرم على الحلال" ولو كافرًا ملتزمًا للأحكام تعظيمًا للحرم سواء أرسل الحلال كلبًا أو سهمًا من الحل على صيد كلبه أو قائمة من قوائمه في الحرم واعتمد عليها أو عكسه تغليبًا للحرمة، وإنما لم يضمن صيدًا سعى من الحرم إلى الحل، ومن الحل إلى الحرم، لكن سلك في أثناء سعيه الحرم ثم قتله لأن ابتداء الاصطياد من حين الرمي أو نحوه لا من حين السعي، ولذا سنت التسمية عند الأول دون الثاني، ولو أخرج يده من الحرم ونصب شبكة في الحل فتعلق بها صيد لم يضمنه، ولا عبرة بكون غير قوائمه في الحرم كرأسه، والعبرة في النائم بمستقره؛ نعم إن أصاب الجزء الذي في الحرم ضمنه وإن كان مستقرًّا على غيره، ولو كانا في الحل ومر السهم في الحرم ضمنه، وكذا الكلب إن تعين الحرم طريقًا له لأن له اختيارًا. "ويحرم" على الحلال والمحرم "قطع نبات الحرم" من الشجر والحشيش "الرطب وقلعه" مباحًا كان أو مملوكًا حتى ما يستنبته الناس لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 والدواء والزرع، ويحرم قلع الحشيش اليابس دون قطعه، ثم إن أتلف صيدًا له مثل من النعم ففيه مثله، وإن لم يكن له مثل ففيه قيمة، ففي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الظبية شاة وفي الحمامة شاة، ويتخير في المثلي بين ذبح مثله في   هذا البلد حرام بحرمة الله لا يعضد شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه" 1 والعضد القطع، وإذا حرم القطع فالقلع أولى، والخلا بالقصر الحشيش الرطب، وقيس بمكة سائر الحرم وخرج بالرطب اليابس فيجوز قطعه وقلعه، ولو غرست حرمية في الحل لم تنتقل الحرمة عنها أو حلية في الحرم لم يكن لها حرمة ولا يضمن غصنًا أصله في الحل ويضمن صيدًا فوقه بخلاف غصن في الحل وأصله في الحرم فإنه يضمنه دون صيد فوقه، ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم الأصل، ويحرم قطع شجرة أصلها في الحل والحرم، ويحرم قطع غصن لا يخلف مثله في سنته ويضمنه وقطع ورق الشجر إن كان بخبط يضرها "إلا الإذخر" فلا يحرم قطعه ولا قلعه للتسقيف أو غيره لاستثنائه في الخبر الصحيح2. "و" إلا "الشوك" وإن لم يكن في الطريق والأغصان المؤذية في الطريق كالصيد المؤذي. والجواب عن خبر: "ولا يعضد شوكها" أنه يتناول المؤذي وغيره فخص بغير المؤذي بالقياس على قتل الفواسق الخمس. "و" إلا "علف البهائم والدواء" أي ما يتداوى به كالحنظل إن وجد السبب لا قبله وما يتغذى به كالرجلة3 والبقلة فيجوز أخذه للحاجة إليه ولا يقطع لذلك إلا بقدر الحاجة، ولا يجوز قطعه للبيع ممن يعلف أو يتداوى به ويجوز رعي الحشيش والشجر بالبهائم "و" إلا "الزرع" كالحنطة والشعير والذرة والبقول والخضراوات فيجوز قطعه وقلعه ولا ضمان فيه. "ويحرم قلع الحشيش" والشجر "اليابس" إن لم يمت؛ لأنه لو لم يقلعه لنبت فإن قلعه أثم وضمنه فإن مات جاز ولا ضمان "دون قطعه" فإنه يجوز ولا فدية فيه، ولو أخلف ما قطع من الأخضر فلا ضمان وإلا ضمنه بالقيمة. "ثم" اعلم أن دم جزاء الصيد والشجر دم تخيير وتعديل فحينئذ "إن أتلف صيدًا له مثل من النعم ففيه مثله" تقريبًا لا باعتبار القيمة بل بالصورة والخلقة. "وإن لم يكن له مثل ففيه قيمة" في موضع الإتلاف ووقته "ففي النعامة" ذكرًا أو أنثى "بدنة" كذلك ولا تجزئ عنها بقرة ولا سبع شياه أو أكثر لأن جزاء الصيد يراعى فيه المماثلة. "وفي بقر الوحش وحماره بقرة وفي الظبية شاة" وفي الظبي تيس "وفي الحمامة"   1 رواه البخاري في العلم باب 37 وفي مواضع أخرى من صحيحه، ومسلم في الحج حديث 446، وأبو داود في المناسك باب 89، والترمذي في الحج باب 1، والنسائي في المناسك باب 111، وابن ماجه في المناسك باب 103؛ وغيرهم كثير. 2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في الحاشية السابقة: "إلا الإذخر". 3 الرجلة: البقلة الحمقاء، وهي بقلة سنوية عشبية لحمية لها بزور دقاق، يؤكل ورقها مطبوخًا ونيئًا "المعجم الوسيط: ص332". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الحرم، والتصدق به فيه، وبين التصدق بطعام بقيمة المثل، والصيام بعدد الأمداد، وفيما لا مثل له كالجراد يتخير بين إخراج طعام بقيمته والصيام بعدد الأمداد، ويجب في الشجرة الكبيرة بقرة لها سنة، وفي الشجرة الصغيرة التي هي كسبع الكبيرة شاة يتخير بين ذبح ذلك والتصدق بقيمته طعامًا والصيام بعدد الأمداد، وفي الشجرة الصغيرة جدًّا قيمتها، يتصدق بقدرها طعامًا أو يصوم بعدد الأمداد.   ونحوها من كل مطوق1 يعب2 ويهدر3 "شاة" من ضأن أو معز بحكم الصحابة رضوان الله عليهم ومستنده توقيف بلغهم وإلا فالقياس القيمة، وفي الثعلب شاة وفي الأرنب عناق وهي أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة، وفي اليربوع والوبر4 جفرة وهي أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، وفي الضب وأم حبين5 جدي، ويحكم فيما لا نص فيه غير ما ذكر بالمثل عدلان فقيهان بباب الشبه ويفدى الصغير والصحيح والهزيل وأضدادها بمثله ولو أعور يمين بيسار ويجزئ الذكر عن الأنثى وعكسه، ويجب في الحامل حامل ولا تذبح بل تقوم. "ويتخير في المثلي بين ذبح مثله في الحرم" ولا يجزئ ذبحه في غيره وإن تصدق به فيه "والتصدق به" أي بجميعه "فيه" أي في الحرم على مساكينه بأن يفرق لحمه عليهم ولا يملكهم جملته مذبوحًا والقاطنون أولى هنا وفي نظائره. "وبين التصدق بطعام" يجزئ في الفطرة "بقيمة المثل" في مكة على ما ذكر "والصيام" في أي محل شاء "بعدد الأمداد" ويكمل المنكسر ولا يجزئ إعطاؤهم المثل قبل الذبح ولا إعطاؤهم دراهم، والأصل في ذلك آية {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] وإنما اعتبرت قيمة المثلي بمكة عند العدول عن ذبح مثله لأنها محل ذبحه فاعتبرت قيمته بها عند العدول عن ذلك. "وفيما لا مثل له كالجراد" وغير الحمام من الطيور سواء الأصغر منه والأكبر "يتخير بين إخراج طعام بقيمته" يجزئ في الفطرة على مساكين الحرم "والصيام بعدد الأمداد" والمنكسر منها ويرجع في القيمة هنا وفيما مر إلى عدلين. "ويجب في الشجرة" الحرمية "الكبيرة" بأن تسمى كبيرة عرفًا "بقرة" رواه الشافعي عن ابن عباس رضي الله عنهم، ومثله لا يقال إلا بتوقيف سواء أخلفت الشجرة أم لا، ويجوز إخراج بدنة عنها، وإنما لم تجزئ عنها ولا عن الشاة في جزاء الصيد لأنهم راعوا المثلية ثم لا هنا، ويجب في البقرة أن يكون "لها سنة" بل سنتان تامتان إذ لا بد من إجزائها في الأضحية على المعتمد. "و" يجب "في الشجرة" الحرمية "الصغيرة" عرفًا وهي "التي هي   1 المطوق من الحمام ونحوه: ما كان له طوق في عنقه أي دائرة من الشعر تخالف سائر لونه "المعجم الوسيط: ص571". 2 عب الماء عبا: شربه بلا تنفس ومص "المعجم الوسيط: ص579". 3 يهدر: يرد صوته. 4 الوبر: حيوان من ذوات الحافر في حجم الأرنب، أطحل اللون، أي بين الغبرة والسواد، قصير الذنب، يحرك فكه السفلي كأنه يجتر "المعجم الوسيط: ص1008". 5 أم حبين: دويبة كالحرباء عظيمة البطن "لسان العرب: 13/ 106". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فصل: "في موانع الحج" ويجوز للأبوين منع الولد غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة دون الفرض، وللزوج منع الزوجة من الفرض والمسنون، وللسيد منع رقيقه من ذلك فرضًا أو   كسبع الكبيرة" تقريبًا "شاة" وتجب أيضًا فيما جاوزت سبع الكبيرة ولم تنته إلى حد الكبر لكن تكون الواجبة فيها أعظم من الشاة الواجبة في سبع الكبيرة، والدم هنا تخيير وتعديل كما مر في جزاء الصيد، فحينئذ "يتخير بين ذبح ذلك" والتصدق به كما مر. "والتصدق بقيمته طعامًا" يجزئ في الفطرة نظير ما مر أيضًا "والصيام بعدد الأمداد" والمنكسر منها "وفي الشجرة" الحرمية "الصغيرة جدًّا قيمتها" تخييرًا وتعديلا أيضًا فحينئذ "يتصدق بقدرها" أي القيمة "طعامًا" يجزئ في الفطرة "أو يصوم بعدد الأمداد" والمنكسر منها. فصل: في موانع الحج وهي ستة: الأول: الأبوة "ويجوز للأبوين" أي لكل منهما وإن علا أو كان هناك أقرب منه "منع الولد" وإن سفل "غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة" ابتداء ودوامًا لأنه أولى باعتبار إذنهما من فرض الكفاية المعتبر فيه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر الصحيحين لرجل استأذنه في الجهاد "ألك أبوان؟ " قال: نعم، قال: "استأذنتهما؟ " قال: لا قال: "فيهما فجاهد" 1 أما المكي ونحوه فليس لهما منعه على ما بحثه الأذرعي لقصر السفر "دون الفرض" فليس لهما منعه منه لا ابتداء ولا إتماما لأنه فرض عين بخلاف الجهاد، ويشمل ذلك من لم يحج حجة الإسلام فليس لهما منعه منها وإن كان فقيرًا على احتمال فيه؛ لأنه إذا تكلفها تجزئه عن حجة الإسلام فتقع فرضًا، ويسن استئذانهما في الفرض أيضًا. الثاني: الزوجية يسن له الحج بزوجته للأمر به في الصحيحين، ويسن لها أن لا تحرم بغير إذنه، نعم يمتنع على الأمة ذلك إلا بإذن الزوج والسيد. والفرق أن الحج لازم للحرة فتعارض في حقها واجبان الحج وطاعة الزوج فجاز لها الإحرام وندب لها الاستئذان، بخلاف الأمة لا يجب عليها الحج، ولذا حرم على الزوجة صوم النفل بغير إذنه لا الفرض، وقياسه أنه يحرم على الحرة الإحرام هنا بالنفل بغير إذن. "وللزوج منع الزوجة من" النسك "الفرض   1 رواه البخاري في الجهاد باب 138 والأدب باب 3، ومسلم في البر والصلة حديث 5، وأبو داود في الجهاد باب 31، والنسائي في الجهاد باب 6، وأحمد في المسند "2/ 165، 172، 188، 193، 197، 221". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 سنة، فإن أحرموا بغير إذنهم تحللوا هم. والمحصر عن الحج والعمرة بذبح ما يجزئ في الأضحية، ثم الحلق مع اقتران نية التحلل بهما، ومن عجز عن الذبح أطعم بقيمة الشاة، فإن عجز صام بعدد الأمداد، والرقيق يتحلل بالنية مع الحلق فقط، ويتعين محل الإحصار   والمسنون" لأن حقه على الفور والنسك على التراخي، ويفارق الصوم والصيام بطول مدته بخلافهما. نعم إن سافرت معه بإذنه وأحرمت بحيث لا يفوت عليه استمتاعها البتة بأن كان محرمًا وكان إحرامها يفرغ قبل إحرامه أو يفرغان معًا لم يكن له منعها لأنه تعنت، وليس له منعها من نذر معين قبل النكاح أو بعده لكن بإذنه، ولا منع الحابسة نفسها لقبض المهر لأن لها السفر بغير إذنه. الثالث: الرق فإذا أحرم قن بإذن سيده لم يحلله وإن أفسده؛ لأنه عقد لازم عقده بإذنه ولمشتريه الفسخ إن جهل إحرامه ويحرم عليه الإحرام بغير إذن سيده. "وللسيد منع رقيقه" ولو مكاتبًا وأم ولد ومبعضًا ليس بينه وبين سيده مهايأة1 أو بينهما مهايأة والنوبة للسيد "من ذلك" أي النسك "فرضًا" كان "أو سنة" لأن منافعه مستغرقة للسيد "فإن أحرموا" أي الفرع والزوجة والقن "بغير إذنهم" أي الأصل والزوج والسيد جاز لهم تحليلهم بأن يأمروهم به فيلزمهم حينئذ التحلل، فإن امتنعت الزوجة والأمة مع تمكنها منه فللزوج والسيد وطؤهما وسائر الاستمتاع بهما والإثم عليهما دونه، وليس للفرع والزوجة التحلل بغير أمر، بخلاف العبد فإن له ذلك بغير أمر السيد، ويفرق بأن معصيته أشد لملك السيد منافعه وعدم مخاطبته بالنسك بخلافهما في جميع ذلك، وإنما لم يلزمه بغير إذن وإن كان الخروج من المعصية واجبًا لكونه تلبس بعبادة في الجملة مع جواز رضا السيد بداومه، وإذا أمروهم "تحللوا" وجوبًا كما تقرر. الرابع: الإحصار العام بأن يمنع المحرم عن المضي في نسكه من جميع الطرق إلا بقتال أو بذل مال فلهم حينئذ التحلل وإن اتسع الوقت ولو منعوا من الرجوع أيضًا. الخامس: الإحصار الخاص فإذا حبس ظلمًا أو بدين وهو معسر فله التحلل. السادس: الدين وليس للدائن التحليل وله منعه من السفر إلا إن أعسر أو تأجل الدين وإن لم يبق من أجله إلا لحظة وإذا تحلل الثلاثة الأول "هم والمحصر" بقسميه "عن الحج، و" كذا عن "العمرة" فليكن تحللهم "بذبح ما يجزئ في الأضحية ثم" بعد الذبح "الحلق مع اقتران نية التحلل بهما" أي بالذبح والحلق "ومن عجز عن الذبح" بالطريق السابق في دم نحو التمتع "أطعم بقيمة الشاة فإن عجز" عن الإطعام "صام بعدد الإمداد" والمنكسر "والرقيق" وكذا الحر الذي لم يجد دمًا أو طعامًا "يتحلل بالنية مع الحلق فقط ويتعين محل الإحصار" من   1 تهايأ القوم على الأمر: توافقوا وتمالئوا "المعجم الوسيط: ص1002". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ولا قضاء عليهم، ومن شرط التحلل لفراغ زاد أو مرض أو غير ذلك جاز، ويتحلل من فاته الوقوف بطواف وسعي وحلق، ويقضي وعليه دم كدم المتمتع ويذبحه في حجة القضاء، وكل دم وجب يجب ذبحه في الحرم إلا دم الإحصار، والأفضل في الحج في منى، وفي العمرة المروة في أي وقت شاء، ويصرفه إلى مساكينه.   الحل وإن أمكنه بعثه إلى طرق الحرم للذبح وتفرقة اللحم وتفرقة الطعام ولما لزمه من سائر الدماء لأنه صار في حقه كالحرم في حق غيره ولا يتعين للصوم محل، ويتوقف التحلل على الذبح أو الإطعام لا على الصوم لطول مدته. "ولا قضاء عليهم" إذا تحللوا لأنه لا تقصير منهم بل الأمر كما كان قبل الإحرام، فإن أحصر في قضاء أو نذر معين في عام حصره بقي في ذمته كما كان، وكذا حجة الإسلام أو النذر إذا استقرت بأن وجدت فيها شروط الاستطاعة قبل حصره، وإن أحصر في حج تطوع أو إسلام أو نذر لم يستقر لم يلزمه شيء في التطوع أصلا ولا في الأخيرين حتى يستطيع. "ومن شرط التحلل" من إحرامه عند الشروع فيه "لفراغ زاد أو مرض أو غير ذلك" كضلال طريق وخطأ في العدد "جاز" وحينئذ فله التحلل به كما له أن يخرج من الصوم فيما لو نذره بشرط أن يخرج منه بعذر، ثم إن شرطه بهدي لزمه أو بلا هدي أو أطلق لم يلزمه فيكون تحلله بالنية فقط، ولو قال: إن مرضت فأنا حلال فمرض صار حلالا بنفس المرض وله شرط قلب حجه عمرة بنحو المرض، وإنما لم يجز التحلل بنحو المرض بلا شرط كالإحصار لأن التحلل لا يفيد زوال نحو المرض بخلاف التحلل بالإحصار بل يصبر حتى يزول عذره، فإن كان محرمًا بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة. "ويتحلل من فاته الوقوف" بعرفة وجوبًا فيحرم عليه استدامة إحرامه إلى قابل لزوال وقته كالابتداء، فلو استدامه حتى حج به من قابل لم يجز ويكون تحلله "بطواف وسعي" إن لم يكن سعي بعد طواف القدوم. "وحلق" بنية التحلل وإن لم ينو العمرة ولا تجزئه عن عمرة الإسلام ولا يجب رمي ولا مبيت وإن بقي وقتهما وبما فعله من عمل العمرة يحصل التحلل الثاني، وأما الأول فيحصل بواحد من الحلق والطواف المتبوع بالسعي لسقوط حكم الرمي بالفوات فصار كمن رمى "ويقضي" حجه فورًا وجوبًا إن كان تطوعًا لأنه لا يخلو عن تقصير فإن كان فرضًا بقي في ذمته كما كان "وعليه دم" وإن كان الفوات بعذر كنوم ونسيان "كدم التمتع" فيكون دم ترتيب وتقدير "ويذبحه" وجوبًا "في حجة القضاء" أي بعد الإحرام بها أو بعد دخول وقت الإحرام به وذلك في قابل، كما أن دم التمتع لا يجب إلا بالإحرام بالحج. واعلم أن الدماء أربعة: دم ترتيب وتقدير، ودم تخيير وتعديل، ودم تخيير وتقدير، ودم ترتيب وتعديل، ومعنى الترتيب أنه لا يجوز العدول للبدل إلا بعد العجز عن الأصل والتخيير عكسه، ومعنى التقدير أن الشرع قدر الصوم المعدول إليه والتعديل عكسه، فالأول: دم التمتع والقران والفوات وترك الإحرام من الميقات والرمي والمبيتين وطواف الوداع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 باب الأضحية مدخل ... باب: الأضحية هي سنة مؤكدة، لا تجب إلا بالنذر، وبقوله هذه أضحية، أو جعلتها أضحية. ولا   والثاني: دم جزاء الصيد والشجر. والثالث: دم الحلق والقلم والطيب والدهن واللبس ومقدمات الجماع وشاة الجماع غير المفسد. والرابع: دم الجماع المفسد ودم الإحصار "وكل دم وجب" من هذه المذكورات يراق في النسك الذي وجب فيه إلا دم الفوات كما مر وكلها أو بدلها من الإطعام "يجب ذبحه" وتفرقته "في الحرم" على مساكينه "إلا دم الإحصار" فإنه يذبح ويفرق في محل الإحصار كما مر. "والأفضل في الحج" الذبح لما وجب أو ندب فيه "في منى" وإن كان متمتعًا "وفي العمرة المروة" أي الذبح فيها لما وجب أو ندب في العمرة لأنهما محل تحللهما، وكل هذه الدماء لا تختص بوقت فيذبحها "في أي وقت شاء" لأن الأصل عدم التخصيص ولم يرد ما يخالفه لكن يندب إراقته أيام التضحية. نعم إن حرم السبب وجبت المبادرة إليه. "ويصرفه" أي الدم أو بدله من الواجب المالي "إلى" ثلاثة أو أكثر من "مساكينه" أي الحرم الشاملين لفقرائه والمستوطنون أولى ما لم تكن حاجة الغرباء أشد ولا يجب استيعابهم وإن انحصروا، ويجوز أن يدفع لكل منهم مدًّا أو أكثر أو أقل إلا دم نحو الحلق فيتعين لكل واحد من ستة مساكين نصف صاع كما مر. فإن عدموا من الحرم أخر الواجب المالي حتى يجدهم ولا يجوز نقله بخلاف الزكاة إذ ليس فيها نص صريح بتخصيص البلد بخلاف هذا، ولو سرق المذبوح في الحرم ولو بغير تقصيره وإن كان السارق هو من مساكين الحرم سواء نوى الدفع أو لا أو غصب ذبح بدله وهو الأولى أو اشترى به لحمًا وتصدق به عليهم. باب: الأضحية وهي ما يذبح من النعم تقربًا إلى الله تعالى في الزمن الآتي. والأصل فيها قبل الإجماع ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله تعالى من إراقة الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا" 1. "هي سنة" على الكفاية "مؤكدة" للأخبار الكثيرة فيها بل قيل بوجوبها، ويرده خبر الدارقطني: "كتب علي النحر وليس بواجب عليكم"2 فلو فعلها واحد من أهل البيت كفت عنهم وإن سنت لكل منهم فإن تركوها كلهم كره. و"لا تجب" الأضحية "إلا بالنذر" كلله   1 رواه من حديث عائشة: الترمذي "حديث 1493" والبيهقي "9/ 261" وابن ماجه "حديث 3126". 2 وروى بلفظ: "كتب علي النحر ولم يكتب عليكم" رواه أحمد في المسند "1/ 317" والبيهقي في السنن الكبرى "7/ 89، 9/ 264" والطبراني في الكبير "11/ 301" والدارقطني في سننه "4/ 282". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 يجزئ إلا الإبل والبقر والغنم وأفضلها بدنة ثم بقرة ثم ضائنة، ثم عنز ثم شرك من بدنة. وسبع شياه أفضل من البدنة، وأفضلها البيضاء، ثم الصفراء ثم الغبراء ثم البلقاء ثم السوداء ثم الحمراء. وشرطها من الإبل أن يكون لها خمس سنين تامة، ومن البقر والمعز سنتين تامتين، ومن الضأن سنة تامة، وأن لا تكون جرباء وإن قل, ولا شديدة العرج ولا عجفاء   عليّ أو عليّ أو أضحي بهذه "وبقوله هذه أضحية أو جعلتها أضحية" لزوال ملكه عنها بذلك فيتعين عليه ذبحها، ولا يجوز له التصرف فيها بنحو بيع أو إبدال ولو بخير منها وإنما لم يزل ملكه عن قن قال: علي أن أعتقه إلا بإعتاقه وإن لزمه لأن الملك هنا ينتقل للمساكين وثم لا ينتقل بل ينفك بالكلية ولا أثر لنية جعلها أضحية، نعم إشارة الأخرس المفهمة كنطق الناطق، وإذا ذبح الواجبة أو ولدها وجب التصدق بجميع أجزائها كما يأتي. "ولا يجزئ" في الأضحية من الحيوان "إلا" النعم وهي "الإبل والبقر والغنم" لأن التضحية بغير ذلك لم تنقل فلا يجزئ نحو بقر الوحش وحماره، نعم يجزئ متولد بين جنسين من النعم هنا وفي العقيقة والهدي وجزاء الصيد ويعتبر بأعلى أبويه سنًّا كسنتين في المتولد بين ضأن ومعز. "وأفضلها بدنة ثم بقرة ثم ضائنة ثم عنز ثم شرك من بدنة" ثم من بقرة لأن كلا مما ذكر أطيب مما بعده أي من شأنه ذلك. "وسبع شياه" من الضأن أفضل من سبع من المعز، وسبع من المعز "أفضل من البدنة" لازدياد القربة بكثرة الدماء المراقة. "وأفضلها" من حيث اللون "البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء" وهي التي لا يصفو بياضها "ثم البلقاء" وهي ما بعضها أبيض وبعضها أسود "ثم السوداء ثم الحمراء" هذا ضعيف، والذي قاله الماوردي أن الحمراء قبل البلقاء، والتفضيل في ذلك قيل للتعبد، وقيل لحسن المنظر، وقيل لطيب اللحم، وورد: "لدم عفراء أحب إلى الله تعالى من دم سوداوين" 1 والذكر أفضل من الأنثى ما لم يكثر نزوانه وإلا فالتي لم تلد أفضل منه والأسمن أفضل من غيره من جنسه وإن تعدد، وورد: "عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم"2, "وشرطها" أي الأضحية "من الإبل أن يكون لها خمس سنين تامة ومن البقر والمعز" أن يكون لها السن الذي مر في الزكاة أعني سنتين تامتين ومن الضأن" أن يكون لها "سنة تامة". نعم إن أجذع أي أسقط سنه قبل السنة أجزأ "و" شرطها "أن لا تكون جرباء وإن قل" الجرب أو رجي زواله لأنه يفسد اللحم والودك2 وينقص القيمة. "ولا شديدة العرج" بحيث تسبقها الماشية إلى الكلأ الطيب وتتخلف عن القطيع وإن حدث العرج تحت السكين ومثله بالأولى انكسار بعض الأعضاء.   1 رواه البيهقي في السنن الكبرى "9/ 273". ورواه بلفظ: "أحب إليّ" بدل "إلى الله تعالى" أحمد في المسند "2/ 417" والحاكم في المستدرك "4/ 227". 2 ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة "74". 3 الودك: الدسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 ولا مجنونة، ولا عمياء، ولا عوراء، ولا مريضة مرضًا يفسد لحمها، وأن لا يبين شيء من أذنها وإن قل أو لسانها أو ضرعها أو أليتها، ولا شيء ظاهر من فخذها، وأن لا تذهب جميع أسنانها، وأن ينوي التضحية بها عند الذبح أو قبله، ووقت التضحية بعد طلوع   "ولا عجفاء" اشتد هزالها بحيث ذهب مخها. "ولا مجنونة" بأن يكون بها عدم هداية إلى المرعى بحيث قل رعيها لأن ذلك يورث الهزال. "ولا عمياء ولا عوراء" وهي ذاهبة ضوء إحدى عينها وإن بقيت الحدقة لفوات المقصود وهو كمال النظر، وتجزئ العمشاء1 والمكوية والعشواء وهي التي لا تبصر ليلا. "ولا مريضة مرضًا يفسد لحمها" أي يوجب هزاله للخبر الصحيح: "أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء البين عجفها" 2, وأما اليسير من غير الجرب فلا يؤثر لأنه لا ينقص اللحم ولا يفسد. "و" شرطها "أن لا يبين شيء من أذنها وإن قل" ذلك المبان3 كأن خلقت بلا أذن لفوات جزء مأكول، أما قطع بعضها من غير إبانة وشقها من غير أن يذهب منها شيء بالشق فلا يضر إذ لا نقص فيه والنهي عنهما4 للتنزيه. "أو" من "لسانها أو ضرعها أو أليتها" أو أذنيها وإن قل؛ لأنه بين بالنسبة إليها، وتجزئ مخلوقة بلا ضرع أو ألية أو ذنب وفارقت المخلوقة بلا أذن بأنها عضو لازم غالبًا بخلاف تلك الثلاثة، ولا يؤثر فوات خصية وقرن لأنه لا ينقص اللحم بل الخصاء يزيده، ويكره غير الأقرن، ولا يضر كسر القرن إن لم يعب اللحم وإن دمي بالكسر "و" أن "لا" يبين "شيء ظاهر من فخذها" بخلاف غير الظاهر لأنه بالنسبة إليه غير بين. "وأن لا تذهب جميع أسنانها" وإن لم يؤثر فيها نقصًا بخلاف ذاهبة أكثرها ما لم يؤثر نقصًا في الاعتلاف. "وأن ينوي التضحية بها عند الذبح أو قبله" وإن لم يستحضرها عنده وإنما يعتد بتقديمها عند تعيين الأضحية بالشخص5 أو بالنوع كنيتها بشاة من غنمه التي في ملكه لا التي سيملكها، ولا يكفي تعيينها عن النية، ويجوز أن يوكل مسلمًا مميزًا في النية والذبح، ولا يضحي أحد عن حي بلا إذنه ولا عن ميت لم يوص.   1 العمش: ضعف البصر مع سيلان دمع العين في أكثر الأوقات "المعجم الوسيط: ص628". 2 رواه أبو داود في الأضاحي باب 5، والنسائي في الضحايا باب 5-7، وابن ماجه في الأضاحي باب 8، والدارمي في الأضاحي باب 3، ومالك في الضحايا حديث 1، وأحمد في المسند "4/ 284، 289، 300، 301". 3 المبان: المنفصل. 4 ورد النهي في قول عليّ رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذنين، ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ... إلخ" رواه أبو داود في الضحايا باب 5 "حديث 2804", والنسائي في الضحايا باب 11، وأحمد في المسند "1/ 108، 149". 5 أي أضحية مدلول عليها بذاتها، كأن يشير مثلاً إلى شاة بصفة معروفة بها من حيث اللون أو الشكل أو غير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الشمس يوم النحر، ومضي قدر ركعتين وخطبتين ويمتد إلى آخر أيام التشريق، ويجب التصدق من لحمها نيئًا، ولا يجوز بيع شيء منها ويتصدق بجميع المنذورة، ويكره أن يزيل شيئًا من شعره أو غيره في عشر ذي الحجة حتى يضحي.   "ووقت التضحية" يدخل "بعد طلوع الشمس يوم النحر" وبعد "مضي قدر ركعتين وخطبتين" خفيفات بأن يمضي من الطلوع أقل ما يجزئ من ذلك وإن لم يخرج وقت الكراهة "ويمتد" وقتها ليلا ونهارًا "إلى آخر أيام التشريق" الثلاثة بعد يوم النحر، فلو ذبح بعد ذلك أو قبله لم تقع أضحية لخبر الصحيحين: "أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء" 1, "ويجب" في أضحية التطوع "التصدق" بشيء يقع عليه الاسم وإن قل "من لحمها" فيحرم عليه أكل جميعها لقوله تعالى في هدي التطوع ومثله أضحية التطوع: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ} أي السائل {وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] أي المتعرض للسؤال، ويجب أن يتصدق بالجزء المذكور حال كونه "نيئًا" يملكه مسلمًا حرًّا أو مكاتبًا، والمعطي غير السيد فقيرًا أو مسكينًا فلا يكفي إعطاؤه مطبوخًا ولا قديدًا ولا جعله طعامًا ودعاؤه أو إرساله إليه لأن حقه في تملكه لا في أكله ولا تملكه غير اللحم من نحو كرش وكبد ولا تمليك ذمي كما في صدقة الفطر، فإن أكل الجميع ضمن الواجب وهو ما ينطبق عليه الاسم فيشتري بثمنه لحمًا ويحرم تمليك الأغنياء شيئًا من الأضحية لا إطعامهم ولا إهداؤه لهم، والأفضل أن يقتصر على أكل لقم ويتصدق بالباقي، ثم أكل الثلث والتصدق بالباقي، ثم أكل الثلث والتصدق بالثلث وإهداء الثلث الباقي للأغنياء، وفي هذه الصورة يثاب التضحية بالكل وعلى التصدق بالبعض. "ولا يجوز بيع شيء منها" أي من أضحية التطوع ولا إتلافه بغير البيع ولا إعطاء الجزار أجرته من نحو جلدها بل مؤنته على المالك، ولا يكره الادخار من لحمها ويحرم نقلها عن بلد التضحية. "ويتصدق" وجوبًا "بجميع المنذورة" والمعينة بنحو هذه أضحية أو عن الملتزمة في الذمة فلا يجوز له أكل شيء منها لأنه أخرج ذلك عن الواجب عليه فليس له صرف شيء منها إلى نفسه كما لو أخرج زكاته، وما أكله منها يغرم قيمته، والولد كأمه وإن حدث بعد التعيين أو انفصل منها بعد الذبح فحيث كانت واجبة لم يجز الأكل منه إلا ولد الواجبة المعينة ابتداء، وحيث كان تطوعًا كان كأضحية أخرى فلا بد من التصدق بجزء منه كأمه. "ويكره" لمريد التضحية "أن يزيل شيئًا من شعره أو غيره" كظفره وسائر أجزاء بدنه "في عشر ذي الحجة حتى يضحي" ولو الأولى لمن أراد التعدد للنهي عنه في مسلم2 والمعنى فيه شمول المغفرة لجميع   1 رواه البخاري في العيدين باب 8 و10، والأضاحي باب 1 و11، ومسلم في الأضاحي حديث 7، والنسائي في العيدين باب 8, وأحمد في المسند "4/ 232، 303". 2 روى مسلم في الأضاحي حديث 41 عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: $"إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فصل: طفي العقيقة" ... فصل: "في العقيقة" والعقيقة سنة كالأضحية، ووقتها من الولادة إلى البلوغ، ثم يعق عن نفسه، والأفضل في اليوم السابع، فإن لم يذبح فيه ففي الرابع عشر وإلا ففي الحادي والعشرين، والأكمل شاتان للذكر وأن لا يكسر عظمها، وأن يتصدق به مطبوخًا وبحلو، والإرسال أكمل وحلق شعره بعد الذبح، والتصدق بزنته ذهبًا ثم فضة وتحنيكه بتمر ثم حلو، ويكره تلطيخ رأسه بالدم ولا بأس بالزعفران.   أجزائه، وتمتد الكراهة بامتداد تأخير التضحية، فإن أخرها عن أيام التشريق زالت الكراهة. فصل: في العقيقة وهي لغة: شعر رأس المولود، وشرعًا: ما يذبح عند حلق شعر رأسه، والأصل فيها ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "الغلام مرتهن بعقيقته" 1 ومعناه ما ذهب إليه أحمد كجماعة أنه لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة. "والعقيقة سنة" مؤكدة للخبر السابق وغيره، والمخاطب بها من عليه نفقة الولد، فليس للولي فعلها من مال ولده لأنها تبرع فإن فعل ضمن، ولا تخاطب بها الأم إلا عند إعسار الأب، وهي "كالأضحية" في سنها وجنسها وسلامتها مما يمنع الإجزاء وفي فضلها والأكل منها والتصدق والإهداء والادخار وقدر المأكول، وفي امتناع نحو البيع والتعين بالتعيين واعتبار النية ووقتها في غير ذلك، نعم لا يجب التمليك من لحمها نيئًا "ووقتها من الولادة" بالنسبة للموسر عندها "إلى البلوغ" فإن أعسر نحو الأب في السبعة لم يؤمر بها إن أيسر بعد مدة النفاس وإلا أمر بها. "ثم" بعد البلوغ يسقط الطلب عن نحو الأب والأحسن حينئذ أنه "يعق عن نفسه" تداركًا لما فات وخبر أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة باطل وإن رواه البيهقي "والأفضل" ذبحها "في اليوم السابع" من الولادة فيدخل يومها في الحساب، ويسن أن يعق عمن مات بعد التمكن من الذبح وإن مات قبل السابع "فإن لم يذبح فيه ففي الرابع عشر وإلا ففي الحادي والعشرين" وهكذا في الأسابيع، وقيل إذا تكررت السبعة ثلاث مرات فات وقت الاختيار، وكلام المصنف يومئ إليه. وإنما يجزئ في العقيقة شاة بصفة الأضحية كما مر سواء الذكر والأنثى "و" لكن "الأكمل شاتان" متساويتان "للذكر" ويحصل بالواحدة فيه أصل السنة لما صح: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام بشاتين متساويتين وعن الجارية بشاة"2 والخنثى كالأنثى وسبع البدنة أو البقرة كشاة "و" السنة "أن لا يكسر عظمها" ما أمكن سواء العاق والآكل تفاؤلا بسلامة أعضاء الولد. "وأن يتصدق به مطبوخًا و" أن يطبخ "بحلو"   1 رواه الترمذي في الأضاحي باب 21 "حديث 1522" والبيهقي في السنن الكبرى "9/ 303" والحاكم في المستدرك "4/ 237" والطبراني في الكبير "7/ 242". 2 رواه ابن ماجه في الذبائح باب 1، وأحمد في المسند "6/ 158، 251". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 فصل: "في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه ويحرم تسويد الشيب، ووصل الشعر، وتفليج الأسنان، والوشم، والحناء للرجل بلا حاجة.   تفاؤلا بحلاوة أخلاق المولود ولا يكره طبخها بحامض "والإرسال" بالمطبوخ إلى الفقراء "أكمل" من ندائهم إليها لأنه أرفق بهم. "و" يسن "حلق شعره بعد الذبح" كما في الحج وأن يكون كالتسمية يوم السابع "و" يسن "التصدق بزنته" أي شعر رأسه "ذهبًا ثم" إن لم يتيسر أو لم يفعل تصدق بزنته "فضة" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها بزنة شعر الحسين رضي الله عنه والتصدق بوزنه فضة1 لأنها المتيسرة حينئذ، وإعطاء القابلة رجل العقيقة، وقيس بالفضة الذهب بالأولى وبالذكر الأنثى. "و" يسن "تحنيكه بتمر" ثم رطب "ثم حلو يمضغه" ويدلك به حنكه حتى يصل منه شيء إلى جوفه للاتباع، وينبغي أن يكون المحنك له من أهل الخير. "ويكره تلطيخ رأسه" أي المولود "بالدم" لأنه فعل الجاهلية وإنما لم يحرم لأنه قيل بندبه لخبر فيه2 "ولا بأس" بتلطيخه "بالزعفران" والخلوق3 بل يندب كما في المجموع لحديث فيه4. فصل: في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه "ويحرم تسويد الشيب" ولو للمرأة إلا للمجاهد إرهابًا للعدو. "و" يحرم "وصل الشعر وتفليج5 الأسنان والوشم6" "لأنه صلى الله عليه وسلم لعن فاعل ذلك والمفعول به"7 "و" تحرم "الحناء للرجل" والخنثى "بلا حاجة والله أعلم" لما فيه من التشبه بالنساء.   1 رواه الحاكم في المستدرك. 2 روى أبو داود في الضحايا باب 20 "حديث 2838" عن سمرة بن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى". 3 الخلوق: ضرب من الطيب أعظم أجزائه الزعفران "المعجم الوسيط: ص252". 4 روى أبو داود في الضحايا باب 20 "حديث 2843" عن بريدة قال: "كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران". 5 فلجت المرأة أسنانها: فرقت بينها للزينة. "المعجم الوسيط: ص699". 6 الوشم: ما يكون من غرز إبرة في البدن وذر النيلج عليه حتى يزرق أثره أو يخضر "المعجم الوسيط: ص1035". 7 حديث لعن الواشمة والمستوشمة ... إلخ, رواه البخاري في البيوع باب 25 و113، وتفسير سورة 59 باب 4، والطلاق باب 51، واللباس باب 82-87 و96. ومسلم في اللباس حديث 119 و120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   تتمة: يسن أن يحسن الاسم، وأفضل الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها الحارث وأقبحها حرب ومرة لخبر مسلم1 وأبي داود2 بذلك، وحكمة تسميته صلى الله عليه وسلم ولده إبراهيم ذكرتها في شرح الإرشاد، وتكره الأسماء القبيحة وما يتطير بنفيه عادة كنجيح وبركة وكليب وحرب ومرة وشهاب وحمار وأفلح ويسار ورباح ونفاع ونحو ست الناس أو العلماء أشد كراهة، وتحرم بملك الأملاك وشاهنشاه3 وأقضى القضاة، قال القاضي أبو الطيب4: وبقاضي القضاة. ويندب تغيير القبيح وما يتطير بنفيه، ويندب لولده وتلميذه وغلامه أن لا يسميه باسمه، وأن يكنى أهل الفضل الرجال والنساء وإن لم يكن لهم ولد، وأن تكون التكنية بأكبر أولاده، ويحرم التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد وغيرها في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده، ولا يكنى نحو فاسق ومبتدع إلا لنحو خوف فتنة أو تعريف كأبي لهب، والأدب أن لا يكني نفسه مطلقًا إلا إن اشتهر بكنية ولم يعرف بغيرها، ويحرم تلقيبه بما يكره إن عرف بغيره وإن كان فيه5، ويسن أن يؤذن في أذن الولد اليمنى وأن يقام في اليسرى للاتباع6، ولأنه يمنع ضرر أم الصبيان كما ورد: أي التابعة من الجن؛ وأن يقرأ في أذنه اليمنى سورة الإخلاص للاتباع، وأن يقول في أذنه ولو ذكرا: "إني أعيذها -أي النسمة- بك وذريتها من الشيطان الرجيم". أعاذنا الله منه ولا جعل له علينا سلطانًا آمين، والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وذريته وسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، وحسبنا الله ونعم الوكيل. هذا آخر ما أردت تسويده على هذا المختصر، ورأيت في بعض نسخه أن مؤلفه وصل فيه إلى قريب من نصف الكتاب وإنما لم أكتب عليه لأنه لم يصح عندي أن المصنف بيض   1 رواه في الآداب "حديث 2" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن". 2 رواه في الأدب باب 61 "حديث 4950" عن أبي وهب الجشمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة". 3 أي ملك الأملاك. 4 هو القاضي أبو الطيب الطبري. وقد تقدم التعريف به صفحة 145 حاشية 3. 5 أي وإن كان فيه تلك الصفة الملقب بها كالأعرج والأعور والأعمش وغيرها. 6 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان" ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "5/ 86" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "2/ 55" والألباني في السلسلة الضعيفة "321" وابن عدي في الكامل في الضعفاء "6/ 2656" وابن تيمية في الكلم الطيب "311" وابن السني في عمل اليوم والليلة "617" والنووي في الأذكار "253". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   إلى ذلك المحل، وإنما الذي في نسخ الكتاب المعتمدة الوصول فيه إلى هذا المحل، على أنه بلغني أن له مختصرات متعددة فلعله قصد تكميل بعضها فلم يتم له. وأسأل الله تعالى من فضله أن ييسر لي إتمام ذلك متنًا تكميلا لما وجد وشرحًا للجميع إنه جواد كريم رؤوف رحيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان الفراغ منه بعد الظهر خامس عشر ذي القعدة سنة أربع وأربعين وتسعمائة بمنزلي بمكة المشرفة في المحل المسمى بالحريرة القريب من سوق الليل، وأنا أسأل الله تعالى وأتوجه إليه بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتفضل عليّ بما أحبه من الخير، وأن يجيرني من فتنه ومحنه إلى أن ألقاه وهو راض عني إنه لا يردّ من اعتمد عليه ولجأ في سائر أموره إليه، وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. تم الكتاب بعود الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فهرس المحتويات: 3 ترجمة مؤلف "المقدمة الحضرمية" 4 ترجمة ابن حجر الهيتمي مؤلف "المنهاج القويم" 7 خطبة الكتاب 11 باب أحكام الطهارة 13 فصل في الماء المكروه 13 فصل في الماء المستعمل 14 فصل في الماء النجس ونحوه 17 فصل في الاجتهاد 18 فصل في الأواني 20 فصل في خصال الفطرة 23 فصل في الوضوء 27 فصل في سنن الوضوء 33 فصل في مكروهات الوضوء 33 فصل في شروط الوضوء وبعضها شروط النية 34 فصل في المسح على الخفين 36 فصل في نواقض الوضوء 38 فصل فيما يحرم بالحدث 39 فصل فيما يندب له الوضوء 40 فصل في آداب قاضي الحاجة 45 فصل في الاستنجاء 47 فصل في موجب الغسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 49 فصل في صفات الغسل 51 فصل في مكروهاته 52 باب النجاسة وإزالتها 55 فصل في إزالة النجاسة 59 باب التيمم 61 فصل في شروط التيمم 63 فصل في أركان التيمم 64 فصل في الحيض والاستحاضة والنفاس 66 فصل في المستحاضة 68 باب الصلاة 70 فصل في مواقيت الصلاة 74 فصل في الاجتهاد في الوقت 75 فصل في الصلاة المحرمة من حيث الوقت 77 فصل في الأذان 85 باب صفة الصلاة 96 فصل في سنن الصلاة 101 فصل في سنن الركوع 101 فصل في سنن الاعتدال 103 فصل في سنن السجود 104 فصل في سنن الجلوس بين السجدتين 105 فصل في سنن التشهد 108 فصل في سنن السلام 109 فصل في سنن بعد الصلاة وفيها 111 فصل في شروط الصلاة 123 فصل في مكروهات الصلاة 127 فصل في سترة المصلي 128 فصل في سجود السهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 133 فصل في سجود التلاوة 135 فصل في سجود الشكر 136 فصل في صلاة النفل 144 فصل في صلاة الجماعة وأحكامها 148 فصل في أعذار الجمعة والجماعة 150 فصل في شروط القدوة 153 فصل فيما يعتبر بعد توفر الشروط السابقة 161 فصل في بيان إدراك المسبوق الركعة 162 فصل في صفات الأئمة المستحبة 167 فصل فيما يتحقق به السفر 169 فصل في بقية شروط القصر ونحوه 170 فصل في الجمع بالسفر والمطر 172 باب صلاة الجمعة 173 باب صلاة المسافر 178 فصل في بعض سنن الخطبة وصلاة الجمعة 180 فصل في سنن الجمعة 185 باب صلاة الخوف 187 فصل في اللباس 190 باب صلاة العيدين 194 فصل في توابع ما مر 195 باب صلاة الكسوف للشمس والقمر 199 فصل في توابع ما مر 201 فصل في تارك الصلاة 202 باب الجنائز 205 فصل في بيان غسل الميت وما يتعلق به 208 فصل في الكفن 212 فصل في أركان الصلاة على الميت وما يتعلق بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 215 فصل في الدفن 216 كتاب الزكاة 218 فصل في واجب البقر 219 فصل في زكاة الغنم 219 فصل في بعض ما يتعلق بما مر 220 فصل في شروط زكاة الماشية 222 باب زكاة النبات 224 فصل في واجب ما ذكر وما يتبعه 226 باب زكاة النقد 231 فصل في زكاة الفطر 234 فصل في النية في الزكاة وفي تعجيلها 240 فصل في صدقة التطوع 240 باب زكاة النقد 243 كتاب الصيام 249 فصل فيمن يجب عليه الصوم 250 فصل فيما يبيح الفطر 251 فصل في سنن الصوم 257 فصل في الجماع في رمضان وما يجب به 259 فصل في الفدية الواجبة بدلا عن الصوم وفيمن تجب عليه 266 باب الاعتكاف 268 فصل فيما يبطل الاعتكاف وفيما يقطع التتابع 270 كتاب الحج 274 فصل في المواقيت 276 فصل في بيان أركان الحج والعمرة 276 فصل في بيان الإحرام 279 فصل في سنن تتعلق بالنسك 281 فصل في واجبات الطواف وسننه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 285 فصل في السعي 286 فصل في الوقوف 288 فصل في الحلق 288 فصل في واجبات الحج 289 فصل في بعض سنن المبيت والرمي وشروطه 293 فصل في أوجه أداء النسكين 294 فصل في دم الترتيب والتقدير 295 فصل في محرمات الإحرام 303 فصل في موانع الحج 306 باب الأضحية 310 فصل في العقيقة 311 فصل في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319