الكتاب: جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ) إعداد الطالب: ناصر بن علي بن ناصر الغامدي (رسالة ماجستير) إشراف: فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ حمزة بن حسين الفعر الناشر: رسالة علمية، كلية الشريعة - جامعة أم القرى عام النشر: 1421 هـ - 2000 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع (الرسالة العلمية)] ---------- جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير القرافي الكتاب: جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ) إعداد الطالب: ناصر بن علي بن ناصر الغامدي (رسالة ماجستير) إشراف: فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ حمزة بن حسين الفعر الناشر: رسالة علمية، كلية الشريعة - جامعة أم القرى عام النشر: 1421 هـ - 2000 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع (الرسالة العلمية)] شرح تنقيح الفصول في علم الأصول من بداية الباب الثالث عشر: في فعله - صلى الله عليه وسلم - إلى نهاية الكتاب تأليف العالم المحقق / شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (ت 684 هـ) (دراسة وتحقيق) رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية إعداد الطالب ناصر بن علي بن ناصر الغامدي إشراف فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور / حمزة بن حسين الفعر (القسم الدراسي) 1421 هـ / 2000 م المقدمة أحمد الله تعالى حمداً أستفتح به أبواب الدخول إلى دراسة علم الأصول، وأستمنح أسباب الحصول لتحقيق كتاب " شرح تنقيح الفصول "، وأستوضح به منهاج الوصول إلى مستصفى الحاصل ومنتخبِ المحصول، ومنتقى التحصيل ولبابِ المنخول، واستنجح به مقاصد بِرِّه الوَصولِ إلى منتهى السُّول وغاية المأمول، وأستوهب منه توفيقاً يكتب به الرضا والقبول، وأستصحب منه تسديداً يصون عن الخطأ والذهول في سلوك سبيلَيْ المنقول والمعقول. وأُصلِّي وأُسلِّم على نبيه ورسوله محمدٍ أكرمِ نبيٍّ وأشرفِ رسول، المبعوثِ بأرفع دليلٍ وأنفعِ مدلول، المخصوصِ حكمُ شريعته بشمول العموم وعمومِ الشمول، المنصوص عِلْمُ نبوَّتِهِ بأقلام المعجزات وبنانِ المنقول في سطور الصدور وطروس (1) النقول. وعلى آله وأصحابه السَّادةِ البررة العدُوُل، الذين عليهم المِعْولُ في الهداية وإليهم العُدُول، ما حُرِّر منقولٌ وحُبِّر مقول (2) . ورحم الله أئمتنا وعلماءنا الفحول، الذين أدركوا بالاجتهاد مناط العلة والمعلول، وأزالوا بسَبْر الأدلة قوادح الشُّبَه عن الدليل والمدلول، وأفتوا كلَّ مُسْتَفْتٍ وسؤول، ويسَّروا الوصول إلى فقه الأصول، فشكر الله لهم ما حَقَّقَ المفهومَ قلبٌ عقول، وما لَهَج بالمنطوق لسانٌ قؤول. أما بعد: ((فأفضل ما اكتسبه الإنسان عِلمٌ يسعد به في عاجل معاشه وآجل معاده، ومن أفضل ذلك " علم أصول الفقه " لاشتماله على المعقول والمنقول، فهو جامع أشتات الفضائل، والواسطة في تحصيل لباب الرسائل، ليس هو من العلوم التي هي رواية صِرْفة لا حظَّ لشرف النفوس فيه، ولا من المعقول الصِّرْف الذي لم يَحُضَّ الشرعُ على   (1) جمع طِرْس وهو الصحيفة. المصباح المنير مادة " طرس ". (2) مقتبسة بتصرفٍ من مقدمة كتاب: همع الهوامع شرح لمع اللوامع في نظم الجوامع للعلامة نور الدين علي الأشموني (918 هـ) . مخطوط، مصورتها بجامعة أم القرى، بمركز البحث العلمي، رقم (67) ميكروفيلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 معانيه، بل جمع بين الشرفين، واستولى على الطرفين، يُحْتاج فيه إلى الرواية والدراية، ويجتمع فيه معاقدُ النظر، ومسالكُ العِبَر، مَنْ جَهِلَه من الفقهاء فتحصيله أُجَاج، ومن سُلِب ضوابطُه عَدِم عند دعاويه الحِجَاج، فهو جدير بأن يُنَافس فيه، وأن يُشْتغل بأفضل الكتب في تلخيصاته ومبانيه)) (1) . ولمَّا رأيتُ أنَّ تعلُّم مسائل الأصول معقودٌ بدراسة كتب الأوائل الفحول، تطفَّلتُ على موائدهم، واكتفيتُ بالكشف عن فرائدهم، وخِلْتُ أنَّ تحقيق كتبهم أيسرُ الدروبِ وأسهلُ الخطوبِ، وما درى المسكينُ أنَّ دون ذلك رُكوبَ الصِّعاب، والضرْبَ في وَعِر الوِهَاد والهِضَاب، حتى لقد أشفقْتُ بعد أن قُدِّر عليَّ ما يكون، أن أصِيْر فيه حَصْراً ممن لا يستطيعون مُضيّاً ولا يرجعون. لكن بعد استحضار ما للعلم من مآثر، وتشجيعِ أهل الفضل والمفاخر، شمَّرتُ عن ساعد الجدِّ لتحقيق كتاب " شرح تنقيح الفصول " لعَلَمٍ شامخٍ من علماء الأصول، الإمامِ الهمامِ أبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن يَلِّين، الشهير بالقرافي، ذي الشرَف الوافي، والعقل الصافي، علماً بأن قِسْطي من تحقيق الكتاب هو القسم الثالث منه، ابتداءً من الباب الثالث عشر: في أفعاله - صلى الله عليه وسلم -، وانتهاءً بالباب العشرين في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين، وهو آخر الكتاب (2) . دواعي اختيار تحقيق الكتاب لقد نَهَزَني (3) إلى اختيار كتاب شرح تنقيح الشهاب عِدَّةُ أسباب، منها: أولاً: القيمة العلمية الرفيعة للكتاب، فإن مادته عميقة غزيرة، ومصادره أصيلة وفيرة، حوى نقولاتٍ نادرةً كثيرة، بعضها في غياهب (4) النسيان، لتعرُّض مظانِّها للفقدان: ككتاب الإفادة وكتاب الملخّص كليهما للقاضي عبد الوهاب البغدادي، وكتاب الأوسط لابن بَرْهان، وشرح البرهان للمازري، والجدل للحصكفي وغيرها (5) . كما أن الكتاب امتاز بحسن التبويب والترتيب، والتقسيم والتنظيم، والتفنن في   (1) نفائس الأصول للقرافي 1 / 89 - 90. (2) قام أخي الفاضل / سعيد بن صالح بن عفيف بتحقيق القسم الأول من الكتاب، ابتداءً من أوله حتى نهاية الباب الثالث: في تعارض مقتضيات الألفاظ. ثم يبدأ القسم الثاني، من الباب الرابع: في الأوامر إلى نهاية الباب الثاني عشر: في المجمل والمبيَّن، تحقيق أخي الفاضل / حسن بن إبراهيم بن خلوفة. (3) نَهَزَه: دَفَعه. القاموس المحيط مادة " نهز ". (4) الغَيْهب: الظلمة والغفلة. لسان العرب، مادة " غهب ". (5) انظر: ص 134 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 إيراد السؤال والإشكال، والجوابِ عنه في أحسن مقال، فإن لم يُسْعِفْه الجوابُ بقي ماثلاً في انتظار حلِّ أولي الألباب. كما حشد القرافي كتابَه بالفروق بين المسائل، والتمييز بين المتشابه والمتماثل، هذا مع تَوْشِيَة (1) الكتاب بفوائد مهمة، وتحليته بزوائد جمَّة، وتوشيحه بنكتٍ جميلة، وتَدْبيجه بقواعد جليلة. فلا جَرَم أن أضحى الكتابُ مَعِيْناً ارتوتْ منه كتبٌ عديدة، وينبوعاً نَهِل منه أصوليون نابهون مادةً فريدة، كالطوفي في شرح مختصر الروضة، والسبكي وابنه في الإبهاج في شرح المنهاج، والعلائي في كتبه، والإسنوي في منهاج السول، وابن جزي في تقريب الوصول، والزركشي في البحر المحيط وتشنيف المسامع، وحلولو المالكي في الضياء اللامع، وابن أمير الحاج في التقرير والتحبير، وابن النجار في شرح الكوكب المنير، وغيرهم جَمٌّ غفير (2) . ثانياً: شهرة مؤلِّف الكتاب، ونبوغُهُ في علم الأصول، حتى عُدَّ أحدَ ثلاثة علماء عصره الذين انعقد الإجماع علة أفضليّتهم قاطبةً في الديار المصرية (3) . ولمَّا مات القرافي عليه رحمة الله قال فيه ابن دقيق العيد رحمه الله: ((مات من يُرجع إليه في علم الأصول)) (4) ، ولهذا سجَّله الإمام السيوطي رحمه الله ضمن طبقة من كان بمصر من الأئمة المجتهدين (5) . فالإمام القرافي بحقٍّ تميَّز بانفراداتٍ في مسائل أصوليةٍ بارزةٍ، وبتحريراتٍ نفيسةٍ راسخةٍ راكزةٍ، فيها جِدَّةٌ وحداثة، نبعتْ من جِهْبذٍ بَحَّاثة، تمتَّعتْ شخصيته بذكاءٍ خارق، وعبقرية فذَّة، تشهد له اختياراته ومناقشاته، وترجيحاته وتصحيحاته، ونقوده وردوده، ونظراته الثاقبة، وتقريراته الصائبة. ولقد رأيتُني وأنا حَفيٌ بالبحث في الكتاب، كَلِفٌ بحَزْنه وسَهْله، شَغِفٌ بقراءته ودراسته أزداد قناعةً بعد قناعة ساعةً بعد ساعة ببراعة الشهاب القرافي وشموخِهِ، وتألُّقِ نجمِهِ وسطوعِهِ. ثالثاً: الرغبة في الاطلاع على أصول فقهاء المدينة، دولةِ الإسلامِ، ومنبعِ العلم   (1) التوشية: التحسين والتزيين، مصدر وَشَّ. معجم المقاييس في اللغة، مادة " وشي ". (2) انظر: ص 148 - 153 القسم الدراسي. (3) انظر: ص 48 القسم الدراسي. (4) انظر: ص 48 القسم الدراسي. (5) انظر: ص 48 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 النبوي، ولم تزل هذه الرغبة في ازدياد خصوصاً عند قراءتي شهادة شيخ الإسلام ابن تيمية (1) لأصول الإمام مالك رحمه الله، إذْ قال: ((ثم من تدبَّر أصول الإسلام وقواعد الشريعة وجد أصولَ مالك وأهلَ المدينة أصحَّ الأصول والقواعد، وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما. . .)) (2) . والإمام الشهاب القرافي من المجتهدين في المذهب المالكي، النافذين إلى لُبِّه، الساعين في إرساء دعائمه وقواعده. فقد حرص في كتابه على إبراز أصول المالكية ليعلوُ شرفُهم في الأصول كما سمتْ مكانتهم في الفروع (3) . وفي سبيل ذلك رَصَد آراء المذهب وأقوالَه، وحرَّرها وقرَّرها، ونافح عنها ضدّ المُشنِّعين والشاغبين عليها، دون تعصُّبٍ أو تقليد، بل بوعيٍ رشيد، ومسلكٍ حميد، وإنصافٍ أكيد. لهذه الأسباب وغيرها اشتدّ عزمي، وتأكَّد تصميمي على تحقيق الكتاب ودراسته مع قلَّة البضاعة، وقصور الباع في الصناعة. المجهودات السابقة في إخراج الكتاب لقد تمَّ طبع الكتاب - قديماً وحديثاً - عِدَّة طبعات، منها: 1 - طبعة المطبعة الخيرية بمصر سنة 1306 هـ، وبهامشها شرح ابن قاسم العبادي على ورقات إمام الحرمين. 2 - طبعة المطبعة التونسية بتونس سنة 1328 هـ / 1910 م، وبهامشها التوضيح شرح التنقيح لأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن اليزليطني الشهير بـ" حلولو ". 3 - طبعة مطبعة النهضة بتونس سنة 1340 هـ / 1921 م الجزء الأول منه، على هامش حاشية الشيخ محمد جعيط المسمَّاة بـ: منهج التحقيق والتوضيح لحلِّ غوامض التنقيح. ثم طبع الجزء الثاني منه سنة 1345 هـ / 1926 م.   (1) هو أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرَّاني الدمشقي الحنبلي. كان محيطاً بالعلوم والفنون النقلية والعقلية، نصر السنة وقمع البدعة وجاهد وامتحن، من مؤلفاته: مجموع الفتاوى (ط) ، منهاج السنة النبوية (ط) ، درء تعارض العقل والنقل (ط) انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2 / 387. (2) مجموع الفتاوى 20 / 328. (3) انظر: ص 83، 134 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 4 - طبعة مطبعة النهضة بتونس سنة 1341 هـ / 1922 م، على هامش حاشية الشيخ محمد الطاهر بن عاشور المسمَّاة: حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح. 5 - طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بمصر، ودار الفكر بمصر، الطبعة الأولى سنة 1393 هـ / 1973 م، بتحقيق / طه عبد الرؤوف سعد. وكتب عليها: طبعة جديدة مضبوطة منقَّحة. 6 - طبعة المكتبة الأزهرية للتراث بمصر. الطبعة الثانية سنة 1414 هـ / 1993 م بتحقيق / طه عبد الرؤوف سعد. وكتب عليها: طبعة جديدة مضبوطة منقَّحة. 7 - طبعة دار الفكر بلبنان. الطبعة الأولى سنة 1418 هـ / 1997 م، باعتناء / مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر. كُتب عليها: طبعة جديدة منقَّحة مصحّحة. هذه الإصدارات من طبعات الكتاب مشكورة مأجورة إن شاء الله تعالى، ولو لم يكن لها من الفضل سوى بزوغِ الكتاب ليرى النور، ويروج بين أيدي القُرَّاء لكفى. وهو بِسَبْقٍ حَائزٌ تَفْضيلا مُسْتوجِبٌ ثَنَائِيَ الجميلا (1) ومع اعترافي لهذه الطبعات بالفَضَل إلا أنَّها تشترك جميعاً في عروِّها عن القواعد العلمية المنهجية في التحقيق، تخلو من توثيق النقول، والتعليق على مسائل الأصول، مع ما اشتملتْ عليه من السقط والتحريف، والأغلاط الطباعية، مما جعلها تَفْقِد قيمتَها العلمية، ويُحتِّم إعادة تحقيقِه وتصحيحِه وفق المنهج العلمي المتبَّعِ في الرسائل الجامعية. ولقد كانت النسخُ الأربعُ الأوائلُ - مع كونها عزيزة المنال، نادرة الشيوع - أحسنَ حالاً أو أهونَ سوءاً من النسخ الثلاثِ الأواخرِ، مع أن الأواخر رُقمتْ بأنها: مضبوطةٌ منقَّحةٌ مصحَّحةٌ، وحقيقة الحال أنَّها كانت مجرد دعوى، ينقضها التشويهُ والتحريفُ حتى غدا الكتابُ عديمَ الجدوى. قال محقِّق طبعة الكليات الأزهرية والمكتبة الأزهرية: ((وكان حصولي على أصلٍ   (1) قاله ابن مالك في مقدمة ألفيته في النحو، والضمير يعود على ابن معطي وله ألفية أيضاً. انظر: شرح ابن عقيل 1 / 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 أطبع عليه الكتاب من أشق الأمور، حتى تفضل الشيخ حنفي عبد الجليل آدم من تشاد حفظه الله، فأهداني نسخةً جزاه الله خيراً. . . إلخ)) (1) فالمحقق - جزاه الله خيراً - لم يُفصِح عن هذا الأصل الذي اعتمده في التحقيق، ولم يبيِّن مصدره الأصلي المعتمد، بل لم يُرْفق صوراً له مع الكتاب المطبوع، فضْلاً عن كونه اعتمد على نسخةٍ واحدةٍ فقط مع كونها مبهمةً. ولقد بحثتُ عن شيءٍ يدلُّني على أصله الذي اعتمده، وأخذتُ أقارن بين نسخ المخطوطات التسعِ المتوفرةِ لديَّ وكتابِهِ المحقَّقِ المصحَّحِ!! فترجَّح لي أن صنيعه كان بمثابة التلفيق، وبمعزلٍ عن التصحيح والتحقيق. وسأسلِّط الضوء على الطبعتين حديثتي السنِّ، الأولى: طبعة المكتبة الأزهرية للتراث، سنة 1414 هـ بتحقيق / طه عبد الرؤوف سعد. والثانية: طبعة دار الفكر ببيروت، باعتناء / مكتب البحوث والدراسات، سنة 1418 هـ، وهما المتداولتان في الأسواق، علماً بأن الثانية مطابقةٌ للأولى في أغلب أخطائها، جاريةٌ وفق سَنَنِها، بل أمعنتْ في الرداءة حينما خلطتْ المتن بالشرح دون التمييز بينهما بخطٍّ أو تسويدٍ أو كلمةِ " الشرح " أو ما شابه ذلك. كما أنَّ الأولى أفحش من الثانية في الأخطاء. ويمكن إجمال الملاحظات عليهما فيما يلي: أ - كثرة الأغلاط الطباعيِّة، والتحريفات والتصحيفات. ب - وجود أسقاطٍ لكلماتٍ وعباراتٍ أخلَّت بمعنى عبارة الكتاب. جـ - إقحام كلماتٍ وعباراتٍ خلتْ منها جميع النسخ الخطية التسعة. د - التغيير في كلماتٍ لم ترد فيما وقفتُ عليه من المخطوطات، وهو تصرف غير سائغ. هـ - عدم التمييز بين عبارة المتن وعبارة الشرح من الناحية الطباعية في بعض المواطن بالنسبة لطبعة المكتبة الأزهرية، وفي جميع الكتاب بالنسبة لطبعة دار الفكر. ولنضرب أمثلة على ذلك، كما في الجدول التالي:   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ، مقدمة لكتاب في الصفحة المرقمة بالحرف ن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 النص ... الملاحظة والتصويب ... ط. المكتبة الأزهرية ... ط. دار الفكر ... القسم التحقيقي (كما جاء في الطبعتين) ص ... سطر ... ص ... سطر ... ص ... سطر 1 ... فالناسخ مزيل للدوام في اعتقادنا لا في نفس الأمر ... في جميع النسخ الخطية " من " بدل من " في " ... 303 ... 2 ... 237 ... 15 ... 48 ... 6 2 ... قول موسى عليه السلام: تمكنوا بالسبت أبداً ... الصواب: تمسكوا ... 304 ... 20 ... 238 ... 23 ... 55 ... 7 3 ... في تأخير البيان عن وقت الحاجة ... الصواب: الخطاب ... 304 ... 26 ... 238 ... 28 ... 55 ... 13 4 ... قرِّبوا إليَّ كل يوم خروفين. . وهم لا يفعلون ذلك ... زيادة ليست في كل النسخ ... 305 ... 13 ... 239 ... 13 ... 58 ... 2 5 ... بصورٍ: إحداها. . ثانيتها. . ثالثتها. . رابعتها. . ... في كل النسخ: ثانيها ثالثها. . رابعها ... 305 ... 15 ... 239 ... 15 ... 58 ... 5 6 ... أن أرثها نَسْله ... الصواب: أورثها ... 305 7 ... في صورة المنقول عنه ... الصواب: عنهم ... 307 8 ... والبداء هو إحدى الطرق التي استدلت بها اليهود ... الصواب: أحد. . ... 310 ... 11، 12 ... 243 ... 8 ... 79 ... 4 به. . 9 ... وإذا جوَّزنا الإجماع السكوتي وكثير ممن اعتبر ... خطأ نحوي، الصواب: فكثير ... 332 ... 10 ... 260 ... 14 ... 148 ... 4 10 ... ومن الأصحاب من قال: إجماعهم حجة إن كان في عملٍ لا في نقلٍ نقلوه ... إجماعهم مطلقاً حجة وإن كان في عمل عملوه أو في نقل. . ... 334 ... 7 ... 262 ... 5 ... 154 ... 5 11 ... فكان ذلك دليل على. . ... خطأ نحوي، الصواب: دليلاً ... 334 ... 14 ... 262 ... 12 ... 155 ... 5 12 ... والخبر عن خلافاً الضرورة ... خطأ نحوي، الصواب: على خلاف ... 338 ... 13 ... 265 ... 15 ... 189 ... 7 13 ... فجعله كاذباً إذا حدَّث بكل ما سمع ... زيادة " كل " ليست في كل النسخ ... 347 ... 16 ... 272 ... 6 ... 192 ... 9 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 14 ... كما تقول: زيد فقيه. . . . لوجود الفرق ... زيادة سطرين ليست في كل النسخ ... 351 ... 6، 7 ... 274 ... 20 ... 201 ... 2 15 ... فقبلها مالك وأشهب. . . ... الصواب: فمنعها، كما في أكثر النسخ ... 378 ... 15 ... 294 ... 14 ... 285 ... 2 16 ... والقياس في الشريعة: مساواة الفرع للأصل ... الذي في النسخ: مسوٍّ مساوٍ، تسوية ... 384 ... 17 ... 299 ... 6 ... 303 ... 9 17 ... فإن عُلِم المتأخر نَسَخ المتقدم والأرجح إلى الترجيح ... الصواب: وإلاَّ رُجِعَ ... 421 ... 11 ... 329 ... 19 ... 413 ... 11 18 ... يترجح أحد القياسين على الآخر بالنص على علَّته أو لأنه يعود على أصله بالتخصص ... الصواب: أو ... 425 ... 13 ... 332 ... 28 ... 427 ... 3 لا يعود. . 19 ... فإنه حيٌّ يستحقها ... الصواب: حيٌّ ... 427 ... 1 ... 334 ... 6، 7 ... 431 ... 3 لا يستحقها 20 ... لا يجوز عنده أن يقلد عاميٌّ عامّياً في رؤية الهلال ... الصواب: إلاَّ في رؤية الهلال ... 434 ... 5 ... 340 ... 16 ... 452 ... 5 21 ... فإن شمولها يمنع من التمسك بها ... الصواب: لم يمنع من التمسك بها ... 447 ... 11 ... 352 ... 1 ... 500 ... 2 22 ... انتفاء الطهارة الكبرى بعذر من الابتداء ... الصواب: بَعْد زمن الابتداء ... 451 ... 17 ... 355 ... 12، 13 ... 512 ... 4 إلى غير ذلك من الأخطاء الفادحة الكثيرة، وليس الغرض هو الحصر، وإنما مجرَّد التمثيل. فعلى هذا إن الكتاب بطبعاته الحالية لا يُطَمْئِن النفوس إلى الاعتماد على نصوصه، والاحتجاج بها، والعَزْو إليها. ولعلَّ هذا يضاف إلى دواعي اختيار تحقيق الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 خطة البحث في الرسالة للقيام بمهمَّة تحقيق الكتاب جعلتُ الرسالة في قسمين: (1) القسم الدراسي (2) القسم التحقيقي. القسم الأول: قسم الدراسة وقد نظمته في ثلاثة فصولٍ تسبقها مقدمة. المقدمة: تناولت فيها أهمية أصول الفقه، ودواعي تحقيق الكتاب، والمجهودات السابقة في تحقيقه، وخطة البحث، والمنهج المتبع في القسم الدراسي. الفصل الأول: عصر المؤلف. وفيه تمهيد وثلاثة مباحث. المبحث الأول: الحالة السياسية. المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية. المبحث الثالث: الحالة العلمية. وقد عالجت هذا الفصل باختصار؛ لأنه ليس مقصوداً بالذات بل بالتبع، ولأن من تولَّى تحقيق القسم الأول تكفَّل بإشباع الدارسة. وقد بيَّنتُ أثر هذا العصر بأحواله على شخصية القرافي. الفصل الثاني: حياة المؤلف. وقد تضمَّن ثمانية مباحث. المبحث الأول: اسمه وكنيته ولقبه وشهرته وأصله. المبحث الثاني: مولده ونشأته. المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه الفقهي. المبحث الرابع: شيوخه. المبحث الخامس: تلاميذه. المبحث السادس: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه. المبحث السابع: مصنفاته. المبحث الثامن: وفاته رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 جاءت دراسة هذا الفصل سريعة في معظم مباحثها، إلاَّ أني توسَّعت قليلاً في مبحث مصنفاته؛ لأنها الآثار الباقية بعد وفاة القرافي، ورجاءً أن يقف عليها من يروم تحقيقها. الفصل الثالث: دراسة عن كتاب " شرح تنقيح الفصول " وقد انتظم هذا الفصل في عشرة مباحث، كالتالي: المبحث الأول: التعريف بمتن الكتاب " تنقيح الفصول ". المبحث الثاني: عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه. المبحث الثالث: الباعث على تأليف الكتاب وزمن تأليفه. المبحث الرابع: موضوعات الكتاب ومضامينه ونظام ترتيبه. المبحث الخامس: موارد الكتاب ومصادره. المبحث السادس: منهج المؤلف في الكتاب وأسلوبه. المبحث السابع: قيمة الكتاب العلمية ومحاسنه. المبحث الثامن: المآخذ على الكتاب. المبحث التاسع: مقارنة الكتاب بكتب الشروح الأخرى. المبحث العاشر: وصف نسخ الكتاب ومنهج التحقيق. وقد توسَّعتُ في هذا الفصل كثيراً، وضربت مزيداً من الأمثلة، لأنه المقصود بالدراسة أصالةً، ورجاءً في إعطاء صورة صادقة حقيقة - قدر المستطاع - عن منهج الكتاب وأسلوبه وموارده ومضامينه وقيمته والمآخذ عليه، وما يتبع هذه الدراسة مما له تعلُّق به. القسم الثاني: القسم التحقيقي وقد أوردتُ فيه نصَّ الكتاب محققاً موثقاً، محرَّر الأقوال، مُدعَّم الأمثال، مخرَّج الأحاديث معزوّ الآيات، مع التعريف بالمصطلحات، وتوضيح المشكلات والمشتبهات، وبيان محزِّ الخلاف والخصومات، كلُّ ذلك بحسب الجهد والطاقة، مع اعترافي بالعجز والفاقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 منهج البحث في الرسالة أرجأتُ الكلام عن منهج تحقيق الكتاب إلى المبحث العاشر من الفصل الثالث (1) ؛ وذلك لأني رأيت بأن موقعه اللائق به هناك لأمرين: الأول: بعد توصيف ما حُزْتُه من النسخ الخطية مع عرض نماذج منها، صار من المناسب إتباع ذلك بمنهج التحقيق، والقواعد المنهجية المتبعة؛ لشدَّة اتصال المنهج بوصف النسخ. الثاني: ليكون آخر ما يعلق بذهن القاريء من موضوعات الدراسة منهج التحقيق وهو أول ما يدخل به مباشرة عند قراءة نص الكتاب، وبهذا يكون مستصحباً هذا المنهج ومستحضراً له في أثناء تقليب صفحات الكتاب. أما المنهج الذي اتبعته في القسم الدراسي فإني: - عزوت الآيات إلى سورها. - تركتُ تخريج الأحاديث إذا كانت مذكورةً في القسم التحقيقي، وخرَّجت ما لم يرد فيه. - ترجمت للأعلام الذين جاء ذكرهم في القسم الدراسي، مع الإحالة على موطن الترجمة لمن تُرجم له في القسم التحقيقي. - شرحت الألفاظ الغريبة التي تبدو كذلك من وجهة نظري. - عرفت بالمصطلحات والمدن والطوائف التي رأيت الحاجة داعيةً إلى ذلك. - صنعت فهارس للقسم الدراسي. هذا، ولقد حاولت في التحقيق الاقتصار على لفظٍ موجز ومعنىً مكتنز، حتى أجعل المكتوب بمقياس المطلوب تمشياً مع المرغوب، لكنَّه أملٌ حال دونه سوء التقدير وسقم التفكير. وأحبُّ أن أعلن بصوتٍ يبلغ الغاية، بأنني لم ولن أبلغ في تحقيق الكتاب النهاية، بل إذا حسَّنتُ الظنَّ قلتُ: خطوةٌ في البداية، فلا أشكُّ أن العمل في هذه الرسالة في حاجةٍ إلى التنقيح والتهذيب، والتصحيح والتشذيب، وهكذا شأن المرء فيما يكتبه، لا يكتب شيئاً في يومه إلا ويرى فيه خللاً في غده، وهذا من أعظم العبر على استيلاء النقص على جملة البشر.   (1) انظر: ص 276 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 فإذا كان هذا شأن المرء مع ما يكتبه وشأنهُ التقصير، فما بال ناقده والناقدُ بصير، فليتلطَّف الناظرُ فيه مع غضِّ النظر، وليُوسِع العُذْرَ إن اللبيب من عَذَر. ولستُ أُزْجيه للناس بشرط البراءة من العيب، فإن الإنسان محلُّ النقصان بلا ريب، ويأبى الله العصمة لكتابٍ غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه. سامحْ أخاك إذا خَلَطْ ... منه الإِصَابةَ بالغَلَطْ وتَجَافَ عن تَعْنِيفِهِ ... إنْ زاغ يوماً أو قَسَطْ واعْلَمْ بأنَّك إن طَلَبْـ ... ـتَ مُهذَّباً رُمْتَ الشَّطَطْ ولو انْتَقَدْتَ بني الزَّمَا ... نِ وَجَدْتَ أكْثَرَهُمْ سَقَط مَنْ ذَا الذي ما سَاءَ قَطْ ... ومَنْ له الحُسْنَى فَقَطْ غيرَ نبيِّنا الذي ... عليه جبريلُ هَبَط (1) وفي نهاية المطاف أودُّ البَوْح بكلماتٍ طالما اكتظَّ بها صدري وفاءً وعرفاناً: ? أولى هذه الكلمات دعوات ضارعات إلى ربِّ البريات أن يجعل عملي هذا امتداداً لغراس والديَّ اللَّذَين ما فَتِئَا صابرَيْن داعِيَيْن الله أن يكتب التوفيق للباحث وبحثه. ? ثاني هذه الكلمات دعوات وفيَّات من عالم الأسرار والخفيَّات أن يوفِّق فضيلة شيخي وأستاذي الدكتور / حمزة الفعر المشرف على الرسالة إلى كلِّ ما يحبه الله تعالى ويرضاه، وأن يبارك له في أعماله وأحواله، وأولاده وأمواله، ومآبه ومآله، إنه تعالى قريب مجيب الدعاء، وإن أنس فلن أنس إجزاء شكري وتقديري لفضيلة شيخي وأستاذي الدكتور / مختار بابا آدو الذي تولَّى الإشراف على هذه الرسالة في بداياتها ثم اعتذر لظروفه الصحية أسأل الله تعالى أن يعافيه ويشافيه وأن يمتعه بالصحة والسلامة ويحسن لنا وله الختام. إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه. ? ثم دعوات صالحات مخلصات من إله الجمادات والكائنات لكل من قاسمني معاناة هذا البحث، ولكلِّ من كان له عليَّ فضل ومساعدة، فكم كانت لهم من فضائلَ بالغةٍ وأيادٍ سابغةٍ، وهم خَلْقٌ كثير، لا يضرُّهم أن جهلتموهم، فالله يعلمهم، والله يرحمهم، ويزجل لهم العطايا والهبات، فلهم منه عز وجل طوبى وحسنُ مآب.   (1) الأبيات من مجزوء الكامل للحريري ما عدا البيت الأخير. انظر: شرح مقامات الحريري للشريسي 2 / 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ربِّ هبْ لي حُكْماً وألحقني بالصالحين، واجعلْ لي لسان صِدْقٍ في الآخرين، واجعلني من ورثة جنَّةِ النعيم. ربِّ أوزعني أن أشكرَ نعمتَك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الفصل الأول عصر المؤلف وفيه تمهيد وثلاثة مباحث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 التمهيد: مما لا يسع أحداً إنكارهُ الأثر الكبير للوضع السياسي والفكري والاجتماعي ونحو ذلك على حياة الأفراد العلمية، فالإنسان مدنيٌّ بطبعه (1) ، يتفاعل مع محيطه، فيتأثر به، ويؤثر فيه. وإن ما يطرأ على الساحة السياسية من أحداث لابد أن يظهر أثره في سير علماء العصر، كما أن التغيرات الفكرية، والحياة الاجتماعية لا يَقِلُّ تأثيرهما على هذه الشخصيات عن الحياة السياسية. إن البحث في شخصية الإمام شهاب الدين القرافي يستدعي دراسة أحوال عصره وبيئته التي عاش فيها، لذا كان من المناسب إلقاء بعض الضوء على عصره، ولو بعجالة سريعة، بعيدة عن استطرادات المؤرِّخين التي ليست موضعها هنا.   (1) انظر: مقدمة ابن خلدون، تحقيق د. على عبد الواحد وافي 1 / 337 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 المبحث الأول الحالة السياسية ... عاش القرافي المولود سنة 626هـ باكورة حياته - بما يزيد عن العشرين عاماً - في ظل الدولة الأيوبية (1) (564 - 648هـ) ، ثم عاش بقية حياته في عهد الدولة المملوكية (2) . وقد اكتنف الدولتين أحداثٌ متلاحقة، وحروبٌ متعاقبة، واضطراباتٌ متفرقة. لكن يمكن أن يتركَّز الحديث عن أهم ما سجَّله التاريخ في هذه الحقبة الزمنية وفق المحاور التالية: 1 - الحروب الصليبية الشرسة: لقد خاض سلاطين الأيوبيين والمماليك جهاداً باسلاً ضد الإفْرَنْج (3) الذين كانوا يدأبون ليل نهار على غزو بلاد المسلمين، ومحو آثار الإسلام، ونشر عقيدتهم الصليبية. ولقد امتدتْ جذور هذه الحروب الصليبية قبل ولادة القرافي بزمن كبير، فقد بدأت حملتهم الأولى عام 492هـ، حيث توجهوا إلى بيت المقدس، واستولوا عليه، وقتلوا ما يزيد عن ستين ألف مسلم (4) . واستمرت الحروب سِجَالاً بينهم وبين المسلمين، وقصدوا الديار المصرية، فتمكنوا منها عام 564هـ (5) .   (1) الأيوبية: مؤسسها صلاح الدين الأيوبي سنة 564هـ امتد سلطانها على مصر والشام واليمن وغيرها، تعاقب على ملكها ثمانية سلاطين آخرهم توران شاه، قامت دولة المماليك على أنقاضها عام 648هـ. انظر: معجم المصطلحات والألقاب التاريخية لمصطفى الخطيب ص 60 (2) المملوكية: أسسها المعز لدين الله أيبك الصالحي سنة 648هـ. والمماليك هم صنف من العبيد أصلهم أتراك وجراكسة استقدمهم الأيوبيين للخدمة العسكرية، ثم برز منهم أقوياء، قامت دولتهم على أنقاض الأيوبية. وهم نوعان المماليك البحرية حكموا ما بين (648 - 792هـ) . ومماليك بُرْجِية حكموا ما بين (792-924هـ) . انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر ص 21 - 74 (3) الإفْرَنج: ويقال: الإفْرَنْجَة، والفَرَنْج، وهي كلمة فرنسية، هم سكان أوروبا ماعدا الأروام والأتراك. انظر: القاموس المحيط ص201، المنجد في اللغة مادة"إفرنج" (4) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 12 / 257 (5) انظر: البداية والنهاية 12 / 255 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ثم هيأ الله للأمة قائداً مظفَّراً هو " صلاح الدين الأيوبي " (1) الذي دحرهم، وتتبَّع فُلُولهم، ودكَّ جحافلهم، وحرَّرَ بيت المقدس من نَيْر احتلالهم سنة 583هـ (2) . وبعد صراعات داخلية بين أبناء صلاح الدين وإخوته حول الحكم ونحوه، انتهز الصليبيون هذه الفرصة فانقضُّوا مرة أخرى على بلاد المسلمين (3) . وفي عام 646هـ جهَّز الصليبيون حملة عظيمة كان القصد منها الاستيلاء على القاهرة، فلما علم بها الملك الصالح نجم الدين أيوب (4) - وهو على فراش الموت - أمر بقتالهم. واستولى الصليبيون على دِمْياط (5) ، ومات الملك الصالح، فأخفت زوجته خبر وفاته لئلا يَفُتَّ ذلك في عَضُد الجنود. ثم تولى من بعده ابنه توران شاه (6) سنة 647هـ، فقاتل الإفرنج حتى هزمهم هزيمة ساحقة، غير أنه قُتِل سنة 648هـ، وبموته انْقَضَتْ دولة بني أيوب في مصر (7) . ولما تسلم المماليك الحكم في مصر والشام كان ما يزال احتلال الصليبيين قائماً لبعض ديار الإسلام، فأَنْهك قواهم السلطان الظاهر بِيْبَرْس (8) الذي حكم من سنة   (1) هو يوسف بن أيوب بن شاذي الكردي أبو المظفر، الملقب بالملك المظفر الناصر صلاح الدين الأيوبي. كان عادلاً وحازماً مجاهداً، قائد معركة حطين، أسَّس الدولة الأيوبية سنة 564هـ بمصر والشام. توفي سنة 589هـ. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان 7 / 139، سير أعلام النبلاء للذهبي 21 / 278 (2) انظر: البداية والنهاية 12 / 320 (3) انظر: البداية والنهاية 12 / 277 (4) هو نجم الدين أيوب بن الكامل ناصر الدين محمد بن العادل سيف الدين أبي بكر الأيوبي، ولد بالقاهرة سنة 603هـ، وملك مصر سنة 637هـ، وبنى المدارس، واشترى المماليك. توفي سنة 647هـ. انظر: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي 2 / 34 (5) دِمْياط: مدينة عريقة بمصر تقع عند ملتقى النيل بالبحر الأبيض المتوسط. وهي عاصمة محافظة دمياط الآن. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 2 / 472، المنجد في الأعلام، ص246. (6) هو الملك توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين، قَرَّب مماليكه، وأبْعَد مماليك أبيه، فنفرتْ منه قلوبهم، وقتلوه سنة 648هـ. وكانت مملكته شهرين. انظر: حسن المحاضرة 2 / 35 (7) انظر: السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1 / 332 - 360 (8) هو الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بِيْبَرْس الصالحي المملوكي، أحد مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب. تولى الحكم بعد قَتْل الملك سيف الدين قُطْز، كان عالي الهمة شديد البأس. توفي سنة 676هـ. انظر: وفيات الأعيان 4 / 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 658هـ إلى 676هـ، ثم جاء من بعده السلطان المنصور قَلاَوُوْن (1) الذي حكم ما بين (678 - 689هـ) ، وجاهد في أثناء حكمه، وانتزع ما بأيدي الصليبيين من الحصون والمدن (2) . 2- الزحف المغولي الهمجي: في مستهل القرن السابع الهجري أغار التتار (3) الهمجيين على الأقاليم الإسلامية ابتداءً من المشرق الإسلامي حتى الشام، فأحاطوا بالمدن، الواحدة تلو الأخرى، مثل: بخارى، وخرسان، وأذربيجان، وبعض مدن فارس سنة 618هـ، فعمَّت المصائب، وعظم القتل والتخريب والسلب والنهب، وحرَّقوا المساجد والمدارس والمنازل (4) . وفي عام 656هـ هاجم هولاكو التتري (5) بجيشه الجرَّار مدينة بغداد، واستولى عليها، وقَتَل الخليفة العباسي آنذاك المستعصم بالله (6) وهو آخر خلفاء بني العباس، وبلغ عدد القتلى في هذه الواقعة المفجعة مليوناً وثمانمائة ألف (7) . وزحف هولاكو إلى الشام، فأسقط مدنها، وعاث فيها فساداً، وانحاشَتْ عساكر المسلمين إلى مصر هرباً، ثم استجمعوا قواهم، وانتظمت أحوالهم، وخرجوا بقيادة الملك المظفر سيف الدين قُطْز (8) ، وهزم التتار هزيمة نكراء عام 658هـ، وكانت أول هزيمة مُنِيَ بها التتار منذ خروجهم من بلادهم، وتفرقوا بعد ذلك في الأرجاء (9) .   (1) هو الملك المنصور قَلاَوُوْن بن عبد الله الصالحي المملوكي، أحد مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب، كان حسن الصورة مهيباً شجاعاً. حكم مدة (12) سنة. توفي سنة 689هـ. انظر: البداية والنهاية 13 / 336 (2) انظر: الخطط المقريزية 2 / 238 (3) التَّتَار: هم قوم يسكنون مَنْغُوليا في أواسط آسيا، يتكونون من عدة قبائل، اشتهرت بالقوة والعنف. أول ملوكهم جنكيز خان. انظر: شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 5 / 65 (4) انظر: المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء 3 / 122، البداية والنهاية 13 / 82، 94 (5) هو هولاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان، أعظم ملوك التتار مهابة وخبرة بالحروب، كان ملكاً جباراً فاجراً لا يدين بدين، توفي سنة 664هـ. انظر: البداية والنهاية 13 / 245 (6) هو عبد الله بن المستنصر بالله العباسي. ولد عام 609هـ، وتولى الخلافة سنة 640هـ، كان كريماً حسن الديانة، لكن ليس له تيقُّظ تام ولا حزم، توفي سنة 656هـ. انظر: شذرات الذهب 5 / 270، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 537. (7) انظر: البداية والنهاية 13 / 201 (8) هو الملك المظفر قُطْز بن عبد الله التركي المملوكي، كان بطلاً شجاعاً، سحق التتار في موقعة "عين جالوت"، كانت مدة ملكه نحو سنة، قتل مظلوماً سنة 658هـ. انظر: حسن المحاضرة 2 / 38 (9) انظر: خطط الشام لمحمد كرد علي 2 / 104 - 109 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 3- الاضطراب السياسي في المغرب والأندلس: بعد انهيار صَرْح الخلافة الأموية في الأندلس، قامت دولة الطوائف المفككة، هذا الأمر مهَّد للعدو المتربص بافتراس قلاع مدن هذه الدولة، وسقطت قرطبة سنة 636هـ (1) ، وتلتها المدن الأخرى، ولم يبق سوى غرناطة وأعمالها إلى منتصف القرن السابع الهجري. أما بلاد المغرب فقد آل أمر الحكم فيها إلى زعماء دولة الموحِّدين (2) وفي أوائل القرن السابع استولى أبوزكريا الحَفْصي (3) على تونس، وأنشأ دولته الحفصيَّة، وظلت دولة الموحدين في باقي المغرب والأندلس. ولمَّا اتسع نطاق دولته وافقه ملوك شرق الأندلس وغربيّها بالبيعة (4) . وبعد وفاته آل الأمر لبنيه من بعده. أثر الحالة السياسية على حياة القرافي: يمكن تلمُّس تأثر القرافي بأحداث عصره فيما يلى: (1) عايش القرافي أطماع الصليبيين في بلاد المسلمين، فكان لابد أن يتصدى المسلمون لهم بالسيف والسنان، وبالقلم والبنان. ولم تسجل لنا كتب التاريخ مشاركةً ميدانية للقرافي في الحروب والمعارك، بَيْد أنه أبلى بلاءً حسناً في تزييف عقائد اليهود والنصارى من خلال كتابه النفيس " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة " (5) فلقد فَنَّد في هذا الكتاب شبهات اليهود والنصارى وأبطل معتقداتهم. كما يمكننا أن نلمح من خلال كتابه دعوة المسلمين للجهاد والقتال، لما تفرضه طبيعة المرحلة التي كان يعيشها، فهو يخصم النصارى بأنهم تمرَّدوا على دعوة الإنجيل   (1) انظر: تاريخ ابن خلدون 4/336 وما بعدها (2) الموحِّدون: سلالة مغربية أسَّسها محمد بن تومَرْت على قواعد شيعية، تمكنت من إقامة دولة عربية إسلامية في المغرب على أنقاض دولة المرابطين، مؤسسها: عبد المؤمن بن علي بن مخلوف، حكمت ما بين (524 - 629هـ) . انظر: معجم المصطلحات والألقاب التاريخية ص 413 (3) هو أبو زكريا يحي بن عبد الواحد بن أبي حفص، ولد عام 598هـ، أول ملوك الدولة الحفصية. توفي سنة 647هـ. انظر: الوافي بالوفيات 4/ 593. (4) انظر: تاريخ ابن خلدون 6/ 600 ومابعدها. (5) انظر التعريف به ص (49) من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الناطق بالمسالمة والمذلَّة، ومحبة الأعداء، ومباركة اللاَّعِنِين، والصلاة على من يطرد أتباع المسيح (1) ، ثم هم بعد هذا يستبيحون القتل والتخريب ومحرمات الإنجيل، فهم أشد الناس كفراً بالله وملائكته وأحكامه. بينما نحن المسلمين أُمرنا بالقتال والجهاد، وجعله تعالى من أعظم القربات، وأسباب السعادات (2) ، فما بالنا لا نقاتل أعداء الله أياً كان جنسهم، وقتالهم عندنا واجب مقدَّس بنص الآيات المحكمات من كتاب الله تعالى. (2) إن سقوط الخلافة العباسية في بغداد، وإقامة خلافة عباسية جديدة (صوريّة) في القاهرة، هذا الأمر جعل مصر محطَّ أنظار العلماء، وبؤرة استقطابٍ لهم، ولا شك بأن هذا له الأثر الكبير على حياة القرافي العلمية. زِدْ على ذلك أن الشيخين البارزين والعلمين الشهيرين: العز بن عبد السلام (3) ، وابن الحاجب (4) قد تركا الشام إلى مصر عام 639هـ، وذلك بسبب إنكارهما الشديد على حاكم دمشق تعاونَهُ مع الإفرنج وبذْلَه لهم بعض ديار المسلمين (5) . وما خروجهما إلا صَدَىً للحالة السياسية السائدة في ذلك العصر، وقد استفاد القرافي من علميهما أيما استفادة.   (1) انظر: إنجيل متى، الإصحاح: 5 الفقرات: 43 - 45، 48 (2) انظر: الأجوبة الفاخرة للقرافي ص (118) . (3) انظر: ترجمته في القسم التحقيقي ص 449. (4) ستأتي ترجمته ضمن شيوخ القرافي ص 38 من القسم الدراسي. (5) انظر: البداية والنهاية 13 / 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 المبحث الثاني الحالة الاجتماعية عاش القرافي في بيئةٍ يتألف سكانها من قوميات متبانية، وأجناس متفاوته، فيهم: العرب والأكراد والأتراك والرومان والأقباط وغيرهم، كما ضمَّ المجتمع بين جانبيه طوائف ومللاً شتى، من سنة وشيعة ونصارى ويهود وصوفية ... إلخ. وكان لدين الإسلام فضلٌ كبير في إذابة هذه العرقيات، وصهرها في بوتقة الأمة الإسلامية الواحدة. وكانت الحياة الاجتماعية تتغير أنماطها تبعاً لنهج الحكم وسياسة الحاكم، هذا الاختلاف انعكس أثره في حياة الناس. - الحالة الاجتماعية في حياة الملك الصالح نجم الدين الأيوبي (637 - 647هـ) كان العدل فيها مبسوطاً بين الرعية، وقد عين نُوَّاباً بدار العدل؛ لإزالة المظالم، والنظر في شئون الرعية، وكان يعمل ليلاً نهاراً على درء الخطر الخارجي؛ لتبقى أوضاع بلاده مستقرة آمنة (1) . وكان قد اشترى عدداً كبيراً من الأتراك (المماليك) ، وصاروا معظم عسكره، ورجحهم على الأكراد، وأمَّر منهم، وجعلهم بطانته المحيطين به (2) . وكانت توجد في عهده مفاسد ومنكرات أنكرها العز بن عبد السلام عليه مع كونه مهاباً جباراً لا يستطيع أحد أن يتكلم بين يديه (3) . - الحالة الاجتماعية في حياة السلطان الظاهر بيبرس المملوكي (658 - 676هـ) كان الرجل في غاية الاهتمام بأمر المسلمين، له مقصد صالح في نصرة الإسلام ومحبة العلماء. فتح فتوحات كثيرة كانت تحت أيدي الإفرنج، وبنى المساجد والمدارس ودور   (1) انظر: وفيات الأعيان 5 / 85، والسلوك للمقريزي 2 / 306، 340 (2) انظر: سير أعلام النبلاء 23 / 191 (3) انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8 / 211، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي 6 / 333 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الأوقاف، وحاسب بشدة من ينتهك حرمات الله كشرب الخمر واقتراف الزنا. وشدَّد على النصارى والرافضة، ولم تكن لهم صولة ولا جولة، والبلاد في عهده كانت محميَّة من الخطر الخارجي، مما جعل الأوضاع تستقر والناس ينعمون بالأمن (1) . ? ومن حسنات الدولتين الأيوبية والمملوكية: محاربة المذهب الشيعي الذي عشَّش وفرَّخ في مصر مدة طويلة أيام الحكم الفاطمي (العبيدي) (2) . وسعت الدولتان إلى سحق آثار المذهب الشيعي، ومنعهم من الخطابة والتدريس، بل ردَّ الظاهر بيبرس شهادتهم، ولما ثاروا عليه واجههم بحزم وصَلَبهم (3) . ولكن من المآخذ على الدولتين: انتشار التصوف في عهديهما، وتعظيم مشايخ الصوفية، وبناء الرُّبط والزوايا لهم (4) . وأما العلماء في هذا العصر فقد كانوا على فريقين: - فريق آثر ما عند الله، فأخذ يصدع بالحق، وينصح الحكام، ويحذرهم من البعد عن شرع الله كالعز بن عبد السلام، وابن الحاجب وغيرهما. - والفريق الآخر غلب عليهم الطمع، والمكانة عند السلطان، فوافقوهم، وأجروا لهم الفتاوى حسب الأهواء، وهؤلاء لم يكن لهم وزن عند الناس. أثر الحالة الاجتماعية على حياة القرافي: هذه الأجواء الاجتماعية كان لها أثر على شخصية القرافي، ويمكن تلمُّس هذه الآثار فيما يلي: (1) نظراً لتعايش المجتمع الإسلامي مع أهل الذمة، وحمايةً لأبناء المسلمين من الانزلاق وراء شبهات اليهود والنصارى انبرى القرافي لتأليف كتابه " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة "، وقد سبق الكلام عن هذا في الأثر السياسي على القرافي (5) .   (1) انظر: البداية والنهاية 13 / 260، النجوم الزاهرة 7/94، عصر سلاطين المماليك لمحمود رزق سليم 1/27 (2) الفاطمية: دولة شيعية كان أوّل ظهورها في تونس سنة 297هـ على يد عبيد الله المهدي، ولهذا تعتبر امتداداً للدولة العبيدية. كانت تنازع الدولة العباسية، امتدَّ نفوذها حتى شملت مصر والحجاز والشام واليمن. تعاقب عليها (14) خليفة. انتهت دولتهم سنة 567هـ. انظر: معجم المصطلحات والألقاب التاريخية ص317، 335. (3) انظر: الخطط المقريزية 4 / 161 (4) انظر: الخطط المقريزية (2 / 414 - 436) لترى أعدادها والاهتمام بها. (5) انظر: ص 20 من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 (2) ملازمة القرافي لشيخه العز بن عبد السلام ربما أكسبته نُفرةً من السلاطين، مع أن القرافي كانت لديه قدرة عجيبة على صنع التماثيل والمراصد الفلكية (1) التي كان السلاطين مولعين بها، ومع ذلك لم يكن له ذِكْرٌ على بلاطهم، ولم يتولَّ لهم شيئاً من مناصبهم. (3) كان القرافي يلهج بأشعار، ويتمثل بها كثيراً مما يدل على تأثره بالحالة السائدة في عصره. فهويقول: وإذا جَلَسْتَ إلى الرِّجِالِ وأشْرَقَتْ في جَوِّ باطِنِكَ العُلومُ الشُّرَّدُ فاحْذَرْ مُناظرةَ الحَسْودِ فإنَّما تَغْتاظُ أنتَ ويستفيد ويَحْرَدُ (2) يمكننا أن نستخلص من هذين البيتين بأن عادة سيئة كانت منتشرة بين العلماء مما حدا بالقرافي أن يقول ما قال. وكان يُردَّد: عَتَبْتُ على الدنيا لِتَقْديمِ جَاهِلٍ ... وتأخيرِ ذِيْ عِلْمٍ فقالتْ: خُذِ العُذْرا بَنُو الجَهْل أبنائي وكلُّ فضيلةٍ فأبناؤها أبناءُ ضَرَّتي الأُخْرى (3) فهذان البيتان يدلاَّن على مدى سخط القرافي على تولَّي بعض الحكام سلطة البلاد والحكم بين العباد، وتقديم العلماء غير المؤهَّلين أو الجديرين إلى مناصب الإفتاء والقضاء. والله أعلم. (4) ينبغي ألاَّ ننسى أن كثرة التآليف من الإمام القرافي التي نالت إعجاب العلماء، لعله إفرازٌ لما نَعِمتْ به البلاد من أَمْن واستقرار، وتشجيع للعلم وأهله في بعض الحِقَب الزمنية. ولهذا شَهِد بعض علماء عصره بأن القرافي حرَّر أحد عشر عِلْماً في ثمانية أشهر، أو قال: ثمانية علومٍ في أحد عشر شهراً (4) .   (1) سيأتي الحديث عن هذا ص (45) من القسم الدراسي. (2) لم أهتد إلى قائله، لكنه موجود في: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي ص 130, ويَحْرَد: يَغْضب ويغتاظ فيتحرَّش بالذي غَاظَه ويَهِمُّ به. المعجم الوسيط مادة " حرد ". (3) انظره منسوباً إلى محيي الدين، المعروف بحافي رأسه في: الديباج المذهب ص 130 (4) انظر: الديباج المذهب ص 129 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 المبحث الثالث الحالة العلمية تَزْدان الحياة العلمية في أيِّ عصرٍ وتزدهر بمقدار كثرة المدارس المنتشرة، والخِزَانات العامرة بالكتب الوفيرة، وبزيادة الحوافز المبذولة لطالبي العلم والراغبين فيه. ... والحالة العلمية لم تُحَاكِ الحالةَ السياسية المضطربة، بل ظلَّتْ ناميةً مزدهرةً، فبعد أن كانت بغداد ـ عاصمة الخلافة العباسية ـ مَحَطَّ العلماء من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ إلا أن إمامتها للعلماء انحسرت بعد سقوطها على أيدي التتار. ... وأخذت دمشق والقاهرة تتنازعان الرئاسة العلمية، وصارتا موئل العلماء، غير أن كفَّة مصر رجحت حين تكاثر وفود العلماء إليها نتيجةً لتعرض الشام إلى الغزو الصليبي والتتري. وكان من أسباب النهضة العلمية في مصر أيضاً أن الدولة الفاطمية (العبيدية) سعتْ حثيثاً إلى بناء المدارس، وتعليم المذهب الرافضي وفَرْضِه على الناس، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي من بعدهم، فأنشأ المدارس السُّنِّية، وسعى إلى اجتثاث جذور المذهب الباطني الذي زرعته الدولة الفاطمية (العبيدية) ، وهكذا تتابع الملوك من بعده، ولاقى العلماء كل تشجيعٍ وإكرامٍ، وهكذا كان الأمر في عهد الدولة المملوكية. ويلاحظ هنا أن بعض الكاتبين في تاريخ التشريع الإسلامي يصفون هذه الفترة الزمنية، والطور التاريخي بأنها فترة الجمود والتقليد، والهرم والشيخوخة (1) . وفي تقديري إن هذا الحكم فيه مجافاة للواقع، وبُعْد عن الإنصاف، فلم يَخْلُ زمان من مجدِّدين يُحْيُون ما اندرس من علوم الشريعة، ويستنهضون همم الناس نحوها، وإن صَحَّتْ هذه المقولة في علم الفقه فلا تصحُّ في علم أصول الفقه، قال الشيخ محمد أبو زهرة (2) : ((هذا العلم الذي غرس غرسه الإمام الشافعي رحمه الله لم يَضْعف من بعده،   (1) انظر: على سبيل المثال: تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ / محمد الخضري ص 248، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للحجوي 2/ 189. (2) هو محمد بن أبو زهرة، من علماء الشريعة، وعضو المجلس الأعلى للبحوث العلمية، ووكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة. له أربعون مؤلَّفاً، منها: أصول الفقه (ط) ، تاريخ الجدل في الإسلام (ط) ، وكتب أخرى عن الأئمة الأعلام. ت 1394 هـ. انظر الأعلام للزركلي 6 / 25، أصول الفقه تاريخه ورجاله لشيخنا الدكتور / شعبان محمد إسماعيل ص 647. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 حتى في عصور التقليد التي أَغْلقتْ فيها باب الاجتهاد، بل نما وترعرع. . . وكأن الفقهاء إذْ قيَّدوا أنفسهم في الفروع، قد اطلقوا لها الحرية في الأصول ... )) (1) . وقد نبغ في هذا العصر - السابع الهجري - أساطين من العلماء، الذين طَبَّقتْ شهرتهم الآفاق، وأَثرَوا بتصانيفهم الفريدة المكتبات، حتى غَدَتْ مَفْزعاً لنَاهِليِ علوم الشريعة وغيرها، فمنهم: الإمام فخر الدين الرازي (2) ، وموفق الدين ابن قُدَامة المقدسي (3) ، وسيف الدين الآمدي (4) ، وتقي الدين أبو عمرو ابن الصَّلاح (5) ، وأبو عمرو ابن الحاجب المالكي، والحافظ المنذري (6) ، والعز بن عبد السلام، وابن مالك النحوي الأندلسي (7) ، والإمام النووي (8) والقاضي البيضاوي (9) ،   (1) انظر: كتابه: " الشافعي " عهده آراؤه وفقهه ص 309. (2) انظر ترجمته في: القسم التحقيقي ص 4. (3) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، موفق الدين الدمشقي الحنبلي، كان إماماً في علوم كثيرة خاصةً الفقه والأصول والخلاف، وله كتاب: المغني في الفقه (ط) وروضة الناظر في أصول الفقه (ط) وغيرهما. توفي سنة 620هـ، انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 133 (4) انظر ترجمته في: القسم التحقيقي ص 21. (5) هو عثمان بن عبد الرحمن الشَّهْرَزُوري الشافعي، المفتي والمفسر والأصولي واللغوي، وله آراء أصولية مبثوثة في مؤلفاته، منها: فتاوى ومسائل ابن الصلاح (ط) ، والمفتي والمستفتي (ط) ، مقدمته الشهيرة في مصطلح علوم الحديث (ط) . توفي سنة 643هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8 / 326 (6) ستأتي ترجمته ضمن شيوخ المصنف ص 39 من القسم الدراسي. (7) هو جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الجياني، إمام زمانه في العربية، كان عالماً بالقراءات. له مؤلفات شهيرة منها: التسهيل وشرحه (ط) ، الخلاصة وهي المشهورة بألفية ابن مالك في النحو (ط) . توفي سنة 672هـ. انظر: بغية الوعاة للسيوطي 1 / 130 (8) هو الحافظ محي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف النووي، الفقيه الشافعي والمحدث، صاحب التصانيف النافعة، مثل: شرح صحيح مسلم (ط) ، المجموع شرح المهذب (ط) رياض الصالحين (ط) . انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 5 / 165 (9) هو عبد الله بن عمر بن محمد، المعروف بالقاضي البيضاوي، كان إماماً عابداً فقيهاً أصولياً مفسراً متكلماً، له قدم راسخة في التأليف، منها: منهاج الوصول (ط) ، أنوار التنزيل (ط) . توفي سنة 685هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8 / 157 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ابن دقيق العيد (1) ، وغيرهم كثير. ومن مؤيدات نهضة الحالة العلمية في هذا العصر: أن حركة التأليف والتدريس كانت نشطة، ووقع التنافس في بناء دور المدارس العلمية، ولعل من المفيد أن نعرِّج على أهم المدارس التي كان للقرافي اتصالٌ بها، فمنها: 1- المدرسة الصَّاحِبية: سميت بذلك نسبة لمنشئها الصاحب بن شُكْر (2) سنة 618هـ، جعلها وقْفاً على المالكية، وأجرى عليهم الأرزاق، وضم إليها مئات الكتب (3) . وقد نهل منها القرافي وغيره. قال عنها في كتابه " نفائس الفصول " (1/499) ((وهذه الفصول وجدتها في كتاب في الخزانة الصاحبية ... أسبع الله ظلالها)) . 2- المدرسة القَمْحِية: شيدها صلاح الدين الأيوبي سنة 566هـ، وسميت بهذا لما كان يقسم على مدرسيها وطلابها من القمح الموقوف عليها. وهي بجوار الجامع العتيق (جامع عمرو بن العاص) بمصر، وقد تولى القرافي التدريس بها حقبةً من الزمن (4) . 3- المدرسة الصالحية: تنسب إلى مؤسسها الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 641هـ. وقد تبوأت هذه المدرسة مكانة عالية في مصر، فقد كانت تُدرَّس فيها المذاهب الأربعة، واختير لها أفضل المشايخ، من بينهم الشهاب القرافي الذي تولَّى التدريس بها سنة 663هـ، ثم عزل، ثم أعيد، ثم ظلَّ يدرس فيها حتى مات رحمه الله (5) .   (1) هو تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب المنفلوطي المالكي الشافعي، الشهير بابن دقيق العيد، حقق المذهبين، ولي قضاء الديار المصرية والتدريس، وله كتب نافعة مثل: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (ط) . توفي عام 702هـ. انظر: الديباج المذهب ص 411، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 6 / 2 (2) هو صفي الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن الحسين الدميري، الشهر بالصاحب بن شكر، ولد سنة 540هـ وتفقه على مذهب مالك، استوزره الملك العادل الأيوبي. توفي سنة 622هـ. انظر: فوات الوفيات 2/193 (3) انظر: الخطط المقريزية 2 / 371، المنهل الصافي 1 / 277 (4) انظر: الخطط المقريزية 2 / 364، النجوم الزاهرة 5 / 385 (5) انظر الخطط المقريزية 2 / 374، المنهل الصافي 1 / 216، الدارس في تاريخ المدارس لعبد القادر النعيمي 1/316 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 4- المدرسة الطَّيْبَرْسِيَّة: تقع بالقرب من الجامع الأزهر، تُنْسب إلى مؤسسها علاء الدين طَيْبَرس الخَازنْداري (1) وهيأها للدارسين سنة 680هـ، وتضم المدرسة قسماً للشافعية، وآخر للمالكية. وكان القرافي أول من درس فيها من المالكية (2) . ... وهناك مدارس أخرى كثيرة في حياة القرافي، لكن لم يذكر التاريخ لنا أنه باشر الدرس أو التدريس فيها. من هذه المدارس: المدرسة الظاهرية، والفارقانية، والسيوفية، والفائزية، والمنصورية، ومدرسة العادل، ومدرسة ابن رشيق. . إلخ (3) ... وبجانب هذه المدارس توجد الجوامع، كجامع عمرو بن العاص، وقد درَّس فيه القرافي، وأخذ عنه خلقٌ كثير (4) .   (1) هو علاء الدين طَيْبَرس بن عبد الله الوزير، صهر الملك الظاهر، كان من أكابر الأمراء ومن أهل الحل والعقد، وكان دَيِّناً كثير الصدقات. توفي سنة 689هـ. انظر: البداية والنهاية 13/ 338 (2) انظر: الخطط المقريزية 2 / 383، الانتصار لواسطة عقد الأمصار 1 / 97، الوافي بالوفيات 6 / 233 (3) انظرها في: الخطط المقريزية 2 / 363 - 384، مساجد القاهرة ومدارسها لأحمد فكري 2 / 49 - 76 (4) انظر: الخطط المقريزية 2 / 383، الوافي بالوفيات 6 / 233 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الفصل الثاني حياة المؤلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 المبحث الأول اسمه وكنيته ولقبه وشهرته وأصله * اسمه: ... أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يَلِّيْن * كنيته: ... أبو العباس. * لقبه: ... شهاب الدين. * شهرته: ... القرافي. *وسبب هذه النسبة: ما ذكره بنفسه في كتابه العقد المنظوم في الخصوص والعموم (1 / 549) في الباب الثالث عشر حيث قال: (( وهذا الباب يكون العموم فيه مستفاداً من النقل خاصة، وذلك هو أسماء القبائل التي هي أصل تلك الأسماء لأشخاص معينة من الآدميين، كتميم وهاشم. أو لماءٍ من المياه كغسَّان، أو لامرأةٍ كالقرافة، فإنها اسم لجدَّة القبيلة المسماة القرافة، نزلت هذه القبيلة بصِقْع من أصقاع مصر لما اختَطَّها عمرو بن العاص ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فعُرِف ذلك الصقع بالقرافة، وهو الكائن بين مصر وبركة الأشراف، والمسمى: بالقرافة الكبيرة. وأما سَفْح المقطَّم فمَدْفن، وسُمِّيَ بالقرافة للمجاورة تبعاً، ولذلك قيل له: القرافة الصغيرة)) . ويؤكد القرافي أن شهرته بالقرافي لا تعود لكونه من سلالة هذه القبيلة، بل لسكناه بتلك البقعة حيث يقول: ((واشتهاري بالقرافي ليس لأجل أني من سلالة هذه القبيلة، بل للسكن بالبقعة الخاصة، فاتفق الاشتهار بذلك)) (1) . * أصله: صرح القرافي بأصله في كتابه السالف الذكر إذْ قال: ((وإنما أنا من صُنْهَاجَة الكائنة في قُطْر مراكش بأرض المغرب)) . وصُنْهَاجة: بضم الصاد وفتحها بطن من البربر (2) ، وقيل: إنها قبيلة من حِمْير، وحمير من عرب اليمن (3) .   (1) وانظر أقوالاً أخرى في سبب نسبته إلى القرافي في: الوافي بالوفيات 6 / 233، الديباج المذهب ص 129. (2) انظر: نهاية الأرب في أنساب العرب للقلقشندي ص 317. (3) انظر: الأنساب للسمعاني 3 / 590. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 المبحث الثاني مولده ونشأته * تاريخ ولادته: كانت ولادته ونشأته بمصر سنة 626هـ، كما صرح بذلك بنفسه في كتابه " العقد المنظوم " (1 / 550) ، إذْ قال: ((ونشأتي ومولدي بمصر سنة ست وعشرين وستمائة)) (1) . * مكان ولادته: ولد في قرية " بُوش " من صعيد مصر الأسفل غربي النيل (2) ، وتعرف أيضاً بـ" بَهْفَشَيْم " (3) من أعمال البَهَنْسَا، ولذلك عُرِف بالبَهْفَشِيمي البَهَنْسي (4) . * نشأته: لم تُنْبئنا كتب التاريخ شيئاً ذا بالٍ مما يتعلَّق بنشأة الشهاب القرافي، غير أنه ينحدر من أصولٍ مغربية من قبيلة صنهاجة. ولعلَّ نزوح أسرته إلى أرض مصر كان في عهد والده أو قبل ذلك بقليل. ومما يؤكد حداثة هذا النزوح ثبات حفظ القرافي لكثير من أسماء القبائل المغربية، مما يدل على قرب عهد أسرته بها (5) . كما أن والده كُني بأبي العُلَى، ونُعِت بالشيخ الأجلّ (6) ، مما يشير إلى أن والد القرافي رحل إلى مصر رحلة علمية حتى اكتسب هذا الإجلال والتعظيم.   (1) وهكذا توارد النقل عنه في: كشف الظنون 2 / 1153، هدية العارفين 1 / 90. (2) انظر: معجم البلدان للحموي 1 / 508، الوافي بالوفيات 6/233. (3) هكذا في: الوافي بالوفيات 6 / 233، بينما في: المنهل الصافي 1 / 215 " بَهَبْشِيْم ". (4) انظر: الديباج المذهب ص 128، حسن المحاضرة 1 / 316. (5) منها: صنهاجة، وهنتاتة، وزناتة، ودكالة، وغمارة، ومغراوة، وهيجانة، وهشكورة، وكدميولة، وبرغواطة، وهزميزة، ولمطة، وهرعة، ورباح. . . وغيرها كثير. انظر: العقد المنظوم للقرافي 1 / 551. (6) جاء في مقدمة كتاب ترتيب الفروق واختصارها لتلميذ القرافي أبي عبد الله محمد البقوري 1 / 19 ((وبعد: فإني لما وقفتُ على الفروق التي لشيخنا الأجل، الإمام الأفضل، العالم العَلَم المشارك شهاب الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ الأجل المرحوم أبي العُلَى إدريس القرافي. . .)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وكانت مصر معقل العلم وموئل العلماء، حتى قال ابن خلدون (1) : ((ونحن لهذا العهد، نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر)) (2) . وكانت القاهرة تعجُّ بالمساجد والمدارس ودور العلم، وبهذا تهيأت للشهاب القرافي منذ نعومة أظفاره فرصة تلقي العلم. فقد ذكرت بعض كتب التراجم بأن القرافي كان طالباً بالمدرسة الصاحبية، وكان يُعطى له من ريع وَقْفها، وفي مرةٍ لم يكن حاضراً، فلم يُعْرف اسمه، فكتب الشخص المسؤول عن حصر الغياب ونحوه اسمه بأنه " القرافي "؛ لأنه كان يأتي من تلك الجهة (3) . فهذا يعني أنه كان طالباً في هذه المدرسة، وكانت تجري عليه أرزاقها. ومما يُسجَّل في طَوْر النشأة العلمية للقرافي شدة ملازمته لشيخه الجليل العز بن عبد السلام منذ وطئت قدماه أرض مصر عام 639 هـ، وكان القرافي وقتذاك في الثالثة عشرة من عمره، فقد لازمه حتى توفي شيخه رحمه الله عام 660 هـ.   (1) هو: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، فيلسوف مؤرخ، عالم بالاجتماع، فقيه مالكي، رحل إلى عدة بلدان تولَّى القضاء في مصر وتوفي بها، من مؤلفاته: العبر وديوان المبتدأ والخبر. . . (تاريخ ابن خلدون) (ط) ، رسالة في المنطق، ملخص المحصول للرازي، وغيرها. ت 808 هـ. انظر: الابتهاج ص 17، الضوء اللامع 4 / 145. (2) مقدمة ابن خلدون 3 / 1025. (3) انظر: الوافي بالوفيات 6 / 233، المنهل الصافي 1 / 215، تاريخ الإسلام للذهبي ص 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 المبحث الثالث عقيدته ومذهبه الفقهي أولاً: عقيدة القرافي: من الآثار العلمية والفكرية السائدة في عصر القرافي على شخصيته اعتقاده في مسائل أصول الدين بعقيدة الأشاعرة (1) . فإن انتشار هذا المذهب في ديار مصر بصورة واسعة تمَّ عندما كانت تحت سلطنة السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقد كان صلاح الدين يحفظ هذه العقيدة في صباه، وهكذا كان قاضيه. فلذلك عقدوا الخناصر، وشَدُّوا البَنَان على المذهب الأشعري، وحَمَلوا في أيام دولتهم كافَّةَ الناس على التزامه. فتمادى الحال على ذلك جميعَ أيام الملوك من بني أيوب (2) . ولقد أسهم القرافي - كغيره من العلماء - ببعض مصنفاته في شرح المذهب الأشعري الذي يعتقده ويؤمن به، فهو يشرح كتاب: " الأربعين في أصول الدين (3) " للفخر الرازي الذي هو من أكابر علماء الأشاعرة، ومن المنظِّرين لهذه العقيدة. إن أشعرية القرافي تبدو واضحةً للعَيَان عند الاطلاع على كثير من كتبه، فمؤلفاته تنبيء بأنه أشعريٌ خالص متمسِّك بها، ويُسمِّي أهل مذهبه بأهل الحق (4) ، وبأهل السنة (5) . ومن النصوص الصريحة في انتحال القرافي مذهب الأشاعرة ما يلي: (1) قال في كتابه: نفائس الأصول (1/419) ((. . . وليس كما قال، لأنَّا - أيها الأشاعرة - نجوِّز تكليف مالا يطاق. .)) .   (1) انظر التعريف بها ص (28) من القسم التحقيقي. (2) انظر: الخطط المقريزية 4/184 وما بعدها. (3) انظر: مؤلفات القرافي في العقيدة ضمن مصنفاته ص (50) من القسم الدراسي. (4) انظر على سبيل المثال: كتابه الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 420، 612، شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 48، 72. (5) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 (2) وقال في كتابه: شرح تنقيح الفصول ص (145) ((. . . لم يقل بالكلام النفسي إلا نحن، ولذلك تُصُوِّر - على مذهبنا - تعلُّقه بالأزل. . .)) . (3) وقال في كتابه: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة ص (65) ((. . . ولذلك عَدَلْتُ عن بيان سماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى، وهو قائم بذاته بغير حَرْفٍ ولا صَوْتٍ، وهو مبسوط في كتبنا الكلامية، وقد ذكرته مستوعباً في: شرح الأربعين للإمام فخر الدين، فمن أراده نظره هناك)) . ( 4) وقال في كتابه: الذخيرة (13/244) - بعد أن أورد مَقُولَة الشافعي: ((لو وَجَدْتُ المتكلمين لضربتهم بالجريد)) - قال: ((قال لي بعض الشافعية - وهو مُتَعيِّن فيهم يومئذٍ - هذا يدل على أن مذهب الشافعي تحريم الاشتغال بأصول الدين. قلتُ له: ليس كذلك، فإن المتكلمين اليوم في عُرْفِنا إنما هم الأشعري وأصحابه، ولم يُدْرِكوا الشافعي ولا تلك الطبقة الأولى، وإنما كان في زمان الشافعي عَمْرو بن عُبيد وغيره من المعتزلة المبتدعة أهل الضلالة، ولو وجدناهم نحن ضربناهم بالسيف فضلاً عن الجريد، فكلامه (أي الشافعي) ذَمٌّ لأولئك لا لأصحابنا. وأما أصحابنا القائمون بحجة الله، والناصرون لدين الله، فينبغي أن يُعظَّموا ولا يُهْتَضَموا؛ لأنهم القائمون بفرض كفايةٍ عن الأمة. . .)) . ومع كون القرافي على مذهب الأشاعرة إلا أن ذلك لم يَحْمِله على التعصب وبَطَر الحق، فقد كان يتخلَّى عن مذهب قومه، ويُنْصف خصمه إذا كانوا على الحق. يدلُّ على ذلك: اختياره ما يخالف مذهب الأشاعرة والجمهور في مسألة تحريم الشارع واحداً لا بعينه، واختيار أنه لا يمكن تحريم واحدٍ لا بعينه، وقال: ((والحق في هذا ما نسبه (أي الآمدي) للمعتزلة لا ما نسبه لأصحابنا)) (1) . وما دام الحديث هنا عن عقيدة القرافي فمن إحقاق الحق أن نُشِيد بموقفه الباسل، وجهاده النبيل، النابع من إيمانه الراسخ بدين الإسلام عقيدةً وشريعةً ضِدَّ شبهات اليهود والنصارى ومفترياتهم. فلقد انْبَرَى لهم القرافي - وقد كانوا كُثُراً في عصره - يزيَّف معتقداتهم الباطلة، ويُفَنِّد طعونهم المسمومة في الإسلام وأهله. وفي هذا الصدد   (1) انظر: نفائس الأصول 1/271 - 274، الفروق 2/8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ألف كتابه الرائع: " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة " (1) في الرد على اليهود والنصارى. فرَحْمةُ الله عليه رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته. ثانياً: مذهبه الفقهي: ... لا يساور أحداً الشكُّ بأن الشهاب القرافي مالكيُّ المذهب، بل زعيم المالكية في عصره بإجماع من تَرْجَم له. وإليك عَرْضَ الدلائل القاطعة بمالِكِيَّتِهِ: (1) قال في أول كتابه الذخيرة (1/34 - 36) ((أما بعد: فإن الفقه عماد الحق، ونظام الخلق، ووسيلة السعادة الأبدية، ولباب الرسالة المحمدية، مَنْ تحلَّى بلباسه فقد ساد، ومن بالغ في ضبط معالمه فقد شاد. ومن أجَلِّه تحقيقاً، وأقْربِه إلى الحق طريقاً: مذهبُ إمام دار الهجرة النبوية، واختياراتُ آرائه المرضيَّة. لأمور - ثم ساقها وقال -: ولمَّا وهبني الله من فضله أن جعلني من حَمَلة طلبته، الكاتبين في صحيفته، تعينَّ علَيَّ القيامُ بحقه بحسب الإمكان، واستفراغ الجهد في مكافأة الإحسان. . . ثم قال: وقد آثرْتُ أن أجمع بين الكتب الخمسة التي عكف عليها المالكيون شرقاً وغرباً، حتى لا يفوت أحداً من الناس مطلب، ولا يعوزه أرب. . .)) . - وقال أيضاً في الذخيرة (1/39) ((وبنيت مذهب مالك رحمه الله في أصول الفقه ليظهر عُلوُّ شرفه في اختياره في الأصول كما ظهر في الفروع. . .)) . (2) وقع من القرافي في مواطن كثيرة من كتبه أنه إذا أراد حكاية قولٍ من علماء المالكية ولا سيما الباقلاني أن يُعقَّب بقوله: " مناَّ " (2) أو " من أصحابنا " (3) ، كما أنه إذا أراد الاستدلال لرأي المالكية عَبَّر بقوله: " لنا " (4) أي: معشر المالكية، وهكذا. ( 3) نصَّ القرافي بنفسه على اعتزائه إلى المذهب المالكي في مقدمات بعض كتبه، منها: كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء ص (85) ، قال: ((يقول العبد الفقير إلى مغفرة ربه أحمد بن إدريس المالكي عفا الله عنه. . .)) وتكررت نفس العبارة بحروفها تقريباً في مقدمة كتابه: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام. . . ص (30) .   (1) انظره ضمن مؤلفاته ص 49. (2) انظر: القسم التحقيقي، الصفحات: 4، 42، 223. (3) انظر: القسم التحقيقي، الصفحات: 5، 55، 341. (4) انظر: القسم التحقيقي، الصفحات: 24، 32، 499. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وفي مقدمة كتابه: الأمنية في إدراك النية ص (3) قال: ((أما بعد: فيقول الشيخ الفقيه الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي. . .)) ولا شك بأن عبارات الثناء التي سبقت اسمه ليست من عنده، بل من زيادة النسَّاخ. (4) أجمع كل من ترجم له بأنه ينتسب إلى المذهب المالكي، ولهذا جاءت ترجمته في كتب طبقات المالكية (1) دون طبقات المذاهب الأخرى. هذه الدلائل كافية تماماً لإثبات مذهبه الفقهي، فلا حاجة لجلب النصوص والاستدلال على ما هو مشهور ثابت بالإجماع. وبالرغم من كونه على المذهب المالكي لم يجْرِمنَّه شنآن قوم على ألاَّ يعدل مع المخالفين لمذهبه بل لم يظلّ متعصباً لمالكيته على حساب الحق الذي يدين به. بل إنك تلمس في هذا الرجل المنصف محاربته السافرة للجامدين المتعصِّبين ولو كانوا من ذوي قرباه في المذهب. فعندما تعرَّض لما نقله عن " المدونة " من أن القائل لامرأته: أنت عليَّ حرام، أو أنت خَلِيَّة، أو وهبتك لأهلك، أنها تطلق منه بالثلاث، ولا تنفعه النية أنه أراد أقلّ من الثلاث (2) ناقش هذه المسألة ولم يرضها، وقال: (( فهذه الأحكام حينئذٍ بلا مستندٍ، والفتيا بغير مستند باطلةٌ إجماعاً، وحرامٌ على قائلها ومعتقدها - ثم قال - لكن أكثر الأصحاب وأهل العصر لا يساعدون على هذا وينكرونه. وأعتقد أن ما هم عليه خلاف إجماع الأئمة، وهذا الكلام واضحٌ لمن تأمَّله بعقل سليمٍ، وحُسْن نظرٍ سالمٍ من تعصبات المذاهب التي لا تليق بأخلاق المتقين لله تعالى)) (3) . ولهذا لا غرو أن حرص القرافي رحمه الله في موسوعته الفقهية " الذخيرة " على بيان مذاهب الفقهاء عامةً والأئمة الثلاثة خاصةً بجانب مذهب الإمام مالك رحمه الله.   (1) كالديباج المذهب ص 128 - 130، شجرة النور الزكية 1/188 - 189، الفكر السامي للحجوي 2 / 273. (2) انظر: المدونة 5 / 393، 397، وانظر: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي ص 222 وما بعدها. (3) انظر: الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام ص 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قال في مقدمة الذخيرة (1/35) ((وقد آثرت التنبيه على مذاهب المخالفين لنا من الأئمة الثلاثة، ومآخذهم في كثير من المسائل؛ تكميلاً للفائدة، ومزيداً في الاطلاع، فإن الحق ليس محصوراً في جهةٍ، فيعلم الفقيه أي المذهبين أقرب للتقوى، وأعلق بالسبب الأقوى ... )) . ومن الدلائل المشيرة إلى إنصافِهِ وتجرُّدِهِ للحق ما يلي: (1) جاء في الفروق (1/12) قوله ((وهنا سؤالان مشكلان على المالكية. . .)) . وفي موضع آخر من الفروق (3 / 171) قال: ((وهذا موضع مشكل على أصحابنا)) . (2) بعد مناقشته لمسألة بيع الطعام قبل قبضه قال في الفروق (1/193) ((فبقيت المسألة مشكلة علينا، ويظهر أن الصواب مع الشافعي)) . (3) قال في كتابه: الاستغناء في أحكام الاستثناء ص (620) ((ولا ينبغي أن ينازعهم (يقصد الشافعية) أصحابنا في هذا؛ فإنه على القواعد)) . وأخيراً الإمام القرافي رغم وصوله منزلةً علميةً رفيعةً نجده لا يتردد في الاعتراف بعجزه عن ضبط مسألةٍ ما، وهذا في الحقيقة من كمال تواضعه وتجرده، فمثلاً: لمَّا تأمَّل تعريفه للرخصة في " تنقيح الفصول " قال: ((والذي تقرر عليه حالي في شرح المحصول، وها هنا، أني عاجز عن ضبط الرخصة بحدٍّ جامعٍ مانعٍ، أما جزئيات الرخصة من غير تحديدٍ فلا عُسْر فيه، إنما الصعوبة في الحدِّ على ذلك الوجه)) (1) . وهكذا إذا أخطأ القرافي وتبيَّن له وجه الصواب، لا يستنكف أن يرجع عن خطائه. قال في شرح تنقيح الفصول ص (43) ((وقولي في الكتاب (يعني المتن) : الحقيقة استعمال اللفظ في موضوعه. صوابه: اللفظة المستعملة أو اللفظ المستعمل. . .)) . رحمة الله على الإمام القرافي، وعلى علماء الأمة أجمعين. آمين.   (1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 87، نفائس الأصول 1 / 331 - 336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 المبحث الرابع شيوخه ربما كان من المتعذِّر حصر المشايخ الذين أخذ عنهم القرافي، فقد قيَّض الله له علماء أجلاء، وسأذكر أبرزهم، فمنهم: 1- أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمرو بن أبي بكر بن يونس المالكي المعروف بابن الحاجب (1) . كان وقَّاد الذهن، متقناً لمذهب مالك، بارعاً في الأصول والفقه والعربية. صنَّف مختصرات طبَّقتْ شهرتها الآفاق منها: المختصر الفقهي: جامع الأمهات (ط) ، والمختصر الأصولي: منتهي السول ومختصره (ط) ، الكافية في النحو (ط) ، والشافية في الصرف (ط) توفي سنة 646هـ. ذكر القرافي شيخه ابن الحاجب في كتابه الفروق (1 / 64) فقال: ((وقد وقع هذا البيت لشيخنا الإمام الصدر العالم، جمال الفضلاء، رئيس زمانه في العلوم، أو سيِّد وقته في التحصيل والفهوم: جمال الدين الشيخ أبي عمرو بأرض الشام، وأفتى فيه وتفنن، وأبدع فيه ونوَّع رحمه الله وقدَّس روحه الكريمة. . .)) . 2- شمس الدين عبد الحميد بن عَمَوَيْه بن يونس الخُسْرَوْشَاهي الشافعي (2) . كان فقيهاً أصولياً متكلماً محققاً بارعاً في المعقولات، قرأ على الإمام الرازي، وأكثر من الأخذ عنه. صنَّف: مختصر المهذب للشيرازي، مختصر المقالات لابن سينا، توفي سنة 652هـ. ذكره القرافي في " شرح تنقيح الفصول " ص (33) (المطبوع) عند الكلام عن تحرير الفرق بين عَلَم الجنس وعَلَم الشخص واسم الجنس، فقال: ((وكان الخسروشاهي يقرره، ولم أسمعه من أحدٍ إلا منه، وكان يقول: ما في البلاد المصرية من يعرفه. . .)) (3) . وكذلك ذكر في نفائس الأصول (2 / 704) بأنه قرأ المحصول وضبطه عليه.   (1) انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3 / 248، الديباج المذهب ص 189 (2) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى 5 / 60 (3) وانظر: نفائس الأصول 2 / 601. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 3 - أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المُنْذِري (1) . ولد بمصر عام 581هـ وطلب الحديث، فرحل من أجله إلى مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس، حتى صار أحد الحفاظ المشهورين، وتولى مشيخة دار الحديث الكاملية، وبقي فيها حتى توفي عام 656هـ. من مصنفاته: الترغيب والترهيب (ط) ، مختصر صحيح مسلم (ط) . أخذ عنه خلق كثير منهم: العز بن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وقد أشار إليه القرافي في كتابه " الفروق " (2 / 191) . 4- عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم السُّلَمي الشافعي (2) الملقَّب بسلطان العلماء، توفي سنة 660هـ. أخذ القرافي عنه كثيراً، وكان شديد الإعجاب به، فها هو يقول عنه في " الفروق " (2 / 157) ((ولم أر أحداً حرَّره هذا التحرير إلا الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله وقدَّس روحه، فلقد كان شديد التحرير لمواضع كثيرة في الشريعة معقولها ومنقولها، وكان يُفْتح عليه بأشياء لا توجد لغيره رحمه الله تعالى. . .)) . وقال في موضع آخر من كتابه " الفروق " (4 / 251) ((لقد حضرت يوماً عند الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكان من أعيان العلماء، وأولي الجِدِّ في الدين، والقيام بمصالح المسلمين خاصةً وعامةً، والثبات على الكتاب والسنة، غير مُكْترثٍ بالملوك فضلاً عن غيرهم، لا تأخذه في الله لومة لائم. . .)) . 5- شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدين المقدسي الحنبلي (3) ولد بدمشق، ثم رحل إلى بغداد وتفقه فيها، واستقر بمصر، ودرس في المدرسة الصالحية، وتولى القضاء فيها، وكان يُعْتبر شيخ الحنابلة في مصر، توفي سنة 676 هـ ودفن بالقرافة الصغرى.   (1) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى 5 / 108، سير أعلام النبلاء 23 / 319. (2) انظر: ترجمته في القسم التحقيقي ص 449. (3) انظر: شذرات الذهب 5 / 353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أخذ القرافي عنه كما جاء في " الديباج المذهب " ص (128) ، وسمع عليه كتابه: وصول ثواب القرآن. 6- شمس الدين محمد بن عمران بن موسى المعروف بالشريف الكَرْكِي (1) ولد بفاس، ثم قدم مصر، وكان صاحب علوم كثيرة، وكان شيخاً للمالكية والشافعية بالديار المصرية والشامية، قدم من المغرب بمذهب مالك، وصحب العز بن عبد السلام وأخذ عنه الفقه الشافعي، توفي سنة 688هـ. قال القرافي عنه: ((إنه تفرد بمعرفته ثلاثين عِلْماً وحده، وشارك الناس في علومهم)) (2) .   (1) انظر ترجمته في: الديباج المذهب ص 416، بغية الوعاة 1 / 202. (2) انظر: الديباج المذهب ص 416. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 المبحث الخامس تلاميذه لقد أصبح القرافي عَلَماً بارزاً من الأعلام المشار إليهم بالبنان، وقد أفاد منه كثيرٌ من الطلبة والمشتغلين عليه، وقد عُهِد إليه بالتدريس في بعض مدارس مصر الشهيرة، وبجامع عمرو بن العاص. ولا شك أن خلقاً كثيراً قد أخذوا عن الإمام القرافي، فمِنْ أبرز تلاميذه: 1 - عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف العَلاَمي الشافعي، المشهور بابن بنت الأعز (1) كان فقهياً نحوياً ديِّنياً فصيحاً، وكان من أحسن القضاة سيرة، ولي خطابة الأزهر، والتدريس بالمدرسة الشريفية. قرأ على القرافي الأصول وتعليقة القرافي على المنتخب التي صنعها لأجله. توفي سنة 665هـ. 2 - أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد البَقُّوري (2) أخذ عن الإمام القرافي وغيره، واختصر كتابه " الفروق " وهَذَّبه ورتَّبه وسماه: " ترتيب الفروق واختصارها " (ط) . توفي سنة 707هـ. 3 - صدر الدين أبو زكريا يحيى بن علي بن تمام السُّبْكي (3) . برع في الفقه والأصول، وقرأ الأصول على الإمام القرافي، وسمع الحديث من غيره، تولي قضاء بعض البلاد المصرية، ثم درَّس بالمدرسة السيفية بالقاهرة حتى وفاته سنة 725هـ. 4 - شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المِرْدَاوي المقدسي الحنبلي (4) كان أصولياً مقرئاً نحوياً فقيهاً بمذاهب الحنابلة زاهداً ديِّناً، انتهت إليه مشيخة بيت المقدس. قرأ الأصول على القرافي، ألَّف شرحاً كبيراً للشاطبية وغيره. توفي ببيت المقدس سنة 728هـ.   (1) انظر: طبقات الشافعية الكبرى 8 / 172، فوات الوفيات 2 / 279. (2) انظر: الديباج المذهب ص 410، شجرة النور الزكية 1 / 211. (3) انظر: طبقات الشافعية الكبرى 10 / 391. (4) انظر: غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 122، شذرات الذهب 3 / 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 5 - زين الدين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي (1) كان رجلاً صالحاً زاهداً ذاكراً، ولي قضاء بعض البلاد المصرية، وكان من أعيان نوَّاب ابن دقيق العيد. قرأ الأصول على الشهاب القرافي، وحدَّث بالقاهرة والمحلَّة ومكة والمدينة. توفي سنة 735هـ. 6- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن راشد القَفْصي (2) . نزل بتونس، ثم رحل إلى الاسكندرية، ثم القاهرة، ولقي القرافي بها، ولازمه وانتفع به، وأجازه الإمام القرافي بالإمامة والأصول والفقه، كان فقيهاً فاضلاً متفنناً في العلوم، حج سنة 680هـ، وعاد إلى المغرب بعلمٍ جَمٍّ، ولي قضاء قَفْصة ثم عزل. توفي سنة 736هـ. من تآليفه: تحفة اللبيب في اختصار كتاب ابن الخطيب، تحفة الواصل في شرح الحاصل، المذهب في ضبط قواعد المذهب، وغيرها. 7 - محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان الكِنَاني الشافعي (3) . كان إماماً يُضرب به المثل في الفقه، عارفاً بالأصلين والنحو والقراءات، ذكياً نظاراً فصيحاً سليم الصدر، كثير المروءة، درَّس بأماكن كثيرة، أخذ الأصول عن الإمام القرافي. توفي سنة 749 هـ.   (1) انظر: طبقات الشافعية الكبرى 10 / 89، الدرر الكامنة لابن حجر 3 / 197. (2) انظر: الديباج المذهب ص 417، شجرة النور الزكية 1 / 207. (3) انظر: طبقات الشافعية الكبرى 9 / 97، شذرات الذهب 3 / 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 المبحث السادس مكانته العلمية و ثناء العلماء عليه * مكانته العلمية: مما لا ريب فيه أن القرافي تبوأ منزلة عالية، واعتبر من أكابر علماء عصره، قد شهد له بذلك معاصروه، ومن تلوه ممن قرأوا كتبه. لقد أظهرت مصنفاته العديدة المتنوعة سمّو مكانته، وعلّو درجته في كثير من ميادين العلوم والفنون التي خاضها ودرسها. فهو المتكلم الضليع، والمنطيق البارع، له دراية فائقة بعلم العقائد والتوحيد، وهو منافح صِنْديد عن عقيدة الإسلام وشريعته ضد شبهات اليهود والنصارى وأهل الزيغ والضلال (1) . وهو المفسِّر المتمكِّن، له أقوال مبثوثة في مصنفاته (2) ، ونقل عنه بعض المفسرين في تفاسيرهم (3) . وهو لغويٌ كبير، أحاط بكثير من دقائق اللغة، وسبر غورها، وفهم سِرَّها. وتحريراتهُ ومصنفاتهُ تشهد له بذلك (4) . وهو فقيهٌ متبحِّر، ومدقِّق متفرد، حسبك بموسوعته الفقهية الزاخرة " الذخيرة " فهي من أشهر كتب الفقه المالكي بل الفقه الإسلامي عامَّةً، وناهيك بكتابه الفذ " الفروق " الذي يعتبر من أعظم مبتكراته الفريدة في علم القواعد الفقهية. وهو أصوليٌ نظَّار نحرير، عقليته الأصولية بارعة قوية، ويكفيك برهاناً على إبداعاته الأصولية تصدِّيه لشرح أجلِّ كتب الأصول وهو " المحصول " للرازي. فقد أودع القرافي دُرَره ونفائسه في كتابه الموسوعي " نفائس الأصول في شرح المحصول ".   (1) انظر: ما ألفه من كتب في علم العقائد وأصول الدين ضمن مؤلفاته: ص 49 - 50. (2) أشار الصفدي في: الوافي بالوفيات (6 / 234) بأن للقرافي مصنَّفاً في تفسير الآية (8) من سورة الأنبياء. وكتابه: " الاستغناء في أحكام الاستثناء " حافل بالعديد من تفسيراته للآيات. انظر: ص 240، 310، 401، 458، 517، 638. (3) انظر على سبيل المثال: تفسير ابن جزي الكلبي المسمى: التسهيل لعلوم التنزيل 1 / 305، روح المعاني للألوسي 13 / 322. (4) انظر: مصنفاته في اللغة ضمن مؤلفاته: ص 57، 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وبجانب إمامة القرافي في العلوم النقلية والعقلية الشرعية، كانت له معرفة ثاقبة ببعض العلوم التجريبية، ومشاركاته في هذا المضمار تُعْلن عن تبحُّره وتفنُّنه. فله اطلاع واسع بالطب، فها هو يقول في " نفائس الأصول " (6 / 2602) بأن الترياق (1) نافع إلا إذا استعمله الممتلئ، أو صغير السن، أو أُخذ منه مقدار كبير، فإنه يقتل. وقال في النفائس (1 / 459) عن " ماء الهِنْدِباء " (2) : إنها تفتح سَدَد الكبد. وقال عن الَبَقْلة الحمقاء (3) المسماة بالرِّجْلة بأن عادة الأطباء يصفون بَزْرَها لتسكين العطش (4) . وقد استعمل الحساب والجبر والمقابلة في باب " الفرائض " من كتابه " الذخيرة " (5) وهو أمر لم يُسْبق إليه من قَبْلُ في كتب المالكيين. كما له تصنيف في الرياضيات (6) . وتحدث عن علم الفلك والمواقيت حديث العالم الخبير، فبيَّن ما يشتمل عليه من العروض والأطوال والقطب والكوكب والشمس والرياح، وذلك عند الكلام على تحديد القبلة للمصلِّي في كتابه: " الذخيرة " (7) .   (1) التِرْياق: ما يستعمل لدفع السُم من الأدوية والمعاجين، قيل: مأخوذ من ريق الحيات. انظر لسان العرب، المصباح المنير كلاهما مادة " ترق ". (2) الهِنْدباء: نبات بري معمّر، زهوره زرقاء، سماه بعضهم: صديق الكبد، يصنع منه شراب، وهو فاتح للشهية، ومفرِّغ للصفراء، ومنقٍّ للدم وغير ذلك. انظر معجم الأعشاب والنباتات الطبية د. حسان قُبيْسي ص 326. (3) البقلة الحمقاء: هي نبتة عشبية لَحمْية من فصيلة " الرجْلياَت " تسمى في لبنان: فرفحين، وتسمى: فَرفْخ، وتسمى في مصر والحجاز: رِجْلة. سميت بالحمقاء؛ لأنها تنبت في مسيل الماء فإذا جاء السيل ذهب بها. إذا خلط بزرها بالخل فإنه يصبر على العطش طويلاً، ولهذا يستصحبها المسافرون معهم. انظر: قاموس الغذاء والتداوي بالنبات لأحمد قدامة ص 80. (4) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 8، وانظر ما قاله عن " السَّكَنْجَبِين " وأنه نافع للصفراء ص (13) من المرجع السابق. (5) انظر: الذخيرة 1 / 39، 13 / 91. (6) وهو: ((المناظر في الرياضيات)) . انظره ضمن مؤلفاته: ص 59. (7) انظر: الذخيرة 2 / 13، 125، وللقرافي كتاب " اليواقيت في علم المواقيت " انظر: ص 56 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 كما له معرفة بعلم الفيزياء يدلُّ عليها تفسيره للصوت وكيفية خروجه، فهو يقرِّر: بأن الصوت عبارة عن هواء خارج عبر مَجَارٍ هندسية دقيقة ذات تجويفات مُحْكمة، وليس شرطاً أن يصدر هذا الصوت عن حيٍّ، بل قد يصدر عن جماد (1) . وفي الضوء أسهم بكتاب فريد مفيد فيه، وهو: " الاستبصار فيما تدركه الأبصار " شرح فيه صفة الإبصار وانعكاس الصور، وتشريع العين، وخداع البصر (2) . ... كما كان للقرافي مهارة صناعية عجيبة، وقدرة اختراعية بديعة (3) ، فقد ابتكر صناعة آلات وتماثيل على هيئة إنسان أو حيوان، قال في " نفائس الأصول " ( 1 / 441) : ((وكذلك بلغني أن الملك الكامل (4) وُضِع له شَمْعدان (5) ، كلما مضى من الليل ساعة انفتح باب منه، وخرج منه شخص يقف في خدمة السلطان، فإذا انقضتْ عشر ساعات، طَلَع شخص على أعلى الشمعدان، وقال: صبَّح الله السلطان بالسعادة، فيعلم أن الفجر قد طلع. وعَمِلْتُ أنا هذا الشمعدان، وزِدْتُ فيه أن الشمعة يتغيَّر لونها في كل ساعة، وفيه أسَدٌ تتغيَّر عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد، ثم إلى الحُمْرة الشديدة، في كلِّ ساعةٍ لهما لون، فيُعْرف التنبيه في كل ساعةٍ، وتسقط حصاتان من طائرين، ويدخل شخص، ويخرج شخص غيره، ويُغْلق بابٌ ويُفتح باب، وإذا طلع الفجر طلع شخص على أعلى الشمعدان وأصبعه في أذنه يشير إلى الأذان، غير أني عجزْتُ عن صنعة الكلام. وصنعْتُ صورة حيوانٍ يمشي ويلتفت يميناً وشمالاً، ويُصفِّر، ولا يتكلم)) (6) .   (1) انظر: باب اللغات في كتابه: نفائس الأصول 1 / 440 - 441 (2) انظره ضمن مؤلفاته: ص 59. (3) انظر مقالاً طريفاً عنوانه: " علماء فنانون: الإمام القرافي " للأستاذ / عبد المجيد وافي، في مجلة الوعي الإسلامي - وزارة أوقاف الكويت عدد (40) السنة الرابعة، عام 1388 هـ، ص 54 - 59. (4) هو أبو المعالي الملك الكامل محمد بن الملك العادل محمد بن أيوب من سلاطين الدولة الأيوبية ولد سنة 576هـ كان عارفاً بالأدب، وسمع الحديث ورواه، حكم سنة 615هـ حتى وفاته سنة 635هـ. انظر الوافي بالوفيات 1 / 193. (5) الشَّمْعدان: هو عمود طويل له مراكز يوضع عليها الشمع للإنارة. انظر: المعجم الوسيط مادة " شمع ". (6) معلوم من الشريعة حرمة صنعة التماثيل، ولكن لسنا ندري كيفية هذه التماثيل وهيئاتها، والظن بالقرافي امتناعه عن صناعة المُحرَّم. ويظهر لي أن صناعته هذه كانت في الصبا قبل بلوغه السنة التاسعة من عمره؛ لأن وفاة الملك كانت سنة 635هـ، وولادة القرافي كانت سنة 626هـ. فانظر - يالبيب - بماذا كان يشتغل أشبال المسلمين بالأمس وقارنه بترهات شبابنا اليوم!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فلا عجب بعد هذا كله أن دعا القرافي إلى تعلم العلوم المساعدة للشريعة من حساب وهندسة وفلك وطب وفيزياء وكيمياء وغيرها. فها هو يقول في كتابه " الفروق " (4 / 11) : ((وكم يخفي على الفقيه والحاكم الحق في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة، فينبغي لذوي الهمم العليَّة ألا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم. ولم أرَ في عُيوبِ الناسِ عَيْباً ... كنَقْصِ القَادِرين على التَّمَامِ)) (1) * ثناء العلماء عليه: ... بعد الاطلاع على مكانته العلمية السامقة ومنزلته الرفيعة الشاهقة، ماذا عسى أهل العلم أن يقولوا فيه؟ ... إليك بعض ما قيل فيه رحمه الله تعالى (2) : ... الإمام، العالم، الفقيه، الأصولي، العلامة الفهامة، وحيد دهره، وفريد عصره، نسيج وحده، وثمر سعده، شيخ الشيوخ، وعمدة أهل التحقيق والرسوخ، ذو العقل الوافي، والذهن الصافي، الشهاب القرافي. الإمام الحافظ، والبحر اللافظ، المفوَّه المنطيق، الآخذ بأنواع الترصيع والتطبيق، كان حسن السمت والشكل، وكان مُحْرِزاً قَصَب السَّبْق، جامعاً للفنون، وكان مُرْتَحل العلماء من الأصقاع النائية. كان إماماً بارعاً في الفقه، والأصول، والعلوم العقلية، انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب مالك، دلَّتْ مصنفاته على غزارة فوائده، وأعربتْ عن حسن مقاصده، جمع فأوعى، وفاق أضرابَه جِنْساً ونوعاً. ... كان أحسن مَنْ ألقى الدروس، وحلَّى مِنْ بديع كلامِه نُحوْرَ الطروس، إن عَرَضتْ حادثة فَبِحُسْن توضيحه تزول، وبعَزْمته تحول، فَلِفَقْده لسانُ الحال يقول:   (1) البيت من بحر الوافر، وهو لأبي الطيب المتنبي. انظر: شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 4 / 27. (2) انظر: محصل هذه النعوت والأوصاف في: الديباج المذهب ص 128، نيل الابتهاج بتطريز الديباج للتنكتي ص 325، شجرة النور الزكية 1 / 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 حَلَفَ الزمانُ ليأتينَّ بمثلِهِ ... حَنِثَتْ يمينُك يا زمانُ فكَفِّرِ (1) - قال الطوفي (2) فيه: ((الشيخ الإمام الأوحد)) (3) . - وقال الحافظ الذهبي (4) فيه: ((العالم الشهير، الأصولي. . . كان إماماً في أصول الدين، وأصول الفقه، عالماً بمذهب مالك، وبالتفسير، وعلوم أخر. . . وصنَّف في أصول الفقه الكتب المفيدة الكثيرة، واستفاد منه الفقهاء)) (5) . - وقال ابن السبكي (6) فيه: ((أستاذ زمانه في المنطق والعقليات بأسرها)) (7) . - وقال الحافظ العلائي (8) فيه: ((كان يجري بينه وبين العلامة شمس الدين   (1) لم أتعرَّف على قائله. لكنه يتكرَّر وروده في كتب التراجم والتواريخ، مبالغةً في مَدْح العَلَم المترجَم له. ولهذا قيل هذا البيت في: أبي بكر بن عمر الطريني (ت 827 هـ) ، انظر: المستطرف في كل فنٍّ مستظرف للأبشيهمي 1 / 320. وقيل أيضاً في: ابن مرزوق الحفيد (ت 842 هـ) ، انظر: نفح الطيب للمقري التلمساني 5 / 423. (2) هو نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي البغدادي الحنبلي. كان قوي الحافظة والذكاء، شارك في علوم كثيرة، منها: اللغة والتفسير والأصول والعقيدة. له مؤلفات كثيرة، منها: شرح مختصر الروضة (ط) ، الانتصارات الإسلامية في دفع شبه النصرانية (ط) وغيرها، ت 716 هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2 / 366. (3) شرح مختصر الروضة 1 / 104. (4) هو: الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الشافعي، اشتهر في علوم الحديث والتاريخ، له تصانيف نافعة كثيرة، منها: تاريخ الإسلام (ط) ، سير أعلام النبلاء (ط) ، ميزان الاعتدال (ط) وغيرها، ت 748 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 9 / 100. (5) تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث وفيات 681 - 690 هـ) ص 176. (6) هو: تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، تتلمذ على أبيه تقي الدين السبكي، ولزم الذهبي، وله مشاركة في التاريخ والأصول والفقه والأدب وغير ذلك. له مصنفات مفيدة منها: طبقات الشافعية الكبرى (ط) ، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (ط) ، الأشباه والنظائر (ط) وغيرها. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر 2 / 425. (7) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب 3 / 82. (8) هو: صلاح الدين خليل بن كَيْكَلدي العلائي الشافعي إمام في الأصول والحديث والفقه، أخذ عن ابن الزملكاني وغيره. له مؤلفات نافعة منها: تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم (ط) ، تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد، تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال (ط) وغيرها. ت 761 هـ. انظر: الدرر الكامنة 2 / 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الأصفهاني (1) الأصولي (صاحب الكاشف على المحصول) مباحث كثيرة ويسيء عليه الأصفهاني الأدب، ويستطيل عليه كثيراً، وهو يحتمله. وجماعة من الفضلاء يرجحون الأصفهاني عليه في التحقيق، ولكن الشيخ شهاب الدين القرافي أعرف بتخريج المسائل الفقهية على قواعد الأصول، وأشهر بمعرفة القواعد الكلية، وأكثر فوائد، وله في تصانيفه نكت حسان لا توجد لغيره، ومطالعة كتبه مفيدة جداً، وله مشاركة قوية في الطب والعربية، وله نظم ونثر جيدان)) (2) . - قال رئيس القضاة تقي الدين بن شكر (3) : ((أجمع الشافعية والمالكية على أن أفضل أهل عصرنا بالديار المصرية ثلاثةٌ: القرافي بمصر القديمة، والشيخ ناصر الدين ابن المنيرِّ (4) بالأسكندرية، والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد بالقاهرة. . .)) (5) . - وقال ابن دقيق العيد - لما مات القرافي - ((مات من كان يُرجع إليه في علم الأصول)) (6) . - ولا غرو بعد ذلك أن عَدَّه السيوطي (7) في حسن المحاضره (1 / 316) مجتهداً مطلقاً.   (1) هو: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمود العِجلي الأصفهاني الشافعي، رحل من أصفهان إلى بغداد واستقر في القاهرة، ولي قضاء قوص والكرك، وبقي مدرساً في القاهرة حتى مات سنة 688 هـ. كان إماماً في المنطق والكلام والأصول والجدل. من مؤلفاته: الكاشف عن المحصول (ط) . انظر: طبقات الشافعية الكبرى 8 / 100. (2) نقلاً عن ترجمة العلائي للقرافي المثبتة في افتتاحية النسخة الخطية الأزهرية (هـ) لكتاب شرح تنقيح الفصول انظر: ص (244) القسم الدراسي. (3) لم أقف على ترجمته. (4) هو: ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الإسكندري المالكي المعروف بابن المنيِّر، ولي قضاء الإسكندرية وخطابتها. له كتاب: الانتصاف من الكشَّاف (ط) علَّق على اعتزاليات الزمخشري. ت 683 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 132. (5) انظر: الديباج المذهب ص 129. (6) انظر: المرجع المذكور في هامش (2) من هذه الصفحة. (7) هو: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي الشافعي، فقيه أصولي نحوي متكلم مفسِّر، له مؤلفات كثيرة جداً منها: الدر المنثور (ط) ، الإتقان في علوم القرآن (ط) ، الأشباه والنظائر (ط) ، الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع (ط) ، وغيرها. ت 911 هـ. انظر: شذرات الذهب 8 / 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 المبحث السابع مصنفاته مصنفات القرافي ومؤلفاته شاهدة له بالبراعة والفضل واليراعة (1) . وقد دلَّتْ هذه المصنفات على غزارة فوائده، وأعربتْ عن حسن مقاصده، جمع فأوعى، وفاق أضْرابه جِنْساً ونوعاً، كان إماماً بارعاً في الفقة والأصول والعلوم العقلية، وله معرفة بالتفسير. سارتْ مصنفاته مسير الشمس، ورُزِق فيها الحظَّ السامي عن اللَّمْس. كَمْ حرَّرَ مناط الإشكال! وفاق أضرابه النظراء والأشكال! وألَّفَ كتباً مفيدة، انعقد على كمالها الإجماع، وتشنَّفتْ بسماعها الأسماع (2) . وإليك عَرْضاً لمؤلفات القرافي مُصنَّفةً حسب الفنون، ذاكراً: أين جاءت نسبة الكتاب إلى القرافي، وما موضوعه ومسائله، وأين مكانه: أهو مطبوع أم مخطوط؟ أولاً: العقيدة وأصول الدين: (1) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة النسبة: نسبه إليه كثير من المصادر منها: الديباج المذهب ص 129، شجر النور الزكية 1/188، هدية العارفين ص 99، كشف الظنون 1/11، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (60) من قسم التحقيق. الموضوع: يردُّ القرافي في هذا الكتاب على أباطيل وشبهات ومعتقدات اليهود والنصارى (3) . المكان: مطبوع بحاشية كتاب: " الفارق بين المخلوق والخالق " لعبد الرحمن أفندي بمطبعة الموسوعات بمصر سنة 1322 هـ. - وله طبعات تجارية أخرى منها: مكتبة وهبة - القاهرة - 1987م. - طبعة مكتبة القرآن - بالقاهرة. دراسة وتحقيق/ مجدي محمد الشهاوي.   (1) انظر: شجرة النور الزكية 1/188. (2) مقتبس من كلام ابن فرحون في الديباج المذهب ص 128 - 129. (3) سبقت الإشارة إليه في الفصل الأول ص 20 من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 - قام بتحقيقه الباحث/ ناجي محمد داود بجامعة أم القرى، رسالة دكتوراه في العقيدة عام 1404هـ. - كما حقق الباحث/ سالم بن محمد القرني بابين من الكتاب رسالة ماجستير، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (كلية أصول الدين) سنة 1404هـ. (2) أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ... النسبة: جاء ذكره في: هدية العارفين 1/99 ... الموضوع: لعله نفسه الكتاب سالف الذكر. ... المكان: غير معروف. (3) الإنقاد في الاعتقاد النسبة: جاء ذكره عند المصنف في كتابه: " الاستغناء في أحكام الاستثناء " ص 358، 363، وفي الذخيرة 13/235. كما نسبه إليه: الديباج المذهب ص ... 129، شجرة النور الزكية 1/189، هدية العارفين 1/99، إيضاح ... المكنون 1/ 135 الموضوع: واضح من إحالة المصنف إليه في كتابيه " الاستغناء " و " الذخيرة " أنه يعالج مشكلات تتعلق بعلم الكلام وإثبات وحدانية الله تبارك وتعالى وصفاته على طريقة الأشاعرة. المكان: غير معروف. تنبيه: جاءت تسمية الكتاب في بعض المصادر أنه: " الانتقاد في الاعتقاد ". وفي بعضها: " الإنقاذ في الاعتقاد ". (4) شرح الأربعين في أصول الدين النسبة: ذكره المصنف في بعض كتبه منها: الفروق 3/27، نفائس الأصول 6 / 2837، الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 363، الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة ص 65. كما جاءت النسبة إليه في: الديباج المذهب ص 129، شجرة النور الزكية 1/189، هدية العارفين 1/99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الموضوع: كتاب الأربعين في أصول الدين للإمام فخر الدين الرازي من الكتب المشهورة في علم الكلام، ألَّفه الرازي لولده محمد، ورتبَّه في أربعين مسألة (1) ، وهو مطبوع بمكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة. والإمام القرافي قام بشرح هذا الكتاب لما حواه من التأصيلات في علم العقائد والكلام. المكان: غير معروف. ثانياً: أصول الفقه: (1) التعليق على المنتخب النسبة: جاء ذكره عند المصنف في كتابه: نفائس الأصول (4/1734) وسماه: شرح المنتخب. كما جاء في الوافي بالوفيات 6/233، طبقات الشافعية الكبرى 8/172، الديباج المذهب ص 129، شجرة النور الزكية 1/188، المنهل الصافي 1/216، ونقل منه ابن السبكي في: الإبهاج 2/365، والإسنوي في: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 430. الموضوع: " المنتخب " مختصر من المحصول، والمشهور أنه من تأليف الإمام الرازي، لكن القرافي أنكر نسبته إلى الإمام الرازي، ونقل عن شمس الدين الخسروشاهي (شيخ القرافي وتلميذ الرازي) بأن " المنتخب " لضياء الدين حسين (2) . المكان: غير معروف. (2) تنقيح الفصول في علم الأصول (أو في اختصار المحصول) وسيأتي الكلام عنه - إن شاء الله - في الفصل الثالث من القسم الدراسي. (3) شرح تنقيح الفصول وسيأتي الكلام عنه مستوفى إن شاء الله في الفصل الثالث من القسم الدراسي. (4) نفائس الأصول في شرح المحصول النسبة: جاء ذكره في كتب القرافي الأخرى منها: الفروق 1/174، الاستغناء في   (1) انظر: كتاب الأربعين في أصول الدين بتحقيق/ أحمد حجازي السَّقا ص 18. (2) انظر: نفائس الأصول 1/105. وضياء الدين حسين لم أعثر له على ترجمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 أحكام الاستثناء ص 86، 126، 229، 360، 369، شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 16، 44، 49، 62، 71، 93، 125. العقد المنظوم في الخصوص والعموم 2/161، 2/456. كما نسبه إليه صاحب هدية العارفين ص 1/ 99. الموضوع: الكتاب شرح موسوعي لكتاب المحصول للإمام الرازي، أكْثَر فيه القرافي من إيراد الأسئلة والإشكالات، واستمدَّ مادة شرحه مما يربو عن ثلاثين تصنيفاً في أصول الفقه. المكان: طبع الكتاب في مكتبة نزار مصطفي الباز (المكتبة التجارية) في تسع مجلدات، بتحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض. - كما تم تحقيقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (رسائل دكتوراه) سنة 1406هـ على أيدي المشايخ الفضلاء د. عايض بن نامي السلمي (القسم الأول) د. عبد الكريم بن علي النملة (القسم الثاني) د. عبد الرحمن المطير (القسم الأخير) . (5) العقد المنظوم في الخصوص والعموم النسبة: جاءت النسبة إليه في: كشف الظنون 2/1153، هدية العارفين 1/99 الموضوع: صرح المصنف بسبب تأليفه للكتاب بأن كثيراً من الفقهاء لم يحققوا معنى العموم والخصوص وأن العام التبس مفهومه بالمطلق. ثم عَدَّ صيغاً للعموم أوصلها إلى (250) صيغة، كما أوصل المخصصات إلى عشرة مخصصات. المكان: طبع الكتاب على نفقة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب، دراسة وتحقيق الأستاذ/ محمد علوي بنصر. سنة 1418هـ. - طبعة دار الكتبي بالقاهرة، وتوزيع المكتبة المكية بمكة المكرمة سنة 1420 هـ. بتحقيق الدكتور / أحمد الختم عبد الله. ثالثاً: الفقه والقواعد الفقهية: (1) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام النسبة: جاءت النسبة إليه في: الفروق 1/3، 51، 2/104، 4/6، 84، وفي نفائس الأصول 9 / 2910، وفي: شرح تنقيح الفصول ص (478) من قسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 التحقيق. كما جاءت النسبة إليه في: الوافي بالوفيات 6/233، الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/99، كشف الظنون 1/21 وغيرها. الموضوع: الكتاب يُعْنى ببيان الفرق بين الفُتْيا من المجتهد، والحكم من القاضي، وتصرفات الإمام علي أي وجهٍ تُحْمل؟. وما الحالات التي يُنْقص فيها حكم الحاكم؟. وجعله في أربعين سؤالاً. المكان: للكتاب عدة طبعات منها: طبعة مطابع الأنوار سنة 1357هـ بتقديم/ محمود عرنوس، وتصحيح/ عزت العطار. وطبعة المكتب الثقافي للنشر والتوزيع بالقاهرة سنة 1989م بتحقيق/ أبو بكر عبد الرازق. وطبعة مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب سنة 1416هـ (الطبعة الثانية) بتحقيق/ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله. (2) الأمنية في إدراك النية النسبة: جاءت النسبة إليه في: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 74، شرح تنقيح الفصول ص (383) من القسم التحقيقي، نفائس الأصول 4 / 1632، 8 / 3545، الفروق 1/71، 72. كما جاءت النسبة إليه في: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/ 99، إيضاح المكنون 3، 127، شجرة النور الزكية 1/ 188. الموضوع: تناول فيه القرافي حقيقة النية، ومحلها، وشروطها، وأقسامها، وأحكامها، وفوائد أخرى متعلقة بالنية. المكان: طبع الكتاب عدة طبعات منها: طبعة دار الكتب العلمية - بيروت، وطبعة دار الفتح بالشارقة سنة 1416هـ. طبعة مكتبة الحرمين - الرياض الطبعة الأولى 1408 هـ بتحقيق ودراسة د. مساعد ابن قاسم الفالح (رسالة ماجستير) ، كما حققه د. محمد بن يونس السويسي بالكلية الزيتونية للشريعة بتونس عام 1402هـ. (3) أنوار البروق في أنواء الفروق: المسمي بـ " الفروق " النسبة: نسبه المصنف إلى نفسه في: العقد المنظوم في الخصوص والعموم 2/205. كما جاء ذكره في: الديباج المذهب ص 129، هداية العارفين 1/99، كشف الظنون 1/186، الوافي بالوفيات 6/233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الموضوع: الكتاب فريد في بابه، لهج العلماء قديماً وحديثاً بالثناء عليه، وأكثروا من النقل عنه، وهو في بيان الفروق بين القواعد الفقهية، ذكر فيه مصنفه (548) قاعدةً، وفرَّع عليها فروعاً كثيرة. المكان: له عدة طبعات منها: - طبعة تونس سنة 1302هـ، وطبعة دار الكتب العلمية، بيروت. - طبعة دار المعرفة ببيروت، ومعها حاشية تسمَّى: إدرار الشروق على أنواء الفروق، وبالهامش: تهذيب الفروق (1) والقواعد السنية في الأسرار الفقهية (2) . (4) الذخيرة أو الذخيرة في الفقه النسبة: جاء ذكره في بعض كتب القرافي نفسه منها: الأمنية في إدراك النية ص 62، الفروق 1/3، الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 704، شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 75. كما جاءت النسبة إليه في: الديباج المذهب ص (129) ، الوافي بالوفيات 6/233، شجرة النور الزكية 1/188، حسن المحاضرة 1/316، كشف الظنون 1/825 وغيرها. الموضوع: الكتاب موسوعة فقهية ضخمة، صنعه المصنف من نحو أربعين مصنفاً من تصانيف المذهب، علاوة على كتب الفقه ... والأدب والمذاهب الأخرى، يُعْنى بعرض آراء المذاهب الأخرى، ويقارن بينها، ويذكر الحجج والمناقشات، كما أكْثَر من ذكر القواعد الأصولية، والفقهية، وتخريجات الفروع عليها. المكان: مطبوع بدار الغرب الإسلامي ببيروت سنة 1994م، تحقيق د. محمد حجي وآخرون. والكتاب فيه أجزاء ناقصة لم تكتمل. ... ... ... - كما توجد طبعة للجزء الأول منه بمصر بعناية كلية الشريعة بالأزهر سنة 1381هـ، وأعيد طبعه في الكويت سنة 1402هـ في موسوعة تحقيق التراث على نفقة وزارة الأوقاف.   (1) لابن الشَّاط، سراج الدين أبي القاسم بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي ت 723 هـ. (2) لمحمد بن علي بن الشيخ حسين المكي، مفتي المالكية ت 1367 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 - توارد الباحثون في أماكن متفرقة على تحقيق أجزاء من مخطوطاته منهم: إبراهيم العاقب أحمد - دكتوراه بجامعة أم القرى سنة 1409هـ، إبراهيم سيلا - ماجستير بالجامعة الإسلامية سنة 1406هـ، الحسن عمر مساعد - دكتوراه بالجامعة الإسلامية، محمد عالم عبد المجيد الأفغاني دكتوراه بجامعة أم درمان بالسودان سنة 1416هـ. (5) البيان فيما أشكل من التعاليق والأيمان النسبة: جاء ذكره في: البحر المحيط للزركشي 4 / 419، المعيار المعرب 2/97، الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/99 إيضاح المكنون 1/206 وجاءت تسميتها في أكثر هذه المصادر: البيان في تعليق الأيمان. الموضوع: واضح من عنوانه أنه يبحث موضوع الحلف والأيمان، وتعليق الطلاق والاستثناء في اليمن ونحو ذلك. المكان: مخطوط ضمن مجموع بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم (160ك) ، يقع في إحدى وعشرين صفحة من القطع الكبير (1) . (6) كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب (شرح تهذيب المدونة) النسبة: جاءت النسبة إليه في مواهب الجليل شرح مختصر خليل 4 / 74، 4 / 115 ونقل عنه. وكذلك جاءت النسبة إليه باسم " شرح التهذيب " في: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/ 99، شجرة النور الزكية 1/ 188. الموضوع: تهذيب المدونة لأبي سعيد البراذعي (2) اختصر فيه المدونة، واتبع طريقة ابن أبي زيد، وحذف ما زاده ابن أبي زيد في رسالته، وعَّول الناس عليه. والقرافي شرح هذا التهذيب.   (1) انظر: الإمام الشهاب القرافي حلقة الوصول بين المشرق والمغرب في مذهب مالك للأستاذ/ الصغير بن عبد السلام الوكيلي 1/ 329 - 332. (2) هو خلف بن أبي القاسم الأزذي القيرواني المعروف بالبراذعي، من كبار تلاميذ ابن أبي زيد والقابسي، ومن حفاظ المذهب، له مصنفات منها: التهذيب في اختصار المدونة وله شهرة واسعة، توفي بعد 430هـ. انظر: الديباج المذهب ص 182، سير أعلام النبلاء 17/ 523. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 المكان: مخطوط في خزانة القرويين تحت رقم (386) (1) (7) شرح التفريع لابن الجلاب (2) النسبة: جاء ذكره في المعيار المعرب (2/ 97) لكن على أنه " اختصار علىالجلاَّب ". وجاءت النسبة إليه أيضاً في: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/ 99، شجرة النور الزكية 1/188. الموضوع: كتاب التفريع كتاب مُهمُّ ومشهور في المذهب المالكي، وفيه كثير من التفريعات الفقهية، وقد اعتمد عليه القرافي كثيراً في كتابه " الذخيرة ". المكان: غير معروف. (8) اليواقيت في علم المواقيت النسبة: نسبه المصنف إلى نفسه في: الفروق (3/292) بعنوان: اليواقيت في أحكام المواقيت. وكذا في: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/99، إيضاح ... المكنون 2/732. ونقل عنه الحطاب في: مواهب الجليل 1/15، 18، والونشريسي في: المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق ص 360. الموضوع: الكتاب يعالج موضوع أوقات العبادات وأزمنتها، وأحكامها الفقهية، وما يوصل إلى أسبابها من دورة الفلك. فالكتاب مزيج من الفقه والأصول، والفلك والمناظر (3) . المكان: توجد منه نسخ خطية في: - الخزانة العامة بالرباط، ضمن مجموع تحت رقم (160ك) . - مكتبة كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط ضمن مجموع برقم (124/2) .   (1) انظر: الإمام الشهاب القرافي حلقة وصل بين المشرق والمغرب للوكيلي 1 / 337 - 343. (2) هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب، تفقه على الأبهري وغيره، له كتاب في مسائل الخلاف، وكتاب التفريع (ط) ، وعنه أخذ القاضي عبد الوهاب وغيره. توفي سنة 378هـ. انظر: الديباج المذهب ص 237، شجرة النور الزكية 1/92. (3) انظر: الإمام الشهاب القرافي حلقة وصل بين المشرق والمغرب للوكيلي 1/ 333 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 - الخزانة الحسنة بالرباط بالقصر الملكي برقم (3906) . - المكتبة الوطنية بتونس برقم (2351) . (9) الرائض في الفرائض هذا الكتاب مُدْمجٌ ضمن كتاب " الذخيرة " 13 / 7. وسبب إفراده هنا بكونه كتاباً مستقلاً للقرافي أن مصنفه قال: ((وقد سميته: " الرائض في الفرائض " فمن أراد أن يفرده، فإنه حسن في نفسه، ينتفع به في المواريث نفعاً جليلاً إن شاء الله تعالى)) . رابعاً: اللغة العربية: (1) الاستغناء في أحكام الاستثناء النسبة: نسبه المصنف إلى نفسه في: الفروق 3/ 168، العقد المنظوم في الخصوص والعموم 2/305، 236، شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 61، 246، 251، 258. كما جاء ذكره في: الديباج المذهب ص 129، إيضاح المكنون 1/72، هدية العارفين 1/99. الموضوع: يعالج الكتاب مسألة الاستثناء في اللغة العربية ما حقيقته، وما أنواعه، وما أحواله وتطبيقاته في الأيمان والطلاق والأقارير؟ وقد استقصى المصنف آيات الاستثناء في كتاب الله وشرحها. المكان: طبع الكتاب محققاً تحقيقاً علمياً من الدكتور طه محسن بمطبعة الإرشاد من إصدار وزارة الأوقاف العراقية سنة 1402هـ. - وله طبعة تجارية بتحقيق/ محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت سنة 1986م. (2) الخصائص في قواعد اللغة العربية النسبة: ذكره الزركلي في الأعلام (1/ 95) . الموضوع: كما هو ظاهر من عنوانه، يبحث في موضوعات تتصل بالنحو وقواعد اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 المكان: مطبوع بوزارة الثقافة والإعلام في بغداد (1) . - وله نسخة خطية في مكتبة الجزائر برقم (100/ 1) (2) . (3) القواعد الثلاثون في علم العربية ... النسبة: نسبه إليه الدكتور/ طه محسن في: الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 31 وذكره بروكلمان في كتابه: تاريخ الأدب العربي (الأصل) 1/ 481 ... باسم: القواعد السنية في أسرار العربية. الموضوع: لم أقف على موضوعاته. المكان: مخطوط في المكتبة الوطنية بباريس ضمن مجموع (1013/ 5) . (4) الأجوبة عن الأسئلة الواردة على خطب ابن نُبَاته (3) النسبة: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/99 الموضوع: خطب ابن نُباته رُزقتْ القبول من الجميع، ووقع الإجماع على أنه ما عُمل مثلها، لا من خطب بعدها ولا قبلها. وكان يحض الناس فيها على الجهاد في سبيل الله (4) . وتبدو أن عنايةً خاصةً كانت لخطب ابن نباته من العلماء، فقد شرحها غير واحد من علماء اللغة، فلا يبعد أن يكون لفت نظر القرافي بعض المسائل اللغوية والأدبية المثارة حول هذه الخطب فأراد أن يحسم النزاع فيها كعادته (5) . المكان: غير معروف.   (1) الخصائص في النحو، تحقيق / طه محسن عبد الرحمن. جاءت الإشارة إلى ذلك في: مجلة الفيصل (السعودية) في العدد (34) ، ربيع الثاني سنة 1400 هـ. ص 11 - 12. لكن جاء عنوانه فيها: الخصائص في النحو، تحقيق / طه محسن عبد الرحمن. (2) انظر: مخطوطات الجزائر بمجلة المورد مجلد (5) عدد (3) ص 215 لهلال ناجي. (نقلاً عن مقدمة الاستغناء في أحكام الاستثناء) ص 29. (3) هو عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نُبَاته الفارقي أبو يحيى، صاحب الخطب المشهورة، كان إماماً في علوم الأدب. سكن حلب، وكان خطيبها. توفي سنة 374هـ. انظر: وفيات الأعيان 3/ 156. (4) انظر: وفيات الأعيان 3 / 156. (5) انظر: الإمام الشهاب القرافي حلقة وصل بين المشرق والمغرب للوكيلي 1/ 356 - 357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 خامساً: العلوم العقلية العلمية: (1) الاستبصار فيما تدركه الأبصار النسبة: نسبه المصنف إلى نفسه: نفائس الأصول 6 / 2839. كما جاء ذكره في: الديباج المذهب ص 129 بعنوان: الإبصار في مدركات الأبصار، وذكره: الوافي بالوفيات 6/ 223، هدية العارفين 1/ 99، كشف الظنون 1/ 77. الموضوع: الكتاب يشرح ظاهرة الإبصار، ومراحل تكوُّن الصور في الذهن، ويبحث في حاسة العين وتشريحها، وانعكاس الصور، وخداع البصر، ونحو ذلك. وهو ردٌّ على ملك الإفرنج بصقلية في عهد الملك الكامل، كان قد وجَّه أسئلة علمية شائكة وعويصة، يريد بها وَصْم الإسلام بالنقص إنْ عجز المسلمون عن الإجابة عنها، فانبرى لها القرافي وجعلها في خمسين ... مسألة (1) . المكان: مخطوط في: مكتبة أسعد أفندي في استامبول برقم (1270) ، وفي دار الكتب المصرية برقم (83) تيمور، وفي مكتبة الاسكوريال بمدريد برقم (707/ 9) ، وبخزانة المكتبة الخديوية برقم (22) ، وفي الزاوية الحمزاوية بتامْكُروت بالمغرب برقم (229) ضمن مجموع. (2) المناظر في الرياضيات النسبة: جاءت النسبة إليه في: هداية العارفين 1/ 99 الموضوع: لم أقف على موضوعاته. المكان: غير معروف. سادساً: فنون متنوعة: (1) المنجيات والموبقات فيما يجوز وما يكره وما يحرم من الدعوات النسبة: ذكره المصنف في كتابه: " الفروق " 1/144، 4/235 ونسبه إليه: الديباج المذهب ص 129، شجرة النور الزكية 1/188 هدية العارفين 1/99. الموضوع: في الرقائق والآداب، وقد نقل القرافي منه بعض مسائله في كتابه " الفروق " المشار إليه قريباً.   (1) انظر: الإمام الشهاب القرافي حلقة وصل بين المشرق والمغرب للوكيلي 1/ 268 - 274. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 المكان: ذكر بروكلمان في كتابه: تاريخ الأدب العربي (الأصل) 1/482 بأن له نسخة خطية في المكتبة البلدية بالإسكندرية برقم (16) فقه مالكي. (2) مصنف في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الانبياء: 8] النسبة: جاء في الوافي بالوفيات (6/ 234) قوله: ((حكى لي بعضهم أنه رأي مصنفاً كاملاً في قوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] فبنى هذا على الاستثناء، وظن أن الآية: جسداً إلا يأكلون الطعام، وزاد ذلك ألفاً، فلمّا قيل له عن ذلك - بعد أن خرج عن بلده - اعتذر بأن الفقيه لقَّنه كذلك في الصغر. . .)) . الموضوع: لم يظهر لي في ذلك شيء، فقد يكون في اللغة أو التفسير أو العقيدة ... أو جميع ذلك، والله أعلم. المكان: غير معروف. (3) البارز للكفاح في الميدان النسبة: جاءت النسبة إليه في: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/ 99، إيضاح المكنون (1/161) واسمه فيه: ((البارز لكفاح الميدان)) . الموضوع: يبدو أنه في الفقه، وبالأخص في أحكام الجهاد. وهذا مجرد ظنٍّ فقط، والله تعالى أعلم. المكان: غير معروف. (4) الاحتمالات المرجوحة النسبة: جاءت النسبة إليه في: الديباج المذهب ص 129، هدية العارفين 1/99. الموضوع: يظهر من عنوانه أنه في علم الفقه أو الأصول؛ لأن موضوعات التراجيح والمحتملات يغلب بحثها فيهما، ولا دليل على ذلك إلا الظن، والله أعلم. المكان: غير معروف. وبعد هذا العرض لمؤلفات القرافي القيّمة يمكن معرفة التسلسل الزمني لكثيرٍ منها بصورة تقريبية في المخطط الزمني لمؤلفاته (1) .   (1) انظره في القسم الدراسي ص 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 المبحث الثامن وفاته رحمه الله بعد حياةٍ حافلةٍ بجليل الأعمال، وعمرٍ أفناه القرافي عليه رحمة الله في العلم تحصيلاً وتدريساً وتأليفاً، وبعد أن تخرَّج به عددٌ من تلاميذه النابهين، وخلَّف وراءه تَرِكةً عظيمة، وثروةً نفيسة من المصنفات الرائعة في مختلف العلوم. وبعد هذه الرحلة الميمونة، وافته المنيَّة في: يوم الأحد آخر يوم من جمادى الآخرة سنة 684هـ، ودُفن يوم الإثنين غُرَّة رجب بالقرافة (1) . وإذا كانت ولادته رحمه الله سنة 626هـ، فيكون عمره يوم وفاته ثمانية وخمسين عاماً تقريباً.   (1) وهذا مذهب أكثر المترجمين. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي ص 177، الديباج المذهب ص 129، شجرة النور الزكية 1/189، حسن المحاضرة 1/316، درة الحجال في أسماء الرجال لابن القاضي 1/9، روضات الجنات 1/91، هدية العارفين 1/99. بينما رأى الصفدي في الوافي بالوفيات 6/233، وتبعه ابن تغري بردي في المنهل الصافي 1/217 أن وفاة القرافي كانت سنة 682هـ. والأول أضبط؛ لأن فيه تحديداً باليوم والشهر، ولأن رواته أعرف بتواريخ الوفيات كالذهبي والعلائي وعلماء المذهب المالكي. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الفصل الثالث دراسة عن كتاب "شرح تنقيح الفصول" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 المبحث الأول التعريف بمتن الكتاب: " تنقيح الفصول " إن التعريف بكتاب " شرح تنقيح الفصول " يستلزم باديء ذي بدء التعريف بالمتن " تنقيح الفصول "، ووجه هذا اللزوم: أن المتن صار كالقاعدة للبناء، فلولاه لما انتهض هذا الشرح وما قام على سوقه. ومن التميّز الفريد الذي اتَّسم به هذا الشرح عن سائر الشروح امتزاجه بالمتن حتى غدا الكتاب (متناً وشرحاً) يشكّل وحدةً واحدة، وعروة وثقى لا انفصام لها. فلو رُمْتَ فصل الشرح عن المتن لَعَيِيْتَ، ورُمْتَ المحال، وإلاّ كانت النتيجةُ الحصولَ على أشلاء ممزَّقة، ومقاطع مفرَّقة لا انسجام بينها. وتأتي ضرورة إفراد التعريف بمتن الكتاب في مبحثٍ استقلالي أن المصنف ذكر فيه باعثَه على تأليفه، ومواردَه، وطريقتَه، وتسميتَه للكتاب، ونحو ذلك من الأمور التي تسهم بطريقٍ مباشر في التعرّف على شرح الكتاب. والتعريف بالمتن سيكون وفق الخطوات التالية: أولاً: عنوان المتن ونسبته إلى مؤلفه: أطبقت نسخ المتن الخطية - التي وقفت عليها - على تسميته بـ" تنقيح الفصول في علم الأصول " (1) وهي تسمية المصنف له، قال - في صراحةٍ تامّةٍ -: ((وسمّيته: تنقيح الفصول في علم الأصول)) (2) . وهذه العنونة للكتاب صريحة لا تدع مجالاً للشكِّ فيها، لكن مما يعكّر صفوَها تواردُ جميع نسخ الشرح الخطّية التي وقفت عليها على قول المصنف فيها: ((أما بعد: فإن كتاب " تنقيح الفصول في اختصار المحصول " كان قد يسّره الله عليّ ليكون مقدّمة أول كتاب الذخيرة في الفقه. . .)) (3) .   (1) انظر صور هذه النسخ في الصفحات: 264، 266، 269، 272، 276. (2) انظر الهامش السابق، وانظر: الذخيرة 1 / 55. (3) لكن يلاحظ أن النسخ ص، و، ن جاء فيها " تنقيح الأصول " خِلافاً للنسخ الست البواقي. فلعلّه تحرَّف من النسَّاخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ففي هذا النص جاء اسم المتن على أنه: " تنقيح الفصول في اختصار المحصول ". فأيُّ التسميتين للكتاب أهدى سبيلاً وأقوم قيلاً؟ والجواب بداهةً: أن كلتا التسميتين حقٌ وصواب؛ لأنهما صادرتان من مشكاة واحدة، وهي ذات المصنف. ولو فرضنا وقوع تعارضٍ بين الاسمين لكان ترجيح الثاني أولى؛ لأن الشرح متأخر عن المتن، والمتأخر ينسخ المتقدم، فلعلَّ المصنف بعد أن سمّاه بـ" تنقيح الفصول في علم الأصول " بدا له أن يغيّر اسمه إلى: تنقيح الفصول في اختصار المحصول. وإن لم تقع مصادمةٌ بين التسميتين، فلعلّ المصنف أوقعهما لهذا الكتاب قصداً وتنبيهاً للمطالع بأنهما صادقتان عليه (1) . وتعدُّدُ الاسم لمسمّىً واحدٍ ليس بمستغرب على صنيع القرافي، فها هو يسمي كتابه " الفروق " بأسماء متعددةٍ، فيقول: ((وسمّيته لذلك: أنوار البروق في أنواءِ الفروق. ولك أن تسمِّيه كتاب: الأنوار والأنواء. أو كتاب الأنوار والقواعد السنّية في الأسرار الفقهية. كلُّ ذلك لك)) (2) . ومما يصدِّق تسمية " تنقيح الفصول في اختصار المحصول " مجيء عبارات للمصنف تردَّدتْ بين الحين والآخر بأنه اختصر ما ذكره في المتن من المحصول، مثل قوله في شرح التنقيح (المطبوع) ص 149: ((هذه المسألة نقلتها هاهنا (أي في التنقيح) واختصرتها كما وقعت في المحصول، وليست المسألة على هذه الصورة في أصول الفقه. . .)) . وقال أيضاً في الشرح ص (121) من القسم التحقيقي: ((فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول (الذي جاء في المتن) ، وهو قول الإمام فخر الدين في المحصول)) (3) . وكذلك قال في نسخ المتن الخطيّة: ((أما بعد: فإن هذا كتاب جمعتُ فيه مسائل " المحصول " للإمام فخر الدين، وأضفتُ إليه مسائل كتاب الإفادة للقاضي   (1) قال الشوشاوي في رفع النقاب القسم (1 / 80) شارحاً قول القرافي: ((وسمَّيته بتنقيح الفصول في علم الأصول)) ، قال: ((نبَّه المؤلف هاهنا على اسم كتابه هذا، وسمّاه في الشرح: تنقيح الفصول في اختصار المحصول، فله إذاً اسمان)) . (2) انظر: الفروق 1 / 4. (3) وانظر مزيداً من الأمثلة في: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 67، 76، 238، 261، 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 عبد الوهاب المالكي وهو مجلدان، وكتاب الإشارة للباجي، وكلاماً لابن القصار في الأصول. .)) . فهذه النصوص تبرهن على صحة التسمية الأخيرة، ولكن هذا يوقعنا في إشكال وسؤال، وهو: هل كتاب التنقيح حقّاً اختصار للمحصول؟ والجواب عنه: لا، ليس هو في واقع الأمر اختصاراً للمحصول بالمعنى المعهود للاختصار الذي لا يغادر أصله في صغيرةٍ ولا كبيرة. والحجة على هذا الادعاء: أن المصنف نفسه أعلن في صراحةٍ تامةٍ بأن اعتماده في هذا المختصر الأصولي كان على أخذ جملة كتاب: " الإفادة " للقاضي عبد الوهاب، وكتاب: " الإشارة " للباجي، و" مقدّمة " ابن القصار في أصول الفقه، وكتاب " المحصول " للرازي. وهذا ظاهر جداً في الكتاب؛ فإنه طافحٌ بآراء المالكية الأصولية، وهذا غير موجود في المحصول. فإذا كان الكتاب في أصله خلاصةً لما ورد في الكتب الأربعة المتقدّمة، بالإضافة إلى ما ضُمَّ إليها من مباحث وفوائد أصولية قد لا توجد في غيره، فإن تسميته بـ" اختصار المحصول " فيها تجوُّز وتسمُّح قد لا يُغْتفر إلاّ بالنظر إلى أنه التزم ترتيب وتبويب المحصول، وإلاّ فالكتاب بمباحثه وفوائده ومادَّته يأخذ صِبْغةً خاصةً، وصفةً استقلاليةً تجعلنا لا نستطيع أن نستغني عنه بكتاب. وزبدة القول في المسألة: أن كتاب " تنقيح الفصول " كتابٌ قائمٌ بنفسه، مستقلٌّ بذاته، يستحقُّ أن يُسمَّى: تنقيح الفصول في علم الأصول. لكن لمّا كثر اعتماد القرافي في إنشائه للكتاب على تبويب وترتيب المحصول، مع نقل كثير من عباراته - ولو بالمعنى - استحقّ أيضاً أن يوسم بأنه: تنقيح الفصول في اختصار المحصول. والله تعالى أعلم. أما نسبته إلى القرافي، فهي نسبة لا يرتقي إليها شكٌّ، ومن الدلائل عليها: 1 - مجيء ذكر الكتاب في كتب القرافي الأخرى، ومنها: نفائس الأصول (1 / 333) ، الأمنية في إدراك النية، ص (58) ، العقد المنظوم في الخصوص والعموم (2 / 161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 2 - كما جاءت النسبة إليه في: الديباج المذهب ص (129) ، المنهل الصافي (1 / 216) ، شجرة النور الزكية (1 / 188) ، الوافي بالوفيات (6 / 233) ، حسن المحاضرة، (1 / 316) ، كشف الظنون (1 / 499) ، هديّة العارفين (1 / 99) . 3 - تعاقب العلماء على شرحه (1) ، أو النقل عنه (2) مع تصريحهم بنسبته إليه. ثانياً: الباعث على تأليف المتن وزمن تأليفه: صرّح القرافي بالباعث على تأليف كتاب " تنقيح الفصول " بأنه مقدِّمةٌ لكتابه الجليل وسِفْرِه الكبير " الذخيرة في الفقه ". فها هو يقول في كتابه الذخيرة (1 / 39) : ((وأقدِّم بين يديه (أي الذخيرة) مقدّمتين، إحداهما: في بيان فضيلة العلم وآدابه. . . والمقدمة الأخرى: في قواعد الفقه وأصوله، وما يُحتاج إليه من نفائس العلم، مما يكون حِليةً للفقيه، وجُنَّةً للمُناظر، وعوناً على التحصيل)) . وعندما زَبَر المقدمة الثانية في الذخيرة (1 / 55) قال: ((المقدمة الثانية: فيما يتعيّن أن يكون على خاطر الفقيه من أصول الفقه، وقواعد الشرع، واصطلاحات العلماء، حتى تُخرَّج الفروع على القواعد والأصول، فإن كل فقهٍ لم يُخرِّج على القواعد فليس بشيء)) . وبهذا أبان القرافي بجلاء غرضه من تأليف هذا المختصر الأصولي، وهو أن يكون مقدّمةً للموسوعة الفقهية الضخمة " الذخيرة ". وهذه طريقة مستحسنة في التآليف، من شأنها أن توقف القاريء على القواعد الأصولية التي انبثقت منها تفاريع الفقه، وفتاوى الإمام، وترشده إلى مدارك أقوال العلماء ومنطلقاتهم ومآخذهم في الأحكام. ومن هنا ندرك مدى العلاقة الوثيقة بين علم الأصول وعلم الفقه، فالفقه بالنسبة للأصول كالثمرة للشجرة، وكاللَّبنات المشيَّدة على الأساس.   (1) انظر أسماء هذه الشروح: ص (70) من القسم الدراسي. (2) انظر مثلاً: شرح مختصر الروضة للطوفي (3 / 751) ، شرح الكوكب المنير 3 / 17، نشر البنود على مراقي السعود للعلوي الشنقيطي 1 / 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 ولا غَرْوَ أن سلك القرافي هذا المسلك في التأليف، فلم يكن بِدْعاً من العلماء، بل سَبَق لعلماء أفذاذٍ انتهاجُها (1) . أما زمن تأليف المتن فلا يُدرى على وجه التحديد، لكن جاء في خاتمة النسخة (أ) المصوّرة من مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض قوله: ((كتبه لنفسه الفقير إلى رحمة ربه أبو بكر بن صارم في شهر ربيع الأول سنة ست وستين وستمائة. غفر الله له. . .)) (2) . فهذا التاريخ المرقوم هنا يقطع بأن تصنيف المتن كان سنة 666 هـ أو قبلها. وإذا كان شرح المتن وقع الانتهاء منه سنة 677 هـ، - كما جاء في بعض خواتيم نسخ الشرح - علمنا بأن الفاصل الزمني بين التأليفين إحدى عشرة سنة أو ما يزيد عليها. فالمتن من بواكير إنتاجات القرافي الأصولية، والشرح من أواخر تأليفاته (3) . ثالثاً: موضوعات المتن ومضامينه: كتاب " تنقيح الفصول " متن مختصر في أصول الفقه، لخَّص فيه القرافي مسائل هذا الفن، فأتى فيه على أبواب الأصول جميعها، ولم يفتْهُ إلاّ اليسير منها، في مائة فصل وفصلين منظومة تحت عشرين باباً.   (1) من هؤلاء العلماء: أ - الإمام ابن جرير الطبري (ت 310 هـ) ، بدأ كتابه الفقهي " لطيف القول " بمقدمةٍ أصوليةٍ سمّاها بعد ذلك بـ" الرسالة ". انظر: معجم الأدباء للحموي 18 / 74. ب - أبو بكر الجصَّاص الحنفي (ت 370 هـ) ، بدأ كتابه " أحكام القرآن " بمقدِّمة أصولية سميت بعد ذلك بـ" الفصول في الأصول ". انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/5، الفصول في الأصول له 1/ 23. جـ - أبو الحسن ابن القصّار المالكي (ت 397 هـ) ، له كتاب " المقدمة في الأصول " وهو بمثابة مقدمة بين يدي كتابه الكبير الموسوم بـ" عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار ". انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 18 - 23. د - المحدِّث أبو بكر البيهقي الشافعي (ت 458 هـ) ، بدأ كتابه " معرفة السنن والآثار " بأبوابٍ في أصول الشافعي رحمه الله. انظر: كتابه معرفة السنن والآثار 1 / 212. هـ - أبو الوليد ابن رشد (الجد) ت 520 هـ، كتب مقدمة أصولية موجزة لكتابه " المقدمات الممهدات " (ط) . وأبو الوليد ابن رشد (الحفيد) ت 595 هـ، وضع مقدمةً في بعض مسائل الأصول لكتابه: " بداية المجتهد ونهاية المقتصد ". انظرها فيه (1 / 325) . (2) انظر: صورة خاتمة النسخة المخطوطة ص 271 من القسم الدراسي. (3) بالإمكان مراجعة المخطط الزمني لتآليف القرافي لتعلم موقعه الزمني. انظر: ص (85) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وإليك عناوين الأبواب وبعض مضامينها: الباب الأول: في الاصطلاحات، تناول فيه: الحد، وتفسير أصول الفقه، وتعريفات للحقيقة والمجاز والدلالة والمشترك والمتواطيء والمرتجل والمطلق والظاهر والمجمل والمبيّن والأمر والنهي والمفاهيم والحكم. . . إلخ. الباب الثاني: في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه. الباب الثالث: في تعارض مقتضيات الألفاظ. الباب الرابع: في الأوامر. تناول فيه مسمّى الأمر وعوارضه ومتعلّقه ووسيلته، والتكليف بما لا يطاق، وخطاب الكفار، والأمر بعد الحظر، والأمر بالمركَّب. الباب الخامس: في النواهي. تناول فيه مسمّاه، وأقسامه، ولازمه. . . إلخ. الباب السادس: في العمومات. تناول فيه أدواته ومدلوله ومخصصاته. . . إلخ. الباب السابع: في أقل الجمع. الباب الثامن: في الاستثناء. تناول حدّه، وأقسامه، وأحكامه. الباب التاسع: في الشروط. تناول فيه أدوات الشرط، وحقيقته، وحكمه. الباب العاشر: في المطلق والمقيد. الباب الحادي عشر: في دليل الخطاب أو مفهوم المخالفة. الباب الثاني عشر: في المجمل والمبيّن. الباب الثالث عشر: في فعله - صلى الله عليه وسلم -. تناول فيه دلالته على الأحكام، واتباعه، وحكم شرع من قبلنا. الباب الرابع عشر: في النسخ. الباب الخامس عشر: في الإجماع. الباب السادس عشر: في الخبر. الباب السابع عشر: في القياس. الباب الثامن عشر: في التعارض والترجيح. الباب التاسع عشر: في الاجتهاد. تناول فيه حكمه، وزمانه، وشرائطه، ونقضه، والتصويب، والاستفتاء، والتقليد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الباب العشرون: في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين. تناول فيه: الأدلة المختلف فيها كقول الصحابي، والاستصلاح، والاستحسان، والاستصحاب، والعرف. . . إلخ. وتناول اصطلاحات فقهية يكثر شيوعها بين المتعاملين المكلفين كالنقل، والقبض، والإقباض، والإسقاط، والالتزام، والشركة، والإنشاء، والاختصاص، والإذن، والإتلاف، والتأديب. . . إلخ. رابعاً: موارد المتن ومصادره: كفانا القرافي مؤونة البحث والتنقيب عن المصادر التي استمدَّ منها مادة كتابه. فقد صرَّح في مقدمته قائلاً: ((واعتمدت في هذه المقدمة على أخذ جملة " الإفادة " للقاضي عبد الوهاب، وهو في مجلدين في أصول الفقه، وجملة " الإشارة " للباجي، وكلام ابن القصار في أول " تعليقه " في الخلاف، وكتاب " المحصول " للإمام فخر الدين الرازي. . .)) (1) . لكن هل اقتصر المؤلف على هذه الكتب الأربعة في تحبير كتابه؟ نجد الجواب عند المؤلف نفسه، فهو يقول: ((مع أني زِدْتُ مباحث وقواعد وتلخيصات ليست في المحصول، ولا في سائر الكتب الثلاثة)) (2) . خامساً: منهج المؤلف في المتن: الكتاب يقوم على الاختصار، والاختصار: فيه ردُّ الكثير إلى القليل، وفي القليل معنى الكثير (3) . وركوب هذا المَهْيع من التأليف يستدعي مهارةً فائقةً، وقدرةً عجيبةً، وذكاءً نادراً ولاسيما عند اختصار كتاب مَكيْنٍ كمحصول الرازي. لهذا اقتصر القرافي فيه على ما تمسُّ إليه حاجة الفقيه مبتعداً عن الاستطرادات التي تخصُّ فحول الأصوليين.   (1) انظر الذخيرة للقرافي 1 / 55. (2) المصدر السابق 1 / 55. (3) انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي (3 / 86) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 قال القرافي في مقدمة الذخيرة (1 / 55) : ((ولم أتعرّض فيها لبيان مدارك الأصول، فإن ذلك من وظيفة الأصولي، لا من وظائف الفقيه، فإن مقدّمات كل علم توجد فيه مسلّمة، فمن أراد ذلك فعليه بكتبه)) . ثم قال بعد ذلك بقليل: ((بحيث إني لم أترك من هذه الكتب الأربعة (المشار إليها في مصادره وموارده) إلاّ المآخذَ والتقسيمَ، والشيءَ اليسير من مسائل الأصول، مما لا يكاد الفقيه يحتاجه)) . ولعلَّ أبرزَ ركيزةٍ اتكأ عليها القرافي عند تأليفه لهذا المختصر الأصولي، هي: بيانه لمذهب الإمام مالك عليه رحمة الله في مسائل الأصول. قال في الذخيرة (1 / 39) : ((وبيَّنْتُ مذهب مالك - رحمه الله - في أصول الفقه؛ ليظهر علو شرفه في اختياره في الأصول، كما ظهر في الفروع، ويطّلع الفقيه على موافقته لأصله، أو مخالفته له لمعارضٍ أرجح منه ... )) . وقال في نسخ المتن الخطيَّة: ((وبيَّنْتُ مذهب مالكٍ في الأصول؛ لينتفع بذلك المالكيّة خصوصاً، وغيرُهم عموماً. . .)) . هذا ما يمكن قوله هنا - باقتضابٍ - من لمحات سريعة عن منهج المؤلف في " تنقيح الفصول " تاركاً تفاصيل المنهج وجزئياته - تحاشياً للتكرار - في المبحث السادس من هذا الفصل (1) عند دراسة الكتاب باعتباره وحدةً واحدة متناً وشرحاً. سادساً: شروحات المتن " تنقيح الفصول " تداول العلماء كتاب " تنقيح الفصول " للقرافي منذ عصر مؤلفه إلى عصور متطاولةٍ تاليةٍ له، تداولوا هذا المتن شرحاً وتقييداً وتحشيةً واختصاراً. وما كثرة المشتغلين به إلاّ دليلٌ على علو مكانته، وسموِّ منزلته، وجودته وأهميّته. أول هؤلاء المعنييِّن به شرحاً وبسطاً المؤلف نفسه، ويجيء الكلام عنه - إن شاء الله تعالى - في المباحث التالية لهذا المبحث. وأما الشروحات والحواشي التي عرفتُها، فهاكها مرتبةً وفق التسلسل الزمني لتأليفها:   (1) انظر: ص 102 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 1 - شرح تنقيح الفصول: لأحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي، المعروف بأبي العباس ابن البنا العدوي (1) . والشارح معاصر للشهاب القرافي؛ لأن ولادته كانت 649 هـ. 2 - تقييدات على تنقيح الفصول: لأحمد بن عبد الرحمن التادلي الفاسي (2) . ذكر صاحب الديباج المذهب بأن له على تنقيح القرافي تقييداً مفيداً. وتوجد منه نسخة خطيّة في دار الكتب المصرية بالقاهرة في مجلد كبير تحت رقم (805) أصول فقه. 3 - شرح تنقيح الفصول: لأبي زكريا يحيى بن أبي زكريا المِسْطَاسي، الفاسي الدار. عاش في آخر القرن السابع، وتوفي في أول القرن الثامن. وهو من الشروح القديمة؛ لأن إحدى النسخ كتبت سنة 743 هـ. وجاء التعريف بهذا الشرح من ناسخ نسخة مكتبة الجامع الكبير بمكناس برقم (352) ، قال: في آخرها: ((لخّص فيه أبو زكريا شرح القرافي على تنقيحه تلخيصاً جامعاً، وزاد عليه فوائد جليلة، وتنبيهات حسنة، أكثرها من كلام القرافي في شرح المحصول، وزاد على ذلك من كتاب سيف الدين الآمدي، وكتاب الباجي المترجم بالفصول، وهذا التقييد يغني عن شرح القرافي، ولا يغني هو عنه)) . وشرح المسطاسي هذا من أهم مصادر شرح الشوشاوي حيث إنه اعتمد عليه كثيراً (3) .   (1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي، عُرف بابن البناء، مالكي المذهب، اشتهر باتباع السنة والصلاح والدين، له دراية بعلوم الفلك وبسائر العلوم. من تآليفه: منتهى السول في علم الأصول، تنبيه الفهوم على إدراك العلوم، شرح تنقيح القرافي، منهاج الطالب في تعديل الكواكب، ومقالات عديدة في أحكام النجوم وعلم الإسطرلاب. ت 721 هـ. انظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص 65، شجرة النور الزكية 1 / 216. (2) هو أحمد بن عبد الرحمن التادلي الفاسي، مالكي المذهب. كان فقيهاً إماماً في أصول الفقه، مشاركاً في الأدب والعربية، ذا عفة ودين. له شرح عمدة الأحكام في الحديث، وشرح على رسالة ابن أبي زيد، توفي في المدينة عام 741 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 138. (3) انظر: القسم الدراسي لكتاب رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي. دراسة وتحقيق الدكتور / أحمد السَّراح ص (176 - 178) . ولم أعثر على ترجمةٍ للمِسْطَاسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 4 - شرح تنقيح الفصول: لأبي الحسن علي بن يونس بن عبد الله الهواري التونسي (1) . 5 - شرح التنقيح: لأبي الحسن علي بن ثابت الأموي التلمساني (2) . 6 - التوضيح على التنقيح: لأبي القاسم محمد بن محمد بن علي النويري (3) . 7 - التوضيح شرح التنقيح: لأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن اليزليطني القروي الشهير بـ" حلولو " (4) . وشرحه هذا مطبوع بهامش شرح تنقيح الفصول للقرافي بالمطبعة التونسية عام (1328 هـ - 1910 هـ) . وسيأتي الكلام عنه عند مقارنته بشرح القرافي (5) . 8 - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب: لحسين بن علي الشوشاوي (6) .   (1) هو علي بن يونس بن عبد الله الهواري التونسي، نور العين أبو الحسن، مالكي المذهب، من العلماء المتبحِّرين له شرح على ابن الحاجب الأصولي، وشرح تنقيح القرافي. ولد سنة 668 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 204 ولم أقف على تاريخ وفاته. (2) هو أبو الحسن علي بن ثابت بن سعيد القرشي الأموي التلمساني، فقيه مالكي ورع فاضل، أخذ عن ابن مرزوق الجد، وعنه ابن مرزوق الحفيد وغيره، له نحو ثمانية وعشرين تأليفاً، في أصول الدين والحديث والتاريخ والطب، منها ثلاثة شروح على البردة، وشرح لتنقيح القرافي، ت 829 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 207 هـ، معجم المؤلفين 2 / 414. (3) هو محمد بن محمد بن علي بن محمد، أبو القاسم النويري، نسبة إلى قرية بصعيد مصر الأدنى، برع في الفقه وكثير من العلوم، وله فيها تآليف، منها: بغية الراغب على ابن الحاجب (فقه) ، وشرح التنقيح للقرافي في مجلد سمّاه: التوضيح على التنقيح، وشرح لطيبة النشر في القراءات العشر. ت 857 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 311، توشيح الديباج وحلية الابتهاج لبدر الدين القرافي ص 221. (4) هو أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عبد الحق اليزليطني أو اليزليتني القروي، المعروف بحلولو الإمام العمدة المحقق الفقيه الأصولي، تولَّى قضاء طرابلس، له شرحان على جمع الجوامع شرح صغير وهو الضياء اللامع (طبع منه جزآن) ، وشرح كبير، له شرح على الإشارات للباجي، وشرح على تنقيح القرافي (ط) ، واختصر نوازل البرزلي. كان بالحياة سنة 875 هـ وعمره قريب من الثمانين. انظر: الضوء اللامع 1 / 260، نيل الابتهاج ص 83. (5) انظر: المبحث التاسع، ص 202 (6) هو أبو علي الحسين بن علي بن طلحة الرجْراجي الشوشاوي، من أعلام سوس بالمغرب. شهرته ظهرت من كتبه، منها رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (رسالة جامعية) ، الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة (ط) ، الأنوار السواطع شرح الدرر اللوامع في القراءات ت 899 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 110، درة الحجال 1 / 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وشرحه هذا كان رسالةً علمية للماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة 1407 هـ. حقق الدكتور / أحمد السَّراح القسم الأول من الكتاب، بينما حقق القسم الثاني منه الدكتور / عبد الرحمن الجبرين. ولقد استفدت كثيراً من هذا الشرح في هذه الرسالة، فجزاهم الله خيراً. وسيأتي الحديث عنه عند مقارنته بشرح القرافي (1) . 9 - شرح تنقيح الفصول: لداود بن علي بن محمد القلتاوي الأزهري (2) . 10 - شرح فصول التنقيح: لأبي فارس عبد العزيز الأَدُوْزي السوسي (3) . 11 - منهج التحقيق والتوضيح لحلِّ غوامض التنقيح: لمحمد بن حمودة بن أحمد جعيط، مفتي الديار التونسية (4) . وحاشيته هذه مطبوعة بمطبعة النهضة سنة 1345 هـ - 1926 هـ بتونس، وسيأتي الكلام عنها عند مقارنتها بشرح القرافي (5) . 12 - شرح تنقيح الفصول: للشيخ الطايع بن الحاج الفاسي (شيخ القرويين ورئيس مجلسها) ت: 1377 هـ، كان شرحاً متداولاً بين أيدي طلابه، منهم: عبد الرحمن الفاسي، وقد أثنى عليه كثيراً (6) .   (1) انظر: المبحث التاسع، ص 207 (2) هو داود بن علي بن محمد القلتاوي الأزهري نسبة إلى جامع الأزهر بمصر، فقيه نحوي، أحد شيوخ المالكية، من تآليفه: شرح مختصر خليل، شرح الألفية في النحو، وشرح الآجرومية، وشرح التنقيح في الأصول للقرافي، ت 902 هـ. انظر: توشيح الديباج ص 99، نيل الابتهاج ص116. (3) هو عبد العزيز بن محمد بن محمد بن أحمد المرابط السملالي السوسي، أبو فارس الأدوزي. أديب من فضلاء المالكية، من أهل أدوز بسوس المغرب، احترف التعليم، وتنقَّل في عدة مدارس. له كتب منها: شرح معلقة امريء القيس، شرح الشمَقْمَقية، شرح التنقيح بخطِّه غير تام. ت 1336 هـ. انظر: الأعلام للزركلي 4 / 27. (4) هو أبو عبد الله محمد بن الشيخ حمودة بن أحمد بن عثمان جعيط، جمال العلماء وأستاذ الأدباء، كانت أوقاته معمورة بالتدريس والإفادة والعبادة، كان يقول الشعر، تولى الإفتاء سنة 1331 هـ. له رسائل وتآليف، منها: تراجم علماء تونس، تقارير على صحيح مسلم، شرح البردة، حاشية على التنقيح مفيدة طبعت في مجلدين، ت 1337 هـ. انظر: شجرة النور الزكية 1 / 423، الأعلام للزركلي 6 / 110. (5) انظر: المبحث التاسع، ص 212 (6) انظر: كتاب: الشهاب القرافي حلقة وصل بين المشرق والمغرب 1 / 283. ولم أقف على ترجمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 13 - حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح: لمحمد الطاهر بن عاشور (1) وحاشيته هذه مطبوعة بمطبعة النهضة سنة 1341 هـ بتونس. وسيأتي الكلام عنها عند مقارنتها بشرح القرافي (2) . وأما مختصرات تنقيح الفصول فما عرفته منها هو ما يلي: 1 - إقليد الأصول. وهو مختصر تنقيح الفصول، للقاضي ابن فرحون اليعمري المدني (3) ، وهذا المختصر لم يكمِّله صاحبه، بل وصل فيه إلى باب النسخ. 2 - مختصر تنقيح الفصول. لمؤلفٍ مجهول. والمختصر مطبوع بكامله ضمن مجموعة متون أخرى في كتاب واحد اسمه: " متون أصولية مهمَّة في المذاهب الأربعة ". الناشر: مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، سنة 1413 هـ. المتن الأول: مختصر المنار لزين الدين الحلبي الحنفي (4) . المتن الثاني: الورقات لإمام الحرمين الجويني الشافعي. المتن الثالث: مختصر تنقيح الفصول لشهاب الدين القرافي المالكي.   (1) هو محمد الطاهر بن عاشور، رئيس المفتين المالكيين بتونس، وهو من أعضاء مجمعي اللغة العربية في دمشق والقاهرة، له مصنفات مطبوعة، منها: تفسيره العظيم: التحرير والتنوير (ط) ، مقاصد الشريعة الإسلامية (ط) ، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام (ط) . ت 1393 هـ. انظر: الأعلام للزركلي 6 / 174. وله ترجمة حافلة في مجلة جوهر الإسلام العد 3 - 4 سنة 10 / 1979 م بقلم الحبيب بن الخوجة بعنوان: شيخ الإسلام وشيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور. (2) انظر المبحث التاسع، ص 217 (3) هو القاضي إبراهيم بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون اليعمري الجياني الأصل المدني المولد، من أهل بيت علم، كان عالماً بالفقه والنحو والأصول والفرائض والوثائق والقضاء وبالرجال وطبقاتهم، تولى قضاء المدينة، أظهر مذهب مالك بعد خموله، من تآليفه: تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات لابن الحاجب، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (ط) ، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (ط) ، ت 799 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 30. (4) هو زين الدين أبو العز طاهر بن الحسن بن عمر الحلبي الحنفي، المعروف بابن حبيب. برع في الأدب والنظم، وله مشاركة في التأريخ، من آثاره: شنف السامع في وصف الجامع (جامع بني أمية) ، حضرة النديم من تاريخ ابن العديم (في تاريخ حلب) ، أرجوزة الروض المروض في العروض، مختصر منار الأنوار للنسفي (ط) ت 808 هـ. انظر: الضوء اللامع 4 / 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 المتن الرابع: قواعد الأصول لصفي الدين البغدادي الحنبلي (1) . ويلاحظ بأن تسمية مؤلف مختصر تنقيح الفصول بالشهاب القرافي تسمية خاطئة؛ لأنه لم يؤثر عن مصنفات القرافي مثل هذا المختصر؛ ولأنه كُتِب في آخر هذا المختصر ص (104) ((والحمد لله وحده، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. قال مختصِرُهُ: حُرِّر في مدينة دمشق)) . والقرافي لم يؤثر عنه خروجه من مصر ألبتة. وقد جاء في أول هذا المختصر قوله: الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد: فهذا مختصر يتضمَّن فوائد جمَّة من قواعد الأصول التي شملها تنقيح الفصول. ورتّبته على عشرين باباً. والله وليُّ التوفيق. وهذه المتون عليها تعليقات للشيخ القاسمي (2) ، قال في نهاية تعليقه على مختصر تنقيح الفصول: ((والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وقد تمَّ تحرير هذه التعليقات في أوائل شوال عام 1324 هـ بدمشق الشام بقلم الحقير جمال الدين القاسمي. ومجموعها مستمد من شرح الإمام القرافي رحمه الله لأصله المطبوع سنة 1307 هـ، فجزاه الله خير الجزاء، آمين)) . هذه بعض الشروحات والحواشي والمختصرات التي أمكنني الوصول إلى معرفتها، وليس يبعد وجود غيرها مما لم أعلمه؛ وذلك لشهرة كتاب " تنقيح الفصول " واهتمام ذوي العلم به.   (1) هو صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله، أبو الفضائل البغدادي الحنبلي، الإمام الفرضي، أقبل على العلم مطالعة ومدارسة وتصنيفاً وافتاءً، له: شرح المحرر في الفقه، تسهيل الوصول في علم الأصول، تحقيق الأمل في علمي الأصول والجدل، ومختصره: قواعد الأصول (ط) وغيرها. ت 739 هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2 / 428. (2) هو جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم القاسمي الدمشقي، رحل إلى مصر والمدينة، ثم استقر بدمشق وعكف على التصنيف والدروس في التفسير وعلوم الشريعة والأدب، وله تصانيف كثيرة، منها: محاسن التأويل في تفسير القرآن الكريم (ط) ، إصلاح المساجد من البدع والعوائد (ط) ، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ط) ، دلائل التوحيد (ط) ، وغيرها. ت 1332 هـ. انظر: الأعلام للزركلي 2 / 131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 المبحث الثاني عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه المطلب الأول: عنوان الكتاب لم يضع مصنِّفُه عنواناً محدداً له، فكلُّ الذي ذكره في هذا الصدد أن أطلق عليه اسم " شرح " فقط. قال في نسخ الشرح الخطية ((أما بعد: فإن كتاب " تنقيح الفصول في اختصار المحصول " كان قد يسرَّه الله عليَّ ليكون مقدمة أول كتاب " الذخيرة في الفقه "، ثم رأيتُ جماعة كثيرة رغبوا في إفراده عنها، واشتغلوا به، فلمَّا كثر المشتغلون به رأيت أن أضع له شرحاً يكون عوناً لهم على فهمه وتحصيله. . .)) . فالمصنف قد نسج للمتن تسميةً خاصةً به، وهي: " تنقيح الفصول في علم الأصول " كما جاء في نسخ المتن الخطيَّة (1) . ولمَّا طفق يشرح متنه لم ينسج لشرحه تسميةً خاصةً به سوى أنه ذكر كلمة " شرح "، وترددت هذه الكلمة في تضاعيف الكتاب حيث قال: ((وفي هذه المواطن مباحث ومُثُل كثيرة نقلتها في كتاب " شرح المحصول "، وجعلتها مسائل خلاف مستقلّة، ومعها مباحث شريفة هنالك، لا يحتمل هذا الشرح المختصر ذلك)) (2) . كما أن المصنف أشار إلى كتابه هذا " شرح تنقيح الفصول " في كتابه " العقد المنظوم في الخصوص والعموم " ولم يتجاوز كلمة " شرح "، فقال: ((إشكالٌ عظيم صعب، لي نحو عشرين سنة أُوْرِدُهُ على الفضلاء، والعلماء بالأصول والنحو، فلم أجد له جواباً يرضيني، وإلى الآن لم أجدْه، وقد ذكرته في شرح المحصول، وكتاب التنقيح، وشرح التنقيح، وغيرهما، مما يسَّره الله تعالى عليَّ من الموضوعات في هذا الشأن، وهو. . . إلخ)) (3) .   (1) انظر: المبحث السابق، ص (63) ، فقد تمَّ تحرير هذا الاختلاف ومناقشته. (2) انظر: شرح تنقيح الفصول ص 125 (المطبوع) . (3) العقد المنظوم 2 / 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ويتلخّص مما تقدّم ذكره أن عنوان الكتاب هو: " شرح تنقيح الفصول في علم الأصول (أو في اختصار المحصول) " وتعضيداً لما سبق تقريره من تسميةٍ للكتاب يمكن الاستئناس بالأوجه التالية: أولاً: لو رُحْنا نتصفّح فواتح النسخ الخطيّة وخواتيمها لوجدنا اختلافاً يسيراً في تسمية الكتاب، ففي صحائف عناوين النسخ نجد ما يلي: * النسخة ز، م: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول. * النسخة ق: شرح تنقيح الفصول في علم الأصول. * النسخة ش: شرح التنقيح في أصول الفقه. * النسخة هـ: شرح التنقيح. * النسخة ن: شرح كتاب التنقيح. وقد خلت النسخ س، ص، ومن صفحة عنوان الكتاب إلاّ ما كان من صَنْعة المُفهرسين. ونجد في خواتيم هذه النسخ ما يلي: * النسخة ن: كَمُل شرح التنقيح. * النسخة م: هذا آخر شرح الكتاب المسمَّى بـ" تنقيح الفصول في اختصار المحصول ". * النسخة س: تمَّ شرح الكتاب نفع الله به المسلمين. * النسخ ز، ص، ش، و: هذا آخر شرح الكتاب نفع الله به المسلمين. أما النسخة هـ فلم ترد فيها خاتمة للكتاب؛ لأنها مجذوذة، بها وقفة كاتبٍ، كما سيأتي ذكر ذلك في وصفها (1) . وبعد هذا العرض لهذا التفاوت اليسير في الأسماء يبدو لنا أن أكثرها يقوم على الرمز والإشارة إلى اسم الكتاب، لا على تحقيق اسمه كاملاً بالدقَّة، فالناسخ يصيغ اسماً - ولو مُرمَّزاً - للدلالة وعلى مسمَّى الكتاب.   (1) انظر وصفها ص (226) من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وأدقّ هذه التسميات وأتمها العبارات التي جاءت في فواتح النسخ ز، م، ق. وقد اخترتُ إثبات تسمية النسخة " ق " على وجه هذه الرسالة باعتبارها نسخة عريقة ومصحَّحة ومدقَّقة. ثانياً: النسخ المطبوعة من الكتاب: - طبعة تونس التي بهامش حاشية محمد جعيط جاء اسم الكتاب: شرح تنقيح الفصول. - طبعة تونس التي بهامش حاشية محمد الطاهر بن عاشور جاء اسم الكتاب: شرح تنقيح الفصول في الأصول. - طبعة تونس التي بهامش شرح حلولو " التوضيح " جاء اسم الكتاب: شرح تنقيح الفصول في علم الأصول. - طبعة مصر بتحقيق / طه عبد الرؤوف سعد جاء اسم الكتاب: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول. ثالثاً: الكتب التي ترجمت للمؤلف: - جاء في الديباج المذهب ص (129) : ((وكتاب " التنقيح " في أصول الفقه وهو مقدمة " الذخيرة " وشرحه كتاب مفيد)) . وهو عين ما جاء في: شجرة النور الزكية (1 / 188) ، وقريباً منه في: الفتح المبين في طبقات الأصوليين (2 / 86) . - وفي الوافي بالوفيات (6 / 233) : ((وله التنقيح وشرحه)) وهو عين ما جاء في: المنهل الصافي (1 / 216) . - وفي حسن المحاضرة (1 / 316) : ((والتنقيح في الأصول وشرحه)) . - في الأعلام (1 / 95) : ((له مصنفات جليلة في الفقه والأصول، منها: شرح تنقيح الفصول - ط)) . رابعاً: الكتب التي عُنيت بأسماء الكتب والمؤلفين: - عدَّ في كشف الظنون ص (499) كتاب " تنقيح الفصول في الأصول " من مصنفات الشهاب القرافي، ثم قال: ((وقيل: له شرحٌ عليه)) . - وفي هديَّة العارفين (1 / 99) ((وشرح التنقيح له)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 خامساً: الكتب التي نقلت عن شرح التنقيح: لم أقف على كتابٍ من الكتب التي أفادت من " شرح تنقيح الفصول " بحيث ذكرتْ تسميةَ الكتابِ تامَّة، فمعظمها اكتفى بالإشارة إلى الاسم، مثل: " شرح التنقيح " (1) .   (1) انظر على سبيل المثال: شرح مختصر الروضة للطوفي 1 / 214، 251، 440، تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد للعلائي ص 81، 202، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للإسنوي ص 201، 318، البحر المحيط للزركشي 3 / 108، 4 / 502، 5 / 285، 8 / 41، شرح الكوكب المنير للفتوحي 1 / 95، 344، 3 / 293، 333، إرشاد الفحول للشوكاني 1 / 574، نشر البنود للعلوي 1 / 22، 2 / 100، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 104، 120، 122، 166، 167، 232. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 المطلب الثاني: نسبة الكتاب إلى القرافي لم أجد أحداً تردَّد في نسبة كتاب " شرح تنقيح الفصول " إلى الشهاب القرافي، فكلُّ من ذكره نسبه إليه. ولست أعلم كتاباً يحمل هذا العنوان حتى يُنْسب إلى غير القرافي. وكتاب القرافي هذا ليس من الكتب الخاملة - عديمةِ الشهرة - حتى يُخشى من وقوع اللبس والوهم في اعتزائه إليه. ويمكن أن نستمد ثقتنا ويقيننا بأن هذا الكتاب صحيح الانتساب إلى الإمام الشهاب من الأمور التالية: أو لاً: أن اسم مؤلفه جاء مسطوراً على جميع نسخ الشرح الخطيّة. ثانياً: أن المؤلف أحال في تضاعيف كتابه هذا على بعض كتبه الأخرى التي عُلِمتْ صحة نسبتها إليه (1) ، من هذه الكتب: أ - الذخيرة في الفقه. انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص 75، 114 ب - الأمنية (في إدراك النية) . انظر: شرح التنقيح (القسم التحقيقي) ص 383. جـ - الاستغناء في أحكام الاستثناء. انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص 61، 258. د - شرح المحصول (نفائس الأصول) . انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص 16، 62، القسم التحقيقي ص 60. هـ - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. انظر: شرح التنقيح (القسم التحقيقي) ص 60. والإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام. انظر: شرح التنقيح (القسم التحقيقي) ص 478. ثالثاً: أن المؤلف أحال في كتابه: ((العقد المنظوم في الخصوص والعموم)) على كتابه هذا " شرح تنقيح الفصول ". انظر: الجزء الثاني منه ص (161) .   (1) انظرها في مبحث مصنفات القرافي، ص 49-60 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 رابعاً: ومما يُسعف في التحقُّق من نسبة الكتاب إلى القرافي إجماع المفهرسين للكتب، والمترجمين للقرافي الذين ذكروا الكتاب بنسبته إليه دون أدنى تلكؤٍ أو اختلاج رَيْب (1) . خامساً: نقولات أرباب الأصول من كتاب " شرح تنقيح الفصول للقرافي " مع التصريح باسمه واعتمادهم عليه في اقتباساتهم، وهذا مسلك قوي، ومستمسك جليّ، يقطع بسلامة النسبة، ولاسيّما عند معارضة هذه النصوص المنقولة بأصل كتاب القرافي، فتظهر الموافقة والمطابقة (2) . سادساً: تصريح المصنف في الكتاب ببعض أسماء أشياخه (3) الذين أخذ عنهم مشافهةً، هذا التصريح يدعم صحة نسبة الكتاب إليه. من ذلك: أ - قول المصنف في شرح التنقيح (المطبوع) ص (33) ((وكان الخسروشاهي يقرره، ولم أسمعه من أحدٍ إلاّ منه. . .)) . ب - وقوله في شرح التنقيح (القسم التحقيقي) ص (537) ((سئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله عن قتل الهر المؤذي، هل يجوز أم لا؟ فكتب - رحمة الله عليه وأنا حاضرٌ - إذا خرجت أذيته عن عادة القطط، وتكرر ذلك منه قُتِل. . .)) . سابعاً: وإذا كانت القيافة من وسائل إثبات النسب (4) ، فإن من اقتاف أسلوب القرافي، وتتبَّع نهجه في كتابه لا يجدُ بُدّاً من تسليم صحة نسبته إليه، فإن من سبر أغواره، واستكشف أسراره، اشتمَّ منه نَفَسَ القرافي المعهود في سائر كتبه، ومن أصدق القرائن المحتفّة بالكتاب، الشاهدةِ بصحة هذه القيافة: ولوع القرافي بإيراد الإشكالات، وإبداء الفروقات، وتقرير القواعد، وتكثير الفوائد، وانتهاجُه منهاج الحِجَاج، وأسلوب المناظرة، وطريقة الجدل، وهذه عادةٌ قَرَافيَّةٌ جرت في كل ما وقفتُ عليه من كتبه.   (1) انظر الشواهد على ذلك فيما مرّ ذكره قريباً عند الكلام عن تحقيق عنوان الكتاب، ص 78 (2) انظر على سبيل المثال الإحالات الواردة في هامش (1) ص (79) من القسم الدراسي. (3) انظر مبحث شيوخ المصنف ص 38-40 (4) قال ابن حزم ((فصحّ أن القيافة علم صحيح يجب القضاء به في الأنساب والآثار)) المحلى 10 / 182. وانظر تعريف القيافة ص (449) من القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 المبحث الثالث الباعث على تأليف الكتاب وزمن تأليفه المطلب الأول: الباعث على تأليف الكتاب لمعرفة دواعي التأليف فوائد جمَّة، لها أثر في معرفة منهج المؤلف، ونوعية الدراسة التي قام بها. وقد تعارف المؤلفون على أن يُصدِّروا كتبهم بمقدّمةٍ يكشفون فيها سبب تأليف الكتاب، وطرفاً من معالم منهجهم فيه، وما يهمُّ القاريء معرفته حتى يكون على درايةٍ فيما يقرؤه. وقد استهلَّ القرافي كتابه بمقدمةٍ أعلن فيها هدفه بوضوح، فقال: ((أما بعد فإن كتاب " تنقيح الفصول في اختصار المحصول " كان قد يسَّره الله عليّ ليكون مقدمة أول كتاب الذخيرة في الفقه. ثم رأيت جماعةً كثيرة رغبوا في إفراده عنها واشتغلوا به، فلمَّا كثر المشتغلون به رأيت أن أضع له شرحاً يكون عوناً لهم على فهمه وتحصيله، وأبيّن فيه مقاصد لا تكاد تُعْلم إلاّ من جهتي، لأني لم أنقلها عن غيري، وفيها غموض،. . .)) . وإذا ربطنا هذه المقدِّمة مع مقدِّمة المتن " تنقيح الفصول " (1) باعتبار الكتاب وحدة واحدة أمكن استخلاص بواعث القرافي على تأليف الكتاب متناً وشرحاً كما يلي: 1 - أن قواعد الفقه وأصوله من أنفس العلوم التي يحتاج إليها الفقيه عوناً له على التحصيل، وابتناءً لفروعه على التأصيل، وفهماً لمدارك العلماء في الأحكام، ومآخذ الفقهاء في الحلال والحرام. 2 - كثرة المشتغلين بمتن الكتاب وتداوله بينهم إقراءً ومذاكرةً وشرحاً وتدريساً احتفاءً به واعترافاً بقدْره، هذا الشأن حدا بالمصنف أن يصنع لهم شرحاً له، ولاسيما أن المصنف انكشفت له بعض الملاحظات على المتن أو نُبّه عليها، فأراد إصلاحها في الشرح (2) .   (1) انظر: الذخيرة 1 / 39، 55. وانظر مبحث التعريف بمتن الكتاب من هذا الفصل ص (63) القسم الدراسي. (2) انظر أمثلة على ذلك في: الصفحات 180-183 من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 3 - لقد بالغ القرافي في مختصره الأصولي في إيجاز العبارة بالرمز والإشارة، مما جعل كتابه في مسيس الحاجة إلى الشرح والإيضاح، فشرَحه على وجهٍ لا يُفضي إلى الإطناب، ولا يُخلّ بشيء من لطائف الكتاب، فلم يكن مطوَّلاً فيُمِلُّ إملالاً، ولا مختصراً فيُخِلُّ إخلالاً. 4 - مُكْنَة القرافي وأهليّته على إيفاء الكتاب حقّه، بتحرير معاقده، وتفسير مقاصده، وتذليل صعابه، وفكِّ غوامضه، وحلِّ ألفاظه، وتوضيح معانيه؛ لأن القرافي ضمَّن مختصره مباحث من بنات أفكاره دون أن ينقلها عن غيره، وفيها غموض لا يُزَال إلاّ من جهته. 5 - إشهار المذهب المالكي الأصولي بين سائر المذاهب الأخرى، لتسمو مكانتهم ومنزلتهم الأصولية كما بزغتْ شمسهم في الفروع، وليرتفع العتب والملام عن الأئمة الأعلام عند مخالفة أحدهم لأصله لمعارضٍ أرجح منه. قال في الذخيرة (1 / 39) : ((وبيّنتُ مذهب مالك في أصول الفقه ليظهر علوُّ شرفه في اختياره في الأصول، كما ظهر في الفروع، ويطّلع الفقيه على موافقته لأصله، أو مخالفته له؛ لمعارضٍ أرجح منه، فيطلبه حتى يطّلع على مدركه، ويُطْلِع المخالفين في المناظرات على أصله)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 المطلب الثاني: زمن تأليف الكتاب ورَّث القرافي ثروة نفيسة من مؤلفاته في فنون متنوعة عبر مشوارٍ علمي حافل، ومعرفةُ زمن تأليف الكتاب له أثرٌ ملموس يظهر في تحديد سَبْق المؤلف إلى رأيٍ سديدٍ أو تحريرٍ مفيدٍ، كما يمكن تحديد مدى إفادة المعاصرين للمؤلف من مؤلَّفه (1) . كما أن معرفة الظروف الزمانية المحيطة بتأليف الكتاب تفيد في معرفة الرأي الذي استقرَّ عليه المؤلف أخيراً، وتفيد أيضاً في الوقوف على الأقدار العلمية والأطوار الفكرية للمصنف، فما كتبه في صدر شبابه وبداية مشواره، ليس كالذي كُتِب في أوْج سِنِّه واستواء نُضْجه. وكتاب شرح تنقيح الفصول لم يشر القرافي إلى بداية تأليفه له، ولا الفترة الزمنية المستغرقة في تأليفه، وإنما مشى المصنف مع ما جرت به عادة بعض المؤلفين من تسجيل تاريخ الفراغ من تصنيفه، فها هو يقول: ((كان الفراغ من تأليفه يوم الإثنين لتسع ليالٍ مضتْ من شهر شعبان سنة سبعٍ وسبعين وستمائة)) (2) . فعلى هذا يعدُّ هذا الكتاب من أواخر مصنفاته، لم يبق بينه وبين وفاته سوى سبع سنوات عليه رحمة الله تعالى. وفي الصفحة التالية مخطَّطٌ زمني يحدد موقعه ضمن تآليفه الأخرى:   (1) برزت هذه الظاهرة بوضوح مع شمس الدين محمد بن محمد الأصفهاني (ت 688 هـ) . فقد كان ينقل في كتابه: " الكاشف عن المحصول " كثيراً من تقريرات القرافي على شرح المحصول، والإشكالات عليه، وأجوبتها دون أن يذكره باسمه ولو مرةً واحدة. انظر: القسم الدراسي للجزء الأول من كتاب نفائس الأصول تحقيق د. عياض السلمي ص 121. كما قرَّر ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (8 / 101) بأن الأصفهاني أخذ محاسن ما في نفائس الأصول، ونقّحها، وحسَّنها أجود مما عند القرافي، ولكن الفضل يعود إلى القرافي في ابتكاره لها. (2) انظر خواتيم بعض نسخ الشرح الخطية في الصفحات: 240، 253، 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 المبحث الرابع موضوعات الكتاب ومضامينه، ونظام ترتيبه المطلب الأول: موضوعات الكتاب ومضامينه: كانت طريقة الأوائل في مقدمات تآليفهم أن يضبطوا مقالاتِ الكتاب وأبوابَه بحيث يقف الناظر من مقدمة الكتاب على ما في أثنائه من تفاصيله. فكل علمٍ لا يستولي الطالب في ابتداء نظره على مجامعه ولا مبانيه، فلا مطمع له في الظفر بأسراره ومبانيه (1) . وكتاب شرح تنقيح الفصول للقرافي لم ينوِّه صاحبه رحمه الله في مطلع كتابه إلى موضوعات الكتاب ومضامينه سوى أنه وشَّحه بقواعد جليلة وفوائد جميلة (2) . بَيْد أنه صرَّح في كتابه المتن: " تنقيح الفصول " بأنه نَظَم مباحث الأصول في عشرين باباً تندرج تحتها مائة فصل وفصلان (3) ، وسبق لي سرد هذه الأبواب إجمالاً في المبحث الأول من هذا الفصل (4) . ولعلَّ السرَّ الكامن وراء ترك القرافي تسمية هذه الأبواب والفصول في المقدمة هو كون الكتاب مختصراً، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى كونه تابعاً إلى حدٍّ كبير ترتيب وتبويب المحصول للرازي. قال الطوفي: رحمه الله بعد أن عدد موضوعات تنقيح القرافي: ((وهو قريب من الترتيب قبله (وهو المحصول) ومقتضب منه، وهو (أي القرافي) كثيراً ما يَأْتمُّ بالإمام أبي عبد الله الرازي فيما يصحُّ عنده، على جهة التأدب والاعتراف بالفضيلة)) (5) . هذا، وليس القصد من وراء هذا المبحث عرض ما حواه هذا القسم الثالث من الكتاب من مباحث تفصيلية ومسائل جزئية؛ لأن هذا موضعه في فهارس الكتاب.   (1) انظر: المستصفى 1 / 34، شرح مختصر الروضة 1 / 98. (2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 2. (3) انظر هذا المتن في مقدمة الذخيرة 1 / 55. (4) انظر: ص 67- 69 (5) انظر: شرح مختصر الروضة 1 / 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وإنما المراد إعطاء القاريء تصوّراً إجمالياً عن الموضوعات الرئيسية التي حفل بها هذا القسم، ومدى أهميّته في أصول الفقه. وبنظرةٍ فاحصة شمولية إلى موضوعات الكتاب أمكن تثليثه إلى ثلاثة أجزاء: القسم الأول (1) : يشتمل على التعريفات والحدود والاصطلاحات، والأحكام التكليفية والوضعية التي يُفْتقر إليها في أصول الفقه. وهذه موضوعات تعتبر بمثابة الإرهاصة والتقْدِمة لدراسة الأصول. وهو يبدأ من الباب الأول، وينتهي بنهاية الباب الثالث. القسم الثاني (2) : يشمل دلالات الألفاظ من الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبيّن، والمفاهيم. . . وهو يبدأ بالباب الرابع، وينتهي بالباب الثاني عشر. وهذه الموضوعات تعتبر ركيزة العمل الأصولي، فالأصوليون خاضوا معترك الدلالات باعتبارها طرق استثمار أدلة الأحكام الشرعية، وميدان الاجتهاد البياني. وأما القسم الثالث: فلقد حفل بأهم موضوعات الأصول، التي هي أساس استنباط الأحكام الشرعية، وينبوع التفاريع الفقهية، فأتت موضوعاته على النحو التالي: أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنسخ، والإجماع، والخبر، والقياس، والتعارض والترجيح، والاجتهاد، والتقليد والفتوى، والأدلة المختلف في الاحتجاج بها. وهذه المواد تشغل حيزاً كبيراً من كتب الأصول، بل هي لبُّه وأساسه. وناهيك بمبحث القياس وما يكتنفه من وعورة وعمقٍ عن غيره من المباحث، إليه المَفْزع إذا فُقِدتْ نصوص الشرائع، وظُنَّ ضيقُ المسالك وانسداد الذرائع. إذا أعْيا الفقيهَ وجودُ نصٍ تعلَّق لا محالةَ بالقياس (3) ثم إن النظر في الأدلة من اختصاص المجتهد، فلابد من معرفة مؤهلاته وصفاته وشرائطه ومسالكه في درء التعارض الواقع بين الأدلة والتراجيح بينها. تلكم هي الخطوط العريضة لمضامين هذا الجزء أو القسم من هذا الكتاب الذي قمت بتحقيقه ودراسته.   (1) تكفَّل أخي وصديقي المبارك / سعيد بن عفيف بتحقيقه ودراسته. (2) اشتغل بتحقيقه أخي وصديقي الفاضل / حسن بن إبراهيم بن خلوفة. (3) لم أقف على قائله، لكني وجدته في كتاب: التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين لابن السِّيد البطليوسي ص 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 المطلب الثاني: نظام الكتاب وترتيبه أما نظام ترتيب أبواب الكتاب وموضوعاته، فلا تسأل عن حُسنه وجودته، قد انتظم عِقْده في تسلسل منطقي ملائم، بحيث تبدو العلاقة واضحةً بين الموضوع في سياقه وسباقه ولحاقه. فإذا نظرنا إلى الأقسام الثلاثة السالفة الذكر وجدناها متَّسقةً ومنسجمة، فالبدء كان بالحدود والتعريفات والأحكام الشرعية، ثم بمباحث دلالات الألفاظ، ثم بأدلة الشريعة المتفق عليها، فالمختلف فيها. لكن لو جال البصر في نطاق دائرة القسم الأول لبدا لنا من الوهلة الأولى وجود بعثرةٍ في بعض فصول الباب الأول الذي أدرج القرافي تحته عشرين فصلاً. ففي الفصل الأول يتحدث عن حدِّ الحدّ، ثم ينتقل في الفصل الثاني إلى تفسير أصول الفقه، وفي الفصل الثالث: يبحث في الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل. وهكذا يجيء في الفصل الحادي عشر إلى الكلام عن خمس حقائق لا تتعلق بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم، ثم عن الحكم الشرعي، ثم عن الحسن والقبح، ثم عن الحقوق، ثم عن المعلومات وهكذا، وفي الباب الثالث يعقد مبحثاً في تعارض الألفاظ، وربما كان الأليق به أن يتأخر حتى يُدمج مع الباب الثامن عشر الذي في التعارض والترجيح. وإذا كانت البعثرة والشَّتات سِمةً للقسم الأول من الكتاب، فإنك لا تلمس ذلك في بقية الكتاب، بل لقد جاءت مباحثه فصولاً وأبواباً منتظمة ومتسلسلة في حلقات يأخذ خِطَامُ بعضِها ببعض. وتبياناً لهذا التسلسل المنطقي والترتيب الموضوعي أقول: ? الأدلة التشريعية إما أن تكون نصِّية أو مستنبطة. والنصيّة إما قولية أو فعلية ممن لا يجوز عليهم الخطأ، وهم: الله تعالى، والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع الأمة. والصادر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وعن الأئمة إما قولٌ أو فعلٌ، والفعل لا يدل إلاّ مع القول فتكون الدلالة القولية مقدمة على الدلالة الفعلية، والدلالة القولية تتناول البحث عن دلالات الألفاظ. ? ثم يجيء ذكر أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها، وتقدمها على النسخ إنما كان؛ لأن الأفعال موجِبة ومثبتة ويدخل عليها النسخ. ? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ثم يأتي النسخ بعد الأفعال وقبل الإجماع؛ لأنه يدخل على الخطاب والأفعال، ويغيّر الأحكام، وهو لا يدخل على الإجماع. ? ويُذكر الإجماع ويقدّم على الخبر والقياس؛ لأن الإجماع دليل مقطوع به والخبر أكثره مظنون، وبالإجماع يُستدل على حجيّة القياس فكان أصلاً للقياس، والأصل مقدّم على الفرع. ? ثم يجيء ذكر الخبر بعد الأدلة المنصوصة القولية والفعلية والإجماع؛ لأن من لم يشاهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أهل الإجماع، لا تصل إليه هذه الأدلة إلاّ بالنقل، فلابد من البحث عن النقل، وأحوال النقلة، وهو باب الأخبار. ? ويقدّم باب القياس على باب التعارض والترجيح، وباب الاجتهاد، وباب الأدلة المختلف فيها؛ لأنه دليل من أدلة الشرع مثبت، والمجتهد إنما يفتي إذا عرف القياس، وأدلة التشريع، والترجيح بين الأدلة البادية التعارض. ? وإذا ما انتهت مباحث الأدلة المتفق عليها (الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس) كان ختام الكتاب بذكر أدلةٍ اختلف المجتهدون في كونها طُرقاً إلى الأحكام الشرعية (1) . وبهذا جاءت أبواب الكتاب وفصوله متتابعة النَّسق، متراصِفَة النَّظم، متناسبة الفِقَر، مطَّردة الانسجام، حسنة المنحى، منطقية التسلسل. وفي ختام هذا المبحث يجدر التنبيه على ثلاث ملاحظات طالما أن مقام الكلام هنا عن النظام والترتيب والتبويب (2) . الملاحظة الأولى: أن القرافي قال في مقدّمة كتابه " تنقيح الفصول ": ((ولخَّصْتُ جميع ذلك في مائة فصل وفصلين في عشرين باباً)) (3) . فلو عَدَدْتَ فصول الكتاب لم تجد فيها زيادة على المائة إلاّ فصلاً واحداً مع أن المؤلف قال هنا: مائة فصل وفصلين، فبم يُجاب؟   (1) سار على هذا المنحى بعض كتب الأصول على تفاوتٍ يسير بينها. منها: المعتمد لأبي الحسين البصري 1 / 8 - 9 ، التمهيد لأبي الخطاب 1 / 121 - 123، المحصول للرازي 1 / 167 - 169، شرح مختصر الروضة للطوفي 1 / 101 - 108. (2) انظر مزيداً من الملاحظات على تسلسل وترتيب موضوعات الكتاب في: ص 167-168 من القسم الدراسي. (3) انظر: مقدمة الذخيرة 1 / 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أجيب (1) : بأن الفصل المتمم لهذا العدد هو الفصل الأول في حقيقة الاجتهاد في الباب التاسع عشر (2) ؛ لأن المصنف أسقط لفظ الفصل هنالك مع أنه مرادٌ في المعنى، إذ عادة المصنف في سائر الأبواب أنه يقدّم فصل الحقيقة. فالصواب أن يقول المصنف: ((الباب التاسع عشر: في الاجتهاد، وفيه عشرة فصول. الفصل الأول: في حقيقته. وهو استفراغ الوسع في المطلوب لغةً. . .)) . وبهذا يتم استيفاء العدد المذكور. الملاحظة الثانية: أن قول القرافي بأنه رتَّب كتابه في عشرين باباً يوهم بأن كل بابٍ تحته فصول أو فصلان على أقل تقدير. وحقيقة الأمر أن هناك خمسة أبوابٍ ليس فيها فصلٌ أصلاً، وهي: الباب الثاني: في معاني حروف يحتاج إليها الفقيه (3) . الباب الثالث: في تعارض مقتضيات الألفاظ (4) . الباب السابع: في أقل الجمع (5) . الباب العاشر: في المطلق والمقيد (6) . الباب الحادي عشر: في دليل الخطاب (7) . كما أن من عادته عنونة الفصول بما يناسبها من العناوين، ما عدا الفصل الأول من الباب الثامن عشر، فإن القرافي لعلَّه ذهل عن تسجيل عوان له (8) . الملاحظة الثالثة: أن القرافي قسّم الباب العشرين إلى فصلين. الفصل الأول: في أدلة المجتهدين. والفصل الثاني: في تصرفات المكلفين. أما الفصل الأول فهو من صميم مباحث أصول الفقه. وأما الفصل الثاني فليس من اختصاص الأصولي بل يتعلّق بنظر الفقيه، فلا علاقة له ألبتة بمباحث أصول الفقه (9) .   (1) انظر: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي، القسم الأول ص 77، القسم الثاني ص 1058. (2) انظر: ص 436 القسم التحقيقي. (3) انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص 99. (4) انظر: المصدر السابق ص 112. (5) انظر: المصدر السابق ص 233. (6) انظر: المصدر السابق ص 266. (7) انظر: المصدر السابق ص 270. (8) انظر: ص 402 من القسم التحقيقي. (9) ولهذا أضْرب صَفْحاً عن شرحه الشيخ حلولو في التوضيح ص (414) وقال: ((جملة ذلك يختص بنظر الفقيه لا الأصولي)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ولقد حاول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور تسويغ عقد المصنف لهذا الفصل ضمن مباحث الأصول، فقال: ((ذكر في هذا الفصل قواعد وضوابط تتفرّع عنها تصاريف أبواب الفقه، وتفيد العالم بها ملكةً يفهم بها خواص الأبواب وفروقها، فلا تكاد تشتبه عليه أحكام الأبواب المتشابهة، وذلك عون كبير على فقه القضاء والفتوى. ويُعبّر عن هاته الضوابط والقواعد والكليات بـ" الأصول القريبة "؛ لأنها تتفرع عنها أحكام فقهية، ووصِفتْ بالقرب؛ لأن علاقتها بالفقه أقرب من علاقة مسائل الأصول المتعارفة به، حتى إنك تجد كثيراً منها عبارةً عن مسائل فقهية مدونة بكيفيةٍ كليةٍ تنطبق على أبواب كثيرة، وهي نفسها متفرِّعة عن دلائل الفقه الإجمالية التي هي الأصول المتعارفة. فإذا نُظر إليها بالنسبة لعلم الأصول كانت فروعاً، وإذا نظر إليها بالنسبة لجمعها فروعاً كثيرةً في جهةٍ واحدة بحيث يمكن للفقيه أن يستحضر بسببها بعض الفروع كانت أصولاً، فسمَّوها " القريبة " للاحتراز عن أصول الفقه. وقد ذكر المصنف هنا منها طائفةً نافعة بعد فراغه من أصول الفقه قصداً لجعلها برزخاً بين الأصول وبين الفقه الذي ذكره في كتابه " الذخيرة " التي جعل لها هذا الكتاب توطئةً كما قدَّمه في الديباجة)) (1) . ثمَّ إن اختتام الكتاب بمثل هذا الفصل النافع الجامع لتصرفات المكلفين لعلَّه تمشّياً مع عادة مالكية حميدة، امتازت بها طريقة التصنيف عندهم، ولهذا لا عجب أن ختم القرافي كتابه " الذخيرة " بكتاب الجامع، وعبّر عن سرِّ صنيعه هذا بقوله: ((وهذا الكتاب (يقصد: الجامع) يختصُّ بمذهب مالك، ولا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب، وهو من محاسن التصنيف؛ لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في رُبْعٍ من أرباع الفقه، أعني: العبادات، والمعاملات، والأنكحة، والجنايات. فجمعها المالكية في أواخر تصانيفهم وسمَّوْها بـ" الجامع " أي: جامع الأشتات من المسائل التي لا تناسب غيره من الكتب، وهي ثلاثة أجناس: ما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال. . .)) (2) .   (1) حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح 2 / 233. . (2) انظر: الذخيرة 13 / 231 - 232. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ومهما قيل من أسباب، فإننا يمكن أن نَسْتَلْهِم سبب إقحام هذا الفصل في كتابه المؤسس على أصول الفقه مما ذكره في عبارته الأخيرة من المتن " تنقيح الفصول " إذ يقول: ((فهذه أبواب مختلفة الحقائق والأحكام، فينبغي للفقيه الإحاطة بها لتنشأ له الفروق، والمدارك في الفروع)) (1) .   (1) انظر: ص (538) القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 المبحث الخامس موارد الكتاب ومصادره إن مما يميّز الكتاب، ويرجِّح كِفَّة ميزانه أصالة مصادره وتنوّعها، وكذلك قدرة مؤلفه على الإفادة منها، وحسن اقتناص الفوائد التي حوتها. وإن الواقف على كتب القرافي في جملتها يلمح حرصه البالغ، واهتمامه الشديد بالكتب والتآليف والمراجع؛ لأن إنطلاقة العلم والبحث لا يمكن أن تسمو وترقى دون أن تستند إلى أرضية صلبة من تراث الأمة الفكري. ويُخيَّل إليَّ أن القرافي يمتلك مكتبة كبيرة جداً عامرةً بشتى الفنون والعلوم. فانظر - يا رعاك الله - إليه وهو يحشد عدداً كبيراً من كتب الفقه المالكي فقط عند تأليفه للذخيرة ناهيك عن مصادره الأخرى فيه. قال في الذخيرة (1 / 39) : (( وقد جمعت له من تصانيف المذهب نحو أربعين تصنيفاً ما بين شرحٍ، وكتابٍ مستقل، خارجاً عن كتب الحديث واللغة)) . وأمَّا مصادره الأصولية التي هي موضع احتفائنا بها هنا فقد نيَّفت على الثلاثين مصدراً في كتابه " نفائس الأصول " حيث قال: ((وجمعت له نحو ثلاثين تصنيفاً في أصول الفقه للمتقدّمين والمتأخرين من أهل السنة والمعتزلة، وأرباب المذاهب الأربعة. . .)) (1) . هذه الوفرة الكثيرة من المصادر كانت تلازم القرافي باعتبارها آليَّات بحثه وتأليفه. ولهذا لمّا عرضتْ له مشكلة بدا فيها تناقض الرازي في محصوله في لفظة " البَخْت " و" البحث "، قال: ((ثم بعد وضع كتاب الفصول طالعت كتباً كثيرة فوجدت هذه اللفظة فيها مضبوطة. . .)) (2) . وانظر موقع " شرح تنقيح الفصول " الزمني، إذ يُعدُّ من خواتيم تآليفه، فالظن عندي غالبٌ أن القرافي قد استفاد كثيراً من جملة المصادر التي سلف اعتماده عليها. ولقد زَخَر هذا الشرح بالنصوص والآراء المنقولة عن العلماء السابقين، وقد   (1) نفائس الأصول 1 / 91. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 173، وانظر: ص 166 من المطبوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 أفاد منها القرافي، لكن المصنف لم يصرِّح بجميع موارده في الكتاب، ولم يكشف في مقدّمة شرحه عن المصادر التي استمدّ منها مادته، والمراجع التي ارتوى منها. نعم لقد نصَّ في المتن " تنقيح الفصول ": بأنه أفاد من " الإفادة "، وحصّل من " المحصول "، وأشار إلى " الإشارة "، ونقل باختصار من " مقدمة ابن القصّار " (1) . وفي الحقيقة ليست هذه كل مصادره، بل أفاد من عدد يزيد على أضعاف أضعافها في " شرح التنقيح ". ولقد استفتيتُ كتاب القرافي نفسه، واستنطقتُ سطوره وكلماته، وذلك بملازمة قراءته، وتمعُّنِ مادّته، وعرض محتوياته على مصادر التوثيق المتنوعة، وكان همّي - وأنا أحقق الكتاب - مراجعة النصوص من مصادرها الأصلية، ولاسيما التي ذُكرتْ أسماؤها، ولقد وُفِّقتُ في توثيق كثيرٍ منها، لكنَّ أسباباً حالت دون ذلك في بعضها الآخر، منها: - ضياع بعض الكتب وفقدانها، أو أنها في غياهب خزائن المخطوطات في زوايا مهملة لم تُعرِّف بها الفهارس والمسارد. - بقاء بعضها مخطوطاً لم يقيّض له أن يطبع حتى كتابة هذه السطور. - تنائي بعضها عن الأيدي مما لم يمكِّن الباحث من الوصول إليه بسهولة. مسرد المصادر: وإليك الآن مسرداً بالمصادر التي استقى منها القرافي مادته العلمية دون التعريف بها؛ لأن ما نصَّ عليه المؤلف قد جاء التعريف به في موضعه في أثناء التحقيق، وما لم ينصَّ عليه جاءت بياناته مستوفاةً في فهرس المصادر. وقد جعلتُ المسرد في قسمين، القسم الأول: في المصادر المصرّح بأسمائها، وفي هذا القسم لم أشر إلى مواضع الاستفادة منها في الكتاب؛ لأن فهرس أسماء الكتب الواردة في النص فيه غناء عن ذلك. والقسم الثاني: في المصادر التي أفاد منها دون التصريح بأسمائها، وهي على ضَرْبين، الضرب الأول: مصادر كتابيّة، وقد أحلت على بعض المواضع من الكتاب التي أحسب أنه أفاد منها، والثاني: مصادر شفوية، وهي ما سمعه القرافي من مشايخه وأقرانه ونظرائه مشافهةً من غير واسطة.   (1) انظر: المبحث الأول من هذا الفصل، ص 69 القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 القسم الأول: المصادر المصرَّح بأسمائها: أولاً: في أصول الفقه: 1 - الرسالة للإمام الشافعي (ط) . 2 - الملخَّص للقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي. 3 - المعتمد لأبي الحسين البصري (ط) . 4 - اللُّمع لأبي إسحاق الشيرازي (ط) . 5 - البرهان لإمام الحرمين الجويني (ط) . 6 - المستصفى لأبي حامد الغزالي (ط) . 7 - شفاء الغليل في بيان الشَّبه والمخيل ومسالك التعليل لأبي حامد الغزالي (ط) . 8 - الأوسط لابن بَرْهان البغدادي. 9 - شرح البرهان، المسمَّى: إيضاح المحصول من برهان الأصول لأبي عبد الله المازري. 10 - المحصول للإمام الرازي (ط) . 11 - شرح البرهان، المسمَّى: التحقيق والبيان في شرح البرهان لأبي الحسن الأبياري (رسالة دكتوراه بأم القرى) . 12 - التنقيح في اختصار المحصول، المسمَّى: تنقيح محصول ابن الخطيب لأمين الدين المظفَّر التبريزي (رسالة دكتوراه بأم القرى) . 13 - الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين الآمدي (ط) . 14 - شرح المحصول، المسمَّى: نفائس الأصول. للمؤلف نفسه. ثانياً: في الفنون الأخرى: 1 - التوراة (العهد القديم) (ط) . 2 - النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، لابن أبي زيد القيرواني، في الفقه (مخطوط) . 3 - المحلَّى لابن حزم، في الفقه (ط) . 4 - المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات الأمهات مسائل المشكلات. لابن رشد (الجد) ، في الفقه (ط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 5 - الجدل للحصكفي، في الجدل. 6 - الشامل في أصول الدين لإمام الحرمين، في علم الكلام (طبع منه جزء، والباقي مخطوط أو مفقود) . 7 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة للمصنف نفسه، في العقيدة (ط) . 8 - الغياثي ويسمى أيضاً: غياث الأمم في التياث الظُّلَم، في السياسة الشرعية (ط) . 9 - الإيضاح العضدي لأبي علي الفارسي، في علم الصرف (ط) . 10 - إحياء علوم الدين للغزالي، في الرقائق والتصوف (ط) . 11 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، في السيرة والشمائل (ط) . 12 - الأمنية في إدراك النية للمؤلف نفسه، في الفروق والقواعد الفقهية (ط) . 13 - الإحكام في تمييز الفتاوى والأحكام في تصرفات القاضي والإمام للمؤلف نفسه، في الفروق والقواعد الفقهية (ط) . القسم الثاني: المصادر غير المصرح بأسمائها. إنما جازت الدعوى بأن المصنف نقل منها؛ لأنه صرَّح بأسمائهم دون كتبهم، ومن المعلوم أن النقل سيكون من كتبهم؛ لأنني بالتتبع والاستقراء وجدت القرافي لم يلجأ إلى النقل بالواسطة، والله أعلم. الضرب الأول: المصادر الكتابيّة: 1 - المقدِّمة في أصول الفقه لابن القصّار المالكي، في الأصول (ط) انظر مواضع الإفادة في: 3، 441، 445، من القسم التحقيقي. 2 - التقريب والإرشاد للباقلاني، في الأصول (طبع منه ثلاثة أجزاء) . انظر: ص 45 من القسم التحقيقي، وانظر: ص 149 من المطبوع. 3 - الإفادة للقاضي عبد الوهاب البغدادي، في الأصول. انظر ص 267 من المطبوع. 4 - إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي، في الأصول (ط) . انظر الصفحات: 5، 513 من القسم التحقيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 5 - الإشارة في معرفة الأصول لأبي الوليد الباجي، في الأصول (ط) انظر: ص 424، 427 من القسم التحقيقي. 6 - شرح اللمع لأبي إسحاق الشيرازي، في الأصول (ط) . انظر: ص 64 من القسم التحقيقي. 7 - المنتخب للإمام الرازي، في الأصول (رسالة دكتوراة بجامعة الإمام) . انظر: ص (485) القسم التحقيقي. 8 - المعالم للإمام الرازي، في الأصول (ط) . انظر (46) القسم التحقيقي. 9 - الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموي (1) ، في الأصول (ط) . انظر: ص (173) القسم التحقيقي. 10 - التحصيل من المحصول لسراج الدين الأرموي، في الأصول (ط) . انظر: ص (173) القسم التحقيقي. 11 - تلخيص المحصول لنجم الدين النقشواني (2) ، في الأصول (رسالة دكتوراة بالجامعة الإسلامية) . انظر: ص (173) القسم التحقيقي. 12 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد السلام، في الأصول والقواعد الفقهية (ط) . انظر: ص (525) القسم التحقيقي. 13 - الكشاف للزمخشري (3) ، في التفسير (ط) . انظر: ص (25) القسم التحقيقي.   (1) هو محمد بن الحسين بن عبد الله الأرموي من تلاميذ الفخر الرازي، برع في العقليات، من مؤلفاته: الحاصل (ط) اختصر به محصول الرازي، ت عام 653 هـ وقيل: 656 هـ. انظر: الوافي بالوفيات 3 / 353، طبقات الشافعية للإسنوي 1 / 451. (2) هو أحمد بن أبي بكر بن محمد نجم الدين النقشواني أو النخجواني نسبة إلى بلاد بأقصى أذربيجان، من تآليفه: تلخيص المحصول (رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية) وله شرح الإشارات، وشرح كليات القانون لابن سينا. توفي في حدود 651 هـ. انظر: روضات الجنات 1 / 77. (3) هو أبو القاسم جار الله محمد بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلي، برع في اللغة والنحو والتفسير، من مؤلفاته: المفصَّل (ط) ، الكشاف (ط) ، أساس البلاغة (ط) وغيرها. ت عام 538 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 12 / 179، معجم الأدباء 19 / 126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 14 - تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة لابن الجواليقي (1) . في اللغة (ط) . انظر: ص (196) القسم التحقيقي. 15 - نقَلَ عن الزناتي، ويخيَّل إليّ أنه من رسالة له بعنوان: الكشط عن المقلدين. انظر: ص (446) القسم التحقيقي. الضرب الثاني: المصادر الشفوية. 1 - نقل عن العز بن عبد السلام في مواضع منها: - قوله: ((وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه من الشافعية، يقول في هذا الفرع: إنه آثم. . .)) انظر: ص (449) القسم التحقيقي. - قوله: ((وقد قصد الشيخ عز الدين بن عبد السلام تغيير محراب قبة الشافعي، والمدرسة، ومصلَّى خولان، فعاجله ما منعه من ذلك. . .)) . انظر: ص (454) القسم التحقيقي. - قوله: ((سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قتل الهر المؤذي هل يجوز أم لا؟ فكتب رحمه الله وأنا حاضر. . .)) . انظر: ص (537) القسم التحقيقي. 2 - ونقل عن بعض الحنابلة، قال: ((مع أني سألت الحنابلة، فقالوا مشهور مذهبنا منع التقليد. . .)) . انظر: ص (489) القسم التحقيقي. وختاماً ينبغي التنبيه إلى أن المصادر التي سردتها آنفاً إنما اختصت بالقسم الثالث من الكتاب الذي قمتُ بتحقيقه (من الباب الثالث عشر إلى الباب العشرين) . ولكن الكتاب قد حوى جملةً وافرةً من المصادر في القسم الذي لم أحققه قد صرَّح بأسمائها، أرى أنه من المناسب الإشارة إليها هنا مع الإحالة على كتاب شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ؛ لأن من فوائد التذكير بها أنه ليس من المستبعد أن تكون مصادرَ له في القسم الثالث من غير أن يصرّح بأسمائها، وإليك أسماءها ومصنفيها: أولاً: في أصول الفقه 1 - الإفادة للقاضي عبد الوهاب. انظر: ص 267.   (1) هو أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد البغدادي المعروف بابن الجواليقي، أديب لغوي، سمع الحديث، درَّس بالنظامية. من مؤلفاته: شرح أدب الكاتب، المعرب من الكلام الأعجمي (ط) ، تكملة درة الغواص (ط) . ت 540 هـ. انظر: معجم الأدباء 19 / 205، وفيات الأعيان 5 / 342. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 2 - المنتخب لفخر الدين الرازي (رسالة دكتوراه بجامعة الإمام) . انظر: ص 183. 3 - المعالم لفخر الدين الرازي (ط) . انظر: ص 122. 4 - روضة الناظر لابن قدامة المقدسي (ط) . انظر: ص 180. 5 - شرح المعالم لابن التلمساني الفهري (1) (ط) . انظر: ص 116. ثانياً: في الفقه 1 - مختصر الخرقي (2) في الفقه الحنبلي (ط) . انظر: ص 245. 2 - النكت والفروق لمسائل المدونة لعبد الحق محمد السهمي الصقلّي (3) (مخطوط) انظر: ص 54. 3 - المدخل في الفقه لابن طلحة الأندلسي (4) . انظر: ص 244. 4 - الطراز لسند بن عنان الأزدي (5) . انظر: ص 158. 5 - الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس (6) (ط) . انظر: ص 246. 6 - الذخيرة في الفقه للمؤلف نفسه (ط) . انظر: ص 75.   (1) هو عبد الله بن محمد بن علي الفهري، شرف الدين ابن التلمساني، فقيه أصولي متكلم شافعي، شرح المعالم في أصول الفقه (ط) ، وشرح المعالم في أصول الدين، وكلاهما للفخر الرازي. ت 644 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8 / 160. (2) هو أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الشهير بالخِرَقي، من كبار فقهاء الحنابلة، له المختصر في الفقه الذي شرحه ابن قدامة في كتابه " المغني ". ت 334 هـ. انظر: شذرات الذهب 2 / 336، طبقات الفقهاء لابن كثير ص 172. (3) هو عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي الصقلي المالكي من مصنفاته: النكت، تهذيب الطالب. ت 466 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 275. (4) هو أبو بكر عبد الله بن طلحة بن محمد البابري الأشبيلي، فقيه أصولي مفسر نحوي، أخذ عن الباجي، من مصنفاته: المدخل في الفقه. توفي سنة 523 هـ. انظر: شجرة النور الزكية 1 / 130. (5) هو أبو علي سند بن عنان بن إبراهيم الأزدي الفقيه المالكي، سمع من أبي بكر الطرطوشي، كان زاهداً فاضلاً. شرح المدونة في كتابه الطراز. ت 541 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 207. (6) هو عبد الله بن نجم بن شاس الجذامي السعدي فقيه مالكي، درَّس بمصر، وكتابه " الجواهر الثمينة " (ط) نفيس جداً جاء على ترتيب الوجيز للغزالي. ت 610 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ثالثاً: في اللغة والنحو والأدب والبلاغة 1 - الصحاح للجوهري (1) (ط) . انظر: ص 190. 2 - شرح كتاب سيبويه (2) للسيرافي (3) . انظر: ص 256. 3 - المسائل الشيرازيات لأبي علي الفارسي. انظر: ص56. 4 - المفصّل للزمخشري (ط) . انظر: ص 32، 33. 5 - شرح المفصّل لابن يعيش (4) (ط) . انظر: ص 108. 6 - إصلاح المنطق لابن السكّيت (5) (ط) . انظر: ص 182. 7 - الملحة في الإعراب للحريري (6) (ط) . انظر: ص 65. 8 - شرح الجمل لابن السِّيْد البَطَلْيَوسي (7) . انظر: ص 182.   (1) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، حجة في اللغة، وعرف بالذكاء. من مؤلفاته: شرح أدب الكاتب، الصحاح (ط) . ت 393 هـ. انظر: بغية الوعاة 1 / 446. (2) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه من بلاد فارس نشأ بالبصرة، أخذ عن الخليل بن أحمد، وهو إمام البصريين في النحو. ألف " الكتاب " في النحو (ط) . ت 188 هـ وقيل غير ذلك. انظر: إنباه الرواة 2 / 346، معجم الأدباء 16 / 114. (3) هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان السيرافي من أرض فارس، عالم مشارك في اللغة والنحو والفقه والقراءات والحديث وغيرها، له شرح كتاب سيبويه، الوقف والابتداء. ت 368 هـ. انظر: معجم الأدباء 8 / 145، إنباه الرواة 1 / 313. (4) هو يعيش بن علي بن يعيش، موفق الدين الأسدي، من كبار العلماء في العربية، من مصنفاته: شرح المفصل (ط) ، شرح التصريف، ت 643 هـ في حلب. انظر: شذرات الذهب 5 / 228، بغية الوعاة 2 / 351. (5) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت. روى عن الأصمعي، وأبي عبيدة، برع في علوم اللغة. من مؤلفاته: إصلاح المنطق (ط) ، المقصور والممدود، وغيرها، ت 244هـ. انظر: معجم الأدباء 2 / 50، وفيات الأعيان 6 / 395. (6) هو القاسم بن علي بن محمد أبو محمد الحريري البصري، أحد أئمة اللغة والأدب. من مصنفاته: المقامات الحريرية (ط) ، درة الغواص في أوهام الخواص (ط) ، ملحة الإعراب (ط) . ت 516هـ انظر: إنباه الرواة 3 / 23، بغية الوعاة 2 / 257. (7) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السِّيْد البَطَلْيَوسي، أديب لغوي، ولد بمدينة بَطَلْيَوس بالأندلس، من مؤلفاته: الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف. . . (ط) ، الحلل في شرح أبيات الجمل. ت 521 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 12 / 122، إنباه الرواة 2 / 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 9 - شرح الإيضاح للجرجاني (1) . انظر: ص 183. 10 - شرح الجزولية للزيدي (2) . انظر: ص 244. 11 - الاستغناء في أحكام الاستثناء للمؤلف نفسه (ط) . انظر: ص 61. رابعاً: في التفسير 1 - الكشاف للزمخشري (ط) انظر: ص 32. 2 - المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي (3) (ط) . انظر: ص 20.   (1) هو عبد القادر بن عبد الرحمن الجرجاني، إمام في اللغة والبلاغة، أول من كشف عن علم المعاني والبيان. من مؤلفاته: دلائل الإعجاز في المعاني (ط) ، شرح الإيضاح وأسرار البلاغة. ت 471 هـ. انظر: إنباه الرواة 2 / 188، بغية الوعاة 2 / 106. (2) لم أظفر له بترجمة. (3) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن المحاربي، المعروف بابن عطية الأندلسي، عالم فقيه مالكي مفسر نحوي من مؤلفاته: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (ط) ت 546 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 275. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 المبحث السادس منهج المؤلف في الكتاب وأسلوبه المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب من الملاحظ في عادات البشر أنها جارية وفق سَنَنٍ واحدٍ. والإمام الشهاب القرافي لم يُصرِّح بمنهجه في كتابه " شرح تنقيح الفصول "، لكنه جرى فيه على حَذْو منهجه المرسوم في كتابه الموسوعة " الذخيرة ". ولعلّ عدم تصريحه بمنهجه في هذا الكتاب أنه كتاب متوسط أو دونه بقليل، فلم ير حاجةً إلى إبراز معالم منهجه فيه. بينما أجْلى طريقته ومنهجه في كتابه " الذخيرة " لأنه مشروع عمره، وذخره عند الله تعالى في يوم المعاد، وذخيرة لطلبة العلم في تحصيل مطالبهم (1) . قد تختلف طرائق التأليف والمناهج بالنظر إلى طبيعة البحث، فهناك مغايرات في منهجية البحث الفقهي، والبحث الأصولي. بَيْد أن هناك أموراً مشتركة في كل بحث، فلنأخذ في بيان هذه القواسم المشتركة التي جاءت في كتبه: " الذخيرة " و" نفائس الأصول " و" شرح تنقيح الفصول ". نذكرها مجملةً، ثم نفصِّلها بعد ذلك، علماً بأن هذه الملامح تمثِّل مميزات القرافي المنهجية: - حرص على جمع الأقوال والآراء والمذاهب في المسألة، والتزم بعزو كل نقل لقائله في الأعم الأغلب، حتى إذا وقع خلل في النقل استدركه المطالع من موضع العزو، وهذا من مميزاته. - سعى إلى إبراز المذهب المالكي في المسائل على وجه الخصوص؛ لإظهار شرفه بين المذاهب. - حرَّر المسائل وقرَّرها وفق منهج علمي سليم، يقوم على ذكر الآراء وتحرير النزاع إن اقتضى المقام، ثم يذكر أدلة كل فريقٍ في تجرُّدٍ تام، وموضوعية خالية عن التعصب، ثم يجيل النظر في تلك الأدلة، مناقشاً لها، ومفنِّداً لأدلة الخصم، بما لا يدع   (1) انظر: الذخيرة 1 / 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 لهم حجة قوية، حتى يخلص إلى القول الفصل فيها مستخدماً أسلوب تقرير القاعدة في الحجاج، وأحياناً تتساوى أدلة الطرفين في نظره، فلا يغلِّب رأياً على رأي، ثم هو يفصح عن منشأ الخلاف وسببه، وعن ثمرته في بعض الأحايين. - كما يلاحظ في منهجيات القرافي في كتبه سعيه الحثيث على إيراد الإشكالات والسؤالات التي قد تنشأ في خاطر القاريء، ثم يجيب عنها إن أسعفه الجواب، وإلا يتركها كما هي، إن استبدَّ الإشكال في نفسه، وعجز عن الجواب عنه. وهذا مما امتاز به القرافي عن غيره. - حرص القرافي على إثبات الفروقات بين المسائل المتشابهة كلما أمكنه ذلك وهذه خصيصة تميَّز بها منهج القرافي في تآليفه. - من عادته وديدنه إثبات ما يحضره من فوائد وقواعد، وتنبيهات وتفريعات، واستطرادات قد تكون خارجة عن الموضوع في ثنايا كتبه، وقد سطَّرها تحت عنوانات صغيرة، كقوله: فائدة، تنبيه، فرع. . . إلخ. - له عناية فائقة بالحدود والتعريفات، مقارنةً وشرحاً واعتراضاً وترجيحاً، هذه العناية تحكم ببراعة القرافي ودقته حيال تعامله مع الألفاظ والاصطلاحات. تلكم هي أبرز خصائص منهج القرافي في سائر كتبه، وتِيْكم هي الخطوط العريضة لهذا المنهج. فالقرافي يبدو من خلاله أنه متابعٌ لغيره في بعض الخطوات، لكن له انفرادات تميّز بها دون أن يشركه فيها غيره. وإن القاريء لكتاب " شرح تنقيح الفصول " بفحْصٍ وتأملٍ يمكنه تلمُّس تلك السمات المنهجية العامة في هذا الكتاب. فإلى بيان المنهج الذي انتهجه القرافي وترسَّم خطاه في الجوانب التفصيلية التالية: أولاً: تعامل المؤلف مع المتن: سبقت الإشارة إلى أن الكتاب متناً وشرحاً يعتبر وحدة واحدة لا يمكن الفصل بينهما (1) ، ولكن كيف كان المؤلف يشرح المتن؟   (1) انظر: ص 63 من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 تعامل القرافي مع متن الكتاب تعاملاً مطَّرداً في الغالب، فهو يأتي به أولاً بحسب المقطع الذي يريد التعليق عليه، ثم يطفق في شرحه له. ولكن هناك تفاوت يسير وقع في هذا التعامل، يمكن حصره في نمطين: 1 - تفاوت تقطيعه للمتن، فمرَّةً يأتي بمقطعٍ طويل في عدة صفحات، ثم يعقبه بتعليق قصير في بضع أسطر (1) . وحيناً يأتي بقطعةٍ صغيرة في بضع أسطر، ثم يشرحها في عدة صفحات (2) ، أو يأتي بجزء سطرٍ ويشرحه في أكثر من صفحة (3) . 2 - أحياناً يورد المتن، ثم عند شرحه له يقسِّمه إلى جُملٍ وفقرات، ويقدّم لبعضها بقوله: ((قولي: كذا وكذا. . .)) (4) أو يقول: ((قوله: كذا وكذا)) (5) . ثانياً: اصطلاحات الكتاب استعمل القرافي اصطلاحات معينة في كتابه على سبيل الاختصار والترميز، يمكن الكشف عن مراده منها بالاستقراء والتتبُّع، فمنها: المصطلح ... الإمام ... القاضي ... الأستاذ ... قولي في ... قولي في ... لنا، قلنا، أصحابنا، عندنا، مذهبنا، أصلنا ... أهل الحق " الأصل " ... " الكتاب " المراد منه ... فخر الدين الرازي ... أبو بكر الباقلاني ... أبو إسحاق الإسفراييني ... المتن ... المتن ... المالكية ... الأشاعرة ملاحظات: 1 - شذَّ مرَّةً في لفظ " الإمام " فقد أطلقه على إمام الحرمين (6) ، ومرَّةً قيَّد فقال: ((قال الإمام في البرهان)) (7) . 2 - شذَّ في موضعين في إطلاق لفظ " القاضي " على القاضي عبد الوهاب (8) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 456 - 458، 503 - 509. (2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 249 - 254. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 129 - 131. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 14، 99، 222. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 286. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 122. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 198. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 40، 297. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 3 - إذا عطف أصحاب مالك على الإمام مالك فإنه يقول: وأصحابه، ولكن في مواضع من كتابه كان يقول ((عند أصحابه)) دون سابق ذكرٍ للإمام مالك، وكان يريد بهم أصحاب مالك وقد نبَّه المصنف نفسه عليها (1) . ثالثاً: طريقة عرض المسائل: لم يَسِر القرافي على نمطٍ واحدٍ في عرض مسائل الكتاب، بل سلك فيها سبلاً متنوعة، ربما كان مرد هذا الاختلاف طبيعة المسائل المراد بحثها. وإليك أنماطاً من كيفية عرض المسائل وفق النقاط التالية: 1 - عرض الأقوال والأدلة: أ - في غالب المسائل يذكر الأقوال، وأدلة كلِّ قولٍ مبتدئاً بالقول الراجح عنده غالباً، ذاكراً دليله بدون مناقشة، ثم يذكر أدلة الأقوال الأخرى المرجوحة، مناقشاً لها ومعترضاً عليها، والأمثلة على ذلك: دلالة فعله - صلى الله عليه وسلم - (2) ، مسألة تعبده - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل النبوة (3) ، حجية الإجماع (4) ، إفادة التواتر العلم (5) ، حجية القياس (6) ، حكم التقليد في الفروع (7) . ب - وتارةً قليلة يذكر الأقوال، والأدلة، مع الاعتراض على جميع الأدلة، دون الإجابة عنها، وربما كان هذا الصنيع إيماءً إلى ضعف الاستدلال بما استدل به كل فريق، ومثاله شرع من قبلنا، أهو شرعٌ لنا أم لا؟ (8) جـ - وتارة كثيرة يذكر الأقوال، وأدلتها، دون مناقشةٍ لها ولا ترجيح. وفي هذا إشارة عند المصنف إلى قوة الخلاف في المسألة، ووجاهة مدرك كل واحد منها.   (1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 118، 130، 131، 133، 135. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 2 - 4، 6 - 8. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 27 - 28. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 124 - 128. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 198 - 201. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 305 - 310. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 444 - 445. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 31 - 32، 36 - 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 والأمثلة على ذلك: الاختلاف في اشتراط الفقيه في الراوي (1) ، حجية المرسل (2) ، حجية الإجماع السكوتي (3) ، مسلك الطرد (4) ، تفويض الحكم إلى المجتهد (العصمة) (5) . د - وتارة قليلة يكتفي بمجرد ذكر الأقوال دون أدلتها، ربما لأنها أقوال لا تقوم على مستندات قويةً، مثل: الخلاف في الشرع الذي كان - صلى الله عليه وسلم - متعبداً به (6) ، هل المباح حكم شرعي (7) ؟ هـ - وتارة متوسطة يذكر رأي الجمهور أو الأكثرين دونما إشارة إلى المخالفين، مع ذكر أدلة الطرفين في الشرح، مثل: التعليل بالعلة المركبة (8) ، القياس في العقليات (9) ، القياس في الأسباب (10) . ووتارة قليلة يعدل عن ذكر رأي الجمهور، ويقتصر على قول الأقلِّين، مع الأدلة، مثل: حكم رواية المجهول (11) ، إجماع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم (12) ، حكم إثبات القياس أصول العبادات (13) . 2 - عرض المذاهب في المسألة: لم يلتزم القرافي ترتيب الأقوال والمذاهب في المسألة بحسب زمن قائليها، وليس له في هذا العرض منهج ظاهر، فكان في أغلب الأحايين يقدم المذهب الذي يرتئيه،   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 258 - 260. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 288 - 290. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 142 - 146. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 347 - 348. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 517 - 518. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 39. (7) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 70. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 376 - 378. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 386 - 388. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 391 - 393. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 240. (12) انظر: القسم التحقيقي ص 157. (13) انظر: القسم التحقيقي ص 395. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وأحياناً يبدأ بقول الجمهور والأكثرين (1) ، وأحياناً يقدّم مذهب مالك وأصحابه، ويلاحظ عليه في عرض مذهب المالكية أنه يبدأ بهم ويعطف عليهم الجمهور، فمثلاً يقول: ((عندنا وعند الكافة)) (2) ، ((مذهب مالك وجمهور العلماء)) (3) ، ((والأكثرون من أصحابنا وغيرهم)) (4) ، وأحياناً نادرة يؤخر مذهب مالك (5) ، وأحياناً يحكي أقوال أفراد من العلماء في المسائل (6) ، وفي أحايين يُبهم أصحاب الأقوال، فيقول: ((خلافاً لبعضهم)) (7) ، ((خلافاً لقوم)) (8) ، ((وجماعة)) (9) . وفي مواطن كثيرة كان القرافي يقتصر في المسألة على مذهب الإمام الرازي وأقواله دون غيرها (10) . ويلاحظ بصفة عامة أن المصنف كان يترك أقوالاً في المسألة، إما غفلة منه لها، أو لضعفها عنده وعدم انتهاض الدليل عليها، أو لسبب آخر. 3 - طريقة التقرير للمسألة: سلك القرافي طريقة التقرير في مسائل الاتفاق، أو كان الخلاف فيها غير معتبر عنده، فإنه كان يكتفي بتقرير القول فيها كأنها مسلَّمة لا تقبل الجدل. ومن الأمثلة على ذلك: أ - قال ((كل ما يتوقف العلم بكون الإجماع حجة عليه لا يثبت بالإجماع، كوجود الصانع وقدرته وعلمه، والنبوة. . .)) (11) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 411. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 182. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 165. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 295. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 375. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 374. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 258. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 101، 160، 367، 382، 393. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 257. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 142 - 143، 292، 336 - 338. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ب - قال ((وهو (أي الإجماع) مقدَّمٌ على الكتاب والسنة والقياس)) (1) . جـ - قال ((وإذا زادت إحدى الروايتين على الأخرى - والمجلس مختلف - قُبلت، وإن كان واحداً - ويتأتَّى الذهول عن تلك الزيادة - قُبلتْ، وإلا لم تقبل)) (2) . د - قال ((يجوز التعليل بالأوصاف العرفية كالشرف، والخِسَّة، بشرط اطرادها وتميُّزها عن غيرها)) (3) . هـ - قال ((ويمتنع الترجيح في العقليات؛ لتعذر التفاوت بين القطعيين)) (4) . 4 - العناية بتصوير المسألة عُني القرافي بتصوير بعض المسائل في ثنايا كتابه، من ذلك: أ - قال في تصوير مسألة اتباعه - صلى الله عليه وسلم - ((معنى يجب اتباعه في ذلك الوجه، أي: إنْ فَعَله على وجه الندب وجب علينا أن نفعله على وجه الندب، أو فَعَله - صلى الله عليه وسلم - على وجه الوجوب وجب علينا أن نفعله كذلك، إذ لو خالفناه في النيّة ذهب الاتباع)) (5) . ب - قال في تصوير مسألة حكم نسخ الشيء قبل وقوعه ((المسائل في هذا المعنى أربع - ثم عدَّها وقال - فأما الثلاثة الأول، فهي في الفعل الواحد غير المتكرر، وأما الرابعة فوافقنا عليها المعتزلة. . .)) (6) . جـ - قال ((وأما المسألة الثانية فصورتها أن يكون لأهل العصر الأول قولان، ثم يتفق أهل العصر الثاني على أحد ذَيْنك القولين)) (7) . د - من الطرق المحصِّلة للعلم غير التواتر إخبار الجمع عن الوجدانيات، بيّن المصنف فيها صورة المسألة وقال ((فهذا هو صورة هذه المسألة)) (8) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 10، 201، 401. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 61. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 441. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 341. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 12. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 66. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 138. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 211. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 5 - تلخيص المسألة وتحصيلها: انتهج القرافي هذه الطريقة في مواضع من كتبه، وهذا المنهج مفيد في طرائق التعليم، فبعد بحث المسألة بتشعباتها ومناقشاتها قد يعزب عن ذهن المطالع أصل المسألة ولبُّها، فيعمد المؤلف إلى لملمة فلولها، وتجميع شعثها، وتلخيصها. فمن ذلك: أ - قال في آخر مسألة تعارض فعله - صلى الله عليه وسلم - مع قوله: ((فهذا هو معنى المسألتين الأخيرتين في هذا الفصل)) (1) وبعدها بأسطر قال: ((هذا تلخيص هذا الموضع، ولابد منه)) (2) . ب - قال في مسألة إحداث قول ثالث: ((فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال. . .)) (3) . جـ - عرض مسألة إمكان أن تخطيء جميع الأمة في ثلاث حالات، ثم قال: ((فهذا تلخيص هذه المسألة)) (4) . د - قال في مسألة قادح الفرق في آخرها: ((فهذا تلخيص هذا الموضع)) (5) . 6 - سوق الأمثلة على المسألة: يظهر اهتمام القرافي بالتمثيل لبعض المسائل، وتخريج الفروع عليها، فمن ذلك التمثيل على: إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - (6) ، نفي الزيادة بالشرط (7) ، نسخ ما لا تتوقف عليه العبادة (8) ، إحداث قول ثالث (9) ، المتواتر اللفظي والمعنوي (10) ، العلة التي لا تعود على الأصل بالتخصيص (11) ، والتمثيل عموماً على مسالك العلة (12) وقوادحها (13) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 20. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 21. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 129. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 187. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 362. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 9. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 108. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 113. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 130. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 206. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 427. (12) انظر: القسم التحقيقي ص 320 وما بعدها. (13) انظر: القسم التحقيقي ص 349 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 رابعاً: عرض مواطن الخلاف: في مسائل عديدة كان المصنف يصرح بوقوع الاختلاف فيها، ويعبّر حيال ذلك بقوله: أ - ((اختلفوا في اشتراط الإرادة في حقيقة كونه خبراً. . .)) (1) . ب - ((اختلفوا في جواز دخول القياس في العدم الأصلي)) (2) . جـ - ((اختلفوا: هل يجوز تساوي الأمارتين؟)) (3) . د - ((اختلف الناس في اشتراط العدد في التزكية والتخريج)) (4) . هـ - ((اخْتُلف في المبتدعة إذا كفرناهم)) (5) . ولنتعرف على منهج القرافي في عرض الخلافيات من حيث تحرير النزاع، ومنشأ الخلاف، وثمرته. 1 - محل الخلاف: لم يحرِّر القرافي النزاع في جميع المسائل الخلافية إلا في عددٍ قليلٍ منها، التي ربما رأى أنها بحاجةٍ إلى تحرير أمناً من وقوع الالتباس فيها. مثل: مسألة شرائع من قبلنا (6) ، نقل الخبر بالمعنى (7) ، الخلاف في حجية القياس في الشرعيات دون الدنيويات (8) ، القياس في اللغات (9) . 2 - تأصيل الخلاف: في بعض الأحايين يبين القرافي منشأ الخلاف ومبناه، ومردَّه وسببه، والأغلب عليه تركه له. ومن الأمثلة على ذلك: مبنى الخلاف في نسخ الإجماع (10) ، الخلاف في   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 194. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 393. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 402. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 243. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 222. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 32. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 293 - 294. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 311. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 390. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 تكفير مخالف الإجماع مبنيٌّ على أنه قطعي أم ظنِّي (1) ، منشأ الخلاف في اختلاف العدد الذي يتحقق به التواتر (2) . 3 - ثمرة الخلاف: في مواضع قليلة بيّن القرافي نوع الخلاف، وأنه لفظيّ لا ثمرة تترتب عليه. من أمثلة ذلك: أ - قال: ((وقال الجاحظ: يجوز عروُّه عن الصدق والكذب، والخلاف لفظي)) (3) . ب - نقل عن بعض العلماء قولهم في مسألة تعبده - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل نبوته: ((هذه المسألة لا تظهر لها ثمرة في الأصول، ولا في الفروع ألبتة، بل تجري مجرى التواريخ المنقولة، ولا يترتَّب عليها حكم في الشريعة ألبتة)) (4) . جـ - قال: ((أما من أنكر النسخ من المسلمين فهو معترف بنسخ تحريم الشحوم. . . غير أنه يفسّر النسخ في هذه الصور بالغاية، وأنها انتهت بانتهاء غايتها، فلا خلاف في المعنى)) (5) . خامساً: الحدود والألفاظ: 1 - يولي القرافي الحدود عنايةً خاصةً، ورعايةً فائقةً. - فهو يستهلُّ المصطلح بتعريفه لغةً، ثم يعقبه بالتعريف الاصطلاحي، كما في تعريفه: للتواتر (6) ، والاجتهاد (7) ، والسنة (8) . - وربَّما عكس فأتى بالتعريف اصطلاحاً أولاً، ثم في الشرح يعرِّفه لغةً، وهذا نوع استدراك منه على ما فاته في المتن. مثل تعريف: الإجماع (9) ، والقياس (10) ، والسبر والتقسيم (11) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 166. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 205. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 191. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 31. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 60. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 196 - 197. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 436. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 273. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 119، 123. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 300، 303. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 - في مواضع أخرى خالف القرافي طريقة الازدواج بين التعريفين (اللغوي والاصطلاحي) فيقتصر على إيراد التعريف الاصطلاحي فقط، كما في تعريفه: للنسخ (1) ، الخبر (2) ، المرسل (3) ، والاستصحاب (4) ، والاستحسان (5) . - وفي حالات نادرة لم يتعرض لتعريف المصطلح لغةً واصطلاحاً، مثل التعارض والترجيح. - يذكر عادة قيود التعريف، ومحترزاته، كما أنه يقوم بشرح ألفاظه، وأحياناً يذكر الاعتراضات ويجيب عنها. - في الأغلب يكتفي بحدٍّ واحدٍ للمحدود، وفي حالات قليلة، يورد حدِّين مثل: النسخ (6) ، والقياس (7) ، وأورد للصحابي ثلاثة تعريفات (8) ، وذكر سبعة أقوال في تعريف النظر (9) ، ومع ذلك كان يختار من هذه الحدود ما يراه راجحاً. 2 - يضبط اللفظ الذي يحتاج إلى تحرير، ليرتفع الإشكال، مثل لفظ: " متعبِّد " و" متعبَّد "، أيهما الصواب، أن نقول: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة متعبِّداً أم متعبَّداً بشرع من قبله؟ (10) . كما أنه يحرر الاصطلاحات اللفظية التي توجد عند قوم دون آخرين مثل: " تنقيح المناط " و" تخريج المناط "، ولهذا قال ((فيحصل لنا في تنقيح المناط مذهبان، وفي تخريج المناط قولان)) (11) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 42. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 189. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 291 - 292. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 498. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 513. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 42. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 300، 301. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 227. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 437. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 25. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 318 وما قبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 3 - يناقش الأصوليين فيما درجوا عليه من تسميات، ويعلِّل وجه التسمية على النحو المشهور، مثل وقفته عند مصطلح " السبر والتقسيم "، فإن التسمية الصحيحة له: التقسيم والسبر؛ لأننا نقسِّم أولاً، ثم نختبر تلك الأوصاف، لكن التقسيم وسيلة، والسبر مقصد، وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل، فاتفق الاصطلاح على " السبر والتقسيم " (1) . 4 - يشرح أحياناً الألفاظ الغريبة، مثل: البداء (2) ، البخت (3) ، المناط (4) وغيرها. سادساً: الاستدلال والحجاج والترجيح: نلحظ في منهج القرافي استدلاله بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول والقواعد وأقوال أهل العلم، كما نلاحظ ولعه الشديد بالمناقشات والمساجلات، ويتّسم منهجه الاستدلالي بامتزاج العقل بالنقل، والرأي بالأثر. (1) الآيات: يبدأ استدلاله بملك الكلام وكلام الملك: القرآن الكريم، وهو أول ملاذٍ لطالب حجةٍ أو مُعوِز برهانٍ، ونظرة عابرة في فهرس الآيات يتبيَّن مدى اهتمام القرافي بالاستدلال بالقرآن. ويلاحظ في منهجه اجتزاؤه من الآيات بموضع الشاهد فقط، حتى لو كان كلمة واحدة كقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: 158] (5) ، كما لوحظ عليه متابعته للأصوليين في كتابة الآية {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مجرَّدة من الفاء (6) ، كما أن الإمام القرافي لم يلتزم قراءة واحدةٍ في بعض الآيات، فمرةً يختار قراءة أبي عمرو وابن كثير ونافع وابن عامر كما في قوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ} [الأنفال: 66] ، ومرةً يقرأ بقراءة حمزة والكسائي وخَلَف كما في قوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، وفي الأعم الأغلب كانت القراءة متمشِّيةً مع قراءة عاصم (7) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 345 - 346. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 79. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 174. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 314. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 6. (6) انظر ذلك في مبحث المآخذ ص 157 من القسم الدراسي. (7) انظر ص 158 من القسم الدراسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 (2) - الأحاديث: يتلو القرآن استدلاله بالسنة الشريفة والآثار المنيفة، فقد بلغ مجموع الأحاديث والآثار المستدل بها في القسم الذي أحققه ما يزيد على التسعين حديثاً وأثراً. والمصنف يحرص على إظهار وجه الدلالة بما يستدلُّ به. والقرافي يروي الأحاديث بمعناها دون التقيد بألفاظها، ولا يُعنى بتخريجها، مكتفياً بجوهر المعنى كما هي عادة كثير من الأصوليين. هذا الأمر أوقعه في الاستشهاد بأحاديث ضعيفة بل موضوعة، كما أن رواية الحديث بالمعنى أدَّت إلى تغيير بعض ألفاظه مما رتَّب عليه استدلالاً به بينما الحديث بلفظه الصحيح لا يستدل به على المدَّعى، مثل حديث ((الرضاع لحمة كلحمة النسب)) لفظه الصحيح ((الولاء لحمة كلحمة النسب)) (1) ، وحديث ((. . . ربّ حامل فقه إلى من ليس لفقيه. . .)) لفظه الصحيح ((. . . فربّ حامل فقه ليس بفقيه. . .)) (2) . (3) - الإجماع: لم يَفُت القرافي استدلاله بالإجماع، وما اتفق عليه العلماء في عدة مواضع من كتابه، لكن المصنف أطلق حكاية الاتفاق والإجماع في بعض المسائل، وفي هذا الإطلاق نظر، وقد نبهتُ عليه في مواضعه (3) . (4) - المعقول: أما استدلاله بالمعقول فما أولعه به! وما أبرعه فيه! فهو فارس هذا الميدان، ولا تكاد تخلو مسألة من حجة عقلية أو برهان منطقي. ولهذا يكثر في حجاجة من الفنقلة (فإن قيل، فإن قلت) لدفع اعتراضٍ موهوم، أو شبهة حائمة. (5) - الأشعار: لم يتجلَّ منهج القرافي في استشهاده بالأشعار في هذا القسم الذي أحققه، فإنه لم يورد شعراً سوى ثلاثة أبيات. ولكن لا يُحكم عليه بقلة مراعاة استشهاده بالشعر، بل لقد نيَّفت استشهاداته بالشعر بما يزيد على خمسة وعشرين بيتاً في القسم الذي لم أحققه من الكتاب. (6) - النقول: عضَّد القرافي استدلالاته بنقول أهل الفن في المسألة، سواء صرَّح بأسمائهم أو أبهم، فتارةً ينقل عن فحول الأصوليين في المسألة، وهذا كثيرجداً،   (1) انظر القسم التحقيقي ص 370 مع التعليق (1) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 259 مع التعليق (3) . وانظر: القسم الدراسي ص 160. (3) وانظر مبحث المآخذ ص161 من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 لا تكاد تخلو بضع صفحات من نقلٍ عنهم. وتارةً ينقل عن الفقهاء وأئمة المذاهب في المسائل الفقهية (1) ، وتارةً ينقل عن المفسرين عند تفسير الآيات (2) ، وتارةً ينقل عن أهل اللغة إذا كان البحث لغويّاً (3) . (7) - القواعد: يستعمل القرافي أسلوب التقعيد عند حجاجه واستدلاله، وهذا نابعٌ من اهتمام خاص ملازم لشخصية القرافي، فإنه كَلِفٌ بالقواعد والضوابط. ومن أمثلة ذلك: أ - قوله ((البيان يعدُّ كأنه منطوق به في ذلك المبيَّن. . . وإذا كان البيان يعدُّ منطوقاً به في المبيَّن)) (4) وقال في موضع آخر ((القاعدة: أن كل بيان لمجملٍ يعدُّ مراداً من ذلك المجمل وكائناً فيه)) (5) . ب - قوله ((والقاعدة: أن الأخص أبداً مقدَّم على الأعم)) (6) . جـ - قوله ((وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل)) وبعدها بقليل ((الحكم مهما أمكن أن يكون معلّلاً لا يجعل تعبُّداً)) (7) . د - قوله: ((القاعدة: أن الدليلين الشرعيين إذا تعارضا، وتأخر أحدهما عن الآخر كان المتأخر ينسخ المتقدم)) (8) . (8) - المناقشات: بعد تدعيم المسألة بالأدلة، يناقش القرافي الاعتراضات الواردة عليها، ويدفع الإيرادات والشبهات، أو يورد على الاستدلالات اعتراضات وإشكالات. فقد ناقش آراء المذاهب المخالفة لما يراه مناقشة قوية محكمة، سواء كان ميدان هذه المناقشة الأصول (9) أو الفروع (10) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 224، 236، 252، 340، 400. (2) انظر: القسم التحقيقي ص: 25، 26، 104، 125، 444. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 123، 125، 196، 345. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 5 - 6. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 88. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 335. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 346. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 18. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 496 - 498، 504 وما بعدها. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 533. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وكان رحمه الله كثير التعقُّب للإمام الرازي باعتبار أن كتابه شرح التنقيح مبناه على كتاب المحصول في كثيرٍ من مسائله، وقد اتخذت تعقيباته مناحياً شتىً، في الحدود (1) ، والنقول (2) ، والأدلة (3) ، والأمثلة (4) ، والعبارات (5) ، والمسائل (6) . (9) - الترجيح: تجلَّت في هذا الكتاب مهارة القرافي العلمية، فتراه يختار ويرجح، وقد استعمل عدداً من التعبيرات في اختياره، وبيان ترجيحاته. منها قوله: المختار (7) ، الصواب (8) ، الحق (9) ، الصحيح (10) ، أولى (11) ، الظاهر (12) ، أصح (13) . فإذا عدمنا عبارة صريحةً في الترجيح، فيمكن تلمُّس ترجيحاته بقرائن وتلميحات كتعبيره بقوله " لنا " أو بقوله " حجة المخالف " فيعلم أنه على الرأي الآخر، أو بتقديمه - في أثناء العرض - للراجح على غيره مع عدم الاعتراض عليه. . . إلخ. سابعاً: النقول والاقتباس: إن حرص القرافي على تدعيم المسائل بالنقول والاقتباس من الآخرين يبدو ظاهراً جليّاً في سائر مؤلفاته، ويمكن تبيين منهجه في هذه النقول من خلال كتابه هذا وفق ما يلي: 1 - التصرف في النقل: إن أكثر نقولات القرافي كانت بتصرفٍ في العبارة دون التقيد بالنقل الحرفي، فهو يصوغ العبارات بأسلوبه الخاص.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 438. (2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 149. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 384 - 385. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 130 - 131. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 172. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 382. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 25. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 29. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 46. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 465. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 121. (12) انظر: القسم التحقيقي ص 474. (13) انظر: القسم التحقيقي ص 437. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 - في حالات نادرة ينقل النص بحروفه تقريباً، مثل: ما نقله من كتابه الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة للرد على اليهود في مسألة إنكارهم النسخ (1) . ومسألة الإجماع لا ينسخ ولا نسخ به نقلها تقريباً من نفائس الأصول (2) . - وفي حالات كثيرة يتصرف في النقل، ويوفي بالمراد من المسألة. - وفي بعض النقول يبلغ به التصرف في العبارة إلى حدٍّ يصعب معه الحكم بنسبة العبارة إلى مظانها ومصدرها، وربمّا أدَّى هذا الاختزال إلى الإخلال بالمعنى المنقول، مثل: نقله لحجة الرازي في مسألة القياس في العدم الأصلي (3) ، وكذلك ما نقله عن الغزالي في محترزات شروط المصلحة المعتبرة في الشرع (4) . 2 - مصدر النقل: تنوَّع منهجه في ذكر مصدر النقل واسم المنقول عنه: - فأحياناً يصرِّح بالمصدر وصاحبه كما في قوله: ((قال ابن بَرْهان في كتاب الأوسط)) (5) و ((قال المازري والأبياري في شرح البرهان)) (6) ، و ((قال إمام الحرمين في الشامل)) (7) . . . وهكذا. - وأحياناً قليلة يقتصر على ذكر الكتاب دون مؤلفه، مثل قوله: ((هذا نقل المحصول)) (8) . - وفي أحايين كثيرة يكتفي بذكر المؤلف دون كتابه، وفي الغالب يمكن الاهتداء إلى مظان النقل في كتبه. ولكن في بعض المواضع عسر الوقوف على هذا النقل (9) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 56 - 60 مع التعليق (2) ، (3) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 93 مع التعليق (1) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 394 مع هامش (5) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 495 مع هامش (14) . (5) انظر: القسم التحقيقي ص 97. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 30. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 442. (8) انظر: القسم التحقيقي 93. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 534 هامش (5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 - وفي مراتٍ يتجاوز القرافي هذه الطريقة، فينقل نصوصاً من غير عزوها إلى أصحابها أو كتبهم، ظهر لي هذا بينما كنت أقابل نصوصه بما في كتب غيره، فتبيَّنتْ لي مشابهة بينها. مثل قوله: ((قال بعض العلماء: حدُّ ذلك أن يتكرر منه تكراراً يخلُّ بالثقة بصدقه. . .)) (1) في ضابط الإصرار الذي يصيِّر الصغيرة كبيرة. - ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن القرافي ينقل عن معاصريه مشافهة سواء كانوا شيوخاً له أو قرناء فضلاء (2) . 3 - حدود النقل ونهايته: لم يجعل القرافي علامةً مميزة تفصل بين منقوله ومقوله، سوى أنه يبدأ بالنقل بقوله: قال فلان كذا وكذا. . . ولكنه لا يختم القول المقتبس بكلمة " انتهى " أو نحوها، وبهذا يختلط المنقول بالمقول. وهذا مما يجهد الباحث في الوقوف على نهاية النقل، ولاسيما إذا كان النقل من مصادر مفقودة أو مخطوطة تعذَّر الحصول عليها، أو كانت هذه النقول مشافهة. - وإنصافاً للحقيقة أقول بأن القرافي حدَّد نهاية النقل في مواضع يسيرة جداً من الكتاب، فيختم بقوله: ((قاله الإمام)) (3) . - ويكون الختام أحياناً بإرداف نقلٍ آخر بعده، فيُعلم انتهاء ما سبقه، مثل: قوله ((وقال أبو إسحاق: ينعقد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام. وقال ابن برهان في كتابه الأوسط: ينعقد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام)) (4) . - وأحياناً تعلم نهاية النقل بانتقاله إلى مسألة أخرى (5) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 233 هامش (4) ، والنقل هذا موجود بمعناه في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 51. (2) سبقت الإشارة إلى المصادر الشفوية لكتاب القرافي في ص (98) من القسم الدراسي. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 101، 177. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 96 - 97. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 20 - 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 4 - طول النقل وقصره غالب نقولاته جاءت متوسطة المقدار، قد تقصر أحياناً حتى تغدو جزء سطرٍ (1) ، وتزيد حتى تبلغ قريباً من الصفحة (2) . وهذا نادر جداً. والغالب عليها مجيئها في بضع أسطر. ثامناً: العناية بإثبات الفروق، وإيراد الإشكالات: انتهج القرافي في تأليفه لكتابه وكتبه الأخرى منهج تبيان الفروق بين المسائل العلمية، فقد حرص على إظهار جملةٍ وافية من الفروق الدقيقة بين المسائل التي ربما يقع فيها الاشتباه، من أمثلة ذلك: أ - قال: ((ووجه الفرق على هذا المذهب. . .)) (3) . ب - وقال: ((ومع هذا الفرق أمكن أن يقولوا بالمنع مطلقاً. . .)) (4) . جـ - وقال: ((فظهر الفرق بين العدم والإعدام)) (5) . وقد رصدتُ جملة ما ذكر فيه الفرق بين مسائل هذا القسم الذي أحققه، فبلغت ما يقارب خمسةً وعشرين فرقاً. أمَّا الإشكالات فالقرافي صاحب عقليَّة تتَّقد ذكاءً وفطنة، لهذا تميَّز منهجه بإثارة إشكالات وجيهة قوية في خضمِّ المناقشات، ومعركة الحجاج والخصام. قد يكون هو المورد لها أو غيره، ثم يجيب عنها إجابةً موفَّقة مسدَّدة، كما في: أ - قوله: ((غير أن هاهنا إشكالاً، وهو أن الجمهور على جواز تعليل الحكم بعلتين، والجمهور على سماع الفرق، فيبطل قوله: إن سماع الفرق ينافي تعليل الحكم بعلتين؟ والجواب: ... )) (6) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 96. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 152 - 153. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 110. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 68. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 394. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 362. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ب - قوله: ((سؤال: قال بعض فضلاء العصر: قول العلماء التخيير يقتضي التسوية يُشكل، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بقدحين ... جوابه: أن الحكم الشرعي كان في القدحين واحداً ... )) (1) ، وفي أحايين كثيرة تعتاص هذه الإشكالات على الناظر فيها، فتبقى جاثمةً في مكانها بانتظار إجابةٍ مسعفةٍ أو تسليمٍ بها بلا محيص، فمن ذلك: أ - قوله: ((سؤال: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية (2) ، وهي غير مفيدةٍ للمقصود، بسبب أن الفعل في سياق الإثبات مطلق لا عموم فيه. . .)) (3) . ب - قوله: ((غير أن هاهنا إشكالاً، وهو أن مطلق الظن كيف كان لم يعتبره صاحب الشرع، بل ظنٌّ خاصٌ عند سببٍ خاص، فما ضابط هذا الظن الحاصل هاهنا؟ ... )) (4) . هذا، وقد أحصيتُ - في هذا القسم الذي أحققه - ما يناهز خمسة عشر إشكالاً أو سؤالاً. تاسعاً: استعمال عنوانات صغيرة في الكتاب: مما يلفت نظر المطالع في هذا الكتاب احتواؤه على عناوين صغيرة كثيرة، مثل: فائدة، تنبيه، قاعدة، فرع، سؤال، تفريع، مسألة. . . وهكذا. لهذا أمكنني الجزم بأن هذه طريقة منهجية متميزة سلكها القرافي في كتابه عن قصد، وهي ظاهرة قرافيَّة فاشية في معظم كتبه. وفي هذا الجدول إحصاء تقريبي لعدد هذه العنوانات التي جاءت في القسم الذي أحققه (5) . العنوان ... فائدة ... قاعدة ... سؤال ... فرع ... تنبيه ... مسألة ... تفريع ... المجموع الكلي عدد التكرار ... 15 ... 40   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 13. (2) وهي قوله تعالى: س فاعتبروا يا أولي الأبصار ش [الحشر: 2] . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 306. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 381. (5) انظر: ص 656 من القسم الدراسي لمعرفة العدد الإجمالي لهذه العناوين في كل الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 إن هذا الاستعمال لا يقوم على طريقةٍ واحدةٍ في جميع المواضع التي ذكرت فيه، فالمعلومات المندرجة تحت أيٍّ منها مشابهةٌ في نوعها للأخرى، ولا يظهر فرق واضح بين المادة العلمية المنطوية تحت عنوان " فائدة "، ولا المعلومات المنضوية تحت عنوان " تنبيه " (1) . والمصنف لم يُشعرنا بأن ثمة خلافاً في استعمال هذه العنوانات خلال الكتاب، ولكن جملتها لا تحيد عن كونها مسألة أصولية أو لغوية أو تعقيباً أو تصحيحاً أو نقلاً عن أحدٍ. عاشراً: ربط مسائل الكتاب: لإحكام الربط بين موضوعات الكتاب بعضها ببعض، وخاصةً ما يتكرر الحديث عنها استعمل القرافي طريقة الإحالة أو الإشارة الموحية بهذا الربط، فإذا عرضت له مسألة في خضم بحث مسألةٍ أخرى، فإنه يحيل إلى موطنها اللائق بها، فإن سبقتْ عبَّر بقوله: ((كما تقدم)) (2) . وإن كان البحث وقع في لاحق عبَّر بقوله: ((سيأتي)) (3) . كما أن القرافي يُحيل إلى مصادر أخرى مما ألّفه من الكتب طلباً للتوسع والبسط، وزيادةً في التوثيق والتأكيد (4) .   (1) مما يؤكد هذا أن القرافي في كتابه " نفائس الأصول " (9 / 3963) ذكر مسألة بعنوان " فائدة " ثم في كتابه شرح التنقيح ص 448 من القسم التحقيقي عنوان لها بـ" قاعدة "، فالخطب سهل. (2) انظر: القسم التحقيقي ص: 43، 136، 204. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 19. (4) مثل إحالته على كتابيه: الأجوبة الفاخرة، والنفائس (شرح المحصول) . انظر: القسم التحقيقي ص 60، وكذلك الإحالة على كتابه " الأمنية " ص 383 في القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 المطلب الثاني: أسلوب المؤلف في الكتاب يجدر بنا ونحن في مقام الحديث عن أسلوب الكتاب أن نأخذ بعين الاعتبار الفن الذي تصدَّى القرافي لبحثه، ألا وهو: " أصول الفقه ". وهذا العلم من العلوم الدقيقة العميقة، التي تحتاج إلى نظرٍ عميقٍ وأسلوبٍ دقيقٍ، وذهنٍ صافٍ وذكاءٍ كافٍ. وأساليب القرافي وعبارات جاءت - في الجملة - مهذَّبةً غير نابية، ومعاني الكتاب مع ألفاظه كانت متعانقةً متآخيةً، فلم تنْبُ لفظةٌ عن لفظة، ولم تَنْشُز عبارةٌ عن عبارة. وبحسب المعايشة الطويلة مع الكتاب، يمكن الكلام عن أسلوبه في النقاط التالية: 1 - المصطلحات المنطقية والبراهين العقلية يلاحظ في أسلوب الكتاب طغيان المصطلحات المنطقية والجدلية، كالجنس، والفصل، والحد، والبرهان، والمنع، والتسليم، والضروري، واللزوم، والنقيض، والمحال، والتصور، والدور، والاحتراز، والقيد، وغيرها كثير، وهذا يعود إلى اختلاط الأساليب المنطقة والطرائق الجدلية بعلم أصول الفقه، والإمام القرافي إمام في العقليات والمناظرات، فلا جَرَم أنَّ أسلوب الكتاب جدليٌ منطقي. كما يلاحظ أيضاً التأنُّق والتفنُّن عند سَوْق الأدلة والبراهين، من أمثلة ذلك: أ - قوله: ((فيتوقف كون إجماعنا حجة على كونهم كفاراً، ويتوقف كونهم كفاراً على إجماعنا، فيتوقف كل واحدٍ منهما على الآخر، فيلزم الدور)) (1) . ب - قوله: ((إن اعتبار الفرعِ فرعُ اعتبار الأصل. . .)) (2) . جـ - قوله: ((لأن ما يفيده ذلك الخبر لا يعتبر، والذي هو معتبر لا يفيده ذلك الخبر)) (3) . د - قوله: ((فما أقاموا فيه الدليل لا نزاع فيه، وما فيه نزاع لم يقيموا الدليل عليه)) (4) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 162. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 258. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 267. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 475. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 2 - ظهور المعنى وسلامة اللغة والتركيب بالرغم من وعورة مباحث أصول الفقه، وغلبة الأساليب المنطقية والجدلية في عرضه، إلاَّ أن الكتاب جاء في أغلبه واضحَ المعنى، سهل القراءة لدى المتخصصين في هذا العلم. ولكن كان يجنح أحياناً إلى الغموض في العبارة، والتعقيد في طريقة عرض المسألة، بحيث يعتاص فهمها إلا بعد مزيد تأمُّلٍ وتكرارٍ (1) . كما أن لغة الكتاب - إن جاز لي أن أحكم عليها - فصيحةٌ سليمة، لا لحن فيها، ولا عاميةٌ. ولكن ربَّما وقع في بعض الهنات التي قلما يسلم منها كتاب (2) . والمصنف لم يتكلَّف في أسلوب عرضه الألفاظ الوحشية، والكلمات النادرة، بل جاءت كلماته سهلة مأنوسة، وكانت تراكيبه جزلةً مدروسة، لولا بعض التراكيب اليسيرة (3) . 3 - عبارات الجزم والقطع يلاحظ أن القرافي في بعض مواقفه يلجأ إلى تأكيد كلامه، وتقوية حجته بعباراتٍ قويَّة فيها الجزم والقطع، من ذلك: أ - قوله: ((فهذا برهان قاطع على بطلان الحسن والقبح العقليين)) (4) . ب - قوله: ((فهذه مدارك قطعية تُوجب حينئذٍ أن الحكم. . .)) (5) . جـ - قوله: ((فإنَّا نقطع أن كل مجتهدٍ يجوز أن يخطيء، وما من مذهب من المذاهب إلا وقد وقع فيه ما يُنكر وإن قلَّ، فهذا لابد للبشر منه)) (6) . د - قوله: ((وأما أنه جازمٌ بهما فمحالٌ ضرورةً)) (7) .   (1) انظر مثلاً على ذلك ما جاء في الصفحات: 66 - 68، 195 من القسم التحقيقي. (2) انظر بعض المآخذ اللغوية في ص 173 من القسم الدراسي. (3) انظر أمثلتها في مبحث المآخذ ص 169 من القسم الدراسي. (4) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 91. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 48. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 186. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 409. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وفي سبيل هذا القطع لا يبالي بمن خالفه، ولا يعبأ بكثرتهم، فيقول مثلاً: أ - ((والإجماع المروي بأخبار الآحاد حجة خلافاً لأكثر الناس)) (1) . ب - ((وأما النكرة في سياق النفي، فهي من العجائب في إطلاق العلماء من النحاة والأصوليين. يقولون: النكرة في سياق النفي تعمُّ. وأكثر هذا الإطلاق باطل)) (2) . ويمكن تحليل هذا الموقف منه بإرجاعه إلى قوة شخصية القرافي العلمية، وما حباه الله من رسوخ في التأليف، حتى غدا يكتب بقناعة أكيدة. 4 - المحسنات البلاغية اكتنف الكتابَ أساليبُ بلاغية متنوعة، ففي علم المعاني تنوَّع أسلوبه ما بين الخبر والإنشاء، فوظَّف الخبر في العرض والتقرير، وتوسَّل بالإنشاء للإثارة والتنبيه والتعجب. ويظهر الأسلوب الإخباري لمجرَّد العرض عندما يبدأ القرافي بعرض آراء الآخرين، كما يلاحظ في النصوص التالية: أ - ((قال جماهير الفقهاء والمعتزلة يجب اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في فعله. . .)) (3) . ب - ((قال القاضي منَّا والغزالي: هو خطاب دالٌّ على ارتفاع حكم ثابت. . .)) (4) . جـ - ((وقال أبو حنيفة: يقبل قول المجهول)) (5) . د - ((والأكثرون اتفقوا على التمسك به، وأنكره بعضهم، وقال: يلزم التخيير أو التوقف)) (6) . بينما يستعمل القرافي الأسلوب الخبري التقريري عندما يبدأ بتقديم رأيه في الموضوع، ويتبين ذلك فيما يلي:   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 149. (2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 181. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 10. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 42 (5) انظر: القسم التحقيقي ص 240. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 410. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 أ - ((إذا استُفْتي مجتهدٌ فأفتى، ثم سئل ثانيةً عن تلك الحادثة فإن كان ذاكراً لاجتهاده الأول أفتى، وإن نسي استأنف الاجتهاد)) (1) . ب - ((الإجماع لا يُنسخ، ولا يُنسخ به)) (2) . جـ - ((يمتنع الترجيح في العقليات؛ لتعذر التفاوت بين القطعيين)) (3) . د - ((ويشترط في المخبر العقل والتكليف، وإن كان تحمُّل الصبي صحيحاً، والإسلام، والضبط)) (4) . و ((وهو (الإجماع) مقدَّمٌ على الكتاب والسنة والقياس)) (5) . وهذا الأسلوب طاغٍ على عبارات الكتاب، ولاسيما المتن، والقرافي بهذا يشعرنا بأستاذيته، ويجب ألاَّ ننسى السنين التي قضاها في التعليم والتدريس، فلعلَّ هذا أثر من آثارها. أما الأسلوب الإنشائي فقد وجد في بعض تعبيرات الكتاب، سواء أكان أمراً أم استفهاماً أم تعجُّباً أم رجاءً، وكأنَّ القرافي يستعمله في المواضع التي يودّ به تنبيه المرء إلى أمرٍ مهمٍّ، فمن ذلك: أ - قوله: ((واعلمْ أن المقدَّرات في الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه)) (6) . ب - قوله: ((واعلمْ أن الذريعة كما يجب سدُّها يجب فتحها ويكره ويندب ويباح)) (7) . جـ - قوله: ((فانظرْ في ذلك لنفسك، وأما غيره (الآمدي) فلم أَرَ له تعرضاً لذلك، فما أدري، هل اغترَّ بالموضع فأطلق هذه العبارة في الاستدلال أو هو أصل يعتمد عليه؟!)) (8) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 480. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 93. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 411. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 222. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 165. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 382. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 505. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 د - قوله: ((وبهذه التقريرات يتَّضح لك ما هو نسخ مما ليس بنسخ، فتأملْها)) (1) . هـ - قوله: ((إذا كان المجتهد ذاكراً للاجتهاد ينبغي ألاَّ يقتصر على مجرد الذكْر، بل يحركه لعلّه يظفر فيه بخطأ أو زيادة. . .)) (2) . وقوله: ((كيف يتخيل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحدٍ بغير مطالب به؟!)) (3) . وفي علم البيان استعمل التشبيه، فقال: ((النسخ كالفسخ، فكما أن الإجارة. . .)) (4) . وقال أيضاً: ((ولأن اسم الأمة لا ينخرم بهم كالثور الأسود - فيه شعرات بيض - لا يخرج عن كونه أسود)) (5) . وفي علم البديع استعمل أسلوب " الترديد " (6) وهو من الفصاحة اللفظية، كقوله ((وليس فليس)) (7) ، وقوله: ((ومن لا فلا)) (8) . وكذلك استعمل أسلوب " التَّسْجيع " (9) ، وهو وإن لم يكن مقصوداً لذاته، تمشِّياً مع طبيعة البحث الأصولي لكن جرى القلم ببعض العبارات المسجوعة، وكأنَّها سُطِّرت عفو الخاطر، من ذلك: أ - قوله: ((وهو مَهْيع متَّسِع، ومسلك غير ممتنع)) وقال بعدها بقليل ((فليس هذا باباً اخترعه، ولا بِدْعاً ابتدعه)) (10) . ب - قوله: ((وابن القاسم لا يقبل قول القاسم)) (11) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 112. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 482. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 382 (4) انظر: القسم التحقيقي ص47. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 164. (6) قال ابن حجة الحموي ((الترديد: هو أن يعلِّق الشاعر لفظةً في بيت واحد بمعنى، ثم يرددها فيه بعينها، ويعلقها بمعنىً آخر. . .)) خزانة الأدب 1 / 359. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 24، 194. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 458. (9) وهو السجع، وهو: اتفاق الفواصل في الكلام المنثور في الحرف أو الوزن. الطراز ليحيى العلوي اليمني ص407. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 507. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 451. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 جـ - قوله: ((فقد قوي الاستبراء على منع المبادي، ولم يَقْوَ على قطع التمادي)) (1) . واستعمل أسلوب " التطبيق " (2) حينما قال ((ومن محاسن العبارة في هذه المسألة أن يقال: إن الأمر بالشيء نهيٌ عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمرٌ بأحد أضداده)) (3) . 5 - الأسلوب مع الآخرين: التزم القرافي رحمه الله تعالى في كتاب الأدب الجمَّ مع الآخرين، وأوجب الأدب ما كان مع الله جلَّ جلاله وكتابه المبين ومع نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ومع علماء الأمة رحمة الله عليهم أجمعين. فتأمَّل بماذا عبَّر من أسلوب يفيض إجلالاً لله تباركت أسماؤه. قال: ((فالكلِّي هو الذي لا يمنع تصورُه من وقوع الشِّرْكة فيه، سواء امتنع وجوده كالمستحيل، أو أمكن ولم يوجد كبحر الزئبق، أو وجد ولم يتعدَّد كالشمس، أو تعدَّد كالإنسان. وقد تركتُ قسمين، أحدهما محال، والثاني أدب)) (4) . ثم قال في الشرح: ((لكن إطلاق لفظ " الكلي " على واجب الوجود سبحانه وتعالى فيه إيهامٌ تمنع من إطلاقه الشريعة، فلذلك قُلتُ تركتُه أدباً. . . فأقسام الكلي عندهم ستة، وهي في هذا الكتاب أربعة)) (5) . وقال بإزاء القرآن الكريم ((وأما الكتب السالفة، فلم يؤمر بتعلُّمها؛ لعدم صحتها، وأدباً مع الأفضل منها، وهو القرآن)) (6) . وأما في جانب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فقال: ((وبهذا يظهر لك بطلان قول من استدلَّ في هذه المسألة بقضية رجم اليهوديين، وأن رسول الله اعتمد على أخبار ابن صُوْريا أن فيها الرجم، ووجد فيها كما قال،. . . بل رسول الله يجب   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 84. (2) وهو التضادُّ والمطابقة والطِّباق، وهو أن يؤتى بالشيء وضده في الكلام. الطراز ليحيى اليمني ص 383. (3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 136. (4) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 27. (5) المصدر السابق ص 28. (6) المصدر السابق ص 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 أن يُعتقد أنه إنما اعتمد في رجم اليهوديين على وحيٍ جاءه من قبل الله تعالى، أما غير ذلك فلا يجوز، ولا يُقْدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دماء الخلق بغير مستندٍ صحيح)) (1) . أما مع العلماء الأجلاء، فإنه تلَّطف معهم في العبارة، وأثبت فضلهم، وأعلى أقدارهم، وكل هذا ظاهرٌ في الأوصاف التي يخلعها عليهم، وإكثار الترحُّم عليهم، بل الترضِّي عنهم، كقوله: ((مذهب مالك، وجمهور العلماء رضي الله عنهم وجوبه وإبطال التقليد)) (2) ، وقال: ((منهم الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما)) (3) ، وقال ((وأما الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. . .)) (4) ، واسمعه وهو يدعو لشيخه العز بن عبد السلام رحمه الله: ((وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام قدَّس الله روحه من الشافعية يقول. . .)) (5) . كما أنه يعترف لهم بالفضل فيقول: ((غير أن هاهنا قاعدة للحنفية أخبرني فضلاؤهم، وهي. . .)) (6) . ويقول: ((قال بعض فضلاء العصر. . .)) (7) ، وقال: ((فذكرتُ هذا لبعض العلماء الأعيان. . .)) (8) . وكان الإمام الشهاب القرافي رحمه الله يلتمس للعلماء المعاذير، فها هو يقول: ((فلا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله وسنة نبيّه عليه الصلاة والسلام أدلةً كثيرة، ولكن لمعارضٍ راجحٍ عليها عند مخالفها)) (9) . وقد أوَّل كلاماً للشافعي ليستقيم على وجهٍ صحيحٍ في مسألة عموم المشترك، فقال: ((ولعل الشافعي رضي الله عنه يريد   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 35 - 36. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 441. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 269 - 270. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 449. (5) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 174. (6) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 185. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 13. (8) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 187. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 507. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 بأنه حقيقة: أنه في كل فردٍ على حياله لا في الجميع: إلى أن قال - وهو اللائق بمنصب هذا الإمام العظيم)) (1) . والإمام القرافي عليه رحمه الله وإن التزم جانب اللطف مع المخالف إجمالاً، إلا أنه وردت عبارات فيها شدَّة، ربما أشعرت بالتهكم بالمخالف، وهذا نادرٌ جداً، ومع ذلك فالقرافي في صنيعه هذا لا يقصد الإساءة والسخرية - حاشاه - بل قصد التنبيه على الخطأ الجسيم غير اللائق صُدُوره من أهل العلم والفضل، والله تعالى أعلم. فمن ذلك: أ - قوله: ((وقول الإمام ومن وافقه باطل - ثم قال - فإهمال الرجحان هنا ليس بجيِّد)) (2) . ب - قوله: ((احترازاً مما توهمه الشيخ ابن أبي زيد وغيره - ثم قال - وليس كما زعموا)) (3) . ب - قوله: ((فإنكار الإمام منكر)) (4) . د - قوله في تعريف الاستحسان ((وقيل: " هو الحكم بغير دليل ". وهو اتباعٌ للهوى)) (5) . هـ - قوله: ((ولا يفسِّق بذلك إلا جاهل)) (6) . وقوله: ((أما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة الأغبياء الضعفاء الحزم والعزم)) (7) . ز - قوله: ((فعلى هذا لا ينحصر فرض العين في العبادات، ولا في بابٍ من أبواب الفقه، كما يعتقده كثيرٌ من الأغبياء)) (8) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 116. (2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 120. (3) المصدر السابق ص 55. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 284. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 513. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 246. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 247. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 457. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 6 - الأسلوب مع الذات: كيف كان الإمام القرافي يخاطب نفسه، وهو يعالج مسائل الأصول العويصة؟ إن من عجائب هذا الكتاب أنك وأنت تقرؤه تستمع إلى محاورات نفسية بين القرافي والمسائل التي يخوض غمارها، وحديثُ النفس ذو شجون، فما أكثر خلجات النفوس وتفاعلاتها!! فالقرافي إذا أعجبه ما سطَّره عبَّر بكلماتٍ تدل على سروره وفرحه به، وتلْمسُ من عباراته اعتزازه وثقته بما يكتب ويحرِّر، وليس هذا نابعاً من العُجب بالنفس فيما أَحْسَب، بل لعلَّه من باب التحدّث بنعمة الله تعالى. فاستمع إليه وهو يقول: أ - ((وقد ذكرنا منه جملةً من الكتاب العزيز هنالك - يشير إلى كتابه " الاستغناء " - فمن أرادها فليطالعه، فإنها فوائد غريبة، وقواعد جليلة، وهي كلُّها من فضل الله تعالى، وله المنة في جميع الأحوال، لا إله إلا الله هو الكبير المتعال)) (1) . ب - بعد أن أورد سؤالاً على لفظٍ من ألفاظ الأيمان قال ((قلتُ: السؤال حسن قوي غير أن الجواب عنه حسن جميل)) (2) . جـ - ولما فرَّق بين ورود الخاص على العام وورود المقيد على الإطلاق قال ((فأحد البابين بعيد من الآخر، مع أن جماعة من العلماء لم يفرِّقوا، وساقوا الجميع مساقةً واحدةً، والفرق كما رأيت، فهو موضوع حسن، لم أرَ أحداً تعرَّض إليه)) (3) . وفي موضع آخر لنفس المسألة قال: ((فهذا فرق عظيم ينبغي أن تلاحظه فهو نفيس في الأصول والفروع)) (4) . د - ((فهذا هو تلخيص هذا الموضع، وهو موضع حسن غريب)) (5) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 258. (2) المصدر السابق ص 217. (3) المصدر السابق ص 267. (4) المصدر السابق ص 221. (5) المصدر السابق ص 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 هـ - ((فهذا برهان قاطع على بطلان الحسن والقبح العقليين، ولم أره مسطوراً، وقد نقلتُ في شرح المحصول طرقاً عديدة عن الأصحاب، وبيَّنتُ ما عليها من الإشكال، واخترت هذه الطريقة)) (1) . ومع ما يقع في الكتاب من عباراتٍ توميء إلى اعتداده وثقته بما يكتب إلا أن المصنف رحمه الله كان يعبِّر في مواطن أخرى بعباراتٍ يُشْتمُّ منها رائحة التواضع والتراجع، ونكرانه لذاته، وتسليمه بالعجز، ومحدودية قدرته، فاستمع إليه وهو يقول: أ - ((فلذلك زدتُ أنا من عندي القيود التي بعد هذا القيد. . . فبقيتْ هذه الزيادة مضمومةً إلى كلامه (الرازي) ، وهو غير جيد مني، بسبب. . . فبقي الكلام كله باطلاً، بل ينبغي لي أن ابتديء حدّاً مستأنفاً، فأقول: الشرط. . . فهذا هو الحد المستقيم، وأما الذي لي والإمام في الأصل فباطلٌ)) (2) . ب - ((إذا تقرر هذا فأقول: النكرة في سياق النفي تقتضي العموم في أحد قسمين. . . وما عدا ذلك فلا عموم فيه، فهذا هو تلخيص ذلك الإطلاق فيما وصلتْ إليه قدرتي)) (3) . جـ - لما ذكر تعريف التخصيص ومحترزاته في المتن ثم شرحها قال أخيراً: ((وهذا الحد باطل مع هذا التحرير العظيم، الذي لم أر أحداً جمع ما جمعت فيه - ثم قال - فينبغي أن يؤتى بعبارة تجمع هذه النقوض، وتخرج الاستثناء، وفيها عُسْر)) (4) . د - ((والذي تقرَّر عليه حالي في شرح المحصول، وهاهنا، أني عاجز عن ضبط الرخصة بحدٍّ جامعٍ مانعٍ. أما جزئيات الرخصة من غير تحديدٍ فلا عُسْر فيه، إنما الصعوبة في الحد على ذلك الوجه)) (5) .   (1) المصدر السابق ص 91. (2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 262. (3) المصدر السابق ص 184. (4) المصدر السابق ص 52. (5) المصدر السابق ص 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 هـ - لمَّا عرَّف العام في المتن قال - في الشرح - ((وسبب هذه العبارة والاحتياج إليها إشكالٌ كبيرٌ، عادتي أورده، ولم أر أحداً قط أجاب عنه، وهو: ... )) (1) ، ثم سرد الإشكال، وذكر محاولات المجيبين عنه، واعترض عليهم، وقال أخيراً ((فهذا المُلجيء لهذا الحدِّ الغريب)) (2) . هذا الخلق الكريم من القرافي الذي لمسناه من عباراته المتواضعة التي تشهد بيقين على صدْق تحرِّيه للحق، وشدة تواضعه وتراجعه أقول هذا الخلق لم يفارق تلابيب القرافي حتى في آخر تأليفٍ له. فهو يقول في كتابه " العقد المنظوم في الخصوص والعموم " (2 / 161) ((إشكالٌ عظيم صعب، لي نحو عشرين سنة أُوْرِدُه على الفضلاء والعلماء بالأصول والنحو، فلم أجدْ له جواباً يرضيني، وإلى الآن لم أجدْه، قد ذكرته في شرح المحصول، وكتاب التنقيح، وشرح التنقيح، وغيرها مما يسَّره الله تعالى علي من الموضوعات في هذا الشأن. . .)) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 38. (2) المصدر السابق ص 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 المبحث السابع قيمة الكتاب العلمية ومحاسنه إن القيمة العلمية لأي كتاب ترتكز على ثلاثة أركان: الكاتب، والكتاب، والفن المكتوب فيه. أما الكاتب فقد علمتَ عند سوق ترجمته فَوْزَه بقصب السبق، وإحرازَه القِدْح المعلَّى في علوم الشريعة، ولاسيما علم أصول الفقه، فقد علا كَعْبه فيه، وتألَّق نجمه في بيان مراميه. وأما العلم الذي كتب فيه فهو علم أصول الفقه، وقيمته لا تُنكر، ومنزلته أشهر من أن تُذكر، ومزاياه أكثر من أن تُحصر. وأما ثالثة الأثافي فكتاب الشهاب القرافي، مادته غزيرة، ومصادره وفيرة، وعبارته متينة، وبراهينه قوية. قال فيه الحافظ العلائي: ((وهو من أنفس كُتبه)) (1) . وقال عنه ابن فرحون: ((وشرحه كتاب مفيد)) (2) . وقال فيه محمد الطاهر بن عاشور: ((فإنه جمع فوائد عزَّتْ عن أن تُسام، واستوعب مسائل أصول الفقه بما ليس وراءه للمستزيد مرام)) (3) . وتنبع قيمة الكتاب العلمية، ويمكن تسنُّمه منصباً رفيعاً بين كتب الأصول للجوانب التالية: أولاً: كونه إفرازةً من إفرازات المدرسة الرازيَّة في الأصول. فكتاب " المحصول " كتاب طبَّقتْ شهرته الآفاق، مجرد ذكره يغني عن جزيل الثناء عليه، وحسبك أن مؤلفه خُصَّ بلقب " الإمام " حتى إذا أطلق - بإطلاق - لم يتبادر إلى الأذهان سواه. صنَّف الرازي محصوله بعد نضج علمي تام، واستقرار قواعد هذا الفن الجليل.   (1) ذكره العلائي في ترجمة القرافي المثبتة في فاتحة النسخة الخطية الأزهرية هـ. انظر ص 244 القسم الدراسي. (2) الديباج المذهب ص 129. (3) انظره في: حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح 1 / 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 والشهاب القرافي لم تكن علاقته بالمحصول وليدة أيام، بل امتدَّت جذورها إلى سنوات طويلة، فقد اختصره في باكورة حياته العلمية في " تنقيح الفصول "، ثمَّ علَّق على " المنتخب " وشرح المحصول في موسوعته العجاب " نفائس الأصول ". وأخيراً اختصر شرحه هذا في " شرح تنقيح الفصول ". وهكذا تعامل القرافي مع المحصول، فقد عايشه أدواراً وأطواراً، حتى أكسبَتْهُ هذه المعايشة الدؤوبة مهارةً فائقة، ودُرْبةً متقنةً، وخبرةً واسعة في علم الأصول. ثانياً: أصالة مصادر الكتاب وعراقتها التي استقى منها معلوماته، ومادته كتابه، في شتَّى الفنون ابتداءً بكتب الأصول، ومروراً بالتفاسير وكتب الحديث والفقه واللغة والنحو، وانتهاءً بالكلام والمنطق. وقد سبقت الإشارة إلى هذه المصادر في المبحث الخامس (1) . ثالثاً: احتواء كتابه على نقولٍ كثيرةٍ لم تكن ميسورة الحصول، بل يصعب إليها الوصول، وهي نقولات يُفتقر إليها نظراً لتعذُّر الوقوف على مصادرها الأصلية، وهو بعمله هذا حفظ لنا بعضاً من هذه المفقودات النفيسة، كنقولاته عن: الملخَّص والإفادة كليهما للقاضي عبد الوهاب البغدادي، والأوسط لابن برهان، وشرح البرهان للمازري، والجدل للحصكفي، وغيرها. ولا ننسى - ونحن في مقام التذكير بأهميَّة الكتاب وقيمته العلمية - أن نعزِّز هذه القيمة والأهمية بنقولاته عن مشايخه وفضلاء عصره التي استفادها مشافهةً منهم، وبثَّها في ثنايا كتابه كالعز بن عبد السلام، والخسروشاهي، وغيرهما. رابعاً: إسهام الكتاب في خدمة أصول المالكية مع الاعتناء بآراء الإمام مالك وأصحابه الأصوليين، ولا سيما المتقدمين منهم، كابن قاسم، وأشهب، وسحنون. كما يُعنى بإبراز آراء فحول الأصوليين من رجال المذهب المالكي، كأبي الفرج، وأبي بكر الأبهري، وابن القصار، والقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب البغدادي، وأبي الوليد الباجي، وابن رشد (الجد) ، والمازري، والقاضي عياض، والأبياري. وبعض هؤلاء لا يُعرف له كتاب مطبوع يمكن الوقوف على آرائه فيه.   (1) انظرها فيه: ص 95 وما بعدها من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وبهذه العناية بآراء المالكيين الأصولية تنضاف للكتاب قيمة كبرى، وأهمية قصوى لمن شاء الاطلاع على أقوالهم وأصولهم، ولاسيما أن الجامع لها عَلَمٌ مدقِّق ومحقِّق، من المجتهدين فيه، الجامعين لقواعده، النافذين إلى لُبِّه، والمخرِّجين فيه، الساعين في إرساء دعائمه. وبحقٍّ لقد أسهم كتاب القرافي في تبيان أصول المالكية في الجملة، وخرَّج وفق قواعدهم بعض المسائل التي لم يُعْلم لهم نقلٌ فيها، من ذلك قوله: أ - ((والنقل في هاتين المسألتين في هذا الموضع قد نقله الأصوليون. أما بعد الشروع، وقبل الكمال فلم أَرَ فيه نقلاً، ومقتضى مذهبنا جواز النسخ في الجميع)) (1) . ب - ((قال القاضي عبد الوهاب: والأشبه بمذهب مالكٍ أنه لا يجوز مخالتفهم فيما اتفقوا فيه من الحروب والآراء، غير أني لا أحفظ عن أصحابنا فيه شيئاً)) (2) . جـ - ((فعلى مذهبنا زيادة التغريب ليست نسخاً)) (3) . د - ((إذا فعل المكلَّف فِعْلاً مختلفاً في تحريمه غير مقلِّد لأحدٍ، فهل نؤثمه بناءً على القول بالتحريم، أو لا نؤثمه بناءً على القول بالتحليل، مع أنه ليس إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر،، ولم يسألنا عن مذهبنا فنجيبه؟ ولم أرَ لأحدٍ من أصحابنا فيه نقلاً)) (4) ثم نقل جواب العز بن عبد السلام في هذه المسألة. وكان يرحمه الله يحكي الخلاف القائم بين أهل المذهب نفسه في المسائل مشيراً إلى الراجح أو المشهور وأحياناً يترك الخلاف كما هو لقوته ووجاهته (5) . كما أن الإمام القرافي كان شديد المنافخة عن مذهب الإمام مالك رحمه الله في صدِّ التشنيع والتشغيب عليه. من الأمثلة على ذلك قوله: أ - ((وبهذا يظهر بطلان التشنيع على المالكية، حيث جعلوا تلك السُّنة في الصلاة سبباً لوجوب السجود)) (6) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 66. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 185. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 105. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 449. (5) انظر على سبيل المثال: ص 252، 311 - 313، 397. (6) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 175 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ب - ((ومما شُنِّع على مالك رحمه الله مخالفته لحديث بيع الخيار مع روايته له، وهو مَهْيع متسَّع، ومسلك غير ممتنع، فلا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله، وسنة نبيّه عليه الصلاة والسلام أدلةً كثيرة لمعارضٍ راجحٍ عليها عند مخالفها. . .)) (1) . جـ - ((ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار العوائد، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع. وليس كذلك. . .)) (2) . لكنه رحمه الله لم يكن متعصباً للمذهب على حساب الحق وهو في معرض بيان المسائل الأصولية، فمثلاً يقول: أ - ((فتأمَّل ذلك، فقد غلط فيه جماعة من أكابر الفقهاء المالكية وغيرهم. . .)) (3) . ب - ((تنبيه: قال مالك والشافعي وابن حنبل: إن النهي يدل على الفساد، وقال أبو حنيفة: هو يدل على الصحَّة، فالكلُّ طردوا أصولهم إلا مالكاً)) (4) . ولم تقتصر عناية القرافي على نقل آراء علماء مذهبه بل شملت عنايته كذلك رَصْد آراء علماءٍ أفذاذٍ من فحول الأصوليين، ممن لا تعرف لهم تآليف يُعوَّل عليها: كأحمد بن حنبل، وأبي إسحاق الإسفراييني، وعيسى بن أبان، وأبي الحسن الكرخي، وأبي بكر الصيرفي، وابن سريج وغيرهم. ومن المعتزلة كأبي علي الجبائي، وابنه أبي هاشم، والنظَّام، والجاحظ، والقاضي عبد الجبار وغيرهم. خامساً: بروز شخصية القرافي الفذَّة في هذا الكتاب، وفي سائر كتبه عامةً. فلقد وُهِبَ شخصيةً فريدةً مستقلة لم تكن منساقةً وراء الأقوال دون تمحيص، ولم تَنْجرَّ خلف أحدٍ بدافع التبعيّة والتقليد، ومع كونه مالكياً إلاّ أن اختياراته ومناقشاته، وترجيحاته وتنقيحاته، ونقوده وردوده، توحي بانخلاعه عن ربقة التعصّب المذهبي، فكانت نظراته عند عرضه لمسائل الخلاف موضوعيةً حياديةً. وتلازمنا هذه الشخصية المتميزة دائماً في ثنايا الكتاب من خلال مخالفته لآراء بعض العلماء، وإصداره أحكاماً عليها، وانفراداته في بعض المسائل العلمية.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 507. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 504. (3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 212. (4) المصدر السابق ص 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ولنأخذ أمثلة سريعة تبرهن صحة الادعاء باستقلالية شخصية القرافي، وبروزها بصورة واضحة في جوانب عديدة: (1) مخالفته لبعض آراء العلماء، من ذلك: أ - مخالفته للجمهور والأكثرين: - قال: ((اختلف الفضلاء في مسمى لفظ " المضمر " حيث وجد، هل هو جزئي أو كلِّي؟ فرأيت الأكثرين على أن مسماه جزئي - ثم ساق حججهم وقال - والصحيح خلاف هذا المذهب، وعليه الأقلون، وهو الذي أجزم بصحته، وهو أن مسمّاه كلِّي. . .)) (1) . وقال: ((وأما النكرة في سياق النفي، فهي من العجائب في إطلاق العلماء من النحاة والأصوليين، يقولون: النكرة في سياق النفي تعم، وأكثر هذا الإطلاق باطل)) (2) . ب - مخالفته لجمهور المالكية إن لم يكن جميعهم، كما في مسألة التعليل بالاسم، فالقرافي لم ينقل سوى الاتفاق على عدم جواز التعليل بالاسم، بينما أكثر المالكية على جوازه مطلقاً (3) . جـ - مخالفته للقاضي عبد الوهاب في قوله باشتراط تقدُّم الوجوب في القضاء (4) . د - مخالفته لأبي إسحاق الشيرازي في بيان المراد بالقياس في اللغات (5) . هـ - مخالفته لشيخه العز بن عبد السلام في الجواب عن إشكال وهو أن القول بأن النهي لا يقتضي التكرار يلزم منه ألا يوجد عاصٍ في الدنيا ألبتة (6) . ومخالفته لعيسى بن أبان في قوله يشترط في قبول الخبر ألاّ يخالف الكتاب (7) .   (1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 34 - 35. (2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 181. (3) انظر: المسألة: ص 381 من القسم التحقيقي مع التعليق رقم (5) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 389 - 390. (5) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 169. (6) انظر: القسم التحقيقي، ص 260. (7) انظر: القسم التحقيقي، ص 178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ز - مخالفته لأهل الظاهر في قصرهم حجيّة الإجماع على الصحابة (1) . ح - مخالفته للباجي في تجويزه لنسخ المتواتر (الكتاب) بالآحاد (2) . ط - مخالفته للشافعي في قوله بعدم جواز نسخ السنة بالكتاب (3) . ي - مخالفته للإمام الرازي، وهي كثيرة نبّهت على جملةٍ منها في المبحث التاسع من هذا الفصل (4) . (2) تصريحه باختياراته وترجيحاته، من ذلك: أ - قوله: ((الصحيح أن عرض الطعام وتقديمه للضيف إذنٌ له في تناوله)) (5) . ب - قوله في مسألة التعليل بالأوصاف المقدَّرة بعد مناقشته للرازي: ((فإنكار الإمام منكر، والحق التعليل بالمقدرات)) (6) . جـ - في مسألة: هل يكتفى بالظاهر في أمر العدالة؟ قال: ((فالحق مذهب القاضي)) (7) . د - قال في مسألة تعبُّد النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل البعثة، قال: ((هذه المسألة المختار فيها أن نقول: متعبِّداً بكسر الباء على أنه اسم فاعل. . .)) (8) . هـ - قال في مسألة حصول الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الثاني، قال: ((فيه قولان مبنيان على أن إجماعهم على الخلاف يقتضي أنه الحق، فيمتنع الاتفاق. أو هو مشروط بعدم الاتفاق، وهو الصحيح)) (9) .   (1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 74. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 84. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 87. (4) انظر: القسم الدراسي ص 183، 195. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 533. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 384. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 248. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 25. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 (3) إصداره أحكاماً على بعض الأقوال التي يوردها في كتابه، ويعطيها ما تستحقه من التقدير، من مدحٍ أو قدح. ومن أمثلة ذلك: أ - لمَّا أورد كلاماً لإمام الحرمين في الإجماع عقَّب القرافي بقوله: ((فهذا تفصيلٌ حسن)) (1) . ب - ولمّا أورد كلاماً فيه تفصيل لأبي الحسين البصري، قال: ((فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول)) (2) . جـ - قال في مسألة التقليد في أصول الدين: ((والغزالي يميل إليه)) (3) . د - لمّا أورد قولاً للمصوّبة، قال: ((فهذا منع حسن أيضاً على دليل المخطِّئة)) (4) . هـ - وقال: ((والجنوح إلى مفهوم الصفة هو قول القاضي عبد الجبار، وهو مع تدقيقه قد فاته هذا الموضع)) (5) . ووقال: ((فلهذه القاعدة قال مالك: أحدُّه للمعصية، وأردُّ شهادته لفسقه، وهو أوجه في النظر من قول الشافعي، لما تقدم من الإشكال على قول الشافعي)) (6) . ز - وقال: ((وكثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون: مذهب الشافعي كذا؛ لأن الحديث صحَّ به، وهو غلط، فلابد من انتفاء المعارض)) (7) . حـ - ولمّا أورد قول الأصمّ في مسألة تصويب المجتهدين قال عنه: ((إنه في غاية العسر من جهة تصوُّره - ثم قال - فهذا المذهب مشكل)) (8) . (4) انفراداته عن سائر الأصوليين في بعض المسائل، هذه الانفرادات لا أزعم تفرّده بها عن غيره، ولا أجزم بذلك، ولكن باستقراءٍ غالب، واطلاع واسع لكتب الأصول، ظهر لي تميّز هذه الآراء وتفردها، مع ما تتَّسم به من جدَّةٍ وحداثة. فمن ذلك:   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 120. (2) انظر: القسم التحقيقي 121. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 489. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 476. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 109. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 239. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 508. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 475. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 أ - تعريفه للحكم الشرعي بأنه: ((كلام الله القديم المتعلِّق بأفعال المكلفين على وجه الاقتضاء أو التخيير أو ما يوجب ثبوت الحكم أو انتفاءه)) ثم قال: ((فيجتمع في الحدِّ " أو " ثلاث مرات، وحينئذٍ يستقيم وتجمع جميع الأحكام الشرعية، وهذا هو الذي أختاره، ولم أرَ أحداً ركَّب الحدَّ هذا التركيب)) (1) . ب - جرت عادة الأصوليين تقسيم الحكم الوضعي إلى السبب، والشرط، والمانع، والصحة، والفساد، وبعضهم يزيد الرخصة، والعزيمة. والشهاب القرافي زاد قسماً جديداً إليها، وهو: " التقادير الشرعية ": وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم، وإعطاء المعدوم حكم الموجود (2) . جـ - قرَّر القرافي قاعدة جديدة في العموم، وهي: ((العام في الأشخاص مطلق في الأزمان والأمكنة والأحوال والمتعلَّقات)) (3) . د - تقسيمه للخبر قسمةً ثلاثية، وهي: خبر متواتر، وخبر آحاد، وخبر لا متواتر ولا آحاد، وهو: خبر الواحد المنفرد إذا احتفَّتْ به القرائن حتى أفاد العلم. وقال القرافي عن هذا الثالث: ((وهذا القسم ما علمت له اسماً في الاصطلاح)) (4) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 70. لكن نبه فضيلة شيخنا الدكتور عياض السلمي إلى أن القرافي ليس أول من نصَّ على إدخال الأحكام الوضعية في تعريف الحكم، بل سبقه ابن الحاجب إلى ذلك، فقال: ((هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع)) [مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 1 / 220] ، فيصعب التوفيق ولاسيما أن ابن الحاجب شيخ القرافي ولا يُظنُّ عدم اطلاعه على كتابه. انظر كتابه: شهاب الدين القرافي حياته وآراؤه الأصولية ص 82 وما قبلها. لكن يظهر لي أن سَبْق القرافي في محلِّه، إذْ عبَّر بـ" كلام " بدلاً من " خطاب "، وزاد قيد " القديم " وقد أوضح ذلك القرافي في شرحه ص (67) من المطبوع. فهذا موطن السَّبْق والجِدَّة علاوةً على إضافة الأحكام الوضعية في التعريف لكن بصياغة وتركيبٍ يغاير ما عليه عبارة ابن الحاجب التي ربما اطّلع عليها القرافي ولم تعجبه. والله أعلم. (2) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 80. وممن نوَّه إلى أن هذه الزيادة كانت من القرافي تقي الدين الحصني (829 هـ) في كتابه: القواعد 1 / 199. (3) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 200، وقد أشار شيخنا الدكتور عياض السلمي إلى أن القرافي أسبق المتكلمين فيها، ومن عداه من المتقدمين إنما تفهم استنتاجاً لا تصريحاً. وذكر بأن الذين أتوا بعد القرافي اختلفوا وخاضوا فيها وأطالوا وانقسموا ما بين مؤيد ومعارض. انظر: شهاب الدين القرافي حياته وآراؤه الأصولية ص127 (4) انظر التعليق عليه في: هامش (6) ص 197 من القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 هـ - تقسيمه لأدلة المجتهدين إلى قسمين: أدلة مشروعية الأحكام، وأدلة وقوع الأحكام (1) . وفي الحقيقة القرافي مسبوق إلى ذلك من شيخه العز بن عبد السلام، فقد ذكر هذه القسمة في كتابه " قواعد الأحكام " (2) لكن القرافي وسَّع القول فيها، وأجلاها، وميَّز الفروق بينها حتى كأنه المبتكر لها، ولاسيما في كتابه النفيس " الفروق " (3) . وسبقه في الكتابة عن مقاصد الشريعة الإسلامية، وإن كان مسبوقاً إلى ذلك من غير المالكية (4) ، لكن لعلّ انتقال فكرة المقاصد إلى المذهب المالكي وتكريسها وترسيخها كانت قد تمَّت على يديه. ولسنا ننسى أن المصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والاستحسان من الأسس المعتمدة في أصول المالكية (5) . ز - إتيانه بفوائد جديدة، وتفصيلات حميدة في مسألة فرض العين، وفرض الكفاية مع الأمثلة، وتقريره للضوابط لكلٍّ منها، ومن الذين يتعيَّن عليهم الفرض الكفائي. وقد جمع ذلك في موطن واحدٍ قلَّما يتعرض له الأصوليون بهذا التوضيح اللطيف، والتفصيل المنيف (6) . سادساً: احتواء الكتاب على معلوماتٍ قيِّمةٍ فريدة خارج موضوع الأصول لقد حفل الكتاب بعديدٍ من المسائل والقضايا التي وردت في طياته، والشأن فيها أنها لا تمتُّ إلى موضوعات أصول الفقه بِصِلةٍ، بَيْد أنها في تمام الجودة وغاية النفاسة، ولو رُحْنا نفتِّش عنها في مظانَّ أخرى ربما لم نظفر عليها بمثل هذا الازديان والإتقان. فمن الأمثلة على ذلك:   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 491. (2) انظرها فيه: ص 451. (3) انظرها فيه في: الفرق السادس عشر 1 / 128. (4) كإمام الحرمين في البرهان 2 / 782، والغزالي في المستصفى 1 / 416، 2 / 306، والرازي في المحصول 5 / 159، 6، 162، والآمدي في الإحكام 3 / 274، 4 / 275، والعز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام في مصالح الأنام ". (5) انظر الأمثلة على تطرّق القرافي للمقاصد في القسم التحقيقي في: ص 324، 494، 503. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 456 - 458. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 (1) الوضع الاجتماعي للمرأة ما رأي القرافي في موضوع المرأة؟ وما نظرته حيالها في ظل الموروثات والتقاليد الاجتماعية؟ والجواب: نجده في الفصل السادس من باب المجمل والمبين حيث قال: ((يجب البيان لمن أُريد إفهامه، ثم المطلوب قد يكون عِلْماً فقط كالعلماء بالنسبة إلى الحيض، أو عملاً فقط كالنساء بالنسبة إلى أحكام الحيض وفقهه. . .)) (1) . ثم عقَّب في الشرح فقال: ((وقولهم: إن النساء أُردْن للعمل فقط غير مُتَّجِهٍ؛ بسبب أن النساء أيضاً مأمورات بتحصيل العلم، فكذلك مِنْ سَلَفِ هذه الأمة عائشةُ رضي الله عنها، التي قال فيها عليه الصلاة والسلام ((خذوا شطر دينكم عن هذه الحُميراء)) (2) ، وكانت من سادات الفقهاء، وكذلك جماعة من نساء التابعين وغيرهم. غاية ما في الباب أن التقصير عن رتبة العلم ظهر في النساء أكثر، وذلك لا يبعثنا على أن نقول: المطلوب منهنَّ العمل فقط، بل الواقع اليوم ذلك، أمَّا أنه حكم الله فغير ظاهر)) (3) . فالمرأة المسلمة مطالبة بالتعلُّم ورفع الجهل عن نفسها؛ لأنها مربية الأجيال. ولكن تعلمها وعملها يجب أن ينضبط وفق أحكام الشريعة، لا كما يهوى دعاة تحرير المرأة على طريقة التحلُّل والتفسُّخ. (2) الرقائق والزهد مع تصحيح المفاهيم أ - قال في فصل الحَصْر ((ومن ذلك قوله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ. . .} [الحديد: 20] ، وحصرها في اللعب مع أنها مزرعة الآخرة، وفيها تُحصَّل الولاية والصدِّيقية، وتُكتسب المراتب العليَّة، والدرجات الرفيعة، وكل خيرٍ مكتسب في الآخرة فهو في هذه الدار، وهذه خيراتٌ حِسانٌ، وفضائل علميَّة للدنيا، فكيف تُحصر في اللَّعب؟! وإنما ذلك باعتبار من آثَرَها، فإنها في حقِّه لَعِبٌ صِرْف،   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 285. (2) حديث غريب جداً بل منكر، لا يُعرف له إسناد. انظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني 1 / 374. (3) شرح تنقيح الفصول ص 286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وتلك المحاسن لا ينال هذا منها شيئاً، فهو حصر بحسب بعض الاعتبارات، وهو كثير في القرآن الكريم)) (1) . ب - قال: ((فائدة: ما ضابط الإصرار الذي يُصيِّر الصغيرة كبيرة؟ قال بعض العلماء: حدُّ ذلك أن يتكرر منه تكراراً يخلُّ بالثقة بصدقه، كما تخلُّ به ملابسة الكبيرة، فمتى وصل إلى هذه الغاية، صارت الصغيرة كبيرة، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، واختلاف الأحوال، والنظر في ذلك لأهل الاعتبار، والنظر الصحيح من الحكَّام وعلماء الأحكام الناظرين في التجريح والتعديل - ثم قال - فائدة: ما تقدَّم من أن الكبيرة تتبع عظم المفسدة، فما لا تعظم مفسدته لا يكون كبيرة، استثنى صاحب الشرع من ذلك أشياء حقيرة المفسدة، وجعلها مسْقِطةً للعدالة، موجبة للفسوق لقبح ذلك الباب في نفسه، لا لعظم المفسدة، وذلك كشهادة الزور، فإنه فسوق مطلقاً، وإن كان لم يُتلِفْ بها على المشهود عليه إلا فَلْساً واحداً، ومقتضى القاعدة أنها لا تكون كبيرة إلا إذا عظمت مفسدتها، وكذلك السرقة والغصْب لقبح هذه الأبواب في أنفسها)) (2) . (3) توضيح معاني الأحاديث المشتبهة يقع في بعض الأحاديث إشكال في التوفيق بينها، وقد وقفت على بعض المواضع المفيدة التي أجاب فيها القرافي عن هذا الاشتباه والإشكال. منها: أ - قوله: ((فائدة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) (3) فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب (4) ، فما الفرق وما الجواب؟ الجواب من وجهين، أحدهما: ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه، فقال: إن منصب الخطيب حقير قابل للزلل، فإذا نطق   (1) المصدر السابق ص 61. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 233 - 235. (3) هذا الحديث ملفَّق من حديثين. انظرهما في مبحث المآخذ على الكتاب ص 160 من القسم الدراسي. (4) حديث الخطيب ذكره المصنف قبل ذلك وهو الذي قال في خطبته: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصيهما فقد غوى. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعْصِ الله ورسوله)) رواه مسلم ( 870) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 بهذه العبارة قد يتوهَّم فيه - لنقصه - أنه إنما جمع بينهما في الضمير؛ لأنه أهمل الفصل بينهما في الضمير والفرق، فلذلك امتنع لما فيه من إيهام التسوية. ومنصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غاية الجلالة والبعد عن الوهم والتوهم، فلا يقع بسبب جمعه عليه الصلاة والسلام إيهام التسوية. وثانيهما: ذكره بعض الفضلاء، فقال: كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة واحدة، وتقدم الظاهر من الجملة الواحدة يُبْعد استعمال الظاهر في موضع الضمير، بل الضمير هو الحسن. وكلام الخطيب جملتان، إحداهما مدح، والأخرى ذم، فلذلك حَسُن منه استعمال الظواهر مكان المضمرات)) (1) . ب - قال في معرض ردّه على الذين يكتفون بالظواهر عن أحوال الناس في أمر العدالة: ((وأما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة الأغبياء الضعفاء الحزم والعزم، ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية. وكلُّ من كان يغلب عليه حسن الظن بالناس لا ينبغي أن يكون مزكِّياً ولا حاكماً لبُعْده من الحزم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((الحزم سوء الظن)) ، فمن ضيَّع سوء الظن، فقد ضيع الحزم. نعم لا ينبغي أن يبني على سوء ظنه شيئاً إلا لمستندٍ شرعي، وهو معنى قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] أي: اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريقٍ شرعي)) (2) . (4) الدراية بالواقع مع وقائع تاريخية: يمكن تصيُّد بعض المواقف في الكتاب التي تدلُّ على معايشة القرافي لواقعه وفهمه وفقهه له، مع ما في ذلك من تسجيلها في صفحات التاريخ. من ذلك درايته الدقيقة بما حواه كتاب التوراة (العهد القديم) ، مما مكَّنه من تفنيد دعواهم الباطلة بإنكار النسخ (3) . ومن الأمثلة أيضاً، قوله: ((قال: تقلَّد محاريب البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها ونصبها أو اجتمع أهل البلدة على بنائها. . .)) ثم قال في الشرح: ((قلت: هذا بشرط أن لا يشتهر الطعن فيها كمحاريب القرى   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 100 - 101. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 247 - 248. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 53 - 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وغيرها بالديار المصرية، فإن أكثرها ما زال العلماء قديماً وحديثاً ينبِّهون على فسادها، وللزين الدمياطي في ذلك كتابٌ ولغيره. وقد قصد الشيخ عز الدين بن عبد السلام تغيير محراب قبة الشافعي والمدرسة، ومصلَّى خولان، فعاجله ما منعه من ذلك، وهو قضيته مع بني الشيخ وإسقاطه معين الدين، وعَزَل نفسه عقيب ذلك. وكذلك محاريب المحلَّة مدينة الغربية، والفيوم، ومنية ابن خصيب، وهي لا تعدُّ ولا تُحصى، لا يجوز أن يقلِّدها عالم ولا عامي)) (1) . (5) واقع الرافضة وشبهاتهم نبَّه القرافي إلى بعض ألاعيبهم واحتيالهم إزاء النصوص بما يتوافق مع عقيدتهم. من ذلك: أ - قال في اشتراط معرفة النحو للمجتهد: ((وأما النحو والتصريف واللغة، فلأن الحكم يتبع الإعراب، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ما تركنا صدقةٌ)) بالرَّفْع، فرواه الرافضة بالنَّصْب، أي: لا يورث ما تركناه وقْفاً، ومفهومه: أنهم يورثون في غيره. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) رواه الشيعة ((أبا بكر وعمر)) فانعكس المعنى، أي: يا أبا بكرٍ وعمر، فيكونان مقتدِيَيْن لا مقتدىً بهما، وهو كثير)) (2) . ب - قال: ((وقال القاضي: فتح هذا الباب يحصِّل غرض الشيعة من الطعن على الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم يكفرون الصحابة، فإذا قيل لهم: إن الله تعالى وعد المؤمنين بالجنة، وهم قد آمنوا، يقولون: إن الإيمان الذي هو التصديق صدر منهم، ولكن الشرع نقل هذا اللفظ إلى الطاعات، وهم صدَّقوا وما أطاعوا في أمر الخلافة، فإذا قلنا: إن الشرع لم ينقل استدّ هذا الباب الرديء)) (3) . (6) إعلاء شأن الجهاد مع شدة الوطأة على الكفار يمكن أن نلمح في تعبيرات القرافي في كتابه هذا اهتمامه بأمر الجهاد وبِغْضَته للكفر وأهله وضرورة إجبارهم على الإسلام، من هذه المواقف:   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 453 - 455. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 466 - 467. (3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 43 - 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أ - قوله بأن آية السيف نسخت آيات الموادعة (1) . ب - قال: ((حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه. . .)) (2) . جـ - قال في معنى الإتلاف وأنه يكون لتعظيم الله تعالى: ((أو لتعظيم الله تعالى كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم، وإفساد الصُّلْبان، أو لتعظيم الكلمة كقتل البغاة. . .)) ثم قال في الشرح ((من ذلك - أعني القتال للإتلاف - قتال الظلمة؛ لدفع ظلمهم، وحسم مادة فسادهم، وتخريب ديارهم، وقطع أشجارهم، وقتل دوابهم إذا لم يمكن دفعهم إلا بذلك - ثم قال - وكذلك إتلاف ما يُعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي)) (3) . د - تكلم عن مدى ارتباط مراعاة المصلحة في مسألة تترُّس الكفار بجماعةٍ من المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا واستولوا علينا وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا الترس معهم (4) . هـ - قال: ((ومرَّ بي في بعض الكتب - لست أذكره الآن - أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة، فالجهاد خاصٌ بالمؤمنين، لم يخاطب الله تعالى بوجوب الجهاد كافراً، وهو متَّجه أن يكون وجوب الجهاد مستثنىً من الفروع لعدم حصول مصلحته من الكافر. . .)) (5) . وقال: ((إن التبليغ يقتضي المصلحة، فقد تكون في التعجيل، وقد تكون في التأخير، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لو أوحي إليه بقتل أهل مكة بعد سنة كانت المصلحة تتقاضى تأخير ذلك إلى وقته لئلا يستعدَّ العدو للقتال، ويعظم الفساد، ولذلك أنه عليه الصلاة والسلام لمَّا أراد قتالهم قطع الأخبار عنهم، وسد الطرق حتى   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 51 - 53. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 471. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 535 - 536. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 495. (5) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 دهمهم، وكان ذلك أيسر لأخذهم وقهرهم، فكذلك يجوز تأخير الإبلاغ في بعض الصور بل يجب)) (1) . ز - قال: ((نقل صاحب الطراز وغيره أن اللاحق بالمجاهدين، وقد كان سقط الفرض عنه يقع فعله فرضاً بعد ما لم يكن واجباً عليه، وطرد غيره من العلماء في سائر فروض الكفاية)) (2) . ح - قال: ((وينبِّه على اعتبار الوسائل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِح} [التوبة: 120] ، فأثابهم الله على الظمأ والنَّصَب وإن لم يكونا من فعلهم؛ لأنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين، وصون المسلمين، فالاستعداد وسيلة الوسيلة)) (3) . (7) التربية والتأديب وفي أمور تربية الأسرة وتأديبها قال: ((يلحق بالتأديب تأديب الآباء والأمهات للبنين والبنات، والسادات للعبيد والإماء، بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراطٍ، وكذلك تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلك، وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول لم يجز العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك، فالزيادة مفسدة بغير مصلحة فتحرم، حتى قال إمام الحرمين: إذا كانت العقوبة المناسبة لتلك الجناية لا تؤثر في استصلاحه عن تلك المفسدة، فلا يحلُّ أن يُزجر أصلاً، أما بالمرتبة المناسبة فلعدم الفائدة، وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له، فيحرم الجميع حتى يتأتَّى استصلاحه بما أن يُرتَّب على تلك الجناية)) (4) . سابعاً: عظيم أثر هذا الكتاب على الكتب التالية له. ويمكنني أن أقول في ثقةٍ: إنه ليس يوجد أصوليٌّ نابِهٌ لم يسمع بهذا الكتاب، أو لم يُفِدْ منه، وقلَّما تجد باحثاً معاصراً لم يجعله مصدراً من جملة مصادره الأصولية.   (1) المصدر السابق ص 285. (2) المصدر السابق ص 185. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 506. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 538 - 539. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كما أن الكتاب وكتب القرافي الأصولية عامةً تعتبر مادة غزيرة استمدَّها كبار الأصوليين من بعده في مؤلفاتهم، من هؤلاء: 1 - نجم الدين الطوفي، في كتابه " شرح مختصر الروضة " صرَّح قائلاً: ((فاعلم أن مادَّته (أي مادة كتاب شرح مختصر الروضة) ، وهي الكتب التي جمع منها هي. . .، والتنقيح وشرحه للشيخ شهاب الدين القرافي)) (1) . وقد أفاد منه في مواضع كثيرة منها: 1 / 214، 251، 440، 2 / 257، 318، 461، 502، 3 / 7، 93، 115، 212، 340، 412، 576، 623. 2 - ابن جزي الكلبي الغرناطي (2) ، في كتابه: تقريب الوصول إلى علم الأصول. وهو يكاد يكون مختصراً لكتاب القرافي " شرح التنقيح ". انظر مثلاً الصفحات: 97، 103، 107، 129، 147، 167، 175، 191، 231، 250، 257، 277، 287، 404، 418، 451. 3 - تقي الدين السبكي (3) ، وابنه تاج الدين، في: الإبهاج في شرح المنهاج. انظر: 1 / 152، 205، 372، 2 / 105، 277، 314، 381، 3 / 248. 4 - صلاح الدين العلائي الكيكلدي، في ثلاثةٍ من كتبه، " تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم "، انظر الصفحات: 100، 150، 205، 250، 273، 305، 363، 400، 423، وفي: " تحقيق المراد بأن النهي يقتضي الفساد ".   (1) انظره في: 3 / 751. (2) هو أبو القاسم محمد بن أحمد بن جُزَي الكلبي الغرناطي، إمام مالكي حافظ فقيه، ألَّف في فنون عديدة، من تآليفه: القوانين الفقهية (ط) ، المختصر البارع في قراءة نافع، أصول القرَّاء الستة غير نافع، التسهيل لعلوم التنزيل ويُسمَّى: تفسير ابن جزي (ط) ، ت 741 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 388، شجرة النور الزكية 1 / 213. (3) هو تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الشافعي كان مدققاً بارعاً في العلوم، له استنباطات لم يُسبق إليها، تولى قضاء الشام، وعدَّه السيوطي من المجتهدين. له: الإبهاج في شرح المنهاج (ط) شرحه إلى قول البيضاوي ((الواجب إن تناول كل واحد فهو فرض عين)) ، ثم أكمله ابنه تاج الدين. وله فتاوى السبكي (ط) ، قضاء الأرب في أسئلة حلب (ط) ، ت 756 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 10 / 139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 انظر الصفحات: 81، 138، 202. وفي: " تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال " انظر: ص 132، 146. 5 - تاج الدين السبكي، في كتابيه: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، انظر: 1 / 538، 2 / 45، 291، 383، 450، 3، 72، 83، 279، 376، 4 / 17. وفي: منع الموانع عن جمع الجوامع ص 147. 6 - جمال الدين الإسنوي (1) في كتابيه: نهاية السول في شرح منهاج الوصول، انظر: 1 / 98، 130، 376، 2 / 53، 93، 135، 240، 370، 496، 3 / 247، 264، 4 / 532، 626. وفي: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، انظر الصفحات: 95، 127، 201، 280، 318. 7 - يحيى الرهوني (2) ، في: تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول (رسالة دكتوراه بأم القرى) القسم 2 / 333. 8 - بدر الدين الزركشي (3) ، في ثلاثة من كتبه: البحر المحيط، انظر: 1 / 32، 2 / 351، 3 / 108، 4 / 520، 5 / 285، 6 / 433، 7 / 188، 8 / 281. وفي: تشنيف المسامع بجمع الجوامع، انظر: 1 / 336، 2 / 791، 3 / 27. وفي: سلاسل الذهب، انظر: الصفحات: 92، 119، 231، 404.   (1) هو جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي. مؤرخ ومفسِّر وفقيه وأصولي، عالم بالعربية، انتهت إليه رئاسة الشافعية، من مؤلفاته: نهاية السول (ط) ، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ط) ، زوائد الأصول (ط) ، طبقات الشافعية (ط) ، الكواكب الدرية في تنزيل الفروع الفقهية على القواعد النحوية (ط) . ت 772 هـ. انظر: حسن المحاضرة 1 / 429، شذرات الذهب 6 / 224. (2) هو يحيى بن موسى الرهوني المالكي، كان فقيهاً إماماً في أصول الفقه، أديباً، انفرد بتحقيق مختصر ابن الحاجب الأصولي، وله عليه شرح حسن مفيد، وكان إماماً في المنطق والكلام. ت 774 هـ أو 775 هـ. الديباج المذهب ص 436. (3) هو بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المعدي، فقيه شافعي، أصولي، أخذ عن الإسنوي، درَّس وأفتى، وله تصانيف كثيرة واسعة منها: البحر المحيط في أصول الفقه (ط) ، تشنيف المسامع بجمع الجوامع (ط) ، البرهان في علوم القرآن (ط) ، الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (ط) وغيرها. ت 794 هـ. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر 3 / 397، شذرات الذهب 6 / 335. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 9 - ابن اللَّحام البعلي (1) ، في كتابيه: المختصر في أصول الفقه، انظر الصفحات: 97، 106، 167. والقواعد والفوائد الأصولية، انظر: الصفحات: 104، 120، 122، 166، 232. 10 - ابن أمير الحاج (2) في: التقرير والتحبير، انظر: 1 / 121، 2 / 412، 3 / 62. 11 - أبو بكر الجراعي (3) ، في: شرح مختصر أصول الفقه (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية) القسم: 1 / 129. 12 - علاء الدين المرداوي الحنبلي (4) ، في التحبير شرح التحرير (رسالة دكتوراه بجامعة الإمام) القسم: 2 / 194، 601، 664، 990، والقسم: 3 / 240، 264، 552، 666، 757. 13 - حلولو المالكي، في: الضياء اللامع شرح جمع الجوامع، انظر: 1 / 141، 187، 221، 283، 317، 333.   (1) هو علاء الدين أبو الحسين علي بن محمد بن علي بن عباس البعلي الحنبلي، المعروف بابن اللَّحام، صار شيخ الحنابلة في الشام مع ابن مفلح، يحرر المذاهب من كتبهم، من مصنفاته: المختصر في أصول الفقه (ط) ، القواعد والفوائد الأصولية (ط) ، الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ط) ، ت 803 هـ. انظر: الضوء اللامع 5 / 320، شذرات الذهب 7 / 31. (2) هو محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان الحلبي الحنفي، يعرف بابن أمير الحاج، وبابن الموقت، لازم ابن الهمام في الفقه والأصلين تصدَّى للإقراء والافتاء، من تصانيفه: التقرير والتحبير في شرح التحرير لابن الهمام (ط) ، بغية المهتدي في شرح منية المصلي، ذخيرة القصر في تفسير سورة العصر. ت 879 هـ. انظر: الضوء اللامع 9 / 210، شذرات الذهب 7 / 328. (3) هو تقي الدين أبو بكر بن زيد بن أبي بكر الحسني الجراعي الدمشقي الحنبلي، فقيه، تصدى للتدريس والإفتاء بل ناب في القضاء، من تصانيفه: شرح مختصر أصول الفقه (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية، وأم القرى) ، حلية الطراز في حلِّ الألغاز (ط) ، غاية المطلب في معرفة المذهب، ت 883 هـ. انظر: الضوء اللامع 11 / 32، شذرات الذهب 7 / 337. (4) هو علاء الدين علي بن سليمان بن أحمد الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف بالمرداوي، تصدَّى للإقراء والإفتاء، من كتبه: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (ط) ، تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول، ثم شرح في: التحبير في شرح التحرير (رسائل دكتوراه بجامعة الإمام) . ت 885 هـ. انظر: الضوء اللامع 5 / 225، شذرات الذهب 7 / 340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 14 - ابن زكري التلمساني المالكي (1) ، في: غاية المرام في شرح مقدمة الإمام (شرح ورقات إمام الحرمين، رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية) ، انظر الصفحات: 27، 51، 62، 121، 139. 15 - خالد بن عبد الله الأزهري (2) ، في: الثمار اليوانع على أصول جمع الجوامع (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى) القسم: 1 / 327، 345، 367، 503، 557، 578. 16 - زكريا الأنصاري (3) ، في غاية الوصول شرح لب الأصول، انظر: ص 19، 45. 17 - ابن النجار الفتوحي (4) ، في: شرح الكوكب المنير، انظر: 1 / 95، 344، 2 / 284، 389، 3 / 17، 293، 337، 4 / 91، 535. 18 - أمير باد شاه (5) ، في: تيسير التحرير، انظر: 3 / 44، 4 / 197، 255.   (1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني، فقيه أصولي، مشارك في التفسير والمنطق والكلام، وله فتاوى كثيرة منقولة في المعيار المعرب للونشريسي. من مؤلفاته: بغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب، منظومة في علم الكلام، غاية المرام في شرح مقدمة الإمام (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية) ت 899 هـ. انظر: نيل الابتهاج ص 84، معجم الأصوليين 1 / 213. (2) هو زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجي الأزهري المصري الشافعي، برع في العربية، وشارك في غيرها. من مؤلفاته: شرح التصريح على التوضيح (ط) ، المقدمة الأزهرية في علم العربية، الألغاز النحوية، الثمار اليوانع على أصول جمع الجوامع (رسالة جامعية بأم القرى) . ت 905 هـ. انظر: الضوء اللامع 3 / 171، معجم المؤلفين 1 / 668. (3) هو زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، لقب بشيخ الإسلام، عالم مشارك في شتى العلوم، الفقه والأصول والتفسير والعربية والمنطق وغيرها. له مؤلفات كثيرة منها: أسنى المطالب في شرح روض الطالب (ط) ، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس بالقرآن (ط) ، فتح الرحمن على متن لقطة العجلان (ط) ، غاية الوصول شرح لب الأصول (ط) ، وغيرها، ت 926 هـ. انظر: شذرات الذهب 8 / 134، معجم الأصوليين 2 / 107. (4) هو تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المصري الحنبلي، الشهير بابن النجار، انتهت إليه رئاسة المذهب. له: منتهى الإرادات، الذي شرحه البهوتي (ط) ، شرح الكوكب المنير (ط) . ت 972 هـ. انظر: السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد 2 / 854. (5) هو محمد أمين بن محمود البخاري، المعروف بأمير بادشاه، فقيه حنفي محقق، له تصانيف منها: تيسير التحرير في شرح التحرير لابن الهمام (ط) ، تفسير سورة الفتح، فصل الخطاب في التصوف. ت نحو 972 هـ، وقيل: حوالي 987 هـ. انظر: الأعلام 6 / 41، معجم المؤلفين في 3 / 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 19 - محمد بن أبي بكر الأشخر الزبيدي (1) ، في: شرح ذريعة الوصول إلى اقتباس زبدة الأصول (رسالة ماجستير بأم القرى) . انظر: ص 241. 20 - ابن قاسم العبادي (2) ، في كتابيه: الشرح الكبير على الورقات انظر: 1 / 244، 419، 2 / 151، 187، 531، 541. وفي: الآيات البينات 3 / 178 وغيرها. 21 - محمد التمرتاشي الغزي الحنفي (3) ، في كتابه: الوصول إلى قواعد الأصول. انظر ص 110، 220. 22 - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (4) ، في: إجابة السائل شرح بغية الآمل. انظر: ص 298. 23 - سيدي عبد الله العلوي الشنقيطي (5) ، في: نشر البنود على مراقي السعود، انظر: 1 / 22، 28، 98، 128، 2 / 54، 81، 100، 140.   (1) جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشْخَر الزبيدي اليمني الشافعي، فقيه أصولي نحوي نسابة ناظم، من تآليفه: شرح شذور الذهب، شرح ذريعة الوصول (رسالة ماجستير بأم القرى) ، ت 991 هـ. انظر: البدر الطالع للشوكاني 2 / 146، 3 / 164. (2) هو شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي القاهري الشافعي، عالم فقيه مدقق محقق، من تآليفه: الشرح الكبير على الورقات (ط) ، الآيات البينات على شرح جمع الجوامع (ط) حاشية على شرح المنهج (ط) . ت 994 هـ. انظر: شذرات الذهب 8 / 433، معجم المؤلفين 1 / 230. (3) هو شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد، الخطيب العمري التمرتاشي الغزي الحنفي، شيخ الحنفية في عصره، من تآليفه: تنوير الأبصار، معنى الحكام على الأحكام، الوصول إلى قواعد الأصول (ط) . ت 1004 هـ. انظر: الأعلام 6 / 239. (4) هو محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني، المعروف بالأمير الصنعاني، محدِّث فقيه أصولي، مجتهد من أئمة اليمن، رحل إلى الحرمين ثم عاد إلى صنعاء. له كتب كثيرة منها: سبل السلام (ط) ، تطهير الاعتقاد (ط) ، توضيح الأفكار (ط) ، إجابة السائل (ط) وغيرها. ت 1182 هـ. انظر: البدر الطالع 2 / 133، معجم المؤلفين 3 / 132. (5) هو عبد الله بن إبراهيم بن عطاء الله العلوي الشنقيطي. عالم أديب، من مؤلفاته: نشر البنود على مراقي السعود (ط) ، روضة النسرين في الصلاة والسلام على سيد المرسلين. ت في حدود 1230 هـ. انظر: معجم المؤلفين 2 / 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 24 - محمد بن علي الشوكاني (1) ، في: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، انظر: 1 / 174، 574، 2 / 57، 83، 265، 351. 25 - محمد الأمين الجكني المعروف بالمرابط (2) ، في: مراقي السعود إلى مراقي السعود. انظر الصفحات: 63، 124، 183، 328، 402. 26 - محمد بن يحيى الولاتي (3) ، في: نيل السول على مرتقى الوصول، انظر الصفحات: 35، 56، 138، 200. 27 - محمد الأمين الشنقيطي (4) ، في: نثر الورود على مراقي السعود. انظر: 1 / 37، 197، 236، 2 / 443، 500، 599. وهناك كتب كثيرة ليست في علم الأصول لكنها قد أفادت من كتاب الشهاب القرافي، والمقام يضيق عن تعدادها.   (1) هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الصنعاني، المعروف بالشوكاني، من الأئمة المجتهدين المحققين، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة، منها: فتح القدير في التفسير (ط) ، نيل الأوطار (ط) ، السيل الجرار (ط) ، القول المفيد في حكم التقليد (ط) در السحابة في مناقب الصحابة (ط) ، إرشاد الفحول (ط) وغيرها ت 1250 هـ. انظر: أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي 3 / 201، الإمام الشوكاني ومنهجه في أصول الفقه لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 15 وما بعدها. (2) هو محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني الإبراهيمي المعروف بالمرابط؛ لشدة مرابطته لتعلُّم العلم وتعليمه، من علماء الشناقطة الأفذاذ، له رسائل فقهية عديدة، ومن تآليفه: النصيحة في الفقه، مراقي السعود إلى مراقي السعود (ط) ، المنهج إلى المنهج في قواعد مذهب الإمام مالك، وغيرها ت 1325 هـ أو 1326 هـ. انظر ترجمته في مقدمة كتابة: مراقي السعود بتحقيق د. محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي. (3) هو محمد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله الشنقيطي الولاتي، من فقهاء المالكية، كان قاضي قضاة الحوض بصحراء الغرب الكبرى، تردد على تونس. له مؤلفات كثيرة منها: فتح الودود على مراقي السعود (ط) ، نيل السول (ط) ، إيصال السالك في أصول الإمام مالك، وغيرها. ت 1330 هـ. انظر: الأعلام 7 / 142. (4) هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، مفسِّر أصولي نحرير، درَّس بالحرم النبوي، وفي الرياض، وفي الجامعة الإسلامية بالمدينة، وتوفي بمكة عام 1393 هـ، له كتب مفيدة جداً على رأسها: أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (ط) ، نثر الورود على مراقي السعود (ط) ، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر (ط) ، آداب البحث والمناظرة (ط) . انظر: الأعلام 6 / 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وختاماً لهذا المبحث أسرد وجوهاً أخرى لمحاسن الكتاب ومزاياه، التي من شأنها أن ترفع مكانته، وتعلي منزلته إلى مصافِّ الكتب المتميزة، فمن ذلك: (1) حسن التنظيم والتقسيم، وجودة الترتيب والتبويب. هذه السمة البارزة أتت على أغلب موضوعات الكتاب إلاّ ما سبق التنبيه عليه في المبحث الرابع من هذا الفصل (1) . (2) مما يزيد من جلالة قدر الكتاب، ويفضي حسناً إلى محاسنه قوة المادة العلمية التي حواها الكتاب، مع متانة الأسلوب، ورصانة التعبير، وتأييد أقواله بالحجج القواطع، والبينات النواصع، والأدلة اللوامع، والبراهين السواطع. (3) كشفه عن المدلولات اللغوية للمصطلحات الأصولية، وشغفه بالتدقيق وراء الألفاظ والعبارات مع إنعامه النظر فيها، كما في لفظ: الإجماع (2) ، والقياس (3) ، ولفظ " متعبّد " أهو اسم فاعل أم اسم مفعول (4) ؟ وأحياناً ينبه على أخطاء وأوهام قد يقع فيها كثير من الكاتبين. مثل تنبيهه على لفظ " المحسوسات "، وأن الصواب هو لفظ " المُحسَّات " (5) . وكذلك ما نقله عن بعض اللغويين بأن من لحن العوام قولهم: تواترت كتُبك عليَّ، مرادهم: تواصلت (6) . (4) اهتمامه الدقيق بإيجاد الفروق بين المسائل التي قد يقع بينها اشتباه، ولا غَرْو في ذلك فهو صاحب كتاب " الفروق " الذي لم يؤلَّف له نظير يضاهيه ويضارعه (7) . (5) حرصه على تنبيه طلبة العلم إلى ما قد يغلطون فيه تحاشياً للوقوع فيه، فمن ذلك: أ - قال: ((وكثيراً ما يغلط طلبة العلم في إيراد العكس، فيوردونه كما يوردون النقض، وهو غلط كما بيّنتُ لك، فقد ظهر الفرق بين النقض، والعكس، وعدم التأثير، فتأمل ذلك)) (8) .   (1) انظر: القسم الدراسي ص 89 (2) انظر: القسم التحقيقي ص 123. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 303. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 25. (5) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 64. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 196. (7) سبق التمثيل على ذلك في مبحث منهج المؤلف، انظر: ص 119 (8) انظر: القسم التحقيقي ص 355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ب - قال: ((وكثير من الفقهاء غلط في تصويرها حتى خرَّج عليها ما ليس من فروعها)) (1) . جـ - قال: ((فتأمل ذلك، فقد غلط فيه جماعة من أكابر الفقهاء المالكية وغيرهم ... )) (2) . د - قال: ((وقولي: على تقدير ورود الأمر، قصدتُ به التنبيه على أن قول النحاة " لوجود غيره " ليس هو كما يفهمه أكثر الناس. . .)) (3) . (6) بحسِّه الأصولي الدقيق كان يتلمَّس الاستشكالات البعيدة، التي قد تنقدح في ذهن القارئ. فقد تعرّض لمباحث شائكة، ومسائل معضلة. والشهاب القرافي مولع بإيرادها، شغوف بكشف غوامضها على طريقته التعليمية الفذة بالأدلة الناطقة والنَّصَفَة الفائقة، فأحسن وأجاد، وأتقن وأفاد (4) . ( 7) توخِّيه الصدق والأمانة، في جميع ما ينقله عن غيره، وبُعْده عن تشويه النص أو التبديل فيه، وقد علّل القرافي إهمال ذكر قائل القول بأنه مؤلمٌ في التصانيف (5) . وبيَّن لذلك فائدتين (6) : الأول: الاعتراف بالفضل لأهله. والثانية: التمكن من تصحيح العبارات التي قد يقع فيها تحريف أو تصحيف، وذلك بعرضها على أصولها المنقولة عنها. وخيراً فعل، فقد ساعدت هذه الطريقة على تصحيح نقولاته التي وهم فيها، أو أخطأ النسّاخ في استنساخها. بل لقد أربى على الغاية في توثيق الآراء عندما يخالجه الشك فيها، أو يبعثه باعثٌ إلى ذلك، من الأمثلة على ذلك: أ - عندما نقل عن إمام الحرمين مذهب الحنابلة بجواز التقليد في أصول الدين، قال: ((مع أني سألت الحنابلة فقالوا: مشهور مذهبنا منع التقليد)) (7) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 159. (2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 212. (3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 109. (4) سبق الكلام عن هذه الإشكالات في مبحث: منهج المؤلف ص 119 (5) انظر: الذخيرة 1 / 38. (6) انظر: نفائس الأصول 1 / 96. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 489. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ب - وفي مسألة إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح، أيهما يقدَّم؟ نقل فيها خلاف أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم قال: ((هذه المسألة مرجعها إلى الحنفية، وقد سألتهم عنها، ورأيتها مسطورة في كتبهم على ما أصف لك، قالوا. . . إلخ)) (1) . جـ - اعترض على الفخر الرازي في نقله مذهب الباقلاني، وقال: ((بل المنقول في كتاب القاضي أنه قال ... إلخ)) (2) . د - ولمّا استشكل لفظاً أورده الرازي في محصوله أهو " البحث " أم " البخت "، وما مراده به؟ عاد إلى جميع مختصرات المحصول، وطالع كتباً كثيرة حتى وجد هذه اللفظة مضبوطة محررة (3) . ( 8) تصحيح القرافي لأوهام نفسه وأغلاط ذاته، هذه الأخطاء كانت قد وقع فيها عند تأليف المتن " تنقيح الفصول " أول الأمر. فأصبحنا نرى تراجعاً من المصنف في كتابه هذا. ومع ما في هذا التصرف من شجاعةٍ أدبية، وتواضعٍ جمٍّ كريم، فهو مما يزيد من قدر الكتاب وتقديره (4) . (9) وشّى كتابه بفوائد مهمة، وحلاَّه بزوائد جمَّة، ووشَّحه بنكت جميلة، ودبَّجه بقواعد جليلة. هذه الأمور وإن جاء بعضها على سبيل الاستطراد إلاّ أنها أضفت إلى الكتاب حُسناً وبهاءً، وكسرتْ من حِدَّة هذا العلم ولأوائه، وكان يضع بعضها تحت عنوانات صغيرة. وإليك إحصاءً تقريبيّاً لكل ما عنون له القرافي في كتابه بعنوانات صغيرة، كقوله: فائدة، قاعدة، فرع، تنبيه، مسألة، سؤال. . . إلخ. العنوان ... فائدة ... سؤال ... فرع ... تنبيه ... قاعدة ... مسألة ... تفريع ... المجموع الكلي عدد التكرار ... 54 ... 114   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 118 - 119. (2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 149. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 172 - 174. (4) انظر الأمثلة على ذلك ص 180-183 من القسم الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 المبحث الثامن المآخذ على الكتاب غلب على طبع البشر وقوع الخطأ والسهو منهم، وكلما سنحت فرصةٌ لمراجعة ما سوَّده المؤلف، فإنه قطعاً سيكمل ما نقص، ويصلح ما فسد، ويرأب ما انصدع، ويُحسِّن ما استقبح من مقولاته، ويدقِّق النظر في نقولاته، إلى غير ذلك من ضرورة المراجعات، واستيفاء الإصلاحات. ولقد عشتُ مع هذا الكتاب رَدْحاً من الزمن أقلِّبُ صفحاته، وأتفحَّصُ كلماته، وأتأمَّل عبارته، وأتفهَّم مقاصده، وأدرس فروعه وقواعده، فبان لي - إن جاز لي أن ألاحظ على هذا العلاَّمة الذي بلغ الذروة في الإجادة والإفادة، وحسن التأليف، وروعة التصنيف - أقول بان لي: أن فيه عباراتٍ غيرَ محرَّرة، ومسائلَ مكررة، ونقولاتٍ غير مدقَّقة، وآراءٍ غير موثقة، وأساليبَ غير منقَّحة، وأخطاءً غير مصحَّحة وأعْلن باديء ذي بَدْءٍ بأن هذه التعقُّبات والمؤاخذات، لا تحطُّ من قَدْر عمل المؤلف لضآلتها بجانب بحر حسناته الغزيرة، ولورودها مورد التوهُّم والذهول، والسهو والخطأ، التي ما فتئت تلازم البشر، وحَسْبه أن صوابه أكثر من خطئه، وأن المؤاخذات يسيرة مقارنة بمواطن الإبداع والإحسان والإجادة. والإنسان محلُّ النسيان، والقلم ليس بمعصوم من الطغيان، وبالله التوفيق وعليه التكلان. وقد أجْملت المآخذ في النقاط التالية: أولاً: الآيات القرآنية. (1) درج المصنف- ولعلَّه من النسّاخ -على كتابة الآية {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مجرَّدة من الفاء، ولقد أطبقت النسخ الخطية على كتابتها: اقتلوا المشركين (1) . وهذا التجاوز يتساهل فيه كثير من الأصوليين، وما ينبغي لهم ذلك.   (1) هذا فيما يخص الموضع المذكور في ص 416 من القسم التحقيقي. وهكذا جاءت أيضاً في مواضع أخرى. انظر: الصفحات: 37، 178، 199، 207 من (المطبوع) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 (2) أورد ما ليس بقرآن على أنه قرآن عندما أراد التمثيل بـ" أو " التخييرية، فقال: ((و" أو " و" إما " للتخيير، نحو قوله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة أو إطعام ستين مسكيناً)) (1) . (3) مما يسجل على المصنف أنه لم يضطرد قراءة واحدة في ثلاثة مواضع من كتابه، بل انتقل من قراءة إلى أخرى، والأعم الأغلب اتخاذه قراءة واحدة. ففي موضع قرأ قوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ} [الأنفال: 66] بالتاء في " تكن " وهي قراءة سبعية (2) ، هذا باستثناء النسخة " ن " ففيها " يكن ". وكذلك أطبقت النسخ الخطية على إثبات القراءة بقوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ} [الحجرات: 6] وهي أيضاً قراءة سبعية (3) . وربما كان دافعه إلى ذلك ما يستدعيه مقام الاستدلال. أما الموضع الأول فلعله تصرُّفٌ من النسَّاخ (4) . ثانياً: الأحاديث والآثار لم يُعْنَ المؤلف - عفا الله عنه - بتخريج الأحاديث بتاتاً، ولا ببيان درجتها، وفي الأعم الأغلب يرويها بالمعنى دون ألفاظها، ويبدو أن القرافي - فيما يظهر لي - بضاعته في الحديث مزجاة، وليس من أهل هذه الصنعة. وإليك أمثلةً تثبت ذلك. (1) إيراده في استشهاداته أحاديث ضعيفة أو ضعيفة جداً أو لا أصل لها، مثل: - حديث: ((أمرت أن أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر)) . لا أصل له، وكثيراً ما يلهج به الأصوليون وربما كان من كلام الإمام الشافعي رحمه الله (5) . - حديث: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) . جلُّ المحققين والنقَّاد من أهل الحديث على تضعيفه أو تكذيبه (6) .   (1) هكذا جاء نص المؤلف في جميع المخطوطات ما عدا نسخة " ش " أثبت ناسخها مكانها آية (89) من سورة المائدة، والنسخة المطبوعة أثبت فيها آية (95) من المائدة. وقد نبه الشوشاوي على أن ذلك وقع سهواً وغفلة من المصنف. انظر: رفع النقاب القسم 1 / 842. (2) انظر: القسم التحقيقي ص (51) مع التعليق (4) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص (241) مع التعليق (9) . (4) انظر الموضع الثالث: ص443 هامش (8) من القسم التحقيقي. (5) انظر الحديث وتخريجه ص 144 هامش (10) من القسم التحقيقي. (6) انظره في: ص 139 هامش (2) من القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 - حديث: ((الحزم سوء الظن)) . لا يصح مرفوعاً، ولا موقوفاً، وإنما صحَّ مقطوعاً (1) . - حديث: ((عليكم بالسواد الأعظم)) . ضعيف (2) . - حديث: ((إذا رُوي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه)) . هذا الحديث وضعته الزنادقة، وقد عرضناه على كتاب الله فخالفه، فهو مردودٌ بحمد الله (3) . - حديث: ((تعمل هذه الأمة برهةً بالكتاب، وبرهةً بالسنة، وبرهةً بالقياس، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا)) . وهو حديث ضعيف، لا تقوم به حجة (4) . (2) قلة العناية بألفاظ الأحاديث، مع أن تقييدها بألفاظها أمر لا يُعْجز من أراده فمثلاً: - روى حديث عائشة - رضي الله عنها - في نسخ عشر رضعات بالمعنى، وهو في صحيح مسلم (5) . - حديث: ((لا تقتلوا الصبيان)) . لم أجده بهذا اللفظ على كثرة ما وقفت عليه (6) . - حديث: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) . ليس هكذا في دواوين السنة بل فيها لفظ ((ضلالة)) (7) . - حديث: ((أرأيتَ لو تمضمضتَ بماء ثم مجَجْته، أكنتَ شاربه؟!)) لم أجده بهذا اللفظ فيما وقفت عليه (8) .   (1) انظر الكلام عليه في: ص 247 هامش (7) من القسم التحقيقي. (2) انظره في: ص 163 هامش (11) من القسم التحقيقي. (3) انظر الحديث والتعليق عليه ص 262 هامش (2) من القسم التحقيقي. (4) انظر: ص 309 وهامش (2) من القسم التحقيقي. (5) انظر: ص 75 هامش (10) من القسم التحقيقي. (6) انظر: ص 416، هامش (2) من القسم التحقيقي. (7) انظر: ص 95 هامش (2) من القسم التحقيقي. (8) انظر: ص 308 هامش (2) من القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 - حديث: ((لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) . لم أجده بهذا اللفظ، وإنما بلفظ ((مثل أحُدٍ ذهباً)) (1) . (3) وقوع التلفيق بين بعض الأحاديث، ولعلها كُتبتْ من ذاكرة المؤلف ومحفوظاته من غير مراجعة أو تدقيق. من ذلك: - أورد حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) (2) وهو مُلفَّق من حديثين كليهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: الأول: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) [البخاري برقم (15) ] . والثاني: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. . .)) [البخاري برقم (16) ] . - أورد حديث الرجل الذي وَقَصتْه دابته في أخاقيق جرذان، ووصفه بأنه كان مُحْرماً، والواقع أنهما حديثان مختلفان، ووقعتان متغايرتان، وإن اشترك كلاهما في وَقْص الدابة لكل منهما (3) . (4) تبديل ألفاظ الحديث بألفاظ أخرى، مع ما يترتب على ذلك من استدلال بالحديث المُغيَّر. مثال ذلك: - حديث: ((الرضاع لحمة كلحمة النسب)) . لا يوجد بهذا اللفظ في دواوين السنة بحسب الإطلاع، وقد فرَّع عليه معنى استنبطه منه، وإنما هو ((الولاء لحمة كلحمة النسب)) (4) . - حديث: ((نضَّر الله امْرءاً سمع مقالتي فأدَّاها كما سمعها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من ليس بفقيه)) . لم تَرِدْ رواية في جميع ما وقفت عليه بلفظ: ((ورُبَّ حامل فقه إلى من ليس بفقيه)) ، بل كل الذي وجدته ((فرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه)) . والمصنف استدل بما ذكره من حديث على اشتراط   (1) انظر: ص 159 هامش (8) من القسم التحقيقي. (2) انظره في: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 100. (3) انظر: التعليق (11) ص 297 من القسم التحقيقي. (4) انظر: ص 370، هامش (1) من القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الفقه في رواية الحديث، وجماهير العلماء على عدم اشتراط الفقه في الراوي ويستدلون لهذا بالحديث نفسه، لكنْ بألفاظه المعهودة المحفوظة (1) . (5) مما يدل على خِفَّة ذات يده في الحديث، وَهْمه في نسبة بعض الأحاديث والآثار لغير أصحابها فمن ذلك: - أسند لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً بينما هو من كلام غيره، وهو: ((نعم العبد صهيب، لو لم يَخَف الله لم يعصه)) (2) . - نسبته أثراً لابن عباس رضي الله عنهما: ((كنا نأخذ بالأحاديث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) . وإنما هو مدرج من كلام ابن شهاب الزهري بلفظ: ((وإنما يؤخذ من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الآخر فالآخر)) وهي رواية البخاري. أو بلفظ: ((وكان صحابة رسول الله يتبعون الأحدث. . .)) (3) وهي رواية مسلم. - زعم أن البخاري وغيره رَوَوْا لعَمْرو بن عُبيد مع أنه لم يقبله أحد، بل جرَّحوه لكونه رأساً في البدعة ومن الدعاة إليها (4) . ثالثاً: دعاوى الإجماع والاتفاق جازف القرافي عليه الرحمة والمغفرة على ادعاء الإجماع في بعض المسائل، وحكى الاتفاق عليها سواء في مسائل العقائد أو الأصول أو الفروع، ولو أنه قال: لا أعلم فيها خلافاً لكان أولى، فما يدريه لعلهم اختلفوا ولم يطلع على اختلافهم. ومن الأمثلة على ذلك: (1) في العقائد. أ - قال: ((فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعاً، ولذلك انعقد الإجماع على أن أمواتهم في النار يعذبون على كفرهم)) . مع أن بعض أهل العلم جعلهم من أهل الفترة (5) .   (1) انظر: ص 259، هامش (3) من القسم التحقيقي. (2) ذكره في: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 108، وانظر: كشف الخفاء، والإلباس للعجلوني 2 / 323. (3) انظر: ص 423، هامش (3) من القسم التحقيقي. (4) انظر: ص 225، هامش (4) من القسم التحقيقي. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 29، هامش (8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ب - حكى الاتفاق على تخطئة الاجتهاد في مسائل أصول الدين. لكن دعوى الاتفاق محل نظر، فإن طائفة من العلماء ترى عدم تأثيم أو تكفير المجتهد المخطيء في المسائل العلمية (1) . جـ - قال: ((ولذلك لم يعذر الله بالجهل في أصول الدين إجماعاً)) ودعوى الإجماع منقوضة بما ذكره بنفسه في كتابه الفروق (2 / 149 - 151) (2) . ( 2) وفي الأصول. أ - قال في الفصل الثالث من باب النسخ (المتن) : ((يجوز عندنا نسخ الكتاب بالكتاب وعند الأكثرين، والسنة المتواترة بمثلها، والآحاد بمثلها وبالكتاب والسنة المتواترة إجماعاً)) (3) . أما مسألة نسخ الآحاد بالآحاد، والآحاد بالمتواتر فالإجماع فيهما مسلَّم، وأما مسألة نسخ الآحاد بالكتاب فالمصنف نفسه قرَّر فيها خلاف الشافعي وبعض أصحابه، فليست مسألة إجماعية (4) . ب - تابع القرافي الإمام الرازي والآمدي في حكايتهما الاتفاق على جواز النسخ بالفحوى. لكن قال ابن السبكي عن ادعاء هذا الاتفاق بأنه ليس بجيد، وتعجب منه الزركشي (5) . جـ - حكى الاتفاق على عدم جواز التعليل بالاسم، وحكاية الاتفاق منقوضة بمذهب أكثر المالكية وغيرهم (6) . (3) في الفروع واللغة. أ - قال: ((وإن المسكرات حرام في جميع الملل، وإن وقع الخلاف في اليسير الذي لا يسكر، ففي الإسلام هو حرام، وفي الشرائع المتقدمة حلال. أما القدر المسكر فحرام إجماعاً من الملل)) . لكن من العلماء من نازع في ادعاء تحريم المسكرات في الملل السابقة (7) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 468 هامش (5) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 472 هامش (3) . (3) انظر: متن المؤلف فقط ص 82 - 83 من القسم التحقيقي. (4) انظر: هامش (5) ص 83. وانظر: ص 87 من القسم التحقيقي. (5) انظر المسألة في: القسم التحقيقي ص 98، هامش (2) . (6) انظر: القسم التحقيقي ص 381 هامش (5) . (7) انظر: القسم التحقيقي ص 328، هامش (4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ب - نقل الإجماع على ثبوت المجاز. ومعلوم أن في ثبوت المجاز خلافاً عريضاً قديماً وحديثاً (1) . رابعاً: النقول ونسبة الآراء وقع من المصنف جملةٌ من المؤخذات تتعلق بنسبة الأقوال والآراء إلى أصحابها، وتتعلق بالنقولات والتصرف فيها، أو يكون النقل على خلاف واقع المنقول عنه ونحو ذلك، وكل ذلك مردُّه إلى السهو والوهم الملازم لطبيعة البشر. ومن الأمثلة على ذلك: (1) خطأ في النقل والعزو. أ - نقل بأن مذهب أبي إسحاق في مسألة انعقاد الإجماع في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - جواز انعقاده. وصواب النقل عنه: أنه لا تنعقد، وهكذا فعل مع مذهب ابن برهان (2) . ب - نقل كلاماً للشيرازي وعزاه إلى " اللمع " (3) والصواب: " شرح اللمع " والمؤلف لم يُبْعد النُّجْعة، فاللمع وشرحه كلاهما لأبي إسحاق، وربما أراد الاختصار في الاسم. (2) خطأ في نسبة الآراء إلى أصحابهما ومذاهبها. من ذلك: أ - نسب للشافعية القول بأن جواز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية والاستئذان لاحتفاف القرائن بها، بينما الصحيح عندهم عدم اشتراط احتفاف القرائن (4) . ب - لم يُصِبْ في نسبة جواز القياس في الرخص للشافعي، فما في رسالة الشافعي على خلاف هذه النسبة (5) . جـ - أخطأ في حكاية خلاف أبي حنيفة مع الجمهور في مسألة شهادة الذمي على المسلم في الوصية في السفر (6) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 390 هامش (10) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 96 هامش (7) ، ص 97 هامش (2) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 64 هامش (4) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 452 هامش (12) . (5) انظر: القسم التحقيقي ص 397 هامش (4) . (6) انظر: هامش (2) ص 225 من القسم التحقيقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 د - وهم المصنف في حكاية رأي القاضي عبد الجبار في مسألة حكم الزيادة غير المستقلة على النص أهي نسخ أم لا؟ (1) (3) التساهل في النقل. تختلف طرائق العلماء في الاقتباس من الكتب والنقل منها. فمنهم من يحافظ على ما ينقله بنصِّه وفصِّه، ومنهم من ينقل بالمعنى والفحوى، ولا تَثْريب على كلا المسلكين، بَيْدَ أن المعاتبة والملامة تتجه نحو من ينقل من الكتب فيحيل المعنى أو يُغْمضه أو يُبْهمه أو يُشْكله. وقد وقع القرافي رحمه الله في شيء من ذلك بحسب ما ظهر لفهمي القاصر، فمن ذلك: أ - أورد نقلاً عن الرازي في محصوله (3 / 266) لكن فيه تصرُّف ليس كما هو (2) . ب - نقل عبارةً عن الإمام الرازي ثم أردفها بجُمَلٍ وعباراتٍ أخرى ليست عنده، وعقَّب عليها بقوله: ((قاله الإمام)) وليس للإمام منها سوى الأولى (3) . جـ - ساق حجة أبي علي الجبائي في الإجماع السكوتي على غير طريقته (4) ، وهكذا فعل في سياق حجة أبي هاشم (5) . د - نقل عن ابن القصار بأن ابن القاسم لا يقبل قول القاسم. وهذا النقل فيه تسمُّح فإن ابن القصار ذكر رواية ابن القاسم عن مالك بعدم قبول قول القاسم (6) . هـ - قال بأن الآمدي رجَّح الحظر على الإباحة عند التعارض بثلاثة أوجه. والصواب: أنه بوجهٍ واحد، وأما تقديم الحظر على الوجوب رجحه الآمدي بوجهين، فالمصنف دمج المسألتين معاً، وجعل الترجيح فيها من ثلاثة أوجه (7) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 104 - 105، ص 109 هامش (3) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 39 هامش (6) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 149، هامش (9) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 144 هامش (6) . (5) انظر: القسم التحقيقي ص 149، هامش (1) . (6) انظر: القسم التحقيقي ص 450، ص 451 هامش (3) . (7) انظر: القسم التحقيقي ص 406 هامش (9) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (4) يُعْرِض عن سَرْد الأقوال كلها في المسألة الواحدة، ولا يستوفيها، بل يقتصر على قولين ونحوهما، ويعرض عن بقيتها، وربما كان باعثه على ذلك الاقتصار على الأقوال القوية دون الضعيفة بحسب ما بدا له، مع الأخذ بطبيعة كتابه المختصر في الحسبان. ومن ذلك: أ - مسألة دلالة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - المجرد ذكر فيها ثلاثة أقوال، بينما فيها قولان آخران لم يذكرهما المصنف (1) . ب - مسألة اعتبار أهل البدع من أهل الإجماع ذكر فيها قولاً واحداً، وفي المسألة أقوال أخرى أبرز مما ذكره المصنف (2) . جـ - مسألة رواية الحديث بالمعنى ذكر فيها مذهبين، بينما صاحب كتاب " توجيه النظر إلى علم الأثر " عدَّ ثمانية أقوال بل تسعة (3) . د - اقتصر المصنف في مسألة حكم اجتهاد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته على قول واحد، وفي المسألة ستة أقوال (4) . هـ - لم يحك مذهب الوقف في مسألة تعبد النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل البعثة مع كونه الأرجح عند بعض الأصوليين (5) . وأضْرب صَفْحاً عن ذكر رأي جمهور الأصوليين في مسألة إثبات أصول العبادات بالقياس (6) . (5) نسبة القول إلى مجاهيل ومبهمين، كقوله: قال بعضهم (7) ، وخلافاً   (1) انظر الصفحات 2 - 4، وهامش (5) ص 4 من القسم التحقيقي. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 160 هامش (6) . (3) انظر المسألة في: القسم التحقيقي ص 292 هامش (8) . وانظر كتاب: توجيه النظر للشيخ طاهر الجزائري 2 / 686. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 460 هامش (3) . (5) انظر: القسم التحقيقي ص 24 هامش (6) . (6) انظر: القسم التحقيقي ص 395 هامش (4) . (7) انظر: القسم التحقيقي ص 389. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 لقوم (1) ، وجوَّزه الأقلون (2) ، قال غيره (3) ، خلافاً لبعض الفقهاء (4) . (6) عدم فصل القرافي بين كلامه وكلام غيره، فيَحْدث تداخُلٌ بين ما له وما لغيره. وهذا أوقعني في عُسْرٍ شديدٍ للتمييز بينهما ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولاسيما إذا كان المنقول عنه مفقوداً كأقوال القاضي عبد الوهاب وغيره (5) . (7) إغفاله إظهار المذهب المالكي في بعض المسائل. إن الشهاب القرافي حرص على إجلاء المذهب المالكي، بل صرَّح بأن منهجه في الكتاب هو: إبراز مذهب الإمام مالك الأصولي ليظهر شرفه فيه كما ظهر في الفروع (6) . وقد بيَّنتُ طَرَفاً من هذا الاهتمام عند الحديث عن القيمة العلمية للكتاب (7) . لكن من المآخذ الكبيرة على الإمام القرافي رحمه الله أنه لم يحرِّر الأقوال كثيراً في مسالة إجماع المدينة، ولم يُطل النفس فيها، حتى إن العالم المحقِّق حلولو دهش من ذلك فقال: ((هذه المسألة من أمَّهات مسائل المذهب وقواعده، والعجب من المصنف كيف لم يَهْتبل بها، ولم يحرِّر النقل فيها مع كثرة تدقيقه وتحريره واهتباله بقواعد المذهب، وقد اشتهر بين النظار أن إجماع أهل المدينة عند مالك رحمه الله تعالى)) (8) . كما أن الإمام القرافي أورد بعض مسائل أصولية مع بيان مذاهب القائلين فيها، وتجده في الوقت نفسه يُعْرض عن إبداء رأي المالكية فيها، مع أن الكتاب برُمَّته تأسَّس لبيان أصول المالكية.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 158، 421. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 93. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 447. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 371. (5) انظر على سبيل المثال الصفحات: 40، 100 - 101، 185، 290 - 291، 317، 389، 441 - 442 من القسم التحقيقي. (6) انظر: الذخيرة 1 / 39. (7) انظر: ص 134 من القسم الدراسي. (8) التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 من أمثلة ذلك: مسألة الإجماع السكوتي (1) ، حتى قال صاحب نشر البنود: ((ولا أدري لِمَ لمْ يَعْزُ قولاً من تلك الأقوال لأهل المذهب، مع أن كتابه موضوع بالذات لبيان أصول مالك، ومع أن أهل المذهب لابد أن يقولوا ببعض هذه الأقوال اتفاقاً أو اختلافاً، والخلاف في ذلك معروف في المذهب. . .)) (2) . ومن الأمثلة أيضاً: مسألة نقل الخبر بالمعنى (3) . وربما كان السبب في عدم التصريح برأي المذهب في بعض المسائل موافقة المالكية لتلك الأصول، فإن التقارب المنهجي ظاهر وواضح فيما بينها. خامساً: الترتيب والتسلسل. جاء الكتاب في الجملة منتظم الفصول والأبواب، مرتب المسائل والأبحاث، وقد سبق الكلام عن هذه الميزة في المبحث الرابع من هذا الفصل (4) . لكن في مواطن قليلة ربما اعترى الكتابَ اختلالٌ في تنظيم مادته، ولم يراعِ المصنف التسلسل المنطقي في التقاسيم والتراتيب. فمن ذلك: (1) في الفصل الثالث: الناسخ والمنسوخ، قَسَّم النسخ إلى: نسخ الكتاب بالكتاب والمتواتر بالمتواتر، والآحاد بالآحاد، ثم ذكر نسخ الآحاد بالكتاب والآحاد بالمتواتر ثم انتقل إلى نسخ الكتاب بالآحاد، وعاد مرة أخرى إلى نسخ السنة بالكتاب ثم تكلم عن نسخ الكتاب بالسنة المتواترة (5) . . . إلخ، فأنت تجد تشويشاً في الترتيب والتقسيم. ولكني وقفْتُ على تقسيمٍ بديعٍ، وترتيبٍ رائعٍ لهذه الأقسام عند الطوفي في شرح مختصر الروضة (2 / 329) ، فليُطالَعْ ثمَّة. (2) بحث مسألة حكم انعقاد الإجماع في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في باب النسخ، عند مسألة " الإجماع لا يُنسخ ولا يُنسخ به " (6) ، مع أن موطنها الطبيعي أن تكون في باب الإجماع، كما أن المصنف لم يُشِرْ إليها هناك.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 142 - 143. (2) نشر البنود للعلوي الشنقيطي 2 / 94. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 292 - 293. (4) انظر: ص 88 من القسم الدراسي. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 82 - 90. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 93 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (3) بحث مسألة وقوع الإجماع في العقليات عند شرحه لحدِّ الإجماع (1) ، مع أن محلّها في الفصل الخامس: في المجمع عليه (2) . (4) ذكر قاعدة في التعارضات في الباب العشرين: أدلة المجتهدين (3) ، بينما مكانها اللائق بها في باب التعارض والترجيح (4) ؟. (5) بحث مسألة التعليل بالمحلِّ (5) قبل مسألة التعليل بالعلة القاصرة (6) ، مع أن الأُولى فرع الثانية، فكيف يُقدَّم الفرع ويؤخَّر الأصل؟! وهذا اضطرَّ المصنف أن يُحيْل استيفاء بحث الأولى في اللاحق لها. (6) خرج عن الترتيب المعهود عند الأصوليين في: " تعريف النظر ". إذ عرَّفه في باب الاجتهاد (7) ، بينما مألوف الأصوليين جَعْله في افتتاحيَّات كتبهم. (7) ينتقل المصنف في شرحه للمتن من مسألة إلى أخرى دون أن يشعر القاريء بانتقاله إلى مسألة جديدة (8) ، مما اضطرَّني إلى وضع عناوين فاصلة بين ما سبق شرحه، وما سيشرحه بعد ذلك. سادساً: الشرح والعبارات بالرغم من وضوح عبارات الكتاب، واستقامة تعبيراته، في الأعم الأغلب لكن لمست بعض الملاحظات في هذا الصدد. فمن ذلك: (1) الغموض والإخلال. أ - في مبحث كيفية رواية غير الصحابي ومراتبها، ذكر سابعها: وهي المناولة المقرونة بالإجازة (9) . لكنه أتى بهذه العبارة مجتزأة من المحصول (4 / 453) مع أنها   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 120، 121. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 182. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 519 وما بعدها. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 402. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 367. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 378. (7) انظر: ص (437) من القسم التحقيقي. (8) انظر على سبيل المثال: ص 6، ص 8، ص 9. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 282 هامش (9) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أصلٌ لعبارة المصنف، وعبارة المصنف فرع لها. وكذلك فعل في المرتبة الثامنة: وهي الإجازة (1) . فذِكْرُ التفريع والترتيب على الأصل دون سابق معرفة بالعبارة الأساس أو الأصل يوقع القاريء في ارتباكٍ واضطرابٍ. ب - نتيجة لشدة الاختصار وقع في إخلالٍ بالمعاني المتضمنة، كما في قوله في باب الخبر ((وإن كان المباشر، فيكون المخبر عنه محسوساً)) (2) . وكذلك صارت العبارة مختلَّةً بسبب شدة الاختصار من المحصول (5 / 410 - 412) في مسألة تعارض الدليلين، إذا كان أحدهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، والآخر عكسه (3) . جـ - قال في الفصل الثالث من باب النسخ (المتن فقط) : ((يجوز عندنا نسخ الكتاب بالكتاب وعند الأكثرين. والسنة المتواترة بمثلها. والآحاد بمثلها، وبالكتاب والسنة المتواترة إجماعاً)) فقوله: ((إجماعاً)) لم يشرحْه المصنف مبيِّناً إلامَ يرجع؟! مما حَيَّر الشرَّاح الآخرين، فحُلُولو أرجعه إلى نسخ الآحاد بالكتاب والآحاد بالمتواتر، والشوشاوي أرجعه إلى نسخ الآحاد بالآحاد، والآحاد بالكتاب، والآحاد بالمتواتر (4) . (2) الركاكة في التعبير. ظهرت لي ركاكةٌ في بعض تعبيرات الكتاب، ربَّما كان الأولى أن يُعبَّر عنها بعباراتٍ أخرى. وقد تبدو هذه العبارات والتراكيب مستقيمة من وجهة نظر قاريءٍ آخر، لكني هنا أُعبِّر عن رؤيتي ووجهة نظري. فمن ذلك: أ - قال: ((فلا تأمنه في الشهادة على الكذب فيها)) (5) . والأحسن لو قال: ((فلا تأمنه على الكذب في الشهادة)) . والله أعلم. ب - قال: ((حجة الفريق الآخر: أنا نعلم بالضرورة أن المخبرين إذا توهَّم السامع أنهم متَّهَمون فيما أخبروا به لا يحصل له العلم. . .)) (6) . والأفضل لو   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 283 هامش (1) . (2) انظر: التعليق (6) ص (207) من القسم التحقيقي. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 414 هامش (6) . (4) انظر المسألة والإحالات عليها في ص 82 - 83، وهامش (5) من ص 83 من القسم التحقيقي. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 234. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قال: ((حجة الفريق الآخر: أنا نعلم بالضرورة أن السامع إذا توهم أن المخبرين متَّهمون. . .)) . جـ - قال: ((وقال القاضي أبو بكر رحمه الله: العقليات قسمان: ما يخلُّ الجهلُ به بصحة الإجماع، والعلم به كالتوحيد والنبوة ونحوهما، فلا يثبت بالإجماع، وإلا جاز ثبوته بالإجماع، كجواز رؤية الله تعالى. . .)) (1) . قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بإزاء هذه العبارة ((والظاهر أن العبارة حُرِّفت)) (2) . د - قال: ((قال جماهير الفقهاء والمعتزلة: يجب اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في فعله، إذا علم وجهه وجب اتباعه في ذلك الوجه. . .)) (3) . والعبارة الأسدُّ هي: ((قال جماهير الفقهاء والمعتزلة: يجب اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في فعله إذا علم وجهه)) مع حذف ما بعده؛ لأنه تكرار مَحْض أوْرَثَ ركاكةً في الجملة. (3) الاستطرادات البعيدة. وقع المصنف في استطرادات عما هو بصدد الكلام فيه، وهي وإن كانت خارجة عن جادة الموضوع إلا أنها تحوي فوائد عظيمة، وما كثرة هذه الاستطرادات المبثوثة في الكتاب إلا دليلٌ على الرُّكَام المَعْرفيِّ الهائل عند القرافي الذي وجد طريقه للتنفيس فيها، والحال أنها ظاهرة عَمَّتْ عصره. من هذه الاستطرادات: أ - سؤال بعض الفضلاء له عن إشكالٍ حول التخيير يقتضي التسوية، بينما الخمر واللَّبَن لا يستويان وقد خُيِّر النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما يوم الإسراء، ثم جوابه عن هذا السؤال، وهذا الاستطراد نبع من كلامه عن مسألةِ طريقةِ معرفةِ وَجْهِ فعله - صلى الله عليه وسلم -، إما بالنص أو بالتخيير بينه وبين غيره. . . إلخ (4) . ب - لما تحدث القرافي عن سد الذرائع باعتباره أحد أدلة المجتهدين، استطرد فقال: ((تنبيه: ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار العوائد، والمصلحة المرسلة،   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 121. (2) حاشية منهج التوضيح والتصحيح 2 / 95. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 10 السطر 3. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 11، 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وسد الذرائع، وليس كذلك. . .)) (1) . وهذا الاستطراد مقبول؛ لأنه في محله. لكنه استرسل فتكلَّم عما شُنِّع على الإمام مالك - رحمه الله - في مخالفته للحديث، وأنه خالفه لمعارضٍ أرجح (2) ، وهذا لا تعلُّق له بموضوع المسألة، ولا جامع بينهما إلا ذِكْر التشْنيع على الإمام مالك رحمه الله تعالى. جـ - لما سَجَّل مذهب أبي مسلم الأصفهاني في إنكاره نسخ القرآن (3) استطرد فذكر فائدةً عن اسمه وكنيته، وهذا الاستطراد خارج عن جادَّة الموضوع (4) . د - لما بحث في العدالة - وهي شرط في صحة الرواية - استطرد فبحث حَدَّ الكبيرة والصغيرة. وليس بحثهما من متعلِّقات البحث الأصولي، ولكن اشتدَّ استطراده بدرجةٍ بعيدةٍ حينما أخذ يبحث عن ضابطِ الإصرار الذي يُصِّير الصغيرةَ كبيرة (5) . (4) التكرار والإعادة. وقع في الكتاب تكرار لبعض مباحثه ومسائله وقواعده، وهذا المأخذ وإن كان يَشِين التآليف، لكن يبدو أنه هدف مقصود للمصنف، فإن مما اتَّسم به منهجه التكرارُ في بعض مواضع الكتاب. وهذه الظاهرة فاشية في أغلب تآليفه عليه رحمة الله، ولهذا نجده يعلِّل هذا المسلك بأن المقام الذي ورد فيه تكرار محتاجٌ إلى ذلك؛ ليرتِّب عليه أحكاماً معينة، كما أن في التكرار مزيدَ توضيحٍ للواقف عليه؛ بسبب تغيير العبارة أو زيادة الألفاظ (6) . وإليك تمثيلاً لبعض ما تكرر في الكتاب: أ - مسألة الإجماع في العقليات، تكررت في: ص 120 - 121، 182. ب - مسألة إحداث قول ثالث إذا أجمعت الأمة على قولين، جاءت في: ص 129، وفي: ص 134.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 503 - 504. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 507. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 61. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 64. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 230 - 233. (6) انظر: كتابه العقد المنظوم في الخصوص والعموم 2 / 257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 جـ - مسألة إجماع أهل الكوفة، وردت في باب الإجماع، ص 155، وفي باب: أدلة المجتهدين ص 519. د - مسألة وقوع النسخ في القرآن عند أبي مسلم الأصفهاني، ذكرها في: ص 50، 61، 82. هـ - مسألة القياس في الدنيويات ذكرها في الشرح، ص 311، ثم ذكرها بعد ذلك في المتن ص 312. ومسألة تنقيح المناط، بحثها في: ص 314، وكذلك في ص 348. ز - مسألة التقليد في أصول الدين، بحثها في: ص 441، وفي ص 487. حـ - مسألة حكم الأشياء قبل ورود السمع، تكررت في: ص 88 (المطبوع) ، 92 (المطبوع) ، 403، 500. ط - قاعدة نقض قضاء الحاكم إذا خالف الإجماع أو النص الصريح أو القياس الجلي أو القواعد، جاءت في: ص 238، 447، 479. (5) عدم إيضاح ما ذكر أنه " ظاهر " يشير القرافي أحياناً في كتابه إلى ظهور القول، أو أن كذا وكذا ظاهر، أو أنه ضعيف دون أن يبين للقاريء وجه ظهوره أو تضعيفه. فمن ذلك: أ - قال: ((وأما وجه الفرق بين الجلية والخفية فظاهر مما تقدم)) (1) . ب - قال: ((وضعَّفه الإمام)) (2) . جـ - قال: ((لأنا إن قلنا: كل مجتهد مصيب فظاهر)) (3) . د - قال عند تعداد مسالك العلة: ((فالأول: النص على العلة، وهو ظاهر)) (4) . (6) صور من التناقض والتضارب. وقع المصنف فيما يبدو أنه تناقض في بعض المسائل. من ذلك:   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 175. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 116. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 303. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 320. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أ - مسالة تفاوت العلوم: مرةً يذكر عدم التفاوت بينها (1) ، وفي موضع آخر يفيد كلامُه حصولَ التفاوت (2) . ب - حكى الإجماع على أن العامي له أن يقلد من شاء بغير حَجْر في موضع (3) ، وفي موضع آخر حكى خلافاً بين العلماء في العامي من يقلد إذا اختلف العلماء عليه أيقلِّد أيهما شاء أم يتحرَّى (4) ؟ سابعاً: مآخذ لغوية. وقع المصنف - رحمه الله - على جلالة قدره وغزارة علمه في بعض أخطاء نحوية ولغوية، وهي وإن كانت قليلة لكنها لا تليق بمكانة القرافي الرفيعة، ولاسيما أن له اهتماماً كبيراً ومشاركة واضحة في اللغة هذا إن صحتْ نسبتها إليه، ولعل هذه المؤاخذات لها أوجهٌ أخرى من اللغة لم أقفْ عليها، فيكون الصواب معه فيها، أو تكون من خطأ النسَّاخ، أو لم يتمكَّن المصنف من مراجعة كتابه بعد تسويده، والله أعلم. فمن الأمثلة على ذلك: (1) حذف الفاء في جواب " أما " الشرطية، والواجب اقتران جوابها بها، ولا يكاد يعرى عنها إلا لضرورة أو نُدْرة. قال ابن مالك في ألفيته: أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شيءٍ وفَا لِتِلْو تِلْوِها وُجُوباً أُلِفَا (5) وكتاب القرافي جاء فيه خلاف هذه القاعدة ولا ضرورة مُلْجئة إلى ذلك، مثال ذلك: أ - قال في المتن: ((وأما ترجيح المتن قال الباجي. . .)) (6) . والصواب: فقال الباجي.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 411 هامش (9) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 266 - 267. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 448 هامش (6) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 482 - 483 وهامش (3) ص 481. (5) انظر: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان 4 / 62، مغني اللبيب لابن هشام 1 / 120. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 424. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ب - قال: ((أما الستة ثلاثة وثلاثة)) (1) . والصواب: فثلاثة وثلاثة. جـ - قال: ((أما الموقوف على بعض الصحابة يقوله من قبل نفسه ... )) (2) . والصواب: فيقوله ... إلخ. (2) عبَّر القرافي بقوله: ((ويقال: إنها نيِّفٌ وعشرون آية)) (3) . والصواب: ألا يقال " نيِّف " إلا بعد عَقْدٍ، فيقال: عشرون ونيِّف، مائة ونيِّف. والله أعلم. (3) قال ((حجة الجمهور: أنَّا نجد العلم التواتري [حاصل] للصبيان والنسوان ومن ليس له أهلية النظر)) (4) . ومحلُّ النظر كلمة " حاصل " فإن رسمها على هذه الصورة لستُ أعلم له وجهاً سليماً، فالصواب أن تكون " حاصلاً " على أنها مفعول ثانٍ للفعل " نجد ". قال الحريري في ملحة الإعراب (5) : لكنَّ فِعْلَ الشَّكِ واليَقِينِ يَنْصِبُ مَفْعولين في التَّلْقِينِ تقولُ: قدْ خِلْتُ الهِلالَ لائِحا وقدْ وَجدْتُ المُسْتَشَارَ ناصِحَا ولا أظنُّها تُحمل على لغة ربيعة في حذف الألف من المُنَوَّن المنصوب حملاً له على صورة المنوَّن المرفوع والمجرور؛ فيقولون: رأيتُ زيدْ، والسبب في عدم هذا الحَمْل أن حذف ألف التنوين إنما يكون عند الوقف، ولا وقْف هنا (6) . قال ابن مالك في الألفية (7) : تَنْويناً اثرَ فَتْحٍ اجْعَلْ ألِفَا وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا ثامناً: أوهام علمية. وقع المصنف عليه الرحمة والمغفرة في أوهامٍ علمية متنوعة، منها ما يتصل بالعقيدة وبالأسماء، وبالتمثيل، وبغير ذلك، وقد تمَّ التنبيه عليها في مواضعها. بعض   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 103. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 419. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 52 هامش (2) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 202. (5) شرح ملحة الإعراب للحريري ص 162. (6) انظر: شرح المفصل لابن يعيش 9 / 69، همع الهوامع للسيوطي 3 / 386. (7) انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4 / 286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 هذه الملاحظات قابل للأخذ والردِّ، وقد يكون الصواب فيها مع القرافي، وبعضها يُعدُّ هفوةً أو زلةً صدرتْ بسبب وَهْمٍ بشري أو غفلةٍ إنسانية. ويمكن تلخيص هذه الأوهام فيما يلي: ( 1) قوله في كلام الله تعالى بالكلام النفسي تمشِّياً مع معتقده الأشعري، وهذا مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة السلف الصالح (1) . (2) تجويزه خُلوَّ حكمِ الله عن علَّةٍ بحجة أنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهذا التجويز ناشيء عن اعتقاد الأشاعرة بأن الله خَلَق الخَلْق وأمر ونهى لا لعلةٍ ولا باعث، بل فعل ذلك لمحْضِ المشيئة، وصِرْف الإرادة. وأهل السنة والجماعة يثبتون الحكمة والتعليل في خلقه سبحانه وتعالى، وفي أمره (2) . (3) قوله بأن أول واجب على المكلف هو النظر، وهذا مذهب الأشعرية في الجملة، أما أهل السنة والجماعة فيقرِّرون بأن الواجب الأول على المكلف هو الشهادتان (3) . (4) يؤاخذ القرافي على تعبيره بأهل السنة في مقابلة رأي غيرهم، وهم: أحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، وهؤلاء هم أساطين أهل السنة (4) . (5) قوله بأن الكافر يُكْره على الإسلام بالسيف إن لم يقبل دعوة الإسلام مختاراً، مع أن الله تعالى يقول: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] . (6) قال: ((كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم)) (5) . ولست أدري كيف يُمْحى الكفر من القلب بالقتل؟! إلا أن يكون قتل بعضهم سبباً في إسلام غيرهم. (7) قوله بنسخ آيات الموادعة بآية السيف، وهو قولٌ لبعض العلماء، والصواب أنها محكمة؛ لأن من شرط النسخ التعارض، ولا تعارض (6) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 47، هامش (6) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 364 هامش (1) . وانظر: كتاب المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين د. محمد العروسي عبد القادر ص 271 - 286. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 472 هامش (5) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 485 هامش (8) وما بعدها. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 536 وهامش (1) . (6) انظر: القسم التحقيقي ص 51، وانظر هامش (1) ص 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ( 8) قوله بأن الذبيح هو إسحاق عليه السلام، وهو رأي لبعض العلماء، لكن الذي عليه الأكثر من الصحابة والتابعين والعلماء أنه إسماعيل عليه السلام، ولعل الرأي القائل بأنه إسحاق عليه السلام تسلَّل من الإسرائيليات. والله أعلم (1) . (9) قوله بأن لقاء أبي حازم سلمة بن دينار لابن شهاب الزهري كان في مجلس هارون الرشيد. وهذا خطأ لا يصححه التاريخ، فإن كلا العالمين ماتا قبل مولد هارون الرشيد رحمهم الله. ولعلَّ المصنف قلَّد غيره من المؤرخين أو وقع منه ذلك سهواً (2) . (10) فسَّر حُسْن النَّسَق بفصاحة اللفظ، وهذا وهم، وغير مراد، ومخالف لتفسير الباجي الذي نقله عنه. وهذا التفسير أوقع المصنف في تكرارٍ خاطيء (3) . (11) أخطأ في التمثيل لما ينافي الدليل القاطع بمن يقول: الشمس ليست طالعة، وهي طالعة. وهذا مخالف لتمثيل الغزالي الذي اختصر المصنف كلامه في هذا الموضع (4) . (12) مع دقته المعهودة، لكن كانت تغيب عنه هذه الدقة أحياناً، مثل تعبيره عن مسألة " الأخذ بأقل ما قيل " بقوله: ((الأخذ بالأخف)) (5) ، إلا أن يكون هذا اصطلاحاً خاصاً به. (13) ادعاؤه بأن قول الشافعي: ((إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي)) ليس من خصوصيات الإمام الشافعي رحمه الله، ولكن تقي الدين السبكي عارضه في ذلك، ودلَّل على أنها من خصوصياته (6) . (14) وقع منه خَلْط بين المرتبة الثالثة والمرتبة الرابعة من مراتب رواية الصحابي لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (7) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 49 هامش (1) . (2) انظر: القسم التحقيقي ص 216 - 217. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 420 هامش (3) ، ص 425. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 214 هامش (5) . (5) انظر: القسم التحقيقي ص 516 هامش (1) . (6) انظر: القسم التحقيقي ص 508 هامش (7) . (7) انظر: القسم التحقيقي ص 271 هامش (10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (15) وَهْمه في نسبة بيت الشعر: بلادٌ بها نِيْطَتْ عَليَّ تَمَائِمي وأولُ أرضٍ مسَّ جِلْدِي تُرَابُها لأبي تمَّام، والواقع أنه ليس له (1) . (16) انقلب عليه مذهب ابن عُلَيَّة في الشرح، إذ قال عنه بأنه أوجب جلسة التشهد الأولى قياساً على الثانية، وحقيقة مذهبه ما قرره المصنف نفسه في المتن برد حكم الجلسة الثانية إلى الأولى (2) . (17) وقع تحريف في بعض أسماء الأعلام في الكتاب، كقوله عن " الحَصْكَفي " بأنه " الحَسْكَفي " (3) . ونقل عن الشيرازي أن اسم أبي مسلم الأصفهاني: " عمرو بن يحيى "، والصواب أنه " محمد بن بحر " (4) . تلكم هي أهم المؤاخذات على الكتاب، وهي مجرد سَنَحاتٍ وخواطر تراءت لي في تضاعيف تحقيق الكتاب، اقتضت طبيعة البحث مني تسجيلَها وتقييدَها، عائذاً بالله من التعاظم والتطاول، وهي ليست أحكاماً نهائية، فإن إصدار الأحكام على كتب العلماء الأفذاذ المهرة ذي الشهرة يستلزم مؤهلاتٍ خاصة، وكفاءاتٍ نادرة، لا يحظى بها سوى العلماء. ((ولا يمكن جعل هذه المآخذ ذريعةً إلى ترك الصواب الجمِّ، ولا أستحل وَصْم المصنف بارتكاب الذمِّ، والذَّنْب الواحد لا يُهْجر له الحبيب، والروضة الحسناء لا تُتْرك لموضع قَبْرٍ جديب، والحسنات يذهبن السيئات، ولو ذهبنا نترك كل كتاب وقع فيه غَلَط، أو فَرَط من مصنفه سَهْو أو سَقَط، لضاق علينا المجال، وجَحَدْنا فضائل الرجال. ولقد نفع الله الأمة بكتب طارت كل المطار، وجازتْ أجواز (5) الفلوات وأثْبَاج (6) البحار، وما فيها إلا ما وقع فيه عَيْب، وعُرِف منه غَلَطٌ بغير شكٍّ ولا رَيْب، لكن لم يجعله الناس سبباً لرَفْضها وهَجْرها، ولا توقفوا عن الاستضاءة بأنوار الهدية من أفق فَجْرها)) (7) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 315. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 337، وكذلك ص 340 هامش (9) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 317 هامش (4) . (4) انظر: القسم التحقيقي ص 64 هامش (2) . (5) جمع " جَوْز " وهو وسط الشيء ومعظمه. المعجم الوسيط مادة " جوز ". (6) جمع " ثَبَج " وهو وسط الشيء إذا تجمَّع وبَرَز. المعجم الوسيط مادة " ثبج ". (7) من كلام ابن دقيق العيد رحمه الله، كما في طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 9 / 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 المبحث التاسع مقارنة الكتاب بكتب الشروح الأخرى ينبغي باديء ذي بدء عند عقد مقارنة بين شروحات " تنقيح الفصول " أن نستصحب في أذهاننا البَوْن الشاسع، والفرق الواسع بين المستوى العلمي للقرافي ومستويات بقية الشراح العلمية كحلولو، والشوشاوي، ومحمد الطاهر بن عاشور، ومحمد جعيط. هذا الفارق الرئيس يُكْسب كتاب القرافي قوة ومتانة، فيزيد من ثقة الناس به، وكلُّ الشروح موضع ثقة إن شاء الله تعالى ولكن بنسبٍ متفاوتة. وإذا كان الماتن شارحاً لكتابه، فسيكون أدرى بخفاياه، وأعلم بمقاصده من غيره، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولهذا قال القرافي بنفسه في مقدمة شرح التنقيح: ((فلما كثر المشتغلون به (أي المتن) ، رأيت أن أضع لهم شرحاً يكون عوناً لهم على فهمه وتحصيله، وأبيِّن فيه مقاصد لا تكاد تُعلم إلا من جهتي، لأني لم أنقلها عن غيري، وفيها غموض)) (1) . وفي هذا المبحث سأتطرق لعقد مقارنات سريعة بين شروحات التنقيح المطبوعة. ولكن أرى من المفيد أن أمهِّد قبل ذلك بمقارنات مهمة تتعلق بالكتاب، مثل: مقارنة شرح التنقيح بالمتن نفسه، ومقارنة شرح التنقيح بشرح المحصول (نفائس الأصول) ، ومقارنة شرح التنقيح بالمحصول للرازي. لهذا انتظم هذا المبحث المقارنات التالية: المقارنة الأولى: مقارنة شرح التنقيح بالمتن " تنقيح الفصول " ربما كان من المناسب أن تُعْقد هذه المقارنة في المبحث الأول من هذا الفصل عند الكلام عن المتن. لكن رأيت إرجاء الحديث عنها هنا؛ لتنتظم تحت مبحث المقارنات. وأؤكِّد هنا - عند عقد المقارنة - ما سجلته في بداية المبحث الأول من هذا الفصل (2) من أن هذا الكتاب (متناً وشرحاً) يعتبر وحدة واحدة لا يمكن فصل الشرح عن المتن، لهذا لن نكون دقيقين إذا قلنا بأن شرح تنقيح الفصول كسائر شروحات متون الكتب الأخرى، فالقرافي لما رغب في شرح متنه، فإنه قرَّر المتن كما هو، وأَتْبَعه بمزيد   (1) انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 2. (2) انظر: القسم الدراسي ص 63 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 توضيحات لغموض أو إشكال، كما أنه دلَّل على المسائل الواردة فيه، وناقش ورجَّح أحياناً. . . وهكذا (1) . ففي المتن " تنقيح الفصول ": ذكر المصنف المسائل الأصولية، وآراء المذاهب والعلماء فيها، والتعاريف والحدود، وعرضاً سريعاً للأدلة على وجه الاختصار. وفي الشرح " شرح تنقيح الفصول ": تابع المصنف شرح بعض الحدود، واستكمل بقية الأدلة، ووجه الاستدلال بها، مع الاعتراضات والأجوبة، وزاد في النقولات الداعمة للآراء في المسألة الأصولية. إن المختصرين عادةً يضطرُّون - بحكم طبيعة الاختصار - إلى إيجاز العبارة، وإلغازها في إشارة، مما قد ينتج عنه عدم الوفاء بالفكرة المراد إيضاحها، وحصول غموض وإشكال في المختصر. لهذا قال الطوفي مشيراً إلى هذا المعنى ((قد حصل في " المختصر " في هذه المسائل تداخلٌ بموجب الاختصار، وقد فصَّلْتُه في الشرح كما رأيت. والله أعلم)) (2) . وانطلاقاً مما سلف ذكره آنفاً، نلحظ - ونحن نقلب صفحات الكتاب - تسجيل القرافي تراجعاته عما ذكره في المتن، فبعد أن أورد في المتن بعض أمورٍ تابعاً فيها الرازي في محصوله، أو مقرِّراً لها من تلقاء نفسه ابتداءً، نجده عند تأليف الشرح لا يرتضيها، ولا يُسلِّم بها، بل يسعى لتفنيدها ونقدها. ويجب ألا ننسى - في ظل عقد هذه المقارنة بين المتن والشرح - أن القرافي صنَّف المتن في باكورة حياته العلمية (3) ، وربما كانت العجلة تدفعه إلى سرعة تأليفه ليخوض غمار موسوعته " الذخيرة "، ويمخر عباب بحارها. هذا الاستعجال خلَّف وراءه نوعَ أخطاءٍ وهفواتٍ كشفتْ الممارسةُ بعد ذلك، وطولُ باعِ القرافي في التأليف، أنَّها لم تكن في محلِّها. فبعدما يربو على عشر سنواتٍ، وبعد ما يقارب عشر مؤلفات (4) تكشَّفتْ للمصنف هذه الملاحظات، فأراد التنبيه عليها في الشرح.   (1) انظر: الصفحات التالية من القسم التحقيقي لترى نَقْلة المصنف بين المتن والشرح، ص 450، 449، 458. (2) انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 452. والطوفي يقصد بالمختصر: البلبل، وهو مختصر روضة الناظر. (3) انظر: القسم الدراسي ص 67. (4) انظر: المخطط الزمني لتآليف القرافي، ص 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وإليك تمثيلاً لهذه التراجعات والتصحيحات التي جاءت في الشرح خلافاً لما ذكره في المتن: أولاً: استدراكات القرافي على نفسه لما قرَّره في المتن من تلقاء نفسه. (1) قال في الشرح: ((وقولي في الكتاب (المتن) : الحقيقة: استعمال اللفظ في موضوعه، صوابه: اللفظة المستعملة، أو اللفظ المستعمل. . . فالحقُّ أنها موضوعة للَّفظ المستعمل، لا لنفس استعمال اللفظ. . .)) (1) . وهكذا أيضاً صوَّب حدّ المجاز بنفس الطريقة (2) . (2) لمّا عرَّف التخصيص وذكر محترزاته في المتن، ثم شرحها في الشرح، قال أخيراً: ((وهذا الحد باطل، مع هذا التحرير العظيم، الذي لم أَرَ أحداً جمع ما جَمعْتُ فيه - ثم قال - فينبغي أن يؤتى بعبارة تجمع هذه النقوض، وتُخرج الاستثناء، وفيها عُسْر)) (3) . ( 3) قال في الشرح: ((وقولي: كما يترادف مفهوم المخالفة ودليل الخطاب وتنبيهه، صوابه: الاقتصار على الأوَّلَين، ونترك تنبيه الخطاب؛ لأنه لم يتقدم له ذكر في مفهوم المخالفة)) (4) . (4) قال في المتن: ((الفصل الحادي عشر: خمس حقائق لا تتعلق إلاّ بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم)) ثم قال في الشرح: ((صوابه أن يقول: بالمعدوم وبالمستقبل. . . ولو قلت: بالمستقبل، لأجزأ، لكن التصريح بالمعدوم أحسن؛ لأنه أنَصُّ على اعتبار المعدوم في ذلك. وألحقتُ بعد وضع هذا الكتاب (المتن) لهذه الخمسة خمسةً أخرى، فصارت عشرةً. . .)) (5) . (5) قال في المتن - حسب النسخ الخطيَّة وخلافاً للمطبوع الذي تصرَّف فيه محققه - قال ((يجوز عند المالكية والشافعي رضي الله عنه وجماعة من أصحابه استعمال   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 43. (2) انظر: المصدر السابق ص 45. (3) المصدر السابق ص 52. (4) المصدر السابق ص 57. (5) المصدر السابق ص 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 اللفظ في حقائق. .)) (1) . . ثم قال في الشرح: ((وقولي أول المسألة: وجماعة من أصحابه، أريد أصحاب مالك، وسبق القلم في الأصل (المتن) إلى: المالكية، وصوابه: ويجوز عند مالك والشافعي وجماعة من أصحاب مالك. . .)) (2) . (6) قال في الشرح: ((ولذلك اخترتُ طريق سيف الدين (الآمدي) على طريق الإمام فخر الدين الرازي - ثم قال - غير أني بعد وضع هذا الكتاب (المتن) رأيتُ كلام أبي الحسين في كتابه " المعتمد في أصول الفقه "، وقد حكى عن شيعة المعتزلة الخلاف مطلقاً من غير تقييد، كما حكى الإمام، فرجعتُ إلى طريقة الإمام. . .)) (3) . (7) قال في المتن فيما يدل عليه الأمر: ((وعلى النهي عن أضداد المأمور به عند أكثر أصحابه. . .)) ثم قال في الشرح: ((أريد بالضمير في قولي: ((وأصحابه)) مالكاً رضي الله عنه)) (4) . وقال في المتن: ((وهو عنده للتكرار. . .)) ثم قال في الشرح: ((وقولي في أصل الكتاب (المتن) : ((عنده)) أريد مالكاً)) (5) . (8) لمَّا أورد في بحث ترجيح الأقيسة في المتن كلام الباجي بأن أحد القياسين ترجَّح على الآخر لكون علة أحدهما متعدِّية (6) . قال في الشرح: ((العلة المتعدِّية أولى من القاصرة، غير أن هذا لا يستقيم من جهة أن القاصرة لا قياس فيها، والكلام إنما هو في ترجيح الأقيسة، فإن كان في ترجيح العلل من غير قياس صحّ)) (7) . (9) يناقش نفسه ويُنْصِفها، فهو يقول عمّا كتبه أولاً في المتن بأنه وقع منه سهو. قال: ((والذي في الأصل (المتن) ما أرى نقله إلاّ سهواً)) (8) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 114. (2) المصدر السابق ص 118. (3) المصدر السابق ص 93. (4) المصدر السابق ص 135، وهكذا في ص 133، 134. (5) المصدر السابق ص 130. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 427. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 428 - 429. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 (10) لمّا عرّف الرخصة في المتن، قال في الشرح: ((ومع هذا الاحتراز لا يَسْلم الحدُّ عن الفساد، فإن في الشريعة رُخَصاً لم أُلْهَم لها حالةَ ذِكْري لهذا الحدِّ، وهي: الإباحة. . . - ثم ذكرها، وقال - فلا يكون حدِّي جامعاً. .)) (1) . (11) عند تعريفه لأصول الفقه، ذكر لتعريف الأصل في المتن ثلاثة معانٍ، ثم قال في الشرح: ((فذكرت في هذا الكتاب (المتن) في الأصل ثلاثة معانٍ: منها واحد لغوي، واثنان اصطلاحيان، وبقي واحدٌ لم أذكره ها هنا، وذكرته في شرح المحصول، وهو: " ما يُقاس عليه ". . . ثم قال: فيصير للأصل أربعة معانٍ)) (2) . ثانياً: استدراكات القرافي على ما كان تابعاً فيه محصول الرازي (1) قال في المتن: ((وليس من شرطه (الأمر) تحقُّقُ العقاب على تركه عند القاضي أبي بكر والإمام، خلافاً للغزالي)) ثم قال في الشرح: هذه المسألة نقلتها هاهنا، واختصرتها كما وقعت في المحصول، وليست المسألة على هذه الصورة في أصول الفقه، ولا قال القاضي هذه العبارة، ولا الغزالي أيضاً، بل المنقول في كتاب القاضي. . . إلخ)) (3) . (2) قال في المتن: ((الثالث: الإعادة: وهي إيقاع العبادة في وقتها بعد تقدّم إيقاعها على خللٍ في الإجزاء، كمن صلّى بدون ركن، أو في الكمال: كصلاة المنفرد)) . ثم قال في الشرح: ((هذا هو لفظ المحصول في اشتراط الوقت، وأما مذهب مالك، فإن الإعادة لا تختص بالوقت. . .)) (4) . ففي المتن نقل عن المحصول اشتراط الوقت، ثم استدرك في الشرح بأن مذهب مالك لا يشترط الوقت. (3) قال في المتن: ((الحكم الشرعي: هو خطاب الله القديم. . .)) ثم قال في الشرح: ((إني اتبعتُ في هذا الحدِّ الإمام فخر الدين رحمه الله، مع أني غيَّرتُ بالزيادة في قولي: " القديم " - ثم قال - والصحيح أن يُقال: كلام الله القديم. . .)) (5) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 86. (2) المصدر السابق ص 16. (3) المصدر السابق ص 149. (4) المصدر السابق ص 76. (5) المصدر السابق ص 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (4) قال في المتن: ((ومذهب الراوي يخصص. . .)) . ثم قال في الشرح: ((هذه المسألة منقولة هكذا على الإطلاق (1) ، والذي أعتقده أنه مخصوص بما إذا كان الراوي صحابياً. . .)) (2) . (5) لمَّا عرَّف الاستثناء في المتن تبعاً للرازي، قال في الشرح: ((قولي: أو ما يقوم مقامها، لا يصح - ثم قال - هذا الحدُّ ذكره الإمام - أعني هذا القيد - على هذه الصورة من الإشكال، بل ينبغي أن يُقال في حَدِّه. . .)) (3) . ( 6) مثَّل في المتن على مسألة البيان بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بطوافه طَوَافَيْن على أنه متمتع. ثم قال في الشرح: ((وتمثيلي بكونه - صلى الله عليه وسلم - طاف لهما طوافين مبنيٌّ على أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع متمتعاً، وهي مسألة ثلاثة أقوال، قيل: متمتعاً، وقيل: مفرداً، وقيل: قارناً. والإمام فخر الدين مثَّل بذلك، واتَّبعْتُه)) (4) . (7) أورد في المتن - في مسألة حكم النسخ بالعقل - قول الإمام الرازي بأن العقل يكون ناسخاً في حق من سَقَطتْ رِجْلاه، فإن الوجوب ساقط عنه. ثم قال في الشرح مستدْرِكاً على مقالة الرازي: ((هذا ليس نسخاً - ثم قال - وإلاّ كان النسخ واقعاً طول الزمان لطريان الأسباب وعدمها)) (5) . (8) قال في الشرح: ((وأما قولي في الفقيه: " الحافظ "، والأصولي: " المتمكن " فهو قول الإمام فخر الدين رحمه الله، وفيه إشكال ... إلخ)) (6) . (9) قال في الشرح: ((فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول، وهو قول الإمام فخر الدين في المحصول)) (7) والتعميم الأول هو الذي جاء ذكره في المتن أولاً.   (1) انظر: المحصول للرازي 3 / 126. (2) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 219. (3) المصدر السابق ص 238. (4) المصدر السابق ص 281. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 101. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 179. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 121 هامش (14) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 المقارنة الثانية: المقارنة بين " شرح تنقيح الفصول " و" نفائس الأصول " تنبع أهمية المقارنة بين الكتابين من كونهما كتابين أصوليين لمؤلِّفٍ واحدٍ، فبعقد مقارنة وموازنة بينهما يظهر لنا مدى نمو الفكر الأصولي عند القرافي، ومدى ثباتيَّة واستقرارية آرائه الأصولية. وكتاب " نفائس الأصول " صَنَعه القرافي ليكون شرحاً للمحصول، وإثارة للإشكالات الواردة على مسائله مع حلِّها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فما كان له من تعقبّات في النفائس على محصول الرازي، جاءت في كتابه " شرح تنقيح الفصول " على شكل تقريراتٍ مُسلَّمة باعتباره متأخِّر التأليف عن الأول. وأودُّ - قبل عقد المقارنة بينهما - أن أبيِّن في عجالةٍ سريعة منهج القرافي في كتابه نفائس الأصول حتى ترتكز عملية المقارنة على خَلْفيَّةٍ ذِهْنيَّةٍ ذاتِ صورةٍ واضحةِ المعالم والسِّمات. شَرَح القرافي كتاب " المحصول " للرازي بطريقتين، الأولى: طريقة القول، بمعنى " قال فأقول ". فهو يورد قول صاحب المحصول أو طَرَفاً منه، ثم يشرحه بتقريرٍ أو إيراد أسئلةٍ أو نحو ذلك. والثانية: طريقة الشرح بالمضمون، دون التزامٍ لذكر المتن، فنجده يذكر رأس المسألة كما يذكره الإمام أو يختصره، ثم يتناول ما ذكره الإمام تحت هذا العنوان بالشرح والتقرير كلمةً كلمةً أو جملةً جملةً، فيقول مثلاً: قوله ((كذا وكذا. . .)) ، تقريره: ((كذا وكذا. . .)) ، فإن وافقه اكتفى بتقرير كلامه، وأجاب عن الأسئلة القوية الواردة عليه. وإن خالفه أورد عليه الأسئلة والاعتراضات التي يرى أنها قويّة، سواء كانت مما أورده العلماء السابقون أم مما جادتْ به قريحته، وتفتَّق عنها ذهنه. فإذا انتهى من الكلام عن عبارة المحصول ما لها وما عليها، انتقل إلى الكلام عن مختصراته، فيذكر موافقتهم للمحصول أو مخالفتهم، ويوازن بين عبارة المحصول ومختصراته، ويبيِّن أيهما أسلم وأصوب (1) .   (1) انظر: القسم الدراسي لكتاب نفائس الأصول. الجزء الأول بتحقيق فضيلة شيخنا د. عياض السلمي ص 111 - 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 هَاتِهِ هي الخطوط العريضة لملامح منهج القرافي في كتابه نفائس الأصول. وفي الحقيقة بان لي أن الكتابين يتّفقان في كثير من الخصائص المنهجية للقرافي سواء في: حَشْد الآراء والنقولات، أو إيراد الأسئلة والإشكالات، أو عرض الأدلة والمناقشات، أو الاهتمام بالحدود والتعريفات، أو التنبيه على الفروقات، أو وقوع التكرارات، أو كثرة الاستطرادات، من فوائد وتنبيهات. والآن لأذكر نُتَفاً من وجوه المقارنة بين الكتابين بحسب ما أسْعف به الوقت: أولاً: التوسع والتفصيل في النفائس، والإجمال والاختصار في شرح التنقيح: تعرَّض القرافي لمسائل كثيرة في " نفائس الأصول " بينما أغفلها أو اختصرها في " شرح التنقيح "، والسبب في هذا ظاهرٌ جداً، وهو ما تقتضيه ضرورة التعليق على كتاب المحصول هذا بالنسبة للنفائس، وما تقتضيه ضرورة الاختصار والتوسط بالنسبة للتنقيح وشرحه. ولهذا صرَّح القرافي في كتابه " شرح التنقيح " في غير ما موضع بهذه الحقيقية، من ذلك: (1) قال: ((والتفرقة بين الدلالة باللفظ، ودلالة اللفظ من مُهمَّات مباحث الألفاظ، وقد ذكرتُ هنا الفرق بينهما من ثلاثة أوجه، وفي شرح المحصول ذكرتُ خمسة عشر وجهاً، وهذه الثلاثة تكفي في هذا المختصر)) (1) . (2) قال في آخر الباب الثالث: ((وفي هذه المواطن مباحث ومُثُلٌ كثيرة نقلتها في كتاب شرح المحصول، وجعلتها مسائل خلاف مستقلّة، ومعها مباحث شريفة هنالك، لا يحتمل هذا الشرح المختصر ذلك)) (2) . (3) قال في مبحث الحسن والقبح العقليين: ((وقد نقلتُ في شرح المحصول طُرقاً عديدة عن الأصحاب، وبيَّنتُ ما عليها من الإشكال، واخترتُ هذه الطريقة)) (3) . (4) قال في الفصل التاسع في لحن الخطاب. . . ((وفي مفهوم العدد إشكالٌ، وتفصيله مبسوط في المحصول وشرحه)) (4) .   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 26. (2) المصدر السابق ص 125. (3) المصدر السابق ص 91. (4) المصدر السابق ص 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 (5) قال: ((فتنبّه لهذه القاعدة الغريبة، وقد بسطْتُها في شرح المحصول)) (1) . (6) قال في مبحث حكم الأشياء قبل ورود الشرع ((وقد قرَّرتُ ذلك نقلاً وبحثاً في شرح المحصول)) (2) . (7) قال في فصل الحقيقة والمجاز: ((وفي هذه المواطن مباحث كثيرة مستوعبة في شرح المحصول)) (3) . ( 8) وقال في محاولة إثبات النسخ في شريعة اليهود: ((وقد ذكرتُ صوراً كثيرة غير هذه في شرح المحصول)) (4) . ثانياً: التشابه بين عبارة شرح التنقيح وعبارة نفائس الأصول يوجد تشابه كبير في كثير من مسائل الكتابين من جهة العبارة والنقل، ففي بعض المباحث في " شرح التنقيح " تكاد تكون منقولة بحروفها من " نفائس الأصول "، وهذا أمرٌ متوقَّعٌ ورودُه؛ لعدم طريان ما يقتضي التغيير، ولا غَضَاضة في ذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة منها: (1) مسألة: الإجماع لا يُنسخ ولا يُنسخ به (5) . (2) مسألة: تعريف السبر والتقسيم وسبب التعبير بذلك (6) . ثالثاً: بعض المسائل التي ما تزال مشكلة عند القرافي رحمه الله في الكتابين: رغم التأخر الزمني في تأليف كتاب " شرح تنقيح الفصول "، مما يعني استواء النضج الأصولي عند القرافي إلاّ أن الرجل أعلن في كتابه توقُّفَه في بعض المسائل، وعدم الجزم برأيٍ واضحٍ فيها، وهذه مَنْقبةٌ جليلة للمؤلف - عليه رحمة الله - يحدوه إليها إنصافُهُ للحقيقة واعترافُهُ بالعجز البشري، وتنمُّ عن حسن تواضعه. من ذلك: (1) عجزه عن تحديد الرخصة بحدٍّ يضبط أفرادها، قال: ((والذي تقرَّر عليه   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 71. (2) المصدر السابق ص 93. (3) المصدر السابق ص 44. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 60. (5) انظر: نفائس الأصول 6 / 2500، القسم التحقيقي ص 93. (6) انظر: نفائس الأصول 8 / 3358، القسم التحقيقي ص 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 حالي في شرح المحصول وهاهنا: أنِّي عاجزٌ عن ضبط الرخصة بحدٍّ جامعٍ مانع. أما جزئيات الرخصة من غير تحديد فلا عُسْر فيه، إنما الصعوبة في الحدِّ على ذلك الوجه)) (1) . (2) استشكاله لنوع دلالة العام أهي مطابقيَّة أم تضمنيَّة أم التزاميَّة؟ قال: ((قلت هذا سؤال صعب، وقد أوردته في شرح المحصول، وأجبت عنه بشيء فيه نكارة، وفي النفس منه شيء)) (2) . ( 3) استشكاله لنقل الأصوليين الخلاف في أقل الجمع دون التفريق بين جموع القِلَّة والكثرة، فكيف يصح دخول جموع الكثرة في محل النزاع في أقل الجمع؟!. قال في تنقيح الفصول في الباب السابع في أقل الجمع ((وعندي أن محل النزاع مشكل؛ لأنه إن كان الخلاف في صيغة الجمع التي هي الجيم والميم والعين لم يمكن إثبات الحكم لغيرها من الصيغ، وقد اتفقوا على ذلك. وإن كان في غيرها من صيغ الجموع، فهي على قسمين: جمع قلة. . . وجمع كثرة. . . فإن كان الخلاف في جموع الكثرة فأقلها أحد عشر، فلا معنى للقول بالاثنين والثلاثة، وإن كان في جموع القلة فهو مستقيم)) (3) . ثم قال في الشرح - بعد توضيح هذا الإشكال: ((بل الذي تقتضيه القواعد أن يقولوا: أقل مسمَّى الجمع المنكَّر من جموع القلة: اثنان أو ثلاثة، وأقل جموع الكثرة المنكرة: أحد عشر، هذا متجه لا خفاء فيه، أمَّا التعميم فمشكل جداً)) (4) . والقرافي حتى بعد تأليفه لما أعْتقدُ أنه آخر كتبه في حياته ما زال هذا الإشكال قائماً عنده فها هو يقول في كتابه العقد المنظوم (2 / 161) : ((إشكال عظيم صعب لي نحو عشرين سنة أُوْرِدُه على الفضلاء والعلماء بالأصول والنحو، فلم أجد له جواباً يرضيني، وإلى الآن لم أجده، وقد ذكرته في شرح المحصول، وكتاب التنقيح، وشرح التنقيح، وغيرهما مما يسرَّه الله تعالى علي من الموضوعات في هذا الشأن. . .)) ثم أورده.   (1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 87. (2) المصدر السابق ص 26. (3) المصدر السابق ص 233. (4) المصدر السابق ص 235. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 رابعاً: بعض ما تميَّز به " نفائس الأصول " عن " شرح تنقيح الفصول " كتاب " نفائس الأصول " - بحكم موسوعيته - تناول مسائل أصولية أكثر عدداً، وأوسع بحثاً من كتاب " شرح تنقيح الفصول ". ولهذا تميّز " النفائس " بكثرة النقولات من المصادر المتنوعة، وبسط الأقوال في المسألة، وتحرير محل النزاع، وحشد مئات الفوائد والنكت المنوَّعة. ومن الأمثلة على بعض مميزات النفائس: ( 1) يقتضب الأقوال الواردة في المسألة الواحدة إذا عرضها في " شرح التنقيح " بينما في " النفائس " يوردها كاملةً، كمسألة اعتبار مخالفة الواحد في إبطال الإجماع، قال في النفائس (6 / 2735) ((فهذه خمسة مذاهب لم يَحْكِ الإمام منها إلا مذهبين)) ، بينما في شرح التنقيح تابع فيه الإمام (1) . (2) لم يذكر القرافي في " شرح التنقيح " في مسألة حصول الاتفاق بعد الاختلاف ما إذا كان الاتفاق بعد خلافٍ مستقر أم قبله (2) ؟، مع أنه ذكر هذا التحرير في النفائس (6 / 2675) ، وهو الأحسن. (3) عرض مسألة إجماع أهل المدينة عرضاً سريعاً وقصيراً في " شرح التنقيح " (3) ، بينما تناولها بالبحث الدقيق في " النفائس " (6 / 2701) ، وأجاب عن اعتراضات الخصوم، وقرَّر فيها اختلاف أهل مذهبه في تعيين موطن الحجية في عمل أو إجماع أهل المدينة. خامساً: بعض ما تميَّز به " شرح تنقيح الفصول " عن " نفائس الأصول " قيل: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، وكتاب "شرح التنقيح " كتاب دون المتوسط مقارنةً بكتاب "النفائس "، ومع ذلك يمكن اعتبار كتاب "شرح التنقيح "امتاز بمميزات فاقت كتاب " النفائس "، ربما كان من أوَّليَّات هذا التميز الوقوف على آراء القرافي الأخيرة لكون الكتاب متأخر التأليف عن النفائس. ومن هذه المميزات أيضاً:   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 162. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 136 هامش (6) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 (1) زيادة شرحٍ وإيضاح بالأمثلة في بعض المواطن مثل: قوله ((وبكونه جزاءً لسبب الوجوب كالنذر)) ، فإنه شرحها في شرح التنقيح (1) ، ولم يتعرَّض لها في النفائس (5 / 2341) . ( 2) تجنبه لأوهامٍ وقعت في النفائس، منها قوله - في النفائس (6 / 2370) - بأن الرازي قال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على شرع إبراهيم، وقيل: نوح، وقيل: موسى، وقيل: عيسى عليهم السلام أجمعين، بينما في المحصول (3 / 266) لم يذكر نوحاً. ثم نجده في شرح التنقيح لم ينسب نوحاً إلى مقالة الرازي، وهو الصواب (2) . سادساً: اختلاف آراء القرافي بين " التنقيح وشرحه " و" نفائس الأصول " بمطالعة الكتابين نلاحظ وقوع القرافي في تباينٍ وتعارضٍ في بعض أقواله وآرائه. وليس بمستغربٍ حصول التناقض في كلام البشر، فقد كتبه الله تعالى عليهم؛ لإظهار كمال علمه وقدرته، وعلوِّ شأنه وقداسته. والإمام القرافي لمَّا ألَّف متن " تنقيح الفصول " في بداية مشواره العلمي لعلَّه سطَّر فيه كثيراً من المسائل تابعاً فيها غيره، ثم بشرحه للمحصول في " نفائس الأصول " غيَّر بعضاً مما قرَّره سلفاً، ثم فاته أحياناً أن ينبِّه إلى هذه التغييرات في أقواله وآرائه واستدراكاته في شرح تنقيح الفصول. وسأحاول أن أشير - ما أمكنني الوقوف عليه - إلى هذه الاختلافات، فمن ذلك: (1) قال في شرح التنقيح " اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم " (3) . بينما في نفائس الأصول نقل عن الباجي وغيره الخلاف في المسألة، ثم قال ((فهذه ثلاثة أقوالٍ لم يحكها المصنف (الرازي)) ) (4) ، وكذلك لم يحكها المصنف في شرح التنقيح. ( 2) في تنقيح الفصول أثبت تعريفاً للاجتهاد تبعاً للرازي، لكنه في نفائس الأصول (9 / 3790) أورد عليه إشكالاً وناقشه، ولم يرتضه، ثم أورد تعريفاتٍ   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 15. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 38. (3) انظر: القسم التحقيق ص 381 هامش (5) . (4) نفائس الأصول 8 / 3535. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أخرى، وناقشها. وصنع تعريفاً خاصاً به، رأى أنه سالمٌ من الاعتراضات، وشرحه هناك. ثم إن المصنف فاته أن ينبِّه في شرح التنقيح على ما استشكله على الرازي، ولم يورد تعريفه المختار (1) . (3) اعترض القرافي على الرازي في النفائس عندما عرَّف الإجماع بأنه ((اتفاق أهل الحلِّ والعقد من هذه الأمة في أمرٍ من الأمور)) فأورد عليه بأن هذه العبارة تعمُّ جميع أهل الحل والعقد إلى يوم القيامة؛ لأنه اسم جنس أضيف، وهو غير مراد، ثم اقترح لدفع هذا الإيراد زيادة ((من كل عصرٍ)) (2) . ما سبق ذكره لم يورده في شرح تنقيح الفصول، بل تابع فيه الرازي ولم يستدرك عليه (3) . (4) في تعريف " الخبر " قرَّر في النفائس بما يوافق الرازي في اعتراضاته على تعريفات الخبر الثلاثة (4) ، ودفع ما لا يرى وجاهته ثم اختتم بحثه هذا بتعريفه المختار للخبر، وهو: ((اللفظتان فأكثر أسند بعض مسبباتهما لبعضٍ إسناداً يحتمل التصديق والتكذيب)) (5) . لكنه في تنقيح الفصول وشرحه عرَّف الخبر في الباب السادس عشر بأنه: ((هو المحتمل للصدق والكذب لذاته)) (6) ، وبهذا ترد عليه الاعتراضات المذكورة في النفائس. والغريب في شأن المصنف أنه في الفصل السادس من الباب الأول عرَّف الخبر بأنه ((هو الموضوع للفظين فأكثر أسند مسمى أحدهما إلى مسمى الآخر إسناداً يقبل التصديق والتكذيب لذاته، نحو: زيد قائم)) ثم شرحه هناك (7) . ( 5) قال في شرح التنقيح في مسألة النسخ بالأثقل - تابعاً المحصول (3/321) - ((وعن الثاني: أنه محمول على اليسر في الآخرة حتى لا يتطرَّق إليه تخصيصات غير   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 436 هامش (4) . (2) انظر: نفائس الأصول 6 / 2544. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 119 هامش (3) . (4) انظر: المحصول 4 / 217 - 221. (5) نفائس الأصول 6 / 2793. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 189 هامش (2) . (7) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 محصورة؛ فإن في الشريعة مشاقَّ كثيرة)) (1) ، لكنه في نفائس الأصول (6 / 2463) لم يرتضِ تخصيص اليسر بالآخرة، واعترض على الرازي فيما قاله، وهو الأوجه. المقارنة الثالثة: مقارنة " شرح تنقيح الفصول " بـ" المحصول " للرازي المحصول، وما أدراك ما المحصول! المحصول هو محصول كتب المتقدمين من الأصوليين، ولقد استوعب الإمام الرازي أهم الكتب الأصولية لسابقيه، فدرس البرهان للجويني، والعمد للقاضي عبد الجبار، وحفظ المستصفى للغزالي، والمعتمد لأبي الحسين البصري، فجمع أمهات الكتب الأربعة التي تعتبر أصول هذا الفن ومسائله وتفريعاته على طريقة المتكلمين (2) . وبعد أن حقَّق المذهبين: المعتزلي والأشعري، ووقف على الاتجاهين خرج في محصوله بما استحسنه من كلام الفريقين دون أن يسير فيهم سير المقلدين، بل ينظر ويوازن ويدقق ويمحص، وينسج لنفسه أسلوباً فريداً لم يُسبق إليه، فهو يذكر المسألة ويفتح باب تقسيمها إلى فصول وفروع، ثم يقسم الفصل والفرع إلى أجزاء وهكذا. . .، ويستعمل غالباً طريقة السبر والتقسيم حتى لا يشذّ عن المسألة شيء له بها علاقة، فانضبطت له القواعد، وانحصرت المسائل (3) . ثم إن الرازي كان مولعاً بالاستكثار من الأدلة والاحتجاج (4) ، وربما كان اهتمامه بعلم الكلام والفلسفة وراء ذلك الاستكثار؛ ولهذا طَغَتْ على كتاباته الفقهية والأصولية والتفسيرية وغيرها المنهجيةُ الكلامية. ولقد لَقِيَتْ طريقة الرازي قبولاً منقطع النظير عند الشافعية وغيرهم، ورزق المحصول شهرة واسعة بين الأصوليين، وشغف من جاء بعده بمنهجه وأسلوبه، ولهذا تعاقب المتأثرون بطريقته على شرحه المحصول أو اختصاره أو التعليق عليه.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 73 هامش (8) . (2) انظر: مقدمة ابن خلدون 3 / 1065، القسم الدراسي للمحصول بتحقيق د. طه العلواني 1 / 51. (3) انظر: الوافي بالوفيات 4 / 249. (4) انظر: مقدمة ابن خلدون 3 / 1065. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 من بين هؤلاء المتأثرين به الشهاب القرافي، فها هو يقول حامداً صنيعه: ((ورأيت كتاب المحصول للإمام الأوحد فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العلامة أبي حفص عمر الرازي قدَّس الله روحه جمع قواعد الأوائل، ومستحسنات الأواخر بأحسن العبارات، وألطف الإشارات، وقد عظم نفع الناس به، وبمختصراته، وحصل لهم بسببه من الأهلية، والاستعداد مالم يحصل لمن اشتغل بغيره، بسبب أنه ألَّفه من أحسن كتب السنة، وأفضل كتب المعتزلة، " البرهان " و" المستصفى " للسنة، و" المعتمد " و" شرح العمد " للمعتزلة، فهذه الأربعة هي أصله مصاناً بحسن تصرفات الإمام، وجودة ترتيبه وتنقيحه، وفصاحة عبارته، وما زاده فيه من فوائد فكره وتصرفه، وحسن ترتيبه وإيراده وتهذيبه. . .)) (1) ، وشرح القرافي المحصول في كتابه النفيس " نفائس الأصول ". واختصر المحصول في " تنقيح الفصول "، وعلَّق على " المنتخب " فكانت معايشته للمحصول طويلة وعميقة. لكن هل كان القرافي تابعاً للرازي في كلِّ ما يقرِّره؟ وما مدى التفاوت بين كتاب شرح تنقيح الفصول وكتاب المحصول؟ إن مجرد مقارنةٍ عجلى تنطلق من النظر إلى فهرس مسائل المحصول وشرح التنقيح لتعطي حكماً سريعاً بأن القرافي يكاد لم يتجاوز ما في كتاب المحصول. ولكن هذا الحكم فيه تجنٍّ على القرافي، ومحقٌ لشخصيته، حقاً لقد اقتفى القرافي نهج المحصول في التبويب والتقسيم، والترتيب والتنظيم في غالب الكتاب، كما أنه أكثر من نقولاته عنه. غير أنه لم يَجْرِ على رَسْم الرازي دون تدخُّلٍ وتصرُّفٍ، بل صحح أخطاءً، وتمَّم نقصاً، وزاد مسائل، ووضَّح غموضاً، وحذف بعض المباحث إما لأنها توجب الإملال والكلال، أو لأنها تمثّل استطراداً لا يتلائم مع المختصر، ولا يتعلق بها كبير فائدة، أو لكونها ضعيفة لا حاجة إليها.   (1) نفائس الأصول 1 / 90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ولندْلُفْ الآن إلى ذكر بعض أوجه هذه المقارنة: أولاً: ترجمة المسألة وعنونه الفصل أو الباب اجتهد القرافي في كتابه شرح التنقيح على إثبات فهرسةٍ للمسائل وعنونةٍ للفصول والأبواب أكثر دقّة وأدلَّ على المقصود مما جاء في المحصول. فمن ذلك: (1) ترجم الرازي لمسألة النسخ قبل التمكن بقوله: ((اختلفوا في نسخ الشيء قبل مضي وقت فعله)) (1) ، بينما غيَّر القرافي هذه الترجمة بقوله ((ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه)) (2) . هذه الترجمة أعمُّ من كونه لم يحضر وقته، أو حضر ولم يُفعل منه شيء، أو فُعل بعضه ثم جاء النسخ. والقرافي صنع ذلك ليُدْرج صور المسألة وأقسامها تحت عنوانٍ واحد. (2) في الفصل الرابع من الباب الرابع عشر في النسخ. عَنْون له بقوله: ((فيما يتوهم أنه ناسخ)) (3) . بينما عنوان الرازي هو ((فيما ظُنَّ أنه ناسخ، وليس كذلك)) (4) . وتعبير القرافي أدقّ؛ لأنه يعطي فيه حكمه ورأيه، فعبَّر بالوهم نظراً إلى من منعه. بينما الرازي عبَّر بالظن نظراً إلى من أثبته. ( 3) في الباب العشرين عنون له القرافي بقوله: ((في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين)) (5) وتحته فصلان، الفصل الأول: في الأدلة، ثم سرد تسعة عشر دليلاً باستقرائه. فالمصنف اجتهد في حصر كلِّ دليلٍ يمكن للمجتهد أن يستدل به، فجاء تعبيره بقوله: ((في جميع أدلة المجتهدين. . .)) ، بينما الرازي كان عنوانه هو ((الكلام فيما اختلف فيه المجتهدون من أدلة الشرع)) (6) وبحث تحته إحدى عشرة مسألة.   (1) المحصول 3 / 311. بيّن المصنف في النفائس 6 / 2456 بأن هذه الترجمة التي في المحصول مشوَّشة، ثم إنه اطلع على ترجمتها في مختصرات المحصول فوجد فيها أيضاً تشويشاً، وأن مردّه إلى أصل هذه المختصرات وهو المحصول. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 64، هامش (5) . (3) انظر: القسم التحقيقي ص 102. (4) المحصول 3 / 363. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 491. (6) المحصول 6 / 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ثانياً: الحدود والمصطلحات: كان القرافي يناقش الرازي فيما لا يرتضيه من تعريفات، ويغيَّر في ألفاظها؛ وذلك لما عُهِد في القرافي من دِقَّة وشدَّة تحرٍّ في الحدود والألفاظ. من الأمثلة على ذلك (1) : (1) قال في شرح التنقيح في حدِّ العزيمة ((وقال في المحصول: العزيمة هي جواز الإقدام مع عدم المانع (2) . فيرِدُ عليه أن أكل الطيبات، ولبس الثياب من العزائم؛ لأنه يجوز الإقدام عليها، وليس منها مانع على زعمه في المانع. . . فلذلك زِدْتُ في حدِّي: طلب الفعل مع عدم اشتهار المانع الشرعي. . .)) (3) . ( 2) قال في المتن في حدِّ الشرط ((هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر، ويلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. . .)) ثم قال في الشرح ((نقلت قول الإمام في المحصول (4) ، فإنه لم يذكر في ضابط الشرط غير قوله: هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر، ولم يزد على هذا. . . فلذلك زدتُ أنا من عندي القيود التي بعد هذا القيد فقلتُ: ويلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، فبقيتْ هذه الزيادة مضمونةً إلى كلامه، وهو غير جيد مني، بسبب أن القيد الأول الذي ذكره يلزم أن يوجد في جميع الشروط، وهو غير لازم الوجود. . . فبقي الكلام كلُّه باطلاً، بل ينبغي لي أن أبتديء حدّاً مستأنفاً، فأقول: الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. . . فهذا هو الحدُّ المستقيم، وأما الذي لي والإمام في الأصل (المتن) فباطل)) (5) . (3) قال عند كلامه عن حدِّ الرخصة ((وفسرَّها الإمام فخر الدين في المحصول بجواز الإقدام مع قيام المانع، وذلك مشكل)) (6) .   (1) سبق مجيء أمثلة تصلح أن تسجّل هنا، مثل: المثال (2) في حدِّ الإعادة، والمثال (3) في حدِّ الحكم الشرعي، والمثال (5) في حدِّ الاستثناء، انظرها ص182-183 من القسم الدراسي. (2) انظر: المحصول 1 / 120 (3) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 87. (4) انظره في: 3 / 57. (5) شرح التنقيح (المطبوع) ص 261 - 262. (6) المصدر السابق ص 85، وانظر المحصول 1 / 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 (4) قال في شرح التنقيح عند مناقشة تعريفات " النظر ": ((وأما قولهم: ترتيب تصديقات، فهو قول الإمام فخر الدين، وهو باطل؛ فإن النظر إن كان في الدليل كفى فيه مقدمتان، وتصديقات جمع ظاهر في الثلاث)) (1) . ثالثاً: الاستدراكات والتعقبات: لم يكن القرافي - وقد أوتي شخصيةً مستقلةً - أن يكون تابعاً مقلِّداً لما يحكيه الرازي في محصوله، بل كان يقبل منه ما يرى صوابه وهو كثير، وينتقد ما يرى خطأه والأمثلة على ذلك: ( 1) في مسألة التعليل بالأوصاف المقدَّرة أشتدَّ نكير الرازي فيها، وجعلها من جنس الخرافات والتَّرهات (2) . بينما القرافي أنكر على الرازي حتى كاد يطير لبُّه ويطيش عقله من إنكار الرازي لأمرٍ بدهي عليه مدار الفقه، ثم راح يحشد له الدلائل على أن المقدرات في الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه، وقال أخيراً بأن إنكار الإمام منكر (3) . (2) اعترض على تمثيل الرازي في مسألة منع إحداث قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين، فإن الرازي مثَّل لها بمسألة توريث الإخوة مع الجدِّ، إما المقاسمة أو المال كله للجدِّ، فإحداث قول ثالث - وهو صيرورة المال كله للإخوة - على خلاف الإجماع. فالقرافي أورد نقلاً عن ابن حزم في المحلَّى بأن هذا القول الثالث ممن قال به بعضهم، فقال القرافي ((فلا يصح على هذا ما قاله الإمام من الإجماع)) (4) . (3) في مسألة نسخ الإجماع والنسخ به ذكر القرافي بأن الرازي بنى المسألة على قاعدة أن الإجماع لا ينعقد في زمانه - صلى الله عليه وسلم -. وعقَّب عليه بأن هذه الطريقة مشكلة بسبب أن وجود النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع وجود الإجماع. ثم سجَّل القرافي على الرازي تناقضاً في قوله؛ لأن الرازي نقض هذه القاعدة عندما قال بإمكان نسخ القياس في زمانه - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع، فصرَّح بجواز انعقاد الإجماع في زمانه - صلى الله عليه وسلم - (5) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 438. (2) انظر: المحصول 5 / 318 - 320. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 382 - 384. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 129 - 131، المحصول 4 / 127. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 93 - 97، المحصول 3 / 354، 358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ( 4) في أول باب التعارض والترجيح نقل القرافي قول الإمام الرازي بأنه: إن وقع التعارض في فعلٍ واحدٍ باعتبار حكمين فهذا متعذّر. ثم قال القرافي - في الشرح - عن هذا القول ((ليس كما قال)) وشرحه هناك (1) . (5) قال في شروط الاجتهاد ((حصر المتعيِّن في خمسمائة آية قاله الإمام فخر الدين وغيره، ولم يحصر غيره ذلك، وهو الصحيح)) (2) ثم علَّل وجه هذه الصحة. (6) في مسألة عدم دخول القياس فيما لا يتعلَّق به عمل كفتح مكة عَنْوة قال القرافي في الشرح ((غير أن الإمام فخر الدين أطلق القول في ذلك، والحقُّ هذا التفصيل)) (3) . (7) قال في أقسام البيان ((يمكن البيان من الله تعالى بالقول. وأما بالفعل، والكتابة، والإشارة، فقد صرَّح الإمام فخر الدين على استحالة البيان بها على الله تعالى. . . وفيما قاله نظر. . .)) (4) . (8) قال في دلالة الأمر على الإجزاء ((وما ذكرته من الدليل هو مستند الإمام في المحصول، وليس بشيء)) (5) . رابعاً: التصرُّف في النقل عن المحصول تنوعَّت طريقة القرافي في نقله عن المحصول، وتعددت أساليبه، ولكن تتفق جميع هذه الطرق في أنها نقل بالمعنى والفحوى دون اللفظ والحرف. وإليك أنماطاً لنقولاته: (1) نقل القرافي صفحات كثيرة من المحصول في مسألة ترجيح الأخبار في الإسناد (6) وفي المتن (7) فيما لا يزيد عن خمسة أسطر، وكان نقله فيها باختيار واختصار وانتخاب واقتضاب.   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 403، 405، المحصول 5 / 380 - 388. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 465، وانظر المحصول 6 / 23. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 400، وانظر: المحصول 5 / 354. (4) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 279. (5) المصدر السابق ص 134. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 421؛ المحصول 5 / 415 - 425. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 425، المحصول 5 / 428 - 433. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ( 2) مسألة نسخ القياس والنسخ به يبدو أنها فاتت القرافي في أول تأليفه للمتن تنقح الفصول، فاستدركها في أثناء شرحه (1) ، ونقلها برُمَّتها من المحصول (2) ، مع تصرفٍ يسير. (3) في باب الأخبار بحث القرافي في الأمور التي لا تقدح في الراوي نقلاً عن المحصول، وقد جمعها القرافي ودمجها في مكانٍ واحدٍ (3) ، بينما بحثها الرازي في أماكن متفرِّقة (4) . (4) يتصرَّف في النقل حتى يكاد أن يتغيّر مذهب الرازي بل تغيَّر، مثل ما نقله فيما لايقدح في الراوي إذ قال: ((قال الإمام. . . وقد اتفقوا على أن مخالفة الحفاظ لا تمنع من القبول)) (5) بينما قول الرازي هو: ((فقد اتفقوا على أن ذلك لا يقتضي المنع من قبول ما لم يخالفوه فيه. . . وأما القدْر الذي خالفوه فيه، فالأولى ألا يُقبل. . .)) (6) . (5) لمَّا غيَّر القرافي في عبارة الرازي استدرك على نفسه في الشرح كما في مسألة ما تعم به البلوى إذا لم ينتشر هل يكون إجماعاً سكوتياً؟ قال القرافي في المتن ((قال الإمام: إن كان مما تعم به البلوى ولم ينتشر ذلك القول فيهم، ففيه مخالف لم يظهر. . .)) (7) ثم قال في الشرح ((وقولي: فيه مخالف، غير هذه العبارة أجود، بل نقول: فيه قائل، أما المخالف فلا يتعيَّن لاحتمال أنه موافق)) (8) وما أغنى المصنف عن هذا الاستدراك على نفسه لو التزم عبارة المحصول ((فلابد وأن يكون لهم في تلك المسألة قولٌ، إما موافق وإما مخالف، ولكنه لم يظهر)) (9) .   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 100. (2) انظر: المحصول 3 / 358 - 360. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 260. (4) انظر: المحصول 4 / 425، 426، 437، 438. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 260، 261 هامش (10) . (6) المحصول 4 / 437. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 146، وانظر: المحصول 4 / 159. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 147. (9) المحصول 4 / 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ( 6) حكم على لفظ المحصول بأن فيه تدافعاً وتناقضاً في مسألة مستند الإجماع، أيجوز أن يكون بالتبخيت؟ فإن القرافي قال في الشرح ((وأما قولي: وجوَّزه قوم بمجرد الشبهة والبحث، فأصل هذا الكلام أنه وقع في المحصول أنه: جوَّزه قوم بمجرد التبخيت، ووقع معها من الكلام للمصنف ما يقتضي أنها شبهة ... )) (1) وفي الحقيقة بالتأمل في كلام الرازي في محصوله لا يظهر أيُّ تدافعٍ أو اضطرابٍ (2) ، والله أعلم. (7) ينقل عن المحصول مع المبالغة في الاختصار حتى يقع الاختلال في العبارة مثل مسألة تعارض دليلين كلٌّ منهما عامٌّ من وجه وخاصٌّ من وجه (3) . خامساً: الإضافات والزيادات القرافي ضمَّن كتابه " شرح التنقيح " أبحاثاً لم يتناولها الرازي في محصوله، والعكس كذلك لكن المقام هنا - ونحن في مجال المقارنة - يزيد أن نبيّن ما امتاز به المتأخر عن المتقدّم. من هذه المباحث: (1) نقل القرافي من التوراة نصوصاً تكذِّب دعوى اليهود في إنكار النسخ (4) . (2) حكم إجماع الأمم السالفة أيكون حجة أم لا (5) ؟، وكذا مسألة إجماع أهل الكوفة (6) . (3) تفصيل القرافي في مسألة اعتماد الراوي على خطِّ شيخه في الرواية (7) . (4) تفنيد القرافي للمكتفين بالظاهر في تعديل الراوي (8) . (5) التوسع في تعريف كلٍّ من: تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق المناط، والتفريق بينها (9) .   (1) القسم التحقيقي ص 172، هامش (9) . (2) انظر: المحصول 4 / 187 - 189، والقسم التحقيقي، هامش (4) ص 173. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 414 هامش (6) (4) انظر القسم التحقيقي ص56-59. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 122. (6) انظر القسم التحقيقي ص 155. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 251، 252. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 247. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 314. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 (6) ذكر في مسألة ترجيحات الأخبار - سواءً في الإسناد أو المتن - زياداتٍ لم ترد في المحصول (1) وكذا الحال في تراجيح الأقيسة (2) . (7) الفصل الثالث: فيمن يتعيَّن عليه الاجتهاد (3) ـ من الباب التاسع عشر: في الاجتهاد - يُعدُّ من الموضوعات الجديدة بالنسبة للمحصول. (8) الصور المستثناة من تحريم التقليد عند الإمام مالك رحمه الله، وهي أربع عشرة صورة (4) . (9) بحث القرافي -ضمن أدلة المجتهدين - في أدلةٍ لم يتعرض لها الرازي في محصوله، منها: العوائد (العُرْف) (5) ، وسد الذرائع (6) ، والاستدلال (بالملازمات) (7) . (10) وهناك إضافات كثيرة جداً لم ترد في المحصول، تتعلق هذه الإضافات بمجالاتٍ عديدة، منها: أ - أنواع جديدة من الأدلة، مع أوجه الاستدلال؛ والمناقشات، كما في مسألة اعتبار الواحد في إبطال الإجماع (8) ، ومسألة خبر المجهول (9) ، والتعليل بالحكمة (10) . ب - مسائل جزئية فرعية، مثل: الخلاف في تكفير المتبدع (11) ، ومسألة التخيير يقتضي التسوية وما يرد عليها من إشكال (12) . جـ - قواعد وضوابط فقهية مفيدة، مثل: الفصل الثاني - برُمَّته - في تصرفات المكلفين من الباب العشرين (13) . ومثل: قاعدة في التعارض بين الأصلين، والبيِّنتين،   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 418، 424. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 427. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 456. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 441 - 455. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 501. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 503. (7) انظر: القسم التحقيقي ص 509. (8) انظر: القسم التحقيقي ص 163 وما بعدها. (9) انظر: القسم التحقيقي ص 240 وما بعدها. (10) انظر: القسم التحقيقي ص 369. (11) انظر: القسم التحقيقي ص 161. (12) انظر: القسم التحقيقي ص 12. (13) انظر: القسم التحقيقي ص 525 - 539. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 والأصل والظاهر وهكذا (1) ، ومثل: التوسع في الكلام عن مقاصد الشريعة مع التمثيل (2) . د - تصوير المسألة وتحرير محلِّ نزاعها، مثل: هل يجوز انقسام الأمة إلى قسمين كلّ منهما مخطيء في جانب؟ (3) سادساً: المميزات والحسنات لا جَرَمَ أن كتاب " المحصول " تبوّأ منزلةً ساميةً بين كتب الأصول، وامتيازاته تفوق الحصر، وليس المقام هنا لتعدادها، وإنما المقصود تسليط الضوء على ما امتاز به " شرح تنقيح الفصول " للقرافي عن " المحصول " الذي يعدُّ من أحد ركائزه الأساسية. وإليك طَرْفاً منها: (1) مما ينبغي أن يسجَّل لكتاب القرافي من محاسن في مقابلة " المحصول " إعراضه عن تلك الشَّبَه والمطاعن التي حِيْكت على عدالة الصحابة رضوان الله عليهم. ساقها الرازي في محصوله (4 / 307 - 350) حكايةً عن الخوارج، وعن النظَّام فيما نقلها عنه الجاحظ. فإنه - عفا الله عنه - جاء بها مفصَّلةً موسَّعةً بحيث لم يدع شبهةً من شبهاتهم إلا أوردها لهم دون أن يُكلِّف نفسه عناء تفنيدها ودَحْضها واحدةً تلو الأخرى. فكان حتماً عليه أن يَضْرِب صَفْحاً عن ذِكْرها، أو يجيب عنها بما يُسكِّن الفؤاد إن استحسن أو استجاز ذكرها. (2) تحاشى القرافي في كتابه كثيراً من المباحث الكلامية اللاَّئق بحثُها في كتب العقيدة والكلام، بينما جاءت مبحوثةً في كتاب المحصول. منها: أ - مسألة عصمة الأنبياء، كمدخلٍ للبحث في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) . ب - مسألة بقاء الأعراض عند الكلام عن النسخ، أهو رفع أم بيان (5) ؟   (1) انظر: القسم التحقيقي ص 519 وما بعدها. (2) انظر: القسم التحقيقي ص 324 وما بعدها. (3) انظر: القسم التحقيقي ص 186. (4) انظر: المحصول 3 / 225. (5) انظر: المحصول 3 / 287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 جـ - مسألة اللُّطْف، والإمامة، وعصمة الأئمة عند الرافضة ضمن مبحث حجية الإجماع (1) . د - مسألة خلاف الأشاعرة مع المعتزلة في تفسير العلَّة، أهي: المؤثر أم الموجب أم الداعي أم المعرِّف. . . إلخ (2) ؟ هـ - مسألة تعليل أفعال الله وأحكامه بالمصلحة والحكمة (3) . (3) حسن عرض القرافي لبعض المسائل في كتابه بأحسن مما جاءت في المحصول وهو كثير، ومن أمثلته: مسألة إحداثٍ قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين (4) . (4) تجنُّب القرافي للأدلة ضعيفة الاستدلال، وأقام عوضاً عنها أدلةً أقوى، كما في مسألة نسخ الكتاب والمتواتر بالآحاد (5) ، واختياره أجوبةً على اعتراضات الخصم أسدّ من أجوبة الرازي في محصوله، كما في أجوبة الأدلة الثلاثة الأولى للخصم في مسألة إجماع أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول (6) . المقارنة الرابعة: مقارنة " شرح التنقيح " بالشروحات الأخرى سبق في المبحث الأول من هذا الفصل سَرْدُ أسماء الشروحات والحواشي لكتاب " تنقيح الفصول " للقرافي (7) ، وغاية ما وقفتُ عليه ثلاثة عشر شرحاً، لكن المطبوع منها أربعة، ذلك مبلغي من العلم، وهي: التوضيح في شرح التنقيح لحلولو، ورفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي (رسالة جامعية) ، منهج التحقيق والتوضيح لحلّ غوامض التنقيح لمحمد جعيط، حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح لمحمد بن الطاهر عاشور. وسأعقد مقارنةً إجمالية أبيّن فيها توصيفاً سريعاً لهذه الشروحات مبرزاً أهم السِّمات والفروقات في منهجها، وما لها من مميزات، وما عليها من ملاحظات.   (1) انظر: المحصول 4 / 101 - 126. (2) انظر: المحصول 5 / 127. (3) انظر: المحصول 5 / 172 - 198. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 129، المحصول 4 / 127. (5) انظر: القسم التحقيقي ص 84 وما بعدها، المحصول 3 / 333 وما بعدها. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 139 - 140، المحصول 4 / 141. (7) انظر: القسم الدراسي ص 70 - 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أولاً: التوضيح شرح التنقيح لحلولو القيرواني قال حلولو في مقدمة كتابه ((إن الباعث لي على شرح هذا الكتاب ما رأيت من تشاغل المريدين لقراءة علم أصول الفقه به دون غيره؛ لما اشتمل عليه من واضح العبارة، وبيَّن الدلالة والإشارة، مع ما فيه من فائدة العزو في بعض المسائل لأهل المذهب. . .)) (1) . ومن أبرز ملامح منهج الكتاب ومميزاته ما يلي: (1) طريقته في الشرح أنه يورد الجملة الأولى من بداية نص " تنقيح الفصول " - وهي التي يُفهم منها عنوان المسألة - ثم يقول: إلى آخره. ثم يشرح هذه القطعة شرحاً إجمالياً عاماً، من دون مراعاة لفظ أو عبارة القرافي. (2) يقول في افتتاحية شرحه للمقطع المراد شرحه مثلاً: في كلامه ثلاث مسائل أو مسألتان. . . وهكذا، كما فعل عند بداية الباب الثالث عشر في فعله - صلى الله عليه وسلم -. قال: ((في كلامه مسألتان، إحداهما: دلالة فعله، الثاني: دلالة الإقرار)) (2) . (3) أميز ما تميَّز به شرح حلولو عن شرح القرافي العناية الفائقة بنقل الأقوال والمذاهب والآراء في المسألة الأصولية باستقصاءٍ جيدٍ، وتحريرٍ بديعٍ، قلَّما تجده في غيره. فمثلاً: أ - في مسألة الإجماع السكوتي نقل فيها تسعة مذاهب (3) ، بينما هي عند القرافي أربعة مذاهب (4) . ب - ذكر في مسألة القَدْح بالنقْض ثمانية مذاهب (5) ، بينما عند القرافي أربعة مذاهب (6) .   (1) التوضيح شرح التنقيح ص 2. (2) التوضيح شرح التنقيح ص 243. (3) التوضيح شرح التنقيح ص 282 - 283. (4) انظر: القسم التحقيقي ص 142. (5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 350 - 351. (6) انظر: القسم التحقيقي ص 349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 جـ - في مسألة الاكتفاء بإطلاق التعديل أو التجريح دون إبداء سببه نقل فيها تفصيلات وأقوالاً كثيرة (1) . (4) يعتني بالنقل عن كثير من علماء المالكية غير الذين نقل عنهم القرافي. (5) يبرز المذهب المالكي بشكلٍ أوضح أحياناً مما عند القرافي، مع تحريره الدقيق للخلاف الموجود بداخل المذهب، مثل: أ - مسألة إجماع أهل المدينة (2) ، بل تعجَّب من قلَّة اهتبال المصنف لها (3) . ب - مسألة تقديم القياس على خبر الآحاد المنقولة عن مالك، ورجَّح حلولو النقل القائل بتقديم خبر الآحاد على القياس (4) . (6) يهتمُّ بالحدود والتعريفات، ويورد أكثر من تعريف ثم يناقشها، ويشرح الحدَّ لغةً واصطلاحاً كما في حدِّ النسخ، والإجماع، والخبر، والقياس، والمناسبة أو المناسب، والاجتهاد. (7) في مواطن من شرحه استيفاء وتوسع أزيد مما جاء في شرح القرافي. مثل: أ - مسألة إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) -. ب - مسألة تعارض الفعلين أو الفعل مع القول، أورد عليها تقسيماً حاصراً، حتى بلغت ثلاثين صورةً من صور التعارض، ثم شرحها بأكثر مما عند القرافي (6) . جـ - في مسألة مراتب رواية غير الصحابي عن شيخه، عدَّ فيها عشر مراتب، وشرحها (7) . (8) يكثر من العنونة بـ" تنبيه "، فما تكاد تطوي بضع صفحات إلا وتجد فيها تنبيهاً أو تنبيهين أو تنبيهات (8) .   (1) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 313 - 315. (2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 284 - 285. (3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 284 - 285. (4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 333. (5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 243 - 244. (6) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 247 - 251. (7) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 323 - 326. (8) انظر على سبيل المثال الصفحات: 246، 262، 257، 272، 326، 330 من الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (9) يذكر صورة المسألة، ويحرر النزاع في بعض المسائل، مثل: أ - مسألة النسخ قبل التمكن، قال: ((واختلفت عبارات العلماء في ترجمة هذه المسألة. . .)) (1) ثم عدَّها. ب - مسألة الزيادة على النص أهي نسخ أم لا (2) ؟ جـ - مسألة انعقاد الإجماع بعد الاختلاف (3) . (10) ينقل من شرح القرافي بعض المسائل بنصِّها وحروفها، منها: أ - مسألة اشتراط الإرادة في الخبر (4) . ب - مسألة الاعتماد على الخط (5) . جـ - مسألة النسخ قبل التمكن (6) . (11) يبيّن ثمرة الخلاف أهي لفظية أم معنوية. مثل: أ - الخلاف في تعبُّده - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله قبل النبوة (7) . ب - الخلاف في اعتبار النقض قادحاً (8) . جـ - الخلاف في تفسير الإيماء (9) . (12) تميَّز شرح حلولو بحسن العرض وتقسيماته للمسائل، من أمثلة ذلك: أ - تقسيماته للشروط المتعلقة في باب الخبر (10) . ب - ذكر في مسألة التعليل بالاسم صوراً، وذكر الخلاف فيها على عكس حكاية القرافي الاتفاق عليها (11) .   (1) التوضيح شرح التنقيح ص 258. (2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 269. (3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 281. (4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 296 السطر قبل الأخير. (5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 315 السطر 17. (6) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 259 السطر 2. (7) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 252. (8) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 351. (9) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 338. (10) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 308. (11) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 361. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ( 13) تبع حلولو في شرحه نفس ترتيب وتبويب القرافي، لكنه كان يُدمج عدداً من المسائل في موطن واحدٍ، مثل: أ - قوله: ((فيه مسائل: إجماع أهل الكوفة، الثانية: إجماع أهل البيت، الثالثة: إجماع الخلفاء الأربعة)) (1) . ب - قوله: ((فهاهنا مسائل، أحدها: إذا أجمع أهل العصر الأول على قولين، فهل يجوز إحداث قول ثالث. . .)) ثم ضمَّ إليها مسألة: إذا أجمعوا على عدم التفضيل بين مسألتين، ومسألة إذا تأوَّل أهل عصر تأويلاً أو استدلوا بدليل هل لمن بعدهم أن يستدلوا بغيره (2) . لكنه كان يستدرك على المصنف بعض ترتيبه للمسائل، مثل: أ - قال عند مسألة التعليل بالمحلِّ ((والمناسب في وَضْع التأليف ذكر القاصرة عقب المحلِّ أو قبله، لكن المصنف أخَّر الكلام على القاصرة، فلنتابعه)) (3) . ب - قال عن الفصل السادس في مستند الراوي من باب الخبر ((الأولى في ذكر هذا الفصل أن يذكره مع مسائل الفصل التاسع (في كيفية مراتب الرواية) لأنه الأليق به)) (4) . (14) انفرد شرح حلولو بزيادات في مسائل لم يبحثها القرافي في شرحه، أو بشرح مسائل في المتن لم يتعرض القرافي لشرحها، من ذلك: أ - تحدَّث عن عصمة الأنبياء، ووضَّح بأن عادة الأصوليين جارية بتقديم الكلام منها بين يدي مسألة الاحتجاج بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) . ب - لمَّا أغفل القرافي الكلام عن أركان القياس وشروطها عقد فصلاً مطوّلاً، وقال: ((فصل: اعلم أنه لابد للقياس من معرفة أركان القياس وشروط كل ركن،   (1) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 285. (2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 279 - 281. (3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 358. (4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 315. (5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ولم يتكلم المصنف عنها إلا على العلة في آخر الكتاب، فإنه قد ذكر هناك بعض شروطها، فلنذكر هنا ما أجمله من الأركان وشروطها. . .)) (1) . جـ - تكلَّم عن مسلك الإجماع، ومثَّل له، وقد نَسِيه القرافي، وقال حلولو ((والبداية به أولى لعدم تطرق النسخ إليه)) (2) . د - قسَّم الاستصحاب إلى عدة أقسام، لم يناولها القرافي، ثم ذكر المذاهب فيها والأمثلة عليها (3) . هـ - شرح ما لم يشرحه المصنف، مثل: الترجيح في العقليات أو القطعيات (4) . (15) استدرك حلولو على القرافي وتعقبَّه في عددٍ من المسائل، من ذلك: أ - قال عن جوابٍ للقرافي عن تعريف الرازي للنسخ بأنه غير صحيح (5) . ب - لما قال القرافي في نسخ السنة بالقرآن إجماعاً، قال: ((والصحيح جوازه، ومقابلة مروي عن الشافعي)) (6) . جـ - لمَّا عبر القرافي في تعريف الإجماع بأهل الحل والعقد ناقشه حلولو ورأى بأن الأحسن التعبير بالمجتهدين (7) . د - قال ((قول المصنف في الشرح: إن كان مما لا تعم به البلوى فيتخرج على الإجماع السكوتي، هل حجة أم لا، غير صحيح)) (8) . هـ - قال: ((وأما قول المصنف إن العدالة اجتناب الكبائر، فليس بصحيح. . .)) (9) . واستدرك على القرافي في تعريفه للصحابي (10) .   (1) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 334 - 337. (2) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 338. (3) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 402 - 403. (4) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 373. (5) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 357. (6) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 264. (7) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 274. (8) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 283. (9) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 310. (10) انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 311. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وأخيراً على جلالة قدر الكتاب وأهميته وما امتاز به من مميزات فريدة، فإن الملحظ البارز عليه خلوُّه من عرض الأدلة والمناقشات ونحو ذلك إلا نادراً، فرحم الله مصنِّفه وبارك في علمه. ثانياً: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي الرجراجي إن شرح الشوشاوي - نظراً لتأخره الزمني - يُعدُّ خلاصةً للشروح التي سبقته، فقد استفاد من شرح القرافي، وشرح المسطاسي، وأخرى لم يصرِّح بها، بل لقد نوَّع الشوشاوي مصادر شرحه وكثَّرها حتى قاربت الثمانين مصدراً، ولهذا زَخَر كتابه بنقولات عديدة لم يوردها القرافي في شرحه، فكان حجم كتابه ثلاثة أضعاف حجم شرح القرافي. فهو - بحقٍّ - أوسع الشروح وأكثرها بَسْطاً وإسهاباً. وأما طريقة الشوشاوي في شرحه فإنه يشرح المتن بطريقة القول، فهو يأخذ المتن مَقْطعاً مَقْطعاً، ثم يُجزِّئه إلى جُمَلٍ صغيرة، كل جملة تتضمَّن موضوعاً محدداً، ثم يبدأ بشرح ما يتطلّبه الشرح من الناحية اللغوية والاصطلاحية، ويتطرَّق للخلاف، وذكر القوال والاستدلال إن كانت المسألة خلافية، مع تدعيم الشرح بعديدٍ من الأمثلة والتطبيقات الواقعية والفرضية، وهذا أبرز ما يتميز به، وبهذا يسهل فهم القواعد الأصولية (1) . وليَجْرِ الحديث عن جوانب أخرى من سمات ومميزات هذا الشرح، من ذلك: (1) تميّز الشوشاوي بوضع تمهيدٍ لكثيرٍ من أبواب الكتاب، وبعض مسائله، هذا التمهيد بمثابة إرهاصة لما اشتمل عليه الباب من فصول، وما تحويه الفصول من مطالب ومسائل وموضوعات. خُذ مثلاً على ذلك: أ - عند قول القرافي في الباب الثالث عشر: ((تفريع: إذا وجب الاتباع، وعارض فعلُه قولَه. . .)) (2) . قال الشوشاوي ((كلام المصنف هاهنا في حكم الدليلين إذا تعارضا بنفي أو إثبات ينبغي أن نقدّم هاهنا أربعة أمور. . .)) (3) ثم ذكرها.   (1) راجع القسم الدراسي لكتاب: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للباحثين الفاضلين د. أحمد السراح، د. عبد الرحمن الجبرين. (2) القسم التحقيقي ص 16. (3) رفع النقاب القسم 2 / 336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ب - وفي الفصل الخامس: فيما يعرف به النسخ قال ((أي في بيان الطريق الذي يعرف به النسخ، وهو محصور في قسمين: لفظي، ومعنوي. . .)) (1) . جـ - وفي الفصل الثالث: في ترجيح الأخبار قال ((اعلم أن الترجيح يكون في الأخبار، ويكون في الأقيسة، ويكون في طرق العلل، وقد عقد المؤلف لكل واحدٍ من هذه الثلاثة فصلاً يخصُّه. . . والترجيح في الأخبار على قسمين: إما في إسنادهما، وإما في متنها. ومعنى إسنادها: أي إسناد الحديث إلى رواته، ومعنى متنها: أي لفظ الحديث نفسه)) (2) . (2) في التبويب والترتيب سار الشوشاوي على طريقة القرافي، وهذا يحتِّمهُ كونه شرحاً للكتاب. ومع ذلك، كان الشوشاوي ينتقد القرافي ويعترض عليه في الترتيب، ويقترح تقديماً أو تأخيراً أو دمجاً ونحو ذلك: مثل: أ - استنكر الشوشاوي على المصنف لما لم يُلحق مسائل الفصل الرابع: فيما يتوهم أنه ناسخ لمسائل الفصل الثالث: في الناسخ والمنسوخ (3) . ب - تعرض القرافي في الفصل الثامن من باب الخبر للشروط المختلف فيها، هل تعتبر في الرواية أم لا؟ مع أن الفصل الذي سبقه كان بعنوان ((في عدده)) ، وهو ينبغي دخوله ضمن الشروط المختلف فيها، فكان الأولى دمجها تحت فصلٍ واحد (4) . (3) تبدو عند الشوشاوي عناية بمراعاة ما جاء في نسخ كتاب القرافي واختلافها، مثل: أ - قوله ((وفي بعض النسخ: وبكونه جزءاً لسبب الوجوب كالنذر، من غير ألف قبل الهمزة)) (5) . ب - قوله ((وفي بعض النسخ: والغزالي من الشافعية)) (6) .   (1) رفع النقاب القسم 2 / 465. (2) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 980. وانظر أمثلة أخرى في القسم 2 / 313، 582، 840، 1020. (3) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 435. (4) انظر: رفع النقاب 2 / 689. (5) رفع النقاب القسم 2 / 334. (6) رفع النقاب القسم 2 / 365. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 جـ - قوله ((في بعض النسخ: لا من جهة الأدلة المنصوصة)) (1) . ( 4) اعتنى الشوشاوي عنايةً جيدة بالحدود والمصطلحات والألفاظ، وقد يشرح حدوداً لم يشرحها القرافي مثل حد العلم، والتواتر، والاجتهاد، والمندوب، ... إلخ. ويذكر أكثر من تعريف وربما اختار وفضَّل ما لم يرجحه القرافي كحدِّ النسخ، ويهتم بالشرح اللغوي للمصطلح كحدِّ المرسل، والبخت، والذريعة، والتقليد. . . إلخ. (5) ينقل الشوشاوي عباراتٍ وجملاً من شرح القرافي في مواضع كثيرة جداً من كتابه (2) . (6) برع الشوشاوي في شرحه بجمع الأدلة، وأوجه الاستدلال بها، والاعتراضات عليها، والأجوبة عنها، وجاء في هذا بأكثر مما جاء في شرح القرافي، مثل: مسألة شرع من قبلنا (3) ، ومسألة حجية خبر الآحاد (4) ، ومسألة الترجيح في العقليات (5) . (7) حوى شرحه كثيراً من الاستطرادات الخارجة عن موضوع المسألة، مثل: تعيين الذبيح (6) . تعيين الصلاة الوسطى (7) ، أسماء علماء المدينة السبعة (8) ، تحديد أهل العِتْرة (9) ؟، تعذيب الميت ببكاء أهله (10) ، المواضع التي يجوز فيها حَذْف " أن " المصدرية (11) ، مصطلحات حديثية (12) ، أصل كلمة بغداد ومعناها (13) ، وغيرها.   (1) رفع النقاب القسم 2 / 1229. (2) انظر مثلاً الصفحات 348، 426، 595، 652، 742، 836، 910، 1139 من القسم الثاني. (3) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 360 - 361. (4) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 617 - 523. (5) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 962 - 966. (6) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 398. (7) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 439. (8) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 519. (9) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 523. (10) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 623. (11) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 682. (12) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 751. (13) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1086. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ( 8) في عرض الأقوال والآراء والمذاهب في المسألة كثيراً ما يقتصر على الأقوال التي يوردها القرافي، فيقول مثلاً: ((ذكر المؤلف في جواز نسخ الخبر ثلاثة أقوال)) (1) ، ((ذكر المؤلف في جواز الاجتهاد للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أقوال)) (2) وهكذا. . . وفي حالات قليلة يزيد عليها بما يعرفه، ففي مسألة التعبد بشرع من قبلنا قبل النبوة، قال: ((ذكر فيها المؤلف قولين، وفيها قول ثالث بالوقف)) (3) . وفي مسألة الإجماع السكوتي قال: ((اختلف الأصوليون فيه على خمسة أقوال، ذكر المؤلف أربعةً، والخامس هو: إجماع وحجة مطلقاً)) (4) ، وفي مسألة العصمة (التفويض) قال: ((ذكر المؤلف فيه ثلاثة أقوال. . . فهذه الثلاثة ذكرها المؤلف، وفيه قولان آخران)) (5) . (9) له إسهامات زائدة في تحرير مذهب الإمام مالك في بعض المسائل، من ذلك: مسألة اشتراط الفقه في الراوي (6) ، حجية إجماع أهل المدينة (7) ، الأصول التي انفرد بها الإمام مالك رحمه الله (8) . (10) له اهتمام بتحرير محل النزاع، مثل: الخلاف في النسخ بالأثقل (9) ، الخلاف في حجية قياس الأشباه (10) . كما أنه يبيّن منشأ وسبب الخلاف، كما في: سبب الخلاف في نسخ الخبر (11) ، سبب الخلاف في إحداث قول ثالث (12) .   (1) رفع النقاب القسم 2 / 409. (2) رفع النقاب القسم 2 / 1132. (3) رفع النقاب القسم 2 / 349. (4) رفع النقاب القسم 2 / 504. (5) رفع النقاب القسم 2 / 1250. (6) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 697. (7) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 517. (8) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205. (9) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 403. (10) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 864. (11) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 410. (12) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 492. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ( 11) انفرد الشوشاوي بمباحث مستقلة لم يبحثها القرافي في كتابه، مثل: اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمان ومكان فعله (1) ، شروط الرواية بالمعنى (2) ، ما انفرد به المالكية في أصولهم كمراعاة الخلاف، والحكم بين حكمين (3) . ولكن ذهل الشوشاوي أن يبحث مسألة نسخ القياس والنسخ به، وهي من مباحث شرح القرافي (4) . (12) استدرك الشوشاوي على القرافي في عددٍ من المسائل، من ذلك: أ - قال ((قوله: أو بالاستصحاب في عدم الوجوب، وبالقربة على نفي الإباحة، يعني: أن من وجوه الاستدلال: أن الاستصحاب يدل على عدم الوجوب، وكونه قربةً يدلُّ على عدم الإباحة، وهذا تكرار؛ لأنه أحد أقسام ما يدل على نفي قسمين، فجعله المؤلف قسيماً للذي قبله مع أنه أحد أقسامه، لأنه حين انتفى الوجوب والإباحة تعيَّن الندب. فصوابه أن يقول: كالاستصحاب في عدم الوجوب مع القربة في نفي الإباحة فيحصل الندب)) (5) . ب - قال ((انظر قول المؤلف: لو امتنع ذلك لامتنع وجود المقتضى والمانع، فإن مذهب الإمام منع اجتماعهما، فهو استدلال بمحل النزاع. . .)) (6) . جـ - لما قال القرافي: ((أو بإذن غير الشرع: كقبض المبيع بإذن البائع والمُسْتام، والمبيع الفاسد، والرهون، والهبات. . . إلخ)) (7) قال الشوشاوي ((قوله: أو بإذن غير الشرع، بل نقول: هذه الأشياء كلها فيها أيضاً إذن الشرع)) (8) . د - لما ذكر القرافي الخلاف في المقلِّد، هل يجب عليه الاجتهاد في أعيان المجتهدين أو لا يجب (9) ؟   (1) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 326. (2) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 760. (3) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205. (4) انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 100. (5) رفع النقاب القسم 2 / 332. (6) رفع النقاب القسم 2 / 952. (7) انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 527 - 528. (8) رفع النقاب القسم 2 / 1278. (9) انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 481. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 عقَّب الشوشاوي فقال: ((وهذا مناقض للإجماع الذي ذكره في الفصل الثاني (باب الاجتهاد) عند قول المصنف؛ قاعدة: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر. . .)) (1) . وأخيراً، إن أبرز ما يمتاز به شرح الشوشاوي ولعه الشديد بإيراد الأمثلة والتفاريع الفقهية التي تسهِّل فهم القواعد الأصولية، وكذلك يتَّسم أسلوب الشوشاوي بالوضوحِ والسلاسة والبساطة ونبذ العمق مقارنةً بأسلوب القرافي الذي يمتاز بالعمق والرصانة ويكتنفه بعضَ الغموض والصعوبة. ومع قيمة كتاب " رفع النقاب " العلمية، لكنه يلاحظ عليه كثرة استطراداته وإطناباته التي تخرج عن حدِّ الموضوع، والتي تستغرق عدة صفحات أحياناً، مع الاعتراف بحسن هذه المعلومات الواردة في الاستطراد. فرحمه الله تعالى وبارك في علمه. ثالثاً: منهج التحقيق والتوضيح لحلِّ غوامض التنقيح للشيخ محمد جعيط قال الشيخ محمد جعيط في مقدمة حاشيته: منهج التحقيق والتوضيح: ((أما بعد: فلما كان فن الأصول هو الأساس الذي أقيم عليه الفقه في الدين، وآلة استنباط الشرائع من كتاب الله وسنة خير المرسلين. . . وكانت قواعد الوصول وقع فيها الخلاف بين العلماء الفحول، المتفرِّع عنه الخلاف في فروع تلك الأصول، بحيث إن أصول المذاهب صارت في الأكثر متقابلة، وبعض القواعد هي عند البعض حقة وعند الآخر باطلة، فلا يسوغ لمن يروم معرفة أصول مذهب مالك، أن يشتغل بكتب مذهب النعمان ليأخذ أصوله من هنالك، وقد فشا عندنا بالجامع الأعظم في الديار التونسية، تعاطي المالكية لأصول السادة الحنفية والشافعية، والسر في ذلك، عدم وجود الكتب المؤلفة في أصول مذهب مالك، ولم يَجْرِ عندنا بحرُها العباب، ولم يوجد منها سوى تنقيح العلامة الشهاب، ومع ذلك فما وردوا موارده العذبة لصعوبة عباراته، وغموض إشاراته، ولم يوجد مَنْ كَشَف عن مخدّرات معانيه، ولا من حقَّق   (1) رفع النقاب القسم 2 / 1169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 مسائله المودعة فيه. . . وقد كنتُ في حال اشتغالنا بالأخذ عن مشايخنا مصابيح الأمة، عاكفاً على قراءته لما فيه من الفوائد الجمَّة المهمة، وحين أهَّلنا القدير، لإقراء هذا الكتاب بالإذن من مشايخنا النحارير، طمحتْ أنفسنا في تعليقٍ عليه أنقل فيه كلام المحققين من أهل الأصول، لقصد توضيح مهامّه تنقيح المحصول. . .)) (1) . ومن سمات منهج الحاشية ومميزاتها ما يلي: (1) يعلِّق تعليقات قليلة جداً في أغلب المواطن، وهذا ما يقضيه العمل في الحواشي، ولهذا نجده في الباب الثالث عشر في فعله - صلى الله عليه وسلم - لم يتحدّث سوى عن حديث بريرة إذ أورده كاملاً، وكذلك حديث الشؤم في ثلاثة، ولم يزدْ على هذا. وكذلك قفز الفصل الثاني والثالث والسادس والسابع من باب الخبر دون أيّ تحشية، وكذا الفصل الثالث من باب الاجتهاد. (2) يُعطي ملخصاً لما يحويه الباب أو الفصل من مباحث، مثل: الفصل السابع: فيما يدخله القياس (2) ، الفصل الرابع: في الدال على عدم اعتبار العلَّة (3) ، الباب الثامن عشر: في التعارض والترجيح (4) ، الفصل الرابع: في ترجيح الأقيسة (5) . (3) يلخّص ما جاء في شرح القرافي أحياناً ويضمِّنه كتابه، مثل: ما جاء في كلامه عن تعارض القولين للمجتهد الواحد (6) ، وفي الدالّ على كذب الخبر (7) . (4) إن أبرز ما اتِّسم به كتاب محمد جعيط كثرة نقولاته من الكتب الأخرى، فالحاشية في أغلبها نقولات من كتب الأصوليين بالنص والعبارة، فهو ينقل كثيراً عن الإسنوي والرازي، والآمدي، وابن الحاجب، والبيضاوي، والغزالي، وابن السبكي، وغيرهم. ومن أمثلة هذه النقول، ولاسيما من شرح الإسنوي:   (1) منهج التحقيق والتوضيح 1 / 2 - 3. (2) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 175. (3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 164. (4) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 177. (5) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 183. (6) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 178. (7) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 أ - في الفصل الثالث: في مستند الإجماع، قال ((لخّص المحقق الإسنوي في شرح المنهاج هذا المبحث، فقال. . .)) (1) . ب - في الفصل التاسع: في كيفية الرواية، من باب الخبر قال ((قد فصَّل الإسنوي هاته المسألة في شرحه المنهاج، فقال. . .)) (2) . جـ - في مسألة نقل الخبر بالمعنى (3) ، ومسألة أقسام المناسب (4) ، ومسألة الاستفتاء (5) . وكذلك نقل الشيخ جعيط نقلاً مباشراً من محصول الرازي ولاسيما لزيادة تفصيلٍ تركه القرافي في كتابه، مثل: أنواع الإيماء (6) . (5) يقارن الشيخ جعيط أحياناً الأقوال والمسائل بما جاء في مختصرات المحصول، كالمنتخب، والحاصل، والتحصيل (7) . كما أنه يقارن فيما ينقل بكلام الحنفية، وينقل عنهم كابن الهمام، وفخر الإسلام البزدوي، ابن أمير الحاج، وصدر الشريعة (8) . (6) يهتم بإظهار المذهب المالكي والنقل عن علمائه كابن رشد، والأبياري، وابن الحاجب، الرهوني، وغيرهم. ويستدل لمذهب مالك في سد الذرائع بأدلة لم يوردها القرافي في شرحه مع التمثيل (9) ، كما أنه توسَّع قليلاً في إجماع أهل المدينة وقال ((فإذا سمعت هذا القول الحقيق، فيسهل عليك استخراج زبدة مخيض هذا التحقيق)) (10) .   (1) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 134. (2) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 149. (3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 152. (4) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 158. (5) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 205. (6) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 156. (7) انظر مثلاً: 2 / 115، 126 من منهج التحقيق والتوضيح. (8) انظر مثلاً: 2 / 114، 117، 147، 172 من منهج التحقيق والتوضيح. (9) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 213 - 214. (10) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 (7) يشرح بعض القيود في التعريفات، مثل ما جاء في حد: النسخ، والإجماع والقياس، والدوران، والاستحسان، والترجيح، والاجتهاد، كما يشرح بعض الألفاظ، مثل: الوسطى (1) ، العصمة (2) . (8) يُعنى بتخريج الأحاديث، وإتمام ألفاظها، مثل: حديث تحويل القبلة (3) ، وحديث لا وصية لوارث (4) ، وحديث: لا كبيرة مع استغفار (5) ، وحديث قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - للنضر بن الحارث (6) . (9) جاء في الحاشية استيفاء وتوسيع في بعض المواطن زيادةً على ما في شرح القرافي، من ذلك: أ - الإطالة في بيان الآية {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ. . .} [الأنعام: 145] هل هي منسوخة أو لا (7) . ب ـ بيّن وجه الدلالة من قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ. . .} [النساء: 115] وناقش هذا الاستدلال على حجية الإجماع بما لم يذكره القرافي (8) . كما أنه بيَّن وجه الدلالة من الحديث ((أصحابي كالنجوم. . .)) على عدم انعقاد إجماع العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول (9) . جـ - أورد أمثلةً جيدة على قبول رواية صغار الصحابة رضي الله عنهم لم ترد عند القرافي (10) ، كما أنَّه مثَّل لما غفل عنه القرافي كما في: قادح النقض (11) .   (1) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 112. (2) انظر: منهج التحقق والتوضيح 2 / 114. (3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 145. (4) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 190. (5) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 117. (6) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 220. (7) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 112 - 113. (8) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 122. (9) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 127. (10) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 142. (11) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 د - وسَّع الكلام وفصَّله، كما في: مسألة تكفير مخالف الإجماع (1) ، شروط المجتهد (2) ، مسألة التصويب (3) . (10) استدرك الشيخ جعيط على القرافي وتعقَّبه في بعض المسائل، من ذلك: أ - قال عند الكلام على حجية قول الصحابي: ((واعلم أن حكاية هذه الأقوال على الوجه الذي ذكره المصنف غلط، لم يتنبّه إليه أحدٌ من الشارحين، وسببه اشتباه مسألة بمسألة. . .)) (4) . ب - قال: ((ترجم المصنف المسألة بالأخذ بالأخف، وفسَّرها بالأخذ بأقل ما قيل وهما مسألتان)) (5) . جـ - عقَّب على القرافي في عدد الأقوال في مسألة التعليل بالحكم، فقال: ((ظاهر كلام المصنف أن في هاته المسألة قولين. والتحقيق أن فيها ثلاثة أقوال. . .)) (6) . د - في تمثيل القرافي على نسخ الحكم والتلاوة معاً بحديث عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل الله عشر رضعات فنُسِخن بخمس، قال: ((الاستدلال لا يتمّ لما نقله المصنف عن عائشة رضي الله عنها، وهو مطلق الإنزال، بل لابدّ أن ينضمّ إليه كونه من القرآن، لأن السنة أيضاً منزلة)) (7) . هـ - أثبت أن حادثة انشقاق القمر متواترة على خلاف ما قرَّره القرافي (8) . ولما استدلَّ القرافي على أن الطائفة أقل من ثلاثة، تعقَّبه جعيط بأن فيه نظراً (9) وأخيراً فإن حاشية الشيخ محمد جعيط اختصَّت مواضع من شرح القرافي ومتنه بالتعليق يراها محتاجةً لذلك، ثم لا ينفكُّ يعالج الموضوع إما بتوضيح المراد، أو تتميم   (1) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 133. (2) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 190 - 193. (3) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 195 - 203. (4) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 208. (5) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 219. (6) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 171. (7) منهج التحقيق والتوضيح 2 / 111. (8) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 140. (9) انظر: منهج التحقيق والتوضيح 2 / 142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 المقصود، أو سوق الأدلة، مع حرصه على الإحاطة بأشهر ما كُتِب في الموضوع مما يحتاجه المطالع. فالحاشية لم تقتصر على خصوص المواضع التي عُنيتْ بها، بل تُقدِّمُ مع ذلك جملةً صالحة مما أنتجتْهُ قرائح رجال هذا الفن العظيم. والمحشِّي في هذا يحشد نقولات كثيرة في حاشيته من شرح الإسنوي ومنهاج البيضاوي وغيرهما. ولكن مما يلاحظ على الحاشية ترك مصنّفها التعليق على مواضع كثيرة من الكتاب، وقفزه لأبواب دون تحشية، ولعلَّ هذا الترك لوضوح المسألة عنده، أو لعدم الحاجة إلى ذلك، والله أعلم. رابعاً: حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح للشيخ محمد الطاهر بن عاشور قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في مقدمة حاشيته: التوضيح والتصحيح: ((أما بعد: فدونك - أيها الخاطب - مخدَّراتِ المعاني من حجابها، والآتي فصول أصول الفقه من أبوابها، دُرراً تزين عندك جيدها، ومفاتيحَ تحلُّ عنك ما ارتجّ وصيدها (1) ، ونبراساً يضيء لك المسلك الصريح من مسالك كتاب " التنقيح "، فإنه جمع فوائد عزَّت عن أن تُسام، واستوعب مسائل أصول الفقه بما ليس وراءه للمستزيد مرام، على أنه صعب الثنايا، شديد الخبايا، محتاجٌ لرفع حجابه، وتبيان مرامي شهابه، فكثيراً ما تألَّقت منه بروق الإشكال ليلاً، وأجلبت كتائبه على الناظرين من الحيرة رَجِلاً وخيلاً، وكنتُ قد انْتُدِبتُ لتدريسه، والتقاط ما تناثر من نفيسه، فلمَّا سهَّل الله إتمامه،. . . وجدْتُ ما علّقتُه عليه يصلح أن يبرز تأليفاً مستقلاً، ويحل من نفوس الطالبين محلاً، فإن نفوسهم لم تزل تتقصَّى آثار شرائده، وتتوخّى تحصيل فوائده، فتحول دون أمانيهم قلاقةُ تركيبه، كما تحول دون الخيل شراسه حبيبه، وعسى أن يجعلوا هذا التعليق حجر الأساس، فيشيِّدوا عليه من صروح المعارف ما يَبْهتُ الناس. وأول ما صَررَفتُ إليه الهمَّة في هاته الحاشية هو: تحقيق مراد المصنف رحمه، ثم تحقيق الحق في تلك المسائل، مع تمثيلها بالشواهد الشرعية، وتنزيلها على ما ليس   (1) الوصيد: عتبة الباب. المعجم الوسيط مادة " وصد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 متداولاً من الفروع الفقهية، لتكون في ذلك دربة على استخدام الأصول للفقيه. وقد أعرضْتُ عن التطويل بجلب الأقوال؛ لأن في ذلك ما يضيِّع الزمان ويؤدي إلى الملال، وعن الإكثار من المسائل والفوائد، والتطوُّح (1) إلى المستطردات الشوارد،. . . وتعرضْتُ إلى ترجمة من لم تكن ترجمته شهيرة، أو كان في ذكره عبرة للمتعلِّم وبصيرة)) (2) . ويمكن الحديث عن خصائص هذه الحاشية وسماتها وفق ما يلي: (1) نظراً لكون كتاب ابن عاشور حاشيةً لذا لم تستوعب تعليقاته معظم مسائل كتاب " تنقيح الفصول " فهو يأخذ مقتطفات من المتن ثم يعلق عليها، ومع ذلك قد قفز فصولاً من الكتاب مثل: الفصل السادس والسابع من الباب السادس عشر، والفصل الثالث من الباب الثامن عشر. (2) يمهّد للمسائل المراد بحثها ببيان المراد بالترجمة، وبتصوير المسألة فمثلاً: أ - قال - في الفصل الثاني: في اتباعه - صلى الله عليه وسلم -: ((لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل الشيء وقصده التشريع، ويفعل الآخر لضرورة دنيوية مثل النوم والطعام واللباس وغيرها، ويفعل غيرهما على أنه خاصٌ به مثل الوصال في الصوم والزيادة على الأربع، بحثوا هنا عن الطرق التي يتعرف بها حال فعله وحكمه. . .)) (3) . ب - قال في بداية باب الإجماع: ((. . . رأى أنهم يطلقون كلمة الإجماع على ثلاثة أمور، الأولى: اتفاق المسلمين جيلاً بعد جيل على إسناد قول أو فعل أو هيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنها بيان مجمل أو تشريع موصل. . . وهو المعبَّر عنه بالمعلوم ضرورةً وبالمتواتر من الدين. . . الثاني: اتفاق مجتهدي عصر من عصور الإسلام على حكمٍ لدليل. . . الثالث: سكوت العلماء في عصر على قولٍ أو فعلٍ. . . وهو المعبر عنه بالإجماع السكوتي. . .)) (4) . جـ - قال بين يدي الفصل الرابع: في الدال على عدم اعتبار العلية: ((يعبر عن هذا الباب في بعض كتب الأصول بالقوادح؛ لأنه يبحث عنها من حيث إنها تُورد في   (1) التطوُّح: الإلقاء والرمي والذهاب. انظر: المعجم الوسيط مادة " طوح ". (2) حاشية التوضيح 2 / 3 - 4. (3) حاشية التوضيح 2 / 62. (4) حاشية التوضيح 2 / 92 - 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 المناظرات، فتسمَّى بالقوادح، أو من حيث يوردها المجتهد في خاصة نفسه لاختبار استنباطه، فتُسمى دليلاً على عدم العلية، وكلها راجعة للمنع، لأنه الأعم. . .)) (1) . د - قال في مقدمة الباب العشرين في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين: (( عَقَد المصنف هذا الباب في فصلين، الفصل الأول: لتحديد الأدلة المختلف فيها بين من يعتدُّ بخلافه من العلماء، وهو الذي ترجمه الغزالي في المستصفى بالأصول الموهومة، ولذا تكلم فيه على أشياء تقدَّم الكلام عليها؛ لأن هذا أجدر موضع بأن تذكر فيه كمسألة إجماع أهل الكوفة، والفصل الثاني فصل جليل في تصرفات المكلفين، وهو قواعد يعبر عنها بالأصول القريبة ذكرها هنا لأنها واسطة بين الأصول والفقه)) (2) . (3) ترجم في حاشيته بما يربو على خمسين عَلَماً، وعرَّف ببعض المصطلحات كالبخت (3) والتواتر (4) وغيرهما. ومثَّل لمسائل أصولية لم يتعرَّض لها القرافي في شرحه، كمسائل النسخ (5) وما يعرف به النسخ (6) . (4) له تحريرات بديعة ومفيدة في بعض المسائل، منها: أ - نبَّه إلى أن الفعل الجبلِّي منه - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يكون مجالاً للاقتداء به، ووضع له ضابطاً (7) . ب - حرَّر في الإجماع أقسامه التي يحتج بها ويمكن انعقادها تحريراً جيداً (8) . جـ - حرَّر في مسألة وسيلة المحرَّم قد تكون غير محرَّمة وقال ((تنقيح هاته المسألة أن نقول: قد يكون الشيء الواحد وسيلة لمتعددٍ مختلف الحكم، فينشأ في اعتبار بعض   (1) حاشية التوضيح 2 / 174. (2) حاشية التوضيح 2 / 217. (3) انظر: حاشية التوضيح 2 / 121. (4) انظر: حاشية التوضيح 2 / 128. (5) انظر: حاشية التوضيح 2 / 88. (6) انظر: حاشية التوضيح 2 / 91. (7) انظر: حاشية التوضيح 2 / 60. (8) انظر: حاشية التوضيح 2 / 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 المقاصد منه دون بعض تعارض فإما أن يُرجَّح بشيءٍ من المرجِّحات، وإما أن يتوقف فيه)) (1) . د - قال: ((وفي عدِّ السبر والتقسيم دليلاً على العلية تسامح؛ لأنه طريق لمعرفة حال الوصف المراد التعليل به، فليس هو مثال المناسب والشبه والدوران؛ لأن تلك أدلة على العلية، أي تدل على علية الوصف المشتمل عليها. وأما السبر وتنقيح المناط فطريق يتوصل به إلى معرفة ما هو علَّة ثم لابدّ معهما من استخدام المناسب أو الشبه أو الدوران ليتعيَّن ما هو علة من غيره، فلو ذكروهما في طرق الاستدلال كان أرشق)) (2) . هـ - قال: ((قوله (أي القرافي) : ويشترط في المُخْبر العقل. . . إلخ، ليس المراد بالعقل عقل التكليف؛ لأنه داخل في مسمَّى التكليف، بل المراد عقل الفطنة، وهو الذي يعبِّر عنه المحدثون بالضبط، ويعبّر عنه الفقهاء في صفات الشاهد بالتيقُّض. . .)) (3) . (5) بالرغم من كون الحاشية نُتفاً من التعليقات إلا أن ابن عاشور وسَّع الكلام واستوفاه في بعض المسائل بشكلٍ جيد، من ذلك: توسعه في الكلام عن تقسيمات المناسب باعتبار الجنس والنوع، ومثَّل لها، وردَّها إلى معنى الجنسية والنوعية، وقال أخيراً ((هذا ما ظهر لي في فائدة هذا التقسيم وأثره، والمراد من ألقابه التي ما رأيت من أفصح عنها إفصاحاً يبيّن المراد)) (4) . وكذلك توسّع كثيراً في الكلام عن قادح الكسر (5) . (6) له عناية ظاهرة بما جاء في نسخ كتاب القرافي، فقد نبّه على ما جاء فيها من تحريفات، وأشار إلى ما ينبغي اعتماده منها (6) .   (1) حاشية التوضيح 2 / 226. (2) حاشية التوضيح 2 / 173 - 174. (3) حاشية التوضيح 2 / 134. (4) حاشية التوضيح 2 / 166 وانظر ما قبلها. (5) انظر: حاشية التوضيح 2 / 176 - 178. (6) انظر على سبيل المثال الصفحات: 2 / 63، 150، 176، 222 من حاشية التوضيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 كما أنه يصوِّب عبارة القرافي بما يراه الصواب، ولو لم يستند هذا التصويب على نسخ الكتاب (1) . ( 7) يسعى إلى تحرير مذهب المالكية - في بعض المسائل - أكثر مما فعل القرافي، مثل: مسألة إجماع المدينة (2) ، وحجية قول الصحابي (3) ، والرواية عن الشيخ بمجرد الإجازة المطلقة (4) ، والقياس في المقدرات والكفارات والحدود (5) . (8) انفرد بزيادات لطيفة لم يرد بحثها عند القرافي، منها: جواز القياس على أفعال الله تعالى في الدنيا بأهل الجرائم في مذهب مالك (6) ، وبيان شروط المجتهد (7) ، وغيرها. (9) استطرد الشيخ ابن عاشور في مواضع من حاشيته، منها: التعريف بأهل البيت (8) ، وحكم الصلاة على أهل الأهواء (9) ، والأكل مما أكل منه الكلب المُعلَّم (10) ، شرح بيت حسان بن ثابت (11) . (10) له استدراكات وتعقبات على بعض ما جاء في كتاب القرافي، منها: أ - قال عن سؤال: كيف تكفِّرون مخالف الإجماع، وأنتم لا تكفرون جاحد أصل الإجماع كالنظَّام؟ قال ((لا مخلص من هذا الإيراد، وهو أدلُّ دليلٍ على فساد القول بتكفير جاحد حجية الإجماع عن اجتهاد، والجواب عنه غير صحيح. . . إلخ)) (12) .   (1) انظر مثلاً: 2 / 149، 154، 169، 172، 207، 217. (2) انظر: حاشية التوضيح 2 / 108. (3) انظر: حاشية التوضيح 2 / 218. (4) انظر: حاشية التوضيح 2 / 148. (5) انظر: حاشية التوضيح 2 / 189. (6) انظر: حاشية التوضيح 2 / 190. (7) انظر: حاشية التوضيح 2 / 210. (8) انظر: حاشية التوضيح 2 / 111. (9) انظر: حاشية التوضيح 2 / 136. (10) انظر: حاشية التوضيح 2 / 152. (11) انظر: حاشية التوضيح 2 / 157. (12) حاشية التوضيح 2 / 119 - 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ب - خالف القرافي في لفظ حديث: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) وقال بأن المعروف هو لفظ " ضلالة "، ثم خالفه بالاستدلال به على حجية الإجماع (1) . جـ - ناقش القرافي في اختياره لتعريف الرازي للنسخ، وقال عنه ((فيه تطويل وتعقيد)) (2) . د - خالف القرافي في تجويزه النسخ لا إلى بدل، وقال: ((التحقيق أنه لم يقع، وأن حكم صدقة المناجاة الصواب أنه نسخ إلى بدل، وهو الزكاة. . .)) (3) . هـ - في مواضع مختلفة يقول عما يورده من كلام القرافي: ((كلام المصنف غير واضح الدلالة على المراد منه)) (4) ، وفي موضع آخر يقول: ((وتمثيل المصنف سهو واضح)) (5) ، ويقول عن دليل أورده المصنف ((دليل غريب جداً)) (6) ، وهكذا. . وبالجملة حاشية ابن عاشور حاشية نفيسة للغاية حوت تحريرات بديعة، واستدراكات حسنة، وتعليقات رائعة، كل ذلك بأسلوب بلاغي أنيق، وبعبارة أدبية راقية. نعم لقد خَلَتْ الحاشية في كثير من مواضعها من الاستدلالات وعرض الأقوال، ولكن هذا مما صرَّح به ابن عاشور في منهجه بدايةً. فرحمه الله تعالى، ونفع بعلمه.   (1) انظر: حاشية التوضيح 2 / 98. (2) حاشية التوضيح 2 / 71. (3) حاشية التوضيح 2 / 76. (4) حاشية التوضيح 2 / 122. (5) حاشية التوضيح 2 / 138. (6) حاشية التوضيح 2 / 172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المبحث العاشر وصف نسخ الكتاب ومنهج التحقيق المطلب الأول: وصف نسخ الكتاب الخطية ومتنه أولاً: وصف نسخ شرح تنقيح الفصول. (1) وصف النسخة " س " - موقع النسخة ورقمها: مكتبة أوسكريال بالقرب من مدريد بأسبانيا برقم (1503) . - يوجد منها نسخة مصورة بمعهد المخطوطات العربية في القاهرة برقم (276) . وكذلك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض برقم (6038 ف) . - رمزها: " س " أخذاً من كلمة " أوسكريال ". - عدد الأوراق: 136 ورقة. - عدد الكلمات: 11 - 14 كلمة. - عدد الأسطر: 32 -35 سطراً. - نوع الخط: أندلسي حسن، مكمَّل بخطوط أندلسية أخرى، منها المحدث، ومنها القديم. وقد كتبت عناوين الفصول وبداية السطر الأول من كل متن بخطٍ عريضٍ مكبرَّ. - اسم الناسخ: كتب اسمه في صفحة العنوان: محمد بن غازي. - تاريخ النسخ: في صفحة العنوان - وهي ملصقة بأول الكتاب - كُتب بخطٍ حديثٍ أقدَّرُ أنه من عمل موظفي فهرسة المخطوطات: " عليه قرآءة في آخره سنة 727هـ ". ولم أجده على الورقة الأخيرة، ولم أقف على ما بعدها. - الوصف والحالة: هي نسخة كاملة لا نقص في صفحاتها. - في النسخة حَرْقٌ ذهب بالسطور السفلى من منتصف الأوراق، من أول المخطوطة حتى الورقة رقم 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 - ثم يظهر آثار البلل فيها من الورقة 78 إلى آخر المخطوطة. يبدو أنه من جَرَّاء إطفاء الحريق، أدَّى هذا البلل إلى ذوبان حِبْر المخطوطة في أسافلها وجنباتها، فغرقت الكلمات فيه، ولم يصبح بالإمكان تفحّص معالمها، ولم أُشِرْ إلى هذا الطمس في الهامش لضآلة جدوى ذلك. - يوجد طمس وإنمحاء للسطر الأول، وأحياناً الثاني في كثير من ورقات المخطوط. - يوجد بهامشها إلحاقات وتصويبات. (2) وصف النسخة " ن " - موقع النسخة ورقمها: الخزانة الناصرية بتَمْكُروت في المغرب برقم (2515) . - رمزها: " ن " أخذاً من كلمة " الناصرية ". - عدد الأوراق: 110 ورقة. - عدد الكلمات: (11 - 14) كلمة. - عدد السطور: (31 - 33) مسطراً. - نوع الخط: مغربي، في قرآءته عُسْر وصعوبة. - اسم الناسخ: محمد بن محفوظ ( ... ) غير مقروء، كتبه لصاحبه في الله/ علي ابن محمد الجزولي. - تاريخ النسخ: الأربعاء، شوال 735هـ أي أنها كتبت بعد وفاة المؤلف بنصف قرنٍ تقريباً، فهي قريبة العهد منه. - الوصف والحالة: نسخة كاملة لا نقص في أوراقها، ولكن فيها طمس في مواضع قليلة جداً في حدود (1 - 5) كلمات. - لم تخْلُ من أسقاط وأغلاط، وتصحيف وتحريف. - بها آثار قليلة من التآكل من أطرافها ببسب الأَرَضة. - الهوامش خالية من التصحيحات والإلحاقات إلا النزر اليسير جداً. - عليها تمليك لأولاد سيدي موسى بن مسعود. - وعليها أيضاً تحبيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 (3) وصف النسخة " ق " - موقع النسخة ورقمها: خزانة القرويين في فاس بالمغرب برقم (351) . - رمزها: " ق " أخذاً من كلمة " القرويين ". - عدد الأوراق: 167 ورقة. - عدد الكلمات: (8 - 12) كلمة. - عدد الأسطر: 23 سطراً. - نوع الخط: مشرقي جلي، يوجد في بعض كلماته ضَبْطٌ بالشَّكل. - اسم الناسخ: أحمد بن حسن بن عثمان الدميري. - تاريخ النسخ: الإثنين 17/ ربيع الآخر / 861هـ، أي بعد قرنين سلفا من وفاة مصنِّفه عليه الرحمة. - الوصف والحالة: كاملة لا نقص فيها، لكن بها آثار أرَضة في كَعْب الكتاب ذهبت ببعض الكلمات. - يوجد في بعض كلماتها وسطورها شطب إماَّ تفادياً للتكرار أو تصحيحاً لخطأ. - يوجد بهامشها تصويبات بالخط نفسه وأحياناً بخطٍ مغاير. - يوجد بهامشها عناوين لبعض المسائل بغير خط ناسخ الأصل. - يوجد في بعض عبارات هذه النسخة تعبيرات مختلفة تماماً للنسخ الأخرى مما يدعو إلى التكهُّن بأنها نسخة من إبرازة أخرى للكتاب، أي بمثابة إصدارٍ جديدٍ للكتاب. - عليها خَتْم تمليكٍ باسم/ عبيد ربه الأعلى عبد الله ... (لم استطع قراءة الباقي) . اشتراه من الفقيه ... (غير واضح) بن الشيخ الإمام الفهامة الهمام أبي المكارم سيدي الحسن بن رحال. - عليها تحبيس من السيد بو بكر بن سيدي عبد الكريم البازعي لخزانة القرويين (عام 1299هـ) . - جاء في فهرس مخطوطات خزانة القرويين (1 / 343) لمحمد العابد الفاسي قوله في وصف الكتاب: ((جزء واحد بخطٍ مشرقي صحيح مقروء ... خَرَقه السوس، بأطرافه تلاشٍ، مرمَّز بعض رؤوس المسائل بالأحمر. .)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 (4) وصف النسخة " هـ " - موقع النسخة ورقمها: المكتبة الأزهرية في القاهرة بمصر برقم (1583) عروسي 42242 أصول فقه. - رمزها: " هـ " أخذاً من كلمة " الأزهرية ". - عدد الأوراق: 186 ورقة. - عدد الكلمات: (8 - 11) كلمة. - عدد السطور: 21 - 22 سطراً. - نوع الخط: مشرقي معتاد جلي. - تاريخ النسخ: مجهول. لكن جاء في صفحة العنوان قوله ((من فوائد شيخنا العلامة صلاح الدين خليل العلائي الشافعي فسح الله في مدَّته: أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن يلِّين الصنهاجي ... العلامة شهاب الدين أبو العباس المالكي المعروف بالقرافي ... )) ثم ساق ترجمة القرافي. هذا النقل يدلُّ على أن ناسخها كان قد انتسخها قبل 761هـ وهو تاريخ وفاة العلائي رحمه الله. والخط على العنوان هو نفسه في أصل الكتاب. - اسم الناسخ: مجهول. - الوصف والحالة: هذه النسخة مجذوذة من آخرها. ففيها وَقْفةُ كاتب، إذْ بلغ في نسخها إلى الفصل الرابع من الباب الرابع عشر في " النسخ " عند قوله: ((وكذلك التخيير بين الواجب وغيره ليس نسخاً، لأنه إن قيل لك: لِمَ لا تخيرّ بين صلاة الظهر وصدقة درهم تقول)) أ. هـ. - فشا فيها الخطأ والتصحيف والتحريف. - في هامشها شيءٌ من التصويبات اليسيرة. كما يوجد بهامشها ما يدلُ أنها معارضة بنسخة أخرى، لأنه يرمز لذلك في الهامش بقوله: " نسخة " وبالرمز " خ " وهذا كان قليلاً. - عليها تمليك باسم: حسن (الحرلي) ؟ الحنفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 (5) وصف النسخة " ش " - موقع النسخة ورقمها: مكتبة شستربتي بدِبْلِن في إيرلندا برقم (4383) . - توجد منها نسخة مصورة في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى بمكة برقم (131) . - رمزها: " ش " وهو الحرف الأول من " شستربتي ". - عدد الأوراق: 170 ورقة (من أ، ب) . - عدد الكلمات: تتراوح الكلمات في السطر الواحد بين (11 - 16) كلمة والغالب 13 كلمة. - عدد الأسطر: 25 سطراً. - نوع الخط: نسخي جيد، صحيح مقروء. - اسم الناسخ: سالم بن الحاج منسي (أو منشي) بن عمر (المغربي) المالكي. - تاريخ النسخ 13/ رجب/ 1051هـ. - الوصف والحالة: نسخة كاملة لا نقص فيها، ولا طمس. - كثيرة الأسقاط والأغلاط. - مثخنة بالتحريف، ومفعمة بالتصحيف. - ليس في هوامشها أي تعليقات أو تصويبات تذكر، مما يدلُ على عروِّها من المقابلة والمعارضة. - عليها (نوبات) ، منها: نوبة عبد الله راضي بالجامع الأزهر بمصر ومنها: نوبة محمد. - كُتب في آخرها: برسم سيدنا ومولانا الشيخ إبراهيم بن مولانا المرحوم شيخ محمد أفندي العجمي القادري (أو القائدي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 (6) وصف النسخة " و " - موقع النسخة ورقمها: دار الكتب الوطنية بتونس برقم (2857) . - توجد منها نسخة مصورة في المكتب المركزية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (3818) . - رمزها: " و " أخذاً من الكلمة " الوطنية ". - عدد الأوراق: 180 ورقة. - عدد الكلمات: ما بين (10 - 13) كلمة. - عدد الأسطر: 25 سطراً. - نوع الخط: مغربي، تَعْسر قراءته أحياناً. - اسم الناسخ: مجهول. - تاريخ النسخ: 2/ جمادي الأولى / 1261هـ أي أنها حديثة العمر والسَّن. - الوصف والحالة: نسخة كاملة لا نقص فيها سوى الورقة " 36 ". - لم تَخْلُ من تحريفات عجيبة، وأغلاط فاحشة، وسَقْطٍ كثير. - خَلتْ من التصحيحات والإلحاقات مما يشعر بفقدانها المقابلة والمعارضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 (7) وصف النسخة " ز " - موقع النسخة ورقمها: المكتبة الأزهرية في القاهرة بمصر برقم خاص (1948) وعام (53129) . - رمزها: " ز " أخذاً من الكلمة " الأزهرية ". - عدد الأوراق: 265 ورقة. - عدد الكلمات: (8 - 12) كلمة. - عدد الأسطر: (21 - 23) سطراً. - نوع الخط: مشرقي واضح. - اسم الناسخ: محمد جاد شماح المالكي؛ لأبيه: جاد شماح. - تاريخ النسخ: 28/ ربيع الآخر/ 1290هـ أي أنها حديثة العمر والسن. - الوصف والحالة: نسخة كاملة لا نقص فيها ولا طمس. - فيها أسقاط وأخطاء وتحريف وتصحيف. - ضرب الناسخ على بعض كلماتٍ فيها. - كما جاء في حواشيها تصويبات، وإلحاقات بخط ناسخها حيناً وحيناً آخر بخطٍ رديء وريشة عريضة مغاير للأصل. - يوجد بهامشها ما يدلُ على أنها قوبلت وروجعت على نسخةٍ أخرى. ويرمز لذلك بالرمز " خ " وأحياناً بلفظ: " نسخة ". - وُضِعتْ بعض العناوين على هامشها، وهذا كان وقوعه نادراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 (8) وصف النسخة " م " - موقع النسخة ورقمها: دار الكتب المصرية في القاهرة بمصر برقم (276) أصول فقه طلعت، رقم الميكروفلم (9047) . - رمزها: " م " أخذاً من كلمة " المصرية ". - عدد الأوراق: 265 ورقة. - عدد الكلمات: 8 - 11 كلمة. - عدد السطور: 23 سطراً. - نوع الخط: مشرقي جليّ. - اسم الناسخ: علي بن أحمد الدولتلي (لقباً) الشافعي (مذهباً) المنصوري (بلداً) . - تاريخ النسخ: 6/ ربيع الآخر/ 1291هـ، أي أنها حديثة العمر والسِّن. - الوصف والحالة: نسخة كاملة لا نقص فيها ولا طمس. - بهامشها إلحاقات وتصحيحات. - احتوت على كثيرٍ من التصحيف والتحريف. - بهامشها ما يدل أنها معارضة على نسخة أخرى يرمز لذلك بالرمز " خ " وأحياناً باللفْظ " في نسخة ". - جاء في الورقة رقم (245) قوله: ((بلغ مقابلة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (9) وصف النسخة " ص " - موقع النسخة ورقمها: دار الكتب المصرية في القاهرة بمصر برقم (819) أصول فقه. رقم الميكرفلم (40310) . - رمزها: " ص " أخذاً من كلمة " المصرية ". - عدد الأوراق: 217 ورقة. - عدد الكلمات: (10 - 12) كلمة. - عدد الأسطر: 23 سطراً. - نوع الخط: مغربي جيد ومنسق وواضح. - اسم الناسخ: مجهول. - تاريخ النسخ: الخميس 15 / ربيع الآخر / 1292 هـ، فهي حديثة العمر والسِّن. - الوصف والحالة: نسخة كاملة ليس فيها نقص ولا طمس. - يوجد بها بعض السقط، وشيء من التحريف والتصحيف. - يوجد بهامشها تصحيحات وإلحاقات بنفس خط الأصل. - يوجد بهامشها ما يدلُّ على أن ناسخها راجعها وقابلها على نسخة أو نسخ أخرى إذ يشير إلى ذلك بلفظ " نسخة ". - ويلاحظ على هذه التقييدات أنها مستمدة من نسخٍ لم أقف عليها؛ لأن بعضها مغاير لبقية النسخ المتوفرة لدي. - كُتب في صفحة العنوان: دخل في نوبة الحقير / محمد المكي بن عزوز سنة 1307 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ثانياً: وصف نسخ تنقيح الفصول (متن الكتاب) . (1) النسخة " د ": - موقعها ورقمها ورمزها: مكتبة الحرم النبوي الشريف برقم (94 / 80) . ومصورتها بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (5365 / 2) . رمز لها بالرمز " د " أخذاً من بلد مصدرها " المدينة ". - أوراقها وأسطرها وخطها: 32 ورقة، 25 سطراً، خط مغربي. - ناسخها وتاريخها: غير معروفين. - وصفها: لم تخلُ من تحريفات وتصحيفات وأغلاط وأسقاط، ويوجد طمس لبعض الصفحات، كما يوجد بها اختلاف في الخطوط، مما يدل على تعاقب أيدي النساخ على كتابتها، وليس في هوامشها ما يشير إلى معارضتها بنسخٍ أخرى. (2) النسخة " ف ": - موقعها ورقمها ورمزها: مكتبة مظهر الفاروقي بالمدينة المنورة. ومصورتها بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة برقم (6827 / 2) . رمزها " ف " أخذاً من: " فاروقي ". - أوراقها وأسطرها وخطها: 50 ورقة، 17 سطراً، خط مشرقي. - ناسخها وتاريخها: غير معروفين. - وصفها: النسخة هذه يبدو فيها التلفيق بين عدة كتب، فهي مشوشة غير مرتبة الأوراق، فلا تجد رابطةً أحياناً بين الصفحة (أ) والصفحة (ب) . كما أنها تحتوي أسقاطاً من نص الكتاب يبلغ أحياناً خمسة أسطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (3) النسخة " أ ": موقعها ورقمها ورمزها: مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض برقم (6079 ف) ، ورمزها " أ " نسبة إلى: " الإمام ". - أوراقها وأسطرها وخطها: 173 ورقة، 14 سطراً، خط مشرقي. - ناسخها وتاريخها: أبو بكر بن صارم، بتاريخ 666 هـ. - وصفها: بالرغم من تقدُّم سنِّها، وعراقتها، لكن ذلك لم يشفع لها لتحتلَّ مركز الصدارة بين نسخ المتون الأخرى، وذلك لكثرة تحريفاتها وأغلاطها، كما يوجد بها أسقاط كثيرة. وليس في حواشيها ما يشير إلى معارضتها مع نسخٍ أخرى. (4) النسخة " ر ": - موقعها ورقمها ورمزها: المكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (982) أصول الفقه. ورمزها " ر " نسبة إلى حرف الراء في كلمة " الأزهرية ". - أوراقها وأسطرها وخطها: جاءت ضمن مجموع يبتدي بالرقم: 112، وينتهي بالرقم: 153. أي: 40 ورقة، 13 سطراً. والخط مغربي. - ناسخها وتاريخها: غير معروفين. لكن جاء في طُرَّة الكتاب من الورقة الأخيرة قوله: من كتب المرحوم حسن جلال باشا هديةً للجامع الأزهر تنفيذاً لوصيته. - وصفها: يوجد بها تحريفات وتصحيفات، ولكنها كتبت بعناية يدلُّ على ذلك وجود تصحيحات في هوامشها. لكن عند مقارنتها ب النسخة متن " هـ " التي تلي هذه نجدها لا ترجح عليها في الصحة والإتقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 (5) النسخة متن " هـ ": - موقعها ورقمها ورمزها: المكتبة الأزهرية بالقاهرة تحت رقم (124) أصول الفقه ورمزها: " متن هـ " أخذاً من كلمة " أزهرية "، وسُبِق الرمز بكلمة متن تمييزاً لها عن نسخة " هـ " فهي من نسخ الشرح الخطية (1) . - أوراقها وأسطرها وخطها: تقع 68 ورقة، 13 سطراً، خط مشرقي مشكول في كثيرٍ من الأحيان. - ناسخها وتاريخها: غير معروفين. لكن وجد على اللوحة الأولى منها عبارة: مِلْك الفقير إلى الله تعالى سليمان بن داود الحزتباوي المالكي مذهباً عفي عنه. - وصفها: هي نسخة تامةً، كتبت بعنايةٍ جيدة، ولم تخلُ من تحريفات وأسقاط لكن مما يميزها عن سائر نسخ المتن أنها مقابلة ومصحّحة ومدقَّقة. يدل على ذلك وجود كلمات في الهامش مثل: بلغ، صحَّ. . . إلخ. ملاحظة: هذه النسخة اعتمدتها في المقابلة مع نسخ الشرح الثلاث نسخة " ق "، ونسخة " ن "، ونسخة " س " (2) . وفيما يلي صور ونماذج من نسخ الشرح والمتن الخطية:   (1) انظر وصفها: ص 226. (2) سيأتي في منهج تحقيق الكتاب سبب هذا الاختيار، انظر ص 278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 المطلب الثاني: منهج تحقيق الكتاب ... لما كان التحقيق يتضمن معنى " التحرير والتنوير " أو " التدقيق والتعليق " لذا جعلتُ منهجي في تحقيق هذا الكتاب يتضمن هذين الجانبين، يُعْنى الجانب الأول بضبط النص، والجانب الآخر بخدمة النص. * أولاً: التحرير والتدقيق: - بعد التفتيش الدؤوب، وخوض غمار التنقيب عن نسخ الكتاب عثرتُ على تسع نسخ خطية فقط. - لم أجدْ من بين تلك النسخ نسخة المؤلف، ولا نسخة قرئت عليه، ولا نسخة تلاميذه، ولا نسخة كُتبتْ في عصره، ولم تصرِّح نسخة منها بأنها قوبلتْ على نسخة المؤلف. كما أنها جميعاً خَلَتْ من وجود سماعات عليها. لكن وُجد على بعضها تمليكاتٌ وأختامٌ، بعضها مقروء والآخر غير مقروء، ولم أعثر على تراجمهم. أما نُسَّاخها فلم أظفر بترجمةٍ لهم، لأقف على مستواهم العلمي. والذي يظهر لي أنهم ممن احترفوا مهنة النَّسْخ والوِرَاقة. لهذا كلِّه لم أعتمد واحدةً منها " أصلاً " تقابل عليها بقية النسخ، فآثرت تحقيق الكتاب على طريقة " النص المختار "، وهي طريقة - شاقة وعسيرة تعظم معها مسئولية التحقيق. وبعد المقارنة بين النسخ مجتمعةً بنظرةٍ فاحصةٍ تبيَّن لي أنهَا متقاربة من حيث المكانة والمنزلة، وليس من بينها نسخةٌ فائقةٌ متميِّزةٌ تتبوَّأ مركز الصدارة، وتصلح أن تكون أصلاً يعتمد عليه. ثم ألفيتها تشترك في الخصائص التالية: - احتواؤها على التصحيف والتحريف والخطأ والسقط. - اعتناء نساخها بإعجام الحروف. - دأبهم على أن يشيروا إلى المتن بالحرف " ص " وإلى الشرح بالحرف " ش ". - ليس هناك ما يدلُّ أن بين أيَّ نسخةٍ وأخرى أي نسبٍ ومصاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 لكن ليس من المسلك الرشيد والتصرف السديد أن تُعْتمد كافة هذه النسخ " أصولاً " ويُثْقل كاهلُ الحواشي بالمغايرات والفروقات التي لا طائل من ورائها. لذا رُحْتُ أَنْتخِبُ منها ما يمكن الاعتماد عليه للوفاء بعبارة المصنف، فوقع الاختيار - بعد الدراسة والتأمل - على ثلاث نسخٍ خطيةَّ وهي: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز " ق ". نسخة الأوسكريال ذات الرمز " س ". نسخة الناصرية التي رمزها " ن ". وجعلتُ النسخ البواقي نسخاً ثانوية يُلتفت إليها عند الحاجة فقط. وسبب هذا الاختيار: أن هذه النسخ الثلاث قد اتَّسمتْ بسماتٍ ومؤهلاتٍ، منها: - عراقتها وقِدَمها إذا ما قورنت بالنسخ الأخرى حديثات العُمْر والأسنان. - قلة أخطائها وأسقاطها نسبةً إلى النسخ الأخرى. - أنها نسخ مُتْقنة بدرجةٍ أعلى من الأخريات. - أما بالنسبة لنسخ المتن، فقد وقع الاختيار على النسخة " متن هـ "؛ لما حظيت به من امتيازات أكثر من غيرها؛ مثل كونها معارضةً بنسخٍ أخرى، وقلِّة أسقاطها وأغلاطها. . . إلخ، وقد تمتَّ المقابلة بها مع النسخ الثلاث فيما يختصُّ بالمتن. * طريقة العمل في تحرير وضبط النص: 1 - قابلتُ بين النسخ الثلاث، فأثبْتُ ما اتفقتْ على إثباته، احتراماً لإجماعهم، ولم أَعْدِلْ عن عباراتها بزيادةٍ أو حذفٍ أو تبديلٍ طالما بقي سياق النص منسجماً من حيث المعنى، ولم يوجد الخلل فيه. 2 - إذا كان اتفاق النسخ الثلاث على عبارة مختلَّة أو مشوَّشة - حسب ما ظهر لي - فإني أثبتُ في صُلبْ الكتاب العبارة الصائبة أو الأصوب من النسخ الثانوية، معلِّلاً في الهامش لهذا الاختيار، ومشيراً إلى العبارة المرجوحة. فإن لم أعثر - في جميع النسخ - على عبارةٍ صحيحةٍ وقد تواطأت كلها على ما تبيَّن لي خطؤه أثبتُّهُ كما هو بين معقوفين خشية أن يكون قد قصر نظري عن إدراكه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ومحافظةً على حالة الكتاب كما خرج عن مؤلفه، ثم أشير في الهامش إلى ما أعتقده صواباً. 3 - عند اختلاف النسخ الثلاث في عبارةٍ ما وازنتُ بينها واجتهدتُ ما وسعني الاجتهاد، ورجَّحتُ ما أمكنني الترجيح، فأَخْتار صحيحها في مقابل الخطأ، وأصحَّها في مقابل الصحيح، أو أختار الأوفق والأليق بالسياق بما يغلب على ظني أن هذا الاختيار يُفْصح عن رأي المؤلف ويؤدي عبارته، وربما استأنستُ بما جاء في النسخ الثانوية، ثم أثبتُ الألفاظ المرجوحة أو الخاطئة في الهامش مع الإشارة إلى تعليل الاختيار. 4 - إذا استوتْ عبارات النسخ الثلاث في الصحة، وتعادلت فيما بينها - كما يقع هذا في الترادف ونحوه - كان الترجيح بما عليه نسختان في مقابل الأخرى؛ لأن الكثرة من أسباب الترجيح. فإن استقلَّتْ كلُّ نسخةٍ بلفظةٍ مغايرةٍ للأخرى كان الترجيح بما تعاضدت عليه أكثر النسخ الثانوية دون الإشارة في الهامش إلى تعليل الاختيار. 5 - لم أثبتْ من الفروقات والمغايرات بين النسخ ما ليس له تأثير في المعنى أو قيمة في قرآءة النص تفادياً تسويد الحواشي بما لا طائل من ورائه. فعلى هذا اتبعْتُ ما يلي: أ - إذا كان الاختلاف سببه الرسم الإملائي قصدْتُ إلى إثبات المألوف الآن، والمعروف من قواعد الإملاء الحديثة من غير إشارة إلى ذلك. ب - لم أرَ داعياً لذكر الاختلافات في عبارات الترحُّم والترضَّي والثناء ونحو ذلك، بل وقع المَزْج بين النسخ، واختيار الأكمل مما جاء فيها. جـ - أهملتُ الإشارة إلى الاختلاف بين النسخ في عبارات التصريح بالأسماء، مثل: " قال الإمام "، وفي نسخة: " قال الإمام فخر الدين " وفي أخرى " قال الإمام فخر الدين الرازي "، واخترت الأكمل والأوضح. د - إذا وردت في بعض النسخ الآياتُ ناقصةً وفي أخرى أتمَّ فإني أختار الأتم والأكمل دون الإشارة إلى ما في باقي النسخ. 6 - إذا وردتْ زيادة في إحدى النسخ، وكان إسقاطها من النص يؤثر في المعنى، فإني أُثبتها في النص، وأشير في الهامش إلى أنها ... ساقطة من النسخة كذا وكذا، وكذلك الحال إذا كانت الزيادة فيها كبير فائدةٍ فإنني أثبتُها. ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أمَّا إن كانت الزيادةُ إثباتُها مما يُخلُّ بالمعنى، أو لا حاجة إلى إثباتها لقلَّة فائدتها، فإنني لا أثبتها في صُلْب الكتاب، وأشير في الهامش إليها بعبارة: ((هنا زيادة كذا في النسخة كذا)) . 7 - إذا كان السقط أو التحريف أو التغيير في كلمة واحدةٍ في النص، فإني أضع فوقها الرقم فقط دون التقويس عليها أما إذا كان السقط أو التحريف أو التغيير في أكثر من كلمة فإني أشملها بمعقوفتين هكذا [] واضعاً رقماً في الآخر يشير إلى الهامش. 8 - لجأْتُ إلى نُسخ المتن الخطية الأخرى كلما وُجد اضطراب واقع في المتن بين النسخ المتعددة الثلاث لا يمكن علاجه إلا بالرجوع إلى نسخ المتن. 9 - اجتهدت في إخراج نص الكتاب إخراجاً فنياً سليماً من الأخطاء الشكلية بحسب الطاقة، وفي سبيل ذلك قمتُ بعمل الآتي: أ - وضعْتُ متن الكتاب في أعلى الصفحة بخط مسوَّدٍ عريضٍ مسبوقاً بحرف ص رمزاً لنص المتن. ثم يجيء الشرح بعده بخط أصغر حجماً، ومفصولاً عن المتن بفاصلٍ كُتب في وسطه كلمة " الشرح " هكذا: ب - ضبطتُ بالشَّكل ما يُشْكل أو ما يُخشى وقوع اللَّبس بدونه. جـ- وضعْتُ علامة نجمة هكذا: * للدلالة على نهاية الورقة من المخطوط، ثم كتبْتُ في الهامش شمال الأسطر تحديداً لرمز المخطوط مع رقم الورقة، وجعلتهما بين معقوفين مسبوقين بنجمةٍ هكذا: * [ق: 122] . د - صنعْتُ عناوين عند بداية كل مسألةٍ أصولية جديدة داخل الكتاب لتوضيح موضوع النص، وميَّزتُ هذه العناوين بجعلها داخل مستطيل هكذا: ت لتميزها عن عبارات الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 * ثانياً: التنوير والتعليق: 1 - عزوتُ الآيات إلى سورها مشيراً إلى أرقامها، جعلتها بين ... قوسين مزهرين {} ، والتزمت أن أرسمها بالرسم ... العثماني، وإذا احتاج المقام إلى ذكر أول آية أو آخرها أو تفسيرها، فعلتُ ذلك في الهامش وإلاَ فلا. ... * وإذا ورد لفظ الآية مخالفاً لما في المصحف العثماني (حسب قراءة حفص عن عاصم) ، فإنْ كان قرآءةً أشرتُ في الهامش إلى وجوه القراءات وأصحابها، فإنْ تأكدتُ من عدم القرآءة به أثبتُّ ما في المصحف دون الإشارة إلى ذلك في الهامش. 2 - خرَّجْتُ الأحاديث والآثار من دواوين السنة متقيداً في التخريج بحسب ... اللفظ الوارد في الكتاب إنْ عثرتُ عليه، وإلا ذكرتُ من أخرج الحديث ... بنحوه. - فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ في الإحالة عليهما أو على مَنْ عنده منهما، مشيراً إلى رقم الحديث بين قوسين حسب ترقيم فؤاد عبد الباقي. - وإنْ كان الحديث في غير الصحيحين خرَّجته تخريجاً موجزاً، مبتدئاً بكتب السنن الأربعة ونحوها، مشيراً إلى رقم الحديث بين قوسين أو رقم الجزء والصفحة، ثم أنقل ما وقفْتُ عليه من أحكام علماء هذا الفن على الحديث تصحيحاً وتضعيفاً. وأنبه هنا إلى وجود إطالةٍ في تخريج بعض الأحاديث؛ لأمورٍ اقتضتْها تلك الأحاديث. 3- وثقتُ النصوص التي نقلها المصنف عن غيره، ونسبتُ كلَّ قولٍ إلى قائله سواءً كانت تلك النصوص من كتبٍ مطبوعةٍ أو مخطوطةٍ أمكنني الوصول إليها، فإن عييتُ عن العثور عليه رُحْتُ أوثق النقل من الكتب التي اتفقت مع المؤلف في هذا النقل وهو ما يُعرف " بالنقل بالواسطة "، والضرورة لها أحكامها. * غالباً ما يكون نقل المصنف للأقوال بالمعنى لا بالحروف، فإن بانت لي مغايرةٌ كبيرةٌ في هذا التصرف نبَّهتُ على ذلك في الهامش، وربما نقلتُ النص بأحرفه ليتجلَّى للقاريء وجه هذه المغايرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 4- وثقتُ الآراء المنسوبة إلى العلماء أو المذاهب بالرجوع إلى كتبهم إنْ ... وُجدت، وإلا فمن الكتب التي نسبت هذا الرأي أو المذهب إليه. مع العناية الشديدة بإبراز رأي المالكية وتحرير مذهبهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. 5- ربطْتُ المسائل الواردة في الكتاب بأهم المصادر التي تناولَتْهابالبحث والدراسة، وراعَيْتُ - قدر الإمكان - ترتيب المصادر الأصولية حسب الترتيب الزمني لوَفَيَات مصنِّفيها، ولم أراعِ ذلك تماماً في غير مسائل الأصول. ... - كما راعَيْتُ تنويع المصادر الأصولية حسب المذاهب، فأذكرُ مرجعاً أو أكثر في مذهب المعتزلة والظاهرية والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. 6- علَّقتُ على المسائل التي يغلب على ظني أن المصنف لم يستوفِ الكلام عنها ... بما يجلِّيها، أو في المسائل التي ظهرتْ لي مجانبتُه للصواب فيها رحمه الله تعالى وعفا عنَّا وعنه. 7- إذا لم يتعرض المؤلف لشرحِ أو إيضاحِ مسألةٍ ما وردت في المتن، فإني أقوم بالتعليق عليها في موضعها من المتن. أما ما تعرَّض له بالشرح في شرحه فإني أترك التعليق عليه في المتن، وأعلِّقُ عليه في الشرح إذا تطلب المقام ذلك. 8- حرصت في التعليقات على تقييد ما ذكره المصنف مما جاء في كتبه الأخرى كـ" نفائس الأصول " و " الفروق " و " الذخيرة " وغيرها، مما يتَّصل بالمسألة نفسها، وإنما فعلتُ ذلك؛ لتكتمل في ذهن القاريء صورةٌ وافيةٌ عن رأي المصنف في المسألة الواحدة، وكما قيل: " صاحب البيت أدرى بما فيه ". 9- لم ألتزم الترجيح في كل المسائل المختلف فيها؛ لأن شأن ذلك في الأبحاث المطوَّلة، أما في بحوث التحقيق فلا مجال له؛ خوفاً من إثقال الحواشي. ومع ذلك إنْ لاح لي وَجْهُ الترجيح بيسرٍ وسهولةٍ وكان ظاهراً ذكرتُه. ... ... ... 10- عَّرفْتُ بالألفاظ الغريبة، وبالمصطلحات العلمية: كالأصولية والفقهية والحديثية والنحوية والمنطقية. . إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 - فبالنسبة للألفاظ اللغوية لخَّصتُ ما ورد من معانيها في المعاجم، ثم أشرتُ إلى المصادر عقبها دون التقيد بنسبة معنىً إلى مصدره. - وبالنسبة للمصطلحات الأصولية نقلتُ فيها تعريف المصنف الذي ذكره في كتابه من القسم الذي لم أحقِّقْه، لأن الكتاب وحدةٌ واحدهٌ، فإن لم أجده فيه، ولا في كتابه " نفائس الأصول "، أو لم أرتضه نقلتُ تعريفاتٍ أخرى عند ... غيره. - وأنبِّهُ هنا بأنه قد جرى مني في مواضع عِدَّة عدم تعريف المصطلح عند أول ورودٍ له؛ لأنه لم يرد أصالةً أو في بابه الخاص به، وإنما كان ورودُه حينها على سبيل الاستطراد والتَّبَع، ولكني أرجأْتُ التعريف به حتى يُذكر في موطنه اللائق به بحيث يتوقف فهم النص عليه، وهذا سِرُّ ما وقع من الإحالة على لاحق. - كما أنبِّهُ إلى أن الإحالات على المصادر الواقعة عقب التعريفات لا تعني ضرورةً أن يكون التعريف اقْتُبِس منها نصّاً، بل قد يكون كذلك، أو أنها قاربته، وقد تغايره، فأذكرها لفائدةٍ فيها يمكن تلمُّسها في حالة رجوع القاريء إليها. - وبالنسبة للمصطلحات الفقهية حرصتُ - كلما كان ذلك متيسِّراً - أن يكون حدُّها وفْقاً للمذهب المالكي؛ لأنها المقصودة بالذات في كتبهم، وأحياناً أُرْدِفُه بتعريفٍ آخر من غير المذهب المالكي؛ لوضوحه وسهولته، فإن لم يتيسَّرْ لي ذلك عرَّفتُ المصطلح من أي مصدرٍ يُعْنى بتعريف المصطلحات الفقهية. 11- ذكرتُ مذاهب الفقهاء في مسائل الخلاف الفروعية التي يذكرها المصنف على سبيل التمثيل، أو تكون ثمرةَ خلافٍ لقاعدة أصولية، أو نحو ذلك. 12- ترجمتُ للأعلام عند أول ورودٍ لذكْر العَلَم. - وقد راعيت أن تكون الترجمة موجزة تضمنت: اسم العلم، ومذهبه، وبعض صفاته، ووفاته، وذكر بعض كتبه إن وُجدتْ مشيراً إلى ما علمتُهُ مطبوعاً منها بحرف (ط) بين قوسين. * وأنبه هنا إلى أني تَجنَّبتُ ترجمة الأعلام المعلومين بالضرورة كالأنبياء والخلفاء الراشدين والصحابة المشهورين والأئمة الأربعة. 13- عزوْتُ الأشعار إلى أصحابها بعد تقرير بُحُورها، وأحلْتُ على أماكن وجودها في دواوين الشعر، وكتب الأدب واللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 14- عرَّفتُ بالمواضع والأماكن الغريبة. 15- عرَّفتُ بالكتب الوارد ذكرها في الكتاب، ما لم يكن قد وقع التعريف به في القسم الدراسي. 16- عرَّفتُ بالفِرَق والطوائف والمِلَل والنِّحَل والمذاهب ماعدا المذاهب الفقهية الأربعة المشتهرة؛ لشهرة الانتساب إليها. 17- أَلْحقتُ بالكتاب محتوىً يضمُّ. . فهارس تُعِين المطالع في الكتاب للوصول إلى ما يريد بلا عناءٍ ومشقة. فهذا منهجي الذي رسمتُ إطاره، وحدَّدتُ مساره، فلم أترك لنفسي الحَبْل على الغارب، بل قيَّدتُ خطاي به غير سارب، فإن قفوته من غير أن يعزب عني أغلبه وأكثره فذاك الأمل المنشود أطيبه وأوفره. وإن وقع مني خلل وتقصير، فأنا خليق به وجدير؛ لأن الإنسان محلُّ الغلط والنسيان، والربُّ أهل التقوى والغفران. وختاماً أدعو الخالق الباريء المصوِّر ألاَّ ينطبق عليّ ما وُصِف به الناسخ الذي جاء ذكره في كتاب القرافي " نفائس الأصول " (6/2388) إذ قال: ((فائدة: رأيتُ في شرح المقامات أن بعض الفضلاء بعث بناسخٍ إلى صديقٍ له ومعه رُقْعة مكتوب فيها: قد بعثتُ إليك بناسخٍ وأعرِّفك بصفته، أنه إنْ نَسَخ مَسَخ، وإنْ نَقَط غَلَط، وإنْ أَشْكَل أَشْكلَ، ولقد أَمْليْتُه زَيْداً، فسمع عَمْرواً، وكتب خالداً، وقرأ عبد الله)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 شرح تنقيح الفصول في علم الأصول من بداية الباب الثالث عشر: في فعله صلى الله عليه وسلم إلى نهاية الكتاب تأليف العالم المحقق / شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (ت 684 هـ) (دراسة وتحقيق) رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية إعداد الطالب ناصر بن علي بن ناصر الغامدي إشراف فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور / حمزة بن حسين الفعر (القسم التحقيقي) 1421 هـ / 2000 م الجزء: 1 الباب الثالث عشر في فِعْله صلى الله عليه وسلم (1) وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول في دلالة فعله صلى الله عليه وسلم ص: إنْ كان بياناً (2) لمُجْملٍ (3) فحكمه حُكْمُ ذلك المجمل: في الوجوبِ، أوالنَّدْبِ، أو الإباحةِ (4) . وإن لم يكن بياناً وفيه قُرْبةٌ: فهو عند مَالِكٍ (5) رحمه الله والأَبْهَرِيِّ (6)   (1) قسَّم بعض الأصوليين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنواعٍ منها: الفعل الجِبِلِّي، والعادي، والدنيوي، والمُعْجِز، والخاصّ به، والبياني، والامتثالي، والمتعدِّي، والفعل المجرد الذي لم يقترن بشيءٍ مما سبق ذكره. ولكلِّ نوع من هذه الأنواع دلالة على الأحكام. انظر: المحقَّق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي شَامَة المَقْدِسي ص 40 - 45، البحر المحيط للزَّرْكشي 6 / 24 - 29. أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية، د. محمد سليمان الأشقر 1 / 215. (2) البيان لغة: الظهور والوضوح. انظر مادة " بين " في: مختار الصحاح لأبي بكر الرازي. وفي الاصطلاح: عُرِّف بأنه: الدليل. وعُرِّف بأنه: إخراج الشيء عن حيِّز الإشكال إلى حيِّز الوضوح والتجلِّي. وله تعريفات أخر. انظر: قواطع الأدلة لأبي المظفر السمعاني 2 / 55، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3 / 25، مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص 328. (3) المجمل لغة: المجموع، اسم مفعول من أجْمل. انظر مادة " جمل " في: لسان العرب لابن منظور. واصطلاحاً: هو اللفظ المتردد بين احتمالين فأكثر على السواء. انظر: شرح تنقيح الفصول للمصنف ص37، 274 (المطبوع) . (4) حكم هذا القسم حُكي فيه الاتفاق. انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2 / 173، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص 48، المحقق من علم الأصول لأبي شامة ص 57، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 1 / 257، أصول الفقه لابن مفلح 1 / 329 - 333، رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي (رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تحقيق الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين) القسم الثاني ص 314. (5) انظر النسبة إليه في: المقدمة في الأصول لابن القصَّار ص 61، إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي ص 310، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للشريف التلمساني ص 569، وعليه أكثر المالكية. انظر: الضياء اللامع شرح جمع الجوامع لحلولو 2 / 129. (6) انظر النسبة إليه في: إحكام الفصول ص 310، تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول للرَّهُوني ( رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة تحقيق / الهادي شبيلي) القسم الأول ص 444. أمَّا ترجمته فهو: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمي، المعروف بأبي بكر الأَبْهَرِي ـ نسبة إلى أَبْهَر: مدينة مشهورة في أذربيجان ـ رئيس المالكية ببغداد، وإمام في القراءات والفقه، من تلاميذه القاضيان الباقلاني وعبد الوهاب. من تآليفه: " كتاب الأصول "، "إجماع أهل المدينة". ت 375هـ وقيل 395هـ. انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/466، الديباج المُذهَب لابن فرحون ص351، سير أعلام النبلاء للذهبي 16 / 332. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 وابن القَصَّار (1) والباَجِيِّ (2) وبعضِ الشافعية (3) للوجوب، وعند الشَّافعي رحمه الله للندب (4) ، وعند القاضي أبي   (1) انظر: المقدمة في الأصول له ص 61 - 64. أما ترجمته فهو: علي بن عمر بن أحمد البغدادي القاضي أبوالحسن، المعروف بابن القَصَّار، من كبار علماء المالكية، ولي قضاء بغداد، له كتاب لا يُعرف للمالكية كتابٌ في الخلاف أكبر منه، وهو "عيون الأدلة وإيضاح الملة في مسائل الخلاف ". ت397هـ. انظر: ترتيب المدارك 4/602، الديباج المذهب ص296، سير أعلام النبلاء 17 / 107، وله كتاب " المقدمة في الأصول " مطبوع بطبعتين. (2) انظر: إحكام الفصول ص 310، الإشارة في معرفة الأصول للباجي ص 226 - 228. أما ترجمته فهو: سليمان بن خَلَف التُّجِيْبيّ ـ نسبة إلى تُجِيْب: قبيلة من كِنْدة ـ المعروف بأبي الوليد الباجِي، نسبة إلى بَاجَة بالأندلس. من كبار المالكية، أخذ عن علماء المشرق والمغرب، له مناظرات مع ابن حزم، وله مؤلَّفات نافعة في الأصول وغيره، منها: " إحكام الفصول في أحكام الأصول " (ط) ، " الإشارة في أصول الفقه " (ط) ، " المنهاج في ترتيب الحجاج " (ط) ، " الحدود " (ط) ، " المنتقى شرح الموطأ " (ط) وغيرها. ت 474هـ. انظر: ترتيب المدارك 4/802، الديباج المذهب ص197، سير أعلام النبلاء 18/535. (3) انظر: شرح اللمع للشيرازي 1/546، نهاية الوصول في دراية الأصول لصفي الدين الهندي 5/2121، الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي وابنه 2 / 265. والقول بالوجوب رواية عن الإمام أحمد عليها أكثر أصحابه. انظر: العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى 3 / 735، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل الحنبلي 2 / 22، 4 / 126، شرح الكوكب المنير لابن النجار الفتوحي 2 / 187. (4) نسبه إليه كثير من الأصوليين كما في: البرهان في أصول الفقه للجويني 1 / 322، المحصول في علم أصول الفقه للرازي 3 / 210، نهاية السول في شرح منهاج الأصول للإسنوي 3 / 21، تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشي 2 / 910. لكن أبا المظفَّر السمعاني ذكر بأن الأشبه بمذهب الشافعي هو الوجوب. انظر: قواطع الأدلة له 2 / 177. والقول بالندب هو للظاهرية. انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1 / 458، وهو اختيار ابن المُنْتَاب وابن العربي والشريف التلمساني من المالكية. انظر: إحكام الفصول ص 310، المحصول في علم الأصول لابن العربي (رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحقيق / عبد اللطيف الحمد) ص 469، مفتاح الوصول ص 570. وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد، انظر: المسودة لآل ابن تيمية ص 187. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 بَكْرٍ (1) منا (2) والإمام فخر الدين (3) وأكثر المُعْتزلة (4) على الوقْف* (5) .   (1) انظر النسبة إليه في: إحكام الفصول ص 310، الضياء اللامع 2 / 130. أما ترجمته فهو: محمد بن الطيِّب بن محمد البصري المعروف بالقاضي أبي بكر البَاقِلاَّنيّ، نسبةً إلى بيع البَاقِلاّ، انتهت إليه رئاسة المالكية في عصره، قيل: إنه شافعي، والصحيح أنه مالكي. وهو متكلم أَشْعري، وُصف بجودة الاستنباط وسرعة الجواب. من شيوخه: أبو بكر الأبهري وابن أبي زَيْد القَيْرواني، ومن تلاميذه: القاضي عبد الوهاب. ومن تصانيفه: في الأصول " التقريب والإرشاد " طبع منه ثلاثة أجزاء، وفي علم الكلام: التمهيد (ط) ، وفي علوم القرآن: إعجاز القرآن (ط) . ت 403 هـ. انظر: ترتيب المدارك 4 / 585، الديباج المذهب ص 363، سير أعلام النبلاء 17 / 190. (2) ساقطة من متن هـ. (3) الإمام الرازي قال بالوقف في كتابه: المحصول (3 / 230) ، لكنه اختار الوجوب في كتابه: المعالم في أصول الفقه ص 103، وكذلك في: المنتخب من المحصول (رسالة دكتوراه بجامعة الإمام بالرياض تحقيق/ عبد المُعِزِّ حريز) ص 302. أما ترجمته فهو: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التَّيمْي - نسبة إلى قبيلة من قبائل تَيْم - الرَّازِي - نسبة إلى الرَّيّ، المعروف بابن الخَطِيْب، فقيه شافعي، أصولي، مفسِّر، أشعري، فيلسوف، إمام وقته في العلوم العقلية. له تصانيف عديدة منها، في الأصول: " المحصول " (ط) ، و" المعالم " (ط) ، و" المنتخب " رسالة بجامعة الإمام، وفي التفسير: "مفاتيح الغيب " (ط) ويسمى بالتفسير الكبير. رجع في آخر حياته إلى عقيدة السلف، ت 606هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/81، سير أعلام النبلاء 21/500، وفيات الأعيان لابن خِلِّكان 4 / 248. (4) انظر النسبة إليهم في: المعتمد 1 / 348، منهاج الوصول إلى معيار العقول في علم الأصول للمهدي أحمد ابن يحيى بن المرتضى (المعتزلي) ص 570، هداية العقول إلى غاية السُّؤْل في علم الأصول للحسين بن المنصور بالله القاسم بن محمد (المعتزلي) 1 / 462 - 463. والمعتزلة: اسم فرقة ظهرت في القرن الثاني وسموا بذلك لاعتزال واصل بن عطاء (ت 131 هـ) - مؤسِّسها - مجلس الحسن البصري (ت 110 هـ) . قوي أمرهم في عهد المأمون والمعتصم والواثق "198-232هـ" وحملوا الناس على الاعتقاد بخلق القرآن. من عقائدهم: نفي صفات الله تعالى، وأنه لا يُرى في الآخرة، وأنه لا يَخْلُقُ فِعْلَ العبد، ولهذا يسمون: قدريِّة، سلكوا منهجاً عقلياً بعيداً عن الكتاب والسنة وعقيدة السلف في الاعتقاد. وهم فِرَقٌ شتَّى. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/235. التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع للملطي ص 49، المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها تأليف: عواد المعتق ص 13 - 29. (5) وممن قال بالوقف الصَّيْرفي، وابن فُوْرَك، والغزالي في: المستصفى (2/219) ، أما في كتابه " المنخول " ص (226) فقد قال بالندب. وهو رواية ثالثة عن الإمام أحمد اختارها أبوالخطاب في التمهيد 2/317. وانظر: الإحكام للآمدي 1/174، المحقق من علم الأصول لأبي شامة ص 67، البحر المحيط 6/31، شرح الكوكب المنير 2 / 188. وفي المسألة قولان آخران لم يُذكرا وهما: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 وأمَّا (1) ما لا قُرْبة فيه كالأكل والشُّرْب واللِّباس (2) فهو عند الباجِيّ للإباحة (3) ، وعند بعض أصحابنا (4) للندب (5) . وأما إقْراره (6) صلى الله عليه وسلم [على الفعل] (7) فيدل على جوازه. الشرح البيان يُعدُّ كأنّه (8) منطوقٌ به في ذلك المُبيَّن، فبيانه صلى الله عليه وسلم للحجِّ الوارد في كتاب الله تعالى يُعَدُّ منطوقاً (9) به في آية الحج (10) ، كأنَّ الله تعالى قال: ولله على النَّاس حِجُّ البيت على هذه الصفة. وكذلك بيانه صلى الله عليه وسلم لآية الجمعة (11) فَعَلَها بخطبة وجماعة وجامع   (1) أن فعله صلى الله عليه وسلم المجرد يدل على الإباحة نسبه الفخر الرازي (المحصول 3/230) ، الآمدي (الإحكام 1 / 174) إلى الإمام مالك. لكن قال القرافي: " الذي نقله المالكية في كتب الأصول والفروع عن مالك هو الوجوب - ثم قال - والفروع في المذهب مبنية عليه". نفائس الأصول 5 / 2318. ( أنه يدل على الحَظْر ولا يعرف له قائلٌ معيَّن وإنما نُسِب إلى بعض من قال بأن الأصل في الأشياء قبل ورود السمعِ التحريمُ. ذكره الغزالي في المستصفى (2/220) وبناه الآمدي في الإحكام (1/174) على من يجوّز المعاصي على الأنبياء. قال أبو شامة: ((هذا قول رديء سخيف على أي الأصلين بُني)) المحقق من علم الأصول ص 72. () ساقطة من س، ومتن هـ. (2) ساقطة من س، ق، ومتن هـ. (3) انظر: إحكام الفصول ص (309) ، وهذا القول هو الأشهر وعليه الأكثر. انظر: تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 439، البحر المحيط للزركشي 6 / 23، شرح الكوكب المنير 2 / 178، فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت لعبد العلي الأنصاري الهندي 2 / 231. (4) لم أقف على أسمائهم. انظر: إحكام الفصول ص 309، المحصول لابن العربي ص 469، نشر البنود على مراقي السعود للعلوي الشنقيطي 2 / 8. وانظر: المنخول ص228، البحر المحيط للزركشي 6/23. (5) وقيل بامتناع الاتباع فيه. انظر: المحقق من علم الأصول لأبي شامة ص 45، شرح الكوكب المنير 2 / 179. (6) الإقرار لغة: الاعتراف والإذعان، مصدر أقرَّ. انظر مادة " قرر " في: لسان العرب. وفي اصطلاح الأصوليين والمحدثين: ((أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قولٍ قيل أو فعلٍ فُعل بين يديه أو في عصره - من غير كافر - وعلم به، مع عدم الموانع)) . انظر: شرح اللُّمع للشيرازي 2/283 البحر المحيط للزركشي 6/54، شرح الكوكب المنير 3/194، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص 548، 555. (7) ساقط من ق. (8) في س: ((كونه)) وهو تحريف، لأن ما بعدها لم ينتصب بها. (9) في ن: ((منطوق)) وهو خطأ نحوي؛ لعدم انتصابه على المفعولية. (10) وهي قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] . (11) وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وغير ذلك، فصار معنى الآية (1) : يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة - التي (2) هذا شأنها - من يوم الجمعة فاسعوا* إلى ذكر الله. وإذا كان البيان يُعدُّ منطوقاً (3) به في المبيَّن [كان حكمه حكم ذلك (4) المبيَّن] (5) : إن كان (6) واجباً فواجب، أو (7) مندوباً فمندوب، أو مباحاً فمباح. أدلة القائلين بوجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم إن لم يكن فعله بياناً وفيه قُرْبة حجة الوجوب: القرآن، والإجماع، والمعقول. أما القرآن: فقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (8) والفعل [مأتيٌّ به] (9) فوجب أخذه؛ لأن ظاهر الأمر للوجوب. وقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (10) جعل تعالى اتباع نبيَّه من لوازم [محبَّتِنا لله] (11) تعالى، ومحبَّتُنا لله تعالى واجبة، ولازم الواجب واجب، فاتباعه صلى الله عليه وسلم واجب (12) . وقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ} (13) والأمر للوجوب.   (1) في ق: ((آية الجمعة)) . (2) ساقطة من ن. (3) في ن: ((منطوق)) وهو خطأ نحوي؛ لعدم انتصابه على المفعولية. (4) ساقطة من ق. (5) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (6) ساقطة من س، ق. (7) في ق: ((وإن)) وهو تكرار لا داعي له. (8) الحشر، من الآية: 7. (9) في س "ما يأتي". وهي غير موفية بالمراد، وفي ن: ((مما أتى به)) . (10) آل عمران، من الآية: 31. (11) في ن: ((محبة الله)) . (12) انظر مزيداً من توضيح هذا الاستدلال في: نفائس الأصول 5 / 2320. (13) هكذا في نسخة ش، جاءت في سياق قوله تعالى: { ... فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] . وفي جميع النسخ الأخرى قوله تعالى {فاتبعوه} وهي من الآية (153) الأنعام، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} وكذا من الآية (155) الأنعام، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} الآية. والمثبت من نسخة (ش) أليق بالاستدلال؛ لأن عود الضمير عليه صلى الله عليه وسلم أولى من عوده على الصراط أو الكتاب. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وأما الإجماع: فلأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لما أخبرتهم عائشة رضي الله عنها بأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من التقاء الخِتَانَيْن (1) ، رجعوا إلى ذلك بعد اختلافهم، وذلك يدلُّ على أنَّه عندهم محمول على الوجوب. ولأنهم (2) واصلوا الصيام لمَّا (3) واصل (4) ، وخلعوا نِعَالهم لمَّا (5) خلع صلى الله عليه وسلم (6) ، وكانوا شديدين الاتباعَ له صلى الله عليه وسلم في أفعاله. وأما المعقول فمن وجهين: الأول: أن فعله صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون المراد به الوجوب، ويجوز أن لا يكون، والاحتياط يقتضي حمله على الوجوب (7) .   (1) حديث اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الغسل من التقاء الختانين واحتجاج عائشة رضي الله عنها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، انظره في: المصنّف لعبد الرازق 1/249، شرح معاني الآثار للطحاوي (1/58) ، كما ورد موقوفاً على عائشة رضي الله عنها قولها: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ... )) . أخرجه النسائي (196) ، والترمذي (108) وقال: ((حسن صحيح)) ، وابن ماجه (608) وغيرهم، وصححه ابن كثير في كتابه: تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 114، وانظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي ص 53، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 1/121. (2) في س: ((وأنهم)) . (3) في ن: ((كما)) . (4) في س: ((وصل)) . وحديث الوِصَال ورد بألفاظٍ مختلفةٍ من طرقٍ عِدَّةٍ في مصادر جَمَّةٍ. منها: ما رواه البخاري (1192) ومسلم (1102) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل، فواصل الناس فشقَّ عليهم، فنهاهم. قالوا: إنك تواصل. قال: ((لست كهيئتكم، إني أظَلُّ أطْعَم وأسْقَى)) . قال النووي في معنى الوصال: (( هو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما)) شرح صحيح مسلم (7/183) . (5) في ق: ((كما)) . (6) حديث خلع النعال من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما رسول صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:» ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ «قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله:» إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قَذراً، أو قال أذىً ... «الحديث. رواه الإمام أحمد (3/20، 92) ، وأبوداود (650) والحاكم (955) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في: المجموع شرح المهذب 30/140، والألباني في: إرواء الغليل 1/314. (7) ذكر القرافي في نفائس الأصول (5/2322) بأن الاحتياط والرجحان تارة يكون في أفعال المكلفين، وتارة يكون في أدلة المجتهدين. ففي الأول: الاحتياط والرجحان يقتضي الندب. وفي الثاني: يقتضي الوجوب؛ لإجماع الأمة على أن المجتهد يجب عليه الفتيا بالراجح والعلم به. والاحتياط المذكور هنا هو احتياط في الدليل لا في الفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 الثاني: أن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب إجماعاً، والتزام مثل فعله صلى الله عليه وسلم - على سبيل الوجوب (1) - من تعظيمه، فيتعيَّن (2) . دليل القائلين باستحباب اتباعه صلى الله عليه وسلم، إن لم يكن فعله بياناً وفيه قُرْبة حجة الندب: أن الأدلة السابقة (3) دلَّتْ على رُجْحان الفعل (4) ، والأصل الذي هو براءة الذمة دلَّ (5) على عدم الحرج، فيُجْمع بين المُدْرَكَيْن (6) ، فيُحْمل على الندب. وجوابه: أن ذلك الأصل ارتفع بظواهر الأوامر الدالَّة على الوجوب. أدلة القائلين بالوقف ت حجة الوقف: تعارض المدارك (7) . ولأنه صلى الله عليه وسلم قد يفعل ما هو خاصٌّ به وما يَعُمُّه مع أمَّته، والأصل التوقف حتى يرد البيان (8) . والجواب عن الأول: قد ذهب التعارض بما تقدَّم (9) من الجواب عن (10) أدلة الخصوم (11) . وعن الثاني: أن الأصل استواؤه (12) صلى الله عليه وسلم مع أمته في الأحكام إلاّ ما دلّ الدليل عليه.   (1) هنا زيادة ((له)) في ن خلت منها جميع النسخ. (2) في س: ((فتعين)) . (3) في ق: ((السالفة)) . (4) أي الوجوب. (5) ساقطة من ن. (6) في ق: ((المَذْكُورَيْن)) . (7) هذا الدليل الأول. (8) هذا الدليل الثاني. (9) وهو جوابه عن حجة القائلين بالندب الآنف الذكر. (10) في ن: ((على)) . لم أعثر في المعاجم على تعدية الفعل ((أجاب)) بعلى، وإنما يتعدَّى بنفسه وبعن. انظر مادة " جوب " في: لسان العرب، وانظر: الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجرّ د. محمود إسماعيل عمار ص 59. (11) في ن: ((الخصوص)) وهو تحريف. (12) في س: ((استواء)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 حجة القائلين بأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي لا قُرْبة فيها أنها على الإباحة حجة الإباحة فيما لا قُرْبة فيه: أن الأصل أن الطلب يتبع مصالح القربات، ولا قُرْبة، فلا مصلحة، فتعيَّنت الإباحة، لعصمته صلى الله عليه وسلم من المنهي (1) عنه، و (2) لأنه خلاف ظاهر حاله (3) . حجة القائلين بأن أفعاله صلى الله عليه وسلم فيما لا قُرْبة فيها على الندب حجة الندب: ظواهر الأوامر الدالة على جميع ما أتى به كما (4) تقدمت (5) . إقرار النبي صلى الله عليه وسلم ومثال إقراره صلى الله عليه وسلم الدالِّ على الجواز: أنه صلى الله عليه وسلم مَرَّ في مَخْرجه للهجرة برَاعٍ، فذهب أبو بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه فأتاه (6) منه بلَبَنٍ (7) ، فلم يُنْكِر (8) عليه، فدلَّ ذلك على جوازه، ولأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث والناسُ يأكلون أنواعاً من الملاذِّ من لحوم الأنعام، والفواكه، وغيرها، وكذلك المراكب [وغيرها] (9) ولم ينكرها صلى الله عليه وسلم، فدلَّ ذلك على إباحتها إلاَّ ما دلَّ الدليل على مَنْعه (10) .   (1) في ق: ((النهي)) . (2) في ق: ((أو)) بدلاً من ((و)) ، وفي ن: ((أولاً و)) . (3) توضيح هذه الحجة هو: أن طلب الشارع لشيءٍ ما - سواء طلباً جازماً فيكون واجباً، أو غير جازمٍ فيكون مندوباً - إنما يحصل حيث وجدت القربات، وأفعاله صلى الله عليه وسلم كالأكل والشرب ليست قربة، فلا تكون مطلوبة، وهي ليست منهياً عنها أيضاً لعصمته، ولأنه خلاف ظاهر حاله في تجنب المحرمات والمكروهات فلم تبق إلا الإباحة. (4) في س: ((مما)) . (5) تقدمت هذه الأدلة ص (6) منها قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] ، وقوله: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ، وغيرها. فظاهر الأمر عموم اتباعه صلى الله عليه وسلم فيما فيه قربة وما لا قربة فيه، والظاهر في أفعاله التشريع؛ لأنه مبعوث لبيان الشرعيات. ولمزيدٍ من التفصيل في حجج الإباحة والندب مع المناقشات انظر: إحكام الفصول ص 309، المحقق من علم الأصول لأبي شامة ص45 وما بعدها. أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم د. محمد الأشقر 1/219-249. (6) في س: ((فأتى)) . (7) الحديث فيه قصة طويلة، أخرجه البخاري (2439) ، (3652) ، ومسلم (2009) . انظر وجه إقراره صلى الله عليه وسلم في: شرح صحيح مسلم للنووي 18/116، فتح الباري لابن حجر 5/118، 7/12. (8) هنا زيادة ((ذلك)) في ق. (9) ساقط من ق. (10) مسألة الإقرار وحجيته وشروطه وأنواعه، انظرها في: الإحكام لابن حزم 1 / 471، إحكام الفصول ص 317، قواطع الأدلة 2 / 196، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 2 / 24، الإحكام للآمدي 1/188، كشف الأسرار للبخاري 3/287، مفتاح الوصول ص 584، شرح الكوكب المنير 2/166، 194، تيسير التحرير لأمير بادشاه 3/128. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الفصل الثاني في اتباعِهِ صلى الله عليه وسلم (1) ص: قال جماهير الفقهاءِ والمعتزلةِ (2) : يجب اتباعُه صلى الله عليه وسلم في فِعْله، إذا عُلِم وجْهُه [وجب اتباعه] (3) في ذلك الوَجْه، لقوله تعالى: {وَمَا?آتَاكُم الرَّسُولُ?فخُذُوهُ} (4) والأمر ظاهر في الوجوب (5) . وقال أبو علي بن خَلاَّدٍ (6) به (7) في العبادات فقط (8) .   (1) هذه المسألة تسمَّى: بمسألة التأسِّي به صلى الله عليه وسلم. فمن سمَّاها: اتباعه صلى الله عليه وسلم فباعتبار قوله تعالى: "واتبعوه " [الأعراف: 158] ، ومن سمَّاها: التأسِّي به فباعتبار قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . ومرادهم بالاتباع أو التأسِّي بالرسول صلى الله عليه وسلم هو: أن نفعل صورة ما فَعَل، على الوجه الذي فعل، لأجل أنه فعل. ويكون التأسِّي به في الترك أيضاً: بأن نترك مثل ما ترك، على الوجه الذي ترك، لأجل أنه ترك. ولكن الاتباع أوسع من التأسِّي؛ لأنه يشمل الاتباع في القول والفعل. انظر: المعتمد 343، بذل النظر في الأصول للأسْمَنْدي ص501 - 503، الإحكام للآمدي 1/172، شرح الكوكب المنير 2 / 196. ويلاحظ هنا: أن هذه المسألة قد تلتبس بالمسألة السابقة في الفصل الأول ص (2) ، لأن القائلين هناك بأن دلالة فعله صلى الله عليه وسلم على الندب أو الوقف أي لا يجب التأسي، يقولون هنا: إنه يجب اتباعه صلى الله عليه وسلم والتأسِّي به. قال القرافي: ((هذه المسألة في غاية الالتباس بالتي قبلها، غير أنّ الفرق بينهما من جهةٍ، وهو أن البحث في المسألة الأولى أنه: هل نُصِبَ فِعْلُه عليه الصلاة والسلام دليلاً أم لا؟ فإن لم يُنْصَب دليلاً - كما في إمام الصلاة والخليفة وولاة الأمور - لكِن يجب اتباعه، كما تجب طاعتهم واتباعهم، وإن كنا لا نقول: بأنَّ أفعالهم نصبت دليلاً شرعياً)) انتهى بتصرّف من: نفائس الأصول 5 / 2334. كذلك يمكن أن يُعرف الفرق بين المسألتين بأن الأولى: في دلالة فعله صلى الله عليه وسلم المجرّد وقد جُهِلت الصفة التي أوقعه عليها، آلْوُجوبُ أم الندب أم الإباحة؟. أما هنا فقد عُلِمت الصفة فوجب التأسِّي به على الوجه الذي أوقعه عليه. (2) في س: ((وأكثرُ المعتزلة)) وهو من انفراداتها، وهو صواب أيضاً؛ لأنّ ابن خَلاَّد منهم، ولم يَقُلْ بقولهم. والمثبت هنا مَخْفُوضٌ لعطفه على ((الفقهاء)) وتقديره: ((وجماهير المعتزلة)) . (3) ساقط من س. (4) الحشر، من الآية: 7. (5) انظر هذا القول وأدلته عند الجماهير من الفقهاء والمعتزلة في: المعتمد 1/354، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 313، بذل النظر ص511، نهاية الوصول للهندي 5/2154، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 443، هداية العقول للحسين بن القاسم 1 / 462. (6) هو: أبو علي محمد بن خَلاَّد البصري المعتزلي، تتلمذ على أبي هاشم الجبَّائي، وهو صاحب كتاب " الأصول " وكتاب "الشرع " وغيرهما. مات ولم يبلغ حَدَّ الشيْخُوخة. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص 324، الفهرست لابن النديم ص 305. (7) ساقطة من ق، ن. (8) انظر مذهب ابن خلاَّد في: المعتمد 1 / 354، منهاج الوصول للمهدي ابن المرتضى ص 568، هداية العقول للحسين بن القاسم 1/462. وفي المسألة أقوال أخرى، منها: أن التأسي على الندب، ومنها: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 طرق معرفة صفات أفعاله صلى الله عليه وسلم وإذا وجب التأسِّي به وجب معرفةُ وَجْهِ فِعْله صلى الله عليه وسلم من الوجوب والندب والإباحةِ (1) : إمَّا بالنصِّ. أو بالتخْيِيْر بينه وبين غيره فيما (2) عُلِم فيه [وجهٌ (3) ، فيُسَوَّى به (4) ] (5) . أو بما يدلُّ على نفي قِسْمين فيتعيَّنُ الثالث. أو بالاستصحاب في عدم الوجوب، وبالقُرْبةِ (6) على عدم (7) الإباحة فيَحْصُل (8) الندب. وبالقَضَاءِ (9) على الوجوب. وبالإدَامة مع التَّرك في بعض الأوقاتِ على الندب (10) . وبعلامة الوجوب عليه كالأذان.   (1) أنه على الإباحة، ومنها: التوقف، ومنها: المنع من التأسي. انظر: أصول السرخسي 2 / 86، قواطع الأدلة 2 / 179، المحقق من علم الأصول لأبي شامة ص 58، المسودة ص 186، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2 / 403، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 245، إرشاد الفحول للشوكاني 1 / 168. () انظر أوجه فعله صلى الله عليه وسلم في: المعتمد 1 / 356، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 329، بذل النظر ص 510، الإبهاج 2 / 271، التوضيح لحلولو ص 245 - 246، نشر البنود 2/10. (2) في س، متن هـ: ((مما)) . (3) هنا زيادة ((ثبوته)) في متن هـ. (4) في ن: ((بينه)) وهو تحريف؛ لأن الكلام ما تمَّ بها، بل لابد أن يأتي بعدها ((وبينه)) . (5) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وجه تسويته)) . (6) في ق: ((القرينة)) والمثبت أصرح؛ لأن القربة من القرائن. (7) في س، ومتن هـ: ((نفي)) . (8) في متن هـ: ((فيتعيّن)) . (9) القضاء لغة: الحكم ويأتي بمعنى الأداء. انظر مادة " قضي " في: مختار الصحاح. وعرَّفه المصنف اصطلاحاً بأنه: إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عيَّنه الشرع لمصلحةٍ فيه. شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 73. (10) أي من طرق معرفة الندب، المواظبة على الفعل مع الإخلال به أحياناً لغير عُذْر ولا نَسْخٍ. مثاله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بالأعلى والغاشية. رواه مسلم (878) . وقد أخلَّ بذلك، فكان يقرأ بالجمعة والمنافقون. رواه مسلم (877) . فمداومته على قراءة الأعلى والغاشية قد تشعر بالوجوب، فلما قرأ بغيرهما استفدنا الندب إذ الواجب لا يُخَلُّ به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وبكونه جَزَاءً لسببِ الوجوبِ كالنَّذْر (1) . الشرح معنى (2) يجب اتباعه في ذلك الوجه أيْ: إنْ فَعَلَه على وجه الندب وَجَبَ علينا أنْ نفعله على وجه الندب، أو فَعَله صلى الله عليه وسلم على وجه الوجوب وجب علينا أن نفعله كذلك (3) ، إذ لو خالفناه (4) في النيَّة ذهب الاتباع. حجة ابن خلاَّد ووجه تخصيص الوجوب بالعبادات: قوله صلى الله عليه وسلم: ((خُذُوا عَنِّي مناسككم)) (5) و ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي)) (6) وظاهر المنطوق (7) الوجوب، لأنه أمر، ومفهومه (8) أن غير المذكور لا يجب وهو المطلوب، ولحديث (9) بَرِيْرة (10) قالت: يا رسول الله أَفَأَمْرٌ (11) منك أم تَشْفع؟ فقال:» إنمّا أنا شفيع «. فقالت: لا حاجة لي به (12) .   (1) النَّذْر لغة: الإيجاب والالتزام والوعد. انظر مادة " نذر " في: القاموس المحيط. واصطلاحاً: التزام مسلمٍ مكلَّفٍ قُرْبةً. أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك مع الشرح الصغير للدَّرْدير 2 / 249. (2) في س: ((معناه)) وهو خطأ؛ لعدم انسجام السياق بها. (3) هنا زيادة ((على وجه الوجوب)) في ن ولا حاجة لها، لإنها تكرار. (4) في ن: ((خالفنا)) والمفعول معلوم من السياق. (5) هذا لفظ البيهقي في: السنن الكبرى 5/125، وابن عبد البَرِّ في: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 7 / 272، ورواه مسلم (1297) بلفظ ((لتأخذوا مناسككم..)) . (6) رواه البخاري (631) . (7) المنطوق لغة: اسم مفعول من نَطَقَ بمعنى: تكلَّم. انظر مادة " نطق " في: لسان العرب. واصطلاحاً: ما دلَّ عليه اللفظ في محلِّ النطق. منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص 147. (8) المفهوم لغة: اسم مفعول من فَهِم أي: عَلِم وعَقَل. انظر مادة " فهم " في لسان العرب. واصطلاحاً: ما دلَّ عليه اللفظ في غير محلِّ النطق. منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص147. (9) في ق: ((وبحديث)) بالباء. (10) بَريْرة مولاة لعائشة رضي الله عنها. قيل: كانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عُتْبة بن أبي إسرائيل، وقيل غير ذلك. اشترتها عائشة رضي الله عنها فأعتقتها، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها. وقصتها في ذلك في الصحيحين: البخاري (5279) ، مسلم (1504) . انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 8/50 (11) في ق: ((أبِأََمْرٍ)) . (12) الحديث من رواية ابن عباس رضي الله عنه أن زوج بَرِيْرة كان عبداً يقال له: مُغِيْث. كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباسٍ:» يا عباس ألا تعجب من حُبِّ مُغِيْثٍ بَرِيرةَ ومن بُغْضِ بَرِيرةَ مُغِيْثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:» لو رَاجَعْتِهِ «. قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال:» إنما أنا أشفع «. قالت: لا حاجة لي فيه. رواه البخاري (5283) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 فدلّ على أن ما عدا الأمر الجازم لا يجب الاتباع فيه (1) . وأصل التخيير التسوية: فإذا خُيِّر بين ذلك الفعل وبين ما عُلِم وجوبه كان ذلك الفعل واجباً، أو خُيِّر بينه وبين مندوب كان ذلك الفعل مندوباً، أو بينه وبين ما عُلِمتْ إباحته كان ذلك الفعل مباحاً. سؤال: قال بعض [فضلاء* العصر] (2) : قول العلماء التخيير يقتضي التسوية (3) يُشْكل، فإن (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم أتِيَ (5) ليلة الإسراء بقَدَحين، أحدهما لَبَن والآخر خَمْر، وخُيِّر بينهما، فاختار اللَّبَن، فقال له (6) جبريل عليه السلام لو اخْترتَ الخمر لغَوَتْ أمَّتُك (7) . فالخمر موجِبٌ للإغواء، ومع ذلك خُيِّر بينه وبين موجب الهداية وهو اللَّبَن، وموجب الهداية مأمور به، وموجب الغَيّ والإغواء منهيٌ عنه، فقد وُجِد (8) التخيير لا مع الاستواء في الأحكام. جوابه: أنَّ الحكم الشرعي كان في القدحين واحداً (9) ، وهو الإباحة، غير أنَّ الشيئين قد يستويان في الحكم الشرعي، ويكون* اختلافهما بحسب العاقبة (10) لا بحسب الحكم، كما انعقد الإجماع على جواز بناء ما شِئْنا من الدُّوْر وشراء ما شِئْنا من   (1) ذكر المصنف حديث بَرِيْرة ليدلِّل على مذهب ابن خَلاَّد في أن التأسي به صلى الله عليه وسلم لا يكون في غير العبادات كالمناكحات والمعاملات..فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان شافعاً في مسألة المراجعة لا آمراً. (2) ما بين المعقوفين في س: ((الفضلاء)) . ولم أقف على اسمه. وانظر السؤال وجوابه في: نفائس الأصول 5 / 2339. (3) انظر قاعدة: التخيير واقتضائه التسوية أو عدمها في: الفروق للقرافي 2 / 8. (4) في ق: ((بأن)) . (5) في س: ((أوتي)) ولعلَّه تحريف؛ لأن روايات الحديث عبَّرت بالإيتاء وليس بالإتيان، ولأن ((أوتي)) يتعدى بنفسه لا بحرف الجرّ الباء. انظر مادة " أتي " في: لسان العرب. (6) ساقطة من ن. (7) الحديث رواه البخاري (3394) ومسلم (272) كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» ... ثم أتِيْتُ بإناءين، في أحدهما لَبَن وفي الآخر خمر. فقال: اشْربْ أيَّهما شِئْتَ. فأخذْتُ اللَّبن فشربْتُه. فقيل: أخَذْتَ الفِطْرة، أمَا إنك لو أخذْتَ الخمر غَوَتْ أمتك «. واللفظ للبخاري. (8) في ن: ((وجب)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن وجب بمعنى: ثبت. انظر مادة " وجب " في: لسان العرب. (9) في ن: ((واحدٌ)) وهو خطأ نحوي. والمثبت هو الصواب، لأن خبر ((كان)) منصوب. (10) في س: ((القاعبة)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الدَّواب وزواج ما شِئْنا من النِّساء، ومع ذلك إذا عَدَل الإنسان عن أحد هذه إلى غيره (1) أمكن أن يقول له صاحب الشرع: لو اخترت تلك الدار أو الدابة أو المرأة لكانت مشئومة، كما جاء في الحديث (2) ، وإنْ كان للعلماء فيه خلاف في تأويله (3) ، غير أن ذلك لا يمنع التمثيل (4) ، فإنه يكفي الإمكان فيما يُتَوَقَّعُ في (5) العواقب ولا (6) يُغيِّر الحكم الشرعي، كذلك القَدَحان حكمهما الإباحة، وأخبر جبريل عليه السلام أن الله تعالى* ربط بأحدهما حسن العاقبة، وبالآخر سوء العاقبة، وذلك غير الأحكام الشرعية. نعم، لو قال جبريل عليه السلام لو اخْتَرْتَ الخمر لأَثِمَتْ [أمَّتُك] (7) أشْكَل. أما العواقب فلا تُناقِض تَقَدُّم الإباحة. وقولي: " أو بما يدلُّ على نفي قسمين فيتعيّن الثالث " معناه: أنَّ فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع فيه (8) محرَّم لعصمته، ولا مكروه لظاهر حاله، فلم يَبْقَ إلا الوجوب والندب والإباحة، فهي ثلاثة، إذا دلَّ الدليل على نفي اثنين منها تعيَّن الثالث لضرورة الحَصْر،   (1) في س، ق: ((غيرها)) وهو محتمل على تقدير عود الضمير على المعدود المحذوف، تقديره ((الأشياء)) . والله أعلم. (2) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:» إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار «رواه البخاري (2858) ومسلم (2225) . (3) من هذه التأويلات: أ - أنَّ هذه الأشياء أكثر ما يتطيَّر به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه، ويستبدل به غيره. ب - إنْ كان الله خَلَق الشؤم في شيءٍ مما جرى من بعض العادة، فإنما يخلقه في هذه الأشياء، فالنفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. ويؤيد هذا المعنى حديث مسلم (2226) "إن كان، ففي المرأة والفرس والمسكن " يعني الشؤم. جـ - شؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للرِّيَب، وشؤم الفرس ألاَّ يُغْزى عليها، وشؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها. انظر: فتح الباري لابن حجر 6/76. شرح صحيح مسلم للنووي 14 / 184. (4) في س: ((التمسك)) . (5) في ن: ((مِنْ أنّ)) . (6) في ن: ((لا)) بدون الواو. (7) هكذا أثبتت في هامش نسخة ز. وهو أليق في التعبير مما جاء في جميع النسخ، إذ خلتْ منها. (8) في س، ن: ((في فعله)) وهو تكرار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فإذا ذهبت الإباحة والندب تعيَّن الوجوب، [أو الوجوب والإباحة تعيَّن الندب] (1) ، أو الندب والوجوب تعيَّنت الإباحة. ومعنى " الاستصحاب في عدم الوجوب وبالقُرْبة على عدم الإباحة " أي: من وجوه الاستدلال، أن يقول (2) : هذه قُرْبة لأنها صلاة أو صيام - مثلاً - فلا تكون مباحة؛ لأن الأصل في هذه الأبواب عدم الإباحة (3) ، والأصل أيضاً عدم الوجوب (4) فيتعين (5) الندب. وبالقضاء على الوجوب: هذا على مذهب مَالِكٍ أنَّ النوافل لا تُقْضَى (6) . وأما على قاعدة الشَّافِعي أن العيدين يُقْضيان وكل نافلة لها سبب (7) فلا نقدر أن نقول: هذا الفعل (8) قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون واجباً، لأن القضاء ليس من خصائص الواجب، وإنّما يأتي ذلك على مذهب مالك ومن قال بقوله (9) .   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (2) في ن: ((تقول)) . (3) أي الأصل في القربات: الندب أو الوجوب. (4) أي الأصل (الاستصحاب) : براءة الذمَّة من الوجوب. (5) في ن: ((فتعيّن)) . (6) قال خليلٌ في مختصره: ((ولا يُقضى غيرُ فَرْضٍ إلاّ هي - يقصد ركعتي الفجر - فللزَّوال)) قال الحَطَّاب: هذا هو المشهور. وقيل: لا يقضيهما. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (2 / 392) ، وقال ابن جُزَيّ المالكي: ((ومن فاتته نافلةٌ لم يَقْضِها في المذهب إلا من فاتته ركعتا الفجر فيقضيهما بعد طلوع الشمس وفاقاً لهم)) ، أي للأئمة الثلاثة. قوانين الأحكام الشرعية ص 86. (7) قال النووي في المنهاج: "ولو فات النَّفْل المؤقت نُدب قضاؤه في الأظهر". قال الشارح الشربيني: "خرج بالمؤقَّت ما له سبب كالتحيَّة والكسوف فإنه لا مدخل للقضاء فيه ". فعُلم من هذا أنه ليس كل نافلة لها سبب أنها تُقضى. والنوافل التي لها سبب كثيرة منها: الكسوف والاستسقاء والتحيَّة وركعتا الطواف وسنة الوضوء وسجدة الشكر والتلاوة.. إلخ. انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني 1 / 310، 457. (8) ساقطة من ق. (9) ممن قال بقوله: أبو حنيفة، والشافعي في القديم، وأحمد في رواية عنه. انظر: بدائع الصنائع للكاساني 2/273، المغني لابن قدامة 2 / 533، 544، المجموع شرح المهذب للنووي 3 / 532، نيل الأوطار للشوكاني 3 / 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وأما كون الأذان لا يكون إلا في واجب فظاهر، فإذا بَلَغَنا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالأذان لصلاةٍ، قلنا: تلك الصلاة واجبة لوجود خصوصية (1) الوجوب. وإذا بَلَغَنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذر صلاة أو غيرها من المندوبات وفعلها قضينا على ذلك الفعل بالوجوب، لأن فعل المنذور واجب. فهذه وجوهٌ من الاستدلال (2) على حكم أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا وقعت. تعارض فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله، وتعارض الفعلين ص: تفريع (3) : إذا وَجَب الاتباع، وعارض [فِعْلُه صلى الله عليه وسلم قَوْله] (4) : فإن تَقَدَّم القولُ وتَأَخَّر الفعلُ نسخ (5) الفعلُ القولَ، كان القولُ خاصاً (6) به أو بأمته أو عمهما، وإن (7)   (1) في ق، ن: ((خَصِيْصَة)) . لم أجدها فيما اطلعت عليه من المعاجم حاشا " المعجم الوسيط ". ففيه (( الخَصِيصة: هي الصفة التي تميز الشيء وتحدده)) . (2) في ن: ((الاستلالات)) ، وفي ق: ((الاستدلات)) وهو تحريف. (3) فرَّع المصنف مسألة تعارض الأفعال على القول بوجوب التأسي به صلى الله عليه وسلم، لكنه اختصر عرض هذه الصور واقتصر على بعضها دون بعض. قال حلولو: ((التعارض بين الشيئين هو تقابلهما على وجهٍ يمنع كلُّ واحدٍ منهما مقتضى الآخر أو بعض مقتضاه. وهو إما بين القولين، ومحله الترجيح، وإما بين الفعلين أو بين القول والفعل)) . التوضيح ص247. ثم حصر صور التعارض في (36) صورة. أما الحافظ العلائي في كتابه: تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال ص (121-123) فحصرها في (60) صورة بطريق التقسيم العقلي وقال: ((وأكثرها لا يقع له مثالٌ في السنة، ولهذا لم يعتمد هذا التقسيم أحدٌ في مصنفه مجموعاً هكذا، بل يذكر كلٌ واحدٍ شيئاً - ثم قال - وإنما تُذكر للتمرين وبيان الأحكام)) وأما ابن النجار الفتوحي في كتابه: شرح الكوكب المنير (2 / 200) فحصرها في (72) صورة. وأكثر ما وقفت عليه من حصر هذه الصور ما ذكره الدكتور / محمد الأشقر في كتابه النفيس: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم 2/206 حيث حصرها في (144) صورة وقال: ((إلاَّ أن بعضها لا يُعقل، وبعضها لا فائدة في تفصيله، وبعضها لا يُعرف له أمثلة في السنة)) . ثم اختصرها في (18) صورة ذات أهمية وأثر. (4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((قوله صلى الله عليه وسلم فعله)) بتقديم وتأخير. (5) سيأتي مبحث " النسخ " في الباب التالي لهذا الباب. انظر تعريفه ص 42. (6) الخَاصُّ لغة: المُنْفَرِد وهو ضِدّ العام. انظر مادة " خصص " في: لسان العرب. واصطلاحاً: هو لفظ وضع لمعنى واحدٍ على سبيل الانفراد. انظر: كشف الأسرار للبخاري 1/88. (7) في ن: ((وإذا)) وهي أداة شرط للمحقَّق، بينما ((إنْ)) أداة شرط للمُمْكن، وتأتي ((إنْ)) في موضع ((إذا)) وكلاهما سائغ هنا. انظر: مادة " أنن " في لسان العرب، ومادة " إنما " في: المصباح المنير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 تأخَّر القولُ - وهو عامٌّ (1) له ولأمته صلى الله عليه وسلم - أَسقَطَ (2) حُكمَ الفعلِ عن الكل، وإن اخْتَصَّ بأحدهما خصَّصهُ عن عمومِ حكمِ الفعل. وإِنْ تَعَقَّبَ الفعلُ القولَ من غير تراخٍ وعَمَّ القولُ له ولأمته عليه الصلاة والسلام خصَّصه عن عموم القول، وإن اخْتَصَّ بالأُمَّةِ تَرَجَّح القول [على الفعل، وإنْ اختصَّ به جاز إن جوَّزْنا (3) نسخ الشيء قبل وقته (4) ] (5) ، [وإلاّ فلا (6) . وإنْ لم يتقدَّم واحدٌ منهما رجح القول] (7) ؛ لاستغنائه [بدلالته عن غيره] (8) من غير عَكْسٍ (9) . فإن عارض الفعلُ الفعلَ بأنْ يُقِرَّ شَخْصاً على فِعْلٍ فَعَلَ - هو صلى الله عليه وسلم - ضِدَّه فيُعْلَم خروجُه عنه. أو يفعل صلى الله عليه وسلم ضِدَّه في وقتٍ يُعْلم [لزومُ مِثْلِه له] (10) فيه فيكونُ نَسْخاً للأول (11) .   (1) العَامُّ لغة: الشامل، من عمَّ الشيءُ: بمعنى شَمِل. انظر مادة " عمم " في: القاموس المحيط. واصطلاحاً هو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وَضْعٍ واحدٍ دفعةً مِنْ غير حَصْرٍ. انظر: مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص 359. (2) انظر: نفائس الأصول 6/2348 وما بعدها، لتعرف لماذا عبر المصنف بالسقوط بدلاً من النسخ والتخصيص. (3) في ن: ((جُوِّز)) . (4) في ق: ((وقوعه)) . (5) ما بين المعقوفين ساقط من س، متن هـ. (6) توضيح العبارة السابقة: أن القول إذا اختص بالأمة، وجاء الفعل عقيبه، فلا نجوِّز احتمال اختصاص القول به، صيانةً له من الوقوع في المخالفة والمعاندة. وإن جوزنا احتمال اختصاص القول به فهو بناءً على تجويزنا نسخ الشيء قبل حضور وقته. (7) ما بين المعقوفين ساقط من س، ق، متن هـ. (8) ساقط من ن. (9) هذا ما اختاره المصنف، وفي مسألة: " جَهْل المتقدم والمتأخر من القول والفعل " أقوال أخرى، منها: الفعل مقدَّم؛ لأنه أقوى في البيان، ومنها: الوقف حتى يتبيّن التاريخ. قال ابن العربي: ((ومالك رحمه الله تختلف فتاويه، فتارةً يقدِّم القول، وتارةً يقدِّم الفعل، وذلك بحسب ما يعطيه الدليل المغاير لهما. فدلّ على أن مذهبه يقتضي أنهما متعارضان تعارضاً مستوياً، فيجب طلب الدليل في غيرهما)) . المحصول له ص 478. انظر: إحكام الفصول ص315، قواطع الأدلة 2 / 194، المحصول للرازي 3/256-259، نفائس الأصول 6/2346، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 26 - 27، شرح الكوكب المنير 2/199، تيسير التحرير 3/148. (10) ما بين المعقوفين في ن هكذا: ((لزومه)) . (11) انظر الأمثلة على هذه الصور السالفة الذكر في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 338 - 347. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 الشرح القاعدة (1) : أن الدليلين الشرعيين إذا تعارضا، وتأخَّر أحدُهما عن (2) الآخر كان المتأخرُ [ينسخ المتقدِّمَ] (3) . مسألة تقدُّم القول وتأخُّر الفعل ولذلك قلنا: ينسخُ الفعلُ القولَ، إذا تأخر. فإن كان خاصاً به والفعلُ أيضاً منه حصل النسخ (4) . والخاصُّ بأمته يتقرَّر حُكْمه سابقاً ثم يأتي الفعل بعد ذلك (5) ، ويجب تأسِّيهم به صلى الله عليه وسلم فيتعلق بهم حكم الفعل أيضاً، وهو مناقض لما تقدَّم في حقِّهم من القول، فينسخ (6) اللاحقُ السابقَ في حقِّهم أيضاً (7) ؛ لأنه القاعدة. وكذلك أيضاً (8) إذا عَمَّهما (9) ، وحكم الفعل أيضاً يعمُّهما (10) ؛ أما هو صلى الله عليه وسلم فلأنَّه المباشر له، ولا يباشر شيئاً إلا وهو يجوز له صلى الله عليه وسلم [الإقدامُ عليه] (11) ، وأمَّا هُمْ فلوجوب تأسِّيهم به وانْدِرَاجِهم في   (1) أي هذه قاعدة من قواعد الترجيح بين الأدلة المتعارضة. انظر: باب التعارض والترجيح في الباب الثامن عشر، ص 413. (2) في ن: ((من)) ولم أجد فيما اطلعت عليه من المعاجم تعدِّي الفعل " تأخر " بـ" من ". (3) في ن، ق: ((نسخاً للمتقدم)) خلافاً لجميع النسخ. ويلاحظ على هذه القاعدة: أنه لا يُصار إلى النسخ إلا بعد تعذُّر الجَمْع بينهما، كما هو مذهب جمهور الأصوليين، وقد ذكر المصنف ذلك في مبحث الترجيح ص (413) فقال: ((وإذا تعارض دليلان، فالعمل بكلِّ واحدٍ منهما من وجْهٍ أولى من العمل بأحدهما دون الآخر ... )) . والقول بالنسخ أو الترجيح أولاً عملٌ بأحدهما دون الآخر. انظر: الرسالة للشافعي ص341، الموافقات للشاطبي 5/342 وما بعدها. (4) حصل النسخ في حقه دون أمته، لأن القول خاص به، أما أمته فيلزمها مثل فعله لوجوب التأسي به. (5) أي: والقول الخاص بأمته كأن يقول: يجب عليكم صوم يوم عاشوراء، ثم يفطر فيه صلى الله عليه وسلم، وقد دل الدليل على وجوب التأسي به. (6) في ق: ((فنسخ)) . (7) أي: في حق أمته دونه صلى الله عليه وسلم، فلا يحصل له النسخ، لأن القول لم يتناوله. (8) ساقطة من س، ق. (9) في س: ((عمها)) وهو تحريف؛ لأن المراد تعميم النبي صلى الله عليه وسلم والأمة. (10) في س: ((يعمها)) وهو تحريف؛ للعلّة السابقة. (11) ساقط من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 كلِّ ما شُرع له صلى الله عليه وسلم إلاَّ مادلَّ الدليل عليه، فيتناقض (1) ما تقدَّم في حقِّهم (2) من دلالة القول، فينسخ (3) الفعلُ المتأخرُ القولَ المتقدِّمَ (4) عنه وعنهم. مسألة تقدُّم الفعل وتأخُّر القول وبهذا يظهر أن القول إذا تأخر عن الفعل نسخه (5) بطريق الأوْلى إذا عمَّهما؛ لأنه أقوى من الفعل، والأقوى أولى بالنسخ للأضعف من غير عكس. فإنْ اختص القول بأحدهما أخرجه عن عموم حكم الفعل، وبقي الآخرُ على حكم الفعل (6) ؛ لعدم معارضة القول له في ذلك القسم، والنسخ لابدَّ فيه من التعارض. مسألة تعقُّب الفعلِ القولَ وإنْ تعقَّب الفعلُ القولَ من غير تَرَاخٍ، تَعَذَّر في هذه الصورة النسخُ؛ لأنَّ من شرط النسخ التراخي على ما سيأتي (7) ، وإذا تعذَّر النسخ لم يبْقَ إلا التخصيص. فإذا كان النص عامّاً له ولأمته صلى الله عليه وسلم خَصَّصه - هو صلى الله عليه وسلم - من (8) عموم ذلك القول، فيُعْلم أنه صلى الله عليه وسلم غيرُ مُرادٍ بالعموم. وإن اختَّص القول بالأمة، والفعلُ أيضاً شأنه أن يترتَّب في حقِّهم حُكْمُه، وهما متناقضان متعارضان، فيُقَدَّم القولُ على الفعل لقوته؛ لأن دلالته بالوَضْع (9) ، فلا يفتقر إلى دليلٍ يدلُّ على أنه حُجَّة، بخلاف الفعل لولا قوله تعالى:   (1) في ق: ((فيناقض)) . (2) وحقه صلى الله عليه وسلم. (3) في ق: ((فنسخ)) . (4) ساقطة من س. (5) في ن: ((ينسخه)) . (6) معنى العبارة: إن تأخر القول عن الفعل كأنْ يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، وكان القول خاصاً به كأن يقول: لن أصلي إلى بيت المقدس، خرج هو عن حكم الفعل، وبقيت أمتَّه على حكمه. وإن كان القول خاصّاً بأمتِّه، كأنْ يقول لهم: لا تصلُّوا إلى بيت المقدس، خرجتْ عن حكم الفعل وبقي هو صلى الله عليه وسلم على حكمه. انظر المعتمد 1/360. (7) انظر: الباب الرابع عشر: في النسخ ص 43، 45. (8) في س: ((عن)) والمثبت أظهر، لتضمُّن حرف " من " معنى البعضيَّة. (9) عرَّف المصنف الوَضْع بأنه: جَعْل اللفظ دليلاً على المعنى، وذكر أقسامه. شرح تنقيح الفصول ص20 (المطبوع) . والدلالة اللفظية الوَضْعية: هي كون اللفظ بحيث متى أطْلق أو تُخُيِّل فُهِم منه معناه للعلم بوَضْعه. التعريفات للجرجاني ص140. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (1) ونحوه لتَعذَّر علينا نَصْبُ الفعل دليلاً. مسألة تعارض الفعلين وإذا فَعَل صلى الله عليه وسلم فِعْلاً وعُلِم بالدليل أنَّ غيره مكلَّفٌ بذلك الفعل، ثم يَرَى غيره يفعل ضِدَّ ذلك الفعل، فيُعْلم أن هذا الفاعلَ لهذا الضِدِّ خارجٌ من حكم ذلك الفعل المتقدِّم (2) ، ويبقى غَيْرُ هذا الذي أقرَّه (3) عليه* السلام مُنْدرِجاً في حكم ذلك الفعل. أو يُعْلم بالدليل أنه عليه الصلاة والسلام يلزمه فِعْلٌ في وقت فيراه (4) قد فَعَل ضِدَّ ذلك الفعل [في ذلك الوقت] (5) ، فيُعلم نَسْخُه عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت وما بعده، فهذا هو معنى المسألتين الأخيرتين (6) في هذا الفصل (7) . فائدة: قال الإمام فخر الدين (8) : التخصيص والنسخ في الحقيقة ما لَحِق إلا الدليلَ الدالَّ على وجوب التأسي، فإنه تناول* هذه الصورة وقد خرجت منه (9) . سؤال: قال العلماء: من شرط الناسخ أن يكون مُساوياً للمنسوخ أو أقوى، والفعل أضعف، فكيف جعلوه في هذا المقام ناسخاً مع ضعفه عن المنسوخ؟ (10) .   (1) الحشر، من الآية: 7. (2) قال حلولو عن هذه الصورة من التعارض " وهذا يرجع إلى التخصيص بالإقرار" التوضيح ص251. (3) في س: ((لقوله)) وهو تحريف ظاهر لا يتحقق به المعنى. (4) في ن: ((فرآه)) ، والفاعل مقدَّر، تقديره " أحدٌ ". (5) ساقط من ق. (6) في ق، ن: ((الآخرتين)) وهو صحيح أيضاً ومفردها: آخرة مؤنث آخر بمعنى أخير وهو صحيح أيضاً. انظر مادة " أخر " في: مختار الصحاح. (7) مشى المصنف في مسألة تعارض الفعلين مع القائلين بإمكان وقوعه، وسيورد بعد قليل نقلاً عن الآمدي والغزالي باستحالة وقوع التعارض بينهما. (8) انظر: المحصول 3/262. (9) لكن المصنف أورد إشكالاً على قول الإمام حيث قال في نفائس الأصول (6/2358) : ((يعسر الجمع بين هذا وبين ما تقدمّ من أن الفعل دليلٌ على الوجوب في حقنا، وإذا كان دليلاً قد نصَّبه صاحب الشرع أمكن لحوق التخصيص له كسائر الأدلة، وكذلك يلحقه النسخ إذا علم أن العموم مرادٌ منه في جميع الأزمنة ... إلخ)) (10) انظر السؤال وجوابه أيضاً في نفائس الأصول (6/2347) : علماً بأن بعض العلماء يغلّط من يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ أو في مرتبته، بل يكفي مجرد صحة الخبر. وسيأتي مزيد تعليق على هذا الشرط في مباحث النسخ ص (83) هامش (3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 جوابه: أنّ المراد بالمساواةِ المساواةُ (1) في السَّنَد (2) لا غير (3) ، وذلك لا يُناقض كَوْنَه فِعْلاً، ولذلك يجب أن نُفصِّل في هذه المسألة فنقول: القول والفعل إنْ كانا في زمانه صلى الله عليه وسلم وبحضرته فقد استويا، وإن نُقلا إلينا تعيَّن أنْ لا نقضي (4) بالنسخ إلا بعد الاستواء في نقل كل واحد منهما، فإنْ كان أحدُهما متواتراً (5) والآخرُ آحاداً (6) منَعْنا نسْخَ الآحادِ للمتواتر، هذا تلخيصُ هذا الَموْضعِ ولابدَّ منه. فائدة: قال الشيخ سيف الدين (7) في " الإحكام " (8) : إذا كان الفعل لا يتكرر بل يختص بذلك الزمان بأن يقول عَقِيْبه أو مُتَراخياً عنه: هذا الفعل لا يُفْعل بعد هذا الوقت، ثم يَرِدُ القولُ بعد ذلك، لا يحصل تعارضٌ ألْبتَّة.   (1) ساقطة من ن، ق. (2) السَّنَد لغة: المُعْتَمد وهو يدلُّ على انضمام الشيء. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس مادة " سند ". واصطلاحاً: الطريق الموصل إلى مَتْن الحديث. شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص160. (3) في ن: ((غيره)) . (4) في س، ق: ((يُقْضَى)) . (5) سيأتي تعريفه ص 197. (6) سيأتي تعريفه ص 218. (7) هو أبوالحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التَّغْلِبي - نسبةً إلى قبيلة تَغْلِب - المعروف بسيف الدين الآمدي؛ نسبةً إلى بلدة ولادته: آمِد، بديار بكر. تفقَّه على المذهب الحنبلي ثم صار شافعياً، وهو أصولي، متكلّم، ويجيد البحث والمناظرة. من تصانيفه: الإحكام في أصول الأحكام (ط) ، منتهى السُّول في علم الأصول (ط) (وهو مختصر لكتابه الإحكام) . وفي علم الكلام له: أبكار الأفكار (ط) . ت 631هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/306، وفيات الأعيان 3/293، سير أعلام النبلاء 23/364. (8) انظر: الإحكام في أصول الأحكام (1 / 191) . وهذا الكتاب لسيف الدين الآمدي على طريقة المتكلمين، ذكر ابن خلدون في مقدمته (3 / 1065) بأن الآمدي، والفخر الرازي لخَّصا ما اشتملت عليه الكتب الأربعة: العُمَد للقاضي عبد الجبار، المعتمد لأبي الحسين البصري وهما معتزليان، والبرهان للجويني والمستصفى للغزالي وهما أشعريان. والآمدي يُكْثِر من اختيار مذهب الوقف، فمن أراد معرفة رأيه بوضوح فعليه بمختصره: منتهى السول في علم الأصول (ط) . وللإحكام طبعات كثيرة، منها: طبعة المكتب الإسلامي بتحقيق الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، له عليها تعليقات سلفية وعلمية نفيسة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 فائدة: قال الشيخ سيف الدين (1) : أفعاله صلى الله عليه وسلم لا يمكن وقوعُ التعارض فيها حتى يَنْسخ بعضُها بعضاً أو يُخَصِّصه (2) ، فإنَّ الفِعْلين إنْ تَمَاثلا و (3) كانا في وقتين كالظُّهْر اليومَ والظُّهر غداً فلا تعارض، وإن اختلفا وأمكن اجتماعهما كالصلاة والصوم فلا تعارض، وإنْ تَعذَّر اجتماعهما لتناقض أحكامِهما [كما لو صام] (4) في وقتٍ وأكَل في مِثْل ذلك الوقت لم يتعارضا أيضاً؛ لأن الفعل لا عموم له حتى يَدُلَّ على لزوم ذلك الفعل (5) في جميع الأوقات فيناقضه ضِدُّه إذا وقع في تلك الأوقات الأُخَر، فإن دَلَّ دليلٌ من خارجٍ غير الفعل على (6) أن مثل ذلك الفعلِ يتكرر فالتخصيص (7) والتعارض إنما عرض لذلك الدال على التكرار (8) . وكذلك إقراره صلى الله عليه وسلم لبعض الأمة على الترك مع القدرة على الفعل والعلم به لا يكون مُخصِّصاً وناسخاً إلا للدليل الدال على تكرار ذلك الفعل (9) .   (1) انظر: الإحكام للآمدي 1/190. (2) في ق: ((تخصِّصه)) والمثبت أنسب للسياق. (3) في س: ((أو)) وهو خطأ؛ لأن المراد العطف بالواو الذي يحصل بها معنى الجَمْع، لا التخيير. (4) في س: ((كالصوم)) . (5) في س، ن: ((الوقت)) وهو خطأ؛ لعدم إفادتها المعنى المراد. (6) ساقطة في ن. (7) في س "والتخصيص" بالواو. والمثبت هو الصواب؛ لإفادته معنى الترتيب، ولوجوب اقتران جواب الشرط بالفاء إذا كان جملةً اسْميَّة. انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 1 / 499. (8) مثاله: إذا دلَّ دليلٌ على وجوب تكرر الصوم عليه في وقتٍ ما، ثم أفطر في مثل ذلك الوقت مع قدرته على الصوم، دلَّ أكْلُه على نسخ دليل تكرار الصوم في حقه، لا نسخ حكم الصوم السابق لعدم اقتضائه التكرار، فرَفْعُ حُكمٍ وُجد محالٌ. شرح الكوكب المنير 2/199. (9) مثاله: كأن يدلَّ دليلٌ على وجوب تأسي أمته به صلى الله عليه وسلم في وقتٍ ما، ثم يُقرُّ آكلاً في مثل ذلك الوقت، فهذا نسخ أو تخصيص لدليل وجوب التأسي به في حق هذا الآكل. انظر: شرح الكوكب المنير 2 / 199. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 قال الغزالي (1) في " المستصفى " (2) : لا يُتَصور التعارض بين الأفعال بما هي أفعال ألبتَّة؛ لأن الفعلين لا يجتمعان في زمان واحد ألبتَّة، وإذا تعدد الزمان فلا تعارض، بخلاف الأقوال لها صيغ تتناول بها الأزمان، فيُتَصور التعارض (3) . فائدة: مهما أمكن التخصيص لا يُعْدل عنه إلى النسخ (4) ؛ لأنه أقرب إلى الأصل من جهة أنه بيان المراد، فليس فيه إبطال مراد، بخلاف النسخ فيه إبطال المراد.   (1) هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي - بتشديد الزاي نسبة إلى الغَزْل كالغَزَّال، وبتخفيفها نسبةً إلى غَزَالة قرية في طُوس، يلقب بحجة الإسلام، أصولي فقيه شافعي، اشتغل بالفلسفة والمنطق والتصوف، من شيوخه: إمام الحرمين الجويني، ومن تلاميذه: ابن بَرْهان وابن العربي وغيرهما. له تصانيف كثيرة منها في الأصول: المستصفى (ط) ، المنخول (ط) . شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل (ط) . وفي السلوك: إحياء علوم الدين (ط) ، وفي الفقه: الوسيط (ط) ، وفي المنطق: محك النظر (ط) ، معيار العلم (ط) ، وفي الفلسفة: تهافت الفلاسفة (ط) . وتوفي عام 505هـ. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/191، وفيات الأعيان 4/216، سير أعلام النبلاء 19 / 322. (2) انظر هذا النقل بتصرف في: المستصفى من علم الأصول (2/232) . وهذا الكتاب لأبي حامد الغزالي مشى فيه على طريقة المتكلمين، وهو تمام الكتب الأربعة (العمد، والمعتمد، والبرهان، والمستصفى) التي نوَّه عنها ابن خلدون في مقدمته (3 / 1065) بأنها أركان هذا العلم. وهو آخر كتب الغزالي الأصولية، تتجلِّى شخصيته فيه بوضوح. وله تقسيم وترتيب وعرض بديع. له اختصارات منها: الضروري في أصول الفقه لابن رشد (الحفيد) (ط) . وعليه شروحات منها: المستوفى للعبدري المالكي. وللمستصفى عدة طبعات منها: طبعة في أربعة أجزاء بتحقيق د. زهير حمزة حافظ. وطبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق الدكتور / محمد سليمان الأشقر. انظر: الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبوسليمان ص325 وما بعدها.. (3) مسألة تعارض الفعلين مما اختلف العلماء في إمكان وقوعه على قولين، الأول: يمتنع وقوع التعارض بينهما، وهو لأكثر الأصوليين حتى قال العلائي: ((وهذا القول هو الذي أطبق عليه جمهور أئمة الأصول)) تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال ص (59) . القول الثاني: يجوز وقوع التعارض بينهما كالقولين، وهو رأي الباجي وابن رشد والقرطبي والمازري وغيرهم. انظر: المعتمد 1 / 359، إحكام الفصول ص 314، البرهان للجويني 1 / 327، منتهى السول والأمل ص 50، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 1 / 264، أصول الفقه لابن مفلح 1 / 355، البحر المحيط للزركشي 6/43، التوضيح لحلولو ص 250، شرح الكوكب المنير 2 / 198، تيسير التحرير 3 / 147، إرشاد الفحول للشوكاني 1 / 176. وللوقوف على محل النزاع انظر: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للأشقر 2 / 173 - 176. (4) قال المصنف: ((لأن التخصيص أهون وأقرب للجمع)) . نفائس الأصول 6 / 2358. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 الفصل الثالث في تأسِّيه صلى الله عليه وسلم (1) مسألة تعبُّد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته ص: مذهب مالكٍ وأصحابِه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبِّداً بشرع مَنْ قَبْله قبل نُبُوَّته (2) ، وقيل: كان متعبِّداً (3) ، لنا أنه لو كان كذلك لافتخرتْ به أهل (4) تلك الملة وليس فليس.   (1) مناسبة هذا الفصل لموضوع باب دلالة فعله صلى الله عليه وسلم هي: أن أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل النبوَّة وبعدها، هل تكون موضعاً للتأسي به فيها فيما كان يفعله بمقتضى شرائع من قبله أم لا؟ اعتبر السرخسي وعبد العزيز البخاري البحث في مسألة: تعبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بشرع من قبله من " أصول التوحيد " وليس من " أصول الفقه ". انظر: أصول السرخسي 1 / 100، كشف الأسرار للبخاري 3 / 398. وذكر أبو الحسن علي الأبْيَاري بأن هذه المسألة غير محتاج إليها في أصول الفقه. انظر: التحقيق والبيان في شرح البرهان ص 688 (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة تحقيق / علي بن عبد الرحمن بسَّام) . (2) انظر مذهب مالك وأصحابه في: تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السُّول للرهوني (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بمكة تحقيق / يوسف الأخضر القيم) القسم الثاني ص 797، التوضيح لحلولو ص 251، رفع النقاب القسم 2 / 350، مراقي السعود إلى مراقي السعود لمحمد الأمين الجكني المعروف بالمرابط ص 264. والقول بمنع التعبد قبل البعثة مذهب جمهور المتكلمين، وغيرهم. انظر: المعتمد 2 / 336، قواطع الأدلة 2 / 224، المنخول للغزالي ص 231، كشف الأسرار للبخاري 3 / 398، الضياء اللامع 2 / 141. (3) وهو المختار عند الحنفية، وابن الحاجب من المالكية، والبيضاوي من الشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة. انظر: العدة لأبي يعلى 3 / 765، منتهى السول والأمل ص205، كشف الأسرار للنسفي 2 / 171، جامع الأسرار للكاكي 3 / 906، الإبهاج 2/275، التقرير والتحبير 2 / 410، شرح الكوكب المنير 4/409. ثم اختلف هؤلاء: على أيِّ شريعةٍ كان يتعبّد الله بها؟ فقيل: على شريعة آدم عليه السلام، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى عليهم جميعاً السلام. وقيل: على ما ثبت أنه شرعٌ من غير تعيين نبيّ. انظر هذه الأقوال وأدلتها في: البحر المحيط للزركشي 8 / 39. والمذهب الثالث في المسألة هو: التوقف، وهو المختار عند أكثر الشافعية، منهم: الجويني والغزالي وابن بَرْهان والآمدي والسبكي وغيرهم، وهو محكيٌّ عن أبي هاشم الجبائي والقاضي عبد الجبار، وقوَّاه أبو الخطاب في التمهيد 2/413. وهذا المذهب هو الأجدر بالقبول إذا لا دليل على القطع بواقع النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة: انظر: المعتمد 2/ 337، البرهان للجويني 1/ 334، المستصفي 1/391، الوصول لابن بَرْهان 1/389، الإحكام للآمدي 4/137، جمع الجوامع (بحاشية البناني) 2 / 353. ولمعرفة سبب اختلافهم انظر: تقرير الشربيني على شرح المحلي لجمع الجوامع (بحاشية البناني) 2/ 352. (4) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 الشرح هذه المسألة المختار* فيها أن نقول ((متعبِّداً)) بكسر الباء (1) على أنه اسم فاعل (2) ، ومعناه: أنه صلى الله عليه وسلم كان -[كما قيل] (3) في سيرته - ينظر إلى ما عليه الناس فيجدهم على طريقةٍ لا تليق بصانع العالم، فكان يخرج إلى غار حراء (4) يَتَحَنَّث (5) - أي: يَتَعَبَّد - ويقترح أشياء لقُرْبها من المناسب في اعتقاده. ويخشى أن لا تكون مناسبة لصانع العالم، فكان من ذلك في ألَمٍ عظيمٍ، حتى بعثه الله تعالى وعلَّمه جميع طرق الهداية وأوضح له جميع مسالك الضلالة، زال عنه ذلك الثِّقَل الذي كان يجده، وهو المراد بقوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك} (6) على أحد التأويلات، أي الثِّقَل الذي كُنْتَ تجده من أمر العبادة والتقرُّب (7) ، فهذا   (1) انظر: نفائس الأصول (6/2360) . علماً بأن الإسنوي ضبط الفعل: " تُعُبِّد " بضمتين أي: كُلِّف فهو متعبَّد. انظر: نهاية السول (3/46) ، وكذلك السبكي ضبط كلمة " متعبَّد " بالفتح كما وضحه الزركشي في تشنيف السامع (3 / 432) وجلال الدين المَحلِّي في شرح جمع الجوامع (بحاشية البناني) (2/353) ، وكذلك أشار ابن أمير الحاج إلى الفتح كما في التقرير والحبير (2 / 412) . ولعل الأوجه في الاختيار هو ما اختاره القرافي بالكسر لما ذكره من الحجج بعد ذلك. (2) اسم الفاعل: هو ما اشْتُقَّ من مصدر فِعْلٍ لمن قام به على معنى الحدوث، كضَارب، ومُكْرِم, وصيغته من الثلاثي علي زنة فاعل: كضَارب، ومن غير الثلاثي بلفظ المضارع بشرط تبديل حرف المضارعة بميم مضمومة وكَسْر ما قبل آخره: كمُكْرِم. شرح شذور الذَّهَب لابن هشام ص 385. (3) ساقط من س. (4) ساقطة من ن. (5) حَنِث: الحاء والنون والثاء أصل واحد، وهو: الإثم والحرج، وفلان يَتَحَنَّث من كذا: يتأثم، والتأثم هو التنحيِّ عن الإثم، ومن ذلك التحنُّث: وهو التعبد. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس، مادة " حنث ". وحديث تحنُّثِهِ الليالي ذوات العدد في غار حراء أخرجه البخاري (3) ومسلم (160) من حديث عائشة رضي الله عنها. (6) الشرح، الآيتان: 2، 3. (7) انظر هذا التأويل في: الكشاف للزمخشري 4/759، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للفخر الرازي 32/6. قال الطبري "وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها" جامع البيان 15/295 - ومن التأويلات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له ذنوب في الجاهلية قبل النبوة فغفرها تعالى له، وقيل: ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقضي ظهره ثم قواه الله تعالى. وقيل: تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر ... إلى آخر هذه التأويلات. انظر: التفسير الكبير للرازي 32 / 5، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 20 / 6، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي 15 / 389. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 يتَّجه، أما بفتحها (1) فيقتضي أن يكون الله تعالى تعبَّده بشريعة سابقة، وذلك يأباه ما يحكونه من الخلاف هل كان متعبِّداً (2) بشريعة موسى أو عيسى فإن شرائع بني إسرائيل لم تَتَعَدَّهم (3) إلى بني إسماعيل (4) ، بل كل نبي من موسى وعيسى وغيرهما إنما كان يُبْعث إلى قومه فلا تتعدى رسالته قومه، حتى نقل المفسرون أن موسى عليه السلام لم يُبْعث إلى أهل مصر بل لبني إسرائيل، ليأخذهم من القِبْط (5) من يد فرعون (6) . ولذلك لما عَدَى البحر لم يرجع إلى مصر ليقيم فيها شريعته (7) بل أعرض عنهم إعراضاً كُلّياً لما أخذ بني إسرائيل، وحينئذٍ لا يكون الله تعالى تعبَّد (8) نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بشرعهما (9) ألبتَّة، فبطل (10) قولنا: إنه كان متعبَّداً بفتح الباء بل بكسرها كما تقدَّم (11) ، وهذا بخلافه (12) بعد (13) نبوته صلى الله عليه وسلم، فإنه تعبده الله تعالى بشرع من قبله على - الخلاف في ذلك - بنصوص وردت عليه في الكتاب العزيز فيستقيم الفتح فيما بعد النبوة دون ما قبلها (14) .   (1) أي فتح باء ((مُتَعبَّد)) على أنها اسم مفعول من غير الثلاثي: ((تعبَّد)) . انظر: شرح شذور الذهب لابن هشام ص 396. (2) في ن: ((متعبّد)) وهو خطأ نحوي؛ لعدم انتصابه على أنه خبر كان. (3) في جميع النسخ ((تتعداهم)) إلا النسختين م، ز ففيهما ((يتعداها)) . وكلها خطأ نحوي؛ لعدم حذف حرف العلة من الفعل المجزوم. ثم وجدْتُ على طرر النسخة " م " قوله: ((وفي نسخة: لم تتعدهم)) وهي الصواب. ومع ذلك توجد لغةٌ تجزم المعتلّ بحذف الحركة المقدرة على حرف العلة مع إبقائه. وجاءت قرآءةٌ لعكرمة في قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] قرأها ((يراه)) بالألف في الآيتين، حكاه الأخفش. انظر: شرح التصريح على التوضيح لخالد الأزهري 1 / 87، تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 8 / 498. (4) في س: ((بني اسرائيل)) وهو خطأ وسَبْقُ قَلَمٍ من الناسخ. (5) القِبْط: هم نصارى مصر، والواحد، قِبْطي. المصباح المنير مادة " قبط ". ولمعرفة أصولهم، انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي 2 / 1123، المنجد في الأعلام ص 433. (6) انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان 7/10، وتفسير أبي السعود 6/19. (7) ساقطة من س.. (8) في ق: ((بعث)) وهي غير مرادة هنا. (9) في ن: ((بشريعتهما)) . (10) في ق: ((فيبطل)) . (11) في بداية هذا الشرح، الصفحة السابقة. (12) في س: ((الخلاف)) ، وفي ن: ((بخلاف)) . وكلاهما غير متَّسق مع السياق. (13) ساقطة من ن. (14) سترد هذه المسألة بعد قليل في ص 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 حجة النّافين لتعبُّده صلى الله عليه وسلم بشرع مَنْ قبله قبل نبوته ومما يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبِّداً قبل نبوته بشرع أحدٍ (1) : أن تلك (2) الشرائع كانت داثرة لم يَبْقَ منها (3) ما يمكن التمسك به لأهلها فضلاً عن غيرهم، وهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يسافر ولا يخالط أهل الكتاب (4) حتى يطلَّع على أحوالهم (5) ، فيَبْعُد مع هذا غاية البُعْد أن يَعْبُد الله تعالى بتلك (6) الشرائع. ولأنه لو كان (7) يتعبَّد (8) بذلك (9) [لكان يراجع] (10) علماء تلك الشرائع، ولو وقع ذلك لاشتهر. حجة المثبتين لتعبده صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله قبل نبوته احتج القائلون بذلك: بأنه صلى الله عليه وسلم تناولته (11) رسالة من قبله فيكون متعبِّداً بها (12) . ولأنه (13) عليه* الصلاة والسلام كان (14) يأكل اللحم، ويركب البهيمة، ويطوف   (1) ساقطة من ن. (2) ساقطة من س. (3) في س، ن: ((فيها)) . (4) في س: ((الكتب)) . (5) أما سفره صلى الله عليه وسلم فقد ذكرتْ كتب السيرة بأنه خرج إلى الشام وهو صغير مع عمه أبي طالب، وهناك التقى الراهب بَحِيْرَا. كما كان يسافر في تجارة خديجة رضي الله عنها، ومع هذا فلا يُعْقل أن يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم علم التوراة أو الإنجيل في سِنِّ التاسعة أو العاشرة أو الثانية عشرة - على اختلاف الروايات - وفي ساعة طعامٍ، وهو أٌميّ لا يقرأ ولا يكتب، فضلاً عن حاجز اللغة. انظر: عيون الأثر في فنون المغازي والمسائل والسير لابن سَيّد الناس ص52، السيرة النبوية لابن هشام 1/236، 244، السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم العمري 1/106. (6) في س، ن: ((على تلك)) . (7) ساقطة من ق. (8) في ن: ((يعتمد)) ، وفي ق: ((تعبَّد)) . (9) ساقطة من س، وفي ن: ((ذلك)) . (10) في ق: ((لراجع)) . (11) في س ((تناوله)) وهو مقبول؛ لأن الفاعل ظاهر وهو مؤنث مجازي، فجاز في فعله عدم إلحاق تاء التأنيث، والأرجح إثباتها. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 169. (12) هذا هو الدليل الأول. (13) هذا هو الدليل الثاني. (14) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 بالبيت، وهذه أمور (1) كلها (2) لابدَّ له (3) فيها من مستند، ولا مستند إلا الشرائع المتقدمة، خصوصاً على قول الأشاعرة (4) : إن العقل لا يفيد الأحكام وإنما تفيدها (5) الشرائع (6) . والجواب عن الأول: أن ما ذكرتموه إنما [يتأتَّى في] (7) إسماعيل وإبراهيم ونوح عليهم السلام، لأنه صلى الله عليه وسلم من ذريتهم، أما موسى وعيسى عليهما السلام فلا، وقد وقع الخلاف في هؤلاء كلهم (8) : أيّهم كان (9) يَعْبد الله تعالى على شريعته؟ فأما هؤلاء الثلاثة فقد دَرَسَتْ (10) شرائعهم، وما دَرَس لا يكون حجة ولا يُعْبد الله تعالى به. وعن الثاني: أن هذه الأفعال وإن قلنا بأن (11) الأحكام لا تثبت إلا بالشرع (12) فإنها تُسْتَصْحَب (13) فيها براءةُ الذمَّة من التَّبِعات (14) ، فإن الإنسان ولد بريئاً من جميع   (1) ساقطة من ن. (2) ساقطة من ق. (3) ساقطة من ن. (4) الأشاعرة هم فرقة تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري ت 330هـ كان معتزلياً ثم ترك الاعتزال، واتخذ مذهباً بين أهل السنة والجماعة والمعتزلة، ثم رجع وتاب وألَّف رسالته " الإبانة في أصول الديانة " قرر فيها مذهب السلف وموافقته للإمام أحمد رحمه الله، ولكن بقي أتباعه على مذهبه الثاني، فهم يثبتون لله سبع صفات ويؤولون الباقي، ولهم مخالفات أخرى في مسائل الاعتقاد على خلاف مذهب السلف. انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/106، خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان لمحمد صديق حسن خان ص 47، موقف ابن تيمية من الأشاعرة د. عبد الرحمن المحمود 2/694 وما بعدها. (5) في ق: ((يفيدها)) وهو جائز. انظر هامش (12) ص (27) . (6) هذا القول من الأشاعرة ليس مختصاً بهم، بل هو قول أهل السنة والجماعة (السلف) . انظر: الحُجَّة في بيان المَحَجَّة لقوَّام السنة أبي القاسم الأصبهاني (2/502) . وانظر قول الأشاعرة في: تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص30. (7) في س: ((يتناول)) . (8) ساقطة من ن. (9) في ن: ((كانوا)) وهو خطأ؛ لأن المراد باسم ((كان)) هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. (10) دَرَس الرَّسْمُ: عفا. ودَرَسَتْهُ الريحُ أي: مَحَتْهُ. فهو يتعدَّى ويَلْزم. انظر مادة " درس " في: لسان العرب، مختار الصحاح. (11) في ق: ((إن)) . (12) في س: ((الشرائع)) . (13) في س: ((يستصحب)) وهو صحيح أيضاً. انظر هامش (11) ص (27) . (14) في ن: ((التِّباعات)) وهي جمع ((تِبَاعة)) وهي مثل: التَّبِعة، وهي ما فيه إثم يُتَّبع به. انظر مادة " تبع " في: لسان العرب، مختار الصحاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الحقوق، فهو يَسْتَصْحِب هذه الحالة، حتى يدلَّ دليلٌ على شَغْل الذمَّة بحقٍّ، فهذا يكفي في مباشرته صلى الله عليه وسلم لهذه الأفعال. فائدة: تقدَّم أن الصواب كَسْر الباء (1) ، وهو الذي يظهر لي (2) ، غير أنه وقع لسيف الدين في هذه المسألة كلام يدل على خلاف ذلك، وهو أن قال: غير مستبعد في العقل أن يعلم الله تعالى مصلحة شخص معين في تكليفه شريعة مَنْ قبله (3) ، وهذا كلام يقتضي فتح الباء، فانظرْ في ذلك لنفْسِك، وأما غيره فلم [أرَ له تعرضاً] (4) لذلك (5) ، فما أدري، هل اغترَّ بالموضع فأطلق هذه العبارة في الاستدلال، أو (6) هو أصل يعتمد عليه؟. فائدة: حكاية الخلاف في أنه صلى الله عليه وسلم كان متعبِّداً قبل نبوته بشرع من قبله، يجب أن يكون مخصوصاً بالفروع دون الأصول. فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعاً، ولذلك (7) انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يُعذَّبون على كفرهم، ولولا التكليف* لما عُذِّبوا (8) ، فهو صلى الله عليه وسلم مُتعبَّد   (1) في كلمة ((متعبِّد)) . انظر ذلك في ص 25. (2) ساقطة من ق. (3) انظر الإحكام لسيف الدين الآمدي 4/137. (4) في س، ق: ((أره يتعرَّض)) . (5) قال الزركشي ـ بعد نقله لكلام القرافي هذا ـ قلت: ((قد وقع ذلك في عبارة غيره كما سبق)) البحر المحيط 8/42. وانظر هامش (1) ص (25) . (6) في ق: ((أم)) وهو ما لا يجيزه كثير من علماء النحو والبلاغة؛ لأن ((هل)) خاصةٌ بالاستفهام عن التصديق، ولا يُطْلب لها تعيين أحد الشيئين كالهمزة و ((أم)) . انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 90 - 96، 657، عقود الجُمان في المعاني والبيان للسيوطي بشرح العمري المرشدي 1 / 174 - 176. لكن قال سيبويه: ((وإن شئت قلتَ: هل تأتيني أم تحدثني؟ وهل عندك بُرٌّ أم شعير؟)) الكتاب 3 / 176. (7) في ق: ((وكذلك)) . (8) مسألة انعقاد الإجماع على أن موتى الجاهلية في النار فيها نظر. فإن من أهل العلم من اعتبرهم من ((أهل الفترة)) وهم الذين عاشوا بين رسولين ولم يكن الأول مرسلاً إليهم ولا أدركوا الثاني. وحكمهم في الدنيا أنهم كفار، ولكن لا يُقطع بدخولهم النار إلا ما ورد في بعضهم من أحاديث خاصة بتعذيبهم؛ لعلم الله تعالى بمصيرهم وإعلامه نبيَّه صلى الله عليه وسلم بذلك. ومما يدل على عدم تعذيبهم قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] . فلا مؤاخذة إلا بعد قيام الحُجَّة الرسالية. وقد جاءت أحاديث تفيد بامتحان الله لأهل الفترة في عَرَصَات يوم القيامة. انظر: شرح الأبِّي والسنوسي على صحيح مسلم 1 / 616، طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية ص 633، 652 وما بعدها، 675 - 682، روح المعاني للألوسي 8 / 38 وما بعدها، أضواء البيان تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 3 / 471 وما بعدها؛ أهل الفترة ومن في حكمهم لموفق أحمد شكري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 بشرع (1) من قبله بفتح الباء بمعنى: مُكلَّف، هذا لا مِرْيَة فيه، إنما الخلاف في الفروع خاصةً؛ فعموم إطلاق العلماء مخصوص (2) بالإجماع. فائدة: قال المَازَري (3) والأبْيَاري (4) في " شرح البرهان " (5) (6) ، وإمام الحرمين (7) :   (1) في ن: ((بشريعة)) . (2) في ق: ((مخصَّص)) . (3) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري ـ نسبةً إلى مدينة مازَر في جزيرة صقلية ـ من علماء المالكية الكبار، بلغ درجة الاجتهاد، كان أصولياً فقيهاً طبيباً رياضياً أديباً. من تآليفه: إيضاح المحصول من برهان الأصول (وهو شرح البرهان الجويني) ، والمُعْلِم بفوائد كتاب مسلم (ط) ، ت 536 هـ. انظر: الديباج المذهب ص374، سير أعلام النبلاء 20 / 104، وفيات الأعيان 4 / 285. (4) في ن: ((الأنباري)) وهو تحريف. وترجمته: هو شمس الدين أبوالحسن علي بن إسماعيل بن علي الأبْيَاري - نسبةً إلى بلدة أبيار بمديرية الغربية بمصر، جمع بئر - أصولي فقيه مالكي، محدّث، متكلّم. كان الإمام ابن عقيل المصري الشافعي يُفضِّل الأبياري على الإمام فخر الدين الرازي في الأصول. من تلاميذه: ابن الحاجب، ومن تصانيفه: شرح البرهان للجويني. حقق القسم الأول منه د. علي عبد الرحمن بسَّام بجامعة أم القرى. ت 616 هـ. انظر: الديباج المذهب ص306، شجرة النور الزكية 1/166. (5) انظر: التحقيق والبيان في شرح البرهان للأبياري ص 688 (رسالة جامعية) . ـ أما كتاب "البرهان في أصول الفقه" فهو لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني ت478هـ مطبوع بتحقيق د. عبد العظيم الديب وهو أحد الأركان الأربعة التي قام عليها أصول الفقه (العمد، المعتمد، البرهان, والمستصفى) التي نوَّه عنها ابن خلدون في مقدمته (3/1065) ، مشى الجويني في كتابه البرهان على طريقة المتكلمين، وحفظ لنا آراء علماء الأصول المتقدمين التي اندثرت كتبهم، ويمتاز أسلوب الكتاب بعبارته الأدبية الشيقة، والكتاب يُعدُّ من مفتخرات الشافعية كما قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 5/192. ـ وممن شرح البرهان: المازري في كتابه " إيضاح المحصول من برهان الأصول " وهو مازال مخطوطاً أو مفقوداً. ـ وممن شرح البرهان: الأبياري في كتابه " التحقيق والبيان في شرح البرهان " حقق القسم الأول منه د. علي عبد الرحمن بسام بجامعة أم القرى. وتعجَّب السبكي من عدم شرح الشافعية للبرهان، وإنما شرحه المالكيان السالفان الذكر، وكذلك الشريف أبويحيى المالكي إذ جمع بين الشرحين وأشار السبكي إلى تحاملهما على إمام الحرمين في شرحهما. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 5 / 192. وانظر: مقدمة كتاب البرهان د. عبد العظيم الديب، الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبوسليمان ص287 وما بعدها. (6) هنا زيادة والإمام في س، ن وهي غير مثبتة في ق، وهو الصواب، والله أعلم، لأن الفخر الرازي لم يذكر هذه الفائدة لا في محصوله، ولا في المنتخب، ولا في المعالم. (7) انظر: البرهان لإمام الحرمين 1/333. وإمام الحرمين: هو أبوالمعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجُوَيْني ـ نسبةً إلى جُوَيْن من بلاد نيسابور ـ ولُقِّب بإمام الحرمين لمجاورته مكة والمدينة أربع سنين والتدريس بهما، وهو أصولي بارع وفقيه شافعي وأديب ومتكلم، رجع إلى معتقد السلف كما قرره في كتابه " الرسالة النظامية " من تآليفه في الأصول: التلخيص (ط) ، البرهان (ط) ، الورقات (ط) ، وفي الفقه: نهاية المطلب في دراية المذهب، وله في السياسة: الغياثي (غياث الأمم في التياث الظلم) (ط) ، وفي علم الكلام: الإرشاد (ط) . ت 478 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/165، سير أعلام النبلاء 18/468، وفيات الأعيان 3 / 167. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 هذه المسألة لا تظهر (1) لها ثمرة في الأصول ولا في الفروع ألبتَّة، بل تجري مجرى التواريخ المنقولة، ولا يترتَّب (2) عليها حكم في الشريعة ألبتة (3) ، وكذلك قاله (4) التَّبْريْزي (5) (6) . مسألة تعبُّد النبي صلى الله عليه وسلم بشرع من قبله بعد نبوته ص: وأما بعد نبوته صلى الله عليه وسلم: فمذهب مالكٍ رحمه الله وجمهور (7) أصحابه وأصحاب الشافعي وأصحاب (8) أبي حنيفة رحمة الله عليهم أجمعين أنه متعبَّد بشرع من قبله، وكذلك أمته، إلا ما خَصَّه (9) الدليل (10) . ومنع [من ذلك] (11) القاضي أبو بكر   (1) في ق، س: ((يظهر)) . وهو جائزٌ أيضاً. انظر: هامش (12) ص (27) . (2) في ق: ((ولا يُبْنى)) . (3) ساقطة في س. (4) في ق: ((قال)) . (5) انظر كتابه: تنقيح محصول ابن الخطيب في أصول الفقه ص (320) تحقيق د. حمزة زهير حافظ (رسالة دكتوراة بجامعة أم القرى) . ـ والتَّبْريْزي هو: المُظَفَّر بن أبي محمد بن إسماعيل الرَّارَاني - نسبة إلى رَارَان: قرية بأصبهان ـ التَّبْريْزي ـ نسبة إلى تَبْريْز: بلد في أذربيجان - فقيه شافعي، أصولي نظار زاهد، استوطن مصر مدة طويلة يفتي ويدرس فيها. من مؤلفاته: تنقيح محصول ابن الخطيب وهو اختصار محصول الرازي. حققه د. حمزة زهير حافظ. توفي عام 621هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/373، طبقات الشافعية للإسنوي 2 / 314. (6) المقصود من هذه الفائدة الدلالة على أن أفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ليست موضعاً لاستنباط الأحكام الشرعية. ولكن مما يستفاد منه مما كان قبل نبوته؛ عاداته الحسنة وأخلاقه الكريمة مما يظهر حسنه ولا يخالف شرعاً. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 18/10، الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية د. عبد الرحمن الدرويش ص251. (7) في ن: ((جميع)) وهو خطأ؛ لأن من المالكية من خالف جمهورهم كما سيأتي عن الباقلاني. (8) ساقطة من س، ن، متن هـ. ولكنها مثبتة في جميع نسخ الشرح ومعظم نسخ المتن. (9) في س: ((خصَّصه)) . (10) هذا القول الأول في المسألة وهو أيضاً إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، انظر: العدة لأبي يعلى 3/753، وقال في المسودة ص (193) بأنها أصحّ الروايتين. وقال الجويني ((للشافعي ميل إلى هذا ... وتابعه معظم أصحابه)) . البرهان (1 / 503) . وانظر: قواطع الأدلة 2 / 209. وقال مُلاَّ جِيُون الميهوي: (( وهذا أصل كبير لأبي حنيفة رحمه الله، يتفرع عليه أكثر الأحكام الفقهية)) شرح نور الأنوار على المنار بحاشية كشف الأسرار للنسفي 2/170، وانظر: أصول السرخسي 2 / 99، تيسير التحرير 2/121. وقال ابن العربي: ((ليس في مذهب مالك خلاف في أن شرع من قبلنا شرع لنا، وأول من يتفطن لهذا من فقهاء الأمصار مالك، وعليه عوَّل في كل مسألة)) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (2 / 788) ويلاحظ هنا أن قوله: وأول من يتفطن لهذا.. إلخ فيه مبالغة وهو غير دقيق. وانظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص149، إحكام الفصول 394، الضياء اللامع 3 / 141. (11) في س، متن هـ: ((منه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وغيره [من أصحابنا] (1) . لنا قوله تعالى*: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (2) ، وهو (3) عام لأنه اسم جنس (4) أضيف. الشرح شرائع من قبلنا ثلاثة أقسام (5) : منها ما لا (6) يُعْلم إلا بقولهم، كما في لفظ ما بأيديهم (7) من التوراة أن الله تعالى حَرَّم لحم الجَدْي (8) بلبن أمه (9) يشيرون إلى   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق، س. وهذا القول الثاني في المسألة، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد، ومذهب طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية، عليه أكثر المتكلمين وجمهور المعتزلة، وهو مذهب ابن حزم. انظر: المعتمد 2/337، الإحكام لابن حزم 2/153، إحكام الفصول ص394، التمهيد لأبي الخطاب 2/416، المحصول للرازي 3/265، كشف الأسرار للبخاري 3/398، الإبهاج 2/276. أما القول الثالث في المسألة، فهو: التوقف. انظر: التلخيص للجويني 2/265، البحر المحيط للزركشي 8/45. (2) الأنعام، من الآية: 90. (3) في ق: ((وهذا)) . والضمير في قوله ((وهو)) يرجع إلى لفظ: ((هُدَى)) في قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ} فهو يعمُّ جميع أنواع الهدى: الأصول والفروع. انظر: نفائس الأصول6/2377. (4) اسم الجنس: هو ما كان دالاً على حقيقةٍ موجودةٍ وذواتٍ كثيرة. شرح المُفَصَّل لابن يعيش 1/26. وهو نوعان، اسم جنس إفرادي: وهو ما دلَّ على الماهِيَّة لا بقَيْد قِلَّة ولا كثرة كماءٍ وترابٍ، واسم جنس جَمْعي: وهو ما دلّ على أكثر من اثنين. وفُرِق بينه وبين واحِدِهِ بالتاء غالباً، كتمر وكَلِم وبَقَر. انظر: حاشية الصبَّان على شرح الأشْمُوني على ألفية ابن مالك 1 / 38. والمصنف ذكر في مبحث أدوات العموم أن اسم الجنس إذا أضيف فإنه يعمّ، لكن ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص181. (5) ساقطة من ن. (6) في ن: ((لم)) . (7) في س: ((في أيديهم)) . (8) الجَديْ: هو الذكَر من أولاد المعز، والأنثى: عَنَاق، وقيدَّه بعضهم بكونه في السنة الأولى. انظر: المصباح المنير مادة " جدي ". (9) جاء في العهد القديم (التوراة) . من سفر الخروج، الإصحاح (23) فقرة: 19، والإصحاح (34) فقرة: 26 ما نصُّه: ((ولا تَطْبُخْ جَدْياً بلبن أمِّه)) . وانظر: سفر التثنية الإصحاح (14) فقرة: 21. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 المَضِيْرة (1) (2) . ومنها (3) : ما علم بشرعنا وأمِرْنا نحن أيضاً به (4) وشُرع لنا، فهذا أيضاً لا خلاف في (5) أنه شرع لنا كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ش (6) مع قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (7) الآية (8) . وثالثها: أن يدلّ شرعنا على أنَّ فِعْلاً كان مشروعاً لهم ولم يقل لنا شرع لكم أنتم أيضاً، فهذا هو محل الخلاف لا غير (9) .   (1) المَضِيرة: مُرَيْقة تُطبخ بلَبَنٍ وأشياء، وقيل: هي طبيخ يُتَّخذ من اللبن الماضر (الحامض) ، وهي عند العرب أنْ تطبخ اللحم باللبن البَحْت الصريح الذي قد حَذَى (قرَص) اللسان حتى يَنْضَج اللحمُ وتَخْثُر المَضِيْرة. لسان العرب مادة " مضر ". (2) حُكم هذا القسم: أنه ليس شرعاً لنا بلا خلاف. انظر: الإحكام لابن حزم 2 / 154. والأخبار التي يحكيها أهل الكتاب ولم تَثْبت بطريق شرعي معتبر تُسمَّى: إسرائيليات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ـ ما لم يُعلم أنه كذب ـ للترغيب والترهيب، فيما عُلِم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهي عنه في شرعنا، فأما أن يَثْبُت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم ... )) مجموع الفتاوى 1 / 251. (3) في س، ق: ((ومنه)) . والمثبت أظهر؛ لعود الضمير على ((الأقسام)) . (4) ساقطة من س. (5) ساقطة من س، ق. (6) البقرة، من الآية: 178. (7) المائدة، من الآية: 45. (8) القَدْر الذي أمِرْنا به في شرعنا وثبت أنه كان شرعاً لهم هو القِصاص في النفس، أما القِصاص فيما دون النفس والسّن والجروح فهو مما ثبت أنه شرع لهم ولم يرد في شرعنا أنه شَرْعٌ لنا، فيُلحق حينئذٍ بمحلِّ النزاع، ولهذا قال المصنف نفسه في كتابه نفائس الأصول (6/2374) : ((وآية السِّن استدلالٌ بشرع من قبلنا وهو مختلف فيه)) . إلا أن يقال بأن القصاص فيما دون النفس جاء في آيات أخرى كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم} [البقرة: 194] . وقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ... } [الشورى:40] ، فيكون من القسم الذي لا نزاع فيه، لأنه عُلم من شرعنا أنه شرع لهم وأمرنا به في شرعنا. ومن الأمثلة الظاهرة على هذا القسم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] . (9) قال المصنف: ((فلموطن الخلاف شرطان: ثبوته في شرعنا، وعدم ورود شرعنا باقتضائه منّا. فمتى انخرم أحد الشرطين انتفى الخلاف إجماعاً، على النفي أو على الثبوت)) . نفائس الأصول 6 / 2372. وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية 1 / 464. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 كقوله تعالى حكايةً عن المنادي (1) الذي بعثه يوسف عليه السلام: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} (2) فيستدل به على جواز الضمان (3) ، وكذلك قوله تعالى حكايةً عن شُعَيْب (4) وموسى عليهما السلام: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} (5) الآية يستدل بها على جواز الإجارة (6) ، بناءً على أن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟. أما ما لا يثبت إلا بأقوالهم فلا يكون حجة لعدم صحة السند وانقطاعه. ورواية الكفار لو وقعتْ (7) لم تقبل، فكيف وليس في (8) أهل الكتاب مَنْ يروي التوراة فضْلاً عن غيرها؟!. وما لا رواية فيه كيف يخطر بالبال أنه حجة؟!   (1) لم تذكر كتب التفسير ولا كتب مبهمات القرآن ـ فيما اطلعت عليه ـ اسم المنادى، وهو المؤذِّن في قوله تعالى: { ... ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] . لكنَّه فتى من فتيان الملكِ عزيز مصر. انظر: فتح القدير للشوكاني 3/44. (2) يوسف، من الآية: 72. والزعيم: الكفيل. انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني مادة " زعم ". (3) الضمان لغة: الالتزام. المصباح المنير، مادة " ضمن ". اصطلاحاً: عرّفه ابن عرفة بأنه ((التزام دَيْنٍ لا يُسْقِطُه أو طَلَبِ مَنْ هو عليه لمن هو له)) حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 427. وقد أشار المصنف إلى الاستدلال بالآية على مشروعية الضمان في كتابه: الذخيرة 9 / 189. وهذه الآية {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] يستدلُّ بها أيضاً على مشروعية الجعالة. ذكر ذلك القرافي في الذخيرة (6/5) ويستدل بها أيضاً على صحة ضمان المجهول. انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/64، المغني لابن قدامة 7 / 73. (4) ذكر ابن كثير أن المفسرين اختلفوا في رَجُل مَدْين على أقوال منها: أنه شعيب النبي عليه السلام وهو القول المشهور عند كثيرين، ومنها: أنه ابن أخي شعيب عليه السلام، وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب عليه السلام، ثم رَدَّ القول بأنه شعيب عليه السلام، وكذلك رَدَّ هذا القول الشيخ عبد الرحمن السعدي بحجج وبراهين قوية. قال ابن جرير الطبري: ((وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبرٍ، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جلَّ ثناؤه ... )) جامع البيان مجلد 11 / جزء 20/77. وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/238، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان للسعدي 4 / 16. (5) القصص، من الآية: 27. (6) الإجارة لغة: الكِراء على العمل. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس مادة " أجر ". واصطلاحاً: عَقْد مُعاوَضَة على تمليك منفعة بعِوَضٍ بما يدلُّ على تمليك المنفعة من لفظٍ أو غيره. الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير 4 / 6. واستدلَّ المصنف بآية [القصص: 27] على أصل مشروعية الإجارة. انظر: الذخيرة 5/371. واستخرج ابن العربي ثلاثين مسألة من هذه الأية، واستنبط منها أحكاماً كثيرة. راجع: أحكام القرآن 3 / 494. (7) هنا زيادة ((رواية)) في س، وفي ن زيادة ((الرواية)) . كلتاهما لا حاجة لهما. (8) في ق: ((من)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وبهذا يظهر لك بطلان قول (1) من استدل في هذه المسألة بقضية (2) رجم اليهوديَيْن (3) ، وأن (4) رسول الله اعتمد على أخبار ابن صُوْريا (5) أن فيها الرجم، ووجد فيها كما قال (6) ، فان من أسلم من اليهود لم يكن له رواية في التوراة، وإنما كانوا يُعْمِلون فيها ما رأوه (7) ، أما أنَّ (8) لهم سنداً متصلاً (9) بموسى عليه السلام كما فعله (10) المسلمون في كتب الحديث فلا، وهذا معلوم بالضرورة لمن اطَّلع على أحوال القوم   (1) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت من نسخة ش. وهو الأنسب لتوجّه البطلان إلى القول. (2) في ق: ((بقصة)) . (3) ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله:» ما تجدون في التوراة في شأن الرَّجم؟ «فقالوا: نفضحهم ويُجْلدون. قال عبد الله بن سَلام: ارفع يديك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله فرُجِمَا. رواه البخاري (6841) ، مسلم (1699) . (4) في س: ((أن)) بدون الواو. (5) هو عبد الله بن صُوْريَا، ويقال: ابن صُوْر الإسرائيلي. وكان من أحْبار اليهود، يقال: إنه أسلم، كما قيل في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِه} [البقرة: 121] ، أنها نزلت فيه وفي عبد الله ابن سَلام وغيرهما. وقيل: إنه ارتَدَّ ونزل فيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر} [المائدة: 41] فالله أعلم. انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 4/115. (6) يدلُّ على ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيهوديٍّ مُحَمَّمَاً (مسوّد الوجه من الحُممة) مجلوداً فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال:» هكذا تجدون حَدَّ الزاني في كتابكم؟ «قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم (وهو عبد الله بن صوريا) فقال: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟)) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم ... الحديث. رواه مسلم (1700) ..قال النووي رحمه الله: ((قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منها، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم. ولعلّه صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيّروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يَخْفَ ذلك عليه حين كتموه..)) شرح صحيح مسلم 11 / 174. وانظر: فتح الباري لابن حجر 12 / 205. (7) في ن: ((رواه)) وهو تصحيف. (8) هنا زيادة ((يكون)) في ن، وهي مُقْحمة، بدليل بقاء ما بعدها " سنداً متصلاً " في حالة الانتصاب. (9) المتصل لغة: اسم فاعل من اتَّصَل، ضِدّ انقطع. انظر مادة " وصل " في: القاموس المحيط. واصطلاحاً: ما اتصل إسناده مرفوعاً كان أو موقوفاً على من كان. ويسمَّى أيضاً: الموصول. انظر: تدريب الراوي للسيوطي 1/201، تيسير مصطلح الحديث د. محمود الطحان ص136. (10) في ق: ((فعل)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وكاشفهم وعرف ما هم عليه، بل رسول الله يجب أنْ يُعْتقد أنه إنما اعتمد في رجم اليهوديين على وَحْي جاءه (1) من قبل الله تعالى، أما غير ذلك فلا يجوز (2) ، ولا يُقْدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم على دماء الخلق بغير مستندٍ صحيحٍ، فالاستدلال في هذه المسألة بهذه القضية (3) لا يصحُّ (4) ، بل لا يندرج في هذه المسألة إلا ما عُلِم أنه من شرعهم بكتابنا ومن قِبَل نبينا فقط. حجة المثبتين من (5) وجوه: أحدها: ما تقدّم من الآية (6) . وثانيها: قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (7) [و" ما " عامة في جملة ما وصى به نوحاً ووصى به إبراهيم وموسى* وعيسى] (8) . وثالثها: قوله تعالى: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (9) . تقديره: اتبعوا ملة أبيكم (10) إبراهيم (11) (12) .   (1) في ن: ((جاء)) . (2) انظر كلاماً قوياً في المسألة لابن حزم في: الإحكام 2 / 172، 154. (3) في ق: ((القصة)) . (4) ومع هذا فقد وُجد في كتب الأصول من يستدّل بحديث رجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهوديين على أن شرع من قبلنا شرع لنا، فعلى سبيل المثال انظر: كتاب في أصول الفقه للاَّمشي الحنفي ص158، روضة الناظر لابن قدامة 2/522 (5) ساقطة من ن. (6) راجع ص 32 وهي قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] . (7) الشورى، من الآية: 13. (8) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (9) سورة الحج، من الآية: 87 {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا} . (10) ساقطة من ن. (11) ساقطة من ق. (12) هذا أحد الأوجه الإعرابية الخمسة؛ وهو إعراب " ملة " مفعولاً به لفعلٍ مقدَّر، وهو أقواها، ويشهد له قوله تعالى: {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95] . انظر بقية الأوجه في: الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية للجَمَل 5 / 222. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 ويَردُ على الكل أن المقصود قواعد العقائد لا جزئيات الفروع؛ لأنها هي التي وقع الاشتراك فيها بين الأنبياء كلهم، وكذلك* القواعد الكلية من الفروع (1) . أما جزئيات المسائل فلا اشتراك فيها (2) ، بل هي مختلفة في الشرائع (3) . حجة النافين (4) من وجوه: أحدها: أنه (5) لو كان صلى الله عليه وسلم متعبَّداً بشرع من قبله لوجب عليه مراجعة تلك الكتب، ولا يتوقف إلى نزول الوحي، لكنه لم (6) يفعل ذلك لوجهين، أحدهما: أنه لو فعله لاشْتَهر. والثاني: أن عمر رضي الله عنه طالع ورقة من التوراة فغضب (7) ، وقال: ((لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلا اتباعي)) (8) . وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم لو كان متعبَّداً [بشرع من قبله] (9) لوجب على علماء الأمصار والأعصار أن يفعلوا ذلك ويراجعوا شرع من قبلهم، ليعلموا ما فيه، وليس كذلك.   (1) مثل: وجوب الصلاة والزكاة والصوم، وتحريم الفواحش والقتل والسرقة.. ونحو ذلك. (2) هنا زيادة ((بين الأنبياء كلهم)) في ن، وهي تكرار يمكن الاستغناء عنها. (3) لمزيد معرفة أدلة المثبتين ومناقشتها: انظر: المعتمد 2/337، إحكام الفصول ص394، التلخيص للجويني 2/266، أصول السرخسي 2/99، التمهيد لأبي الخطاب 2/417، بذل النظر ص 682، الإحكام للآمدي 4/140، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/170، موقع شرع من قبلنا من الأدلة د. عبد الله بن عمر الشنقيطي. (4) في س: ((الباقين)) وهو تصحيف. (5) ساقطة من ن. (6) ساقطة من ن. (7) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (8) رواه الإمام أحمد في مسنده 3/338، 278 من حديث عبد الله بن جابر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب، فقال:» أمتهوّكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بها نقيةً، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى عليه السلام حيّاً ما وسعه إلا أن يتَّبعني «متهوّكون: متحيِّرون وَزْناً ومعنى. الفتح الرباني لأحمد بن عبد الرحمن البنا 1/174. والحديث رواه الدارمي في سننه (1/126) ، والبغوي في شرح السنة (1/270) وحسَّنه شعيب الأرناؤوط. وحسَّنه الألباني وذكر له شواهد عِدَّة، راجع: إرواء الغليل 6/34 الحديث رقم (1589) . (9) ساقط من س، ن، ق. وهي مثبتة في ص، هـ، و. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم صَوَّب مُعاذاً في حكمه باجتهاد نفسه إذا عَدِم الحُكْمَ في الكتاب والسنة (1) ، وذلك يقتضي أنه لا يلزمه (2) اتباع الشرائع المتقدمة. والجواب عن الأول: أنه قد تَقَدَّم (3) أن شرع من قبلنا إنما يلزمنا إذا علمناه (4)   (1) حديث معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال:» كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ «قال: أقضي بكتاب الله. قال:» فإن لم تجد في كتاب الله؟ «قال: فبسنَّة رسول الله. قال:» فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ «قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره فقال:» الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله «. رواه الإمام أحمد 5/230، 236، 242، وأبوداود (3592، 3593) ، والترمذي (1327) ، والدارمي 1/72 وغيرهم. واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وطال الكلام فيه. ? ... فممن ضَعَّفه: البخاري في التاريخ الكبير (2/277) ، والترمذي في سننه (1327) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/758) ، والجوزقاني في: الأباطيل والمناكير (1/106) وقال: ((هذا حديث باطل ... ، واعلم أنني تصفَّحتُ عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألتُ من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه، فلم أجد له طريقاً غير هذا، ... . وبمثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصلٍ من أصول الشريعة، فإن قيل لك: إن الفقهاء قاطبةً أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه؟ فقل: هذا طريقه، والخَلَف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا غير هذا مما ثبت عند أهل النقل رجعنا إلى قولهم، وهذا مما لا يمكنهم ألبتة)) . وممن ضعفَّه ابن حزم في الإحكام (2/428، 211) ، وابن الملقّن في خلاصة البدر المنير (2/424) وممن ضعفه أيضاً: العُقيلي، والدارقطني، وابن طاهر، وعبد الحق الإشبيلي، والسبكي، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/286) رقم الحديث (881) للألباني، وصحح الألباني معنى الحديث فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، لكنه أنكر صحة المعنى في التفريق بين الكتاب والسنة، فالواجب ـ عنده ـ النظر في السنة وإن وُجد الحكم في الكتاب لأنها مبّينة له. ? ... وممن صَحَّح الحديث: الذين ذكرهم ابن حجر في قوله: ((وقد أطلق صِحَّته جماعة من الفقهاء كالباقلاني، وأبي الطيب الطبري، وإمام الحرمين، لشهرته وتلقي العلماء له بالقبول. وله شاهدٌ صحيح الإسناد، لكنه موقوف)) موافقة الخُبْر الخَبَرَ في تخريج أحاديث المختصر (1/119) . وصححه العظيم أبادي في عون المعبود (9/369) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/364) وقال: ((وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد)) ، وكذا قال ابن كثير في مقدمة تفسيره (1/13) ، وحسَّنه الذهبي في تلخيص العلل المتناهية ص (269) وقال: ((وهذا حديث حسن الإسناد، ومعناه صحيح)) وقال في سير أعلام النبلاء (18/472) ((فإسناده صالح)) وقال الشوكاني: ((وهو حديث مشهور، له طرق متعددة، ينتهض مجموعها للحُجِّية، كما أوضحنا ذلك في مجموعٍ مستقلٍّ)) إرشاد الفحول (2/322) فالحديث صالحٌ للاحتجاج به وإن كان في إسناده ضَعْفٌ وجهالةٌ؛ لكنه يعتضد بقبول العلماء له، والآثار الصحيحة الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم. والله أعلم. (2) في ق: ((يلزم)) . (3) انظر: ص 33 - 34. (4) في ن: ((علمنا)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم بوحيٍ، أمَّا مِنْ قِبَلِهم فلا تلزم (1) مراجعتهم لعدم ال فائدة في ذلك (2) . وهو الجواب عن الثاني. وعن الثالث: أن من جملة الكتاب (3) دلالته على اتباع الشرائع المتقدمة (4) . فائدة (5) : قال الإمام فخر الدين: إذا قلنا بأنه كان متعبَّداً فقيل: بشرع إبراهيم، وقيل: بل بموسى، وقيل: بل بعيسى عليهم الصلاة والسلام (6) . وهذا (7) الذي نقله الإمام في هذه المسألة لم ينقله " البرهان "، ولا " المستصفى " ولا سيف الدين، ونقلوا هذا النقل بعينه فيما قبل النبوة (8) ، ونقل المازري الخلاف بعينه في المسألتين (9) ، وكذلك القاضي عبد الوهاب (10) في " الملخص " (11) ، وزاد في النقل   (1) في س، ق: ((يلزم)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (27) . (2) وكان جواب القرافي عن حديث ((لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي)) هو: ((لا يلزم من اتباع الرسل له ألاّ يكون متعبَّداً بالشرائع، لجواز أن يكون متعبَّداً بها، وهم على تقدير وجودهم يصيرون تابعين له فيما كانوا متَّبعين فيه، كما يصير الإمام مأموماً لطريانٍ عارضٍ)) نفائس الأصول 6/2373. (3) في س: ((الكتب)) وهو تحريف؛ لأن المراد هنا بالكتاب القرآن. (4) لمزيد معرفة أدلة النافين ومناقشتها، انظر: المصادر المذكورة في هامش (3) ص (37) . (5) انظرها أيضاً في نفائس الأصول 6/2370 (6) هذا النقل عن فخر الدين فيه تصرُّف. انظر: المحصول 3/266. (7) في س: ((وهو)) وهو تحريف؛ لا يؤدي الغرض منه. (8) انظر: البرهان 1 / 333 - 334، المستصفى 1 / 391، الإحكام للآمدي 4 / 137. (9) ممن نقله عن المازري: أبو عبد الله محمد الأصفهاني في كتابه: الكاشف عن المحصول 5/ 193، وانظر: نفائس الأصول 6 / 2370. (10) هو القاضي أبومحمد عبد الوهاب بن علي بن نَصْر التَّغْلِبي ـ نسبة إلى قبيلة تغلب ـ البغدادي، فقيه مالكي، أصولي، شاعر، عابد، ولي القضاء في العراق وفي مصر، وصفه ابن القيم - في كتابه: اجتماع الجيوش الإسلامية ص (164) - بأنه من كبار أهل السنة، من شيوخه: الأبهري وابن القَصَّار والباقِلاَّني، ومن تلاميذه: الخطيب البغدادي، وأبو إسحاق الشيرازي. ومن تآليفه: التلقين (ط) ، المعونة على مذهب عالم المدينة (ط) وهما في الفقه. والإفادة، والتلخيص (ويطلق عليه: الملخَّص) ، والمفاخر: كلها في أصول الفقه. توفي عام 422هـ. انظر: ترتيب المدارك 4 / 691، الديباج المذهب ص261، سير أعلام النبلاء 17 / 429. (11) هذا أحد كتب القاضي عبد الوهاب الأصولية، ويطلق عليه: التلخيص ولم أقف عليه، ولست أدري هل ما زالت مخطوطته موجودة أم مفقودة؟ كسائر كتبه الأصولية. وقد ذكر القرافي في مقدمة الذخيرة التي سمَّاها " تنقيح الفصول " أنه اعتمد على أخذ جملة كتاب " الإفادة " للقاضي عبد الوهاب وهو مجلدان في أصول الفقه. انظر: الذخيرة (1/55) . وها هو يعتمد أيضاً على كتاب " الملخص " في شرحه لتنقيح الفصول. وكذا قد اعتمد عليه وعلى " الإفادة " في كتابه: نفائس الأصول (1/92) وكذلك قد اعتمد الزركشي على كتب القاضي عبد الوهاب الأًصولية في كتابه: البحر المحيط (1/15) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فقال: من الناس من قال كان متعبَّداً بشريعة (1) كل نبيٍّ تقدَّمه إلا ما نُسِخ أو دُرس (2) ، وهذا لم تنقله الجماعة (3) ، مع أنه غالب بحث الفقهاء في المباحث، فلا يخصُّون (4) شرعاً معيناً دون غيره. قال القاضي: ومذهب المالكية (5) أن جميع شرائع الأمم شرع لنا إلا ما نسخ، ولا فرق بين موسى عليه السلام وغيره (6) . قال ابن بَرْهان (7) : وقيل كان متعبِّداً قبل النبوة بشرع آدم عليه السلام؛ [لأنه أول الشرائع] (8) ، وقيل كان على دين نوح عليه السلام (9) .   (1) في ق: ((بشرع)) . (2) انظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 193، البحر المحيط للزركشي 8/40، وانظر: نفائس الأصول 6 / 2370. (3) يريد بهم من ذكرهم سلفاً وهم: الجويني والغزالي والآمدي والرازي. (4) في س: ((يُخصِّصون)) . (5) وهذا أيضاً مذهب الحنابلة. انظر: العُدَّة لأبي يعلى 3/757، المسودة ص 193. (6) عند إطلاق " القاضي " ينصرف الذهن إلى القاضي الباقلاني. ولكن هذا النقل ربما كان عن القاضي عبد الوهاب بقرينة العهد الذكري. ثم إن الأصفهاني في كتابه الكاشف عن المحصول (5 / 193) نقل هذا موصولاً بالقاضي عبد الوهاب. وانظر: نفائس الأصول 6 / 2371. (7) هو أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن بَرْهان ـ بفتح الباء ـ الفقيه الشافعي الأصولي، كان حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، عُرِف بالذكاء والحفظ حتى ضرب به المثل، من شيوخه: ابن عقيل الحنبلي، والغزالي، والْكِيا الهرَّاسي. له ستة كتب في الأصول وهي: الوجيز، والأوسط، والبسيط، والوسيط، والتعجيز، والوصول إلى الأصول، والكتاب الأخير مطبوع بتحقيق د. عبد الحميد أبوزنيد، أما الكتب السابقة فلا يُدرى عن وجودها. توفي عام 518 هـ وقيل 520 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/30، وفيات الأعيان 1/99، سير أعلام النبلاء 19 / 456. (8) ساقط في س. (9) لم أجد هذا النقل عن ابن برهان في كتابه " الوصول إلى الأصول "، فلعلَّه في أحد كتبه الأصولية غير المطبوعة كـ" الأوسط ". والمصنف نفسه يعتمد على كتاب " الأوسط " لابن برهان كما في ص (97) ولكن وجدت هذا النقل عن ابن برهان في كتب أصولية أخرى، كالكاشف عن المحصول 5 / 193، ونهاية السول للإسنوي 3/48، والتقرير والتحبير 2/308. وانظر: نفائس الأصول 6 / 2371. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 الباب الرابع عشر في النسخ وفيه خمسة فصول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الفصل الأول في حقيقته (1) ص: قال القاضي منا (2) والغزالي (3) (4) : هو خِطابٌ دَالٌّ على ارتفاع حُكْمٍ ثابتٍ بخطابٍ متقدِّمٍ على وَجْهٍ لولاه لكان (5) ثابتاً مع تراخِيْهِ عنه (6) . وقال الإمام فَخْرُ الدِّيْن: الناسخُ طريقٌ شرعيٌّ يدلُّ على أنَّ مِثْلَ الحكمِ الثَّابتِ بطريقٍ شرعيٍّ (7) لا يوجد بعده، متراخياً عنه بحيث لولاه لكان ثابتاً (8) ، فالطريق   (1) ذكر المصنف حقيقة النسخ اصطلاحاً. وأما حقيقته اللغوية فهي: الرفع والإزالة والإبطال والنقل والتحويل والتبديل والتغيير. انظر مادة " نسخ " في: لسان العرب، المصباح المنير، مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، وانظر كتاب: النسخ بين الإثبات والنفي د. محمد فرغلي ص 20 وما بعدها، فقد توسع في التعريف اللغوي للنسخ. (2) نسبه إلى القاضي الباقلاني كثيرٌ من الأصوليين منهم: الآمدي في الإحكام 3 / 105، وابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص 154، وقال ابن السبكي: ((هذه عبارته في مختصر التقريب)) الإبهاج في شرح المنهاج 2 / 22. (3) انفردت نسخة ن بزيادة ((من الشافعية)) . (4) انظر: المستصفى 1 / 207. (5) في ق: ((كان)) والمثبت أولى؛ لأن الأكثر اقتران جواب " لولا " باللام، وحذفها قليل في الكلام أو خاصٌ بالضرورة الشعرية، ولم يقع منه في القرآن شيءٌ. انظر: همع الهوامع للسيوطي 2 / 476. (6) ممن اختار هذا التعريف: الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 245، وأبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع 1 / 481، وإمام الحرمين في التلخيص 2 / 452، وابن عقيل في الواضح في أصول الفقه 1 / 212، وهو تعريف ابن جُزي الكلبي من المالكية في تقريب الوصول ص 310. وانظر المناقشات حول التعريف في: الإحكام للآمدي 3 / 105، شرح البدخشي 2 / 163. (7) ساقطة من ق، متن هـ. (8) انظر: المحصول للرازي 3 / 285. لكن ذُكر في بعض النسخ المخطوطة للمحصول تعريف " النسخ " بدلاً من " الناسخ " وهي التي أثبتها مُحقِّق " المحصول " د. طه العلواني. وانظر المناقشات حول التعريف في: الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 213، رفع النقاب القسم 2 / 371، النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد 1 / 76 - 109، النسخ في دراسات الأصوليين د. نادية العمري ص 27 - 55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 يشمل (1) سائر المدارك: الخطابَ وغيرَه، وقوله: ((مثل الحكم)) : لأن الثابت قبل النسخ غيرُ المعدوم بعده (2) . وقوله: ((متراخياً عنه (3)) ) ؛ لئلا يَتَهَافَتَ (4) الخطاب. وقوله: ((لولاه لكان ثابتاً)) احترازاً من المُغَيَّات (5) نحو الخطاب (6) بالإفطار بعد (7) [غروب الشمس] (8) فإنه ليس ناسخاً (9) [لوجوب الصوم] (10) . الشرح يَرِدُ على الأول أن النسخ قد يكون بالفعل كما تقدَّم (11) فلا يكون الحَدُّ (12)   (1) في ق، متن هـ: ((تشمل)) وهي صحيحة أيضاً لأن ((الطريق)) تذكر وتؤنث، والتذكير أكثر وأجود. انظر: المذكر والمؤنث لأبي زكريا الفراء ص 87. (2) بمعنى أن الحكم الأول لا يمكن رفعه بعد ثبوته، وإنما الذي يرتفع بالنسخ هو مثله؛ لأنه لو لم يرد النسخ لتجدد مثل الحكم الأول، فورود النسخ يمنع تجدد مثل الحكم الأول، انظر: رفع النقاب القسم 2/370. (3) ساقطة من ن، متن هـ. (4) التَّهَافُت: هو التساقط، مصدر تَهَافَتَ. انظر القاموس المحيط مادة " هفت ". (5) المُغَيّا: اسم مفعول من غَيَّا، وهو من الغاية، وغاية كل شيء: مداه ومنتهاه. انظر مادة " غيا " في: لسان العرب، المعجم الوسيط. (6) في ق: ((المخاطبة)) . (7) في ق: ((عند)) . (8) في س: ((الغروب)) . (9) في ق: ((نسخاً)) . (10) ما بين المعقوفين في ن، متن هـ هكذا: ((للصوم)) . (11) أي قد يكون النسخ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما مرَّ في الباب السابق ص 16، 18. (12) الحدُّ لغةً: المَنْع. انظر مادة " حدد " في: مختار الصحاح. واصطلاحاً: هو القول الدالُّ على ماهِيَّة الشيء. انظر: التعريفات للجرجاني ص 116. وعرَّفه المصنف بقوله: هو شرح ما دلَّ عليه اللفظ بطريق الإجمال. شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 4. ومن شرط الحد كونه جامعاً لجملة أفراد المحدود، مانعاً من دخول غيره معه. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 7، وانظر: حاشية الصبان على شرح السُّلَّم للملَّوي ص 84 - 85. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 جامعاً (1) ، وكذلك يَنْتَقِض بالإقرار (2) وبجميع المدارك التي ليست خطاباً (3) ، وكذلك يَبْطُل بجميع ذلك اشتراطُه في الحكم السابق أن يكون [ثابتاً بالخطاب، فإنه قد يكون] (4) ثابتاً بأحد هذه الأمور، فلذلك عَدَل الإمام لقوله: ((طريق شرعي)) لِيَعُمَّ جميع هذه الأمور، فإن قُلْتَ: أنت شَرَعْتَ تَحُدُّ النسخ، والطريقُ ناسِخةٌ لا نَسْخٌ (5) ، والمصدر (6) غير الفاعل، فقد خرج جميع أفراد المحدود من الحَدِّ فيكون باطلاً. قلتُ: الناسخ في الحقيقة إنما هو الله تعالى؛ ولذلك (7) قال الله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} (8) ، فأضاف تعالى فِعْل (9) النسخ إليه سبحانه وتعالى، وفعله تعالى هو هذه المدارك (10) وجعلها ناسخة، فالمصدر في التحقيق هو هذه (11) المدارك فاندفع السؤال (12) .   (1) وكذلك لا يكون مانعاً؛ لأنه لو اختلفت الأمة في واقعة على قولين، وأجمعوا بخطابهم على تسويغ الأخذ بكل واحدٍ من القولين للمقلِّد، ثم أجمعوا بأقوالهم على أحد القولين، فإن حكم خطاب الإجماع الثاني دالٌّ على ارتفاع حكم خطاب الإجماع الأول. والإجماع لا يُنسخ ولا يُنسخ به، والحدُّ المذكور لم يمنع هذا من دخوله فيه، فلا يكون مانعاً. انظر: المعتمد 2 / 419، المحصول 3 / 284، الإحكام للآمدي 3 / 105. (2) في ن: ((بالأخبار)) وهو تحريف. والمراد بالإقرار إقرار النبي صلى الله عليه وسلم. (3) كالمفهوم بنوعيه: الموافقة والمخالفة، على خلافٍ فيه، سيرد المثال عليه - عند المصنف - في ص 97 وما بعدها. (4) ما بين المعقوفين ساقط من س. (5) في س: ((لا تنسخ)) . وهو خطأ للتناقض في المعنى. (6) المصدر هو: الاسم الدالُّ على الحَدَث الجاري على الفعل، كالضَّرْب والإِكْرام. شرح قطر الندى لابن هشام ص 246. (7) في ن: ((وكذلك)) وهو تحريف؛ لأنها لا تعطي معنى التعليل. (8) البقرة، من الآية: 106. (9) ساقطة من س، ق. (10) نبَّه حلولو بأن إطلاق مثل هذا اللفظ (مدارك الأحكام مفعولة له تعالى) قد منع منه جماعة من السلف في القرآن، وهو أصل الأدلة وإن أريد بذلك العبارة أو الحروف المكتوبة، حسماً للباب وسداً للذريعة؛ لما في ذلك من إيهام القول بخلق القرآن. انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 257. (11) هنا زيادة ((الأمور)) في س، ولا داعي لها. (12) اعتراض حلولو على إجابة المصنف، وقال بأن الرفع غير المرفوع به. انظر: التوضيح شرح التنقيح ص (257) . علماً بأن بعض الأصوليين ذكر بأن الناسخ يطلق على معانٍ: أظهرها أن يراد به الله تعالى، فيقال: نسخ الرب تعالى شريعةً بشريعةٍ، والخطاب، فيقال: نسخت آيةٌ آيةً، والمُعْتقِد؛ يقال: فلان نسخ الكتاب بالسنة، يعني يعتقد ذلك. انظر: التلخيص 2 / 456، الإحكام للآمدي 3 / 106، 108، شرح الكوكب المنير 3 / 528. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وقولي: ((مع تراخيه عنه)) (1) لأنه لو قال: افعلوا، لا تفعلوا لتهافت الخطاب، وأسقط الثاني الأول، وكذلك لو قال عند الأول: هو منسوخ عنكم بعد سنة، كان هذا الوجوب (2) مُغَيّاً بتلك الغاية من السنة (3) ، فلا يتحقق النسخ، بل ينتهي بوصوله لغايته، وحينئذٍ يتعيَّن أن يكون الناسخ مسكوتاً عنه في ابتداء الحكم. وقولي: ((على وَجْهٍ لولاه لكان ثابتاً)) ، احتراز (4) مما جُعِل له غايةٌ أولَ الأمر، فإنه لا يكون ثابتاً إذا وصل إلى تلك الغاية، فلا يقبل النسخ إلا إذا كان قابلاً للثبوت ظاهراً. هل النسخ رَفْعٌ وإزالة أو بيان انتهاء المُدَّة؟ ت ص: (5) وقال القاضي منا (6) والغزالي (7) : الحكم المتأخر   (1) ذكرت بعض كتب الأصول بأن هذا القيد لا داعي له، وكذلك القيد الآتي في قوله: ((على وجه لولاه لكان ثابتاً)) لأن ارتفاع الحكم يَدْرأ نقض الحدِّ بالمخصِّصات، فإنها دافعة لا رافعة. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 106، نهاية الوصول في دراية الأصول لصفي الدين الهندي 6 / 2220، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 187. (2) في ن: ((الجواب)) وهو تحريف. (3) في ق: ((سنة)) . (4) في ن، ق: ((احترازاً)) وهو متجهٌ؛ لأن انتصابه حينئذٍ إما على المصدرية وعامله تقديره ((أحترز)) أو منصوب على المفعولية لأجله وتقدير عامله ((قلت)) . والمثبت أولى لعدم احتياجه إلى التقدير، ويكون خبراً للمبتدأ ((قولي)) . والله أعلم. (5) هذه المسألة هي: هل النسخ رفعٌ وإزالة أو بيان انتهاء المدَّة؟ . ومعنى " الرَّفْع " - كما في المحصول (3 / 287) - أن خطاب الله تعلَّق بالفعل بحيث لولا طَرَيَان الناسخ لبقي، إلا أنه زال لطريان الناسخ. ومعنى " البيان " - كما في المحصول (3 / 287) - أن الخطاب الأول انتهى بذاته في ذلك الوقت ثم حصل بعده حكم آخر. وتحرير محل النزاع: ذكره المصنِّف في كتابه: نفائس الأصول (6 / 2408) وهو أن كلا الفريقين متَّفِقٌ على أن الخطاب اقتضى الدوام باعتقادنا، وإنما الخلاف في نفس الأمر. ففريقٌ يقول: باقتضاء الدوام في نفس الأمر، والنسخ يرفع ويزيل الحكم المتقدم الدائم. والفريق الآخر يقول: لا دوام في نفس الأمر بل جُعل للحكم الأول غايةٌ والناسخ يبينها، فالنسخ بيان انتهاء مدة الحكم. وانظر: الكاشف عن المحصول 5 / 221. وهل هذا الخلاف بينهما لفظي أو معنوي؟ فيه خلاف، انظر: نفائس الأصول 6 / 2418، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 187، مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت 2 / 66. (6) انظر: المحصول لابن العربي ص 580، مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص 594، البحر المحيط للزركشي 5 / 198. (7) انظر: المستصفى 1 / 207. وممن ذهب إلى أن النسخ رفع وإزالة للحكم الأول: الباجي والأبياري وابن الحاجب من المالكية، والصيرفي وابن قدامة وابن تيمية وابن السبكي وابن الهمام وغيرهم. انظر: إحكام الفصول ص 389، روضة الناظر 1 / 283، منتهى السول والأمل ص 154، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13 / 274، جمع الجوامع مع شرح المحلِّي بحاشية البنَّاني 2 / 75، البحر المحيط للزركشي 5 / 198، تيسير التحرير 3 / 178. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 يزيل (1) المتقدم. وقال الإمام (2) والأستاذ (3) وجماعةٌ (4) : هو بيانٌ لانتهاء مدة الحكم (5) ، وهو الحق (6) ، لأنه لو كان دائماً في نفس الأمر لعلمه الله تعالى دائماً، فكان يستحيل نسخه، لاستحالة انقلاب العلم جهلاً (7) وكذلك الكلام القديم (8) الذي هو خبر عنه.   (1) انفردت نسخة ن بزيادة هنا، وهي ((الحكم)) . (2) المراد بالإمام: الرازي. وهو لم يُصرِّحْ بمذهبه في المحصول (3 / 287) ، لكنه صرَّح باختياره في كتابه: المعالم ص 116. (3) الأستاذ إذا أطلق فالمراد به الأستاذ أبو إسحاق الإسْفَرَايِيْنِي، انظر نسبة هذا القول إليه في: المحصول للرازي 3 / 287، البحر المحيط للزركشي 5 / 199. أما ترجمته فهو: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مَهْران الإسفراييني - نسبة إلى إسْفَرَايِيْن، بليدة من نواحي نيسابور، عُدَّ من مجتهدي مذهب الشافعية، أصولي، مُحدِّث. من مصنفاته: " الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين " وفي الأصول: " تعليقة في أصول الفقه "وغير ذلك، توفي سنة 418 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 4 / 256، وفيات الأعيان 1 / 28. (4) منهم: ابن حزم، وأبو الطيِّب الطبري، ابن فُوْرك، والبيضاوي، وأكثر الأحناف، وغيرهم. انظر: الإحكام لابن حزم 1 / 475، إحكام الفصول ص 390، كتاب في أصول الفقه للاَّمِشي الحنفي ص 169، المغني في أصول الفقه للخَبَّازي ص 250، نهاية السول للإسنوي 2 / 548. (5) الذين قالوا بأن النسخ بيان اختلفت عبارتهم، فذهب جمهور الفقهاء والإمام الرازي وجماعة المعتزلة إلى أنه: بيان انتهاء أمَد الحكم، وقال آخرون: هو بيان انتفاء شرط استمرار الحكم وبه قال الأستاذ الإسفراييني. وبهذا يُعلم أن عزو القرافي للأستاذ مثل قول الإمام غير مُحَرَّر لوجود الفرق بين قوليهما، وقد نبَّه على ذلك حلولو في كتابه: التوضيح شرح التنقيح ص 256، 257. (6) هنا زيادة ((الذي يتجه هنا)) في ن. (7) ساقطة من س، ق، متن هـ. (8) لفظ ((القديم)) مما يكثر استعماله عند المتكلمين، يُسمُّون به الله، ويصفون أسماءه وصفاته به، وأهل السنة لا يَعُدُّون ((القديم)) من أسماء الله وصفاته الحسنى، لأن أسماءه وصفاته توقيفية. قال ابن القيم في بدائع الفوائد (1 / 147) : ((ما يُطلق عليه (تعالى) من باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفياً: كالقديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه)) فعلى هذا يصح إطلاق لفظ ((القديم)) من باب الإخبار لا الإنشاء. وقد جاء في الحديث الصحيح ((أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)) رواه أبو داود (466) وحسنه النووي في كتابه: الأذكار ص 46 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1 / 93. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 الشرح قال القاضي (1) : النَّسْخ كالفَسْخ (2) ، فكما أن الإجارة إذا كانت شهراً يستحيل فسخها إذا انقضى الشهر، ويمكن فسخها في أثناء الشهر، لأن شأنها أن تدوم، فكذلك النسخ لا يكون إلا فيما شأنه أن يدوم. والجماعة يمنعون هذا التشبيه، ويقولون: إن (3) الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلو كان الحكم دائماً في نفس الأمر لعلم دوامه، ولو علم دوامه لتعذَّر (4) نسخه، فإن خلاف المعلوم مُحالٌ في حَقِّنا، فكيف في العلم القديم! وكذلك كل ما علمه الله تعالى فهو مُخْبَرٌ عنه بالكلام النَّفْسَاني (5) ،   (1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1 / 245، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العِزِّ الحنفي ص 277، الشامل في أصول الدين للجويني ص 136، تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص 91، صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة للشيخ علوي السقَّاف ص 200 فبحثه في هذا نفيس. وقول المصنف هنا: ((الكلام القديم)) مُجْملٌ ولكنه في اعتقاد الأشاعرة بمعنى أن صفة الكلام لله صفة قائمة بذاته أزلاً وأبداً، وأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته متى ما أراد. وأما عند أهل السنة والجماعة فصفة الكلام لله صفة ذات وصفة فعل، فجنس كلامه قديم وآحاده حادث، يحدثه الله متى شاء كما قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] . انظر شرح المقاصد للتفتازاني 4 / 143 - 163، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 12 / 38، 105، 133، 371، 579. لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي شرح فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين ص 74. () انظر حجة القاضي في: نفائس الأصول 6 / 2408، رفع النقاب القسم 2 / 375. (2) الفَسْخ: مصدر فَسَخَ تقول: فسختُ البيعَ أو العَقْد: نقضته وأبطلته ورفعته. انظر: المصباح المنير مادة " فسخ "، الدرُّ النقي في شرح ألفاظ الخِرَقي لابن المَبْرد 1 / 188. (3) ساقطة من ق. (4) في ن: ((تعذر)) والمثبت أولى؛ لأن الأكثر في جوابها إذا كان ماضياً مثبتاً اقترانه باللاَّم. انظر: همع الهوامع 2 / 473. (5) في ق: ((النفسي)) . وصفة الكلام - عند الأشاعرة - هي المعنى القائم بنفس الله. قال البيجوري: (( واعلم أن كلام الله يطلق على الكلام النفسي القديم، بمعنى أنه صفة قائمة بذاته - ثم قال - ليست بحرف ولا صوت ... )) انظر: تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ص (71، 82) ، وانظر: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني ص 105 - 131 وهذا مذهب باطل. وأما مذهب أهل السنة والجماعة من السلف الصالح فإنهم يثبتون لله صفة الكلام على الحقيقة، وهي صفة قائمة بذاته، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . ومما يُردُّ به قولهم بالكلام النفسي قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي عمَّا حدثت به أنفسها مالم تتكلم به أو تعمل به)) رواه البخاري (6664) ومسلم (127) . فالحديث ظاهر في أن حديث النفس ليس كلاماً. وإذا كان كلام الله نفسياً فما الذي سمعه موسى عليه السلام وقد قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ؟! . ثم أيُّ مزيَّةٍ لموسى عليه السلام في اصطفاء الله له بكلامه على من سمع الوحي بواسطة الملك أو كان إلهاماً؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وخبر الله تعالى [صِدْقٌ يستحيل الخُلْف (1) فيه، فلو أخبر عن دوامه تعذَّر نسخه، وكذلك لو شرعه دائماً (2) لكان تعالى] (3) قد أراد دوامه لأنه من جملة الكائنات*، ولو أراد دوامه لوجب الدوام، وحينئذٍ يتعذَّر النسخ، فلو وقع النسخ لَزِم مخالفةُ ثلاثِ صفاتٍ لله تعالى (4) ، وذلك محال (5) . فهذه مَدَاركُ قطعيةٌ تُوجِب حينئذٍ أن الحكم كان دائماً في اعتقادنا لا في نفس الأمر، فالناسخ مُزِيلٌ للدوام من اعتقادنا لا من نفس الأمر، وحينئذٍ يكون النسخ كتخصيص العامِّ، ولذلك قيل: النسخُ تخصيصٌ في الأزمان (6) ، وهذا التفسير يَحْسُن فيما يتناول أزماناً، أمَّا ما لا يكون إلا (7) في زمانٍ واحدٍ كذبح   (1) تتعلق بقدرته ومشيئته، يتكلم تعالى متى شاء بحرفٍ وصوتٍ مسموع. قال تعالى: انظر: شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية بشرح محمد خليل هَرَّاس ص 154، قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر لصِدِّيق حسن خان ص 71، العقيدة السلفية في كلام رب البَريَّة ليوسف الجديع ص 79. () في ق: ((الخلاف)) وهو صحيح أيضاً. والخُلْف هو الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذب في الماضي. لسان العرب مادة " خلف ". (2) في ق: ((حكماً)) وهو تحريف. (3) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (4) وهي العلم والكلام والإرادة. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 376. (5) للغزالي كلامٌ نفيس في الرد على هذه الدلائل وغيرها الرامية إلى إنكار كون النسخ رفعاً. انظر: المستصفى 1 / 208 - 212، وانظر أيضاً شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 261. (6) قال الجويني في البرهان (2 / 843) : ((وقد صرَّح أبو إسحاق بأن النسخ تخصيص الزمان)) . وانظر: نفائس الأصول 6 / 2419. (7) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 إسحاق (1) عليه السلام فلا يكون تخصيصاً في الأزمان، بل رافعاً (2) لجملة الفعل بجميع أزمانه.   (1) هكذا في جميع النسخ إلا نسخة ش، فإن فيها ((إسماعيل عليه السلام)) . وهو الصحيح الذي أختاره، ولكني لم أشأ إثباتها في الكتاب؛ لأن نسخة " ش " كثيرة الأغلاط والتحريف، ولأني تَيقَّنْتُ من رأي المؤلف في الذَّبيْح بأنه " إسحاق " عليه السلام كما ذكره في ص (65) ، وكذا رجَّحه في كتابه: نفائس الأصول (6 / 2450) ، وفي كتابه: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة ص 92. وفي مسألة الذبيح أقوالٌ ثلاثة: الأول: أنه إسماعيل عليه السلام، والثاني: أنه إسحاق عليه السلام، والثالث: الوقف. والذي أميل إليه أنه إسماعيل عليه السلام؛ لأن الله تعالى قال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 101 - 102] ، ثم قال عاطفاً على البشارة الأولى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112] ، فدلَّ ذلك على أن البشَارة الأولى شيء غير المُبَشَّر به في الثانية، فمن المقرر في الأصول أن النص إذا احتمل التأسيس والتأكيد كان حمله على التأسيس واجباً إلا لدليل، ومعلوم في اللغة أن العطف يقتضي المغايرة. والله أعلم. انظر: جامع البيان للطبري مجلد 12 / جزء 23 / 906، التفسير الكبير للرازي 26/ 133، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15 / 99، القول الفصيح في تعيين الذبيح للسيوطي (رسالة موجودة في الحاوي للفتاوى له) 1 / 492 - 498، أضواء البيان للشنقيطي 6 / 691، نشر البنود 1 / 288. وانظر حاشية نفائس الأصول (6 / 2450) ففيها تحقيقٌ جيِّد. (2) في ن: ((رفعاً)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الفصل الثاني في حكمه ص: وهو واقع (1) ، وأنكره بعض اليهود عقلاً وبعضهم سَمْعاً (2) ، وبعضُ المسلمين مُؤَوِّلاً لما وقع من ذلك بالتخصيص (3) . لنا: [ما اتفقتْ عليه الأمم مِنْ] (4) أن الله تعالى شرع لآدم تزويج الأخ بأخته غير تَوْأمَتِهِ (5) ، وقد نُسِخ ذلك (6) .   (1) أي حكم النسخ: واقعٌ شرعاً، والوقوع الشرعي دليل الجواز العقلي. (2) انقسم اليهود إلى ثلاث فرقٍ: الشَّمْعُونية وقالت: يمتنع عقلاً وسمعاً، العِنَانية وقالت: يمتنع سمعاً لا عقلاً، العيْسَوية وقالت: يجوز عقلاً وسمعاً. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 115، نفائس الأصول 6/ 2428، شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 266، التقرير والتحبير 3 / 58، التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة للباقلاني ص 140، الملل والنحل للشهرستاني 1 / 251، 256 - 257، النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد 1 / 27. لكن حكاية خلاف اليهود في كتب أصول الفقه، مما لا يليق؛ لأن الكلام في أصول الفقه فيما هو مقررَّ في الإسلام، وفي اختلاف الفرق الإسلامية. أما حكاية الكفار فالمناسب لذكرها أصول الدين. وذكر العَطَّار: بأن مخالفة اليهود في ذلك ليتوصلوا إلى إنكار نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعة عيسى عليه السلام لشريعة موسى عليه السلام. انظر: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 119. وانظر: إرشاد الفحول 2 / 75. وذكر الشاطبي: أن أقوال أهل الأهواء غير مُعْتَدٍّ بها في الخلاف المقرَّر في الشرع. وأما نقل العلماء لأقوالهم، وأقوال اليهود والنصارى لا للاعتداد بها قطعاً وإنما ليردُّوها ويبيِّنوا فسادها. انظر: الموافقات 5 / 221. (3) لم يشتهر هذا القول عن أحدٍ من المسلمين سوى أبي مُسْلِمٍ الأصفهاني المُعْتزلي (ت 322 هـ) ، وسيردُ تحرير مذهبه في مسألة جواز نسخ القرآن ص 61، انظر: المعتمد 1 / 370، الإحكام للآمدي 3 / 115، منتهى السول والأمل ص 154، أصول الفقه لابن مفلح 3 / 1117. (4) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (5) التَّوْأم: مِنْ أتْأمَتِ المرأةُ؛ إذا وَضَعَتْ اثنين في بَطْنٍ، فهي مُتْئِم. والوَلَدَان: تَوْأمان، ويقال: هذا تَوْأم هذا، فَوْعَل. وهذه توأمة هذه، والجَمْع توائم. مختار الصحاح مادة ((تأم)) . (6) هذا دليل أهل الإسلام على جواز النسخ عقلاً وسمعاً، وفي كُتب التاريخ: أن حواء عليها السلام، وَلَدَتْ أربعين بطناً، في كل بطنٍ ذكر وأنثى، فكان آدم عليه السلام يزوج لكلِّ ذكرٍ غير توأمته، ثم حُرِّم ذلك في زمان نوح عليه السلام. انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 1 / 55، البداية والنهاية لابن كثير 1 / 58، وانظر: رفع النقاب القسم 2 / 380. وانظر مسألة تزويج آدم للأخ بأخته غير توأمته ثم تحريم ذلك في: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة ص 90. وانظر تحريم تزويج الأخ بأخته في التوراة في: سفر التثنية، الإصحاح: 27، فقرة: 22. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الشرح أما وقوع النسخ فلأنَّ الله تعالى أوجب وقوف الواحد مِنَّا للعشرة من الكفار في الجهاد (1) ، ثم نَسَخَهُ بقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} (2) وصار الحكم أن يقف (3) الواحد منا (4) للاثنين بقوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} (5) . ونَسَخَ تعالى آياتِ (6) المُوَاْدَعَةِ (7) ، ويقال:   (1) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65] . (2) الأنفال، من الآية: 66. (3) في ن: ((يوقف)) والمثبت أنسب. (4) ساقطة من ن، ق. (5) الأنفال، من الآية: 66. وقد اختلف العلماء في وقوع النسخ في آية المصابرة، فالجمهور أنها منسوخة، وقد حكى ابن عطية الإجماع على ذلك. وقال آخرون: لم يقع فيها نسخ بل من باب التخفيف. والصحيح رأي الجمهور؛ لأنه رَفْع حُكْمٍ استقرَّ - وهو وجوب مصابرة الواحدة للعشرة - بحكم وجوب المصابرة للاثنين، وهذا هو النسخ بعينه. انظر أدلة الفريقين ومناقشتها في كتاب: الآيات المنسوخة في القرآن الكريم د. عبد الله الشنقيطي ص 99. وانظر أيضاً: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 2 / 383، 8/ 9، الناسخ والمنسوخ للنحاس 2 / 783، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 349. (6) في ن، س: ((آية)) . والمثبت هو الصحيح؛ لأنها آيات وليست آية. (7) في س، ن: ((المواعدة)) وهو تحريف. * والمُوَادَعةُ والتَّوادُع: شِبْه المُصَالحة والتَّصَالُح، يقال: وادعَ [بني] فلان أي: صَالَحهم وسَالَمهم على ترك الحرب والأذى. وحقيقة الموادعة: المتاركة، أي: يَدَعُ كلُّ واحدٍ منهما ما هو فيه. انظر: لسان العرب مادة " ودع ". وذكر الرصَّاع: بأن المُهادنة والصُّلْح والاسْتِيْمان والمُعَاهدة ألفاظٌ مترادفة، وعرَّف ابنُ عرفة " المهادنة " بأنها: عقدُ المُسْلم مع الحَرْبيّ على المسالمة مدةً ليس هو فيها تحت حكم الإسلام. انظر: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1 / 226. ومن أمثلة آيات الموادعة قوله تعالى: {الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:109] ، وقوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ ش [النساء: 63] ، وقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، وقوله تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} [المزمل: 10] ، وغيرها. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكِّيّ بن أبي طالب القَيْسِي ص 103. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 إنها نَيِّفٌ (1) وعشرون (2) آيةً (3) بآية السَّيْف (4) وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (5) وبغيرها من الآيات (6) الدالة على   (1) النيِّف: بالتشديد والتخفيف كمَيِّت ومَيْت والتشديد أفصح. وهو الزيادة، مِنْ: ناف، يقال: نَيِّفَ فلانٌ على الستين إذا زاد عليها. وكل ما زاد على العِقْد حتى يبلغ العِقْد الثاني فهو نَيِّفٌ. وقيل: النيِّف من واحد إلى ثلاث. والبِضْع من أربع إلى تسْع. ولا يقال نيّف إلا بعد عِقْد، نحو: عشرة ونيفٌ، عشرون ونيفٌ، مائة ونيفٌ. انظر: لسان العرب، والمصباح المنير كلاهما مادة " نيف ". وبهذا يُعلم أن قول المصنف هنا: نَيِّفٌ وعشرون ليس جارياً وفق الصحيح من اللغة العربية. (2) في س: ((عشرين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن المعطوف على المرفوع مرفوع. (3) قال ابن العربي: ((قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ناسِخٌ لمائةٍ وأربَع عَشْرَة آية)) . أحكام القرآن 1 / 102، وكذا قال ابن جُزَيّ الغِرْناطي في مقدمة تفسيره " التسهيل في علوم التنزيل " في الباب السابع: الناسخ والمنسوخ 1 / 10 - 11. (4) أصح الأقوال في آية السيف أنها قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ..} [التوبة: 5] . وقيل: إنها قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً..} [التوبة: 36] . وقيل: هما معاً. والمصنف رحمه الله جعلها قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ... } [التوبة: 73] . والخَطْب في هذا يسير. انظر روح المعاني للألوسي 5 / 246، النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد 2 / 503. (5) التوبة، من الآية: 73، والتحريم، من الآية: 9. (6) منها قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ... } [البقرة: 216] ، وقوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ... } [التوبة: 29] . انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 103. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 القتال (1) ، وهو كثير في الكتاب والسنة (2) . الحجة العقلية للشمعونية من اليهود المنكرين للنسخ عقلاً وسمعاً وأما إنكار بعض اليهود له عقلاً فاحتجُّوا عليه (3) بأن النهي يعتمد المفاسد (4) الخالصة أو الراجحة، فلو جاز نسخه بعد ذلك لزم [تجويز أمر الله وإذنه] (5) في فِعْل المفاسد الخالصة أو الراجحة، وذلك على الله تعالى مُحَالٌ، بناءً على التحسين والتقبيح (6) ، وقالوا عبارةً عامّةً: إن الفعل إمَّا أن يكون حسناً أو قبيحاً، فإن كان   (1) مسألة نسخ آيات الموادعة بآية السيف مما اختلف فيها العلماء. ففريق يرى النسخ، وهو مرويٌ عن بعض التابعين وكثيرٍ من المفسرين على اختلافٍ بينهم في بعض الآيات. والفريق الآخر لا يرى النسخ. وقد ضَعَّفَ الزَّرْكَشِي - في البرهان في علوم القرآن (2 / 173) - ما لَهَج به كثيرٌ من المفسرين في الآيات الآمرة بالصبر على الأذى بأنها منسوخة بآية السيف، وذكر بأن الصحيح أنها ليست منسوخة، بل أمْر القتال من المُنْسَأ إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضَّعْف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فمن كان من المؤمنين بأرضٍ هو فيها مُسْتَضْعَفٌ أو في وقت هو فيه مُسْتَضْعَف فليعملْ بآية الصبر والصَّفْح عَمَّنْ يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين. وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون)) الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (2 / 413) . والقول بأن جميع الآيات مُحْكَمة ولم يقع النسخ لآيات المُوَادَعة هو ما أختاره؛ لأن النسخ لا يُصَار إليه إلا عند التعارض ولا تعارض كما علمت. ومن رأى النسخ من السلف فيُحْمل على أحد اصطلاحاتهم فيه كتخصيصِ عامٍّ أو تقييد مُطْلقٍ أو بيان مُجْمَلٍ، لا النسخ بمعنى الرفع والإزالة. والله أعلم. انظر هذه المسألة بتوسع في: النسخ في القرآن الكريم د. مصطفى زيد 2 / 503 - 583، أهمية الجهاد في نشر الدعوة د. علي العلياني ص 148 وما بعدها. (2) أي: وقوع النسخ كثير في الكتاب والسنة، وسترد أمثلته في الفصول التالية. (3) ساقطة من س. (4) في ن: ((الفساد)) وهي غير مستقيمة بدلالة ما بعدها. (5) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((أذنه تعالى)) . (6) مسألة التحسين والتقبيح سبق أن بحثها المصنف في الفصل السابع عشر من الباب الأول ص (88) من المطبوع فقرَّر بأن مذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح أنهما عقليان ويُرَتِّبُون على ذلك الذمَّ والمَدْح، أو العقاب والثواب الشرعيين، وهذا باطل. ومذهب الأشاعرة - ومنهم المصنف - أن العقل لا مَدْخل له في إثبات الثواب والعقاب الشرعيين، وهذا حقٌّ. ولكنَّهم غَلَوا حتى أبطلوا أن الأفعال لها صفات ذاتية من القبح والحسن تُدْرك بالعقل. ومذهب أهل السنة والجماعة وَسَطٌ بين الطرفين، فهم يُثْبتون لبعض الأفعال حُسْناً وقُبْحاً بالعقل، ولا يُرَتِّبُون على ذلك استحقاق العقوبة والمثوبة عليها إلا من جهة الشرع. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8 / 428 - 436، مفتاح دار السعادة لابن القيم 2 / 402، وما بعدها. وانظر مذهب الأشاعرة في: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني ص 228، وانظر مذهب المعتزلة في: المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ص234. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 حسناً استحال النهي عنه، أو قبيحاً استحال الإذن فيه، فالنسخ محال على التقديرين (1) . وجوابهم: أنَّا نمنع قاعدة الحسن والقبح، أو نسلمها ونقول لِمَ لا يجوز أن يكون الفعل مفسدة في وقت مصلحة في وقت؟. وذلك معلوم بالعوائد، بل اليوم الواحد يكون الفعل فيه حسناً في أوله قبيحاً في آخره، كما نقول في الأكل والشرب ولبس* الفَرَاء (2) وشرب الماء البارد وغيره، يَحْسُن جميع ذلك ويَقْبُح باعتبار وقتين من الشتاء والصيف، والحَرِّ والبرد، والصوم والفطر، والشِّبَع والجوع، والصِّحَّة والسَّقَم (3) . حجة منكري النسخ سمعا ً احتج منكروه سمعاً بوجهين: أحدهما: أنَّ الله تعالى لما شرع لموسى عليه السلام شَرْعَه، فاللفظ الدالُّ عليه إما أن يدل على الدوام أو لا، فإن دلَّ (4) على الدوام، فإمَّا أن يَضُمَّ إليه ما يقتضي أنه سينسخه أو لا، فإن كان الأول (5) فهو باطل من وجهين: الأول: أنه يكون متناقضاً، وهو عَبَثٌ ممنوع (6) . الثاني: أن هذا اللفظ الدال على النسخ وَجَب أن يُنْقَل (7) متواتراً، إذ لو جوَّزْنا   (1) انظر: المحصول للرازي 3 / 298، كشف الأسرار للبخاري 3 / 304، نهاية السول للإسنوي 2 / 560، رفع النقاب القسم 2 / 388. (2) الفَرَاء: جمع فَرْو وفَرْوَةٍ. وهي جلود بعض الحيوان، كالدِّبَبَة والثعالب، تُدبغ ويُتَّخَذ منها ملابس للدِّفْء وللزينة. المعجم الوسيط مادة " فرا ". (3) انظر: بذل النظر للأسمندي ص 313، المحصول للرازي 3 / 302، الإحكام للآمدي 3 / 116، رفع النقاب القسم 2 / 388. (4) هنا زيادة ((يكون)) في ن، ولا معنى لها. (5) وهو: أن يضم إلى اللفظ الدال على دوام شرع موسى عليه السلام لفظاً يقتضي أنه سينسخه. (6) وجه التناقض: أن الدوام يقتضي بقاء الحكم، والنسخ يقتضي زواله، فيكون الحكم باقياً زائلاً. (7) في ن: ((ينتقل)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 نَقْلَ الشرع غيرَ متواتر أو نَقْلَ صفته غير متواترة لم يحصل لنا علم بأن شرع الإسلام غيرُ منسوخ، ولأن ذلك من الوقائع العظيمة التي يجب اشتهارها، فلا يكون نص على النسخ وحينئذٍ لا يكون منسوخاً؛ لأن ذكر اللفظ الدال على الدوام [مع عدم الدوام] (1) تلبيسٌ، ولأنه يؤدي إلى عدم الوثوق بدوام الشرع (2) ، وأما إن لم ينص على الدوام فهذا مطلق يكفي في العمل به مرة واحدة، وينقضي بذاته، فلا يحتاج للنسخ ويتعذَّر النسخ فيه (3) . الوجه الثاني (4) : أنه ثبت بالتوراة قول موسى عليه السلام: تَمَسَّكُوا بالسبت أبداً، ما دامت السموات والأرض (5) ، وهو متواتر، والتواتر حُجَّة. والجواب عن الأول: أن نقول: اتفق المسلمون على أن الله تعالى شَرَع لموسىعليه السلام شَرْعه بلفظ الدوام، واختلفوا هل ذكر معه ما يدلُّ على أنه سيصير منسوخاً؟ فقال أبو الحُسَين (6) : يجب ذلك في الجملة وإلا كان تلبيساً (7) . وقال جماهير أصحابنا وجماهير المعتزلة: لا يجب ذلك (8) ، وقد تقدَّم البحث في ذلك في تأخير البيان عن وقت الخطاب (9) .   (1) ساقط من س، ن. (2) في ن، س: ((الشرائع)) والمثبت أقرب؛ لأن الدوام لم يكتب لغير شرع الإسلام. (3) انظر: المحصول للرازي 3 / 298، نهاية الوصول للهندي 6 / 2264. (4) من احتجاج منكري النسخ سمعاً. (5) انظر: العهد القديم (التوراة) ، سفر الخروج، الإصحاح: 31 الفقرتان: 16 - 17. (6) في س: ((أبو الحسن)) وهو خطأ؛ لأن المراد به أبو الحسين البصري وهو: محمد بن علي بن الطيب البصري، أحد أئمة المعتزلة، كان مليح العبارة، قوي الحجة والعارضة، والدفاع عن آراء المعتزلة. من شيوخه: القاضي عبد الجبار، من تآليفه: المعتمد (ط) ، تصفح الأدلة وغيرهما. ت 436 هـ. انظر: شرح العيون للحاكم الجشيمي ص 382، وفيات الأعيان 4 / 271. (7) انظر: المعتمد 1 / 371 - 372، وذكر الشيرازي هذا المذهب عن بعض الناس دون تسميتهم، انظر: التبصرة ص 257. (8) وهو مذهب أكثر الأصوليين، ومن المعتزلة: أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والقاضي عبد الجبار. انظر في ذلك: المعتمد 1 / 315، إحكام الفصول ص 303، المحصول للرازي 3 / 302، المسودة ص 178، كشف الأسرار للبخاري 3 / 218. (9) ذكر المصنف مسألة: تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة في الفصل الخامس من الباب الثاني عشر ص (282) من المطبوع. وذكر فيها ثلاثة مذاهب: الجواز للجمهور، المنع لجمهور المعتزلة، التفصيل لأبي الحسين البصري. وانظر: نفائس الأصول 6 / 2436. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 والجواب* عن (1) رأي أبي الحُسَين: أن ذلك القيد لم ينقل لوقوع الخلل في اليهود في زمن بُخْتُنَصَّر (2) فإنه أباد اليهود حتى لم يبق منهم من يصلح للتواتر (3) ، وبه يظهر (4) الجواب عن شرعنا نحن لسلامته (5) عن الآفات. وعن الثاني: أن (6) هذا النقل أيضاً (7) لا يصحُّ الاعتماد عليه لانقطاع عدد اليهود كما تقدَّم، ولأن لفظ " الأبد " منقول في التوراة وهو على خلاف ظاهره (8) . أمثلة من التوراة على أن لفظ " الأبد " لا يراد به الدوام (9) قال في العبد: يُسْتخدم ست سنين ثم يُعْتق في السابعة، فإن أبى العتق فَلْتُثْقَبْ (10) أذنه ويُستخدم أبداً (11) . مع تعذر الاستخدام أبداً، بل العمر، فأطلق الأبد على العمر فقط.   (1) في ق، ن: ((على)) ولست أعلم لها وجهاً. انظر هامش (10) ص (8) . (2) بُخْتُنَصَّر قيل هو: بُخْتُرشه وقيل: نَبُوخَذْنَصَّر، وبُوخت: ابن، ونَصَّر: صنم، وكان وُجد عند صنم ولم يُعْرف له أب، فقيل هو: ابن الصنم. كان في خدمة ملوكٍ من الفرس في زمن " زرادشت " مُدَّعِي النبوة ومشرع دين المجوس، حَكَمَ بابل (605 - 562) قبل الميلاد. سار إلى بيت المقدس " أورْشَلِيم " ودمَّرها وقتل بعض اليهود ونفى بعضهم الآخر، وهو ما يعرف عند اليهود بالأسر البابلي. انظر: تاريخ الأمم والملوك للطبري 1 / 534 - 565، الكامل لابن الأثير 1 / 175، المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء 1 / 42، لسان العرب مادة " نصر "، الموسوعة العربية الميسرة 2 / 1821. (3) ذكر المصنف فائدة في " نفائس الأصول " (6 / 2434) بأن مناظرة وقعت بينه وبين بعض اليهود. قال بعضهم: كيف تَدَّعون أن شرعنا غير متواتر بسبب بُخْتُنَصَّر، والمنقول عندنا أن جمعاً منهم نحو الأربعين سلموا منه، وخرجوا إلى بعض الأقطار، ومثلهم يمكن أن يحصل به عدد التواتر؟ . فردَّ عليهم القرافي: أولاً: بعدم التسليم بصحة هذا النقل. وثانياً: سلَّمْنا، لكن لا يلزم أن يكون هذا الجمع حافظين للتوراة فلعلهم لا يعلمون شيئاً. وإذا شككنا في حالهم شككنا في التواتر، ويكفي في عدم الوثوق بأصل الشرائع الشك في بعض شروط التواتر. وذكر المصنف في " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة " ص (108 - 109) بأن بُخْتُنَصَّر قتل اليهود وحرق التوراة، ثم بعد سنين متطاولة لفَّق لهم عَزْرَا هذه التوراة الموجودة الآن مِنْ فصولٍ جمعها، لا يُدرى هل أصاب أو أخطأ؟ ، وفيها مالا يليق بالنبوات، وأين القطع بخبر الواحد؟! (4) في ن: ((أظْهِر)) والمثبت أليق. (5) في ص، ن: ((بسلامته)) . (6) ساقطة من ن، س. (7) ساقطة من ن، ق. (8) قال الشوشاوي: ((إن لفظ " الأبد " ظاهر في عموم الأزمنة لا نَصٌّ ... )) رفع النقاب القسم 2 / 389. وسيأتي مثل هذا في كلام المصنف ص 80. (9) هذا أول الأمثلة من التوراة على أن لفظ الأبد لا يراد به الدوام بل يأتي على خلاف ظاهره. (10) في س، ن: ((فتثقب)) ، وفي ق: ((فليثقب)) . والمثبت من نسخة ص. (11) انظر: سفر الخروج، الإصحاح: 21 الفقرتان: 2، 6، سفر التثنية، الإصحاح: 15 الفقرتان: 15 - 17 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وثانيها: قال في البقرة التي أمِروا بذبْحها تكون لكم سُنَّةً أبداً (1) ، ومعلوم أن ذلك ينقطع بخراب العالم وقيام الساعة. وثالثها: أمِرُوا في قصة (2) دم الفِصْح (3) أن يذبحوا الحَمَل (4) ويأكلوا لحمه مُلَهْوَجاً (5) ولا يكسروا منه عَظْماً ويكون لهم (6) هذا الحَمَل (7) سُنَّةً أبداً، ثم زال التعبد بذلك أبداً (8) (9) .   (1) انظر: سفر اللاَّويين، الإصحاح: 17 الفقرات: 1 - 7. (2) في س: ((قضية)) ، وهي ساقطة من ق. (3) في ق: ((الفسخ)) وهو تحريف. والفِصْح: مثل الفِطْر وزناً ومعنى، وهو الذي يأكلون فيه اللحم بعد الصيام، وهو عيد عند اليهود والنصارى. أما النصارى فبمناسبة قيام المسيح عليه السلام من القبر بزعمهم، ويسمى عيد القيامة، وهو يوافق ما بين 22 مارس و 25 إبريل حسب التقويم الميلادي ويُسبق هذا اليوم بالصيام لمدة أربعين يوماً. أما عند اليهود فيوافق 15 من الشهر السابع حسب التقويم العبري، ويسمى بعيد الفطير، وفي مثل هذا اليوم خرج بنو إسرائيل من مصر هرباً من فرعون الذي أنجاهم الله منه. انظر: العهد القديم: سفر التثنية الإصحاح: 16 الفقرات: 1 - 8، سفر اللاويين، الإصحاح: 23 الفقرة: 5، العهد الجديد إنجيل مَتَّى الإصحاح: 26 الفقرة: 5، إنجيل لوقا الإصحاح: 22 الفقرات: 7 - 23، الأجوبة الفاخرة ص 192، المصباح المنير مادة ((فصح)) ، كلمات غريبة: منصور الخميس ص 101. (4) هكذا في نسخة و، وهو الصواب، خلافاً لجميع النسخ ففيها ((الجَمَل)) وهو خطأ؛ لأن الجمل من الحيوانات المحرَّمة على اليهود في شريعتهم جاء في سفر اللاَّويين، الإصحاح: 11 الفقرتان: 3 - 4 قوله: ((تأكلون كلَّ حيوانٍ مشقوقِ الظِّلْف ومُجْترٍّ. أما الحيوانات المجترَّة فقط أو المشقوقة الظلف فقط فلا تأكلوا منها، فالجَمَل غير طاهرٍ لكم؛ لأنه مجترٌّ ولكنه غير مشقوق الظلف)) . (5) في ق: ((مملوحاً)) وهي ليست في التوراة. والمُلَهْوَج: مفعول من لَهْوَج: بمعنى خَلَطَ، ولَهْوَج اللَّحْمَ: لم يُنْعِم شَيَّهُ. واللحم المُلَهْوَج: المَشْوي على النار من غير نُضْجٍ. قال الشاعر: خير الشِّوَاء الطيِّبُ المُلَهْوَجْ قد هَمَّ بالنُّضْج ولَمَّا يَنْضَجْ انظر: لسان العرب مادة " لَهَجَ ". (6) في ق: ((لكم)) وهي غير مناسبة؛ لأن السياق ليس فيه توجيه الخطاب لهم. (7) هكذا في نسخة و، وهو الصواب خلافاً لباقي النسخ. انظر هامش (4) من هذه الصفحة. (8) كلمة ((أبداً)) ساقطة من ق. (9) انظر: سفر الخروج، الإصحاح: 12 الفقرات: 1 - 17. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وقال في السِّفْر الثاني (1) : قَرِّبُوا إليَّ كل يوم خروفين، خروفاً غَدْوةً وخروفاً عَشِيَّةً قُرْباناً دائماً لأحْقَابكم (2) . ثم مذهبهم منقوضٌ بصور، إحداها (3) : أن في التوراة أن السارق إذا سرق في المرَّة الرابعة تُثْقَب أذنه ويباع، وقد اتفقوا (4) على نسخ ذلك (5) . وثانيها: اتفق اليهود والنصارى على أن الله تعالى فَدَىَ ولد إبراهيم من الذبح، وهو نص التوراة (6) ، وهو أشد أنواع النسخ؛ لأنه قبل الفعل الذي منعه المعتزلة (7) ، وإذا جاز في الأشدِّ جاز في غيره بطريق الأولى. وثالثها: في التوراة أن الجمع بين الحُرَّة* والأمَة في النكاح كان جائزاً في شرع إبراهيم عليه السلام لجمعه عليه السلام بين سارة (8) الحُرَّة   (1) السفر الثاني هو سفر الخروج؛ لأن السفر الأول هو سفر التكوين. انظر: سفر الخروج، الإصحاح: 29 الفقرات: 38 - 42. (2) وهم لا يفعلون ذلك لكونه منسوخاً. والأحْقَاب: جمع حُقُب وحُقْب وهو الدهر. والحُقُب: ثمانون سنة، وقيل أكثر من ذلك. قال الراغب: والصحيح أن الحِقْبة مدة مبهمة. انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، القاموس المحيط كلاهما مادة " حقب ". (3) هكذا في ق. وفي جميع النسخ بالتذكير ((أحدها)) ، والصواب ما في نسخة ق: ((إحداهما)) بالتأنيث موافقةً للمعدود وهو: ((صور)) ومفرده: صُورة. وهكذا يقال في بقية الأعداد الآتية، ففي كلِّ النسخ كُتبت: ثانيها، ثالثها، رابعها، خامسها. والصواب: ثانيتها، ثالثتها ... خامستها. بالتأنيث فإن العدد إذا كان اسم فاعل وجب فيه أبداً أن يُذكَّر مع المذكر ويُؤَنَّث مع المؤنَّث. انظر هذه القاعدة في: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام 4 / 243، 248. (4) في ن: ((اتفقنا)) والمثبت أوجه؛ لتستقيم الدعوى عليهم. (5) انظر: سفر الخروج، الإصحاح: 22 الفقرات: 1 - 4، وانظر: نفائس الأصول 6 / 2430. (6) انظر: سفر التكوين، الإصحاح: 22 الفقرات: 1 - 14، وانظر: الأجوبة الفاخرة ص 91، نفائس الأصول 6/2430. والذبيح - عند اليهود والنصارى كما هو عند بعض المسلمين - هو إسحاق عليه السلام، والصحيح أنه إسماعيل عليه السلام وقد سبق تفصيل الكلام في ذلك في حاشية رقم (1) ص 49. (7) مسألة: النسخ قبل التمكن من الفعل وخلاف المذاهب فيها بحثها المصنف في ص 64. (8) سارة: هي زوجة إبراهيم عليه السلام، وابنة عَمِّه: هاران الأكبر، وقيل: كانت ابنة ملك حرَّان، وكانت من أحسن النساء وجهاً، وكانت مُنِعَت الولد حتى أسنَّتْ، فوهبها الله إسحاق عليه السلام، ولها قصة - في البخاري برقم (3358) - مع فرعون مصر آنذاك. توفيت بالشام ولها 124 سنة. وسارة: اسم سامي، ومعناه: السيدة أو الأميرة. انظر: الكامل في التاريخ 1 / 88، فتح الباري لابن حجر 6 / 481. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وهاجر (1) الأمَة وحرمته التوراة (2) . ورابعها: أن التوراة قال الله تعالى فيها لموسىعليه السلام: اخْرُجْ أنت وشعبك (3) لِتَرثوا الأرض المُقَدَّسة (4) التي وَعَدْتُ بها أباكم إبراهيم أن أورثها نَسْلَه. فلما ساروا إلى التِّيْهِ (5) قال الله تعالى: لا تدخلوها؛ لأنكم عصيتموني (6) . وهو عين النسخ. وخامسها: تحريم السبت، فإنه لم يزل (7) العمل (8) مباحاً إلى زمن موسىعليه السلام وهو عين النسخ (9) .   (1) هاجر: وقيل بالهمز: آجر، وهو اسم سرياني، معناه: المهاجرة. يقال: إن أباها كان من ملوك القبط، وهبها فرعون مصر آنذاك لسارة لتخدمها، فوهبتها لإبراهيم عليه السلام لعل الله يرزقه منها الولد، فولدت له إسماعيل عليه السلام، فحزنت سارة حزناً شديداً فوهبها الله تعالى إسحاق عليه السلام. وقعت الغيرة في قلب سارة وقالت في هاجر: لا تساكِنُنِي في بلد. فأوحى الله إلى إبراهيم أن يأتي مكة، وليس بها يومئذ زَرْعٌ ولا ضَرْعٌ. والقصة في البخاري برقم (3364) . انظر: الكامل في التاريخ 1 / 88، فتح الباري لابن حجر 6 / 485. (2) انظر: سفر التكوين، الإصحاح: 16 الفقرة: 3، الأجوبة الفاخرة ص 91، نفائس الأصول 6 / 2430. (3) في ق: ((شيعتك)) . (4) اختلف المفسرون في تحديد الأرض المقدسة، فقيل: هي بيت المَقْدِس، وقيل: أريْحا، وقيل: الطُّوْر، وقيل: إيليا، وقيل: الشام، وقيل: فلسطين ودمشق وبعض الأردن. واختار الطبري عدم القطع بتحديدها غير أنها لا تخرج عن أن تكون من الأرض التي بين الفرات وعريش مصر. وصحح ابن كثير القول بأنها: بيت المقدس، وكذا الشيخ السعدي. انظر: جامع البيان للطبري مجلد: 4 / جزء: 6 / 234، تفسير البحر المحيط لأبي حيان 3 / 469، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1 / 139، 3 / 69، تيسير الكريم المنان للسعدي 1 / 473. (5) التِّيْه: هي الأرض التي تاهوا فيها وهي بين مصر والشام، اخْتُلِف في طولها وعرضها، فقيل طولها: ثلاثون ميلاً، وقيل: ثلاثون فَرْسخاً، وقيل: اثنا عشر فَرْسخاً. أما عرضها: فقيل: ستة فراسخ، وقيل: تسعة فراسخ. انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان 3 / 473، والفرسخ: 5.04 كيلو متراتٍ، والميل: 1.68 كيلو متراً. انظر: المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها لمحمد نجم الدين الكردي ص 310. (6) وردت هذه القصة في سورة المائدة، الآيات (20 - 26) . وانظر: سفر الخروج، الإصحاح: 6 الفقرات: 6 - 8، سفر العدد، الإصحاح: 14 الفقرات: 22 - 23، نفائس الأصول 6/2431. (7) في ن: ((يدل)) وهو تحريف، لا معنى لها. (8) ساقطة من س. (9) انظر: سفر الخروج، الإصحاح: 20 الفقرة: 10، والإصحاح: 31 الفقرات: 12 - 17، الأجوبة الفاخرة ص 91 نفائس الأصول 6 / 2431. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وقد ذَكَرْتُ [صوراً كثيرةً] (1) غير هذه في: " شرح المحصول " (2) ، وفي كتاب: " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة " (3) في الرد على اليهود والنصارى. وأما من أنكر النسخ من المسلمين فهو مُعْترفٌ بنسخ تحريم الشحوم (4) ، وتحريم السبت (5) وغير ذلك من الأحكام، غير أنه يفسر النسخ في هذه الصور (6) بالغاية، وأنها انتهت بانتهاء غايتها (7) ، فلا خلاف في المعنى (8) .   (1) ساقط من ن. (2) انظرها في: نفائس الأصول في شرح المحصول 6 / 2430 - 2432. وقد تقدم التعريف به في القسم الدراسي. (3) انظرها فيه ص 90 - 92. وقد تقدَّم التعريف به في القسم الدراسي. (4) لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] . وانظر أيضاً: سفر اللاويين، الإصحاح: 7 الفقرات: 22 - 25. (5) لقوله تعالى: {وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 154] ، وانظر أيضاً: سفر الخروج، الإصحاح: 20 الفقرة: 10. (6) في ق: ((الصورة)) وهي في الحقيقة عدة صور كما مرَّ. (7) في ن: ((نهايتها)) . (8) هذا هو وجه التأويل الذي ذكره المصنف في المتن ص (50) في قوله: ((وبعض المسلمين مؤولاً لما وقع من ذلك بالتخصيص)) أي التخصيص بالغاية. قال ابن السبكي في " رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب " (4 / 47) : ((وأنا أقول: الإنصاف أن الخلاف بين أبي مسلم والجماعة لفظي، وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان مغياً في علم الله تعالى كما هو مغياً باللفظ، ويسمى الجميع تخصيصاً، ولا فرق عنده بين أن يقول: وأتموا الصيام إلى الليل، وأن يقول: صوموا، مطلقاً، وعلمه محيط بأنه سينزل: لا تصوموا وقت الليل. والجماعة يجعلون الأول تخصيصاً والثاني نسخاً ... )) فالنسخ تخصيص في الأزمان كتخصيص الأشخاص. وانظر: شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 89. قال الشيخ الزُّرْقاني: ((إن أبا مسلم على فرض أن خلافه مع الجمهور لفظي لا يعدو حدود التسمية، نأخذ عليه أنه أساء الأدب مع الله في تحمسه لرأيٍ قائمٍ على تحاشي لفظٍ اختاره جَلَّتْ حكمته ودافع عن معناه بمثل قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] . وهل بعد اختيار الله اختيار؟! وهل بعد تعبير القرآن تعبير؟!)) . مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2 / 162. ثم إن هناك فروقاً كبيرة بين النسخ والتخصيص. والذي يظهر لي أن الخلاف مع أبي مسلم خلاف معنوي لمخالفته نصَّ الكتاب وإجماعَ الأمة، يدل على ذلك تعسفه الشديد في تأويل الآيات الدالة على وقوع النسخ كما تعسَّف في تأويل الآيات الناسخة والمنسوخة بما لا يقبله العقل ولا يتفق مع النقل. وما اعتذار العلماء له وأنه يُسمِّي النسخ تخصيصاً إلا خشية الإثم من مخالفة الإجماع، إذ كيف لمسلمٍ - فضلاً عن عالمٍ - أن يجحد وقوعه في القرآن مع قيام الحجج القاطعة على وقوعه؟! فلا مانع من تخطئته مع كونه متأولاً باجتهاده. انظر: حاشية رقم (5) للدكتور: سليمان اللاحم محقِّق كتاب: الناسخ والمنسوخ للنحاس 1 / 400. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وقوع النسخ في القرآن ص: ويجوز عندنا وعند الكافة نسخ القرآن (1) خلافاً لأبي مُسْلِمٍ الأصفهاني (2) ؛   (1) أي وقوع النسخ في بعض آياته. (2) هو: محمد بن بَحْر الأصفهاني، من كبار المعتزلة، كان نحوياً كاتباً بليغاً كان يتصرف للسلطان بأصبهان ثم تاب عن ذلك، له كتاب في التفسير سماه: جامع التأويل لمحكم التنزيل، وله: الناسخ والمنسوخ، وكتاب في النحو، توفي عام 322 هـ. انظر: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للبلخي والقاضي عبد الجبار ص 299، 323، معجم الأدباء لياقوت الحموي 18/ 35، بغية الوعاة للسيوطي 1/59. * تحرير القول في مذهب أبي مسلم الأصفهاني: اتفق العلماء على أنه يجيز النسخ عقلاً، ثم اختلفوا في مذهبه في جواز النسخ سمعاً على أقوالٍ ثلاثة: الأول: ينكره سمعاً مطلقاً، وهو ظاهر نقل ابن عقيل عنه في: الواضح في أصول الفقه 4 / 197، والآمدي في: الإحكام 3 / 115، وابن الحاجب في: منتهى السول والأمل ص 154. الثاني: ينكر وقوعه في الشريعة الواحدة. ذكره الجصاص في: أحكام القرآن 1 / 71، والرازي في: التفسير الكبير 20 / 93. الثالث: ينكر وقوعه في القرآن فقط.. ذكره أكثر العلماء، ومنهم: النحَّاس في: الناسخ والمنسوخ 1 / 400، وانظر فواتح الرحموت 2 / 168. أما النقل الأول: فإنه لا يصح عنه؛ لأنه لا يعقل. قال الشوكاني: ((فإنه إن اعترف بأن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع؛ فهذا بمجرده يوجب عليه الرجوع عن قوله، وإن كان لا يعلم ذلك فهو جاهل بما هو من الضروريات الدينية، وإن كان مخالفاً لكونها ناسخة للشرائع، فهو خلاف كفري لا يلتفت إلى قائله. نعم، إذا قال: إن الشرائع المتقدمة مُغيَّاةٌ بغايةٍ هي البعثة المحمدية، وأن ذلك ليس بنسخ، فذلك أخف من إنكار كونه نسخاً غير مقيد بهذا القيد)) إرشاد الفحول 2 / 76. وأما النقل الثاني: فإنه مستبعدٌ أيضاً؛ لأنه ما من أحدٍ إلا ويعلم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام وأن نكاح المتعة حُرم أبداً بعد الإباحة. وأما النقل الثالث: فهو الأظهر في نسبته إليه. انظر: النسخ بين الإثبات والنفي د. محمد فرغلي ص 87 - 98. يلاحظ بأن المصنف ذكر في أول الفصل الثاني في حكم النسخ: أن بعض المسلمين أنكره مؤولاً لما وقع بالتخصيص. وهنا ذكر بأن أبا مسلم ينكر النسخ في القرآن. فصنيع المصنف أولاً يُشعر بأن أبا مسلم ينكر وقوع النسخ مطلقاً؛ لأنه لا يُعلم أحدٌ من المسلمين ينكر النسخ غير أبي مسلم، ثم صرَّح هنا بأن أبا مسلم ينكر النسخ في القرآن. ثم لست أدري! لماذا تكلم المصنف عن مسألة نسخ القرآن هنا مع أن مكانها الصحيح في الفصل الثالث: " في الناسخ والمنسوخ " بدليل أنه أعاد ذكرها هناك؟ إلا أن يكون قد تابع الرازي عليها كما في المحصول 3 / 307. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 لأنَّ الله تعالى نسخ وجوب (1) وقوف الواحد للعشرة في الجهاد بثبوته للاثنَيْن، وهما في القرآن (2) . الشرح وثانيها: أن الله تعالى أوجب على المُتَوَفَّى عنها زوجُها الاعْتِدادَ (3) حَوْلاً بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (4) ثم نُسِخ بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (5) .   (1) ساقطة من ق، متن هـ. (2) هذا الدليل الأول من أدلة وقوع النسخ عند الجمهور، فالآية المنسوخة هي قوله تعالى: { ... إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ..} [الأنفال: 65] . والآية الناسخة هي قوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] وقد سبق الكلام عن الخلاف في وقوع النسخ فيها في هامش (6) ص 51. (3) الاعتداد لغة: مصدر اعتدَّ، واعتدَّت المرأة عِدَّتها من العدد والحساب. وعِدة المرأة: هي الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج. انظر: المصباح المنير، مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني كلاهما مادة " عدد ". والعِدَّة اصطلاحاً: مدة منع النكاح لفَسْخِه أو موتِ زَوْجٍ أو طلاقِهِ. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصَّاع 1 / 305. (4) البقرة، من الآية: 240. (5) البقرة، من الآية: 234 وأولها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} . ويشار هنا إلى وقوع خلافٍ في نسخ عِدَّة المتوفَّى عنها زوجُها: فقد نقل القرطبي عن القاضي عياض بأن الإجماع منعقد على أن الحول منسوخ، وأن عدتها أربعة أشهر وعشر، ورُوي فيه خلاف عن مجاهد، قال القرطبي: ثم روى ابن جريج عن مجاهد مثل ما عليه الناس، فانعقد الإجماع وارتفع الخلاف. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3 / 226، وانظر: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم لابن العربي 2 / 31 - 32. وقيل: إن هذا ليس بنسخ، وإنما هو نقصان من الحول فلم يُنسخ الحولُ كله. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 153، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 213، وقد أطال الحديث عن هذه الآية أبو جعفر النحاس في كتابه: الناسخ والمنسوخ 2 / 70. والراجح هو القول بالنسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول)) البخاري (5336) مسلم (1488) . انظر أدلة كل فريق ومناقشتها في كتاب: الآيات المنسوخة د. عبد الله الشنقيطي ص 115. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 ونسخ وجوب (1) التصدق [قبل النجوى] (2) الثابت (3) بقوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (4) . احتجَّ أبو مُسْلمٍ رحمه الله: بأن الله تعالى وصف كتابه بأنه (5) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (6) ، فلو نُسِخ لبَطَل. وجوابه (7) : أن معناه لم يتقدمه (8) من (9) الكتب ما يبطله، [ولا يأتي] (10) بعده ما يبطله ويبين أنه ليس بحق، والمنسوخ والناسخ حق، فليس هو (11) من هذا الباب.   (1) ساقطة من ق. (2) ساقط من س، ن. (3) ساقطة من ق. (4) المجادلة، من الآية: 12 وأولها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} ، وهي الآية المنسوخة. أمَّا الآية الناسخة فهي قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه} المجادلة، آية (13) . حكى ابن جزي المالكي في تفسيره الاتفاق على نسخ آية المجادلة. انظر كتابه: التسهيل لعلوم التنزيل 4 / 105، وانظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 3/ 53، قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن لمرعي الكرمي ص 202، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17 / 301. (5) ساقطة من ن. (6) في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41 - 42] . (7) انظر حجة أبي مسلم ودحضها في: المحصول للرازي 3 / 311، الإحكام للآمدي 3 / 120، 124، الإبهاج للسبكي وابنه 2 / 233، وانظر: التفسير الكبير للرازي 27 / 114، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15 / 367. (8) في ن: ((يتقدَّم)) . (9) في ق: ((في)) . (10) في ق: ((ولم يأت)) والمثبت أولى؛ لأنه تعبير القرآن. (11) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 فائدة: أبو مُسْلِمٍ كنيته، واسمه عمرو (1) بن يحيى (2) قاله أبو إسحاق (3) في " اللمع " (4) . حكم نسخ الشيء قبل وقوعه ص: ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه (5) عندنا خلافاً لأكثر الشافعية والحنفية   (1) في جميع النسخ ((عمر)) ما خلا النسختين ش، م ففيهما ((عمرو)) وهو الصواب؛ لأنه هو المُثْبَت في: " شرح اللمع " للشيرازي 1 / 482، و " التبصرة " له أيضاً ص 251. (2) اختلف الأصوليون في اسمه فقيل: محمد بن يحيى، وقيل: عمرو بن يحيى، وقيل: الجاحظ، وقيل غير ذلك، وقد ذكر شيئاً من هذا الاختلاف المصنف في نفائس الأصول (6 / 2429، 2442) . والذي ذكَرَتْهُ كُتُب التراجم أنه: محمد بن بَحْر. راجع ترجمته في هامش (2) ص (61) . وأما كنيته بأبي مسلم فانظرها في: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 299، لسان الميزان لابن حجر 7 / 105. (3) هو: جمال الدين إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي، الشهير بأبي إسحاق الشيرازي، وُلد بفيروز آباد بلدة قريبة من شيراز بفارس، فقيه شافعي أصولي مؤرخ، كان مضرب المثل في الفصاحة والمناظرة مع التقوى والورع. كتبه في الفقه مشهورة منها: التنبيه (ط) ، المهذب (ط) وله في الأصول: التبصرة (ط) ، اللمع (ط) ، شرح اللمع (ط) ، وله في الجدل: الملخص في الجدل (رسالة ماجستير في أم القرى 1408 هـ) ، والمعونة في الجدل (ط) ، وله: طبقات الفقهاء (ط) توفي عام 476 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4 / 215، سير أعلام النبلاء 18 / 452. (4) لم يذكر أبو إسحاق اسم أبي مسلم في " اللمع " وإنما ذكره في: شرح اللمع 1 / 482، والتبصرة ص 251. واللمع: كتاب مختصر في أصول الفقه الشافعي، وهو كتاب متين رصين، له شروحات منها: شرح اللمع للمصنف نفسه، طُبع " اللمع " ومعه تخريج الأحاديث لعبد الله الصديقي الغماري وتعليق يوسف المرعشلي طبعة عالم الكتب. كما طبع بمفرده بتحقيق: محيي الدين مِسْتو، يوسف بديوي، طبعة: دار الكلم الطيب ودار ابن كثير. وشرح اللمع مطبوع بتحقيقين، الأول: تحقيق د. علي العميريني (لم يكتمل) ، والثاني: تحقيق د. عبد المجيد تركي. (5) اختلفت عبارات الأصوليين في ترجمة هذه المسألة بغية الوصول إلى عبارة جامعة تضم جميع صور المسألة وأقسامها. والمصنف هنا عبر بتعبير عام فقال: ((ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه)) . وهذا التعبير أعمّ من كونه لم يحضر وقته، أو حضر ولم يُفعل منه شيء، أو فُعل بعضه ... وهذه الصور مندرجة في كلامه. تحرير محل النزاع: انعقد الإجماع على جواز نسخ الشيء بعد فعل المكلف له، واتفق العلماء على جواز نسخ الشيء بعد مضي فترة كافية للفعل ولو لم يقع أداؤه في الخارج، خلافاً للكرخي الذي يشترط وقوع الفعل حقيقة قبل أن ينسخ. ومحل الخلاف: نسخ الشيء قبل التمكن من فعله وقبل مضي فترة تكفي لأدائه. انظر: نهاية الوصول للهندي 6 / 2272، الإبهاج 2 / 234، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 191. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 والمعتزلة (1) كنسخ ذبْح إسحاقعليه السلام قبل وقوعه (2) . الشرح المسائل في هذا المعنى أربع (3) : إحداهن: أن يوقت الفعل بزمان مستقبل، فينسخ قبل حضوره (4) . وثانيها (5) : أن يؤمر به على الفور، فينسخ قبل الشروع فيه (6) . وثالثها: أن يشرع فيه، فينسخ قبل كماله (7) . ورابعها: أن يكون الفعل يتكرر فيُفْعل مراراً، ثم يُنْسخ (8) .   (1) عزو المصنف القول بالمنع لأكثر الشافعية والحنفية غير مُحَرَّر. والصواب في الأقوال، أن المجيزين هم: جمهور الحنفية، والمالكية عن بكرة أبيهم كما قاله ابن العربي، وجماهير الشافعية، وأكثر الحنابلة، وعامة أصحاب الحديث، وأكثر الفقهاء، والظاهرية. وأما المانعون فهم: المعتزلة وبعض الحنفية كالكرخي والجصاص والماتريدي والدبوسي، وبعض الشافعية منهم الصيرفي، وبعض الحنابلة منهم التميمي ونُقل عنه الجواز. انظر: المعتمد 1 / 375، الإحكام لابن حزم 1 / 512، إحكام الفصول ص 404، المحصول لابن العربي ص 591، المسودة ص 207، كشف الأسرار للبخاري 3 / 323، الإبهاج 2 / 234، تيسير التحرير 3 / 187. (2) سبق في حاشية (1) ص (49) أن الصواب في الذبيح هو إسماعيل عليه السلام. وقصة الذبيح تجدها في سورة الصافات 101 - 107. قال حلولو: ((وقد طاشت عقول المعتزلة بالآية، وتخبطوا فيها تخبطاً عسر عليهم الخروج، حتى أفضى الحال ببعضهم في ذلك والعياذ بالله إلى الكفر كما ذكره إمام الحرمين في الإرشاد عن بعضهم، أعاذنا الله من الزيغ والزلل)) التوضيح شرح التنقيح ص 260. انظر المناقشات التي أثيرت حول الاستدلال بقصة الذبيح في: إحكام الفصول ص 405، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 256، الوصول لابن البرهان 2/ 39، الإحكام للآمدي 3 / 126، فواتح الرحموت 2 / 78. (3) راجع هذه الصور في: نفائس الأصول 6 / 2448، البحر المحيط للزركشي 5 / 220 - 233 وقد عد ستة أقسام، والآيات البينات على شرح جمع الجوامع للعبادي 3 / 182. (4) مثالها: كأن يقول الشارع في رمضان: حُجُّوا هذه السَّنَة. ثم يقول قبل يوم عرفة: لا تحجُّوا. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 126. (5) هكذا في جميع النسخ. وفي النفائس (6 / 2448) : ((وثانيتهن)) وهكذا في ((ثالثتهن)) و ((رابعتهن)) وهو الصواب خلافاً لما هنا؛ لأن المعدود مؤنث. ويجوز أن يقول: إحداها، ثانيتها، ثالثتها.. إلخ. أما التذكير فلا يجوز. انظر حاشية (3) ص (58) . (6) مثالها: كأن يقول الشارع: اذبحْ ولدك. فيبادر إلى إحضار أسبابه، فيقول قبل ذبحه: لا تذبحْه. انظر: المستصفى 1 / 215. (7) مثالها: كأن يقول الشارع: صُمْ غداً، ثم ينسخه بعد شروعه في الصوم وقبل إتمامه. انظر: تيسير التحرير 3 / 187. (8) وهو أكثر حالات النسخ، كأن يقول الشارع: صَلِّ الصبح كل يوم، ثم ينسخه بعد يومين مثلاً، وسيُمثِّل له المصنف - بعد قليل - بنسخ القبلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فأما الثلاثة الأول (1) فهي في الفعل الواحد غير المتكرر. وأما الرابعة: فوافقنا عليها المعتزلة لحصول مصلحة الفعل بتلك (2) المرَّات (3) الواقعة قبل النسخ، ومنه نسخ القبلة (4) وغيرها، ومنعوا قبل الوقت وقبل الشروع لعدم حصول المصلحة [من الفعل] (5) ، وترك (6) المصلحة عندهم ممتنع على قاعدة الحسن والقبح (7) . [والنقل في هاتين المسألتين في هذا الموضع قد نقله الأصوليون] (8) . وأما بعد الشروع وقبل الكمال فلم أرَ فيه نَقْلاً (9) ، ومقتضى مذهبنا جواز النسخ في الجميع. ومقتضى مذهب المعتزلة التفصيل لا المنع مطلقاً ولا الجواز مطلقاً (10) ، فإن الفعل الواحد قد [لا تَحْصُل مصلحته] (11) إلا باستيفاء أجزائه، كذبح الحيوان، وإنقاذ   (1) في س: ((الأولى)) . (2) في س: ((تلك)) بدون الباء. (3) في ن: ((المدة)) . (4) كانت القبلة الأولى لبيت المقدس، ثم نُسِخت إلى البيت الحرام في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... } [البقرة: 144] ، وسيأتي كلام عنها في الفصل الثالث: في الناسخ والمنسوخ ص 87. (5) في ن: ((للفعل)) . (6) في ن: ((تلك)) وهو تحريف يقلب المعنى. (7) انظر حجتهم في: المعتمد 1 / 376، ويُردُّ عليهم بحصول المصلحة، كتوطين النفس على الفعل، والعزم على الامتثال، فإنه يثاب على ذلك كله. انظر الرد على حجج المعتزلة في: الإحكام لابن حزم 1 / 512، شرح اللمع للشيرازي 1 / 487، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 362، المحصول لابن العربي ص 590، كشف الأسرار للنسفي 2 / 145. (8) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وقد نقل الأصوليون هاتين المسألتين)) . (9) تعقب الزركشي المصنف وحكى تصريح أبي إسحاق المروزي (ت 340 هـ) بجواز النسخ في هذه المسألة. انظر: البحر المحيط للزركشي 5 / 232. (10) حكى الزركشي قول العَبْدَري في شرح المستصفى: أن النسخ في هذه المسألة متفق على جوازه عند الأشعرية والمعتزلة، ثم قال: ((وفي هذا رَدٌّ على القرافي وغيره حيث أجروا خلاف المعتزلة هنا)) البحر المحيط للزركشي 5 / 229. وفي كتاب: المعتمد (1 / 379) إشارة إلى عدم امتناعهم من النسخ في هذه الحالة في تأويله لمثال الذبيح. وانظر كذلك موضعاً آخر منه (1 / 381) . (11) في ق: ((لا يُحصِّل مصلحةً)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الغريق، فإن مجرد قطع الجلد لا يُحصِّل مقصود الذكاة من إخراج الفضلات، وزهوق الروح على وجه السهولة، وإيصال (1) الغريق إلى قُرْب البَرِّ وتركه هناك لا يُحصِّل مقصود الحياة (2) ، وقد تكون المصلحة متوزِّعةً على أجزائه كسَقْي العَطْشان وإطعام الجَوْعان وكِسْوة العُرْيان، فإن كل جزءٍ من ذلك يُحصِّل جزءاً من المصلحة في الرَّي والشِّبَع والكِسْوة، ففي (3) القسم الأول مقتضى (4) مذهبهم المنع؛ لعدم حصول المصلحة. وفي الثاني الجواز؛ لحصول (5) بعض المصلحة المخرجة للأمر الأول عن العبث، كما انعقد الإجماع على حسن النهي عن القطرة الواحدة من الخمر، مع أن الإسكار لا يَحْصل إلا بعد قطرات، لكنه لا يتعين له بعضُها دون بعضٍ بل يتوزَّع عليها، فكذلك هاهنا (6) ، تتنزل (7) الأجزاء (8) منزلة الجزئيات (9) ، كذلك يكتفى ببعض الأجزاء. غير أن هاهنا فَرْقاً أمكن ملاحظته، وهو أن المصلحة في الجزئيات الماضية في صورة المنقول عنهم مصالحُ تامةٌ أمكن أن يقصدها (10) العقلاء قصداً كلياً دائماً، بخلاف جزء المصلحة   (1) في ق: ((إخراج)) . (2) في ن: ((الجناية)) وهو تحريف. (3) في ن: ((وفي)) . (4) ساقطة من ن. (5) في ن: ((كحصول)) وهو تحريف. (6) في ق: ((هذا)) . (7) في س: ((وتنزل)) ، وفي ق: ((يتنزل)) . (8) الأجزاء جمع جزء وهو: ما يتركب الشيء منه ومن غيره. مثاله: كالسقف بالنسبة للبيت، فهو جزء منه. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 28، التعريفات للجرجاني ص 107، شرح السلم المنورق للملوي ص 80. (9) الجزئيات جمع جزئي وهو: ما يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه. مثاله: زيد، وضع للذات المخصوصة. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 27، 28، التعريفات للجرجاني ص 107، شرح السلم المنورق للملوي ص 64. (10) في ق: ((تقصدها)) وهو صحيح أيضاً، لأن الفاعل إذا كان جمعاً جاز إلحاق تاء التأنيث بالفعل وجاء ترك الإلحاق، فمن أنث فعلى معنى: الجماعة ومن ذكر فعلى معنى: الجمع. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 169 - 170. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 في نقطة الماء ونحوها، فإن القصد إليها نادر، ومع هذا الفرق أمكن أن يقولوا بالمنع مطلقاً في هذا القسم من غير تفصيل (1) . احتج الشيخ سيف الدين الآمدي (2) في هذه المسألة بنسخ الخمسين صلاةً ليلة الإسراء حتى* بقيت خمساً (3) . ويردُ عليه: أنها خبر واحد فلا تفيد القطع، والمسألة قطعية (4) . ولأنه نسخ قبل الإنزال (5) ، [وقبل الإنزال] (6) لا يتقرَّر (7) علينا (8) حكم (9) ، فليس من صورة النزاع. حكم النسخ لا إلى بدل ص: والنسخ لا إلى بدل (10) خلافاً   (1) انظر مزيداً من توضيح مذهب المعتزلة كما استخرجه المصنف من مقتضى قاعدتهم في التحسين والتقبيح في: رفع النقاب القسم 2 / 396. (2) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 130، ذكِر هذا الاحتجاج أيضاً في: التمهيد لأبي الخطاب 2 / 360، تيسير التحرير 3 / 187. (3) حديث الإسراء والمعراج وفرض الصلوات عليه صلى الله عليه وسلم من رواية البخاري (349) ومسلم (259) ، (263) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. (4) أما كون الخبر آحاداً فقد قال علاء الدين البخاري: ((الحديث ثابت مشهور، قد تلقته الأمة بالقبول، وهو في معنى التواتر، فلا وجه إلى إنكاره)) . كشف الأسرار للبخاري 3 / 326. وعدَّه السيوطي والكتاني من الأحاديث المتواترة. انظر: قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي ص 263، نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 219، 220. ثم إن المسألة ظنية اجتهادية والتمسك في الظنيات بخبر الواحد جائزٌ وفاقاً. انظر: نهاية الوصول للهندي 6 / 2283. (5) فيه نظر، بل بعد الإنزال، لأنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم في السماء، ولا عبرة في الإنزال إلى الأرض. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 399. (6) في ق: ((وحينئذٍ)) . (7) في ن: ((يتعذر)) وهو تحريف. (8) في ق: ((عليها)) وربما كان عود الضمير على: المسألة. (9) لا يشترط في بلوغ الأمر أن يعمَّ جميع المكلفين، بل يكفي علم بعضهم. وقد علمه سيد الأمة وإمام المكلفين صلى الله عليه وسلم. انظر: شرح الكوكب المنير 3 / 531، والتقرير والتحبير 3 / 49. (10) البَدَل لغة: هو قيام الشيء مقام الشيء الذاهب. ويقولون: بدَّلْتَ الشيءَ؛ إذا غَيَّرْتَه وإن لم تأت له ببدل. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس مادة " بدل ". وفي الاصطلاح له معنيان، أحدهما عام، والآخر خاص. أما العام فهو: رَدُّ الحكمِ إلى ما قبل شرع الحكم المنسوخ ولو كان الإباحة الأصلية. مثاله: نسخ وجوب تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإباحة أو الاستحباب. والمعنى الخاص هو: قَصْر البدل على شرع حكمٍ جديدٍ ليحُلَّ محل الحكم المنسوخ. مثاله: نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان. ولكون البدل يرد على المعنيين السابقين وقع النزاع بين العلماء في اشتراط البدل أو عدمه في النسخ. انظر: شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 193، تيسير التحرير 3 / 197، النسخ في دراسات الأصوليين د. نادية العمري ص 257. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 لقوم (1) كنسخ الصدقة في قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (2) لغير بدل. الشرح قيل: إن ذلك زال لزوال سببه وهو التمييز بين المؤمنين والمنافقين، وقد ذهب   (1) المجوزون للنسخ لا إلى بدل: هم أكثر العلماء وجماهير الأصوليين. والمانعون من النسخ إلى غير بدل هم قومٌ من أهل الظاهر والمعتزلة. أما ابن حزم فإنه يرى جواز نسخ الشيء بإسقاطه جملة، انظر: الإحكام (2 / 805) . وأمَّا أبو الحسين البصري في المعتمد (1 / 384) فمذهبه مع المجوِّزين، ونقل المنع عن بعض الناس دون تسميتهم. وذكر اللاَّمشي في كتابه أصول الفقه ص (174) أنه مذهب بعض أصحاب الحديث. واشتراط البدل ظاهر قول الشافعي حيث قال: ((وليس يُنسخ فَرْضٌ أبداً إلا أثبت مكانه فرضٌ، كما نُسخت قبلهُ بيت المقدس فأثْبِت مكانها الكعبة، وكلُّ منسوخٍ في كتابٍ وسنةٍ هكذا)) الرسالة ص (109) . ومن العلماء من أوَّلَ كلام الشافعي بحمله على غير ظاهره ليتوافق مع قول الجمهور. انظر: العدة لأبي يعلى 3 / 783، البرهان للجويني 2 / 856، الإبهاج 2 / 238، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 498، البحر المحيط للزركشي 5 / 237، التوضيح لحلولو ص 260. * حقيقة الخلاف في المسألة: المسألة لا نزاع فيها في واقع الأمر، لأن المشترطين للبدل فهموا البدل بالمعنى العام والجمهور لا يخالفونهم في اشتراطه. وأما الجمهور - غير الشارطين - فقد فهموا البدل بالمعنى الخاص، والخصم لا يخالفهم في عدم اشتراطه، ثم قد يقع النزاع في المثال تبعاً للاختلاف في معنى البدل. والله أعلم. انظر: الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع ص 455 (رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية تحقيق: سعيد المجيدي) ، التقرير والتحبير 3 / 57، شرح الكوكب المنير 3 / 548، نشر البنود 1 / 286. (2) المجادلة، من الآية: 12، وصدرها قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} وهي الآية المنسوخة. والآية التي نسختها هي قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... } [المجادلة: 13] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 المنافقون* فاستغني عن الفرق (1) . جوابه: روي أنه لم يتصدَّق إلا عليٌّ رضي الله عنه فقط (2) مع بقاء السبب بعد صدقته، ثم نسخ حينئذٍ. احتجوا بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا} (3) فنصَّ تعالى على أنه لابد من البدل بأحسن أو مِثْلٍ (4) . جوابه: أنَّ هذه صيغة شرطٍ، وليس من شَرْط الشَّرْط أن يكون ممكناً فقد يكون متعذراً (5) كقولك (6) : إن كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان، وهذا الشرط محال   (1) معنى هذا الاعتراض: أن زوال التصدق ليس من باب النسخ بل من باب رفع الحكم لزوال سببه. انظر هذا الاعتراض في: المحصول للرازي 3 / 308، الإبهاج 2 / 231، نهاية السول للإسنوي 2 / 561. * ما روي في سبب نزول آية التصدق عند المناجاة: أ - عن ابن عباس أن قوماً من المسلمين كثرت مناجاتهم للرسول صلى الله عليه وسلم في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم، وكان صلى الله عليه وسلم سمحاً لا يرد أحداً فنزلت الآية. انظر: روح المعاني للألوسي 14 / 224. ب - عن مقاتل أن الأغنياء كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره عليه الصلاة والسلام طول جلوسهم ومناجاتهم فنزلت الآية. انظر: أسباب النزول للواحدي ص 412. جـ - عن ابن زيد: لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشق ذلك على أهل الحق ... قال: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه. انظر: جامع البيان للطبري مجلد 14 / جزء 28 / 28. د - عن زيد بن أسلم: نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون إنه أذن ... فكان ذلك يشقُّ على المسلمين. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17 / 301. (2) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال: ((إن في كتاب الله لآيةً ما عمل بها أحدٌ، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي، آية النجوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ... } قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فناجيت النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهماً ثم نسِختْ، فلم يعمل بها أحدٌ فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ... } رواه الحاكم في مستدركه 2 / 524 برقم (3794) . وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (3) البقرة، من الآية: 106. (4) انظر: المعتمد 1 / 385، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 351، نهاية الوصول للهندي 6 / 2295، فواتح الرحموت 2 / 85. (5) في ق: ((ممتنعاً)) . (6) في س، ن: ((كقوله)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 والكلام صحيح عربي، وإذا لم يستلزم الشرط الإمكان لا يدل على الوقوع مطلقاً فضلاً عن الوقوع ببدل (1) . سلمناه (2) لكنه قد يكون رفعُ الحكم لغير بدل* خيراً للمكلف باعتبار مصالحه، والخِفَّة عليه، وبُعْده من الفتنة وغوائل التكليف (3) . حكم النسخ بالأثقل ص: ونسخ الحكم إلى الأثقل (4) خلافاً لبعض أهل الظاهر (5) كنسخ عاشوراء   (1) قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: ((وما أجاب به صاحب نشر البنود شرح مراقي السعود (1 / 286) تبعاً للقرافي من أن الجواب لا يجب أن يكون ممكناً فضلاً عن أن يكون واقعاً، نحو: إن كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان، ظاهر السقوط أيضاً، لأن مَوْرد الصدق والكذب في الشرطية إنما هو الرَّبْطُ، فتكون صادقة لصدق ربطها ولو كانت كاذبةَ الطرفين لو حُلَّ ربطها، ألا ترى أن قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا..} [الأنبياء: 22] قضية شرطية في غاية الصدق مع أنها لو أزيل منها الربط لكذب طرفاها، إذ يصير الطرف الأول: كان فيهما آلهة إلا الله؛ وهذا باطل قطعاً، ويصير الطرف الثاني: فسدتا أي السموات والأرض وهو باطل أيضاً، والربط لاشك في صحته، وبصحته تصدق الشرطية ... إلخ)) مذكرة أصول الفقه ص 142. (2) في س، ن: ((سلمنا)) . (3) وهناك أجوبة أخرى، انظر: المستصفى 1 / 227، الوصول لابن برهان 2 / 24، الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 85، كشف الأسرار للنسفي 2 / 155، شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 299. (4) أي: ويجوز نسخ الحكم إلى الأثقل. وتحرير محل النزاع هو: أن النسخ إلى الأخف - كالنسخ في آيتي المصابرة، ونسخ الاعتداد بالحول إلى الأشهر - جائز وواقع بالاتفاق. وأن النسخ إلى المثل أو المساوي - كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة - أيضاً جائز وواقع بالاتفاق. وإنما النزاع في النسخ إلى الأثقل والأغلظ والأشق. فمن العلماء من منعه مطلقاً عقلاً وسمعاً، ومنهم من منعه سمعاً، ومنهم من جوزه مطلقاً. وجمهور العلماء من الفقهاء والمتكلمين على جوازه ووقوعه. انظر: إحكام الفصول ص 401، الإحكام للآمدي 3 / 137، منتهى السول والأمل ص 158، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 539، أصول الفقه لابن مفلح 3 / 1136، البحر المحيط للزركشي 5 / 240، رفع النقاب القسم 2 / 403، تيسير التحرير 3 / 199. (5) قال ابن حزم: ((قال قوم من أصحابنا ومن غيرهم: لا يجوز نسخ الأخف بالأثقل. وقد أخطأ هؤلاء القائلون)) الإحكام له 1 / 506، ونُسب هذا القول لمحمد بن داود الظاهري كما في المسودة ص 201، والبحر المحيط للزركشي 5 / 240، وهو مذهب بعض الشافعية كما في شرح اللمع للشيرازي 1 / 494. أما أهل الظاهر: هم طائفة من العلماء يأخذون بظواهر نصوص الكتاب والسنة، ويُعْرضون عن التأويل والقياس والرأي، وإمامهم في ذلك: أبو سليمان داود بن علي الأصبهاني (ت 270 هـ) ، وأبرز علمائهم أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) وله كتاب " المحلى " يتجلّى فيه الفقه الظاهري. انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1 / 243، كتاب: الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي لعارف خليل أبو عيد ص 131 - 149. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 برمضان (1) . الشرح ونسخ الحبس في البيوت إلى الجَلْد والرجم (2) ، والرجم (3) أشد من الحبس (4) .   (1) انظر: هذا الدليل في: إحكام الفصول ص 403، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 1001، المحصول للرازي 3 / 321، الإحكام للآمدي 3 / 137، منتهى السول والأمل ص 158. قال المصنف في نفائس الأصول 6 / 2462: ((فيه خلاف؛ هل كان عاشوراء واجباً في الأصل أم لا؟ وهل نسخ وجوبه برمضان أم لا؟)) . ودليل النسخ هو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرض رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من شاء فليصمه ومن شاء أفطره)) رواه البخاري (1893) ، (2002) وله روايات وألفاظ متعددة في الصحيحين وغيرهما. وانظر اختلاف العلماء في حكم صيام عاشوراء قبل فرض رمضان في: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص 339، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 122، المنتقى شرح الموطأ للباجي 3 / 58، الاستذكار لابن عبد البر 10 / 137، المغني لابن قدامة 4 / 441، المجموع شرح المهذب للنووي 6 / 433. ومن العلماء من لم يُسلِّم بوقوع النسخ هنا، لأن من شرط النسخ تعذر الجمع بين الدليلين المتعارضين، والدليلان هنا لم يتواردا على محلٍ واحد، وإنما يكون ذلك من باب التوافق في كون الله تعالى، لما رفع صوم عاشوراء فَرَض صوم رمضان. والله أعلم. انظر: شرح الكوكب المنير 3 / 530، الآيات المنسوخة في القرآن د. عبد الله الشنقيطي ص 127. (2) ساقطة من ن، س، ش، وهي مثبتة في باقي النسخ. (3) في ق: ((وهما)) وهو من انفراداتها. (4) انظر هذا الدليل في: الوصول لابن برهان 2 / 26، المحصول للرازي 3 / 321، منتهى السول والأمل ص 158، تيسير التحرير 3 / 201. قال ابن العربي: ((ومن الناس من يرى أنه (أي الحبس) أشد من الجلد)) أحكام القرآن (1 / 461) ، وهذا ينطبق على رعاع الناس ودهمائهم، أما النفوس الأبيَّة فتؤثر الحبس على الجَلْد لما في الجَلْد من المعرَّة، فتتوجَّه الأثقلية في الجَلْد إلى النفوس الأبيَّة. انظر: نفائس الأصول 6 / 2461. * أما وقوع النسخ هنا فقد اختلف العلماء في ذلك، فمن العلماء من حكى الاتفاق على نسخ حكم الحبس والأذى في الآيتين من قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء: 15 - 16] انظر: أحكام القرآن للجصاص 2 / 132، المحرر الوجيز لابن عطية 4/ 48، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 262. ويرى الشيخ السعدي عدم وقوع النسخ في الآيتين بل هما محكمتان انظر: تيسير الكريم المنان 1 / 329 وانظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 180. ثم إن القائلين بالنسخ اختلفوا في الناسخ لهاتين الآيتين على أقوالٍ، انظرها في: هامش رقم (1) ص (91) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 احتجوا بقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (1) وبقوله تعالى: {أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2) والأثقل لا يكون خيراً ولا مِثْلاً ولا يُسْراً (3) . والجواب عن الأول: قد يكون الأثقل أفضل للمكلف وخيراً له باعتبار ثوابه واستصلاحه في أخلاقه ومعاده (4) ومعاشه (5) . وعن الثاني: أنه محمول على اليسر في الآخرة حتى لا يتطرق إليه تخصيصات غير محصورة (6) ، فإن في الشريعة مَشَاقَّ (7) كثيرة (8) . أنواع النسخ في القرآن وأحكامها ص: ونسخ التلاوة دون الحكم (9) كنسخ: ((الشَّيْخُ والشَّيْخَة إذا زنيا   (1) البقرة، من الآية: 106. وهذا الدليل الأول. (2) البقرة، من الآية: 185. وهذا الدليل الثاني. (3) انظر حجج المانعين في: إحكام الفصول ص 402، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 352، المحصول للرازي 3 / 321، الإبهاج 2 / 263. (4) ساقطة من ن. (5) انظر: إحكام الفصول ص 402، الوصول لابن برهان 2 / 26. وانظر وجهاً آخر من الجواب للمصنف في: نفائس الأصول 6 / 2463. (6) في ق: ((محظورة)) وهو تحريف. (7) في س، ن: ((مشاقاً)) وهو خطأ نحوي على المشهور؛ لأنها يجب أن تمنع من الصرف لِعلَّة كونها صيغة منتهى الجموع على وزن " مفاعل ". لكن أجاز قوم صرف صيغة منتهى الجموع إختياراً، وزعم قومٌ أن صرف مالا ينصرف لغة. انظر: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبَّان 3 / 403. (8) لكن المصنف لم يرتضِ تخصيص اليسر بالآخرة في النفائس (6 / 2463) إذ قال: ((بل يبقى على عمومه، والمراد باليسر ما يُسمى يُسراً لغة وعادة، وهو ما يستطيعه الإنسان، والله تعالى لم يكلفنا بغير المقدور، بل بما هو مقدور، والمقدور يسمى يسراً، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أي ما قدرتم عليه ... ثم قال: فلا تخصيص حينئذٍ، ولا حَجْر للخصم فيه، ولم يقع النسخ بالأثقل الذي ليس بمقدور، بل بالمقدور)) . وانظر ردود ابن حزم القوية على حجج المانعين في الإحكام 1/506 - 512. (9) أي: ويجوز نسخ التلاوة دون الحكم، وهكذا يجوز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخهما معاً. هذا مذهب جماهير العلماء، بل حكى بعض الأصوليين الإجماع والاتفاق على ذلك إلا ما نقل عن بعض المعتزلة وشواذهم. انظر المسألة وما قيل فيها في: المعتمد 1 / 386، الإحكام لابن حزم 1 / 477، إحكام الفصول ص 403، شرح اللمع للشيرازي 1 / 495، البرهان للجويني 2 / 855، أصول السرخسي 2 / 78، المحصول لابن العربي ص 587، روضة الناظر 1 / 294، الإحكام للآمدي 3 / 141، التقرير والتحبير 3 / 87، التوضيح لحلولو ص 262، شرح الكوكب المنير 3 / 553، الآيات المنسوخة في القرآن د. عبد الله الشنقيطي ص 74. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فارجموهما ألبتَّة نكالاً من الله)) (1) مع بقاء الرجم. والحكم دون التلاوة كما تقدَّم في الجهاد (2) . وهما معاً لاستلزام [إمكان المفردات] (3) إمكان المركب* (4) . الشرح لأن التلاوة والحكم عبادتان منفصلتان (5) ، فلا يبعد في العقل أن يصيرا معاً   (1) هذه تسمى: " آية الرجم ". قال ابن العربي: ((نسِخ هذا اللفظ كله إجماعاً، ويبقى حكمه إجماعاً)) المحصول له ص (588) . وقد ورد ذكر " آية الرجم " في الصحيحين عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه " آية الرجم " فقرأناها ووعيناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أوكان الحَبَل أو الاعتراف)) رواه البخاري (6830) ، ومسلم (1691) ، وزاد الإسماعيلي - بعد قوله: أو الاعتراف - وقد قرأناها: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)) فتح الباري لابن حجر 12 / 173..وانظر هذه الآية في: سنن ابن ماجة (2553) ، وسنن البيهقي 8 / 367، وموافقة الخُبْر الخَبَر لابن حجر 2 / 303، الناسخ والمنسوخ للنحاس 1 / 435، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 46. وهذه الآية كانت من سورة الأحزاب. انظر: هامش (2) ص (76) . (2) الآية المنسوخة حكماً لا تلاوة هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ... } [الأنفال: 66] . انظر هامش (2) ص (62) . (3) ساقط من س. (4) معنى هذه العبارة: أن ما يُمْكن في المفردات يلزم منه أن يُمْكن في المركبات التي تركَّب من المفردات، فالنسخ لما جاز في حالة إفراد التلاوة دون الحكم، وفي حالة إفراد الحكم دون التلاوة جاز نسخهما معاً في حالة تركيبهما واجتماعهما. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 408. (5) في ق: ((مستقلتان)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 مفسدةً (1) في وقتٍ أو إحداهما دون الآخرى (2) ، وتكون الفائدة في بقاء التلاوة دون الحكم ما يحصل من العلم بأن الله تعالى أنزل مثل [هذا الحكم] (3) رحمة منه بعباده (4) . وعن أنس نزل (5) في قتلى بئر مَعُوْنة (6) : ((بلِّغوا إخواننا أنَّا لقينا ربَّنا فرضي عنَّا وأرضانا)) (7) . وعن أبي بكر رضي الله عنه كنا نقرأ من القرآن: ((لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كُفْرٌ بكم)) (8) ومثال التلاوة والحكم معاً: ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت (9) : ((كان فيما أنْزل الله تعالى: عَشْرُ رَضَعَاتٍ، فنُسِخْنَ بخَمْسٍ)) (10) ، وروي أن سورة (11)   (1) في ن: ((مفيدة)) وهو تحريف يقلب المعنى. (2) انظر: إحكام الفصول ص 403، الضروري من أصول الفقه لابن رشد ص 86، أصول السرخسي 2 / 80، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 368. (3) في ن: ((هذه الأحكام)) . (4) في س، ن: ((على عباده)) . ومن فوائد بقاء التلاوة دون الحكم أيضاً: التعبد بحروف الآية، وبقاء الإعجاز والتحدي بالإتيان بمثله، ومعرفة أسرار التشريع والتدرج في أحكام الشرع. (5) في ن: ((أنزل)) . (6) في س: ((معاوية)) وهو تحريف. وبئر معونة: هي بئر لبني سليم بين مكة والمدينة، وقيل: لبني عامر كانت عندها قصة الرجيع الوَقْعة المعروفة. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 1 / 358. (7) هذا مثال نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، والحديث عن أنس رضي الله عنه أن رعْلاً وذكْوان وعُصَيَّة وبني لِحْيَان استمدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدوٍّ، فأمدَّهم بسبعين من الأنصار، كنا نسميهم القُرَّاء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويُصَلُّون بالليل، حتى كانوا ببئر مَعُونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقَنَتَ شهراً يدعو في الصبح على أحياء العرب على رعْل وذكْوان وعُصَية وبني لِحْيَان. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآناً ثم إنَّ ذلك رُفع: ((بلِّغوا عنَّا قومنا أنَّا لقينا ربنَّا فرضي عنَّا وأرضانا)) رواه البخاري واللفظ له برقم ( 4090) ، ومسلم (677) . وانظر القصة في: السيرة النبوية لابن هشام 3 / 260. (8) حديث أبي بكر رضي الله عنه أورده السيوطي في مسند الصديق من كتابه: جمع الجوامع ص (65) . وأخرج البخاري (6830) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال - في خطبته الطويلة التي فيها آية الرجم -: ((ثم إنَّا كنَّا نقرأ من كتاب الله أن: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كُفْرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم - أو - إن كُفْراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم)) . (9) ساقطة من ق. (10) حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فيما أنْزل من القرآن عَشْرُ رضعاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْنَ ثم نسِخْنَ بخمس معلومات، فتوفي رسول الله وهُنَّ فيما يُقرأ من القرآن)) رواه مسلم (1452) . يستدل في هذا الحديث بالعشر على نسخ الحكم والتلاوة معاً اتفاقاً، ويستدل بالخمس على نسخ التلاوة دون الحكم عند الشافعي ومن معه، أما عند مالك ومن معه فالخمس أيضاً نسِختْ تلاوةً وحكماً بالمصَّة والمصَّتين. انظر: نيل السول على مرتقى الوصول لمحمد يحيى الولاتي ص 140. (11) في ق: ((صورة)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 الأحزاب كانت تَعْدِل سورة (1) البقرة (2) . حكم النسخ في الأخبار ص: ونسخ الخبر (3) إذا كان متضمِّناً لحكمٍ عندنا (4) ، خلافاً لمن جوزه (5) مطلقاً (6) ، أو منعه (7) مطلقاً (8) وهو أبو علي (9)   (1) ساقطة من ن. (2) عن زرِّ بن حُبيش قال: قال لي أبَيّ بن كعب: ((كم تَعُدُّون سورة الأحزاب؟ قلتُ: ثلاثاً وسبعين آية..قال: لقد رأيْتُها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)) ، وفي رواية ((والذي يُحْلف به إنْ كانتْ لَتَعْدِلُ سورة البقرة)) رواه الإمام أحمد في مسنده 5 / 132، والحاكم في المستدرك 4 / 40 برقم (8068) وصححه، وابن حبان في صحيحه (4428، 4429) ، وحسَّنه ابن حجر في موافقة الخُبْر الخَبَر 2 / 304. (3) أي: ويجوز نسخ الخبر ... إلخ. وتحرير محل النزاع هو: إن كانت الأخبار مما لا يمكن تغييره بأن لا يقع إلا على وجهٍ واحدٍ، كصفات الله تعالى، وخبر ما كان من الأمم الماضية، وما يكون كقيام الساعة، فلا يجوز نسخه بالإجماع؛ لأنه يفضي إلى الكذب، وذلك مستحيل في الوحي. وإن كان مما يصح تغييره بأن يقع على غير الوجه المُخْبَر عنه ماضياً كان أو مستقبلاً أو وعداً أو وعيداً أو خبراً عن حكم شرعي، فهو محل النزاع. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 144، الكاشف عن المحصول 5 / 265، البحر المحيط للزركشي 5 / 244، رفع النقاب القسم 2 / 410. (4) انظر: إحكام الفصول ص 399، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 263، رفع النقاب القسم 2/409. ومن الأصوليين من نقل الاتفاق على جواز نسخ هذا النوع من الأخبار. انظر: الوصول لابن برهان 2 / 63، ونهاية الوصول للهندي 6 / 2318. وانظر: الإحكام لابن حزم 1 / 486، شرح اللمع للشيرازي 1 / 489، كشف الأسرار للبخاري 3 / 313. (5) في متن هـ: ((جوَّز)) . (6) وهم: أبو عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري من المعتزلة، ومن غيرهم: القاضي أبو يعلى، وابن تيمية وغيرهم. انظر: المعتمد 1 / 387، العدة لأبي يعلى 3 / 825، المحصول للرازي 3 / 326، المسودة ص 196، رفع النقاب القسم 2 / 410. (7) ساقطة من ن وكذا الكلمة التي بعدها. وفي س: ((ومنع)) ، وفي متن هـ: ((أو منع)) . (8) ومن المانعين: الجبائيان، والصيرفي، وأبو إسحاق المروزي، والباقلاني، وابن السمعاني، وابن الحاجب، ونسبه العضد للشافعي، وقال الباجي: هو مذهب الجمهور من الفقهاء والمتكلمين. انظر: المعتمد 1 / 389، إحكام الفصول ص 399، قواطع الأدلة 2 / 87، البحر المحيط للزركشي 5 / 245، مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2 / 195، رفع النقاب القسم 2 / 410. (9) هو: أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن عبد السلام الجُبَّائِي - نسبة إلى جُبَّى، قرية من قرى البصرة - شيخ المعتزلة، وكان فقيهاً وزاهداً، تنسب إليه طائفة الجُبائية من تلاميذه: ابنه أبو هاشم. وله تفسير للقرآن، توفي عام 303هـ. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص287، وفيات الأعيان 3/398. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وأبو هاشم (1) وأكثر المتقدمين (2) . لنا: أن نسخ الخبر يوجب عدم المطابقة (3) وهو مُحَالٌ (4) ، فإذا تضمن الحُكْمَ جاز نسخه؛ لأنه مستعار له ونَسْخُ الحكم جائز كما لو (5) عبَّر عنه بالأمر. الشرح قال " الإمام فخر الدين ": إن كان الخبر خبراً عما لا يجوز تغييره، كالخبر عن حَدَث العالم، فلا يتطرق (6) إليه النسخ. وإن كان عما يجوز تغييره، وهو إما ماضٍ أو مستقبل، والمستقبل إما [وعدٌ أو وعيدٌ أو خبرٌ] (7) عن حكم: كالخبر عن وجوب الحج، فيجوز النسخ في الكل، ومنع أبو علي وأبو هاشم وأكثر المتقدمين الكل (8) . قال (9) : لنا أنَّ الخبر إذا كان عن أمرٍ ماضٍ نحو: ((عمّرتُ نوحاً ألْفَ سَنَةٍ)) جاز أن يُبَيِّن مِنْ (10) بَعْدُ أنه ((ألف سنة إلا خمسين عاماً)) . وإن كان خبراً عن مستقبل - كان وعداً أو وعيداً - فهو كقوله ((لأعاقبن الزاني أبداً)) فيجوز أن يُبَيِّن أنه أراد   (1) هو: أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجُبَّائي، كان ذكياً، بصيراً، وإليه تنتسب طائفة البهشمية من المعتزلة، من تآليفه: كتاب في الاجتهاد، توفي سنة 321 هـ. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص 304، وفيات الأعيان 2 / 335. (2) بقي مذهب رابع، وهو التفرقة بين الماضي والمستقبل، فمنع النسخ في الماضي؛ لأنه يكون تكذيباً، وأجازه في المستقبل؛ لجريانه مجرى الأمر والنهي، لأن الكذب يختص بالماضي، أما المستقبل فيُسمى خلف الوعد. انظر: نفائس الأصول 6 / 2469، الإبهاج 2 / 243، البحر المحيط 5 / 245، إرشاد الفحول 2 / 89. (3) أي عدم مطابقة الخبر للمُخْبَر عنه، انظر: رفع النقاب القسم 2 / 411. (4) انظر: نفائس الأصول 6 / 2470.. (5) ساقطة في س. (6) في ن: ((يَطَّرَّق)) . (7) في ن: ((وعداً أو وعيداً أو خبراً)) ولست أعلم لها وجهاً، لأنها خبر للمبتدأ " المستقبل ". إلا أن نقدّر محذوفاً تقديره ((أن يكون..)) . (8) انظر: المحصول 3 / 325. (9) أي الفخر الرازي، انظر: المحصول له 3 / 326. (10) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 ألف سنة. وإن كان عن (1) حكم الفعل في (2) المستقبل فإنَّ الخبر كالأمر في تناوله الأوقات المستقبلة فيجوز أن يراد بعضها (3) . احتجوا بأن نسخ الخبر يُوْهِم (4) الخُلْف. قال (5) : وجوابه أن نسخ الأمر أيضاً يُوْهِم البَدَاء (6) . قلت: أسماء الأعداد (7) نصوص لا يجوز فيها المجاز (8) وإرادة (9) المتكلم بالألف (10) ألفاً (11) إلا خمسين عاماً (12) مجاز فلا يجوز، وأما إطلاق الأبد على ألف سنة فهو   (1) ساقطة من س. (2) ساقطة من ن. (3) قال المصنف في النفائس (6 / 2471) : ((وهذه المُثُل كلها غرور لا حجة فيها، بل الحق استحالة النسخ في الخبر المحض)) . وقد ردّ المصنف على هذه الأدلة التي ذكرها الرازي بالتفصيل. انظر: نفائس الأصول 6 / 2469 - 2472. (4) في ق: ((يوجب)) والمثبت هو المراد. (5) أي الفخر الرازي. انظر: المحصول له 3 / 327. (6) البداء لغة: من بدا يبدو بُدُواً وبداءً وبداءةً بمعنى: ظهر ونشأ رَأيٌ بعد أن لم يكن. انظر: الصحاح للجوهري مادة " بدا ". واصطلاحاً: عرَّفه المصنف في النفائس (6 / 2471) بقوله: ((هو الظهور بعد الخفاء، لقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] ، وقال: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: 35] ، وسيذكر المصنف معناه بعد قليل. والبداء مما قالت به الشيعة. انظر: الأصول من الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران (1388 هـ) 1 / 146، بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية، طهران (1387 هـ) 4 / 92 - 129. وانظر: شرح اللمع للشيرازي 1 / 485، التلخيص للجويني 2 / 462، 469. قال الفتوحي: ((والقول بتجدد علمه جلّ وعلا كفر بإجماع أئمة أهل السنة)) شرح الكوكب المنير 3 / 536. (7) أسماء الأعداد اثنا عشر اسماً وهي: الواحد فما فوقه إلى التسعة، والعشرة، والمائة، والألف، وما عداها من أسامي العدد فمتشعِّبٌ منها. انظر: المفصل للزمخشري مع شرحه لابن يعيش 6 / 15. (8) المجاز لغةً: مصدر ميمي من جاز المكان يجوزه إذا تعدَّاه. انظر: شروح التلخيص 4/20، واصطلاحاً: عرَّفه المصنف بقوله هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما. شرح التنقيح (المطبوع) ص 43. (9) في س: ((وأراد)) وهي غير موفية بالمراد. (10) في ن: ((بألفٍ)) . (11) في س: ((ألف سنة)) . (12) ساقطة من ن، ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 تخصيص في الخبر وهو مجمع عليه، إنما النزاع في النسخ وأين أحدهما من الآخر؟ وقد تقدَّمت الفروق بينهما (1) . وأما قولهم: يوهم الخُلْف، فذلك (2) مدفوع بالبراهين الدالة على استحالة الخُلْف على الله تعالى والبَدَاء عليه، والبداء هو أحد الطرق التي استدلت به اليهود على استحالة النسخ (3) ، ومعناه: أمر بشيءٍ ثم بدا له أن المصلحة في خلافه، وذلك إنما يتأتى في حق من تخفى عليه الخفيات، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك (4) . وجوابهم: أن الله تعالى عالم بأن الفعل الفلاني مصلحةٌ في وقتِ كذا مفسدةٌ في وقت كذا، وأنه ينسخه إذا وصل إلى وقت المفسدة، فالكل معلوم في الأزَل (5) ، وما تَجَدَّدَ العلمُ بشيءٍ، [فما لزم من النسخ البداء، فيجوز] (6) . حكم نسخ الحكم المقيّد بالتأبيد ص: ويجوز [نسخ ما] (7) قال فيه: افعلوه (8) أبداً (9) خلافاً   (1) انظرها شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 230، وانظر: قواطع الأدلة 3 / 182، الإحكام للآمدي 3 / 113، مناهل العرفان للزرقاني 2 / 145. (2) في س: ((ذلك)) والصواب المثبت كما في: ن، ق؛ لوجوب اقتران جواب " أمَّا " الشرطية بالفاء. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 120، وانظر: القسم الدراسي ص 173. (3) مع أنَّه قد ورد في التوراة المحرَّفة نصوص تتضمن نسبة البداء إلى الله، تعالى عما يقولون. جاء في سفر التكوين، الإصحاح: 6 الفقرات: 5 - 7 ((ورأى الربُّ أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كلَّ تصوِّر فكرِ قلبِهِ يتَّسم بالإثم، فملأ قلبَه الأسفُ والحزن لأنه خلق الإنسان. وقال الرب: أمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض مع سائر الناس والحيوانات والزواحف وطيور السماء، لأني حزِنْتُ أني خلقته)) . (4) انظر: البحر المحيط للزركشي 5 / 206، ففيه شرح موسّع للبداء. (5) الأزَل: القِدم، ومنه قولهم: هذا شيء أزَليٌّ، أي قديم، وأصل الكلمة قولهم للقديم: لم يَزَلْ، ثم نسِب إلى هذا، فلم يستقمْ إلا بالاختصار، فقالوا: يَزَلِيٌّ، ثم أبدلت الياء ألفاً، لأنها أخف، فقالوا: أزَلِيٌّ، كما قالوا في الرُّمْح المنسوب إلى ذِيْ يَزَن: أزَنِيٌّ. انظر: لسان العرب مادة " أزل ". (6) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((فلم يلزم البداء من النسخ فجاز)) . (7) في ق: ((النسخ فيما)) . (8) في متن هـ، ق: ((افعلوا)) . (9) الجواز هو مذهب الجمهور وبعض الحنفية. انظر: المعتمد 1 / 382، قواطع الأدلة 3 / 83، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 348، نهاية الوصول للهندي 6 / 2304، كشف الأسرار للبخاري 3 / 316، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 263، وقد حكى الآمدي في الإحكام (3 / 134) اتفاق الجمهور على ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 لقومٍ (1) ؛ لأن صيغة " أبداً " بمنزلة العموم في الأزمان (2) ، والعموم قابل للتخصيص والنسخ (3) . الشرح احتجوا بأن (4) صيغة " أبداً " لو جاز أن لا يراد بها الدوام لم يبق لنا طريق إلى   (1) وفرّق ابن الحاجب بين قيد التأبيد في الفعل نحو: صوموا أبداً، وقيد التأبيد في الحكم (الخبر) نحو: الصوم واجب عليكم أبداً أو واجب مستمر، فأجاز النسخ في الأول، ومنعه في الثاني. انظر: منتهى السول والأمل ص 157، نشر البنود 1 / 290. وتبع الإسنويُّ وابنُ الهمام ابنَ الحاجب في التفريق. انظر: زوائد الأصول للإسنوي ص 309، التقرير والتحبير 3 / 71، وصرّح ابن السبكي والفتوحي بأن لا فرق بين العبارتين. انظر: جمع الجوامع بشرح المحلِّي وحاشية البناني 2 / 86، شرح الكوكب المنير 3 / 540. ( ) وهم بعض المتكلمين وعامة الحنفية منهم: الماتريدي، الجصاص، الدبوسي، البزدوي، السرخسي، ووجه عند الشافعية. انظر: التبصرة للشيرازي ص 255، أصول السرخسي 2 / 60، كشف الأسرار للبخاري 3 / 316، البحر المحيط للزركشي 5 / 217، فتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم 2 / 131. * هل للخلاف ثمرة؟ قيل: إن هذا الخلاف لا طائل تحته، لأنه لم يرد في الشرع نسخ عبادة مقيدة بالتأبيد، وقال بعضهم: ثمرته تظهر في قلع شبهات اليهود لعنهم الله في ادعائهم تأبيد أحكامهم التوراتية. انظر: فواتح الرحموت 2 / 184. (2) الأبد: الدهر والدائم، والتأبيد: التخليد. انظر: لسان العرب مادة " أبد ". والأصل في " الأبد " التعميم في الأزمان، ولكن يمكن إطلاق " الأبد " على فترة محدودة وتريد بها غير التعميم في جميع الأبد، ويكون هذا من باب المبالغة مجازاً. انظر: شرح التسهيل لابن مالك 2 / 205، همع الهوامع للسيوطي 2 / 109. قال الكفوي: ((أبداً (منكراً) يكون للتأكيد في الزمان الآتي نفياً وإثباتاً، لا لدوامه واستمراره، يقال: لا أفعله أبداً)) . الكليات له ص (32) . وذكر ابن العربي: أن لفظة " الأبد " تحتمل لحظة واحدة، وتحتمل جميع الأبد، وفرّع عليه: أن الرجل لو قال لامرأته: ((أنت طالق أبداً)) ، وقال: نويت يوماً أو شهراً كانت له عليها الرجعة. انظر: أحكام القرآن له 3 / 116. (3) معنى هذا الدليل: أن لفظ التأبيد في تناوله لجميع الأزمان كلفظ العموم في تناوله لجميع الأعيان الداخلة تحته، ومعلوم أنه يجوز تخصيص العام فيُقْتصر على بعض أفراده بدليلٍ هو المخصِّص له، فيجوز كذلك قصر المؤبَّد على بعض الأزمان بدليلٍ هو الناسخ له. فلفظ " الأبد " ظاهرٌ في عموم الأزمنة لا نصٌّ فيها، وإرادة غير الظاهر بدليلٍ يدلُّ عليه أمرٌ لا غبار عليه. انظر بقية الأدلة في: المعتمد 1 / 371 وما بعدها، شرح اللمع للشيرازي 1 / 491، المحصول للرازي 3 / 328، الإحكام للآمدي 3 / 134، النسخ في دراسات الأصوليين د. نادية العمري ص 217 - 240. (4) هنا زيادة: ((من)) في س وهي مقحمةٌ خطأً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 الجزم بخلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار؛ [لأن ذلك كُلَّه] (1) مستفادٌ من قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (2) . والجواب: [أن الجزم إنما حصل في الخلود ليس بمجرد لفظ " أبداً " بل بتكرُّره] (3) تَكَرُّراً (4) أفاد القطع بسياقاته (5) وقرائنه (6) على ذلك (7) ، أما مجرد لفظة واحدة من " أبداً " (8) فلا (9) توجب الجزم، والكلام في هذه المسألة إنما هو في مثل هذا (10) .   (1) في ق: ((لأنه)) . (2) هذه جزء من آيتين وردتا في خلود أهل الجنة وخلود أهل النار. أما خلود أهل الجنة - نسأل الله من فضله - فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: 122] . وأما خلود أهل النار - نسأل الله السلامة - فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 168 - 169] . (3) في ن: ((بسياقته)) وهو تحريف. (4) في ق، ن: ((تكراراً)) . (5) ما بين المعقوفين جاء في ق هكذا: ((أن الخلود إنما حصل بتكرر لفظ الأبد)) . (6) ساقطة في س، وفي ن: ((وقرائنة دالةٍ)) . (7) تكرر لفظ ((أبداً)) في خلود أهل الجنة وأهل النار ما يربو على عشر مرات. انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي لفظة " أبداً ". (8) في س: ((أبد)) . ساقطة في س. (9) في س، ن: ((لا)) بدون الفاء، والمثبت من ق هو الصواب لوجوب اقتران " أما " الشرطية بالفاء. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 120. (10) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 412. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 الفصل الثالث في الناسخ والمنسوخ ص: يجوز عندنا نسخُ الكتاب بالكتاب وعند الأكثرين (1) . الشرح حجتنا: ما تقدَّم (2) في الرد على أبي مسلم الأصفهاني (3) . احتجوا بقوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} (4) . وقد تقدَّم جوابه (5) . ص: والسنة المتواترة بمثلها (6) . الشرح السنة المتواترة بمثلها هو (7) كالكتاب (8) بالكتاب لحصول المساواة والتواتر في البابين (9) : الناسخ والمنسوخ.   (1) سبق بحث هذه المسألة في الفصل الثاني عند قول المصنف: ((ويجوز عندنا وعند الكافة نسخ القرآن، خلافاً لأبي مسلم الأصفهاني ... إلخ)) وقد ذكرتُ في هامش (2) في تلك الصفحة (61) بأن المصنف تبع الفخر الرازي في محصوله (3 / 307) عندما بحثها هناك، بينما موقعها المناسب هنا. ثم إن المصنف تبع الرازي هنا أيضاً في قوله: ((الأكثرين)) ، علماً بأن العلماء القائلين بجواز النسخ معظمهم حكى الإجماع والاتفاق على جواز النسخ في الصور الثلاث: الكتاب بمثله، والتواتر بمثله، والآحاد بمثله. انظر: الإحكام لابن حزم 1 / 518، الإشارة للباجي ص 267، إحكام الفصول ص 417، أصول السرخسي 2 / 67، الإحكام للآمدي 3 / 146، شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 315، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 67، رفع النقاب القسم 2 / 413، إرشاد الفحول 2 / 96، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 148. (2) انظر ص (61 - 63) . (3) في س، ن: ((الأصبهاني)) وهذه النسبة صحيحة أيضاً، لأن " الباء " الفارسية تارةً تُعرَّبُ باءً خالصةً، وتارةً فاءً. انظر: المعرَّب من الكلام الأعجمي للجواليقي ص (55) ، القاموس المحيط مادة " أصص ". (4) فصلت، من الآية 42. (5) انظر: ص (63) . (6) قال الفتوحي: ((وأما مثال نسخ متواتر السنة بمتواتِرها، فلا يكاد يوجد، لأن كلها آحاد ... )) شرح الكوكب المنير 3 / 560. (7) ساقطة من ق. (8) سقطت كاف التشبيه من نسخة ن. (9) هنا زيادة ((بين)) في ق، وهي مقحمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 ص: والآحاد بمثلها (1) . الشرح [لأنَّا نشترط] (2) في الناسخ أن يكون مساوياً للمنسوخ أو أقوى (3) ، والآحاد مساويةٌ للآحاد فيجوز. ص: وبالكتاب والسنة (4) المتواترة إجماعاً (5) . الشرح سبب (6) أن الكتاب والسنة المتواترة ينسخان خبر الواحد، أنَّهما (7) أقوى منه، والأقوى أولى بالنسخ.   (1) مثال: حديث بريدة رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((نهيتكم عن زياة القبور فزوروها)) رواه سلم (977) . وانظر: منتهى السول والأمل ص 160، وشرح الكوكب المنير 3 / 561. (2) في ن، ق: ((يشترط)) . (3) هذا الاشتراط قال به كثيرٌ من الأصوليين، وذكر المصنف في كتابه نفائس الأصول (6 / 2481) بأن هذه قاعدة الباب على الجادّة. وانظر: البرهان للجويني 2 / 854، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 79، التوضيح لحلولو ص 264. لكن هناك من العلماء من لم يسلّم بهذا الاشتراط، منهم: ابن حزم والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهما الله، ومن حججهم: أن المتواتر والآحاد كلاهما وحيٌ من الله تعالى، فجاز أن ينسخ أحدهما الآخر، وأن المتواتر في وقته قطعي، ولكن استمرار حكمه إلى الأبد ليس بقطعي، فنسخه بالآحاد إنما نفي استمرار حكمه، وقد عَرفْتَ أنه ليس بقطعي. ثم إن النسخ إنما يرد على الحكم الشرعي بغض النظر عن طريق ثبوته. انظر: الإحكام لابن حزم 1 / 518، إرشاد الفحول 20 / 98، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 153، أضواء البيان للشنقيطي 3 / 366، 6 / 63. (4) في ن: ((بالسنة)) . (5) صنيع حلولو في شرحه: التوضيح شرح التنقيح ص (264) يدل على أن قول المصنف ((إجماعاً)) يرجع إلى نسخ الآحاد بالكتاب، ونسخ الآحاد بالسنة المتواترة. أما الشوشاوي في شرحه: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب القسم (2 / 415) فقال: ((قوله " إجماعاً " راجع إلى الثلاث مسائل الآحاد)) . أي: نسخ الآحاد بالآحاد، والآحاد بالكتاب، والآحاد بالمتواتر، أما المسألة الأولى والثالثة فالإجماع فيهما مسلّم، وأما مسألة نسخ الآحاد بالكتاب فهي مسألة نسخ السنة بالكتاب التي قررَّ فيها المصنف بنفسه - كما في ص (87) - خلاف الشافعي وبعض أصحابه، فهي ليست محلَّ إجماع. ولهذا قال حلولو: ((أما نسخ السنة بالقرآن، فالصحيح جوازه، ومقابله مروي عن الشافعي ونسبه الرافعي لاختيار أكثر أصحابهم ... )) التوضيح ص 264. (6) في ق، ن: ((بسبب)) والمثبت هو الصواب، لاستقامة السياق بها. (7) في ق، ن: ((لأنهما)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 حكم نسخ الكتاب بالآحاد ص: وأما جواز نسخ الكتاب بالآحاد فجائز عقلاً غير واقع سَمْعاً (1) ، خلافاً لبعض أهل الظاهر (2) والباجي (3) منا مستدلاً بتحويل القبلة عن بيت (4) المَقْدِس إلى مكة (5) .   (1) هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال: الأول: الجواز مطلقاً. الثاني: الجواز عقلاً والمنع سمعاً. الثالث: المنع مطلقاً. انظر: إحكام الفصول ص 426، شرح اللمع للشيرازي 1 / 501، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 258، الوصول لابن برهان 2 / 48، ميزان الوصول للسمرقندي 2 / 1005، رفع النقاب القسم 2 / 416، نشر البنود 1 / 285، حاشية التوضيح والتصحيح لابن عاشور 2 / 81. (2) انظر: الإحكام لابن حزم 1 / 505. وممن وافق الظاهرية في جواز نسخ الكتاب بالآحاد الحنفية، انظر: التلويح إلى كشف حقائق التنقيح للتفتازاني 2 / 79، التقرير والتحبير 3 / 85، والطوفي في: شرح مختصر الروضة 2 / 325، والشوكاني في: إرشاد الفحول 2 / 98، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في: مذكرته في أصول الفقه ص 152، وهو رواية عن الإمام أحمد، انظر: المسودة ص 106، أصول الفقه لابن مفلح 3/1144. (3) مذهب الباجي ومن معه يوافق الظاهرية ومن معهم في الجواز عقلاً وسمعاً، لكن الباجي يفصّل فيقول بوقوع نسخ المتواتر بالآحاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: إحكام الفصول ص 426، والإشارة للباجي ص 270 - 272. وممن ذهب إلى هذا التفصيل: الباقلاني كما في: البحر المحيط للزركشي 5/ 261، والسرخسي في أصوله 2 / 77 - 78، وابن رشد في: الضروري في أصول الفقه ص 86، والقرطبي في: الجامع لأحكام القرآن 2 / 151. (4) ساقطة من س. (5) يدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآنٌ، وقد أُمِر أن يستقبل الكعبة، فاسْتقبلُوها. وكانت وُجوهُهم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة)) رواه البخاري (403) ، ومسلم (526) . الاستدلال بهذا الدليل على نسخ الكتاب بالآحاد غير متجه، لأن من العلماء من قال بأن استقبال بيت المقدس لم يثبت بالقرآن وإنما ثبت بالسنة، لأنه تواتر فعله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه. فالاستدلال به يتم على نسخ المتواتر بالآحاد. انظر هامش (2) ص (88) . ولهذا كانت عبارة الباجي في الاستدلال هكذا: ((وقد كانوا يعلمون استقبال بيت المقدس من دين النبي صلى الله عليه وسلم ضرورةً)) إحكام الفصول ص 426، الإشارة له ص 271، إلاَّ أن يقال بأن استقبال بيت المقدس ثابت بالقرآن الكريم في قوله تعالى: س أَقِيمُوا الصَّلاةَ ش [الأنعام: 72] ، فإنه مجمل بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله، والبيان يُعدّ كأنه منطوق به في ذلك المبيّن. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 417. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 لنا: أن الكتاب متواتر قَطْعِيٌ (1) فلا يُرْفع بالآحاد المظنونة؛ لتقدُّمِ العلم على الظنِّ (2) . الشرح [واستدلوا أيضاً بقوله تعالى] (3) : {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (4) الآية نُسِختْ بنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكْل كُلِّ ذي نابٍ من السِّبَاع* (5) وهو خبر واحد (6) . وبقوله تعالى*: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} (7) نُسِخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تنْكَح المرأةُ على عَمَّتِها ولا على خَالَتِها)) (8) الحديث.   (1) هنا زيادة ((قطع)) في س، ولا حاجة لها. (2) انظر هذا الدليل في: البرهان للجويني 2 / 854، نواسخ القرآن لابن الجوزي من 101، التقرير والتحبير 3 / 82، وانظر مناقشة هذا الدليل في: إحكام الفصول ص 426، المستصفى 1 / 240، الوصول لابن برهان 2 / 48، منهج التحقيق والتوضيح في حلّ غوامض التنقيح للشيخ محمد جعيط 2 / 112. (3) ما بين المعقوفين ساقط من س. (4) الآية 145 من الأنعام وتمامها: { ... إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . (5) ورد النهي من حديث أبي ثَعْلبة الخُشَنِي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع. رواه البخاري (5530) ، ومسلم (1932) . ومن العلماء من عدَّه من الأحاديث المتواترة. انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 161. (6) يرى ابن العربي وابن الجوزي ومكي بن أبي طالب أن الآية مُحْكَمة وليست منسوخة بل السنة خصَّصتْ عمومها انظر: الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 218، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 236، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 249. (7) الآية 24 من النساء، وقد سبقتها الآية 23 التي فيها المحرَّمات من النساء. (8) الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُنْكَح المرأةُ على عمّتِها ولا على خالتها)) رواه مسلم برقم (1408) والرقم الخاص (37) ، ورواه البخاري بنحوه برقم (5109) . لكن يرى ابن الجوزي وابن العربي ومكي بن أبي طالب أن الآية مُحْكَمة وليست منسوخة، وإنما السنة جاءت بالتخصيص. انظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 269، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 162 - 167 ، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي ص 184. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ولأنه دليل شرعي فَيَنْسَخ كسائر الأدلة. ولأنه يخصِّص الكتاب فينسخه؛ لأن النسخ تخصيص في الأزمان (1) . والجواب عن الأول: أن الآية إنما اقتضت التحريم إلى تلك الغاية فلا ينافيها ورود (2) تحريم بعدها، وإذا لم ينافِها (3) لا يكون نسخاً (4) ، لأن من شرط النسخ التنافي (5) . وعن الثاني: أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال*، فيُحمل العام على حالة عدم القرابة المذكورة (6) . سلمناه لكنه تخصيص، ونحن نسلمه إنما النزاع في النسخ. وعن الثالث: الفرق، أن تلك الأدلة المتفق عليها مساوية أو أقوى (7) ، وهذا رجوع (8) ، فلا يلحق بها. وعن الرابع: أن النسخ إبطال لما اتصف بأنه مراد، فيحتاط فيه أكثر من التخصيص؛ لأنه بيانٌ للمراد فقط. وأما تحويل القبلة فقالوا احتفَّتْ به قرائن وجدها أهل قُبَاء (9) لما أخبرهم المُخْبر من   (1) انظر: المعتمد 1 / 390، التبصرة للشيرازي ص 270، المحصول للرازي 3 / 333. (2) في ن: ((وجود)) . (3) في ن: ((ينافيها)) وهو خطأ نحوي على المشهور لعدم حذف حرف العلة من الفعل المجزوم بـ" لم ". انظر: هامش (3) ص (26) ، وفي ق: ((ينافه)) وهي صحيحة، فيكون مرجع الضمير الغائب: ((ورود تحريم)) ومرجع الضمير الظاهر: ((التحريم)) الذي في الآية. (4) في س: ((ناسخاً)) . (5) معنى هذا الجواب: أن الآية تفيد حصر المحرمات في الماضي إلى وقت نزولها، وليس فيها منافاةٌ لتحريم شيءٍ جديدٍ في المستقبل. انظر: نفائس الأصول 6 / 2497، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 274، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 195. (6) كأنه يقول: وأحل لكم ما بقي من النساء في حالةٍ ما. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 419. (7) في ز: ((قوى)) وهو تحريف. (8) في س: ((مرجوع)) وهو تحريف. (9) قُبَاء: بضمٍّ وفتح، اسم بئر عُرفتْ بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهي قرية على ميلين من المدينة، وجاءت في فضائل مسجدها أحاديث. انظر: معجم البلدان 4 / 342، أما الآن فهو حي من أحياء المدينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 ضجيج أهل المدينة (1) ، وغير ذلك (2) حصل لهم العلم، فلذلك قبلوا تلك الرواية (3) . سلمنا عدم القرائن لكن ذلك فِعْل بعض الأمة، فليس حجة، ولعله مذهب لهم فإنه مسألة خلاف. حكم نسخ السنة بالكتاب ص: ويجوز نسخ السنة بالكتاب عندنا (4) خلافاً للشافعي رضي الله عنه وبعض أصحابه (5) . لنا: نَسْخُ القبلة بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (6)   (1) انظر: المحصول للرازي 3 / 339، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 275. (2) من كون الراوي صحابياً عظيماً يخشى افتضاح كذبه، وأن الصحابة كانوا يتوقعون تغير القبلة، بدليل تشوفه صلى الله عليه وسلم إلى تغييرها، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ... } [البقرة: 144] . انظر: نيل الأوطار للشوكاني 2 / 168. (3) لكن المصنف في نفائس الأصول (6 / 2481) قال: ((والأصل عدم ذلك (أي عدم القرائن) ، والمروي أن المخبر أخبرهم في الصلاة فتحولوا فيها إلى القبلة)) . وذكر الغزالي بأن القول بالقرائن يؤدي إلى إبطال أخبار الآحاد. انظر: المستصفى 1 / 241، وانظر: إحكام الفصول ص 426. (4) هذا مذهب جماهير العلماء. قال مكي بن أبي طالب القيسي: ((وعلى جوازه عامة الفقهاء، وهذا مذهب مالك وجماعة من أهل المدينة وأكثر أهل العلم)) الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 67. انظر: المعتمد 1 / 391، إحكام الفصول ص 424، التلخيص للجويني 2 / 521، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 384، منتهى السول والأمل ص 160، تيسير التحرير 3 / 202. (5) في س: ((أصحابنا)) وهو خطأ واضح؛ لأنه لم ينقل عن أحدٍ من المالكية موافقةً للشافعي في هذه المسألة، بل المنقول فيها عن بعض أصحاب الشافعي. انظر: الإبهاج 2 / 248، البحر المحيط للزركشي 5 / 262. وأومأ إليه الإمام أحمد، انظر: العدة لأبي يعلى 3 / 80. أما مذهب الشافعي في مسألة نسخ السنة بالكتاب فقد حُكِى فيه قولان، الجواز وعدمه، وعبارة الشافعي في الرسالة تفيد امتناع نسخ السنة بالقرآن. قال رحمه الله: ((فإن قال قائل: هل تُنسخ السنة بالقرآن؟ قيل: لو نُسِخت السنة بالقرآن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه سنةٌ تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتىتقوم الحجة على الناس، بأن الشيء يُنْسخ بمثله)) الرسالة ص 110، وقال: ((وهكذا سنة رسول الله لا ينسخها إلا سنة رسول الله)) الرسالة ص 108. وهناك من العلماء من عدَّ هذه هفوةً للشافعي رحمه الله وهناك من أوّل كلامه، انظر بحث ذلك في: قواطع الأدلة 3 / 176، جمع الجوامع بشرح المحلِّي وحاشية العطار 2 / 112، البحر المحيط للزركشي 5 / 260 - 279 ، الآيات البينات للعبادي 3 / 188 - 195. (6) البقرة، من الآية: 144. وجاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله يحب أن يُوجّه إلى الكعبة، فأنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [البقرة: 144] فتوجَّه نحو الكعبة. رواه البخاري (399) واللفظ له، ومسلم (525) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ولم يكن التوجه لبيت (1) المَقْدِس ثابتاً بالكتاب (2) عملاً بالاستقراء (3) . الشرح في كون التوجه لبيت المقدس ليس من القرآن، فيه نظر، من جهة أن القاعدة أن كل بيان لمُجْملٍ يُعدُّ مراداً [من ذلك] (4) المجمل وكائناً فيه (5) . والله تعالى قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} (6) ولم يبين صفتها، فبينها عليه الصلاة والسلام بفعله لبيت (7) المقدس [فكان ذلك مراداً بالآية، كما أنَّا نقول في قوله عليه الصلاة والسلام: ((فيما سَقَت السماءُ العُشْر)) (8) بيان لقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} (9) وهو مراد منها،   (1) ساقطة من س. (2) اختلف العلماء في قبلة بيت المقدس المنسوخة، هل كانت ثابتة بالكتاب أو بالسنة؟ أ - أكثر العلماء على أن التوجه لبيت المقدس ليس في القرآن ذكره. قال القاضي عياض: ((الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنةٍ لا بقرآن)) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 5 / 9، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 151، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 149. ب - رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان عن أمر الله، لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ... } [البقرة: 143] ، قال ابن العربي: ((فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس بأمرٍ منه، لأن هذا مما لا يدرك بالاجتهاد ... )) الناسخ والمنسوخ له 2 / 46. ثمرة الخلاف: إن كان التوجه بأمر الله فهو نسخ قرآن بقرآن، وإن كان باجتهاده وفعله صلى الله عليه وسلم فهو نسخ سنة بقرآن. انظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص 191، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 146، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص 109 - 112. (3) الاستقراء في اللغة: من القَرْو، واسْتَقْرَيْتَ البلادَ: تَتَبَّعْتَها، تخرج من أرضٍ إلى أرضٍ. انظر لسان العرب مادة " قرأ ". واصطلاحاً: هو تتبُّع الجزئيات كلِّها أو بعضها للوصول إلى حكمٍ عامٍ يشملها جميعاً. انظر: الكليات للكفوي ص 105، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 249، وانظر تعريف المصنف له: ص 502. (4) في ص: ((بذلك)) ، وفي س: ((لذلك)) . (5) سبق أن ذكر هذه القاعدة المصنف. (6) البقرة، من الآية: 43. (7) في ز: ((إلى البيت)) . (8) رواه البخاري (1483) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريّاً العُشْر، وما سُقي بالنَّضْج نصف العشر)) . (9) البقرة، من الآية: 43. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وكذلك هاهنا، وهو القاعدة: أن كل بيان لمجملٍ يُعدُّ مراداً من ذلك المجمل، فكان التوجه لبيت المَقْدِس] (1) بالقرآن بهذه الطريقة (2) . حجة الشافعي (3) رضي الله عنه قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4) فجعله عليه الصلاة والسلام مبيِّناً بالسنة للكتاب المنزل، فلا يكون الكتاب ناسخاً للسنة، لأن الناسخ مبيِّن للمنسوخ، فيكون كل واحد منهما مبيِّناً لصاحبه فيلزم الدَّوْر (5) . والجواب عنه: أن الكتاب والسنة ليس كل واحد منهما محتاجاً للبيان، ولا وقع فيه النسخ، فأمكن أن يكون بعض الكتاب بياناً لبعض السنة، والبعض الآخر الذي لم يبينه الكتاب [بياناً للكتاب] فلا دور، لأنه لم يوجد شيئان (6) كل واحد منهما متوقف على الآخر، بل الذي يتوقف عليه من السنة غير متوقف، [والبعض المتوقف عليه من الكتاب غير متوقف (7) . سلمناه، لكنه معارَض بقوله تعالى في حق الكتاب العزيز: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} (8) ، والسنة شيء، فيكون الكتاب تبياناً لها، فينسخها وهو المطلوب (9) .   (1) ما بين المعقوفين ساقط في س، من قوله [فكان ذلك مراداً بالآية ... - إلى قوله - ... لبيت المقدس] . (2) انظر: نفائس الأصول 6 / 2486، نهاية السول 2 / 581، رفع النقاب القسم 2 / 417، منهج التحقيق والتوضيح للشيخ محمد جعيط 2 / 113 وقد جوّد هذا الكلام الطوفي في: شرح مختصر الروضة (2 / 318) لكن الاصفهاني دفع هذا بأن كلام الرازي في محصوله (3 / 340) أن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالكتاب نصاً ومنطوقاً، والذي ذكره القرافي هنا أنه كالمنطوق به، وفرق بين المنطوق به والمشبه بالمنطوق به. انظر: الكاشف عن المحصول 5 / 284. (3) انظر معنى هذه الحجة في الرسالة للشافعي ص 111 - 113، وانظر: المحصول للرازي 3 / 342، نهاية السول 2 / 584. (4) النحل، من الآية: 44. (5) الدَّور لغة: مصدر، يدور، ومنه قولهم: دارت المسألة أي كلما تعلّقتْ بمحلٍّ توقفّ ثبوت الحكم على غيره، فينتقل إليه، ثم يتوقّف على الأول وهكذا. المصباح المنير ص 202. واصطلاحاً: هو توقف كل واحدٍ من الشيئين على الآخر. الكليات للكفوي ص 447، وانظر التعريفات للجرجاني ص 140. (6) في س: ((بيان)) . (7) انظر هذا الجواب في: شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 317، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 197. (8) النحل، من الآية 89 قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} . (9) انظر: أصول السرخسي 2 / 76. وهناك جواب آخر ذكره الرازي في محصوله (3 / 343) فانظره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 حكم نسخ الكتاب بالسنة المتواترة ص: ويجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة لمساواتها له في الطريق العلمي عند أكثر أصحابنا (1) ، وواقع كنسخ الوصية للوارث (2) بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا وصية لوارث)) (3) (4) . ونسخ آية (5) الحبس (6) في البيوت   (1) في المسألة ثلاثة أقوال، الأول: الجواز عقلاً والوقوع سمعاً، وهو مذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين والحنفية والمالكية وبعض الشافعية ورواية عن أحمد وبعض الحنابلة. الثاني: عدم الجواز سمعاً، وهو قول الشافعي وأكثر أصحابه ورواية عن الإمام أحمد، وقول ابن بكير من المالكية. الثالث: يجوز سمعاً لكنه لم يقع، وهو قول ابن سُرَيج من الشافعية، وقواه أبو الخطاب من الحنابلة. انظر: الرسالة للشافعي ص 106، المقدمة في الأصول لابن القصار ص 141، المعتمد 1 / 392، الإحكام لابن حزم 1 / 518، إحكام الفصول ص 417، التبصرة ص 264، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 379، المسودة ص 202، كشف الأسرار للبخاري 3 / 335. (2) آية الوصية المنسوخة هي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] . (3) الحديث روي عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة، وأوردها كلها الشيخ الألباني مع تخريجاتها، ثم قال: ((وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لاشك فيه بل هو متواتر..)) إرواء الغليل 6 / 87 - 96، وانظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص (179) . والحديث أخرجه أبو داود (2870، 3465) ، والترمذي (2121) ، وابن ماجة (2713) وغيرهم. وانظر تحفة الطالب لابن كثير ص 3342، نصب الراية للزيلعي 4 / 403. (4) اختلف العلماء القائلون بنسخ آية الوصية - في تعيين الناسخ لها على أقوال منها: أ - أنها منسوخة بآية المواريث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ..} [النساء: 11] ، وبه قال ابن عمر وعكرمة ومجاهد وغيرهم، وهو رواية عن مالك. ب - أنها منسوخة بحديث: ((لا وصية لوارث)) وهو الرواية الأخرى عن مالك، وبه قال القرطبي. جـ - أنها منسوخة بالحديث مع ضميمة الآية وبه قال الشافعي وابن جزي من المالكية. انظر: الرسالة للشافعي 137 - 139، الإحكام لابن حزم 1 / 524، الناسخ والمنسوخ للنحاس 1 / 480، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 18، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 263، التسهيل في علوم التنزيل 4 / 105، التوضيح لحلولو ص 267. (5) ساقطة من متن هـ. (6) وهي قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 بالرجم (1) . وقال الشافعي رضي الله عنه: لم يقع، لأن آية الحبس في البيوت نُسِختْ بالجلد (2) . الشرح واحتجوا أيضاً [على الوقوع] (3) بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا وصية لوارث)) (4) . نَسَخت الوصيةَ للأقربين الذين في الكتاب، وبقوله عليه الصلاة والسلام: (( لا تُنْكَح المرأة على عَمَّتِها)) (5) الحديث ناسخ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} (6) . وأما قول الشافعي رضي الله عنه إن آية الحبس نُسختْ بالجلد، فذلك يتوقف على تاريخٍ لم يتحقَّقْ، ومن أين لنا أن آية الجلد نزلت بعد آية الحبس؟! بل ظاهر السنة يقتضي خلاف ما قاله، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ((خذوا عني قد جعل الله لهنَّ سبيلاً:   (1) سبق تقرير الخلاف في القول بالنسخ في آية الحبس. واختلف القائلون بالنسخ في الناسخ لها على أقوال منها: أ - أنها منسوخة بآية الجلد في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ... } . [النور: 2] وقد حكى ابن عطية الإجماع على ذلك. ب - أنها منسوخة بآية الجلد وبحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ... )) الحديث رواه مسلم (1690) . جـ - أنها منسوخة بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه السابق، وحديث رجمه صلى الله عليه وسلم لماعزٍ رواه البخاري (6824) وغيره. انظر: الرسالة للشافعي 128 - 132، 248، أحكام القرآن للجصاص 2 / 135، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 262، المحرر الوجيز لابن عطية 4 / 48. (2) انظر: الرسالة للشافعي ص 129، وانظر: المحصول للرازي 3 / 349. (3) في س: ((بالوقوع)) . (4) تقدَّم تخريجه. (5) سبق تخريجه. ومن الغريب أن المصنف أورد هذه الحجة في مسألة نسخ الكتاب بخبر الآحاد، ثم يوردها هنا على مسألة نسخ الكتاب بالخبر المتواتر، فلعلّ هذا عائد إلى اختلاف كل قوم في طريق ثبوته. قال الفخر الرازي: ((وهذا خبر مشهور مستفيض، وربما قيل: إنه بلغ مبلغ التواتر)) التفسير الكبير 10 / 35. (6) النساء، من الآية: 24، وهي آية المحرمات من النكاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 الثيِّب بالثيِّب رَجْمٌ بالحجارة والبكْر بالبكْر جَلْدُ مائة جلدة وتَغْريبُ عام)) (1) فظاهره يقتضي أنه (2) الآن نُسِخ ذلك الحكم (3) . ويرد على الأول: أن الوصية (4) جائزة لغير الوارث إذا كان قريباً فدخله (5) التخصيص، والمُدَّعَى النسخ (6) . وعلى الثاني (7) : أنه أيضاً تخصيص دخل في الكتاب لا نسخ؛ لأن بعض ما أحِلَّ حرم ولا تنازع فيه.   (1) الحديث من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهنَّ سبيلاً، البكْر بالبكْر جَلْد مائةٍ ونفي سنة، والثيّب بالثيّب، جلدة مائة جلدة والرجم)) رواه مسلم (1690) وغيره. لم أطلع في روايات حديث عبادة أن الثيب عليه الرجم فقط، كما ذكر ذلك المصنف، بل جميع ما اطلعتُ عليه أن الثيب عليه جلد مائة جلدة والرجم. وقد ذكر الحازمي في كتابه " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار " ص (473) اختلاف العلماء في حديث عبادة أهو مُحْكم أم منسوخ في حق الزاني المحصن؟ والأكثرون على الثاني، وتمسكوا بأحاديث تدلُّ على النسخ، منها حديث رجمه صلى الله عليه وسلم ماعزاً دون الجلد. البخاري (6824) ، والله أعلم. (2) في س: ((أن)) ، وهي غير مفيدة للمعنى. (3) انظر: نفائس الأصول للمصنف 6 / 2494. وقال أبو بكر الجصاص: ((وأن آية الجلد التي في سورة النور لم تكن نزلت حينئذٍ، لأنها لو كانت نزلت كان السبيل متقدماً لقوله: ((خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً..)) ولما صحَّ أن يقول ذلك، فثبت بذلك أن الموجب لنسخ الحبس والأذى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت وأن آية الجلد نزلت بعده)) أحكام القرآن له 2 / 135. (4) الوصية في اللغة: من أوصى الرجل ووصَّاه: عهد إليه وسُميت وصيّةً لاتصالها بالميت. انظر: لسان العرب مادة: وصي، واصطلاحاً: عَقْدٌ يُوجب حقاً في ثلُث عاقده، يلزم بموته أو نيابةً عنه بعده. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصَّاع 2 / 681.. وفي مواهب الجليل للخطاب (8 / 513) هي: تمليكٌ مضافٌ لما بعد الموت بطريق التبرع. وحكمها: الوجوب عند بعض العلماء، والجمهور على الندب. انظر: الذخيرة للقرافي 7 / 6. (5) في س: ((فيدخله)) . (6) من العلماء من رجَّح أن آية الوصية محكمة غير منسوخة، بل هي عامة دخلها التخصيص في الوالدين من غير رقٍّ أو اختلاف دِيْن وفي الأقربين الوارثين. أما ما عدا ذلك فلهم الوصية، وهو رأي الطبري في تفسيره 2 / 158، والنحاس في الناسخ والمنسوخ 1 / 486، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن 1 / 218. (7) وهو ادِّعاء أن حديث ((لا تُنْكح المرأة على عمتها)) نسخ قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} وقد مرَّ جوابٌ للمصنف نحواً من هذا في ص (86) ، وانظر هامش (8) ص (85) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 حكم نسخ الإجماع والنسخ به ص: والإجماع لا يُنْسخ ولا يُنْسخ به (1) . الشرح هذا نقل " المحصول " (2) ، وقال " الشيخ سيف الدين " (3) : كون الإجماع يُنْسخ الحكمُ الثابت به (4) نفاه الأكثرون وجوَّزه الأقلُّون (5) ، وكون الإجماع ناسخاً منعه الجمهور (6) . وجوَّزه بعض المعتزلة وعيسى بن أبَان (7) .   (1) شرح هذه المسألة الذي هنا منقول من نفائس الأصول (6 / 2500 - 2503) بحروفه تقريباً. (2) المحصول في علم الأصول للفخر الرازي من أجلِّ كتب الأصول وأفخرها. ذكر الإسنوي أن استمداد المحصول كان من المعتمد لأبي الحسين البصري، والمستصفى للغزالي. وذكر ابن خلدون بأن الإمام الرازي أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج. له شرحان كبيران: نفائس الأصول للقرافي (ط) ، الكاشف عن المحصول للأصفهاني (ط) ، له مختصرات كثيرة منها الحاصل (ط) ، والتحصيل (ط) وغيرهما. انظر: نهاية السول 1 / 4، مقدمة ابن خلدون 3 / 1065. (3) انظر كتابه: الإحكام في أصول الأحكام 3 / 160 - 161. (4) ساقطة في س. (5) لم أقف على تسمية هؤلاء الأقلِّين. (6) قال ابن العربي: ((اتفق علماؤنا على أن الإجماع لا يَنْسَخ، لأنه ينعقد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتجديد شرعٍ بعده لا يتصور، وهذا الظاهر على الجملة، بَيْد أن فيه تفصيلاً بديعاً: وذلك أن الإجماع ينعقد على أثرٍ ونَظَرٍ، فإن كان الإجماع على نَظَرٍ لم يَجُزْ أن يَنْسَخ، وإن انعقد على أثرٍ جاز أن يكون ناسخاً، ويكون الناسخ الخبر الذي انبنى عليه الإجماع)) . الناسخ والمنسوخ له 2 / 19. (7) انظر تفصيل هذه المسألة والأقوال فيها في: المعتمد 1 / 400، الإحكام لابن حزم 1 / 530، إحكام الفصول ص 428، أصول السرخسي 2 / 66، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 388، نهاية الوصول للهندي 6 / 2366، كشف الأسرار للبخاري 3 / 334، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 528، التلويح للتفتازاني 2 / 79. أما عيسى بن أبَان فهو: عيسى بن أبَان بن صدقة، أبو موسى الحنفي، كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي؛ تفقّه على محمد بن الحسن الشيباني، تولّى قضاء العسكر ثم قضاء البصرة من تآليفه: " اجتهاد الرأي "، " خبر الواحد "، " إثبات القياس " ت عام 221 هـ. انظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 151، الجواهر المضيّة في تراجم الحنفية 1 / 401. وقد جُمِعتْ أقواله الأصولية في رسالة ماجستير بجامعة أم القرى عام 1415 هـ إعداد الباحث / أحمد باكر الباكري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وبنى الإمام فخر الدين هذه المسألة على قاعدةٍ (1) وهي: أن الإجماع لا ينعقد في زمانه عليه الصلاة والسلام، لأنه بعض المؤمنين بل سيّدهم، ومتى وُجِد قوله عليه الصلاة والسلام فلا عبرة بقول (2) غيره (3) ، وإذا لم ينعقد إلا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لم يمكن (4) نَسْخُه بالكتاب والسنة لتعذرهما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، ولا بالإجماع لأن هذا الإجماع الثاني إن كان لا عن دليل فهو خطأ، وإن كان عن دليل فقد غفل عنه الإجماع الأول فكان خطأً، والإجماع لايكون خطأً (5) ، فاستحال النسخ بالإجماع (6) . ولا بالقياس لأن من شرطه أن لا يكون على خلاف الإجماع، فيتعذر (7) نسخ الإجماع مطلقاً. وأما كون الإجماع ناسخاً فقال (8) : لا يمكن أن يَنْسَخ كتاباً ولا سنةً؛ لأنه يكون على خلافهما فيكون خطأً، ولا إجماعاً (9) لأن أحدهما يلزم أن يكون خطأً لمخالفته لدليل الإجماع الآخر، ولا قياساً (10) لأن من شرط القياس عدم الإجماع، فإذا أجمعوا على خلاف حكم القياس زال القياس لعدم شرطه (11) .   (1) انظر: المحصول للرازي 3 / 354. (2) ساقطة من س. (3) انظر ردّ المصنف على الرازي في قوله: ((فلا عبرة بقول غيره)) في نفائس الأصول 6 / 2501، ثم انظر تعقيب الأصفهاني على هذا الرد في: الكشاف عن المحصول 5 / 302. (4) في س: ((يكن)) . (5) ساقطة من ن. (6) هنا زيادة: ((فيتعذر نسخ الإجماع مطلقاً)) وهي تكرار لا داعي لها. (7) في ص: ((فاستحال)) . (8) أي الإمام فخر الدين. انظر: المحصول 3 / 357. (9) في ن: ((إجماع)) وهو خطأ فيما يبدو لي، لأنها معطوفة على منصوب، والعاطف حرف الواو، و" لا " زائدة لتوكيد النفي. انظر: مغني اللبيب 1 / 468. (10) في ن: ((قياس)) انظر الهامش الآنف الذكر. (11) أورد المصنف في نفائس الأصول (6 / 2502) إشكالاً على الرازي في كون الإجماع لا يُنسخ به مع أنه يُخصص به، لأن التخصيص لابد له من مستند، فكذا في النسخ، ويكون ذلك المستند هو الناسخ. وقد ردّ هذا الإشكال الأصفهاني في الكاشف عن المحصول 5 / 300. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وهذه الطريقة مشكلة بسبب أنَّ وجود (1) النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع وجود الإجماع، لأنه عليه الصلاة والسلام شهد لأمته بالعصمة فقال: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) (2) وصفة المُضَاف غير المضاف إليه، وهو عليه الصلاة والسلام لو شهد لواحدٍ في زمانه عليه الصلاة والسلام بالعصمة لم يتوقف ذلك على أن يكون بعده عليه الصلاة والسلام، فالأمة أولى (3) . ثم إنه نقض هذه القاعدة بعد ذلك فقال* (4) : يمكن نسخ القياس في زمانه عليه الصلاة والسلام بالإجماع، فصرح بجواز انعقاد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام (5) .   (1) ساقطة من س. (2) لم أجده بهذا اللفظ فيما اطلعتُ عليه من كتب السنة، بل فيها لفظ " ضلالة " بدلاً من " خطأ "، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 6 / 396، وأبو داود (4253) ، والترمذي (2167) ، وقال عنه: غريب من هذا الوجه، وابن ماجة (3950) وقال البوصيري: إسناده ضعيف. قال ابن حجر في: تلخيص الحبير (3 / 295) : ((حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحدٌ منها من مقال)) وقال الزركشي: ((واعلم أن طرق هذا الحديث كثيرة ولا يخلو من علّة وإنما أوردتُ منها ذلك ليتقوى بعضها ببعض)) المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ص 62. وقال الحاكم - بتصرف - في مستدركه (1 / 116) : ((لابد أن يكون له أصل وله شواهد، لا أدعي صحتها ولا أحكم بتوهينها، بل يلزمني ذكرها لإجماع أهل السنة على هذه القاعدة من قواعد الإسلام)) . وانظر كلاماً للخطيب البغدادي في الحديث في: الفقيه والمتفقه 1 / 424. والحديث حسَّنه الألباني بطرقه في سلسلة الأحاديث الصحيحة، الجزء الثالث (1331) . (3) انظر: نفائس الأصول 1 / 2500. والجواب عما أورده مشكلةً أن يقال: إن الإجماع لا ينعقد بمخالفته، ومع موافقته العبرة بسنته، وحينئذٍ يتوجه النسخ إلى مستند الإجماع. انظر: المعتمد 1 / 40، الإحكام لابن حزم 1 / 530، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 19، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 298 - 299. (4) أي: الرازي في محصوله 3 / 358. (5) قال تاج الدين الأرموي عن هذا التناقض في كتابه: الحاصل من المحصول (2 / 664) : ((وفيه إشكال)) ، وعبّر عنه سراج الدين الأرموي في: التحصيل من المحصول (2 / 28) بأن فيه نظر. وذكر هذا التناقض ابن السبكي في الإبهاج (2 / 254 - 255) دون أن يجيب عنه. وأما الأصفهاني فاعتذر عنه بأنه وقع سهواً من الإمام، انظر: الكاشف عن المحصول (5 / 308) ، وبمثله أجاب الإسنوي في نهاية السول (2 / 594) . أما العبادي في الآيات البينات (3 / 179) فلم يرتضِ جواب السهو وقال بأن قول الرازي بإمكان نسخ القياس في زمانه صلى الله عليه وسلم بالإجماع، أي: على تقدير انعقاده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وأما سيف الدين فلم يقل ذلك، بل قال: الإجماع الموجود بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لا ينسخ بنص ولا غيره إلى آخر (1) التقسيم (2) . وقال أبو الحسين البصري في " المعتمد " (3) - الموضوع له في أصول الفقه - كما قاله المصنف، ثم قال: إن قيل: أيجوز (4) أن يُنْسَخ إجماعٌ (5) وقع في زمانه عليه الصلاة والسلام؟ قلنا: يجوز، وإنما منعنا (6) الإجماع بعده أن يُنْسخ، وأما في حياته فالمنسوخ الدليل الذي أجمعوا عليه لا حكمه (7) . وقال أبو إسحاق: ينعقد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام (8) .   (1) في ن: ((أخير)) وهو تحريف. (2) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 160. (3) المعتمد هو أحد الكتب الأربعة التي اعتبرها ابن خلدون في مقدمته (3 / 1065) بأنها أركان هذا العلم، (العمد، المعتمد، البرهان، المستصفى) وهو مصدر أصيل في آراء واستدلالات المعتزلة، وقفتُ على طبعتين له، الأولى: بتهذيب وتحقيق / محمد حميد، وتعاون محمد بكر وحسن حنفي في مجلدين، دمشق: المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية عام 1384 هـ، والأخرى: تقديم وضبط / الشيخ خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت. انظر: الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبو سليمان ص 226 وما بعدها. (4) في ق، ن: ((يجوز)) . والمثبت من س، وهو الموافق لما في المعتمد 1 / 401. (5) في ن: ((إجماعاً)) ، فيكون تقدير العبارة: أيجوز أن يَنْسخ الله حكماً أجمعت عليه الأمة؟ انظر: المعتمد 1 / 401. (6) في ن: ((معنى)) وهي بلا معنى. (7) لعلَّ غرض المصنف من سوق هذا النقل عن أبي الحسين البصري ليُفْهم منه تجويز انعقاد الإجماع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن هيهات! لأن أبا الحسين صرَّح قبل هذه النقل عنه بأسطرٍ فقال: ((ومعلوم أن الإجماع إنما انعقد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم)) المعتمد 1 / 401. فإيراد أبي الحسين هذا إنما هو السؤال هنا على سبيل التقدير والفَرْض والتقسيم العقلي، وهو لا يدلُّ على الوقوع. وانظر: الكاشف على المحصول للأصفهاني 5 / 309. (8) هكذا نقل المصنف هنا عن أبي إسحاق الشيرازي، والذي نقله في النفائس (6 / 2503) عنه أنه لا ينعقد في زمانه صلى الله عليه وسلم، والنقل الذي في النفائس هو الصواب كما في شرح اللمع (1 / 490) حيث قال: ((ولا يتصور الإجماع في زمانه ... )) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وقال ابن بَرْهان في كتاب " الأوسط " (1) : ينعقد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام (2) . وجماعةٌ من المصنِّفين وافقوا الإمام فخر الدين على دعواه على ما فيها من الإشكال (3) . وحجة الجواز لمن خالف (4) في هذه المسألة، فهي مبنية على أنه يجوز أن ينعقد إجماع بعد إجماعٍ مخالفٍ له، ويكون كلاهما حقاً، ويكون انعقاد الأول مشروطاً بأن لا يطرأ عليه إجماع آخر وهو شذوذ من المذاهب، فبُنِيَ (5) الشاذ على الشاذ، والكل ممنوع. حكم نسخ الفحوى والنسخ به ص: ويجوز نسخ الفَحْوى (6) - الذي هو مفهوم الموافقة - تبعاً* للأصل، ومنع أبو الحسين (7) من نسخه مع بقاء الأصل دفعاً للتناقض بين تحريم التأفيف - مثلاً -   (1) كتاب الأوسط: هو واحدٌ من الكتب الأصولية الستة لابن برهان وهي: الوجيز، الأوسط، البسيط، الوسيط، التعجيز، الوصول إلى الأصول. والأخير منها مطبوع، والكتب الأخرى لم أقف عليها، وقد نقل بعض علماء الأصول من كتاب الأوسط كالقرافي هنا، والإسنوي في نهاية السول، والزركشي في البحر المحيط، والشوكاني في إرشاد الفحول. انظر: مقدمة: كتاب الوصول إلى الأصول لابن برهان، تحقيق د. عبد الحميد أبو زنيد ص 31. (2) هكذا نَقَل المصنف هنا عن ابن برهان، والذي نقله في النفائس (6 / 2503) عنه أنه لا ينعقد، والنقل الذي في النفائس هو الصواب، كما قاله الزركشي: ((والذي وجدتُه في الأوسط لابن برهان في الكلام على حجية الإجماع أنه إنما يكون حجة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم)) البحر المحيط 6 / 454، وهكذا وجدتُ كلام ابن برهان في الوصول (2 / 51) ظاهره أن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. (3) انظر: إحكام الفصول ص 428، أصول السرخسي 2 / 66، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 317، البحر المحيط للزركشي 5 / 284، نشر البنود 1 / 282. (4) في ن: ((خلافه)) . (5) في س: ((فينبني)) . (6) الفحوى، لغة: معنى ما يعرف من مذهب الكلام، وفهمْتُهُ من فحوى كلامه، أي: معناه ولحنه. انظر مادة " فحا " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: هو إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى. وهو مفهوم الموافقة الأولوي، ويسميه الأحناف: دلالة النص. انظر: شرح تنقيح الفصول للمؤلف ص 54 (المطبوع) ، كشف الأسرار للبخاري 1 / 184. (7) انظر: المعتمد 1 / 405. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وحِلِّ الضرب (1) . ويجوز النسخ به وفاقاً (2) لفظيةً كانت دلالته أو قطعيةً على الخلاف. الشرح قال الإمام فخر الدين: اتفقوا على جواز نسخ الأصل والفحوى معاً، وأما نسخ الأصل وحده فإنه يقتضي نسخ الفحوى، [لأن الفحوى تبع. وأما نسخ الفحوى] (3) مع بقاء الأصل فمنعه أبو الحسين (4) ، لئلا يَنْتَقِض الغَرَض [في الأصل] (5) كما تقدَّم في (6) التأفيف، فتحريمه لنفي العقوق وإباحة الضرب أبلغ في العقوق، فيبطل المقصود من تحريم التأفيف (7) . وقال سيف الدين (8) : تَرَدَّد قول القاضي عبد الجبار (9) في نسخ الفحوى دون   (1) مسألة نسخ الفحوى فيها ثلاثة أوجه، الأول: نسخ الفحوى والأصل معاً، كنسخ تحريم الضرب تبعاً لنسخ تحريم التأفيف، فهذا جائز بالاتفاق. والثاني: نسخ الفحوى مع بقاء الأصل، فهذا جوزه بعض العلماء ومنعه آخرون. الثالث: نسخ الأصل مع بقاء الفحوى، فهذا كذلك جوزه بعضهم ومنعه آخرون. وهناك تفصيلات أخرى في المسألة. انظر: المعتمد 1 / 404، المحصول للرازي 3 / 360، الاحكام للآمدي 3 / 165، مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2 / 200، المسودة ص 221، مفتاح الوصول ص 600، البحر المحيط للزركشي 5 / 300، التوضيح لحلولو ص 268، رفع النقاب القسم 2 / 429، شرح الكوكب المنير 3/ 576، فواتح الرحموت 2 / 155. (2) مسألة: النسخ بالفحوى، حكى الرازي (3 / 361) ، والآمدي (3 / 165) ، الاتفاق على جوازه، لكن ذكر ابن السبكي عن إدعاء الاتفاق بأنه ليس بجيد، ونقل الخلاف في المسألة. وتعجّب الزركشي من حكاية الاتفاق، واختار أبو إسحاق الشيرازي المنع. انظر: اللمع للشيرازي ص 30، قواطع الأدلة 3 / 93، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لابن السبكي 4 / 105 - 106، البحر المحيط للزركشي 5 / 301، الضياء اللامع لحلولو 2 / 102، رفع النقاب القسم 2 / 432. (3) ما بين المعقوفين ساقط من س. (4) انظر: المعتمد 1 / 504. (5) ساقطة من ن، وفي ق: ((في ذلك)) . (6) في ق: ((من)) . (7) انظر: المحصول للرازي 2 / 360. (8) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 165. (9) هو: القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، أبو الحسن الهَمَذَاني - نسبةً إلى هَمَذَان مدينة بالجبال نحو العراق - إمام المعتزلة في زمانه، شافعي المذهب، عدّ ابن خلدون في مقدمته (3 / 1065) كتابه: " العمد " من أركان فن أصول الفقه، ومن تآليفه: المغني في أبواب التوحيد والعدل (ط) وهو كتاب كبير جداً، تنزيه القرآن عن المطاعن (ط) . ت عام 415هـ. انظر: شرح العيون للجشيمي ص365، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 5 / 97. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 الأصل، فجوزه تارة ورآه من باب التخصيص؛ لأنه نص على الجميع، ثم خصص البعض (1) ، ومنعه مرة للتناقض، ونقْضِ الغرض (2) . وقولي: ((كانت دلالته لفظيةً أو قطعيةً)) : أريد بالقطعية العقلية (3) الذي هو القياس، فإن الناس اختلفوا في تحريم الضرب مثلاً في تلك الآية (4) : هل هو ثابت بالقياس على تحريم التأفيف* بطريق الأولى، أو هو بدلالة اللفظ عليه التزاماً (5) لا بالقياس (6) ؟. فإن كانت [دلالته التزاماً] (7) صحَّ النسخ بها، أو قياساً صحَّ النسخ بها، لأنه (8) حُكْمٌ [صار مناقضاً] (9) لحكمٍ متقدِّمٍ (10) ، فصحَّ النسخ (11) به كسائر ما يجوز به النسخ. نعم يشترط في المنسوخ أن يكون مثله في السند أو أخفض رتبة.   (1) وجه التخصيص: أن قوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [الإسراء: 33] نَصٌّ عام يقتضي تحريم كل أنواع الأذى، ثم خُصّص من ذلك بعض أنوعه، كالضرب مثلاً، لأن كل واحدٍ من الفحوى والأصل له دلالة مستقلة بنفسها. (2) قال في المعتمد 1 / 405: ((ومَنَع منه في الدَّرْس، وهو الصحيح)) . (3) وهو تعبير الرازي في محصوله 3 / 361، فسر معناها المصنف في كتابه: النفائس 6 / 2510: أي العقل أدرك الحكمة التي لأجلها ورد الحكم، فقاس في الصورة التي لم يرد فيها النص. ثم قال: يرد عليه أن القياس ليس يقيناً (قطعياً) لاحتمال الغلط. (4) وهي آية الإسراء: 23: { ... فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} . (5) دلالة الالتزام: عرَّفها المصنف بقوله: هي فهم السامع من كلام المتكلم لازم المسمّى البيِّن. انظر التعريف وشرحه ومثاله في: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 24 - 25. (6) انظر اختلاف العلماء في ثبوت تحريم ضرب الوالدين أهو مستفادٌ بدلالة اللغة أم بالقياس؟ في: الرسالة للشافعي ص 515، إحكام الفصول ص 509، التبصرة للشيرازي ص 227، نفائس الأصول 6 / 2510، جامع الأسرار في شرح المنار للكاكي 2 / 505، أصول الفقه لابن مفلح 3 / 1061. (7) في س، ق: ((دلالة التزام)) . (8) هذا تعليل لجواز النسخ بالفحوى على كلا التقديرين في دلالته، سواء كانت لفظية أم عقلية. (9) هكذا في ن، وفي س، ق: ((طاريءٌ مناقضٌ)) وهو سائغ أيضاً. (10) مثال النسخ بالفحوى: كما لو ورد نصٌ بتحليل الضرب، فيستدلُّ به - عن طريق الفحوى - على نسخ تحريم التأفيف الثابت بنصٍ متقدِّم. (11) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 حكم نسخ القياس والنسخ به مسألة (1) : قال الإمام فخر الدين في " المحصول " (2) : نسخ القياس إن كان في حياته عليه الصلاة والسلام فلا يمتنع رفعه بالنص وبالإجماع وبالقياس، بأن يَنُصَّ عليه الصلاة والسلام في الفرع (3) بخلاف حكم القياس بعد استقرار التعبُّد بالقياس. وأما بالإجماع فلأنه إذا اختلفت الأمة على قولين قياساً، ثم أجمعوا على أحد القولين، كان إجماعهم رافعاً لحكم القياس المقتضي للقول الآخر. وأما بالقياس فبأن ينصّ في صورةٍ بخلاف ذلك الحكم ويجعله معللاً بعلةٍ موجودةٍ في ذلك الفرع، [وتكون أمارة عِليَّتها] (4) أقوى من أمارة عِليِّة (5) الوصف للحكم الأول في الأصل (6) الأول. وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فإنه يجوز نسخه في المعنى وإن كان لا يسمى نسخاً في اللفظ (7) ، كما إذا أفتى المجتهد بالقياس ثم ظفر بالنص أو بالإجماع أو بالقياس المخالف للأول (8) ، فإن قلنا: ((كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ)) (9) كان هذا الوُجْدان ناسخاً لقياسه الأول (10) ، وإن قلنا: ((المصيب واحد)) لم يكن القياس الأول متعبَّداً به (11) .   (1) هذه مسألة: نسخ القياس والنسخ به، وقد نقلها المصنف بأكملها من المحصول (3 / 358 - 360) بتصرفٍ يسيرٍ، وكان ترتيبها الأولوي أن تأتي في المتن بعد مسألة: نسخ الإجماع والنسخ به وقبل نسخ الفحوى والنسخ به كما هي عادة كتب الأصول. انظر المسألة في: المعتمد 1 / 402، إحكام الفصول ص 429، المسودة ص 216، نهاية السول للإسنوي 2 / 593، كشف الأسرار للبخاري 3 / 331، التوضيح لحلولو ص 268. (2) انظر: المحصول للرازي 3 / 358 - 360. (3) في س: ((الفروع)) . (4) في س: ((ويكون أمارة عِلّتها)) ، وفي ن: ((أمارة عليها)) ، وفي ق: ((فتكون أمارته عليها)) . والمثبت من ص، وهو الموافق لما في المحصول 3 / 359. (5) في س: ((علة)) . (6) ساقطة من س. (7) ساقطة من ن. (8) في المحصول للرازي (3 / 359) : ((أو قياسٍ أقوى من القياس الأول على خلافه)) . (9) ستأتي هذه المسألة مبسوطة في الباب التاسع عشر: في الاجتهاد، الفصل السادس: في التصويب، ص 468 (10) هنا زيادة في المحصول 3 / 360: ((لكنه لا يُسمى ناسخاً، لأن القياس إنما يكون معمولاً به بشرط أن لا يعارضه شيء من ذلك)) . (11) قال المصنف في النفائس 6 / 2505: ((لا نسلّم، فقد انعقد الإجماع على أنه يجب على كل مجتهد أن يعمل هو ومن قلّده بما أدى إليه اجتهاده من قياسٍ أو غيره، وإن كان قد أخطأ الحكم المقرر في نفس الأمر - ثم قال - ولا نعني بالتعبد إلا الوجوب ... )) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وأما كون القياس ناسخاً فيمتنع في الكتاب والسنة (1) والإجماع، لأن تقدُّمَها يبطله (2) ، وأما القياس فقد تقدَّم القول فيه (3) . حكم النسخ بالعقل ص: والعقل يكون ناسخاً في حقِّ مَنْ سَقَطَتْ (4) رجْلاه فإن الوجوب ساقط عنه، قاله الإمام (5) . الشرح هذا (6) ليس نسخاً، فإنَّ بقاء المَحَلِّ شرطٌ، وعدمُ الحكم لعدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه ليس بنسخ وإلا كان النسخ واقعاً طول الزمان؛ لطريان (7) الأسباب وعدمها (8) .   (1) قال المصنف في النفائس 6 / 2506: ((قوله (أي الرازي) : نسخ القياس للسنة باطل بالإجماع. قلنا: كيف يُتصوَّر الإجماع مع أن العلماء اختلفوا في تقديم القياس على خبر الواحد، فعلى القول بتقديمه، لا يبعد أن يُتَصوَّر النسخ بأن يستقر التعبد بخبر الواحد، ثم ينص الشرع في زمان النبوة على حكم عليه يقتضي ضدّ مقتضى الخبر، فيبطل مقتضى الخبر)) . (2) هذا التعليل ليس في المحصول، وإنما علّل الرازي امتناع كون القياس ناسخاً بالإجماع. انظر: المحصول 3 / 360. (3) انظره في الصفحة السالفة. (4) انفردت نسخة ق بقولها: ((سَقَطَ فانكسرتْ)) . وهو تعبير لا يفضي إلى الغرض المقصود من سقوط الرجلين، وهو سقوط فرض غسلهما، كما أن المثبت هو عبارة المحصول 3 / 74. (5) عبارة الإمام الرازي في محصوله (3 / 74) في تخصيص العموم بالعقل هي: ((فإن قيل: لو جاز التخصيص بالعقل، فهل يجوز النسخ به؟ قلنا: نعم، من سقطت رجلاه سقط عنه فرض غسل الرجلين، وذلك إنما عُرف بالعقل)) . ظاهر هذه العبارة يتناقض مع ما قرره في باب النسخ (3 / 285 - 286) ((ولا يلزم أن يكون الشرع ناسخاً لحكم العقل، لأن العقل ليس بطريقٍ شرعي، ولا يلزم أن يكون العجز ناسخاً لحكم شرعي لأن العجز ليس بطريق شرعي)) . والصواب أن العقل لا يجوز النسخ به. انظر: إحكام الفصول ص 391، شرح اللمع للشيرازي 1 / 513، رفع النقاب القسم 2 / 433. ولتوجيه ومناقشة قول الرازي انظر: جمع الجوامع لابن السبكي بشرح المحلّي وحاشية البناني 2 / 67، نهاية السول للإسنوي 2/ 551، التوضيح لحلولو ص 269، الآيات البينات للعبادي 3 / 177. (6) ساقطة في س. (7) في س، ق: ((بطريان)) . (8) انظر: نفائس الأصول 5 / 2073. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الفصل الرابع فيما يتوهم (1) أنه ناسخ حكم الزيادة على النص ص: زيادة صلاةٍ على الصلوات أو عبادةٍ على العبادات ليست نسخاً وفاقاً (2) ،   (1) عبّر المصنف هنا: ((بالتوهم)) بينما تعبير الرازي في محصوله (3 / 363) هو: ((فيما يظن أنه ناسخ وليس كذلك)) ، والظن والوهم متباينان، فالظن يستعمل في الراجح، والوهم في المرجوح، وبينهما الشك وهو في الاحتمالين المتساويين. والجواب عن ذلك بأن الإمام نَظَر إلى من أثبت النسخ في هذه المسائل فعبّر بالظن، والمصنف نظر إلى من منعه فعبّر بالوهم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 436. وانظر تعريفات: الظن، والشك، والوهم في: الكليات للكفوي ص 528. (2) هذه المسألة تعرف بمسألة: الزيادة على النص، هل تكون نسخاً؟ والمراد بالزيادة على النص: أن يوجد نص شرعي يفيد حكماً ثم يأتي نص آخر يزيد على الأول زيادة لم يتضمنها، ويسمى النص الأول: المزيد عليه، والثاني: المزيد. انظر كتاب: الزيادة على النص لفضيلة أستاذنا الدكتور عمر بن عبد العزيز ص 26. ولحكم الزيادة على النص حالات؛ بحسب الزيادة، فهي: إما أن تكون مستقلة بنفسها عن النص المزيد عليه، أو لا تكون. فإن كانت مستقلة، فإما أن تكون من غير جنس المزيد عليه، أو تكون من جنسه فإن كانت من غير جنسه كزيادة الحج على الصلاة والزكاة، فهذه لا تكون نسخاً إجماعاً لعدم التنافي بين الزيادة والمزيد عليه، وممن حكى الإجماع والاتفاق على هذا: الجويني في التلخيص 2 / 105، والغزالي في المنخول ص 299، والرازي في المحصول 3 / 363، والطوفي في شرح مختصر الروضة2 / 291، والكاكي في جامع الأسرار 3 / 888، الضياء اللامع 2 / 111. وإن كانت الزيادة المستقلة من جنس المزيد عليه، كزيادة صلاة على الصلوات الخمس، فقد قال جماهير العلماء - وهو الأصح عند الحنفية - أنها ليست بنسخ، وقال بعض العراقيين من الحنفية بأنها نسخ. انظر: كشف الأسرار للبخاري 3 / 361، تيسير التحرير 3 / 220، فواتح الرحموت 2 / 113، بدائع الصنائع للكاساني 2 / 222 - 225. قال فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبد العزيز: ((غير أن المنقول (عن بعض العراقيين) لا يُعكِّر الاتفاق، ولا يمسُّه بالخَرْق، لأن العلماء تصدَّوا له بالإجابة عنه، وزيَّفُوه من أربعة أوجه ... إلخ)) الزيادة على النص ص 31. أما الزيادة غير المستقلة فسيأتي حكمها بعد قليل في عبارة المتن القادمة ص (104) . انظر هذه المسألة في: المعتمد 1 / 405، إحكام الفصول ص 411، أصول السرخسي 2 / 82، المستصفى للغزالي 1 / 222، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 398، الإحكام للآمدي 3 / 170، شرح المعالم في أصول الفقه لابن التلمساني 2 / 41، المغني في أصول الفقه للخبازي ص 259، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 269 - 272. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وإنما جعل أهل العراق (1) الوتر ناسخاً لما فيه من رفع قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} (2) فإن المحافظة على الوسطى تذهب لصيرورتها غير وسطى. الشرح زيادة الحج على العبادات في آخر الإسلام ليس نسخاً لما تقدَّمه من العبادات، لعدم المنافاة، ومن شرط النسخ التنافي. وأما زيادة الوتر لما اعتقد الحنفية أنه واجب (3) صارت الصلوات عندهم ستاً، وكلُّ عددِ زوجٍ لا توسُّط فيه، إنما يمكن التوسُّط في عددِ الفرد، كالخمسة اثنان واثنان وواحدٌ بينهما، أما الستة ثلاثة (4) وثلاثة، [لا يبقى شيء يتوسط] (5) بينهما، فارتفع الطلب المتعلِّق بالوسطى لزوال الوصف، والطلب لذلك حكم شرعي، فقد ارتفع حكم شرعي، فيكون نسخاً (6) .   (1) المراد بهم بعض مشايخ الحنفية من أهل العراق، ولم أقف على أسمائهم. انظر: ميزان الوصول للسمرقندي 2 / 1013، كشف الأسرار للبخاري 3 / 361، التقرير والتحبير 3 / 102. (2) البقرة، من الآية: 238. (3) صلاة الوتر عند أكثر الحنفية واجبة، وعند بعضهم وغيرهم من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية سنة مؤكدة. انظر: شرح فتح القدير لابن الهمام 1 / 436، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 2 / 438، الذخيرة للقرافي 2 / 392، مواهب الجليل للحطاب 2 / 384، مغني المحتاج للشربيني 1 / 451، معونة أولي النهى لابن النجار الفتوحي 2 / 8، المحلَّى لابن حزم 2 / 226. (4) هكذا في جميع النسخ، والصواب أن يقال: ((فثلاثة)) بأن تقْرن الفاء في جواب أمَّا الشرطية، انظر هامش (2) ص (79) . (5) في ق: ((ولا وسط)) بدلاً عما بين المعقوفين. (6) ترَدُّ هذا الحجة بأن النسخ إنما يكون لحكم شرعي، وكون العبادة وسطى أمر حقيقي ليس بحكم شرعي. ثم إن وجوب المحافظة عليها قد ثبت بقوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] والتصريح بها ثانياً موصوفةً بهذه الصفة إظهارٌ لزيادة الاهتمام بشأنها من حيث هي هي، والصفة لمجرد التعريف. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 170، كشف الأسرار للبخاري 3 / 361، شرح البدخشي 2 / 263. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وهذا البحث مبني على أنها سُمِّيت وسطى لتوسُّطها بين عددين، وقيل: لتوسُّطها بين الليل والنهار وهي الصبح، وقيل: لتوسُّطها بين الأعداد الثُّنَائية والرُّبَاعية، وهي (1) الثُّلاثية، فتكون المغرب. وعلى القول الأول تكون العصر، لأن قبلها الصبح والظهر، وبعدها المغرب والعشاء (2) . حكم الزيادة غير المستقلة على النص ص: والزيادة على العبادة الواحدة (3) ليست نسخاً عند مالك* رحمه الله وعند أكثر أصحابه* والشافعي (4) ، خلافاً للحنفية (5) ، وقيل: إن نفت   (1) في ق: ((فتتوسط)) . (2) جمع الحافظ الدمياطي (ت 705 هـ) كتاباً في بيان المراد بالصلاة الوسطى سماه: ((كشف المُغَطَّى في تبيين الصلاة الوسطى)) ، تحقيق مجدي فتحي السيد. عدَّ فيه سبعة عشر قولاً، كما ذكر الشوكاني في المسألة سبعة عشر قولاً في نيل الأوطار (1 / 311) ، ورجَّحا قول الجمهور: بأنها صلاة العصر مستدلين بحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء. رواه البخاري (4533) وليس فيه: ((صلاة العصر)) ، ورواه مسلم واللفظ له برقم (627) ، والخاص (205) . وأما قول الإمام مالك وأصحابه في المسألة فهو أنها: صلاة الصبح. انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1 / 299، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3 / 209، البحر المحيط لأبي حيان 2 / 249. (3) هذه مسألة الزيادة غير المستقلة على النص، كزيادة جزء أو شرط أو صفة، فالجزء كركعة على ركعات الصلاة أو زيادة التغريب على الزنا، والشرط كاشتراط الطهارة لصحة الطواف، والصفة كإيجاب الزكاة في المعلوفة بعد القول بإيجابها في السائمة من الغنم. اتفق العلماء على أن الزيادة إذا وردت مقارنة فإنها لا تكون نسخاً كورود عدم قبول شهادة من حد في قذف زيادة على الجلد، واختلفوا في مجيء الزيادة متأخرة عن المزيد عليه إلى عدة مذاهب، ذكر المصنف منها هنا أربعة، وفي المسألة أقوال أخرى لم يذكرها المصنف، فانظر: المعتمد 1 / 405، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 398، نهاية الوصول للهندي 6 / 2390، كشف الأسرار للبخاري 3 / 361، البحر المحيط للزركشي 5 / 306، الزيادة على النص د. عمر بن عبد العزيز ص 37. (4) هذا المذهب الأول وهو للجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والجبائيين من المعتزلة. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 146، المعتمد 1 / 405، العدة لأبي يعلى 3 / 814، المحصول لابن العربي ص 394، المحصول للرازي 3 / 363، المسودة ص 207، مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص 600، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لابن السبكي 4 / 116. (5) هذا المذهب الثاني انظر: الغنية في الأصول لمنصور السجستاني ص 182، كتاب في أصول الفقه للاّمشي ص 174، المغني في أصول الفقه للخبازي ص 259، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 543، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح للتفتازاني 2 / 85. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 الزيادة ما دل عليه المفهوم (1) الذي هو دليل الخطاب أو الشرط (2) كانت (3) نسخاً وإلا فلا (4) ، وقيل: إن لم يَجْزِ (5) الأصلُ بعدها فهي نسخ وإلا فلا (6) ، فعلى مذهبنا زيادة التغريب (7) [على الجلد] (8) ليست نسخاً، وكذلك تقييد الرقبة بالإيمان (9)   (1) المقصود به مفهوم المخالفة الذي يسمى: دليل الخطاب، وهو: إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. شرح التنقيح (المطبوع) ص 53. والمصنف يريد بالمفهوم هنا: مفهوم الصفة وهو: تعليق الحكم بصفةٍ من صفات الذات، يدل على نفي الحكم عن الذات عند انتفاء تلك الصفة. نهاية السول للإسنوي 2 / 208. (2) مفهوم الشرط: هو تعليق الحكم على شيء بأداة الشرط، يدل على نفي الحكم عما انتفى فيه ذلك الشيء. شرح البدخشي 1 / 433. (3) هنا زيادة: ((الزيادة)) في س. (4) هذا المذهب الثالث، ولم أقف على قائله. انظر: المعتمد 1 / 405، المحصول للرازي 3 / 364، الإحكام للآمدي 3 / 170، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 202. (5) هكذا في جميع النسخ، وهي صحيحة، مأخوذة من جَزَى الشيء يَجْزي بمعنى كفى. وجَزَى عنك الشيء: مَضَى، وبعض الفقهاء يقولون أجْزَى بمعنى قضى. وهي هنا بمعنى الإجزاء. انظر مادة " جزي " في: لسان العرب. (6) هذا المذهب الرابع وهو قول القاضي الباقلاني والقاضي عبد الجبار وابن رشد، واختاره الباجي والغزالي وابن برهان وغيرهم. انظر: المعتمد 1 / 405، إحكام الفصول ص 411، المستصفى 1/ 222، الوصول لابن برهان 2 / 23، الضروري في أصول الفقه ص 85، رفع النقاب القسم 2 / 452. (7) التغريب: الإبعاد، مصدر غَرَّب، والغَرْب: البُعْد، وتغريب الزاني: نفيه عن بلده الذي وقعت فيه الجناية. انظر مادة " غرب " في: المصباح المنير، النهاية في غريب الحديث والأثر. وقد جاء التغريب في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) رواه مسلم (1690) ولفظ ابن ماجة برقم (2550) : ((تغريب سنة)) وقد تقدم الحديث والكلام عليه أهو مُحْكَم أم منسوخ؟ في ص (92) هامش (1) . (8) ما بين المعقوفين ساقط من جميع النسخ ما خلا نسختي م، ز. (9) الوارد في كفارة قتل الخطأ في قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ... } [النساء: 92] ، وأطْلِقتْ في كفارة الظهار في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَة} مِّقَبْلِ أَن يَتَمَاسَّاش [المجادلة: 3] ، كما أطْلِقتْ في كفارة اليمين في قوله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] . والتقييد هو: تناول اللفظ لمعيَّنٍ أو موصوفٍ بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه. انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص 39، 266، الحدود للباجي ص 47، شرح الكوكب المنير 3 / 393. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وإباحة قطع السارق في الثانية، والتخيير بين (1) الواجب وغيره، لأن المنع من إقامة الغير مُقَامه عقلي (2) لا شرعي، وكذلك لو وجب الصوم إلى الشفق (3) . الشرح حجتنا أن الله تعالى إذا أوجب الصلاة ركعتين ركعتين ثم جعلها أربعاً فإن هذه الزيادة لم تبْطِل وجوب الركعتين الأوليين (4) ولا تنافيهما، وما لا ينافي (5) لا يكون نسخاً. فإن قلت: التشهد كان يجب بعد (6) ركعتين والسلام بآخر (7) ذلك (8) ، وبطل ذلك (9) ، وصار في موضع آخر، وهو بعد الأربع (10) ، فقد بطل حكم شرعي فيكون نسخاً.   (1) في س: ((قبل)) وهو تحريف. (2) أي حكم عقلي ويسمى بالإباحة الأصلية والبراءة الأصلية. انظر تعريفها ص 500. (3) الشَّفَق: هو اختلاط ضوء النهار بظلام الليل عند غروب الشمس. وهما شفقان: الأحمر والأبيض، والأحمر قبل الأبيض، وبضيائه يدخل وقت عشاء الآخرة وقيل: الشفق: الحمرة التي في الغروب عند غيبوبة الشمس. عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي 2 / 279، وانظر: لسان العرب مادة: شفق. (4) في س، ن: ((الأولتين)) وهي خطأ، والصواب المثبت؛ لأن تثنية المقصور الزائد على ثلاثة أحرف تجعل آخره ياءً، وتضيف إليه ياءً ونوناً مكسورة في النصب والجر. قال ابن مالك في الألفية: آخِرَ مَقْصور تثنِّي اجْعَلْهُ يا إن كان عن ثلاثةٍ مُرْتقِيَا فكلمة: أوْلَى تصير مثنَّاها: أوْلَيَان في الرفع، وأوْلَيَيْن في النصب والجر. انظر: شرح التسهيل لابن مالك 1 / 91، شرح ابن عقيل 1 / 532. (5) في س، ن: ((يتنافى)) . (6) انفردت بها نسخة ق وهو الأصوب، وفي سائر النسخ ((عَقِيب)) والتعبير بـ" عَقِيْب " بمعنى " بعد " مما لم يجوزه بعض أهل اللغة. انظر مادة " عقب " في: مختار الصحاح، المصباح المنير. (7) في س: ((تأخر عن)) ، وهي ساقطة من ق. (8) ساقطة من ق. (9) ساقطة من س، ن. (10) في س: ((أربع)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 قلت (1) : لا نسلم أن الله تعالى أوجب السلام عقيب الركعتين لكونهما ركعتين بل أوجبه (2) آخر الصلاة كيف كانت ثنائيةً أو ثلاثيةً أو رباعيةً ولا مدخل للعدد في إيجاب السلام (3) ، بل كونه آخر الصلاة فقط، [وكون السلام آخر الصلاة] (4) لم يبطل، بل هو على حاله [فليس هو بنسخ] (5) . وهذا السؤال هو مدرك الحنفية (6) ، واحتجوا أيضاً بأن الركعتين كانتا مجزئتين [والآن هما] (7) غير مجزئتين، والإجْزَاء (8) حكم شرعي فقد ارتفع حكم شرعي، فيكون نسخاً (9) . ولأن إباحة الأفعال بعد الركعتين كانت حاصلة ومع الزيادة بطلت هذه الإباحة والإباحة حكم شرعي ارتفع فيكون نسخاً (10) . والجواب عن الأول: أنَّ معنى [قولنا: هما مجزئتان] (11) ، أنه لم يبقَ شيءٌ آخر يجب على المكلف، وقولنا: لم يجب عليه شيء (12) ، إشارة إلى عدم التكليف، وعدم التكليف حكم عقلي لا شرعي [والحكم العقلي رفعه ليس نسخاً، بدليل أن العبادة إذا وجبت (13) ابتداء فإن وجوبها رافع للحكم (14) العقلي] (15) ، وليس ذلك نسخاً إجماعاً.   (1) في ق: ((قلنا)) . (2) في ن: ((أوجب)) . (3) في س: ((الصلاة)) ، وهو خطأ، لعدم دلالتها على المعنى المراد هنا. (4) ما بين المعقوفين جاء في ق مختصراً هكذا ((وذلك)) . (5) في ق: ((وهو غير نسخ)) ، وفي ن: ((فهو نسخ)) وهو خطأ، لأنه قلْبٌ للمعنى. (6) انظر: تيسير التحرير 3 / 218، فواتح الرحموت 2 / 113. (7) في ق: ((فصارتا)) . (8) الإجْزَاء لغة: الاكتفاء، مِنْ أجْزَأ إجزاءً. انظر: مختار الصحاح مادة " جزأ ". واصطلاحاً: عرَّفه المصنف بقوله: هو كون الفعل كافياً في الخروج عن عهدة التكليف، وقيل: ما أسقط القضاء. شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 77. (9) هذا الدليل الأول للحنفية. (10) هذا الدليل الثاني للحنفية. (11) في ق: ((الإجزاء)) . (12) ساقطة من ن. (13) في ز: ((أوجبت)) . (14) في ز: ((الحكم)) . (15) ما بين المعقوفين ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وعن الثاني: أن إباحة الأفعال (1) بعد الركعتين تابع لكونه ما وجب عليه شيء آخر، وقولنا: ما وجب عليه (2) إشارة إلى نفي الحكم الشرعي، وبراءة الذمة التي هي حكم عقلي، [والتابع للعقلي عقلي] (3) ، فلا يكون رفعه نسخاً. ومثال [نفي الزيادة بالشرط، أن يقول صاحب الشرع: إنْ كانت الغنم سائمةً ففيها الزكاة (4) ، ثم يقول: في الغنم] (5) مطلقاً الزكاة، فإن هذا العموم ينفي مفهوم الشرط المتقدِّم. ومثال المفهوم، أن يقول: في الغنم السائمة الزكاة، ثم يقول: في الغنم الزكاة، فإن هذا العموم رافعٌ للمفهوم المتقدِّم فيكون نسخاً، فإنه رفع ما هو ثابت بدليلٍ شرعي وهو الشرط* أو المفهوم، وهذا التقرير (6) مبني على أن النفي (7) الأصلي قد تقرَّر بمفهوم الشرط ومفهوم الصفة، وأن تقرير (8) النفي الأصلي حكم شرعي، وليس كذلك، لأن الله تعالى لو قال لا أشرع لكم في هذه السنة حكماً ولا أكلفكم بشيء لم يكن لله تعالى في هذه السنة شريعة عملاً بتنصيصه تعالى على ذلك، مع أنه تعالى قد قرَّر النفي الأصلي، وكذلك لما قرَّر رفع التكليف عن المجنون والنائم وغيرهما   (1) في ن: ((الاشتغال)) . (2) ساقطة في س. (3) ساقط من ن. (4) هذا القول على الفَرْض والتقدير، وإلا فقد جاء ما في معناه من حديث أنسٍ أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجَّهَهُ إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وذكر كتاباً طويلاً في صدقة الماشية، فيه: وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاةٌ. رواه البخاري وهذا لفظه (1448) ، ولفظ أبي داود (7651) : ((وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين شاةٌ)) . والسائمة من الماشية: الراعية، يقال: سَامَتْ تسُوم سَوْماً. وأسَامَها صاحبُها: أخرجها إلى المرعى. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مختار الصحاح كلاهما مادة " سوم ". (5) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (6) في س، ق: ((التفريق)) وهو تحريف. (7) في ن: ((المفهوم)) ولا مفهوم لها هنا. (8) في ن: ((التقدير)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 لم يكن ذلك حكماً شرعياً بل إخْبارٌ عن عدم الحكم (1) . والجنوح إلى مفهوم الصفة هو (2) قول القاضي عبد الجبار، وهو مع تدقيقه قد فاته هذا الموضع (3) . ومثال ما لا يجزئ بعد الزيادة: أن الصلاة فُرضتْ مَثْنَى مَثْنَى كما جاء في الحديث (4) ، فلما زيد في صلاة الحضر ركعتان، بقيت الركعتان الأوليان (5) لا تجزئان (6) بدون هذه الزيادة. ومثال ما يجزئء منفرداً بعد الزيادة: زيادة التغريب بعد الجلد (7) ، فإن الإمام لو   (1) في كلام المصنف هذا نظر - والله أعلم - لأنه ممن يرى أن مفهوم المخالفة أو دليل الخطاب حجة، فالحكم المستفاد منه يكون شرعياً لا عقلياً، ولهذا قال الآمدي: ((هذا على القول بإبطال دليل الخطاب، وإن سلمنا أن دليل الخطاب حجة، وأنه يدل على نفي الزكاة عن المعلوفة، فلا يخفى أن وجوب الزكاة فيها يكون رافعاً لما اقتضاه دليل الخطاب فيكون نسخاً)) . الإحكام 3 / 172. على أن القول بالنسخ يمكن أن يُدْفع بأن يُعْتبر قوله ((في الغنم - مطلقاً - الزكاة)) عاماً عَارَضَ مفهومَ قولِهِ ((في الغنم السائمة زكاة)) ، فمن العلماء من يخصِّص العمومَ بالمفهوم، وفي هذا إعمالٌ للدليلين، ومنهم من يقدِّم العام لأنه منطوق ولا يَعْمل بالمفهوم لأنه أضعف. انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص 215، 270، وانظر: نثر الورود للشنقيطي 1 / 307. (2) ساقطة في س. (3) هذا وهم - والله أعلم - من المصنف، لأن مذهب القاضي عبد الجبار هو المذهب الرابع وهو: إذا لم يُجْزئ الأصل بعد الزيادة فنسخ وإلا فلا. كما حكاه عنه جمع كثير من الأصوليين. انظر: المعتمد 1 / 405، المحصول للرازي 3 / 264، الإحكام للآمدي 3 / 261، الإبهاج للسبكي وابنه 2/285. علماً بأن القاضي عبد الجبار وجمهور المعتزلة لا يقولون بمفهوم الصفة ولا الشرط أصلاً. انظر: المعتمد 1 / 142، 154. (4) وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأُقِرَّتْ صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر. رواه البخاري (350) واللفظ له، ورواه مسلم (685) . (5) في ق، ن: ((الأولتان)) والصواب المثبت كما سبق تعليله في هامش (4) ص (106) . (6) في س: ((لا يجزئان)) والصواب المثبت؛ لأن تاء التأنيث تلْزَم الفعل إذا كان فاعله المؤنث ضميراً متصلاً. قال ابن مالك في الألفية: وإنما تلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ مُتَّصِلٍ أو مُفْهِمٍ ذاتَ حِرِ انظر: شرح ابن عقيل 1 / 228. (7) انظر: مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص 599، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 51. وانظر: المبسوط للسرخسي 9 / 43، الذخيرة للقرافي 12 / 88، الحاوي الكبير للماوردي 13/ 193، المغني لابن قدامة 12 / 322. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 اقتصر على الجلد واسْتَفْتى بعد ذلك، فقيل له: لابد من التغريب، فإنه لا يحتاج إلى إعادة الجلد مرةً أخرى، بخلاف المُصلِّي يحتاج إلى إعادة الجميع، ووجه الفرق على هذا المذهب: أن الأصل إذا لم يُجْزيءْ بعد الزيادة اشتدَّ التغيير فكان نسخاً، بخلاف القسم الآخر، التغيير فيه قليل. وأما على أصلنا فهذه (1) الصور كلها ليست نسخاً، أما التغريب فلأنه رافع [لعدم وجوبه] (2) ، وعدم الوجوب حكم عقلي، [ورفع الحكم العقلي ليس] (3) نسخاً. وتقييد الرقبة بالإيمان رافع (4) لعدم لزوم تحصيل الإيمان فيها (5) ، وذلك حكم عقلي، وإباحة قطع الساق في الثانية (6) ليست نسخاً، لأنه رافع لعدم الإباحة وهو حكم عقلي فلا يكون نسخاً. فإن قلتَ: الآدميُّ وأجزاؤه محرَّم مطلقاً، وهذا التحريم حكم شرعي فيكون نسخاً [لِمَا رُفِع] (7) . قلتُ: لنا هاهنا مقامان، أحدهما: أن ندَّعي أن الأصل في الآدمي وغيره عدم الحكم لا تحريم ولا إباحة؛ لأنه الأصل في أجزاء العالم كلها حتى وردت الشرائع،   (1) في س: ((هذه)) وهو خطأ؛ لعدم اقترانها بالفاء في جواب الشرط. انظر هامش (2) ص (79) . (2) في س: ((للعدم)) . (3) في ق: ((ورفعه لا يكون)) . (4) في ن: ((رافعاً)) ولست أعلم لانتصابها وجهاً. (5) انظر الخلاف في اشتراط الإيمان في الرقبة في: بدائع الصنائع للكاساني 6 / 396، رد المحتار ابن عابدين 5 / 135، الذخيرة للقرافي 4 / 64، شرح الزرقاني على مختصر خليل 4 / 175، الحاوي الكبير للماوردي 10 / 461، الروض المربع للبهوتي ص 417، المغني لابن قدامة 13 / 517. (6) تقطع يد السارق في المرة الأولى عملاً بقوله تعالى: {وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، فإذا سرق مرة ثانية تقطع رجله اليسرى، وفي المرة الثالثة خلاف في القطع أو الحبس. انظر الخلاف في المسألة: شرح فتح القدير لابن الهمام 5 / 382، الذخيرة 12 / 197، الحاوي الكبير للماوردي 13 / 321، المغني لابن قدامة 12 / 439، 446. (7) في س: ((لأنه ارتفع)) وهو ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 كما تقرَّر أنه لا حكم للأشياء قبل الشرائع (1) ، فعلى هذا الإباحة رافعة لعدم الحكم لا للتحريم فلا يكون نسخاً. أو نُسلِّم التحريم (2) ، ونقول حكمه التحريم* بمقتضى آدميَّته وشرفه من غير نظر إلى الجنايات، وهذا التحريم باقٍ، ولا تنافي بين تحريمه (3) من حيث هو هو (4) ، وإباحته من جهة الجنايات، كما أن إباحة الميتة من جهة الاضطرار لا تكون نسخاً للتحريم الثابت لها من حيث هي هي، وإنما يحصل التنافي أن لو أبحناه (5) من حيث هو هو، وأبحنا (6) الميتة من حيث هي ميتة، وإذا لم يحصل التناقض لا يكون نسخاً [فلا تكون إباحة يده مع الجناية نسخاً] (7) بل رفعاً (8) لعدم الحكم، فإن أحكام الجناية لم تكن مرتَّبةً (9) ، ثم (10) صارت مرتَّبةً (11) .   (1) حكم الأشياء قبل ورود الشرع، إما أن يكون اضطرارياً كالتنفس في الهواء وغيره، فهذا لابد من القطع بأنه غير ممنوع، وإما أن لا يكون اضطرارياً كأكل الفاكهة ونحوها، فهذا فيه خلاف على أقوال، ذكر المؤلف أحد الأقوال وهو التوقف أو عدم الحكم في الأعيان قبل ورود الشرع. والثاني: أنها على الإباحة، والثالث أنها على التحريم، والرابع: تحكيم العقل بناء على التحسين والتقبيح العقليين. واعلم بأنه لا فائدة من عقد هذه المسألة إذ مجيء الشرع كافٍ في معرفة حكم هذه الأشياء، كما أن الأرض لم تخْلُ من نبي مرسل قال الله تعالى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِير} [فاطر: 24] وقد تظهر فائدتها عند من نشأ في جزيرة أو بَرِّية مقطوعة ولم يَعرفْ شرعاً. انظر بحث المصنف لهذه المسألة في كتابه هذا شرح التنقيح (المطبوع) ص 88، 92، وانظر: كشف الأسرار للبخاري 3 / 193، الإبهاج للسبكي وابنه 1 / 142، شرح الكوكب المنير 1 / 323. (2) هذا المقام الثاني. (3) في س، ن: ((التحريم له)) . (4) ساقطة من ن. (5) في ن: ((أبحنا)) والمفعول به يُعلم من المقام أنه: الآدمي. (6) في ق: ((حل)) . (7) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (8) في ن: ((رفعٌ)) وهو جائزٌ أيضاً، باعتباره خبراً لمبتدأ محذوفٍ تقديره: هو. والمثبت أقعد، وهو على اعتبار أن " بل " عاطفة؛ لمجيء اسم مفرد بعدها. انظر: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان ص 3 / 167. (9) في ق: ((مترتبة)) . (10) ساقطة من ن. (11) في ق: ((مترتبة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وكذلك التخيير بين الواجب وغيره ليس نسخاً (1) ؛ لأنه إذا قيل لك: لِمَ لا تتخير بين صلاة الظهر وصدقة درهم؟ تقول (2) : لأن البدل لم يشرع، فيشير (3) إلى عدم المشروعية، وعدم المشروعية حكم عقلي، فمتى خُيِّر* بين واجب وغيره فقد رفع عدم مشروعية ذلك البدل فقط. ووجوب الصوم إلى الشفق يرفع عدم الوجوب من المغرب إلى الشفق، فهو حكم عقلي (4) ، وبهذه التقريرات (5) يتضح لك ما هو نسخ مما ليس بنسخ، فتأملها. حكم النقص من النص ص: ونقصان العبادة نسخ (6) لما سقط دون الباقي إن لم يتوقَّفْ (7) ، وإن توقَّف   (1) مثَّل له كثير من الأصوليين كما لو أوجب الله غسل الرجلين ثم خير بين الغسل والمسح على الخفين، فلا يكون هذا التخيير نسخاً لوجوب الغسل، لأن عدم التخيير، إنما هو لعدم مشروعية المسح، وعدم المشروعية حكم عقلي. انظر: المحصول للرازي 3 / 368، الإحكام للآمدي 3 / 174، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 455. (2) في ن: ((يقول)) . (3) ساقطة من ن. (4) انظر: نفائس الأصول للمصنف 6 / 1524. (5) في ن: ((التقديرات)) . (6) هذه مسألة: ((النقص من النص)) وقد كتب فيها شيخنا الدكتور عمر بن عبد العزيز بحثاً بديعاً فريداً فانظره. قال الشيخ حلولو: ((أشار غير واحد إلى أن الخلاف الذي في الزيادة جار في نقص جزء من العبادة أو شرطها)) . التوضيح شرح التنقيح ص 272. محل النزاع: اتفق العلماء على أن نسخ ما لا تتوقف العبادة عليه يكون نسخاً له دون باقي العبادة، كما لو قال: أوجبت عليك الصلاة والزكاة، ثم قال: نسخت الزكاة. كما اتفقوا على أن نسخ جزءٍ من العبادة - كركعةٍ من ركعاتها أو شرطٍ كالطهارة أو استقبال القبلة - يكون نسخاً لذلك الجزء أو الشرط. ثم اختلفوا في باقي العبادة - المنقوص منها - هل يتناوله النسخ أم يبقى على ما كان عليه من الحكم السابق؟ اختلفوا على أقوالٍ ثلاثة، ذكر المصنف قولين هما، الأول: أن نقصان العبادة ليس نسخاً لأصلها مطلقاً، والثاني: نسخ جزء العبادة نسخ لها دون الشرط. أما الثالث: فهو إن نقصان العبادة يكون نسخاً لأصلها وهو مذهب بعض المتكلمين وبعض الحنفية. انظر: الفصول في الأصول للجصاص 2 / 280، المعتمد 1 / 414، العدة لأبي يعلى 3 / 837، إحكام الفصول ص 409، شرح اللمع للشيرازي 1 / 524، المستصفى 1 / 221، المحصول للرازي 3 / 373، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2/ 545، شرح الكوكب المنير 3 / 585، تيسير التحرير 3 / 220، فواتح الرحموت 2 / 117، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 119. (7) في متن هـ: ((تتوقف)) وهو خطأ، لأن الفاعل ضمير عائد على " الباقي " وهو مذكر. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 170. والمعنى المراد من العبارة هو: أن نسخ بعض العبادة وبقاء بعضها الآخر إن لم تتوقف صحة الباقي على الساقط فلا يكون نسخ الساقط نسخاً للباقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 قال القاضي عبد الجبار: هو نسخ في الجزء دون الشرط (1) ، واختار الإمام فخر الدين والكَرْخِي (2) عدم النسخ (3) . الشرح مثال نسخ مالا تتوقف عليه العبادة: نسخ الزكاة بالنسبة للصلاة، فإنه لا يكون نسخاً (4) . مثال الجُزْء: ركعة من الصلاة. مثال الشَّرْط: الطهارة مع الصلاة (5) . لنا: أنَّ إيجاب ذلك كله (6) يجري مجرى إثبات الحكم للعموم، وكما أن إخراج بعض صور العموم لا يقدح، فكذلك هاهنا (7) . احتجوا بأن نسخ هذه الركعة مثلاً يقتضي نفي عدم إجْزاء الركعة الباقية، فإنها كانت ما تجزيء ثم صارت تجزيء، ويقتضي رفع وجوب تأخير التشهد إلى بعد الركعة المنسوخة، فإنه ما بقي ذلك بعد النسخ، بل يتعجَّل (8) التشهد عقيب الباقي بعد   (1) وبنحو هذا التفصيل قال القاضي الباقلاني وصححه الباجي. انظر: إحكام الفصول ص 409، الإشارة للباجي ص 387، التلخيص للجويني 2 / 5306، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 408، إرشاد الفحول 2 / 118. (2) هو عبيد الله بن الحسين بن دلال، المعروف بأبي الحسن الكرخي نسبة إلى كَرْخٍ بالعراق، انتهت إليه رئاسة الحنفية، وقد عدُّوه من المجتهدين في المسائل، كان عابداً متعففاً، من تلاميذه: أبو بكر الجصاص، وابن شاهين، من تآليفه: رسالة في الأصول، المختصر في الفقه، شرح الجامع الصغير. ت 340 هـ. انظر: تاج التراجم في طبقات الحنفية لابن قطلوبغا ص 39، الفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي ص 108، وقد جمع شيخنا الدكتور حسين الجبوري أقوال الكرخي الأصولية في رسالة منيفة. (3) وهو مذهب الجمهور من الفقهاء والمتكلمين. انظر المراجع السابقة في أول المسألة، هامش (6) ص 112. (4) لأن كل واحدة منهما عبادة مستقلة، لا تفتقر صحتها إلى الأخرى. انظر: رفع النقاب القسم 2/458. (5) هذا مثال الشرط المنفصل عن العبادة. ومثال الشرط المتصل بها: كاستقبال القبلة للصلاة. وقد حكى المجد بن تيمية الإجماع على أن الشرط المنفصل ليس نسخاً. وحكاية الإجماع محل نظر. انظر: المسودة ص 212، نهاية الوصول للهندي 6 / 2408، البحر المحيط للزركشي 5 / 316. (6) معنى هذا: أن إيجاب الحكم لجميع العبادة. (7) انظر مزيد توضيحٍ لهذه الحجة في: الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 340، رفع النقاب القسم 2 / 460. (8) في ق: ((بتعجيل)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 النسخ، وكانت الركعة الباقية (1) تجزيء إذا فعل معها المنسوخة، والآن وجب علينا إخلاء الصلاة منها، والإجْزاء حكم شرعي (2) . والجواب: أن عدم الإجزاء يرجع إلى إيجاب الركعة الثانية، ونحن قد سلمنا أنه انتسخ (3) ، إنما نتكلَّم في الركعة الباقية. وأما تأخير التشهد، فالتشهد لم يشرع عقيب ركعتين ولا ركعة بل آخر الصلاة، [وما زال يجب آخر الصلاة] (4) ، فما حصل نسخ، وكذلك إجْزاء الصلاة مع المنسوخة كان تابعاً لوجوبها، [ونحن نسلم أن وجوبها] (5) نسخ، إنما النزاع فيما بقي (6) .   (1) ساقطة من ن. (2) انظر هذه الحجج ومناقشها في المستصفى 1 / 221، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 409، بذل النظر للأسمندي ص 360، الإحكام للآمدي 3 / 178، فواتح الرحموت 2 / 117. (3) في ق: ((نسخ)) . (4) ساقط من ن. (5) ما بين المعقوفين ساقط في س. (6) انظر: المحصول للرازي 3 / 374، الإحكام للآمدي 3 / 178. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 الفصل الخامس فيما يُعْرف به النسخ ص: يُعْرف بالنصِّ على الرَّفْع (1) أو على ثبوت النقيض أو الضدِّ (2) ، ويُعْلَم التاريخ (3) : بالنص على التأخير، أو السَّنَة، أو الغزوة، أو الهجرة، ويُعْلَم نسبة ذلك إلى زمان الحكم، أو برواية من مات قبل رواية الحكم الآخر (4) . قال القاضي عبد الجبار (5) : قولُ الصحابي في الخبرين المتواترين هذا قَبْل ذلك مقبول (6) ، وإن لم يُقْبَل قوله في نسخ (7) المعلوم (8) ، كثبوت   (1) هذا هو الطريق الأول من طرق معرفة الناسخ والمنسوخ؛ أن ينص الشارع على النسخ كما في قوله تعالى في آية المصابرة: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ} [الأنفال: 166] ، أو قوله عليه الصلاة والسلام: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ... )) رواه مسلم (977) . (2) الفرق بين الضِّدَّيْن والنقيضين أن الضدَّيْن وصفان وجوديان يتعاقبان موضعاً واحداً يستحيل اجتماعهما، ولكن قد يرتفعان، كالسواد والبياض لا يجتمعان في مكانٍ واحدٍ لكن يمكن أن يكون الشيء لا أسود ولا أبيض بل أخضر مثلاً. أما النقيضان فيستحيل اجتماعهما وارتفاعهما كالعدم والوجود والحركة والسكون. انظر: التعريفات للجرجاني ص 179 مادة " ضدان ". (3) ساقطة من ن. وهذا هو الطريق الثاني، وهو: أن يأتي نص بنقيض الحكم الأول أو بضده ويعلم التاريخ، ولم يمكن الجمع بينهما. مثال النقيض: في آيتي المصابرة من الأنفال 165 - 166، نسِخ ثباتُ الواحد للعشرة، فالتخفيف نقيض للثقل، ووقوف الواحد للاثنين نقيض وقوفه للعشرة. ومثال الضد: تحويل القبلة من جهةٍ إلى أخرى، فالتوجه إلى الكعبة ضد التوجه إلى بيت المقدس. انظر: المحصول للرازي 3 / 377، رفع النقاب القسم 2 / 462. ثم إن معرفة التاريخ تكون بأمور، ذكر المصنف منها ستة. (4) وتوضيح هذه العبارة هو: أن يروي أحدَ الحكمين رجلٌ متقدِّم الصحبة، ويروي الآخرَ رجلٌ متأخِّر الصحبة، فتنقطع صحبة الأول - بموتٍ مثلاً - عند ابتداء الآخر بصحبته، فهذا يقتضي أن يكون خبر الأول متقدِّماً. أما لو دامت صحبة الأول مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصح هذا الاستدلال. انظر: المعتمد 1 / 417، المحصول 3 / 378، شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 344. (5) انظر قوله في: المعتمد 1 / 417، المحصول 3 / 379، البحر المحيط للزركشي 5 / 320. (6) قال غيره: لا يقبل، لأنه يقتضي نسخ المتواتر بخبر الواحد. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 181، رفع النقاب القسم 2 / 468. (7) ساقطة في س. (8) في س: ((العموم)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 الإحْصان (1) بشهادة اثنين بخلاف الرجم وكشهادة النساء في الولادة دون النسب (2) . وقال الإمام فخر الدين (3) : قول الصحابي ((هذا منسوخ)) لا يُقْبل؛ لجواز أن يكون اجتهاداً منه، وقال الكَرْخي: إنْ قال ((ذا (4) نسخ ذاك)) لم يُقْبَل (5) ، وإنْ قال: ((هذا منسوخ)) قُبل؛ لأنه لم يُخَلِّ للاجتهاد مجالاً فيكون قاطعاً به (6) ، وضعَّفه الإمام (7) .   (1) الإحْصَان: مصدر أحْصَن، تقول: أحْصَن الرجلُ إذا تزوّج، والفقهاء يزيدون على هذا: مَنْ وَطِئ في نكاحٍ صحيحٍ، فهذا مُحْصِن ومُحْصَن. وأصل الإحْصَان: المنع، وله معانٍ منها: الإحصان المُوْجب رَجْمَ الزاني، والعفة، والحرية، والتزويج، والإسلام. انظر: المصباح المنير مادة " حصن "، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 323، الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي لابن المبرد الحنبلي 3/ 746. (2) هذا تنظيرٌ للمسألة، كأنَّ سائلاً يقول: كيف قبلتم قوله في نسخ أحد المتواترين للآخر وقوله آحاد؟ . فالجواب: لا جَرَمَ في قبول شهادة شاهدين لإثبات الإحصان مع أنه يترتب عليه الرجم، ولا تقبل شهادتهما في إثبات الرجم نفسه، وكذلك يقبل قول القابلة في نسبة الولد لإحدى المرأتين ويترتب عليه ثبوت النسب لصاحب الفراش، مع أن شهادة المرأة لا تقبل ابتداء في ثبوت النسب. قال المصنف في النفائس 6 / 2535: ((التقدم شرط النسخ، والإحصان شرط اعتبار الرجم، والولادة شرط ثبوت النسب، فقاس أحدهما على الآخر)) . (3) انظر المحصول 3 / 379. (4) في س: ((هذا)) . (5) أي: إذا عيَّن الراوي النَّاسخَ لم يُقْبل؛ لأنه يجوز أن يكون قاله اجتهاداً. انظر: المحصول للرازي 3 / 381، التوضيح لحلولو ص 273. (6) هذه مسألة: قول الصحابي: هذا منسوخ، أو هذا نسخ هذا، هل يقع به النسخ؟ فيها ثلاثة أقوال، الأول: يقع مطلقاً وهو للحنفية. الثاني: لا يقع مطلقاً وهو للأكثرين. الثالث: التفصيل، إذا عيّن الناسخ لم يقبل وإلا قُبل، وهو للكرخي. انظر: المعتمد 1 / 418، العدة لأبي يعلى 3 / 835، إحكام الفصول ص 427، نهاية الوصول للهندي 6 / 2417، التقرير والتحبير 3 / 78، تيسير3 / 222. (7) وجه تضعيفه كما قال: لعلّه قاله - أي الصحابي - لقوة ظنّه في أن الأمر كذلك، وإن كان قد أخطأ فيه. انظر: المحصول 3 / 381، نهاية الوصول للهندي 6 / 2416. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 الشرح متى ثبت نقيضُ الشيء أو ضدُّه انتفى، فكان ذلك دليل الرفع. وأما النص على السَّنَة (1) بأن يقول: كان (2) هذا التحريم سَنَةَ خَمْسٍ، ونعلم (3) أن الإباحة سَنَةَ سَبْعٍ، فتكون الإباحة ناسخة لتأخُر تاريخها، وإن قال: في غزوة كذا، كان (4) ذلك كتعيين السَّنَة، فإن الغزوات معلومة السنين، وينظر نسبة ذلك لزمان الحكم فينسخ المتأخر المتقدم، وكذلك إذا قال قبل الهجرة أو بعدها تتبيّن السَّنَة أيضاً. ونظيرُ قولِهِ: [هذا منسوخ فيقبل] (5) لأنه لم يُخَلِّ للاجتهاد مجالاً قولُهم في الخبر المُرْسَل (6) : هو أقوى من المُسْند (7) عند بعضهم (8) ، لأنه إذا بيَّن (9) السند ورجاله (10) فقد جعل ذلك مجالاً في الاجتهاد في عدالتهم، أما إذا سكت عنه فقد التزمه في ذِمَّتِهِ، فهو أقوى في العدالة ممن لم يلتزم (11) .   (1) في س: ((النسبة)) وهو تحريف. (2) ساقطة من ق. (3) في ن: ((يُعْلم)) . (4) في ق: ((فإن)) . (5) ساقط من ق. (6) انظر تعريفه في هامش (3) ص (288) . (7) المُسْند لغة: المرفوع اسم مفعول من أسند بمعنى: رفع. انظر: لسان العرب مادة " سند ". اصطلاحاً: هو ما اتصل سَنَدُه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: الباعث الحثيث لأحمد شاكر 1 / 144، تدريب الراوي للسيوطي 1 / 199. (8) انظر بحث كون المرسل أقوى من المسند في: هامش (8) ص (289) . (9) في ق: ((تبيّن)) . (10) ساقطة من ق. (11) هناك طرق أخرى يعرف بها النسخ، وطرق ملغاة في اعتبار الناسخية لم يتعرَّض لها المصنف فانظرها في: الإحكام لابن حزم 1 / 497، شرح اللمع للشيرازي 1 / 516، الإحكام للآمدي 3 / 181، تقريب الوصول لابن جزي ص 317، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 273، شرح الكوكب المنير 3 / 563، تيسير التحرير 3 / 222، فواتح الرحموت 2 / 119. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 الباب الخامس عشر في الإجماع وفيه خمسة فصول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 الفصل الأول في حقيقته (1) ص: وهو (2) اتفاق أهل الحلِّ والعَقْد من هذه الأمة في أمرٍ من الأمور (3) . ونعني بالاتفاق: الاشتراك إما في القول أو (4) الفعل أو (5) الاعتقاد. وبأهل الحَلِّ والعَقْدِ: المجتهدين في الأحكام الشرعية (6) . وبأمرٍ من الأمور:   (1) لحقيقة الإجماع اللغوية عدة معانٍ منها: 1 - العزم والتصميم. تقول: أجمعت على السفر، أي: عَزَمْت عليه وأزمَعْته. 2 ـ الاتفاق. تقول: أجمع القوم على كذا. أي: اتفقوا عليه. 3 - الصيرورة إلى الجمع، تقول: أجمع الرجل؛ إذا صار ذا جَمْع. مثل: ألْبَن وأتْمَر إذا صار ذا لبن وذا تمر وسيذكر المصنف هذا المعنى في آخر شرحه لهذا المتن. انظر: لسان العرب، تاج العروس كلاهما مادة " جمع ". (2) في متن هـ: ((وهي)) ويكون مرجعه إلى: حقيقة. (3) هذا تعريف الرازي وسار عليه المصنف والبيضاوي. انظر: المحصول 4/19، شرح البدخشي 2/377. وفي هذا التعريف نظر، إذ ينبغي أن يزاد فيه قيدان، الأول: في عصر من العصور. لأن قوله: " اتفاق " اسم جنس أضيف إلى أهل الحل والعقد، فيعمُّ جميعهم إلى يوم القيامة، وهو باطل. والمصنف استدرك هذا القيد على الرازي في النفائس (6 / 2544) ولم يذكره هنا. القيد الثاني: بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن أكثر العلماء على أن الإجماع لا يكون حجة في عصره صلى الله عليه وسلم، لأنه إن وافقهم كان قوله هو الحجة لاستقلاله بإفادة الحكم، وإن خالفهم لم ينعقد الإجماع بدونه. انظر: هامش (3) ص (97) . وانظر تعريفات أخرى للإجماع في: جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/ 176، الإحكام للآمدي 1/195، منتهى السول والأمل ص 52، نهاية الوصول للهندي 6/2422، كشف الأسرار للبخاري 3/424، المختصر في أصول الفقه لابن اللحَّام ص 74، نشر البنود 2/75، حُجِيَّة الإجماع د. محمد فرغلي ص22. (4) في ن زيادة: ((في)) . (5) في ن زيادة: ((في)) . (6) قال حلولو: ((عبَّر المصنف عن المجتهدين بأهل الحل والعقد، والأول أخص في العبارة، وأفيد للمعنى المقصود، فإن أهل الحل والعقد قد لا يكونون مجتهدين)) التوضيح شرح التنقيح ص274. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 الشَّرْعِيَّات (1) والعَقْلِيَّات (2) والعُرْفِيَّات (3) . الشرح قال إمام الحرمين في " البرهان " (4) : ((لا أثر للإجماع في العقليات (5) ، فإن المعتبر فيها الأدلة القاطعة، فإذا انتصبت لم يعارضْها شِقَاقٌ ولم يَعْضُدْها وفَاقٌ، وإنما يعتبر الإجماع في السمعيات)) . ((وإذا أجمعوا على فعلٍ نحو: أكلهم الطعام دلَّ إجماعهم على إباحته، كما يدل أكله عليه الصلاة والسلام على الإباحة، ما لم تقم (6) قرينة دالة على الندب أو (7) الوجوب)) (8) . فهذا تفصيل حسن.   (1) كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الخنزير وحل البيع. (2) كنفي الشريك عن الله تعالى وحدوث العالم وجواز رؤية الله تعالى. (3) وهي العاديات كإباحة الأغذية النافعة كالخبز، وتحريم الأغذية الضارَّة كالسُّم. والذي في المحصول (4/21) : اللُّغَويَّات بدلاً من العرفيات، ولم يذكرها المصنف، والإجماع في اللغويات نحو: اتفاقهم على أن الفاء للترتيب والتعقيب. وكذلك يقع الإجماع في الدنيويات كالآراء والحروب وتدبير أمور الرعية. واعتبار الإجماع واقعاً في كل هذه الأمور ـ عند من لم يخصصه بالشرعيات فقط ـ إنما كان لأن تلك الأمور العقلية واللغوية والعرفية والدنيوية راجعة إلى الشرع، لأنها قد تترتب عليها أحكام شرعية، فيكون الإجماع فيها حجةً باعتبار ما يترتب عليها لا باعتبار ذاتها. أما مسألة شمول الإجماع للشرعيات واللغويات فمحلّ إجماع، وأما انعقاده في العقليات والدنيويات والعرفيات فمحل خلاف. انظر: ميزان الأصول للسمرقندي ص 765، الإبهاج للسبكي وابنه 2/349، الآيات البينات للعبادي 3/390، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح للتفتازاني 2 / 95، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2/120، الجواهر الثمينة للمشاط ص 190. (4) انظر: البرهان 1 / 458. وانظر: التلخيص لإمام الحرمين أيضاً 3 / 52. (5) مسألة انعقاد الإجماع في العقليات محل خلافٍ، وسيبحثها المصنف في الفصل الخامس: في المجمع عليه ص (182) . لكن يقال هنا: كون الدليل القاطع فيه كفايةٌ في إفادة العلم في العقليات لا يقتضي عدم حجية الإجماع في بعض المسائل العقلية. ولا مانع من تعدد الأدلة في إفادة مدلولٍ واحدٍ. انظر: سلم الوصول للمطيعي 3 / 238. (6) في ق: ((يقم)) والمثبت أرجح. انظر: هامش (11) ص 27. (7) في ن: ((و)) وهو خطأ، لأن القرينة لا تكون دالة على الندب والوجوب في آنٍ واحدٍ. (8) هذه العبارة على مسألة أخرى، وهي: اتفاق أهل الإجماع على فعلٍ أو عمل، وهي في البرهان للجويني 1/456 ـ 457 الفقرات 660، 661، 662. وقد اختصرها المصنف هنا اختصاراً شديداً وبتصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 قال القاضي عبد الوهاب في " الملخص " (1) : اُخْتُلف في انعقاد الإجماع في العقليات، فقيل: لا يُعْلم بالإجماع عقلي؛ لأن العلوم العقلية (2) يجب تقديمها على السمعيات التي هي أصل الإجماع. وقال القاضي أبو بكر رحمه الله (3) : ((العقليات قسمان: ما يُخِلُّ الجهلُ به بصحة الإجماع والعلم به كالتوحيد والنبوة ونحوهما، فلا يثبت بالإجماع (4) ، وإلا جاز ثبوته بالإجماع، كجواز رؤية الله تعالى، وجواز (5) العفو عن الكبائر، والتعبد بخبر الواحد، والقياس ونحو ذلك)) . (6) وقال أبو الحسين في " المعتمد " (7) : ((لا يجوز اتفاقهم على القول والفعل والرضا ويخبرون (8) عن (9) الرضا في أنفسهم، فيدل على حسن ما رضوا به، وقد يجمعون (10) على ترك القول [وترك] (11) الفعل فيدل (12) على أنه غير واجب، ويجوز أن يكون ما تركوه مندوباً إليه، لأن تركه غير محظور)) . فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول (13) وهو قول الإمام فخر الدين في " المحصول " (14) .   (1) لم اهتد إلى توثيق هذا النقل في سائر كتب الأصول. (2) في س: ((العلقلية)) وهو تحريف. (3) انظر قوله هذا في البحر المحيط للزركشي 6 / 492. (4) انظر بحث هذه المسألة في الفصل الخامس ص (182) . (5) ساقطة من ق. (6) هذا شرح المصنف على قوله في المتن: ((ونعني بالاتفاق: الاشتراك، إما في القول أو الفعل أو الاعتقاد)) . (7) انظر: المعتمد 2 / 23 بمعناه. (8) في ن: ((ويخبروا)) ولا وجه له لعدم الجازم أو الناصب، ولكن من النحاة من أجاز نصب الفعل على تقدير " أن " المحذوفة، وذكروا شواهد على ذلك. ونقل السيوطي عن أبي حيان: أن الصحيح قصره على السماع، فلا ينبغي أن يُجعل ذلك قانوناً كُلياً يقاس عليه. انظر: همع الهوامع 2 / 323، وانظر: شرح المفصّل لابن يعيش 7 / 8، 52. (9) ساقطة من س. (10) في ن: ((يجمعوا)) انظر: التعليق في الهامش قبل السابق، وفي ق: ((وإن أجمعوا)) بدلاً من قوله: ((وقد يجمعون)) . (11) في ق: ((أو)) . (12) في ق: ((دل)) . (13) ساقطة من ن. (14) وهو قوله: ((ونعنى بالاتفاق: الاشتراك، إما في القول أو الفعل أو الاعتقاد)) . انظر: المحصول للرازي 4 / 20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 حكم إجماع الأمم السالفة وقال إمام الحرمين في " البرهان " (1) : ((اختلف الأصوليون في الإجماع في الأمم السالفة هل كان حجة؟ ً (2) فقيل: لا، وهو من خصائص هذه الأمة (3) ، وقيل: إجماع كلِّ أمةٍ حجةٌ، ولم يزل ذلك في الملل. وقال القاضي: لست أدري كيف كان (4) الحال؟)) . قال الإمام (5) : ((والذي أراه أن أهل الإجماع إن قطعوا بقولهم في كل أمة فهو حجة؛ لاستناده إلى حجةٍ قاطعةٍ، لأن العادة لا تختلف في الأمم، وإن كان المستند مظنوناً فالوجه الوقف)) . قال الشيخ أبو إسحاق في " اللُّمَع " (6) : ((الأكثرون على أن إجماع غير (7) هذه الأمة ليس بحجة*. واختار الشيخ أبو إسحاق الإسْفَرَاييني أنه حجة)) (8) .   (1) انظر: البرهان 1 / 458. (2) هذا تفريع للقيد المذكور في التعريف: ((من هذه الأمة)) . هل إجماع الأمم السابقة حجة أم لا؟ ذكر المصنف أربعة أقوال: أنه حجة، ليس بحجة، الوقف، التفصيل. قال الأبياري بتصرفٍ: ((ينبغي أن ينظر في هذه المسألة؛ هل لها فائدة في الأحكام وإلا فهي جارية مجرى التاريخ، كالكلام فيما كان عليه الصلاة والسلام قبل البعثة؟ والصحيح عندي بناؤها على أن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ فإن ثبت أنه شرع لنا، افتقر النظر في إجماعهم؛ هل كان حجة عندهم أم لا؟)) . التحقيق والبيان في شرح البرهان ص (965 - 966) . وقال ابن السبكي في الإبهاج 2/349 ((وإن وجب العمل به فيما مضى، لكن انتسخ حكمه منذ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم)) . (3) كرامةً لهذه الأمة، فإن اليهود والنصارى والمجوس قد أجمعوا على أشياء كانت باطلة. انظر: الغنية في الأصول لفخر الأئمة السجستاني ص (31) . والسر في اختصاص هذه الأمة بالصواب في الإجماع أنهم الجماعة بالحقيقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِث إلى الكافَّة، والأنبياء يبعث كل نبي إلى قومه خاصة. انظر: البحر المحيط للزركشي 6 / 396. (4) في ق: ((كانت)) ، وهو صواب أيضاً، لأن " الحال " تذكَّر وتؤنث، فيقال: حال حسن، وحال حسنة. وقد يؤنث بالهاء فيقال: حالة. وحال الإنسان أنثى، والحال من كل شيء مذكَّر. انظر: المذكر والمؤنث للأنباري ص 307، مادة " حول " في: لسان العرب، تاج العروس. (5) إذا أطلق " الإمام " انصرف الذهن إلى الإمام فخر الدين الرازي. لكن هذا القول ليس له، وليس في كتبه: المحصول والمنتخب والمعالم. وإنما هو قول إمام الحرمين في البرهان (1 / 459) فقرة: 666. وانظر: شرح الكوكب المنير 2 / 236. (6) انظر: اللمع ص 186، وشرح اللمع له أيضاً 1 / 702. (7) ساقطة من ن. (8) قال حلولو: ((الصحيح عدم حجيته)) التوضيح شرح التنقيح ص 274. وانظر: الإحكام للآمدي 1 / 225، كشف الأسرار للنسفي 2 / 108، البحر المحيط للزركشي 6 / 394، الضياء اللامع 2 / 243، شرح الكوكب المنير 2 / 236. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 فائدة: تقول العرب: جَمَع الرجلُ قومَه وأجْمَع أمْرَه؛ قاله أبو علي (1) في " الإيضاح " (2) . وتقول: أجْمَع الرجلُ؛ إذا صار ذا جَمْعٍ، مثل: ألْبَنَ إذا صار ذا لَبَنٍ وأتْمَر إذا صار ذا تَمْرٍ (3) ، فقولنا: أجمع المسلمون على وجوب الصلاة يصحُّ بمعنى: صاروا ذوي جَمْعٍ (4) ، وبمعنى: أجْمَعوا رأيهم (5) .   (1) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفَسَوِيّ النحوي، ولد في مدينة فسا، وهي من مدن فارس القديمة. رحل إلى بغداد وحلب وعاد إلى فارس ثم مات في بغداد عام 377هـ. أخذ النحو عن الأخْفَش الصغير، وأبي إسحاق الزَّجَّاج، وابن دُرَيْد وغيرهم. تخرَّج على يده ابن جِنِّي. انتهت إليه الرئاسة في النحو في عصره. انظر: معجم الأدباء للحموي 7 / 232، بغية الوعاة للسيوطي 1 / 496، وفيات الأعيان 2/80. (2) انظره فيه: ص (194) وهذا الكتاب يُسمى بالإيضاح، وبالإيضاح والتكملة، وبالإيضاح في النحو، وهو مطبوع باسم: الإيضاح العَضُدِيّ، ألَّفه أبوعلي الفارسي لعَضُد الدولة بن بُوَيْه ت 372 هـ ليتعلم منه النحو، وهو كتاب سهل ومختصر في قواعد النحو. ويقال إن عضد الدولة استبسطه وقال لأبي علي: ((هذا الذي صنعته يصلح للصبيان)) فمضى أبو علي وصنف كتابه " التكملة " في فن الصرف ليكون تكملة للإيضاح. فلما وَقَفَ عليه عضد الدولة قال: ((غضب الشيخ وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو)) . انظر: مقدمة كتاب الإيضاح العضدي تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، ومقدمة كتاب التكملة تحقيق د. كاظم بحر المرجان. (3) العبارة السابقة جاءت في ق هكذا: ((مثل ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وذا تمر)) . وهذه الهمزة تسمى: همزة الصيرورة، ولمزيد معرفة مباحثها، انظر: شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاستراباذي 1 / 88. (4) قال ابن التلمساني الفهري: ((ومن قال: إن أصله مِنْ أجْمع الرجل إذا صار ذا جَمْع فكان لا ضرورة إليه مع جريانه على الاشتقاق)) . انظر: شرح المعالم في أصول الفقه لابن التلمساني 2 / 54. (5) ... في ق: ((أمرهم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الفصل الثاني في حكمه (1) ص: وهو عند الكَافَّة حجةٌ خلافاً للنَّظَّام (2) والشيعة (3) والخوارج (4) (5) . لقوله   (1) انظر الأدلة على حجية الإجماع والمناقشات في: الرسالة للشافعي 403، 471 ـ 476، المعتمد 2/4، الإحكام لابن حزم 1/539، العدة لأبي يعلى 4/1058، إحكام الفصول ص437، أصول السرخسي 1/295، المستصفى 1/328، التمهيد لأبي الخطاب 3/224، المحصول للرازي 4/35، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 469، فواتح الرحموت 2/397. (2) في متن هـ: ((للناظم)) وهو خطأ. وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سَيَّار بن هانيء البصري، سُمِّي بالنظَّام، لأنه كان يَنْظُم الخرز بسوق البصرة. كان يُظْهر الاعتزال، وتُنْسب إليه الفرقة " النظَّامية " من المعتزلة. وهو شيخ الجاحظ وابن أخت أبي الهُذَيل العلاَّف. قال ابن السبكي في الإبهاج (2/353) : ((وإنما أنكر الإجماع لقصده الطعن في الشريعة، وكذلك أنكر الخبر المتواتر مع قوله: إن خبر الواحد قد يفيد العلم!! وأنكر القياس، وكل ذلك زندقة، وله كتابٌ نَصَر فيه التَّثْلِيث على التوحيد، وإنما أظهر الاعتزال خوفاً من سيف الشرع، وله فضائح عديدة، وأكثرها طعن في الشريعة المطهرة)) . توفي عام 231هـ انظر تاريخ بغداد 6/97، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص70، 264. وللدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة كتاب: ((إبراهيم بن سيار النظام وآراؤه الكلامية)) إصدار لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة، عام 1365هـ. (3) الشيعة: هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه، وقدموه على سائر الصحابة رضي الله عنهم، بل قالوا بأحقيته في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا بأن الإمامة لا تخرج عن أولاده، وأنهم معصومون عن الذنوب. وهم فِرَقٌ شَتَّى، منهم الغالية الكافرة، ومنهم دون ذلك، ويُسَمَّون أيضاً بالرافضة. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/65، الملل والنحل للشهرستاني 1/169، كتاب: الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير وكتبه الأخرى قيِّمة في هذا الموضوع. (4) الخوارج: فرقة ضالة، كان أول نشأتهم خروجهم على الإمام علي رضي الله عنه في أعقاب معركة صِفِّين سنة 37هـ. وهم فِرَقٌ شَتْى، تُجْمِع أصولُهم ـ على اختلافهم ـ على تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار، ووجوب الخروج على الحاكم الجائر، ويُسَمَّون أيضاً بالحَرُوريَّة والنواصِب..وَرَدَ في ذمِّهم أحاديث صحيحة. انظر: مقالات الإسلاميين 1/167، الملل والنحل 1/131، كتاب: الخوارج، تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها، د. غالب بن علي عواجي. (5) نقل المصنف في نفائس الأصول (6/2576) عن القاضي عبد الوهاب في " الملخص " بأن النظَّام قال بالإجماع، لكن عند تأمّل قوله ـ أي النظام ـ يقتضي عدم القول به. والرافضة تقول بالإجماع إذا وافقهم الإمامُ المعصومُ، فالحجة في قوله لا الإجماع. والخوارج قالوا بالإجماع من الصحابة قبل حدوث الفرقة والفتنة، وبالإجماع ممن بعدهم من أهل شيعتهم، لأن غيرهم ليس بمؤمنٍ عندهم. ونقل المصنف أيضاً عن ابن برهان في الأوسط: بأن المرجئة لا تقول بحجية الإجماع. انظر: منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2/121 وانظر مذاهب هذه الفرق الضالة في: المغني المجلد (17) قسم الشرعيات للقاضي عبد الجبار ص 160، المعتمد 2/4، البحر المحيط للزركشي 6/384، مبادىء الأصول إلى علم الأصول لأبي منصور جمال الدين الحِلِّي ص 190 (وهو كتاب في أصول فقه الشيعة) . شرح طَلْعة الشمس على الألفية لأبي محمد عبد الله السالمي 2/66 (كتاب في أصول فقه الأباضية من الخوارج) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (1) وثبوت الوعيد على المخالفة يدل على وجوب المتابعة (2) . وقوله عليه الصلاة والسلام*: ((لا تجتمعُ أمتي على خطأ)) (3) يدل على ذلك. الشرح أيضاً (4) قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (5) . قال أئمة اللغة (6) والمفسرون (7) : الوَسَط الخيار، سمي الخيار وَسَطاً: لتوسُّطه بين طَرَفَي الإفراط والتفريط، وإنما يحسن هذا المدح إذا كانوا على الصواب (8) .   (1) النساء الآية: 115. (2) تتمة وجه الدلالة من الآية: والإجماع من سبيل المؤمنين فيجب اتباعه. وتعتبر هذه الآية من أشهر الأدلة على حجية الإجماع. ويُذْكر في الاستدلال بها على الإجماع قصة لطيفة وقعت للشافعي رحمه الله تعالى. انظرها في أحكام القرآن للشافعي 1/39. (3) سبق تخريجه. (4) ساقطة من ن. (5) البقرة، من الآية: 143. (6) انظر: الصحاح للجوهري، لسان العرب كلاهما مادة " وسط ". وانظر: عمدة الحفاظ للسَّمِين الحلبي 4/309. (7) انظر: جامع البيان للطبري 2/10، التفسير الكبير للفخر الرازي 4/88، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/153. (8) تتمة وجه الدلالة من هذه الآية: فيكون الله عز وجل أخبر عن خيرية هذه الأمة، فلو أقدموا على شيء من المحظورات لما اتصفوا بالخيرية، وإذا ثبت أنهم لا يقدمون على شيء من المحظورات وجب أن يكون قولهم حجة. انظر: المحصول للرازي 4/66. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (1) . وجه التمسك به (2) : ذِكْرُهم في سياق المدح يدلُّ على أنهم على الصواب، والصواب يجب اتباعه، فيجب اتباعهم. ولأنه تعالى وصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف، واللام للعموم، فيأمرون بكل معروفٍ، فلا يفوتهم حقٌّ؛ لأنه من جملة المعروف، ولقوله تعالى: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر} (3) والمنكر باللام يفيد أنهم ينهون عن كل منكر، فلا يقع الخطأ بينهم (4) ويُوَافِقُوا عليه، لأنه منكر. والعمدة الكبرى: أن كل نص من هذه النصوص مضمومٌ للاستقراء التام (5) من نصوص القرآن والسنة وأحوال الصحابة وذلك (6) يفيد القطع عند المطَّلِع عليه، وأن هذه الأمة معصومة من الخطأ وأن الحق لا يفوتها* فيما تثبته (7) شرعاً والحق واجب الاتباع، فقولهم واجب الاتباع. احتجوا: بأن اتفاق الجمع العظيم على الكلمة الواحدة مُحالٌ في مجاري العادات، كما أن اتفاقهم على الميل إلى الطعام الواحد في الزمان الواحد محالٌ (8) .   (1) آل عمران، من الآية: 110. (2) ساقطة من ن. (3) آل عمران، من الآية 104، 114. التوبة، من الآية 71. (4) في ق: ((منهم)) . (5) سبق تعريف " الاستقراء " هو ينقسم إلى قسمين: الاستقراء التام وهو: إثبات الحكم في جزئي لثبوته في كلِّي على الاستغراق. والاستقراء الناقص: وهو إثبات الحكم في كلِّي لثبوته في أكثر جزئياته من غير احتياج إلى جامعٍ، ويسمى عند الفقهاء: إلحاق الفرد بالأعم الأغلب. فالأول حكمه يفيد القطع، والثاني يفيد الظن. انظر: الإبهاج 3 / 173، البحرالمحيط للزركشي 8/6، شرح الكوكب المنير4/418. (6) ساقطة من ن. (7) في س: ((يثبته)) . والمثبت هو الصواب. انظر: هامش (6) ص 109. (8) هذا الدليل الأول، أورده المصنف حجةً لمنكري حجية الإجماع. ولكنه في الحقيقة دليل على من يقول بعدم إمكان الإجماع. انظر: منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2/123. ومسألة إمكان الإجماع والاطلاع عليه أو العلم به انظرها بتفصيل في: تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 467، حجية الإجماع د. محمد فرغلي ص 79. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ولأن الله تعالى نهاهم عن المنكر بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1) ، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} (2) ، {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} (3) ، وغير ذلك من النصوص، ولولا أنهم قابلون للمعاصي لما صح نهيهم عن هذه المناكير (4) (5) . والجواب عن الأول: أن اتفاقهم في زمن الصحابة ممكن، ولا يكاد يوجد إجماعٌ اليومَ إلا وهو واقع في عصر الصحابة (6) رضي الله عنهم، واجتماعهم (7) حينئذٍ ممكنٌ لعدم انتشار الإسلام في أقطار الأرض. ولأن (8) مقصودنا أنه حجة إذا وقع، ولم نتعرض للوقوع، فإن لم يقع فلا كلام، وإن وقع كان حجة، هذا هو المقصود (9) . وعن الثاني: أن الصيغ   (1) النساء، من الآية: 29. (2) الإسراء، من الآية: 32. (3) الأنعام، من الآية: 151، والإسراء، من الآية: 33. (4) في ن: ((المناكر)) وهو صحيح أيضاً، انظر مادة " نكر " في: لسان العرب، العين للخليل بن أحمد، وانظر: شذا العَرْف في فن الصَّرْف للحملاوي ص 144. (5) هذا الدليل الثاني لمنكري الإجماع. وتتمة حجتهم: فذلك يدل على عدم عصمة المؤمنين، فلا يكون الإجماع حجة. انظر: إحكام الفصول ص437، رفع النقاب القسم 2/482. (6) قال المصنف في نفائس الأصول (6/2552) : ((أكثر الإجماعات - بل الكلُّ إلا اليسير منها جداً ـ إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت الصحابة محصورين، يُعلم أحوالهم وعددهم قبل انتشارهم في أقطار الأرض. وتطرُّق الشك إلى اليسير من الإجماعات لا يبطل هذه المسألة، ولا يقدح فيها، بل في تلك المسائل الفروعية التي يُدَّعَى الإجماع فيها)) . (7) في ق: ((وإجماعهم)) . (8) ساقطة من ن. (9) هناك جوابٌ أقرب، ذكره المصنف في نفائس الأصول (6/2550) مفاده: أن العادة قضت بتعذر اتفاق الجمع العظيم على شهوة الطعام الواحد، والميل إلى الكلمة الواحدة في الزمن الواحد، لأن هذه الأمور مبناها على الدواعي البشرية التي جُبلوا عليها، ودواعي البشر في الشهوة والنُّفْرة مختلفة جداً بل الشخص الواحد يخالف نفسه في ساعةٍ أخرى. أما اجتماع أهل الاجتهاد على حكم واحد فممكنٌ عادةً لوجود الداعي إليه من نصٍّ قاطعٍ أو ظنٍّ غالبٍ، كما لو رأى الجمعُ العظيمُ الغيمَ الرَّطِب في بلاد الأمطار والثلوج لاشتركوا جميعاً في ظن هطول المطر، وكذلك الرجل العدل الأمين يشترك كل من عرف حاله في ظن صِدْقِهِ وإن كانوا آلافاً، فظهر بهذا الفرقُ. وانظر: التوضيح لحلولو ص275. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 العامة موضوعة في لسان العرب لكل واحدٍ واحدٍ (1) . لا للمجموع، فيكون كل واحد منهم (2) غير معصوم، ولا نزاع في ذلك، إنما النزاع في مجموعهم لا في آحادهم، وقد تقدَّم بَسْطُ هذا في باب العموم (3) . وأما إمام الحرمين في " البرهان " (4) . فسلك طريقاً آخر (5) ، وهو أن إجماعهم على (6) دليلٍ قاطعٍ أوجب لهم الاجتماع (7) ، فيكون قولهم حجة قطعاً لذلك القاطع، لا لقولهم (8) . والجمهور يقولون (9) بل النصوص شهدت لهم بالعصمة (10) ، فلا يقولون إلا حقاً، استندوا لعلمٍ أو ظنٍّ. كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم لا ينطق عن الهوى، وما يقوله في التبليغ يجب اعتقاد أنه حق، كان مستنده ظناً أو علماً، فالقطع نشأ عن العصمة لا عن المستند.   (1) ساقطة من ق. (2) المثبت هنا من ش، م، لأن عود الضمير إلى مجموع المؤمنين أنسب، يؤيده سياق الكلام بعده. بينما في س، ق: ((منها)) ربما كان عوده إلى الأمة، وفي ن: ((منهما)) وهو تحريف. (3) انظر ص 180، ص 195 من شرح تنقيح الفصول (المطبوع) . (4) انظر: البرهان 1 / 436. والنقْل هنا بالفحوى ومُؤَدَّى الكلام. وانظر: رفع النقاب القسم 2/284. (5) السِّرّـ والله أعلم ـ في انتهاج إمام الحرمين هذا المسلك ـ وهو مسلك عقلي ـ أن الاستدلال على حجية الإجماع بالأدلة السمعية ـ كتاباً وسنهً كما هو صنيع الجمهور ـ يداخله التأويل ويتطرَّقه الاحتمال، ولا يسوغ التمسك بالمحتملات في مطالب القَطْع. انظر: البرهان 2/434-436. ويمكن أن يجاب عما أثاره إمام الحرمين من تضعيف الاستدلال بأدلة السمع على حجية الإجماع بأن حجيته استُفِيدتْ من مجموع أدلة الكتاب والسنة لا من دليلٍ واحدٍ بعينه، فالآيات الكثيرة والأحاديث العديدة وأمارات العقول تُنْتِج مجتمعةً أن الأمة الإسلامية لا تجتمع على ضلالة، والظن إذا احتفَّت به قرائن وتعاضدتْ مع كثرتها على معنىً واحدٍ كان ذلك مفيداً لحصول القطع. انظر: الإبهاج 2 / 364. وانظر: اختلاف العلماء في مستند حجية الإجماع: أهو السمع أم العقل أم هما معاً؟ في البحر المحيط للزركشي 6 / 386، إرشاد الفحول 1/292. (6) في ق: ((عن)) . (7) في ق: ((الإجماع)) . (8) معنى كلامه: أن الإجماع صار حجةً بالنظر إلى مستنده، فلما كان مُسْتَنِداً إلي نصٍ قطعيٍ صار قولهم حجةً، لأنهم لا يجتمعون على رأيٍ واحدٍ في مسألة إلا ونصُّها مقطوعٌ به من كتابٍ أو سنةٍ متواترةٍ. (9) في س: ((تقول)) ، ووجهه على تقدير: جماعة الجمهور. والمثبت أولى لعدم التقدير.. (10) انظر: المحصول للرازي 4 / 101. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 حكم إحداث قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين ص: وعلى (1) منع القول الثالث (2) . الشرح قال الإمام فخر الدين في " المحصول " (3) : ((إحداث القول الثالث غير جائز عند الأكثرين. والحق أنه إن لزم منه الخروج عمَّا أجمعوا عليه امتنع وإلا جاز)) . فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: الجواز مطلقاً (4) ، والمنع مطلقاً (5) ، والتفصيل (6) .   (1) العطف هنا معناه: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) الذي ذكره المصنف في آخر المتن السابق يدل على ثلاثة أشياء: الأول: على حجية الإجماع ومنع مخالفته، والثاني: على منع إحداث قول ثالث، والثالث: على عدم الفصل فيما جمعه الصحابة رضي الله عنهم (سيرد ذكره في المتن القادم) . وإنما قدَّم المصنف الدليل على المدلول للاختصار. لأنه لو قدم المدلول لاحتاج إلى إعادة الدليل بعد كلِّ مدلولٍ، فيكون تكراراً وتطويلاً. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 487. (2) صورة المسألة: إذا اختلف أهل عصرٍ في مسألة على قولين؛ فهل يجوز لمن بعدهم أن يُحْدِث قولاً ثالثاً فيها؟. ذكرالمصنف فيها ثلاثة أقوال كما في الشرح. والغريب من المصنف أنه كرَّر بحث المسألة مرة أخرى في عبارة المتن بعد القادمة. انظر: ص (134) . (3) انظر المحصول 4 / 127. والنقل هنا بالمعنى. (4) وهو لبعض الحنفية والظاهرية. انظر: المُحلَّي لابن حزم 1 / 561، النُّبَذ في أصول الفقه له أيضاً ص42، بديع النظام لابن الساعاتي 1 / 308، التوضيح لصدر الشريعة ومعه التلويح للتفتازاني 2 / 98، فتح الغفار لابن نجيم 3 / 7. (5) وهو قول الجمهور انظر: المعتمد 1/44، إحكام الفصول ص 496، التبصرة للشيرازي ص 387، المنخول للغزالي ص 320، المحصول لابن العربي ص 517، لباب المحصول لابن رشيق المالكي ص 357، المسودة 326، كشف الأسرار للبخاري 3/435، التوضيح لحلولو ص 279. (6) التفصيل هو: ما إذا كان في القولين قَدْرٌ مشتركٌ بينهما لم يجز إحداث قولٍ ثالثٍ فيها وإلا جاز. أو بعبارةٍ أخرى: إنْ لزم من القول الحادث رفْعُ القولين السابقين لم يجز إحداثه وإلا جاز. والقول بالتفصيل هو اختيار الرازي في المحصول (4/128) ، والآمدي في الإحكام (1/269) ، وابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص 61، وصفي الدين الهندي في نهاية الوصول (6 / 2527) ، والطوفي في شرح مختصر الروضة 3 / 88، 93 وغيرهم. ومن العلماء من ذكر قولاً رابعاً في المسألة، ذهب إليه بعض الحنفية، وهو: إنْ حَدَث القولان من الصحابة لم يجز إحداث قولٍ ثالثٍ وإلا جاز: انظر: أصول السرخسي 1/310، كشف الأسرار للبخاري 3/435. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 احتج المانعون: بأن الأمة أجمعت قبل الثالث على الأخذ [بهذا القول، أو بهذا القول (1) ] (2) ، فالأخذ بالثالث خارقٌ للإجماع (3) . ولأن الحق لا يفوت الأمة، فلا يكون الثالث حقاً، وإلا لَمَا فاتهم، فيكون باطلاً قطعاً وهو المطلوب (4) . ويرد على الأول: أن الإجماع الأول (5) مشروط بألاَّ يجتمعوا (6) على أحدهما وقد أجمعوا ففات الشرط. فإن قلت: يلزمك ذلك في القول الواحد إذا أجمعوا عليه، فجاز أن يقال تمتنع (7) مخالفته بشرط ألاَّ يذهب أحد إلى خلافه. قلتُ: لو كان الأول مشروطاً لما كان هذا مشروطاً، [بسبب أن] (8) القول الواحد تعيَّنتْ فيه المصلحة، فلا معنى للشرطية، بخلاف القولين لم تتعين المصلحة في أحدهما عَيْناً، ولم يقل بكل واحد منهما إلا بعض الأمة، وبعض الأمة غير معصوم (9) . وعن الثاني: لا نسلم تعيّن الحق في قول الأمة إلا إذا اتفقت كلها على قول، أما مع الاختلاف فممنوع، فظهر بهذه الأجوبة حجة الجواز. مثال التفصيل: اختلفت الأمة على قولين: هل الجدُّ يقاسم الإخوة أو يكون المال كله له؟ (10) . فالقول الثالث: أن الإخوة يحوزون المال كله على خلاف الإجماع،   (1) ساقطة من ق. (2) ما بين المعقوفين في ن: ((بهذين القولين)) . (3) هذا الدليل الأول للمانعين. (4) هذا الدليل الثاني للمانعين. (5) ساقطة من ق. والمراد بالإجماع الأول أي: إجماعهم على وجوب الأخذ بأحد القولين. (6) أي: بألاَّ يجمع من بعدهما على أحد القولين. (7) في ق: ((يمتنع)) . (8) في ق: ((لأن)) . (9) انظر: نفائس الأصول 6 / 2653. (10) هذه العبارة في ق هكذا: ((هل يقاسم الجد الإخوة أو يحجبهم؟)) . مسألة توريث الإخوة مع الجدِّ فيها مذهبان شهيران، الأول: الجد يحجب الإخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب، وهو قول جمع من الصحابة، منهم: أبوبكر وابن عباس رضي الله عنهم وجمع من التابعين وداود الظاهري وقول أبي حنيفة ورواية عن أحمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 فالقول الثالث مُبْطِل لما أجمعوا عليه، فيكون باطلاً، لأن الحق لا يفوتهم، هذا قول الإمام فخر الدين وتمثيله (1) . وقال ابن حَزْم (2) في " المُحلَّى " (3) : (( إن بعضهم قال: المال كله للإخوة تغليباً للبُنوَّة على الأبوة)) (4) فلا يصح على هذا ما قاله الإمام من الإجماع (5) .   (1) الثاني: الإخوة يرثون مع الجد، وهو قول علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد، ثم اختلف هؤلاء في كيفية توريث الجد مع الإخوة على أقوال عدة. انظر: المبسوط للسرخسي 29/179، الحاوي الكبير للماوردي 8/119، المغني لابن قدامة 9/65، بداية المجتهد 5/413، حاشية الدسوقي 4/462. () انظر: المحصول للرازي 4/128. (2) هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأمَوي ـ بالولاء ـ الظاهري ـ مذهباً ـ القرطبي مولداً. إمام عبقري في المعقول والمنقول والأدب والشعر. كان شافعياً، ثم انتقل إلى مذهب داود الظاهري. كان لآبائه رئاسة وإمارة. من مصنفاته في الأصول: الإحكام في أصول الأحكام (ط) ، النبذ في أصول الفقه (ط) . وفي الفرق: الفِصَل في الملل والنحل (ط) ، وفي الفقه: المحلَّي (ط) . وفي الأدب: طوق الحمامة في الألفة والإلاف (ط) . ت 456هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 18/184، ابن حزم خلال ألف عام لأبي عبد الرحمن الظاهري، ابن حزم: فقهه وآراؤه لمحمد أبو زهرة. (3) انظر: المحلي 9/283، 292. وكتاب المحلَّى اسمه: " المُحلى بالآثار شرح المُجلَّى بالاختصار " وهو مشهور متداول في الفقه الظاهري، مشحون بالآثار، فيه قوة حجة وبرهان. قال العز بن عبد السلام: ((ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل: المحلى لابن حزم والمغني للشيخ الموفق)) . يؤخذ عليه سلاطة لسان مؤلفه على الأئمة والعلماء، وإنكاره للتعليل والقياس. عليه مختصرات منها: الأنور الأعلى في اختصار المحلى لأبي حيان. وعليه رَدٌّ اسمه: السيف المُجلَّى.. وكتاب المحلى مطبوع بتحقيق: أحمد شاكر، وله طبعة أخرى. انظر: كشف الظنون 2 / 394 (4) يمكن أن يكون هذا قولاً ثالثاً في مسألة الجد والإخوة، وهو: توريث الإخوة وحجب الجدّ، لأن الجدّ يدلي بولادته لأبي الميت، فطريقه من الأبوَّة. والإخوة يدلون بولادة أبي الميت فطريقهم من البنوة. والبنوة أقوى من الأبوة. وهذا القول قال به: زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن غَنْم رضي الله عنهم. فعلى هذا لا يكون ثَمَّةَ إجماع على ضرورة توريث الجدِّ بكل حال. لأن القول الثالث نُقِل عن بعض الصحابة، لكن قيل برجوع زيدٍ وعليٍ رضي الله عنهما إلى مقاسمة الجد للإخوة. والله أعلم. انظر: تيسير التحرير 3/251. (5) لئلا يُعْترض على القول بالتفصيل، بمثالٍ غير صحيح، يمكن أن يُمثَّل له بعِدَّة الحامل المتوفَّى عنها زوجها. قيل: تعتدُّ بالوضع، وهو لابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما. وقيل تعتدُّ بأبعد الأجلين؛ الوَضْع أو الأشْهرُ (أربعة أشهرٍ وعشر) وهو لعلي وابن عباسٍ وغيرهما، فالقول بعدهم بالاعتداد بالأشهر فقط رفع لما اتفقوا على نفيه، فيكون خرقاً للإجماع. انظر: تيسير التحرير 3 / 251، الحاوي الكبير 11 / 235، بدائع الصنائع 3/286، شرح الزرقاني على مختصر خليل 4/106، المغني 11 / 227. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 حكم الفَصْل فيما أجمعوا على الجَمْع فيه ص: وعدمُ (1) الفَصْل (2) فيما جمعوه فإن جميع ما خالفهم يكون خطأً لتعيُّن الحق في جهتهم. الشرح قال الإمام فخر الدين: ((إن قالوا لا يُفْصَل (3) بين المسألتين لم يَجْز الفَصْلُ، وكذلك إن علم أن طريقة الحكم واحدة في المسألتين، وإن لم يكن كذلك فالحق جواز الفرق، وإلا كان من وافق الشافعي في مسألةٍ لدليلٍ يلزمه أن يوافقه في الكل. وإنما لم يَجُز الفصل؛ لأنهم صرحوا بعدمه فيكون عدمه هو الحق، والفصلُ باطلاً (4) فيمتنع، ومثاله: ذوو الأرحام، اتفقوا على عدم الفصل بينهم، فمن ورَّث العَمَّة ورَّث الخالة بموجِب القرابة والرَّحِم، ومن لم يورِّث العمَّة لم يورِّث الخالة لضعف* القرابة   (1) وأما مثال ما يجوز فيه إحداث قول ثالث ـ لأنه لا يرفع ما اتفق عليه ـ فهو: اختلافهم في جواز أكل المذبوح بلا تسمية. قال بعضهم: يَحِلُّ مطلقاً سواء كان الترك عمداً أم سهواً وهو مذهب الشافعية. وقال آخرون: لا يَحِلُّ مطلقاً وهو مذهب ابن حزم. فإحداث قولٍ ثالثٍ وهو التفريق بين العمد فلا تَحِلُّ والسهو فتحِلُّ لا يكون خرقاً للإجماع، وبه قال الأحناف والمالكية والحنابلة، انظر: المحلى لابن حزم 7/412، الحاوي الكبير للماوردي 15/10، 95، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيعلي 5/288، الذخيرة للقرافي 4/134، الروض المربع للبهوتي ص480. () العطف هنا معناه: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) الذي ذكره المصنف في المتن قبل السابق يدل على عدم الفصل فيما جمعوه. أما صورة المسألة وشرحها فسيأتي في الشرح. أما الأقوال فيها فهي ثلاثة: الجواز مطلقاً، والمنع مطلقا، والتفصيل بين أن يُصرِّحوا بعدم الفصل في المسألتين أو تكون العلة في القولين واحدة، فلا يجوز الفصل حينئذٍ وإلا جاز. انظر: العدة لأبي يعلى 4/1116، إحكام الفصول ص499، شرح اللمع للشيرازي 2/730 التمهيد لأبي الخطاب 3/314، الوصول لابن برهان 2/110، بذل النظر للأسمندي ص559، نهاية الوصول للهندي 6/2534، التوضيح لحلولو ص281. (2) في ق: ((التفصيل)) . (3) في ق: ((لا فصل)) . (4) في ن: ((باطل)) وهو صحيح إذا كانت الواو للاستئناف في قوله: ((والفصل باطل ... )) والمثبت ((باطلاً)) باعتبار أن الواو للعطف لكونها خبر ((فيكون)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 عن التوريث فلا يجوز لأحدٍ أن يورث العمَّة دون الخالة، ولا الخالة دون العمَّة (1) ، فالطريقة واحدة في المسألتين..)) (2) . وإن كان المدرك مختلفاً، بأن يقول [أحد الفريقين] (3) : لا أورِّث الخالة لأنها تُدْلي بالأم، ويقول الآخر: لا أورِّث (4) العمَّة لبعدها من الأب، جاز (5) بسبب أن اختلاف المدارك يسوِّغ ذلك، لأنه إذا قال: أورِّث العمة لشائبة الإدلاء بالأب ولا أورِّث الخالة لإدلائها بالأم، وجهة الأمومة ضعيفة. فهذا قد قال بالتوريث في العمَّة، وقد قاله بعض الأمة، فلم يَخْرِق الإجماع، وقال بعدم التوريث في الخالة، وهو قول بعض الأمة، فلم يخرق الإجماع، وكذلك قال باعتبار ما اعتبره من العلة بعضُ الأمة، وبإلغاء ما ألغاه بعض الأمة، فلم يخالف (6) الإجماع. أما لو كانت الطريقة واحدة كما في التمثيل الأول كان خارقاً (7) للإجماع باعتبار المدرك، لأن كل من قال باعتبار أحد المدركين قال باعتباره في الجميع، وانعقد الإجماع (8) على أنه إذا أُلغيت إحدى العلتين بقيت (9) الأخرى، فالقول بإلغائها في البعض دون اعتبار الآخر خلاف الإجماع.   (1) مسألة توريث ذوي الأرحام ـ وهم الأقارب الذين لا فَرْض لهم ولا تعصيب ـ فيها قولان مشهوران، الأول: عدم توريثهم، فإذا لم يوجد مَنْ يرث فرضاً أو تعصيباً فإن المال يذهب إلى بيت المال، وبه قال زيد ابن ثابت رضي الله عنه والمالكية والشافعية. الثاني: يرثون إذا لم يوجد العاصب ولا صاحب الفرض ما عدا أحد الزوجين، وهو قول جمهور الصحابة والفقهاء والحنفية والحنابلة. ثم اختلف هؤلاء في كيفية توريثهم، أهو كالتعصيب أم بتنزيلهم منزلة من أدْلَوا به؟ انظر المسألة مبسوطة في: المبسوط للسرخسي 30/2، الحاوي للماوردي 8/73، المغني لابن قدامة 9/82، الذخيرة للقرافي 13/53، التحفة الخيرية على الفوائد الشنشورية للباجوري ص217. (2) انظر: المحصول 4 / 130. (3) ما بين المعقوفين في ق: ((واحد)) . (4) في ق: ((أرث)) وهو تحريف. (5) في ق: ((التفصيل)) . (6) في ق: ((يخرق)) . (7) في ن: ((خلافاً)) . (8) ساقطة من ن. (9) في ق: ((ثبتت)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 ومن هاهنا حسن التنظير بالشافعي رضي الله عنه، فإن الإنسان إذا وافقه في مسألة لمدركٍ فقد اعتقد صحة ذلك المدرك، فيلزمه أن يتبعه في فروع ذلك المدرك كلها. أما إذا كانت مدارك الشافعي رضي الله عنه مختلفةً (1) كما هو الواقع فلا يلزم من موافقته في مسألة موافقته في جميع المسائل؛ لأن مدرك تلك المسائل غير مدرك تلك المسألة، فكذلك الأمة توافق بعضها في بعض مداركه، ولا توافق في البعض الآخر، فلا جَرَم صحَّ التفريق فيما قالوا فيه بعدم الفصل إذا اختلفت المدارك. قال القاضي عبد الوهاب في " الملخص " (2) : إن عيَّنوا الحكم وقالوا لا يُفْصَل (3) حَرُم الفَصْل، وإن لم يُعيِّنوا ولكن أجمعوا عليه مجْملاً فلا يعلم تفصيله إلا بدليلٍ غير الإجماع، فإنْ دل الدليل على أنهم أرادوا مُعيناً تعيَّن أو أرادوا العموم تعيَّن العموم، وإن لم يدل دليل حصل العموم أيضاً، فإنَّ ترك البيان مع الإجمال (4) دليل التعميم، ومتى كان مدرك أحد الصِّنْفين مختلفاً أو جاز أن يكون مختلفاً جاز التفصيل بين المسألتين. إحداث قول ثالث، والفصْل فيما جمعوا بينهما ص: وإذا اختلف أهل (5) العصر الأول على قولين [لم يَجُزْ] (6) لمن بعدهم إحداث قولٍ ثالثٍ عند الأكثرين، وجوزه أهل الظاهر (7) . وفصَّل الإمام فقال: إنْ لزم منه خلاف ما أجمعوا عليه امتنع وإلا فلا، كما قيل: للجدِّ كل المال، وقيل: يقاسم الأخ، فالقول بجعل المال كلِّه للأخ [مناقض للأول] (8) . وإذا أجمعت (9) الأمة   (1) في ن: ((مخلفة)) وهو تحريف. (2) انظر قوله في: البحر المحيط للزركشي 6 / 522، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إليه في المسودة ص 328. وانظر: شرح الكوكب المنير 2 / 269. (3) في ق: ((فصل)) . (4) في ق: ((الإجماع)) وهو تحريف. (5) ساقطة من ق. (6) في متن هـ: ((فلا يجوز)) . (7) هنا زيادة: ((والحنفية)) في متن هـ خلت منها جميع نسخ المتن والشرح. وهذا مذهب بعض الحنفية. انظر هامش (4) ص (129) . (8) في ق: ((يناقض الأول)) . (9) في ن، متن هـ: ((اجتمعت)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 على عدم الفصل بين مسألتين (1) [لا يجوز] (2) لمن بعدهم الفصل بينهما. الشرح [هذه هي (3) التي تقدَّمت، وقد (4) تقدَّم بسطها (5) ، غير أني قدمتها] (6) في أول الكلام مجْملةً، ثم ذكرتها مفصَّلة (7) . والفرق بين قولهم: لا يجوز إحداث القول الثالث، وبين قولهم: لا يجوز الفصل بين مسألتين؛ أن القول الثالث يكون في الفعل الواحد [في ذاتٍ واحدةٍ] (8) ، كما نقول في سِبَاع الوحوش: قال بعضهم هي حرام (9) ، وقال بعضهم ليس بحرام (10) ، فالقائل (11) بأن (12) بعض السباع حرام وبعضها ليس بحرام خارق للإجماع فيكون باطلاً (13) ، وعدم الفصل يكون (14) في مسألتين مثل (15) توريث ذوي الأرحام [كما   (1) في متن هـ: ((مُسْلِمين)) وهو تحريف. (2) في متن هـ: ((لم يجز)) . (3) ساقطة من ن. (4) ساقطة من س. (5) انظر ص (129) . (6) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((هذه تقدَّم ذكرها)) . (7) أي ذَكَرها في المتن أولاً مجملة حينما قال: ((وعلى منع القول الثالث)) ثم ذكرها هنا في المتن مفصلة. لكن المصنف بسط شرحها عند أول ذكرها. (8) ما بين المعقوفين ساقط من ق، ن. (9) وهو ظاهر مذهب الحنفية. انظر: شرح فتح القدير لابن الهمام 9 / 510. (10) وهو مذهب بعض المالكية، الكراهة دون التحريم. انظر: القوانين الفقهية لابن جُزَيّ ص166، مواهب الجليل 4/356. (11) في ق: ((فالقول)) . (12) ساقطة من ن. (13) كيف يكون خارقاً للإجماع والفريقان لم يتفقا على قَدْر مشترك بينهما؟ بل القول الثالث هنا موافق لكل واحدٍ من القولين في وجه، ومخالف له في وجهٍ آخر. ولهذا أباحت الشافعية: الضَّبُع والثعلب، والحنابلة: الضبع فقط، وحرَّموا ما عدا ذلك. فيتوجَّه أن يكون هذا مثالاً على جواز إحداث قول ثالث، لأنه لا يلزم منه خلاف ما أجمعوا عليه. والله أعلم. انظر: رفع النقاب القسم 2/491، المغني لابن قدامة 13/319، الروض المربع ص476، مغني المحتاج 6/148. (14) ساقطة من ن. والصواب إثباتها ليتحقق معنى الفرق بين: إحداث قول ثالث، وعدم الفصل فيما جمعوه، فالأول يكون في مسألة واحدة والثاني يكون في مسألتين. والله أعلم. (15) في س: ((مع)) ولا معنى لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 تقدم تقريره] (1) (2) . حكم الإجماع على أحد القولين بعد الاتفاق على القول بهما ص: ويجوز حصول الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد (3) خلافاً للصيرفي (4)   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (2) انظر: ص 132. وانظر الفرق بينهما في: اللمع للشيرازي ص 192، نفائس الأصول 6/2659، الإبهاج 2/372، نشر البنود 2 / 88. لكن من العلماء - كالآمدي وابن الحاجب - من جعلهما مسألة واحدة، ولم يفرق بينهما لتقاربهما في المعنى. انظر: الإحكام للآمدي 1/268، منتهى السول والأمل ص61، منهج التحقيق والتوضيح لجعيط 2/125. (3) هذه المسألة الأولى في هذا المتن، وصورتها: إذا اختلف أهل العصر الواحد في مسألةٍ على قولين. فهل يجوز لهم -بعد ذلك -أن يجمعوا على أحدهما؟ ينبغي- عند تحرير النزاع فيها -أن يُفرَّق بين حالة استقرار الخلاف وثبوته، وحالة عدم استقرار الخلاف وأنهم مازالوا في مهلة النظر والبحث. أما الحالة الأولى: وهي اتفاقهم قبل استقرار الخلاف، أو كما عبَّر الشيرازي في اللمع ص (190) قبل أن يبرد الخلاف ويستقر، ففيها قولان، القول الأول: يجوز، وتصير المسألة إجماعية، وهو مذهب الجمهور. القول الثاني: لا يجوز. أما الحالة الثانية: وهي اتفاقهم بعد استقرار الخلاف ففيها ثلاثة أقوال، الأول: لا يكون حجةً مطلقاً. الثاني: يكون حجةً وإجماعاً مطلقاً. الثالث: التفصيل، يكون حجة إذا كان مستند كلٍ منهم ظنيّاً كالقياس والاجتهاد، ولايجوز إذا كان مستندهم قطعياً حذراً من إلغاء القاطع. والمصنف-رحمه الله- لم يذكر الفرق بين حصول الاتفاق قبل خلافٍ مستقرٍ أو بعده، مع أنه ذكر ذلك في نفائس الأصول (6 / 2675) ، وكذلك الرازي في المحصول (4/135، 145) جَعَل لكل واحدةٍ منها مسألةً مستقلة. انظر المسألة في: الحدود للباجي ص63، شرح اللمع للشيرازي 2 / 734، شرح جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 185، التوضيح لحلولو ص281، شرح الكوكب المنير 3 / 276. (4) ... هو أبو بكر محمد بن عبد الله البغدادي الصيرفي، نسبةً إلى صِرَافة الدراهم والدنانير. أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي. من شيوخه: ابن سُريج، قال القفال عنه: بأنه أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي، من مؤلفاته: شرح الرسالة للشافعي، كتابٌ في الإجماع، كتابٌ في الشروط وغير ذلك. ت 330هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3/186، وفيات الأعيان 4/199. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 (1) . وفي العصر الثاني (2) لنا (3) وللشافعية (4) والحنفية (5) فيه قولان (6) مبنيَّان على أن إجماعهم على الخلاف (7) يقتضي أنه الحق، فيمتنع الاتفاق أو هو مشروط بعدم الاتفاق، وهو الصحيح.   (1) ... ممن نقل هذا المذهب عن الصيرفي الإمامُ الرازي في المحصول (4/135) ، والهندي في نهاية الوصول (6/2540) ، وفي هذه الحكاية عنه نَظَرٌ إن كان في حالة الاتفاق قبل استقرار الخلاف، قال الزركشي في البحر المحيط (6 / 503) ((ولم أره في كتابه، بل ظاهر كلامه يشعر بالوفاق في هذه المسألة)) . ويعضد هذا أن الشيرازي في اللمع ص (190) نفى أن يكون في هذه المسألة خلاف. وإن كان هذا النقل عنه بعد استقرار الخلاف، فقال الزركشي في البحر المحيط (6/505) ((ومنهم من نقل هاهنا عن الصيرفي: أنَّا إذا لم نشترط انقراض العصر لا يكون إجماعاً، لتقدُّم الإجماع منهم على تسويغ الخلاف)) . أما مذهب الصيرفي في المسألة الثانية وهي اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول بعد خلافٍ مستقرٍ فقد نقل الآمدي في الإحكام (1 / 278) عنه المنع. وانظر أيضاً: الكاشف عن المحصول 5 / 459. (2) ... هذه هي المسألة الثانية، وصورتها: إذا اختلف أهل عصرٍ في مسألة على قولين، فهل يجوز للعصر الثاني أن يجمعوا على أحدهما؟ ، للحكم عليها حالتان: الأولى: الاتفاق قبل استقرار الخلاف، فالجمهور على جوازه. الحالة الثانية: الاتفاق بعد خلافٍ مستقرٍّ. فكل من قال باشتراط انقراض العصر في الإجماع جوّز قطعاً حصول الاتفاق وجعله إجماعاً. ومن لم يعتبر انقراض العصر اختلفوا على ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، التفصيل: إن كان مستند إجماعهم القياس والاجتهاد لا دليلاً قاطعاً جاز حصول الاتفاق وإلا فلا. انظر: المراجع السابقة المذكورة في المسألة الأولى هامش (3) ص (136) ، وانظر أيضاً: المستصفى1/369، والإحكام للآمدي1/278. (3) رأي أكثر المالكية هو: جواز انعقاد الإجماع وارتفاع الخلاف السابق. ومنهم من يرى بقاء الخلاف السابق وعدم انقطاعه كالأبهري والباقلاني وابن خويز منداد. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 159، إحكام الفصول ص492، لباب المحصول لابن رشيق ص 360، مفتاح الوصول ص 750، التوضيح لحلولو ص281. (4) عامة الشافعية على امتناع الاتفاق، وبعضهم يجوّز حصول الاتفاق. انظر: التبصرة ص 378، البرهان للجويني 1 / 456، الوصول لابن بَرْهان 2/102. (5) رأي أكثر الأحناف جواز انعقاد الإجماع على أحد القولين وارتفاع الخلاف، لكن هذا الإجماع عندهم بمنزلة خبر الواحد في كونه موجباً للعمل غير موجبٍ للعلم. انظر: أصول السرخسي 1/319، كشف الأسرار للبخاري 3 /456، التقرير والتحبير 3 / 88. أما مذهب الحنابلة فأكثرهم على أن اتفاق أهل العصر الثاني علىأحد قولي العصر الأول بعد استقرار الخلاف لا يكون إجماعاً، ويجوز الأخذ بالقول الآخر. وخالفهم أبو الخطاب وغيره. انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1105، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 297، أصول الفقه لابن مفلح 2 / 445. (6) ساقطة من س. (7) هنا زيادة: ((هل)) في ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 الشرح لنا: أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في أمر الإمامة ثم اتفقوا عليها (1) ، فدلَّ على ما قلناه. وأما المسألة الثانية: فصورتها أن يكون لأهل (2) العصر (3) الأول قولان، ثم يتفق أهل العصر الثاني على أحد ذَيْنِك القولين. لنا: أنَّ هذا القول قد صار قولَ كلِّ (4) الأمة، لأن أهل العصر الثاني (5) هم كل الأمة، فالصواب لا يفوتهم فيتعيَّن قولهم هذا (6) حقاً وما عداه باطلاً (7) . حجة المخالف: أن أهل العصر الأول قد اتفقوا على جواز الأخذ بكل واحدٍ من القولين بدلاً عن الآخر، فالقول بحصر الحق في [هذا القول] (8) خلاف الإجماع (9) . ولقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (10) وهذا حكم وقع فيه النزاع في العصر الأول، فوجب رده إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تنحسم مادة النظر فيه لظاهر الآية (11) . ولقوله عليه الصلاة والسلام:   (1) هذا دليل المصنف على جواز الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد. فقد وقع ذلك في عصر الصحابة في مسألة إمامة أبي بكر رضي الله عنه. والوقوع دليل الجواز. وأما مسألة اختلاف مبايعة بعض الصحابة لأبي بكر رضي الله عنه ثم اتفاقهم عليها انظرها في: صحيح البخاري (6830) ، مسند الإمام أحمد 1/55، مسند أبي بكر رضي الله عنه للسيوطي ص 88، الطبقات الكبرى لابن سعد 3/182، تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) للذهبي 5 ـ 14. (2) ساقطة من ن، س. (3) في س: ((للعصر)) . (4) في ن: ((أكثر)) وهو خطأ، لأن الإجماع لا ينعقد إلا بكل الأمة، وسياق الكلام بعد ذلك يدلُّ عليه. (5) ساقطة من ن. (6) ساقطة من ق. (7) في ن: ((باطل)) خلافاً لجميع النسخ، ووجهه أنه خبرٌ للمبتدأ " ما " الموصولة باعتبار أن الواو مستأنفة. (8) في ق: ((واحد)) وهي صحيحة، لكنها ليست في سائر النسخ. (9) هذا الدليل الأول للمخالفين. (10) النساء، من الآية: 59. (11) هذا الدليل الثاني للمخالفين ومعنى العبارة الأخيرة: أنه لا يمكن حسم الخلاف الواقع في العصر الأول بمجرد إجماع أهل العصر الثاني على أحد القولين، لأن ظاهر الآية أوجب الرَّد إلى الكتاب والسنة فقط. والله أعلم. انظر: نفائس الأصول 6/2670. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) (1) وهذا عام سواء حصل بعدهم إجماع أو لا، ووجب إذا قال قائل بذلك القول المتروك (2) (3) أن يكون حقاً لظاهر الحديث (4) . والجواب عن الأول: أن تجويز الأخذ بكلا القولين مشروط بألاَّ يحدث إجماع. فإن قُلْتَ: يلزمك ذلك في الإجماع على القول الواحد أن يكون مشروطاً بعدم طريان الخلاف. قُلْتُ: قد (5) تقدَّم الجواب عنه (6) . وعن الثاني: أن موجب الرد هو التنازع، وقد ذهب بحصول (7) الاتفاق فينتفي الرد (8) .   (1) رواه عَبْد بن حميد في " المنتخب من المسند " برقم (782) ، وابن حزم في: " الإحكام " وأنكر معناه 2/61، 251، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/923 ـ 925، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 3/1057، وجلُّ المحققين والنقاد من أهل الحديث على تضعيفه أو تكذيبه. ولا تتقوى طرقه بعضها ببعض، لأنها لا تخلو من وضّاع أو انقطاع أو مجهول أو متروك ... إلخ. انظر: تحفة الطالب لابن كثير ص 137، تخريج أحاديث مختصر المنهاج للعراقي ص 23، المعتبر للزركشي ص80، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني 1/ 78 - 85. (2) لكن ورد من حديث مسلم (2531) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((النجوم أَمَنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما تُوعدون، وأنا أمَنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبْتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) قال ابن حجرـ بتصرِّفٍ ـ هذا الحديث يؤدي صحة تشبيه الصحابة بالنجوم خاصةً، أما في الاقتداء فلا يظهر، نعم يمكن أن يُتَلمَّح ذلك في معنى الاهتداء بالنجوم..وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة، من طَمْسِ السنن، وظهور البدع، وفشو الفجور في أقطار الأرض. والله المستعان. انظر تلخيص الحبير 4/ 191. () في ن: ((المتواتر)) وهو تحريف. (3) هنا زيادة: ((وجب)) في ق، ز وهي زيادة حسنة يمكن إيرادها إذا طال الفصل بين العامل ومعموله، يشهد لذلك ما جاء في التنزيل في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110] . (4) هذا الدليل الثالث للمخالفين. (5) ساقطة من ن. (6) انظر ص 130. (7) في ق: ((لحصول)) . (8) وكذلك يمكن أن يجاب عنه بأن التعلّق بالإجماع يكون ردّاً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. انظر: المحصول 4/141. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وعن الثالث: لا نسلم أن قوله باقٍ في العصر الثاني بعد الاتفاق حتى يحسن الاقتداء به. مسألة: اشتراط انقراض عصر المجمعين ص: وانقراض العصر (1) ليس شرطاً (2) - خلافاً لقومٍ من الفقهاء والمتكلمين (3) - لتجدُّد الولادة كلَّ يومٍ فيتعذَّر الإجماع. الشرح لنا: النصوص الدالة على كون الإجماع حجةً (4) . ولأن التابعين يولدون في زمن الصحابة، ويصير منهم فقهاء قبل انقراض (5) عصرهم، فيلزم ألاَّ ينعقد إجماع الصحابة دونهم، ثم عصر التابعين أيضاً كذلك، فتتداخل الأعصار في بعضها، فلا ينعقد إجماع.   (1) المراد بانقراض العصر: أي موت جميع مَنْ هو مِنْ أهل الاجتهاد في وقت نزول الحادثة بعد اتفاقهم على حكمٍ فيها. انظر: كشف الأسرار للبخاري (3 / 450) . وانقراض العصر يمكن أن يتحقق في لحظة واحدةٍ بانهدام سقف أو غرق سفينة مثلاً. انظر: البحر المحيط للزركشي 6 / 483. ومسألة اشتراط انقراض عصر المجمعين لانعقاد الإجماع اختلف فيها العلماء على مذهبين، الأول: لا يشترط، وهو للجمهور. الثاني: يشترط، وهو لبعض العلماء. ثم اختلف المشترطون على أقوالٍ؛ فمنهم من اشترطه مطلقاً، ومنهم اشترطه في عصر الصحابة دون غيره، ومنهم من اشترطه في الإجماع السكوتي دون غيره، وهناك أقوال أخرى أوصلها الزركشي في البحر المحيط (6/478 ـ 483) إلى ثمانية مذاهب. انظر المسألة في: المعتمد 2 / 41، الإحكام لابن حزم 1/558 إحكام الفصول ص467، البرهان للجويني 1/444، أصول السرخسي 1/315، المنخول ص317، التمهيد لأبي الخطاب 3/346، المحصول للرازي 4 / 147، المسودة ص 320، كشف الأسرار للبخاري 3/450، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 508، التوضيح لحلولو ص282. (2) هذا مذهب جمهور العلماء. انظر المصادر الآنفة الذكر. (3) منهم: ابن فورك، وقول بعض الشافعية، ورواية لأحمد اختارها أكثر أصحابه: انظر المصادر السابقة وأيضاً: شرح العمد لأبي الحسين البصري 1/153، العدة لأبي يعلى 4/1095 شرح اللمع للشيرازي 2/697، الإحكام للآمدي 1/256، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص78، التقرير والتحبير 3 / 115. (4) فإنها مطلقة لم تفصِّل بين انقراض العصر وعدمه، فوجب أن تكون حجةًّ مطلقاً، والتقييد خلاف الأصل. انظر: إحكام الفصول ص 468، نهاية الوصول 6/2554. (5) في ق: ((انقضاء)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 احتجوا: بأن الناس ما داموا أحياء فهم في مهلة (1) النظر، فلا يستقرُّ الرأي، فلا ينعقد الإجماع (2) . ولأن الله تعالى يقول: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (3) وأنتم تجعلونهم شهداء على أنفسهم (4) . والجواب عن الأول: أن اتفاق الآراء الآن دل على صحتها عملاً بأدلة الإجماع، فيكون ما عداها باطلاً فلا يفيد الانتقال إليه (5) . وعن الثاني: أن كون الإنسان شاهداً على غيره لا يمنع من قبول شهادته (6) على نفسه، قال الله تعالى: {وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} (7) ، ثم المراد بهذه الآية الدار الآخرة، والشهادة على الأمم يوم القيامة، فلا تعلُّق لها بما نحن فيه (8) .   (1) في ن: ((مهتلة)) وهو تحريف. (2) هذا الدليل الأول للمشترطين. (3) البقرة، من الآية: 143. (4) هذا الدليل الثاني للمشترطين، ومعنى هذا الاستدلال: أنه لو كان إجماعهم حجة عليهم ـ لا يجوز لهم مخالفته ـ لكانوا شهداء على أنفسهم، وهو خلاف دلالة الآية. نهاية الوصول للهندي 6 / 2556، وانظر: إحكام الفصول ص470. (5) ساقطة من ن. وللغزالي أيضاً جواب سديد إذ يقول: ((فإنَّا لا نجوِّز الرجوع من جميعهم، إذ يكون أحد الإجماعين خطأ، وهو محال. أما بعضهم فلا يحلّ له الرجوع، لأنه برجوعه يخالف إجماع الأمة التي وجبت عصمتها عن الخطأ. نعم يمكن أن يقع الرجوع من بعضهم ويكون به عاصياً فاسقاً، والمعصية تجوز على بعض الأمة ولا تجوز على الجميع)) . المستصفى 1 / 361. وانظر: إحكام الفصول ص 472. (6) في ن: ((قوله)) . (7) النساء، من الآية: 135. (8) انظر: شرح اللمع للشيرازي 1 / 699، نفائس الأصول 6 / 2682، كون المراد بالآية الدار الآخرة فيه نظر، فإن بعض المفسرين جعل الشهادة عامة في الدنيا والآخرة وهو الأوجه، ومما يدلًّ على الشهادة في الدنيا قول النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته حينما أثنوا على جنازةٍ قال: ((أنتم شهداء لله في الأرض)) رواه البخاري (1367) ، مسلم (949) . انظر: المحرر الوجيز لابن عطية 2/3، التفسير الكبير للرازي 4/91، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/154. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 حجية الإجماع السكوتي ص: وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون (1) فعند الشافعي والإمام ليس بحجة ولا إجماع (2) . وعند الجُبَّائي (3) إجماع وحجة بعد انقراض العصر (4) .   (1) هذه مسألة: " الإجماع السكوتي " وهو: أن يقول بعض المجتهدين في مسألة قولاً أو يفعل فعلاً ويسكت الباقون بعد إطلاعهم عليه دون إنكار. ويسمى الإجماع السكوتي عند الحنفية " بالرخصة " لأنه جُعِل إجماعاً ضرورةً للاحتراز عن نسبة الساكتين إلى الفسق والتقصير، ويسمى الإجماع القولي عندهم " عزيمة ". انظر: أصول السرخسي 1/303، كشف الأسرار للبخاري 3 / 326. وقبل عرض مذاهب العلماء في حجيته، لابد من معرفة الشروط المعتبرة فيه، وهي: 1 - ألاَّ تظهر من الساكتين أمارةٌ دالةٌ على الرضا أو السخط. 2 - ظهور الحكم وانتشاره واشتهاره بين العلماء. 3 - أن تمضي مدة كافية للتأمل والنظر في حكم الحادثة. 4 - أن تنتفي دواعي السكوت من خوف أو اعتماده أن غيره كفاه مئونة الرد أو نحو ذلك. 5 - أن يكون السكوت قبل استقرار المذاهب في المسألة. 6 - أن تكون المسألة تكليفية. 7 - ألاَّ تتكرر المسألة مراراً مع طول الزمان. انظر: رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 203، البحر المحيط للزركشي 6/470، التوضيح لحلولو ص283، شرح الكوكب المنير 2/253، تيسير التحرير 3/246. أما المذاهب فيها؛ فقد ذكر المصنف فيها أربعة مذاهب وهي أبرزها. وقد ذكر الزركشي فيها اثني عشر قولاً وكذا الشوكاني. انظر: البحر المحيط 6/456، إرشاد الفحول 1/326. (2) هذا المذهب الأول، وهو للشافعي في الجديد، وداود الظاهري، وعيسى بن أبان، والباقلاني، وأبو عبد الله البصري من المعتزلة. انظر: شرح العمد 1/248، الإحكام لابن حزم 1/615 إحكام الفصول ص474، المنخول ص318، المحصول للرازي 4/153، كشف الأسرار للبخاري 3/427. وفصّل الزركشي في اختلاف نسبة هذا القول للشافعي. انظر: البحر المحيط 6/456ـ462. (3) المراد به الأب: أبوعلي الجبائي. انظر مذهبه في شرح العمد 1/248، المعتمد 2/66. (4) من العلماء من ذكر بأنه إجماع وحجة دون شرط الانقراض. ومنهم من قال: بأنه إجماعي قطعي، وآخرون بأنه ظني. وممن ذهب إلى أنه إجماع وحجة ـ على خلافٍ في التفصيل ـ أكثر الحنفية والمالكية، وبعض الشافعية وهو قول الإمام أحمد وأكثر أصحابه. انظر: إحكام الفصول ص473، شرح اللمع للشيرازي 2/691، أصول السرخسي 1/303، المسودة ص 335، جامع الأسرار للكاكي 3/930، مفتاح الوصول ص 745، الضياء اللامع لحلولو 2 / 246، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص77، غاية الوصول للأنصاري ص108، نشر البنود 2/94. لم يذكر المصنف مذهب المالكية في هذه المسألة، وفي نفائس الأصول (6/2691) نقل عن القاضي عبد الوهاب بأن مذهب المالكية أنه إجماع وحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وعند أبي هاشم (1) ليس بإجماع، وهو حجة (2) . وعند أبي علي بن أبي هريرة (3) إن كان القائل حاكماً لم يكن إجماعاً ولا حجة، وإن كان غيره فهو إجماع وحجة (4) . الشرح حجة الأول: أن السكوت قد يكون لأنه في مهلة النظر، أو يعتقد أن (5) قول خصمه مما يمكن أن يذهب إليه ذاهب، أو يعتقد أن كل مجتهد مصيب، أو هو عنده (6) منكر ولكن يَعْتقد أن غيره قام بالإنكار عنه، أو يعتقد أن إنكاره لا يفيد، ومع هذه الاحتمالات (7) لا يقال للساكت موافق للقائل، وهو معنى قول الشافعي رضي الله عنه: ((لا يُنْسب إلى ساكتٍ قولٌ)) (8) وإذا لم يكن إجماعاً لا يكون حجة، لأن قول بعض الأمة ليس بحجة.   (1) المراد به أبو هاشم بن أبي علي الجبائي. انظر مذهبه في: شرح العمد 1/249، المعتمد 2 / 66. (2) وهو مذهب بعض الشافعية كالصيرفي وغيره، وهو اختيار ابن الحاجب. انظر: التبصرة ص392، منتهى السول والأمل ص58، البحر المحيط للزركشي 6/461. (3) في ن: ((هبيرة)) وهو تحريف. وابن أبي هريرة هو: القاضي أبو علي الحسن بن الحسين البغدادي. انتهت إليه إمامة الشافعية بالعراق، تفقه على ابن سريج، وله بعض المصنفات منها: شرح مختصر المزني ت 345 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3 / 256، وفيات الأعيان 2 / 75. (4) وذهب أبو إسحاق المروزي إلى عكس هذا المذهب. انظر المذهبين في: البحر المحيط للزركشي 6/463، 465، الإبهاج للسبكي وابنه 2/380. (5) ساقطة من ن. (6) ساقطة من ق. (7) هذه الاحتمالات ذكرها الرازي في المحصول (4/153) وأوصلها إلى ثمانية. والمصنف عدَّ منها خمسة. وانظر: المستصفى 1/359، روضة الناظر 2/493، الإبهاج للسبكي وابنه 2/381. ولقد فنَّد هذه الاحتمالات جميعها الآمدي في الإحكام (1 / 253) ، وصفي الدين الهندي في نهاية الوصول (6/2570) . وقال المصنف في نفائس الأصول (6/2691) ((والأصل عدم هذه الاحتمالات، وندرة بعضها يسقطه عن الاعتبار)) . (8) هذه من العبارات الرشيقة للشافعي رحمه الله كما قال الجويني في البرهان (1/448) فقرة (646) . ونص عبارة الشافعي ((لا يُنْسب إلى ساكتٍ قولُ قائلٍ ولا عملُ عاملٍ، وإنما يُنْسب إلى كلٍّ قولُه وعملُه)) الأم 1/152. لكن هذا القول ـ الذي صار قاعدة ـ ليس على إطلاقه، لهذا وضع العلماء قيداً فقالوا: لا ينسب إلى ساكتٍ قولٌ، لكنَّ السكوتَ في مَعْرض الحاجة بيانٌ. انظر فروع القاعدة واستثناءاتها في: الأشباه والنظائر للسيوطي ص266، شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا ص337. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 حجة الجُبَّائي (1) : أن السكوت ظاهر في الرضا ولاسيما (2) مع طول المدة، ولذلك (3) قال عليه الصلاة والسلام في البِكْر: ((وإذْنُها صُمَاتُها)) (4) وإذا كان الساكت موافقاً كان إجماعاً وحجة، عملاً بالأدلة الدالة (5) على كون الإجماع حجة (6) . حجة (7) [أبي هاشم] (8) : أنه ليس إجماعاً لاحتمال السكوت ما تقدم (9) من غير الموافقة، وأما أنه حجة فإنه يفيد الظن والظن، حجة لقوله عليه الصلاة والسلام: ((أمِرْتُ أن أقضي بالظاهر والله يتولَّى السرائر)) (10) . وقياساً على   (1) المراد به الأب أبو علي. (2) في ق، س: ((لا سيما)) بدون الواو قال الأشموني: ((وتشديد يائها، ودخول " لا " عليها، ودخول الواو على " لا " واجب، قال ثعْلب: من استعمله على خلاف ما جاء في قوله ((ولا سيما يوم)) فهو مخطيء. وذكر غيره أنها قد تخفف وقد تحذف الواو ... )) شرح الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان 2/249. (3) في ن: ((وكذلك)) ، والمثبت أليق بالسياق. (4) رواه البخاري (6971) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البكر تستأذن)) قالت: إن البكر تستحيي قال: ((إذْنُها صُمَاتُها)) ورواه مسلم (1421) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والصُّمَات والصُّموُت هو السُّكات والسكوت وزناً ومعنىً. انظر: لسان العرب مادة " صمت ". (5) ساقطة من ن. (6) ليس سياق حجة الجبائي هكذا، بل هذه الحجة صالحة للقائلين بأن الإجماع السكوتي حجة وإجماعٌ مطلقاً من غير اشتراط انقراض العصر، كما قررها الشوشاوي في رفع النقاب (2/504) أما حجة الجبائي باختصار فهي: أن الساكتين إذا سمعوا الحكم وطال بهم زمان التفكير فإن اعتقدوا خلاف ما انتشر من القول فيها أظهروه إذا لم تكن تقية، فإن كانت ذكروا سببها، وإن ماتوا قبل من يَتَّقُونه صارت المسألة إجماعاً، وإن مات من يَتَّقُونه وجب أن يظهروا قولهم، فبان أنه لا يجوز انقراض العصر من غير ظهور خلافٍ لما انتشر، لهذا اشترط انقراض العصر. انظر: المغني المجلد (17) قسم " الشرعيات " للقاضي عبد الجبار ص236، المعتمد 1/67. (7) ساقطة من س. (8) ساقطة من س، ن. (9) تقدَّم. (10) هذا الحديث لا أصل له. قال ابن كثير: ((هذا الحديث كثيراً ما يلهج به أهل الأصول، ولم أقف له على سند، وسألت عنه الحافظ أبا الحجَّاج المِزِّي فلم يعرفه)) تحفة الطالب ص (145) وقال الزركشي: ((هذا الحديث اشتهر في كتب الفقه وأصوله، وقد استنكره جماعة من الحفاظ منهم المزي والذهبي، وقالوا: لا أصل له)) المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ص (99) . وقد نبّه الحافظ بن حجر أنه من كلام الشافعي فظنَّه بعض من رأى كلامه أنه حديثٌ للنبي صلى الله عليه وسلم. انظر: موافقه الخُبْر الخَبَر (1/181) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 المدارك الظنية (1) . حجة أبي علي (2) : أن الحاكم يُتْبِعُ أحكامَه ما يَطَّلع عليه من أمور رعيته (3) ، فربَّما علم في حقهم ما يقتضي عدم سماع دعواه (4) لأمر باطن يعلمه، وظاهر الحال يقتضي (5) أنه (6) مخالفٌ للإجماع، وكذلك في تحليفه وإقراره، وغير ذلك مما انعقد الإجماع على قبوله (7) ، وأما المفتي فإنما يفتي بناءً على المدارك الشرعية، وهي معلومة عند غيره، فإذا رآه خالفها نبَّهه، وأما أمور الرعية (8) وخواص أحوالهم فلا يَطّلع عليها إلا من ولي عليهم، فتلجئه الضرورة للكشف عنهم، فلا يشاركه غيره في ذلك، فلا يحسن الإنكار عليه، ثم إنه قد يرى المذهب المرجوح في حق غير هذا الخصم هو   (1) وقال السخاوي: ((اشتهر بين الأصوليين والفقهاء ... ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة)) المقاصد الحسنة ص (117) . ولكن هذا القول صحيح المعنى يشهد له حديث أم سلمة رضي الله عنها ترفعه ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضٍ، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)) رواه البخاري (6967) ومسلم (1713) وترجم له النسائي (5416) باب الحكم بالظاهر. كما يشهد له حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً عليه ((أن ناساً كانوا يُؤْخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر خيراً أَمِنَّاه وقرَّبناه وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نَأْمَنه ولم نصدّقه وإن قال: إنَّ سريرته حسنة)) رواه البخاري (2641) . ( ) ليس سياق حجة أبي هاشم هكذا كما وردت في كتب المعتزلة، بل حجته هي: أن الإجماع إنما ثبت من طريق القول أو الفعل أو الرضا به والاعتقاد له، فإذا ظهر من بعض الصحابة في الحادثة قول مخصوص، وظهر من الباقين السكوت عنه، لم يحصل فيه إجماع لا من طريق القول ولا الفعل ولا الرضا، لأن السكوت لا يعلم بمجرده الرضا. وأما أنه حجة لأن التابعين ومن بعدهم أجمعوا على الاحتجاج به، والمنع من مخالفته كالمنع من إحداث قول ثالث إذا اختلفوا على قولين. انظر: المغني المجلد (17) قسم " الشرعيات " للقاضي عبد الجبار ص237، شرح العمد 1/251، المعتمد 2/67 (2) أي: ابن أبي هريرة. (3) في ن: ((عايبته)) ، ولست أعلم لها وجهاً. (4) دعواه: أي دعوى الخصم. (5) ساقطة من س. (6) أي: أن حكم الحاكم. (7) أي: قبول حكم الحاكم، لأن حكمه يرفع الخلاف والنزاع. (8) في ن: ((الدعية)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 الراجح المتعين في حق هذا الخصم لأمر اطلع عليه، فلا يمكن الاعتراض عليه لهذه الاحتمالات (1) . إذا قال بعض المجتهدين قولاً ولم ينتشر ولم يعلم له مخالف، هل يكون إجماعاً سكوتياً؟ ص: فإن قال بعض الصحابة قولاً ولم يُعْرف له مخالف (2) ، قال الإمام (3) : إن كان مما تَعُمُّ به البلوى (4) ، ولم ينتشر (5) ذلك القول فيهم، [ففيه مخالف لم يظهر] (6) ،   (1) لكن اعترض ابن عاشور على قول المصنف هنا فقال: ((قوله (أي المصنف ... سَهْو ظاهر في تقرير حجته فالسكوت إنما كان تحاشياً للافتيات على الأمراء، لا لموافقتهم، ولا يردون أن في الإنكار فائدة؛ لأن الأحكام لا تنقض؛ ولأن الخلاف يرتفع بالحكم ... أما ما قرره المصنف فيفضي إلى أن ابن أبي هريرة يجوّز للحاكم خرق الإجماع لأمور ظنية، وهذا لا قائل به، ولو أراده المصنف لكان ذريعةً للظلمة يخرقون به الإجماعات، ولكن المصنف أجلّ من أن يقرّ هذا لو أعاد عليه النظر بعد أن سبقه القلم)) . حاشية التوضيح والتصحيح 2 / 105. (2) الفرق بين هذه المسألة وسابقتها: أن الأولى القول فيها منتشر وظاهر، بينما في هذه لم يبلغ القول جميع المجتهدين. انظر: نفائس الأصول 6/2693، رفع النقاب القسم 2/507. أمَّا الأقوال فيها فهي ثلاثة، لم يذكر المصنف منها سوى واحدٍ، وهي، الأول: يُلحق بالإجماع السكوتي، فيكون حكمه حجةً وإجماعاً. الثاني: لايكون إجماعاً ولاحجة، لأنه لم يبلغهم، فلو بلغهم ربما لم يسكتوا عليه. الثالث: التفصيل ـ وهو ما حكاه المصنف عن الرازي ـ فإن كان مما تعمُّ به البلوى ألْحِق بالسكوتي، لأنه لابدّ أن يكون للباقين قولٌ في المسأله لكنه لم يظهر، فيجري مجرى قول البعض بحضرة الباقين وسكوتهم عنه، وإن كان ممالا تعم به البلوى فلا يكون إجماعاً سكوتياً، أي ليس بإجماع ولا حجة، لاحتمال ذهول البعض عنه. انظر المسألة في: المعتمد 2/71، الإحكام لابن حزم 1/615، شرح اللمع للشيرازي 2/742، التمهيد لأبي الخطاب 3/330، المحصول للرازي4/159، الإحكام للآمدي 1/255، منتهى السول والأمل ص 59، التوضيح لحلولو ص283 (3) انظر: المحصول 4/159. وقد سبق تقرير مذهبه قريباً في الهامش السابق. (4) ما تعم به البلوى هو: ما يحتاج الكل إليه حاجةً متأكدة تقتضي السؤال عنه مع كثرة تكرره، كمس الذَّكَر ونحوه. انظر: شرح جمع الجوامع بحاشية البناني 2/136، تيسير التحرير 3/112، رفع النقاب القسم 2/508. (5) في ق: ((يَفْشُ)) . (6) وقع في هذه العبارة اضطراب في النسخ المخطوطة للمتن والشرح، والمثبت من س، ص، و، ش، ومتن ز، ومتن د. وقريبٌ من ذلك في نسخة ن بزيادة كلمة " قول ": ((ففيه قول مخالف لم يظهر)) ..وسبب الاختيار المثبت أن المصنف قال في شرح هذا المتن ص (147) وقولي: ((فيه مخالف)) ، وهو ما أجمعت عليه نسخ الشرح، فكان ما أثبت أقرب لعبارة المصنف في شرحه. وفي ق: ((فيحتمل أن يكون فقيه مخالف لم يظهر)) . وفي متن هـ، ومتن ف ((فيحتمل أن يكون فيهم مخالف لم يظهر)) . وفي نسخة م: ((وفيهم فقيه مخالف لم يظهر)) . وفي ز: ((وبينهم وفيه مخالف لم يظهر)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 فيجري مَجْرى قول البعض وسكوت البعض، وإنْ كان مما لا تعم به (1) البلوى فليس بإجماعٍ ولا حجةٍ. الشرح إذا كانت الفتوى مما تعم بها البلوى فإنَّ (2) سببها عامٌّ كدم البراغيث (3) وطين المطر والفِصَادة (4) وكونها تَنْقُض الطهارةَ ونحو ذلك (5) ، فشأن هذه الفتوى (6) أن تنتشر (7) بينهم لعموم سببها وشموله لهم، فإذا لم تنتشر (8) فبعضهم عنده علم تلك الفتوى لوجود سببها في حقه وهو إما موافق لما ظهر أو مخالف له. وقولي: ((فيه مخالف)) : غير هذه العبارة أجود، بل نقول (9) : ((فيه قائل)) ، أما المخالف فلا يتعيَّن لاحتمال أنه موافق (10) . وأما إذا لم تعم به البلوى فيتخرَّج على الإجماع السكوتي، هل هو إجماع وحجة أم   (1) ساقطة من ن. (2) هنا زياد ة: ((كان)) في ق ولا وجه لها. (3) جمع بُرْغُوث. الباء فيه مثلَّثة والأشهر الضَّم. وهي دويبة من صغار الهوامَّ، عضوض، شديد الوَثبِ، تعيش على جسم الإنسان والحيوانات اللبونة، تتغذى من الفضلات، لدغتها سامَّة، وقد تُسِّبب وباء الطاعون. انظر: تاج العروس، المعجم الوسيط كلاهما مادة " برغث "، ربيع الأبرار للزمخشري 4/478. (4) الفِصَادة: مِنْ فَصَد يفصِد فَصْداً وفِصَاداً، وهي شَقُّ العِرْق ليسيل الدم. والفَصْد والحجامة والشَّرْط كلها تجتمع في أنها إخراجٌ للدم، لكنْ الشَّرْط: شَقُّ العِرْق طولاً، والفَصْد: شَقُّه عرضاً، والحجامة: مصُّ الدم بعد خروجه. انظر: تاج العروس مادة " فصد "، الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف بالكويت مادة " حجامة " (17/14) ، الشرح الممتع على زاد المستنقع للشيخ محمد العثيمين 6/396. (5) انظر أحكام المذكورات من حيث نقضها للطهارة في: الحاوي للماوردي 1/200، 295، المبسوط للسرخسي 1/85، 86، المغني لابن قدامة 2/484، 500، الذخيرة للقرافي 1/180، 193، 198. (6) في ن: ((الفتاوى)) . (7) في ق: ((تُفشى)) . (8) في ق: ((تُفْشَ)) . (9) في ن: ((يقول)) . (10) ما كان أغنى المصنف عن هذا الاستدراك على نفسه لو أنه التزم نص عبارة المحصول (4/159) حيث قال: ((فلا بد وأن يكون لهم في تلك المسألة قول إما موافق وإما مخالف ولكنه لم يظهر)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 لا؟ (1) . وهذا الذي نقلته هو قول الإمام فخر الدين في " المحصول " (2) ، ولما كان مذهبه في الإجماع السكوتي أنه ليس إجماعاً ولا حجة، [قال هنا] (3) كذلك، [وهو يتخرج] (4) على الخلاف المتقدِّم (5) . ص: وإذا جوَّزنا الإجماع السكوتي فكثيرٌ ممن لم يَعتبر انقراض العصر في القولي اعتبره في السكوتي (6) . الشرح سبب الفرق أن الإجماع القولي قد صرَّح كل واحد بما (7) في نفسه، فلا معنى للانتظار، و [في السكوتي] (8) احتمال أن يكون الساكت في مهلة النظر (9) ،   (1) لعلَّ هذا وقع سهواً من المصنف، لأن ما لا تعم به البلوى ولم ينتشر لا يتخرَّج على الإجماع السكوتي. وإنما الذي يتخرّج عليه هو ما تعم به البلوى ولم ينتشر، هذا ما ذكره الرازي في المحصول (4/159) . وربّما كان السبب في وقوع المصنف في هذا الوهم أن الرازي قال في الإجماع السكوتي بأنه ليس إجماعاً ولا حجة، فكذلك فيما تعم به البلوى ولم ينتشر أو ما لا تعم به البلوى. ولهذا قال حلولو: ((قول المصنف في الشرح: إن كان مما لا تعم به البلوى فيتخرج على الإجماع السكوتي ... غير صحيح، لما تقدَّم من أنَّ مثار الخلاف إنما هو بلاغ فتياه للباقين بالقيود المتقدمة، وفرض الصورة هنا إنما هو مع عدم البلاغ فلا يصح ـ ثم قال ـ وإذا لم يكن كذلك لم يكن للتفصيل بين ما تعم به البلوى وغيره معنى. والله أعلم)) التوضيح شرح التنقيح ص283. وانظر: منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2/129. (2) انظر: المحصول 4/159. (3) في ق: ((فهنا)) . (4) في ق: ((فيتخرج)) . (5) بل تتخرج المسألة حينئذٍ على مسألة قول الصحابي هل هو حجة؟ ، والله أعلم. انظر: العدة لأبي يعلى 4/1178، التبصرة ص395، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للعلائي ص35، إعلام الموقعين لابن القيم 4/104. (6) سبق في مسألة حجية الإجماع السكوتي أن مذهب أبي علي الجبائي اشتراط انقراض العصر في حجية الإجماع السكوتي. وحكاه الشيرازي عن بعض الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختاره الآمدي. انظر: المعتمد 2/66، شرح اللمع للشيرازي 2/698، المحصول للرازي 4/151، الإحكام للآمدي 1/257، المسودة ص320، 335، البحر المحيط للزركشي 6/480. (7) ساقطة من ن. (8) ساقط من ن. (9) حدَّها بعضهم بثلاثة أيام، والصحيح أنها تختلف باختلاف الواقعة ووضوح مستند الإجماع وغموضه، ويُجرى في ذلك مجرى العادة. انظر: التقرير والتحبير 3/135. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فيُنْتَظر (1) حتى ينقرض العصر، فإذا مات علمنا رضاه. قال الإمام فخر الدين: ((وهذا ضعيف؛ لأن السكوت إن (2) دل على الرضا دل في الحياة أو لايدل، فلا يدل عند الممات)) (3) . حكم الإجماع المروي بخبر الآحاد ص: والإجماع المرويُّ بأخبار الآحاد حجة خلافاً لأكثر الناس (4) ، لأن هذه الإجماعات وإن لم تُفِد العلم (5) فهي تفيد الظن، والظن (6) معتبرٌ في الأحكام كالقياس وخبرالواحد (7) . غير أنَّا لا نكفِّر مخالفها (8) ، قاله الإمام (9) .   (1) في س، ن: ((فينظر)) . (2) في ن، س: ((إذا)) وهو ممكن. انظر: هامش (7) ص (16) . والمثبت هنا موافق للمحصول 4 / 151. (3) عبارة الرازي في المحصول (4/151) أوضح مما ذكرها المصنف وهي: ((وهذا ضعيف، لأن السكوت إنْ دلَّ على الرضا وجب أن يحصل ذلك قبل الموت، وإن لم يدل عليه، لم يحصل ذلك أيضاً بالموت، لاحتمال أنه مات على ما كان عليه قبل الموت. والله أعلم)) . (4) ممن قال بحجيته: الحنفية في المختار عندهم، والحنابلة، وبعض الشافعية كالرازي والآمدي، وبعض المالكية كالباجي وابن الحاجب، وصححه أبو الحسين البصري. وممن أنكر حجيته: بعض الحنفية وبعض المالكية كالباقلاني والغزالي من الشافعية. انظر: المعتمد 2/67، إحكام الفصول ص503، المستصفى 1/575، المحصول للرازي4/152، روضة الناظر 2/500، الإحكام للآمدي 1/281، مختصر ابن الحاجب مع بيان المختصر للأصفهاني 1/614، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 529، التوضيح لحلولو 284، التقرير والتحبير 3/153، فواتح الرحموت2/301، ومنشأ الخلاف: اختلاف نظر كل فريق إلى دليل أصل الإجماع أيجوز أن يكون ظنياً أم لا؟ انظر: نهاية الوصول للهندي 6/2665. وقول المصنف هنا ـ تبعاً للرازي ـ ((خلافاً لأكثر الناس)) فيه نظر قد تبيَّن لك وجهه عند عرض رأي القائلين بحجية الإجماع المروي بأخبار الآحاد. ولهذا جاء في المسودة ص (344) ، وكشف الأسرار للبخاري (3/485) بأن أكثر العلماء على حجية العمل بالإجماع المنقول بالآحاد. (5) في متن هـ: ((القطع)) . (6) في متن هـ: ((وهو)) . (7) هنا زيادة: ((عندنا)) في ق. (8) هذا حكم منكر الإجماع الظني المستند للآحاد، لأنه مظنون بل لا يُضَلَّل منكره، بل يجوز الاجتهاد على خلافه إذا كان مع المجتهد دليل، وستأتي هذه المسألة في آخر هذا الفصل ص 166. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 19/270، رفع النقاب القسم 2/514، التقرير والتحبير 3/153، نشر البنود2/86. (9) ليس كل ما سبق ذكره قولاً للرازي بل عبارته تنحصر في قوله ((والإجماع المروي بأخبار الآحاد حجة خلافاً لأكثر الناس)) فقط، انظر المحصول4/152. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 الشرح ولأنه حجة شرعية فيصح التمسك (1) بمظنونه كما يصح بمقطوعه كالنصوص والقياس. حجة المنع: أن خبر الواحد إنما يكون حجة في السنة وهذا ليس منها، ثم الفرق أن إجماع الأمة من الوقائع العظيمة فتتوفر الدواعي على نقلها، بخلاف وقائع أخبار الآحاد، فحيث نُقِل بأخبار الآحاد كان ذلك ريبة في ذلك النقل (2) . فإن قلت: الصحيح قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوى (3) ، مع أنه مما تتوفر الدواعي على نقله، فما الفرق؟ (4) . قلتُ: الفرق أن عموم البلوى أقل من الكل قطعاً (5) . حكم الاستدلال بدليل أو تأويل لم يتعرض أهل العصر الأول لهما في إجماعهم ص: قال (6) : وإذا استدل أهل (7) العصر الأول (8) بدليلٍ وذكروا (9) تأويلاً، [واستدل أهل العصر الثاني بدليلٍ آخر* وذكروا تأويلاً] (10) آخر (11) ، فلا   (1) في ق: ((التمثيل)) وهو تحريف. (2) ساقطة من ق. (3) انظر مسألة خبر الواحد فيما تعم به البلوي ص (267) من هذا الكتاب. (4) هذا اعتراض على حجة المنع حاصله: قولكم بأن الإجماع مما تتوفر الدواعي على نقله لانتشاره يلزم أيضاً في خبر الواحد فيما تعم به البلوي، ومع هذا فهو مقبول، فليقبل الإجماع المنقول بالآحاد إذ لا فرق. (5) قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ((هذا نص العبارة في جميع النسخ، ولاشك أن بها نقصاً. والظاهر أن أصلها: أن عموم البلوى أقل من اتفاق الكل قطعاً ... والمراد بكونه أقل أنه أضعف من اتفاق الكل ... )) حاشية التوضيح والتصحيح 2 / 106. (6) ساقطة من ن، والقائل هو الإمام الرازي في المحصول 4/159. (7) ساقطة من س، ق. (8) ساقطة من ن. (9) لو قال المصنف ((أو ذكروا)) لكان أولى إفادةً للتنويع والتقسيم، كما هي عبارة المحصول (4/159) . (10) ما بين المعقوفين ساقط من س. (11) مثال الدليل: كأن يجمع أهل العصر الأول على أن النية واجبة بدليل قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... } [البنية: 5] . ثم يستدل أهل العصر الثاني على وجوبها بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات ... )) رواه البخاري (1) ، ومسلم (1907) . ومثال التأويل (بمعنى التفسير) كما إذا قال المجمعون في قوله صلى الله عليه وسلم: ((وعفِّرُوه الثامنةَ بالتراب)) رواه مسلم (280) أن تأويله عدم التهاون بالسبع بأن يُنقص عنها. ويؤوله من بعدهم بأن معناه أن التراب لمَّا صحب السابعة صار كأنه ثامنة، وهناك تأويلات أخرى. انظر: سبل السلام للصنعاني 1/53. وانظر هذه الأمثلة في: حاشية البناني على شرح الجوامع2/199، سلم الوصول للمطيعي3/936، وانظر مثالاً آخر في رفع النقاب القسم 2/515. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 يجوز إبطال التأويل القديم، وأما الجديد فإن لزم منه إبطال القديم بطل وإلا فلا (1) . الشرح مثاله (2) : اللفظ المُشْتَرك، يحمله أهل العصر الأول على أحد معنييه، ثم في العصر الثاني يعتبرون المعنى الآخر الذي لم يعتبره العصر الأول (3) . قال الإمام فخر الدين: ((المشترك لا يستعمل في مفهوميه وأحدهما (4) مرادٌ، والآخر ليس بمرادٍ، فلا يستقيم اعتبار التأويلين)) (5) .   (1) كان الأنسب أن تكون هذه المسألة عقب مسألة حكم إحداث قول ثالث لقرب المناسبة بينهما، كما فعل حلولو في التوضيح ص (281) . ـ ثم إن هذه المسألة تتعلق بدليل الحكم المجمع عليه، والعادة جرت بأن يكون الإجماع على حكم، فهذا الإجماع لا تجوز مخالفته. لكن كيف يكون الأمر لو أجمعوا على دليل الحكم أو تأويلٍ ما فهل يجوز الاستدلال بدليل آخر؟ ? ... تحرير محل النزاع: إذا استدل أهل العصر الأول بدليل أو ذكروا تأويلاً، فلا يخلو الحال من أحد أمور ثلاثة: أ - أن ينصُّوا على إبطال ما عداهما، فلا يجوز حينئذٍ لمن بعدهما إحداث دليل أو تأويل، لما فيه من تخطئة الأمة فيما أجمعت عليه. ب - أن ينصُّوا على صحة الاستدلال بدليلٍ آخر أو ذكر تأويلٍ آخر، فيجوز لمن بعدهم إحداث دليل جديد أو تأويل جديد. جـ - أن يسكتوا عن الأمرين، فهذه صورة النزاع. جمهور العلماء على الجواز إذا لم يلزم منه إبطال دليل أو تأويلٍ للعصر الأول وإلا فلا. وقلَّة من العلماء على المنع مطلقاً. وفي المسألة أقوال أخرى، ذكرها الزركشي في البحر المحيط (6 / 514) . انظر المسألة في: المعتمد 2/51، الوصول لابن برهان 2/113، الإحكام للآمدي 1/246، منتهى السول والأمل ص62، المسودة ص328، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 519، التوضيح لحلولو ص281، تيسير التحرير 3/253. (2) أي مثال التأويل. (3) ومثال اللفظ المشترك: القُرْء فهو موضوع للطُّهْر والحيض. فإذا فسَّره أهل العصر الأول بالطُّهر فلا يجوز ـ عند الرازي لأهل العصر الثاني تفسيره بالحيض، لأنه يؤدي إلى إبطال تفسير أهل العصر الأول لعدم إمكان اجتماعهما. انظر: رفع النقاب القسم 2/515.أما المصنف فإنه يرى جواز حمل المشترك على معنييه. وقدسبقت منازعة المصنفِ للرازي في هذه المسألة ص (114) من هذا الكتاب المطبوع. وانظر أيضاً: نفائس الأصول 2/740 ففيه توسُّع. (4) في ن، س ((فأحدهما)) . والمثبت أنسب، لأن الواو حالية. (5) انظر المحصول 4/160. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 ويرِدُ عليه: أن مذهب الشافعي* ومالكٍ والقاضي (1) وجماعةٍ كثيرة جوازه (2) فجاز أن يعتبر العصر الأول أحد المعنيين لحضور سببه ولا يَخْطُر (3) الآخر ببالهم لعدم حضور سببه، ثم في العصر الثاني يحضر سببه فيعتبرونه (4) دون الأول، والأمة لا يلزمها علم ما تحتاجه وعلم ما لا تحتاجه فقط (5) . قال القاضي عبد الوهاب في " الملخص " (6) : إذا استدل أهل (7) الإجماع بدليل على حكم هل (8) يجوز أن يُسْتَدَلَّ بدليلٍ آخر على ذلك الحكم؟. منعه قوم لأن استدلال الأوَّلِين يقتضي أن ما عداه خطأ. قال: والحق أنه إن فهم عنهم (9) أن ما عداه (10) ليس بدليل على ذلك الحكم (11) امتنع الاستدلال بغيره، وإلاّ فلا يمتنع، لأنه لا يجب (12) عليهم ذكر كل ما يصلح الاستدلال به. وهل يصحُّ في كلِّ دليل (13) أن يُجْمِعوا أنه (14) ليس بدليل، أو (15) يُفَصَّل في ذلك؟ فيقال: كل ما يقبل النسخ أو   (1) ساقطة من ق. (2) انظر: المصادر المذكورة في هامش (1) ص (151) . وانظر أيضاً: شرح المعالم 2 / 125، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي ص 311، رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 237، أصول الفقه لابن مفلح 2 / 444. (3) في ن: ((يحضر)) . (4) في ن: ((فيتعين)) . (5) انظر: النفائس الأصول6/2679. (6) انظر قوله في: نفائس الأصول 6 / 2777، وقد جاء بعض قوله في: رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 237 - 239، البحر المحيط للزركشي 6/516. (7) سقطت من جميع النسخ ما خلا نسختي ص، و. (8) هكذا في جميع النسخ، والصواب" فهل" لأن القاعدة النحوية هي: كل جوابٍ يمتنع جَعْلهُ شرطاً فإن الفاء تجب فيه، من هذه المواضع أن يكون جواب الشرط جملة طلبية والاستفهام من الجمل الطلبية. انظر: أوضح المسالك لابن هشام4/192. (9) في ن: ((عنه)) . (10) هنا زيادة: ((دليل)) في ن، ولا حاجة لها. (11) في ن زيادة: ((لأن استدلال الأولين)) ولا معنى لها. (12) في ن: ((تجب)) ، وهو تصحيف. (13) هنا زيادة: ((كلي)) في ق ولا حاجة لها. (14) في ن: ((بين ما)) ، وهي ليست مناسبة. (15) الحرف ((أو)) مثبت في جميع النسخ، وهو ليس مثبتاً في نفائس الأصول (6/2777) ، فعلى حذفها يكون قوله: ((يُفصَّل ... إلخ)) جواباً لسؤاله: ((هل يصح ... إلخ)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 التخصيص صحَّ إجماعهم على عدم دلالته وإلا لم يَجُزْ إجماعهم لأنه حينئذٍ* خطأ؛ لأنه لا يصح أن يخرج عن كونه دليلاً (1) . وإذا قلنا بجواز الاستدلال بغير ما استدلوا به، فهل يجوز الاستدلال بعِدَّة أدلةٍ وإنْ كانوا هم لم يستدلوا إلا بدليل واحدٍ؟ وهل يُسْتدل بغير جنس دليلهم ولا فرق بين الجنس الواحد والجنسين (2) ؟. هذا في الأدلة. وإنْ عللوا بعلةٍ فهل (3) لنا أن نعلل بغيرها (4) ؟. لا يخلو إما أن يكون الحكم عقلياً أو شرعياً، فإنْ كان عقلياً لم يجز بغير علتهم على أصولنا في أن الحكم العقلي لا يعلل بعلتين، بخلاف الاستدلال عليه بعلتين (5) ، ومن جوزه جوزه هاهنا (6) . وأما الشرعي: فإنْ فرَّعنا على أنه لا يجوز تعليله امتنع، وإلا جاز بشرط أن لا تُنَافي عِلَّتُنا عِلَّتَهم إلا أن يجمعوا على عدم التعليل بغير علّتهم فيمتنع مطلقاً. حكم إجماع أهل المدينة ص: وإجماع أهل المدينة عند مالكٍ رحمه الله فيما طريقه التوقيف حجةٌ خلافاً للجميع (7) .   (1) أي: أن الدليل مُحْكم غير منسوخ ولا مخصّص، فيصحُّ لمن بعدهم الاستدلال به، ولايصح لأهل العصر الأول أن يجمعوا على أنه ليس بدليلٍ. (2) أي: لا فرق بين أن يكون كلا الدليلين من القرآن أو السنة أو أحدهما من أحدهما والآخر من الآخر. (3) في ن: ((هل)) وهو خطأ سبق التنبيه عليه. انظر هامش (8) ص (152) . (4) كأن يجعل أهل العصر الأول العلة في الربا في البر الاقتيات، يجعل آخرون بعدهم العلة الادخار. انظر: حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/235. (5) هكذا في جميع النسخ، بينما في نفائس الأصول 6/2778 ((بدليلين فأكثر فإنه يجوز)) . (6) المراد بالعبارة: من جوَّز تعليل الحكم العقلي بعلتين جوَّز أن يُعلَّل بغير ما علَّل به أهل العصر الأول. (7) المصنف رحمه الله تعالى لم يبسط هذه المسألة بالشرح والتفصيل مع كونها من أبرز مسائل المالكية الأصولية، كما أن قوله هنا ((خلافاً للجميع)) غير محرَّر. انظر المسألة في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص75، 219، 242، 311، 317. إحكام الفصول ص 480، الضروري في أصول الفقه (مختصر المستصفى) لابن رشد ص93، نفائس الأصول 6 / 2701، تقريب الوصول لابن جُزَيّ ص337، مفتاح الوصول ص 752، التوضيح لحلولو ص284، رفع النقاب القسم 2/517، نشر البنود 2/89، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2/130، الجواهر الثمينة لأدلة عالم المدينة حسن المشاط ص207ـ213. وانظر أيضاً: المعتمد 2/34، المحصول للرازي4/162، مجموع الفتاوي لابن تيمية 20/294 التقرير والتحبير 3/133، عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالكٍ وآراء الأصوليين د. أحمد محمد نور سيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 الشرح لنا (1) : قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ المدينة لَتَنْفِي (2) خَبَثَها كما ينفي الكِيْرُ خَبَثَ الحديد)) (3) والخطأ خَبَثٌ فوجب نفيه (4) ، ولأن أخْلافهم تَنْقُل (5) عن أسلافهم، وأبناءهم (6) عن آبائهم، فيخرج الخبر عن حَيِّز (7) الظن والتخمين (8) إلى حَيِّز (9) اليقين. ومن الأصحاب (10) من قال: إجماعهم مطلقاً حجةٌ وإنْ كان في عَمَلٍ عَمِلُوه أو (11) في نَقْل نَقَلُوه، ويدل على هذا القسم (12) الدليل الأول دون الثاني. احتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) (13) ، ومفهومه أن بعض الأمة يجوز عليه (14) الخطأ، وأهل المدينة بعض الأمة.   (1) ساقطة من ق. (2) في ق: ((تنفي)) . (3) رواه البخاري (1871، 1883، 7209) ، ومسلم (1381، 1383) كلاهما بنحوه، والكِيْر: الزِّقُّ الذي تُنْفخ فيه النار، وكير الحدَّاد هو المبني من الطين انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر مادة " كير ". (4) لكن المصنف في نفائس الأصول (6/2712) نفى أن يكون في الحديث دلالة على الدعوى، لأن الخبث في عُرْف الشرع هو ما نُهي عنه، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((كَسْب الحَجَّام خبيثٌ)) [رواه مسلم في كتاب المساقات حديث رقم (41) ] . والخطأ والنسيان لا يتعلَّق بهما نهيٌ ولا غيره من الأحكام الشرعية. (5) في ن، ق: ((ينقلون)) . (6) في ن: ((وأبناؤهم)) وهي صحيحة أيضاً، قال ابن مالك: وجائزٌ رفْعُكَ معطوفاً على منصوبِ إنَّ بعد أنْ تَسْتكْمِلا وأشعر قوله هذا بأن النصب هو الأصل والأرجح؛ لكونه معطوفاً على اسم إن المنصوب، انظر: شرح ابن عقيل 1/191، حاشية الصبان على شرح الأشموني على الألفية 1/420. (7) ساقطة من س، ق. وفي ن: ((خبر)) . والمثبت من ص، و، ز، لأنه أنسب للسياق. (8) في ن: ((التخير)) وهو تحريف. (9) في س: ((خبر)) . (10) وهم أكثر المغاربة. انظر: إحكام الفصول ص 480، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1/ 495 - 496. (11) هكذا في ق، ص، وهو الصواب؛ لإفادته معنى الإطلاق. وفي باقي النسخ ((لا)) . (12) في ق: ((التقسيم)) . (13) تقدَّم تخريجه. (14) في س: ((عليهم)) وهو جائز بالنظر إلى معنى " بعض الأمة "، والمثبت بالنظر إلى لفظ " بعض " في كونه مفرداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وجوابه: أن منطوق الحديث المُثْبِت أقوى من مفهوم الحديث النافي. حكم إجماع أهل الكوفة ص: ومن الناس (1) من اعتبر إجماع أهل (2) الكوفه (3) . الشرح ... ... سببه أن علياً رضي الله عنه وجَمْعاً كثيراً (4) من الصحابة والعلماء كانوا بها فكان ذلك دليلاً على أن الحق لا يفوتهم (5) . حكم إجماع العِتْرة ص: وإجماع العترة (6) حُجة (7)   (1) لم أجدْ أحداً سمّاهم فيما وقفت عليه من كتب الأصول. (2) ساقطة من ق. (3) من الأصوليين مَنْ يَذْكر حِيال هذه المسألة: ((إجماع المِصْرَين)) أي: الكوفة والبصرة، و ((إجماع الحرمين)) أي: مكة والمدينة، و ((إجماع أهل الفسطاط)) . انظر: الإحكام لابن حزم1/615، المستصفى1/351، نهاية السول3/265، البحر المحيط للزركشي 6 / 449، نشر البنود2/83. (4) في س: ((كبيراً)) . (5) اعتراض الجمهور على هذا الاستدلال بأن أهل الكوفة أو البصرة أو غيرهم هم بعض الأمة، والإجماع لاينعقد إلا بجميع مجتهدي الأمة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) سبق تخريجه. ثم لا مزية للكوفة ونحوها من حيث الشرع إلا وجود بعض الصحابة فيها، فيؤول الخلاف إلى حجية أقوال الصحابة رضي الله عنهم. انظر: الإحكام لابن حزم1/615، رفع النقاب القسم2/522. (6) في ق، ن: ((العشرة)) وهو تصحيف. والعِتْرة: بكسرٍ فسكون لغةً: لها معانٍ عدة منها: أقرباء الرجل من ولدٍ وغيره ورهطه وعشيرتة الأدنون ممن مضى. انظر: لسان العرب مادة " عتر ". وفي الاصطلاح: هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم. وقيل: هم بنو عبد المطلب، وقيل: هم بنو هاشم، وقيل: هم الأقربون والأبعدون، فيدخل فيهم كلُّ قرشيٍّ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر مادة " عتر " لابن الأثير، فتح القدير للشوكاني 4/271، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4/359، نفائس الأصول 6/2716، 2722، رفع النقاب القسم2/522، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى (زيدي) ص 619. (7) ساقطة من جميع نسخ الشرح والمتن ما عدا النسختين: ق، ص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 عند الإمَامِيَّة (1) (2) . الشرح ... ... لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (3) والخطأ رجْسٌ، فوجب نفيه. وجوابه: أن الرجس ظاهر في المعصية (4) ، والاجتهادُ الخطأُ (5) ليس بمعصية، ولأن   (1) الإمَامِيَّة: هي فرقة كبيرة من فرق الشيعة، بل يكاد يطلق اسم الرافضة والشيعة عليهم، ويُسمَّون: بالجَعْفَرِيَّة نسبة إلى جعفر الصادق، وبالاثني عشرية، لأنهم يقصرون الإمامة على اثني عشر إماماً، ابتداءً بعليِّ رضي الله عنه وأولاده وأحفاده وانتهاءً بالمهدي المنتظر. ويقابل هذه الفرقة: الزيدية والإسماعيلية. وسُميت الإمامية بذلك لقولهم بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمانٍ، وبالعصمة له. وهم أكبر فرق الرافضة اليوم، ويقطنون إيران والعراق وباكستان وما جاور الخليج العربي. انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/189، موسوعة الفرق الإسلامية د. محمد جواد مشكور (رافضي) ص 121، مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة د. ناصر القفاري 2/171، فرق معاصرة د. غالب عواجي 1/170. (2) وممن قال بإجماع العترة: الزيدية، وجاء في المسودة ص (333) ((وقد ذكر القاضي في المعتمد هو وطائفة من العلماء أن العترة لا تجتمع على خطأ)) . انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 7/ 395، وانظر: عدة الأصول للخراساني (رافضي) ص 288، أصول الفقه لمحمد الرضا المظفر (رافضي) 2/91، الفصول اللؤلؤية في أصول فقه العترة النبوية للقاضي إبراهيم الهادي (زيدي) ص228، البحر الممحيط للزركشي6/450. قال المهدي بن المرتضى (زيدي) ((وفي هذه الحكاية (أي حجية إجماع العترة) عن الإمامية نظر، لأن الحجة عندهم إنما هي في قول المعصوم، يعني الإمام، فانضمام العترة إليه لا يكمِّله، وانفرادهم عنه لا ينقصه. فهذه الرواية لا تصح على مذهبهم. نعم ذكر الشريف المرتضى أن إجماع الإمامية حجة، لأنهم إذا أجمعوا على الخطأ وجب ظهور الإمام)) منهاج الأصول إلى معيار العقول ص 621. (3) الأحزاب، الآية: 33. (4) الرجس: هو اسم لكلِّ ما يُسْتقذر من عملٍ، ويطلق على القذر، والعذاب، والشك، والمأثم (المعصية) . انظر: لسان العرب مادة: " رجس "، عمدة الحفاظ 2/72، تفسير البحر المحيط لأبي حيان 7/224. (5) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 صيغة الحصر متعذرة في ذلك (1) ، لأن إرادة الله تعالى شاملة لجميع أجزاء العالم، فيتعين إبطال الحقيقة، ووجوه المجاز غير منحصرة، فيبقى مُجْملاً، فسقط الاستدلال به (2) (3) . حكم إجماع الخلفاء الراشدين ص: وإجماع الخلفاء الأربعة حجة (4) عند أبي خازم (5) ، ولم يعتدَّ بخلاف زيد بن ثابت في توريث ذوي الأرحام (6) . الشرح ... ... مستنده (7) : قوله عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ)) (8) وهذه صيغةُ تخصيصٍ تفيد الأمر   (1) أي يتعذَّر حمل صيغة الحصر على إذهاب الرجس بمعنى الخطأ، لأن الله تعالى كتب على بني آدم وقوعهم في الخطأ، قال صلى الله عليه وسلم: ((كل بني أدم خطاء)) . رواه الترمذي (2499) ، ابن ماجه (4251) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح 2 / 724. (2) ساقطة من ق. (3) وجواب آخر هو: أن الله كتب العصمة لمجموع الأمة، والعِتْرة هم بعض الأمة فلا إجماع. انظر: نهاية الوصول للهندي 6/2588، التوضيح لحلولو ص285، فواتح الرحموت2/286، إرشاد الفحول1/323. (4) ساقطة من س. وحجية إجماع الخلفاء الأربعة رواية عن الإمام احمد وقال به أبو حازم من الحنفية كما سيأتي. انظر: العدة لأبي يعلى4/1198، أصول السرخسي 1/317 المسودة ص 340، تيسير التحرير 3/242، فواتح الرحموت 2 / 289. (5) في ق: ((أبي هاشم خازم)) وإقحام هاشم هنا خطأ. وفي سائر نسخ الشروح والمتن بالحاء المهملة. والذي في أكثر كتب التراجم بالخاء المعجمة. وترجمته: هو عبد الحميد بن عبد العزيز البغدادي، كان ورعاً ذكياً عالماً بمذهب أبي حنيفة، ولي قضاء الشام والكوفة والكَرْخ، وكان شديداً على الأمراء. من كتبه: المحاضر والسجلات، أدب القاضي، الفرائض. ت 292هـ. انظر: الفوائد البهية ص86، الجواهر المضية1/296، الطبقات السنية4/267. (6) ذكر الجصاص قصة أبي خازم مع الخليفة العباسي المعتضد بالله، وفيها أن أبا خازم حكم بردِّ أموالٍ تحصلَّت في بيت المال إلى ذوي الأرحام فهم أولى بها، فأنفذ المعتضد قضاءه وكتب به إلى الآفاق. انظر: الفصول للجصَّاص 3 / 302، كتاب الإجماع لأبي بكر الجصاص تحقيق زهير شفيق كبي ص183، وانظر: المبسوط للسرخي30/2، البداية والنهاية 11/78. ومسألة توريث ذوي الأرحام والخلاف فيها سبق الإشارة إليها. (7) ساقطة من ن. (8) هذا الحديث جزء من حديثٍ طويلٍ للعِرْبَاض بن سارية رضي الله عنه يرفعه. أخرجه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (43) ، والحاكم في مستدركه (1/95) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/13) وإرواء الغليل 8/107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 باتباعها (1) واتباعهم (2) وهو المطلوب. والجواب: أنه محمول على [اتباعهم للسنن] (3) والكتاب العزيز، ونحن نفعل ذلك (4) . حكم إجماع الصحابة مع مخالفة التابعي ص: قال الإمام (5) : وإجماع الصحابة مع مخالفة من أدركهم من التابعين ليس بحجة (6) ، خلافا لقوم (7) . الشرح ... ... لأن التابعين إذا حصل لهم أهلية الاجتهاد في زمن الصحابة بقى الصحابةُ بعضَ الأمة، وقولُ بعض الأمة ليس بحجة. قال القاضي عبد الوهاب: ((الحق التفصيل: إن حدثت (8) الواقعة قبل أن يصير التابعي مجتهداً، وأجمعوا على الفتيا فيها فلا عبرة بقوله (9) ، أو اختلفوا أو كانوا متوقِّفين (10) ، فإن اختلفوا امتنع عليه إذا صار مجتهداً إحداثُ قولٍ ثالثٍ، وإن توقَّفوا (11) فله أن يفتي بما يراه، فهذه ثلاثة أحوال. وإن   (1) في ن: ((باعتبارها)) . (2) ساقطة من ن. (3) في ن: ((إتباع السنن)) . (4) وجواب آخر وهو: أن العصمة إنما تكون لجميع الأمة، والخلفاء الراشدون هم بعض الأمة. انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/715، التمهيد لأبي الخطاب3/280، التقرير والتحبير 3/131، رفع النقاب القسم 2/256، نثر الورود 2/430. (5) انظر: المحصول للرازي 4/177. (6) هذا مذهب الجمهور. انظر: إحكام الفصول ص 464، التبصرة ص 384، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 267، بذل النظر ص 543، مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2/35. (7) منهم: ابن خويز منداد من المالكية، وابن بَرْهان من الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري. انظر إحكام الفصول ص 464، روضة الناظر2/460، المسودة ص333، البحر المحيط للزركشي6/435. (8) في ق: ((كانت)) . (9) هذا الرأي لمن لا يقول باشتراط انقراض العصر. أما من يشترط انقراض العصر فإنه يعتبر خلاف التابعي، فلا ينعقد إجماع الصحابة إذا أدركهم. انظر: الإحكام للآمدي1/240. (10) في ن: ((متفقين)) وهو تحريف. (11) في ن: ((اتفقوا)) وهو خطأ لإخلاله بالمعنى المراد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 حدثتْ بعد أن صار من أهل الاجتهاد فهو كأحدهم)) (1) . فصار للمسألة حالتان، في إحداهما (2) ثلاث حالات (3) . حجة المخالف: قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (4) ولو لم يكونوا عدولاً ما (5) رضي عنهم (6) . ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((لو أنفق أحدكم (7) مِلْءَ الأرض ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه)) (8) (9) . والجواب عن الأول: أن الآية تقتضي (10) عدمَ المعصية، وحصولَ الطاعة في البيعة (11) ، ولا تعلَّق لذلك بالإجماع (12) .   (1) انظر قوله في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 62، وأشار إليه الزركشي في البحر المحيط 6 / 436. (2) في س: ((أحدهما)) وهو خطأ نحوي، لأن المعدود مؤنث فتجب الموافقة. انظر: شرح ابن عقيل 1/524 (3) انظر: رفع النقاب القسم 2/529. (4) الفتح، من الآية: 18. (5) في س، ق: ((لما)) وكلاهما جائز وإن كان الغالب في جواب " لو " الماضي المنفيّ تجرده من اللاّم. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 517. وذكر الأستاذ/ عباس حسن في: " النحو الوافي " (4/498) عن بعض النحاة أن هذه اللام تسمى: ((لام التسويف)) . (6) هذا الدليل الأول للمخالف. وبقية وجه الدلالة: فإذا كانوا عدولاً كان إجماعهم حجةً. (7) في ن: ((أحدهم)) وقد جاءت رواية فيها هذا اللفظ، وعلى هذه الرواية يكون اللفظ الآخر في الحديث ((أحدكم)) بدلاً من ((أحدهم)) وسياق هذه الرواية هو: عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنحن خيرٌ أم مَنْ بعدنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنفق أحدهم أُحُداً ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدكم ولا نصيفه)) رواه الإمام أحمد (6/6) وبتحقيق أحمد شاكر برقم (22715) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/16) ((وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح)) . ويتقوى الحديث بشواهده. (8) لم أجده بهذا اللفظ، وبلفظٍ مقاربٍ له عند البخاري (3673) ومسلم (2541) عن أبي سعيد الخدري قال صلى الله عليه وسلم ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) . (9) هذا الدليل الثاني للمخالف. (10) في س: ((يقتضي)) وهو خطأ. انظر: هامش (6) ص 109. (11) في ن، ق: ((التبعية)) وهو تحريف. (12) جواب الرازي في المحصول (4/180) : أن الآية مختصة بأهل بيعة الرضوان، وبالاتفاق لا اختصاص لهم بالإجماع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وعن الثاني: أنه يقتضي أن يكون قول كل واحد حجة، وأنتم لا تقولون به (1) . هل يعتبر أهل البدع من أهل الإجماع؟ ص: قال (2) : ومخالفة مَنْ خالَفَنا في الأصول (3) إن كفَّرناهم لم نعتبرهم (4) ، ولا يَثْبُت تكفيرهم بإجماعنا، لأنه فرع تكفيرهم، فإن (5) لم نكفرهم اعتبرناهم (6) . الشرح ... ... لا نعتبر (7) الكفار في الإجماع، لأن العصمة (8) ثبتت لهذه الأمة (9) وليس من جملتها الكفار، لأن المقصود بالعصمة (10) من اتصف بالإيمان، لا من بُعِثَ له عليه الصلاة والسلام (11) .   (1) في نفائس الأصول (6/2728) جواب آخر وهو: إن هذا الحديث يقتضي أن مواهب الله تعالى وثوابه للسابقين أكثر، ولا يقتضي أنه معصوم من الخطأ بدليل أن عوام الناس لم يبلغ أحدهم نصف حال مالكٍ والشافعي ونحوهما، ومع ذلك فليس قول كل واحدٍ منهم حجة. (2) أي الإمام الرازي في المحصول 4/180. والنقل هنا بالمعنى. (3) أي: في أصول الدين والعقائد. (4) في ق: ((نقبلهم)) . والمراد بقوله: ((لم نعتبرهم)) أي في الإجماع. (5) في ن: ((وإن)) بالواو. (6) في المسألة أقوال أخرى منها: لا يُعْتبر بهم مطلقاً سواء كفَّرناهم أم بدَّعْناهم، لعدم اتصاف المجتهد الفاسق أو المبتدع بالعدالة. قال الأستاذ أبو منصور: ((قال أهل السنة: لا يعتبر في الإجماع وفاق القدرية والخوارج والرافضة ... )) البحر المحيط للزركشي (6/419) . وهو رأي جمهور الأحناف وبعض الحنابلة وبعض الشافعية وحكي عن مالك، وذكر أبو ثور بأنه قول أئمة أهل الحديث، وعزاه الجويني وابن السمعاني إلى معظم الأصوليين. ومن الأقوال في المسألة: أن المخالف يُعْتبر في حق نفسه خاصةً دون غيره. ومنها: التفريق بين الداعية لبدعته فلا يُعْتدّ به في الإجماع أو غيره فيعتدَّ به. انظر المسألة بأقوالها وتفصيلها في: الإحكام لابن حزم 1/629، إحكام الفصول ص 464، البرهان للجويني 1/441، أصول السرخسي1/311، قواطع الأدلة للسمعاني 3/254، المستصفى 1/343، التمهيد لأبي الخطاب3/252، الوصول لابن برهان2/86، الإحكام للآمدي 1/229، كشف الأسرار للبخاري3/439، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 485، التوضيح لحلولو ص286، شرح الكوكب المنير2/228، نشر البنود2/78. (7) في ن، س: ((لا يعتبر)) . (8) في س: ((المعصية)) وهو تحريف فاحش. (9) أي أمة الإجابة. قال صدر الشريعة المحبوبي: ((والمراد بالأمة المطلقة: أهل السنة والجماعة، وهم الذين طريقتهم طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه دون أهل البدع)) التوضيح مع التلويح للتفتازاني 2 / 107. (10) في س: ((المعصية)) وهو تحريف شنيع. (11) وهم أمة الدعوة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وأهل البدع (1) اختلف العلماء في تكفيرهم (2) نظراً (3) لما يلزم من مذهبهم من الكفر الصريح، فمن اعتبر ذلك وجعل لازم المذهب مذهباً (4) كَفَّرهم، ومن لم [يجعل لازم المذهب مذهباً] (5) لم يُكفِّرهم، فلهذه القاعدة (6) لمالكٍ والشافعي وأبي حنيفة والأشعري (7) والقاضي في تكفيرهم قولان (8) ، فحيث بنينا على أنهم كفار ينبغي أن   (1) قال ابن تيمية رحمه الله: ((والبدعة التي يُعدُّ بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتُها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة" مجموع الفتاوى 35/414. (2) باب التكفير والتفسيق والتبديع خطر جداً، زلَّتْ فيه أقلام وأقدام، وطاشت فيه أحلام وأفهام، ووقعت فيه فتن عظام. والناس في تكفير أهل البدع طرفان ووسط. أما الطرفان فأحدهما: نفي التفكير مطلقاً عن أحد من أهل القبلة؛ وثانيهما: القول بالتكفير مطلقاً. أما الوسط فهو التفصيل في المسألة وذلك بأن أهل البدع ليسو على درجةٍ واحدةٍ من حيث البدعة ومن حيث توافر الشروط وانتفاء الموانع. انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص 432، موقف أهل السنة والجماعة من أهل البدع والأهواء د. إبراهيم الرحيلي 1/163. (3) ساقطة من ن. (4) في ن: ((مذهب)) وهو خطأ نحوي، لأن الصواب أن تكون مفعولاً ثانياً لـ" جعل ". (5) ما بين المعقوفين: ((يعتبره)) في ق. (6) هذه العبارة في س كتبت ((وهذه هي القاعدة ولمالك والشافعي ... إلخ)) . وفي ن: ((وهذه القاعدة لمالك والشافعي ... إلخ)) والمثبت من ق. (7) هو أبوالحسن علي بن إسماعيل الأشعري، يرجع نسبه إلى أبي موسى الأشعري، إليه تنسب الأشاعرة. كان معتزلياً، ثم انتقل إلى الأشعرية وأخيراً استقر حاله على مذهب السلف أهل الحديث. قيل: إنه مالكي، وقيل: شافعي، وقيل: كان مستقلاً في استنباط الأحكام. من تآليفه: إثبات القياس، الإبانة في أصول الديانة (ط) مقالات الإسلاميين (ط) . ت 324هـ..انظر: الديباج المذهب ص 293، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3/247، وفيات الأعيان 3/284، وله ترجمة حافلة في كتاب: موقف ابن تيمية من الأشاعرة د. عبد الرحمن المحمود 1/337. (8) يبحث الأصوليون قاعدة: ((لازم المذهب)) في أبواب الاجتهاد والتقليد. انظر مثلاً: التبصرة ص 517، التمهيد لأبي الخطاب 4/368، تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال د. عياض السلمي ص (88) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/217) : هل لازم المذهب مذهب أم لا؟ فأجاب: الصواب؛ أن مذهب الإنسان ليس بمذهبٍ له إذا لم يلتزمه ـ ثم قال ـ ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة ... الخ)) . وانظر: الشفا للقاضي عياض 2/586 ـ 625، مجموع الفتاوى لابن تيمية 29/41، توضيح المقاصد شرح قصيدة ابن القيم للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/394، نواقض الإيمان الاعتقادية د. محمد الوهيبي 2/35. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 يثبت ذلك بدليل غير إجماعنا، فإن إجماعنا لا يكون حجة على تكفيرهم، إلا (1) إذا كنَّا نحن كلَّ الأمة، ولا نكون (2) نحن [كل الأمة] (3) حتى يكون غيرنا كفاراً (4) ، فيتوقف كون إجماعنا حجة على كونهم كفاراً (5) ، ويتوقف كونهم كفاراً (6) على إجماعنا، فيتوقف* كل واحد منهما على الآخر، فيلزم الدور (7) . هل ينعقد الإجماع بالأكثر مع مخالفة الأقل؟ ص: ويعتبر (8) عند أصحاب مالك رحمه الله مخالفة الواحد في إبطال الإجماع (9) خلافاً لقوم (10) .   (1) في س: ((إذا)) وهو خطأ لأنه تكرار، ولاختلال المعنى. (2) ساقطة من ق. (3) في ق: ((كلها)) . (4) في س: ((كافرا)) وهو صحيح أيضاً، وفي ن: ((كافر)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر كان حقُّه النصب. (5) في س، ن: ((كفار)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر كان حقه النصب. (6) هذه العبارة في س: ((فيتوقف تكفيرهم ... إلخ)) وفي ن: ((كفار)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر " كون " حقه النصب. (7) انظر: نفائس الأصول 6/2830 (8) هذه المسألة عنوانها: هل ينعقد الإجماع بالأكثر مع مخالفة الأقل؟. ذكر المصنف في المتن مذهبين تبعا للمحصول (4/181) . وزاد في الشرح مذهبين. وفي نفائس الأصول (6/2734) حكى خمسة مذاهب نقلاً عن الإحكام للآمدي (3/235) . (9) وهو قول جماهير الأصوليين والفقهاء وبعض المعتزلة. انظر: شرح العمد 1/183، الإحكام لابن حزم 1/591، إحكام الفصول ص 461، أصول السرخسي 1/316 التمهيد لأبي الخطاب 3/260، نهاية الوصول 6/2614، كشف الأسرار للبخاري 3/453، التوضيح لحلولو ص286. (10) وهو قول كثير من معتزلة بغداد، ورواية عن ابن حنبل في مقابل الأصح. انظر: شرح العمد 1/183، العدة لأبي يعلى 4/1118، البرهان 1/460، المسودة ص329، جامع الأسرار للكاكي 3/944، التقرير والتحبير 3 / 124. ولقد أوصل ابن السبكي الخلاف في المسألة إلى تسعة أقوال، والزركشي إلى عشرة. انظر: رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 183، البحر المحيط 6/430، منها: أن اتفاق الأكثرية مع مخالفة الأقل يكون حجة لا إجماعاً، اختاره ابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص (56) ، والشريف التلمساني في مفتاح الوصول ص (748) . ومنها: إن سَوَّغ الأكثرُ اجتهادَ الأقل كخلاف أبي بكرٍ رضي الله عنه في مانع الزكاة، وابن عباس رضي الله عنه في العول فلا إجماع، وإن لم يُسَوِّغه كخلاف ابن عباس رضي الله عنه في نكاح المتعة، وربا الفضل فلا تضرُّ مخالفته الإجماع، وبه قال الجصاص. انظر: الإجماع للجصاص تحقيق زهير كبي ص 177 ـ 183. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 الشرح ... قال القاضي عبد الوهاب (1) : إذا خالف الواحد والاثنان ومَنْ قَصُر عن عدد التواتر فلا إجماع حينئذٍ. وقال قوم لا يضرُّ (2) الواحد والاثنان. وحكى عن بعض أصحابنا (3) وعن بعض المعتزلة (4) : لا يضرُّ مَنْ قَصُر عن عدد التواتر، وقاله أبو الحسين (5) الخيَّاط (6) من المعتزلة. وقال ابن الإخْشَاد (7) : لا يضر الواحد والاثنان في أصول الدين وما يتعلق بالتأثيم والتضليل، بخلاف مسائل الفروع (8) . حجة الجواز (9) : قوله (10) عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالسواد الأعظم)) (11) .   (1) انظر هذا النقل عنه في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3/55، التوضيح لحلولو ص 286. (2) في ق: ((لا يعتبر)) . (3) كخويز بن منداد: انظر: إحكام الفصول ص461، رفع النقاب القسم 2/535. (4) انظر: المعتمد 2/29. (5) في ن: ((الحسن)) وهو تحريف. (6) هو أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخيَّاط، رأس الفرقة " الخيَّاطية " من المعتزلة، وأستاذ أبي القاسم الكعبي البلخي المعتزلي. من كتبه: الانتصار في الرد على ابن الراوندي الملحد (ط) . ت 300هـ وقيل: 290هـ. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص296، الملل والنحل للشهرستاني 1/89. (7) هو أحمد بن علي بن بيغجور، أبوبكر الإخْشَاد، ويقال: الإخْشِيد، ويروى بالذال المعجمة في اللفظين. أحد رؤوس المعتزلة، بل إمام وقته، صاحب معرفة بالعربية والفقه. من كتبه: المعونة في أصول الفقه، كتاب الإجماع، مختصر تفسير الطبري. ت 326 هـ. انظر: الفهرست لابن النديم ص303، طبقات المعتزلة ص100، لسان الميزان للذهبي 1/231. (8) انظر قوله في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3/55، البحر المحيط للزركشي 6/433، رفع النقاب القسم 2/535. (9) هذه أدلة المجوزين لانعقاد الإجماع مع مخالفة الواحد. (10) هذا الدليل الأول. (11) الحديث قطعة من حديث ابن ماجه (3950) عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) وضعفه البوصيري. انظر: سنن ابن ماجه تحقيق خليل شيخا (4/327) . وقال الألباني: ((ضعيف جداً)) ضعيف سنن ابن ماجه ص318. وعبارة ((السواد الأعظم)) جاءت في حديث الافتراق من حديث أبي أمامة مرفوعاً ((تختلف هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة)) قال: انعتهم لنا. قال: ((السواد الأعظم)) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (68) ، والبيهقي في سننه 8/188. وإسناده حسن. انظر: نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق هذه الأمة لسليم الهلالي ص19. أما وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع السواد الأعظم، والسواد الأعظم هم الأكثر، فيكون قولهم حجة. انظر: منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2/132. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا ينكرون على الواحد والاثنين المخالفة لشذوذهم (1) . ولأن اسم الأمة لا ينخرم بهم كالثور الأسْود - فيه شعرات بيض - لا يخرج عن كونه أسْود (2) . ولأنه إذا كان (3) الإجماع حجة وجب أن يكون معه من يجب عليه الانقياد له (4) . وجوابهم (5) عن الأول: أن ذلك يفيد غلبة الظن مع الأكثر (6) ، وأما الإجماع والقطع بحصول العصمة فذلك لا يفيده (7) . وعن الثاني: أن الإنكار وقع منهم لمخالفة الدليل الذي عليه الجمهور لا لخرق الإجماع. وعن الثالث: أن اسم الأسود حينئذٍ إنما يصدق مجازاً، بل الأسود بعضه، وكذلك الأمة لا يصدق على بعضها إلا مجازاً. وعن الرابع: أن المنقاد للإجماع (8) مَنْ بعدهم، ومِنْ عَصْرِهم (9) مَنْ (10) ليس له أهلية النظر، والنزاع هاهنا فيمن له أهلية النظر (11) .   (1) هذا الدليل الثاني. (2) هذا الدليل الثالث. (3) في ق: ((قال)) وهو تحريف. (4) هذا الدليل الرابع، ومعناه: لكي يكون الإجماع حجة فلا بد من وجود مخالف له، وإلا لما تحققت هذه الحجية. (5) أي: جواب المانعين للإجماع إذا وجد المخالف عن أدلة المجوِّزين. (6) ومع ذلك قد يفوتهم الحق ويصير مع الأقل. فالجماعة ما وافق الحق ولو كان وحده. (7) وهناك جواب آخر لطيف ذكره الجويني في التلخيص 3/68. قال: ((ليس المعنى بقوله: ((عليكم بالسواد الأعظم)) التعرض للإجماع والاختلاف الراجع إلى مسائل الفروع التي الاختلاف فيها رحمة، وإنما أراد بذلك ملازمة جماعة الأمة وترك اقتفاء المبتدعة في عقائدها)) . (8) في س: ((لإجماع)) . (9) في ق: ((يحضرهم)) ، وفي ص: ((عاصرهم)) . (10) في ن، ق: ((ممن)) . (11) معنى هذا الجواب: أن الإجماع يكون حجة على المخالف إذا كان بعد انعقاده، ويكون حجة في عصر المجمعين على العوام ممن ليس لهم أهلية النظر. ومحل النزاع فيما إذا خالف المجتهد في وقت اجتماع الباقي على حكم المسألة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 حجة المنع: أن الأدلة إنما (1) شهدت بالعصمة لمجموع الأمة، والمجموع ليس بحاصلٍ فلا تحصل العصمة (2) . حجة الفَرْق: أن أصول الديانات مداركها نظرية، والعقول قد تَعْرِض لها الشبهات، فلا يقدح ذلك في الحق الواقع للجمهور، ومدرك الفروع (3) (4) سمعي واجب النقل والتعلم (5) ، [وحصوله واجب] (6) على كل مجتهد، فما خالف الاثنان إلا لمدرك صحيح. وجوابه*: كما تعرض الشبهة في العقليات تعرض في السمعيات، من جهة دلالتها ومن جهة سندها (7) ، ومن جهة [ما يعارضها بنسخها وغيره] (8) ، فالكل سواء. تقدُّم الإجماع على الكتاب والسنة والقياس ص: وهو (9) مُقدَّم (10) على الكتاب والسنة والقياس. الشرح ... ... لأن الكتاب يقبل النسخ والتأويل (11) وكذلك السنة. والقياس يحتمل قيام   (1) في س: ((إذا)) . (2) ذكر الجويني في التلخيص (3/63) ، والشوشاوي في رفع النقاب القسم (2/536) : بأن أقوى دليل وأوضحه في المسألة أن ابن عباس رضي الله عنه خالف الصحابة في مسألة العول ولم يعدُّوه خارقاً للإجماع. انظر: المحلى لابن حزم 9/262. (3) في ن: ((الفرق)) وهو تحريف. (4) هنا زيادة ((غير)) وهي خطأ، لانقلاب المعنى المذكور. (5) في ن: ((التعليم)) . (6) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (7) مطموسة في ن. (8) ما بين المعقوفين كتب في ق: ((تعارضها ونسخها وغير ذلك)) وهو سائغ متجه أيضاً. (9) أي: الإجماع، والمراد به الإجماع القطعي، كما سيذكره المصنف في الشرح. ووجه تقدمه على الأدلة الأخرى أن دلالته على الحكم قطعية، وليس المراد بتقدمه من حيث الرُّتْبة. قال حلولو في التوضيح ص287: ((الصواب ذكر هذه المسألة في الترجيح كما يفعل غير المصنف)) . (10) في ق: ((متقدم)) . (11) التأويل: لغة: الرجوع، مِنْ آل يؤول أوْلاً. انظر: معجم المقاييس في اللغة مادة " أول ". واصطلاحا: صرف الكلام عن ظاهره إلى محتمل مرجوح لدليلٍ. انظر: الحدود للباجي ص 45، التعريفات ص77، شرح الكوكب المنير 3/360 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 الفارق وخفاءَ هُ الذي مع وجوده يبطل القياس وفواتَ شرطٍ من شروطه (1) ، والإجماع معصوم قطعي ليس فيه احتمال، وهذا الإجماع المراد به (2) هاهنا هو الإجماع النطقي (3) القطعي (4) المشاهد، أو المنقول بالتواتر، وأما أنواع الإجماع الظنية كالسكوتي (5) ونحوه (6) ، فإنَّ الكتاب قد يُقَدَّم عليه. حكم المخالف أو المنكر للإجماع القطعي ص: واخْتُلف في تكفير مُخَالِفِه (7) بناءً على أنه قطعيٌّ (8) وهو الصحيح، ولذلك يَتَقَدَّم (9) على الكتاب والسنة، وقيل: ظني (10) .   (1) انظر شروط القياس في: المعتمد 2/244، تقريب الوصول ص352، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص142، تيسير التحرير 3/278. (2) ساقطة من ن، ق. (3) ساقطة من س. (4) في س، ن: ((اللفظي)) . (5) في ن: ((كالسكوت)) . (6) كالإجماع القولي المروي بطريق الآحاد، والإجماع الذي وقع بعد خلافٍ مستقِرٍّ، والإجماع الذي لم ينقرض فيه المجمعون. انظر: الإحكام للآمدي 3/181، التقرير والتحبير 3/151، فواتح الرحموت 2/303. (7) تحرير محل النزاع: اتفق العلماء على تكفير منكر ما عُلِم من الدين بالضرورة، وهو ما اشترك خاصة المسلمين وعامتهم في معرفة أنه من دين الإسلام، كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وحرمة الزنا والقتل ونحو ذلك، فهذا القسم خارج عن الكلام في حكم منكر الإجماع، لأن المراد بحكم الإجماع القطعي أثره الثابت به، ومنكر ما علم من الدين بالضرورة وإن كان مجمعاً عليه، لكنه ليس أثراً خاصاً بالإجماع القطعي. أما المجمع عليه القطعي ولم يعلم من الدين بالضرورة فالمشهور فيه ثلاثة أقوال: الأول: تكفير منكره، وهو قول الحنفية والجويني، لأنه بمثابة إنكاره الشرع الثابت. الثاني: لا يَكْفُر منكره وهو قول كثير من الأصوليين والمتكلمين، لأن طريق ثبوت الإجماع ظني. الثالث: التفريق بين إجماع الصحابة فيكفر منكره، وإجماع غيرهم فلا يكفر، قال به البزدوي من الأحناف. وبهذا يُعلم أن منشأ الخلاف في التكفير هو طريق ثبوت الإجماع، فمن أثبته بطريق القطع قال بتكفير منكره وإلا فلا. انظر: البرهان 1/462، المنخول ص309، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/136، كشف الأسرار للبخاري 3/479، بيان مختصر ابن الحاجب للأصفهاني 1/617، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 44، التلويح للتفتازاني 2/108، البحر المحيط للزركشي 6/496، التوضيح لحلولو ص287، تيسير التحرير 3/258 حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 2/202، نشر البنود 2/95. (8) هنا زيادة: ((أوظني)) في س وهي زيادة غير صحيحة، لإخلالها بالمعنى. (9) في متن هـ، ق: ((يقدم)) . (10) قاله الرازي في المحصول 4/210، والطوفي في شرح مختصر الروضة 3/139. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 الشرح تكفير المخالف له إن قلنا به فهو مشروط بأن يكون المجمع عليه ضرورياً من الدين، أما من جحد ما أُجْمِع عليه من الأمور الخفية في (1) الجنايات وغيرها [من الأمور] (2) التي لا يَطَّلع عليها ألا المتبحِّرون في الفقه فهذا لا نكفره (3) ، [إذا عُذِر] (4) بعدم الاطلاع على الإجماع. سؤال: كيف تكفِّرون مخالف الإجماع*، وأنتم لا تكفِّرون جاحد أصل الإجماع كالنظَّام والشيعة وغيرهم، وهم أولى بالتكفير (5) ؛ لأن جحدهم يشمل كل إجماعٍ بخلاف جاحد إجماعٍ خاصٍّ لا (6) يتعدَّى جحدُه (7) ذلك الإجماع في مخالفة حكمه؟ (8) . جوابه: أن الجاحد لأصل الإجماع لم يستقرَّ (9) عنده حصول الأدلة السمعية الدالة على وجوب متابعة الإجماع، فلم (10) يتحقق منه تكذيب صاحب الشريعة، ونحن إنما نكفر من جحد حُكْماً مجمعاً عليه ضرورياً من الدين، بحيث يكون الجاحد ممن يتقرَّر عنده أن خطاب الشارع ورد بوجوب متابعة الإجماع، فالجاحد على هذا التقرير يكون مكذِّباً لتلك النصوص، والمكذِّب كافرٌ، فلذلك كفَّرناه، فظهر الفرق.   (1) في ن: ((من)) . (2) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (3) في ن: ((لا نكفرهم)) ولا يسعفه السياق. (4) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (5) في س: ((بالكفر)) . (6) في ن: ((فلا)) . (7) في س: ((جحوده)) ، وفي ن: ((جحد)) . (8) انظر: نفائس الأصول 6/2769، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/143، وانظر كلام محمد الطاهر بن عاشور في القسم الدراسي ص 221. (9) في ق: ((تستقر)) وهو تصحيف. (10) في ن: ((لم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الدلالة على قطعية الإجماع وأما وجه كونه قطعياً عند الجمهور (1) ، فهو ما حصل من العلم الضروريّ (2) من استقراء نصوص الشريعة بأنه حجة وأنه معصوم، والقائل بأنه ظني يلاحظ ما يستدل (3) به العلماء من ظواهر الآيات والأحاديث التي لا تفيد إلا الظن، وما أصله الظن أولى أن يكون ظنيَّاً. ووجه الجواب: أن الواقع في الكتب (4) ليس هو المقصود، فإنَّا نذكر آيةً خاصةً أو خبراً خاصاً وذلك لا يفيد إلا الظن قطعاً. قال التَّبْرِيْزِيّ في كتابه المسمى بـ" التنقيح في اختصار المحصول " (5) : ((وليس هذا (6) مقصود العلماء، بل هذا الخبر مضاف (7) إلى (8) الاستقراء التام الحاصل من تتبُّع موارد الشريعة ومصادرها، فيحصل من ذلك المجموعِ القطعُ بذلك المدلول، وأن الإجماع حجة، والعلماء في الكتب (9) ينبِّهون بتلك الجزئيات من النصوص على ذلك الاستقراء الكلي؛ وليس في الممكن أن يضعوا (10) ذلك المفيد للقطع في كتاب، كما أن المنبِّه (11) على سخاء   (1) انظر: أصول السرخسي 1/295، الوصول لابن بَرْهان 2/72، المسودة ص315، البحر المحيط للزركشي 6/388، الضياء اللامع لحلولو 2 / 250. (2) هنا زيادة: ((أي)) في ق. (3) في ق: ((يسلك)) والمثبت أليق. (4) في ن، س: ((الكتاب)) . (5) هذا النقل بالمعنى. انظره في ص (365) وما بعدها. والكتاب أحد مختصرات المحصول، واسمه: " تنقيح محصول ابن الخطيب " وقد زاد فيه بعض المباحث والمسائل، قام بتحقيقه الدكتور / حمزة زهير حافظ في رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى عام 1402 هـ. (6) هنا زيادة ((هو)) في س ويسمى ضمير الشأن. (7) في ق: ((المضاف)) وهو خطأ، لأنه ينبغي أن يكون خبراً. وفي ن: ((مضافاً)) وهو خطأ لأن الخبر مرفوع. (8) ساقطة من ن. (9) في ن: ((الكتاب)) وهو خطأ. (10) في س: ((تضعوا)) وهي تصحيف. (11) في ن: ((التنبيه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 حاتم (1) في كتابه يَذْكُر (2) حكاياتٍ عديدةً، وهي وإن كثرت لا تفيد القطع، لكنَّ (3) القطعَ [بسخائه حاصلٌ] (4) بالاستقراء التام، فالغفلة (5) عن هذا هو الموجب لورود أسئلةٍ (6) وردت على الإجماع من عدم التكفير به (7) ، وكون أصله ظنياً وهو قطعي، إلى غير ذلك من الأسئلة (8) وهي بأسرها تندفع بهذا التقرير (9) .   (1) هو أبو عدي حاتم بن عبد الله بن سعد الطَّائي، فارس وشاعر وجواد، صار مضرب المثل في الجود والكرم، حتى قيل في المثل: أجود من حاتم، وأسخى من حاتم عاش في الجاهلية. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ص164، خزانة الأدب للبغدادي 3 / 127 وسيأتي الحديث عن سخائه في هامش (3) ص (206) . (2) في ن: ((بذكره)) . (3) في س: ((لأن)) . (4) المثبت من ص، وفي سائر النسخ: ((حاصل بسخائه)) . وما في " ص " أليق؛ لأمن اللبس في تعلق الجار والمجرور. (5) في ق: ((والعقلية)) وهو تحريف. (6) هكذا في ز، م. وفي سائر النسخ: ((أسولة)) وهي لغة في ((أسئلة)) انظر: لسان العرب مادة " سول ". (7) ساقطة من ق. (8) هكذا في ز، م. وفي سائر النسخ: ((الأسولة)) سبق قريباً التعليق على ذلك. (9) في س، ن: ((التقدير)) ولقد ضعَّف الطوفي هذا التقرير فانظره في: شرح مختصر الروضة 3/139. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الفصل الثالث في مُسْتَنَدِه (1) ص: ويجوز عند مالك (2) رحمه الله تعالى انعقاده (3) عن (4) القياس (5) والدلالة والأمارة. وجوَّزه قوم بغير ذلك بمجرد الشبهة والبحث (6) . ومنهم من قال: لا ينعقد عن الأمارة بل لابد من الدلالة (7) ، ومنهم من فَصَّل بين الأمارة الجلِيَّة وغيرها (8) .   (1) أي: مستند الإجماع. والمراد به: الدليل الذي اعتمد عليه الإجماع إبَّان صدوره. وقد اختلف العلماء في الإجماع، هل لابد له من مستندٍ؟ على قولين: الأول: لابد له من مستند وإن لم نطلَّع عليه، وهذا قول الجمهور. والثاني: يجوز صدوره من غير مستند بل على التبخيت والتوفيق من الله. وعلى القول الأول ـ وهو وجوب وجود مستند للإجماع ـ هل ينعقد الإجماع عن دلالة وأمارة أم لاينعقد إلا عن دلالةٍ فقط؟ بكلٍّ قد قيل. والدلالة: نصٌ قاطع من كتابٍ أو سنةٍ متواترةٍ. والأمارة: دليل ظني من خبر آحاد أو قياس أو استحسان أو مصلحة ... إلخ. (2) وهو قول الجمهور عامة. انظر: العدة لأبي يعلى 4/1125، إحكام الفصول ص500، أصول السرخسي 1/301، قواطع الأدلة للسمعاني 3/222، الإحكام للآمدي 1/261، 264، منتهى السول والأمل ص60، كشف الأسرار للبخاري 3/481، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 511، البحر المحيط للزركشي 6/399، الضياء اللامع لحلولو 2 / 244. (3) في س: ((انعقاد)) وهو خطأ، لعدم تمام المعنى. (4) ساقطة من س. (5) خصَّ المصنفُ القياسَ بالذِّكْر مع أنه يدخل في الأمارة - لأنه دليل ظني - لأن الظاهرية يجوِّزون أن يستند الإجماع إلى الأمارة كخبر الواحد والعمومات، ولا يجوِّزونه عن القياس، إذ القياس ليس دليلاً شرعياً عندهم. أفاده الشوشاوي في رفع النقاب القسم 2/542. (6) جلّ كتب الأصول لم تعيّن أصحاب هذا المذهب، بَيْدَ أن ابن بَرْهان في الوصول 1/114، والمجد ابن تيمية في المسودة ص330، وابن النجار في شرح الكوكب المنير 2/259 نسبوا هذا القول إلى بعض المتكلمين. (7) من هؤلاء: ابن جرير الطبري، والظاهرية لأنهم ينفون القياس، وبعض المتكلمين. انظر: شرح العمد 1/234، الإحكام لابن حزم 1/538، شرح اللمع للشيرازي 2/683، رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 226، البحر المحيط للزركشي 6/399. (8) وهم بعض الشافعية. انظر: شرح العمد 1/234، البحر المحيط للزركشي 6/401. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 الشرح حجة الجواز بالأمارة: أنها أمر يفيد الظن فأمكن اشتراك الجميع في ذلك الظن كما أن الغَيْم الرَّطْب (1) إذا شاهده أهل الأرض كلهم اشتركوا (2) في غلبة الظن مِنْ قِبَلِهِ بالأمطار، وكذلك أمارات الخَجَل والوَجَل (3) المفيدة لظن (4) ذلك يمكن اشتراك الجمع* العظيم (5) في إفادة (6) ظنها لذلك، فكذلك أمارات (7) الأحكام من القياس وغيره، والمراد بالدلالة ما أفاد القطع، وبالأمارة ما أفاد الظن (8) ؛ لأن الدليل والبرهان (9) موضوعان (10) في عُرْف أرباب الأصول لما أفاد عِلْماً (11) والأمارة لما أفاد ظناً (12) ؛   (1) في ن: ((المركب)) وهو تحريف. (2) هنا زيادة ((كلهم)) في س لا حاجة لها. (3) أمارة الخجل: إحمرار الوجه، وأمارة الوجل (الخوف) : اصفراره. انظر: شرح السُّلَّم المُنَوْرَق للملَّوي بحاشية الصبان ص51. (4) في س: ((الظن)) . (5) ساقطة من ق. (6) ساقطة من ق. (7) في ن: ((أمارة)) . (8) انظر تعريف كلٍّ من: الدلالة والأمارة في: المعتمد 1 / 5، المحصول للرازي 1 / 88، البحر المحيط للزركشي 1 / 53. (9) جاء في تعريف البرهان عبارات متقاربة منها، هو: الحجة والدلالة، وهو: الذي يقتضي الصدق أبداً لا محالة، وهو: ما فَصَل الحق عن الباطل وميّز الصحيح من الفاسد بالبيان الذي فيه. انظر: الكليات للكفوي ص248ـ249. وعرَّفه الجرجاني في التعريفات ص (68) بقوله: هو القياس المؤلف من اليقينيات سواء كانت ابتداءً: وهي الضروريات، أو بواسطة: وهي النظريات. (10) في ن: ((موضوع)) والأصل تطابق المبتدأ والخبر في التثنية، ومع ذلك يجوز هنا انفراد الخبر على تقدير: كلٌ منهما موضوعٌ. والله أعلم. (11) جمهور الأصوليين على أن الدليل يشمل: القطعي والظني، وعرَّفوه بأنه: ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، ويدخل في المطلوب الخبري ما يفيد القطع والظن..وذهب بعضهم إلى التفريق بين ما يفيد القطعَ فيُسمَّى دليلاً، وما يفيد الظنَّ فيُسمَّى أمارة. ولا مُشاحَّة في الاصطلاح. انظر: الحدود للباجي ص38، شرح اللمع للشيرازي 1/155، الإحكام للآمدي 1/9، تقريب الوصول ص99، البحر المحيط للزركشي 1/51، شرح الكوكب المنير 1/53. (12) في ن، ق: ((الظن)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 [والطريق صادق على الجميع، لأن الأوَّلَيْن طريق إلى العلم، والثالث طريق إلى الظن] (1) (2) . وأما قولي: ((وجوزه قومٌ بمجرد الشبهة والبحث (3)) ) فأصل هذا الكلام أنه وقع في " المحصول " (4) أنه (5) : ((جوزه قوم بمجَّرد التَّبْخِيْت (6) )) ، ووقع (7) معها من الكلام للمصنِّف ما يقتضي أنها شبهة لقوله في الرد عليهم: ((لو جاز بمجرد التبخيت (8) لانعقد الإجماع عن غير دلالة ولا أمارة وأنتم لا تقولون به)) (9) ، دل (10) على أن القائلين بالتبخيت (11) لا يجوِّزون (12) العُرُوَّ (13) عن الشبهة، وقال أيضاً عن الخصم: ((إنه جوَّزه   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (2) انظر: المعتمد 1/5، نفائس الأصول 1/212. (3) في س: ((البخت)) ولكن لا تشفع لها نسخ المتن والشروح. وإن كان ما بعدها يعضد هذه اللفظة، وسيأتي معناها بعد قليل. (4) انظر: المحصول للرازي 4/187. (5) ساقطة من ق. (6) في ق: ((التبحيث)) وهو تصحيف، وليست في المحصول 4/187. والتبخيت من البَخْت وهو الجَدّ والحَظُّ، كلمة فارسية معربة، وقيل: مولدة. قال الأزهري: لا أدري أعربي هو أم لا؟. ورجلٌ بخيت ذو جَدٍّ. قال ابن دريد: ولا أحسبها فصيحة. والمبخوت: المجدود (المحظوظ) . انظر: لسان العرب، المصباح المنير، تاج العروس، كلها مادة " بخت ". وعرَّفه الآمدي بقوله: ((وأما البَخْت والاتفاق: فعبارة عن وقوع أمرٍ ما لا عَنْ قصدٍ، ولا عن فاعل)) . المُبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين ص 118. وسيرد تفسير المصنف لها في ص 174. (7) في ن: ((وقع)) بغير واو. (8) في ق: ((التبحيث)) وهو تصحيف. (9) عبارة المحصول (4/189) هي: ((أن ذلك يقتضي أن لا يصدر الإجماع لا عن دلالة ولا عن أمارة ألبتة، وأنتم لا تقولون به ... )) فأنت ترى أنه لم تقع في عبارته هذه كلمة ((التبخيت)) . والرازي قال ذلك جواباً على الدليل الأول للمخالفين وهو: ((أنه لو لم ينعقد الإجماع إلا عن دليلٍ، لكان ذلك الدليل هو الحجة، ولا يبقى في الإجماع فائدة)) . وبهذا يكون تفريع المصنف على قول الرازي بأن التبخيت هو الشبهة غير صحيح. والله أعلم. (10) ساقطة من ق. (11) في ن، ق: ((التبحيث)) وهو تصحيف. (12) في ن، س: ((لا يجوز أن)) وهي غير مناسبة للسياق. (13) في ن: ((يعدوا)) ، وفي س: ((يعروا)) وهما غير مناسبتين للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 من غير دلالة ولا أمارة)) (1) ، ومتى انتفت الأمارة انتفت الشبهة قطعاً فصار لفظ المحصول فيه (2) تدافع (3) (4) . واختلف المختصرون له: فمنهم من فسَّره بالشبهة (5) وهو سراج الدين (6) ، ومنهم من أعرض عنه بالكلية (7) ، ثم بعد وضع كتاب " الفصول " (8) طالعتُ كتباً كثيرة فوجدت هذه اللفظة فيها مضبوطة، ويقولون: منهم من جَوَّز الإجماع بالبخت (9) ، بالتاء المنقوطة باثنين من (10) فوقها، فدل على أن (11) قوله: ((بالتبخيت)) ليس بالثاء   (1) ليست هذه العبارة في المحصول، لكن مؤداها أن الخصم يجوّز صدور الإجماع بالتبخيت، أي بغير مستند من دلالةٍ أو أمارة. انظر المحصول 4/187 ـ 189. (2) ساقطة من س، ن. (3) في ن: ((يتدافع)) . (4) لفظ المحصول مستقيم لا تدافع فيه، فإنه لم ترد فيه عبارة ((الشبهة)) أصلاً بل وردت عبارة ((التبخيت)) ، وهي في مقابل: الدلالة والأمارة، بل إن عبارة المحصول ـ ابتداءً ـ توحي بأن التبخيت يفضي إلى التقوُّل في الدين بمجرد الحظ والهوى لا لشبهةٍ. انظر: المحصول (4/188) ..ثم إن صاحب المحصول في المسألة التي بعد هذه عبرّ عن الأمارة بالشبهة. انظر: المحصول 4/192، نفائس الأصول 6/2737. (5) انظر: التحصيل من المحصول لسراج الدين الأُرْموي، (2/78) . لكن غلَّطه الأصفهاني في الكاشف عن المحصول 5 / 518. وكذلك ردَّه الإسنوي في نهاية السول 3/308. (6) هو أبو الثناء سراج الدين محمود بن أبي بكر بن أحمد الأُرْموي، نسبةً إلى أُرْمِية من بلاد أذَربيجان، وتسمى الآن: ضيائية، تابعة لإيران. من علماء الشافعية في الأصول والمنطق، قرأ بالموصل وسكن دمشق وولي قضاء قُوْنية وتوفي بها. من تآليفه: التحصيل من المحصول (ط) بتحقيق د. عبد الحميد أبو زنيد، بيان الحق، شرح الوجير للغزالي. ت 682هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 8/371، مقدمة كتاب التحصيل للأرموي. (7) كتاج الدين الأرْموي في كتابه: الحاصل من المحصول (ط) ، والتبريزي في: تنقيح محصول ابن الخطيب (رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى) ، والنقْشَواني في: تلخيص المحصول (رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية) . (8) المراد به " تنقيح الفصول ". والله أعلم. (9) في ن: ((البحث)) وهو تحريف وخطأ، لأنه يؤدي خلاف المعنى المراد عند المصنف. ومن الكتب التي ذكرت ((البخت أو التبخيت)) التمهيد لأبي الخطاب 3/ 285. (10) ساقطة من ن. (11) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 المثلثة من المباحثة (1) بل من البخت، فتحصَّل من ذلك أن من الناس من جوَّز الإجماع بالقِسْم (2) والبخت (3) ، أيْ: يُفْتُون (4) بغير مستند أصلاً، وأيُّ شيءٍ أفْتوا به كان حقاً، وأن الله تعالى جعل لهم ذلك، وأنهم مُنْطَقون (5) بالصواب، ولا يُجْرِي الله تعالى على لسانهم (6) إلا إياه، وهو أمرٌ جائزٌ عقلاً، غير أنه لابد له من دليل سمعي، فقائلوه يقولون: ذلك الدليل هو قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) (7) ونحوه، فمتى أجمعوا (8) كان حقاً ولا نَظَر إلى المستند، والفريق الآخر يقول (9) : فُتْياهم بغير مستند اتباعٌ للهوى، واتباع الهوى خطأ. فهذا تحرير هذه (10) المسألة. حجة من قال لابد من الدلالة، وهي الدليل القاطع (11) : لأن الظنون تتفاوت، فلا يحصل فيها اتفاق، والدليل القاطع قاهر (12) لا مجال للاختلاف فيه، فيُتَصور بسببه الإجماع. وجوابه: أن الغَيْم الرَّطْب تستوي (13) الأمة في الظن الناشيء منه ممن هو عارف بأحوال السُّحُب (14) . وكذلك كل أمارة تثير الظن، مع أن الدليل القطعي قد تَعْرِض فيه   (1) في س: ((المباخثة)) ، وفي ن: ((المباختة)) وكلاهما تصحيف. كان من الأولى أن يقول المصنف: والحاء المهملة، من بحث: إذا سال وفتَّش عن الأمارة؛ لأن سكوته عن الخاء المعجمة يُوحِي بوجود كلمة " بخث " ولم أجدْها في معاجم اللغة..فالتغيير يكون في أمرين؛ في الحاء المهملة والثاء المثلثة. انظر: لسان العرب مادة " بحث ". (2) القِسْم: بالكَسْر هو النصيب والحظ. انظر لسان العرب مادة " قسم ". (3) في ن: ((البحث " وهو تصحيف. (4) ساقطة من ق. (5) في ق: ((يُنْطَقون)) . (6) في ق: ((ألسنتهم)) . (7) سبق تخريجه. (8) في س: ((اجتمعوا)) . (9) في ن، ق: ((يقولون)) . (10) ساقطة من ن. (11) في س: ((القطعي)) . (12) في ق: ((قاصر)) والمثبت أصح. (13) في س: ((يستوي)) . (14) في ن، س: ((السحاب)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 الشبهات، ولذلك اختلف العقلاء في حدوث (1) العالم، وكثيرٍ من المسائل العقليات القطعيات، لكن عروض الموانع لا عبرة به (2) ؛ لأنَّا لا (3) ندَّعِي وجوب حصول الإجماع، بل ندَّعِي أنه إذا حصل كان حجة، وتعذر حصوله في كثير من الصور لا يقدح في ذلك. وأما وجه الفرق بين الجلية والخفية فظاهر مما تقدم (4) .   (1) في س، ن، ق: ((حدث)) . والمثبت من ص، ز، م. (2) في س، ن: ((بها)) ويكون مرجع الضمير إلى " الموانع ". (3) ساقطة من ن. (4) قال الشوشاوي: ((فإن الأمارة الجلية يمكن اجتماع الكل في الظن بموجبها بخلاف الخفية)) رفع النقاب القسم 2 / 548. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الفصل الرابع في المجمعين (1) ص: لا (2) يُعْتبر فيه جملة الأمة إلى يوم القيامة، [لانتفاء فائدة الإجماع] (3) . هل يعتبر العوام من أهل الإجماع؟ ولا العوام (4) عند مالك رحمه الله وعند غيره (5) خلافاً للقاضي أبي بكر (6) ، لأن الاعتبار فرع الأهليَّة، ولا أهلية فلا اعتبار. الشرح أما جميع الأمة إلى قيام الساعة فلم يَقُلْ به أحد (7) ؛ فإنَّ (8) المقصود من هذه المسألة   (1) أي: في بيان المعتبرين في انعقاد الاجماع. (2) هكذا في ق: ((لا)) بدون الفاء. وفي جميع نسخ المتن والشرح ((فلا)) . (3) ما بين المعقوفين ساقط من متن هـ. (4) مسألة اعتبار قول العامي في الإجماع اختلفوا فيها على أقوالٍ ثلاثة. ذكر المصنف منها اثنين في المتن، والثالث في الشرح. وهي: يعتبر، لا يعتبر، يعتبر في الإجماع العام ولا يعتبر في الإجماع الخاص. (5) هذا القول الأول، وهو للجمهور. انظر: التبصرة ص371، المنخول ص310، التمهيد لأبي الخطاب 3/250، المحصول لابن العربي ص 509، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 484، تيسير التحرير 3/224، نشر البنود 3/75 ـ 78. (6) تواطأ الأصوليون على نسبة القول باعتبار العوام للقاضي أبي بكر الباقلاني، واختاره الآمدي. انظر: الإشارة للباجي ص 276، قواطع الأدلة 3/239، الإحكام للآمدي 1/226. لكن ابن السبكي والزركشي ينفيان هذه النسبة، قال ابن السبكي: ((وهو مشهور عن القاضي، نقله الإمام وغيره، وينبغي أن يُتَمهَّل في المسألة، فإن الذي قاله القاضي في مختصر التقريب ما نصه: الاعتبار في الإجماع بعلماء الأمة، حتى لو خالف واحد من العوام ما عليه العلماء لم يُكْتَرث بخلافه. وهذا ثابت اتفاقاً وإطباقاً ... )) انظر بقية القول في: الإبهاج (3/384) . وقال الزركشي: ((والذي رأيته في كتاب التقريب للقاضي التصريح بعدم اعتبارهم، بل صرح بنقل الإجماع على ذلك، وإنما حكى القاضي الخلاف في هذه المسألة على معنى آخر، وهو: أنَّا إن أدْرَجنا العوام في حكم الإجماع أطلقنا القول بإجماع الأمة، وإلا فلا نطلق بذلك، فإن العوام معظم الأمة وكثيرها. قال: والخلاف يؤول إلى العبارة، فهذا تصريحٌ من القاضي بأنه لا يُتوقف في حجية الإجماع على وفاقهم، وإنما المتوقف اسم الإجماع. وتصير المسألة لغوية لا شرعية. وهذا موضع حسن، فليُتَنبَّه له)) . سلاسل الذهب له ص343، وانظر: التلخيص 3 / 41. (7) انظر: التوضيح لحلولو ص290، رفع النقاب القسم 2/550. (8) في س: ((لأن)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 كون الإجماع حجة، وفي يوم القيامة تنقطع تكاليف (1) الشرائع (2) . وأما العوام فقال القاضي: هم مؤمنون ومن الأمة فيتناولهم اللفظ فلا تقوم الحجة بدونهم. جوابه: أن أدلة الإجماع* يتعيَّن حملها على غير العوام، لأن قول العامي بغير مستند خطأ، والخطأ لا عبرة به، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على عدم اعتبار (3) العوام، وإلزامِهم اتباع العلماء. قال القاضي عبد الوهاب (4) : وقيل: يعتبر (5) العوام في الإجماع العام (6) كتحريم الطلاق (7) والزنا والربا وشرب الخمر، دون الإجماع الخاص (8) الحاصل في دقائق الفقه (9) . المعتبر في الإجماع بحسب المجتهدين في كل فن ٍ ص: والمعتبر في كلِّ فَنٍّ أهلُ الاجتهاد في ذلك الفن، وإنْ لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره، فيعتبر في الكلام (10) المتكلمون، وفي الفقه الفقهاء، قاله الإمام (11) .   (1) في ق: ((التكاليف)) . (2) في ق: ((والشرائع)) . وانظر: الإحكام للآمدي 1/225، نهاية الوصول للهندي 6/2647. (3) في ن: ((اتباع)) . (4) انظر قوله في: نفائس الأصول 6/2750، سلاسل الذهب للزركشي ص 343. (5) في ق: ((تعتبر)) وهو جائز بحسب التقدير: جماعة العوام أو جمع العوام. انظر هامش (11) ص 67. (6) الإجماع العام: هو ما يَعْلم الحكمَ فيه العلماءُ والعوام، وهو ما عُلم حكمه من الدين بالضرورة. انظر: رفع النقاب القسم 2/551. لكن هذا النوع من الإجماع لا حاجة إليه، لاستناده إلى القواطع من الكتاب والسنة المتواترة. (7) الطلاق يكون حراماً إذا كان بِدْعِيّاً كالطلاق في حيضٍ أو في طهرٍ جامعها فيه. والتمثيل بهذا فيه نظر لخفاء حكم الطلاق البدعي على كثير من العوام. إلاّ أن يكون قصْد المصنف تحريم المطلَّقة بائناً على من طلَّقها، لكن العبارة لا تسْعفه. والله أعلم. (8) ساقطة من ن. والإجماع الخاص مثل: أحكام البيوعات والمساقاة والقراض وأحكام العتق والجنايات مما لا يعلمه إلا العلماء. (9) وبهذا القول قال الباجي في إحكام الفصول ص (459) ، وعزاه السمعاني لبعض أصحاب الشافعي وبعض المتكلمين وأبطله. انظر: قواطع الأدلة 3 / 242. (10) علم الكلام عرَّفه ابن خلدون بقوله: ((علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة)) . مقدمته بتحقيق د. علي عبد الواحد وافي (3 / 1069) . وعرَّفه الجرجاني بقوله: ((علم يُبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام. وقيل: هو العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من الأدلة)) التعريفات ص236. وللسلف وأهل السنة كلام في علم الكلام انظر مثلاً: ذم الكلام وأهله لأبي إسماعيل الهروي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للاَّلكائي 3 / 528 وما بعدها، 4 / 706 وما بعدها. (11) انظر: المحصول (4/198) في المسألة الرابعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وقال: لا (1) عبرة بالفقيه الحافظ للأحكام والمذاهب إذا لم يكن مجتهداً. والأصولي المتمكن من (2) الاجتهاد غير الحافظ للأحكام خلافه معتبرٌ على الأصح (3) . حكم اشتراط التواتر في المجمعين ولا يشترط بلوغ المجمعين إلى حَدِّ التواتر، بل لو لم يبْقَ إلاَّ واحدٌ - والعياذ بالله - كان قوله حجة (4) . حكم إجماع غير الصحابة وإجماع غير الصحابة حجة خلافاً لأهل الظاهر (5) . الشرح الكلام في اشتراط التواتر في المجمعين قال القاضي عبد الوهاب (6) : ((اختُلِف هل يشترط في الإجماع العددُ المفيدُ للعلم وهو عدد التواتر، فإن قَصُرُوا عن ذلك لم يكن حجة، قاله القاضي أبوبكر الباقلاَّني)) . حجة عدم الاشتراط: قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (7) ولم   (1) ساقطة من س. (2) هنا زيادة: ((أهل)) في ن، ومتن أ، وليست في سائر نسخ المتن والشرح. (3) مسألة اعتبار الفقيه والأصولي من أهل الاجتهاد فيها أربعة أقوال: اعتبار قولهما، عدم اعتباره، اعتبار قول الأصولي دون الفقيه، عكسه. انظر: العدة لأبي يعلى 4/1136، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5 / 180، الإحكام للآمدي 1/228، نهاية الوصول للهندي 6/2651، كشف الأسرار للبخاري 3/444، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/33، التوضيح لحلولو ص291، شرح الكوكب المنير 2/225. (4) انظر هذا القول للرازي في المحصول (4/199) المسألة الخامسة. ومسألة اشتراط التواتر في المجمعين فيها قولان: الأول: لا يشترط، وهو للجمهور. والثاني: يشترط، قال به الجويني في البرهان 1/443. وانظر: الإحكام للآمدي 1/250، نهاية الوصول 6/2654، التوضيح لحلولو ص292، شرح الكوكب المنير 2/252، تيسير التحرير 3/235، نشر البنود 2/81. (5) انظر هذا القول للرازي في المحصول (4/199) المسألة السادسة. وانظر المسألة في: المعتمد 2/27، الإحكام لابن حزم 1/553، النبذ في أصول الفقه لابن حزم ص38، العدة لأبي يعلى 4/1090، إحكام الفصول ص486، شرح اللمع للشيرازي 2/702، المحصول لابن العربي ص 520، منتهى السول والأمل ص55، المسودة ص317، فواتح الرحموت 2/277. (6) انظر: التوضيح لحلولو ص292. (7) النساء، من الآية: 115. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 يُفَصِّل بين قليلهم وكثيرهم. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) (1) ، وغير ذلك من الأدلة السمعية. حجة الاشتراط: أنَّا مكلفون بالشريعة وأنْ (2) نقطع بصحة قواعدها في جميع الأعصار، ومتى قَصُر عددهم عن التواتر لم يحصل العلم [فيختلُّ العلم] (3) بقواعد الدين. وجوابهم: أن التكليف بالعلم يعتمد سببَ حصول العلم، فإذا تعذَّر سبب حصول (4) العلم سقط التكليف به، ولا عجب في سقوط التكليف لعدم أسبابه أو شرائطه (5) . العبرة في الإجماع بأهل كلِّ فنٍّ وأما أن (6) العبرة بأهل ذلك الفن [خاصةً؛ فلأن غير أهل ذلك الفن] (7) كالعوام بالنسبة إلى ذلك الفن، والعامة لا عبرة بقولهم. وينبغي على رأي القاضي أن يَلْزَم اعتبارَ جميع أهل الفنون في كلِّ فَنٍّ، لأن غايتهم أن يكونوا كالعوام وهو يعتبر العوام (8) . وأما قولي في الفقيه: " الحافظ " والأصولي: " المتمكن " فهو قول* الإمام فخر الدين رحمه الله (9) ، وفيه إشكالٌ من جهة أن الاجتهاد من شرطه معرفة الأصول والفروع (10) ، فإذا انفرد أحدهما يكون شرط الاجتهاد مفقوداً (11) ، فلا ينبغي اعتبار واحدٍ منهما حينئذٍ.   (1) سبق تخريجه. (2) في ق: ((وأنَّا)) . (3) ما بين المعقوفين ساقط من س. (4) ساقطة من ق. (5) في ق: ((شروطه)) . (6) ساقطة من ن. (7) ما بين المعقوفين ساقط من س. (8) سبق الكلام في تحرير نسبة هذا القول للقاضي الباقلاني. (9) انظر: المحصول (4/198) . وحجة الإمام في التفريق بينهما: أن الفقيه الحافظ للأحكام غيرَ المتمكِّن من الاجتهاد كالعامي فلا عبرة بقوله. وأما الأصولي المتمكِّن من الاجتهاد ـ وإن لم يكن حافظاً للأحكام ـ فلديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، فاعْتُبِر قولُه قياساً على غيره. (10) اختلفوا في اشتراط معرفة التفاريع الفقهية، والأصح عدم الاشتراط وإلا لزم الدوْر، إذ كيف يحتاج إليها وهو الذي يولّدها بعد حيازة منصب الاجتهاد؟!. وقيل: يشترط معرفته بجُمَلٍ من فروع الفقه يحيط بالمشهور وببعض الغامض. وقيل: المراد بالفروع مواضع الإجماع والاختلاف خاصة؛ لئلا يفتي على خلاف الإجماع. انظر: تقريب الوصول ص434، البحر المحيط للزركشي 8/237، رفع النقاب القسم 2/553. (11) في س: ((مفقود)) وهو خطأ نحوي؛ لعدم انتصابه على أنه خبر كان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 والقاضي عبد الوهاب أبو محمد ذكر عبارة تَقْرُب من السداد فقال: ((إذا أجمع (1) الفقهاء وخالفهم من هو من أهل النظر ومشاركون للفقهاء في الاجتهاد، غير أنهم لم يَتَسَمَّوا (2) بالفقه ولم يتصدَّوا (3) له، فالأصح اعتبار قولهم)) (4) . فهذه* العبارة تَقْرُب لأنه لم يُسْلب عنهم إلا التصدِّي للفقه والتوجه إليه، فأمكن أن يكون كل واحد منهم من أهل الاجتهاد، وحَكَى في اعتبار هؤلاء قولين (5) ، قال (6) : ((وقيل أيضاً: لا يُعْتَبر بقول من لا يقول بالقياس (7) ، لأن المُقَايسة هي طريق الاجتهاد، فمن لم يعتبرها لم يصلح للاجتهاد - قال - وهذا غير صحيح، فإنه لو لم يُعتبر مَنْ لا يَعْتبر بعض المدارك لألغينا من لا يعتبر المراسيل أو الأمر للوجوب أو العموم أو غير ذلك، وما من طائفة إلا وقد خالفت في نوع من الأدلة)) (8) . وأمَّا أن إجماع غيرالصحابة حجة: فلظواهر النصوص، والأدلة الدالة على كون الإجماع حجة. واحتج أهل الظاهر: بأن ظاهر قولِهِ تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (9) وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (10) [لا يتناول مَنْ يَحْدُث بَعْدُ] (11) ، وهذه الضمائر إنما وُضِعتْ للمشافهة ومن هو حاضر (12) .   (1) في س: ((اجتمع)) . (2) في ق: ((يرتسموا)) ، وفي و، م: ((يتوسموا)) ، وكلها جائزة. (3) في ق: ((يتصدَّروا)) وهي جائزة. (4) انظر قوله في: نفائس الأصول 6/2751، التوضيح لحلولو ص292. (5) في ن: ((قولان)) وله وجه إذا كان الفعل ((حُكي)) مبني على ما لم يُسمَّ فاعله. (6) ساقطة من ن. (7) عقد الرزكشي مسألة بعنوان: هل يعتبر بخلاف الظاهرية في الإجماع؟ فانظرها في البحر المحيط 6/424. (8) انظر: نفائس الأصول 6/2751، البحر المحيط للزركشي 6/425. (9) آل عمران، من الآية: 110. (10) البقرة، من الآية: 143. (11) ما بين المعقوفين مثبت من ص، وفي ن: ((فلا يتناول من يحدث بعد)) . (12) العبارة في س، ق، ز، و، ش، م كتبت هكذا: ((واحتج أهل الظاهر بأن ظاهر قوله تعالى ... الآيات ... وهذه الضمائر إنما وضعت للمشافهة ومن هو حاضر، فلا يتناول من يحدث بعد)) والمشكل فيها تأخير خبر " أن " وهو ((فلا يتناول)) واقترانُه بالفاء، ولعلَّها زائدة، وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقاً. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 331. والجملة ((وهذه الضمائر ... إلخ)) معترضة. والله أعلم. والمثبت هنا من نسخة ص، وهو أضبط وأظهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وجوابهم: أن (1) النصوص (2) تتناول الجميع [مثل قوله] (3) تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (4) ، وقولِهِ (5) عليه الصلاة والسلام: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) (6) ، ((ولا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك)) (7) ، وهذه صيغ (8) لا تختصُّ بعَصْرٍ (9) ، فوجب التعميم.   (1) هنا زيادة: ((من)) في س، ن، ولا حاجة لها. (2) هنا زيادة: ((ما)) في س، ن، ولا حاجة لها. (3) في ق: ((لقوله)) . (4) النساء، من الآية: 115. (5) في ن: ((كقوله)) . (6) سبق تخريجه. (7) في ق: ((وهم على ذلك)) ، والحديث أخرجه البخاري (3116) ، (7311) ومسلم (1920) كلهما بلفظٍ مقارب لما ها هنا. (8) في س: ((صيغة)) . (9) في س: ((بنص)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 الفصل الخامس في المُجْمَع عليه (1) الإجماع في العقليات ص: كلُّ ما يتوقف العلم بكون الإجماع حجة عليه لا يثبت بالإجماع (2) ، كوجود الصانع وقدرته وعلمه والنبوة. وما لا يتوقف عليه كحدوث (3) العالم والوحدانية فيَثْبُت (4) (5) . الإجماع في الدنيويات واختلفوا* في كونه حجة في الحروب والآراء (6) .   (1) أي: في بيان ما يثبت بالإجماع وما لا يثبت، أو في بيان ما يصح فيه الإجماع ويكون حجة، وما لا يصح فيه ولا يكون حجة. (2) العبارة في س هكذا ((كل ما يتوقف عليه كون الإجماع به عليه حجة لا يثبت بالإجماع)) . وفي ن: ((كل ما يتوقف عليه العلم بكون الإجماع حجة لا يثبت الاجماع)) وكلتاهما مختلَّتان. والمثبت من ق وسائر نسخ المتن والشرح. (3) في س، ن: ((كحدث)) . (4) في ق: ((فتثبت)) ، وهو تصحيف، أي: الإجماع , وفي س: ((فيُثْبِته)) . (5) هذه المسألة مسألة الإجماع في العقليات (العقائد) . تحرير محل النزاع: اتفقوا على أن كل ما يتوقف العلم بكون الإجماع حجة عليه أنه لا يثبت بالإجماع. ثم اختلفوا في جريان الإجماع على باقي العقليات على ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، التفصيل بين كليات أصول الدين فلا يثبت به، وجزئياته فيثبت به. انظر: المعتمد 2/35، البرهان 1/458، المنخول ص316، منتهى السول والأمل ص63، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح للتفتازاني 2/95، البحر المحيط للزركشي 6/492، التوضيح لحلولو ص292، شرح الكوكب المنير 2/277، تيسير التحرير 3/262. (6) صورة المسألة: إذا أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كيفيةٍ معينةٍ في الحروب مثلاً، كترتيب الجيوش وتقسيمها إلى خمسة أقسام: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب، وكذلك في تدبير أمور الرعية، فهل تجوز مخالفتهم فيما أجمعوا عليه في هذا ونحوه من مصالح الدنيا أو لا تجوز مخالفتهم؟. اختلفوا في جريان الإجماع على الدنيويات والحروب والسياسات على أقوال ثلاثة: لا يجرى مطلقاً، يجري مطلقاً، التفصيل، بجريانه في الدنيويات التي يترتب عليها حكم شرعي دون غيرها. انظر: المعتمد 2/35، شرح اللمع للشيرازي 2/687، الإحكام للآمدي 1/279، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/132 وفيه تفصيل جيد، تحفة المسؤول للرهوني القسم 1 / 532، البحر المحيط للزركشي 6/494، رفع النقاب القسم 2/562. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 حكم اشتراك الأمة في الجهل بشيءٍ ما ويجوز اشتراكهم في عدم العلم بما لم يُكلَّفوا به (1) . الشرح الكلام على الإجماع في العقليات كون الإجماع حجة فرع النبوة، والنبوة فرع الربوبية، وكونِ الإله سبحانه وتعالى عالماً: فإن من لم يعلم زيداً لا يرسله، مريداً (2) : فإنَّ اختيار زيدٍ دون (3) الناس للرسالة (4) فرع ثبوت الإرادة، والحياة (5) : لأن الحياة شرط في العلم والإرادة، فهذه شروط (6) في الرسالة، فلو ثبتت (7) بالإجماع الذي هو فرع الرسالة لَزِم الدَّوْر (8) ، وأما حدوث (9) العالم فلا يتوقف عليه الإجماع (10) إلا بالنظر البعيد من جهة أنه يلزم من قدم العالم انتفاء   (1) كتفضيل عمار بن ياسر على حذيفة بن اليمان أو عكسه رضي الله عن الجميع. انظر المسألة في: المعتمد 2/47، الإحكام للآمدي 1/279، التوضيح لحلولو 293، شرح الكوكب المنير 2/284. (2) ساقطة من ق. (3) هنا زيادة: ((اختيار)) في ن لا معنى لها. (4) في س: ((للمراسلة)) . (5) لو قال: ((حياً)) ، لكان أوفق للسياق، إذ يصير السياق: وكون الإله سبحانه وتعالى عالماً ... .، مريداً ... .، حياً ... . (6) في ق: ((شرط)) . (7) في ن، س: ((ثبت)) . (8) وجه الدور: أن الإجماع متوقف على الدليل السمعي، والدليل السمعي متوقف على النبوة، والنبوة متوقفة على الربوبية وعلى كونه تعالى حياً عالماً قادراً مريداً، فظهر بذلك توقف الإجماع على هذه الأمور، إذ لولاها لما وجد الإجماع، فلو توقفت هذه الأمور على الإجماع للزم الدور، وهو ممنوع؛ لأنه محال. انظر: رفع النقاب القسم (2/260) . ونظير ذلك: أنه لا يسوغ الاحتجاج بالقرآن على وجود الصانع وإثبات النبوة، إذ لا نعلم صحته إلا بعد تقدُّم العلم بوجود الصانع وثبوت النبوة فيلزم الدور. انظر: التلخيص للجويني 3/52. (9) المثبت من ز، م. وفي سائر النسخ: ((حدث)) . (10) لأن العقل لو فرض قِدَم العالم لم يكن الإرسال مستحيلاً في ذاته، أي لا يتوقف إثبات النبوة على قِدَم العالم أو حدوثه، ومن ثمَّ فلا يتوقف الإجماع على حدوث العالم. انظر: رفع النقاب 2 / 561. وقال الفخر الرازي: ((لا يمكننا إثبات الصانع بحدوث الأعراض، ثم نَعْرِف صحة النبوة، ثم نَعْرِف به الإجماع، ثم نعرف به حدوث الأجسام)) المحصول 4/205. وانظر: شرح الكوكب المنير 2/278. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الإرادة، فإنَّ القديم يستحيل أن يراد؛ لأن (1) الفاعل المختار لا يُتَصوَّر منه أن يقصد إلى إيجاد أثره إلا حالة عدمه (2) ، غير أنه لو فرضنا أن الله تعالى ما أحدث عَالَماً لم يكن الإرسال مستحيلاً عليه في ذاته، بل لابد من مُرْسَلٍ ومُرْسَلٍ إليه فقط (3) فهذا مانع خارجي (4) ، وكذلك (5) لو فرض العقل إلهين (6) أو أكثر تصوَّر (7) من كل واحد منهما الإرسال، هذا بالنظر إلى باديء النظر، وإن كان (8) من المحال أن يَثْبُت عَالَم مع الشركة حتى يُتَصَوَّر (9) فيه إرسال (10) ، لكن المقصود في هذا الموضع ما يتوقف عليه الإرسال في مجاري العادات (11) .   (1) ومن العلماء ـ كالشيرازي والسمعاني ـ من جعل حدوث العالم مما يتوقف الإجماع عليه فلا يثبت به. انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/687، قواطع الأدلة 3/258 وانظر: البحر المحيط للزركشي 6/492 ـ 493. وقد أشار إلى ذلك المصنف في نفائس الأصول 6/2761. ( ) في ق، ن: ((ولأن)) . (2) هذا تعليل على استلزام قدمِ العالم انتفاءَ الإرادة، وحاصله: أن القول بقدم العالم يفضي إلى سلب صفة الفاعلية والاختيار عن الرَّب تبارك وتعالى، إذ يستحيل تصور إيجاد أثر الفاعل ـ وهو المفعول ـ إلا عند عدمه. وإذا امتنعت الإرادة امتنع إرسال الرسل وامتنع الإجماع، فصار الإجماع متوقفاً على حدوث العالم لكن بنظر بعيد. والله أعلم. (3) ساقطة من ن. (4) يقصد ـ والله أعلم ـ أن افتراض أن الله لم يُحدِثْ عالماً لا يُحيل إرسال الرسل في حدّ ذاته، هذا الافتراض يمنع توقف الإجماع على حدوث العالم بالنظر البعيد. لكن هذا المانع خارجي من جهة وقوع الإرسال خارج العالم. (5) في س: ((ولذلك)) . (6) في س: ((المعين)) وهو تحريف. (7) هنا زيادة: ((العقل)) في س، ن. (8) ساقطة من ن. (9) المثبت من ق، ص. وفي ن: ((ينتشر)) ، وفي س: ((ينشر)) ، وفي باقي النسخ: ((يتيسر)) . (10) دلَّ عليه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] . وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] . (11) أي العبرة فيما يتوقف عليه الإرسال النظر القريب كوجود الصانع وصفاته، دون النظر البعيد الذي لا يُتوصّل إليه إلا بلزوماتٍ على خلاف العادة. لكن وقع خلاف فيما يتوقف عليه الإجماع من العقليات بالنظر البعيد، هل يكون الإجماع فيه حجة؟ فيه قولان. انظر: رفع النقاب القسم 2/561. صحح الطوفي كلام المصنف الآنف الذكر وقال: إنه صحيح وإنْ نفر منه بعض من لا يفهمه أو من يفهمه بادي الرأي. انظر: شرح مختصر الروضة 3/132. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 الإجماع في الحروب والآراء قال القاضي عبد الوهاب (1) : والأشبه بمذهب مالكٍ أنه لا يجوز مخالفتهم فيما اتفقوا فيه من الحروب والآراء، غير أني لا أحفظ عن أصحابنا فيه شيئاً. وحجته: أن عموم الأدلة يقتضي (2) أنهم معصومون مطلقاً [فيحرم مخالفتهم] (3) . حجة الجواز: أن الأدلة إنما دلَّت على عصمتهم فيما يقولونه عن الله تعالى، وهذا ليس منه، فلا يكون قولهم حجة. وجوابه: أن هذا تخصيصٌ، والأصل عدمه. الكلام في اشتراك الأمة في الجهل بشيءٍ ما وأما إشتراكهم في الجهل وعدم العلم بما (4) لم يكلفوا به (5) فهذا هو من ضرورات المخلوقات، ولم تجب الإحاطة إلا لله تعالى، وأما جهلهم بما كلفوا به فذلك محال عليهم؛ لأنه معصية تأباها العصمة. قال القاضي عبد الوهاب (6) : ولا يجوز أن يجمعوا على فعل معصيةٍ في وقت (7) أو أوقات متفرقة؛ لأن تفرَّق (8) الأوقات لا يخرجهم عن كونهم مجمعين على معصية وكذلك الخطأ في الفتيا. واختلفوا: هل يصح أن يجمعوا على خطأ في مسألتين كقول بعضهم بمذهب الخوارج، والبقية بمذهب المعتزلة (9) ، وفي الفروع مثل: أن يقول البعض بأن العبد يَرِث   (1) انظر قوله في: شرح مختصر الروضة 3/133، البحر المحيط للزركشي 6 / 494، رفع النقاب القسم 2/562، حاشية التوضيح والتصحيح لابن عاشور 2 / 123. (2) في س، ق: ((تقتضي)) وهو تحريف. (3) في ق: ((فيحرم خلافهم)) . (4) في ن: ((مما)) وهي غير مناسبة. (5) في ن: ((فيه)) وهي غير مناسبة. (6) انظر ما يشبه هذا النقل في: الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصرٍ فَرْض للسيوطي ص 103. (7) ساقطة من ق. (8) في ق: ((تفريق)) . (9) كما في مسألة مرتكب الكبيرة، فإن الخوارج يحكمون عليه بالكفر، والمعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين، فليس هو بمؤمن ولا كافر. ويتفق كلا المذهبين على تخليده في النار. وكلا المذهبين باطل، فإن مذهب أهل السنة والجماعة ـ المذهب الحق ـ أنه مؤمن عاصٍ، تحت مشيئة الربّ تبارك وتعالى، إن شاء عذبه ولا يُخلَّد في النار، وإن شاء عفا عنه. انظر شرح العقيدة الطحاوية ص442. وانظر مذهب الخوارج في: العقود الفضية في أصول الإباضية لسالم بن حمد العُماني ص 285، ومذهب المعتزلة في: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 137، 697. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 والبقية بأن (1) القاتل عمداً يرث (2) ؟! فقيل: لا يجوز (3) لأنه إجماع على الخطأ، وقيل: يجوز (4) لأن كل خطأ من هذين الخطأين لم يساعد عليه الفريق الآخر، فلم يوجد فيه إجماع. تنبيه (5) : الأحوال ثلاث (6) : الحالة (7) الأولى: اتفاقهم على الخطأ في مسألة واحدة كإجماعهم على أن العبد يرث، فلا يجوز ذلك عليهم. الحالة (8) الثانية: أن يخطيء كل فريق في مسألة أجنبية عن المسألة (9) الأخرى، فيجوز، فإنَّا نقطع أن كل مجتهد يجوز أن يخطيء، وما من مذهب من المذاهب إلا وقد وقع فيه ما يُنْكر وإن قلَّ، فهذا لابد للبشر منه، ولذلك قال مالك رحمه الله: ((كلُّ أحدٍ مأخوذٌ من قوله ومتروكٌ، إلا صاحبَ هذا القبر صلى الله عليه وسلم)) (10) .   (1) ساقطة من ق. (2) انعقد الإجماع على عدم توريث العبد والقاتل. وما ذكره المصنف إنما هو من باب التمثيل. انظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص174 - 175، المغني لابن قدامة 9/123، 150. (3) قال به الأكثرون. انظر: نهاية الوصول 6 / 2676، الإبهاج 2 / 371، التوضيح لحلولو ص 293، شرح الكوكب المنير 2 / 284. (4) قال به الأقلُّون. انظر: روضة الناظر 2/491، الإحكام للآمدي 1/279، غاية الوصول للأنصاري ص109. (5) انظر هذه الأحوال الثلاث بصورة بديعة في: نفائس الأصول 6/2763. (6) في س، ق: ((ثلاثة)) وهو صحيح مراعاة لمعنى التذكير في كلمة ((أحوال)) لأن مفردها ((حال)) تؤنث وتذكّر. انظر: هامش (4) ص 122. (7) ساقطة من ق، وفي س: ((الحال)) وهو جائز كما سبق ذكره آنفاً. (8) ساقطة من ق. (9) ساقطة من ق. (10) نسبة هذا القول إلى الإمام مالك هي المشهورة عند المتأخرين. وصححه عنه ابن عبد الهادي في " إرشاد السالك " (مخطوط) 1/227. قاله الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص49. وأورد هذا الأثر أبو شامة المقدسي في " مختصر المؤمَّل في الردّ إلى الأمر الأول " ص66 عن الإمام مالك بلفظ ((ليس من أحدٍ إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر)) وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/91) ، وابن حزم في الإحكام (2 / 302، 331) وأبو شامة المقدسي في مختصر المؤمل ص66، كلهم من قول الحَكَم بن عتيبة ومجاهد. وأخرج الطبراني في المعجم الكبير (11 / 339) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً ((ليس أحدٌ إلا يؤخذ من قوله ويُدَع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم)) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 179: ((ورجاله موثوقون)) وانظر: الأسرارالمرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي القاري ص 264. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الحالة الثالثة: أن يخطئوا في مسألتين في حكم المسألة الواحدة مثل (1) هذه المسألة، فإن العبد والقاتل كلاهما يرجع إلى فرعٍ واحدٍ وهو مانع الميراث، فوقع الخطأ فيه كله، فمن نظر إلى اتحاد الأصل منع، ومن نظر إلى تعدد الفروع (2) أجاز. فهذا تلخيص هذه المسألة*.   (1) في س: ((مثال)) . (2) في ق: ((الفرع)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الباب السادس عشر في الخبر وفيه عشرة فصول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الفصل الأول في حقيقته (1) وهو المُحْتَمِل للصدق والكذب لذاته (2) ، احترازاً من خبر المعصوم (3) . والخبر على (4) خلاف الضرورة (5) . الشرح الخبر من حيث هو خبرٌ يحتمل الصدقَ: وهو المطابقة (6) ، والكذبَ: وهو عدم المطابقة، والتصديقَ: وهو الإخبار عن كونه صدقاً، والتكذيب: وهو الإخبار عن كونه   (1) الخبر لغة: اسم لما يُنقل ويُتحدَّث به، أو هو: ما أتاك من نبأ عمَّن تستخبر، وهو النبأ. وخَبَرتُ الشيء: علمته. انظر: مادة "خبر" في لسان العرب، المصباح المنير. وقال الزركشي: "الخبر مشتق من الخَبَار وهي: الأرض الرخوة، لأن الخبر يثير فائدة، كما أن الأرض الخَبَار تثير الغبار إذا قرعها الحافر". البحر المحيط 6/72. (2) اختار المصنف في أول الكتاب في الباب الأول، الفصل السادس تعريفاً للخبر أدقَّ فقال: ((هو الموضوع لِلفْظين فأكثر أُسْند مسمَّى أحدهما إلى مسمَّى الآخر إسناداً يقبل التصديق والتكذيب لذاته؛ نحو: زيد قائم)) . ثم شرحه، فانظره هناك ص40 (المطبوع) . وانظر: تعريفات الخبر في: المعتمد 2 / 75، الإحكام للآمدي 2 / 9، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 108، التوضيح لحلولو ص 294، شرح الكوكب المنير 2 / 289، نفائس الأصول 6 / 2793. (3) وهو خبر الله تبارك وتعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وخبر جميع الأمة (الإجماع) ، فإنها أخبار وإن كانت لا تحتمل الكذب لا لذاتها وإنما لما عرض عليها من جهة صدق المُخْبِر. (4) في س متن هـ: ((عن)) . (5) إن قيل: الاحتراز إنما يكون عما لا يراد دخوله في التعريف. وخبر المعصوم والضروري داخل فيه؟ فالجواب: بأن في كلام المصنف مضافاً محذوفاً تقديره: احترازاً من خروج خبر المعصوم ... إلخ، ولهذا نظير عند المصنف كما في تعريف "التخصيص" ص 51 (المطبوع) . انظر: رفع النقاب القسم 2/570 (6) أي: مطابقة الخبر لواقع المُخْبَر عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 كذباً، فالصدق والكذب نسبتان (1) بين الخبر ومتعلَّقه عدميَّتان لا وجود لهما في الأعيان [بل في] (2) الأذهان، والتصديق والتكذيب خبران وجوديان [في الأعيان] (3) . شروع في شرح القيد " لذاته " المذكور في تعريف الخبر ثم الخبر من حيث هو خبر يحتمل ذلك، أما إذا عرض له من جهة المتكلِّم به (4) ما يمنع الكذب والتكذيب فإنه لا يقبلهما؛ وكذلك إذا قلنا: الواحد نصف الاثنين؛ يمتنع (5) الكذب والتكذيب، أو الواحد نصف العشرة يمتنع (6) الصدق والتصديق، ولكن ذلك بالنظر إلى متعلَّقه لا بالنظر (7) إلى ذاته، فلذلك قُلْتُ - في الحدِّ - لذاته. سؤال: التصديق والتكذيب* نوعان من الخبر، والنَّوع (8) لا يعرف إلا بعد معرفة الجِنْس (9) ، فتعريف* الجنس به دَوْر والصدق والكذب نسبتان بين الخبر ومتعلَّقه، والنسبة بين الشيئين لا تعرف إلا بعد معرفتهما، فتعريف الخبر بهما تعريف الشيء بما لا يُعْرف إلا بعد معرفته، فهذا دَوْر أيضاً (10) . جوابه: أنه (11) تقدَّم في أول الكتاب (12) أنّ التحديد بمثل هذا يجوز، وأنّ الحدَّ: هو   (1) النسبة: هي إيقاع التعلّق بين الشيئين. التعريفات ص296. (2) في ق: ((و)) وهو خطأ ظاهر؛ لأن واو العطف تفيد امتناع وجو النسبة العدمية في الأذهان، وهو مستحيل. (3) ساقطة من س. (4) ساقطة من ق. (5) في ن: ((يُمْنع)) . (6) في ن: ((يُمْنع)) . (7) ساقطة من ق. (8) النَّوْع: هو كُلِّيٌ مَقُول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو. مثل: إنسان فهو يصدق على أفراد كثيرة متفقة الحقائق، كزيد وعمرو. انظر: التعريفات ص302، شرح السلم المنورق للملَّوي بحاشية الصبّان ص70، تسهيل المنطق للبدخشاني ص46. (9) الجِنْس: هو كلِّي مَقُول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو. مثل: حيوان فهو يصدق على أنواع كثيرة مختلفة الحقائق كإنسان وفرس انظر: التعريفات ص111 شرح السلم المنورق للملَّوي بحاشية الصبَّان ص68، تسهيل المنطق للبدخشاني ص47. (10) انظر: التوضيح لحلولو ص295 (11) في ن: ((ما)) . (12) انظر: الباب الأول: في الاصطلاحات، الفصل الأول: في الحد ص 6 (المطبوع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 شرح اللفظ وبيان مسماه دون تخليص (1) الحقائق بعضها من بعض، [وبَسَطْتُهُ هنالك فَلْيُطالعْ ثَمَّة] (2) . هل توجد واسطة بين الصدق والكذب في الخبر؟ وقال الجاحظ (3) : يجوز عُرُوُّة عن [الصدق والكذب] ، (4) (5) والخلاف لفظي (6) . الشرح قال أهل السنة: لا واسطة بين الصدق والكذب، لأنه لا واسطة بين المطابقة وعدمها.   (1) في ن: ((تخصيص)) . (2) ما بين المعقوفين مثبت من م، ز. وفي ن، س: ((وبَسْطُها هنالك فيطالع منه)) ، وفي ق: ((فيطالع هنالك)) . قد بسط المصنف هذه المسألة في كتابه البديع " الفروق " (1/18) فليُطالعْ ثمّة. (3) هو عمرو بن بَحرْ بن محجوب، أبوعثمان الجاحِظ، من أهل البصرة، ومن شيوخ المعتزلة، وإليه تنسب فرقة "الجاحِظية". تتلمذ على النظَّام، وكان ذكياً سريع الخاطر والحفظ، قيل له "الجاحظ" لجحوظ عينيه أو نتوئهما، وهو مكثر من التآليف، منها: الحيوان (ط) ، البيان والتبيين (ط) وغيرهما. توفي عام 255هـ. انظر: طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص275، معجم الأدباء 16/74، وفيات الأعيان 3/470 (4) في ق: ((التصديق والتكذيب)) . (5) انظر مذهب الجاحظ في المعتمد 2/75، بديع النظام لابن الساعاتي 2 / 321، أصول الفقه لابن مفلح 2 / 66، تحفة المسئول للرهوني القسم 2 / 543، تشنيف المسامع 2 / 932، وانظر رأي الراغب الأصفهاني في كتابه "مفردات القرآن" مادة "صدق" فإنه مِثْل رأي الجاحظ. (6) هذه مسألة: هل الخبر ينقسم إلى صدق وكذب فقط أم توجد واسطة بينهما؟ فيها مذهبان؛ الأول: الخبر ينقسم إلى صدق وكذب ولا واسطة بينهما. وهو للجمهور وعبر المصنف عنهم في شرحه بـ"أهل السنة". الثاني: للجاحظ؛ وهو توجد واسطة بينهما، كأنْ يكون الخبر مطابقاً للواقع مع عدم الاعتقاد أو عكسه مثلاً. فهذه الصورة عريّة عن الصدق والكذب. ثم وقع اختلاف بين العلماء في نوع هذا الخلاف، فقيل: لفظي - وهو ما اختاره المصنف وأكثر الأصوليين. بمعنى أن الخلاف راجع إلى تفسير الصدق والكذب، فمن فسّر الصدق: بمطابقة الواقع ـ سواء اعتقد أم لم يعتقد ـ لم يقلْ بالواسطة، ومن فسَّره بالمطابقة مع الاعتقاد جعل الواسطة. وقيل: الخلاف معنوي وله أثر في الفروع الفقهية، وذكر له مثالاً الإسنويُّ في التمهيد ص (445) ، والزركشيُّ في البحر المحيط (6/84) . انظر: المعتمد 2/75، إحكام الفصول ص318، التمهيد لأبي الخطاب 3/11، المحصول للرازي 4/224، الإحكام للآمدي 2/10، منتهى السول والأمل ص66، رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 294، تيسير التحرير 3/28، كتاب: الخلاف اللفظي عند الأصوليين د. عبد الكريم النملة 2/31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وقالت المعتزلة: لفظ الكذب ليس موضوعاً لعدم المطابقة كيف كانت (1) ، بل لعدم المطابقة مع القصد لذلك (2) ، وبهذه الطريقة تثبت الواسطة، فإنه قد لا يكون مطابقاً ولا يقصد ذلك (3) ولا يعلم؛ فلا يكون صدقاً لعدم المطابقة ولا كذباً لعدم القصد [لعدم المطابقة] (4) . حجتنا (5) : قوله عليه السلام: "مَنْ كَذَب عليّ متعمِّداً فَلْيتَبَوأْ مَقْعَدَه من النَّار" (6) . فلما قيدَّه بالعَمْد دل (7) على تصوره بدون العمد، كما قال تعالى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكم مُتَعَمِّداً} . (8) وقال عليه السلام: "كفى بالرجل كذباً أنْ يُحدِّث بكلِّ ما سمع" (9) ، فجعله كاذباً إذا حدَّث بما سمع، وإن كان لا يعلم عدم مطابقته، فدل على أن القصد لعدم المطابقة ليس (10) شرطاً في تحقق (11) مسمَّى الكذب. حجة المعتزلة: قوله تعالى حكاية عن الكفار "أَفْتَرَى على اللهِ كذباً أمْ به   (1) في ق: ((كان)) . (2) في نسبة هذا القول للمعتزلة تجوُّزٌ، إذ المنقول في كتب الأصول أنه مذهب الجاحظ، وبعضها تذكر شيخه النظَّام. أما باقي المعتزلة، فقال أبوالحسين في المعتمد (2/76) : "وعند جماعة شيوخنا أن الخبر إما أن يكون صدقاً أو كذباً ـ ثم قال ـ ولقد أفسد قاضي القضاة قول أبي عثمان ... ". أي الجاحظ. (3) في ن: ((لذلك)) . (4) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (5) في ن: ((حجتها)) ربما كان وجهه عود الضمير إلى طائفة أهل السنة. (6) رواه البخاري (110) ومسلم (3004) . بل هو متواتر. انظر: قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي ص23، نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتَّاني ص35. ورد في بعض النسخ مثل نسخة ن، س، و "من كذب علي عامداً متعمداً ... " وهي إحدى روايات الحديث، أخرجها أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء 8/52. (7) هنا زيادة: ((ذلك)) في س. (8) المائدة، من الآية: 95 (9) رواه مسلم (5) بلفظ ((كفى بالمرء ... )) بدلاً من ((الرجل)) . (10) في ن، س ((ليست)) . (11) في ق، س ((تحقيق)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 جِنَّةٌ " (1) فجعلوا (2) الجنون قَسِيْم (3) الكذب لعدم القصد فيه، مع أن خبره على التقديرين غير مطابق (4) فدل على اشتراط* القصد في حقيقة الكذب (5) . وجوابهم: أنهم لم يقولوا كذب، بل افترى، والافتراء هو (6) ابتداء (7) الكذب واختراعه (8) ، فَهُمْ نوَّعوا (9) الكذب إلى اختراعٍ وجنونٍ، لا أنهم قسموا كلامه إلى كذبٍ وغيره، فيرجع الخلاف في ذلك إلى أن العرب هل وضعت لفظ (10) الكذب لغير المطابق كيف كان، [أو لعدم المطابقة مع القصد لذلك] (11) ؟ وهو معنى قولي: "والخلاف لفظي (12) ".   (1) سبأ، من الآية: 8. (2) في ق ((فجعل)) . والضمير في ((جعلوا)) عائد إلى الكفار. (3) قَسِيْم الشيء: ما يكون مقابلاً للشيء ومندرجاً معه تحت شيء آخر، كالاسم قسيم للفعل، وكلاهما مندرجان (قِسْمان) تحت "الكلمة" التي هي أعم منهما. وقِسْم الشيء: ما يكون مندرجاً تحته وأخص منه، كالاسم أخص من الكلمة. انظر: التعريفات ص224. (4) انفردت النسخة ص بزيادة "عندهم" هنا، وهي زيادة لطيفة إذْ من شأنها أن تخصّ التكذيب بالرسالة بالكفار. (5) وجه الدلالة من طريق آخر: أن الكفار جعلوا إخباره صلى الله عليه وسلم عن نبوته إما كذباً وإما جنوناً. وإخباره عن نبوته حالة الجنون ليس كذباً، لأنه جُعل قسيماً للكذب، وقسيم الكذب لا يكون كذباً، وليس هو صدقاً أيضاً لأنهم لم يعتقدوا مطابقته على كلا التقديرين، فإخباره عن نبوته صلى الله عليه وسلم حالة الجنون ليس كذباً ولا صدقاً، وهو الواسطة. انظر: نهاية الوصول للهندي (7/2708) . (6) ساقطة من ق (7) شذَّت نسخة ز بلفظة "أشد" بدلاً من "ابتداء"، وهو شذوذ له وجه من اللغة كما ستراه في التعليق التالي. (8) افْتَرى: اختلق، كما قال تعالى: {أمْ يقولون افْتَراهُ ... } [هود: 13] أي: اختلقه. وقال قوم مريم فيها كما حكى الله تعالى {لقد جئتِ شيئاً فرياً} [مريم: 27] أي: مصنوعاً مختلقاً. والفِرْية: الكِذْبة. انظر: لسان العرب مادة "فرا". لكن في كتاب "الفروق" لأبي هلال العسكري ص (51) فرَّق بين "اختلق" و"افترى" بأن "افترى": قَطَع على الكذب وأخبر به، و"اختلق": قدَّر كذباً وأخبر به. وقال السمين الحلبي في "عمدة الحفاط" مادة "فري" (3/225) : "الافتراء: أقبح الكذب، أو الكذب مع التعمد عند من يرى أن الكذب مخالفة ما في الواقع مطلقاً. وهناك توجيهات ومعانٍ أخرى للآية، منها؛ أن معنى الآية: افترى أم لم يَفْتَرِ فيكون مجنوناً، لأن الجنون لا افتراء له لعدم قصده. انظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 582، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/50، روح المعاني للألوسي 11/284 وفيه أجوبة حسنة. (9) في ق: ((قسموا)) . (10) ساقطة من ق (11) ما بين المعقوفين كُتب في ق هكذا ((أو لذلك مع عدم القصد له)) . (12) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 هل يشترط في الخبر إرادة الإخبار؟ واختلفوا في اشتراط الإرادة في حقيقة كونه خبراً (1) ، فعند (2) أبي علي وأبي هاشم الخبريةُ معلَّلةٌ بتلك الإرادة (3) ، وأنكره الإمام (4) لخفائها، فكان (5) يلزم أن لا يُعْلم خبرٌ (6) ألبتَّة، ولاستحالة (7) قيام الخبرية بمجموع (8) الحروف لعدمه، ولا ببعضه وإلا لكان خبراً (9) ، وليس فليس (10) . الشرح الخلاف في هذه المسألة مثلُ مسألة الأمر (11) . قالوا (12) : الخبر قد يكون دعاءً نحو (13) : غفر الله لنا، وتهديداً (14) نحو قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لكم أيُّها الثَّقَلان} (15) وأمراً (16) نحو قوله تعالى: {والوالداتُ   (1) في س ((كذباً)) وهو شذوذ لا توافقها عليه سائر النسخ. (2) أطبقت نسخ المتن والشرح على إثبات كلمة ((وعند)) ما خلا نسختي ص، م ففيهما ((فعند)) وهو الأليق لكون الفاء فصيحةً، أفصحت عن جواب شرطٍ مقدّر تقديره: إذا أردت معرفة من اشترط الإرادة في الخبرية فأقول لك: عند أبي علي.. الخ (3) معناه: أن الإرادة هي التي أوجبت كون اللفظ خبراً. انظر المسألة هذه في: المعتمد 2/73، شرح اللمع للشيرازي 2/567، المسودة ص232، شرح الكوكب المنير 2/298. (4) أي: أنكر الإمام الرازي اشتراط الإرادة في الصيغة الخبرية لخفاء الإرادة، لأنها أمر باطني لا يُطَّلع عليه. انظر: المحصول 2/29، 4/223. (5) في ق: ((وقال)) . (6) في ن: ((الخبر)) . (7) في ن متن هـ: ((والاستحالة)) وهو تحريف. (8) في ن ((لمجموع)) . (9) هذا جواب عن قول الجُبَّائيَيْن بأن الخبرية معللة بالإرادة، وسيشرحه المصنف. (10) أي: وليس بعض الحروف خبراً، فليس الخبر معللاً بالإرادة. والله أعلم. (11) انظرها في: مبحث الأمر من هذا الكتاب (المطبوع) ص138. (12) هذه حجة المعتزلة على اشتراط الإرادة. انظر: المعتمد 2/73، المحصول للرازي 4/223، شرح الكوكب المنير 2/298. (13) في ن: ((مثل قَدْ)) . (14) في ن، س ((تهديد)) وهو خطأ نحوي؛ لأنه معطوف على خبر كان، فوجب فيه النصب. (15) الرحمن، من الآية: 31. (16) في ن، س: ((أمر)) وهو خطأ نحوي، لأن المعطوف على خبر كان منصوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 يُرْضِعْنَ أولادَهُنَّ حَوْلَين} (1) وإذا [اختلفت موارد] (2) استعماله لا يتعيَّن للخبر إلا بالإرادة، كما قالوا لا تتعين صيغة الأمر للطلب إلا بالإرادة. والجواب واحد: وهو أن الصيغة حقيقة في الخبر، فتنصرف لمدلولها بالوضع لا بالإرادة، وإذا فرَّعنا على هذه الإرادة (3) فهي علة عند أبي هاشمٍ للخبرية وهي كون اللفظ خبراً، وفَهِم عنهم الإمامُ (4) أن الخبرية أمر وجودي، فقال تلك الخبرية الموجودة لا يمكن أن يكون محلُّها مجموعَ الحروف؛ [لأن مجموع الحروف] (5) لا يوجد (6) ، بل يستحيل أن يوجد من الحروف دائماً إلا حرفٌ واحدٌ، لأن الكلام من المصادر السيَّالة، والمعدوم لا يكون محلاً للموجود (7) ، ولا يمكن أن يكون محلها بعض الحروف، لأن المحل يجب اتصافه بما قام به (8) فإذا (9) قام السَّوَاد بمحلٍّ يجب أن يكون [أسود، أو العلمُ (يجب أن) (10) يكون] (11) عالماً، كذلك إذا قامت الخبرية ببعض الحروف يجب أن يكون خبراً، ولكن بعض الحروف لا يكون خبراً إجماعاً (12)   (1) البقرة، من الآية: 233. (2) في س ((اختلف مراد)) . (3) أي: إذا سلمنا اشتراط الإرادة، فهل هي علة الخبرية؟ (4) انظر: المحصول 2 / 29، وانظر نهاية الوصول للهندي 3 / 840. (5) في ق: ((لأنه)) . (6) أي: لا يوجد هذا المجموع دفْعةً واحدةً في آنٍ واحد. (7) في ق، ن: ((للوجود)) ، والمراد من العبارة: أن المعدوم - وهو اجتماع الحروف دفعة واحدة لتكوين الخبرية - لا يكون محلاً للموجود الذي هو الخبرية. (8) ساقطة من س. (9) في س: ((فإن)) وهو سائغ. (10) ما بين القوسين ساقط من ق. (11) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (12) أوضح الشوشاوي الكلام السالف الذكر بعبارةٍ أسلس فقال: "إنّ ما قالته المعتزلة من كون الإرادة علةً للخبرية محال. وبيان استحالته: أن هذه الخبرية المعللة بالإرادة لا تخلو إما أن تقوم بمجموع حروف الخبر، وإما أن تقوم ببعض الحروف دون البعض، والكل باطل لأنه محال..فلا يصح قيامها بمجموع الحروف لعدم المجموع، لأن الكلام من المصادر السيَّالة كالماء يأتي بعض الحروف ويذهب بعضها، فلا يوجد منه أبداً إلا حرف واحد، فلا يمكن اجتماعها في حالةٍ واحدة من النطق، والإرادةُ تكون في دفعة واحدة فلا يصح قيامها بالمجموع لعدم المجموع، إذْ لو قلنا: قامت الخبرية بمجموع الحروف لأدَّى إلى قيام المعنى الوجودي بالأمر العدمي وذلك محال. ولا يصح أيضاً قيامها ببعض الحروف خاصة دون البعض، لأنه يلزم منه أن يكون ذلك البعض الذي قامت به خبراً، والبعض الآخر ليس بخبر، وذلك محال وهو خلال الإجماع" رفع النقاب القسم 2/580. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الفصل الثاني في التواتر وهو مأْخُوذٌ من مجيء الواحد بعد الواحد بفترة (1) بينهما (2) . الشرح و [من ذلك] (3) قوله تعالى: {ثمَّ أَرْسَلْنا رسلنا تَتْرَا} (4) أي: واحداً (5) بعد واحدٍ بفترة (6) بينهما (7) ، وقال بعض اللغويين (8) : مِنْ لَحْن العوام قولهم: ((تواترتْ كُتُبُك عليًّ (9)) ) ومرادهم: تواصَلتْ، وهو لَحْنٌ، بل لا يقال ذلك إلا في عدم التواصل (10) كما تقدَّم (11) . وقال بعضهم: ليس هو مشتقّاً من هذا بل من التَّوَتُّر وهو الفَرْد، والوِتْر قد يتوالى وقد يتباعد بعضُه عن بعضٍ (12) .   (1) في س: ((لفترة)) . (2) والتواتر أيضاً: التتابع. انظر: لسان العرب، القاموس المحيط، المصباح المنير كلها مادة "وتر". وانظر: عمدة الحفاظ 4/281. (3) ما بين المعقوفين في س: ((ومنه)) . (4) الآية 44 من سورة المؤمنون. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبوجعفر "تترا" بالتنوين منصرفاً "تتراً" على أنها مصدر منوَّن، والألف عوضٌ عن التنوين في حالة الوقف. والباقون قرأوها بالألف بلا تنوين، لأنه مصدر مؤنث كدعوى. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/125، اتحاف فضلاء البشر 2/284. (5) في ن: ((واحد)) وهو خطأ نحوي، لأن ما بعد ((أي)) التفسيرية يكون عطف بيان لما قبلها، أو بدل، وهما تابعان لما يفسِّرانه. فيكون ((واحداً)) عطف بيان أو بدل لقوله ((تتراً)) وهو منصوب. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 160. (6) في س: ((لفترة)) . (7) انظر: جامع البيان للطبري مجلد 10/ جزء 17/ صفحة 31، الفتوحات الإلهية (حاشية الجمل على الجلالين) 5/240. (8) صرَّح المصنف باسمه في نفائس الأصول (6/2808) بأنه الجواليقي (ت 540 هـ) . انظر كتابه: تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة ص9. (9) ساقطة من س. (10) في ن: ((الواصل)) . (11) قال الأصمعي: واتَرْتُ كتبي عليه: أتبعتُ بعضها بعضاً إلا أن بين كلّ واحدٍ منها وبين الآخر مهلة. وقال غيره: المواترة: التتابع بغير مهلة..وقال اللحياني: تواترت الإبل والقَطَا وكل شيٍء؛ إذا جاء بعضه في إثْر بعض، ولم تجىء مُصْطفَّة. وقال مرةً: التواتر: الشيء يكون هُنيْهةً ثم يجيء الآخر، فإذا تتابعت فليست متواترة، وإنما هي مُتَدَارِكة ومتتابِعة. انظر: لسان العرب مادة "وتر"، درة الغوَّاص في أوهام الخواص للحريري ص 12، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/125. (12) انظر: لسان العرب مادة "وتر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وفي الاصطلاح (1) : خبر أقوامٍ عن أمرٍ محسوسٍ (2) يستحيل تواطؤهم (3) على الكذب عادةً (4) . الشرح الأخبار في الاصطلاح ثلاثة أقسام: المتواتر وهو ما تقدم، والآحاد وهو ما أفاد ظناً كان المخبر واحداً أو أكثر، وما ليس بمتواتر ولا آحاد وهو خبر المنفرد (5) إذا احتفَّتْ به القرائن؛ فليس متواتراً لاشتراطنا في التواتر العدد؛ ولا آحاداً لإفادته العلم، وهذا القسم ما علمت له اسماً في الاصطلاح (6) . وقولي: "عن أمرٍ محسوسٍ" احتراز من النظريات، فإنَّ الجَمْع العظيم إذا أخبروا عن حدوث (7) العالم أو غير ذلك فإن خبرهم لا يُحصِّل العلم (8) ، ونعني "بالمحسوس" ما   (1) هذا تعريف المتواتر، أما التواتر: فهو تتابعُ خبرِ أقوامٍ عن أمر محسوسٍ يستحيل تواطؤهم على الكذب عادةً. وقد فرقّ بينهما الآمدي في الإحكام 2/14، وانظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني 5 / 586. (2) لو قال المصنف: ((مُحَسٍّ)) لكان أصوب من جهة الاشتقاق اللغوي، كما نبه عليه بنفسه ص (64) من المطبوع، والأمر واسع. (3) في ق: ((طواطيهم)) ولعلّها لهجة. والله أعلم. (4) تعريفات الأصوليين وكذا المحدثين للخبر المتواتر متقاربة، وهي صحيحة على اختلافٍ في الألفاظ. فمنها: أنه خبر جماعة يفيد بنفسه العلمَ بصدقه. انظر: ميزان الوصول 2 / 627، شرح المعالم لابن التلمساني 2 / 142، منتهى السول والأمل ص 68، أصول الفقه لابن مفلح 2 / 473، إرشاد الفحول 1/200، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 16، إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص179، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص161. (5) في ق: ((الفرد)) . (6) هذه القسمة مما انفرد بها المصنف فيما أعلم، وجمهور الأصوليين ـ ما عدا الحنفية ـ يقسمون الخبر إلى قسمين: متواتر وآحاد. والأحناف يقسمونه إلى: متواتر، ومشهور، وآحاد، ويجعلون المشهور واسطة بين المتواتر والآحاد، وهو الحديث الذي يُروى بطريق الآحاد ولكنه اشتهر في عصر التابعين أو تابعي التابعين، ويسمونه بالمستفيض على خلافٍ عندهم في عدد الرواة في كل طبقة. وأما الجمهور فيسمون مشهور الحنفية آحاداً، ويدخلون القسم الثالث الذي ذكره القرافي في الآحاد، لأن رواته آحاد وإن أفاد العلم لاحتفافه بالقرائن. والخطب سهل. انظر: إحكام الفصول ص319، روضة الناظر 1/347 الإحكام للآمدي 2/13، المغني في أصول الفقه للخبَّازي ص191، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/56، مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص299، فواتح الرحموت 2/138. (7) في ن، ق: ((حدث)) . (8) بمعنى لو أخبر أهلُ السنة قاطبةً دَهْرياً بحدوث العالم لم يحصل له العلم لتجويزه غَلَطَهم. انظر: شرح الكوكب المنير 2/325. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 يُدْرك بإحدى (1) الحواسِّ الخمس. قال الإمام في " البرهان " (2) : "ويلحق بذلك ما كان ضرورياً بقرائن الأحوال كصُفْرة الوَجَل وحمُرْة الخَجَل، فإنه ضروري عند المشاهدة. " وقولي: "يستحيل تواطؤهم على الكذب (3) " احترازُ (4) من (5) أخبار الآحاد. وقولي: "عادةً" احترازُ (6) من (7) العقل، فإن العلم التواتري عادي لا عقلي، لأن العقل يُجوِّز الكذب على كل عددٍ وإنْ عَظُم، وإنما هذه الاستحالة عادية. إفادة المتواترِ العلمَ والقَطعَ وأكثر العقلاء على أنه مفيد للعلم (8) في الماضيات والحاضرات. والسُّمَنِيَّة (9) أنكروا العلم واعترفوا بالظن (10) ، ومنهم من اعترف به في الحاضرات فقط.   (1) في س ((أحد)) ، وفي ن ((آحاد)) والمثبت هو الصواب؛ لأن المعدود مؤنَّث، والعدد ((إحدى)) يأتي موافقاً له. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 4/243. (2) انظر: البرهان لإمام الحرمين 1/369. (3) هنا زيادة: ((عادة)) في س، والأولى عدمها، لأن المصنف سيذكرها في الاحتراز الآتي. (4) في ن: ((احترازاً)) وقد سبق الكلام في مثلها. (5) في س، ق: ((عن)) . (6) في ن: ((احترازاً)) . (7) في س: ((عن)) . (8) انظر هذه في: الرسالة للشافعي ص 478، المقدمة في الأصول لابن القصار ص65، المعتمد 2/82، الإحكام لابن حزم 1 / 102، أصول السرخسي 1/283، قواطع الأدلة 2/240، الضروري من أصول الفقه لابن رشد ص 69، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/74، 87 نشر البنود 2/23. (9) السُّمَنيّة: بضم السين وفتح الميم، فرقة من أهل الهند، دهريون، تقول بالتناسخ وقدم العالم، زعموا ألا معلوم إلا من جهة الحواس الخمس. قيل: إنها تنسب إلى بلدٍ اسمه "سُوْمْنَا" وقيل: نسبة إلى صنم يعبدونه اسمه سُومْنات. انظر: الفهرست لابن النديم 480، المنية والأمل في شرح الملل والنحل للمهدي المرتضى ص 62، الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي ص162، 214، 270، موسوعة الفرق الإسلامية د/محمد جواد مشكور ص 287، 316. (10) انظر مذهب السُّمَنِية في: العدة لأبي يعلى 3/841، إحكام الفصول ص319، المستصفى 1/251، الوصول لابن بَرْهان 2/139، المحصول للرازي 4/227، التقرير والتحبير 2/307. ومن العلماء من نسب هذا المذهب أيضاً للبَرْهَمِيَّة، انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/569، التمهيد لأبي الخطاب 3/15، الإحكام للآمدي 2/15، كشف الأسرار للبخاري 2/660 ونَسَبه اللاّمشي إلى النظَّام. انظر: كتاب في أصول الفقه له ص146. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الشرح لنا: أنَّا نقطع بدولة الأكاسرة، والقياصرة (1) ، والخلفاءِ الراشدين، و (2) مَنْ بَعْدهم من بني أُميَّة وبني العباس من الماضيات، وإنْ كنا لا نقطع بتفصيل ذلك، ونقطع بوجود دِمَشْق وبغداد وخُرَاسان (3) ، وغير ذلك من الأمور الحاضرة، فقد حصل العلم بالتواتر من حيث الجملة*. احتجوا: بأن كثيراً ما نجزم (4) بالشيء ثم ينكشف الأمر بخلافه، فلو كان التواتر يفيد العلم لما جاز انكشاف الأمر* بخلافه (5) . ولأن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الكذب فيجوز على المجموع (6) ، لأن (7) كل واحد من الزَّنْج (8) لمَّا كان أسود (9) كان مجموعهم سوداً (10) . والجواب عن الأول: أن تلك الصور إنما حصل فيها الاعتقاد (11) ، ولو حصل العلم   (1) في ن، س: ((الأقاصرة)) ، والمثبت من ق، وهو الوارد في: المعجم الوسيط ص (770) مادة "قيصر" أن جمع قَيْصر قياصرة: وهو لقب يلقب به ملك الروم. (2) الواو ساقطة من ن. (3) هو أقليم قديم، قامت فيها الدعوة العباسية، من مدنها: نَيْسَابور، وهَرَات، وبَلْخ، ومَرْو. تتقاسمها اليوم إيران، وأفغانستان، وتركمانستان. انظر: المنجد في الأعلام ص230. (4) في ن: ((يُجزم)) . (5) هذا الدليل الأول للمنكرين إفادةَ المتواترِ العلمَ. (6) هذا الدليل الثاني. (7) في ن: ((ولأن)) بزيادة واو. وهو خطأ، لأن السياق ما يزال في بيان الدليل الثاني لهم. (8) الزِّنْج والزَّنْج: بالكسر والفتح لغتان، جيل من السُّودان، وهم الزنوج، واحدهم: زَنْجي وزِنْجي. انظر: لسان العرب مادة "زنج". (9) في ق: ((أسوداً)) وهو خطأ لأن ((أسود)) ممنوع من الصرف لعلتين: الوصفية، وأنه على وزن ((أفعل)) انظر: شرح المفصَّل لابن يعيش 1/58. ومع ذلك هنا رد من يجوّز صرف كلّ ما قيل فيه بأنه لا ينصرف. انظر: شيوخ الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان 3 / 403. (10) في س، ن: ((أسود)) وهو صحيح أيضاً مراعاةً للَّفظ المفرد ((مجموع)) . والمثبت مراعاةً لاكتساب المفرد معنى الجمع بإضافته إلى ضمير الجمع، والله أعلم. انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني 2/372. (11) الاعتقاد في اصطلاح المصنف يتناول جميع الإدراكات سواءً كانت قطعية أم ظنيةً غيرذلك. قال في نفائس الأصول (1/191) : "فظهر أن الاعتقاد المتعلق بالرجحان الكائن في الحقائق التي هي المعتقدات ينقسم إلى خمسة: العلم والظن والتقليد والجهل المركب والشك ... " والاعتقاد ـ في المشهور ـ هو الحكم الجازم المقابل للتشكيك انظر: الكليات للكفوي ص (151) . فلعل المصنف يقصد به الإدراك الجازم في ظن المُعْتقِد ولو لم يكن مطابقاً للواقع أو الظن الغالب، بدليل أنه قال بعد ذلك: "ولو حصل العلم ... الخ" أي: اليقين المطابق للواقع، فإن الدرجة التي تنزل عن العلم هي الظن. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 لم يجز أن ينكشف الأمر بخلافه، ونحن لم نَدَّعِ حصول العلم في جميع الصور، بل ادَّعينا أنه قد يحصل، [وذلك لا ينافي] (1) عدم حصوله في كثير من الصور (2) . وعن الثاني أن الأحكام قسمان، قسم: لا يجوز ثبوته للآحاد بل لمجموعها فقط، كإرواء مجموع القطرات من الماء، وإشباع مجموع لُقَم الخبز، وغَلَبة مجموع الجيش للعدو وغير ذلك، فهذه أحكام ثابتة للمجموعات دون الآحاد (3) . ومنها (4) : ما يثبت للآحاد فقط، كالألوان (5) والطُّعوم والروائح، فإنها (6) يستحيل (7) ثبوتها إلا للآحاد. أما المجموعات فأمور ذهنية، والأمور الذهنية لا يمكن أن تقوم بها كيفيات الألوان وغيرها، فحصول (8) العلم عند (9) مجموع إخبارات (10) المخبرين كحصول الرَّيِّ والشِّبع ونحوهما، فلا يلزم ثبوته للآحاد، فاندفع الإشكال. وأما وجه الفرق بين الحاضرات والماضيات (11) : فلأن الماضيات غائبة (12) عن الحسِّ فيتطرَّق إليها احتمال الخطأ والنسيان، ولذلك (13) الدول المُتَقادِمة (14) لم يبقَ عندنا شيء من أحوالها. وأما الحاضرات فمعضودة بالحسِّ، فيبعد تطرُّق الخطأ إليها.   (1) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((ذلك، فلا يتنافى)) . (2) في هذا الجواب نظر، إذ يفتح باب التشكيك في بعض صور المتواتر في إفادته العلم، والدعوى إنما كانت في إفادة كل صور التواتر للعلم لا أكثره، فمتى حكمنا بتخلِّف صورة واحدة انهدمت الدعوى. والله أعلم. (3) في ق: ((الأفراد)) . (4) في س، ق: ((ومنه)) . وهذا هو القسم الثاني من أقسام الأحكام. (5) في س: ((كالأوزان)) وهو غير متَّجه. (6) في ن: ((فإنه)) وهي ساقطة من ق. (7) في ق: ((فيستحيل)) . (8) في ن: ((فحصل)) . (9) في س: ((غير)) وهو تحريف. (10) في ق: ((إخبار)) . (11) هذه حجة من اعترف بأن المتواتر يفيد العلم في الحاضرات دون الماضيات. (12) في س: ((غابت)) . (13) في ق: ((وكذلك)) . (14) المُتَقَادمة: أي القديمة الماضية، من: تَقَادَم الشيءُ؛ بمعنى: قَدُم وطال عليه الأمد. انظر: المعجم الوسيط مادة "قدم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 والجواب: أن حصول الفرق لا يمنع من الاشتراك في الحكم، وقد بينَّاه فيما تقدم (1) . إفادة المتواتر العلم الضروري والعلم الحاصل منه ضروري (2) عند الجمهور (3) خلافاً لأبي الحسين البصري (4) وإمام الحرمين (5) والغزالي (6) .   (1) تقدم ذلك في حجة الجمهور بأن العلم حاصل بالدول الماضية والبلدان الغائبة، فبطل ما تعلَّقوا به. انظر: رفع النقاب القسم: 2/950. ويمكن أن يُمثَّل لقول المصنف: "إن حصول الفرق لا يمنع من الاشتراك في الحكم" كما تقول: زيد فقيه وهو حيوان، وعمرو ليس بفقيه، فلا يلزم أن لا يكون عمرو حيواناً لوجود الفرق. (2) هذه مسألة مفرَّعة عن سابقتها، وهي: هل المتواتر يفيد العلم الضروري؟ ابتداءً أذكر تقسيم العلماء للعلم إلى قسمين، الأول: العلم الضروري: وهو الذي لا يحتاج إلى نظرٍ واستدلال. أو هو: ما لزم المخلوقَ على وجهٍ لا يمكن دفعه عن نفسه بشكٍّ ولا شبهة، كالعلم الحاصل عن الحواس الخمس. والثاني: العلم النظري أو المكتسب أو الاستدلالي: وهو العلم الذي يحتاج إلى نظرٍ وفكرٍ واستدلالٍ؛ كالعلم بحدوث العالم مثلاً. انظر: العدة لأبي يعلى 1/80 وما بعدها، الحدود للباجي ص 25، 27، الشرح الكبير على الورقات للعبادي 1/258 وما بعدها. أما مسألتنا هذه ففيها ثلاثة أقوال، الأول: المتواتر يفيد العلم الضروري وهو للجمهور، والثاني: يفيد العلم النظري، عزاه المصنف إلى أبي الحسين البصري والجويني والغزالي، ومعهم أيضاً الكعبي من المعتزلة، وأبوبكر الدقاق من الشافعية، واختاره أبوالخطاب. الثالث: التوقف، لتعارض أدلة الطرفين، وهو مختار الآمدي. وزاد الزركشي مذهباً رابعاً: وهو أنه بين الضروري والنظري. البحر المحيط له 6/107. انظر المسألة في: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص119، التقريب والإرشاد للباقلاني 1/190، إحكام الفصول ص320، شرح اللمع للشيرازي 2/575، التمهيد لأبي الخطاب 3/22، المحصول للرازي 4/230، التوضيح لحلولو ص298 فتح الغفار 2/77، فواتح الرحموت 2/143، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص16. (3) انظر المراجع السابقة. (4) انظر: المعتمد 2/81. (5) انظر: البرهان 1/375. (6) انظر: المستصفى 1/ 252 - 254، المنخول ص 237. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الشرح حجة الجمهور: أنَّا نجد العلم التواتري [حاصل] (1) للصبيان والنسوان ومن (2) ليس له أهلية النظر، [فلو أنه نظري لما حصل إلا لمن له أهلية النظر] (3) . حجة الفريق الآخر: أنا نعلم بالضرورة أنَّ المخبرين إذا توهّم السامع أنَّهم مُتَّهمون فيما أخبروا به لا يحصل له العلم، وإذا لم يتوهم ذلك حصل له العلم، وإذا علم أنَّهم من أهل الدِّيانة والصدق حصل له العلم بالعدد اليسير منهم (4) ، وإذا لم يحصل له العلم بأنهم كذلك ـ بل بالضِّد ـ لم يحصل العلم بإخبار الكثير منهم، وإذا كان العلم يتوقف حصوله على ثبوت أسبابٍ وانتفاء موانع، فلابد من النظر في حصول تلك الأسباب وانتفاء تلك الموانع: هل حصلت كلها أو بعضها؟ فيكون العلم الحاصل عَقِيْب التواتر نظرياً لتوقفه على (5) النظر. والجواب: أن ذلك صحيح، لكن تلك المقدمات حاصلة في أوائل الفطرة (6) ، فهذا (7) العلم لا يحتاج إلى كثير (8) تأمل، ولا يقال للعلم: إنه نظري إلا (9) إذا لم يحصل إلا لمن له أهلية النظر، وقد بيَّنَّا أن الأمر ليس كذلك (10) .   (1) تواترت جميع النسخ وتواطأت على إثبات "حاصل" بالرفع، ولست أعلم لذلك وجهاً مستقيماً. والصواب "حاصلاً" على أنه مفعول ثانٍ للفعل "نجد". قال ابن مالك: انْصِبْ بفعْلِ القلْبِ جَزْأي ابْتدا أعْنِي: رأى، خَالَ، علمْتُ، وَجَدا انظر: شرح ابن عقيل 1/207. (2) في س: ((ما)) والمثبت هو الأولى، لأن الغالب في ((من)) الموصولة وقوعها على العالِم (العاقل) ، و ((ما)) لما لا يعقل، وقد يخرجان عن الغالب في مواضع. انظر: همع الهوامع للسيوطي 1/297. (3) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (4) سيأتي بعد قليل مبحث اشتراط العدد في التواتر. (5) في س: ((عن)) . (6) أي: تلك المقدمات النظرية - التي أشار إليها الفريق السابق في حجتهم - تحصل في أوائل الفكرة، ولا يتجاوز الأمر هذا الحد إلى النظر والبحث والاستدلال. (7) في ق "و". (8) في س "كبير". (9) ساقطة من ق. (10) من العلماء من اعتبر الخلاف في كون المتواتر يفيد العلم الضروري خلافاً لفظياً يرجع إلى مقصود كلٍّ من الطرفين بالضروري. انظر وجهه في: المنخول ص238 بذل النظر ص381، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/79، شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني 2/123. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 { اشتراط العدد في التواتر } والأربعة لا تفيد العلم (1) قاله القاضي أبوبكر، وتوقَّف في الخمسة (2) . قال الإمام فخر الدين (3) : الحق أن عددهم غير محصور خلافاً لمن حصرهم في اثْنَي عَشَرَ عددِ (4) نُقَباء موسى عليه السلام (5) ، أو عشرين (6) عند أبي الهُذَيل (7) لقوله تعالى: {إنْ يَكُنْ مِنْكم عِشْرونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مائتين} (8) ، أو أربعين لقوله تعالى: {يا أيُّها النَّبيُّ حَسْبُك الله ومَنِ اتَّبَعك مِنَ المؤمنين} (9) وكانوا حينئذٍ أربعين (10) ، أو سبعين عددِ المختارين من قوم موسى عليه السلام (11) ، أو   (1) هذه مسألة: العدد في المتواتر؛ أهو محصور أم لا؟ فإن كان محصوراً فما أقل عددٍ يحصل به العلم؟ فيه الخلاف الذي سيذكره المصنف. (2) انظر مذهبه في: البرهان 1/370، المنخول ص240، المحصول للرازي 4/260، المسودة ص235. واشترط القاضي أبويعلى في العدة (3/856) والباجي في إحكام الفصول ص (323، 327) والجويني في التلخيص (2/288) أن يزيدوا عن الأربعة. وقال السمعاني: "والأحسن ما قاله أكثر الأصحاب" وهو أن يزيدوا عن الأربعة قواطع الأدلة 2/240. (3) هذا مفاد كلامه في المحصول 4/265. (4) في متن هـ: ((عِدَّة)) . (5) الوارد في قوله تعالى: {ولقد أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بني إسرائيلَ وبَعَثْنَا منهمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيْباً ... } [المائدة:12] . والنقيب: كبير القوم، القائم بأمورهم الذي يُنقِّب عنها وعن مصالحهم، والتنقيب: التفتيش. والنقيب في كلام العرب كالعريف على القوم، غير أنه فوق العريف. انظر: جامع البيان للطبري مجلد 4/جزء 6/ 203، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/112. وانظر: لسان العرب مادة "نقب". (6) في ق: ((العشرين)) . (7) هو أبوالهُذَيل محمد بن الهُذَيل بن عبد الله العَلاَّف نسبةً إلى داره بالبصرة كانت في العَلاَّفين. شيخ المعتزلة، أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، وإليه تنسب الفرقة "الهُذَيْلِيَّة"، له جهالات وضلالات ردّها بعض المعتزلة، وكان النظَّام من أصحابه، ت 235هـ وقيل غير ذلك. انظر: طبقات المعتزلة ص254، نَكْتُ الهِمْيان ص277، الملل والنحل للشهرستاني 1/64، كتاب "أبوالهُذَيل العلاف أول متكلم إسلامي تأثر بالفلسفة". تأليف مصطفى الغزالي القاهرة 1949م. (8) الأنفال، من آية: 65. (9) الأنفال، من آية: 64. (10) انظر: أسباب النزول للواحدي، ص 238، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/31، فتح القدير للشوكاني 2/344.. (11) الوارد في قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ سبعين رجلاً لِمِقَياتِنَا ... } [الأعراف: 155] . وكان موسى قد اختارهم من بني إسرائيل - وهم الذين لم يعبدوا العجل - ليعتذروا عن عبادة أصحابهم، وذهب بهم إلى طُوْر سَيْناء لميقات ربه. انظر: جامع البيان للطبري مجلد 6/ جزء 9/ 97، الفتوحات الإلهية للجمل 3/119. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 ثلاثمائة عددِ أهل بدر (1) ، أو [أربعَ عَشْرةَ مائة] (2) عددِ بيعة الرِّضْوان (3) . الشرح إنما جزم القاضي رحمه الله بأن الأربعة لا تفيد العلم، لأن شهود الزنا أربعة، وهم محتاجون للتزكية (4) . [فلو كان خبر الأربعة يفيد] (5) العلم لأفاد خبرُ كلِّ أربعةٍ وحينئذٍ لا يحتاج للتزكية في صورة، لكنَّه خلافُ الإجماع، وتوقَّف في الخمسة لاحتمال حصول العلم بخبرهم. وهذا البحث من القاضي رحمه الله يقتضي أن العدد - بما هو عدد - هو مدرك العلم، بل (6) الحق أن القرائن لابد منها مع الخبر كما تقدَّم تقريره (7) في حجة إمام الحرمين (8) ، [وإذا كانت القرائن لابد منها، فأمكن] (9) حصولها مع الأربعة، وفي تلك الصورة لا يحتاج للتزكية.   (1) جاء من حديث البراء رضي الله عنه: أنهم بِضْعةَ عشرَ وثلاثمائة. أخرجه البخاري (3957) . وانظر: الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير ص 121. (2) في جميع نسخ المتن والشرح ((عشرة)) فقط. والمثبت هنا من نسخة ص. وما في النسخ خطأٌ بيِّن يمكن عزوه إلى النُّسَّاخ أو سهو المؤلف، ويعضده أن المصنف في نفائس الأصول (6/2855) نقل عن التبريزي أنهم ألف وسبعمائة وارتضاه. (3) جاء عددهم أربع عشرة مائة في حديث البراء رضي الله عنه، ورواية أخرى عنه أنهم أربع عشرة مائة أو أكثر، ومن حديث جابر رضي الله عنه أنهم خمس عشرة مائة، ومن حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم ألف وثلاثمائة، وكلها في البخاري (4150 ـ 4155) ومسلم (1856 ـ 1658) . وانظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/437، تاريخ الإسلام للذهبي" مجلد المغازي" ص382 وما بعدها. (4) انظر: الذخيرة للقرافي 10/ 207، 12/54. (5) ما بين المعقوفين في ق: ((ولو أفاد خبرهم)) . (6) في ق: ((و)) . (7) هذه القرائن ترجع إلى الهيئات المُقارِنة للخبر، واختلاف أحوال المخبرين في اطلاعهم على قرائن التعريف، واختلاف إدراك المستمعين لتفاوت الأذهان والقرائح، واختلاف الوقائع في عظمها وحقارتها. انظر: شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/54، شرح الكوكب المنير 2/335. (8) انظر: البرهان 1/369. (9) ما بين المعقوفين في ق: ((وحينئذٍ يمكن)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 والحق عند الجمهور (1) : أنه متى حصل العلم كان ذلك العدد* هو عدد التواتر قلَّ أو كَثُر، وربما أفاد عددٌ قليلٌ العِلْمَ لِزَيْدٍ [ولا يفيده لِعَمْرٍو] (2) وربما لم يفد عددٌ كثيرٌ العلم لِزَيْدٍ وأفاد بعضُه العلمَ لِعَمْرٍو، وكل ذلك إنما سببه اختلاف أحوال المخبرين (3) والسامعين. وهذه المذاهب المتقدمة في اشتراط عددٍ معينٍ إنما مدرك الجميع أن تلك الرتبة [من العدد] (4) وُصفتْ بمنقبةٍ حسنة، فجعل ذلك سبباً لأَنْ يَحْصلَ (5) لذلك العدد منقبة أخرى وهي تحصيل العلم، وهذا غير لازم، والفضائل لا يلزم فيها التلازم، وقد يحصل العلم بقول الكفار أحياناً، ولا يحصل بقول الأخيار أحياناً، بل الضابط حصول العلم؛ فمتى حصل فذلك العدد المُحصِّل له هو عدد التواتر (6) . انقسام التواتر إلى: لفظيّ ومعنويّ وهو ينقسم إلى اللفظي (7) (8) وهو: أن تقع الشَّرِكة بين ذلك العدد (9) في   (1) انظر مذهب الجمهور وحججهم في عدم اشتراط العدد في: التلخيص 2/300، أصول السرخسي 1/294، المستصفى 1/411، التمهيد لأبي الخطاب 3/28، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 2 / 355، مجموع الفتاوي لابن تيمية 18/50، كشف الأسرار للبخاري 2/657، التوضيح لحلولو ص298، نشر البنود 2/30، إرشاد الفحول 1/204 شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص163، ظفر الأماني للّكْنوي ص33، نظم المتناثر للكتاني ص18. تنبيه: إن قيل: كيف نعلم العلم بالمتواتر مع الجهل بأقل عدده؟ قيل: كما يُعلم أن الخبز مُشْبِع والماء مُرْوٍ وإن جهلنا عدده. شرح الكوكب المنير 2/335. (2) في ق: ((دون عمرو)) . (3) في س: ((المجتهدين)) والمثبت هو الصواب، لأن المسألة في باب الأخبار لا الاجتهاد. (4) ساقط من س. (5) في ن: ((تحصل)) وهو صحيح أيضاً. (6) قال المصنف في نفائس الأصول (6/3853) "كل طائفة عَمَدتْ إلى طائفة نسب الله تعالى إليها مزية حسنة فجعلت هذه المزية سبب كون قولهم؛ يفيد العلم. وهذا باطل، فإنه لا يلزم من حصول مزيةٍ معينةٍ حصولُ غيرها، وأين إفادة العلم من كونهم نقباء لموسى عليه السلام أو غير ذلك؟! ". (7) في ن: ((لفظي)) . (8) هنا زيادة: ((ومعنوي)) في ن، وهي زيادة مقحمة غير مناسبة لأن ما بعدها تعريف للَّفظي. (9) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 اللَّفظ المرويِّ (1) . والمعنوي: وهو وقوع الاشتراك في معنىً (2) عامٍّ؛ كشجاعة عليٍّ رضي الله عنه وسخاء حاتمٍ (3) . الشرح اللفظي كما نقول: إنّ القرآن الكريم متواتر؛ أي: كل لفظةٍ منه اشترك فيها (4) العدد الناقل للقرآن، وكذلك " دمشق " و" بغداد " أي جميع النَّقَلة نطقوا بهذا اللفظ. وأما المعنوي: فلا تقع الشَّرِكة في اللفظ (5) كما يُروى أن علياً رضي الله عنه قتل ألفاً في الغزوة الفلانية، وتروى قصص أخرى بألفاظٍ أخرى، وكلها تشترك (6) (7) في معنى الشجاعة، فنقول: شجاعة علي رضي الله عنه ثابتة بالتواتر المعنوي. ويُروى أن حاتماً (8) وهب مائة ناقةٍ، ويروي (9) آخر (10) أنه وهب ألف دينار ونحو ذلك، حتى تتحصَّل حكايات مجموعها يفيد القطع بسخائه، وإن كانت (11) كل حكاية من [تلك الحكايات] (12) لم يتواتر لفظها، فهذا هو التواتر المعنوي.   (1) انظر: نفائس الأصول 6 / 2856، شرح الكوكب المنير 2 / 329، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص 187. (2) هنا زيادة: ((وهو)) في ق. وانظر تعريفات أخرى للمتواتر المعنوي في: الإبهاج 2 / 294، البحر المحيط للزركشي 6 / 116، شرح الكوكب المنير 2 / 332، فواتح الرحموت 2 / 150. (3) القصص كثيرة الدالة على شجاعة علي رضي الله عنه وسخاء حاتم بن عدي وهي مبثوثة في كتب التاريخ والسير، أشار إلى بعضها الزركشي في كتابه: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ص 107 ـ 108. وقال ابن حجر "الأخبار الواردة في سخاء حاتم فإنها كثيرة، لكنها لم تتفق على سياقٍ واحدٍ، ومجموعها يفيد القطع بأنه كان سخياً. وكذلك الأخبار الواردة في شجاعة علي، واستيعاب ذلك متعسِّر، فرأيت أن أشير إلى شيء من ذلك وفاءً بالتخريج ... " ثم ساق ابن حجر حكايات عن شجاعة علي وسخاء حاتم انظرها في موافقة الخُبْر الخَبَر في تخريج أحاديث المختصر 1/193 ـ 198. (4) في ن: ((فيه)) . (5) في ق: ((لفظه)) . (6) في ن: ((مشترك)) . (7) هنا زيادة: ((راجع إلى معنى كلٍّي كافٍ)) في ن. (8) في س: ((حاتم)) وهو خطأ نحوي، لأن اسم إن منصوب (9) في ن: ((وروى)) . (10) في ق: ((أخرى)) . (11) ساقطة من ن. (12) ما بين المعوفين ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 شرط المتواتر وشرطُهُ على الإطلاق (1) ، إن كان المُخْبِر لنا (2) غيرَ المباشر (3) . استواءُ الطرفين والواسطة (4) . وإن كانَ المباشرَ فيكون (5) المُخْبَر عنه محسوساً (6) فإن الأخبار عن العقليات* لا يُحصِّل العلم (7) (8) . الشرح التواتر له أربع حالات: طَرَفٌ فقط إن كان المخبر هو المباشر. وطرفان بغير واسطة إن كان المخبر لنا غير المباشر. وطرفان وواسطةٌ وهو اجتماع ثلاثة: المباشر، وطائفة أخرى تنقل على الطائفة المباشرة، وطائفة ثالثة تنقل إلينا عن الواسطة الناقلة عن الطائفة المباشرة. وطرفان ووسائط كما في القرآن الكريم، فإن سامعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم نقله عنه (9) وسائطُ وقرونٌ حتى انتهى إلينا (10) . بعد ستة أو   (1) أي: وشرط المتواتر مطلقاً سواء كان لفظياً أم معنوياً. انظر: رفع النقاب القسم 2/597. (2) ساقطة من ق. (3) أي: غير مباشر للسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: رفع النقاب 2/597. (4) المراد بالطرفين: الطبقة الأولى من الرواة، وهم: الطبقة المشاهدة المباشرة للسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، والطبقة الأخيرة، وهم: الطبقة المخبرة التي وقف الإسناد عندها. والمراد بالواسطة: ما بين الطبقتين. والمراد بالاستواء: استواؤهم في الشرطين اللذين أشار إليهما المؤلف في حَدِّ التواتر، وهما: أن يكون كل طائفة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة، وأن يكون المُخْبَر عنه أمراً محسوساً. انظر المسألة في: قواطع الأدلة 2/236، الإحكام للآمدي 2/25، تقريب الوصول ص 287، الإبهاج 2/294، البحر المحيط للزركشي 6/101، فواتح الرحموت 2/145، نشر البنود 2/25. (5) في ق: ((فكون)) . (6) ظاهر هذا يوهم أن كونه محسوساً خاصٌّ بخبر المباشر، وليس الأمر كذلك، بل هذا شرط في جميع أنواع المتواتر، وظاهره أيضاً أنه لا يشترط في المباشر إلا هذا، وليس كذلك، بل يشترط فيه أيضاً استحالة التواطؤ على الكذب عادة وهذا ما سيشير إليه المصنف في شرحه. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 598. (7) هنا زيادة: ((به)) في س. (8) قول المصنف: ((فإن الإخبار عن العقليات لا يحصل العلم)) لأن تواطؤ الجمِّ الغفير على الخطأ في المعقولات معقولٌ ليس يستحيل عادة، فهؤلاء آلاف البشر يكذِّبون الأنبياء، ويقولون بقدم العالم، وهو تواطؤ باطل. أما في المُحسَّات فيستحيل عادةً التواطؤ على الكذب. انظر: المنخول ص243، المسودة ص234 نهاية السول 3/83، نشر البنود 2/23، نيل السول للولاتي ص150، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص172. (9) في ق: ((إلى)) وهو متَّجه. (10) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 سبعة (1) ونحو ذلك، وعلى (2) كل واحدٍ من هذه الطرق لابد من شرطين في الجميع: أن تكون (3) كل طائفة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة، وأن يكون المُخْبَر عنه أمراً حسياً. فهذا معنى قول العلماء: من شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة (4) ، معناه: إنْ كان له طرفان وواسطة، وإلا فقد لا يلزم ذلك في التواتر كما تقدم بيانه*.   (1) أي بعد ستة قرون أو سبعة، وهذا كان في عصر المصنف عليه رحمة الله. وها هو قد انتهى إلينا ونحن في القرن الخامس عشر الهجري نسأل الله تعالى حسن الختام. (2) ساقطة من س. (3) في ق: ((يكون)) . (4) هنا زيادة: ((هنا)) في ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 الفصل الثالث في الطرق المُحصِّلة للعلم غير التواتر (1) . وهي سبعة: كون المُخْبَر عنه معلوماً (2) بالضرورةِ أو (3) الاستدلالِ، أو (4) خبرِ الله تعالى، أو (5) خبرِ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو (6) خبرِ مجموع الأمة أو الجمعِ العظيم عن (7) الوِجْدَانيَّات (8) في نفوسهم، أو القرائنِ (9) عند إمام الحرمين (10)   (1) يريد المصنف ـ في هذا الفصل ـ بيان الطرق التي يحصل بها العلم والقطع بصدق المُخْبَر عنه غير طريق التواتر، وهي طرق دالة على صدق الخبر. وهذا الفصل جاء عطفاً على الفصل الثاني: "في المتواتر" استطراداً منه رحمه الله. انظر المسألة في: المحصول للرازي 4/273، نهاية الوصول للهندي 6/2753، تقريب الوصول ص288، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/51، شرح الكوكب المنير 2/317، فواتح الرحموت 2/137، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص17. تنبيه: ذكر الشوشاوي أن الطرق المحصلة للعلم مطلقاً سبعةٌ أو أن العلم سبعة أقسام هي: الضروري، النظري، الحسي، التواتري، التجريبي، الحدسي، الوجداني، انظر: رفع النقاب القسم (2/599) . وقد ذكرها المصنف في الباب الأول: الفصل الثاني عشر "في حكم العقل بأمرٍ على أمر" انظر: شرح التنقيح (المطبوع) ص63. (2) في ن: ((معلوم)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر المصدر ((كون)) حقّه النصب. (3) في ن: ((و)) وهو مما انفردت به خلافاً لسائر نسخ المتن والشرح. والأنسب أن تكون ((أو)) للتنويع والتقسيم في الطرق. (4) في ن، ق: ((و)) والأنسب "أو" كما أكثر نسخ المتن وموافقةً لأن يكون المتن على نَسَقٍ واحد. (5) في ن، ق: ((و)) . انظر التعليق السابق. (6) في ق: ((و)) . (7) في س: ((عند)) وهو تحريف. (8) الوِجْدانيات لغة: جمع وِجْدان ويكون بمعنى الغضب والحزن والغنى واليسار. انظر: لسان العرب مادة "وجد". واصطلاحاً: ما يكون مدركه الحواسَّ الباطنة، أو نقول: هي المشاهدات الباطنة التي يجدها الإنسان في نفسه، كالجوع والعطش واللذَّة والألم والفرح والغضب والنشاط والكسل وغير ذلك. انظر: التعريفات ص305، رفع النقاب القسم 2/603. (9) القرائن: جمع قرينة وهي لغة: فعيلة بمعنى فاعلة، مأخوذة من المقارنة (المصاحبة) . انظر: لسان العرب مادة "قرن". واصطلاحاً: أمر يشير إلى المطلوب. أو هي: ما يوضِّح عن المراد لا بالوضع، تؤخذ من لاحق الكلام أو سابقه. وهي إما لفظية أو معنوية أو حالية. انظر: التعريفات ص223، الكليات ص734. (10) البرهان 1 / 373، 1 / 376. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 والغزالي (1) والنظَّام (2) . خلافاً للباقين (3) . الشرح المعلوم بالضرورة (4) نحو: الواحد نِصْف الاثنين وبالاستدلال (5) نحو: الواحد سُدُس عُشْرِ الستِّين (6) فإن الخبر (7) عن هذين* يقطع بصدقه، وكذلك من أخبر عن خبر الله تعالى (8) ، أو أخبر (9) الله تعالى عن قيام الساعة فإن خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم يُقْطع بصدقهما (10) ، وكذلك مجموع الأمة (11) لأنه معصوم، ومثال إخبار الجَمْع   (1) المستصفى 1/255، المنخول 237. (2) انظر مذهب النظَّام في: التبصرة ص298، البرهان 1/375، المحصول للرازي 4/282. (3) لعلَّه يريد بالباقين الأكثرين، وإلا فإن عدداً من الأصوليين وافقوا الجويني والغزالي والنظام في أن القرائن المحتفَّة بالخبر الآحادي تفيد العلم لا مجرد الظن، ومن هؤلاء: ابن برهان، والرازي، والآمدي، وابن الحاجب، وابن قدامة، وابن السبكي، وابن حجر، وغيرهم، وإليه ميل المصنف كما يتضح في آخر شرحه لهذا المتن، وفي تقسيمه السابق للخبر إلى: متواتر، وآحاد، ولا متواتر ولا آحاد وهو خبر الواحد المحتفُّ بقرائن تُكْسبه العلم. انظر: الوصول 2/150، المحصول للرازي 4/284، الإحكام للآمدي 2/32، منتهى السول والأمل ص71، روضة الناظر 1/365، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/131، شرح شرح نخبة الفكر ص215. وعلى كل حال، المسألة فيها ثلاثة مذاهب شهيرة، الأول: خبر الآحاد لا يفيد العلم مطلقاً بل الظن، وهو للأكثرين. الثاني: خبر الآحاد يفيد العلم مطلقاً، وهو لجماعة من أهل الحديث وأهل الظاهر ونصره ابن القيم وغيره. الثالث: خبر الآحاد المحفوف بالقرائن يفيد العلم فإنْ عَرِي عنها لم يفده، وقد علمْتَ من ذهب إليه. انظر علاوة على المراجع السالفة الذكر: الإحكام لابن حزم 1/105، أصول السرخسي 1/321، قواطع الأدلة 2 / 258، نهاية الوصول للهندي 6/2801، البحر المحيط للزركشي 6/134، فواتح الرحموت 2/152، أصول مذهب الإمام أحمد د. عبد الله التركي ص273، خبر الآحاد وحجيته د. أحمد محمود عبد الوهاب ص، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ص 711 وما بعدها. (4) هذا الطريق الأول. (5) هذا الطريق الثاني. (6) لأنك تستدل عليه بالقياس المنظوم من مقدمتين قطعيتين، كقولك: الواحد سُدُس الستة، والستَّة عُشْرِ الستين، فيُنْتِج لك: الواحد سُدُس عُشْرِ الستين. انظر: رفع النقاب القسم 2/602. (7) في ن: ((المُخْبِر)) وهي سائغة أيضاً, والمثبت أليق لأن الكلام في الخبر لا المُخْبِر. (8) هذا الطريق الثالث. (9) في س، ق: ((خبر)) . (10) في س، ن: ((بصدقه)) . (11) هذا الطريق الخامس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 عن الوِجْدَانيات (1) أن يخبر كل واحد أنه وجد هذا الطعام شهيّاً أوكريهاً، فنقطع (2) بأن ذلك الطعام كذلك، فإن متعلَّق أخبارهم واحد (3) وإن لم يحصل القطع بما في نفس كل واحد من تلك الكراهة (4) ، لأن كراهة كل واحد منهم لم يُخْبِر عنها غيُره وإخبار الآخر إنما هو عن كراهة (5) أخرى قامت به فمُخْبَراتهم (6) متعددة وفي كل مُخْبَرٍ عنه خبر (7) واحد فلا يحصل القطع به، بخلاف متعلَّق تلك الكراهات أو اللذات، فإنه واحد، وهو كون ذلك الطعام كذلك، فإن إخبارات الجَمْع (8) اجتمعت فيه فحصل القطع، فهذا (9) هو (10) صورة (11) هذه المسألة. حجة إمام الحرمين (12) : أنا نجد المُخْبِر عن مرضه مع (13) اصفرار وجهه، وسقم جسمه، وغير ذلك من أحواله فإنا (14) نقطع بصدقه حينئذٍ. وكذلك كثير من الصور في غير المرض: من الغضب والفرح والبِغْضَة (15) وهو لا يُعدُّ ولا يحصى. حجة المنع: أن كثيراً ما يقطع (16) بموت زيد ثم ينكشف الغيب عن كونه فُعِل   (1) هذا الطريق السادس. (2) في ق: ((فيقطع)) . (3) وهو كونه شهياً أو كريهاً. (4) في ق: ((الكراهية)) . (5) في ن: ((كراهية)) . (6) في س: ((مختبراتهم)) بدون الفاء. (7) ساقطة من ق. (8) في س: ((الجميع)) وهو سائغ، والمختار أوفق للسياق. (9) في ق: ((فهذه)) . (10) ساقطة من ق.. (11) في س: ((صور)) . (12) انظر: البرهان 1/373، وكذلك 1/376. (13) ساقطة من ن. (14) في س: ((أنا)) خلافاً لسائر النسخ. (15) البِغْضة: بالكسر والبَغْضاء: شِدَّة البُغْض وهو ضد الحب. انظر: مختار الصحاح، القاموس المحيط كلاهما مادة ((بغض)) . (16) في ن: ((نقطع)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 ذلك خوفاً من السلطان أو لغرضٍ آخر (1) . ومع قيام [هذا الاحتمال] (2) لا يحصل العلم. وجوابه: أنا نمنع أن الحاصل في تلك الصورة عِلْمٌ بل اعتقادٌ، ونحن لا ندَّعِي أن القرائن تفيد العلم في جميع الصور، بل في بعضها يحصل الظن، وفي بعضها الاعتقاد، وفي بعضها العلم. ونقطع في بعض الصور بما دلت عليه القرائن وأن الأمر لا ينكشف بخلافه، ومن أنصف (3) وراجع نفسه وجد الأمر كذلك في كثير من الصور. نعم؛ في بعضها ليس كذلك، و [ما النزاع فيه] (4) ، إنما النزاع: هل يمكن أن يحصل العلم (5) في صورة أم لا؟ فأنتم تنفونه على الإطلاق، ونحن نثبته في (6) صورة.   (1) ساقطة من ن. (2) في ن: ((هذه الاحتمالات)) وهو مما انفردت به خلافاً لسائر النسخ. (3) في س: ((اتصف)) وهو تصحيف. (4) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (5) ساقطة من ن. (6) في س: ((على)) وهو غير مستقيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 الفصل الرابع في الدالِّ على كذب الخبر (1) وهو خمسة: منافاته لما علم بالضرورة، أو النظر، أو الدليل القاطع، أو فيما (2) شأنه أن يكون متواتراً [ولم يتواتر] (3) : كسقوط المؤذن (4) يوم الجمعة ولم يخبر به إلا واحد، وكقواعد (5) الشرع (6) ، أو لهما (7) جميعاً كالمعجزات، أو طُلِب في (8) صدور الرواة أو كتبهم بعد استقراء (9) الأحاديث فلم يوجد. الشرح قول القائل: "الواحد ليس نصف الاثنين" مخالف لما علم بالضرورة (10) (11)   (1) المسألة في: المستصفى 1/ 267، المحصول للرازي 4/291، البحر المحيط للزركشي 6/123، شرح الكوكب المنير 2/318. (2) ساقطة من ن. (3) ساقطة من س. (4) لو قال المصنف ((الخطيب)) لكان أوجه، إذ المؤذن قد يسقط دون أن يعلم به أحدٌ خلافاً للخطيب. ولعله سَبْقُ قَلمِ المصنفِ أو الناسخِ بقرينة قوله بعد ذلك: يوم الجمعة. (5) في ن: ((وقواعد)) ، وفي متن هـ: ((أو لقواعد)) . (6) ساقطة من ن، وفي ق: ((الشرائع)) . (7) في س: ((هما)) . وضمير التثنية المذكور هنا يعود على: الغرابة كسقوط المؤذن، والشرف كقواعد الشرع، ويدل على ذلك سياق الكلام، وإن لم يتقدم لهما ذكر، نظير هذا في قوله تعالى: {كل من عليها فان} [الرحمن: 26] أي الأرض. وتقدير كلام المصنف: أو فيما شأنه أن يتواتر لغرابته كسقوط المؤذن، أو لشرفه كقواعد الشرع، أولهما جميعاً كالمعجزات، يعضد هذا التقدير ذكر المصنف لهما في الشرح. وانظر: رفع النقاب القسم 2/609. (8) في ن: ((من الفرع)) وهي لا معنى لها هنا ألبتة. (9) هكذا في أغلب نسخ الشرح والمتن حاشا ن، ق، ومتن د، ومتن الأزهرية أ، فإن فيها "استقرار" وهي تعطي معنىً مُتَّجِهًا بضميمة الاستقراء، فإن الأخبار النبوية استقرَّت في الدواوين فإذا فُتِّش فيها ولم يوجد، ولا في صدور الرواة دل على كذبه. وشرح المصنف قابلٌ لكلا اللفظين. (10) ساقطة من ن. (11) هذا الدال الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 ومثال الثاني (1) : الواحد ليس سُدُسَ عُشْرِ (2) الستين، ومثال الدليل القاطع (3) : أن (4) الشمس ليست طالعة ونحن نشاهدها طالعة (5) . وقواعد الشرائع (6) نحو: وجوب الصلاة والزكاة أو تحريم الخمر ونحو ذلك مما هو من قواعد الدين، فإن شأن هذا أن يتواتر لتوفر الدواعي على نقله، فسقوط المؤذن شأنه أن يتواتر لغرابته، وقواعد الدين شأنها أن تتواتر (7) لشرفها، والمعجزات جمعت بين: الغرابةِ لكونها من خوارق العادات والشرفِ لأنها أصل النبوات، فإذا لم يتواتر شيء من ذلك ولم ينقله إلا واحد دل على كذب الخبر (8) إن كان قد حضره جمع عظيم (9) ولم يَقُمْ غيرُه مقامه في حصول المقصود منه (10) ، فالقيد الأول احتراز (11) من انشقاق (12) القمر، فإنه كان ليلاً ولم يحضره عدد   (1) هذا الدال الثاني. (2) في ن: ((عُشْر سدس)) وهو قَلْبٌ حَميْد، لأنه غير مُخِلٍّ بالمعنى. (3) هذا الدال الثالث. (4) ساقطة من ق. (5) فهذا الخبر كذب لمنافاته الدليل القاطع وهو الحس والمشاهدة. انظر: رفع النقاب القسم (2/606) . لكن الذي عناه الغزالي في المستصفى (1/267) وقريب منه الرازي في المحصول (4/291) بمنافاة الدليل القاطع أي: النص القاطع من كتاب أو سنة متواترة أو إجماع. وهو الأَسَدُّ، فتمثيل المصنف بطلوع الشمس يندرج تحت ما علم منافاته بالضرورة ولو حساً وهو الدال الأول، يعضد هذا أن ابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص (67) اختصر ما يدل على كذب الخبر بقوله "وأما ما يعلم كذبه فما كان مخالفاً لما عُلم صدقه" وقد عَلِمْتَ أن مما يُعلم صدقُه خبرَ الله تعالى وخبرَ رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، فأين ضدّه عند المصنف؟! والله أعلم. (6) هذا الدال الرابع، وهو ما شأنه أن يتواتر ولم يتواتر، وهو على ثلاثة أقسام؛ الأول: أن يكون الخبر فيه غرابة كسقوط الخطيب من المنبر يوم جمعة. الثاني: أن يكون شريفاً يتعلق بقواعد الشرائع والدين كوجوب الصلاة أو النص على إمامة علي رضي الله عنه. الثالث: أن يجمع الخبر بين الغرابة والشرف كالمعجزات. (7) في ن: ((يتواتر)) وهو تصحيف.. (8) في ن: ((المُخبِر)) وهو جائز، لأن علاقة المُخْبِر بالخبر كعلاقة اللازم بالملزوم، والدال بالمدلول. (9) في ن: ((كثير)) . (10) معنى ما سبق: أن الدال على المخبر يكون كاذباً إذا لم يتواتر الخبر وهو مما تتوفر الدواعي على نقله لغرابته أو لشرفه أو لهما معاً بعيدين: القيد الأول: أن يحضره جمع عظيم، القيد الثاني: ألا يقوم غير هذا الخبر مقامه في حصول المقصود منه. وسيأتي تمثيل المصنف له. (11) في ن: ((احترازاً)) وقد سبق الكلام عنه. (12) في ق: ((اشتقاق)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 التواتر (1) ، والقيد الثاني احتراز (2) عن بقية معجزات الرسول عليه الصلاة والسلام: كنبع الماء من بين أصابعه (3) ، وإشباع العدد العظيم من الطعام القليل (4) ، فإنه حضره الجمع العظيم، غير أن الأمة اكتفت بنقل القرآن وإعجازه عن غيره من المعجزات، فنُقلتْ آحاداً (5) مع أن شأنها أن تكون متواترة. وأما الأحاديث (6) فلها حالتان: أول الإسلام قبل أن تُدوَّن وتُضْبط، فهذه الحالة إذا طُلب حديث ولم يوجد ثُمَّ وجد لا يدل على كذبه، فإن (7) السنة كانت متفرِّقة في الأرض في صدور الحفظة.   (1) انشقاق القمر معجزة حسية من معجزاته صلى الله عليه وسلم، جاء في ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشقّ القمر} [القمر:1] ، كما جاء خبرها في كتب الصحاح والسنن ودلائل النبوة، انظر مثلاً: البخاري (3636) وصحيح مسلم (2800) ودلائل النبوة لأبي نعيم الأصفهاني ص 1 / 279، ودلائل النبوة للبيهقي 2/262. قال القاضي عياض: "أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه" الشفا لتعريف حقوق المصطفى (1/543) . والحديث جاء في نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص (222) . وبهذا يعلم أن التمثيل بانشقاق القمر في هذا الموضع محل نظر. ولهذا قال ابن حجر "أما انشقاق القمر فنُوزِع في التمثيل به" موافقة الخُبر الخَبر (1/201) . وأشار ابن السبكي (2 / 322) بأن الانشقاق متواتر منصوص عليه في القرآن، ومروي في الصحيحين وغيرهما من طرق، وقال: ((وله طرق أُخَر شتى بحيث لا يمتري في تواتره محدِّث)) . (2) في ن: ((احترازاً)) قد سبق الكلام عنه. (3) نبع الماء من بين أصابعه الشريفة جاء في أحاديث كثيرة منها: البخاري (3571) ، مسلم (2279) ، دلائل النبوة لأبي نعيم 2 / 405، دلائل النبوة للبيهقي 4 / 115، نظم المتناثر ص224. (4) تكثير الطعام القليل ببركته صلى الله عليه وسلم وإشباع العدد العظيم أيضاً جاء فيه أحاديث كثيرة منها: البخاري (3578، 4101) ، مسلم (2039، 2280) ، دلائل النبوة لأبي نعيم 2 / 415، دلائل النبوة للبيهقي 3 / 422، نظم المتناثر ص224. تنبيه: هذان المثالان أيضاً مما نوزع فيه المصنف، لأنهما متواتران. قال النووي في شرح صحيح مسلم (15/31) "هذه الأحاديث في نبع الماء من بين أصابعه، وتكثيره وتكثير الطعام، هذه كلها معجزات ظاهرات وجدت من رسول الله في مواطن مختلفة وعلى أحوال متغايرة، وبلغ مجموعها التواتر". وقال القاضي عياض في الشِّفا (1/496) "وكذلك قصة نبع الماء وتكثير الطعام رواها الثقات والعدد الكثير عن الجمَّاء الغفير عن العدد الكثير من الصحابة ... " وقال أيضاً في (1/498) ((وما عندي أوجبَ قولَ القائل: إن هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد، إلا قلةُ مطالعته للأخبار وروايتها، وشغلُه بغير ذلك من المعارف، وإلا من اعتنى بطرق النقل، وطالع الأحاديث والسير، لم يَرْتَبْ في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه ... ". (5) في ن، س: ((آحاد)) وهو خطأ نحوي، لأنها حالٌ. (6) هذا الدال الخامس على كذب الخبر. (7) في ن: ((لأن)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 والحالة الثانية: بعد الضبط التام وتحصيلها، إذا طُلب حديثٌ فلم يوجد في شيء من دواوين الحديث ولا عند رواته (1) دل ذلك على عدم صحته، غير أنه يشترط استيعاب الاستقراء (2) بحيث لا يبقى ديوان ولا راوٍ إلا (3) كُشِف (4) أمره في جميع [أقطار الأرض] (5) ، وهو عَسِرٌ أو متعذِّر (6) . وأما الكشف في البعض فلا يحصل القطع بكذبه لاحتمال أن يكون في البعض الآخر. وقد ذكر أبو حازم (7) في مجلس هارون الرشيد حديثاً وحضره ابن شهاب الزهري (8) فقال ابن شهاب: لا أعرف هذا الحديث [فقال له (9) أبو حازم] (10) أكلّ سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَرَفْتَه (11) ؟ فقال: لا، فقال   (1) في س: ((رواية)) وهو تحريف. (2) في س: ((الإقراء)) وهو تحريف. (3) في س: ((وإلا)) وهو تحريف. (4) في ق: ((وكشف)) بزيادة واو الحال، وفي ن: ((وقد كشف)) بزيادة الواو وقد، وكلُّه له وجه في اللغة، بيد أن المثبت أقعد إذ قاعدة الجملة الفعلية الحالية إذا سُبق فعلها الماضي بـ "إلا" وقد تضمنت الجملة ضميراً يرجع إلى صاحب الحال فالأرجح حذف الواو و"قد" معاً انظر: شرح كافية ابن الحاجب للرضي 2 / 83 حاشية الصبان على شرح الأشموني 2/285. (5) في ق: ((الأقطار)) . (6) هذا توهين من المصنف للدال الخامس لتعذر الإحاطة، وهو حق. والله أعلم. (7) في س "أبوحاتم" وهو تحريف. وأبوحازم هو سلمة بن دينار المدني الشهير بأبي حازم الأعرج، الإمام الزاهد الواعظ، وحديثه في الكتب الستة، وهو ثقة، روى عن الصحابي سَهْل بن سعد الساعدي وعن كبار التابعين، وأخذ عنه خلق كثير. له موقف مهيب مع الخليفة سليمان بن عبد الملك. ت 135 هـ وقيل: 140 هـ. انظر: حلية الأولياء 3 / 229، سير أعلام النبلاء 6/96، تهذيب التهذيب 2/373. (8) هو أبوبكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، نسبةً إلى قبيلة زهرة بن كلاب. من مشاهير التابعين، أخذ عن عدد من الصحابة وعن فقهاء المدينة السبعة. وعنه أخذ مالك بن أنس وعمرو بن دينار وعطاء وخلق كثير. كان آية في الحفظ والضبط. ت125هـ..انظر: سير أعلام النبلاء 5/326 تذكرة الحفاظ للذهبي 1 / 108، تهذيب التهذيب 5/284. (9) ساقطة من ن. (10) ما بين المعقوفين ساقط من س. (11) في س، ن: ((عرفتها)) وهو جائر؛ لأن مرجع الضمير هو ((كلّ)) ، وقد اكتسب التأنيث بسبب إضافتها إلى المؤنث. وأما المثبت ((عرفته)) فالضمير فيه مراعاةً للفظ ((كل)) المذكَّر. قال ابن مالك: ورُبَّما اكْسَبْ ثانٍ أوَّلا تأنيثاً إنْ كان لحذفٍ مُوْهِلا انظر: شرح ابن عقيل 1 / 343. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 له (1) : أثُلُثَيْها؟ فقال: لا، فقال له (2) : أنصفها؟ فسكت، فقال له (3) : اجعل هذا من (4) النصف الذي لم (5) تعرفه (6) ، [وهذا هو] (7) ابن شهاب الزهري [شيخ مالك] (8) ، فما ظنك بغيره؟!   (1) ساقطة من ن، س. (2) ساقطة من ن، س (3) ساقطة من ن (4) في س: ((في)) . (5) في س: ((لا)) . (6) نقل حلولو في التوضيح شرح التنقيح ص (305) عن العراقي اعتراضه على القرافي في إيراد هذه القصة، قال: إنهما ماتا قبل مجيء الدولة العباسية، وإنما كان اجتماعهما في مجلس سليمان بن عبد الملك". وهو حقٌّ لما علم من تاريخ وفياتهم. (7) في ق: ((هذا وهو)) وهو مما انفردت به دون سائر النسخ. (8) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الفصل الخامس في خبر الواحد (1) وهو خبر العَدْلِ (2) الواحدِ (3) أو العدولِ المفيد للظن (4) وهو عند مالك رحمة الله عليه، وعند (5) أصحابه حجة (6) . واتفقوا على جواز العمل به (7) في الدنيويات والفتوى (8) والشهادات، والخلاف إنما هو في كونه حجة في حق المجتهدين* (9) ، فالأكثرون على أنه حجة لمبادرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى العمل به. الشرح كون خبر الجماعة إذا أفاد الظن يُسمَّى: خبر واحد، هو اصطلاح (10) لا لغة (11) .   (1) ويُسمى: خبر الآحاد، وهو لغة: جمع أحد بمعنى واحد، وهمزته مُبْدلة من واو، فأصلها: وحد. انظر: لسان العرب مادة "أحد" و"وحد" واصطلاحاً: عرفوه بتعريفات متقاربة فمنها: هو خبر الواحد أو الجماعة الذين لا يبلغون حد التواتر.. وقيل: هو ما رواه الواحد أو الاثنان فصاعداً ما لم يبلغ حد الشهرة أو التواتر. وقيل: هو ما لم يَجْمع شروط المتواتر. انظر: تقريب الوصول ص289، التوضيح لحلولو 305، شرح الكوكب المنير 2/345. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص16، شرح شرح النخبة للقاري ص209. (2) العَدلْ: بمعنى العادل أو ذي عَدْل أو على طريقة المبالغة لأن المصدر وُضع موضع الصِّفة، وهو من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. انظر: شرح شرح النخبة للقاري ص247. (3) ساقطة من متن هـ. (4) عرَّف المصنف خبر الآحاد المقبولَ، لأنه سيُرتِّب عليه الحُجيّة والعمل، وإلا فهو اصطلاحاً أعمُّ من كونه مقبولاً. (5) ساقطة من س، ق. (6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص67، إحكام الفصول ص324. (7) عبرّ المصنف في المتن بقوله: "جواز العمل به ... " تبعاً للحصول (4/354) ، ومن الأصوليين من يعبِّر بوجوب العمل به، وآخرون يقولون بالتفصيل، أي: بالجواز في الدنيويات والوجوب في الفتوى والشهادات، وهو ما مشى عليه المصنف في آخر شرحه هذه العبارة، والقول بالتفصيل أولى. (8) في ن: ((الفتاوى)) وهو مما استقلّت به، وهو صحيح أيضاً. (9) في ق: ((المجتهد)) خلافاً لجميع النسخ. (10) في ق: ((إصلاح)) وهو تحريف. (11) لأن خبر الواحد لغة: خبر إنسانٍ واحدٍ، بينما في الاصطلاح يشمل خبر الواحد والاثنين والثلاثة ما لم يصل حدَّ التواتر، فكلُّه يُسمَّى: خبر واحد أو آحاد. انظر: التلخيص 2/325. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وقد تقدَّم أول الباب أن الأخبار ثلاثة أقسام: تواتر، وآحاد، ولا تواتر ولا آحاد وهو: خبر الواحد المنفرد إذا احتفت به القرائن حتى أفاد العلم: وجمهور أهل العلم على أن خبر الواحد حجة عند (1) مالكٍ والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم (2) . قال القاضي عبد الوهاب في "الملخص" (3) : "اختلف الناس في جواز التعبد بخبر الواحد، فقال به الفقهاء والأصوليون، وخالف بعض المتكلمين (4) . "، والقائلون بجواز التعبد (5) به (6) اختلفوا في وقوع التعبد به (7) ، فمنهم من قال: لا يجوز (8) التعبد به (9) ، لأنه لم يرد التعبد به بل ورد السمع بالمنع منه، ومنهم من يقول (10) : يجوز العمل به إذا عضده غيره ووجد أمر (11) يقويه. ومنهم من يقول: لا يقبل إلا خبر   (1) سقطت من جميع النسخ ما خلا نسخة ز. (2) طال بحث الأصوليين كثيراً في حجية خبر الواحد والعمل به، ومذهب أهل السنة والجماعة والأئمة ـ كما ذكر المصنف ـ أنه حجة يجب العمل به لدلالة الكتاب والسنة والإجماع والقياس عليه. وذهب بعض المتكلمين إلى أنه ليس بحجة، فمنهم من يردُّ حجيته عقلاً، ومنهم سمعاً، ومنهم من يمنع حجيته عقلاً وسمعاً، ومنهم من لا يحتج به إلا إذا عضده دليل آخر ... الخ. انظر تفصيلات الأدلة والمناقشات في: الرسالة للشافعي ص401، المعتمد 2/98، العدة لأبي يعلى 3/859، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/279، الكفاية في علم الرواية له أيضاً ص 18، إحكام الفصول ص330، التلخيص 2/325، قواطع الأدلة 2/264، المحصول للرازي 4/353، الإحكام للآمدي 2/45، كشف الأسرار للبخاري 2/682، التوضيح لحلولو ص306، خبر الواحد وحجيته د. أحمد محمد عبد الوهاب، خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته لأبي عبد الرحمن القاضي برهون، الأدلة والشواهد على وجوب الأخذ بخبر الواحد د. سليم الهلالي. (3) انظر رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/617. (4) وهم: جماهير القدرية، والرافضة، والقاساني وغيرهم. انظر: إحكام الفصول ص330، الإبهاج 2/300، التقرير والتحبير 2/361، أصول الفقه لمحمد رضا المظفر (رافضي) (2 / 61) إلا أنه نقل خلافاً في مذهبهم وقال بأن التحقيق أنهم يقولون بحجيته، وانظر: الفصول اللؤلؤية في أصول فقه العترة النبوية ص257. (5) أي: عقلاً. (6) ساقطة من س. (7) أي: شرعاً. (8) هنا زيادة: ((وقوع)) في س. (9) ساقطة من ن. (10) في ن: ((قال)) . (11) في ن: ((أمراً)) ووجهه إذا كان الفعل ((وجد)) مبنياً للمعلوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 اثنين فصاعداً إذا كانا عدلين ضابطين (1) ، قاله الجُبائي (2) . وحكى المازري وغيره (3) "أنه (4) قال (5) : لا يُقْبل في الأخبار التي تتعلق بالزنا إلا أربعة قياساً للرواية على الشهادة. " (6) حجة المنع من جواز التعبد به (7) : أن التكاليف تعتمد تحصيلَ (8) المصالح* ودفعَ المفاسد وذلك يقتضي أن تكون (9) المصلحة أو المفسدة معلومة، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، وهو يجوز خطؤه فيقع المكلف في الجهل والفساد، وهو غير جائز. وهذه الحجة باطلة إما لأنها مبنية على قاعدة الحُسْن والقبح ونحن نمنعها (10) ، أو لأن الظن إصابته (11) غالبة وخطؤه نادر، ومقتضى القواعد أن (12) لا [تُتْرك المصالح] (13) الغالبة للمفسدة النادرة (14) ، فلذلك أقام صاحب الشرع الظن مقام العلم* لغلبة صوابه وندرة خطئه (15) .   (1) الضابط: هو من يُثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء. انظر: شرح شرح النخبة للقاري ص248. (2) انظر: المعتمد 2/138، التبصرة ص312، البرهان 1/392، وسيأتي مزيدُ بيانٍ لمذهبه وحجته ومناقشته في الفصل السابع من هذا الباب. (3) انظر: رفع الحاجب لابن السبكي 2 / 406، وانظر: المعتمد 2/138. (4) أي الجبائي. (5) ساقطة من ن. (6) في رفع النقاب للشوشاوي القسم (2/615) تحرير بديع لهذه التقسيمات فطالِعْه ثمة. (7) أي عقلاً. (8) في ن: ((حصول)) . (9) في س: ((يكون)) . (10) سبق الكلام عنها وأن مذهب أهل السنة والجماعة الوسطية وهو عدم قبول قاعدة الحسن والقبح مطلقاً وعدم منعها مطلقاً. (11) في س: ((إصابة)) وهو تحريف. (12) ساقطة من ن. (13) في ق: ((نترك المصلحة)) . (14) راجع في ذلك كتاباً فريداً في بابه وهو: قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام ص145، وانظر: ترتيب الفروق للبقُّوري 1/43. (15) يدل عليه قوله تعالى: {وما شهدنا إلا بما علمنا} [يوسف: 81] ، وقوله: {فإن علمتموهن مؤمنات ... } [الممتحنة: 10] ، وقوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} [النور: 33] وكل ذلك بمعنى الظن وأقامه مقام العلم لغلبته. انظر: القطع والظن عند الأصوليين د. سعد الشثري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 حجة المنع من الوقوع (1) : قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (2) وخبر الواحد لا يوجب علماً فلا يُتَّبع (3) . وقوله تعالى: {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً} (4) وقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن} (5) في سياق الذم وذلك يقتضي (6) تحريم اتباع الظن وهذه النصوص كثيرة (7) . وجوابها: أن ذلك مخصوص بقواعد الديانات وأصول العبادات القطعيات (8) ، ويدل على ذلك قوله عليه السلام " نحن نقضي بالظاهر والله يتولَّى السرائر" (9) ، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} (10) فجعل [الله تعالى] (11) الموجب للتبين (12) كونه فاسقاً، فعند عدم الفسق يجب العمل وهو المطلوب، وقوله تعالى (13) : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (14) [أوجب تعالى الحذر] (15) بقول الطائفة الخارجة من الفرقة [مع أن] (16) الفرقة تصدق   (1) أي شرعاً. (2) الإسراء، من الآية: 36. (3) في ن: ((يقع)) . (4) يونس، من الآية: 36. والآية لم ترد في نسخة ن. (5) الأنعام، من الآية: 116. (6) ساقطة من س. (7) يمكن أن يجاب عن الاستدلال بالآيات التي نَعَتْ على الظن بأن المراد به الظن المذموم المبني على التخمين والحَدْس ولا دليل عليه، لأن الظن في هذه الآيات مطلق، فيُحمل على الظن الكاذب جمعاً بين الأدلة. انظر: العدة لأبي يعلى 3/872، التمهيد لأبي الخطاب 3/402، نفائس الأصول 7/2943. (8) انظر: نفائس الأصول 7/2942. (9) مرَّ تخريجه. (10) الجحرات، من الآية: 6. (11) ساقط من ق. (12) في ق: ((للتثبت)) وهي صحيحة أيضاً، وفي س: ((للتثبيت)) وهو تحريف. (13) في س: ((ولقوله)) ، وفي ق: ((وكقوله)) . (14) التوبة، الآية: 122. (15) ما بين المعقوفين ساقط من س. (16) في ق: ((و)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 على الثلاثة (1) ، فالخارج منها يكون أقل منها، فإذا وجب الحذر عند قولهم كان قولهم حجة وهو المطلوب، وقياساً على الفتوى والشهادة. ومعنى قولي "اتفقوا على أنه حجة في الدنيويات. " أنه يجوز الاعتماد على قول العدل في الأسفار وارتكاب الأخطار إذا أخْبر أنها مأمونة، وكذلك سقي الأدوية، ومعالجة المرضى وغير ذلك من أمور الدنيا. ويجوز بل يجب الاعتماد على قول المفتي وإن كان قوله لا يفيد عند المستفتي إلا الظن، ولذلك (2) أجمعت (3) الأمة على أن الحاكم يجب عليه أن يحكم بقول (4) الشاهدين، وإن (5) لم يحصل عنده إلا الظن، وإنما الخلاف إذا اجتهد العلماء في الأحكام المتعلقة بالفتاوى هل يجوز للمجتهد الاعتماد على ذلك؟ شروط قبول خبر الآحاد المتعلِّقة بالراوي ويشترط في المخبر (6) العقلُ والتكليفُ (7) ، وإن كان تحمُّل الصبي صحيحاً، والإسلامُ، والضبْطُ (8) واخْتُلف في المبتدعة إذا   (1) قال أبو هلال العسكري "والطائفة في الشريعة قد تكون اسماً واحداً. قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9] . ولا خلاف في أن اثنين إذا اقتتلا كان حكمهما هذا الحكم ـ ثم قال ـ ويجوز قبول الواحد بدلالة قوله تعالى: {فلوا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: 122] أي ليحذروا، فأوجب في خبر الطائفة، وقد تكون الطائفة واحداً " كتاب الفروق ص305، وانظر أيضاً: عمدة الحفاظ 2/425 مادة "طوف". (2) في ق: ((وكذلك)) . (3) في ن: ((اجتمعت)) . (4) في ن: ((بحكم)) . (5) ساقطة من س (6) هذه شروط قبول خبر الآحاد المتعلقة بالراوي وهو المُخبْر. (7) كان على المصنف أن يختار أحد الأمرين؛ إما أن يجعل من شروط المُخْبِر: العقل والبلوغ. أو يقول: التكليف، لأنه يتضمَّنهما. (8) ساقطة من جميع نسخ المتن والشرح ما عدا نسخة متن هـ. وإثباتها واجب متحتّم، لأن هذا الشرط من أهم الشروط في المُخْبِر فلو كان عاقلاً بالغاً مسلماً عَدْلاً غير ضابط لم تقبل روايته باتفاق. قال ابن الصلاح "أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتجُّ بروايته أن يكون عَدْلاً ضابطاً لما يرويه" علوم الحديث ص 104، انظر هذا الشرط وبقية الشروط في: العدة لأبي يعلى 3/924، 948، قواطع الأدلة 2/305، التمهيد لأبي الخطاب 3/105، الإحكام للآمدي 2/71، المغني للخبازي ص199، كشف الأسرار للبخاري 2/727 التوضيح لحلولو ص 309، رفع النقاب القسم 2/629، الكفاية في علم الرواية ص54، تدريب الراوي للسيوطي 1/352، ظفر الأماني للكنوي ص486. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 كفرناهم (1) ، فعند القاضي أبي بكر (2) مِنَّا والقاضي عبد الجبار (3) لا تقبل روايتهم، وفصَّل الإمام فخر الدين (4) وأبوالحسين (5) بين من يبيح الكذب وغيره. والعدالةُ (6) ، والصحابة رضوان الله عليهم عُدُول إلا عند قيام المعارض. الشرح حكم رواية الصبي أما العقل فلأنه أصل الضبط (7) ، والتكليف هو الوازع عن الكذب، فمَنْ لا تكليف عليه هو آمن من عذاب الله تعالى في كذبه فيُقْدِم عليه، ولا يحصل الوثوق به، وتحمُّل (8) الصبي جائز؛ لأنه إنما يقبل أداؤه (9) وروايته بعد بلوغه وحصول التكليف (10) الوازع (11) في حقه (12) . وكذلك تحمَّل الفاسق والكافر، ويؤدون إذا زالت هذه النقائص (13)   (1) لو قال المصنف: "واختلف في المبتدعة" مطلقاً دون قوله: "إذا كفرناهم" لكان أحسن، لأن هذا القيد يشعر بأن الخلاف مخصوص بالقول بتكفيرهم، وليس الأمر كذلك، بل وقع الخلاف أيضاً في المبتدعة ببِدَعٍ مفسِّقة كما سيأتي في الشرح. (2) انظر: المحصول للرازي 4/396، الإبهاج 2/314، البحر المحيط للزركشي 6 / 143، شرح الكوكب المنير 2/405. (3) انظر: المعتمد 2/135، الإبهاج 2/314. (4) انظر: المحصول 4/396. (5) انظر المعتمد 2/135. (6) ساقطة من ق، متن هـ.. (7) فلا تقبل رواية المجنون ولا الصبي غير المميز لعدم العقل بالإجماع. انظر: نهاية السول 3/119، ظفر الأماني ص 486 (8) التحملَّ هو: تلقي الحديث وأخذه عن الشيوخ، ولا يشترط له الإسلام والبلوغ. انظر: شرح شرح النخبة للقاري ص792، تيسير مصطلح الحديث للطحان ص157. (9) الأداء هو: رواية الحديث وإعطاؤه للطلاب، ويشترط له الإسلام والبلوغ. انظر: المرجعين السابقين. (10) ساقطة من ق (11) في ن: ((والوازع)) . (12) انظر: إحكام الفصول ص365، إرشاد الفحول 1/214، الكفاية في علم الرواية ص25، الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياص ص 62، الباعث الحثيث لأحمد شاكر شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير 1/323. (13) في ن: ((الموانع)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 عنهم (1) ، فإنَّ من حَصَل له العلم بشيء (2) جاز له الإخبار عنه [ولا تضرُّه الحالة المقارنة لحصول العلم] (3) . ونقل في مذهب الشافعي (4) رضي الله عنه قول (5) بجواز رواية الصبي، وهو منكر من حيث النظر والقواعد بخلاف التّحمُّل (6) ، وما زال الصحابة رضوان الله عليهم يسمعون رواية العدول [فيما تحمَّلوه] (7) في حالة الكفر (8) والصبا (9) وذلك غير قادح، وكذلك الشهادة لا يقدح فيها أن وقت التحمُّل كان عدواً أو صبياً أو كافراً أو فاسقاً إذا سَلِمتْ حالة الأداء عن ذلك، فكذلك هاهنا. حكم رواية الكافر وأما الكافر الذي هو من غير أهل القبلة (10) فلا تقبل روايته في الدين، وإن كان أبو حنيفة رضي الله عنه قَبِل شهادة أهل الذمة (11) في الوصية وعلى بعضهم لقوله تعالى:   (1) انظر: البحر المحيط للزركشي 6/148، تيسير التحرير 3/41، الباعث الحثيث 1/323، اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر للمناوي 2/666. (2) في ق: ((لشيء)) وهو تحريف. (3) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (4) وهو رواية عن الإمام أحمد. انظر: المسودة ص 258، الإبهاج 2/312، التمهيد للإسنوي ص445، البحر المحيط للزركشي 6/140، شرح الكوكب المنير 2/380، المجموع شرح المهذب للنووي 3/108، توضيح الأفكار للصنعاني 2/89.. (5) في ن: ((قولاً)) وهو خطأ نحوي؛ لأنه نائب فاعل لـ ((نُقل)) . (6) وجه إنكاره ثلاثة أمور، الأول: لكونه غير مكلف فلا يحترز عن الكذب. الثاني: إذا لم تقبل رواية الفاسق مع وجود الوازع في حقه، فرواية الصبي أولى بالردّ لعدم الوازع أصلاً. الثالث: إقراره على نفسه لا يُقْبل، فأحرى أن لا يقبل قوله على الشريعة. انظر: المستصفى 1/291، المحصول للرازي 4/394، نهاية الوصول 6/2869 رفع النقاب القسم 2/630 (7) ساقط من س، وفي ق: ((فيما يحملوه)) . (8) وانظر مثاله في: البحر المحيط للزركشي 6/148، التقرير والتحبير 2 / 318، فتح الباري لابن حجر 2 / 315. (9) وانظر مثاله في: التقرير والتحبير 2 / 315، فتح الباري لابن حجر 7 / 102. (10) أهل القبلة: هم من يدَّعي الإسلام، ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء أو من أهل المعاصي، ما لم يكذّب بشيء مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/282) ، شرح العقيدة الصحاوية ص (426) . (11) أهل الذَّمَّة: هم الكفار المقيمون تحت ذِمَّة المسلمين بالجزية. الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي لابن المبرد الحنبلي 2/289. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 {أو آخران من غيركم (1) } ، فالجمهور يقولون من غير تلك القبيلة، وأبو حنيفة يقول من غير دينكم، والمسألة مُسْتَقْصَاة في الفقه والخلاف (2) . حكم رواية المبتدع وأما المبتدعة فقد قَبِل البخاري (3) وغيره روايتهم كعَمْرو بن عُبيد (4) وغيره من المعتزلة   (1) الآية 106 من المائدة، وأولها: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ... } . (2) أخطأ المصنف في حكاية خلاف أبي حنيفة مع الجمهور في مسألة شهادة الذمي على المسلم في الوصية في السفر، وأصاب في حكاية خلافه مع الجمهور في مسألة شهادة بعضهم على بعض. أما المسألة الأولى، فالخلاف فيها مع الإمام أحمد، فقد أجازها وقال به بعض الصحابة والتابعين. انظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (2/218) ، كشاف القناع للبهوتي (6 / 528) . ومما يدل على أنه ليس مذهباً للأحناف ما ذكره الجصاص في أحكام القرآن (2/617) بانتساخ حكم شهادة غير المسلم على المسلم الوارد في قوله تعالى: {أو آخران من غيركم} [المائدة: 106] بآية {واستشهدوا شهيدين من رجالكم..} [البقرة: 282] ..وأما المسألة الأخرى، فقال المرغيناني "وتقبل شهاد أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم" شرح فتح القدير لابن الهمام 7/390، وانظر الخلاف في المسألتين في: المبسوط للسرخسي 16/133، بدائع الصنائع للكاساني 9 / 58، الذخيرة للقرافي 10/224، وقد عزا القرافي في ذخيرته المسألة الأولى للإمام أحمد والثانية لأبي حنيفة، المغني لابن قدامة 14 / 170، 173، الحاوي للماوردي 17 / 105، إيثار الإنصاف في آثار الخلاف لسبط ابن الجوزي ص341، جامع البيان للطبري مجلده / جزء 7 / 140. (3) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجُعْفي مولاهم، نسبةً إلى قبيلة جُعْفي بن سعد، إمام الحفاظ، صاحب "الجامع الصحيح المسند ... " الذي تلقته الأمة بالقبول، وله: الأدب المفرد (ط) ، التاريخ الكبير (ط) وغيرهما توفي عام 256 هـ، له ترجمة حافلة في: هداية الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر، وانظر: وفيات الأعيان 4 / 188، تذكرة الحفاظ 2/555. أما قبول البخاري رواية بعض المبتدعة، فهذا واقع لا شك فيه، لكن يجمعهم الصدق والضبط والاتقان. وقد توسَّع الحافظ ابن حجر في الجواب عن كل راو تُكُلِّم فيه وهو من رجال البخاري. انظر: هدي الساري ص (543) ، البدعة وأثرها في الدراية والرواية للشيخ عائض القرني ص 180. (4) هو أبو عثمان عَمْرو بن عُبيد بن باب التميمي مولاهم، البصري. تلميذ الحسن البصري وصاحب واصل بن عطاء. قال ابن حجر فيه "المعتزلي المشهور، كان داعية إلى بدعته" تقريب التهذيب ص (740) ، عُرف بالزهد والعبادة، له مقالات شنيعة. روى عن الحسن وأبي العالية وأبي قلابة، وروي عنه الأعمش والحمَّادان وابن عيينة وغيرهم. قال أبو حاتم فيه: متروك الحديث. وقيل عنه: يكذب في الحديث، وقال النسائي عنه: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.. إلى آخر ما قيل فيه. ت عام 143هـ انظر: طبقات المعتزلة ص35، تهذيب الكمال للمزي 22/123، سير أعلام النبلاء 6/104. تنبيه: لم يَرْوِ البخاري أي حديث عن عمرو بن عبيد، ولم يذكره ابن حجر في هدي الساري ص (543) في سياق أسماء من طُعن فيه من رجال البخاري، ولا ذكره السيوطي في تدريب الراوي (1/388) في سرد أسماء من رُمِي ببدعةٍ ممن أخرج لهم البخاري ومسلم، ولا جاء ذكره في: رجال الصحيحين للباجي، فلعل المصنف أراد غير البخاري ممن روى لعمرو بن عبيد، ولم أجد أحداً قبل روايته وقد جرَّحوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وغيرهم (1) ، نظراً إلى أنهم من أهل القبلة من حيث الجملة، وردَّها غيرُهم لأنهم إما كفرة أو فسقة (2) ، وهو مذهب مالك (3) رحمه الله لقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} (4) وهؤلاء إما فسقة أو كفرة (5) . اشتراط العدالة في الراوي والعدالةُ شَرْطٌ: لقوله تعالى: {ذوى عدل منكم} (6) مع قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} (7) فهذا مطلق وذاك مقيد، والمطلق يحمل   (1) في ق: ((وغيره)) . (2) ضابط البدعة المكفرة هو: من أنكر أمراً مُجمعاً عليه متواتراً، ومنكر علم الله للأشياء حتى يخلقها، أو منكر علمه بالجزئيات، والقائلون بحلول الإلهية في علي رضي الله عنه أو غيره، ونسبة وقوع التحريف في القرآن، أو نسبة التهمة لعائشة رضي الله عنها، أو كبدع الجهمية، أو المنكرون لصفات الله تعالى، وأمثال ذلك مما كان التكفير به متَّفقاً عليه. وضابط البدعة المفسقة هو: ما لم يلزم منها تكذيبٌ بالكتاب ولا السنة، كبدع الخوارج والروافض غير الغلاة وبدع الطوائف المخالفين لأصول أهل السنة ولهم مستند في تأويلاتهم. انظر: شرح الكوكب المنير 2/402، هدي الساري لابن حجر ص544، فتح المغيث للسخاوي 2/ 58 ـ 70، معارج القبول للحكمي 3/1228. (3) انظر مذهبه في عدم قبول رواية المبتدع مطلقاً في: إحكام الفصول ص377، التمهيد لابن عبد البر 1/66، الكفاية في علم الرواية ص116، 120. (4) الحجرات من الآية: 6. (5) مسألة الرواية عن المبتدعة تعدَّدتْ مشارب العلماء في حكمها، فمِنْ متحفِّظٍ لا يرى النقل عنهم ألبتة، لأنهم موطن تهمة وزيغ، فتُمْنع الرواية عنهم مطلقاً سواء خفَّت بدعتهم أم غَلُظتْ، دَعَوا إلى بدعتهم أم لا. وفريق ثانٍ يرى ألاَّ مانع من الرواية عنهم ـ مهما كانت بدعتهم ما لم تكن مكفِّرة ـ ما داموا صادقين. وتوسط فريق ثالث، فلم يرَ فتح الباب لكل مبتدع مهما كانت حاله ولا إغلاقَه في وجه كل مبتدع ولو كان ثَبْتاً لا يدعو لبدعته. فعلى هذا قالوا: تقبل رواية المبتدع بدعةً مفسِّقةً لا مكفِّرةً إذا لم يكن داعية إليها..قال ابن الصلاح "وهذا المذهب أعدل المذاهب وأولاها، وهو قول الأكثر من العلماء" علوم الحديث ص (114) . لكن لو قيل بقبول رواية المبتدع بدعةً مفسِّقةً سواء كان داعيةً أم لا مادام صادقاً ثبتاً لما بَعُدْنا عن الحقيقة، إذ العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته. انظر المسألة في: نهاية الوصول (7/4874) ، التقرير والتحبير 2/319، شرح الكوكب المنير 2/402، رفع النقاب القسم 2/633، الكفاية في علم الرواية ص120، الباعث الحثيث 1/299، المُوْقِظة في مصطلح الحديث للذهبي ص66، شرح شرح النخبة ص521، البدعة وأثرها في الدراية والرواية للشيخ عائض القرني. (6) الطلاق، من الآية: 6، وأولها {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عَدْل منكم وأقيموا الشهادة لله ... } الآية. (7) البقرة، من الآية: 282. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 على المقيد. ولقوله تعالى في الآية الأخرى {ممن ترضون من الشهداء} (1) وإذا اشْتُرِطتْ العدالة في الشهادة المتعلقة بأمر جزئي لا يتعداه الحكم المشهود به فأولى الرواية، لأنها (2) تُثْبتُ حكماً عاماً على الخلق إلى يوم القيامة، ولأن الدليل ينفي العمل بالظن خالفناه في حق العدل (3) ، فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل. ولقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (4) دل على عدم قبول قول الفاسق فلابد من العلم بعدم الفسق حتى يتغيَّر حكم التوقف (5) وذلك هو ثبوت العدالة، وهو المطلوب. تعريف الصحابي وعدالته ومعنى قول العلماء: "الصحابة رضوان الله عليهم عدول (6) " أي: الذين كانوا ملازمين له والمهتدين بهديه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو أحد التفاسير للصحابة (7) . وقيل: الصحابة من رآه ولو مرةً، وقيل: من كان في زمانه (8) ، وهذان القسمان   (1) البقرة، من الآية: 282. (2) في ن: ((التي)) وهي سائغة، وفي س: ((لا)) وهي خطأ إلا أن يكون قد سقط مها جزء الكلمة ((نها)) . (3) في ق: ((العدول)) . (4) الحجرات، من الآية: 6. (5) الإضافة هنا بيانية، والمعنى حتى يتغير الحكم الذي هو التوقف. والتوقف يكون عند عدم العلم بالعدالة. (6) اختلف في عدالة الصحابة على مذاهب شتى، منها: 1- ... الصحابة كلهم عدول مطلقاً، وهو مذهب أهل السنة ومن وافقهم، وهو الحق الذي تؤيده أدلة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. 2- ... سلب العدالة عن الصحابة إلا قلة منهم، وهو مذهب الرافضة عليهم من الله ما يستحقون. 3- ... كلهم عدول إلا من قاتل علياً رضي الله عنه أو لابس الفتنة، وهو للمعتزلة. 4- ... إنما تثبت العدالة لمن لازم النبي صلى الله عليه وسلم دون من رآه أو زاره أو وفد عليه مدة يسيره. 5- ... الصحابة كغيرهم من المسلمين، فيهم العدل وغيره. وهذه الأقوال ما خلا الأول جرأة على الصحابة رضي الله عنهم. انظر: إحكام الفصول ص374، المستصفى 1/307، الموافقات للشاطبي 4/446، شرح الكوكب المنير 2/273، فواتح الرحموت 2/198، الباعث الحثيث 2/498، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/162، ظفر الأماني ص539، تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة للعلائي ص71. (7) ساقطة من ق. (8) الصحابي لغة: نسبة إلى الصحابة، والصحابة في الأصل مصدر ثم صارت جمعاً، مفرده: صاحِب، ولم يُجمع فاعِل على فَعَالهَ إلا هذا، وصَاحَبَه: عَاشَرَه. انظر: مختار الصحاح، القاموس المحيط كلاهما مادة "صحب". وأما اصطلاحاً: فالخلاف قائم بين المحدثين والأصوليين في تعريفه. قال ابن السمعاني: "وأما اسم الصحابي فهو من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالته صحبته مع النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته، وينبغي أن يطيل المكث معه على طريقة السمع له والأخذ عنه ـ ثم قال ـ وهذا الذي ذكرناه طريق الأصوليين. وأما عند أصحاب الحديث فيطلقون اسم الصحابي على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدوُّن من رآه رؤيةً من الصحابة، وهذا لشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعطوا الكل ممن يراه حكم الصحبة. قواطع الأدلة 2 / 486 - 489. وقال ابن حجر: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ـ ثم قال ـ هذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل، ومن تبعهما، ووراء ذلك أقوال شاذة، كقول من قال: لا يُعدُّ صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا، أو استشهد بين يديه ... " الإصابة في تمييز الصحابة 1 / 158 ـ 159. ثم إن ثمرة الخلاف تظهر في تعديل الصحابة، جاء في تيسير التحرير (3 / 67) " وينبني عليه ـ أي على الخلاف في حقيقة الصحابي ـ ثبوت عدالة غير الملازم وعدم ثبوتها، فلا يحتاج إلى التزكية كما هو قول المحدثين وبعض الأصوليين، أو يحتاج إلى التزكية كما هو قول جمهور الأصوليين " انظر المسألة في: العدة لأبي يعلى 3 / 987، الإحكام للآمدي 2 / 92، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/67، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/166، البحر المحيط للزركشي 6/190، رفع النقاب القسم 2/639، فواتح الرحموت 2/202، علوم الحديث لابن الصلاح ص292، شرح المواهب اللدنية للقسطلاني 7/24، اليواقيت الدرر للمناوي 2/503، ظفر الأماني للكنوي ص925، تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة للعلائي ص 33 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 لا تلزم فيهما العدالة مطلقاً، بل فيهم العَدْل وغيره، بخلاف الملازمين له عليه السلام، وفَاضَتْ عليهم (1) أنواره، وظهرتْ فيهم بركاته وآثاره، وهو المراد بقوله عليه السلام "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (2) . وقولي: "عند قيام المعارض": حَذَراً (3) من زنا مَاعِزٍ (4) والغَامِدِيَّة (5) وغير ذلك مما   (1) ساقطة من ن. (2) سبق تخريجه. (3) في ن: ((احترازاً)) . (4) هو ماعز بن مالك الأسلمي. قال ابن حبَّان: له صحبة، وهو الذي رُجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت ذكره في الصحيحين وغيرهما، ويقال: اسمه غريب، وماعزٌ لقب. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 5/521، أُسْد الغابة لابن الأثير 5 / 8. وحديث رجمه في البخاري (6814، 6824) ، مسلم (1692، 1695) . (5) في ن: ((العامرية)) وهو تحريف، ولم أجد لها ترجمة، ولكن ذكر النووي في شرح مسلم (11/167) أنَّ غامد بَطْنٌ من جُهَينة من الأزدِ. وحديث رجمها في مسلم (1695، 1696) . وجاء في: المستفاد من مُبهمات المتن والإسناد لأبي زرعة العراقي (2 / 1124) بأن اسمها: سُبيعة، وقيل: أمية بنت فرج، وقيل: أبية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 جرى في زمن عمر في قصة أبي بَكَرة (1) وما (2) فيها من القذف والجلد؛ القصة المشهورة (3) ، فمع (4) قيام أسباب الردِّ لا تثبت العدالة، غير أنها هي (5) الأصلُ فيهم من غيرِ عصمةٍ (6) ، وغيرُهم الأصلُ   (1) في س، ن: ((أبي بَكْرٍ)) وهو تحريف. وترجمته هو: نفيع بن الحارث بك كِلْدة الثقفي، يقال: ابن مسروح، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي جليل كبير القدر، من فضلاء الصحابة، سُمِّي بأبي بَكْرة لأنه تدلَّى من حِصْن الطائف ببَكْرة. سكن البصرة، وأنجب أولاداً لهم شهرة، توفي عام 51هـ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 6/369، البداية والنهاية 8/59. (2) في س، ن زيادة: ((وما جرى)) وهي غير مثبتة في جميع النسخ.. (3) فحوى القصة أن أبا بكرة ومعه ثلاثة شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا، وكان ولاَّه عمر على البصرة، وكانت بينهما منافرة. فكتب أبوبكرة لعمر بذلك، فعزله عمر وولَّى أبا موسى الأشعري بدله. ثم لما جاء الشهود والمغيرة إلى المدينة تلكَّأ أحدهم في الشهادة، فجلد عمر الثلاثة حدّ الفِرْية، ثم استتابهم فتابوا إلا أبا بكرة. وقال المغيرة: يا أمير المؤمنين اشْفِني من هذا العبد، وكان عبداً ثم أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهره عمر وقال له: اسكت، لو كملتْ الشهادة لرجمتُك بأحجارك. انظر القصة بوقائعها المثيرة في البداية والنهاية لابن كثير 7/83، 8/59، الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 159. قال ابن حجر في فتح الباري (5/321) "وأخرج القصة الطبراني في ترجمة شِبْل بن مَعْبد، والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح. ثم انظر توجيه الشيرازي بأن هذا المعارض لا يجوِّز ردَّ أخبارهم في: شرح اللمع (2/638) . اقتصر البخاري على إيراد موضع الشهادة من القصة أورده معلقاً في صحيحه في كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني. قال وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعاً بقذف المغيرة، ثم استتابهم وقال: من تاب قبلت شهادته. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7/384) ، والبيهقي في سننه الكبرى (8/235) ، (10/152) وجمع الألباني طرق هذا الحديث في إرواء الغليل (8/28) وصححه. وأورد الحاكم القصة كاملة في مستدركه (3/448) وسكت عنه الذهبي. أورد ابن حجر في فتح الباري (5/321) استشكالاً في إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها في عدم قبول شهادة غير التائب من القذف، ومع ذلك احتج البخاري بحديث أبي بكرة في عدة مواضع، فكان الجواب بالفرق بين الشهادة والرواية، وأن الشهادة يُطْلب فيها مزيد تثبُّتٍ خلافاً للرواية..قال ابن حزم في المحلى (9/431، 433) "ما سمعنا أن مسلماً فسَّق أبا بكرة ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين". (4) في ق: ((ومع)) . (5) ساقطة من ن. (6) قال الأبياري: ((وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلُّف بحثٍ عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلا من ثبت عليه ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك والحمد لله، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يثبت خلافه. ولا الْتِفَاتٌ إلى ما يذكره أهل السِّيَر، فإن أكثره ضعيف، وما صحَّ فله تأويل صحيح". التحقيق والبيان في شرح البرهان (رسالة جامعية) ص 839. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 فيه (1) عدُم العدالة (2) [حتى تثبت العدالة] (3) عملاً بالغالب في الفريقين. تعريف العدالة والعدالة (4) : اجتنابُ الكبائرِ وبعضِ الصغائر والاصرارِ عليها (5) والمباحاتِ القادحةِ في المروءة. الشرح الكبيرة والصغيرة يرجعان (6) إلى كِبَر (7) المفسدة   (1) في ن، ق: ((فيهم)) . وهو صحيح أيضًا باعتبار معنى الجمع في قوله: ((غيرهم)) . ووجه المثبت باعتبار لفظ الإفراد في ((غير)) . (2) ما حكم به المصنف هنا من أن الأصلَ في غير الصحابة عدمُ العدالة حتى تثبت العدالة هو قول الجمهور من المالكية والشافعية ورواية عن أحمد، ويقابل هذا القول رأي الأحناف وابن حبان وابن الوزير اليماني. انظر المسألة مبسوطة في كتاب: الإضافة دراسات حديثية د. محمد بازمول ص 40. (3) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (4) العدالة لغة: مصدر عَدُل من باب ظَرُف، تقول: عَدُل يعدُل عدالةً وعُدولةً. والعَدْل: ضدّ الجور، وما قام في النفوس أنه مستقيم. انظر: لسان العرب، القاموس المحيط، مختار الصحاح كلها مادة "عدل". واصطلاحاً: لها تعريفات متقاربة، منها ما ذكره المصنف، ومنها ما قاله ابن حجر: "والمراد بالعدل: من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شِرْكٍ أو فسقٍ أو بدعةٍ.." نزهة النظر المطبوع مع شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص (247 - 248) . وقال السبكي "العدالة: هيئة راسخة في النفس تحمل على الصدق في القول في الرضا والغضب، ويعرف ذلك باجتناب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، وملازمة المروءة، والاعتدال عند انبعاث الأغراض، حتى يملك نفسه عن اتباع هواه" الأشباه والنظائر له (1/451) . لكن الأمير الصنعاني له وجْهة نظرٍ أخرى، فهو يستدرك على تفسيرهم العدالة بالملكة بأنه ليس هذا معناها لغةً ولا أتى عن الشارع في ذلك حَرْف واحد، وتفسيرها بالملكة تشدُّدٌ لا يتم وجوده إلا في المعصومين وأفرادٍ خُلَّص المؤمنين، بل في الحديث: إن كل بني آدم خطَّاؤون، ولا يخفى أن حصول هذه الملكة لكل راوٍ من رواة الحديث معلوم أنه لا يكاد يقع. ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك يقيناً. فالتحقيق أن العَدْل من قارب وسدد وغلب خيره على شرِّه. انظر: ثمرات النظر في علم الأثر له ص (55 ـ 60) . وانظر: المستصفى 1 / 293، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/148، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/63، البحر المحيط للزركشي 6/149، تيسير التحرير 3/44، الكفاية في علم الرواية ص 78، ظفر الأماني ص 540. (5) في س: ((عليه)) وهو جائز. انظر: هامش (1) ص 31. (6) هكذا أثبتت في جميع النسخ ((يرجعان)) ، والصواب ((ترجعان)) . (7) هنا زيادة: ((المعصية)) في ن ولا معنى لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وصغرها (1) ، وقال بعض العلماء (2) : لا (3) يقال في معصية الله تعالى صغيرةٌ نظراً إلى من عُصِى (4) بها مع حصول الاتفاق على أن العدالة لا تذهب بجميع الذنوب، بل الخلاف في التسمية. قال بعض العلماء*: كل معصية فيها حَدٌّ فهي كبيرة، وكذلك [كلُّ ما] (5) ورد في الكتاب أو السنة لعنةُ فاعله أو التشديدُ في الوعيد عليه فهو (6) كبيرة ثم ما وقع من غير ذلك اعتبر بالنسبة إليه، فإن ساواه في المفسدة حُكِم بأنه كبيرة (7) ، ووردت السنة   (1) اختلف العلماء في انقسام الذنوب إلى: كبائر وصغائر، وطائفة من المعتزلة تجعلها كلها كبائر، ويحكمون بالتخليد في النار، والمرجئة تقول: الذنوب كلها صغائر مع الإيمان، فلا كبيرة مع الإيمان ولا حسنة مع الكفر. ومذهب أهل الحق ـ أهل السنة والجماعة ـ ومن وافقهم بأن الذنوب منها الكبائر ومنها الصغائر، ولا يليق إنكار الفرق بينهما وقد قال تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ... } [النساء: 31] وقال: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللَّمم} [النجم: 32] . انظر: الفروق للقرافي 4/65، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/158، مجموع الفتاوى لابن تيمية 11/657، البحر المحيط للزركشي 6/152، الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي 1/5، رفع النقاب القسم 2/641. (2) أورد الطبري في تفسيره مجلد 4/جزء 5/ 59 أثراً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كل شيء عُصي الله فيه فهو كبيرة". من العلماء من شكك في صحة هذا القول إلى ابن عباس لمخالفته ظاهر القرآن، بينما صححه ابن حجر وأوَّله. انظر: فتح الباري (10/502) . وقال النووي في شرح صحيح مسلم (2/72) "ولا شك في كون المخالفة قبيحةً جداً بالنسبة إلى جلال الله تعالى، ولكنْ بعضها أعظم من بعض ـ ثم قال ـ فسمَّى الشرع ما تكفِّره الصلاةُ ونحوها صغائرَ وما لا تكفِّره كبائرَ، ولا شك في حُسْن هذا، ولا يخرجها هذا عن كونها قبيحةً بالنسبة إلى جلال الله تعالى فإنها صغيرة بالنسبة إلى ما فوقها، لكونها أقلَّ قبحاً ولكونها متيسّرة التكفير والله أعلم". (3) ساقطة من ن.. (4) في س، ن: ((عصا)) وهو خطأ. والصواب بناؤه على المجهول؛ لأن النظر في صغر المعصية لا يكون إلى العاصي وإنما إلى الله الذي عُصي بها. (5) فه س: ((كلما)) وهو تحريف لأنه أداة شرط، يشترط في جوابها أن يكون فعلاً ماضياَ، ولا وجود له هنا. انظر: همع الهوامع للسيوطي 2/499. (6) في ق: ((فهي)) . وهو ممكن باعتبار جعل " ما " الموصولة بمعنى التي. انظر: حاشية الصبَّان على شرح الأشموني 1 / 219. (7) اختلف العلماء في الكبائر، هل تعرف بالحدِّ أم بالعدِّ؟ فالذين قالوا بالعدّ اختلفوا في حصرها، فأقلّ ما قيل سبع، وأكثره سبعون وقيل: سبعمائة. والذين قالوا بالحدّ اضطربوا في حدَّها، فابن حجر الهيتمي ذكر في حدّها في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/5) ما يربو على الثمانية. وأحسن ما يقال في تعريف الكبير هو: كل ما يوجب حَدَّاً في الدنيا أو وعيداً في الآخرة كالوعيد بالنار أو الغضب أو اللعنة أو عدم دخول الجنة أو لا يشمُّ ريحها أو قيل فيه: ((ليس مِنّا)) أو نحو ذلك. انظر: الإرشاد للجويني ص 328، مجموع الفتاوى لابن تيمية 11/650 ـ 658، الداء والدواء (الجواب الكافي) لابن القيم ص225، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص525، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص46، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/158، البحر المحيط للزركشي 6/153.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 بأن القُبْلَةَ أو النَّظْرة في الأجنبية صغيرة (1) ، فيُنْظر أيضاً ما ساواهما (2) فهو صغيرة. وأما الإصرار فيُخْرج الصغيرة عن [أن تكون] (3) صغيرة، ولذلك يقال: "لا صغيرة مع إصرار*، ولا كبيرة مع استغفار" (4) . والإصرار أن يكون العزم حاصلاً على معاودة مثل (5) تلك المعصية، أما من تقع (6) منه الصغيرة فيقلع عنها ويتوب ثم يواقعها من غير عَزْمٍ (7) سابقٍ على تكرار الفعل فليس بإصرار.   (1) جاء في القُبْلة حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن رجلاً أصاب من امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأُنزلتْ عليه {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهب السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114] . قال الرجل: ألي هذه؟ قال صلى الله عليه وسلم "لمن عمل بها من أمتي" رواه البخاري (4687) ومسلم (2763) . قال النووي في شرح صحيح مسلم (17/68) "وهي هنا من الصغائر لأنها كفرَّتها الصلاة ... ". وجاء في النظرة حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللَّمم مما قال أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه" رواه البخاري (6612) ومسلم (2657) . واللَّمم: صغائر الذنوب. وعدَّ ابن النحاس النظرة من جملة الصغائر في كتابه: تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين ص310. (2) في س: ((ما سواها)) . (3) في ق: ((كونها)) . (4) روي هذا القول حديثاً، ولكنَّه لا يصح مرفوعاً. انظر: المغني عن الأسفار في الأسفار للعراقي بذيل إحياء علوم الدين 4/28، المقاصد الحسنة للسخاوي ص (545) ، كشف الخفاء للعجلوني (2/364) . ضعيف الجامع الصغير للألباني رقم (6308) . وروى موقوفاً عن أنس قال: "لا صغيرة مع إصرار" قال العراقي وابن النحاس: "وإسناده جيد" المغني عن الأسفار (تخريج إحياء علوم الدين) (4/28) ، تنبيه الغافلين ص (631) . وروى الطبري في تفسيره (مجلد 4/ جزء 5/59) وابن أبي حاتم في تفسيره 3 / 934 من طريق قيس بن سعد عن سعيد بن جبير قال: إن رجلاً قال لابن عباس: كم الكبائر؟ أسبعٌ هي؟ قال: ((إلى سبعمائةٍ أقرب منها إلى سبعٍ، غير أنه لا كبيرة مع استغفارٍ ولا صغيرة مع إصرار)) والحديث إسناده صحيح، فقيس بن سعد من رجال مسلمٍ وهو ثقة مكي، وسعيد بن جبير تابعي ثقة ثبت فقيه. انظر: تقريب التهذيب لابن حجر ص 374، 804. (5) ساقطة من ن، ق. وهي مثبتة في باقي النسخ. (6) في س، ق: ((يقع)) . (7) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 فائدة (1) : ما ضابط الإصرار الذي يُصيِّر (2) الصغيرةَ (3) كبيرةً؟ قال بعض العلماء (4) : [حد ذلك] (5) أن يتكرر منه تكراراً (6) يُخِلُّ بالثقة (7) بصدقه كما تُخِلُّ (8) به ملابسة الكبيرة، فمتى وصل إلى هذه الغاية صارت الصغيرة كبيرة، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف (9) الأحوال، والنظر في ذلك لأهل الاعتبار والنظر الصحيح من الحُكَّام وعلماء الأحكام الناظرين في التجريح (10) والتعديل. والمباحات القادحة في المروءة (11) : نحو الأكل في الطرقات، والتعرِّي في الخلوات ونحو ذلك مما يدل على أنه غير مكترث باستهزاء الناس به. قال* الغزالي (12) : إلا أن يكون (13) ممن يعمل ذلك على سبيل كسر النفس وإلزامها التواضع كما يفعله كثير من العباد.   (1) انظر هذه الفائدة مبسوطة في: الفروق للقرفي 1/120، 4/67، وانظر: الذخيرة 10/223. (2) في ن: ((تصير)) . (3) في ق: ((الصغير)) . (4) لعلَّ منهم شيخ المصنف: العز بن عبد السلام. انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام ص51. (5) في ق: ((حدّه)) . (6) في س: ((تكرار)) وهو خطأ، لأنه يجب انتصابه على المصدرية (مفعول مطلق) . (7) في ق: ((الثقة)) بدون الباء. (8) في س، ق: ((يخل)) . (9) ساقطة من ق. (10) في س: ((الترجيح)) وهو تحريف. (11) المروءة لغة: مأخوذة من مَرُؤ ككَرُم، يَمْرُء مروءةً ومروَّة بالتشديد فهو مريء ككريم، أي ذو إنسانية وكمال رجولية. انظر: لسان العرب، القاموس المحيط، المصباح المنير مادة "مرأ". واصطلاحاً: الاحتراز عن المباح مما يُستهجن من أمثاله عرفاً. وقيل: آدابٌ نفسانية تَحْمِل مراعاتُها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. وقيل: هي صيانة النفس عن الأدناس وما يشينها عند الناس. وقيل: هي التخلق بأخلاق أمثاله وأقرانه في لبسه ومشيه وحركاته وسكناته وسائر صفاته. وكلها معانٍ متقاربة صحيحة. انظر: الغاية القصوى في دراية الفتوى للبيضاوي 2/1019، تيسير التحرير 3/44، شرح شرح النخبة للقاري ص248، المروءة وخوارمها لمشهور بن حسن آل سليمان ص21. وهو كتاب نفيسٌ فريدٌ في بابه، وقد عدَّ جملةً وافرةً من قوادح المروءة. (12) لم أهتد إلى موضع هذا النقل من كتب الغزالي. وهو موجود في رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/645. (13) هنا زيادة: ((ذلك)) في ق لا حجة لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وقولي "بعض الصغائر": معناه أن من الصغائر ما لا يكون فيه إلا مجرد المعصية (1) كالكِذْبة التي لا يتعلق بها ضرر، والنظر لغير ذات مَحْرم، ومنها (2) ما يكون دالاً على الاستهزاء بالدين أو (3) المروءة كما لو قَبَّل امرأة في الطريق أو أمسك (4) فرجها بحضرة الناس (5) غير مُكْتَرِث بهم، فهذه أفعال من لا يوثق بدينه ولا مروءته، فلا تأمنه في (6) الشهادة على الكذب فيها. فائدة (7) : (8) ما تقدَّم من أن الكبيرة تَتَبْع عِظَم المفسدة، فما لا تعظم مفسدته لا يكون كبيرة، استثنى صاحب الشرع من ذلك أشياء حقيرةَ المفسدة، وجعلها مسقطة للعدالة موجبة للفسوق (9) لقبح ذلك الباب (10) في نفسه لا لعظم المفسدة، وذلك (11) كشهادة الزور فإنها فسوق (12) مطلقاً وإن كان (13) لم يُتْلِف بها (14) على المشهود عليه إلا (15) فَلْساً واحداً (16) ، ومقتضى القاعدة (17) : أنها لا تكون كبيرة إلا إذا عظمت   (1) هنا زيادة: ((لله تعالى)) في س، وقد عَرَتْ منها جميع النسخ. (2) في س: ((ومثله)) . (3) في س: ((و)) . (4) في ن، س: ((مسك)) والمثبت من ق ولعله الصواب، إذ في المعاجم أن ((أمسك)) يتعدَّى بنفسه خلافاً لـ ((مسك)) . انظر: لسان العرب مادة " مسك ". (5) هنا زيادة: ((من)) في ن ولا معنى لها. (6) في س: ((على)) . (7) هذه الفائدة طرفٌ مما سبق ذكره مما استفاده المصنف سماعاً من شيخه العز بن عبد السلام. انظر تصريحه بذلك في كتابه: نفائس الأصول 7/2960. (8) هنا زيادة: ((معنى)) في ن ولا معنى لها. (9) في س: ((للفسق)) . (10) ساقطة من ن. (11) ساقطة من ق. (12) في ن: ((فسق)) . (13) ساقطة من ق. (14) ساقطة من س. (15) ساقطة من ق. (16) ساقطة من ق، ن. (17) في ق: ((العادة)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 مفسدتها، وكذلك السرقة والغصب لقبح هذه الأبواب في أنفسها، ومما يدل على التفرقة بين أسباب الفسوق وغيرها قوله تعالى: {وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان} (1) فرَّق تعالى بين الكفر والفسوق الذي هو الكبائر، [والعصيان الذي هو الصغائر] (2) التي ليست فسوقاً (3) . حكم رواية الفاسق ثم الفاسق (4) إن كان فسقه مظنوناً قُبلتْ روايته بالاتفاق (5) ، وإن كان   (1) الحجرات من الآية: 7. (2) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (3) انظر لبيان الفرق بين هذه المصطلحات في: الفروق للقرافي 1/120، 4/67، كتاب الفروق لإبي هلال العسكري ص253، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن للأنصاري ص529، التفسير الكبير للرازي 28/107. (4) الفسق لغة: الخروج، يقال: فسقت الرُّطبة؛ إذا خرجت عن قشرتها. انظر: لسان العرب، المصباح المنير مادة " فسق ". واصطلاحاً: الخروج عن طاعة الله عز وجل، وهو أعم من الكفر، فيشمل الكفر ومادونه، ويقع بالقليل من الذنوب والكثير، لكن الفسق عُرِف فيما كان كبيرة. ولهذا قال البيضاوي: "الفاسق: الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة" انظر تفسيره: أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/41) ، وانظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، مادة " فسق "، عمدة الحفاظ 3/230، روح المعاني للألوسي 1/212، مدارج السالكين لابن القيم (1/359) وفيه تفصيل جيد. (5) ممن حكى الاتفاق الرازي في محصوله (4/399) ، وعبَّر الآمدي في الإحكام (2/83) بالأظهر، ومن العلماء من استظهر الخلاف في المسألة كصفي الدين الهندي في: نهاية الوصول 7/2881، وانظر: البحر المحيط للزركشي 6/157. وللمسألة تحرير ألطف، ذكره الآمدي في الإحكام (2/83) ـ بعد أن نعلم أن المُقْدِم على الفسق عامداً عالماً به لا تقبل روايته إجماعاً ـ قال بتصرف: "الفاسق المتأول ـ الذي لا يعلم فسق نفسه ـ لا يخلو إما أن يكون فسفه مظنوناً أو مقطوعاً به، فإن كان مظنوناً كفسق الحنفي إذ شرب النبيذ، فالأظهر قبول روايته وشهادته. وإن كان فسقه مقطوعاً به فإما أن يكون ممن يتديّن بالكذب كالخطابية فلا نعرف خلافاً في ردّ روايته وشهادته، أو لا يكون ممن يرى الكذب كفسق الخوارج الذين يستبيحون الدار وقتل النساء والأطفال، فهو موضع خلاف، مذهب الشافعي وأكثر الفقهاء والأصوليين قبول روايته وشهادته، ومذهب الباقلاني والجبائيين وجماعة من الأصوليين امتناع قبول روايتهم وشهادتهم وهو المختار". وانظر أيضاً: المعتمد 1/134، إحكام الفصول ص377، المستصفى 1 / 299. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 مقطوعاً به قبل الشافعي رواية أرباب الأهواء إلا الخَطَّابِيَّة (1) من الرافضة لتجويزهم الكذب لموافقة مذهبهم (2) ، ومنع القاضي أبوبكر من قبولها (3) . واختلف العلماء في شارب النبيذ من غير سُكْر (4) ، فقال الشافعي أحُدُّه وأقْبَلُ شهادته (5) بناءً على أن فِسْقه مظنونٌ وقال مالك: أحُدُّه ولا أقْبَلُ شهادته (6) ، كأنه قطع بفسقه. الشرح معنى (7) ((الفسق المظنون الذي تقبل معه الرواية)) : أن يكون هو يعتقد أنه على (8)   (1) الخَطَّابِيَّة: طائفة من غلاة الرافضة، أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع، الأسدي مولاهم، زعم أن الألوهية حلَّت في جعفر الصادق وفي آبائه من قبل، واستباح مع اتباعه ما حرَّم الله، وزعموا أن الجبت والطاغوت هما أبوبكر وعمر وأن البقرة هي عائشة عليهم لعنة الله وسخطه. تبرأ منهم جعفر وحاربهم، وقتله والي الكوفة آنذاك من العباسيين سنة 143هـ، وكانت دعوته سبباً في نشأة الإسماعيلية الباطنية. اقرأ عن هذه الفرقة في: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي ص172، عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني 1/461، الملل والنحل للشهرستاني 1/210، موسوعة الفرق الإسلامية لمحمد جواد مشكور ص234. (2) انظر نص الشافعي في قبول رواية أهل الأهواء إلا من يستحل الكذب في: الأم 6/205، السنن الكبرى للبيهقي 10/208، حلية الأولياء للأصفهاني 9/114، الكفاية في علم الرواية ص 120، 126. (3) انظر: المحصول للرازي 4/401، الإحكام للآمدي 2/83، ظفر الأماني ص490. (4) انظر نزاع العلماء في شارب النبيذ، هل يُعدُّ فاسقاً أصلاً، وهل فسقه مظنون أم مقطوع؟ في: شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/62، البحر المحيط للزركشي 6/158، شرح الكوكب المنير 2/408، تيسير التحرير 3/43. ثم انظر خلافهم في حكم شارب النبيذ في: تحفة الفقهاء للمسرقندي 3/325 الحاوي للماوردي 13/387، بداية المجتهد 4/174، المغني لابن قدامة 12/513، الذخيرة للقرافي 4/117، البناية في شرح الهداية للعيني 11/434، حاشية البيجوري 2/245. (5) انظر قوله في: الأم 8/310، السنن الكبرى للبيهقي 10/210.. (6) انظر: المدونة 4/410، الكافي لابن عبد البر ص 2 / 896، نفائس الأصول 7/2961، جواهر الأكليل 2/235. قال يحيى الرهوني "قال بعض أصحابنا: إن ذلك منه ـ أي الإمام مالك ـ بناءً على أنه فاسق قطعاً، والظاهر أنه فاسق ظناً عنده، لكن لم يبعّض الحكم كما فعل الشافعي" ثم نقل قولاً آخر عند مالك أنه لا يُحدُّ وتقبل شهادته وقال: صححه جمع من متأخري المالكية. انظر كلامه في: تحفة المسؤول القسم 2 / 585. وانظر: حاشية محمد الرهوني على شرح الزرقاني 8/155، التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص (312) وفيه تفصيل جيد. (7) هنا زيادة: ((قولي)) في ن. (8) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 صواب لمستندٍ حصل له، ونحن نظن بطلان ذلك المستند (1) ولا نقطع ببطلانه، فهو في حكم الفاسق لولا ذلك المستند، أما لو ظننا فسقه ببيِّنةٍ شَهِدتْ بارتكابه أسبابَ الفسوق فليس هو (2) من هذا القبيل، بل تُردُّ روايته. ومعنى ((أن أرباب الأهواء مقطوع بفسقهم)) أي: خالفوا قطعياً (3) ، وهم يعتقدون أنهم على صواب. والقسم الأول خالف ظناً فقط. حجة الشافعي (4) : أنه من أهل القبلة فنقبل (5) روايتهم كما نورِّثهم ونَرِثهم ونُجْرِي (6) عليهم أحكام الإسلام. حجة القاضي: أن مخالفتهم القواطع (7) تقتضي القطع بفسقهم، فيندرجون في قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (8) . ولأن قبول (9) روايتهم ترويج (10) لبدعتهم فيحرم (11) . وأما شارب النبيذ (12) : فالأمر فيه مبني على قاعدتين؛ إحداهما: أن الزواجر تعتمد المفاسد ودرأها لا حصول العصيان (13) ، ولذلك (14) نؤلم (15) الصبيان والبهائم   (1) ساقطة من ق. (2) ساقطة من س. (3) في ن، س: ((قطعاً)) . (4) قبول رواية أهل الأهواء الذين لا يجوزّن الكذب. (5) في ق: ((فتقبل)) . (6) في ق، س: ((تجري)) . (7) في ق: ((للقواطع)) ، وفي ن: ((لقواطع)) والمثبت هنا من سائر النسخ. (8) الحجرات من الآية: 6. (9) ساقطة من ن. (10) في ن: ((تدريج)) وهو تحريف. (11) في ق، س: ((فتحرم)) وهو متجه أيضاً، والمثبت من باقي النسخ. (12) في س: ((الخمر)) وهو شذوذ عن جميع النسخ، وأين الخمر من النبيذ؟! (13) أي: التأديب والزجر كان بسبب المفاسد الناجمة عن المعصية كإتلاف العقل، لا لمجرد المعصية، فإنه يظنها مباحة. انظر كلاماً للمصنف عن هذه القاعدة في: الفروق 4 / 180. (14) في ق: ((فلذلك)) ، وفي س: ((فكذلك)) . (15) في ن: ((يؤلم)) ، وفي ق: ((تؤلم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 استصلاحاً لهم وإن لم يكونوا عصاة، فكذلك (1) يقام الحدُّ على الحنفى لدرء (2) مفسدة السُّكْر وفساد العقل والتسبب له وإن لم يكن عاصياً لتقليده أبا حنيفة، فهذه القاعدة هي الموجبة لحدِّه وقبول (3) شهادته، ولا تَنَاقُض حينئذٍ [لأن الزواجرَ] (4) لدرء المفسدة، وقبولَ الشهادة لعدم المعصية (5) . ويَرِدُ على الشافعي في هذه القاعدة (6) أنها وإن كانت صحيحة غير أنَّا لم نجدها إلا في (7) الزواجر التي ليست محدودة (8) ، أما المحدودة (9) فما عهدناها في الشرع إلا في المعاصي (10) . القاعدة الثانية: وهي أن قضاء القاضي يُنْقَض (11) إذا خالف أحد أربعة أشياء: الإجماع أو النص الجلي (12) أو القياس الجلي أو القواعد (13) .   (1) في ن: ((فلذلك)) . (2) في س: ((لأن)) وهي غير موفية بالمراد. (3) هنا زيادة: ((العقل والتسبب له)) وهي مقحمة لا معنى لها. (4) في س: ((لأن الزجر)) ؛ وفي ن: ((إنما الموجب)) . (5) وبمثله وجَّه الزركشي كلام الشافعي. انظر: البحر المحيط (6/158) . وفي هذا التوجيه حَلٌّ لإشكالٍ أورده المزني على الشافعي: كيف يحدُّ من شرب قليلا من نبيذٍ شديدٍ ويجيز شهادته. انظر: مختصر المزني بآخر الأم 8 /310. (6) في ن: ((المسألة)) . (7) هنا زيادة: ((هذه)) في ق. (8) محدودة: أي لا حدٌّ فيها. (9) في س ((المحدود)) وهو خطأ. (10) عبارة المصنف في نفائس الأصول (7/2961) أوضح إذ يقول: "غير أنه يرد عليه ـ أي الشافعي ـ أن التأديب المعهود في الشرع للاستصلاح مع عدم الذنب غير محدود بعدد، وما عهدنا في الشرع حدّاً على مباح، وهذا حدٌّ عنده، فيتعيّن إما أن لا يَحُدَّه أو يُعصِّيه (أي يؤثّمه) ويحُدّه، كما قال مالك" أحدُّ وأردُّ شهادته". (11) ساقطة من ق. (12) ساقطة من س، ن. (13) تفنن المصنف في توضيح هذه القاعدة ومُثُلِها في كتابه البديع النفيسي: "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام" ص88، 135. وانظر أيضاً: الفروق 2 / 101، 109، 4 / 40، نفائس الأصول 7 / 2961، الحاوي للماوردي 16/172، بدائع الصنائع للكاساني 9/133، المغني لابن قدامة 14/34، الذخيرة للقرافي 10/133، 139، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/64، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ص150، 161. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 [فمتى خالف إحدى (1) ] (2) هذه (3) الأربعة قضاءُ قاضٍ لا لمعارض له (4) في القياس أو النص أو القواعد نُقَض، هذا هو (5) مدار الفتاوى في المذاهب (6) المعمول بها، وإذا كنا لا نقرِّه شرعاً مع تأكده بقضاء القاضي وبنقضه، فأولى أن لا نقره شرعاً إن لم يتأكد، وإذا لم نقِّره شرعاً لم يجز التقليد فيه، ويكون الناطق به من المجتهدين كأنه ساكت لم يقل شيئاً، والمقلد لذلك المجتهد كأنه لم يقلد أحداً، ومن (7) لم يكن مقلداً في شرب النبيذ كان عاصياً، والعاصي بمثل هذه الفِعْلة يكون فاسقاً؛ فلهذه القاعدة قال مالك: أحُدُّه للمعصية، وأردُّ شهادته لفسقه (8) ، وهو أوجه في النظر من قول الشافعي، لما تقدم من الإشكال على قول الشافعي، ومسألة النبيذ خولف فيها النصوص كقوله عليه السلام: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" (9) ونحوه (10) ، وهو كثير في السنة، والقياس الجلي على الخمر، والقواعد من جهة أن القاعدة سد الذريعة في صون العقول لانعقاد الاجماع على تحريم النقطة من الخمر وإن كانت لا تُسْكِر سداً [لذريعة الإسكار] (11) .   (1) في ن، س: ((أحد)) والمثبت من ق، وهو الصواب لأن "إحدى" تجرى على القياس. (2) ما بين المعقوفين ساقط في ق. (3) هنا زيادة: ((القواعد)) في س ولا حاجة لها. (4) ساقطة من ق، س. (5) ساقطة من ن. (6) في س، ن، ق: ((المذهب)) والمثبت من بقية النسخ وهو الصحيح، لأن مرجع الضمير في قوله بعد ذلك: ((المعمول بها)) إلى المذاهب. (7) ساقطة من ق. (8) ساقطة من ن. (9) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم عام (2003) وخاص (75) عن ابن عمر رضي الله عنهما. ومن الأحاديث التي بنحوه قوله صلى الله عليه وسلم "كل شراب أسكر فهو حرام" رواه البخاري (5585) ، ومسلم (2001) ، وحديث "ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أبوداود (3681) ، والترمذي (1865) ، وابن ماجة (3393) وصححه الألباني في إرواء الغليل 8/42. (10) ساقطة من ق.. (11) في ق: ((للذريعة في الإسكار)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 حكم رواية المجهول : وقال أبوحنيفة (1) : يُقْبل قولُ المجهول (2) . الشرح خالفه الجمهور في ذلك لقوله عليه السلام "يَحْمِل هذا العلمَ من كلِّ خَلَفٍ عُدُوْلُه" (3) .   (1) في متن هـ: ((الحنفية)) . (2) والمجهول: هو كل من لم تُعرف عينه أوصفته. فعلى هذا جهالة الراوي على ضَربين. الضرَّبْ الأول: مجهول العين: وهو كل من لم يَرْوِ عنه إلا راوٍ واحدٌ ولم تُعلم حاله. أي لم يُوثَّق. والضرب الثاني: مجهول الحال ويّسمى بالمستور: وهو من روى عنه اثنان فأكثر لكن لم يوثَّق ولم تعلم عدالته ولا فسقه. وقيل بغير هذين التقسيمين. انظر: جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/151، شرح الكوكب المنير 2/410، إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص112، توضيح الأفكار للصنعاني 2/113. وأما حكم روايته فالجمهور على عدم قبول روايته إلا إذا ارتفعت جهالته. ورأي أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد في مقابل المشهور قبول رواية المجهول، لكن ليس أيَّ مجهول كان. وقال السرخسي في أصوله (1/352) "المجهول من القرون الثلاثة عَدْل بتعديل صاحب الشرع إياه ما لم يتبين منه ما يزيل عدالته، فيكون خبره حجة على الوجه الذي قررنا". قال علاء الدين النجاري في كشف الأسرار (2 / 719) ((فأما في زماننا فخبر مثل هذا المجهول لا يقبل، ولا يصح العمل به ما لم يتأيّد بقول العدول، ولهذا لم يجوّز أبو يوسف ومحمد رحمهما الله القضاء بشهادة المستور لأنهما كانا في زمن فشو الكذب)) . وبهذا التحقيق والتحرير عُلم أن أبا حنيفة وأتباعه لا يقبلون رواية المجهول مطلقاً ما لم يكن من أهل القرون المفضلة الثلاثة الأولى. انظر المسألة في: الفصول في الأصول للجصاص 3 / 134، إحكام الفصول ص367، شرح اللمع للشيرازي 2/639، التمهيد لأبي الخطاب 3/121، المحصول للرازي 4/402، المغني في أصول الفقه للخبازي ص202، البحر المحيط للزركشي 6/159، التلويح للتفتازاني 2/10، 13، تيسير التحرير 3/48، فتح المغيث للسخاوي 2/52، شرح شرح النخبة للقاري ص514. (3) تمام الحديث "ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" رواه البزار كما في: كشف الأستار للهيثمي (1/86) ، والطبراني في مسند الشاميين (1/344) ، والعقيلي في الضعفاء (1/9) ، وابن عدي في الكامل (1/152، 153) ، وغيرهم. * وحشد الخطيب البغدادي طرقاً عديدة للحديث في كتابه: "شرف أصحاب الحديث" ص (63 - 68) ، كما عقد ابن القيم فصلاً خاصاً في بيانه طرقه في كتابه "مفتاح دار السعادة" (1/497) بتحقيق علي بن حسن الحلبي. ? ... أما درجة الحديث: فمن العلماء من ضعفه، ومنهم من حسّنه. فمن ضعفه: زين الدين العراقي في "التقييد والإيضاح" ص138، والبُلقيني في "محاسن الاصطلاح" ص219. والسخاوي في "فتح المغيث" 2/14. وضعَّفه الشيخ فهد الدوسري في كتابه: الروض البسام في تخريج أحاديث فوائد تمام (1/142 ـ 146) . ? ... وممن صححه: العلائي في "بغية الملتمس في سباعيات مالك بن أنس" بتحقيق حمدي السلفي ص34 ـ 35 وقال عنه "هذا حديث غريب صحيح". والقسطلاني في "إرشاد الساري" (1/4) . وقال الشيخ علي بن حسن الحلبي "وخلاصة القول في هذا الحديث ـ إن شاء الله ـ أنه حسن لغيره، لأن عدداً من طرقه خالٍ من الضعف الشديد، فمثلها بالتعدد تَجْبرُ الضعف" هامش (3) على مفتاح دار السعادة لابن القيم بتحقيقه (1/500) . وقال ابن الوزير اليماني في "العواصم والقواصم" (1/312) "وقد رويت له شواهد كثيرة.. وضعفها لا يضرُّ، لأن القصد التقّوي بها، لا الاعتماد عليها مع أن الضعف يعتبر إذا لم يكن ضعفاً بمرَّة أو باطلاً أو مردوداً أو نحو ذلك. فهذه الوجوه مع تصحيح أحمد وابن عبد البر وترجيح العقيلي لإسناده مع أمانتهم واطلاعهم يقتضي بصحته أو حسنه إن شاء الله تعالى". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وهو (1) صيغته (2) صيغةُ الخبر ومعناه الأمر، تقديره (3) : لِيَحْملْ هذا العلم [من كل خَلَفٍ عُدولُه] (4) . فلولا أن العدالة شرط (5) لبطلتْ (6) حكمة (7) هذا الأمر فإن العدل وغيره سواء حينئذٍ. احتج أبوحنيفة: بقوله تعالى (8) : {إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا} (9) . أوجب الله تعالى التثبت عند وجود الفسق، فعند عدم* الفسق وجب أن لا يجب التثبت، فيجوز العمل وهو المطلوب. ولقوله (10) تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (11) .   (1) ساقطة من ق. (2) ساقطة من ن. (3) في ق: ((أي)) . (4) ما بين المعقوفين ساقط من ق. قد جاء في بعض طرق الحديث رواية بلفظ "لِيَحْمِلْ هذا العلم ... " بلام الأمر، انظرها في كتاب: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/17. (5) هنا زيادة: ((وإلا)) في ن، والسياق مستقيم بدونها. (6) في س: ((لبطل)) ، وفي ن: ((أُبطلتْ)) . (7) ساقطة من س. (8) هذا الدليل الأول لأبي حنيفة. (9) الجحرات، الآية: 6. (10) في ق: ((وبقوله)) خلافاً لجميع النسخ، وهو صحيح، تقديره: واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى.. وهذا هو الدليل الثاني. (11) التوبة، الآية: 122. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 أوجب الحذر عند قولهم ولم يشترط العدالة، فوجب جواز (1) قبول (2) قول (3) المجهول. ولأن (4) أعرابياً جاء يشهد (5) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهلال فقبل شهادته وأمر الناس بالصوم (6) . وإذا جاز ذلك في الشهادة جاز في الرواية بطريق الأولى؛ لأن الشهادة يشترط فيها ما لا يشترط في الرواية من الذكورية (7) والحرية والعدد وغير ذلك (8) . والجواب عن الأول: أنا إذا علمنا زوال الفسق ثبتت (9) العدالة؛ لأنهما ضدَّان لا ثالث لهما، متى عُلم نفي (10) أحدهما ثبت الآخر. وعن الثاني: أن الطائفة مطلقةٌ في الآية فتُحمل على ما تقدَّم من تقييد السنة بقوله عليه السلام ". يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله". وعن الثالث: أن القصة محتملة من حيث اللفظ، وليس في الحديث أنه كان مجهولاً ولا معلوماً (11) ، غير أن قضايا الأعيان تتنزل (12) على القواعد،   (1) ساقطة من ق. (2) ساقطة من ق، ن. (3) ساقطة من س. (4) في س: ((أو لأن)) وهو تحريف. وهذا هو الدليل الثالث لأبي حنيفة. (5) في ق: ((فشهد)) . (6) لفظ الحديث، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: إني رأيت الهلال ـ يعني رمضان ـ فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) . قال: نعم. قال: ((أتشهد أن محمداً رسول الله؟)) قال: نعم. قال: ((يا بلال، أذَّنْ في الناس فليصوموا غداً)) . هذا لفظ أبي داود في سننه (2340) وأخرجه الترمذي (691) ، والنسائي (2111) ، وابن ماجة (1652) وغيرهم. والحديث ضعفه الألباني في إرواء الغليل (4/15) ، وحسين سليم أسد في تحقيقه لمسند أبي يعلى (4/407) ، وصححه الحاكم في مستدركه (1/424) ووافقه الذهبي، وصححه الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة (3/208) . (7) جاءت هذه العبارة في ن هكذا "ما لا يشترط في الرواية المذكورة من الحرية ... "، والمثبت أنسب. (8) انظر الفروقات بين الشهادة والرواية في: الرسالة للشافعي ص 372، أصول السرخسي 1/353، الفروق للقرافي 1/4، نفائس الأصول 7/2969، جمع الجوامع شرح المحلي بحاشية البناني 2/161، شرح الكوكب المنير 2/378، الكفاية في علم الرواية ص94، تدريب الراوي للسيوطي 1/392. (9) في ق: ((تثبت)) . (10) ساقطة من ق، وهو سقطُ مُخِلّ. (11) يمكن أن يقال بأن هذا الأعرابي صحابيٌ ـ على حدّ من عرَّفه بكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ـ وإذا كان صحابياً فالصحابة عدول. (12) في س: ((تمزل)) وهي تحرَّفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وقاعدة الشهادة العدالة (1) ، ولو نُقِل عن بعض قُضَاة الزمان أنه حكم بقول رجلٍ ولم يذكر صفته حُمِل على أنه ثبتتْ (2) عنده عدالته [فرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى] (3) لاسيما وهو يقول: "إذا شهد ذَوَا عَدْل فصوموا وأفطروا وانْسُكوا" (4) فتصريحه (5) عليه السلام بالعدالة يأبى قبول شهادة المجهول. طرق معرفة العدالة وتثبت العدالة إما بالاختبار أو بالتزكية (6) واختلف الناس* في اشتراط العدد (7) في التزكية والتجريح (8) فشَرَطَه بعض المحدثين (9) في التزكية والتجريح   (1) انظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب ص82، فتح المغيث للسخاوي 2/58. (2) في ق: ((تثبت)) ، وفي س: ((ثبت)) . (3) في ن فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم. (4) الحديث من رواية عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: إنا صحبنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتعلمنا منهم، وإنهم حدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي علكيم فعدُّوا ثلاثين، فإن شهد ذوا عدلٍ فصوموا وأفطروا وانسكوا" رواه الدارقطني في سننه 2/167، وبألفاظٍ متقاربة رواه الإمام أحمد في مسنده 4/321، والنسائي (2115) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/16. (5) في ن: ((فصريحه)) وهو تحريف. (6) ذكر المصنف في المتن طريقين من طرق معرفة العدالة، منها الأول: الاختبار بمعرفة أحواله بالمخالطة، والثاني: التزكية، ويُطْلق عليها المحدثون "التنصيص على العدالة". وذكر المصنف ـ في شرحه ـ طريقاً ثالثاً وهو: الاستفاضة واشتهار أمره بالعدالة بين أهل النقل. انظر المسألة في: المحصول للرازي 4/408، فواتح الرحموت 2/188، رفع النقاب القسم 2/658، نشر البنود 2 / 47، علوم الحديث لابن الصلاح ص105، المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل د. فاروق حمادة ص164. (7) مأخذ خلافهم نابع عن توصيف حالة المزكّي؛ أهو مُخْبِرٌ فيكتفى بالواحد أم شاهدٌ فيُشترط العدد؟ انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي 2/168، وانظر المسألة في: إحكام الفصول 369، التلخيص للجويني 2/361، نهاية الوصول للهندي 6/2895، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/64، شرح الكوكب المنير 2/424، تيسير التحرير 3/58، الكفاية في علم الرواية للخطيب ص96، الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي ص111، فتح المغيث للسخاوي 2/7. (8) في متن هـ ((الترجيح)) وهو تحريف. (9) نسبه الغزالي في المستصفى (1/303) ، والرازي في المحصول (4/408) لبعض المحدثين. وحكاه الباقلاني عن أكثر فقهاء المدينة. انظر: البحر المحيط للزركشي 6/166، قال الأبياري: ((أما عدد مزكِّي الشاهد ومجرِّحه فهو ثابت عند مالك، ولا أعرف له نصاً في تعديل الراوي وتخريجه، والذي يقتضيه قياس مذهبه أن يشترط العدد فيهما جميعاً)) التحقيق والبيان في شرح البرهان (رسالة جامعية) ص 729 - 730. وقال ابن حجر في فتح الباري (5/274) "إنه المُرجَّح عند الشافعية والمالكية وقول محمد بن الحسن واختاره الطحاوي"..وانظر: الضياء اللامع 2 / 199، توضيح الأفكار للصنعاني 2/87، البيان والتحصيل لابن رشد 10 / 112. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 في (1) الرواية والشهادة. واشترطه القاضي أبو بكر (2) في تزكية الشهادة (3) فقط (4) واختاره الإمام فخر الدين (5) . إبداء أسباب الجرح والتعديل : وقال الشافعي (6) : يشترط إبداء سبب التجريح دون التعديل (7) لاختلاف المذاهب، والعدالة شيء واحد، وعكس* قوم (8) لوقوع الاكتفاء بالظاهر في العدالة   (1) في س: ((و)) وهو خطأ، لإخلالها بالمعنى المراد. (2) في نسبة اشتراط العدد في الشهادة فقط دون الرواية للقاضي أبي بكر نظر، بل مذهبه جواز الاكتفاء بمزكٍّ واحدٍ في الرواية والشهادة. قال الجويني في التلخيص (2/362) "والقاضي رضي الله عنه يشير في تضاعيف الكلام إلى الاكتفاء بمزكٍّ واحدٍ في الشهود" وقال الرازي في المحصول (4/408) "وقال القاضي أبوبكر: لا يشترط العدد في تزكية الشاهد ولا في تزكية الراوي، وإن كان الأحوط ـ في الشهادة ـ الاستظهار بعدد المزكيّ". وانظر: الإحكام للآمدي 2/85، رفع الحاجب 2 / 388. (3) في ن: ((الشاهد)) . (4) هنا زيادة جاءت في النسخة ن: " ولم يشترطه القاضي أبوبكر فيهما، واشترطه قومٌ في تزكية الشهادة فقط" لم ترد هذه الزيادة بتَّةً في كل نسخ المتن والشرح المخطوطة، ولا عند كلِّ مَنْ شرح تنقيح الفصول، علماً بأن هذه الزيادة تهدم ما قبلها من مذهب القاضي وتفيدنا بمذهبه على الحقيقة. (5) انظر: المحصول له (4/408) . (6) انظر النسبة إليه في: الأم 6/205، البرهان للجويني 1/400، المحصول للرازي 4/409. (7) هذه مسألة يُعْنون لها في علوم الحديث: بالجرح المبهم أو المجمل والجرح المفسَّر وكذا التعديل. فهل يشترط إبداء أسباب الجرح والتعديل؟. فيها أربعة أقوال، الأول: يكفي إطلاق الجرح والتعديل دون إظهار سببهما. الثاني: عكسه، يشترط إظهار سببهما، لأن الجارح قد يجرح بما لا يقدح، وثناء الناس في الثناء والتوثيق بما لا يقتضي العدالة. الثالث: يشترط إبداء أسباب الجرح دون التعديل، أما الأول فلاختلاف الناس فيما يجرح فلو أظهره ربما لم يُوافق عليه، وأما الآخر فلكثرة أسباب التعديل. الرابع: عكسه، يشترط إظهار أسباب التعديل دون الجرح، لكثرة التصنُّع في أسباب العدالة. انظر: الإحكام للآمدي 2/86، كشف الأسرار للبخاري 3/143، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/65، البحر المحيط للزركشي 6/178، التوضيح لحلولو ص314، شرح الكوكب المنير 2/420، تيسير التحرير 3/61، الكفاية للخطيب ص99، 107، توضيح الأفكار للصنعاني 2/94، تدريب الراوي للسيوطي 1/359، الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي ص79. (8) لم أر أحداً ذكر تسميتهم غير أن الجويني في البرهان (1/400) ، والغزالي في المنخول ص (262) نسبه للقاضي أبي بكر، وهو وَهْم كما أبانه الزركشي في البحر المحيط (6/180) ، إذ مذهب القاضي عدم اشتراط إبداء أسباب الجرح والتعديل كما سيأتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 دون التجريح، ونفى ذلك القاضي أبو بكر فيهما (1) . الشرح الاختبار: كالمعاملة (2) والمخالطة (3) التي تطلَّع على خبايا النفوس ودسائسها، والتزكية: ثناء العدول* المبرِّزين عليه بصفات العدالة على ما تقرَّر في كتب (4) الفقه (5) . وتُعلم العدالة أيضاً بغير هاتين الطريقتين وهي السُّمْعة (6) الجميلة المتواترة (7) أو المستفيضة، ولذلك نقطع بعدالة أقوام من العلماء والصلحاء من سلف هذه الأمة ولم نختبرهم (8) ، بل بالسماع المتواتر أو المستفيض، فهذا كافٍ وقد نصَّ الفقهاء على أن (9) من عُرِف بالعدالة لا تطلب (10) له تزكية (11) .   (1) قال الزركشي في البحر المحيط (6/180) "وهذا هو اختيار القاضي أبي بكر، كذا نصَّ عليه في التقريب"، وممن نسبه إليه الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية ص (107) ، والغزالي في المستصفى 1/303، والرازي في المحصول 4/410. (2) في ن: ((بالمعاملة)) . (3) هنا زيادة: ((والمعاملة)) في ن وهي مكررة. (4) في س: ((كتاب)) والمثبت أنسب، لأنه جمع وهو أدلُ على المراد. (5) هذه مسألة: ما تقع به ألفاظ التعديل، وصفتها مذكورة في كتب الفقه. حكى الباجي بأن مذهب مالك أن يقول المزكِّي: "فلان عَدْل رَضِيٌّ" ومذهب الشافعي بأن يقول: "فلان عَدْل مقبول الشهادة عَليَّ ولي". وبعضهم يقول: "لا أعلم إلا خيراً" انظر: إحكام الفصول ص370، رفع النقاب القسم 2/659، وانظر: كتب الفقه في أبواب الشهادة مثل: الحاوي للماوردي 16/194، المغني لابن قدامة 14/47، الذخيرة 10/204. (6) في ن: ((السمعية)) وهو تحريف. (7) ساقطة من ن. (8) تفردت نسخة ق بكلمة ((ولم نرهم)) وهو متَّجِه. (9) ساقطة من ن. (10) في ق: ((يطلب)) . (11) عقد الخطيب البغدادي في الكفاية ص (86) باباً ترجمته: "في المحدِّث المشهور بالعدالة والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المعدِّل"، ومثَّل: بمالك والثوري وابن عيينة وشعبة والأوزاعي والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وابن القطان، وابن المبارك، وابن حنبل، وابن المديني، وابن معين، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر. فهؤلاء لا يُسأل الناس عنهم، بل هم يُسألون عن الناس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 حجة اشتراط العدد في الجميع : أن التجريح والتعديل [صفتان فيحتاجان] (1) إلى عَدْلين فصاعداً كالترشد والتسفيه والكفاءة وغيرها. حجة القاضي أبي بكر: أن الرواية يكفي فيها الواحد على الصحيح فأصلها كذلك، والشهادة لا يكفي فيها الواحد، فلا يكفي في أصلها (2) الواحد تسويةً بين البابين والفروع والأصول (3) ، وأما إبداء أسباب التجريح و (4) التعديل (5) فالفقه (6) فيه أن المُجرِّح والمُعدِّل إذا كان (7) عالماً مبرزاً (8) اكتفى الحاكم بعلمه عن سؤاله، فإن العالم لا يجرِّح إلا بما لو صرَّح به للحاكم (9) كان جرحاً، وكذلك التعديل. وأما اختلاف المذاهب (10) : فالعالم المُتْقِن لا يجرح بأمرٍ مُخْتَلف فيه يمكن أن يصح التقليد فيه، ولا يُفسِّق بذلك إلا جاهل، فما من مذهب إلا وفيه أمور ينكرها أهل المذهب الآخر، ولا سبيل إلى التفسيق بذلك، وإلا لفسَّقتْ كلُّ طائفةٍ الطائفةَ (11) الأخرى، فتفْسُق جميع الأمة، وهو خلاف الاجماع، بل كل من قلَّد تقليداً صحيحاً فهو مطيع لله تعالى، وإن كان غيره من المذاهب يخالفه (12) في ذلك.   (1) في س: ((صنفان محتاجان)) . (2) ساقطة من ن. (3) قد علمت أن هذا ليس مذهباً للقاضي أبي بكر، بل هو ما اختاره الرازي وغيره. فعلى هذا تكون حجة القاضي في الاكتفاء بمزكٍّ واحدٍ في الرواية والشهادة هي: أن إخبار المعدِّل عن عدالة الراوي أو الشاهد من قبيل الأخبار، ولهذا لا يشترط فيها لفظ الشهادة، فتزكيته لا تجري مجرى الشهادات. انظر: التلخيص للجويني 2/362. (4) في ق: ((دون)) بدلاً من الواو، وهو خطأ بيّن، يتناقض بما جاء بعده. (5) مراد المصنف هنا إيراد حجة القاضي أبي بكر في نفي اشتراط إبداء أسباب التجريح والتعديل، لأنه ذكر حجة الشارطين لإبداء سبب التجريح دون التعديل وذكر حجة الشارطين لإبداء سبب التعديل دون التجريح، ولم يذكر حجة النافين فيهما، فكان من الأولى للمصنف أن يقول هنا "وأما عدم إبداء أسباب التجريح والتعديل ... " أمْناً للبّسْ. والله أعلم. (6) في س: ((والفقه)) وهو خطأ لوجوب اقتران جواب ((أما)) الشرطية بالفاء. (7) في ق: ((كانا)) وهو تصحيف بقرينة ما بعدها. (8) في ن: ((ممَّيزاً)) . (9) في ق: ((الحاكم)) وهو تحريف. (10) هذا جواب عمن اشترط إبداء سبب التجريح دون التعديل لاختلاف المذاهب، فقد يَجْرح بأمرٍ يسع فيه الخلاف فلا يكون جرحاً. (11) ساقطة من ن. (12) في ن: ((مخالفاً)) ، وفي س: ((مخالفه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وأما الاكتفاء بالظاهر (1) ؛ فهو (2) شأن الجهلةِ (3) الأغبياءِ (4) الضعفاءِ الحزم (5) والعزم ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية. وكل من كان يغلب عليه حسْنُ الظن بالناس لا ينبغي أن يكون مزكِّياً ولا حاكماً لبعده من الحزم (6) . وقد قال صلى الله عليه وسلم "الحزْمُ سوءُ الظن" (7) فمن ضيع سوء   (1) هذا جواب عمن اشترط إبداء سبب التعديل دون التجريح، وذلك لأن الناس يكتفون بالظاهر في العدالة، وهو لا يكفي. (2) في س: ((هو)) وهو خطأ لأن جواب ((أما)) الشرطية يجب اقترانه بالفاء. (3) هنا زيادة: ((و)) في ن. (4) هنا زيادة: ((من)) في ق. (5) في ق: ((الجزم)) وهو بمعنى العزم، والمثبت هو الصواب للحديث الآتي، ولأن التأسيس أولى من التأكيد. (6) في س، ق: ((الجزم)) راجع هامش قبل السابق. (7) روى هذا الحديث مرفوعاً وموقوفاً. فأما المرفوع فأخرجه القُضاعي في "مسند الشهاب" (1/48) عن عبد الرحمن بن عائذ رفعه مرسلاً، وأورده العلائي في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" ص (223) على أنه مرسل. وقال الألباني عنه في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" برقم (1151) "ضعيف جداً"، وضعَّفه ابن الدبيغ في "تمييز الطيب من الخبيث" ص (70) . وأما الموقوف فقال السيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " ص112: "رواه أبو الشيخ بسندٍ واه جداً عن علي موقوفاً". ويُروى مَثَلاً كما في "شعب الإيمان" للبيهقي (8/543) و"روضة العقلاء" لابن حبان ص (22) عن جرير عن الحكم بن عبد الله قال: "كانت العرب تقول: العقل التجارب، والحزم سوء الظن" وانظر: "مجمع الأمثال" للميداني (1/208، 214) . وللحديث شواهد، منها: حديث "احترسوا من الناس بسوء الظن". روُي مرفوعاً ومقطوعاً..فأما المرفوع فأخرجه الطبراني في "الأوسط" بتحقيق محمود الطحان برقم (602) ، وابن عدي في الكامل (6/403) ، وتمَّام في فوائده بتحقيق حمدي السلفي (1/692) ، وقال الألباني عنه في: سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (156) "ضعيف جداً". وأما المقطوع فله طريقان؛ الأول: من قول التابعي مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، وصححه ابن حجر في "فتح الباري" (10/650) . والثاني: من قول الحسن البصري وصححه الألباني في: سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (156) ، وقال السخاوي عن هذين الحديثين في "المقاصد الحسنة" ص (43) : "وكلها ضعيفة، وبعضها يتقوى ببعض، وقد أفردْتُه في جزء، وأوردتُ الجمع بينها وبين قوله تعالى: {اجتنبوا كثيراً من الظن} [الحجرات:12] وما أشبهها مما هو في الحديث ... ". قال المناوي في "فيض القدير" (1/235) "ولا يعارض هذا خبر ((إياكم وسوء الظن" لأنه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته، والأول فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخُلْف الوعد والخيانة، والقرينة تُغلِّب أحد الطرفين، فمن ظهرت عليه قرينةُ سوءٍ يُسْتعمل معه سوء الظن وخلافه خلافه، وفي إشعاره تحذيرٌ من التغفُّل وإشارةٌ إلى استعمال الفطنة". وقال البغوي في "شرح السنة" (13/111) . "فأما استعمال سوء الظن إذا كان على وجه الحذر وطلب السلامة من شر الناس فلا يأثم الرجل". وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/35) "قال أحمد بن سنان: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحكم، والحديث. يعني لا يُسْتعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمَرْضي". وانظر: "روضة العقلاء" لابن حبان ص (127) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 الظن (1) فقد ضيَّع الحزم (2) ، نعم (3) لا ينبغي أن يبني على سوء ظنه شيئاً إلا لمستند شرعي، وهو معنى قوله تعالى "اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" (4) أي: اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريق شرعي (5) . فالحقُّ مذهبُ القاضي. تعارض الجرح والتعديل ويُقدَّم الجرح على التعديل (6) إلا أن يَجْرَحه (7) بقتل إنسانٍ، فيقول المعدِّل: رأيْتُهُ حيّاً. وقيل: يُقدَّم المعدِّل إن (8) زاد عدده. الشرح إنما قُدِّم الجرح (9) لأن الجارح مطَّلع على ما لم (10) يطَّلعْ عليه المُعدِّل؛ [لأن المعدِّل] (11) مدركه استصحاب الحال، والمطَّلعُ على الرافع للاستصحاب (12) مقدَّمٌ على   (1) في س: ((الجزم)) وهو خطأ واضح. (2) في ق: ((الجزم)) راجع هامش. (3) في ن: ((ثم)) . (4) الجحرات، من الآية: 12. (5) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/331، روح المعاني للألوسي 13/307. (6) هذه مسألة تعارض الجرح والتعديل. ذكر المصنف فيها قولين؛ الأول: تقديم الجرح على التعديل ولو زاد عدد المعدِّلين. والمراد بالجرح هنا الجرح المفسَّر. وهذا رأي جمهور المحدثين والأصوليين. الثاني: عكسه إذا زاد عدد المعدِّلين. الثالث: التوقف لأجل التعارض، فلا يُقدَّم أحدهما إلا بمرجِّحٍ. انظر: إحكام الفصول ص376، المحصول للرازي 4/410، الإحكام للآمدي 2/87، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/65، البحر المحيط للزركشي 6/183، فواتح الرحموت 2/197، الكفاية للخطيب ص 105، تدريب الراوي للسيوطي 1/364، اليواقيت الدرر للمناوي 2/624، الرفع والتكميل للكنوي ص114. (7) هنا زيادة: ((إنسان)) في ن وقد خلت منها جميع نسخ المتن. (8) في متن هـ: ((إذا)) وهو مقبول أيضاً. (9) في ن: ((المجرح)) . (10) في س: ((لا)) وهو خطأ نحوي، لأن " لا " النافية إذا دخلت على المضارع تخلِّص المضارع بها للاستقبال، ونفي الاطلاع في الاستقبال حاصل للجارح والمعدِّل. وأما "لم" فلنفي المضارع وقلبه ماضياً. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 474، 1 / 528. (11) ساقطة من ن. (12) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 المتمسِّك بالاستصحاب. أما إذا (1) جَرَحه بقتل من شُهِد بحياته فلا يمكن أن يقال اطَّلع الجارحُ على ما ذَهَل عنه المعدِّل فيحصل التعارض (2) والتوقف (3) ، وليس أحدهما أولى من الآخر فتُسْتصحِب الحالةَ السابقة المتقرِّرة من غير هاتين البيِّنتين، وكأنَّ هاتين البينتين ما وجدتنا. ووجه تقديم (4) العدد الأكثر: أن الكثرة تقوِّي الظن والعمل بأقوى الظنين واجب كما في الأمارتين والحديثين وغيرهما.   (1) ساقطة من ن. (2) في س: ((للتعارض)) التحمت الألف باللام. (3) لأن كل واحدٍ منهما ادعى المعرفة بما أخبر به. (4) في ن: ((تقدم)) ، وفي س: ((القول)) وهو خطأ إلاّ أن يكون بعدها ((بالعدد)) وهو ما لم يكن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 الفصل السادس في مستند الراوي (1) [فأعلى مراتبه] (2) أن يَعْلم (3) قراءته على شيخه أو (4) إخباره به (5) (6) و (7) يتفكر (8) ألفاظ قراءته. وثانيها: أن يَعْلم قراءة (9) جميع الكتاب ولا يَذْكُر الألفاظ ولا الوقت. وثالثها: أن يشكَّ في سماعه فلا يجوز (10) له روايته (11) بخلاف الأوَّلين (12) .   (1) أي في بيان الشيء الذي يستند إليه راوي الحديث، وترجم الرازي في المحصول (4/415) لهذا الباب بقوله: "في الأمور التي تجب ثبوتها حتى يحلّ للراوي أن يروي الخبر". تنبيه: كان الأليق بالمصنف أن يُدرج هذا الفصل ضمن مسائل الفصل التاسع "في كيفية الرواية" لتشابه مباحثهما. انظر: التوضيح لحلولو ص315. (2) في جميع نسخ المتن والشرح "فأعلاه" فقط، ويكون عود الضمير إلى "مستند" والمثبت هنا من النسختين م، ش، وهو الأوفق، لأنه سيذكر بعد ذلك: ثانيها وثالثها ورابعها فيكون عود الضمير حينئذٍ إلى "مراتبه". وهكذا كان الشأن في المحصول للرازي 4/415. (3) في ق: ((تعلم)) والمثبت أنسب للسياق. (4) في ن: ((و)) والمثبت أنسب لإفادة معنى التنويع والتقسيم. (5) ساقطة من س. وفي ن، ق: ((له)) . والمثبت من بعض نسخ المتن، هـ، ومتن د، ومتن ف، وهو الأنسب لأن أخبر تارة يتعدّّى بنفسه، وتارة يتعدَّى بالباء. انظر: معاجم اللغة مادة " خبر ". (6) هنا زيادة: " أو إجازته له " في س، خلت منها جميع نسخ المتن. (7) انفردت النسخة س بالواو، وهو الصواب، لإفادتها معنى التشريك والعطف، وهي هكذا في المعتمد (2 / 142) ، والمحصول (4 / 415) ، ثم إن السياق يقتضيها بقرينة ما جاء في المرتبة الثانية. (8) يريد المصنف بقوله: ((يتفكَّر)) أي. يتذكَّر بقرينة ما جاء في المرتبة الثانية، و" التذكر " عبارة عن المحصول 4/415. (9) ساقطة من ق، وفي س: ((قرآءته)) وهي صحيحة أيضاً. (10) في ق: ((تجوز)) . (11) في س: ((رواية)) . (12) حق هذه المرتبة أن تكون في المرتبة الرابعة، والرابعة في الثالثة، لأن المرتبة الثالثة انْزلُ في العلو من المرتبة الرابعة، إذ الجمهور على جواز اعتماد الراوي على خطه، وعدم جواز اعتماده على رواية خبرٍ يشكُّ في سماعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 ورابعها: أن يعتمد على خطه (1) فيجوز عند الشافعي وأبي يوسف (2) ومحمد (3) خلافاً لأبي حنيفة (4) . الشرح إذا عَلِم قراءة جميع الكتاب (5) ولا يَذْكُر نطقه به (6) فهو جازم بروايته عن (7) شيخه من حيث الجملة، فيجوز العمل بما رواه لحصول الثقة بذلك، كما أن (8) مَنْ يَقْطع بأنه رأى مسألة في كتاب ولا يتذكر (9) صورة حروفها يجوز له (10) الاعتماد على ما جزم به   (1) أي: أن الراوي لم يتذكر سماعه ولا قرآءته، لكنه يظن ذلك لما رآه من خطه. والضمير في "خطة" يحتمل عَوْده على شيخه أو على نفس الراوي، ولا مانع من كليهما. انظر: رفع النقاب القسم (2/675) ، قال الخبازي "والكتابة إن كانت تُذكِّره فهو حجة يُعمل به، بخطّه أو خط غيره، معروفٍ أو مجهولٍ، إذ المقصود هو الذكر" المغني في أصول الفقه ص222. (2) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، كنيته أبويوسف، ولقبه القاضي، اشتهر بصاحب أبي حنيفة، وله آراء خالف فيها إمامه، ومن تلاميذه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن الحسن، من تآليفه: كتاب الخراج (ط) ، أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة، وغيرهما. ولد بالكوفة عام 311هـ، وتوفي عام 182هـ. انظر: الجواهر المضنية 2/220، الفوائد البهيَّة 225، وفيات الأعيان 6/378. (3) هو محمد بن الحسن بن فَرْقد الشيباني، المكْنّى بأبي عبد الله، صاحب أبي حنيفة، لازمه ثم لازم أبا يوسف، ثم رحل إلى المدينة، وأخذ الحديث من الإمام مالك. من تلاميذه: الشافعي. ومن تآليفه: الجامع الكبير (ط) ، الجامع الصغير (ط) ، المبسوط (ط) المسمَّى بالأصل، الحجة على أهل المدينة (ط) . الموطأ بروايته (ط) وغيرها. ولد عام 132هـ وتوفي عام 189هـ. انظر: الجواهر المضية 1/243، الفوائد البهية ص163، وفيات الأعيان 4/184. (4) انظر المسألة ونسبة هذه المذاهب في: المعتمد 2/142، العدة لأبي يعلى 3/974، شرح اللمع للشيرازي 2/649، قواطع الأدلة 2/354، بذل النظر ص447، المحصول للرازي 4/416، كشف الأسرار للبخاري 3/104، جامع الأسرار للكاكي 3/753، شرح الكوكب المنير 2/258، الكفاية في علم الرواية ص233، 257، الإلماع للقاضي عياض ص 120، 139، علوم الحديث لابن الصلاح ص213. (5) هذا تعليل جواز استناد الراوي ـ في رواية الخبر ـ إلى ما ذُكِر في المرتبة الثانية. (6) ساقطة من ن. (7) في ن: ((على)) . (8) في س: ((أنه)) . (9) في ن: ((يذكر)) . (10) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 من ذلك بخلاف الشَّاكِّ (1) لا مستند له، لا علمٌ ولا ظنٌّ. وأما الاعتماد على الخط فهي مسألةٌ ذاتُ (2) ثلاثةِ أقوال: اعتبره مالك في الرواية والشهادة بناءً على الإنسان قد (3) يقطع بصور الحروف وأنها لم تُبدَّل بقرائن حالية عنده لتلك الحروف لا (4) يمكن التعبير* (5) عن تلك القرائن، كما أن المُنْتَقِد للفضة والذهب يَقْطع [بجيِّدهما ورديئهما] (6) بقرائن في (7) تلك الأعيان لا يمكنه أن يعبر عنها. وقيل: لا يعتمد على الخطِّ مطلقاً؛ لقوة احتمال التزْوير، ومن استقرأ أحوال المزوِّرين للخطوط علم أن وضع مثل (8) الخط ليس من البعيد المتعذِّر بل من القريب، حتى روى بعض المصنفين في مذهب مالك [أن مالكاً] (9) رجع عن الشهادة على الخطِّ (10) . وفصّل الشافعي بين الرواية فتجوز؛ لأن الداعية (11) في التزوير فيها ضعيفة، لأنها لا تتعلق بشخص معين، وبين الشهادة (12) فيمتنع، لأنها تتعلق (13) بمعين وهو مظنة العداوة، ولا يتصور أن يعادي أحدٌ الأمةَ إلى [قيام الساعة] (14) ، ولأن الشهادة إنما تقع غالباً في   (1) هنا زيادة: ((لأنه)) في ق، ولا حاجة لها. (2) ساقطة من أكثر النسخ، والمثبت من نسخة ز، م هو الأنسب. (3) ساقطة من ن. (4) في ن: ((ولا)) بزيادة واو. (5) في ن: ((التغير)) وهو تحريف. (6) في ن: ((بجيدها ورديئها)) . (7) ساقطة من ن. (8) في ق: ((هذا)) وليس لها وجه. (9) ما بين المعكوفين في ق، ن: ((أنه)) . (10) انظر: المنتقى للباجي 5/199، الكافي لابن عبد البر 2/915، الذخيرة 10/156، 160، المعيار المعرب للونشريسي 10/196، 210، التوضيح لحلولو 315. (11) في ن: ((الدعاية)) وهو تحريف. (12) في س: ((الشهرة)) وهو تحريف. (13) في ق: ((متعلقة)) ، وفي س: ((متعلق)) وهو خطأ معدوم تأنيثها. (14) في ق: ((يوم القيامة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 الأموال النفيسة، وما (1) هو متعلِّق بالأغراض (2) من الأمور الخطرة (3) فتتوفر (4) الدواعي على التزوير فيها لتحصيلها بمقتضى الطباع البشرية (5) .   (1) ساقطة من س. (2) في ق، س: ((الأعراض)) بدون الباء. والمثبت هو الصواب لتصوّر تزوير الخطوط في الأغراض دون الأعراض. (3) في ق: ((الخطيرة)) . (4) في ن: ((فتتوافر)) . (5) انظر: نفائس الأصول 7/2973. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 الفصل السابع في عدده (1) والواحد عندنا وعند جمهور الفقهاء يكفي خلافاً للجُبَّائي (2) في اشتراط (3) اثنين (4) أو يعضد الواحدَ ظاهرٌ (5) أو عملُ بعض الصحابة أو اجتهادٌ (6) أو يكون منتشراً فيهم، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. لنا أن الصحابة رضوان الله عليهم قبلوا خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين (7) وحدها وهو مما تعم به البلوى. الشرح احتج الجُبَّائي بأن رسول الله (8) صلى الله عليه وسلم لما سلم من اثنين قال له ذو اليدين (9) : أقَصُرتْ الصلاة أم نسِيْتَ يا رسول الله؟ ‍فقال: ((كلُّ ذلك لم يكن. فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فقال عليه السلام للصحابة "أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟ "   (1) المراد بالمسألة: هل يشترط أن يتعدد خبر الواحد حتى يحتجَّ به؟ وقد تقدَّم طَرَفٌ منها في الفصل الخامس، عند ذكر أقوال وجوب التعبد بخبر الواحد، ولو ألحقها المصنف في الفصل الثامن "فيما اختلف فيه من الشروط لكان أليق بالترتيب، وهو صنيع المحصول 4/417. (2) انظر مذهبه ومذهب الجمهور في: المعتمد 2/138، إحكام الفصول ص334، شرح اللمع للشيرازي 2/603، التبصرة ص312، البرهان 1/392، أصول السرخسي 1/321، 331، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 386، المحصول للرازي 4/417، شرح مختصر الروضة 2/133، النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر ص42، تدريب الراوي للسيوطي 1/69. (3) في س، متن هـ: ((اشتراطه)) . (4) في ق: ((الاثنين)) . (5) أي: نص ظاهر من كتاب أو سنة. (6) أي قياس. (7) سبق تخريجه. (8) هذا الدليل الأول. (9) ذو اليدين هو: الخِرْباق بن عمرو السُّلمي، ثَبَتَ ذكره بوصف "ذي اليدين" وبأنه رجل من بني سُليم، وبأنه الخِرْباق في صحيح مسلم ((574) في حديث السَّهو. انظر: الإصابة لابن حجر 2/350، أسد الغابة لابن الأثير 2 / 179، شرح صحيح مسلم للنووي 5 / 58 - 60. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 فقالوا: نعم (1) فلم يقبل عليه السلام قول ذي (2) اليدين وحده، ولأن عمر رضي الله عنه لم يقبل خبر أبي موسى الأشعري وحده في الاستئذان (3) ، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً (4) ، ولأن النصوص مانعة من العمل بالظن كما تقدَّم بيانها (5) خالفناه في العدد إذا أجبروا فيبقى فيما عداه (6) على مقتضى الدليل (7) . والجواب عن الأول: أنا نقول بخبر المنفرد ما لم تحصل (8) فيه رِيْبةٌ وتلك واقعة عظيمة في جمع عظيم فلو لم يخبر بها غير ذي اليدين لكان ذلك ريبة توجب الرد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوال الريبة، لا لأن العدد شرط. وكذلك (9) لم يَردَّ عمر رضي الله عنه الخبر إلا لحصول الريبة بسبب أن الاستئذان أمر يتكرر فلو لم يعرفه إلا واحد لكان ذلك ريبة توجب (10) الرد.   (1) حديث ذي اليدين من رواية أبي هريرة وغيره أخرجه البخاري (482) ومسلم (573، 574) بنحوه. (2) في ق: ((ذو)) والمثبت هو الصواب، لأن الأسماء الخمسة ترفع بالواو، وتنصب بالألف وتجرُّ بالياء. و ((ذو)) من الأسماء الخمسة. انظر: شرح التصريح على التوضيح للأزهري 1 / 61. (3) قال أبوسعيد الخدري: كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار، إذْ جاء موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعْتُ. فقال: ما منعك؟ قلتُ: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعْتُ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤن له فليرجع" فقال: والله لتُقِيمنَّ عليه بيّنة. أمنكم أحدٌ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنتُ أصغر القوم، فقمتُ معه، فأخبرتُ عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. أخرجه البخاري (6245) ومسلم (2153) . (4) هذا الدليل الثاني. (5) ساقطة من ق. ومن هذه النصوص قوله تعالى: "إن يتَّبعون إلا الظن ... " [الأنفال: 116] ، وقوله "إن الظن لا يغني من الحق شيئاً" [يونس: 36] . انظر ص: (6) في س: ((عداها)) . (7) هذا هو الدليل الثالث. (8) في ق: ((يحصل)) وهو سائغ أيضاً. (9) هذا الجواب عن الثاني. (10) في س: ((يوجب)) وهو خطأ نحوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وعن الثالث: أن ظواهر تلك النصوص مخصوصة بعمل الصحابة رضوان الله عليهم لقبولهم خبر عائشة المتقدِّم وخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجِزْيَة من المجوس (1) لمَّا روى لهم قوله عليه السلام "سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب" (2) .   (1) في س "اليهود" وهو خطأ بّين. (2) رواه الإمام مالك في الموطأ 2/278 برقم (42) عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمِعْتُ رسول الله يقول: "سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب". قال ابن عبد البر في التمهيد 2/114 "هذا حديث منقطع، لأن محمداً لم يلْقَ عمر ولا عبد الرحمن بن عوف ـ ثم قال ـ ولكن معناه متصل من وجوهٍ حسان". وقال ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/179 "حديث غريب وسنده منقطع أو معضل". وأورد ابن حجر في تلخيص الحبير (3/177) طريقاً آخر عن زيد بن وهب قال: كنت عند عمر بن الخطاب فذكر عنده المجوس، فوثب عبد الرحمن بن عوف، فقال: أشهد بالله على رسوله الله لسمعته يقول: "إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب" وحسَّن إسناده ابن حجر. والحديث له شاهد عند البخاري برقم (3157) . وانظر: إرواء الغليل للألباني 5/88. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 الفصل الثامن فيما اخْتُلِف (1) فيه من الشروط (2) قال الحنفية: إذا لم يَقْبَل راوي الأصلِ الحديث لا تُقْبل روايةُ الفرع، قال الإمام: إن جزم* كل واحد منهما لم يُقْبل وإلا عُمِل بالراجح (3) ، وقال أكثر أصحابنا والشافعية والحنفية: إذا شكَّ الأصل في الحديث لا يضر ذلك، خلافاً للكرخي (4) .   (1) في س، ز: ((اختلفوا)) خلافاً لسائر نسخ المتن والشرح. (2) هذا الفصل في بيان الشروط المختلف فيها؛ هل تعتبر هذه الرواية أو الراوي أم لا؟. قال الرازي في المحصول (4/417) "والضابط في هذا الباب: كل خصلة لا تقدح في غالب الظن بصحة الرواية ولم يعتبر الشرع تحقيقها تعبداً، فإنها لا تمنع من قبول الخبر". (3) هذا النقل عن الإمام من المحصول (4/421) بمعناه، ولفظُه: "والضابط: أنه حيث يكون قول الأصل مُعادِلاً بقول الفرع تعارضا، وحيث ترجح أحدهما على الآخر فالمعتبر هو الراجح". (4) يمكن تقسيم مسألة اختلاف الأصل (الشيخ) والفرع (التلميذ) إلى حالتين، الأولى: حالة الجزم، بأن يجزم الأصل بتكذيب الفرع، كأن يقول: ما حدثتك به، ونحو ذلك. وحكمها: حكى الآمدي في الإحكام (2/106) ، وابن الحاجب في منتهى السول ص (84) وغيرهما الاتفاق على ردّ رواية الفرع. فتخصيص المصنف الحنفية بالذكر في رد رواية الفرع فيه قصور من جهة أن المصنف لم يفصح عن نوع عدم قبول راوي الأصل الحديث، هل كان على سبيل الجزم والجحود والتكذيب أم على سبيل الشك والتوقف والنسيان؟ فالأول حُكي فيه الاتفاق على رد رواية الفرع، وليس خاصاً بالحنفية، علماً بأن السيوطي في تدريب الراوي (1/ 395) نقل في المسألة أربعة أقوال؟ الأول: الرد وهو مختار الأكثرين، الثاني: القبول، اختاره السمعاني، وعزاه الشاشي للشافعي، الثالث: تكذيب الأصل لا يقدح في صحة الحديث، إلا أنه لا يجوز للفرع أن يرويه عن الأصل، جزم به الماوردي والروياني، الرابع: أنهما يتعارضان فيُصار إلى ترجيح أحدهما، اختاره الجويني. الحالة الثانية: حالة الشك، بأن يقول الأصل، لا أذكره، لا أعرفه، دون أن يجزم بعدم تحديثه، فجماهير الأصوليين والمحدثين على قبول الحديث، وبعض الحنفية ومنهم الكرخي، وبعض المحدثين يردُّون الحديث..انظر المسألة ومذهب الجمهور ومذهب الكرخي في: العدة لأبي يعلى 3/959، إحكام الفصول ص346، التلخيص للجويني 2/392، أصول السرخسي 2/3، قواطع الأدلة 2/355، كشف الأسرار للنسفي 2/75، البحر المحيط للزركشي 6/221، التوضيح لحلولو ص316، رفع النقاب القسم 2/691، شرح الكوكب المنير 2/537، فواتح الرحموت 2/218، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي لفضيلة شيخنا د. حسين الجبوري ص78، الكفاية في علم الرواية للبغدادي ص418، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص651. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 الشرح حجة الحنفية: أن اعتبارَ الفرعِ، فرعُ اعتبار الأصل، والأصل أنكر أن يكون الفرع روى عنه فلا يقبل الفرع، كما لو قال الأصل في الشهادة: لم أعلم هذه الشهادة، أو أجْزِمُ بعدم تحمُّلِها، فإن الشهادة لا تقبل. قال الإمام فخر الدين (1) : إذا لم يجزم بعدمه بل قال: لا أذْكُر أنه رواه عني قُبِلتْ رواية الفرع، لأن عدالته تقتضي (2) صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافي صدقه (3) ، فالمُثْبت مقدَّم على النافي، وإن جزم الأصل بعدم الرواية ولم يجزم الفرع بل قال: الظاهر أني رويته، قدم الأصل لجزمه، وإن جزم كل واحد منهما: هذا بالرواية وهذا بعدمها حصل التوقف، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر. ووجه قول أصحابنا: أنه يقبل في شك الأصل أن عدالة الفرع تمنعه الكذب، والشك من الأصل لا يعارض اليقين. هل يشترط في الراوي الفقه؟ والمنقول عن مالك رحمه الله أن الراوي إذا لم يكن فقيهاً فإنه كان يَتْرك روايته* (4) ووافقه أبوحنيفة (5) ، وخالفه الإمام فخر الدين وجماعة (6) .   (1) هذا النقل من المحصول (4/421) بمعناه ومفاده، وقد زاد المصنف فيه تعليلات من عند نفسه. (2) ساقطة من ق. (3) في س: ((ضده)) وهو تحريف. (4) نقل عن مالك قوله: ((ما كنا نأخذ الحديث إلا من الفقهاء)) انظر: ترتيب المدارك 1 / 125، إسعاف المبطأ للسيوطي ص 3 وقد فسَّر الولاتي مراد الإمام مالك بالفقه بأنه الفهم لمعنى الخبر الذي يرويه لأمن الغلط فيها. انظر: نيل السول شرح مرتقى الوصول ص 260. وقال حلولو "وعندي أن هذا المروي عن مالك لا يدلُّ على أنه يقول باشتراط الفقه في الراوي، بل لعلَّه على جهة الاحتياط ليبني عليه مذهبه، لا أنه يقول: لا تقبل الرواية إلا من فقيه" التوضيح شرح التنقيح ص (318) .. وممن نسب اشتراط الفقه في الراوي لمالك الشوشاوي في: رفع النقاب القسم 2/695، الرهوني في: تحفة المسئول القسم 2/603، وابن جزي في: تقريب الوصول ص298، والعلوي الشنقيطي في: نشر البنود 2/41. (5) لكن من الأحناف من يقيد "اشتراط الفقه في الراوي" فيما إذا خالفت الرواية القياس، ومنهم من لا يشترط الفقه أصلاً. انظر مذهب الحنفية في: أصول السرخسي 1/338، المغني في أصول الفقه للخبازي ص207، فتح الغفار لابن نجيم 2/80، تيسير التحرير 3/52، فواتح الرحموت 2/185. وممن اشترط الفقه في الرواية ابن حزم في الإحكام 1/133. (6) انظر: مذهب الإمام الرازي في المحصول 4/422، وانظر: إحكام الفصول ص366، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/68، شرح مختصر الروضة 2/157، البحر المحيط للرزكشي 6/213، شرح البدخشي 2/350. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 الشرح حجة مالك: أن غير الفقيه يسوء فهمه فيفهم الحديث على خلاف وضعه، وربما خطر له أن ينقله بالمعنى الذي فهمه مُعْرِضاً عن اللفظ (1) ، فيقع الخلل في مقصود الشارع، فالحزم (2) أن لا يُروى عن غير فقيه، [ولقوله صلى الله عليه وسلم "نضَّر الله امْرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ (إلى من) ليس بفقيه" (3) فجعل الحامل إما فقيهاً وغيره أفقه منه أو غيره جاهلاً (4) ، ولم يجعل من جملة الأقسام أن الحامل جاهل] (5) .   (1) سيأتي مبحث حكم رواية الحديث بالمعنى في الفصل العاشر. (2) في ق، س، ن: ((الجزم)) والمثبت من ز، م، ش وهو أنسب. (3) الحديث هكذا جاء رسمه في النسخ: ق، ص، و، م، ز، وهو ساقط من النسختين س، ش. بينما جاء في النسخة ن بلفظ: "وربّ حامل فقه ليس بفقيه" بدون الزيادة المثبة فيما بين الحاصرتين (إلى من) . والصواب حذف هذه الزيادة لأنها مخلَّة بمعنى الحديث، ولم أجدها في كلّ ما وقفت عليه من طرق وألفاظ الحديث. لكني لم أشأ حذفها بل أثبتها هنا كما هي؛ لأن المصنف أثبتها هنا وفي الفصل العاشر من هذا الباب، وفرَّع عليها استدلاله على اشتراط الفقه في الراوي بأن الحديث لم يجعل من جملة الأقسام أن الراوي ليس بفقيه. وهذا الاستدلال لم أجده إلا عند المصنف. والذي عليه جماهير العلماء استدلالهم بالحديث على أنه ليس من شرط المخبر أن يكون فقيهاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ورب حامل فقه ليس بفقيه". انظر: الرسالة للشافعي ص 403، إحكام الفصول 366 المحصول للرازي 4/422، روضة الناظرين 1/394، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/68. أما تخريج الحديث: فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرون صحابياً، وقيل ثلاثون. وقد أخرجه جمع غفير من المحدثين في كتبهم، من ذلك أبو داود (3660) ، والترمذي (2656) ، وابن ماجة (230) وغيرهم وصححه ابن حجر في موافقه الخُبْر الخَبَر 1/363 ـ 378، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول رقم الحديث (404) ..ومن العلماء من عدَّ الحديث من قبيل المتواتر. انظر: قطف الأزهار المتناثرة للسيوطي ص28. وقد أفرد هذا الحديث بالتصنيف ـ بجمع طرقه وألفاظه ـ أبو عمرو أحمد المديني ت (333هـ) في كتاب بعنوان: "جزء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها" تحقيق بدر البدر. دار ابن حزم ط (1) عام 1415هـ. وكذلك كتاب عظيم القدر للشيخ الدكتور/ عبد المحسن العباد بعنوان "دراسة حديث: نضّر الله امرأ سمع مقالتي.. رواية ودراية" مطابع الرشيد. ط (1) عام 1401هـ. (4) في ن: ((جاهل)) وهو متجه على أنه خبر و: ((غيره)) مبتدأه. (5) ما بين المعقوفين ساقط من س، ش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 حجة الجواز: قوله عليه السلام "يحمل هذا العلم من كلِّ خَلَفٍ عُدولُه" (1) ولم يشترط الفقه، فكان ساقطاً عن الاعتبار، ولأن العدالة تمنع من تبديل اللفظ إلا بشروطه، ومتى كان هذا هو لفظَ صاحب الشرع أو بدلَ لفظِه بشروطه، أمِنَّا الخَلَل فإن من شرط تبديل اللفظ مساواتَه في الدلالة. أمور لا تقدح في الراوي: قال الإمام (2) : ولا يُخِلُّ بالراوي تساهُله في غير الحديث، ولا جهلُه بالعربية، ولا الجهلُ بنسبه، ولا مخالفةُ (3) أكثر الأمة لروايته، وقد اتفقوا على أن (4) مخالفةَ الحُفَّاظ (5) لا تمنع من القبول، ولا كونُه على خلاف الكتاب، خلافاً لعيسى بن أبَان (6) . الشرح المقصود ضبط الشرائع فالتساهل في غيرها لا يضرُّ، إذا عُلم ضبطه وتشديده (7) في الحديث (8) .   (1) سبق تخريجه. (2) هذا النقل عن الإمام جاء في عدة مسائل متفرقة، فجمعها المصنف مختصرةً ونسبها إليه. انظر: المحصول (4/425، 426، 437، 438) . ثم إن المصنف ذكر في المتن ستة أمور لا تقدح في رواي الحديث، وذكر في الشرح الأدلة عليها. (3) في متن هـ: ((خلاف)) . (4) ساقطة من س. (5) في ن: ((الحافظ)) وهو متجه أيضاً، فيكون هذا من باب: إضافة المصدر إلى فاعله، والمثبت ـ هنا ـ من باب إضافة المصدر إلى مفعوله. (6) ممن عزا النسبة إليه: أبوبكر الجصاص في كتابه الفصول في الأصول 3/113، والمعتمد 2/154 وقواطع الأدلة 2/392، 412، والمحصول للرازي 4/438، والموافقات 3/189. وقال محمد المطيعي في سلم الوصول بحاشية نهاية السول للإسنوي (3/175) "وبذلك يعلم أن ما قاله عيسى بن أبان منفرداً به عن مشايخ الحنفية وعن أكثر العلماء لا وجه له ... " والواقع أنه قول جمهور الحنفية كما جاء في تقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي ص (377) رسالة دكتوراة بالجامعة الإسلامية، وأصول السرخسي 1/364، وكشف الأسرار للبخاري 3/20. (7) في ق: ((تسديده)) ولعل لها وجهاً سائغاً من حيث المعنى، وهو قريب من معنى ((الضبط)) ، والمثبت أولى لأن التأسيس مقدّم على التأكيد. (8) وقيل بردّ رواية المتساهل. انظر: أصول السرخسي 1/373، المسودة ص266، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2/148، رفع النقاب القسم 2/699 تدريب الراوي للسيوطي 1/401. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وإذا جَهِل العربيةَ فعدالته تمنعه أن يروى الحديث (1) إلا كما سمع وعلى إعرابه (2) وصورته، وأنه متى شكَّ في شيء تركه. [هذا كله أثر العدالة وهي موجودة] (3) فيُكْتفَى بها (4) . والجهل بنسبه إنما يتوقع منه التدليس به (5) ، وتركيبه على نَسَبٍ آخر [فيقع التدليس] (6) ، ولكنْ هذا أمرٌ يتعلق بالراوي عنه الذي يُدلّس به، أما هو فلا (7) . ومخالفة الأكثر [لروايته أو الحفاظ] (8) لا تقدح (9) ؛ لأنه قد ينفرد بما لم يطَّلعوا عليه (10) . حجة عيسى بن أبان (11) : ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا رُوي لكم عني   (1) ساقطة من ق، س. (2) في ق: ((إعبرابه)) وهو تحريف. (3) ما بين المعقوفين كُتب في ق هكذا: ((فهذه آثار العدالة)) . (4) انظر المسألة في: المعتمد 2 / 136، نهاية الوصول للهندي 7/2922، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/68، التوضيح لحلولو ص318، فواتح الرحموت 2 / 184. (5) ساقطة من س. (6) ما بين المعقوفين ساقط من س. (7) انظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي 7/2919، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/68، شرح الكوكب المنير 2/419، رفع النقاب القسم 2/699، فواتح الرحموت 2/184، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص533. (8) هكذا في ق، س، وفي ن: ((لرواية الحافظ)) وهو مقبول أيضاً. (9) في س، ن، ق: ((لا يقدح)) . والمثبت من و، ص، وهو الصواب، وقد سبق التنبيه على مثله. (10) في مخالفة الحفاظِ لما انفرد به الراوي الثقة حالتان: يُقْبل ما انفرد به في القَدْر الذي لم يخالفوه فيه، وأما في القَدْر الذي خالفوه فيه فقال الرازي: "الأولى أن لا يقبل، لأنه وإن جاز أن يكونوا سَهَوا وحفظ وهو، لكن الأقوى أنه سها وحفظوا هم، لأن السهو على الواحد أجْوزُ منه على الجماعة" المحصول (4/437) وبهذا يُعلم عدم تحرير المصنف قولَ الرازي في المسألة. ثم إن هذه المسألة تُعَنْون: ((بزيادة الثقة)) وسيأتي مزيد بحثها في الفصل العاشر وانظر: المنخول ص 280، آخر الكفاية في علم الرواية للبغدادي ص597، الإحكام للآمدي 2 / 108، نهاية الوصول للهندي 7 / 2948، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 72. (11) حجته على اشتراطه ـ في قبول الرواية ـ عدمَ مخالفتها للكتاب. والحقيقة بأن الخلاف لا أثر له، لأن قبول خبر الواحد مرهون بتوافر شروطه، ومن شروطه عدم مصادمته للقرآن، فيُنظر حينئذٍ إلى التخصيص والتقييد والتأويل والنسخ. وقد نصَّ الشافعي رحمه الله بأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخالف كتاب الله تعالى أبداً. انظر: الرسالة ص149، 221، 228، وانظر: المعتمد 2/154، قواطع الأدلة 2/392. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 حديثٌ فاعْرِضُوه على كتاب الله فإن وافقه (1) فاقبلوه وإن خالفه فردُّوه" (2) . جوابه: أنه مُعارَضٌ بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (3) ومن البيان التخصيص، والمخصِّص (4) ، مخالف للعام المخصَّص، فكان يلزم (5) ردُّه (6) وليس كذلك لظاهر الآية، ولأن ظاهر الحديث يقتضي ردَّه (7) وإن كان متواتراً وليس كذلك، بل يُحمل الحديث على ما إذا دلَّت قواطع الكتاب على نقيض مقتضاه مع تعذُّر التأويل (8) . هل العبرة في الراوي بما رأى أم بما روى؟ ولا كونُ مذهبه على خلاف روايته وهو مذهب أكثر* أصحابنا (9) ،   (1) في س: ((وافقوه)) ، وهو تحريف. (2) رواه الدارقطني في "سننه" (4/208) ، والطبراني في "المعجم الكبير" برقم (13276) ، وابن عدي في "الكامل" 4/1387، وغيرهم، عن ابن عمر وثوبان رضي الله عنهما. قال الشافعي في "الرسالة" ص (225) "ما روى هذا أحدٌ يثْبُت حديثه في شيءٍ صَغُر ولا كبر ـ ثم قال ـ وهذه أيضاً رواية منقطعة عن رجل مجهول". وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص (260) "قال الخطابي: وضعته الزنادقة، ويدفعه حديث: أوتيت القرآن ومثله معه. وكذا قال الصَّغاني..قلت: وقد سبقهما إلى نسبة وضعه إلى الزنادقة يحيى بن معين ... على أن في هذا الحديث الموضوعِ نفسِه ما يدل على ردّه، لأناَّ إذا عرضناه على كتاب الله خالفه، ففي كتاب الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7] ونحو هذا من الآيات" وقال أحمد شاكر "هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل ورد فيه ألفاظ كثيرة كلها موضوع أو بالغ الغاية في الضعف، حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد ... وقد كتب ابن حزم في هذا المعنى فصلاً نفيساً جداً في كتابه الإحكام (2/76 ـ 82) ، وروى بعض ألفاظ هذا الحديث المكذوب، وأبان عن عللها فشفى ... " هامش (4) من الرسالة للشافعي ص224. وانظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي ص175، الابتهاج في تخريج أحاديث المنهاج للغُمَاري ص103، سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني المجلد الثالث رقم (1087 ـ 1089) . (3) النحل، من الآية: 24. (4) في ن: ((التخصيص)) . (5) في ن: ((يلزمه)) . (6) في ق: ((دره)) وهو تحريف. (7) في ق: ((دره)) وهو تحريف. (8) هذا جواب على فرض التسليم بثبوته، ولا داعي لهذا الحمل إذا ثبتت نكارته وبطلانه. (9) لم يجعل المصنف من شرط قبول الرواية عدم مخالفة الراوي لما رواه، إذ العبرة بما روى، وهو رأي أكثر المالكية وعليه الجمهور. انظر: النبذ في أصول الفقه لابن حزم ص98، العدة لأبي يعلى 2/589، إحكام الفصول ص345، التبصرة ص343، قواطع الأدلة 2/419، الوصول لابن برهان 2/195، التوضيح لحلولو ص318، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للعلائي ص83. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وفيه أربعة مذاهب، قال الحنفية (1) : إن خصصه رُجِع إلى مذهب الراوي لأنه أعلم (2) . وقال الكرخي (3) : ظاهر الخبر أولى. وقال الشافعي (4) : إن خالف ظاهرَ الحديث رُجِع إلى الحديث، وإن كان (5) أحدُ الاحتمالين (6) . رجع إليه (7) . وقال القاضي عبد الجبار (8) : إن كان تأويله (9) على خلاف الضرورة ترك (10) وإلا وجب النظر في ذلك. الشرح هذه المسألة عندي ينبغي أن تُخصَّص (11) ببعض الرواة، فتحمل على الراوي المباشر للنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يحسن أن يقال هو أعلم بمراد المتكلم، أما مثل (12) مالك   (1) في ن: ((الحنفي)) . (2) هذا مقيد عند الحنفية بما إذا عمل الراوي بخلاف روايته بعد الرواية، أما قبلها أو لم يعرفْ تاريخه فليس ذلك بجرحٍ. انظر: أصول السرخسي 2/5، كشف الأسرار للبخاري 3/38، جامع الأسرار للكاكي 3/769، فواتح الرحموت 2 / 208. (3) انظر مذهبه في: ميزان الوصول للسرقندي ص 655، بذل النظر ص482، التقرير والتحبير 2/352، الأجوبة الفاضلة للكنوي ص222، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي لفضيلة شيخنا الدكتور حسين الجبوري ص86، وقد ذكر بأن النقل عن الكرخي في هذه المسألة غير متفق. (4) انظر النسبة إليه في: المحصول للرازي 4/439 وقال: "وهو ظاهر مذهب الشافعي"، الإحكام للآمدي 2/115، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/146. (5) في ق: ((رجح)) وهو شذوذ مخالف لجميع نسخ المتن والشرح. و ((كان)) هنا تامَّة بمعنى: حصل أو وُجد. (6) هنا زيادة: ((أولى)) في ن وهي شاذة. (7) معنى هذه العبارة: إذا كان مذهبُ الراوي وتأويلُه أحدَ محتملات ظاهر الحديث فإنه يُرجع إلى تأويل الراوي ومذهبه. وهذا يظهر جلياً في الأحاديث المجملة، والله أعلم. (8) انظر مذهبه في: المعتمد 2/175، المحصول للرازي 4/439، إرشاد الفحول 1/243. (9) في ق: ((تأوله)) . (10) في ن: ((تركه)) . (11) في ن: ((يخصص)) وهو تصحيف. (12) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 و (1) مخالفتِه لحديث بيع الخيار (2) الذي رواه (3) وغيره من الأحاديث فلا يندرج في هذه المسألة، لأنه لم يباشر المتكلّمَ حتى يحسن أن يقال فيه لعله شاهد من القرائن الحالية أو المقالية ما (4) يقتضي مخالفته، فلا تكون المسألة على عمومها (5) . حجة الاعتماد على الحديث مطلقاً: أن الحجة في لفظ صاحب الشرع لا في مذهب الراوي فوجب المصير إلى الحديث. حجة الحنفية: أن (6) المباشر يُحصِّل من القرائن ما يقتضي تخصيص العام، فيُرجع إليه في التخصيص، كما يُرجع إليه في أصل الحديث. حجة الشافعي: أن الحديث إذا كان له ظاهر رُجع إليه، لأن الحجة في ظواهر (7) الشريعة لا في مذاهب (8) الرواة، أما إذا لم يكن له ظاهر فقد سقطت الحجة منه فيعتمد على تفسير الراوي، لأنه أعلم بحال المتكلم ولم يعارضْه ظاهر شرعي، وهذا كاللفظ   (1) في ق: ((في)) بدل الواو وهو متجه أيضاً. (2) عرَّفه ابن عرفة بأنه: "بيْعٌ وقِّف بَتُّهُ أولاً على إمضاءٍ يُتَوقَّع" شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1/365. والمراد بالخيار هنا: خيار المجلس وهو: "أن يثبت الخيار للمتابعين مدةَ جلوسهما معاً حتى يتفرقا" مواهب الجليل 6/302. وأما حكمه: فقال المصنف في الذخيرة 5/20 "وخيار المجلس عندنا باطل، والبيع لازم بمجرد العقد، تفرَّقا أم لا، وقاله أبوحنيفة. وقال الشافعي وابن حنبل بعدم اللزوم، وخيار المجلس حتى يتفرقا أو يختارا الإمضاء، وحكاه أبوالطاهر عن ابن حبيب ... ". (3) رواه الإمام مالك في الموطأ (2/671) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المتبايعان كلٌ منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرَّقا إلا بيع الخيار" ورواه البخاري (2111) ومسلم (1531) . وانظر مذهب مالك في مخالفته لما رواه في المنتقى للباجي 5/55، التمهيد لابن عبد البر 24/290، 14/7، الاستذكار لابن عبد البر 20/222. (4) في س: ((فلا)) وهو تحريف. (5) قد نبه المصنف إلى هذا المعنى في باب العموم من هذا الكتاب (المطبوع) ص219. وانظر: نفائس الأصول 7/2998، التوضيح لحلولو ص319. (6) ساقطة من ن. (7) في ن: ((ظاهر)) . (8) في س: ((مذهب)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 المشترك (1) ، كما إذا (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعتدِّي بقرء وقرء وقرءة فحمله الراوي على الأطهار صحَّ ذلك (3) . وأما مذهب القاضي عبد الجبار فقد حكى خلافاً وذلك عَسِرٌ؛ لأن ما هو على خلاف الضرورة كيف يمكن أحداً (4) أن يقول هو معتبر؟! فكأنه تفسير لا خلاف (5) . وأما قوله: ((نظر في ذلك)) ، فهو خلافٌ لمن جَزَم بتقديم الخبر أو (6) المذهب، ووجهه: أنه موضعُ تَعَارُضٍ لما تقدَّم من المدارك المتعارضة، فينظر في كل مادة ما يقتضي ترجيح بعض ذلك (7) [على بعض] (8) . حكم قبول الخبر في مسائل الاعتقاد وإذا ورد الخبر في مسألة علمية (9) وليس في الأدلة القطعية ما يَعْضُده رُدَّ؛   (1) عرَّفه المصنف في الفصل السادس من الباب الأول ص (29) من المطبوع. بأنه ((اللفظ الموضوع لكل واحدٍ من معنيين فأكثر كالعين)) فالعين تطلق على الباصرة والجارية والذهب. انظر: الكليات للكفوي مادة "عين" ص599، 642. (2) في ق: ((لو)) . (3) القُرْء والقَرْء بالضم والفتح يطلق على الحيض والطهُّر. انظر: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث، عمدة الحفاظ جميعها مادة "قرأ". (4) هكذا في ق، ص، وهو الصواب، ويكون حينئذٍ منصوباً بنزع الخافض، تقديره: لأحدٍ. وفي سائر النسخ ((أحدٌ)) ولستُ أعلم وجهه. ولو قال المصنف: ((كيف يمكن أن يقول أحدٌ هو معتبر؟!)) لكان أبعد عن الإشكال. (5) هنا زيادة ((فيه)) وهي شاذة تفردَّت بها نسخة: ق. وتوضيح هذه العبارة: أن القاضي عبد الجبار لما قال: إن كان مذهب الراوي يخالف الرواية ضرورةً، فكأنه يصوِّر خلافاً في هذه الحالة، وهو عَسِرٌ، لأن كل من خالف الضرورة لا يُلْتفُ إلى قوله، وهذا باتفاق. فآلت حكاية القاضي عبد الجبار للخلاف تفسيراً وشرحاً. والله أعلم. (6) في س: ((أن)) وهو تحريف. (7) معنى هذه العبارة: أن قول القاضي عبد الجبار: إذا لم يكن مخالفاً للضرورة فننظر في المرجحات. هذا القول مخالف لمن جزم بتقديم الرواية مطلقاً، ومخالفٌ لمن جزم بتقديم مذهب الراوي مطلقاً. وانظر: رفع النقاب القسم 2/507. (8) ساقطة من ن. (9) المسائل العلمية هي: مسائل الاعتقاد التي يعلمها السامع ويعتقدها كصفات الرَّبِّ تبارك وتعالى، ورؤيته في الآخرة، وعذاب القبر ونعيمه، وإثبات العرش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 لأن الظن لا يكفي في القطعيات وإلا قُبِل (1) . الشرح مسائل أصول الدين المطلوب فيها اليقين وهو المكلف به فيها عند الجمهور، فإذا ورد ما يفيد الظن وفي الأدلة العقلية ما يقتضي ذلك المطلب بعينه حصل المقصود بذلك القطعي (2) وبقى السَّمْعي مؤكِّداً (3) له ومؤنِّساً؛ فإن اليقين بما ورد فيه السمع والعقل   (1) هذه المسألة مفرَّعة على مسألة: إفادة خبر الآحاد العلمَ، التي سبقت الإشارة إليها، فمن قال بإفادة الآحاد الظن لم يقبله في مسائل الاعتقاد، ومن قال بإفادته العلم احتج بالآحاد في مسائل الاعتقاد. والذي أعتقده صواباً في هذه المسألة أن خبر الآحاد حجة في العقائد والأحكام. قال ابن عبد البر "ليس في الاعتقاد في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في كتاب الله أو صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يُسلّم له ولا يناظر فيه" جامع بيان العلم وفضله (2/ 943) . وقال أبو المظفّر السمعاني "وكذلك أجمع أهل الإسلام ـ متقدموهم ومتأخروهم ـ على رواية الأحاديث في صفات الله عز وجل، وفي مسائل القدر والرؤية وأصول الإيمان والشفاعة والحوض وإخراج الموحِّدين المذنبين من النار، وفي صفة الجنة والنار ... وفضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب الصحابة وأخبار الأنبياء المتقدمين عليه، ما أشبه ذلك مما يكثر عدُّه ذكره. وهذه الأشياء كلها علمية لا عملية، إنما تروى لوقوع علم السامع بها. فإذا قلنا إن: خبر الواحد بها لا يجوز أن يُوجِب العلمَ، حملنا أمر الأمة في نقل هذه الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين هاذِّين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً ولا ينفعه، ويصير كأنهم قد دوَّنوا في أمور الدين مالا يجوز الرجوع إليه، والاعتماد عليه " الانتصار لأصحاب الحديث ص 36 - 37..وانظر أيضاً: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ص (479 ـ 761) ، شرح الكوكب المنير 2/352، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص (179 - 184) . وهناك كتبٌ استبحرت في معالجة هذا الموضوع الخطير معالجةً مُحْكمةً، منها: 1 - وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، والرد على شبه المخالفين للألباني. 2 - أصل الاعتقاد د. عمر الأشقر. 3 - الأدلة والشواهد على وجوب العلم بخبر الواحد في الأحكام والعقائد. سليم الهلالي. 4 - حجية أحاديث الآحاد في الأحكام والعقائد للأمين الحاج محمد أحمد. 5 - حجية الآحاد في العقيدة ورد شبهات المخالفين د/ الوهيبي. (2) في ن: ((العقيلي)) . (3) في ن: ((مؤكد)) وهو خطأ نحوي، لأنه حال منصوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 [أشد] (1) بخلاف العقل وحده (2) ، وإن لم يكن غيره رُدَّ لعدم الفائدة فيه، لأن ما يفيده ذلك الخبر لا يعتبر، والذي هو معتبر لا يفيده ذلك الخبر، فيسقط (3) اعتباره. حكم الخبر فيما تعمُّ به البلوى وإنْ اقتضى عملاً تعمُّ به البلوى (4) قُبِل عند المالكية (5) والشافعية (6) ، خلافاً للحنفية (7) . لنا حديث عائشة المتقدِّم في التقاء الختانين (8) الشرح قالت الحنفية: ما تعم به البلوى شأنه أن يكون معلوماً عند الكافة، لوجود سببه عندهم، فيحتاج كلٌّ منهم لمعرفة حكمه، فيسأل عنه ويُروَى الحديث فيه، فلو كان فيه حكم لعلمه الكافَّة، فحيث [لم يعلمه الجمهور] (9) دلَّ ذلك (10) على بطلانه.   (1) هذه الزيادة أثبتُّها من النسختين و، ص، وهي تضفي معنىً مناسباً للسياق أنسب من عدمها. والله أعلم. (2) هذا بناءً على القول بحصول التفاوت في العقليات، وهي مسألة خلاف، وتترجم بـ: "تفاوت العلم". والأرجح ـ والله أعلم ـ حصول التفاوت. انظر: كشف الأسرار للنسفي 1/311، مجموع فتاوى ابن تيمية 7/564، البحر المحيط للزركشي 1 / 79، رفع النقاب القسم 2/707، شرح الكوكب المنير 1/61، القطع والظن عند الأصوليين د. سعد بن ناصر الشثري (1/27) وفيه بحث نفيس. (3) في ق: ((مسقط)) . (4) معنى: خبر الآحاد فيما تعمّ به البلوى: أي ما تمس إليه حاجة الناس في عموم الأحوال ويكثر السؤال عنه. وقد سبق التعريف بعموم البلوى. (5) انظر مذهبهم في: إحكام الفصول ص344. الضروري في أصول الفقه (مختصر المستصفى) لابن رشد ص81، تحفة المسئول للرهوني القسم 2 / 631، التوضيح لحلولو ص319. (6) انظر مذهبهم في: المستصفى 1 / 321، شرح اللمع للشيرازي 2/606، المحصول للرازي 4/442، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص62. وهو مذهب الحنابلة والظاهرية أيضاً، انظر: العدة للقاضي أبي يعلى 3/885، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 389، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/233، الإحكام لابن حزم 1/153. (7) لكن خلاف الأحناف مقصور على ما إذا كان حكم مسألة عموم البلوى الوجوب. أما المندوب فيقبلون فيه خبر الواحد. انظر: أصول السرخسي 1/368، كشف الأسرار للنسفي 2/52، كشف الأسرار للبخاري 3/35، التقرير والتحبير 2 / 394. (8) سبق تخريجه. (9) ما بين المعقوفين كتب في ق: ((لم يعلموه)) . (10) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وقد نقضوا أصلهم بأحاديث قبلوها فيما تعم به البلوى، فأثبتوا الوضوء من القهقهة (1) والفِصَادة (2) والحِجَامة (3) (4) أخبار آحاد، مع [أن هذه الأمور] (5) مما تعم بها (6) البلوى، وكذلك الوضوء من القيء والرعاف (7) ونحو ذلك*. واحتجوا أيضاً (8) بقوله تعالى: {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً} (9) خالفناه في قبول خبر الواحد إذا لم تعم به البلوى، فيبقى على مقتضى الدليل فيما عداه،   (1) أحاديث القهقهة رويت مرسلة ومسندةً. فمن المرسل حديث أبي العالية: أن رجلاً تردَّى في بئر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة. رواه أبو داود في مراسيله ص 118. ومن المسند: حديث ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضحك في الصلاة قهقهةً فليُعدْ الوضوء والصلاة" رواه ابن عدي في الكامل (3/167) ، ومنها حديث أبي هريرة في سنن الدارقطني (1/164) . وهذه الأحاديث مخرجةً باستيفاء في "نصب الراية" للزيلعي (1/47ـ54) وفي أسانيدها نظر، ولهذا قال الإمام أحمد وغيره: ليس في الضحك حديث صحيح انظر: تلخيص الحبير لابن حجر 1/ 115. (2) في ق: ((القصد)) . (3) استدلوا بحديث تميم الداري مرفوعاً "الوضوء من كل دم سائل" رواه الدارقطني في سننه (1/157) وفيه انقطاع وجهالة. انظر: نصب الراية للزيلعي 1/37. (4) هنا زيادة كلمة: ((بأحاديث)) في ن، س، ولا حاجة لها. (5) ما بين المعقوفين في ق: ((أنها)) . (6) في ن، ق ((به)) وهو سائغ باعتبار عود الضمير على ((ما)) المصولة في قوله: ((مما تعم)) . والمثبت: وجهه عود الضمير إلى ((الأمور)) . (7) استناداً إلى حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أصابه قيء أو رعاف أو قَلَس أو مَذْيٌ فلينصرف فليتوضأ ثم ليبْنِ على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم" رواه ابن ماجة (1221) . وصححه الزيلعي في "نصب الراية" 1/38. وضعفه البوصيري. انظر: سنن ابن ماجة 2/69..وانظر مسألة نواقض الوضوء بهذه الأشياء عند الأحناف في: بدائع الصنائع 1/37، 48، شرح فتح القدير 1/39، 51. تنبيه: مهَّد المصنف العذر للأحناف في نفائس الأصول (7/3003) بأن بإمكانهم ادعاء التواتر في زمن أبي حنيفة، لأنه أدرك الصدر الأول وعشرة من الصحابة، فلا يلزم من عدم تواترها عندنا عدم تواترها عنده" وفي الحقيقة هذا اعتذار ضعيف لأن ادعاء التواتر والاشتهار أمرٌ موكولٌ إلى أهله في هذا الشأن، وهم أهل الحديث وأئمته. والله أعلم. وانظر: شرح مختصر الروضة 2/235. (8) ساقطة من ن. (9) يونس، من الآية: 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وهو معارَضٌ بقوله تعالى: س {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (1) ومقتضاه الجزم بالعمل عند عدم الفسق كان فيما تعم به (2) البلوى أم لا   (1) الحجرات، من آية: 6. (2) في ق: ((فيه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 الفصل التاسع في كيفية الرواية (1) مراتب رواية الصحابي ص: إذا قال الصحابي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أو أخبرني أو شافهني فهذا أعلى المراتب (2) . وثانيها: أن يقول: قال عليه السلام (3) . وثالثها: [أن يقول] (4) أمَر (5) بكذا أو نَهَى عن كذا، فهذا (6) كله محمول عند المالكية (7) على أمره عليه السلام، خلافاً لقوم (8) .   (1) بحث علماء الأصول وعلماء الحديث كيفيات تحمُّل الرواية وأدائها وألفاظ الرواية ومراتبها وحكمها، ووقع بينهم اختلاف في التقسيم والترتيب والحصر، ولا ضير في ذلك إذ الغاية من معرفة ألفاظ الرواية ومراتبها الحكم عليها من جهة القبول والرفض. والله أعلم. (2) حكم هذه المرتبة: أنها حجة مجمع عليها، لعدم تطرّق الاحتمال إليها، وهي الأصل في الرواية والتبليغ. انظر: المستصفى 1/309، الإحكام للآمدي 2/95، الإبهاج 2/328، البحر المحيط للزركشي 6/296، شرح الكوكب المنير 2/481، نشر البنود 2/62. (3) حكم هذه المرتبة: أنها حجة عند الأكثرين؛ لأن قول الراوي: ((قال عليه الصلاة والسلام)) ظاهره النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابي لا يقول ذلك إلا وقد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن قدامة في روضة الناظر (1/342) ((ولهذا اتفق السلف على قبول الأخبار مع أن أكثرها هكذا، ولو قُدِّر أنه مرسل فمرسل الصحابي حجة)) . انظر: التمهيد لأبي الخطاب 3/185، الإحكام للآمدي 2/95، نهاية الوصول للهندي 7/3000، التقرير والتحبير 2/350، التوضيح لحلولو ص320. (4) ساقطة من جميع النسخ، والمثبت هنا من نسخة ن، وهو الأنسب تمشِّياً مع سياق جميع المراتب المذكورة. (5) هنا زيادة: ((عليه السلام)) في جميع نسخ المتن والشرح ما خلا النسختين س، ومتن د. وقد رأيت إسقاطها؛ لأن المصنف سيذكر في الشرح ـ بعد قليل ـ ما يدلُّ على عدم ذكر الفاعل، وأن لفظ ((أَمَر بكذا ونَهى عن كذا)) يحتمل أن يكون فاعل هذا الأمر هو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره. انظر هامش (10) ص (271) . (6) س، متن هـ، ن: ((وهذا)) . (7) انظر: إحكام الفصول ص (385) ، تقريب الوصول ص (304) ، نيل السول للولاتي ص (151) ، وهذا مذهب الجمهور، قال الآمدي في الإحكام (2/96) : ((والذي عليه اعتماد الأكثرين أنه حجة، وهو الأظهر، وذلك لأن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة أن يكون عارفاً بمواقع الخلاف والوفاق ... )) وانظر: العدة لأبي يعلى 3/999، المحصول للرازي 4/446، فواتح الرحموت 2/206، الكفاية في علم الرواية للبغدادي ص 419. (8) نُسب إلى داود الظاهري وبعض المتكلمين. انظر: التلخيص للجويني 2/411، التمهيد لأبي الخطاب 3/186، البحر المحيط للزركشي6/297، التبصرة والتذكرة (شرح ألفية العراقي) 1 / 127. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 الشرح الفرق بين قال وما قبلها، أن قوله: ((قال)) يصدق مع الواسطة وإن لم يُشَافَهْ، كما يقول أحدنا اليوم: قال النبي عليه السلام، [وإن كان لم يسمعه] (1) ، ولا شك أن اللفظ الدال على المشافهة أنَصُّ (2) في المقصود وأبعد عن الخلل المتوقع من الوسائط. ودون ذلك أمر أو نهى؛ لأنه يدخله احتمالُ الوسائط وتوقُّعُ الخلل من قِبَلها مضافاً إلى الخلل الحاصل من اختلاف الناس في صيغتي (3) الأمر والنهي، هل هما للطلب الجازم أو (4) لا؟ (5) واحتمال آخر وهو أن ذلك الأمر للكل أو للبعض (6) وهل (7) دائماً أو غير دائم (8) ؟ وقولي: ((إنه محمول عند المالكية على أمره عليه السلام)) : أريد إذا لم يُذْكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر، بل يقول الراوي: أمر بكذا أو أمرنا بكذا، فان (9) اللفظ يحتمل أن فاعل هذا الأمر هو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره (10) ، لكن العادة أن من له رئيس معظّم فقال أمر بكذا أو   (1) في ق: ((وإن لم يكن سمعه)) . (2) في ن: ((نص)) . (3) في ن: ((صيغة)) . (4) في س، ن: ((أم)) وهو مالا يجيزه الأكثر، وجوَّزه سيبويه. انظر الهامش (6) ص 29. (5) راجع مسألة صيغة الأمر موضوعة للوجوب أم لغيره ص (177) من هذا الكتاب (المطبوع) . (6) راجع مسألة قول الصحابي: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا أمر أو قضى بكذا" هل يقتضي العموم ص (188) من هذا الكتاب (المطبوع) . (7) ساقطة من ق. (8) راجع مسألة الأمر للتكرار والاستمرار أم لا ص (130) من هذا الكتاب المطبوع. (9) في ن: ((لأن)) . (10) هنا يبدو وقوع المصنف في خلطٍ بين المرتبة الثالثة هذه، والمرتبة الرابعة التي في المتن التالي، فقد جعلهما سواءً في عدم تسمية الفاعل. والذي وقفتُ عليه في كتب الأصوليين والمحدثين هو التفريق بينهما بأن صيغة المرتبة الثالثة ((أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهى عليه الصلاة والسلام عن كذا)) ففيها التصريح بفاعل الأمر أو النهي، أما المرتبة الرابعة فصيغتها "أُمِرْنا بكذا أو نُهينا عن كذا" لم يُسمَّ فيها الفاعل. وهذا الفرق هو الذي جعل المرتبة الرابعة أحط من المرتبة الثالثة والله أعلم. انظر: العدة للقاضي أبي يعلى 3/992، 1000، إحكام الفصول ص 385، 386، المحصول للرازي 4/446، 447، الضياء اللامع لحلولو 2/219، فواتح الرحموت 2/207، الكفاية في علم الرواية ص 419ـ420، شرح ألفية السيوطي في الحديث 1 / 104، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص569 ـ 571. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أمرنا بكذا، إنما يريد أمر رئيسه، ولا يفهم عنه إلا ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو عظيم الصحابة ومرجعهم والمشار إليه في أقوالهم وأفعالهم. فتنصرف إطلاقاتهم إليه صلى الله عليه وسلم، أما مع تعيين الفاعل للأمر فلا يبقى هنالك احتمال ألبتَّة (1) . حجة غير المالكية: أن الفاعل إذا حذف احتمل (2) النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فلا نثبت شرعاً بالشك*. وجوابه: ظاهر الحال صارف للنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدَّم تقريره. ص: ورابعها: أن يقول: أُمِرْنا بكذا أو نُهِيْنا عن كذا (3) ، فعندنا (4) وعند الشافعي (5) يحمل على أمره ونهيه (6) صلى الله عليه وسلم، خلافاً للكرخي (7) . وخامسها: أن يقول: السنة كذا، فعندنا يحمل على سنته عليه السلام* خلافاً لقوم (8) .   (1) مراده ـ والله أعلم ـ لا يبقى احتمال في أن يكون فاعل هذا الأمر هو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، لكن يبقى الاحتمالان السابقان اللذان ذكرهما المصنف قريباً، وهما: دخول الوسائط أو حصول خللٍ في فهم صيغة الأمر والنهي. (2) في ن: ((احتمال)) وهو تحريف. (3) بصيغة البناء للمجهول أو على ما لم يسمَّ فاعله. وكذا إذا قال: رُخَّص لنا، وأبيح لنا، وحُرِّم علينا. (4) انظر: إحكام الفصول ص386، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 605، التوضيح لحلولو ص321، نشر البنود 2/64. (5) انظر: الوصول لابن برهان، 2/198، المحصول للرازي 4/447، نهاية السول للإسنوي 3/178، الكفاية في علم الرواية ص 420. هذا هو مذهب الجمهور ومنهم الحنابلة انظر: العدة لأبي يعلى 3/991، التمهيد لأبي الخطاب 3/177 وهو مذهب عامة الأحناف، قال علاء الدين السمرقندي في ميزان الأصول ص (659) ((قال عامة مشايخنا بأنه يكون حجةً ... )) وانظر: كتاب في أصول الفقه للاَّمشي ص151، تيسير التحرير 3/169، وانظر تدريب الراوي للسيوطي 1/208. (6) أثبتتْ من النسختين ز، م، وقد خلت منها سائر النسخ. (7) وكذا السرخسي والصيرفي وداود وابن حزم، وحجتهم: أن قول الصحابي ((أمرنا)) يتطرق إليه ثلاثة احتمالات: الواسطة، اعتقاد ما ليس بأمرٍ أمراً، كون الآمر غير النبي صلى الله عليه وسلم من العلماء أو الأمراء. انظر: الإحكام لابن حزم 1 / 208، التبصرة ص 331، أصول السرخسي 1 / 380، المنخول ص 279، بذل النظر ص 478، البحر المحيط للزركشي 6 / 299، التقرير والتحبير 2 / 351، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص 563، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي لشيخنا د. حسين الجبوري ص 78. (8) الخلاف في هذه المسألة كسابقتها، ولهذا من الأصوليين من دمجهما في مرتبةٍ واحدةٍ. انظر: المراجع السابقة المذكورة في هامش (4) ، (5) من هذه الصفحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 الشرح قد [تقدم تقرير] (1) أمرنا ونهينا (2) . وأما السنة فأصلها في اللغة: الطريقة (3) ، ومنه سنن الطريق (4) الذي يُمْشَى (5) فيه، غير أنها في عرف الاستعمال صارت موضوعة لطريقته (6) عليه السلام في الشريعة، فمن رجَّح اللغة توقَّفَ لعدم تعين ذلك النوع من السنة التي تقتضيها اللغة (7) ، ومن لاحظ النقل (8) حمله على الشريعة. وللعلماء خلاف في لفظ السنة، فمنهم من يقول: السنة هو المندوب (9) ولذلك تُذْكر قُبَالة الفرض، فيقال فروض الصلاة كذا (10) [وسننها كذا] (11) ، ومنهم من يقول: السنة ما ثبت من قبله (12) عليه السلام بقول (13) أو فعل [غير القرآن] (14) كان واجباً أو سنةً (15) ، فيقال من السنة كذا، ويريد أنه وجب (16) بالسنة، ولذلك يقول الشافعي الختان   (1) في ن: ((تقرر تقدم)) والمثبت أوضح في المعنى. (2) انظر ص (271) وانظر هامش (10) ص (271) . (3) أصل السُّنة من قولهم: سننْتُ الشيء بالمِسَنِّ، إذا أمررته عليه حتى يؤثِّر فيه سَنَناً، أي: طرائق. وتطُلق السنة على السيرة؛ حميدة كانت أم ذميمة. انظر: لسان العرب، المصباح المنير، تاج العروس جمعيها مادة: "سنن ". وانظر: البحر المحيط للزركشي 6/5. (4) سَنَن الطريق وسُنَنه وسِنَنه وسنُنُه أي: نَهْجه ومحجته وجهته. انظر: لسان العرب، القاموس المحيط كلاهما مادة " سنن ". (5) هنا زيادة: ((هو)) في ن، ولا حاجة لها. (6) في ق، س: ((لطريقه)) . (7) ساقطة من س. (8) انظر كلام المصنف على " النَّقل " في اللغةِ والخلاف فيه في هذا الكتاب ص (43) من المطبوع. (9) هذا إطلاق للسنة في عُرْف الفقهاء. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3 / 148، الدرر النقي في شرح ألفاظ الخرقي لابن المبرد 1/67. (10) ساقطة من ن. (11) ما بين المعقوفين ساقط من س. (12) في س: ((فعله)) وهو تحريف. (13) في ق: ((من قول)) . (14) ساقطة من ن. (15) هذا إطلاق للسنة في عُرْف الأصوليين، ولو زاد في التعريف "أو تقرير" لكان أكمل، وإن كان بعضهم يُدخل التقرير في الفعل؛ لأن التقرير عبارة عن الكفّ عن الإنكار، والكفُّ فِعْل. انظر: الإحكام للآمدي 1/169، منتهى السول والأمل ص47، نهاية السول للإسنوي 3/5، شرح الكوكب المنير 2/160 (16) في ن: ((واجب)) وهو سائغ أيضاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 من السنة وهو عنده واجب (1) ، ومنهم من يقول: السنة ما فعله عليه السلام وواظب عليه (2) . ص: وسادسها: أن يقول عن النبي عليه السلام، فقيل: يُحمل على سماعه هو، وقيل: لا. الشرح يحتمل أن يكون المراد رَوَى عن النبي، فلا يلزم أن يكون هو سامعاً، أو يكون المراد أخذْتُ (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أو نقلتُ [عن النبي صلى الله عليه وسلم] (4) فيكون هو السامع (5) ، فاللفظة (6) محتملة (7) ، فمنهم من غلَّب ظاهر حال (8) الصحابي، [وأن الغالب عليه أن يكون] (9) هو   (1) في حكم الاختتان ثلاثة آراء، الأول: أنه واجب في حق الرجال والنساء وهو الصحيح المشهور من مذهب الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة. الثاني: أنه واجب في حق الرجال ومكرمة أو مستحب في حق النساء. وهو قول بعض الشافعية ورواية عند الإمام أحمد. الثالث: أنه سنة في حق الرجال والنساء وهو مذهب الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية. انظر: المجموع شرح المهذب 1/349، طرح التثريب للعراقي 2/75، شرح فتح القدير لابن الهمام 1/63، المنتقى للباجي 7/232. معونة أولى النهي لابن النجار 1/247، تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص 100. (2) وكذلك تطلق السنة على ما يقابل البدعة، فيقال: أهل السنة وأهل البدعة. انظر: الفِصَل في الملل والنحل (2/271) ، الموافقات للشاطبي (4/290) ـ والسنة عند المحدثين: كل ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو تقرير أو صفةٍ خَلْقية أو خُلُقية أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أم بعدها. انظر: توجيه النظر للجزائري 1/37، السنة ومكانتها من التشريع الإسلامي للسباعي ص48، وقد توسَّع شيخنا د. شعبان محمد إسماعيل في تعريفات " السنة " في كتابه: دراسات حول القرآن والسنة ص (80 - 95) فطالعه ثمة. (3) في س: ((أُحدِّث)) وهو سائغ أيضاً. (4) ما بين المعقوفين ساقط من س، ق. (5) قال المصنف في كتابه: نفائس الأصول (7/3009) ((إن هذه الصيغة تحتمل في العامل في المجرور أمرين، أحدهما: تقريره روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهةً. وثانيهما: نُقل لي عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأول ظاهر حال الصحابي؛ لأن النفوس مجبولة على طلب علو السند، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، والصحابي متمكّن من سؤاله، فلا يتركه تحصيلاً لزيادة الظن أو اليقين)) . (6) في ق: ((فاللفظ)) . (7) في ق: ((محتمل)) ، وفي ن: ((مجملة محتملة)) . (8) ساقطة من س، ن. (9) ما بين المعقوفين في ق: ((من أنّه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 السامع فجَعَله (1) مباشراً، أو ينظر إلى احتمال اللفظ فلا تتعين المباشرة (2) . ص: وسابعها: كُنَّا نفعل كذا، وهو يقتضي كونه شرعاً (3) . الشرح لأن مقصود (4) الصحابي أن يخبرنا بما يكون شرعاً بسبب أنهم كانوا يفعلون ذلك، وأن الغالب اطلاعه عليه السلام على ذلك وتقريره عليه (5) ، وذلك يقتضي الشرعية (6) ،   (1) في ق: ((فيكون)) . (2) جاء في " فواتح الرحموت " (2/207) بأن أكثر أهل الأصول في هذه الرتبة على احتمال الإرسال، وأن لفظة ((عن)) تدلُّ على الواسطة، لكن يكون حجة بناء على مسألة تعديل الصحابة. وانظر: المعتمد 2/174، نهاية الوصول للهندي 7/3006، الإبهاج 2/330، البحر المحيط للزركشي 6/304، علوم الحديث لابن الصلاح ص61. (3) هذه المرتبة ذكر لها ابن السبكي وغيره أربعة ألفاظ؛ أعلاها: كناَّ معاشر الناس، أو كانت الناس تفعل كذا في عهده صلى الله عليه وسلم، وهذه حجة؛ لأن ظاهره الإجماع مع تعضيده بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: كناّ نفعل كذا في عهده صلى الله عليه وسلم، فهذه دون ما قبلها لاحتمال عود الضمير في "كنَّا" إلى طائفة مخصوصة، وهل لها حكم الرفع؟ فيه خلاف. الثالث: كان الناس يفعلون كذا، دون إضافته إلى عهد النبوة، فهذه دون الثانية من جهة عدم التصريح بعهده صلى الله عليه وسلم، وفوقها من جهة تصريحه بجميع الناس، وهل تكون حكاية إجماع؟ فيه خلاف. الرابع: كنا نفعل كذا، أو كانوا يفعلون كذا، أو كان يُفعل كذا، وهو دون الكلّ، لعدم التصريح بالعهد وبما يعود عليه الضمير، ألطائفةٍ أم للناس؟ . وهل هو موقوف أو له حكم الرفع؟ فيه خلاف. وبهذا تُدْرك عدم تحرير المصنف لألفاظ هذه المرتبة. انظر هذه الألفاظ وأحكامها مستوفاةً في: الإبهاج 2/330، البحر المحيط للزركشي 6/305، التوضيح لحلولو ص (322) . وانظر: العدة لأبي يعلى 3/998، إحكام الفصول ص388، قواطع الأدلة 2/198، 470، المستصفى 1/249، تيسير التحرير 3/69، فواتح الرحموت 2/207، نشر البنود 2/65، الكفاية في علم الرواية ص 422، تدريب الراوي 1/204، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص555. (4) في ق: ((قصد)) . (5) قال المصنف في كتابه: نفائس الأصول (7/3010) ((يكفي في تنبيهنا على شرعيته أن الراوي رأى السواد الأعظم يفعله، فيغلب على ظنه أنهم على الصواب، فيخبرنا بذلك، سواء اطلع على علم النبي عليه الصلاة والسلام أم لا. وقد كان مالك وجماعة من العلماء يعتمدون على أقضية الصحابة وإن صدر ذلك من بعضهم، من غير أن ينضم إليه علم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، لقوله عليه السلام: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) ـ سبق تخريجه_ فلعلّ هذا مدرك الراوي)) . (6) في ن: ((الشريعة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وأيضاً فالصحابة رضوان الله عليهم يقتضي حالهم أنهم لا يُقِرُّون بين أظهرهم إلا ما يكون شرعاً، فيكون ذلك شرعاً. مراتب رواية غير الصحابي ص: وأما غير الصحابي: فأعلى مراتبه أن يقول: حدَّثني أو أخْبَرني [أو سمعتُه (1) ، وللسامع منه أن يقول حدثني أو أخبرني أو سمعته يحدّث عن فلان، إن قصد إسماعه خاصةً أو في جماعة، وإلا فيقول] (2) : سمعته يحدث (3) . الشرح إذا حدَّث جماعةً هو أحدُهم صَدَق لغةً أن يقول: حدثني وأخبرني، وأما إذا لم يقصِدْ إسماعَه ولا إسماع جماعةٍ هو فيهم لا يصْدُق أنه حدَّثه ولا أخبره، بل يصدق أنه سمع فقط، فإن سماعه (4) لا يتوقف على [قصد إسماعه] (5) . ص: وثانيها (6) : أن يقول له (7) : أسمعت هذا من فلان؟ فيقول (8) : نعم، أو يقول (9) بعد الفراغ (10) : الأمر كما قُرِيء (11) ، فالحكم مثل الأول في وجوب العمل ورواية   (1) في ن: ((سمعت)) . (2) ما بين المعقوفين ساقط من س. (3) هذه المرتبة يصطلح عليها المحدثون بالسماع من الشيخ سواء من صدره أو سطره. ويسمّيها الأصوليون: قراءة الشيخ، وفي كون هذه المرتبة أعلى من التي تليها وهي: القرآءة على الشيخ خلافٌ، مع الاتفاق بكونهما أعلى المراتب. انظر: المستصفى 1/309، المحصول للرازي 4/450، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/203 كشف الأسرار للبخاري 3/78، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/69، البحر المحيط للزركشي 6/309، التوضيح لحلولو ص323، شرح الكوكب المنير 2/490 فواتح الرحموت 2/210، علوم الحديث لابن الصلاح ص132، فتح المغيث للسخاوي 2/151، ظفر الأماني للكنوي ص504. (4) هنا زيادة: ((هو)) في ن، س. (5) في س: ((قصده سماعاً)) والمثبت أوضح في المراد. (6) في س: ((وثالثها)) وهو تحريف. والمرتبة الأولى هي المذكورة في المتن السابق. (7) أي: أن يقول الراوي لشيخه بعد القراءة. (8) أي: الشيخ. (9) أي: الشيخ. (10) أي: بعد فراغ التلميذ من القراءة. (11) تسمَّى هذه المرتبة بالقراءة على الشيخ أو العرض أو عرض القراءة. انظر المراجع السالفة في هامش (3) في هذه الصفحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 السامع (1) . الشرح لأن لفظة ((نعم)) في لغة العرب تقتضي إعادة الكلام الأول وتقريره، فإذا قلْتَ لغيرك: أقام زيد؟ فيقول: نعم، تقديره: نعم قام زيد، فإذا قيل له: أسمعت هذا؟ فقال (2) : نعم؛ [تقديره: نعم] (3) سمعته. وقوله الأمر كما قُرِيء المراد بالأمر مسموعه وما ضَبَطه، تقديره الذي سمعْتُه وضبطْتُه (4) مثلُ الذي قُرِيء، فيكون عين المسموع له، لأنا (5) لا نعني بعينه إلا ذلك، فإن اللفظ إذا أعيد بعينه كان الثاني مثل الأول قطعاً، وكلما كرَّر الإنسان (6) الفاتحة كانت أصواته الثانية مِثْلَ أصواته الأولى (7) لا عَيْنَها، بل هي أمثالٌ تُكَرَّرُ.   (1) قال الشوشاوي في " رفع النقاب " القسم 2/726 ((أما كون هذا القسم مثل القسم الأول في وجوب العمل فهو أمر متفق عليه. أما كونه مثل الأول في رواية السامع فهو مختلَفٌ فيه، فجرى كلام المؤلف على قولٍ، إذ فيه للمحدَّثين ثلاثة أقوال؛ قيل: قراءة الشيخ على الطالب أصح، وهو مذهب الجمهور. وقيل: قراءة الطالب على الشيخ أصح على عكس الأول، وهو مذهب مالكٍ رضي الله عنه. وقيل: هما سواء، وهو مذهب أهل المدينة قديماً وحديثاً ... )) ثم ذكر مأخذ كل قول. وانظر: التوضيح لحلولو ص324، الكفاية في علم الرواية ص 262، تدريب الراوي للسيوطي 1/426، الباعث الحثيث 1/330. * لكن اختلفوا في كيفية أداء السامع لما تحمَّله قراءةً على شيخه، فقيل: له أن يقول: حدثني وأخبرني وسمعته، وقيل: بل لابد من تقييد ذلك بالقراءة، وقيل: ليس له أن يقول إلا أخبرني وأخبرنا، بناء على التفريق بينها وبين حدثني وحدثنا، وقيل غير ذلك. انظر: إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص123، توضيح الأفكار للصنعاني 2/188، توجيه النظر للجزائري 2/712. (2) في ق: ((فيقول)) . (3) ساقطة من س. (4) في ق: ((وما ضبطته)) . (5) ساقطة من ن. (6) في ق: ((إنسان)) . (7) في ق: ((الأُوَل)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 ص: وثالثها: أن يكتب (1) إلى غيره سماعه (2) ، فللمكتوب إليه [أن يعمل بكتابه] (3) إذا تحقّقه أو ظنه (4) ، ولا يقول: سمعتُ ولا حدثني (5) ، ويقول: أخبرني (6) . الشرح قد تقدَّم أن (7) الاعتماد على الخط والكتابة جوَّزه في الرواية كثيرٌ ممن منعه في الشهادة، وتقدَّم الفرق بينهما، وتوجيهُ الخلاف في ذلك (8) ، وكونُ المكتوب إليه يقول: ((أخبرني)) معناه: أعلمني، والإعلام والإخبار يصدق لغةً (9) بالرسائل (10) ، وفي التحقيق   (1) أي: أن يكتب الشيخ إلى الطالب شيئاً من حديثه. (2) في ق: ((بسماعه)) ، وفي ن: ((سماعاً)) . (3) ما بين المعقوفين في ق هكذا ((العمل بكتابته)) . (4) هذه هي المرتبة الخامسة عند المحدثين، وتسمَّى: بالكتابة أو المكاتبة، وهي: أن يكتب الشيخ للطالب الذي يريد الرواية عنه شيئاً من مروياته (مسموعاته) ، أو يأذن لغيره أن يكتب عنه للطالب، سواء كان الطالب حاضراً مجلس الشيخ أم غير حاضر. وهي نوعان، الأول: كتابة مقرونة بالإجازة، كأن يقول له في آخر الكتاب: ((ارْوِ عنّي ما في الكتاب)) أو يقول: ((هذا سماعي وأجزتك أن ترويه عني)) . وحكمه: جواز الرواية بها اتفاقاً. الثاني: كتابة مجردة عن الإجازة، وحكمه: منع قوم الرواية بها، والأكثرون على جواز الاحتجاج بها. انظر: الإحكام للآمدي 2/101، نهاية الوصول للهندي 7/3011، رفع النقاب القسم 2/729، شرح الكوكب المنير 2/509، تيسير التحرير 3/92، المُحدِّث الفاصل للرامهرمزي ص 441، 452، الكفاية في علم الرواية ص336، الإلماع للقاضي عياض ص83، تدريب الراوي 1/480. (5) لأن الكتابة ليست مما يُسمع، ولا هي من الحديث. انظر: رفع النقاب القسم 2/730. (6) نُقل عن الليث بن سعد وغيره جواز إطلاق: حدثنا وأخبرنا. وجوّز آخرون: أخبرنا دون حدثنا. وقال الصنعاني في توضيح الأفكار 2/209 ((والمختار الصحيح اللائق بمذهب أهل التحرّي والنزاهة أن يقيد ـ عند الرواية ـ ذلك فيقول: أخبرنا كتابةً، أو كتب إليّ، أو نحو ذلك تحرزاً من اللبس والإيهام)) وانظر: البحر المحيط للزركشي 6/322، علوم الحديث لابن الصلاح ص173. (7) ساقطة من ن. (8) انظر ص 251 وما بعدها. (9) ساقطة من ن. (10) قال ابن فارس: ((الخاء، والباء، والراء، أصلان، فالأول: العلم ... )) معجم المقاييس في اللغة، مادة "خبر" وجاء في لسان العرب ((قولهم: لأخْبُرَنَّ خُبْرَك، أي: لأعْلَمَنَّ عِلْمك)) انظر مادة " خبر ". وانظر الفرق بين الإخبار والإعلام في كتاب: الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ص104. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 هو مجاز لغوي حقيقة اصطلاحية (1) ، فإن الإخبار لغةً إنما هو في اللفظ، وتسمية الكتابة (2) إخباراً أو خَبَراً؛ لأنها تدل على ما يدل عليه الإخبار، والحروف الكتابية موضوعة للدلالة على الحروف اللسانية، فلذلك سميت خبراً أو إخباراً من باب تسمية الدليل باسم المدلول. ص: ورابعها: أن يقال له: هل سمعْتَ هذا (3) ، فيشير برأسه أو بأصبعه، فيجب العمل به (4) ، ولا يقول المشار إليه: أخبرني ولا حدثني ولا سمعته (5) . الشرح هذه الإشارة قائمة في اللغة والعُرْف مقام قوله: نعم، فتفيد غلبة الظن أنه معتقِدٌ صحةَ ما قيل له، والعمل بالظن واجب في [هذا الباب] (6) ، ولا تسمى هذه الإشارة خبراً ولا إخباراً ولا حديثاً، ولا هي شيء يسمع (7) ، فلا يقول: سمعته (8) ،   (1) الحقيقة قد تكون مجازاً، والمجاز قد يصير حقيقةً، والذي يَعْنِينا هو الثاني؛ وهو صيرورة المجاز حقيقةً عرفية، لأن المجاز إذا كثر استعماله صار حقيقةً عرفية وهُجِرتْ حقيقته اللغوية، فصار مجازاً لغوياً، مثل الغائط؛ كان مجازاً في قضاء الحاجة، وحقيقته في المكان المُطْمَئِن من الأرض، ثم تعُوُرف هذا المجاز، وكثر استعماله حتى صار حقيقةً سابقة إلى الفهم. انظر: الطراز ليحيى العلوي اليمني ص49، وانظر كلام المصنف في ذلك: ص44 (المطبوع) . (2) ساقطة من ن، وفي ق: ((الكتاب)) . (3) في ق: ((كذا)) . (4) ساقطة من س، ق، متن هـ. هذه المرتبة وكذا المرتبتان التاليتان؛ الخامسة السادسة تلتحق بالمرتبة الثانية عند المحدثين، وهي القراءة على الشيخ، سواء أقرَّ بالمسموع أو أشار أو سكت انظر: المستصفى 1 / 309، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/69، الكفاية في علم الرواية ص 259، تدريب الراوي 1/434. وحكم هذه المرتبة: وجوب العمل بها عند جماهير المحدثين والفقهاء، وخالف بعض الظاهرية وبعض الشافعية إذ شرطوا نطق الشيخ وإقراره تصريحاً. انظر: البحر المحيط للزركشي 6/317، علوم الحديث لابن الصلاح ص141، توضيح الأفكار للصنعاني 2/191. (5) في ق، ن: ((سمعت)) . وهذا أحد الأقوال، إذ لابد من التقييد بالقراءة، وقيل: يجوز مطلقاً، وقيل: يجوز في ((أخبرني)) دون الباقي. انظر: شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/69، الكفاية في علم الرواية ص 296، توضيح الأفكار للصنعاني 2 / 191. (6) في ن: ((الشرع)) . (7) في س: ((تسمع)) . (8) لأنها من المُبْصَرات لا من المسموعات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 ويُحْتاج (1) في هذا المقام إلى الفرق بينها وبين الكتابة، فإنَّ كليهما فعل، وكلاهما لا يصدق عليه الإخبار حقيقةً لغويةً، فيقع الفرق من وجهين (2) ، أحدهما: أن الكتابة أمسُّ بالإخبار في كثرة الاستعمال، فلما اطَّرد* ذلك صار كأنه موضوع للإخبار، والإشارة أقل من الكتابة في ذلك، وتداولُ المُكاتَبات بين الناس أكثر من تداول الإشارات (3) ، ولذلك امتلأت الخزائن من الكتب، والدول من الدواوين كلها بطريق الكتابة. وثانيهما في الفرق: أن الكتابة فيها وضع اصطلاحي بخلاف الإشارة. ص: وخامسها: أن يقرأ عليه، فلا ينكره* بإشارة ولا عبارة، ولا يعترف، فإن غلب على الظن اعترافهُ لزم العمل (4) ، وعامة الفقهاء جوّزوا روايته، وأنكرها (5) المتكلمون، وقال بعض المحدثين: ليس له أن يقول إلا أخبرني قراءة عليه (6) . وكذلك الخلاف لو قال القاريء للراوي بعد قراءة الحديث: أأرويه (7) عنك؟ فقال: نعم، وهو السادس (8) ، وفي مثل هذا اصطلاحُ المحدِّثين (9) وهو من مجاز   (1) في ن: ((ولا يحتاج)) بزيادة ((لا)) النافية وهو خطأ؛ لأنه خلاف المقصود. (2) في س: ((جهتين)) . (3) في ن، ق: ((الإشارة)) . (4) أي: أن يقرأ الطالب على الشيخ فيقول الطالب لشيخه: هل حدّثك فلان بهذا؟ فيسكت دون إنكار أو إقرار أو إشارة. وهذه المرتبة ـ كما أسلفت ـ داخلة في مرتبة القرآءة على الشيخ عند المحدثين وبعض الأصوليين، والحكم عليها واحد. انظر: المستصفى 1/ 309، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/69، البحر المحيط للزركشي 6/317، الكفاية في علم الرواية ص 280، علوم الحيث لابن الصلاح ص141، توضيح الأفكار للصنعاني 2/191. (5) في ق: ((وأنكره)) . (6) انظر الخلاف في جواز الرواية بهذا الطريق في: شرح اللُّمع للشيرازي 2/651، المحصول للرازي 4/451، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/203، كشف الأسرار للبخاري 3/78، البحر المحيط للزركشي 6/419، إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص124، فتح المغيث للسخاوي 2/184. (7) في ن متن هـ: ((أرويه)) . (8) يعني أن الخلاف المذكور في المرتبة الخامسة هو أيضاً كذلك يجري في المرتبة السادسة، وهي، أن يقول القاريء للشيخ بعد الفراغ من قرآءة الحديث: أأرويه عنك؟ فيقول الشيخ: نعم. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/735. (9) أي: أن المحدثين لا يفرِّقون في الحكم على الرواية بين سكوت الشيخ أو نطقه، فالكل تصحُّ الرواية به. انظر هامش (4) ص (279) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 التشبيه (1) (2) ، شُبِّه (3) السكوت بالإخبار (4) . الشرح إذا غلب على (5) الظن اعترافه لزم العمل به؛ لأن العمل بالظن واجب، غير أن هاهنا إشكالاً (6) : وهو أن مطلق الظن كيف كان لم يعتبره صاحب الشرع، بل [ظنٌ خاصٌّ] (7) [عند سببٍ خاصٍّ] (8) ، فما ضابط هذا الظن الحاصل (9) هاهنا؟. فإن قلنا: يكفي مطلق الظن ضَعُف من حيث القواعد، وإن قلنا: المطلوب ظن خاص ضعف ضبطه (10) . ووجه تجويز الرواية أمران، أحدهما: قياساً على العمل به (11) ، وثانيهما: أن الظن حصل باعترافه فتجوز الرواية، كما لو قال: نعم.   (1) في ق: ((الشبيه)) ، وفي س: ((الشبه)) . (2) المجاز: ضد الحقيقة، وإنما يقع المجاز ويعُدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: التوسع، والتوكيد، والتشبيه، فإذا انعدمت هذه المعاني تعينَّت الحقيقة. كما أن للمجاز عدة أقسام وأنواع، كمجاز الحذف، والزيادة، والتضاد وغيرها، ومجاز التشبيه أحد هذه الأقسام. انظر: الخصائص لابن جني 2/442، المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي 1 / 356. (3) في س: ((يشبه)) وهو تحريف. (4) هذا عجيب من المصنف، لأنه إذا وقع تشبيه السكوت بالإخبار فتشبيه الإشارة بالإخبار أولى بالوقوع منه. ومع ذلك منع المصنف هناك ـ في المرتبة الرابعة ـ أن يقول المشار إليه: أخبرني أو حدثني أو سمعته، وهنا نقل الخلاف في الرواية في حال السكوت، فنقْلُ الخلاف في الرواية حال الإشارة أولى وأظهر، وهذا ما فعله المحدثون وبعض الأصوليين. انظر المراجع المذكورة في هامش (5) ص 279، وهامش (6) ص 280. وانظر حكاية التعجب في: نهاية الوصول للهندي 7/3011، البحر المحيط للزركشي 6/311، 321. (5) في س: ((عن)) . (6) في س: ((إشكالان)) وهو تحريف لأنه إشكالٌ، وخطأ نحوي؛ لأن اسم " إن " منصوب. (7) في ق: ((ظناً خاصاً)) وهو جائز على أن ((بل)) عاطفة على الضمير المفعول به في قوله ((يعتبره)) . (8) ساقط من س. (9) ساقط من ن. (10) ماذا لو قيل في ضبطه بالنظر إلى قرائن الأحوال الظاهرة من تيقُّظِ الشيخ التام عند الإقراء عليه، وفهمه لما يقرأ، وإصغائه الدقيق مع عزوفه عن الصوارف القاطعة عن المتابعة، وكونه لا يقرُّ على خطأ أو وَهْم، بل يحرص على التصحيح والتصويب؟. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص141، توضيح الأفكار للصنعاني 2/191. (11) ساقطة من ق، ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 حجة المنع: أن الرواية هي التحمُّل والنقل، وهو لم يأذن في شيء فيتحمَّل عنه، والتحمل بغير سماع ولا ما يقوم مقام السماع لا يجوز (1) . وقوله: ((أخبرني قراءةً عليه)) : معناه أن إخباره لم يكن بإسماعي (2) لفظاً (3) [من قِبَله] (4) ، لأنه ساكت بل إخباري قراءةً عليه، فكأنه فسَّر* الإخبار بأنه قرأ عليه، فإن ((قراءةً)) منصوب على التمييز والتمييز مُفسِّر (5) . وأما قوله: ((نعم)) فهو أقوى من الأول لوجود التصريح بالجواب من حيث الجملة (6) . ص: وسابعها: إذا قال له: حدِّثْ عني ما في هذا الكتاب، ولم يقل له (7) : سمعتُه، فإنه لا يكون محدِّثاً له به، وإنما أذِن له في التحديث (8) عنه (9) .   (1) لكن أجيب بمنع الثاني؛ لأن هاهنا ما يقوم مقام السماع، وهو غلبة الظن باعترافه. انظر: رفع النقاب القسم 2/734. (2) في ق: ((بسماعي)) وهو تحريف، وفي ن: ((سماعياً)) وهو سائغ. (3) في ن: ((لفظياً)) . (4) ساقط من ق. (5) التمييز عند النحاة: هو اسمٌ فَضْلةٌ نكرةٌ جامدٌ، مفسِّرٌ لما انبهم من الذوات. شرح قطر الندى لابن هشام ص 223. شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 171. (6) إذا كان الأمر كذلك كان الأولى تقديم المرتبة السادسة على المرتبة الخامسة التي ليس فيها إلا السكوت فقط. (7) ساقط من ن. (8) في ق، ن: ((التحدث)) وهكذا في سائر نسخ المتن ما عدا نسخة متن د، ونسخة س. والمثبت أقعد؛ لأن ((حدَّث)) مصدرها ((التحديث)) . انظر: لسان العرب مادة " حدث ". (9) هذه المرتبة تسمى: بالمناولة: وهي إعطاء الشيخ للطالب شيئاً ـ ككتابٍ ونحوه ـ من مروياته، سواء كان الإعطاء تمليكاً أو هبةً أو بيعاً أو إجارة أو إعارة. انظر: ظفر الأماني للكنوي ص (519) . وهي نوعان، الأول: مناولة مقرونة بالإجازة، ولها صور منها، أن يقول الشيخ: خُذْ هذا الكتاب فهو سماعي وروايتي، فارْوِهِ عنَّي، أو أجزتُ لك روايته عني. أو يجيء الطالب إلى الشيخ بكتابٍ أو جزءٍ من حديثه فيَعْرِضه عليه ليتأملَّه، وهو عارف يَقِظ، فيقول الشيخ: وقفْتُ عليه، وهو سماعي، فارْوِ عني، وتسمَّى هذه الصورة عَرْضاً أو عَرْض المناولة للتفريق بينها وبين عرض القرآءة. وحكم هذا النوع: هو الاتفاق على صحة الرواية بها. الثاني: مناولة مجردة عن الإجازة، بأن يدفع الشيخ الكتاب، ويقول: هذا حديثي أو سماعي، ولا يقول له: ارْوِه عني، أو أجزت لك روايته عني. حكمها: أنها مناولة مختلَّة، لا تجوز الرواية بها، وحُكي عن طائفة جواز الرواية بها. انظر: المحصول للرازي 4/453، نهاية الوصول للهندي 7 / 3012، البحر المحيط للزركشي 6 / 324، التوضيح لحلولو ص 324، رفع النقاب القسم 2 / 737، شرح الكوكب المنير 2 / 503، فواتح الرحموت 2/211، الكفاية في علم الرواية ص 326، علوم الحديث لابن الصلاح ص165، توضيح الأفكار للصنعاني 2/204، تدريب الراوي 1/467. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وثامنها: الإجازة (1) تقتضي أن الشيخ أباح له أن يحدث به، وذلك إباحة للكذب، ولكنه في عُرْف المحدثين (2) معناه: أن ما صحَّ عندك أني سمعته فارْوه عني. [والعمل عندنا (3) بالإجازة جائزٌ (4) خلافاً لأهل الظاهر (5) في اشتراطهم المناولة، وكذلك إذا كتب إليه أن الكتاب الفلاني رويتُه فارْوه عني إن (6) صح عندك، فإذا صح عنده جازت له الرواية، وكذلك إذا قال له مشافهةً: ما صح عندك من حديثي فارْوه عني] (7) .   (1) ينبغي أن يلاحظ أن ما ذكره المصنف هنا هو: مناولة مقرونة بالإجازة، لكن دخلها الخلل من جهة عدم تصريح الشيخ بالسماع، ومعلوم أن شرط الرواية السماع، لأجل ذلك لم تَجُزْ الرواية بها عنه. والمصنف ـ عفا الله عنه ـ اجتزأ كلام الرازي في المحصول (4/453) ، فأتى بهذه العبارة هنا دون عبارة المحصول السابقة لها التي هي أصلٌ لهذه. () الإجازة، لغة: العبور، والانتقال، والإباحة القسيمة للوجوب والتحريم. انظر: لسان العرب مادة " جوز "، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 2/214، توضيح الأفكار للصنعاني 2/193. واصطلاحاً: الإذن في الرواية لفظاً أو كتابة. انظر: شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص (677) ، ظفر الأماني للكنوي ص (512) . والإجازة أنواع وضروب، أطنب المحدثون في أوصافها. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص151، الإلماع للقاضي عياض ص88، توجيه النظر للجزائري 1/479. لو ذكر المصنف صورة الإجازة هنا ثم ذكر نوعيها من الإجازة المطلقة، والمقيدة، ثم حكم عليهما، كما ذكرهما في الشرح لكان أولى. انظر: المحصول للرازي 4 / 454. (2) انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص151، الإلماع للقاضي عياض ص88، فتح المغيث للسخاوي 2/217، توضيح الأفكار للصنعاني 2/193. (3) في ن: ((عنده)) والمثبت أوضح. (4) هذا رأي جمهور الأصوليين والمحدثين، والمحكي عنهم الوجوب، فلعلَّ المصنف أصدر الحكم بالجواز في مقابلة قول الرأي الآخر في أنه غير جائز. انظر المعتمد 2/171، العدة لأبي يعلى 3 / 983، إحكام الفصول 382، الإبهاج 2/335، كشف الأسرار للبخاري 3 / 88، علوم الحديث لابن الصلاح ص 153، الإلماع للقاضي عياض ص 88. (5) وهو رواية عن الشافعي. انظر: الإحكام لابن حزم 1/273، التلخيص للجويني 2/391، البحر المحيط للزركشي 6/328، الكفاية في علم الرواية ص316، تدريب الراوي 1 / 449. (6) في متن هـ ((إذا)) وهو مقبول أيضًا. انظر هامش (7) ص 16. (7) ما بين المعقوفين ساقط من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الشرح إيضاح للمرتبة السابعة وحكمها لا يمكنه أن يسند الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقل له (1) : سمعْتُه، فإنه لم يُثْبِتْ أصْلَ نفسه، فيبطل (2) العمل به. إيضاح المرتبة الثامنة وهي الإجازة والإجازة تقتضي بظاهرها الكذب؛ لأن لفظها أجزْتُ لك أن تروي عني كل شيء، أو أجزْتُ لك الرواية عني مطلقاً (3) ، فهذا يقتضي أنه يروي* عنه كل شيء، وهو إباحة الكذب، [أما لو قُيِّدتْ بقوله (4) : أجزت لك أن تروي عني (5) ما صح عندك أني أرويه (6) لم تكن إباحةً للكذب] (7) ، وكذلك إذا (8) قال له (9) المجيز: لك (10) ذلك بشرطه شرعاً (11) أو بشرطه المعتبر عند أهل الأثر، فهذا كله مقيد، وليس فيه إباحة كذب. والعمل بالإجازة جائز، معناه إذا صح عنده أن مجيزه روى (12) هذا بطريق صحيح، فيرويه (13) هو عنه بمقتضى الإجازة، فيتصل السند وإذا اتصل السند جاز العمل.   (1) ساقطة من ن. والمعنى المقصود هنا: إذا لم يقل الشيخ للتلميذ. (2) في ن: ((فبطل)) . (3) تسمى هذه بالإجازة المطلقة، وهي التي ظاهرها يقتضي إباحة الكذب؛ لأنه أباح له أن يحدِّث بما لم يحدثه به. (4) في ق: ((نحو)) . (5) ساقطة من ق. (6) هذه تُسمَّى بالإجازة المقيدة، وهي التي أشار إليها المصنف في المتن بقوله: ((في عرف المحدثين)) سواء كانت مشافهةً أو مناولةً أو مكاتبةً، كما ذكر المصنف صورها في المتن. (7) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (8) في ق: ((لو)) . (9) ساقطة من س، ن. (10) في س، ن: ((له)) . (11) في ن: ((الشرعي)) . (12) في قي: ((يروي)) . (13) في ق: ((فيروي)) ، وفي س: ((ويرويه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 قال القاضي عبد الوهاب (1) : اختلف أهل العلم (2) (3) في الإجازة، وهي: أن يقول الراوي لغيره قد أجزْتُ لك أن تروي هذا الكتاب عني أو يكتب إليه بذلك فمنعها (4) مالك وأشهب (5) وعليه أكثر الفقهاء، واختلفوا فيما يقول المُجَاز إذا أجزْنا (6) ذلك، فقيل: يقول ((أخبرني إجازة)) ولا يقول ((أخبرني مطلقاً، ولا حدثني)) . وقيل: يقول ((كتب إليّ (7) وأجازني)) فقط (8) .   (1) انظر قوله في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/740، وأشار إليه السيوطي في تدريب الراوي 1/449. (2) في ن: ((المذهب)) . (3) هنا زيادة: ((وأهل الحديث)) في ن. (4) هكذا في أكثر النسخ ولا سيما العريقة منها. أما في النسخ ز، م، ش، ففيها ((فقبلها)) والمثبت أولى؛ لأن الثابت عن أشهب هو المنع. انظر: فتح المغيث (2 / 218) ، ولأنه نقل عن الإمام مالك المنع، قال ابن قاسم: سألت مالكاً عن الإجازة، فقال: لا أراها، إنما يريد أحدهم أن يقيم المقام اليسير ويحمل العلم الكثير. وبنحوه نقل عنه ابن وهب. انظر: الكفاية في علم الرواية ص (316) ، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/1159) ، فتح المغيث للسخاوي (2/219) . ومع ذلك قال الخطيب البغدادي ((ثبت عن مالك رحمه الله أنه كان يحكم بصحة الرواية لأحاديث الإجازة. فأما الذي حكيناه عنه آنفاً فإنما قاله على وجه الكراهة أنْ يجيز العلم لمن ليس من أهله ... )) الكفاية في علم الرواية ص (317) . وقال الأبياري: ((اختلف قول مالك في إسناد الرواية إلى الإجازة، والصحيح عندي ما قدمته فيها)) وهو عدم الجواز. التحقيق والبيان (رسالة جامعية) ص 848، وفي نشر البنود (2/69) حكى المنع عن مالك. وقال القاضي عياض ((وروى الوجهان عن مالك، والجواز عنه أشهر، وهو مذهب أصحابه من أهل الحديث وغيرهم، وظاهر رواية الكراهة عنه لمن لا يستحقها لا لنفسها)) . إكمال المعلم بفوائد مسلم (1 / 190) . وحكى ابن عاشور بأن لمالك ثلاثة أقوال: الإباحة، والمنع، والكراهة. انظر: حاشية التوضيح والتصحيح 2 / 148.. (5) هو أشْهَب بن عبد العزيز بن داود القيسي الجَعْدي، اسمه: مسكين، وأشهب لقب، روى عن مالك والليث والفضيل بن عياض وغيرهم، انتهت إليه الرئاسة في مصر بعد ابن القاسم. قال الشافعي عنه: ما رأيت أفقه من أشهب. توفي عام 204هـ. انظر: ترتيب المدارك 2/447، وفيات الأعيان 1/238، الديباج المذهب ص162. (6) في ن: ((جوزنا)) وهي بنفس المعنى. (7) في ق "أو". (8) وقيل يجوز بأي لفظٍ مِنْ: حدثنا وأخبرنا ونحوهما مطلقاً. وقيل: يقول: أنبأنا. انظر هذه الأقوال في: إحكام الفصول ص382، شرح اللمع 2/651، المسودة ص288، كشف الأسرار للبخاري 3/90، الكفاية في علم الرواية ص 330، إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص 136، فتح المغيث للسخاوي 2/305. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 حجة أهل الظاهر: أن خصوص هذا الكتاب الذي وجده الآن لم يسمعه من شيخه، فلم يتصل السند فيه، فلا يجوز نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز العمل به. وجوابهم: أن السند متصل بالطريق الذي بيَّناه. وقد صح عنده (1) رواية مجيزه له فاتصل السند، ولا حاجة للمناولة؛ لأنه إذا ثبت أن مجيزه يرويه، فهذا (2) الطريق (3) يقوم (4) مقام المناولة، والمقصود حصول اتصال السند بطريق صحيح كيف كان. ومعنى قوله: ((إن الكتاب الفلاني رويته فاروه عني إذا صح عندك)) معناه: إذا صحَّ عندك [أن النسخة التي معك هي] (5) النسخة التي رويتُها أنا، أو هي مُقابَلةٌ (6) عليها مُقَابَلةً لا يُشك أن هذه مثلَ تلك من غير زيادة ولا نقص. أما صحة أصل الرواية في ذلك الديوان من حيث الجملة لا تبيح له إباحة جميع نُسَخه كيف كانت؛ لاحتمال الزيادة أو النقص، فلا تجوز الرواية ولا العمل (7) ، وفي الأول تجوز الرواية والعمل، ومعنى جواز العمل: أنه يجوز للمجتهد أن يجعله مستنده في الفتيا بحكم الله تعالى، أما   (1) في ن: ((عند)) وهو تحريف. (2) في ق: ((فهذه)) ، وفي س: ((هذه)) وهو مقبول، لأن ((الطريق)) تذكر وتؤنث، والتذكير فيه أكثر وأجود. انظر: المذكر والمؤنث للفراء ص 87، لسان العرب مادة " طرق ". (3) في ق: ((الطريقة)) . (4) في ن، ق: ((تقوم)) وهو متَّجه؛ لما ذكر في هامش (2) من هذه الصفحة. (5) ساقط من ن. (6) ساقطة من س. والمقابلة في اللغة من قابل الشيء بالشيء مقابلةً وقِبالاً، أي: عارضه. ومقابلة الكتاب بالكتاب أي معارضته، إذا جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر. انظر: لسان العرب مادة " قبل "، فتح المغيث للسخاوي 3/75. وفي الاصطلاح: أن يقابل الناسخ نسخته أو ما نقله بأصل شيخه أو بأصل موثوق به، وإصلاح ما يوجد من فروق أو تصحيف أو تحريف أو زيادة أو نقص. انظر: الكفاية في علم الرواية ص239، فتح المغيث للسخاوي 3/78، توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين د. موفق بن عبد الله ص125. (7) قال الخطيب البغدادي: ((يجب على من كتب نسخةً من أصل بعض الشيوخ أن يُعارض نسخته بالأصل. فإن ذلك شرط في صحة الرواية من الكتاب المسموع)) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/428. وقال القاضي عياض: ((وأما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعيّنة لابد منها. ولا يحلُّ للمسلم التقّي الروايةُ ما لم يُقَابِل بأصل شيخه أو نسخةٍ تحقّق ووَثِق بمقابلتها بالأصل ... )) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 158 - 159. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 من ليس بمجتهد فلا يجوز له العمل بمقتضى حديثٍ وإن صحَّ عنده سنده، لاحتمال نسخه وتقييده وتخصيصه وغير ذلك من عوارضه التي (1) لا يضبطها إلا المجتهدون (2) ، وكذلك لا يجوز للعامي الاعتماد على آيات الكتاب العزيز لما تقدَّم، بل الواجب على العامي تقليدُ مجتهدٍ مُعْتَبرٍ ليس إلا، لا يُخلِّصه من (3) الله تعالى إلا ذلك، كما أنه لا يخلِّص المجتهدَ التقليدُ، بل يؤدي إليه اجتهادُه بعد بذل جهده بشرطه.   (1) في س، ن: ((الذي)) . (2) في ن: ((المجتهدين)) وهو خطأ نحوي، لأن موقعها الإعرابي فاعل مرفوع بالواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. (3) في ق: ((مع)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 الفصل العاشر في مسائل شتى (1) حجية الحديث المرسل ص: فالأولى (2) : المراسيل (3) عند مالك وأبي حنيفة وجمهور المعتزلة حجة (4) ،   (1) أي: في بيان مسائل متفرقة مختلفة، لم تجتمع في جنسٍ واحد، ولا ينظمها عِقْد واحد. وهي ثلاث مسائل، الأولى: في حجية الحديث المرسل. والثانية: في حكم رواية الحديث بالمعنى. والثالثة: في حكم زيادة الثقة. (2) في ق: ((الأولى)) وفي س، ن: ((فالأول)) والمثبت من ز، م، ش ومتن ر، ومتن أ. (3) جمع مُرسل، لغة: المُطْلق، والمُهْمَل، وهو اسم مفعول من أرسل. انظر: لسان العرب مادة " رسل ". واصطلاحاً: اختلفت عبارات الأصوليين والمُحدِّثين، والأقدمين منهم والمتأخرين في تعريف المرسل، ومردُّ اختلافهم إلى الاختلاف في موقع السقط من الإسناد. فالحديث المرسل عند المتقدمين: هو ما سقط من سنده رجل واحد، سواء كان المُرسِل تابعياً أو من بعده. فعلى هذا الاصطلاح يكون الحديث المرسل والمنقطع سواء. والمُرسل عند أهل الأصول: ما رواه العدل من غير إسناد متصل، أو هو قول العدل غير الصحابي ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) . والحديث المرسل الذي استقرَّ عليه اصطلاح المتأخرين: هو ما سقط من آخر إسناده مَنْ بَعد التابعي. وصورته: أن يقول التابعي ـ سواء كان صغيراً أو كبيراً ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو فُعِل بحضرته كذا ونحو ذلك. انظر اصطلاح الأصوليين للمرسل في: الرسالة للشافعي ص461، المعتمد 2/143، منتهى السول والأمل 87، البحر المحيط للزركشي 6/338، التوضيح لحلولو ص326، شرح الكوكب المنير 2/574، فواتح الرحموت 2 / 222. وانظر اصطلاح المحدثين للمرسل في: معرفة علوم الحديث للحاكم ص32، الكفاية في علم الرواية ص 384، جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ص16. فتح المغيث للسخاوي 1/156، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص 399. (4) وهو أيضاً رواية عن أحمد وبعض المحدثين، واشترطوا العدالة في المُرْسِل. والأحناف قيدوا الحجية بمراسيل أهل القرون الثلاثة الأولى المفضلة. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 71، المعتمد 2 / 143 العدة لأبي يعلى 3/906، 917، إحكام الفصول ص349، أصول السرخسي 1/360، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 421، الإحكام للآمدي 2/123، المسودة ص250، كشف الأسرار للبخاري 3/7، الضياء اللامع 2 / 209، نشر البنود 2/56 جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ص27، 92، فتح المغيث للسخاوي 1/161، تدريب الراوي للسيوطي 1/223، ظفر الأماني للكنوي ص351. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 خلافاً للشافعي (1) ؛ لأنه إنما أرسل حيث جزم بالعدالة [فيكون حجة] (2) . الشرح حجة الشافعي رضي الله عنه: أنه إذا سكت عن الراوي جاز أن يكون إذا اطلعنا نحن عليه لا نقبل (3) روايته، ولم نُكلَّف نحن بحسن ظن المُرْسِل (4) فيه، فحصول الظن لنا إذا كشفنا حاله أقوى من حصوله إذا قلدناه فيه وجهلناه، والدليل ينفي العمل بالظن (5) كما تقدَّم (6) ، خالفناه إذا عُلِمتْ عدالة الراوي بالبحث والمباشرة، فيبقى على مقتضى الدليل فيما عداه. حجة الجواز: أن سكوته عنه مع [عدالة الساكت] (7) وعلمِهِ أن روايته يترتَّب عليها شرع عام، فيقتضي ذلك أنه ما سكت عنه إلا وقد جزم بعدالته، فسكوته كإخباره بعدالته، وهو لو زكَّاه عندنا قبلنا تزكيته وقبلنا روايته، فكذلك سكوته عنه، حتى قال بعضهم: إن المُرْسَل أقوى من المُسْند (8) بهذا (9) الطريق، وهو أن المُرْسِل قد   (1) وهو أيضاً مذهب جماهير المحدثين، وأهل الظاهر، وبعض الأصوليين، ورواية أخرى عن أحمد. انظر: المراجع السابقة، وانظر أيضاً: الرسالة للشافعي ص461ـ465 الإحكام لابن حزم 1/145، التبصرة ص326، المستصفى 1/318، التمهيد لأبي الخطاب 3/131، نهاية الوصول للهندي 7/2976، التمهيد لابن عبد البر 1/51، علوم الحديث لابن الصلاح ص54، توجيه النظر للجزائري 2/559. وقداختلفت الروايات عن الإمام الشافعي في قبول المرسل، هل يردُّه مطلقاً أم يقبله بشروط؟ وسيأتي في الشرح ذكرها. (2) ساقط من ق. (3) في ن: ((لا تقبل)) . (4) في ن: ((المراسل)) والمثبت هو الصواب؛ لأنه الموافق للاصطلاح. (5) ساقطة من ن. (6) انظر: ص 221. (7) ما بين المعقوفين في ق: ((عدالته)) . (8) قال به عيسى بن أبان، وهو رأي لبعض الحنفية وبعض المالكية. قال ابن عبد البر: ((وقالت طائفة من أصحابنا: مراسيل الثقات أولى من المسندات، واعتلُّوا بأن من أسند لك فقد أحالك بالبحث عن أحوال من سمَّاه لك. ومن أرسل من الأئمة حديثاً مع علمه ودينه وثقته، فقد قطع لك على صحته وكفاك النظر ... )) التمهيد له (1/3) . وانظر: الفصول في الأصول للجصاص 3 / 146، أصول السرخسي 1/361، قواطع الأدلة 3 / 41، كشف الأسرار للبخاري 3 / 13، التقرير والتحبير 2/385. لكن اعتبر العلائي تقديم المرسل على المسند غلواً، وذكر أقوالاً في أرجحية أحدهما على الآخر ولا سيما عند التعارض. انظر: جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص29. (9) في ن: ((لهذا)) والخطب سهل؛ لأن اللام كما تكون للتعليل فكذا الباء السببية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 تذمَّم الراوي وأخذه [في ذمته] (1) عند الله تعالى، وذلك يقتضي وثوقه بعدالته، أما إذا أسند فقد فوَّض أمره للسامع ينظر فيه ولم يتذمَّمه، فهذه الحالة أضعف من الإرسال (2) . المراسيل التي يقبلها الشافعي فرع: نُقِل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لا أقبل المراسيل (3) إلا مراسيل سعيد بن المسُيَّب (4) ، فإني اعتبرتها فوجدتها مسندةً (5) ، ففي الحقيقة ما اعتبر إلا مسنداً. قال القاضي عبد الوهاب (6) في " الملخص ": ظاهر مذهب الشافعي رد المراسيل مطلقاً وهو قول أصحاب الحديث، ومن أصحابه من يقول: إن مذهبه قبول مراسيل الصحابة، وأما مراسيل التابعين فيعتبرها بأمور تقويها (7) ، أحدها: إذا كان ظاهر حاله أن ما يرسله يسنده (8) غيره (9) . وثانيها: أن ما أرسله قال به بعض الصحابة. وثالثها: أن يفتي به عامةُ العلماء. ورابعها: أن يُعْلم [من حاله] (10) أنه إذا سمَّى لا يُسمِّي   (1) ساقط من ن. (2) سلف نقل هذا القول من المصنف في ص (117) . (3) في س، ن: ((المراسل)) لم أقف على هذا الجمع إلا إذا قيس على: مُسند مساند مسانيد، ومنكر مناكر مناكير. انظر: المغرب في ترتيب المعرب لابن المطرز، لسان العرب كلاهما مادة " رسل "، وانظر: مادة " سند " في القاموس المحيط، هامش (4) ص 127. (4) هو سعيد بن المُسَيَّب بن حَزَن المخزومي، من كبار التابعين والمحدثين، وأحد فقهاء المدينة السبعة، ولد في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أحفظ الناس لأحكام عمر وأقضيته. توفي عام 94هـ وقيل غير ذلك. انظر: وفيات الأعيان 2 / 375، تهذيب التهذيب 2 / 335، سير أعلام النبلاء 4 / 217. (5) قال الشافعي: ((إرسال ابن المسيب عندنا حسن)) مختصر المزني بهامش الأم (8 / 78) ، وقال: ((ليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع سعيد بن المسيب)) المراسيل لابن أبي حاتم ص (12) ، وقال: ((لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعاً إلا وجدنا ما يدلُّ على تسديده، ولا أَثره عن أحدٍ فيما عرفناه عنه إلا ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه ... )) الأم 3/ 188. (6) أشار إليه الزركشي في البحر المحيط 6/349. (7) في س: ((بأحد أمور أربعة تقويها)) وهو خطأ؛ لأنه يعتبر المراسيل بالأمور الأربعة مجتمعة لا بواحدٍ منها. وفي ن، ق: ((بأمور أربعة)) والمثبت هنا من سائر النسخ. (8) ساقطة من س. (9) في ن: ((غيرها)) ولا أعلم لها وجهاً. (10) ساقط من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 مجهولاً ولا من فيه علةٌ تمنع من (1) قبول حديثه*. ومن أصحابه من يقول مذهبه قبول مراسيل سعيد والحسن (2) دون غيرهما (3) ، وحُكي عن بعض من يقبل المراسيل أنه شرط أن يكون المُرْسِل صحابياً أو تابعياً دون تابعي التابعي (4) إلا أن يَثْبتَ أنه إمام، وقاله عيسى بن أبان (5) . سؤال: الإرسال هو إسقاط صحابي من السند* (6) ، والصحابة كلهم عدول، فلا فرق بين ذكره والسكوت عنه، فكيف جرى الخلاف فيه؟ جوابه (7) : أنهم عدول إلا عند قيام المعارض (8) وقد يكون المسكوت [عنه منهم] (9)   (1) ساقطة من ن. (2) هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، مولى الأنصار، ولد في خلافة عمر رضي الله عنه سنة 21هـ، روى عن جمع من الصحابة، وهو من علماء التابعين وزهادهم، ومن المجاهدين. توفي عام 110هـ. انظر: وفيات الأعيان 2 / 69، تهذيب التهذيب 1 / 481، سير أعلام النبلاء 4 / 563. عامة كتب الأصول ومصطلح الحديث تذكر قبول الشافعي مراسيل ابن المسيب، أما نسبة قبول مراسيل الحسن إليه فلم أرها إلا هنا، وفي التوضيح شرح التنقيح لحلولو ص327، ورفع النقاب للشوشاوي القسم 2/746، وابن التلمساني في شرح المعالم ص 2 / 208، ونقله الزركشي في البحر المحيط (6/353) عن الجويني. وقال ابن التركماني: ((وقد ذكر البيهقي في رسالته إلى الجويني أن الشافعي لم يخص مرسل ابن المسيب بالقبول، بل يقبل مرسله ومرسل غيره من كبار التابعين كالحسن وابن سيرين وعطاء وسليمان بن يسار إذا اقترن بها ما يؤكدها من الأسباب)) الدر النقي بذيل السنن الكبرى للبيهقي 10/304 وانظر: شرح علل الترمذي لابن رجب ص 186. (3) اختلف أئمة الشافعية في توجيه مذهب الشافعي في الحكم على المرسل، وقد أطال النفسَ في تحريره واستقصائه ـ بلا مزيد فيما أعلم ـ الزركشي، فانظره في: البحر المحيط 6/353 ـ 367 وانظر: الرسالة للشافعي ص461 ـ 467. (4) في ق: ((التابعين)) وهو مقبول. (5) انظر النسبة إليه في: أصول السرخسي 1/363، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 644، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 1 / 390. (6) هذا التحديد للإرسال وفْق ما استقر عليه اصطلاح المحدثين، وإلا فهو أعم مما ذكر، كما هو عند الأصوليين. ثم يمكن أن يُسقْط التابعي تابعياً آخر من السند. ولهذا تعقَّب السخاوي المصنف في هذه العبارة فقال: ((ليس بمتعيّن فيه)) انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/156، وراجع هامش (3) ص 288. (7) هذا الجواب ساقط من ق. (8) تقدم إيضاح معنى المعارض عند المصنف. (9) ما بين المعقوفين في ن: ((عند من)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 عَرَض في حقه ما يوجب القَدْح فيُتَوقَّف في قبول (1) الحديث حتى يعلم سلامته عن القادح. وإسقاط تابعيٍّ أو غيرِه يسمى منقطعاً [لا مرسلاً] (2) في الاصطلاح (3) . حكم رواية الحديث بالمعنى ص: ونَقْل الخبر بالمعنى عند أبي الحسين البصري (4) ، وأبي حنيفة (5) والشافعي (6) جائز خلافاً لابن سيرين (7) [وبعض المحدثين] (8) بثلاثة شروط: أن لا تزيد الترجمة،   (1) ساقط من ق. (2) ساقط من س، ن. (3) انظر: نفائس الأصول 7/3032. (4) انظر: المعتمد 2/141. (5) وهو مذهب أكثر أتباعه، لكن بشرط ألاَّ يكون اللفظ مشتركاً أو مجملاً أو مشكلاً. انظر: أصول السرخسي 1/355، ميزان الاصول للسمرقندي 3 / 650، فتح الغفار لابن نجيم 2/104، تيسير التحرير 3/97، فواتح الرحموت 2 / 213. (6) انظر: الرسالة للشافعي ص270ـ275، 370، 374، 380، وانظر: التلخيص 2/404، المحصول للرازي 4/466، الإحكام للآمدي 2/103، البحر المحيط للزركشي 6/270، وممن جوز الرواية بالمعنى من المالكية الباجي في إحكام الفصول ص384، وابن العربي في محصوله ص497، وابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص83، وانظر: نشر البنود 2/57 ـ 62، وجوَّز الحنابلة أيضاً الرواية بالمعنى؛ انظر: العدة لأبي يعلى 3/968، التمهيد لأبي الخطاب 3/161، شرح الكوكب المنير 2/530. (7) هو أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري، وسيرين مولى لأنس بن مالك رضي الله عنه ولد في آخر خلافة عثمان بن عفان، روى عن جمع من الصحابة، كان ورعاً فقيهاً عالماً مشهوراً بتعبير الرؤيا. توفي عام 110هـ. وفيات الأعيان 4 / 181، تهذيب التهذيب 5 / 139، سير أعلام النبلاء 4 / 606. (8) ما بين المعقوفين ساقط من س. وممن ذهب إلى منع الرواية بالمعنى ابن حزم والجصاص وبعض الشافعية، وحكاه الخطيب في الكفاية ص (198) عن كثير من السلف وأهل التحري في الحديث، ونقله الجويني في البرهان (1/656) عن معظم المحدثين وشرذمة من الأصوليين. واختلفت الرواية عن الإمام مالك، فنقل عنه الخطيب في الكفاية ص (288) أنه لا يُجوِّز الرواية بالمعنى وأيده القرطبي، وقال هو الصحيح من مذهب مالك. وروُي عنه أنه يجيزها وأيده القاضي عياض في الإلماع ص (179) ، وحمل رواية المنع على الاستحباب. وجاء في شرح العضد لمختصر ابن الجاجب (2/70) أنه روي عن مالك أنه كان يشدد في الباء والتاء في مثل: بالله وتالله، فلا يجوِّز أحدهما مكان الآخر مع ترادفهما وتوازيهما، وحُمل تشديده ذلك على المبالغة في أن الأولى صورته، لا أنه يجب صورته. وللباجي توضيح جيد لمذهب الإمام مالك. انظر: إحكام الفصول ص 384. انظر: المسألة في: الفصول في الأصول للجصاص 3 / 211، الإحكام لابن حزم 2/87، التبصرة ص346، كشف الأسرار للبخاري 3/111، الضياء اللامع 2 / 214، نثر الورود 1/408، الكفاية في علم الرواية ص178، 188، فتح المغيث للسخاوي 3/140، تدريب الراوي 1/533 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 ولا تَنْقُص، ولا تكون أخفى (1) ؛ لأن المقصود إنما هو إيصال المعاني (2) ، فلا يضر فوات غيرها (3) . الشرح متى زادت عبارة الراوي أو نقصت، فقد زاد في الشرع أو نقص، وذلك حرام إجماعاً، ومتى كانت عبارة الحديث جلِيَّة فغيَّرها (4) بعبارة خفية فقد أوقع في الحديث وَهْناً يوجب (5) تقديم غيره عليه بسبب خفائه، فإن الأحاديث إذا تعارضتْ (6) في الحكم الواحد يُقدَّم أجْلاها على أخفاها، فإذا كان أصل الحديث جلِياً فأبدله بخفيٍّ فقد أبطل (7)   (1) وفي المسألة مذاهب أخرى، منها: يجوز للصحابة دون غيرهم، لظهور الخلل في اللسان بعدهم، وقيل: يجوز للصحابة والتابعين فقط، وقيل: يجوز إذا نسي اللفظ دونما إذا ذكره، إلى غير ذلك من الأقوال. ومنهم من جوَّز في الأوامر والنواهي دون الأخبار، ومنهم من جوَّز في الإفتاء والاحتجاج والمذاكرة دون الرواية والتبليغ. انظر هذه الأقوال وأدلتها في: أحكام القرآن لابن العربي 1 / 35، البحر المحيط للزركشي 6 / 275، التوضيح لحلولو ص 328، فتح المغيث للسخاوي 3 / 141، تدريب الراوي 1 / 536، وقد استبحر في بحث هذه المسألة في صفحات كثيرة كتاب " توجيه النظر " للجزائري 2/671 فانظره. () مرد هذه الشروط إلى اشتراط عدم إحالة المعنى بأن يكون عالماً بدقائق الألفاظ، بصيراً بمقادير التفاوت بينها. وكذلك اتفقوا على عدم جواز تغيير الألفاظ المتعبَّد بها كالأذان والأذكار والتشهد، وكذلك عدم تغيير الألفاظ التي من جوامع الكلم، كالخراج بالضمان، ومِنْ حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، والبينة على المدعي، وأن لا يكون المروي بالمعنى من باب المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وكذلك لا يجري الخلاف فيما يستدل به على حكم لغوي إلا أن يكون المغيِّر عربياً ممن يُستدّل بكلامه، وكذلك لا يجوز لأحد أن يغيِّر لفظ كتابٍ مصنَّفٍ ويُثبت بدله لفظاً آخر بمعناه. انظر مواضع الاتفاق هذه في: الكفاية في علم الرواية ص198، علوم الحديث لابن الصلاح ص213، البحر المحيط للزركشي 6/271، شرح علل الترمذي لابن رجب ص 108، نشر البنود 2/62. (2) في س: ((المعنى)) . (3) في ق، ن: ((غيره)) وهو تحريف. (4) في س: ((فعبّرها)) ، وفي ق: ((فعبَّر عنها)) . (5) في ق: ((فوجب)) . (6) في ن: ((كان)) ولا أعلم لها وجهاً. (7) في ق: ((بطل)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 منه مزية (1) حسنة تُخِلُّ به عند التعارض، وكذلك إذا كان الحديث خفي العبارة فأبدلها بأجلى منها، فقد أوجب له حكم التقديم على غيره، وحكم الله أن يُقدَّم غيرُه عليه عند التعارض. فقد تسبَّبَ (2) بهذا التغيير (3) في العبارة إلى تغيير (4) حكم الله تعالى وذلك لا يجوز، فهذا هو مستند (5) هذه الشروط، [فإذا حصلت هذه الشروط] (6) حينئذٍ يجري الخلاف في الجواز، أما عند عدمها فلا يجوز إجماعاً (7) . حجة الجواز: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمعون (8) الأحاديث، ولا يكتبونها، ولا يكررون عليها، ثم يروونها بعد السنين الكثيرة، ومثل هذا يَجْزِم الإنسان فيه أن نفس العبارة لا تنضبط بل المعنى فقط، ولأن أحاديث كثيرة وقعت بعباراتٍ مختلفة وذلك مع اتحاد القصة، وهو دليل جواز النقل بالمعنى، ولأن لفظ السنة ليس متعبَّداً (9) به بخلاف لفظ القرآن، فإذا ضُبِط المعنى فلا يضرُّ (10) فوات ما ليس بمقصود. حجة المنع: قوله عليه السلام ((رحم الله ـ أو نضَّر الله ـ امْرَءاً سمع مقالتي فأدَّاها كما سمعها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقه (إلى من) (11) ليس بفقيه)) (12) ، فقوله: ((أدَّاها كما سمعها)) يقتضي أن يكون اللفظ المؤدَّى كاللفظ   (1) في ق: ((مرتبة)) . (2) في س: ((تسببت)) . (3) في ق، ن: ((التعبير)) وهو سائغ. (4) في ق، ن: ((تغير)) . (5) في ق: ((سبب)) وهو متَّجِه أيضاً. (6) ساقط من ن. (7) انظر: نفائس الأصول 7/3035. (8) في س: ((يستمعون)) . (9) في س: ((معتبراً)) وهذا التعبير غير لائقٍ إطلاقه على ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم. (10) في ن: ((يضدّ)) ولعلَّه تحريف. (11) ما بين الحاصرتين ساقط من النسختين ن، س، وهو الصواب؛ لأن الحديث لم يثبت بها فيما وقفت عليه. وإنما لم أحذفها؛ لأن المصنف أمعن في إثباتها ليستقيم له استدلاله المذكور في ص (259) . كما أن سائر النسخ الخطية قد صححت إثبات هذه الزيادة. انظر: هامش (3) ص (259) . (12) سبق تخريجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 المسموع عملاً بكاف التشبيه، والمسموع في الحقيقة إنما هو اللفظ وسماع المعنى تَبَعٌ له، والتشبيه وقع بالمسموع فلا يشبهه (1) حينئذٍ إلا مسموع (2) ، أما المعنى فلا، وذلك يقتضي أنه عليه السلام أوجب نَقْلَ مثل ما سمعه لا خلافَه، وهو المطلوب (3) . حكم زيادة الثقة ص: وإذا زادتْ إحدى الروايتين على الأخرى - والمجلسُ مختلفٌ - قُبِلتْ، وإن كان واحداً - ويتأتَّى (4) الذُّهُول عن تلك الزيادة - قُبِلتْ، وإلا لم تقبل (5) .   (1) في ن، س: ((يشبه)) . (2) في س: ((مسموعاً)) وهو صحيح بالنسبة لما سبقها وهو ((يشبه)) . (3) والجواب عنه أنه صلى الله عليه وسلم أوجب ذلك على غير الفقيه دون الفقيه، وإلا فلا فائدة من هذا التعليل. ثم إن هذا الحديث بعينه قد رُوي بالمعنى، فروى بعضهم ((نضرَّ الله)) ، وبعضهم ((رحم الله)) ، وغير ذلك من الألفاظ. انظر: إحكام الفصول ص385، المستصفى 1/317. * لعل هنا نكتة في إيراد المصنف الحديث باللفظين، وإلا فقد سبق له إيراده بلفظ واحد كما في ص (259) . والله أعلم. (4) في ق: ((وتأتى)) . (5) هذه مسألة ((زيادة الثقة)) . والمراد بزيادة الثقة: ما تفرد به الراوي الثقة من زيادة في الحديث عن بقية الرواة الثقات عن شيخ لهم. انظر الباعث الحثيث (1/190) . وأما حكم هذه الزيادة من حيث القبولُ والردُّ فينظر أولاً إلى أحوال مجلس الرواية، وهي ثلاثة أحوال؛ الأولى: أن يُعْلم تعدُّدُه فتقبل قطعاً، وهذا قد حكاه المصنف. الثانية: أن يُشْكل الحال، فلا يُعلم تعدُّدُه أو اتحاده، فمن العلماء من جزم بقبولها، ومنهم من رجح القبول، ومنه من توقف حتى يوجد المرجِّح. الثالثة: أن يُعلم اتحادُ المجلس، ففي هذه الحالة اختلف العلماء على مذاهب؛ منها: قبولها مطلقاً سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواء غيرَّتْ الحكم أم لا، وثانيها: عدم قبولها مطلقاً، وثالثها: الوقف، ورابعها: إن كان غيره لا يتأتى منه الذهول لم تقبل وإلا قبلت، وهذا حكاه المصنف، وخامسها: إن كانت الزيادة تُغيِّر إعراب الباقي كما لو رَوَى راوٍ: في أربعين شاةً شاةٌ، وروى الآخر: نصف شاة، لم تقبل ويتعارضان فلابد من الترجيح، وسادسها: لا تقبل إلا إذا أفادتْ حكماً شرعياً، ذكره المصنف في الشرح. وسابعها: عكسه. وقيل غير ذلك. انظر هذه المذاهب وحججها في: المعتمد 2/128 الإحكام لابن حزم 1/223، أصول السرخسي 2/25، قواطع الأدلة 3/13، المحصول للرازي 4/473، الإحكام للآمدي 2/108 المسودة ص 299، نهاية الوصول للهندي 7/2949، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/72، البحر المحيط للزركشي 6/232 ـ 246، التقرير والتحبير 2/391، التوضيح لحلولو ص329، شرح الكوكب المنير 2/541، فواتح الرحموت 2/221، نشر البنود 2/36، النكت على ابن الصلاح لابن حجر 2/686، فتح المغيث للسخاوي 1/245 تدريب الراوي 1/285.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 الشرح قال القاضي عبد الوهاب (1) في " الملخص ": إذا انفرد بعض رواة الحديث بزيادة وخالفه بقية الرواة، فعند (2) مالك (3) وأبي الفرج (4) من أصحابنا تقبل (5) إن كان ثقة ضابطاً (6) . وقال الشيخ أبوبكر الأبهري (7) وغيره لا تقبل (8) ، ونفوا الزيادة المروية في حديث عدي بن حاتم* ((وإن أكَل فلا تأكل)) (9) وبالأول قال الشافعية. حجة الجواز: أن انفراده بالزيادة كانفراده بحديثٍ آخر، فتقبل كما يقبل الحديث الأجنبي، وأما ما يُفرق به [من أن] (10) انفراده بالزيادة يُوجِب [فيه وَهْناً] (11) بخلاف الحديث الأجنبي، فمدفوع بأنه قد يسمع ولا يسمعون، ويذكر   (1) انظر: رفع النقاب القسم 2/768. وإلى مذهبه أشار الزركشي في البحر المحيط 6/235، 236. (2) في ن: ((فعن)) والمثبت أنسب للسياق. (3) انظر مذهبه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص92، الضياء اللامع لحلولو 2/171، نشر البنود 2/36. (4) هو عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي، ولي قضاء طرسوس وأنطاكية والثغور، أخذ عنه أبوبكر الأبهري، كان فصيحاً فقيهاً. من مؤلفاته: الحاوي في مذهب مالك، اللمع في أصول الفقه. توفي عام 331هـ انظر: الديباج المذهب ص309، شجرة النور الزكية 1/79. (5) في ن، ق: ((يقبل)) والصواب المثبت؛ لأن مرجع الضمير مؤنث. انظر: هامش (6) ص 109. (6) وهو ما ذهب إليه الباجي في: الإشارة ص251، وابن العربي في: محصوله ص508، وغيرهما. (7) انظر الضياء اللامع لحلولو 2/171. (8) في س: ((لا يقبل)) والمثبت هو الصواب، لأن مرجع الضمير مؤنث. انظر: هامش (6) ص 109. (9) روى عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إذا أرسلت كَلْبكَ المُعَلَّم فقتل فكُلْ، وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسكه على نفسه ... )) الحديث رواه البخاري (175) وبنحوه مسلم برقم عام (1929) وخاص (2) في كتاب الصيد. قال ابن رشد في المقدمات الممهدات (1/418) : ((وما روى شعبة عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أكل الكلب فلا تأكل)) [بنحوه البخاري برقم (5487) لكن عن الشعبي لا شعبة] قد خالفه فيه همَّام ولم يذكر هذه الزيادة [حديث همام عن عدي عند البخاري برقم (5477) ] . واللفظة إذا جاءت في الحديث زائدة لم تقبل إذا كانت مخالفة للأصول. وقد روى ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ما تشهد الأصول بصحته، وهو أنه قال: ((إذا أكل فكل)) )) . [رواية ابن عمرو عن أبي ثعلبة الخشني عند أبي داود برقم (2852) ] ، لكن ابن حجر في فتح الباري (9/752) قال: ((وسلك بعض المالكية الترجيح، فقال: هذه اللفظة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام، وعارضها حديث أبي ثعلبة، وهذا ترجيح مردود)) . (10) في س، ن: ((بأن)) . (11) في ن: ((وَهْيٌ)) لو قال: ((وَهْياً)) لكانت صحيحة لانتصابها على المفعولية. والوَهْيُ: الضَعْف. انظر مادة " وهي " في: مختار الصحاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وينسون، وعدالته وضبطه يوجب (1) قبول قوله مطلقاً، وقد يكون المجلس (2) واحداً (3) ، ويَلْحَق بعضَهم ما يشغله عن سماع جميع الكلام. حجة المنع: أن روايةَ جميع الحفاظ (4) - غيرَ هذا الراوي - عدمَ الزيادة [في روايتهم تقوم (5) مقام تصريحهم] (6) بعدمها، وتصريحهم مقدَّم على روايته هو. والجواب: أنه ليس كالتصريح بل يتعين حمله على الذهول الشاغل، جمعاً بين ظاهر عدالة راوي الزيادة وعدالة التاركين لها. قال القاضي (7) : ((واختلف في صفة (8) الزيادة المعتبرة، فقيل: الاعتبار بالزيادة اللفظية فقط المفيدة لحكم شرعي، ولا تكون (9) تأكيداً ولا قصة (10) لا يتعلق بها حكم شرعي، كقولهم في مُحْرِمٍ وَقَصَتْ (11) به ناقته في أُخَاقِيق جُرْذان (12) فإنَّ ذِكْر الموضعِ لا يتعلق به   (1) في ن: ((توجب)) . (2) في س: ((الملجس)) وهو تحريف. (3) في ق: ((واحد)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر كان حقه النصب. (4) في س، ق: ((الحافظ)) . (5) في س، ن: ((يقوم)) والمثبت من و، ص وهو الصواب. انظر: هامش (6) ص 109. (6) ما بين المعوقفين في ق هكذا: ((فذلك كتصريحهم)) . (7) جرت عادة المصنف إطلاق لفظ ((القاضي)) على القاضي أبي بكر الباقلاني. غير أن المراد بالقاضي هنا القاضي عبد الوهاب الذي مرَّ ذكره قريباً، يؤيد ذلك أن الزركشي في البحر المحيط (6/238) حكى هذا القول عن القاضي عبد الوهاب. والله أعلم. (8) ساقطة من س. (9) في ق: ((ولا يكون)) وهو خطأ. انظر: هامش (6) ص 109. (10) في ن: ((ولا قضية)) . (11) قال ابن الأثير: ((وفي حديث المحرم ((فوقصت به ناقته فمات)) . الوَقْص: كسر العنق. وَقَصْتُ عنقه أقِصُها وَقْصَاً، ووَقَصَتْ به راحلته، كقولك: خُذِ الخطام، وخُذْ بالخطام. ولا يقال: وقَصَتْ العنقُ نفسها، ولكن يقال وُقِصَ الرجل فهو موقوص)) . النهاية في غريب الحديث والأثر. مادة " وقص ". وقد جاء حديث المحرم الذي وقصته دابته في: البخاري (1265) ، ومسلم (1206) وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما من غير ذكرٍ لـ" أخَاقيق جُرْذان ". (12) جاءت هذه اللفظة في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وفيه: ((فوقعت يَدُ بَكْرِهِ - الإبل الفتي - في أخَاقيق الجُرْذان، فاندقَّتْ عنقه ... فمات)) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير. (2/362) برقم (2329) . وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده (4/359) ((ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جُرْذان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 حكم شرعي، وكذلك الناقة دون الفرس. وأما الزيادة في المعنى فلا عبرة بها، بل يجب الأخذ بالزيادة اللفظية وإن أدَّتْ إلى نقصانٍ من جهة المعنى، ولا يُعتدّ بزيادة المعنى في باب الترجيح؛ لأن الزيادة إنما تكون في النقل، والنقل إنما يكون في اللفظ، ويصير (1) ذلك كخبرٍ مفيدٍ مبتديءٍ.   (1) فهوى بعيره، وهوى الرجل، فوقع على هامته فمات)) . وفي رواية عنده أيضاً ((وقعت يدُ بَكْره في بعض تلك التي تَحْفِرُ الجُرذان)) . وفي روايةٍ عنده (4/357) ((فدخل خُفُّ بعيره في جحر يَرْبوع فوقصه بعيره فمات)) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/42) ((رواها كلها أحمد والطبراني، وفي إسناده أبوجناب وهو مدلس وقد عنعنه. والله أعلم)) . ? ... أما معنى ((أُخَاقيق جُرذان)) فالأخاقيق: شقوق الأرض كالأخاديد، واحدها: أُخْقُوق. يقال: خَقَّ في الأرض وخّدَّ بمعنىً. وقيل: إنما هي: لخُاقيق، واحدها: لُخْقُوق. والأول أصح. والخُقّ: الجُحرْ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، مادة: خفق، وكذلك لسان العرب. وأما الجُرْذان: جمع الجُرَذ، وهو الذكَر الكبير من الفأر، وقيل: هو ضَرْب من الفأر، أعظم من اليربوع أكْدَر، في ذَنَبه سواد. انظر: النهاية لابن الأثير 1/249، لسان العرب مادة " جُرد ". وأنبه هنا بأني لم أجد في كل ما وقفت عليه من روايات الحديث السالف الذكر أن هذا الرجل كان مُحرماً، ولا أنه كان في عرفة؛ فعلهما واقعتان منفصلتان، وحينئذٍ لا يصلح التمثيل به، وربما كان منشأ اللَّبس اشتراك الرجلين في كونهما وقصَتْ بهما دابتهما. والله أعلم. () في ن: ((ويكون)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 الباب السابع عشر في القياس وفيه سبعة فصول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 الفصل الأول في حقيقته (1) ص: وهو إثباتُ مِثْلِ حُكْمِ معلومٍ لمعلومٍ آخرَ لأجْل اشتباههما في علةِ الحكم عند المُثبت (2) . فالإثبات المراد به: المشتركُ بين العلم والظنِّ والاعتقاد (3) ، ونعني (4) بالمعلوم (5) : المشتركَ بين [المعلوم والمظنون] (6) ، وقولنا: عند المُثبت، ليدخل فيه القياس الفاسد. الشرح   (1) سيذكر المصنف حقيقة القياس اللغوية في آخر شرح هذا المتن. انظر: ص 303. (2) هذا تعريف الرازي في: محصوله (5 / 11) ، وقال: ((بأنه أسدُّها)) وارتضاه تاج الدين الأرموي في: الحاصل من المحصول (2 / 826) ، وسراج الدين الأرموي في: التحصيل من المحصول (2 / 156) ، والبيضاوي في: منهاج الأصول انظر: نهاية السول للإسنوي 4 / 2. وللوقوف على تفاصيل تعريفات القياس. انظر: المعتمد 2 / 195، البرهان 2 / 489، المحصول لابن العربي ص 521، الإحكام للآمدي 3 / 184، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 6 / 134، نهاية الوصول للهندي 7 / 3024، شرح مختصر الروضة 3 / 219، كشف الأسرار للبخاري 3 / 491، البحر المحيط للزركشي 7 / 7، التوضيح لحلولو ص 331، فواتح الرحموت 2 / 451، دراسات أصولية في حجية القياس وأقسامه د. رمضان عبد الودود ص 26. (3) سواء تعلّقت هذه الثلاثة بثبوت الحكم أو عدمه، والقدر المشترك بينها هو: حكم الذهن بأمرٍ على أمْرٍ. انظر: المحصول للرازي 5 / 11، نهاية السول 4 / 2، نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص 15. (4) في ق: ((يعني)) وهو تصحيف، يدلُّ عليه قوله فيما بعد ((وقولنا)) . (5) المراد بالمعلوم: هو المتصوَّر، أي: الذي تحصل صورته في العقل. انظر: نهاية السول 4 / 3، شرح البدخشي 3 / 5، نبراس العقول ص 19، الصالح في مباحث القياس عند الأصوليين لشيخنا الدكتور / السيد صالح ص 23. (6) في متن هـ: ((العلوم والظنون)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 لأنَّا إذا أثبتنا (1) فقد نعلم ثبوت (2) الحكم في الفروع، وقد نعتقده اعتقاداً جازماً لا (3) يحتمل عدم المطابقة، وقد نظنُّه (4) ، فاشتركت الثلاثة في الإثبات فهو مرادنا. وقولي (5) : ((معلوم)) أولى من قول مَنْ قال: إثباتُ حكمِ [أصلٍ لفرعٍ] (6) ، أو إثباتُ حكمِ الأصلِ في الفرع (7) ؛ لأن الأصل والفرع إنما يُعْقلان (8) بعد معرفة القياس، فتعريف القياس بهما (9) دَوْر (10) ، فإذا قلنا: ((معلوم)) اندفعتْ هذه الشبهة الموجبة للدَّوْر. وقولي: ((لأجل اشتباههما في علة الحكم)) احتراز (11) من إثبات الحكم بالنص، فإن ذلك لا يكون قياساً، كما لو ورد نصٌّ يخصُّ الأُرْزَ (12) بتحريم الربا   (1) هذا التعليل لما ذكره في المتن من اشتراك " الإثبات " بين العلم والظن والاعتقاد. (2) في ن: ((بثبوت)) . (3) ساقطة من س، ن، ق، ش. وهي مثبتة في ص، م، ز، و، وهو الصواب؛ لأن الجملة الفعلية ((لا يحتمل ... )) صفة كاشفة لقوله: ((جازماً)) . وبدون " لا " النافية يبطل المعنى، والله أعلم. (4) في ن: ((يظنه)) وهو تصحيف. (5) في ق: ((وقلنا)) . (6) هكذا في ق، وهو واضح المعنى. وفي سائر النسخ ((فرعٍ لأصلٍ)) وهو خطأ إذا كان متعلَّق الجار والمجرور كلمة ((إثبات)) ، ويمكن أن يتَّجه إذا علَّقنا الجار والمجرور بـ ((فرعٍ)) وفيه بُعْد. (7) ممن ذكر هذا في تعريفه: أبو الحسين البصري في المعتمد 2 / 195، 443، والقاضي أبو يعلى في العدة 1 / 174، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 447، والشيرازي في شرح اللمع 2 / 755، والأسمندي في بذل النظر ص 581، وابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص 166، والنسفي في كشف الأسرار 2 / 196. (8) في ق: ((يعقل)) وهو خطأ نحوي؛ لأن اسم " إن " المذكور اثنان، وهما: الأصل والفرع فلابد من مطابقة خبره له فيكون ((يعقلان)) . كما في قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] . (9) في س: ((بها)) وهو تحريف؛ لأن مرجع الضمير مثنى. (10) هناك من دفع إيراد هذا الدَّوْر. انظر: حاشية السعد على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 204، تشنيف المسامع 3 / 151، التوضيح لحلولو ص 331، شرح البدخشي 3 / 5. (11) في ن: ((احترازاً)) وقد سبق توجيه ذلك. (12) في س: ((الأرد)) وهو تحريف، وفي ق: ((الرُّزّ)) وهي مما يستعمله بعض العامة الآن، وهو استعمال صحيح فصيح؛ لأنه لُغة في ((الأُرْز)) . وهناك لغات أخرى. انظر: الصحاح للجوهري، لسان العرب كلاهما مادة ((أرز)) ، معجم فصيح العامَّة لأحمد أبو سعد ص 186. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 كما ورد في البُرِّ (1) . وقولي: ((مثل حكم)) ، لأن الحكم (2) الثابت في الفرع ليس هو عينَ الثابت في الأصل بل مثلُه، وهما مختلفان بالعوارض، فالأول امتاز ثبوته (3) بالإجماع (4) ، والثاني ثابت (5) بالقياس، والأول لا خلاف (6) فيه، والثاني فيه الخلاف، غير أنه مثله من جهة أنه تحريم أو تحليل، والعوارض من جهة المَحَالِّ والأدلة مُعَيِّنات ومُمَيِّزات (7) لأحد المِثْلين عن الآخر، ولابد لأحد المِثْلين من (8) مميِّزٍ وإلا كانا واحداً، والواحد ليس بمِثْلين (9) . ومعنى قولنا (10) : ليندرج (11) القياس الفاسد: أنَّا لو قلنا لاشتراكهما في علة* الحكم (12) لم (13) يتناول ذلك إلا (14) العلة المرادة لصاحب الشرع، فالقياس بغيرها يلزم أن لا يكون قياساً، لكن الخلاف لما وقع في الربا هل عِلَّته الطعم أو الكيل أو القوت أو   (1) ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البُرُّ بالبُرِّ رباً إلا هاءَ وهاءَ، والشعير بالشعير رباً إلا هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر رباً إلا هاءَ وهاءَ)) رواه البخاري (2170) . ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرِّ بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ، يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أرْبى، الآخذ والمُعطي فيه سواء)) رواه مسلم (1584) . (2) ساقطة من ن. (3) في ق: ((بثبوته)) ، وفي ن: ((لثبوته)) والمثبت أولى لزيادة وضوحه. (4) أو بالنص من كتابٍ أو سنة. (5) ساقطة من س. (6) في س: ((اختلاف)) . (7) في س: ((تمييزات)) . (8) ساقطة من س. (9) لمزيدٍ من إيضاح هذا المعنى انظر: السراج الوهاج للجاربردي 2 / 846، الإبهاج 3 / 3، شرح البدخشي 3 / 4، الصالح في مباحث القياس للدكتور / السيد صالح ص 15. (10) ساقطة من جميع النسخ سوى نسخة س. (11) في ق، س: ((اندراج)) . (12) أي: ولم نقل: ((عند المُثْبِت)) . (13) في س: ((لا)) ، وهي ساقطة من ن. (14) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 غير ذلك من المذاهب في العلل (1) ، وقاس (2) كل إمام بعلته التي اعتقدها، فأجمعنا على أن* الجميع أقيسةٌ شرعيةٌ؛ لأنا إنْ (3) قلنا: ((كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ)) (4) فظاهر، وإن قلنا: ((المصيب واحد)) فلم يتعيَّن (5) ، فتعين أن يكون الجميع أقيسة شرعية، مع أنَّ جميع تلك العلل ليست مرادة لصاحب الشرع، فالقياس بغير علة صاحب الشرع قياس (6) فاسد، وهو قياس، فلذلك قلنا: ((عند المثبت)) ليتناول جميع العلل كانت علة صاحب الشرع أم (7) لا (8) . حقيقة القياس اللغوية فائدة: القياس معناه فى اللغة (9) : التَّسْوية، يقال (10) : قاس الشيءَ بالشيء، إذا ساواه (11) به، والقياس فى الشريعة مُسَوٍّ (12) للفرع بالأصل فى ذلك الحكم [فسُمِّي   (1) اتفق العلماء على جريان الربا في الأصناف الستة المذكورة في حديث مسلم (11584) كما في هامش ( 1) ، ص (302) ، وهي: الذهب، والفضة، والبُرُّ، والشعير، والتمر، والملح. ثم اختلفوا في تعليل حرمة الربا بعد أن قسموا الأصناف إلى قسمين: قسم الذهب والفضة، وقسم الأصناف الأربعة. فمن العلماء من علَّل الربا في الذهب والفضة بالوزن، ومنهم من علَّل بالثمنية. وأما علة الربا في الأصناف الأربعة فقيل: إنها الكيل، وقيل: الوزن، وقيل: الاقتيات، وقيل: الادخار، وقيل: الطعم، وقيل: كل جنس تجب فيه الزكاة، وقيل: غير ذلك. انظر: الحاوي للماوردي 5 / 83، المغني لابن قدامة 6 / 53، بداية المجتهد 4 / 499، شرح فتح القدير 7 / 3، مواهب الجليل للحطاب 6 / 197، مغني المحتاج للشربيني 2 / 364، المبدع لابن مفلح 4 / 126. (2) في س، ق: ((قياس)) وهو تحريف. (3) في س: ((إذا)) ، وهو جائز. انظر: هامش (7) ص 16. (4) سيأتي بحث هذه المسألة في: الفصل السادس من باب الاجتهاد ص (468) . (5) أي: لم يتعيّن لدينا أيُّهم المطابق للقياس الصحيح في نفس الأمر. (6) ساقطة من ق، وفي ن: ((قياسه)) وهي غير متسقة مع السياق. (7) في ق: ((أو)) . (8) انظر مزيداً في ذلك: سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول للإسنوي 4 / 4. (9) القياس يطلق في اللغة على معنيين، ذكر المصنف أحدهما، وهو التسوية. وأما الآخر فهو: التقدير، يقال: قاس الشيءَ يقيسه قَيْساً وقياساً إذا قدَّره على مثاله، والمقياس: المقدار، والقياس: تقدير الشيء بالشيء. انظر: مادة ((قوس)) في معجم المقاييس في اللغة، مختار الصحاح، لسان العرب. نقل بعض الأصوليين معاني لغوية أخرى للقياس كالتمثيل والتشبيه والاعتبار والمماثلة والإصابة. انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 6، نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص 10 - 12. (10) ساقطة من ق. (11) في س: ((سوَّاه)) . (12) في ق: ((مساو ٍ)) والمثبت أقرب اشتقاقاً؛ لأن مُسَوٍّ مشتقة من التسوية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 قياساً] (1) ، فهو من باب تخصيص اللفظ ببعض مسمَّياته، كتخصيص الدابَّة ببعض مسمَّياتها وهو: الفَرَس عند العراقيين والحِمَار عند المصريين (2) ، فالقياس على هذا حقيقةٌ عُرْفيَّة مجازٌ راجحٌ لغويٌّ (3) .   (1) ساقط من ق. (2) جاء في المصباح المنير مادة ((دَبَّ)) قوله: ((وأما تخصيص الفرس والبغل بالدابَّة عند الإطلاق فعُرْفٌ طارئٌ)) . (3) أي: لمَّا استعمل القياس استعمالاً خاصاً في عُرْف الفقهاء والأصوليين بمعنى: ((مساواة فرعٍ لأصل)) صار لفظه حقيقةً عرفيةً، وكذلك صار مجازاً لغوياً؛ لأنه استُعْمل في غير ما وُضِع له باعتبار وضعه اللغوي، ولمَّا كان يتبادر إلى الأفهام معنى ((القياس)) العرفي عند سماعه لأول وَهْلةٍ سُمِّي مجازاً راجحاً لرجحانه على الحقيقة. انظر توضيحات المصنف لهذه المصطلحات في: أول الكتاب (المطبوع) ص 44، 46. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 الفصل الثاني فى حكمه (1) ص: وهو حجة عند مالك (2) رحمه الله [وجماهير (3) العلماء] (4) رحمة الله عليهم (5) خلافاً لأهل الظاهر (6) لقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (7) . ولقول مُعاذٍ* رضي الله عنه: ((أجْتَهِدُ (8) رأيي)) (9) ، بعد ذكره الكتاب والسنة.   (1) الكلام عن حكم القياس يتشعَّب إلى حكمه في الدنيويات والشرعيات واللغويات والعقليات والمقدَّرات والأسباب والحدود والرخص والكفَّارات. والمصنف هنا عقد هذا الفصل في حكم القياس في الشرعيات، وأشار في المتن التالي ص (312) إلى حكمه في الدنيويات. أما حكمه في البواقي فقد عقد لبيانه الفصل السابع ص (386) . (2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 51، إحكام الفصول ص 531، 552، منتهى السول والأمل ص 186، وفصل " وجوب الحكم بالقياس " من كتاب: المقدِّمات الممهِّدات لابن رشد 1 / 33، الضياء اللامع 3 / 120. (3) في ق: ((جمهور)) وهي مفرد جماهير. قال ابن الأثير: ((في حديث ابن الزبير قال لمعاوية: إنا لا ندع مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه. أي: جماعاتها. واحدها جمهور)) النهاية في غريب الحديث والأثر مادة " جمهور ". (4) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (5) انظر: شرح العمد 1 / 290، شرح اللمع للشيرازي 2 / 760، البرهان 2 / 492، أصول السرخسي2 / 124، قواطع الأدلة 4 / 9، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 369، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 799، المحصول للرازي 5 / 21، 26، شرح الكوكب المنير 4 / 215، القياس بين مؤيديه ومعارضيه للشيخ الدكتور عمر الأشقر، حجية القياس للدكتور عمر مولود. (6) انظر: الإحكام 2 / 384، 515، النبذ في أصول الفقه ص 120، المحلَّى 1 / 56 جميعها لابن حزم. وممن ذهب إلى إبطال القياس أيضاً طوائف من الروافض، والنَّظَّام وشرذمة من المعتزلة، ومعظم الخوارج. انظر: الفصول للجصاص 4 / 23، شرح العمد 1 / 281، البرهان 2 / 490، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5 / 282، المسودة ص 365، البحر المحيط للزركشي 7/ 21. (7) سورة الحشر، من الآية: 2. (8) في س، متن هـ: ((اجتهدوا)) وهو تحريف. (9) سبق تخريجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 الشرح أدلة المثبتين لحجية القياس وجه الاستدلال من الآية (1) : أن قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} (2) مُشْتقٌّ من العبور وهو المجاوزة، ومنه سُمِّي المُعْبرَ للمكان الذي يُعْبر منه من شطِّ (3) الوادي ويُعْبر فيه وهو السفينة (4) ، وسُمِّيت العَبْرة عَبْرةً (5) ؛ لأنها تعبر من الشؤون (6) إلى العين، وعَابِرُ المنام هو المتجاوز من تلك المُثْل المرئِيَّة إلى المراد بالمنام من الأمور الحقيقية (7) ، والقائس (8) عَابِرٌ من حكم الأصل إلى حكم الفرع، فتناوله لفظ الآية بطريق الاشتقاق (9) . سؤال: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية، وهي غير مفيدةٍ للمقصود؛ بسبب (10) أن الفعل في سياق الإثبات مطْلقٌ لا عموم فيه، والآية فِعلٌ في سياق الإثبات، فتتناول (11) مطلق العبور، فلا عموم فيها حتى تتناول (12) كل عبور فتندرج (13) فيها (14) صورة النزاع، وإذا كانت مطلقة كانت دالة على ما هو أعم من القياس،   (1) هنا زيادة ((الأُوْلى)) في س، ن، والأَوْلى تركها لعدم وجود آيةٍ أخرى، إلا إذا عُني بالأولى الدليلُ الأولُ بالنسبة للدليل الثاني وهو الحديث. (2) سورة الحشر، من الآية: 2. (3) في س: ((شاطيء)) وهو معنى الشَّطِّ وكلاهما بمعنى: الجانب. انظر: لسان العرب مادة ((شطط)) . وفي ن: ((شاط)) وهو تحريف. (4) المِعْبَر بالكسر: اسم آلة وهو ما عُبر به النهر من فُلْكٍ أو قنطرة أو غيره. والمَعْبَر بالفتح: اسم مكان وهو الشَّطُّ المهيأ للعبور. وقال الأزهري: المِعْبرة: سفينة يُعْبر عليها النهر. انظر: مادة ((عبر)) في: تهذيب اللغة، لسان العرب. وكان من الأحسن أن تكون عبارة المصنف فيها تفريق بين اسم المكان واسم الآلة. (5) العَبْرة: هي الدمَّعة، والجمع: عَبَرات وعِبَر. وهناك معانٍ أخرى. انظر: لسان العرب مادة ((عبر)) . (6) الشَّأْن: مجرى الدمع إلى العين، والجمع أشْؤُن، وشُئُون. وقيل: هي مواصل قبائل الرأس إلى العين، أو هي عروق الدَّمْع. انظر: مادة ((شأن)) في لسان العرب. (7) جاء في لسان العرب مادة ((عبر)) بأن المُعْتَبِر: هو المستدل بالشيء على الشيء. (8) في س، ن: ((والقياس)) وهو تحريف. (9) انظر: معجم المقاييس في اللغة مادة ((عبر)) . (10) في س: ((سبب)) وهو تحريف. (11) في ن: ((يتناول)) ، وفي س: ((فيتناول)) وكلاهما صحيح. (12) في س، ن: ((يتناول)) . (13) في ق: ((فيندرج)) . (14) في س، ن: ((فيه)) وهو متَّجه باعتبار عود الضمير على: الفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 والدال على الأعمِّ غير دال على الأخصِّ، كما أن لفظ الحيوان لا يدل على الإنسان، ولفظ العدد لا يدل على الزَّوْج (1) . ومما يدل على القياس إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على العمل بالقياس (2) ، وذلك يُعْلم [من استقراء] (3) أحوالهم ومناظراتهم (4) ، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري ((اعْرِف (5) الأشباه والنظائر وما اختلج في صدرك فألْحِقهُ بما هو أشبه بالحق)) (6) وهذا هو عين القياس. ولأنه عليه الصلاة والسلام نبَّه على القياس في مواطن، منها: أن عمر رضي الله عنه سأل (7) عن قبلة الصائم فقال له (8) عليه الصلاة والسلام ((أرأيت لو تمضمضْتَ بماءٍ ثم   (1) انظر الأجوبة عن هذا السؤال في: قواطع الأدلة 4 / 54، الإحكام للآمدي 4 / 31، نهاية السول ومعه سلم الوصول للمطيعي بحاشيته 4 / 12 - 14. (2) في ق: ((به)) بدلاً من: ((بالقياس)) . (3) في س: ((باستقراء)) . (4) حكى إجماع الصحابة عدد من الأصوليين، منهم: السمعاني في قواطع الأدلة (4 / 42) وعدَّ جملةً وافرة من مناظراتهم، وكذا ابن القيم في إعلام الموقعين 1 / 196 - 207. وانظر: الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 132، الإحكام للآمدي 4 / 40، نهاية الوصول للهندي 7 / 3108، شرح مختصر الروضة 3 / 262، كشف الأسرار للبخاري 3 / 511. (5) في س: ((عرف)) وهو تحريف. (6) أخرجه الدارقطني مطولاً في سننه (4 / 206) ولفظ موضع الشاهد منه ((الفَهْم الفَهْم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قِس الأمور عند ذلك، فاعمِدْ إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى)) . قال العظيم أبادي: ((في إسناده عبيد الله بن أبي حميد وهو ضعيف)) التعليق المغني بذيل سنن الدارقطني 4 / 206، ورواه البيهقي في سننه الكبرى 10 / 150، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 492. قال ابن حجر: ((وساقه ابن حزم من طريقين، وأعلَّهما بالانقطاع، لكن اختلاف المَخْرج فيهما مما يقوِّي أصل الرسالة، لاسيما وفي بعض طرقه أنَّ راويه أخرج الرسالة مكتوبة)) تلخيص الحبير (4 / 196) . وانظر: المحلَّى 1 / 59، والإحكام 2 / 468، والنبذ ص 133 جميعها لابن حزم. والأثر صححه: أحمد شاكر في تحقيقه على المحلى 1 / 59، والألباني في إرواء الغليل 8 / 241. وقال ابن القيم: ((وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة..والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه)) . إعلام الموقعين 1 / 92. (7) في س، ن: ((سأله)) . (8) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 مَجَجْتَه (1) أكنْتَ شاربه؟!)) (2) ، وجه الدليل [من ذلك] (3) : أنه عليه الصلاة والسلام شبَّه بالمضْمَضة (4) إذا لم يَعْقُبْها شَرْبٌ القُبْلةَ (5) إذا لم يعقُبْها إنزالٌ بجامع انتفاء الثمرة المقصودة من (6) الموضعين؛ وهذا هو عين القياس. ومنها (7) قوله عليه السلام للخَثْعَمِيَّة (8) ((أرأيتِ لو (9) كان على أبيك دَيْنٌ أكنتِ قاضيته؟! قالت: نعم. قال: ((فدَيْنُ الله أحقُّ بالقضاء (10)) ) (11) وهذا هو عين القياس.   (1) مججته: قذفته وألقيته. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر مادة ((مجج)) . (2) لم أجده بهذا اللفظ فيما وقفت عليه. والذي وجدته هو حديث عمر رضي الله عنه قال: ((هَشِشْتُ يوماً فقبَّلتُ وأنا صائم، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلْتُ: صنعْتُ اليوم أمراً عظيماً وأنا صائم فقال: ((أرأيت لو تمضْمضْت بماءٍ وأنت صائم؟)) . قلت: لا بأس بذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ففيم؟)) رواه النسائي في السنن الكبرى (2 / 198) وقال: هذا حديث منكر. ورواه أبو داود (2385) وفي آخره ((فمه؟)) ورواه أيضاً أحمد في مسنده 1 / 21، 52. وصححه الحاكم في مستدركه (1 / 431) ، وابن خزيمة في صحيحه (1999) ، وابن حبان في صحيحه (3544) بترتيب ابن بلبان، الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (1 / 195) ، وحسنه ابن حجر في موافقة الخُبْر الخَبَر (2 / 359) . (3) ساقط من ق. (4) في ق: ((المضمضة)) بدون الباء، وهو خطأ؛ لأنه قَلْبٌ للمشبه والمشبه به، كما لو جُعل الفرع أصلاً والأصلُ فرعاً. (5) في س، ق: ((بالقُبْلة)) والصواب بدون الباء؛ لنفس العلة المذكورة في الهامش السابق. (6) في ن: ((في)) . (7) في س، ن: ((ومنه)) ، والمثبت هو الصواب؛ لأن مرجع الضمير مؤنث وهو ((مواطن)) .. (8) هي امرأة مجهولة من قبيلة خَثْعم بن أنمار، ورد وصفها في بعض الروايات أنها امرأة وضيئة كان الفضل بن عباس رضي الله عنه ينظر إليها وهو رديف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. انظر الحديث في صحيح البخاري (6228) ، فتح الباري لابن حجر 4 / 84. (9) في ن: ((إنْ)) . (10) في س: ((أن يُقْضى)) . (11) هكذا يورده كثير من الأصوليين والفقهاء. قال ابن كثير: ((حديث الخَثْعمية رواه أهل الكتب الستة، ولم أره في شيءٍ منها بهذا السياق)) تحفة الطالب ص (420) ، وانظر: المعتبر للزركشي ص (214) . وانظر: الحديث في الكتب الستة؛ في البخاري (1854) ، مسلم (1334) ، أبي داود (1792) ، الترمذي (928) ، النسائي (5406) ، ابن ماجه (2909) . وأقرب سياقٍ وقفْتُ عليه مقارِباً لسياق المصنف ما رواه النسائي (5404) ، وابن ماجه (2909) - واللفظ له - من حديث الفَضْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 أدلة النافين لحجية القياس احتجوا بوجوهٍ، أحدها: قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله. وثانيها: قوله عليه الصلاة والسلام: ((تعمل هذه الأمة بُرْهةً بالكتاب وبُرْهةً بالسنة وبُرْهةً بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضَلُّوا)) (2) . وثالثها: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يذمُّون القياس، قال الصدِّيق رضي الله عنه: ((أيُّ سماءٍ تُظِلُّنِي وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إذا قلتُ في كتاب الله برأيي)) (3) ، وقال عمر رضي الله عنه: ((إيَّاكم وأصحابَ الرأي فإنهم أعداءُ السُّنَن (4) أعْيَتْهم الأحاديثُ أن يُحْصُوها (5) ، فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأضلُّوا)) (6) . وقال   (1) ابن عباس رضي الله عنهما لما قالت المرأة الخثعمية: أفأحجُّ عنه؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، فإنه لو كان على أبيك دَيْن قضيتِهِ)) . ومما يشابه حديثَ المصنف حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما في رجلٍ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حج أبيه، وهو شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، فقال له: ((أفرأيتَ لو كان عليه دَيْنٌ فقضيْتَه أكان مُجْزِئاً؟)) قال: نعم. قال: ((فحجَّ عن أبيك)) رواه النسائي في سننه الصغرى (5408) ، والبيهقي في سننه الكبرى (4 / 429) . وكذلك حديث ابن عباس عن امرأةٍ من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: ((نعم حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَيْنٌ أكنْتِ قاضيتَه؟ ، اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء)) رواه البخاري (1852) . ( ) سورة المائدة، من الآية: 47. (2) رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه أبو يعلى في مسنده (10 / 240) ، والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (1 / 449) ، وابن حنبل في: العلل ومعرفة الرجال (1 / 470) ، والعُقيلي في: الضعفاء (1 / 207) ، وابن حزم في الإحكام (2 / 225) وغيرهم، وجميعها ليس فيها لفظ ((القياس)) بل مكانها ((الرأي)) والحديث ضعَّفه الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 179) ، والألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم (2457) . وقال الزركشي: ((هذا حديث لا تقوم به حجة)) المعتبر ص 226. (3) رواه البيهقي في شعب الإيمان (2 / 424) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 834) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (6 / 136) . وقال ابن كثير في تفسيره (1 / 16) بأنه منقطع. وأورد ابن حجر الحديث من طريقين كلاهما فيه انقطاع، ثم قال: ((لكن أحدهما يقوي الآخر)) فتح الباري 13 / 336. (4) في ق: ((الدِّين)) ولم أجدها في روايات الأثر، ولعلَّها تحريف. (5) في ن: ((يُحصِّلوها)) ولم أجدها فيما وقفت عليه من روايات الأثر، وفي س: ((يحصرها)) وهو خطأ نحوي، لأن الواجب اتصال واو الجماعة بها ليكون من الأفعال الخمسة. والصواب: ((يحصروها)) ، والذي وجدته في الأثر لفظ ((يحفظوها)) . (6) أخرجه الدارقطني في سننه (4 / 146) ، والخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه (1 / 453) ، وابن حزم في: الإحكام (2 / 780) ، وابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله (2/ 1042، 1043) . قال ابن القيم - بعد سوقه جملةً من الآثار عن عمر رضي الله عنه هذا أحدُها - قال: ((وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة)) إعلام الموقعين (1 / 63) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 علي رضي الله عنه: ((لو كان الدِّيْن يؤخذ قياساً لكان باطنُ الخُفِّ أولى بالمسح من ظاهره)) (1) ، وهذا يدل على اتفاقهم على منع القياس. والجواب عن الأول: أن الحكم (2) بالقياس حكمٌ (3) بما أنزل الله في عمومات القرآن [من جهة] (4) قوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (5) [ومن جهة قوله تعالى] (6) {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (7) وقد جاءنا بالقياس (8) . وعن الثاني: أنه محمول على القياس الفاسد الوضع؛ لمخالفته النصوص، ومن شرط القياس ألاَّ يخالف النص الصريح. وعن الثالث: أنَّ ذمَّ (9) الصحابة رضوان الله عليهم محمول على الأقيسة الفاسدة والآراء الفاسدة المخالفة لأوضاع الشريعة، جمعاً بين ما نقله الخصم وما نقلناه (10) . القياس القطعي والظني والقياس في الدنيويات فرع: قال الإمام فخر الدين: إذا كان تعليل* الأصل قطعياً، ووجود العلة في الفرع (11) قطعياً (12) كان القياس متفقاً عليه.   (1) أثر علي رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 / 95، 114، 148، وأبو داود في سننه (162) ، وابن أبي شيبة في مصنفه 1 / 181، والبغوي في شرح السنة 1 / 464، وغيرهم ولفظه: ((لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه ... )) صححه ابن حجر في تلخيص الحبير (1 / 160) وحسنه في " بلوغ المرام " ص 53، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1 / 163. (2) في ص، ن: ((الحاكم)) . (3) في س، ن: ((حاكم)) . (4) في ق: ((نحو)) . (5) سورة الحشر، من الآية: 2. (6) ساقط من ق. (7) سورة الحشر، من الآية: 7. (8) انظر جواباً آخر في: نفائس الأصول 7 / 3157. (9) ساقطة من ن، وهو سَقْطٌ مخِلٌّ بالمعنى. (10) جاء في هامش نسخة " ص " الورقة 179 ب قوله: ((وعن احتجاجهم بقول عليٍ رضي الله عنه: أن الدِّين في قوله: ((لو كان الدِّين يؤخذ بالقياس)) فيه الألف واللاَّم، وهي للعموم، فيكون المعنى: لو كان كل الدِّين قياساً، ونحن لم ندَّعِ ذلك، بل يكون مفهومُ قوله دالاًّ على أنَّ بعضه قياس، وهو المطلوب)) . (11) في ق: ((الأصل)) وهو خطأ ظاهر، فقد ذُكِر تعليلُ الأصل وأنه قطعي، وبقي أن تكون العلة قطعية في الفرع، بعداً عن التكرار. (12) في س: ((قطعاً)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وأما القياس الظني فهو حجة في الأمور الدنيوية اتفاقاً (1) كمداواة الأمراض (2) ، والأسفار والمتاجر وغير ذلك، وإنما (3) النزاع في كونه حجةً في الشرعيات ومستندات المجتهدين (4) . تعارض القياس مع خبر الواحد ص: وهو مقدَّمٌ على خبر الواحد (5) عند مالك (6) رحمه الله؛ لأن الخبر إنما ورد (7)   (1) حُكِي الاتفاق في: المحصول 5 / 20، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 2 / 42، التوضيح لحلولو ص 332، رفع النقاب القسم 2 / 796، شرح الكوكب المنير 4 / 218. (2) انظر مثالاً لطيفاً عليه في: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 241، وانظر تعليقاً نفيساً على هذا المثال في: نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص 47. (3) في س: ((وأمَّا)) وهو تحريف، لا يستقيم بها المعنى. (4) هذا النقل عن الرازي من محصوله (5 / 19 - 20) فيه اختصار وتصرُّف كبير. (5) ينبغي تحرير محل النزاع في هذه المسألة، فيقال - كما في المحصول (4 / 431) بتصرف -: خبر الواحد إذا عارضه القياس له أحوال: إمَّا أن يخصِّص الخبرُ القياس، أو عكسه، أو يتنافيا بالكلية. فإن كان الأول جُمِع بينهما بتخصيص الخبر للقياس عند من يُجوِّز تخصيص العلَّة، وإلا أُلْحِق بما إذا تنافيا بالكلية. وإنْ كان الثاني خُصِّص خبر الواحد بالقياس. وإنْ كان الثالث، فإنْ ثبت أصل القياس به ترجَّح عليه بلا خلاف، وإنْ لم يثبت به فإن عُلِم حكم أصل القياس وكونُه معللاً بوصفٍ ووجوده في الفرع قطعاً ترجَّح القياس. وإن ظُنَّ الكلُّ ترجَّح الخبر؛ إذ الظن فيه أقل، وإنْ عُلِم البعض - كما إذا عُلم الحكم وظُنَّ الباقيان - فهو محل النزاع. فمن العلماء مَنْ قدَّم القياس على خبر الواحد، ومنهم من عكس، ومنهم من توقَّف. انظر المسألة بأقوالها وأدلتها في: المعتمد 2 / 162، شرح اللمع للشيرازي 2 / 609، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 94، بذل النظر ص 468، الإحكام للآمدي 2 / 118، منتهى السول والأمل ص 86، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 73، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 10، البحر المحيط للزركشي 6 / 251، شرح الكوكب المنير 2 / 563، تيسير التحرير 3 / 116. (6) انظر النسبة إليه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 110، البيان والتحصيل لابن رشد (الجدّ) 17 / 604، 18 / 482، نفائس الأصول 7 / 2989. لكن ذكر حلولو اختلاف النقل عن الإمام مالك في هذه المسألة، فالمدَنِيُّون يروون عنه تقديم الخبر، والعراقيون يرون مذهبه تقديم القياس. انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 333، الضياء اللامع 2 / 165. وقال السمعاني: ((وقد حُكِي عن مالك أن خبر الواحد إذا خالف القياس لا يُقبل، وهذا القول بإطلاقه سمج مستقبح عظيم، وأنا أجِلُّ منزلة مالك عن مثل هذا القول، وليس يُدْرَى ثبوت هذا منه)) قواطع الأدلة 2 / 366. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((التحقيق خلاف ما ذهب إليه المؤلف (صاحب مراقي السعود) والقرافي. والرواية الصحيحة عن مالك رواية المدنيين أن خبر الواحد مقدَّم على القياس - ثم قال - ومسائل مذهبه تدلُّ على ذلك)) . نثر الورود 2 / 443. (7) في س، متن هـ: ((يرد)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 لتحصيل الحكم، والقياس متضمِّنٌ للحكمة (1) ، فيُقدَّم على الخبر. وهو حجة في الدنيويات اتفاقاً (2) . الشرح حكى القاضي عِيَاض (3) في: " التنبيهات " (4) ، وابن رشد (5) في: " المقدِّمات " (6)   (1) في ق: ((للحِكَم)) . (2) سبق بحث هذه المسألة قريباً. (3) هو: أبو الفضل عِيَاض بن موسى بن عِيَاض اليَحْصُبي - نسبة إلى يَحْصُب بتثليث الصاد، قبيلة من حِميْر - السَّبْتي - نسبةً إلى مدينة سَبْتة بالمغرب، المالكي. كان إمام أهل الحديث في وقته، عالماً بالنحو وكلام العرب والتفسير والأصول والفقه. أخذ عن المازري، وابن رشد (الجدّ) ، وابن العربي. ولي قضاء سبتة ثم غرناطة. له تصانيف بديعة منها: إكمال المُعْلم بفوائد مسلم (ط) ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (ط) ، ترتيب المدارك (ط) وغيرها. توفي عام 544 هـ. انظر: الديباج المذهب ص 270، سير أعلام النبلاء 20/ 212. (4) انظره في: الجزء الأول ورقة رقم (5) مصورة ميكروفيلم رقم (2) بجامعة أم القرى عن مخطوطة الخزانة العامة بالرباط برقم 333 ح ل. وكتاب القاضي عياض اسمه: " التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة "، والمعروف عنه كما في خزانات المخطوطات أنه في مجلدين كبيرين، جمع فيه غرائب وفوائد من ضبط الألفاظ، وتحرير المسائل ... إلخ. وقد أشار فؤاد سِزْكين إلى أماكن وجود مخطوطاته في كتابه: تاريخ التراث العربي، مجلد 1 / جزء 3 / 151. انظر: بحث بعنوان: اصطلاح المذهب عند المالكية (دور التطور) د/ محمد إبراهيم أحمد علي، بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (22) - 1415 هـ، ص 128. (5) هو: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي، يعرف بابن رشد الجَدّ تمييزاً له عن ابن رشد الحفيد (الفيلسوف المتوفى 595 هـ) كان إمام فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب، إليه المفزع في المشكلات، من تلاميذه: القاضي عياض وغيره، له تصانيف جيدة دقيقة، منها: البيان والتحصيل ... (ط) ، فتاوى ابن رشد (ط) ، المقدمات الممهدات ... (ط) وغيرها. ت 520 هـ. انظر: الصلة لابن بشكوال 2 / 546، الديباج المذهب ص 373، سير أعلام النبلاء 19 / 501. (6) انظره في: 3 / 483، وانظر: البيان والتحصيل له أيضاً 18 / 482، 17 / 604. وكتاب " المقدِّمات " اسمه: المُقدِّمات المُمَهِّدات لبيان ما اقتضته رسوم المدوَّنة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المُحْكمات لأمهات مسائلها المشكلات. وهو بِدْع من التأليف، يحتوي على دراسات وتأملات فقيهٍ مالكي ضليع بلغ رتبة الاجتهاد، وهو عبارة عن مقدمات كان يوردها المصنف عند استفتاح كتب المدونة، وتكون مدخلاً إليها. والكتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات بتحقيق سعيد أحمد أعراب بدار الغرب الإسلامي - بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر الواحد قولين (1) ، وعند الحنفية قولان (2) أيضاً (3) . حجة تقديم القياس: أنه موافق للقواعد من جهة تضمُّنه تحصيل (4) المصالح أو دَرْء المفاسد، والخبر المخالف له يمنع من ذلك فيُقدَّم الموافِق للقواعد على المخالِف لها (5) . حجة المنع: أن القياس فرع النصوص والفرع لا يُقدَّم على أصله.   (1) نصَّ الباجي في إحكام الفصول ص (666) على أن تقديم القياس هو قول أكثر المالكية، لكنّه قال في ص (667) : ((والذي عندي أن الخبر مُقدَّم على القياس)) . ونقل حلولو عن القاضي عبد الوهاب في " الملخص " أن تقديم الخبر هو قول المتقدمين من المالكية، كما نقل عن القاضي عياض أن تقديم الخبر هو مشهور مذهب مالك. انظر: التوضيح شرح التنقيح ص 333. ولعل مرد الخلاف في تحرير مذهب مالك في المسألة أن القياس يأتي بمعناه المعهود، كما يأتي بمعنى القاعدة من قواعد الشرع، ولهذا قال ابن العربي: ((وهذا ينبني على مسألة من أصول الفقه، اختلف قوله - أي الإمام مالك - وهي إذا جاء خبر الواحد معارضاً لقاعدة من قواعد الشرع، هل يجوز العمل به أم لا؟ ... وتردد مالك في المسألة، ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إنْ عضدته قاعدة أخرى قال به، وإن كان وحده تركه)) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس 2 / 812. (2) في س: ((قولين)) وهو متَّجه باعتبار الواو عاطفة في قوله: ((وعند الحنفية ... )) . لكن الصحيح أنها استئنافية ابتدائية، فالصحيح اختيار لفظة ((قولان)) لأن الكتابين السالفين الذكر لم يحكيا مذهب الحنفية. (3) الأحناف لهم تفصيل في المسألة على النحو التالي، منهم من قال: إن خالف القياسُ الخبرَ قُدِّمَ القياس عليه. ومنهم من قال: إن كان الراوي للخبر معروفاً بالفقه قُبِل خبره سواء وافق القياس أو خالفه، وإن عُرِف بالرواية فقط - كأبي هريرة وأنسٍ رضي الله عنهما - فإن وافق القياسَ قُبِل، وكذا إن وافق قياساً وخالف آخر، لكن إن خالف جميع الأقيسة لم يُقبل ... إلى آخر التفصيلات. لكن قال الكاكي: ((واعلم أن اشتراط فقه الراوي لتقديم الخبر على القياس مذهبُ عيسى بن أبان، واختاره أبو زيد، وخرَّج عليه حديث المُصرَّاة، وتابعه أكثر المتأخرين. فأمَّا الكرخي ومن تابعه من أصحابنا فليس فقه الراوي بشرط التقديم، بل يُقبل خَبَر كلِّ عَدْل ضابطٍ إذا لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة المشهورة، ويُقدَّم على القياس، قال أبو اليسر: ((وإليه مال أكثر العلماء)) جامع الأسرار 3 / 673، وكذا: فتح الغفار 2 / 82، وانظر: أصول السرخسي 1 / 338، الغنية في الأصول للسجستاني ص 119، المغني في أصول الفقه للخبازي ص 207، كشف الأسرار للنسفي 2 / 21، كشف الأسرار للبخاري 2 / 698، التقرير والتحبير 2 / 398، فواتح الرحموت 2 / 227. (4) في س، ق: ((لتحصيل)) . (5) انظر: نفائس الأصول 7 / 2989. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 بيان الأول: أن القياس لم يكن حجةً إلا بالنصوص، فهو فرعها، ولأن المقيس عليه لابد وأن يكون منصوصاً عليه، فصار القياس فرع النصوص من هذين الوجهين، وأما أن الفرع لا يُقدَّم على أصله؛ فلأنه لو قُدِّم (1) على أصله لأبْطَل أصله، ولو أبطل أصله لبطل (2) ، [فلا يَبْطُل أصله] (3) . والجواب عن هذه النُّكْتة: أن النصوص التي هي أصل القياس غيرُ النص الذي قُدِّم عليه القياس فلا تناقض، ولم يُقدَّم الفرع على أصله بل على غير أصله. تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه ص: وهو إن كان (4) بإلغاء الفارق (5) فهو تنقيح المناط* عند الغزالي، أو باستخراج الجامع من الأصل، ثم تحقيقه في الفرع، فالأول: تخريج المناط، والثاني: تحقيقه (6) . الشرح المناط اسم مكان الإناطة، والإناطة التعليق والإلصاق (7) ، قال حسَّان بن ثابت   (1) في ق: ((تَقَدَّم)) . (2) ساقطة من ن. (3) ساقط من ن، س. (4) هنا زيادة ((الحكم)) في ن، وهي زيادة لا معنى لها. (5) القياس بإلغاء الفارق: هو بيان أنّ الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يُؤَثِّر، فيلزم اشتراكهما في المؤثر. انظر: تشنيف المسامع 3 / 321، مفتاح الوصول ص 717. (6) محل الكلام عن هذه المسائل حسب الترتيب المألوف أن يكون في مباحث مسالك العِلَّة، ولهذا نجد المصنف كرَّر مبحث " تنقيح المناط " في الفصل التالي لهذا، في المسلك الثامن ص (348) . ولكن ربما كانت مناسبة البحث فيها هنا الوقوف على أيّ ضَرْبٍ من أضرب الاجتهاد في العلة يُسمَّى قياساً، ثم أيّ ضربٍ منها وقع الاتفاق على الاحتجاج به؟ والله أعلم. انظر تعريفات هذه المصطلحات في: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 80، أساس القياس للغزالي ص 37، الإحكام للآمدي 3 / 302، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الإبهاج 3 / 80، تيسير التحرير 3 / 42، نشر البنود 2 / 164. (7) جاء في مصباح المنير ص (324) قوله: ((ناطه من باب قال: علَّقه. واسم موضع التعليق مَنَاط بفتح الميم)) . وفي المعجم الوسيط ص (963) ((أناط الشيءَ به، وعليه: ناطه)) . فعلى هذا يكون اسم المكان من الثلاثي ناط: مَنَاط، ومن الرباعي أناط: مُنَاط، وبهذا يكون: المَنَاط اسم مكانٍ من النَّوْط لا من الإناطة كما ذكره المصنف. انظر: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 337، وانظر: مادة ((نوط)) في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 فيمن هجاه (1) : وأنْتَ زَنِيْمٌ نِيْطَ في آلِ هَاشِمٍ كما نِيْطَ خَلْفَ الراكبِ القَدَحُ الفَرْدُ (2) أي: عُلِّق، وقال حبيب (3) الطائي (4) : بِلادٌ بها نِيْطَتْ عَليَّ تمائمي وأولُ أرضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابُها (5) أي: عُلِّقتْ عليَّ الحُروز (6) فيها، والعلة رُبِط بها الحكم وعُلِّق عليها، فسُمِّيتْ   (1) هنا زيادة في نسخة " ق " - جاءت في أصل الكتاب - وهي: ((وهو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف فليس له ببني هاشم تعلُّقٌ ألبتة، وإنما يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وهذا معلوم)) . والصحيح أن المَهْجُوَّ هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، كان يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشرين سنة، ثم أسلم عام الفتح، وصمد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 4 / 49، الإصابة في تمييز الصحابة 7 / 151. ومطلع القصيدة: لقد عَلِم الأقوامُ أنَّ ابنَ هاشمٍ هو الغُصْنُ ذو الأَفْنَانِ لا الواحدُ الوَغْدُ انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 212. (2) البيت بحره من: الطويل. وهو مسطَّر في ديوانه بشرح البرقوقي ص (213) ، وورد في لسان العرب ( 7 / 420) ، ولفظه: وأنت دَعِيٌ نيط ... ، وفي الاستيعاب لابن عبد البر (1 / 336) لفظه: وأنت هَجِيْنٌ نيط ... ، والزَّنيم: هو المُسْتَلْحق بالقوم وليس منهم، لا يُحتاج إليه، تشبيهاً له بزنمتيِّ شاة المَعْز اللتين في عُنُقها. انظر: عمدة الحفاظ 2 / 149، مختار الصحاح مادة ((زنم)) . والمراد بقوله: كما نيط خلف الراكب القدح الفرد، أي تأخيره في الذِّكْر، كما يعلّق الراكب قدحه في آخر رَحْله عند فراغه من ترحاله. انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 214. (3) في س: ((خلف)) وهو تحريف. (4) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، المعروف بأبي تمام، الشاعر الشهير، ولد عام 188 هـ، استقدمه المعتصم إلى بغداد، وقدَّمه على من حوله من الشعراء، توفي عام 231 هـ في الموصل. له ديوان الحماسة (ط) ، فحول الشعراء. أُفْرِدتْ سيرته بالتأليف من ذلك: أخبار أبي تمام للصولي، أبو تمام الطائي حياته وشعره لنجيب الهبيتي. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8 / 248، خزانة الأدب 1 / 356. (5) البيت بحره من: الطويل، والمصنف نسب هذا البيت لحبيب (أبي تمام) ، وكذا في: نفائس الأصول 7 / 3087، وفي نهاية السول للإسنوي 4 / 138. ولم أعثر عليه في ديوانه. لكنه في لسان العرب، وتاج العروس كلاهما في مادتيْ: ((نوط)) ، و ((تمم)) منسوب إلى رِقَاع بن قيس الأسدي. والبيت جاء في مقدمة كتاب " أخبار أبي تمام " للصولي ص (22) غير منسوبٍ لأحدٍ، وربما جاء اللَّبْس من هذا. (6) حروز: جمع حِرْز؛ لأن الاسم الذي جاء على وزن " فِعْل " فإنه يجمع على " فُعُول " و " أفْعَال ". انظر: شرح شافية ابن الحاجب (2 / 92) ، والحِرْز: الموضع الحصين، يقال: هذا حِرْزٌ حَرِيْزٌ، ويُسمى التعويذُ حِرْزاً. والحِرْز: العُوذة. انظر: مادة ((حرز)) في: القاموس المحيط، مختار الصحاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 مناطاً على وجه التشبيه (1) والاستعارة. واختلف الناس في تنقيح المناط، فقال الغزالي: هو إلغاء* الفارق، كما تقول لا فارق بين بيع (2) الصفة (3) و (4) بيع الرؤية إلا الرؤية، وهي لا تصلح أن تكون فارقاً في متعلَّقات (5) أغراض المبيع، فوجب استواؤهما في الجواز، ولا فارق بين الذكور والإناث في مفهوم الرِّقِّ (6) وتشطير (7) الحَدِّ، فوجب استواؤهما فيه، وقد ورد النص بذلك في أحدهما في قوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ (8) } (9) [ولا فارق بين الأَمَة والعبد في التقويم (10) على مُعْتِق الشِّقْص (11) ، فوجب استواؤهما في ذلك (12) ، فإن النص إنما ورد في العبد الذَّكَر خاصة] (13) في قوله   (1) انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 322. (2) ساقطة من س. (3) بيع الصفة نوعان، أحدهما: بيع عَيْنٍ معينة، مثل أن يقول: بِعْتُك عبدي التُرْكِي، ويذكر سائر صفاته ... ، والثاني: بيع موصوفٍ غير معين، مثل أن يقول: بِعْتك عَبْداً تُرْكياً، ثم يستقْصي صفات السَّلَم، فهذا في معنى السلم. المغني لابن قدامة 6 / 34. وانظر آراء العلماء في حكمه في: الحاوي 5 / 14، بدائع الصنائع 6 / 607، المغني 6 / 31، مواهب الجليل 6 / 118. (4) هنا زيادة ((بين)) وهناك من يخطِّيء تكرير " بين " بين اسمين ظاهرين، لكن قال أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم (134) . انظر: درة الغواص للحريري ص 72، معجم الخطأ والصواب د. أميل يعقوب ص 95. (5) في ن: ((معلَّقات)) والمثبت أنسب لكثرة استعماله فيما ذُكر. (6) أي في سراية العتق. (7) التّشْطير: التنصيف، وشَطْر كل شيء: نِصْفه. المصباح المنير مادة ((شطر)) . (8) سورة النساء، من الآية: 25. (9) مسألة تشطير الحَدِّ انظرها في: المغني 12 / 331، مغني المحتاج 5 / 450، مواهب الجليل 8 / 397، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 6 / 17. (10) في ن: ((التقديم)) وهو تحريف. (11) الشِّقْص والشَّقِيْص: هو الطائفة من الشيء والقطعة من الأرض، وهو النصيب من العين المشتركة في كل شيء. انظر: النهاية لابن الأثير، لسان العرب كلاهما مادة ((شقص)) . (12) انظر المسألة في: الحاوي 18 / 5، بداية المجتهد 5 / 458، بدائع الصنائع 5 / 313، المغني 14 / 369، الذخيرة 11 / 149. (13) ما بين المعقوفين ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 عليه الصلاة والسلام: ((من أعتق شِرْكاً له في عبد)) (1) ونحو ذلك، فهذا القياس يُسمى (2) : تنقيح المناط على اصطلاح (3) هؤلاء. وقال الحَسْكَفِي (4) في " جَدَلِهِ " (5) وغيره (6) : تنقيح المناط: هو تعيين علة من أوصاف مذكورة، وتخريج المناط: هو استخراجها من أوصاف غير مذكورة (7) (8) . مثال الأول: [حديث الأعرابي] (9) ((جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَضْرِب صَدْره ويَنْتِفُ شَعْرَه فقال: هلكْتُ وأهلكْتُ؛ واقعتُ أهلي في شهر رمضان. فأوجب عليه الصلاة والسلام عليه (10) الكفارة)) الحديث المشهور (11) فذُكِر في الحديث كونه أعرابياً،   (1) تتمة الحديث: ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم العبد عليه قيمة عَدْلٍ فأَعْطى شركاءهم حصصهم، وعَتَق عليه العبد، وإلاَّ فقد عَتَق منه ما عَتَق)) رواه البخاري (2522) ، ومسلم (1501) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (2) ساقطة من ن. (3) في ن: ((استواء)) وهي خطأ؛ لعدم إفادتها المعنى المطلوب. (4) هكذا في س، ن، ق، ش، وفي و، ص: ((المسكفي)) ، وفي م، ز: ((الخِلفي)) . والصواب أنه: ((الحَصْكَفِي)) هكذا ضبطه ابن عاشور في حاشية التوضيح 2 / 158. ولعلَّه: أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين الخطيب الحَصْكَفِي - نسبة إلى حِصْن كَيْفَا في ديار بكر - ولد عام 459 هـ وتأدب على الخطيب التبريزي، وتفقه على مذهب الشافعي، كان أديباً شاعراً، وصار إليه أمر الفتوى. توفي عام 551 هـ. انظر: وفيات الأعيان 6 / 205، شذرات الذهب 4 / 168. (5) لم أقف عليه. لكن ممن عزاه إليه أيضاً المصنف في كتابه نفائس الأصول 7 / 3088 وفيه " الحصكفي "، والطوفي في شرح مختصر الروضة 3 / 243 وفيه " الحسكفي ". (6) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 303، الإبهاج 3 / 89. (7) في ن: ((المذكورة)) . (8) قال الطوفي - عن هذا التعريف -: ((فيه نظر، إذ لا يلزم في تخريج المناط تعداد الأوصاف، بل قد لا يكون في محل الحكم إلا وصف واحد هو العلّة، فتُسْتَخرج بالاجتهاد. فالأولى أن يقال: هو استخراج العلة غير المذكورة بالاجتهاد)) شرح مختصر الروضة 3 / 244. (9) ساقط من ق. (10) ساقطة من ق، س. (11) حديث الأعرابي جاء في صحيح البخاري في مواضع عِدَّة منها (1936) ، وصحيح مسلم (1111) ، وكذلك ورد في السنن، لكن ليس في ألفاظ تلك الروايات ((يضرب صدره، وينتف شعره)) وقد نبه إليها الحافظ ابن حجر في شرحه فتح الباري (4 / 206) ..لكن جاء في مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب مرسلاً ((يضرب صدره، وينتف شعره)) . كما جاء في سنن البيهقي الكبرى (4 / 226) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((وهو ينتف شعر رأسه ويَدُقُّ صدره)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وضرْبُ الصدرِ ونتْفُ الشَّعْر، وهي لا تصلح للتعليل، وكونُه (1) مفسِداً للصوم مناسبٌ للكفارة، فعيَّن علةً من أوصاف مذكورة. ومثال الثاني: نهيه عليه السلام عن بيع البر بالبر إلا مثلاً بمثل يداً بيدٍ (2) ، ولم يذكر العلة ولا أوصافاً هي مشتملة عليها، فتعْيِيْنُ (3) الطعمِ (4) أو الكيل أو القوت أو الماليَّة للعليَّة (5) إخراجُ علةٍ من أوصاف غير مذكورة، فهذا هو تخريج المناط، لأنا أخرجنا العلة من غيب (6) ، والأول تنقيحٌ؛ لأنه تصفية وإزالة لما لا يصلح عما (7) يصلح، وتنقيح الشيء إصلاحه (8) ، فهذا اصطلاح مناسب، فيحْصُل لنا في تنقيح المناط مذهبان (9) ، وفي تخريج المناط قولان (10) . وأما تحقيق المناط: فهو تحقيق العلة المُتَّفق عليها في الفرع، مثاله: أن يُتَّفق (11) على أن العلة في الربا هي (12) القوت الغالب (13) ، ويُخْتَلف (14) في الربا في التِّيْن بناء على   (1) أي: كون الجماع والوقاع. (2) سلف تخريجه انظر هامش (1) ص (302) . (3) في س: ((فيتعين)) وهي غير مستقيمة مع السياق. (4) هنا زيادة ((للعلَّة)) في س، وفي ن ((القلة)) وهي محرَّفة. (5) ساقطة من س، ن. (6) في ن: ((عيب)) وهو تصحيف. (7) في س: ((عملاً بما)) وهو متجهٌ أيضاً. (8) التنقيح: مصدر " نقَّح "، يقال: نقحت الشيء بمعنى خلصته وشذبته وهذبته. انظر: مادة ((نقح)) في القاموس المحيط، المصباح المنير. (9) الأول: أن تنقيح المناط هو إلغاء الفارق وهو للغزالي، والثاني: هو تعيين علةٍ من أوصافٍ مذكورة وهو ما ذكره الحصكفي. وانظر: نفائس الأصول 7 / 3087. (10) الأول: هو ما ذكره المصنف في المتن وهو: استخراج الجامع من الأصل. والثاني: هو ما ذكره في الشرح نقلاً عن الحصكفي وهو: استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة. والقولان بمعنى واحد. (11) في ن: ((تتفق)) ، وفي س: ((نتفق)) . (12) ساقطة من س. (13) في س: ((المخالف)) وهو تحريف. (14) في س، ن: ((تختلف)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 أنه يقتات غالباً في الأندلس أو لا، نظراً إلى الحجاز وغيرها، فهذا تحقيق المناط (1) ، يُنْظر (2) هل هو محقَّق أم لا بعد الاتفاق عليه؟. فقد ظهر الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط، وتحقيق المناط، وهي اصطلاحات لفظية.   (1) وهناك نوع آخر من تحقيق المناط، وهو: أن يَثْبُت الحكمُ بمدركه الشرعي ولكن يبقى النظر في تعيين محلِّه، مثل: استقبال القبلة واجب ثابت بالنص والإجماع، أما تعيين جهتها فيحتاج إلى اجتهادٍ من المكلف. انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 82، المستصفى 2 / 238، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الموافقات للشاطبي 5 / 12. (2) في ق: ((فانظر)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 الفصل الثالث في الدال على العلة (1) ص: وهو ثمانية (2) : النص، والإيماء، والمناسبة، والشَّبَه، والدوران، والسَّبْر، والطَّرْد، وتنقيح المناط (3) . المسلك الأول: النص فالأول (4) : النص على العلة، وهو ظاهر. المسلك الثاني: الإيماء والثاني (5) : الإيماء (6) ، وهو خمسة: الفاء (7) نحو قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي   (1) العلة لغةً: المرض، واعتلَّ إذا تمسك بحجةٍ، وتُطلق على سبب الشيء والداعي إليه. والعَلَل: تكرار الشرب. انظر: مادة ((علل)) في لسان العرب، القاموس المحيط، المصباح المنير. وأما اصطلاحاً: فاختلفت عبارات الأصوليين تبعاً لمواقفهم من تعليل أفعال الله تعالى. فمنهم من عرَّفها بقوله: هي الوصف المُعرِّف للحكم، ومنهم من قال: هي الباعث على شرع الحكم، وقيل: هي الوصف المؤثر في الحكم بجعل الشارع لا بذاته. وعرفها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بأنها: ((الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم)) مذكرة أصول الفقه ص 474، وانظر: المغني لعبد الجبار 17 / 285 - 330، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 827، المحصول للرازي 5 / 127، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 6 / 289، البحر المحيط للزركشي 7 / 143، الضياء اللامع لحلولو 2 / 308، شرح الكوكب المنير 4 / 39، الحدود للباجي ص 72. (2) أوصلها الإمام الرازي إلى عشرة مسالك، ونبه أخيراً على طرقٍ أخرى لكنها فاسدة. انظر المحصول 5 / 137 - 234. (3) أغفل المصنف مسلكاً مهماً وهو: الإجماع، مع أن الرازي ذكره في المحصول (5 / 137) ولم يشرحه. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 251، البحر المحيط للزركشي 7 / 234، تشنيف المسامع 3 / 257، التوضيح لحلولو ص 338، شرح الكوكب المنير 4 / 114، فواتح الرحموت 2 / 356، دراسات حول الإجماع والقياس لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 285. (4) مثبتة من نسخة ز، وقد خلتْ جميع النسخ منها. (5) مثبتة من ز، م، وعَرَتْ عنها جميع النسخ. (6) الإيماء لغة: الإشارة، مصدر أومأ. انظر: لسان العرب مادة ((ومأ)) واصطلاحاً: هو اقتران الحكم بوصفٍ على وجهٍ لو لم يكن هو أو نظيره صالحاً للعلية لكان الكلام معيباً عند العقلاء. من العلماء من جعله قسماً من النص، ومنهم من جعله قسيماً له. انظر: نهاية السول 4 / 64، بيان المختصر للأصفهاني 3 /92، التوضيح لحلولو 338، شرح الكوكب المنير 4 / 125، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي 443. (7) هذا الأول من أنواع الإيماء، ومراده: ترتيب الحكم على الوصف بالفاء في أحدهما. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4 / 11، المحصول للرازي 5 / 143، التلويح للتفتازاني 2 / 157، نشر البنود 2 / 150. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 فَاجْلِدُوا} (1) . وترتيب (2) الحكم على الوصف (3) ، نحو: ترتيب الكفارة على قوله: ((واقعتُ أهلي في شهر (4) رمضان)) (5) . قال الإمام: سواء كان مناسباً أو لا (6) . وسؤاله عليه الصلاة والسلام عن وصف المحكوم عليه (7) نحو قوله صلى الله عليه وسلم ((أينْقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ)) (8) . أو تفريق الشارع بين شيئين في الحكم (9) ، نحو قوله صلى الله عليه وسلم ((القاتل لا يرث)) (10) . أو ورود (11) النهي عن فعلٍ   (1) سورة النور، من الآية: 2. (2) في س: ((ترتب)) . وهذا هو النوع الثاني من أنواع الإيماء. (3) أي: أن يُثْبِتَ الشارع حُكْماً عقيب علمه بصفة المحكوم عليه. انظر: بذل النظر ص 618، نهاية الوصول للهندي 8 / 3271، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 368، مفتاح الوصول ص 695. (4) ساقطة من ق. (5) سبق تخريجه. (6) انظر: المحصول 5 / 145. (7) هذا النوع الثالث عند المصنف من الأنواع الخمسة للإيماء. أما في المحصول (5 / 149) فالنوع الثالث هو: ((أن يذكر الشارع في الحكم وَصْفاً لو لم يكن مُوجِباً لذلك الحكم لم يكن لذكره فائدة)) ، وجعل تحته أربعة أقسام. القسم الثالث منها هو ما ذكره المصنف هنا على أنه نوع ثالث. انظر: منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 156، وانظر: المستصفى 2 / 300، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 13، المحصول لابن العربي ص 537، الإبهاج 3 / 50. (8) رواه الأربعة، أبو داود (3359) ، النسائي (4559) ، الترمذي (1225) ، ابن ماجه (2264) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بلفظ ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) . ولفظ المصنف عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 4 / 6، والحديث صحيح. انظر: إرواء الغليل للألباني 5 / 199. (9) هذا النوع الرابع من أنواع الإيماء. وقد ذكر المحصول (5 / 152) له ضَرْبين، الأول: أن لا يكون حكم أحدهما (أي أحد الشيئين) مذكوراً في الخطاب، ومثَّل له بحديث ((القاتل لا يرث)) وهذا ذكره المصنف. والثاني: أن يكون حكمهما مذكوراً في الخطاب، وهو على خمسة أوجهٍ، وعدَّها. وانظر: المعتمد 2 / 253، الإحكام للآمدي 3 / 259، التوضيح لحلولو 339، شرح الكوكب المنير 4 / 135، فواتح الرحموت 2 / 358. (10) رواه الترمذي (2109) ، وابن ماجه (2645، 2735) عن أبي هريرة مرفوعاً. ورواه البيهقي في سننه الكبرى (6 / 220) وقال: ((فيه إسحاق، وله شواهد تقويه)) . وأخرجه مالك في الموطأ (2 / 867) بلفظ ((ليس لقاتلٍ شيء)) . وصححه الألباني لطرقه، انظر: إرواء الغليل 6 / 117. (11) في ق، ن: ((ورد)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 يَمْنَع ما تقدَّم وجوبُه (1) . الشرح النص على العلة: نحو قوله (2) : العلة كذا (3) أو فعلْتُه (4) لأجل كذا، فهذا نصٌّ في التعليل. والفاء تدخل على المعلول (5) نحو ما تقدَّم (6) ، فإن الجَلْد معلول الزنا، وتدخل (7) على العلة نحو قوله عليه الصلاة والسلام ((لا تمِسُّوه بطيبٍ فإنه يُبعث يوم القيامة مُحْرِماً)) (8) فالإحرام هو (9) علة المنع من الطيب. ومعنى قول الإمام فخر الدين: ((سواء كان مناسباً أو لا)) : يشير إلى أن المناسبة مستقِلَّة بالدلالة على العليَّة (10) ، وكذلك الترتيب (11) ، فإن القائل لو قال: أكْرِمِ الجُهَّال وأهِنِ العلماء، أنكر السامعون هذا القول وعابوه، ومدرك الاستقباح أنهم فهموا أنه جعل الجهل علة الإكرام والعلم علة الإهانة، وليس لهم مستند في اعتقاد التعليل إلا ترتيب الحكم على الوصف لا   (1) عبر ابن قدامة عن هذا النوع الخامس من أنواع الإيماء بقوله: ((أن يذكر في سياق الكلام شيئاً لو لم يُعلل به صار الكلام غير منتظم)) روضة الناظر 3 / 845، وانظر: المعتمد 2 / 254، بذل النظر ص 619، المحصول للرازي 5 / 154، الإحكام للآمدي 3 / 260، التوضيح لحلولو ص 339. (2) ساقطة من ق. (3) هذا على سبيل التقدير والفَرْض، ومثله أيضاً: الموجب كذا، والسبب كذا، والأصوليون لم يجدوا لها أمثلة في الكتاب والسنة. والله أعلم. انظر: نشر البنود 2 / 194. (4) ساقطة من ق. (5) في س: ((المعلق)) وهو تحريف. (6) كما في المتن في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] . (7) ساقطة من ق وفي س: ((ويدخل)) وهي صحيحة، لأن التذكير على معنى الحرف، والتأنيث على معنى الكلمة، والتأنيث أرجح. انظر: المذكر والمؤنث للأنباري ص 449. (8) قطعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل المحرم الذي وقصته دابته، أخرجه البخاري (1267) ، ومسلم (1206) ، وسياق المصنف هنا هو لفظ النسائي في سننه الصغرى (1903) . (9) ساقطة من ق. (10) في س: ((العلة)) . (11) في ن: ((الرتيب)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 المناسبة، فإن المناسبة مفقودة ها هنا، فدل ذلك على أن الترتيب (1) يدل على العلية (2) وإن فُقِدتْ المناسبة (3) . وما سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (4) نقصان الرُّطَب إذا جَفَّ لأنه لا يعلم ذلك بل ليعرف (5) به (6) السامعون، فيكون ذلك (7) تنبيهاً على علة المنع، فيكون السامع مستحضراً لعلة الحكم حالة وروده عليه، فيكون ذلك أقرب لقبوله الحكم، بخلاف إذا غابت العلة عن السامع ربما (8) صَعُب عليه تَلقِّي الحكم واحتاج لنفسه من المجاهدة ما لا يحتاجها إذا علم العلة وحضرتْ له. ومعنى التفريق بين الشيئين: أن الآية وردت [بتوريث الأبناء] (9) مطلقاً بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (10) فلما قال عليه السلام ((القاتل لا يرث)) (11) علم أن ذلك [لأجل علة] (12) القتل، مع أن هذا أيضاً فيه (13) ترتيب الحكم على الوصف. ومثال النهي عن الفعل الذي يمنع ما تقدَّم وجوبُه: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ   (1) هنا زيادة ((حكم)) في ن، ولا حاجة لها. (2) في س: ((العلة)) . (3) اختلف في اشتراط المناسبة في الوصف المومأ إليه على مذاهب. انظرها في: شفاء الغليل للغزالي ص 47، منتهى السول والأمل ص 180، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 364، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 271، البحر المحيط للزركشي 7 / 258، التوضيح لحلولو ص 339، فواتح الرحموت 2 / 359. (4) في ق: ((على)) . (5) في ق: ((ليعترف)) وهي غير مناسبة. (6) ساقطة من س. (7) ساقطة من س. (8) في س، ن: ((وربما)) بزيادة الواو، ولا داعي لها. (9) في س: ((بثبوت الأولاد)) أي في الإرث. (10) سورة النساء، من الآية: 11. (11) سبق تخريجه. (12) في ق: ((لعلة)) . (13) ساقطة من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1) فهذا وجوبٌ للجمعة، فقوله تعالى بعد ذلك {وَذَرُوا الْبَيْعَ} (2) نهي عن البيع؛ لأنه يمنع من فعل الجمعة بالتشاغل بالبيع، فيكون هذا إيماءً؛ لأن العلة في تحريم البيع هي التشاغل عن فعل الجمعة. المسلك الثالث: المناسب ص: والثالث (3) : المناسب (4) ما تضمَّن (5) تحصيلَ مصلحةٍ (6) أو دَرْءَ مفسدةٍ، فالأول كالغِنَى علة (7) لوجوب الزكاة، والثاني كالإسكار علة لتحريم الخمر، والمناسب ينقسم (8) إلى [ما هو في محل الضرورات (9) ،   (1) سورة الجمعة، من الآية: 9. (2) سورة الجمعة، من الآية: 9. (3) ساقطة من جميع النسخ ما عدا ز، م. (4) قال الزركشي: ((وهي من الطرق المعقولة، ويُعبَّر عن المناسة " بالإخالة "، و " بالمصلحة "، و" بالاستدلال "، و " برعاية المقاصد ". ويسمى استخراجها: " بتخريج المناط "؛ لأنه إبداء مناط الحكم، وهي عمدة كتاب القياس وغمرته ومحل غموضه ووضوحه ... )) . البحر المحيط 7 / 262. والمناسب لغة: الملائم والمقَارب. انظر: لسان العرب، المعجم الوسيط كلاهما مادة ((نسب)) . واصطلاحاً: هو وصفٌ ظاهرٌ منضبطٌ يحصل عقلاً من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من حصول مصلحة أو دفع مفسدة. انظر: شفاء الغليل للغزالي ص 142، نهاية الوصول للهندي 8 / 3287، شرح مختصر الروضة 3 / 382، كشف الأسرار للبخاري 3 / 623، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 239، التوضيح لحلولو ص 340، نثر الورود 2 / 493. (5) في ن: ((يتضمن)) ، وفي س: ((ما تقدم وجوبه)) وهي خطأ بلا شك وقع فيها الناسخ بسبب أن آخر كلمتين في المتن السابق هما: ((ما تقدم وجوبه)) فوقع الغلط من هذا. (6) في س: ((منفعة)) . (7) في س: ((لعلة)) وهو تحريف. (8) للمناسب تقسيمات ثلاثة باعتبارات مختلفة. ذكر المصنف هنا نوعاً واحداً من أحد هذه التقسيمات الثلاثة. انظرها في: شفاء الغليل ص 144 - 177، المحصول للرازي 5 / 159 - 167، الإحكام للآمدي 3 / 271، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 240، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/ 281، التقرير والتحبير 3 / 191، التوضيح لحلولو ص 340، نبراس العقول ص 276. (9) الضرورات: هي المصالح التي تتضمن حفظ مقصودٍ من المقاصد الخمسة: الدين، النفس، العقل، النسب، المال. انظر: المستصفى 1 / 417، المحصول للرازي 5 / 159، الإبهاج 3 / 55. وعرفها الشاطبي بأنها: ((مالابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فُقِدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامةٍ، بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوت حياةٍ، وفي الأخرى: فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين)) . الموافقات 2 / 17. وانظر: رفع النقاب القسم 2 / 815. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وإلى] (1) ما هو في محل الحاجات (2) ، وإلى ما هو في محل التَّتِمَّات (3) ، فيُقدَّم الأول على الثاني، والثاني على الثالث عند التعارض، فالأول: نحو الكليَّات الخمس: وهي حفظ النفوس والأديان والأنساب والعقول والأموال، وقيل: والأعراض، والثاني: مثل تزويج الوليِّ الصغيرةَ، فإن النكاح غير ضروري، لكن الحاجة تدعو إليه* في تحصيل الكفء لئلا يفوت، والثالث: ما كان حَثّاً على مكارم الأخلاق، كتحريم تناول القاذورات وسَلْب أهلية الشهادات عن الأرقاء* (4) ونحو الكتابات (5) (6) ونفقات القرابات. وتقع أوصافٌ متردِّدة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد الواحدة، فإن شرعيته ضرورية صوناً للأطراف (7) (8) وأمكن أن يقال ليس منه؛ لأنه يحتاج   (1) ما بين المعقوفين ساقط من س. (2) الحاجيات: هي ما كان مُفْتَقَراً إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين - في الجملة - الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة. انظر: الموافقات 2 / 21. وقال الشوشاوي: ((الحاجي: هو الذي يُحْتاج إليه في بعض الأحوال)) رفع النقاب القسم 2 / 815. (3) التتمات أو التحسينات أو المكمِّلات، قال الغزالي هي: ((مالا يرجع إلى ضرورةٍ ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتوسعة والتيسير للمزايا والمراتب ورعاية أحسن المناهج في العبادات والمعاملات والحمل على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات)) شفاء الغليل ص 169، وانظر: الموافقات 2 / 22. (4) قال الشوشاوي: ((ترتب منع الشهادة على هذا الوصف - الذي هو الخِسة - لمصلحةٍ هي: مكارم الأخلاق، لأن الشهادة منصب فلا يناسبه العبد لخِسته، وليس سلبُ ذلك بضروري ولا حاجي ... )) رفع النقاب القسم 2 / 827. (5) في س: ((الكتاب)) . (6) الكتابة لغةً: الضمُّ والجمع؛ لأن فيها ضَمَّ نَجْمٍ إلى نجمٍ، والنَّجْم يطلق على الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة. انظر: المصباح المنير مادة ((كتب)) ، وانظر: مغني المحتاج 6 / 483. واصطلاحاً: قال ابن عرفة: ((هي عِتْقٌ على مالٍ مؤجَّلٍ من العبد موقوفٍ على أدائه)) شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2/676. (7) في س، متن هـ: ((للأعضاء)) . (8) إذ لو قلنا بعدم قطع الأيدي باليد الواحدة لأدَّى ذلك إلى عدم صيانة الأعضاء، ولكان كل من أراد قطع عضو إنسان استعان بغيره، فينتفي القِصاص ويختلُّ الضروري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الجاني فيه إلى الاستعانة بالغير وقد يتعذَّر (1) . ومثال اجتماعها كلها في وصف واحد: أن نفقة النفس ضرورية، والزوجات حاجية، والأقارب* تتمة، واشتراط العدالة في الشهادة (2) ضروري [صوناً للنفوس] (3) والأموالِ، وفي الإمامة - على الخلاف (4) - حاجية؛ لأنها شفاعة، والحاجة (5) داعية لإصلاح حال الشفيع (6) ، وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب يزعه (7) طَبْعه عن الوقوع في العار والسعي في الإضرار، وقيل: حاجية (8) على الخلاف، ولا تشترط (9) في الإقرار (10) ؛ لقوة الوازع الطبعي ودفع المشقة عن النفوس مصلحة ولو أفضتْ إلى مخالفة (11) القواعد. وهي ضرورية مؤثرة في الترخيص (12) كالبلد الذي   (1) انظر: البرهان 2 / 604 - 605، الإبهاج 3 / 59. (2) هذا مثال آخر على اجتماع المراتب الثلاثة، وهو العدالة، فهي ضرورية في الشهادة، وحاجية في الإمامة، وتحسينية في ولي النكاح. (3) في ن: ((في النفوس)) وهو مستقيم أيضاً. (4) المراد بالإمامة هنا: الإمامة الصغرى، إمامة الصلاة. واشتراط العدالة فيها هو مذهب مالك، وأصح الروايتين عن أحمد، خلافاً للشافعية والحنفية. انظر: الذخيرة 2 / 238، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23 / 353، 358، معونة أولي النُهى 2 / 150، بدائع الصنائع 1 / 666، المجموع شرح المهذب 4 / 150. (5) في ق: ((والشفاعة)) وهي لا تفي بالمطلوب. (6) انظر: الفروق 4 / 35، ترتيب الفروق للبقوري 2 / 309. (7) يَزَعُه: يمنعه ويكفُّه. والوَزْع: كف النفس عن هواها. انظر: مادة " وزع " في: لسان العرب. (8) في س، متن هـ: ((حاجة)) . (9) في ن، متن هـ: ((يشترط)) وهو خطأ؛ لأن الفاعل ضمير عائد إلى " العدالة " راجع هامش (6) ص (109) . (10) الإقرار لغة: الاعتراف والإذعان للحق. انظر: مادة ((قرر)) في القاموس المحيط، مختار الصحاح. واصطلاحاً: عرَّفه ابن عرفة بأنه: خبرٌ يوجب حُكْمَ صِدْقِه على قائله فقط بلفظه أو لفظ نائبه. شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 443. (11) في ق: ((خلاف)) . (12) هكذا بينما في س: ((الرخص)) ، وفي ق: ((الترخُّص)) وهما صالحتان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 يتعذَّر فيه العدول (1) ، قال ابن أبي زيد (2) في " النوادر " (3) : تقبل شهادة أمْثَلِهم* حالاً؛ لأنها ضرورة، وكذلك يلزم في القضاة وولاة الأمور (4) ، وحاجية (5) على الخلاف في الأوصياء في عدم اشتراط العدالة، وتماميَّة في السَّلَم (6) والمُسَاقاة (7) وبيع الغائب، فإن في مَنْعِها مشقةً على الناس وهي من تتمات معايشهم.   (1) عقد ابن فرحون باباً واسعاً: في القضاء بشهادة غير العدول للضرورة، فانظره في كتابه: تبصرة الحكام 2 / 21. (2) هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني، عالم أهل المغرب، وإمام المالكية في وقته. لُقِّب بمالكٍ الصغير. توفي عام 386 هـ من تآليفه: الرسالة (ط) وقد كُتبت بأسلوب سهل واضح وذاعت وشاعت وتكاثر عليها الشُّراح. وله كتاب: الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ (ط) . انظر: ترتيب المدارك 2 / 492، الديباج المذهب ص 222، سير أعلام النبلاء 17 / 10. (3) في س: ((النادر)) وهو تحريف. واسم كتاب النوادر هو: " النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات " ويقع في أزيد من مائة جزء، ويعتبر بمثابة تلخيصٍ للكتب الفقهية المهمة للمذهب المالكي حتى ذلك الوقت. والكتاب موسوعة يفوق المدونة حجماً ومسائل، وفيه مقارنة فقهية داخل المذهب، وفيه أقوال مالك في العقيدة وفيه أخبارٌ وسِيَرٌ. وله مخطوطات ذكر مواطنها صاحب كتاب: دراسات في مصادر الفقه المالكي ص 72 - 99. وانظر: اصطلاح المذهب عند المالكية (دور التطور) د. محمد إبراهيم أحمد علي. مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد (22) عام 1415 هـ. (4) لم أقف على كتاب النوادر لابن أبي زيد - لكن هذا النقل موجود في: الذخيرة 5 / 244، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 835. وجاء في كتاب " نهاية المحتاج " للرملي (7 / 409) : ((إذا تعذر العدل واضطرت الأمة إلى ولاية الفاسق، قُدِّم أقلُّهم فسقاً إذ لا سبيل إلى جعل الناس فوضى)) . وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 20، الغياثي للجويني ص 88، 98، 327، إكليل الكرامة في بيان مقاصد الإمامة لصديق حسن خان ص 115. (5) في ق، متن هـ: ((حاجة)) . (6) السَّلم لغة: هو السَّلَف وزناً ومعنىً، تقول: أسْلمتُ إليه، بمعنى أسلفْتُ إليه. انظر: المصباح المنير مادة ((سلم)) . واصطلاحاً: عرفه ابن عرفة بقوله: ((عَقْد معاوضةٍ يوجب عِمارة ذمّةٍ بغير عين ولا منفعة غيرَ متماثل العِوَضين)) شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 395. وعُرِّف أيضاً بأنه: عقْدٌ على موصوفٍ في الذِّمة مؤجلٍ بثمنٍ مقبوضٍ في مجلس العقد. الدر النقي لابن المبرد الحنبلي ص 480. (7) المساقاة لغة: مفاعلة من السقي يقال: ساقى فلان فلاناً نخله إذا دفعه إليه ليسقيه. انظر: لسان العرب مادة ((سقى)) . واصطلاحاً: قال ابن عرفة: ((عقدٌ على عمل مُؤْنةِ النبات بقَدْرٍ - لا من غَلَّته - لا بلفظ بيعٍ أو إجارةٍ أو جُعْلٍ)) شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 508. وعُرِّف أيضاً بأنه: دَفْع الرجلِ شَجَرَه لمن يقوم بسقيه بجزءٍ معلوم من ثمره. انظر: الدر النقي لابن المبرد ص 531. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 الشرح الكليات الخمس: حكى الغزالي (1) وغيره (2) إجماع الملل على اعتبارها، فإن الله تعالى ما أباح النفوس ولا شيئاً من الخمسة المتقدمة في ملة من الملل، وإنَّ المسكرات حرام في جميع الملل، وإنْ وقع الخلافُ في اليسير الذي لا يُسْكر، ففي الإسلام هو حرام (3) ، وفي الشرائع المتقدمة حلال، أما القدر المسكر فحرام إجماعاً من الملل (4) ، واختلف العلماء في عدِّها (5) ، فبعضهم (6) يقول الأديان عِوَضَ الأعراضِ، وبعضهم يذكر الأعراض ولا يذكر الأديان (7) وفي التحقيق الكل متّفق على تحريمه فما أباح الله   (1) انظر: المستصفى 1 / 417. (2) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 274، الموافقات 1 / 20، 2 / 20، شرح الكوكب المنير 4 / 159، تيسير التحرير 3 / 306، نشر البنود 2 / 173. (3) نقل الشوشاوي عبارة المصنف هذه بألفاظ أخرى فقال: ((قال المؤلف: لم يُبِحِ اللهُ تعالى شيئاً من هذه الكليات في ملةٍ من الملل بالإجماع إلا في القدر الذي لا يسكر من المسكرات، ففيه خلاف في ملَّتنا، وهو مباح في الملل المتقدمة قبل الإسلام، وأما المقدار الذي يسكر فهو حرام بإجماع الملل)) . وهذا التعبير أدق لأن القدر اليسير من غير عصير العنب فيه خلاف الحنفية المشهور مع الجمهور. انظر: المبسوط 24/ 4، بدائع الصنائع 6 / 475، شرح فتح القدير 10 / 115، الحاوي 13 / 387، المغني 12 / 495، بداية المجتهد 4 / 174، الذخيرة 12 / 47. (4) من العلماء من نازع في ادعاء تحريم المسكرات في الملل السابقة. قال النووي: ((أما أصل الشرب والسكر فكان مباحاً، لأنه قبل تحريم الخمر، وأما ما قد يقوله بعض من لا تحصيل له: إن السكر لم يزل محرماً فباطل لا أصل له، ولا يعرف له أصلاً)) . شرح صحيح مسلم 13 / 123. وكذا في البحر المحيط للزركشي 7 / 267. وقال الشوكاني: ((وقد تأملت التوراة والإنجيل، فلم أجد فيها إلا إباحة الخمر مطلقاً من غير تقييد بعدم السكر ... فلا يتم دعوى اتفاق الملل على التحريم ... )) . وانظر: نبراس العقول ص 379. وهناك مناقشة لهذه الأقاويل في: رفع النقاب القسم 2 / 817، وحاشية الشيخ عبد الله دراز على الموافقات 2 / 20، نشر البنود 2 / 174. (5) في ق: ((عددها)) . (6) في ن: ((فمنهم)) . (7) وبعضهم يجعلها ستةً " بالأعراض "، ومنهم من يُدْرج الأعراض في النسل. انظر: الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع للكوراني (رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية تحقيق / سعيد المجيدي) ص 619، البحر المحيط للزركشي 7 / 267، التوضيح لحلولو ص 241، شرح الكوكب المنير 4 / 162، الآيات البينات للعبادي 4 / 133، نشر البنود 2 / 172، بدائع السلك لابن الأزرق 1 / 195. قال الشاطبي: (( ... وإن ألحق بالضروريات حفظ العرض؛ فله في الكتاب أصلٌ شرحَتْه السنة في اللعان والقذف)) الموافقات 4 / 349، وقال ابن عاشور: ((وأما عدُّ حفظ العرض في الضروري فليس بصحيح، والصواب أنه من قبيل الحاجي ... ونحن لا نلتزم الملازمة بين الضروري وبين ما في تفويته حد ... )) مقاصد الشريعة ص 81. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 تعالى العرض (1) بالقذف (2) والسباب قط (3) ، وكذلك (4) لم يبح الأموالَ بالسرقة والغصب (5) ، ولا الأنساب [بإباحة الزنا] (6) ، ولا العقولَ بإباحة المسكرات، ولا النفوسَ والأعضاءَ بإباحة القطع والقتل، ولا الأديان بإباحة الكفر وانتهاك حرم (7) المحرمات. وجَعْلُهم الكتاباتِ (8) تتمة؛ لأنها عون على حصول العتق وإزالة الرق عن البشرية المكرمة من بني آدم، فهو من مكارم الأخلاق وتتمات المصالح، وكذلك نفقات الأقارب من تتمات مكارم الأخلاق. وقولي: ((إن (9) العدالة شرط في الولي على الخلاف)) إشارة إلى ما وقع في الفقه في الولي إذا كان فاسقاً: هل تسقط ولايته بفسقه أم لا؟. قولان في مذهب مالك (10) ، والمشهور عدم سلبها اكتفاء بالوازع الطبعي عن (11) العدالة، وعدم اشتراط العدالة في الإقرار، فيُقْبل إقرار البَرِّ والفاجر؛ لأنه إلزامٌ لنفسه [ومُضِرٌّ بها] (12) ، ولا يقع الإقرار إلا كذلك، وإلا كان دعوى أو شهادة، والوازع الطبعي (13) يمنع من   (1) ساقطة من ن. (2) في ن: ((للقذف)) . (3) ساقطة من ن. (4) كذلك)) ساقطة من ق. (5) في ن: ((ولا الغصب)) . (6) في ق: ((بالزنا)) . (7) في ق: ((حرمة)) . (8) في ق: ((الكتابة)) . (9) ساقطة من ق. (10) مشهور مذهب المالكية عدم اشتراط العدالة في ولي النكاح، وعليه الجمهور، خلافاً للشافعية، وأحمد في رواية. انظر: المنتقى للباجي 3 / 272، الذخيرة 4 / 245، الشرح الصغير 2 / 371، الحاوي 9 / 61، المغني 9 / 368، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 4 / 153. (11) في س: ((من)) . (12) ساقط من س. (13) ساقط من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 الإضرار (1) بغير موجب، فما أقرَّ إلا والمُقَرُّ به حقٌّ، فيقبل منه، وإن كان فاجراً أو كافراً من غير خلاف بين الأمة (2) . وقولي في الأوصياء: ((حاجة)) (3) معناه: أن الناس قد (4) يحتاجون إلى أن يوصوا (5) لغير العَدْل وفيه خلاف (6) ، مذهب مالك يشترط فيه أن يكون مستور الحال (7) ، وعلى القول بعدم اشتراط العدالة مع أنها ولاية، والولاية لابد فيها من العدالة، فقد خالفنا (8) القواعد في عدم اشتراط العدالة في الأوصياء، دفعاً للمشقة الناشئة من الحيلولة بين الإنسان وبين من يريد أن يعتمد عليه، وكذلك خولفت القواعد في السَّلَم والمُسَاقاة   (1) في ن: ((الإقرار)) وهو تحريف. (2) حُكي الإجماع في الإفصاح لابن هبيرة ص 14، 15، مراتب الإجماع لابن حزم 86، 95، المغني 7 / 262. (3) في س: ((خاصة)) وهو تحريف. (4) ساقطة من ن. (5) في ن: ((يوصون)) بإثبات النون على لغة من أهمل " أن "، قال ابن مالك: وبعضُهم أهمَلَ " أنْ " حَمْلاً على " ما " أُخْتِها حيث استَحَقَّتْ عَمَلا انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان 3 / 420، شرح المفصل لابن يعيش 7 / 8، 15، 8 / 143. (6) اشتراط العدالة في الوصي هو مذهب الجمهور، وعند أبي حنيفة ورواية عن أحمد تصح ولاية الوصي الفاسق. انظر: المغني 8 / 554، المجموع شرح المهذب 16 / 494، 497، 499، البناية في شرح الهداية للعيني 12 / 631، كشاف القناع 4 / 478، الذخيرة 7 / 159. (7) مستور الحال: هو من كان عدلاً في الظاهر، ولا تُعرف عدالة باطنه. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 112، وسماه ابن حجر بمجهول الحال. انظر: شرح شرح نخبة الفكر ص 518. والمصنف أراد بهذه العبارة أن يبين بأن اشتراط العدالة في الوصي إنما يراد بها أن يكون مستور الحال. قال ابن عرفة: ((المراد هنا بالعدالة: الستر لا العدالة المشترطة في الشهادة، يدل عليه لفظ المدونة)) . انظر: حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر خليل 8 / 200. (8) في ق: ((خالف)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وبيع الغائب والجُعَالة (1) والمُغَارسة (2) والصيد وغير ذلك مما فيه جهالةٌ في الأجرة وغَرَرٌ (3) ، وأما الصيد فلبقاء الفَضَلات وعدم تسهيل الموت على الحيوانات (4) ، فقد خولفت القواعد لتتمَّة المعايشِ (5) ، فإن من الناس من يحتاج في معايشه (6) إلى أحد هذه الأمور، فجُعلتْ شرعاً عاماً لعدم الانضباط في مقادير الحاجات. وهذه الرُّتَب يظهر أثرها (7) عند تعارض الأقيسة، فيُقدَّم الضروري على الحاجي، والحاجي (8) على التتمة. تقسيم المناسب ص: وهو أيضاً ينقسم إلى: ما اعتبره الشرع، وإلى ما ألغاه، وإلى ما جُهِل حاله (9) .   (1) الجعالة لغة: بتثليث الجيم، وهي ما جُعل للإنسان من شيءٍ على فعلٍ ما. انظر مادة ((جعل)) في: لسان العرب، مختار الصحاح. واصطلاحاً: عرَّفها ابن عرفة بقوله: ((عقد معاوضةٍ على عمل آدميٍّ بعوضٍ غير ناشيء عن مَحَلِّه به، لا يجب إلا بتمامه)) . شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2 / 529. (2) في ن: ((الغراسة)) . والمغارسة لغةً: مفاعلة من الغرس، وغرس الشجر يغرسه: أثبته في الأرض. انظر: القاموس المحيط مادة ((غرس)) . واصطلاحاً: بيع منفعةِ عاقلٍ في عِمَارةِ أرضٍ بشجرٍ بقدر إجارةٍ أو جعالةٍ أو بجُزْءٍ من أصل. شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 515. (3) قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((هكذا قالوا، والظاهر أنه لا ينبغي أن يقال في شيء نزل به القرآن وجاءت به السنة الصحيحة أنه مخالف للأصول، إذ لا أصل أكبر من الكتاب والسنة)) . نثر الورود 2 / 500. (4) في ن: ((الحيوان)) . (5) في ن: ((المعاش)) . (6) في ن: ((معاشه)) . (7) في ن: ((تعارضها)) . (8) ساقطة من س. (9) هذا شروع في تقسيم المناسب بحسب اعتبار الشارع له، وقد اختلف الأصوليون في هذا التقسيم كثيراً، فغالبهم قسمَّه إلى أربعةٍ، الأول: مناسب مؤثر وهو: اعتبار عين (نوع) الوصف في عين (نوع) الحكم. والثاني: مناسب ملائم وهو ثلاثة أنواع: اعتبار نوعه في جنسه، وعكسه، واعتبار جنسه في جنسه. والثالث: مناسب غريب، وهو: ما علم من الشارع إلغاؤه. والرابع: مناسب مُرْسل وهو: مالم يعلم من الشارع إلغاؤه أو اعتباره. فالمصنف ارتضى هذا التقسيم في نفائس الأصول (7 / 3273، 3277، 3322) ، إذْ جَعَل المناسب المؤثر قسيماً للملائم. وهنا دمج بينهما - تبعاً للرازي - فجعلهما قسماً واحداً تحته أربعة أقسام. انظر: المستصفى 2 / 386، شفاء الغليل ص 144، المحصول 5 / 163، الإحكام للآمدي 3 / 282، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 243، البحر المحيط للزركشي 7 / 272، مفتاح الوصول ص 701، فتح الغفار 3 / 21، شرح الكوكب المنير 4/173، فواتح الرحموت 2 / 323، نشر البنود 2 / 177، إجابة السائل للصنعاني ص 201. وقد سعى الشيخ عيسى بن منون إلى التوفيق بين هذه التقاسيم، انظر: نبراس العقول ص 298 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 فالأول ينقسم إلى: [ما اعتُبِر] (1) نوعه في نوع الحكم كاعتبار نوع الإسكار في نوع التحريم، وإلى ما اعتُبِر جنسه [في جنسه] (2) كالتعليل بمطلق المصلحة كإقامة الشُّرْب مُقَام القَذْف؛ لأنه مظنته، وإلى ما اعتُبِر نوعه في جنسه كاعتبار الأخوة [في التقديم] (3) في الميراث (4) ، فيقدمون (5) في النكاح، وإلى ما اعتُبِر جنسه في نوع الحكم كإسقاط الصلاة عن الحائض بالمشقة، فإن المشقة جنس وهو (6) نوع من الرخص. فتأثير النوع في النوع مقدَّم على تأثير النوع في الجنس. وتأثير النوع في الجنس مقدَّم على تأثير الجنس في النوع (7) ، وهو مقدَّم على تأثير الجنس في الجنس. والمُلْغَى (8) نحو: المنع من زراعة العنب خشية الخمر. والذي جُهِل أمره (9) هو المصلحة المرسلة (10) التي نحن نقول بها، وعند التحقيق هي عامة في المذاهب.   (1) في متن هـ: ((اعتبار نوعه في نوع الحكم)) . (2) ساقط من س. (3) ساقط من س. (4) في متن هـ: ((الميزان)) وهو تحريف ظاهر. (5) في متن " هـ ": ((فيُقدم)) وهو سائغ باعتبار أن فاعله ضمير عائد إلى " اعتبار ". وفي س، ن: ((فيقدموا)) بحذف النون بغير جازم أو ناصب. وقد سبق الكلام عن توجيه ذلك. (6) في س: ((وهي)) وهو خطأ؛ لأن مرجع الضمير يجب أن يكون ((إسقاط)) وهو مذكر. (7) سيأتي في شرحه ص (235) أن هذا وقع منه سهواً، وإلا فهما متساويان عنده. وانظر هامش (5) ص (432) . (8) هذا القسم الثاني من أقسام المناسب وهو المناسب الغريب. (9) هذا القسم الثالث وهو المناسب المرسل. (10) سيأتي تعريفها ومبحثها ص (494) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 الشرح الحكم أعَمُّ أجناسه كونُه حكماً، وأخصُّ منه كونه طلباً أو تخييراً وأخصُّ منه كونه تحريماً أو إيجاباً، وأخص منه كونه تحريم الخمر أو إيجاب الصلاة، وأعم أحوال الوصف كونه وصفاً، وأخص منه كونه مناسباً، وأخص [من المناسب] (1) كونه معتبراً، وأخص منه كونه مشقة أو مصلحة أو مفسدة خاصة، ثم أخص من ذلك كون تلك المفسدة في محل الضرورات أو الحاجات أو التتمات (2) ، فبهذا (3) الطريق تظهر (4) الأجناس العالية والمتوسطة والأنواع السافلة (5) للأحكام والأوصاف من المناسب وغيره (6) ، فالإسكار نوع من المفسدة، والمفسدة جنس له (7) .   (1) في ق: ((منه)) . (2) في ن: ((التتميمات)) . (3) في ن: ((فهذا)) ، وفي س: ((فهذه)) . (4) في ق: ((يظهر)) وهو جائز أيضًا. انظر: هامش (11) ص 67. (5) في ق: ((الشاملة)) وهو تحريف. (6) قال حلولو: ((اعلم أن للجنسية في الوصف والحكم مراتب، بعضها أعم وبعضها أخص وإلى العين أقرب، فأعم أجناس الحكم كونه حكماً، ثم كونه وجوباً، ثم وجوب الصلاة، ثم وجوب الظهر مثلاً، وأعم أجناس الوصف كونه وصفاً تناط الأحكام بجنسه حتى تدل عليه الأشياء، وأخص منه كونه مصلحة حتى يدخل فيه المناسب دون الشبهة وأخص منه كونه مصلحة خاصةً كالردع والزجر. وليس كل جنسٍ على مرتبةٍ واحدة، بل لها درجات متفاوتة في القرب والبعد لا تنحصر، فلأجل ذلك تفاوتت درجات الظن، والأقرب مقدم على الأبعد في الجنسية، ولكل مسألةٍ ذوق مفرد ينظر فيه المجتهد)) . التوضيح شرح التنقيح ص (344) . وقال الغزالي: ((ومن حاول حصر هذه الأجناس في عدد وضبطٍ فقد كلَّف نفسه شططاً لا تتسع له قوة البشر)) . المستصفى (2 / 329) . وللشوشاوي توضيح بديع لمراتب هذه الجنسية من حيث العموم والخصوص، فانظره في: رفع النقاب القسم 2 / 840. (7) والتحريم نوع من الطلب، والطلب جنس له، فاعتُبِر هاهنا النوع في النوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 ويحكى عن علي رضي الله عنه أنه قال لما سُئِل عن حدِّ (1) شارب الخمر: ((إذا شَرِب سَكِر وإذا سَكِر هَذَى، وإذا هَذَى افترى، فأرى عليه حَدَّ المفتري)) (2) ، فأخذ علي رضي الله عنه مطلق المناسبة، ومطلق المظنة (3) . والأُخُوَّة نوع من الأوصاف (4) ، والتقدُّم في الميراث نوع من الأحكام، فهو نوعٌ في نوعٍ (5) ، وكذلك التقديم* في النكاح (6) أو صلاة الجنازة نوع من الأحكام، فيقاس أحد النوعين على الآخر. وجُعِلت المشقة جنساً؛ لأنها متنوعة إلى مشقة قضاء الصلاة، ومشقة الصوم، ومشقة القيام في الصلاة، وغير ذلك من أنواع المشاق، فمطلق المشقة جنس، وهو نوعٌ باعتبار الوصف المصلحيِّ أو المناسب، وإسقاط الصلاة عن الحائض نوع من الأحكام والإسقاطات والرخص. وتأثير النوع في النوع مقدَّم على الجميع؛ لأن الخصوصِيَّيْن قد حصلا فيه: خصوصُ الوصف وخصوصُ الحكم، والأخص بالشيء مقدَّمٌ على الأعم، ولذلك   (1) ساقطة من ن. (2) رواه الإمام مالك في الموطأ (2 / 842) . وقال ابن عبد البر: ((هذا حديث منقطع من رواية مالك. وقد رُوي متصلاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما)) . ورواه البيهقي في سننه الكبرى (8 /320) ، والدارقطني في سننه (3 / 157، 166) قال ابن حجر: ((وهو منقطع ... لكن وصله النسائي في الكبرى، والحاكم من وجهٍ آخر)) . تلخيص الحبير (4/75) . وانظر: سنن النسائي الكبرى (3 / 252) ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (4 / 375) وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن حجر في فتح الباري (12 / 82) : ((وهذا مُعْضَل، وقد وصله النسائي والطحاوي - ثم قال - ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى ... )) وضعَّفه الألباني في: إرواء الغليل 8 / 45. (3) هذا اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم، وذلك أن شرب الخمر جنس الوصف الذي هو المصلحة، والحد جنس الحكم. (4) لأن النسب أو القرابة جنس للأخوة. (5) في المتن مثلَّه المصنف على اعتبار النوع في الجنس، فالصواب أن يقول هنا: والتقديم جنس في الأحكام؛ لأنه يحتوي على أنواع كالتقديم في الميراث والتقديم في النكاح وصلاة الجنازة، وبهذا يستقيم المثال. والله أعلم. (6) في ن: ((نكاح)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 قُدِّمت البنوة في الميراث على الأخوة، والأخوة على العمومة (1) ، وكذلك قُدِّم لُبْس النَّجس على الحرير (2) ، فمُنِع (3) في الصلاة؛ لأنه أخص بالصلاة من الحرير، ولأن تحريم (4) الحرير لا يختص بالصلاة، فكان تحريم النجس (5) أقوى منه؛ لأنه مختص بها (6) ، وكذلك (7) إذا لم يجد المُحْرِم إلا مَيْتةً وصيداً أكل الميتة دون الصيد، لأن تحريم الصيد خاص بالإحرام (8) ، فالقاعدة: أن الأخص أبداً مقدَّمٌ [على الأعم] (9) ، فكما أن النوع في النوع أخص الجميع، فالجنس في الجنس أعم الجميع، والمنقول: أن النوع في الجنس والجنس في النوع متساويان (10) متعارضان (11) مقدَّمان على الرابع (12) لوجود الخصوص فيهما من حيث الجملة، [والذي في الأصل (13) ما أرى نَقْلَه إلا سهواً] (14) .   (1) في ن: ((العمومات)) . (2) مفاد العبارة: قُدِّم في المنع لبس النجس على لبس الحرير في الصلاة. (3) ساقطة من ق. (4) في ق: ((تقديم)) وهو متَّجه أيضًا بحسب المعنى. (5) في ن: ((التنجيس)) وهي غير مناسبة. (6) المشهور تقديم لبس الحرير في الصلاة على النجس؛ للعلة التي ذكرها المصنف. ومن العلماء من قدَّم النجس، ووجهه: أن النجس يجوز لبسه في غير الصلاة، فهو أخف من هذا الوجه من الحرير؛ لأن الحرير لا يجوز لبسه في الصلاة ولا في غيرها. انظر: الذخيرة 2 / 110، حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع 1 / 269، رفع النقاب القسم 2 / 847. (7) في س: ((ولذلك)) . (8) وهناك وجهة أخرى في تقديم الميتة على الصيد للمحرم ألا وهي: إذا اجتمع مُحَرَّمان للمضطر وجب تقديم أخفِّهما مفسدةً وضرراً، فالصيد فيه جنايات ثلاث: صيده، وذبحه، وأكله، ثم إن النص أباح الميتة للمضطر. وهناك من قدَّم الميتة على الصيد؛ لأن كلاً منهما جناية يباحان عند الضرورة، فيتميز الصيد بكونه مُذكّىً. انظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 439، تقرير القواعد لابن رجب 2 / 464، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 178، غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر للحموي 1/289. (9) ساقط من س، ق.. (10) في ق: ((مستويان)) . (11) الحكم بالتعارض بينهما فيه نظر. انظر مبحثه في باب التعارض والترجيح هامش (5) ص (432) . (12) في ق، س: ((اللوازم)) وهو تحريف. (13) أي: في المتن السابق. انظر: ص 332، هامش (7) . (14) ما بين المعقوفين ساقط من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وأما المصلحة المرسلة: فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدْتَ (1) المذاهب وجدْتَهم إذا قاسوا أو جمعوا وفرقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا أو فرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، [وهذه هي] (2) المصلحة المرسلة، فهي حينئذٍ في جميع المذاهب (3) . ومن المعلوم أن المصلحة المرسلة أخص من مطلق المناسب* ومطلق المصلحة؛ لأن مطلق (4) المصلحة قد تلْغى كما تقدَّم في زراعة العنب، فإن المناسبة تقتضي ألاَّ يُزْرع سدّاً لذريعة الخمر، لكن أجمع المسلمون على إلغاء ذلك (5) ، وكذلك المنع من التجاور في البيوت خشية الزنا فإنه مناسب، لكن أجمع المسلمون على جواز المجاورة بالنساء في الدُّوْر الجامعة وإلغاء هذا المناسب (6) ، فالمناسب حينئذٍ أعم من المرسلة، لأن المرسلة مصلحة بقيد (7) السكوت* عنها فهي أخص. المسلك الرابع: الشبه ص: الرابع: الشَّبَه (8) قال القاضي أبو بكر: هو الوصف الذي لا يناسب   (1) في ق: ((اعتبرت)) . (2) في ق، ن: ((وهذا هو)) . (3) سيأتي مزيد بحثٍ لهذه المسألة. انظر هامش (7) ص (496) . (4) ساقطة من ق. (5) سيأتي ذلك في مبحث سد الذرائع. انظر ص (503، 505) . (6) انظر: نفائس الأصول 9 / 4086. (7) في ق: ((تفيد)) وهو تحريف. (8) الشبه لغة: المماثلة والشبيه والمثيل، وهو المشاركة بين اثنين في أمرٍ من الأمور حسياً أو معنوياً. انظر: مادة ((شبه)) في لسان العرب، المصباح المنير. أما حقيقته الاصطلاحية فقال حلولو: ((فقد شكا صعوبته جماعة من المحققين ... )) التوضيح ص (344) ، وقال الجويني: ((لا يتحرّر في ذلك عبارة خِدْبة (مُحكمة) مستمرة في صناعة الحدود ... )) البرهان 2 / 561، وقال الغزالي: ((عبارة الشبه مستكرهة)) شفاء الغليل ص (373) ، وقال الأبياري: ((لست أرى في مسائل الأصول مسألةً أغمض من هذه)) البحر المحيط للزركشي (7 / 293) ، وقال ابن السبكي: ((وقد تكاثر التشاجر في تعريف هذه المنزلة، ولم أجد لأحدٍ تعريفاً صحيحاً فيها)) . انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 287. قيل في حَدِّه: ما يوهم المناسبة من غير اطلاعٍ عليها بعد البحث التام ممن هو أهل الاطلاع عليها. قال الآمدي: ((هذا أقربها إلى قواعد الأصول، وهو الذي ذهب إليه أكثر المحققين)) الإحكام 3 / 296، وكذا قال الهندي في نهاية الوصول 8 / 3342. وانظر: الوصول لابن بَرْهان 2 / 294، نهاية السول 4 / 106، البحر المحيط للزركشي 7 / 293، شرح الكوكب المنير 4 / 187، تيسير التحرير 4 / 53، فواتح الرحموت 2 / 363، نشر البنود 2 / 186، نبراس العقول ص 330. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 لذاته (1) ويستلزم المناسب لذاته (2) ، وقد شهد الشرع لتأثير (3) جنسه القريب (4) في جنس الحكم القريب (5) . والشبه يقع في الحكم (6) : كمشابهة (7) العبد المقتول بالحُرِّ، أو شَبَهِهِ (8) بسائر المملوكات. وعند ابن عُلَيَّة (9) يقع الشَّبَه في الصورة كرد الجلْسة الثانية إلى   (1) في متن هـ: ((بذاته)) . (2) انظر حدّ القاضي أبي بكر في: البرهان 2 / 565 فقرة (832) ، المحصول للرازي 5 / 201، البحر المحيط للزركشي 7 / 295. لكن قال الآمدي عن هذا الحدِّ بأنه تفسير له بقياس الدلالة. انظر: الإحكام 3 / 295. وقياس الدلالة: هو الجمع بين الأصل والفرع بلازم من لوازم العلة أو بأثر من آثارها أو بحكمٍ من أحكامها. انظر: البحر المحيط 7 / 64، الشرح الكبير للورقات للعبادي 2 / 474، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 467. (3) في ق: ((بتأثير)) . (4) الجنس القريب، ويسمى بالجنس السافل هو: ما كان فوقه جنس ولا جنس تحته بل أنواع. كالحيوان، فإن فوقه الجسم النامي وهو جنس، وتحته: إنسان وهو نوع. انظر: حاشية الصبان على شرح السُّلَّم للملَّوي ص 71، شرح المطلع على متن إيساغوجي لأبي زكريا الأنصاري ص 27. (5) ساقطة من ن. (6) هذا بيانٌ لأقسام الشبه، وهو على قسمين؛ شبهٌ في الصورة أو الشبه الصوري (الخَلْقي) ، وشبهٌ في الحكم أو الشبه الحكمي (المعنوي) . فإذا اجتمعا كما في العبد المقتول، فبأيهما يقع الاعتبار؟ . ذكر المصنف فيه ثلاثة مذاهب، وفي البحر المحيط للزركشي (7 / 301) ستة مذاهب. انظر: المعتمد 2 / 298، شرح اللمع للشيرازي 2 / 812، البرهان 2 / 562، المحصول لابن العربي ص 530، المحصول للرازي 5 / 202، مفتاح الوصول ص 706، التوضيح لحلولو ص 345، الآيات البينات للعبادي 4 / 146، شرح الكوكب المنير 4 / 188. (7) في متن هـ: ((كشبه)) . (8) ساقطة من ق. (9) ابن عُليَّة يطلق على الأب: إسماعيل، وعلى ابنه: إبراهيم، فأيهما المراد هنا؟ أغلب كتب الأصول التي ذكرتْهُ أطلقتْ التسمية هكذا، بينما في شرح الكوكب المنير (4 / 189) صرَّح بأنه أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية، أي الأب وهكذا في: نشر البنود (2 / 193) ، ونثر الورود (2 / 514) . وفي التمهيد للإسنوي ص (479) أنه أبو بكر بن عُلية، وهو أحد أولاد إسماعيل واسمه محمد (سير أعلام النبلاء 9 / 112) ثم إني وجدتُ في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أنه إبراهيم بن علية أي الابن، وهو الظاهر عندي لما له من شذوذات فقهية كهذه المسألة. ولهذا قال الأستاذ أبو منصور: ((ذهب قوم من أهل البدع إلى اعتبار المشابهة في الصورة، وهو قول الأصم، ولهذا زعم أن ترك الجلسة الأخيرة من الصلاة لا يضر كالجلسة الأولى، ولا يعتد بخلافه)) نقله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 الجلْسة (1) الأولى في الحكم (2) . وعند الإمام التسويةُ بين الأمرين إذا غلب* على الظن أنه مستلزم للحكم (3) ، وهو ليس بحجة عند القاضي منا (4) . الشرح مثال الشبه عند القاضي: قولنا في الخَلِّ مائعٌ لا تُبْنى (5) القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدُّهْن، فقولنا: لا تبنى (6) القنطرة على جنسه ليس مناسباً في ذاته،   (1) عنه الزركشي في البحر المحيط 7 / 302. وابن عُلية الابن تلميذٌ لابن كيسان الأصم المعتزلي. كما أن ابن علية الابن له شذوذاتٌ في مسائل الأصول كمنع التعبد بخبر الواحد، انظر: قواطع الأدلة (2 / 265) . وكقوله بتأثيم المجتهد المخطيء في الفروع، انظر: المستصفى (2 / 405) . وله شذوذاتٌ عَقَديَّة، ولهذا قال الشافعي فيه: ((إن ابن علية ضالٌ قد جلس بباب الضوالِّ يُضِلّ الناس)) انظر: مناقب الشافعي للبيهقي (1 / 457) وقال الذهبي: ((كان إبراهيم (ابن علية) من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخُ المحدثين إمامٌ)) سير أعلام النبلاء (10 / 24) . قال ابن عبد البر: ((له شذوذ كثير، ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة، وليس في قوله عندهم مما يُعدّ خلاف)) انظر: لسان الميزان 1 / 130. هذا الابن وهو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم أبو إسحاق الأسدي المعروف بابن عُليَّة، ت: 218 هـ وله تصانيف في الفقه والجدل. انظر: ميزان الاعتدال 1 / 137، لسان الميزان 1 / 130، المعتبر للزركشي ص 284. وأما الأب فهو: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم الأسدي مولاهم البصري ينسب إلى أمه " عُلية " كان فقيهاً إماماً من أئمة الحديث ثقة ورعاً، ولي المظالم في خلافة هارون الرشيد، روى عنه الشافعي وابن حنبل وابن المديني وغيرهم قد بدتْ منه هفوة ثم تاب منها توفي عام 193 هـ. انظر: تاريخ بغداد 6 / 229، ميزان الاعتدال 1 / 373، تهذيب التهذيب 1 / 176. () ساقطة من ق. (2) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2 / 161، المعتمد 2 / 298، المحصول للرازي 5 / 203، شرح الكوكب المنير 4 / 189، التمهيد لابن عبد البر 10 / 195، 214. (3) وهذا النقل عن الرازي فيه تصرفٌ كبير، ونصه ((والحق أنه متى حصلت المشابهة فيما يُظن أنه علةُ الحكم، أو مستلزمٌ لما هو عِلةٌ له صح القياس، سواءٌ كان ذلك في الصورة أو في الحكم)) . المحصول 5 / 203. (4) انظر خلاف العلماء في حجية هذا المسلك في: قواطع الأدلة 4 / 253، المنخول ص 378، الوصول لابن برهان 2 / 295، ميزان الأصول 2 / 864، المسودة ص 375، تحفة المسؤول القسم 2/672. (5) في س: ((تنبني)) . (6) في س: ((تنبني)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 غير أنه [مستلزم للمناسب] (1) ، فإن العادة أن القنطرة لا تبنى (2) على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار، والقِلَّة مناسبة لعدم مشروعية (3) المتَّصِف بها من المائعات للطهارة (4) العامة، فإن [الشرع العام يقتضي] (5) أن تكون أسبابه عامة الوجود (6) . أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيدٌ عن (7) القواعد، فصار قولنا: [لا تبنى القنطرة على جنسه] (8) ليس بمناسب (9) ، وهو مستلزم للمناسب، وقد شهد الشرع بجنس القلة والتعذّر في عدم مشروعية الطهارة، بدليل أن الماء إذا قلَّ واشتدت إليه (10) الحاجة فإنه يسقط الأمر به، ويتوجه التيمم (11) . قال القاضي أبو بكر في هذا التقسيم: الوصف إن كان مناسباً بذاته فهو المناسب، وإن لم يكن مناسباً في ذاته، فلا يخلو إما (12) أن يكون مستلزماً للمناسب أو لا. الأول الشبه. والثاني الطَّرْدِي (13) المُلْغى إجماعاً. والعبد المقتول: فيه (14) كونُه مملوكاً، والمِلْك حكم شرعي، وكونه آدميّاً، وهذا   (1) في ق: ((يستلزم المناسبة)) . (2) في س: ((تنبني)) . (3) في ن: ((شرعية)) . (4) في س: ((للطاهرات)) . (5) في ن: ((الشريعة العامة تقتضي)) . (6) في ن: ((الموجود)) وهو تحريف. (7) في س: ((على)) . ولم أجد أن " بَعُد " يتعدى بـ" على " بل يتعدى بالباء وعن. انظر: مادة ((بعد)) في: لسان العرب، المصباح المنير وغيرهما. (8) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (9) في س: ((مناسب)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر " ليس " منصوب. (10) في ن: ((به)) . (11) للطوفي تعقيب على هذا المثال، إذ جعله ليس من المناسب، ولا المستلزم للمناسب بل هو طَرْدٌ محضٌ. انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 427. (12) ساقطة من ن، ق. (13) الوصف الطردي: هو كل وصف عُلِم من الشارع إلغاؤه أو عدم الالتفات إليه في شرع الحكم، كالطول والقصر والسواد والبياض.. إلخ. انظر: شرح مختصر للطوفي 3 / 428، 430. (14) في ق: ((في)) وهو خطأ؛ لا يتحقق به تمام الكلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وصف حقيقي لا حكم شرعي، فقد حصل فيه الشَّبَهان. فمن غَلَّب شَبَه الحكم الشرعي - وهو (1) مالك (2) والشافعي (3) - أوجب فيه قيمته بالغة [ما بلغتْ] (4) ، وإن زادتْ على دية الحُرِّ، ومن لاحظ شَبَه الحُرِّ وهو الآدميَّة لم يوجب (5) فيه الزيادة على دِيَة الحرِّ، وهو أبو حنيفة (6) . وابن عُليَّة أوجب الجلْسة الأولى قياساً على الثانية في الوجوب بجامع أنها جلسة (7) ، وهذا شَبَهٌ صُوْري لا حكم شرعي. قال الإمام فخر الدين: إذا غلب على الظن أن شيئاً من هذه الشَّبَهَات علة (8) الحكم ومستلزم له شرعاً جعلناه علة (9) كان صورة أو حكماً أو غير ذلك عملاً بموجب الظن (10) .   (1) هنا زيادة ((قول)) في س. (2) انظر: المدونة 4 / 480، بداية المجتهد 6 / 68، الشرح الصغير للدردير 4 / 377. (3) انظر: الأم 7 / 328، مغني المحتاج 5 / 333. وهو أيضاً المذهب عند الحنابلة، انظر: المغني 11 / 504، كشاف القناع 6 / 24. (4) ساقط من س. (5) في س: ((يوجبه)) وهو تحريف، لعدم استقامتها مع السياق. (6) قول أبي حنيفة ومحمد أنه إذا بلغت قيمة العبد دية الحر أو زادت فإنه يُنقص منها عشرة دراهم. وأما أبو يوسف فقال بقول الجمهور تجب القيمة بالغةً ما بلغت. انظر: رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 10 / 294، البناية في شرح الهداية 12 / 374. (7) انقلب على المصنف مذهب ابن عُلية، وتابعه الطوفي في شرح مختصر الروضة (3 / 434) . وحقيقة مذهبه ما قرره المصنف في المتن. قال القرطبي - عندما ذكر اختلاف العلماء في حكم الجلوس الأخير في الصلاة - قال: ((القول الثاني: أن الجلوس والتشهد والسلام ليس بواجب، وإنما ذلك كلّه سنة مسنونة، هذا قول بعض البصريين، وإليه ذهب إبراهيم بن عُلية وصرَّح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى، فخالف الجمهور وشذَّ ... )) الجامع لأحكام القرآن 1 / 173. وانظر: المراجع المذكورة في هامش (2) ص (338) . أما قياس الأولى على الثانية في الوجوب فهو مذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه. قال ابن قدامة: ((لأنه أحد التشهدين فكان واجباً كالآخر)) المغني 2 / 217، وانظر: البرهان للجويني 2 / 562، الإبهاج 3 / 68، شرح الكوكب المنير 4 / 190. (8) في س: ((علته)) وهو تحريف. (9) هنا زيادة ((الحكم)) في ن: ((حاجة لها)) . (10) انظر: المحصول 5 / 202. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 حجة القاضي في أن الشَّبَه ليس بحجة: أن الدليل ينفي العمل بالظن مطلقاً، لقوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (1) خالفناه في قياس المناسبة، فبقينا في قياس الشبه على موجب الدليل، ولأن الصحابة إنما أجمعت (2) على المناسبة (3) ، أما الشبه فلا نُوجب (4) أن (5) يكون حجة. جوابه: أنه مُعارَضٌ بقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا} (6) ، وبقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر)) (7) وهو يفيد الظن فوجب أن يندرج في عموم النص، ولأنه (8) مندرج في عموم قول معاذ بن جبل اجتهد رأيي (9) ، وهذا (10) نوع من الاجتهاد. المسلك الخامس: الدوران ص: الخامس: الدَّوَرَان (11) ، وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم مع ثبوت الوصف وعدمه مع عدمه. وفيه خلافٌ، والأكثرون من أصحابنا وغيرهم   (1) سورة يونس، من الآية: 36، سورة النجم، من الآية: 28. (2) في س: ((اجتمعت)) . (3) في ن: ((المناسب)) . (4) في س، ن: ((يُوجب)) . (5) هكذا في س، م، ز، وهو الصحيح. بينما في س، ق: ((ألاَّ)) ، وفي ن: ((إلاَّ أن)) وكلاهما خطأ ظاهر؛ لأن المعنى ينقلب بهما. وجاءت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3 / 433) عبارة متقنة قريبة من هذه وهي: ((ولأن الصحابة رضي الله عنهم إنما اجتمعت على المناسبة لا على الشبه، فوجب ألاَّ يكون حجة)) (6) سورة الحشر، من الآية: 2. (7) سبق تخريجه. (8) في ن: ((ولا)) وهو نقص. (9) سبق تخريجه. (10) في ن: ((وهو)) . (11) الدوران لغة: مصدر دار، ودار حول البيت: طاف به، ومنهم قولهم: دارت المسألة أي كلما تعلقت بمحل توقف ثبوت الحكم على غيره، فيُنقل إليه ثم يتوقف على الأول وهكذا. انظر: المصباح المنير مادة ((دور)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 يقولون (1) بكونه حجة (2) . الشرح مثاله (3) : العنب حين كونه عصيراً ليس بمسكر ولا حرام، فقد اقترن العدم بالعدم، وإذا صار مسكراً صار حراماً، فقد اقترن الثبوت بالثبوت، فإذا تخلَّل لم يبْقَ مسكراً ولا حراماً، فقد اقترن العدم بالعدم، فهذا هو الدوران في صورة واحدة وهي الخمر. وقد يقع في صورتين وهو دون الأول، مثاله: أن (4) ندَّعي (5) وجوب الزكاة في الحُلِيّ المُتَّخَذ (6) لاستعمالٍ مباحٍ، فنقول الموجِب لوجوب الزكاة في النقدين كونهما أحد الحَجَرين (7) ؛ لأن وجوب الزكاة دار مع* [كونه أحد الحجرين] (8) وجوداً وعدماً، أما وجوداً ففي المَسْكُوك (9) هو (10) أحد الحجرين والزكاة واجبة فيه، وأما عدماً فالعقار (11) ليس أحد الحجرين ولا تجب الزكاة فيه، وإنما رَجَحَتْ (12) الصورة   (1) لضرورة مطابقة الخبر لمبتدأه في الجمع. (2) اختلف الأصوليون في إفادة الدوران بمجرده العِلِّية على أربعة أقوال، الأول: أنه يفيد العلية قطعاً، وهو لبعض المعتزلة وبعض الشافعية. والثاني: يفيدها ظناً، وهو للجمهور. والثالث: إن تكرر كثيراً أفادها قطعاً وإلا أفادها ظناً. والرابع: لا يفيدها مطلقاً، وهو اختيار السمعاني والغزالي والآمدي وابن الحاجب. انظر: المغني لعبد الجبار 17 / 333، المعتمد 2 / 449، أصول السرخسي 2 / 176، قواطع الأدلة 4 / 230، المستصفى 2 / 315، شفاء الغليل ص 266، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 24، المحصول لابن العربي ص 533، الإحكام للآمدي 3 / 299، منتهى السول والأمل ص 185، مفتاح الوصول ص 705، البحر المحيط للزركشي 7 / 309، رفع النقاب القسم 2 / 868، فواتح الرحموت 2 / 364. (3) في ن: ((مثال ذلك)) . (4) ساقطة من ن، ق. (5) في ق: ((يدعى)) . (6) في ق: ((المُعدِّ)) . (7) الحجران هما: الذهب والفضة. انظر: مختار الصحاح مادة ((حجر)) . (8) ما بين المعقوفين في ق: ((ذلك)) . (9) في س: ((المشكوك)) وهو تصحيف. والمَسْكُوك: اسم مفعول من سك، والسِّكَّة: حديدة منقوشة تطبع بها الدنانير والدراهم، والجمع سِكَك. انظر: المصباح المنير مادة ((سكك)) . (10) في ق: ((وهو)) والواو هنا مخلَّة بالمعنى. (11) العقار: هو المنزل والأرض والضِّياع، مأخوذ من عُقْر بضم العين وفتحها، وهو: أصلها. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 197، الدر النقي لابن المبرد ص 534. (12) في ن: ((وجبت)) وهو متجهٌ أيضاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الأولى على هذه؛ لأن انتفاء الحكم بعد ثبوته في الصورة المعينة يقتضي أنه لم يبق (1) معه ما يتقضيه في تلك الصورة وإلا لثبت (2) فيها. أما إذا انتفى من (3) صورة أخرى غير صورة الثبوت أمكن أن يقال: إن موجِبَ الحكم غيرُ الوصف المدَّعَى علةً، وأن ما ذكرتموه من الوصف لو فرض انتفاؤه لثبت الحكم بذلك الوصف الآخر، فما تعين عدم اعتبار غيره بخلاف الصورة الواحدة. [حجة أن الدوران] (4) دليل العِلِّية (5) : أن اقتران الوجود بالوجود والعدمِ بالعدم يغلب على الظن أن المَدَار (6) علة الدَائِر (7) ، بل قد يحصل القطع بذلك، لأن من ناديناه باسم فغضب ثم سَكَتْنا عنه فزال غضبه ثم ناديناه به فغضب (8) كذلك مراراً كثيرة، حصل (9) لنا (10) الظن الغالب بأن علة غضبه إنما هو ذلك الاسم الذي ناديناه به. ولذلك جزم الأطباء بالأدوية المُسْهِلة والقابضة وجميع ما يعطونه (11) من المبرِّدات وغيرها بسبب وجود تلك الآثار (12) عند وجود تلك العقاقير وعدمها عند عدمها. فالدوران أصل كبير في أمور الدنيا والآخرة، فإذا وُجِد بين الوصف والحكم جَزَمْنا بعليَّة الوصف للحكم، أو نقول: بعض الدوران حجة قطعاً، كدوران قطع الرأس مع الموت في مجرى العادة، فوجب أن تكون (13) جميع الدَّوَرَانات حجةً لقوله تعالى   (1) في س: ((يمكن)) . (2) في ن: ((لثبتت)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود على ((الحكم)) وهو مذكر. انظر: هامش (7) ص 112. (3) في ق: ((في)) وهو سائغ أيضاً. (4) في ن: ((حجته أن)) . (5) في س: ((العلة)) . (6) المدار: هو الوصف. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى عِلِّيتَّه)) البحر المحيط 7 / 313. (7) الدائر: هو الحكم. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى معلوليته)) البحر المحيط 7 / 313. (8) هنا زيادة: ((ثم)) في ق، وهي من انفراداتها. (9) في ق: ((يحصل)) . (10) ساقطة من ق. (11) في ق: ((يصفونه)) . (12) في ن: ((الأثر)) وهو غير مُستقيم بما قبله. (13) في س: ((يكون)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (9) ص (216) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} (1) والعدل التسوية (2) ، وعدم الاختلاف إحسان للخلق بتوفير خواطرهم عن الفحص عن (3) الفكرة في مدارك (4) الفروق. حجة المنع: أن بعض الدورانات ليس بحجة، فوجب أن يكون الجميع ليس بحجة إلا ما أجمعنا عليه، أما أن بعض الدورانات ليس بحجة، فلأن الجوهر (5) والعَرَض (6) دائران كلُّ واحدٍ منهما مع (7) الآخر وليس أحدهما علة للآخر، والحكم دائر مع السبب (8) وشرطه وجزء علته، وليس أحدهما علة للآخر، وحركات الأفلاك دائرة مع الكواكب وليس أحدهما علة للآخر. وأما أنه إذا كان كذلك وجب ألاَّ يكون فيها شيءٌ حجةً، فلأنه لو كان حجة للزم النقض بذلك البعض الآخر والنقض خلاف الدليل. والجواب: أنا لا ندعي أن الدوران حجة إلا بوصف كونه لا يُقطع بعدم عليَّته (9) ،   (1) سورة النحل، من الآية: 90. (2) تتمة الاستدلال: ولا تسوية إلا بجعل الدورانات كلها دليل عِلِّيَّة المدار (الوصف) . انظر: الحاصل لتاج الدين الأرموي (2 / 897) . لكن المصنف ضعَّف الاستدلال بالآية في موضعين من كتابه: نفائس الأصول، في: (8 / 3343) ، وفي (8 / 3350) ، فلا أدري لماذا أتى به هنا؟! قال في الموضع الثاني: ((وأما التمسك بالآية ففي غاية الضعف، ولولا صدوره عن مثله - (يريد الرازي) - وولوع أبناء الزمان بأمثاله لكان الإعراض عنه أولى من الاعتراض عليه، إذْ يعزُّ على أهل النظر السديد صَرْفُ الزمان إلى ما يَبْدَهُ للعاقل فساده، لكني أقول مكرهاً لا بطلاً: تفسير العدل بالتسوية المطلقة ظلم؛ لأنه يلزم منه جهل كلِّ إنسان، وحِمَاريّة كل حيوان ... وحلِّ كل مأكول ... وبطلان كل دِيْن ... إلى غير ذلك مما لا يُعَدُّ كثرةً، لأن بعضها كذلك عملاً بالآية ... )) وانظر: الكاشف عن المحصول 6 / 409. (3) في ق: ((على)) . ولم أجد فيما اطلعت عليه أن " فحص " يتعدَّى بـ" على ". (4) في ن: ((مدار)) وفيها نقص. (5) الجوهر: هو ما قام بنفسه، سواء كان بسيطاً لا يتجزأ أصلاً، وهو الجوهر الفرد. أو مركباً وهو الجسم الطبيعي. وقيل غير ذلك. انظر: حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص 71، التعريفات ص 112. (6) العرض: هو ما لا يقوم بذاته، أو هو الوجود القائم بالجوهر، وقيل: هو الكلي الخارج عن الماهية. انظر: حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص 70، الكليات ص 625. (7) في س: ((على)) وهي غير مناسبة هنا. (8) ساقطة من ن، س. (9) عبارة المصنف غير موفية بالمطلوب. وأوضح منها عبارة الحاصل (2 / 899) ((أنا لا ندعي علية المدار مطلقاً، بل حيث لا يُعلم عدم عليته قطعاً)) . وعبارة التحصيل (2 / 205) : ((أنا ندعي إفادة ظن العلية في دورانٍ لم يقم عليه دليل عدم العلية، فسقط ما ذكرتم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 والدوران الموصوف بهذه الصفة لم يوجد في صورة النقض، فلا يتجه النقض؛ لأن من شرط النقض وجود الموجب بجميع صفاته، ولم يوجد فلا نقض، فاندفع السؤال. المسلك السادس: السَّبْر والتقسيم السادس: السَّبْر والتَّقْسيم (1) . وهو أن نقول (2) : إما أن يكون الحكم معللاً بكذا أو بكذا، والكل باطل إلا كذا، فيتعيَّن (3) . الشرح السبر معناه في اللغة: الاختبار ومنه سُمِّي (4) ما يُخْتبر (5) به طولُ الجُرْح وعرْضُه مِسْباراً، وتقول العرب: هذه القضية يُسْبر بها غَوْر العقل: أي يختبر (6) . والأصل أن نقول (7) : التقسيم (8) والسبر، لأنَّا نقسِّم أولاً ثم نقول في معرض الاختبار لتلك الأوصاف الحاصلة في التقسيم هذا لا يصلح، وهذا لا يصلح، فيتعيَّن (9) هذا، فالاختبار واقع* بعد التقسيم، لكن التقسيم لما كان وسيلة للاختبار، والاختبار   (1) والتقسيم)) ساقطة من ن، وبعضهم يعبر عن ((السبر والتقسيم)) : بالسبر فقط، وبعضهم: بالتقسيم. والكلُّ مؤدٍّ للغرض. والمناطقة يسمونه: بالقياس الشرطي المنفصل. انظر: تقريب الوصول ص 126، البحر المحيط للزركشي 7 / 282، سلم الوصول للمطيعي حاشية على نهاية السول 4 / 128. (2) في س، متن هـ: ((يقول)) . (3) ويمكن أن يقال في تعريفه أيضاً هو: حصر الأوصاف التي في الأصل (المقيس عليه) وإبطال ما لا يصح منها للعلية بدليلٍ، فيتعيّن الباقي. انظر: منتهى السول والأمل ص 180، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 271، شرح الكوكب المنير 4 / 142، فواتح الرحموت 2 / 361. (4) هنا زيادة: ((به)) ولا داعي لها. (5) في ق: ((نختبر)) . (6) انظر مادة: ((سبر)) في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب، تاج العروس. (7) في ن: ((تقول)) . (8) التقسيم لغةً: مصدر قسَّم، وهو تجزئة الشيء، وتفريقه، وفرزه. انظر مادة " قسم " في: المصباح المنير، القاموس المحيط. (9) في ن: ((فتعين)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 هو المقصد، وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل، [قُدِّم السبر] (1) ؛ لأنه المقصد الأهم، وأخَّر التقسيم؛ لأنه وسيلة أخْفضُ رتبةً من المقصد (2) . وهذه الطريقة* مفيدة للعلة (3) ؛ لأن الحكم مهما أمكن أن يكون معللاً لا يُجْعل تعبُّداً، وإذا أمكن إضافته للمناسب فلا يضاف لغير المناسب، ولم نجد مناسباً إلا ما بقي بعد السَّبْر، فوجب كونه علة بهذه القاعدة (4) . المسلك السابع: الطرد ص: السابع: الطَّرْد (5) : وهو عبارة عن اقتران الحكم بسائر صور الوصف،   (1) ساقط من س. (2) بل جاء في تشنيف المسامع (3 / 275) بأن الأولى أن يقال: السبر والتقسيم؛ لأنه يُسبر المحلّ أولاً، هل فيه أوصاف أو لا؟ ثم يُقسَّم، ثم يُسبر ثانياً. وانظر: نهاية السول 4 / 129، شرح الكوكب المنير 4 / 143. (3) قبل بيان حجية هذا المسلك يجدر ذكر أقسامه، فهو ينقسم إلى نوعين، الأول: التقسيم الحاصر، ويسمى: التقسيم غير المنتشر، وهو: جمع الأوصاف التي يُظن كونها علَّةً مع الترديد بينها بالنفي والإثبات بحيث لا يجوِّز العقل وصفاً آخر غيرها. والثاني: التقسيم غير الحاصر، ويسمى بالتقسيم المنتشر، وهو جمع الأوصاف التي يظن كونها علّة مع عدم الترديد بينها بالنفي والإثبات أو دار بينهما ولكن كان الدليل على نفي عليَّة ما عدا الوصف المعيَّن فيه ظنّاً. فعلى هذا، إذا كان دليل الإبطال فيما عدا الوصف المستبقى قطعياً، وكان التقسيم منحصراً كان التقسيم قطعياً، فيكون حكمه: حجةً بلا خلاف. ويكون ظنياً إذا كان التقسيم منتشراً، أو كان منحصراً لكن دليل إبطال الأوصاف غير المعتبرة ظني، وهو حجة في العقليات، أما الشرعيات فهو الذي جرى فيه خلاف العلماء على مذاهب أربعة، الأول: هو حجة مطلقاً، لأكثر الشافعية والمالكية ومن وافقهم. الثاني: ليس حجةً مطلقاً، لأكثر الحنفية. الثالث: حجة على المستدل (الناظر) دون المعترض (المناظر) ، اختاره الآمدي. الرابع: يكون حجة إذا كان تعليل الحكم في الأصل مجمعاً عليه، ارتضاه الجويني. انظر المسألة في: البرهان 2 / 534، المحصول للرازي 5 / 217، الإحكام للآمدي 3 / 264، نهاية الوصول للهندي 8 / 3361، شرح مختصر الروضة 3 / 404، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 236، نهاية السول 4 / 128، البحر المحيط للزركشي 7 / 283، التوضيح لحلولو ص 246، شرح الكوكب المنير 4 / 142، نشر البنود 2 / 158. (4) في ن: ((القواعد)) وما هاهنا إلا قاعدة واحدة. (5) الطَّردْ لغة: الإبعاد، مصدر طَرَد، وطَرَدْتُ الخلاف في المسألة: أجريته، مأخوذ من المطاردة، وهي الإجراء للسياق. انظر مادة " طرد " في: مختار الصحاح، المصباح المنير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وليس مناسباً ولا مستلزماً للمناسب (1) ، وفيه خلاف (2) . الشرح لأنه متى كان مناسباً كان ذلك طريقاً آخر غير الطرد (3) ، ونحن نقصد أن (4) نثبت طريقاً غير المناسبة (5) ، وكذلك لا يكون مستلزماً للمناسب، إذ لو [كان مستلزماً للمناسب] (6) لكان هو: الشَّبَه، ونحن نقصد طريقاً غير الشبه، فمجرد (7) الاقتران هو (8) طريق مستقل على الخلاف. حجة الجواز: أن (9) الحكم لابد له من علة - وليس غير هذا الوصف علةً (10) - عملاً بالأصل (11) ، فتعيَّن (12) هذا الوصف؛ نفياً للتعبُّد بحسب الإمكان، ولأن الاقتران بجميع الصور مع انتفاء ما يصلح للتعليل بغير (13) المقْترِن يغلب على الظن عِليَّة (14) ذلك المُقْترِن، والعمل بالراجح متعيِّن.   (1) ويُعرَّف بعبارة أخرى بأنه: مقارنة الحكم للوصف بلا مناسبة لا بالذات ولا بالتبع. انظر: شرح الكوكب المنير (4 / 195) . وعبارة الرازي هي: هو الوصف الذي لم يعلم كونه مناسباً ولا مستلزماً للمناسب إذا كان الحكم حاصلاً مع الوصف في جميع الصور المغايرة لمحلّ النزاع - ثم قال - ومنهم من بالغ فقال: مهما رأينا الحكمَ حاصلاً مع الوصف في صورةٍ واحدة حصل ظن العلِّيَّة. المحصول 5/21. (2) انظر مسلك الطرد وخلاف العلماء في حجيته في: إحكام الفصول ص 649، التبصرة ص 360، البرهان 2 / 517، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 30، الوصول لابن برهان 2 / 303، ميزان الأصول 2 / 860، التوضيح لحلولو ص 347. (3) وهو المناسبة. (4) ساقطة من ن. (5) في ن: ((المناسب)) . (6) ما بين المعقوفين في ق: ((استلزمه)) . (7) في س: ((لمجرد)) والمثبت هو الصواب؛ لاستقامة الأسلوب والمعنى. (8) ساقطة من ق. (9) ساقطة من س. (10) ساقطة من س، ن. (11) ساقطة من س. (12) في ق: ((فيتعين)) . (13) في س، ن: ((غير)) . (14) في س: ((غلبة)) وهو تصحيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 حجة المنع: أن الأصل ألا (1) يعتبر في الشرائع إلا المصالح أو درء المفاسد، فما لم يعلم فيه تحصيل مصلحة ولا درء مفسدة وجب ألاَّ يعتبر، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم إنما نُقِل عنهم العمل بالمناسب، أما غير المناسب فلا، فوجب بقاؤه على الأصل في عدم الاعتبار (2) . المسلك الثامن: تنقيح المناط ص: الثامن: تنقيح المناط، وهو إلغاء الفارق فيشتركان في الحكم (3) . الشرح قد تقدَّم الخلاف (4) في موضوع تنقيح المناط (5) هل هو إلغاء الفارق أو تعيين العلة من أوصاف مذكورة؟. والدليل على أنه حجة بهذا التفسير: أن الأصل في كل مِثْلين أن يكون حكمهما واحداً، فإذا استوت (6) صورتان، ولم (7) يوجد بينهما فارق، فالظن القوي القريب من القطع أنهما مستويان في الحكم، ونجد في أنفسنا من اعتقاد الاستواء في الحكم ها هنا أكثر مما نجده في الطرد والشبه، والعلم بهذا التفاوت ضروري عند من سلك مسالك الاعتبار والنظر، فوجب كونه دليلاً على عليَّة (8) المشترك على سبيل الإجمال، وإن كُنَّا لا نعيِّنه، بل نجزم بأن ما اشتركا فيه هو موجب العلة (9) .   (1) في ن: ((لا)) . (2) وقد ذكر المانعون للطَّرد صوراً سخيفة فجَّة، انظرها في: البحر المحيط للزركشي 7 / 314 - 316، شرح الكوكب المنير 4 / 196. (3) أي: يشترك الأصل والفرع في الحكم لعدم الفارق بينهما. وقد تقدم الكلام عنه ص (314) . (4) انظر: ص (316) . (5) هنا زيادة: ((ماذا هو)) في س، وفي ن زيادة: ((ماذا)) . (6) في س، ن: ((استوى)) وهو جائز، لأن المؤنث مجازي. انظر: هامش (11) ص 27. (7) في ن: ((لم)) بدون الواو. (8) في س: ((علة)) . (9) في ق: ((العلية)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة (1) وهو خمسة (2) : القادح الأول: النّقض ص: الأول: النَّقْضُ (3) : وهو وجود الوصف بدون الحكم (4) ، وفيه أربعة مذاهب (5) :   (1) أورد المصنف تحت هذا الفصل القوادح التي تقدح في علِّية الوصف، وهناك من يسميها: الوجوه المُفْسِدة للعلية، وبعضهم يقول: الأسئلة الواردة على القياس، وآخرون يقولون: الاعتراضات على القياس، والمؤدَّى واحد. ومن العلماء من اعتبر البحث في هذه القوادح يختص بعلم الجدل. انظر: المستصفى 2 / 377، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 458 لكن قال الزركشي: ((. . . وذكرها جمهور الأصوليين؛ لأنها من مكمِّلات القياس الذي هو من أصول الفقه، ومكمِّل الشيء من ذلك الشيء، لهذه الشبهة أكثَرَ قومٌ من ذكر المنطق، والعربية، والأحكام الكلامية؛ لأنها من موادّه ومكملاته)) . البحر المحيط 7 / 328. (2) وهي: النقض، عدم التأثير، والقَلْب، والقول بالموجَب، والفَرْق. والأصوليون يتفاوتون في تعدادها، أوصلها الآمدي في الإحكام (4 / 69) ، وابن الحاجب في منتهى السول ص (192) إلى خمسةٍ وعشرين قادحاً. وقال الزركشي: ((وقد أطنب الجدليون فيها لاعتمادهم إياها، ومنهم من أنهاها إلى الثلاثين، وغالبها يتداخل)) . البحر المحيط (7 / 328) . وانظر: شرح مختصر الروضة 3 / 566، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 257. (3) النقض: لغةً: الإبطال، نقضتُ كلامه: أبطلته. انظر: المصباح المنير مادة " نقض ". (4) أي أن الوصف الذي أبداه المستدل وادَّعى عليّته قد تَخلَّف الحكم عنه في بعض الصور. مثاله: كقول المستدلِّ في حقّ من لم يبيّت النية: تعرَّى أول صومه عنها فلا يصح، فيجعل عراء أول الصوم عن النية علةً لبطلانه. فيقول المعترض: هذا منقوض بصوم التطوع؛ فإنه يصح بدون التبييت، فقد وجدت العلة - وهي العراء - بدون الحكم، وهو: الصحة. انظر: المنهاج في ترتيب الحِجَاج للباجي ص 185، المعونة في الجدل للشيرازي ص 242، الكافية في الجدل للجويني ص 172، كتاب الجدل لابن عقيل ص 430، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 218، نهاية السول 4 / 146، فتح الغفار 3/ 38، شرح الكوكب المنير 4 / 56. (5) قال الزركشي: ((وقد اختلفوا فيه على بضعة عشر مذهباً، طرفان، والباقي أوساط)) ثم عدَّها. انظر: البحر المحيط 7 / 330، وانظر: المحصول للرازي 5 / 258، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 164. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 ثالثها (1) : إنْ وجد المانع في صورة النقض فلا (2) يقدح، وإلا قدح (3) ، [ورابعها: إنْ نَصَّ عليها لم يقدح وإلا قدح] (4) (5) . الشرح النقض قد يكون على العلة وعلى الحدِّ وعلى الدليل، فوجود الحدِّ بدون المحدود نقض عليه، ووجود الدليل بدون المدلول نقض عليه*، والألفاظ اللغوية كلها أدلة، فمتى وُجد لفظٌ بدون مسماه لغة فهو نقض عليه، ويجمع الثلاثة: وجود المستلْزِم بدون المستلْزَم. حجة المنع مطلقاً (6) : أن الوصف لو كان علة لثبت الحكم معه في جميع صوره عملاً به، ولم يثبت معه في جميع صوره، فلا يكون علة. ولأن الوصف من حيث هو هو إما أن يكون مستلزماً للعلة [أو لا يكون، فإن كان لزم (7) وجود (8) الحكم معه في   (1) المذهب الأول والثاني طرفان، فالأول: اعتبار النقض قادحاً يمنع من التعليل بالوصف المدَّعى مطلقاً سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة، وسواء كان تخلُّف الحكم عن الوصف لمانعٍ أو لا. وهذا مذهب من لا يجوِّز تخصيص العلة الشرعية، وهم بعض الحنفية، وجميع مشايخ المالكية كما قاله الباجي، وأكثر الشافعية، ورواية عن أحمد. انظر: المعتمد 2 / 284، إحكام الفصول ص 654، شرح اللمع للشيرازي 2 / 882، أصول السرخسي 2 / 208، المسودة ص 412، كشف الأسرار للبخاري 4 / 77، البحر المحيط للزركشي 7 / 330. والمذهب الثاني: عكسه مطلقاً، وهو قول بعض الحنفية، وعليه أكثر أصحاب الإمام أحمد، ونسبه العلوي في نشر البنود (2 / 205) والولاتي في نيل السول ص (186) لأكثر المالكية. انظر: المراجع السابقة، وانظر: جامع الأسرار للكاكي 4 / 1080، شرح الكوكب المنير 4 / 58، تيسير التحرير 4 / 9، نثر الورود 2 / 527. (2) في ق: ((لم)) . (3) وهو مختار البيضاوي في المنهاج. انظر: الإبهاج (3 / 85) ، وعليه الشريف التلمساني من المالكية. انظر: مفتاح الوصول له ص 682. (4) ما بين المعقوفين ساقط من س. (5) المذهب الرابع حكاه الجويني عن معظم الأصوليين. انظر: البرهان 2 / 634. وفيه نظر، كما عُلم من المذاهب السابقة. (6) أي: المنع من التعليل بالوصف المدَّعى، فهؤلاء يعتبرون النقض قادحاً مطلقاً. (7) في ن: ((يلزم)) والمثبت أوفق للسياق. (8) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 جميع صوره، وإنْ لم يكن كان] (1) الوصف وحده ليس بعلة حتى ينضاف (2) إليه غيره، والمقدَّر أنه علة، وهذا خُلْفٌ. حجة الجواز مطلقاً (3) : أن الموجِب للعلية هو المناسبة، فالمناسبة (4) تقتضي أنها حيث وجدت ترتَّب الحكم معها وقد وجدت فيما عدا صورة النقض، فوجب (5) ثبوت الحكم معها، وإن لم يوجد (6) معها في صورة النقض - وتكون العلة كالعام المخصوص إذا خرجت عنه بعض الصور - بقي حجةً فيما عدا صورة التخصيص، سواء علم موجب التخصيص أم (7) لا، كذلك ها هنا. فإن (8) تناول المناسبة لجميع الصور [كتناول الدلالة اللغوية لجميع الصور] (9) ، فهو في الحقيقة تخصيص، ولذلك يقول كثير من الأصوليين والجدليين في النقض: إنه تخصيص للعلة (10) ، وهذا هو المذهب المشهور (11) .   (1) ما بين المعقوفين كتب في ق هكذا: ((فيلزم وجود الحكم معه في جميع صوره، أو لا يستلزم العلة فيكون)) . (2) في س: ((يضاف)) . (3) أي: جواز التعليل بالوصف المدّعى، فهؤلاء لا يعتبرون النقض قادحاً. (4) في ق: ((وهي)) . (5) في ق: ((فيجب)) . (6) في ق: ((يكن)) . (7) في س، ق: ((أو)) قال ابن هشام ((وقد أوِلع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا: سواء كان كذا أو كذا ... والصواب العطف بـ" أمْ ")) مغني اللبيب (1 / 95) وخالفه الهروي فقال: ((فإن قلتَ: سواء عليَّ قمتُ أو قعدتُ، بغير استفهام، لم تعطف إلا بـ" أو ")) الأزهيّة في علم الحروف ص 138. والصواب - والله أعلم - أن الكلّ صواب. انظر: موسوعة الحروف في اللغة العربية د. إميل بديع يعقوب ص 125 - 126. (8) في ق: ((لأن)) . (9) ما بين المعقوفين ساقط من س. (10) مسألة تخصيص العلة انظرها في: شرح العمد 2 / 132، العدة لأبي يعلى 4 / 1386، شرح اللمع 2 / 883، أصول السرخسي 2 / 408، المحصول للرازي 5 / 323، مفتاح الوصول ص 680، كتاب الجدل لابن عقيل ص 301. (11) انظره في: هامش (1) ص 350. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 حجة الثالث: أن الفرق (1) إذا وجد في صورة النقض كان ذلك الفارق مانعاً من ثبوت الحكم مع العلة في صورة النقض، فكان العذر منتهضاً (2) في عدم ثبوته في صورة النقض، أما إذا لم يوجد فارق كان عدم الحكم في صورة النقض مضافاً لعدم عليَّة الوصف لا لقيام المانع، فلا يكون الوصف علة (3) . حجة الرابع: أن الوصف إذا نُصَّ على كونه علة تعين الانقياد لنص صاحب الشرع وهو أعلم بالمصالح، فلا عبرة بالنقض مع نص صاحب الشريعة (4) ، بل النص مقدم، أما إذا لم يوجد (5) نص تعيَّن أن الوصف ليس بعلة؛ لأنه لو كان علة لثبت الحكم معه في جميع صوره، وليس فليس. وجواب النقض (6) : إما بمنع وجود الوصف في صورة النقض، أو بالتزام الحكم فيها. لما كان النقض لا يتم إلا بأمرين، أحدهما: وجود الوصف في صورة النقض، والثاني: عدم الحكم فيها (7) ، [كان انتفاء] (8) أحد هذين يمنع تحقُّق النقض، فإنه إن لم يوجد الوصف لا يقال وجد الوصف بدون الحكم، وكذلك إذا وجد الحكم فلَكَ منع وجود الوصف في صورة النقض، بأن تعتبر (9) بعض قيود العلة، فلا تجده في صورة   (1) أي: الفرق بين وجود المانع من الحكم في صورة النقض وعدم المانع. (2) في ن: ((منتظماً)) . (3) ساقطة من س. (4) في ن: ((الشرع)) . (5) في ق: ((نجد)) . (6) قال ابن قدامة: ((واختلف في وجوب الاحتراز في الدليل عن صورة النقض، والأليق وجوب الاحتراز، فإنه أقرب إلى الضبط، وأجمع لنشر الكلام، وهو هيّن)) . روضة الناظر (3 / 938) ، ثم ذكر طرقاً أربعة لدفع النقض. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 186، المعونة في الجدل ص 42، الكافية في الجدل ص 191، الايضاح لقوانين الاصطلاح لابن الجوزي ص 327، البحر المحيط للزركشي 7/341، التوضيح لحلولو ص 352 - 353. (7) ساقطة من ق. (8) في ق: ((فمتى انتفى)) . (9) في س: ((يعتبر)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 النقض، والمُوْرِد للنقض تخيّل (1) أنه موجود، فتمنعه (2) حينئذٍ، مثاله قولك (3) في (4) الوقف: عقد نَقْلٍ (5) ، فوجب أن يفتقر للقبول قياساً على البيع، فيقول السائل: يُشْكل بالعتق (6) ، فنقول له: لا نسلم أن العتق نَقْلٌ بل هو إسقاط كالطلاق، والإسقاط لا يفتقر للقبول بخلاف النقل والتمليك (7) . ولك منع عدم الحكم في صورة النقض بناءً على أحد القولين عندك في مذهبك بناءً على الخلاف من حيث الجملة (8) . القادح الثاني: عدم التأثير ص: الثاني: عدم التأثير، وهو: أن يكون الحكم موجوداً مع وصف، [ثم يُعْدم] (9) ذلك الوصف ويبقى الحكم (10) ، فيقدح، بخلاف " العكس ": وهو وجود الحكم بدون الوصف في صورة أخرى (11) فلا يقدح؛ لأن العلل الشرعية يخلف   (1) في ق: ((يحتمل)) ، وفي س: ((يُخيَّل)) وكلاهما محتملان. (2) في ق، س: ((فيمنعه)) وهو تصحيف. (3) في ق: ((قولنا)) . (4) ساقطة من س. (5) المراد بالنَّقْل: نقل للمِلْك أو الملكية، وسيورد المصنف فصلاً بديعاً في آخر الكتاب ص (525 - 527) يفرِّق فيه بين: النقل، والإسقاط، والقبض والإقباض ... إلخ. (6) أي يقول المعترض: هذا منقوض بالعتق، فهو عقد نَقْلٍ مع أنه لا يفتقر إلى القبول اتفاقاً. (7) مسألة الوقف هل يفتقر إلى القبول؟ فيها تفصيل. انظره في: المغني 8 / 187، الذخيرة 6 / 316، مغني المحتاج 3 / 534، مواهب الجليل 7 / 648. (8) ذكر الشوشاوي له مثالاً في: رفع النقاب القسم (2 / 883) ، فانظره ثمَّة (9) في متن هـ: ((يُقدَّم)) وهو تحريف. (10) بعبارة أخرى: هو بقاء الحكم بعد زوال الوصف الذي فُرِض علّةً. انظر هذا القادح في: المعتمد 2 / 261، المنخول ص 411، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 265، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 125، الإحكام للآمدي 4 / 85، التوضيح لحلولو ص 353، تيسير التحرير 4/134، 151، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 195، المعونة في الجدل ص 237، الكافية في الجدل ص 290، كتاب الجدل لابن عقيل ص 423. (11) المصنف اتبع الرازي في تسمية هذا الطريق " بالعكس " وهكذا سار الشارحون والمختصرون للمحصول، بَيْد أن البيضاوي لم يرتضِ هذه التسمية، فسماه: " عدم العكس " وصوّبه الإسنوي معللاً بأن العكس: هو انتفاء الحكم لانتفاء العلة، أما عدم العكس: فهو ثبوت الحكم في صورةٍ بعلّةٍ أخرى غير العلة الأولى. لكن تعقَّبه المطيعي بأن العكس تارة يطلق ويراد به تخلفه، أي: عدم العكس، وذلك في مقام عَدِّه من= الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 بعضها بعضاً (1) . الشرح مثال عدم التأثير: أن تحريم الخمر ثابت مع اللون الخاص للخمر، فإذا (2) تغيَّرتْ إلى لون آخر والتحريم باقٍ، فيُعلم أن علة التحريم ليس هو ذلك اللون. والعكس: هو عكس النقض، فإن النقض وجود العلة بدون الحكم، والعكس وجود الحكم بدون العلة. مثال النقض: تعليل الزكاة بالغنى، فيُنْقض (3) بالعَقَار الذي فيه الأجرة العظيمة والمنافع الجزيلة مع عدم وجوب الزكاة، فهذا نقض؛ لأنه وجود العلة التي هي الغنى بدون الحكم الذي هو وجوب* الزكاة. ومثال العكس: تعليل الحد بجناية القذف، فينقض بشرب الخمر أو بغيره، فلا يرد؛ لأن [علل الشريعة] (4) يَخْلُف بعضها بعضاً، وكما لو قال قائل: الإنزال سبب وجوب (5) الغسل، فيُنقض بانقطاع دم الحيض، فإن الغسل واجب ولا إنزال، فلا يرد هذا السؤال؛ لأن الأسباب يخلف بعضها بعضاً، وكذلك الأسباب والأدلة. قال الشيخ سيف الدين الآمدي رحمه الله: يرد سؤال النقض ولا يرد سؤال العكس، إلا أن يتفق (6) المناظران على اتحاد العلة، فيرد النقض والعكس (7) .   (1) = القوادح على القول بذلك، وتارة يُراد نفسُه في مقام عَدِّه شرطاً - أي من شروط العلة (الطرد والعكس) - على القول به ... إلخ انظر: سلم الوصول حاشية على نهاية السول 4 / 184. وانظر هذا القادح في: المحصول للرازي 5 / 261، تشنيف المسامع 3 / 341، التوضيح لحلولو ص 354، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 212، المعونة في الجدل ص 237، الايضاح لقوانين الاصطلاح ص 345. () لم يعُدّ المصنف عدم العكس قادحاً، وهو تفريع على القول بتعدد العلل لمعلول واحد. وسيأتي مبحث تعدد العلل ص (363) . (2) في ن: ((فإن)) وهو سائغ كما سبق الكلام عنه. (3) في ق: ((فينتقص)) . (4) في ن: ((العلل الشرعية)) . (5) في ق: ((وجود)) . (6) في س: ((تتفق)) وهي مستقيمة بما بعدها، إذْ جاء فيها " المناظرات ". (7) لم أجده في كتابيه: " الإحكام " و" منتهى السول في علم الأصول " لا بلفظه ولا بمعناه. لكن أشار الآمدي في منتهى السول (3 / 43) بأن له كتاباً في " الجدليات " اسمه: غاية الأمل في علم الجدل، فلعل النقل كان منه، أو من كتابه " الترجيحات " فإنه من موارد المصنف، كما جاء في كتابه نفائس الأصول (1 / 92) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وكثيراً (1) ما يغلط (2) طلبة العلم في إيراد العكس، فيوردونه (3) كما يوردون (4) النقض، وهو غلط كما بيَّنْتُ لك، فقد ظهر الفرق بين النقض والعكس وعدم التأثير، فتأمَّلْ ذلك (5) . القادح الثالث: القَلْب ص: الثالث: القَلْب (6) : وهو إثبات نقيض الحكم بعين العلة، كقولنا (7) في الاعتكاف: لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلا يستقلُّ بنفسه (8) قياساً على الوقوف بعرفة (9) ، فيكون الصوم شرطاً فيه، فيقول السائل: لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلا يكون الصوم شرطاً فيه كالوقوف بعرفة (10) ، وهو إما أن يُقْصد به (11) إثبات مذهب   (1) في س، ن: ((وكثير)) . ولست أعلم لها وجهاً نحوياً. أما المثبت فهو واضح؛ لأنه مفعول مطلق أو صفة نابت مناب مصدر محذوف تقديره " غلطاً كثيراً ". انظر: شرح ملحة الإعراب للحريري ص 167. (2) في س: ((تغلط)) وهو جائز. انظر: هامش (11) ص 67. (3) في ن: ((فيردونه)) وهو تحريف؛ لأن الكلام في الإيراد. (4) في ن: ((يردون)) وهو تحريف؛ لأن الكلام في الإيراد. (5) انظر: نفائس الأصول 8 / 3398. (6) القلب لغة: تحويل الشيء عن وجهه، وقلبْتُ الرداء: حوَّلتُه، وجعلت أعلاه أسفله. انظر مادة " قلب " في: لسان العرب، المصباح المنير. والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة، انظرها في: التلويح للتفتازاني 2 / 203. وانظر هذا القادح في: إحكام الفصول ص 663، أصول السرخسي 2 / 238، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 202، المحصول للرازي 5 / 263، نهاية الوصول للهندي 8 / 3449، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 519، التوضيح لحلولو ص 354، فواتح الرحموت 2 / 408، نشر البنود 2 / 214، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 174، المعونة في الجدل ص 259، الكافية في الجدل ص 217، كتاب الجدل لابن عقيل ص 449. (7) في متن هـ: ((لقولنا)) وهو تحريف. (8) هنا زيادة ((قربة)) في ن. (9) هذه العبارة جاءت في ق هكذا ((فلا يستقل بنفسه كالوقوف بعرفة)) . (10) وقع خلاف قديم في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف، انظره في: الحاوي 3 / 486، بدائع الصنائع 3 / 6، بداية المجتهد 3 / 241، المغني 4 / 459، الذخيرة 2 / 536. (11) في ن: ((فيه)) وهو غير مناسب هنا، لأن القصد في الشيء خلاف الإفراط، وهذا المعنى غير مقصود هنا. انظر: مادة " قصد " في لسان العرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 السائل، أو إبطال مذهب المستدل (1) . فالأول كما سبق، والثاني كما يقول الحنفي: المسح (2) ركنٌ من أركان الوضوء، فلا يكفي (3) فيه أقلُّ ما يمكن، أصله الوجه، فيقول الشافعي: ركن من أركان الوضوء، فلا يُقدَّر بالرُّبْع، أصله الوجه (4) . الشرح القلب: يُبْطل العلة من جهة أنه مُعارَضة في أنها موجبة لذلك الحكم، فإذا أثْبتَ (5) بها القالب نقيض ذلك الحكم في صورة النزاع استحال [إيجابها لذلك الحكم] (6) في صورة النزاع، وإلا لاجتمع النقيضان في صورة النزاع* وهو محال. ومعنى قوله (7) ((فيكون الصوم شرطاً فيه)) : معناه أنه إذا لم يستقل بنفسه، وكل من قال: إن الاعتكاف لا يستقل بنفسه قال الذي يضاف إليه هو الصوم، فالمقدمة   (1) وهناك أقسام أخرى للقلب انظرها في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 944، البحر المحيط للزركشي 7 / 369، شرح الكوكب المنير 4 / 332. (2) ساقطة من س، ق، ن. وهو سقط مُخلٌّ لافتقار الجملة إلى المسند إليه (المبتدأ) . وفي متن هـ: ((وللنسخ)) وهو تحريف. وهي مثبتةٌ في م، ز، ومقدمة الذخيرة (1 / 130) . أمّا المتن ر، والمتن د ففيهما: ((مسح الرأس)) . (3) في س: ((يُكتفى)) وهو فعل لازم يتعدّىبالباء، فكان لابد أن يقول بعد ذلك " بأقل "، ولهذا لا تُرجَّح هنا. انظر: مادة " كفى " في: مختار الصحاح، المصباح المنير. (4) مذهب أبي حنيفة في مسح الرأس الاكتفاء بربع الرأس، ومن الأحناف من قدَّره بالناصية، وبعضهم بمقدار ثلاثة أصابع. والمشهور عند الشافعية الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه اسم المسح، وهو ثلاث شعرات فصاعداً. ومذهب مالك وظاهر مذهب أحمد وجوب تعميم الرأس بالمسح، وخصّ أحمد الرجل بذلك دون المرأة. انظر: الحاوي 1 / 114، بدائع الصنائع 1 / 102، بداية المجتهد 1 / 368، المغني 1 / 175، الذخيرة 1 / 259، مغني المحتاج 1 / 176، كشاف القناع 1 / 114، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 1 / 213. (5) في ن: ((ثبت)) وهو تحريف. (6) في ن: ((إلحاقها كذلك للحكم)) . (7) في ن: ((قولهم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 الأولى: ثابتة بقياس القلب (1) ، والثانية: ثابتة بالإجماع، من باب لا قائل بغير ذلك، فلو ثبت أن المضاف غير الصوم لزم خلاف الإجماع*. وأما قول الحنفي: ركن من أركان الوضوء فلا يكفي فيه أقل ما يمكن [أصله الوجه] (2) ، هو استدلال على الشافعي، لأنه هو (3) القائل (4) : يكفي في الرأس أقلُّ ما يسمى مسحاً، فيُبْطِل بهذا القلب مذهب الشافعي، ولا يُثبت مذهب الحنفي في إيجاب مسح الربع [من الرأس] (5) ، بل جاز أن يكون الواقع [مذهب مالك، وهو إيجاب الجميع، ولا يكفي أقل ما يمكن من المسح (6) . وكذلك قول الشافعي لما قلب فلا يُقدَّر بالربع أصله الوجه، لا يلزم من عدم تمثيله بالربع الاكتفاء بأقل ما يمكن، بل جاز أن يكون الواجب] (7) مسح الجميع، فليس في هذا القلب إثبات مذهب القالب، بل إبطال مذهب المستدل فقط. القادح الرابع: القول بالمُوجب ص: الرابع: القول بالموجَب (8) : وهو تسليم ما ادَّعاه المستدل موجَب علته   (1) المقدمة الأولى هي: أن الاعتكاف لا يستقل بنفسه. كان طريق ثبوتها قياس القلب أي قياس العكس، وحَدُّه: إثبات نقيض حكم معلومٍ في معلومٍ آخر لتنافيهما في العلة. فالحنفي استدلّ بقياس العكس على أن الاعتكاف لا يستقل بنفسه، بل لابد من ضميمة الصوم، فقال: لو لم يشترط الصوم في صحة الاعتكاف عند الاطلاق، لم يَصِرْ شرطاً له بالنذر، كالصلاة لمَّا لم تكن شرطاً له عند الإطلاق، لم تصر شرطاً له بالنذر. ومن الأصوليين من خرم قياس العكس. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 3 / 358، الإحكام للآمدي 3 / 183، السراج الوهاج 2 / 848، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 205، مفتاح الوصول ص 731، فصول البدائع للفناري 2 / 275، التقرير والتحبير 3 / 162. (2) في ق: ((كالوجه)) . (3) ساقطة من ق، ن. (4) في ق: ((يقول)) . (5) في ق: ((منه)) . (6) انظر: هامش (4) ص 356. (7) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (8) بفتح الجيم، اسم مفعول بمعنى ما توجبه العلة أو الدليل، أي: الحكم الذي أوجبته العلة أو الدليل. والمُوجِب بكسر الجيم: هو نفس العلة أو الدليل. انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 372، رفع النقاب القسم 2 / 889. وفي المصباح المنير مادة " وجب ": الموجِب بالكسر: السبب، وبالفتح: المُسبَّب. انظر هذا القادح في: العدة لأبي يعلى 5 / 1462، المنخول ص 402، المحصول للرازي 5 / 269، تقريب الوصول ص 384، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 279، التلويح للتفتازاني 2 / 210، البحر المحيط للزركشي 7 / 372، التقرير والتحبير 3 / 340، التوضيح لحلولو ص 355، نثر الورود 2 / 541، المنهاج للباجي ص 173، المعونة للشيرازي 246، الكافية للجويني ص 161، كتاب الجدل لابن عقيل ص 443. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 مع بقاء الخلاف في صورة النزاع. الشرح القول بالموجَب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به، ومعناه الذي يقتضيه ذلك الدليل ليس هو المتنازع فيه، وإذا لم يكن المتنازع فيه أمكن تسليمه واستبقاء الخلاف على حاله في صورة النزاع. مثاله في العلل: قول القائل الخيل (1) حيوان يُسابق عليه فتجب (2) فيه الزكاة كالإبل؛ فإن الخيل يُسابق عليها كالإبل، فيقول السائل: أقول بموجَب هذه العلة، فإن الزكاة عندي واجبة (3) في الخيل إذا كانت للتجارة، فإيجاب الزكاة (4) من حيث الجملة أقول به، إنما النزاع إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل (5) ، فسلَّم ما اقتضته العلة، ولم يضره (6) ذلك في صورة النزاع. ومثاله في النصوص: قول المستدل: إن المُحْرم لا يُغَسَّل ولا يُمَسُّ بطيبٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم في محرم وَقَصَتْ به ناقته: ((لا تُمِسُّوه بطيبٍ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) (7) يقول السائل: النزاع ليس في ذلك المحرم الذي ورد فيه النص، وإنما النزاع في المحرمين في زماننا، والنص ليس فيه عموم يتناولهم، إنما هو في شخص مخصوص (8) ، فلا يضرنا   (1) ساقطة من س، ق، ن، ش. وهي مثبتة في م، ز، وفي ص، و: ((جواد يسابق عليه ... )) . (2) في س: ((فيجب)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص 27. (3) ساقطة من س. (4) وضع مصحح نسخة ق علامة هنا وأشار في الهامش بزيادة: ((في رقابها)) وهو سهو بيّن. والصواب بدونها كما في الأصل، ولعلّ مردَّ السهو قَفْزُ نظر الناسخ إلى السطر التالي لهذا. (5) قول أكثر أهل العلم لا زكاة في غير بهيمة الأنعام، إلا أن تكون عروض تجارة. وقال أبو حنيفة بالزكاة في الخيل إذا كانت سائمة غير معدَّة للجهاد أو حمل الأثقال، أو الركوب، بل اقتنيت لمجرد الاستيلاد والنتاج. انظر المسألة في: الحاوي 3 / 191، بدائع الصنائع 2 / 445، بداية المجتهد 3 / 73، المغني 4 / 66، الذخيرة 3 / 94، شرح فتح القدير 2 / 192، فقه الزكاة للقرضاوي 1 / 222. (6) في س: ((يضر)) . (7) سبق تخريجه. (8) في ق: ((مخصص)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 التزام موجَبه (1) ، وكذلك لو استدل بعضهم على وجوب الزكاة بسورة الإخلاص، فإنا نقول بموجَبها الذي هو التوحيد، ولا يلزم من ذلك وجوب الزكاة في صورة النزاع. القادح الخامس: الفرق ص: الخامس: الفَرْق (2) : وهو إبداء معنىً مناسبٍ للحكم في إحدى الصورتين مفقود في الأخرى (3) . وقَدْحه مبنيٌ (4) على أن الحكم لا يُعلَّل بعلتين، لاحتمال أن يكون الفارق إحداهما، فلا يلزم من عدمه عدم الحكم، لاستقلال الحكم بإحدى العلتين. الشرح قولنا: ((مناسب)) احتراز من غير المناسب، وقد يكون الشيء مناسباً لحكم غير الحكم المتنازع فيه. مثال غير المناسب: أن نقيس (5) الأرز على البر في حكم الربا، فيقول السائل: الفرق بينهما أن الأرز أشد بياضاً أو أيسر تقشيراً من سنبله (6) .   (1) يرى الأحناف والمالكية جواز تطييب المحرم وتغطية رأسه كالحلال، لانقطاع إحرامه بالموت، ويجيبون عن الحديث بأنه واقعة عين، والشافعية والحنابلة يرون عدم تطييبه وتغطية رأسه. انظر: الحاوي 3 / 13، بدائع الصنائع 2 / 329، المغني 3 / 478، الذخيرة 2 / 455، نيل الأوطار 4 / 40. (2) يسمى أيضاً بسؤال المعارضة، وبسؤال المزاحمة. انظر: البحر المحيط للزركشي (7 / 378) . والفَرْق لغةً: الفَصْل مصدر فَرَق. انظر: المصباح المنير مادة " فرق ". وانظر هذا القادح في: قواطع الأدلة 2 / 229، المنخول ص 417، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 217، المحصول للرازي 5 / 271، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 276، نشر البنود 2 / 223، المنهاج للباجي ص 201، المعونة للشيرازي ص 262، الكافية للجويني ص 298، الإيضاح لابن الجوزي ص 321. (3) ومن تعريفاته الأوضح: بيان مانعٍ من الحكم في الفرع مع انتفاء ذلك المانع في الأصل. تيسير التحرير ( 4 / 148) ، ومنها: إبداء المعترض معنىً يحصل به الفرق بين الأصل والفرع حتى لا يلحق به في حكمه. شرح الكوكب المنير (4 / 320) . (4) في ق: ((بني)) . (5) في ق: ((يقيس)) . (6) هذا الفارق غير قادح، لأنه فارق بوصف طردي، وقد عُهِد من الشارع عدم التفاته إليه، وما من جامعٍ بين أصلٍ وفرعٍ إلا ويمكن قطعه بالأوصاف الطردية، لكنه باطل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 مثال المناسب (1) لغير الحكم المذكور: أن نقيس (2) المساقاة على القِرَاض (3) في جواز المعاملة على جزء مجهول، فيقول السائل: الفرق أن الشجر إذا تُرِك العمل فيها هلكتْ بخلاف النَّقْدين، وهذا [مناسب لأَنْ يكون] (4) عقد المساقاة [لازماً لا جائزاً بخلاف] (5) القراض، فإن القول بجوازه يؤدي إلى جواز رده بعد مدة، فيَتْلَف الشجر، أما باعتبار الغرر فلا مدخل لمناسبة هذا الفرق فيه. مثال المناسب للحكم المذكور: أن نقيس الهبة (6) على البيع في منع الغرر فيها، فيقول المالكي: الفرق أن البيع عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة (7) يُخلُّ بها الغرر، والهبة إحسانٌ صِرْفٌ لا يُخلُّ به الغرر، فإن لم يحصل شيء لا يتضرر الموهوب له، بخلاف المشتري (8) . قال الإمام فخر الدين: وقَدْحُه في القياس مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين (9)   (1) في ق: ((التناسب)) وهو تحريف. (2) في ق: ((يقيس)) . (3) القِراض هي تسمية أهل الحجاز، وهي المضاربة بتسمية أهل العراق. والقِراض مشتق من القَرْض بمعنى القطع انظر مادة " قرض " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: قال ابن عرفة: تمكين مالٍ لمن يتّجر به بجزءٍ من ربحه لا بلفظ الإجارة. شرح حدود ابن عرفة للرصّاع 2 / 500. (4) ساقط من ق. (5) ساقط من ق. (6) الهبة لغة: العطية الخالية من الأغراض والأعواض، من وهَب يَهَب وَهْباً وهبةً. انظر: لسان العرب مادة " وهب ". واصطلاحاً: تمليكُ ذي منفعةٍ لوجهِ المُعْطَى بغير عوض. شرح حدود ابن عرفة للرصّاع 2 / 552. (7) المكايسة: مفاعلة من كايس، يقال: كايَسْتُ فلاناً فكِسْتُه أَكِيْسُهُ كَيْساً أي: غلبْتُه بالكَيْس، أي: العقل. والمماكسة: المساومة لانتقاص الثمن. فالبيع فيه مكايسة ومماكسة. انظر: مادة " مكس " في لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر. (8) انظر الخلاف في هبة الغرر في: الحاوي 7 / 535، بدائع الصنائع 8 / 95، المغني 8 / 249، الذخيرة 6 / 243 - 244 . (9) عبارة الرازي في محصوله (5 / 571) : ((والكلام فيه (أي الفرق) مبني على أن تعليل الحكم الواحد بعلتين، هل يجوز أم لا؟ وفيه مسألتان)) . ثم شرحهما وقال أخيراً في (5 / 279) : ((وهو (أي الفرق) يقدح في جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين)) فالمصنف يبدو أنه دمج بين العبارتين، واستخلص مذهب الرازي في أن القدح بالفرق يكون في الحكم المعلَّل بعلَّة واحدة أو معلل بعللٍ متعددة مستنبطة، أما الحكم المعلل بعلل منصوصة فلا يقدح. وربما كان النقل من غير المحصول والمنتخب والمعالم والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 [فإن شأن تعليل الحكم بعلتين] (1) أن انفراد (2) إحداهما (3) يوجب (4) ثبوت الحكم، وعدم الأخرى لا يضر، كما نقول في تعليل إجبار الأب: إنه معلل بالصِّغَر والبكارة، فإذا انفردت إحدى العلتين وهي البكارة ثبت الجبر [كالمُعَنَّسة (5) على الخلاف (6) ، أو الصغر ثبت الجبر] (7) كالثيب الصغيرة، أو اجتمعتا معاً ثبت الجبر كالبِكْر الصغيرة، فإذا أورد السائل الفرق، يقول القائس: فَرْقُه معنى (8) مناسب هو علة أخرى في الأصل مع المشترك بين صورة الأصل وصورة النزاع، [وقد اجتمعتا (9) معاً في الأصل، فترتَّب الحكم، وانفرد المشترك في صورة النزاع] (10) ، وهو إحدى (11) العلتين، فترتب الحكم عليه، ولا يضر عدم الفارق في (12) صورة (13) النزاع، لأن عدم إحدى العلتين لا يمنع ترتب الحكم، فلذلك قال (14) : إن سماع الفرق مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين. [غير أن ها هنا إشكالاً وهو: أن الجمهور على جواز تعليل الحكم بعلتين] (15) ،   (1) ما بين المعقوفين ساقط من س. (2) في ق: ((انفرد)) وهي تحريف. (3) في ق: ((أحدهما)) وهو خطأ نحوي. انظر: هامش (3) ص 58. (4) في ن: ((توجب)) وهو خطأ؛ انظر: هامش (7) ص 112. (5) المُعَنَّسة: اسم مفعول من عَنَّس، وعَنَست المرأة تَعْنِسُ وتَعْنُسُ عنوساً، وهي عانس. وعَنَّسها أهلُها: أمسكوها عن التزويج، فالمعنَّسة هي المرأة التي طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها، ولم تتزوج حتى خرجت من عداد الأبكار. انظر مادة " عنس " في: لسان العرب، المصباح المنير. (6) انظر خلاف أهل العلم في تعليل إجبار الأب موليّته على النكاح في: الحاوي 9 / 52، بدائع الصنائع 3 / 357، بداية المجتهد 4 / 209، المغني 9 / 398. وفي خصوص البكر المعنَّسة قال الصنف في الذخيرة (4 / 217) ((لا تجبر الثيّب البالغ عندنا لعدم العلتين، وفي البكر المعنَّسة روايتان)) . (7) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (8) في ق: ((منعى)) وهو تحريف. (9) هكذا في س وهو الصواب؛ لعود الضمير على مثنى مؤنث (العلتان) ، وفي س، ن: ((اجتمعا)) . (10) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (11) في س، ن: ((أحد)) والمثبت من ق هو الصواب. انظر: هامش (3) ص 58. (12) هكذا في س، ز، وفي سائر النسخ ((من)) وهي لا تعطي معنى مناسباً. (13) هنا زيادة ((عدم)) في ق وهي مقحمة بطريق السهو. (14) أي: الفخر الرازي. انظر المحصول 5 / 271، 279. (15) ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 والجمهور على سماع الفرق (1) ، فيبطل قوله: إن سماع الفرق ينافي تعليل الحكم بعلتين (2) ؟. والجواب: أن الفرق قد (3) يصلح للاستقلال (4) بالعليَّة، كما نقول (5) في الصغر مع* البكارة، وقد لا يصلح للاستقلال (6) كما يفرق بزيادة المشقة ومزيد الغرر من باب صفة الصفة التي لا تصلح للتعليل المستقل، فما (7) لا يصلح للاستقلال (8) يمكن أن يسمع مع جواز التعليل بعلتين؛ لأن السؤال السابق حينئذٍ لا يتجه، وهو الذي قال به الجمهور، وما (9) يصلح للاستقلال (10) لا يمكن إيراده إذا جوَّزنا التعليل بعلتين، فهذا تلخيص هذا الموضع (11) .   (1) اختلفت مذاهب الأصوليين في القدح بالفرق على ثلاثة مذاهب، الأول: أنه ليس قادحاً، نقله الجويني عن طوائف من الجدليين والأصوليين. والثاني: يرى أن الفرق ليس سؤالاً إنما هو معارضة الأصل بمعنى، ومعارضة العلة التي نصبها المستدل بعلةٍ أخرى مستقلة، والمعارضة مقبولة، وهو معزوٌّ إلى ابن سريج والأستاذ أبي إسحاق. الثالث: مذهب الجمهور أن الفرق يقدح في العلة ويبطلها، وهو سؤال صحيح، نص الجويني على أنه مذهب جماهير الفقهاء والمحققين. انظر: البرهان 2 / 686 وما بعدها، المنخول ص 417، البحر المحيط للزركشي 7 / 80. (2) في س: ((بمثلين)) ولا مناسبة لها هنا. (3) ساقطة من ن. (4) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف. (5) في س: ((تقول)) . (6) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف. (7) في ق: ((فيما)) ، وفي س: ((لما)) وكلاهما تحريف. (8) في ن: ((للاستقبال)) وهو تحريف. (9) هنا زيادة ((لا)) في س وهي خاطئة؛ لأنها تقلب المعنى المراد. (10) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف. (11) انظر توضيحاً لما سبق في: نفائس الأصول 8 / 3459. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 الفصل الخامس في تعدد العلل (1) ص: يجوز تعليل الحكم الواحد (2) بعلتين منصوصتين (3) خلافاً لبعضهم، نحو وجوب الوضوء على مَنْ بَالَ ولاَمَسَ (4) ، ولا (5) يجوز بمستنبطتين؛ لأن الأصل عدم الاستقلال (6) فيُجْعلان علةً واحدة (7) . الشرح حجة الجواز في المنصوصتين (8) : أن لصاحب الشرع أن يربط الحكم بعلة،   (1) لشيخ الإسلام كلام نفيس جداً في هذه المسألة يجدر الرجوع إليه، ومفاده أن النزاع في هذه المسألة تنوعي لفظي. انظر: مجموع الفتاوى 20 / 167 - 175، المسودة ص 416 - 418. وانظر: سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 196 - 202. (2) ساقطة من س. (3) في س: ((منصوصين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن الصفة تتبع الموصوف " علتين " في التأنيث والتذكير. (4) هذا استدلال بالوقوع الشرعي، وهو أقوى دليل على الجواز. أما مسألة وجوب الوضوء من الملامسة فممَّا وقع فيها خلاف الفقهاء. انظر: الحاوي 1 / 189، بدائع الصنائع 1 / 244، المغني 1 / 256، الذخيرة 1 / 225. (5) ساقطة من س، وهو سقط قبيح؛ لأنه يقلب المعنى. (6) في ق: ((الاستقبال)) وهو تحريف. (7) الخلاف في تعدد العلل لمعلولٍ واحد تشعَّب إلى أربعة مذاهب، الأول: يجوز مطلقاً، وهو للجمهور. الثاني: لا يجوز مطلقاً، اختاره الآمدي في الإحكام (3 / 341) ، وابن السبكي في جمع الجوامع بحاشية البناني (2 / 245) . الثالث: يجوز في المنصوصة دون المستنبطة، وهو مذهب الرازي في المحصول (5 / 271) ، وتبعه المصنف هنا، الرابع: عكسه، يجوز في المستنبطة دون المنصوصة. انظر: البرهان 2 / 537، المستصفى 2 / 364، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 339، كشف الأسرار للبخاري 4 / 78، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 223، التمهيد للإسنوي 467، البحر المحيط للزركشي 7 / 221، التوضيح لحلولو ص 357، شرح الكوكب المنير 4 / 71، فواتح الرحموت 2 / 342، نشر البنود 2 / 139. (8) في س: ((المنصوصين)) وهو خطأ نحوي لما ذكر في هامش (3) ص (363) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وبعلتين فأكثر، [وبغير علة] (1) وبعلتين فأكثر، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ثم إن المصالح قد تتقاضى ذلك في وصفين، كما قلنا في الصغر والبكارة، فينص الشرع (2) عليهما، وعلى استقلال كل واحد (3) منهما تحصيلاً لتلك المصلحة وتكثيراً لها. حجة المنع: أنه (4) لو عُلِّل الحكم بعلتين لاجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان وهو محال، وإلا لاسْتُغْني بكل واحد منهما عن كل واحد (5) منهما، فيلزم أن يقع بهما حالة عدم وقوعه بهما، [وأن لا يقع بهما حالة وقوعه بهما] (6) ، وهو جمع بين النقيضين؛ لأن [الوقوع بكل] (7) واحد منهما سَبَّبَ (8) عدم الوقوع من الآخر، فلو حصل العلتان وهو الوقوع بهما لحصل المعلولان وهو عدم الوقوع بهما. ولأن تعليل الحكم بعلتين يفضي إلى نقض العلة وهو خلاف الأصل (9) .   (1) ساقطة من س، ن. ومسألة جواز خلو الحكم عن علّة يقول بها من يجوّز خلو أفعال الله تعالى وأحكامه عن الحِكَم والمصالح، وهم الأشاعرة والظاهرية. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 470، الإرشاد للجويني ص 247، الفصل في الملل والنِحَل لابن حزم 3 / 210. وهذا القول منهم أوقعهم في التناقض إذ مبنى القياس على العلّة، أشار إليه الشاطبي في الموافقات (2 / 11) . بل إن ابن الحاجب - وهو أشعري - حكى الإجماع على أن حكم الأصل لابد له من علّة، انظر: منتهى السول والأمل ص (181) . والحق أن أفعال الله تعالى وأحكامه جميعها معللة، خَلَق وأمر لغاياتٍ مقصودة وحِكَمٍ محمودة ولو خفيت علينا، لكن لا يخلو حُكْم عن علة أو حكمة، وهذا قول السلف وأكثر أهل الحديث، ونسبه ابن تيمية إلى أكثر الناس من أتباع المذاهب الأربعة، ونسبه ابن القيم إلى أهل التحقيق من الأصوليين والفقهاء والمتكلمين، وبه قالت المعتزلة، لكن ليس على طريقة أهل السنة. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 509، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8 / 89، مفتاح دار السعادة لابن القيم 2 / 410، المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين للشيخ د. محمد العروسي ص 71. (2) في ق: ((الشارع)) . (3) في ق: ((الواحدة)) والمثبت أولى؛ لأنه صفة " للوصف " وهو مذكر. (4) هذا الدليل الأول (5) في ق: ((واحدة)) وهو خطأ؛ لأنها لم تأتِ على نسقٍ واحد مع ما قبلها وما بعدها، والأولى التذكير وصفاً للأثر. (6) ما بين المعقوفين ساقط من س. (7) في ق: ((وقوع كلّ)) . (8) في ق: ((يُسبِّب)) ، وفي ن: ((سَلَب)) وكلاهما متَّجه. (9) هذا الدليل الثاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 بيانه: أنه إذا وجدت إحدى العلتين ترتَّب عليها (1) الحكم، فإذا وُجِدت الأخرى بعدها لا يترتب عليها شيء، فقد وجدت العلة الثانية بدون الترتُّب (2) لتقدُّم الترتّب (3) عليها بناء على العلة الأخرى، فيلزم وجود العلة بدون مقتضاها، وهو نقض عليها (4) . والجواب عن الأول: أن علل الشرع معرِّفات لا مؤثرات (5) ، والمحال المذكور إنما يلزم من المؤثرات، ويجوز اجتماع معرِّفين (6) فأكثر على مدلول واحد، كما يُعرَف (7) الله تعالى وصفاته العُلا بكل جزء من أجزاء العالم (8) .   (1) ساقطة من س. (2) في س، ن: ((الترتيب)) وهو صحيح أيضاً، لكن مصدر ترتَّبَ هو الترتُّب، والترتيب هو اسم المصدر منه. انظر قاعدة اشتقاق المصدر واسم المصدر في: شرح التسهيل لابن مالك 3 / 122. (3) في ن: ((الترتيب)) . (4) في ق: ((عِلِّيَّتها)) وهو صواب أيضاً. (5) سبقت الإشارة في تعريف العلة أن الاختلاف في تعريفها مبني على مسألة تعليل أفعال الله وأحكامه. انظر: هامش (1) ص (320) ، وهامش (1) ص (364) . فالتعبير عن العلة الشرعية بأنها مؤثرة وموجبة للحكم بجعل الله لها ذلك، أو باعثة على الحكم، أو معرِّفة له كل هذه المعاني صحيحة ومقبولة، ومن قال بأنها مؤثرة بذاتها - وهو منسوب إلى المعتزلة - فقوله باطل؛ لأن فيه سلباً لقدرة الله تعالى، وربما كان هذا مبالغةً منهم في مقابل خصومهم الأشاعرة الذين نفوا تعليل أحكام الله وأفعاله، وتأثير الأسباب في مسببَّاتها. ولهذا لا يرتضي أهل السنة أن تكون علل الأحكام مجردَ علاماتٍ معرِّفةٍ وأماراتٍ سَاذَجةٍ عاطلةٍ عن الإيجاب، مسلوبةِ التأثير، بل هي موجِبةٌ للمصالح ودافعةٌ للمفاسد. أما وجه كون هذه الإطلاقات للعلة مقبولة فبالنظر إلى اعتبارات مختلفة، فمن حيث إن المكلف يتعرف بواسطتها على الحكم فهي معرِّفة وعلامة وأمارة، ومن حيث إن الحكم المبني عليها يحقق مصلحة للعباد فهي موجبة ومؤثرة وباعثة على الحكم لكن بجعل الله لا بذاتها. والله أعلم. انظر: المسودة ص 385، بحث: " حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة وأثره في الفقه الإسلامي " لفضيلة شيخنا الدكتور علي الحكمي، بمجلة جامعة أم القرى، السنة السابعة، العدد التاسع 1414 هـ، المسائل المشتركة للشيخ الدكتور / محمد عبد القادر. (6) في س: ((معرفتين)) . (7) في ن: ((نَعْرِف)) . (8) في س: ((العلة)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وعن الثاني: أن النقض لقيام المانع لا يقدح في العلة (1) كما تقدَّم (2) في النقض (3) ، فنقول به. هذا في المنصوصتين، أما المستنبطتان فلا سبيل إلى التعليل بهما؛ لأن الشرع إذا ورد بحكم مع أوصاف مناسبة وجب جعل كل واحد منهما (4) جزءَ علةٍ لا علةً مستقلةً؛ لأن الأصل عدم الاستقلال حتى ينص صاحب الشرع على استقلالهما، أو [أحدهما فيستقل] (5) .   (1) في ق: ((العلية)) . (2) في س: ((يقدم)) وهو تصحيف. (3) انظره في ص 352. (4) ساقط من ن. (5) في ق: ((إحداهما فتستقل)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 الفصل السادس في أنواعها وهي أحَدَ عَشَرَ نوعاً: حكم التعليل بالمحل ص: الأول: التعليل بالمحلِّ، فيه خلاف (1) ، قال الإمام: إنْ جوَّزنا أن تكون العلةُ قاصرةً جوَّزناه، كتعليل الخمر بكونه خمراً، أو البُرِّ يحرم الربا فيه لكونه بُرّاً (2) . الشرح العلة* القاصرة: هي العلة (3) التي لا توجد في غير محلِّ النص، كوصف البرِّ والخمر إذا قلنا إن الخمر خاص بما عُصِر من العنب (4) على صورة خاصة. والخلاف في العلة القاصرة هو مع الحنفية، منعوها وأجازها الجمهور (5) . غير أن الفرق بين المحلِّ والعلة القاصرة - من حيث الصورةُ والمعنى لا من حيث جوازُ التعليل - أن (6) العلة القاصرة قد تكون وصفاً اشتمل عليه (7) محل النص لم يوضع اللفظ له، والمحل ما وضع اللفظ له، كوصف البُرِّيَّة مثلاً (8) إذا قيل: إنَّ البر اشتمل على نوع من الحرارة والرطوبة لاءم به   (1) الخلاف يؤول إلى ثلاثة مذاهب، وهي: منع التعليل بالمحل مطلقاً، جوازه مطلقاً، جوازه في العلة القاصرة المنصوصة دون المستنبطة أو المتعدية. انظر: المحصول للرازي 5 / 285، الإحكام للآمدي 3 / 201، السراج الوهاج 2 / 954، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 217، نهاية السول ومعه سلم الوصول 4 / 245، سلاسل الذهب ص 411، شرح الكوكب المنير 4 / 51، التوضيح لحلولو ص 358، رفع النقاب القسم 2 / 901، الصالح من مباحث القياس لشيخنا الدكتور السيد صالح عوض ص 242. (2) انظر: المحصول 5 / 285. (3) ساقطة من ن. (4) هنا زيادة ((أو)) في س. (5) سيأتي مبحثها في النوع الثامن ص (378) . (6) في ن: ((لأن)) وهو تحريف، يفضي إلى إعطاء معنىً غير مراد. (7) في س: ((عليها)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يرجع إلى مذكر وهو " وصف ". (8) هنا زيادة: ((أما)) لا داعي لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 مزاج الإنسان ملاءمةً لا تحصل بين الإنسان والأرز، فإنَّ الأرز حارٌّ يابِسٌ [يُبْساً شديداً ينافي مزاج الإنسان] (1) ، فحَرُم الربا في البرِّ، ومُنِع بَدَلُ واحدٍ منه باثنين؛ لأجل هذه الملاءمة الخاصة التي لا توجد في غير البرِّ (2) ، فهذه (3) علة قاصرة لا محلٌّ، وأما وصف البُرِّيَّة بما هي بُرِّيَّة فهو المحل (4) ، فلذلك حسن من الإمام تخريج التعليل بالمحل على التعليل بالعلة القاصرة، ولو كانا شيئاً واحداً لم يحسن التخريج ولا التفريع، إذا ظهر لك الفرق بينهما فكل ما يذكر في العلة القاصرة من الحِجَاج بين الفريقين نفياً وإثباتاً هو بعينه ها هنا، فيكتفى بذلك عن ذكره ها هنا. حكم التعليل بالحكمة ص: الثاني: الوصف إن لم يكن منضبطاً جاز التعليل بالحكمة (5) ، وفيه خلافٌ (6) ،   (1) ساقطة من ق. (2) انظر: المحصول للرازي 5 / 285، نفائس الأصول 8 / 3489. (3) في ق: ((فهذا)) والمثبت هو الصواب مراعاةً للتأنيث. (4) في س: ((المحال)) وهو تحريف. (5) الحكمة لغةً: عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. والحكمة: العدل، والحكمة: تمنع الرجل من أخلاق الأرْذال، وأحكمتُ الشيء: اتقنْتُه. انظر: مادة " حكم " في: لسان العرب، المصباح المنير. وفي اصطلاح الأصوليين لها معنيان: الأول: المعنى الذي لأجله جُعل الوصف الظاهر علةً، كالمشقة بالنسبة للسفر، فإنها أمرٌ مناسب لشرع قصر الصلاة. والثاني: هي الثمرة المترتبة على تشريع الحكم لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة، كدفع المشقة المترتبة على إباحة الفطر في السفر. انظر: نهاية السول للإسنوي 4 / 260، تشنيف المسامع 3 / 215، بحث لفضيلة شيخنا الدكتور / علي الحكمي: " حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة " بمجلة جامعة أم القرى، السنة السابعة، العدد التاسع عام 1414هـ. (6) ينحصر الخلاف في حكم التعليل بالحكمة في ثلاثة أقوال، الأول: الجواز مطلقاً، سواء كانت الحكمة منضبطةً أم مضطربةً، ظاهرةً أم خفيةً. الثاني: المنع مطلقاً. الثالث: التفصيل، فيجوز التعليل بها إذا كانت ظاهرة منضبطة وإلا فلا. انظر: المحصول للرازي 5 / 287، الإحكام للآمدي 3 / 202، المسودة ص 423، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 213، التوضيح لحلولو ص 359، شرح الكوكب المنير 4 / 47، فواتح الرحموت 2 / 333، دراسات حول الإجماع والقياس لفضيلة شيخنا الدكتور / شعبان محمد إسماعيل ص 202. ولقد أطنب الدكتور / محمد مصطفى شلبي في هذه المسألة، فجاء فيها بالبدائع والروائع، ودلَّل بالوقائع على أن الأئمة الأربعة ومن سبقهم كانوا يسلكون مسلك التعليل بالحكمة، انظر كتابه: " تعليل الأحكام " ص 135 - 153. وانظر بحث الدكتور / علي الحكمي، المشار إليه في الهامش قبل السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 والحكمة هي التي لأجلها صار الوصف علةً، كذهاب (1) العقل الموجِب لجعل الإسكار علةً. الشرح ومن الحكمة اختلاط الأنساب، فإنه سبب جَعَل وصف الزنا سببَ وجوب (2) الحدِّ، وكضياع المال الموجب لجعل وصف السرقة سبب القطع. حجة الجواز: أن الوصف إذا جاز التعليل به فأولى بالحكمة؛ لأنها أصله، وأصل الشيء لا يَقْصُر عنه، ولأنها نفس المصلحة والمفسدة وحاجات الخَلْق، وهذا هو سبب ورود الشرائع، فالاعتماد عليها أولى من الاعتماد على فرعها. حجة المنع: أنه لو جاز التعليل بالحكمة لما جاز التعليل بالوصف، لأن الأصل لا يُعْدل عنه إلى فرعه إلا عند تعذُّره، والحكمة ليست متعذِّرة، فلا يجوز العدول عنها فيُعلَّل بها، [ومتى عُلِّل بها] (3) سقط التعليل بالوصف، فظهر أنه لو صحَّ التعليل بالحكمة لامتنع التعليل بالوصف، لكن (4) المنع من الوصف خلاف إجماع (5) القائسين (6) ، ولأنه لو جاز التعليل بالحكمة (7) للزم تخلُّف الحكم عن علته وهو خلاف الأصل. بيانه: أن وصف الرضاع سبب حرمة النكاح (8) ، وحكمتُه (9) : أن جُزْء المرأة صار جزءاً (10) للرضيع؛ لأن لبنها جزؤها، وقد صار لَحْماً للجنين، فأشْبَه مَنِيَّها الذي   (1) في متن هـ: ((كإذهاب)) . (2) في س: ((وجود)) والمثبت أدلّ على الحكم. (3) ساقط من س. (4) في س: ((لأن)) وهو تحريف. (5) في س: ((اجتماع)) . (6) في س: ((القياسِيِّيْن)) ، وفي ق: ((القَيَّاسِيْن)) وكلاهما صالح، فالأُوْلى مفردها " قِياسيّ "، والثانية " قيَّاس " وكلاهما نسبة إلى " قياس ". انظر قاعدة المنسوب في: شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاستراباذي 2 / 4، 84. والمثبت من نسخة ن مفرده: ((قائس)) وهو الأشهر على لسان الأصوليين. (7) في س: ((الحِكَم)) وهو صحيح، جمع " حِكْمة "، وفي ن: ((الوصف)) وهو خطأ جليّ؛ لأن الدليل مسوقٌ لإبطال التعليل بالحكمة لا بالوصف. (8) في ن، ق: ((الرضاع)) وهو خطأ؛ لأن الرضاع يكون سبباً في حرمة النكاح. (9) ساقطة من س، وهو سَقْط مخلّ. (10) هنا زيادة ((لمن)) وهي مقحمة خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 صار جزءاً للجنين، فكما أن ولد الصُّلْب حرام فكذلك ولد الرضاع، وهو سر قوله عليه الصلاة والسلام ((الرضاع لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب)) (1) إشارة إلى الجزئية، فإذا كانت هذه هي الحكمة، فلو أكل جَنينٌ (2) قطعةً من لحم امرأة فقد صار جزؤها جزأه، فكان يلزم التحريم وهو لم يقل به أحد، وكذلك إذا كانت الحكمة في وصف الزنا هي (3) اختلاط الأنساب، فإذا أخذ رجل صِبْياناً (4) ، وفرَّقهم [إلى حيث لم يرهم] (5) آباؤهم، حتى صاروا رجالاً ولم يعرفْهم (6) آباؤهم، فاختلطت أنسابهم حينئذٍ، فينبغي أن يجب (7) عليه حدُّ الزنا لوجود حكمة وصف الزنا، لكنه خلاف الإجماع، فعلمنا أنه لو جاز التعليل بالحكمة [للزم النقض وهو خلاف الأصل، فلا يجوز التعليل بالحكمة] (8) ، وهو (9) المطلوب.   (1) لم أجد هذا الحديث فيما اطلعت عليه في دواوين السُّنة. لكن ورد حديث في الوَلاَء، ربما وقع اللّبس بسببه، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ((الولاء لُحمةٌ كلحمة النسب لا يُباع ولا يُوهب)) أخرجه ابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان 11 / 326، والحاكم في مستدركه وصححه 4 / 341، والبيهقي في سننه الكبرى (10 / 292) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6 / 109) . ومعنى " اللُّحمة ": القرابة، والمراد المخالطة والمداخلة الشديدة، كأنهم شيء واحد. انظر مادة " لحم " في: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر. ويمكن أن يُستدلَّ للمصنف على معنى الجزئية بحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يحرم من الرضاع إلا ما فَتَق الأمعاء وكان قبل الفطام)) رواه الترمذي (1151) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في الإرواء (7 / 221) ، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ((لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم)) رواه أبو داود ( 2059) وضعفه الألباني في الإرواء (7 / 223) . (2) قال ابن عاشور: ((صوابه: طفل؛ لأن الجنين الولدُ في الرَّحِم خاصةً)) حاشية التوضيح 2 / 182. (3) في ن، ق: ((هو)) وهي مقبولة باعتبار التذكير الذي بعدها. انظر: النحو الوافي لعباس حسن 1 / 265. (4) هنا زيادة: ((صغاراً)) في ق. (5) ما بين المعقوفين في ق: ((من)) . (6) في ق: ((تعرفهم)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (67) . (7) في ن: ((يحد)) . (8) ما بين المعقوفين كتب في ق هكذا: ((لما جاز بالوصف)) . (9) هنا زيادة: ((خلاف)) في ن وهي شاذة عن جميع النسخ، وربما كان وجهها أن يقال: والتعليل بالحكمة خلاف المطلوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 حكم التعليل بالعدم ص: والثالث: يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء، فإنَّ عدم العلة علةٌ لعدم المعلول (1) . الشرح حجة المنع: أن (2) العدم نفي (3) محض لا تمييز فيه، [وما لا تمييز فيه] (4) لا يمكن (5) جعله علة، فإن العلة فرع التمييز.   (1) التعليل بالنظر إلى ما يُعلَّل به - باعتبار الوجودي والعدمي - لا يخرج عن أربع صور، الأولى: تعليل الحكم الوجودي (الثبوتي) بالوصف الوجودي، مثل تعليل تحريم الخمر بعلة الإسكار، أو ثبوت الربا بعلة الطعم. الثانية: تعليل الحكم العدمي بالوصف العدمي، مثل: تعليل عدم نفاذ تصرف المجنون بعلة عدم العقل، أو عدم صحة البيع لعدم الرضا. فهاتان الصورتان حُكِي الإجماع على جوازهما، أما الأولى فنعم، وأما الثانية فنُقل عن الحنفية مَنْعُهم من التعليل بالعدم مطلقاً. انظر: أصول السرخسي 2 / 230، المحصول للرازي 5 / 283، نهاية الوصول للهندي 8 / 3491، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 214، التقرير والتحبير 3 / 222، فتح الغفار 3 / 23. الصورة الثالثة: تعليل الحكم العدمي بالوصف الثبوتي، وهو ما يسمّيه الفقهاء: بالتعليل بالمانع كتعليل عدم وجوب الزكاة بثبوت الدين، وتعليل عدم نفاذ التصرف بالإسراف أو السفه. اختلفوا فيه، هل من شرطه وجود المقتضي أم لا؟ وادَّعى الزركشي في البحر المحيط (7 / 189) الاتفاق على جوازه. وستأتي هذه الصورة عند المصنف في النوع الحادي عشر ص (384) . الصورة الرابعة: تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي، كما سماها المصنف هنا " التعليل بالعدم "، كتعليل استقرار الملك لعدم الفسخ في زمن الخيار، وكتحريم الذبيحة لعدم التسمية، وتعليل إجبار البكر على الزواج لعدم الثيوبة. هذه الصورة وقع فيها النزاع على قولين: جواز التعليل وهو للجمهور، وعدم الجواز وهو للأحناف ومختار الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم. انظر المسألة في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 840، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 48، المعالم للرازي ص 170، الإحكام للآمدي 3 / 206، منتهى السول والأمل ص 169، المسودة ص 418، مفتاح الوصول ص 673، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 240، التوضيح لحلولو ص 359، تيسير التحرير 4 / 3، فواتح الرحموت 2 / 334، نشر البنود 2 / 129. (2) هذا الدليل الأول. (3) في ق: ((بقي)) وهو تحريف. (4) ساقطة من ق. (5) في ن: ((يمكنه)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 ولأن (1) العلة وصف وجودي؛ لأنها نقيض [أن لا عليَّة] (2) المحمولةِ على العدم و (3) ((لا عليَّة)) عَدَمٌ، فتكون العلة (4) وجودية (5) ، والصفة الوجودية لا تقوم بالعدم ولا المعدوم، وإلا لزمنا الشكُّ في وجود الأجسام؛ لأنا لا نرى من العالم إلا أعراضه، فإذا جوَّزنا قيام الصفات الوجودية بالمعدوم، جوَّزنا أن تكون هذه الألوان قائمة بالمعدوم فلا يوجد شيءٌ من أجزاء العالم، وهو خلاف الضرورة. والجواب عن الأول: أن العدم* الذي يقع (6) التعليل** به لابد أن يكون عدم شيءٍ بعينه، فهو عَدَمٌ متميِّزٌ فيصح التعليل به، كما تقول عدم علة التحريم علة الإباحة في جميع موارد الشريعة؛ لأن الإسكار علة التحريم والتنجيس، فإذا عُدِم ثَبَت التطهيرُ والإباحة. وعن الثاني: قولنا " لا عليّة "، حَرْف سَلْبٍ دخل على اسم سَلْبٍ؛ لأن العليَّة عندنا نِسْبة وإضافة (7) ، والنسب والإضافات عدمية عندنا، والسلب   (1) هذا الدليل الثاني. (2) في ن: ((لا علة)) . (3) هنا زيادة: ((أن)) في ق، ولا داعي لها. (4) في س: ((العلية)) . (5) في ن: ((وجود)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر كان ولنقص الحروف. (6) في ن: ((يقوم)) . (7) النِّسَب والإضافات سيشير إليها المصنف في شرحه للمتن التالي، وهي أمور اعتبارية عدمية لا وجودية، والنسبة والإضافة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الإضافة من أقسام النسبة. والمراد بالنسبة هنا: أن يكون الشيء لا يُعْقل إلا بالقياس إلى غيره. وهي سبع في المشهور: الإضافة، والأين، والمتى، والوَضْع، والمِلْكِ، والفعل، والانفعال. وقد جاءت في المقولات العشر: الجوهر، والكم، والكيف، والسبع المذكورة سلفاً، جاءت على الترتيب في هذين البيتين: زيدُ الطويلُ الأزرقُ ابنُ مالكِ *في بيتِهِ بالأمسِ كان مُتَّكِي بيدهِ غُصْنٌ لواه فالْتَوَى* فهذه عَشْرُ مقولاتٍ سَوَا والإضافة: هي النسبة العارضة للشيء بالقياس إلى نسبةٍ أخرى لا تُعْقل إحداهما إلا مع الأخرى، كالأبوة والبنوة وتسمى بالمتضايفين. انظر: المُبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي ص 112، طوالع الأنوار من مطالع الأنظار للبيضاوي ص 187، تسهيل المنطق ص 26، شرح المحلِّي لجمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 427، تشنيف المسامع 4 / 887. أما وجه كون " العلية " نسبة إضافية عدمية، فلأنها معنىً وعَرَضٌ لا تكون إلا بمعلولٍ، ولا تعقل بدونه. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 إذا دخل على السلب صار ثبوتاً، فـ" لا عليَّة " ثبوتٌ لا سلبٌ، فلا يتمُّ مقصودكم، فتكون العلية عدمية، لأن نقيضها ثبوت. حكم التعليل بالإضافات ص: الرابع: المانعون من التعليل بالعدم امتنعوا من التعليل بالإضافات (1) ؛ لأنها عدم (2) . الشرح النسب والإضافات كالأبوة والبنوة، و [التقدُّم والتأخُّر] (3) ، والمعية والقبلية والبعدية، وجوديةٌ عند الفلاسفة عدميةٌ عندنا، غير أن (4) وجودها ذهني فقط (5) ، فهي موجودة في الأذهان لا (6) في الأعيان، والأوصاف العدمية عَدَمٌ مطلقٌ (7) في الذهن والخارج، فهذا هو الفرق بينهما، واستوى القسمان في العدم في الخارج، فلذلك من منع هناك (8) منع هنا (9) .   (1) في ن: ((بالإضافة)) . (2) انظر: المحصول للرازي 5 / 299، الإحكام للآمدي 3 / 209، تشنيف المسامع 3 / 218، البحر المحيط للزركشي 7 / 191. (3) في ن: ((التقديم والتأخير)) . (4) في ن، ق: ((أنها)) وهو جائز؛ لأن الهاء حينئذٍ ستكون اسم " إن "، وهي مبدل منه في نية الطَّرح، و" وجودها " بدل اشتمال. انظر: الكواكب الدرِّية على متممة الآجرومية لمحمد الأهدل ص 573، 575. (5) اختُلِف في النسب والإضافات، أهي وجودية أم عدمية؟ فالفلاسفة يرون أنها وجودية في الأعيان والأذهان، وعامة المتكلمين يرون أنها عدمية خارجاً لا ذهناً. انظر أقوال الفريقين مع أدلتهم في: مقاصد الفلاسفة للغزالي ص 164، 174، جمع الجوامع بحاشية العطار 2 / 498، شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني 2 / 465، المعجم الفلسفي د: جميل صليبا 1 / 101، مجموع الفتاوي لابن تيمية 16 / 104 - 106 . (6) في ن: ((مقدرة)) . (7) في جميع النسخ ما خلا نسخة ص: ((مطلقاً)) ولستُ أعلم لها وجهاً. أما المثبت فهو نعت " عدم ". (8) في ق: ((هذاك)) وهو اسم إشارة للبعيد، والجمع بين هاء التنبيه والكاف قليل. انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان 1 / 208، وفي ن: ((هذا)) . (9) في س، ن، ق: ((هذا)) وهو صحيح. والمثبت من النسخة م أنسب للسياق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 حكم التعليل بالحكم الشرعي ص: الخامس: يجوز التعليل بالحكم الشرعي [للحكم الشرعي] (1) خلافاً لقوم، كقولنا (2) نَجِسٌ فيحرم (3) . الشرح حجة الجواز: أن (4) علل الشرع معرِّفات، فللشارع أن يَنْصِب حكماً عَلَمًا على حكم آخر (5) كما يَنْصِب النجاسة (6) التي هي حكم شرعي على تحريم البيع أو الأكل الذي هو حكم شرعي. حجة المنع: أن (7) الحكم شأنه أن يكون معلولاً، فلو صار علة لانقلبت الحقائق. ولأن (8) الحكمين متساويان (9) في أن كل واحد منهما حكم (10) ، فليس جعل أحدهما علة للآخر (11) أولى من العكس.   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. والعبارة السابقة جاءت في متن هـ هكذا: ((الخامس: يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي ... )) . (2) في س: ((كقوله)) . (3) في مسألة التعليل بالحكم الشرعي مذهبان، الأول: الجواز، وهو للجمهور، وللآمدي وابن الحاجب تفصيل وقيود في المسألة؛ جعله الشيخ محمد جعيط في منهج التحقيق والتوضيح (2/171) مذهباً ثالثاً. الثاني: عدم الجواز، وهو مذهب الأقلين كما في الإبهاج (3 / 143) ، وفي شرح الكوكب المنير (4 / 92) : ((ويُعْزى إلى بعض المتكلمين ... )) . انظر المسألة بأدلتها في: المعتمد 2 / 261، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 44 الواضح لابن عقيل 2 / 63، المحصول للرازي 5 / 301، الإحكام للآمدي 3 / 210، كشف الأسرار للبخاري 3 / 615، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 230، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 620، البحر المحيط للزركشي 7 / 209، التوضيح لحلولو ص 360، تيسير التحرير 4 / 34. (4) ساقطة من س. (5) ساقطة من ن. (6) في ن: ((النجاسات)) . (7) هذا الدليل الأول. (8) هذا الدليل الثاني. (9) في ق: ((متساويين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر " إن " مرفوع. (10) هنا زيادة: ((شرعي)) في ق، ولا حاجة لها. (11) في ق: ((الأخرى)) وهو خطأ نحوي؛ لأن " الحكم " مذكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 والجواب عن الأول: ليس في ذلك قلْبٌ للحقائق، بل يكون ذلك الحكم معلولاً لعلَّته (1) ، وعلَّته (2) معرِّفةٌ لحكمٍ آخر غير علته وغيره. فإن ادعيتم أن شأن الحكم أن (3) لا يكون علةً ألبتة، فهذا محل النزاع. وعن الثاني: أن المناسبة تعيِّن (4) أحدهما للعلية والآخر للمعلولية، كما تقول: نجس فيحرم، وطاهر فتجوز به الصلاة، فإن النجاسة مناسبة للتحريم، والطهارة مناسبة لإباحة الصلاة، فما وقع الترجيح [إلا بمرجّح] (5) ، ولو عُكِس هذا وقيل: لا يجوز بيعه [فيحرم لم ينتظم (6) ؛ لإنه قد يحرم بيعه لغصبه أو لعجزه عن تسليمه أو غير ذلك] (7) . حكم التعليل بالأوصاف العُرْفيَّة ص: السادس: يجوز التعليل بالأوصاف العُرْفية كالشَّرف، والخِسَّة (8) ، بشرط [اطِّرادها وتميُّزِها عن غيرها] (9) .   (1) في ق: ((بعلته)) . (2) في س: ((علة)) وهو تحريف. (3) ساقطة من ن. (4) في ق: ((بغير)) وهو تحريف. (5) ساقطة من ن. (6) لو قال المصنف في العكس: ((يحرم فينجس، أو لا يجوز بيعه فيكون نجساً لم ينتظم)) - لو قال هكذا - لكان دالاًّ على المراد؛ لأن المراد دفع حجة المانعين في قولهم: ((فليس جعل أحدهما علةً للآخر أولى من العكس)) . وعبارة المصنف: ((لا يجوز بيعه فيحرم)) لا تدل على المطلوب، إذ " لا يجوز " بمعنى " يحرم". (7) ما بين المعقوفين ساقط من س. (8) الشرف: العلو، والخِسَّة: الحقارة والدناءة. انظر: المصباح المنير مادتي " شرف، خسس ". وقال الشوشاوي: المراد بالشرف: ما لا تتقزَّزه النفوس. ومثَّل له باللّبن والعسل؛ فإنهما طاهران لشرفهما، لكن اعترض عليه بالخمر، فإنها لا تقزَّزها النفوس ومع ذلك فهي نجس (عنده) . وقال: المراد بالخِسَّة: ما تقزَّزه النفوس، كالخمر والبول نجسان لخستهما، واعترض عليه بالمُخَاط فالنفوس تتقززه، ومع هذا فهو طاهر. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 913. وانظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي 8 / 3512، نهاية السول 4 / 255، التوضيح لحلولو ص 361، شرح الكوكب المنير 4 / 46، نشر البنود 2 / 127. (9) ما بين المعقوفين كتب في ن ((اطراده وتميزه عن غيره)) وربما كان وجهه عود الضمير على مفرد " الأوصاف ". وفي س، ومتن هـ ((اطرادها وتمييزها عن غيرها)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 الشرح أما الجواز: فإن الشرف يناسب التكريم والتعظيم وتحريم الإهانة ووجوب الحفظ، والخسة تناسب ضِدَّ هذه الأحكام من تحريم التعظيم وإباحة الإهانة، فهذا وجه (1) جواز (2) التعليل بها. وأما اشتراط اطِّرادها: فلأن (3) ذلك الحكم إذا لم يوجد في جميع صور ذلك الوصف، ووجد (4) الحكم بدونه ومعه، فهو عدم التأثير (5) ، وهو يدل على [عدم اعتبار] (6) ذلك الوصف. وأما التمييز: فلأن التعليل بالشيء فرع تمييزه (7) عن غيره، لأن الحكم يعتمد التصور (8) (9) . حكم التعليل بالعلة المركبة ص: السابع: يجوز التعليل بالعلة المركبة (10) عند الأكثرين، كالقتل العمد   (1) في ق: ((وجوه)) . (2) في ن: ((إجازة)) . (3) في س، ن: ((فإن)) . (4) في ق، س: ((ويوجد)) . (5) فسَّر الرازي الاطراد بألاَّ يختلف باختلاف الأوقات، فلو لم يكن ذلك العُرْف حاصلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز التعليل به. انظر: المحصول (5 / 305) . لكن المصنف لم يرتض ذلك كما في نفائس الأصول (8 / 3521) . وقال حلولو: ((الأقرب أنه لا يشترط ثبوت ذلك العُرْف في زمانه صلى الله عليه وسلم بل الشرط معرفة كون الشرع رتَّب الحكم على ذلك الوصف المُدْرك بالعرف ... )) التوضيح ص 361. (6) في س: ((اعتماد)) وهو خطأ؛ لأنه يقلب المعنى. (7) في ق: ((تميُّزه)) ، وفي ن: ((يميزه)) وكلاهما متجه. (8) في ق: ((النصوص)) ولعلَّها تحرَّفت بسبب أن بعد هذا الكلام يأتي المتن مسبوقاً بحرف " ص " وأسقط الراء. (9) هذان الشرطان وهما: اطراد العلة، وتمييزها عن غيرها ليسا مخصوصين بهذه الصورة، بل هما شرطان في جميع صور التعليل. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 914. (10) تنقسم العلة باعتبار كميتها إلى قسمين، الأول: العلة البسيطة؛ وهي التي لم تتركب من أجزاء مثل: علة الإسكار في تحريم الخمر. الثاني: العلة المركبة: وهي ما تركّبت من جزأين فأكثر بحيث لا يستقلُّ كلُّ واحدٍ منها بالعلية، مثل: القتل العمد العدوان في وجوب القصاص. انظر السراج الوهاج 2 / 953، تشنيف المسامع 3 / 212، الصالح في مباحث القياس ص 239. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 العدوان (1) . الشرح حجة (2) الجواز: أن المصلحة قد لا تحصل إلا بالتركيب، فإن الوصف الواحد (3) قد يقصر، كما تقول: إن وصف الزنا لا يستقل بمناسبة وجوب (4) الحدِّ إلا بشرط أن يكون الواطيء عالماً بأنها أجنبية، فلو (5) جهل ذلك لم يناسب وجوب الحد، وكذلك القتل وحده لا يناسب وجوب القصاص حتى ينضاف إليه العمد العدوان. حجة المنع: أن القول بتركيب العلة الشرعية يفضي إلى نقض العلة العقلية (6) . [بيانه: أن القاعدة* العقلية] (7) أن عدم جزء المركَّب علةٌ (8) لعدم ذلك المركب، فإذا فرضنا علةً شرعية مركبة أو عقلية فعُدِم جزء منها فلا شك أن ذلك المركب يُعْدم وتعدم تلك العلية (9) تبعاً (10) له، فإذا عُدِم جزء آخر بعد ذلك لم يترتب عليه عَدَم ذلك   (1) مسألة التعليل بالوصف المركب فيها ثلاثة أقوال، الأول: يجوز وهو للأكثرين. الثاني: لا يجوز. الثالث: يجوز بشرط ألا تزيد الأجزاء عن خمسة أو سبعة، وهو قول غريب ولا حجة على الحصر. انظر: شرح اللمع للشيرازي 2 / 837، المحصول للرازي 5 / 305، الإحكام للآمدي 3 / 212، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 230، التوضيح لحلولو ص 361، شرح الكوكب المنير 4 / 94، تيسير التحرير 4 / 35، فواتح الرحموت 2 / 352، نثر الورود 2 / 464. وقيل: الخلاف لفظي؛ لأن من أجاز التعليل بالمركب جعل جميع الأوصاف علة، ومَنْ مَنَع تعلَّق بوصفٍ واحد، وجعل الباقي شروطاً لذلك الوصف. وقيل: الخلاف معنويٌ. انظر: جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 235، سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 93، الخلاف اللفظي د. عبد الكريم النملة 2 / 156. (2) ساقطة من س. (3) هنا زيادة: ((حجة)) في ن، وهي مقحمة لا حاجة لها. (4) في س، ن: ((وجود)) . (5) في س: ((فإن)) . (6) العلة العقلية هي: العلة التي توجب الحكم بذاتها، كالحركة علةٌ في كون المتحرِّك متحرِّكاً. انظر: التلخيص للجويني 3 / 289، البحر المحيط للزركشي 7 / 145. (7) ما بين المعقوفين ساقط من س. (8) ساقطة من ن. (9) في س: ((العلة)) . (10) في س، ن: ((تبع)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها منصوبة على أنها مفعول لأجله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 المركب، ولا تلك العلية (1) ؛ لتقدُّم ذلك على عدمه، وإلا لزم تحصيل الحاصل (2) ، فقد وُجِدت العلة العقلية بدون أثرها وهو نقض (3) العلة العقلية، وهو محال. فإن قلت: هذا يقتضي ألاّ يوجد مركب في العالم، وهو خلاف الضرورة. قلتُ: لا معنى للمركّب في (4) الخارج إلا تلك الأجزاء، والمجموع إنما هو صورة (5) ذهنية، أما العليَّة (6) فهي حكم شرعي خارجيٌّ عَرَضيٌّ (7) لذلك المركب فافترقا. والجواب: أن نقض العلة العقلية غير لازم؛ لأنه إذا عُدِم جزءٌ من الثلاثة عُدِمت الثلاثة، والباقي بعد ذلك هو جزء الاثنين لا جزء الثلاثة (8) ، فإذا عُدِم أحد (9) الاثنين الباقيين الآن يُعدم مجموع الاثنين، فعَدَمه علةٌ لعدم الاثنين لا لعدم الثلاثة (10) ؛ لأن عدم الباقي ليس جزء الثلاثة؛ فإن جزئية الثلاثة أمر نسبي يذهب عند ذهاب أحد الطرفين وهو الثلاثة (11) . حكم التعليل بالعلَّة القاصرة ص: الثامن: يجوز التعليل بالعلة القاصرة (12) عند   (1) في س: ((العلة)) . (2) لأنا إذا جعلنا عدم الجزء الثاني علةً في عدم العلية، كان ذلك تحصيلاً للحاصل ضرورةَ أن عدم العلية قد تحقق بعدم الجزء الأول. (3) وجه النقض: أننا جعلنا عدم الجزء الثاني غير مؤثر في عدم العلية، والمؤثر هو عدم الجزء الأول. (4) ساقطة من س. (5) في ق: ((ضرورة)) . (6) في س: ((العلة)) ، وفي ق: ((العقلية)) . (7) ق: ((عَرَض)) . (8) أي أن الاثنين الباقيين من الثلاثة هو ماهية أخرى غير ماهية الثلاثة. (9) ساقطة من س. (10) فلم توجد العلة بدون أثرها فلا نقض. (11) انظر: نفائس الأصول 8 / 3526. (12) سبق تعريفها عند المصنف بأنها العلة التي لا توجد في غير محل النص، وشَرَحها هناك فانظره ص (367) . ويسميها بعضهم: ((بالعلة اللازمة)) لأنها تلزم المحل ولا تتعدَّاه، وتسمَّى: ((بالعلَّة الواقفة)) لأنها واقفة في مكانها دون أن تبرحه إلى غيره. انظر: إحكام الفصول ص 633، شرح اللمع للشيرازي (2 / 841) . ويقابلها العلة المتعدِّية. انظر: نهاية السول للإسنوي 4 / 256. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 الشافعي (1) وأكثر المتكلمين (2) خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه (3) ، إلا أن تكون منصوصة (4) ؛ لأن فائدة التعليل عند الحنفية التعدية للفرع وقد انتفتْ (5) . وجوابهم: بقاء (6) سكون النفس للحكم والاطلاع على مقصود الشرع فيه. الشرح قال القاضي عبد الوهاب: القاصرة (7) قال [بها بعض] (8) أصحابنا وأصحاب الشافعي، وانبنى على ذلك تعليل الذهب والفضة بأنهما أصول الأثمان* والمتمولات،   (1) انظر النسبة إليه في: التلخيص (3 / 284) وقال إمام الحرمين بأنه مذهب معظم المحققين من الأصوليين، البرهان 2 / 699، شفاء الغليل ص 537، المحصول للرازي 5 / 312، الإحكام للآمدي 3 / 216، سلاسل الذهب ص 276. (2) انظر النسبة إليهم في: المعتمد 2 / 269، المحصول للرازي 5 / 312، نهاية الوصول للهندي 8 / 3519. وممن ذهب إلى جواز التعليل بالقاصرة المالكية، وأكثر الشافعية، ومشايخ سمرقند من الحنفية، وإحدى الروايتين عند أحمد. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار، إحكام الفصول ص 633، المستصفى 2 / 368، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 62، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 904، المسودة 411، كشف الأسرار للنسفي 2 / 186، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 47. (3) انظر: أصول السرخسي 2 / 158، بذل النظر ص 613، كشف الأسرار للبخاري 3 / 567، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 152، جامع الأسرار للكاكي 4 / 1047. وممن منع التعليل بالقاصرة بعض الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد عليها أكثر الحنابلة. انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1379، قواطع الأدلة 2 / 116، شرح الكوكب المنير 4 / 53. (4) محل النزاع في التعليل بالعلة القاصرة فيما إذا كانت مستنبطة، أما المنصوصة أو المجمع عليها فلا خلاف في جواز التعليل بها إلا ما حكاه القاضي عبد الوهاب في " الملخص " عن أكثر فقهاء العراق بالمنع مطلقاً، واستغربه ابن السبكي في الإبهاج (3 / 144) وقال بأنه لم يره فيما وقف عليه من كتب الأصول. وهل الخلاف فيها لفظي أو معنوي؟ انظر: تعليل الأحكام د. محمد شلبي ص 164 - 174، وكتاب: الخلاف اللفظي د. عبد الكريم النملة 2 / 160. (5) في ن: ((امتنعت)) . (6) في ن، متن هـ: ((بقي)) . (7) في س، ق: ((بالقاصرة)) . (8) ساقط من س، ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 ومنعها أكثر العراقيين (1) ، وفصَّل بعضهم بين المنصوصة والمستنبطة، فمنع المستنبطة، إلا أن ينعقد (2) فيها إجماع (3) . حجة المنع مطلقاً: أن القاصرة غير معلومة من طريق (4) الصحابة رضوان الله عليهم فلا تثبت؛ لأن القياس وتفاريعه إنما تُلُقِّي (5) من الصحابة، ويلزم من عدم المدرك (6) عدم الحكم. حجة من فصَّل بين المنصوصة وغيرها: أن النص تعبُّد من الشارع يجب تلقيه بالقبول، أما استنباطنا نحن فلا يجوز (7) أن يكون إلا للتعدية (8) . والجواب عن الأول (9) : أن المنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم الفحص عن حِكَم (10) الشريعة وأسرارها بحسب الإمكان، ومن حِكَم (11) الشريعة الاطلاع على حكمة الشرع في الأصل، فيكون ذلك أدعى لطواعية العبد وسكون نفسه للحكم (12) . وعن الثاني (13) : أنا نستنبط لما تقدَّم من الفوائد (14) ، ولأنه قد يجتمع (15) في الأصل مع القاصرة وصْفٌ متعدٍّ، والحكم منفيٌّ عنه (16) بالإجماع، فيكون ذلك الوصف   (1) انظر تعليقاً على هذا المنع في: هامش (4) ص 379. (2) في س: ((يعتقد)) ، وفي ن: ((يعقد)) . (3) انظر النسبة إليه في: البحر المحيط للزركشي 7 / 200، التوضيح لحلولو ص 361، رفع النقاب القسم 2 / 917، نشر البنود 2 / 132. (4) في س: ((طريقة)) . (5) في ق: ((يُلقَّى)) . (6) في ن: ((المدلول)) وهي غير موفية بالغرض. (7) هنا زيادة: ((إلا)) في س تغني عنها التالية بعد ذلك. (8) في ن: ((لتعدية)) . (9) أي: عن حجة المنع مطلقاً. (10) في ن، ق: ((حكمة)) . (11) في س: ((حكمة)) . (12) في ق: ((في الحكم)) . (13) أي: عن حجة من فصَّل. (14) عدَّ الزركشي في البحر المحيط (7 / 201) تسع فوائد للتعليل بالعلة القاصرة، فانظرها ثمَّة. (15) في ن: ((تجتمع)) وهو تصحيف؛ لأن فاعله مذكَّر. (16) في س: ((منه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 المتعدي (1) إنما تُرِك لأجل عدم (2) القاصرة، فإنَّ عدم العلة علةٌ لعدم المعلول، فإذا لم يُعتبر القاصر يكون المتعدي قد تُرِك [بلا معارض] (3) . فهذه فائدة أخرى في اعتبار القاصرة (4) . حكم التعليل بالاسم وبالأوصاف المقدَّرة ص: التاسع: اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم (5) .   (1) ساقطة من س. (2) ساقطة من ن، وهي مثبتة في جميع النسخ. (3) في س: ((لا لمعارض)) ، وفي ن: ((لا لعارض)) . (4) عبارة المصنف هنا فيها عُسْر، حاول الشيخ محمد جعيط تيسيرها في كتابه: منهج التحقيق والتوضيح ( 2 / 174) ، وعبارة المحصول (5 / 316) ، أوضح مما هاهنا إذ يقول: ((يجوز أن يوجد في الأصل وصف متعدٍّ مناسب لذلك الحكم، فلو لم يجز التعليل بالعلة القاصرة لبقي ذلك الوصف المتعدِّي خالياً من المعارض، فكان يجب التعليل به، وحينئذٍ كان يلزم ثبوت الحكم في الفرع. أما لو جاز التعليل بالوصف القاصر صار معارضاً لذلك الوصف المتعدِّي، وحينئذٍ لا يثبت القياس، ويمتنع الحكم)) . وانظر: الإحكام للآمدي 3 / 217. (5) التعليل بالاسم كما لو قيل: علة الربا في البُرِّ تسميته بُراًّ، وعلة التحريم في الخمر لأن اسمها خمر، ومسألة التعليل بالاسم تُغَاير مسألة القياس في اللغات. فالأولى: لبيان هل يناط حكم شرعي باسمٍ؟ والثانية: لبيان هل يُسمَّى شيءٌ باسم شيءٍ آخر لغةً لجامعٍ؟. انظر: البحر المحيط للزركشي (7 / 83) . أما حكاية الاتفاق هنا فقد تبع المصنف فيها المحصول (5 / 311) ، وحكاها الهندي في نهاية الوصول (8 / 3527) ، لكنها منقوضة بما نُقِل فيها من خلافٍ، وهو على ثلاثة مذاهب، الأول: الجواز مطلقاً سواء كان الاسم مشتقاً كسارق ومملوك، أو كان الاسم جامداً لقباً أو علماً كحمار وفرس ودينار وتراب، وهو مذهب أكثر المالكية، وبعض الشافعية، وهو للحنابلة. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 192، إحكام الفصول ص 646، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 41، الوصول لابن برهان 2 / 283، المسودة ص 393، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 244. الثاني: المنع مطلقاً وهو مذهب الحنفية وقول الرازي والمصنف والهندي. انظر: ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 910، المحصول 5 / 311، نهاية الوصول 8 / 3527، كشف الأسرار للبخاري 3 / 564. الثالث: التفصيل بين المشتق فيجوز، واللقب فلا يجوز، وهو قول بعض الشافعية، انظر: إحكام الفصول ص 646، شرح اللمع للشيرازي 2 / 838، الكاشف عن المحصول 6 / 554، غاية الوصول للأنصاري ص 115، نثر الورود 2 / 471. الغريب في شأن المصنف أنه نقل الخلاف في كتابه: نفائس الأصول (8 / 3535) في هذه المسألة عن الباجي وغيره ثم قال: ((فهذه ثلاثة أقوال لم يَحْكِها المصنف)) يعني الرازي. وهاهو هنا يحكي الاتفاق ولم يحْكِ خلافاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 العاشر: اختار الإمام (1) أنه لا يجوز التعليل بالأوصاف المقدرة (2) خلافاً لبعض الفقهاء (3) ، كتعليل العتق عن الغير بتقدير المِلْك (4) . الشرح أما الاسم بمجرده؛ فلأنه طَرْديٌ، مَحْضٌ والشرائع شأنها رعاية المصالح ومظانها. أمَّا ما لا يكون مصلحة ولا مظنة للمصلحة فليس دَأْب الشرائع (5) اعتباره. وأما المقدرات فقد اشتد نكير الإمام فخر الدين عليها، وأنها من الأمور التي لا يجوز أن تُعْتقد في الشرائع، وأنكر كون الولاء (6) للمُعْتِق عن* الغير معلَّلاً بتقدير الملك له، وأنكر تقدير الأعيان في الذمَّة، وأنها لا تُصوَّر (7) . واعلم أن [المقدَّرات في] (8) الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه،   (1) انظر: المحصول 5 / 318. (2) في متن هـ: ((المتقدرة)) ، والأوصاف المقدَّرة هي: المعبَّر عنها بالتقادير الشرعية، مثل: إعطاء الموجود حكم المعدوم، وعكسه، وإعطاء المتأخر حكم المتقدم، وعكسه. مثال الأول: وجود الماء في حق من لا يقدر على استعماله، والغرر اليسير في البيع، وقاتل مورِّثه، فوجود ذلك كله كعدمه، أي: نقدِّر عدميته. ومثال إعطاء المعدوم حكم الموجود: الحمل في الميراث يوقف ميراثه حتى يولد، ومن ذلك الذمم إنما هي تقديرات شرعية في الإنسان تقبل الإلزام والالتزام، والحقوق في الذمم مقدرات ... إلخ. انظر: الأمنية في إدراك النية للمصنف ص 100 - 107، نفائس الأصول 8 / 3545، رفع النقاب القسم 2 / 920، وذكر العز بن عبد السلام صوراً أخرى على المقدرات كإعطاء الآثار والصفات حكم الأعيان والموجودات، فانظره في: قواعد الأحكام في مصالح الأنام ص 552. (3) لم أقف على تسميتهم. انظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي 8 / 3530، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 251، البحر المحيط للزركشي 7 / 187، 192، التوضيح لحلولو ص 363، شرح الكوكب المنير 4 / 90، نشر البنود 2 / 145. (4) إذا قال من أراد التكفير بالعتق لمن عنده رقبة: ((أعتق عبدك عني)) فأعْتَقه عنه، أجزأ عن كفارته، وثبت الولاء للمُعْتَق عنه، وكل ذلك على تقدير التمليك، إذ لا يصح العتق إلا بعد التملك، كأنه قال له: ملّكْني عبدك بكذا، ثم وكَّلتُك في إعتاقه عني. انظر: الأمنية في إدراك النية للمصنف ص 89. (5) في س: ((الشرع)) . (6) هنا زيادة: ((يكون)) في ق. (7) انظر: المحصول 5 / 319. (8) ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وقد بسطتُ ذلك في كتاب " الأمنية " (1) . وكيف يتخيَّل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحدٍ بغير أمر (2) مطالَب به، وكيف يكون الطلب بلا مطلوب؟! وكذا المطلوب يُمنع أن يكون معيَّناً في السَّلَم وإلا لما كان سَلَماً، فيتعين أن يكون في الذمة، ولا نعني بالتقدير إلا هذا، وكيف يصح (3) العَقْد على إرْدَبٍّ (4) من الحِنْطة وهو غير معيَّن ولا مقدَّر في الذمة، [فحينئذٍ هذا عقدٌ] (5) بلا معقودٍ عليه، بل لفظ بلا معنى؟. وكذلك إذا باعه بثمنٍ إلى أجَلٍ هذا الثمنُ غير معيَّن، فإذا لم يكن مقدَّراً في الذمة كيف يبقى بعد ذلك ثمنٌ (6) يُتصوَّر؟. وكذلك الإجارة لابد من تقدير منافع في الأعيان حتى يصح أن تكون (7) موردَ العقد، إذ لولا (8) تُخيِّل ذلك فيها امتنعت إجارتها ووقْفُها وعاريتها وغير لك من عقود المنافع، وكذلك الصُّلْح على (9) الدَّيْن (10) وغيره لابد من تَخيُّل المصالح عليه حتى يقابل بالطرف الآخر ويكون متعلَّقَ عقدِ الصلح، وإذا لم يُقدَّر الملِكُ للمعتَق عنه كيف يصحُّ القول ببراءة ذمته (11) من الكفارة (12) التي أعْتق عنها؟ وكيف يكون له الولاء في غير عبد يملكه وهو لم يملكه   (1) ص 85 -120، وانظر: كتابه الفروق 1/70، 2/27، وانظر التعريف به في القسم الدراسي ص 53. (2) ساقطة من س. (3) في ن، ق: ((صح)) . (4) الإرْدب: مِكْيال ضخم يَسَع أربعة وعشرين صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: مادة " ردب " في المصباح المنير، القاموس المحيط. وهو ما يعادل 48.864 كيلوغراماً. انظر: المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلّقة بها لمحمد نجم الدين الكردي ص 176، 230. (5) في ق: ((فيكون عقداً)) . (6) في س: ((ثم)) وهو نقص في الحروف. (7) في ن: ((يكون)) وهو تصحيف. (8) في ن: ((لو)) بدون " لا " وهو خطأ؛ لأن المراد هنا التعبير بحرف الامتناع لوجود وهو " لولا ". (9) في س: ((عن)) . (10) الصُّلح لغة: هو السِّلم. واصطلاحاً: هو انتقالٌ عن حقٍّ أو دعوى بعوضٍ لرفْع نزاعٍ أو خوفِ وقوعه. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2 / 421. (11) في ن: ((الذمة)) . (12) في ن: ((الكفارات)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 محققا؟! فتعيَّن (1) أن يكون مقدراً، وكذلك لا يكاد (2) يعرى باب من أبواب الفقه عن التقدير، فإنكار الإمام مُنْكر، والحق التعليل بالمقدرات. حكم التعليل بالمانع ص: الحادي عشر: يجوز تعليل الحكم (3) العدمي بالوصف الوجودي (4) ، ولا يتوقف على وجود المُقْتضِي عند الإمام (5) خلافاً للأكثرين في التوقف (6) . وهذا هو تعليل انتفاء (7) الحكم بالمانع، فهو يقول: المانع (8) هو (9) ضد علة الثبوت والشيء لا يتوقف على ضده.   (1) في ن: ((فيتعين)) . (2) ساقطة من س. (3) ساقطة من س. (4) مرَّت هذه الصورة في الكلام عن الصور الأربع لتعليل الوجودي والعدمي، انظر هامش (1) ص (371) . وتسمّى هذه الصورة " بالتعليل بالمانع أو عدم شرط ". مثالها في العاديات: الطَّيْر لا يطير لكونه في القفص. وفي الشرعيات: كتعليل عدم الميراث بالرِّق والقتل، وتعليل عدم وجوب الزكاة بالدين، ومثال انتفاء الحكم لعدم شرط: تعليل عدم الرجم بعدم الإحصان. انظر التوضيح لحلولو 364. (5) انظر: المحصول 5 / 323. (6) اختلف الأصوليون في التعليل بالمانع، هل من شرطه وجود المقتضي أم لا؟ على فريقين، الأول: لا يشترط، بمعنى لا يتوقف التعليل بالمانع على وجود السبب المقتضي لثبوت الحكم، وهو اختيار الرازي والبيضاوي وابن الحاجب وابن السبكي وابن الهمام. انظر: المحصول 5 / 323، منتهى السول والأمل ص 177، الإبهاج 3 / 150، تيسير التحرير 4 / 37. الثاني: يشترط وجود المقتضي، نسبه ابن السبكي والزركشي للجمهور، وقال التلمساني وابن النجار بأنه قول الأكثر، وهو اختيار الآمدي والمصنف. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 242، مفتاح الوصول ص 675، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 262، البحر المحيط 7 / 192، شرح الكوكب المنير 4 / 101. فعلى المذهب الأول: لا يتوقف تعليل عدم طيران الطير بعلَّة القَفَصِيّة على وجود المقتضي للطيران وهو الحياة. وعلى المذهب الثاني: لا يصح هذا التعليل إلا مع وجود المقتضي وهو الحياة، إذ لا يقال للطائر الميت أو مقصوص الجناح المحبوس في قفصه أنه لا يطير لعلة كونه في القفص. من العلماء من نبَّه إلى أن الخلاف في المسألة لفظي. انظر: سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 295. (7) ساقطة من س، ن، ق..ولا يضيرها هذا السقط إذا عُلم أن مراد المصنف هو: ((وهذا هو تعليل الحكم العدمي بالمانع)) . (8) ساقطة من متن هـ. (9) ساقطة من ن، ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وجوابه: أنه لا يَحْسُن في العادة أن يقال للأعمى: إنه لا يبصر زيداً للجدار الذي بينهما، وإنما يَحْسُن ذلك في البصير. الشرح مدرك الجماعة (1) : العوائد والشرائع، أما العوائد فكما تقدم في الضرير (2) ونحوه، أما الشرائع فلا نقول في الفقير: إنه (3) لا يجب عليه الزكاة؛ لأن عليه ديناً، وإنما نقول: لأنه (4) فقير، ولا نقول في (5) الأجنبي: إنه لا يرث؛ لأنه عبد بل لأنه أجنبي. وأما حجة الإمام: فلأن (6) المانع ضد المقتضي، وأحد الضدين لا يكون [شرطاً في الآخر] (7) ؛ لأن من شَرْط الشرط إمكانَ اجتماعه مع المشروط، والضدّ لا يمكن اجتماعه مع ضده (8) . فالجواب عنه: أن المانع ليس ضد المقتضى، بل أثره ضد أثره، فالتضادُّ بين الأثرين لا بين المؤثِّرين، فالدَّيْن والنِّصاب لا تضاد بينهما، فيكون مديوناً وله نصاب من غير منافاة، لكن أثر الدين عدم وجوب الزكاة، وأثر النصاب وجوب الزكاة، والزكاة وعدمها متناقضان، ونحن لم نقل بأن أحد الأثرين شرطٌ في الآخر [بل نَفَيْنا أحدَ الأثرين جَزْماً، وإنما قلنا أحدُ المؤثِّرين شرطٌ في الآخر] (9) ، فأين أحد البابين من الآخر؟!   (1) هنا زيادة: ((في)) في ن. (2) في س، ن: ((الضرر)) وهو تحريف. (3) ساقطة من ن. (4) في ن: ((إنه)) . (5) ساقطة من ق. (6) في ق: ((بأن)) . (7) في ق: ((شرط الآخر)) ثم أقحم المصحح لها حرف " في " بين شرط والآخر، ولم يُصْلِح " شرط " لتكون " شرطاً " لأنها خبر: يكون، ولكن وجه بقائها كما هي جائز بأن تقرأ على أنها فعل مبني للمجهول " شُرِط ". (8) لأن المانع يمنع من ثبوت الحكم، والمقتضى يوجب ثبوت الحكم، فهما ضدان، فكيف يكون أحدهما شرطاً للآخر؟ (9) ما بين المعقوفين ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 الفصل السابع فيما يدخله القياس وهو ثمانية أنواع: القياس في العقليات ص: الأول: اتفق* أكثر (1) المتكلمين على جوازه في العقليات ويسمونه (2) : ((إلحاق الغائب بالشاهد)) (3) . الشرح جعلوا الجامع في إلحاق الغائب بالشاهد (4) أربعة (5) : الجمع بالحقيقة (6) : كقولنا ((حقيقة العالِم مَنْ قام به العلم)) ، والله تعالى عالم فيقوم به العلم. والجمع (7) بالدليل: كقولنا ((الاتقان في الشاهد دليل العلم)) ، والله تعالى مُتْقِنٌ   (1) ساقطة من س. (2) في ق: ((وسموه)) . (3) العلماء في إثبات الأحكام العقلية بالقياس على ثلاث طوائف، طائفة منعت ذلك مطلقاً؛ لأن الأحكام العقلية قطعية والقياس ظني، وطَرَدت المنع في الصفات الإلهية. وطائفة أجازت ذلك مطلقاً. وطائفة توسَّطتْ فأجازت أن يدلّ القياس على الأحكام العقلية والصفات الإلهية، لكنه لا يستقلُّ بإثباتها، وأجازوا ذلك في قياس الأولى مستدلّين بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} [النحل: 60] . انظر: التبصرة ص 116، البرهان للجويني 1 / 104، أساس القياس للغزالي ص 13، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 207، نهاية السول 4 / 42، مجموع الفتاوى لابن تيمية 12 / 345، الرسالة التدمرية له أيضاً ص 93 وما بعدها. (4) ساقطة من ن. (5) في ق: ((أربع)) وهو مما انفردت به عن جميع النسخ، وصوابه: ((أربعاً)) مفعول ثانٍ لجعلوا، فهي تنصب فعلين. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 2 / 32، 45. وانظر هذه الجوامع الأربعة في: البرهان للجويني 1 / 104، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 14 / 51. (6) يعبّر بعضهم عنها بالحد، كما في نهاية السول للإسنوي 4 / 43. (7) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 لأفعاله (1) فيكون عالماً. والجمع بالشرط: كقولنا العلم في الشاهد مشروط بالحياة، والله تعالى عالم، فيكون حياً. والجمع بالعلة: كقولنا العلم في الشاهد علة للعالِمِيَّة، والله تعالى له علم، فيكون عالماً (2) . وكثير من مباحث أصول الدين مبني (3) على قياس الشاهد على الغائب (4) . حجة المنع: أن* صورة المقيس (5) إنْ كانت بعينها (6) صورة المقيس عليه فهما واحدةٌ فلا قياس حينئذٍ، وإن تغايرا (7) فلكل واحدٍ منهما تعيُّنٌ، فلعل تعينَ الأصل شرطٌ، فلأجل ذلك صح ثبوت الحكم، [وتعيُّن الفرع مانعٌ (8) فلا يثبت الحكم (9) ] (10) ومع الاحتمال لا يقين (11) ، والمطلوب بهذا القياس اليقين. والجواب: أن العقل قد يقطع بسقوط (12) الخصوصيات عن الاعتبار، كما نقول (13) : إن اللون الذي قام بزيْدٍ مُفْتقرٌ للجوهر، وكذلك الجماد والنبات، وإن خصوصية الحيوان والجماد والنبات لا مدخل لها (14) في افتقار اللون للمحل لا شرطاً   (1) في ن: ((علمه)) وهو لا يدلُّ على المراد. (2) ذكر شيخ الإسلام أنه يمكن إثبات كثير من الصفات بالعقل، سواء في ذلك الصفات السبع أو غيرها من الحب والرضا والغضب: ونحوها. انظر: التدمرية 149 - 151. (3) في ق: ((ينبني)) . (4) الصواب أن يقال: وكثير من مباحث أصول الدين يجوز فيه قياس الغائب على الشاهد، لأن أصول الدين مبنية على التوقيف والسماع، والعقل الصحيح يوافق النقل الصريح. (5) في ن: ((القياس)) وهو تحريف. (6) في ق: ((نفسها)) . (7) في ن: ((تغاير)) وهو تحريف. (8) في ن: ((مانعاً)) وهو خطأ نحوي؛ لأن الواو في قوله: ((وتعين الفرع..)) إن كانت عاطفة فتكون " مانع " معطوفة على خبر " لعل ". وإن كانت مستأنفة صارت خبر للمبتدأ " تعيّن ". (9) في ن: ((الحمل)) . (10) ما بين المعقوفين ساقط من س. (11) في ن: ((يتعيَّن)) . (12) في ن: ((سقوط)) . (13) في س: ((تقول)) . (14) في ن: ((له)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 ولا مانعاً ولا* موجباً، بل ذلك لذات اللون من حيث هو لون، وكذلك عِلْم زَيْدٍ إنما هو مشروط بالحياة؛ لأنه علم لا بخصوص محل، ونحن إنما نقيس فيما هذا شأنه، فاندفع الاحتمال، وحصل القطع [باستواء الموضعين] (1) في الحكم. القياس في اللغات ص: الثاني: اختار (2) الإمام (3) وجماعة (4) جواز (5) القياس في اللغات (6) ، وقال ابن جِنِّي (7) : هو قول أكثر الأدباء (8) ، خلافاً للحنفية (9) وجماعة من الفقهاء (10) .   (1) في ن: ((فاستوى الموضعان)) . (2) في متن هـ: ((أجاز)) . (3) انظر: المحصول 5 / 339. (4) منهم جماعة من المالكية، قال ابن القصار: ((عند مالك يجوز أن تؤخذ الأسماء من جهة القياس)) . المقدمة في الأصول ص 194، وكذلك جماعة من الشافعية وأكثر الحنابلة. انظر: إحكام الفصول ص 298، التبصرة ص 444، قواطع الأدلة 1 / 112، المسودة ص 173، الإبهاج 3 / 33، شرح الكوكب المنير 1 / 223. (5) ساقطة من متن هـ. (6) المراد بالقياس في اللغات: إثبات وضع لفظٍ مسكوتٍ عنه بالقياس على معلوم الوضع لمناسبةٍ، كالخمر للنبيذ للتخمير، والسارق للنباش قياساً عليه للأخذ خُفيةً. انظر: فواتح الرحموت 1 / 154. (7) هو أبو الفتح عثمان بن جِنِّي الأزْدي مولاهم، وجِنِّي - اسم أبيه - بكسر الجيم، والنون المشدَّدة، والياء ساكنة ليست كياء النسب، ولد بالموصل، وصحب أبا علي الفارسي طويلاً، وأفاد منه حتى صار من أعلام العربية نحواً وصرفاً وغيرهما. من تآليفه: الخصائص (ط) ، التصريف (ط) ، سر صناعة الإعراب (ط) وغيرها كثير. توفي عام 392 هـ. انظر: معجم الأدباء 12 / 81، إنباه الرواة على أنباه النحاة 2 / 335، وفيات الأعيان 3 / 246. (8) منهم أبو علي الفارسي، وأبو عثمان المازني. انظر: الخصائص لابن جني 1 / 114، 2 / 43، الاقتراح في أصول النحو وجدله للسيوطي ص 236.. (9) انظر: الفصول للجصاص 4 / 109، أصول السرخسي 2 / 157، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 132، التقرير والتحبير 1 / 102، فواتح الرحموت 1 / 154. (10) منهم: الجويني والغزالي وأبو الخطاب والآمدي وابن الحاجب ومحققو المالكية وغيرهم. انظر: إحكام الفصول ص 298، البرهان 1 / 132، المستصفى 2 / 346، شفاء الغليل ص 600، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 455، الإحكام للآمدي 1 / 57، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 1 / 183، التوضيح لحلولو ص 365. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 الشرح قال سيف الدين الآمدي (1) : لا يجوز القياس في اللغات، وقال بعضهم (2) : جميع اللغات اليوم ثابتة بالقياس؛ لأن العرب إنما وَضعتْ أسماء الأجناس للأعيان التي شاهدوها، فإذا هلكتْ تلك الأعيان وجاءت أعيان أُخْر (3) فإنما يطلق عليها الاسم بالقياس، فلفظ (4) الفرس وغيره من الحيوانات اليوم إنما يطلق بالقياس. وهذا غلط، فإن (5) العرب إنما وضعتْ لما تصورتهُ بعقولها، لا لما شاهدته بأبصارها، والمتصوَّر بالعقل موجود في الأشخاص الماضية والحاضرة على حدٍّ واحدٍ، فمفهوم الفرسِ المعقولُ هو الموضوع له، ويصير معنى ذلك: أن الواضع قال: كلُّ ما تنطبق عليه هذه الصورة الذهنية هو المسمَّى بالفرس عندي، وكذلك بقية أسماء الأجناس. ولم توضع لما في الخارج من المُشَاهد بالبصر إلا أعلامُ الأشخاص (6) دون أعلام الأجناس (7) ، فهذا ذكره الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " (8) ، وعَليه ما ترى.   (1) تحرير محل النزاع: محل النزاع إنما هو في الأسماء الموضوعة للمعاني المخصوصة الدائرة مع الأوصاف وجوداً وعدماً، وهي التي تسمَّى بأسماء الأجناس كالخمر مثلاً. أما أسماء الأعلام المشخصة بالذات، وأسماء الصفات، والأحكام النحوية فلا خلاف في عدم القياس عليها؛ لأن الأُولى: لا يمكن القياس فيها، والثانية: مطَّردة بوضع اللغة كالعالِم والكريم ونحوهما، والثالثة: مبنيَّة على الاستقراء والتتبّع. انظر: المنخول ص 71، الإحكام للآمدي 1 / 57، البحر المحيط للزركشي 2 / 258، تشنيف المسامع 1 / 397، التوضيح لحلولو ص 366، نبراس العقول ص 197 وبحثه في هذه المسألة قيّم وبديع. أما ثمرة الخلاف فقد أشار إليها حلولو في التوضيح ص 366، والشيخ الشنقيطي في نثر الورود 1 / 123. ( ) انظر: الإحكام 1 / 57. (2) يريد به أبا إسحاق الشيرازي في اللُّمع ص (44) كما سيصرِّح به بعد قليل. (3) في ق: ((أخرى)) . (4) في س: ((كلفظ)) . (5) في ق: ((لأن)) . (6) عَلَم الشخص: هو ما وضع لشيءٍ بعينه بقيد التشخيص الخارجي، كزيدٍ وعمرو. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 33، البحر المحيط للزركشي 2 / 296، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 112. (7) عَلَم الجنس: هو ما وضع لشيءٍ بعينه ذهناً. أو هو لفظ موضوع لكلِّيٍّ بقيد تشخصه في الذهن، كأسامة علم جنس يصدق على كل أسدٍ في العالم، وله صورة مشخصة في الذهن. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 33، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 117، التعريفات ص 202. (8) انظره فيه ص 44، وانظر كتابه: شرح اللمع 1 / 186. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 إنما (1) القياس في اللغة مثل: كون العرب وضعتْ السرقة لأخذ المال على صورة مخصوصة، حتى فرَّقتْ بين الغاصب والمُحارب والجاحد والخائن والمخْتلِس والسارق (2) ، فحينئذٍ السرقة (3) موضوعة (4) لشيء مخصوص، فهل يُسمَّى النَّبَّاش (5) للقبور سارقاً لأجل مشابهته للسارق أو يسمى اللائط (6) زانياً لمشابهته للزاني؟ هذا موضع الخلاف. حجة المنع: أنه (7) لو صح القياس لبطل المجاز خصوصاً المستعار، فإن المشابهة هي علاقته، [فحينئذٍ إن] (8) أرادوا بالقياس أنه يصير حقيقةً بطل هذا المجاز كله، وقد أجمعنا على ثوبته (9) ، وإن أرادوا جواز الإطلاق على سبيل المجاز فهو متفق عليه، فعلم (10) بأن القول بالقياس لا سبيل إليه، ولأن الأَبْلَق (11) يقال للفرس لاجتماع السواد   (1) في س: ((إن)) . (2) الغَصْب: استيلاءٌ على مال الغير قهراً ظلماً، فإن كان من حرز مثله خُفْيةً سُمي: سرقةً، أو مكابرة في صحراء سمي: حرابةً، أو مجاهرةً واعتمد الهرب سُمي: اختلاساً، فإن جحد ما ائتمن عليه سُمي: خيانةً. انظر: حاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 398، الموسوعة الفقهية (الكويتية) 2 / 288. (3) في ق: ((السارق)) وهو مقبول، وإن كان الأصل في الوضع يكون للمصدر. (4) في ق: ((موضوع)) انظر الهامش السابق. (5) نبش الشيء يَنْبُشه نَبْشاً: استخرجه بعد الدَّفن، ونَبْشُ الموتى: استخراجهم وأخذ أكفانهم، والنَّبَّاش الفاعل لذلك، وحِرْفتُه النِّبَاشة. انظر مادة " نبش " في: لسان العرب، المصباح المنير، الدر النقي ص 755. (6) لاط الشيءُ بقلبي، يلوط ويليط إذا لصق، ولاَطَ الرجلُ لِوَاطاً ولاَوَطَ، أي: عَمِل عَمَل قوم لوط. انظر: لسان العرب مادة " لوط ". وللشيخ الدكتور / بكر أبو زيد تنبيهٌ نفيس على رفع التحرُّج عمَّنْ يطلق لفظة: اللِّواط أو اللوطي أو اللوطيَّة، وأنها جاءت في السُّنة وأقوال العلماء وكتبهم. راجع: معجم المناهي اللفظية ص 476. (7) في ن: ((إذ)) . (8) في ق: ((فإن)) . (9) القول بالإجماع على ثبوت المجاز دعوى ينقضها الخلاف العريض قديماً وحديثاً، وقد ألِّفتْ فيها أسفارٌ كثيرة، منها: منع جواز المجاز في المنزَّل للتعبُّد والإعجاز للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، بطلان المجاز لمصطفى الصياصنة، المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع للشيخ عبد العظيم المطعني. (10) في ق، ن: ((فيعلم)) . (11) الأَبْلق مشتق من البَلَق، وهو السواد والبياض، يقال للدابة: أبلق وبلقاء. انظر: المخصص لابن سيده 6 / 150، 7 / 55، لسان العرب مادة " بلق ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 والبياض فيه، ولا يقال ذلك لغيره من الحيوانات (1) ، فلو كان القياس سائغاً لساغ ذلك، لكن أهل اللغة منعوه، وكذلك " القارورة " تقال (2) للزُّجاجة لأجل ما يستقر فيها (3) ، ولا يقال ذلك للنهر ولا لغيره وإن استقرت فيه (4) المائعات. حجة الجواز: أن الفاعل يُرفع في زماننا، والمفعول يُنْصب، وغير ذلك من المعمولات، وذلك في* أسماء لم تسمعْها العرب من الأعلام وغيرها، فلا يمكن أن يقال ذلك بالوضع؛ لأن العرب لم تسمع هذه الأسماء. والوضع فرع التصوُّر، فيتعيَّن أن يكون بالقياس. والجواب: أن ذلك بالوضع، والعرب لما وَضَعت الفاعل ورفعتْهُ لم تضعْه لشيء بعينه بل للحقيقة الكلية، وتلك الحقيقة الكلية - وهو (5) كونه مُسنداً (6) إليه الفعلُ وما في معنى الفعل من اسم الفاعل ونحوه - موجود في جميع هذه الصور (7) ، فلا جَرَم صحَّ الإطلاق، وكان عربياً حقيقة لا مجازاً ولا قياساً. القياس في الأسباب ص: الثالث: الشهير (8) أنه لا يجوز إجراء القياس في الأسباب (9) ، كقياس   (1) يدلُّ على ذلك ما جاء في: " فقه اللغة وسر العربية " للثعالبي ص 127 قال: ((فصل: في تقسيم السواد والبياض على ما يجتمعان فيه: فرس أَبْلق، تَيْس أَخْرَج، كَبْش أَمْلح، ثوْر أَشْيَه، غُراب أَبْقَع، جبل أَبْرق، دجاجة رَقْطَاء ... )) . (2) في س، ن: ((يقال)) وهو على تقدير كلمة " لفظ ". (3) انظر: القاموس المحيط مادة " قرر ". (4) ساقطة من س. (5) في س، ق: ((هو)) ، ويُسمى ضمير الشأن، والتعبير هنا بـ ((هو)) ، و ((هي)) جائز بحسب النظر للمتقدم عليها أو المتأخر عنها. انظر: النحو الوافي 1 / 265. (6) في س: ((مستنداً)) ، وفي ق: ((مسند)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر " كان " منصوب. (7) يوضح هذا المعنى ما ذكره المصنف في نفائس الأصول (8 / 3591) : ((وتارة تضع (أي العرب) الكلية كقولهم: كل فاعل مرفوع، كما قالوا: كل جسمٍ حسَّاسٍ اسمه حيوان، فليس هاهنا قياس ألبتة، بل كل فاعل يُرفع بالوضع الأول لا بالقياس ... كما إذا قال الشارع: اقتلوا كل مُشْرك، فإنَّا نقتل ما نجده منهم بنص الشارع لا بالقياس، فالكليات اللغوية أو الشرعية لا يدخلها القياس ... )) . (8) في متن هـ: ((المشهور)) . (9) هذه المسألة عنوانها: القياس في الأسباب، ويمكن أن يُضمّ إليها الشروط والموانع. والمراد منها: ما إذا أضيف حكمٌ إلى سببٍ عُلمتْ فيه علة السبب، فإذا وجدت هذه العلة في محلٍّ آخر، فهل يقاس على المحل الأول في سببيته؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 اللِّواط على الزنا (1) في وجوب الحدِّ (2) لأنه لا يَحْسُن أن يقال في (3) طلوع الشمس: إنه مُوجِبُ للعبادة كغروبها (4) . الشرح حجة الجواز: أن السببية حكم شرعي، فجاز القياس فيها كسائر الأحكام، ولأن السبب إنما يكون سبباً لأجل الحكمة التي اشتمل عليها، فإذا وجدت في غيره وجب أن يكون سبباً تكثيراً لتلك الحكمة. [حجة المنع: أن الحِكَم] (5) غير منضبطة (6) ؛ لأنها مقادير من الحاجات، وإنما المنضبط الأوصاف، ولذلك إنما (7) ترتب الحُكْم على سببه وُجدتْ حكمته أم لا، بدليل أنا نقطع بالسرقة وإن لم يتلف المال بأن وجد مع السارق، ونحدُّ الزاني (8) وإن لم يختلط نسب (9) بل (10) تحيض ولا يظهر حَبَل (11) ، فعلمنا أن الحِكَم إنما هي مَرْعِيَّة في   (1) توضيح هذا المثال بما يتفق مع ترجمة المسألة هو: أن سبب وجوب الحدّ في الزنا كونه إيلاجاً في فرج محرّم مشتهىً طبعاً، واللّواط موجود فيه هذا الوصف، فهل يقاس على الزنا، فيكون اللواط سبباً في وجوب الحد؟ اختلف العلماء في ذلك على مذهبين: الأول: عدم الجواز، وهو مذهب أكثر الأحناف وكثير من المالكية، واختاره بعض الشافعية كالرازي والآمدي والبيضاوي. انظر: المحصول للرازي 5 / 345، الإحكام للآمدي 4 / 65، فواتح الرحموت 2 / 382، تقريب الوصول ص 349، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 255، الإبهاج 3 / 34، التوضيح لحلولو ص 367، تيسير التحرير 4/99، نثر الورود 2 / 445. الثاني: الجواز، وهو مذهب كثير من الشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية. انظر: الوصول لابن برهان 2 / 256، روضة الناظر 3 / 920، المسودة ص 399، البحر المحيط للزركشي 7 / 85، فواتح الرحموت 2 / 382. بيَّن الدكتور عبد الكريم النملة أن الخلاف لفظي، راجع كتابه: الخلاف اللفظي عند الأصوليين 2 / 188. (2) ساقطة من ق، وهنا زيادة ((به)) في متن هـ. (3) ساقطة من ن. (4) قال الشوشاوي: ((فيه نظر؛ لأنه قياس بغير جامع، وهو ممنوع باتفاق، وليس محل النزاع)) رفع النقاب القسم 2 / 936. (5) ساقط من س. (6) في س: ((متضمنة)) وهو تحريف. (7) في س: ((إذا)) وهو تحريف. (8) في ن: ((الزانيين)) . (9) في س: ((نسبه)) . (10) في س: ((بأن)) . (11) في س: ((حِكَمٌ)) وهو متّجهٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 الجملة، والمعتبر إنما هو الأوصاف، فإذا قسنا إنما نجمع بالحكمة وهي غير منضبطة، والجمع بغير (1) المنضبط لا يجوز. حكم القياس في العدم الأصلي ص: الرابع: اختلفوا في جواز (2) دخول القياس في العدم الأصلي. قال الإمام (3) : والحق أنه يدخله قياس الاستدلال (4) بعدم (5) خواص (6) الشيء على عدمه دون قياس العلة (7) ، [وهذا] (8) بخلاف الإعدام فإنه حكم شرعي (9) .   (1) في ن: ((بين)) . (2) ساقطة من متن هـ. (3) عبارة الإمام في المحصول (5 / 346 - 347) أوضح مما هنا، وهي: ((والحق أنه يستعمل فيه " قياس الدلالة " لا " قياس العلة ". أما قياس الدلالة فهو: أن يستدلَّ بعدم آثار الشيء وعدم خواصه على عدمه. وأما تعذُّر قياس العلّة؛ فلأن الانتفاء الأصلي حاصل قبل الشرع، فلا يجوز تعليله بوصفٍ يوجد بعد ذلك - ثم قال - واعْلم أن هذا الكلام يختص بالعدم، فأما الإعدام فإنه حكم شرعي يجري فيه القياس)) . (4) قياس الاستدلال أو الدلالة هنا له اصطلاح خاص، غير المشتهر المعروف، فالمشتهر هو: الجمع بين الأصل والفرع بلازم من لوازم العلة أو بأثر من آثارها أو بحكم من أحكامها. انظر: هامش (2) ص (337) . ومثال قياس الاستدلال على اصطلاح الرازي والمصنف أن يقال: تَرتُّب الوعيد من خواص الوجوب، وهو منتفٍ في صلاة الضحى، وصوم أيام البيض، فلا تكون واجبة. انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 454. (5) في س: ((بعد)) وهو نقص في الحروف. (6) في ن: ((خاص)) وهو تحريف. (7) قياس العلة هو: القياس الذي يُصرَّح فيه بالعلة الجامعة بين الأصل والفرع، كقياس النبيذ على الخمر في التحريم للإسكار. انظر: الإحكام للآمدي 4 / 4، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 223، زوائد الأصول للإسنوي ص 375. (8) في ق: ((وهو)) ، وفي س: ((من هذا)) وهو تحريف. (9) ينحصر الخلاف في مسألة دخول القياس في العدم الأصلي - بعد اتفاقهم على أن استصحاب حكم العقل كافٍ فيه - إلى ثلاثة أقوال، قولٌ بالجواز، وهو اختيار المحققين. والثاني: المنع. الثالث: التفصيل، فيجوز دخول قياس الدلالة دون قياس العلة. أما العدم أو النفي الطاريء فيجري فيه القياسان وفاقاً؛ لأنه حكم شرعي حادث كسائر الأحكام الوجودية، انظر مثاله في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 454. وانظر المسألة في: المستصفى 2 / 452، نهاية الوصول 8 / 3211، تشنيف المسامع 3 / 167، التوضيح لحلولو ص 368، شرح الكوكب المنير 4 / 227، تيسير التحرير 3 / 286. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 الشرح العدم الأصلي كعدم صلاةٍ سادسةٍ، وعدم وجوب صوم شهرٍ غير (1) رمضان، ونحوه. حجة الجواز: أنه يمكن أن يقال: إنما لم يجب الفعل الفلاني؛ لأن فيه مفسدة خالصة أو راجحة، وهذا الفعل مشتمل (2) على مفسدة خالصة أو راجحة، فوجب أن لا يجب. حجة المنع: أن العدم الأصلي ثابت مستمر بذاته، وما هو مستمر بذاته يستحيل إثباته (3) بالغير، فلا يمكن إثباته بالقياس (4) . حجة الإمام (5) أن العلة إنما تكون في المعاني الوجودية، والعدم نفي محض، فلا نتصوّر فيه العلل. وجوابه (6) : ما تقدّم أن العدم قد يُعلل* بدرء المفسدة، كما تقول: إنما لم يبح الله تعالى الزنا ونحوه لما فيه من المفاسد. وأمَّا الإعدام فهو رفع الحكم بعد ثبوته، ولا شك أن رفع الحكم (7) الثابت يحتاج إلى رافعٍ، بخلاف تحقيق ما هو متحقق، فإنه يلزم منه تحصيل الحاصل، فظهر الفرق بين العدم والإعدام (8) .   (1) ساقطة من س. (2) في ن: ((مجتمع)) . (3) في ن: ((بذاته)) وهو سهو واضح. (4) لأن فيه إثبات الثابت، وهو تحصيل الحاصل. والجواب عنه: دخول القياس في العدم الأصلي إنما هو مؤكِّد له لا مُثْبتٌ له. انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 457. (5) هذه حجة القول بالتفصيل، وهو جواز دخول قياس الاستدلال في العدم الأصلي دون قياس العلة. وهذا السياق لحجة الإمام الرازي إنما هو من صنيع المصنف. أما عبارة الرازي فهي: ((وأما تعذر قياس العلة؛ فلأن الانتفاء الأصلي حاصلٌ قبل الشرع، فلا يجوز تعليله بوصفٍ يوجدُ بعد ذلك)) . المحصول 5/347. (6) في ن: ((وجواب)) وهو مستقيم بالإضافة لما بعده. (7) ساقطة من س، ق. (8) انظر: نفائس الأصول 8 / 3604، رفع النقاب القسم 2 / 938. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 حكم إثبات أصول العبادات بالقياس ص: الخامس: قال الجُبَّائي (1) والكرخي (2) لا يجوز إثبات أصول العبادات (3) بالقياس (4) . الشرح حجة المنع: أن الدليل ينفي العمل بالظن (5) ، خالفناه في إثبات فروع العبادات بالقياس (6) ، فيبقى على مقتضى الدليل في أصولها (7) . والفرق أن أصل العبادة أمر مهمٌّ في الدين، فيكون بالتنصيص من جهة صاحب الشرع لاهتمامه به. والفرع بعد ذلك ينبه عليه أصله، فيكفي فيه القياس. حجة الجواز: أن الشريعة إذا وجد فيها أصل عبادة لنوع من المصالح، ووجد ذلك النوع من المصالح في فعل آخر، وجب أن يكون مأموراً به عبادة قياساً على ذلك النوع الثابت بالنص تكثيراً للمصلحة. والأدلة الدالة على القياس لم تُفرِّق بين مصلحة ومصلحة، وما ذكرتموه من الفرق معارَضٌ بأن مصلحة أصل العبادة إمَّا أعظم من مصلحة الفرع أو مثلُها (8) ؛ لأن الأصل لا يكون أضعف من فرعه، وعلى كل تقدير   (1) المراد به الأب: أبو علي الجبائي. انظر النسبة إليه في: المعتمد 2 / 264، المحصول للرازي 5 / 348، الإبهاج 3 / 30. (2) انظر النسبة إليه في المراجع السابقة، وانظر أيضاً: بذل النظر ص 623، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي ص 111. (3) قال ابن قاسم العبادي: ((المراد بها أعظم العبادات وأدْخلها في التعبد كالصلوات بخلاف نحو الكفارات)) الآيات البينات (4 / 8) . ومُثِّل له بإيجاب الصلاة إيماءً في حقِّ العاجز عن الإتيان بها قياساً على إيجابها قعوداً في حق العاجز عن القيام بجامع العجز عن الإتيان بها على الوجه الأكمل. أو قياس إثبات الصلاة إيماءً بالحاجبين على الإيماء بالرأس عند العجز. انظر: شرح العمد 2 / 206، نهاية السول للإسنوي 4 / 37، تشنيف المسامع 3 / 164. وقد بيّن الدكتور / عبد الكريم النملة أن الخلاف في هذه المسألة لفظيّ 2 / 183. (4) القول الآخر في المسألة هو: جواز إثبات أصول العبادات بالقياس. وهو لجمهور الأصوليين. انظر: إحكام الفصول ص 625، شرح اللمع للشيرازي 2 / 791، التبصرة ص 443، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 440، التوضيح لحلولو ص 368. (5) في ق: ((بالقياس)) وهو من مفرداتها، ولعلّه سهو من الناسخ. (6) في ن: ((بالقرائن)) وهي غير مناسبة هنا في الاستدلال. (7) في س: ((أصولنا)) وهو تحريف. (8) هكذا في ص، م، ز، وفي باقي النسخ: ((مثله)) ويكون مرجع الضمير حينئذٍ إلى الفرع. والأول أنسب لعود الضمير إلى المصلحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وجب القول بالقياس تحصيلاً لتلك المصلحة التي هي أعظم بطريق الأولى، أو (1) المصلحة المساوية، لأن حكم أحد المثلين حكم للآخر. القياس في المقدرات والحدود والكفارات ص: السادس: يجوز عند ابن القصار (2) والباجي (3) والشافعي (4) جريان القياس في المقدَّرات [والحدود والكفارات] (5) خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله وأصحابه (6) لأنها أحكام شرعية. الشرح [حجة المنع: أن المقدَّرات كنُصُب الزكوات، والحدود كجلد (7) الزاني مائةً، والكفارات] (8) كصيام ثلاثة أيامٍ، لا يعقل معناها (9) دون (10) ما هو أقل منها كتسعة عشر ديناراً في الزكاة، أو تسعة وتسعين سوطاً، أو يومين، أو [واحدٍ وستين] (11) في كفارة الظهار مثلاً، وما لا يُعقل معناه يتعذر القياس فيه (12) .   (1) في ن، ق: ((و)) . والمثبت أولى لاستقامة السياق به. (2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 199. (3) انظر: إحكام الفصول ص 622، ونسبه إلى عامة المالكية، وانظر: الإشارة للباجي ص 309، المنهاج في ترتيب الحجاج له أيضاً ص 153. (4) وممن نسبه إليه الرازي في المحصول 5 / 349، والآمدي في الأحكام 4 / 62، والزركشي في البحر المحيط 7 / 68. وهذا هو مذهب الجمهور، انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1409، شرح اللمع للشيرازي 2 / 793، التلخيص 3 / 391، الوصول لابن برهان 2 / 249، روضة الناظر 3 / 926، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 254، نشر البنود 2 / 104. (5) ساقط من س. (6) انظر: الفصول في الأصول للجصاص 4 / 105 وما بعدها، أصول السرخسي 2 / 163، كشف الأسرار للبخاري 2 / 414، التقرير والتحبير 3 / 320، فواتح الرحموت 2 / 381. وقد تتبع الشافعي مذهب الحنفية، وأبان أنهم لم يفوا بشيءٍ مما منعوه. انظر: البرهان للجويني 2 / 584 وما بعدها. (7) في ق: ((كحدّ)) . (8) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (9) في س، ن: ((معنى هذه الحدود)) ، ويكون المراد بالحدود هنا أي التحديد بهذه الأعداد. (10) ساقطة من ن. (11) في ن: ((واحدٍ أو خمسين)) وهو محتمل، تقديره: أو يومٍ واحدٍ أو خمسين مسكيناً، وفي س: ((أحد وستون)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها معطوفة على مجرور. (12) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 والجواب: أنا إنما نقول بالقياس حيث ظفرنا بالمعنى الذي لأجله ثبت الحكم فحيث تعذر ذلك وكان تعبداً فإنا لا نقيس، فلا ترد علينا مواطن التعبد (1) . القياس في الرخص ص: السابع: يجوز القياس عند الشافعي على الرخص (2) ، خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه (3) . الشرح حكى المالكية عن مذهب (4) مالك قولين في جواز القياس على الرخص (5) ،   (1) لمعرفة ما يتخرج على هذه المسألة من تفاريع فقهية، انظر: التمهيد للإسنوي ص 463، التوضيح لحلولو ص 368، كتاب: إثبات العقوبات بالقياس للدكتور عبد الكريم النملة. (2) لم يُصب المصنف في نسبة جواز القياس في الرخص للشافعي، وهكذا جَمْع من الأصوليين ينسبون هذا الرأي للشافعي مع أنه صرَّح في الرسالة (545 - 560) بقوله: ((ما كان لله فيه حكم منصوص ثم كانت لرسول الله سنة بتخفيفٍ في بعض الفرض دون بعض عُمِل بالرخصة فيما رخَّص فيه رسول الله دون ما سواها، ولم يُقسْ ما سواها عليها ... )) ثم بنى على ذلك عدم جواز المسح على العمامة والبرقع والقفازين قياساً على الخفين ... إلخ. انظر: التمهيد للإسنوي ص 463، البحر المحيط للزركشي 7 / 74. ومع هذا فمذهب الجمهور - خلافاً للأحناف - جواز القياس في الرخص. انظر: البرهان 2 / 588، البحر المحيط 7 / 74، شرح الكوكب المنير 4 / 220، كتاب الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس للدكتور عبد الكريم النملة. (3) جاء في حاشية يحيى الرهاوي على شرح المنار لابن ملك ص (766) ((فإنّا نعلم أن المسح على الخفين إنما جوّز لعسر النزع ومسيس الحاجة إلى استصحابه، ولكن لا نقيس عليه العمامة والقفازين وما يستر القدم؛ لأنها لا تساوي الخف في الحاجة وعسر النزع وعموم الوقوع، فهذه الأقسام لا يجري فيها القياس بالاتفاق)) . وانظر: الفصول للجصاص 4 / 116، المغني للخبازي ص 289، كشف الأسرار للبخاري 3 / 562. وانظر: الوصول لابن برهان 2 / 249، نهاية السول 4 / 35، رفع الحاجب 4 / 402. (4) ساقطة من ق. (5) مشهور مذهب مالك امتناع القياس في الرخص. انظر: تقريب الوصول ص 351، نيل السول 2/11، نثر الورود 2 / 445. وقال حلولو: ((الذي تقتضيه مسائل مذهبنا جريان القياس في ذلك - أي الحدود والكفارات والرخص والتقديرات - على خلافٍ في الرخص)) . التوضيح ص 368. وانظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 944، لكن قال ابن عاشور: ((القياس على الرخص هو صريح مذهب مالك رحمه الله)) حاشية التوضيح 2 / 190. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وخرَّجوا على القولين فروعاً كثيرة في المذاهب، منها لُبْس خُفٍّ على خُفٍّ (1) وغير ذلك (2) . حجة المنع: أن الرخص مخالِفَة للدليل، فالقول بالقياس عليها يؤدي إلى كثرة مخالفة الدليل، فوجب ألاَّ يجوز. حجة الجواز: أن الدليل إنما يخالفه (3) صاحبُ الشرع لمصلحةٍ تزيد على مصلحة ذلك الدليل عملاً بالاستقراء، وتقديمُ الأرجح هو شأن صاحب الشرع، وهو مقتضى الدليل، فإذا وجدنا تلك المصلحة التي لأجلها [خولف الدليل] (4) في صورةٍ وجب أن يُخَالَف [الدليلُ بها] (5) عملاً برجحانها، فنحن حينئذٍ كَثَّرْنا موافقة الدليل لا مخالفته (6) . القياس في العاديات ونحوها ص: الثامن: لا يدخل القياس فيما طريقه الخِلْقَة (7) والعادة (8) كالحيض، [وفيما لا] (9)   (1) في مسح الخف على الخف قولان للمالكية، والمذهب على جوازه. انظر: المنتقى للباجي 1 / 82، مواهب الجليل 1 / 466، نثر الورود 2 / 445. (2) مثل: قياس عادم الماء في الحضر على عادمه في السفر في جواز التيمم للنافلة، وقياس غير التمر كالزبيب على التمر في بيع العَرِيَّة. انظر: نشر البنود 2 / 106، نثر الورود 2 / 445. (3) في ن: ((يخالف)) وهو تحريف. (4) ساقط من ن. (5) في ق: ((في غيرها)) وهو متّجه. (6) قال المصنف في نفائس الأصول (8 / 3614) : ((إذا فهمنا أن الله تعالى منح عباده منحةً لأجل معنىً مشترك بينها وبين صورة أخرى؛ جعلنا تلك الصورة الأخرى منحة من الله تعالى بالقياس تكثيراً لمنح الله تعالى، وحفظاً لحكمة الوصف عن الضياع)) . (7) الخِلْقة: الفطرة. والخليقة: الطبيعة التي يخلق بها الإنسان. انظر: لسان العرب مادة " خلق ". (8) في متن هـ: ((والعبادة)) وهو غلط فاحش من الناسخ. (9) هكذا في النسخ ن، و، ش، ز، م. وبينما في ص، ومتن ر، ومتن هـ، ومتن ف: ((ولا فيما لا)) وهو صحيح. وفي س، ق، ومتن أ: ((ولا فيما)) وهو خطأ لسقوط " لا " الثانية المُخِلِّ بالمعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 يتعلق به عمل كفتح مكة عَنْوةً (1) ، ونحوه (2) . الشرح لا يمكن أن نقول فُلاَنة* تحيض عشرة أيام وينقطع دمُها فوجب أن تكون الأخرى كذلك قياساً عليها (3) ، فإن هذه الأمور تتبع الطِّباع والأمزجة والعوائد في الأقاليم، فرُبَّ إقليم يَغْلِب عليه معنىً لا يَغْلِب على غيره من الأقاليم. وأما فتح مكة عَنْوة فإن أريد به [أنَّه وجب أن يكون الواقع] (4) العَنْوةَ في دمشق كما وقعتْ في بلدٍ عُلم أنه (5) عنوةٌ فهذا صحيح (6) ، فإنَّ العَنْوة تَتْبع أسبابها، ولا يمكن   (1) العَنْوة: اسم مرَّة مِنْ عَنَا يعنو إذا ذلَّ وخضع. وفُتحت البلاد عَنْوةً، أي: بالإذلال والقهر والغلبة بالقتال. وفتحت صُلْحاً أي: لم يُغلبوا، ولكن صُولحوا على خَرْجٍ يؤدونه. انظر مادة " عنا " في: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر. أما فتح مكة، فكان في السنة الثامنة للهجرة، وقد اختلف العلماء في فتحها أكان عَنْوة أم صُلْحاً؟ فمذهب جماهير العلماء وأهل السير أنها فُتحت عنوةً، ومذهب الشافعي ومن معه أنها فُتحت صُلْحاً. انظر: الحاوي 14 / 70، شرح صحيح مسلم للنووي 12 / 111، الاستذكار لابن عبد البر 14 / 332، زاد المعاد لابن القيم 3 / 429، جوامع السيرة لابن حزم ص 229، الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير ص 178. (2) الذي ذكره المصنف هنا من إطلاق المنع من دخول القياس فيما طريقه العادة، ينبغي أن يُقيَّد بما إذا لم توجد عليه أمارة ولا دلالة؛ فإنه وقع الخلاف في جريان قياس الشَّعْر والعظم في النماء وحلول الروح على سائر الأعضاء، والخصم يقيسهما على أغصان الشجر من حيث عدم الإحساس والتألم. وكذلك الحامل هل تحيض؟ فلو مَنَع الحملُ دمَ الحيض لمنَعَ دمَ الاستحاضة، ألا ترى أن الصِّغَر لمَّا مَنَع أحدهما منع الآخر، وكذا الآيسَة، والخصم يقول: لو كان دم حيض لانقضتْ به العِدَّة وحرم الطلاق. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 152، شرح اللمع للشيرازي 2 / 797، الإبهاج 3 / 36، التوضيح لحلولو ص 369. (3) اعتُرِض على المصنف بحيض المبْتَدأة، فإنه رُوي عن مالك في المبتدأة - التي ترى الدم أول بلوغها - أنَّ الدم إنْ تمادى بها أنها تقعد قدر أيام لِدَاتها (جمع لِدَة وهي التي وُلدتْ معها في عام واحد) ، ثم تغتسل وتكون مستحاضة. والرواية الثانية أنها تقعد أيام لِدَاتها ثم تستظهر بثلاثة أيام، ثم تكون مستحاضة، والرواية الثالثة: تقعد خمسة عشر يوماً ثم تكون مستحاضة. انظر: المدونة 1 / 54، المنتقى 1/ 124، الذخيرة 1 / 382. (4) ما بين المعقوفين في ق: ((أن)) . (5) في س، ن: ((أنها)) وهي صحيحة أيضاً؛ لأن البلد يذكَّر ويؤنث. انظر: مادة " بلد " في المصباح المنير. (6) أي صحيح أنه لا يجري القياس فيما لا يتعلَّق به عَمَلٌ كفتح بلدٍ عَنْوةً أو صلحاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 إثبات عَنوةٍ ولا صلحٍ بالقياس، وإن أُريد أن العنوة ليس فيها حكم شرعي، فليس كذلك، بل لنا أن نثبت للعَنْوة أحكاماً شرعيةً بالقياس (1) كالحُبُس (2) في الأراضي (3) وغيرها من الإجارات والشُّفْعات (4) وصحة القِسْمة (5) والإرث (6) وغير ذلك، فقد قال مالك: إن أرض العنوة يمتنع فيها جميع (7) ذلك (8) ، وقال الشافعي: يجوز فيها جميع ذلك (9) ، [فهذا تعلَّق به] (10) أحكامٌ شرعية، أمكن التمسك في بعضها بالقياس إذا وُجد جامعٌ يقتضيه، غير أن الإمام فخر الدين أطلق القول في ذلك (11) ، والحق (12) هذا (13) التفصيل.   (1) ساقطة من ن. (2) الحُبُس لغة جمع حَبْس وهو المَنْع، وهو مرادف للوَقْف أيضاً. انظر: المصباح المنير مادة " حبس ". واصطلاحاً: هو إعطاء منفعةِ شيءٍ مدةَ وجودِه لازماً بقاؤه في مِلْك مُعْطِيهِ ولو تقديراً. شرح حدود ابن عرفة للرصاع ص 539. (3) في ن: ((الأَرَضين)) وهو صحيح؛ لأن " أرْض " تجمع على: آراض، وأُروُض، وأَرَضون، وأراضي. انظر: لسان العرب مادة " أرض ". (4) جمع شُفْعة هي لغة: الضم والزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه، فيشْفَعُه به كأنه كان واحداً وتراً فصار زَوْجاً شَفْعاً. انظر: مادة " شفع " في: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر. واصطلاحاً: هي استحقاق شريكٍ أَخْذَ مبيعِ شريكِهِ بثمنه. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع ص 474. (5) القِسْمة لغة: اسم مصدر لـ" قَسَم " ومصدره: قَسْماً وهو الفرز أجزاءً. انظر: المصباح المنير مادة " قسم ". واصطلاحاً: تَصْييْر مُشاعٍ من مملوكِ مالكين معيناً ولو باختصاصِ تصرُّفٍ فيه بقُرْعةٍ أو تراضٍ. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع ص 492. (6) في ن: ((الشفعة)) وهو تكرار لا داعي له. (7) ساقطة من ن. (8) انظر: المدونة 3 / 280، المقدمات الممهدات لابن رشد 2 / 218. (9) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص 217، الشرح الكبير للرافعي 11 / 247. (10) في ق: ((فقد تعلقت به)) . (11) انظر: المحصول 5 / 354. (12) هنا زيادة: ((في)) في ن. (13) في ق: ((هو)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الباب الثامن عشر في التعارض (1) والترجيح (2) وفيه خمسة فصول: الفصل الأول هل يجوز تساوي الأمارتين؟ ص: اختلفوا هل يجوز (3) تساوي الأمارتين (4) ؟. فمنعه الكَرْخي (5) ، وجوَّزه الباقون (6) ، والمجوِّزون اختلفوا، فقال القاضي أبوبكر (7) منا وأبو علي وأبو هاشم (8)   (1) التعارض لغة: التقابل والممانعة، انظر: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب كلاهما مادة " عرض ". واصطلاحاً: هو التقابل بين الدليلين على سبيل الممانعة. انظر: بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 695، البحر المحيط للزركشي 8 / 120، شرح الكوكب المنير 4 / 605. وعرَّفه صاحب نشر البنود (2 / 267) بأنه: أن يدل كلٌّ من الدليلين على منافي ما يدل الآخر. (2) الترجيح لغة: التَمْييل، انظر مادة "رجح " لسان العرب. واصطلاحاً: عرَّفه الآمدي بأنه: اقتران أحد الصالحين للدلالة على المطلوب مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال الآخر. الإحكام 4/239. (3) هنا زيادة ((اختلاف)) في ن وهي مدرجة خطأ؛ لاعوجاج المعنى بها. (4) تساوي الأمارتين وتكافؤ الأدلة من وجهة نظر المجتهد متفق على وقوعه، إنما محل النزاع ما في نفس الأمر والواقع. انظر: الموافقات للشاطبي 5/342، تشنيف المسامع 3/475، شرح البدخشي 3/204، وللمطيعي بحث نفيس في هذا، فراجعه في: سلم الوصول بحاشية نهاية السول 4/433-435. (5) انظر النسبة إليه في: بذل النظر ص658، فواتح الرحموت 2/243، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي ص121. والقول بالمنع هو مذهب الحنابلة واختيار بعض الشافعية وقال الزركشي: ((وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء)) سلاسل الذهب ص432، انظر: شرح العمد 2/293، العدة لأبي يعلى 5/1536، شرح اللمع للشيرازي 2/1071، المسودة ص446، 448، الإبهاج 3/199، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/360، التوضيح لحلولو ص370، شرح الكوكب المنير 4/608، نثر الورود 2/582. (6) انظر: الوصول لابن برهان 2/333، 351، نهاية الوصول للهندي 8/3617، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/298، التمهيد للإسنوي ص505، نشر البنود 2/367. (7) انظر: إحكام الفصول ص755، المنهاج للباجي ص234، تقريب الوصول ص466. (8) انظر: شرح العمد 2/294، المعتمد 2/306. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 يتخيَّر، ويتساقطان عند بعض الفقهاء (1) ، قال الإمام رحمه الله: إن وقع التعارض في فعل واحد باعتبار حكمين فهذا متعذِّر (2) ، وإن وقع في فعلين والحكم واحد كالتوجُّه إلى جهتين للكعبة (3) فيتخيَّر (4) . قال الباجي في القسم الأول (5) : إذا تعارضا في الحظر (6) والإباحة يتخيَّر (7) ، وقال الأَبْهَري: يتعين الحظر (8) بناءً (9) على أصله أن الأشياءعلىالحظر (10) ، وقال أبو الفرج: تتعين (11) الإباحة بناءً (12) على أصله أن الأشياء على الإباحة (13) ، فالثلاثة رجعوا إلى حكم العقل (14) بناءً (15) على أصولهم (16) .   (1) أي: إن عجز عن الجمع والترجيح تساقط الدليلان كالبينتين إذا تعارضتا، ووجب التوقف حيئنذٍ. هذا الرأي نسبه الزركشي إلى ابن كُجّ. انظر: البحر المحيط 8/127. (2) في ق: ((يتعذر)) .. (3) في س: ((في الكعبة)) وليس في بقية النسخ ما يعضدها سوى: متن د، وفَرْقٌ بين التعبيرين، فالمثبت هو الصواب، لأن المراد - لإمكان حصول التعارض - التوجه إلى جهتين للقبلة، وهو تعبير المحصول (5/380) . أما التعبير بـ"في الكعبة" فهو لا يُحصِّل المراد لعدم تصوُّر التعارض في التوجّه إلى أي وجهٍ داخل الكعبة. (4) ساقطة من ن. هذا النقل عن الإمام بمؤدى كلامه. انظر المحصول 5/380 - 388. (5) وهو إذا وقع التعارض في فعل واحدٍ بين حكمين، وهما: الحظر والإباحة. (6) في س: ((الحضر)) وهو خطأ إملائي. (7) انظر: إحكام الفصول ص755، المنهاج للباجي ص234. (8) انظر النسبة إليه في: إحكام الفصول ص755، المنهاج للباجي ص234، تقريب الوصول ص466. (9) ساقطة من ن. (10) سبق بحث مسألة " حكم الأشياء قبل ورود السمع " عند المصنف ص 88 - 93 من هذا الكتاب (المطبوع) . (11) في س ظ، ومتن هـ: ((يتعين)) ، وهو جائز، انظر: هامش (11) ص 27. (12) ساقطة من ن. (13) انظر النسبة إليه في: تقريب الوصول ص (467) . أما أبو الفرج فهو: عمرو بن محمد الليثي البغدادي. إمام في القضاء. عنه أخذ أبو بكر الأبهري، من تآليفه: الحاوي في مذهب الإمام مالك، اللمع في الأصول. توفي عام 331هـ. انظر الديباج المذهب ص 309، شجرة النور الزكية 1 / 79. (14) مقتضى هذه العبارة أن مدرك هؤلاء الثلاثة في حكم الأشياء قبل ورود السمع هو حكم العقل. وهذا - في الحقيقة - ما نفاه المصنف بعينه عنهم، وأثبت أن مداركهم في أصلهم هذا مدارك شرعية، خلافاً لأهل الاعتزال فإن مدركهم العقل. فصواب العبارة أن تكون: فالثلاثة رجعوا إلى حكم النص على أصولهم. والله أعلم. انظر ما قررَّه المصنف ص (92) من المطبوع. وانظر: رفع النقاب القسم 2/953. (15) ساقطة من متن هـ. (16) وجه هذا الرجوع أن الأمارتين عندهم لما تعارضتا تساقطتا، فلما تساقطتا رجع كل واحدٍ منهم إلى أصله في حكم الأشياء قبل ورود الشرائع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 الشرح حجة منع تساويهما: أن (1) الظنون لها مراتب تختلف باختلاف العقول (2) والسجايا، [ولكن العقول والسجايا] (3) غير منضبطة المقدار، [فما (4) نشأ (5) عنها غير منضبط المقدار] (6) ، فيتعذَّر (7) تساوي الأمارتين (8) . حجة الجواز: أن الغيم الرَّطْب المُسِفَّ (9) في زمن الشتاء يستوي العقلاء أو عاقلان (10) فقط (11) في موجَبه وما يقتضيه حاله (12) ، وكذلك الجدار المتداعي للسقوط لابد أن يجتمع في العالم اثنان على حكمه، وإن خالفهما (13) الباقون، فيحصل المقصود، فإنا لا ندعي وجوب (14) التساوي بل [جواز التساوي] (15) وذلك (16) كافٍ فيما ذكرناه.   (1) ساقطة من ن. (2) في س: ((القبول)) وهو تحريف. (3) ما بين المعقوفين ساقط من س، ق. (4) في ق: ((فيما)) وهو تحريف. (5) في ن: ((ينشأ)) . (6) ما بين المعقوفين ساقط من س (7) هنا زيادة: ((عدم)) في ن، وهي مفسدة للمعنى. (8) معنى هذا أنه لابد أن تكون إحدى الأمارتين راجحة، والأخرى مرجوحة فيُعمل بالراجحة. (9) أسَفّ الطائر والسحابة وغيرهما: دنا من الأرض. والسحاب المُسِفّ هو المتداني من الأرض. انظر: لسان العرب مادة "سفف "، الإفصاح في فقه اللغة ص 478. (10) في ق: ((عاقلين)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها معطوفة على مرفوع. (11) في س: ((قط)) وهو تحريف. (12) وهو هطول المطر. (13) في ن، ق: ((خالفهم)) وهو جائز، لأنه قد يقع لفظ الجمع على التثنية، كما في قوله تعالى: { ... إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] انظر: كتاب سيبويه 2/201، 296 شرح المفصل لابن يعيش 3/3. (14) في ن: ((وجود)) وهو تحريف. (15) في ق: ((جوازه)) . (16) هنا زيادة: ((فقط)) في ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 حجة القول بالتخيير (1) : أن (2) التساوي يمنع الترجيح، والعمل بالدليل الشرعي واجب بحسب الإمكان، فإذا خيَّرناه بينهما فقد أعملنا (3) الدليل الشرعي من حيث الجملة، بخلاف إذا قلنا بالتساقط فإنه إلغاء بالكلية. حجة التساقط: أنا (4) إذا خيرناه فقد أعملنا (5) دليل* الإباحة، والتقدير أنه (6) مساو (7) لأمارة الحظر، فيلزم الترجيح [من غير مرجِّح] (8) . ولأنهما (9) إذا تعارضا لم يحصل في نفس المجتهد ظن، وإذا فُقِد الظنُّ والعلم حَرُمت الفتيا. والجواب عن الأول: لا نسلم أنه ترجيح لأمارة الإباحة من حيث هي أمارة إباحة، بل هذا التخيير نشأ عن التساوي لا عن أمارة الإباحة، وقد تشترك المختلفات في لازم واحد (10) ، فلم (11) يلزم الترجيح من غير مرجح. وعن الثاني: أن ظن اعتبار أحدهما عيناً منفي (12) ، أما ظن التخيير الناشيء عن التساوي فلا نسلم أنه غير حاصل. وقول الإمام: ((هذا يتعذر في حكمين في فعل واحد)) ليس كما قال، المتعذِّرُ ثبوت حكمين لفعل واحد من وجهٍ، أما ثبوتهما له من وجهين فليس كذلك، كالصلاة   (1) في ق: ((التخير)) . (2) في س: ((أو)) وهو تحريف. (3) في ن: ((عمَّلنا)) . (4) هذا الدليل الأول (5) في ن: ((عمَّلنا)) . (6) في ن، س: ((أنها)) ويكون مرجع الضمير "الإباحة" أو "أمارة" المضمَّنة في معنى " الدليل ". (7) في ن: ((مساوية)) ، وفي س: ((متساوية)) . (8) ساقط من س (9) هذا الدليل الثاني (10) كاشتراك الإنسان والفرس في الحيوانية. (11) في س، ن: ((ولا)) . (12) في ن: ((منفياً)) وهو خطأ؛ لأن خبر " إن " مرفوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 في الدار المغصوبة حرام وواجبة، وليس (1) من ذلك تعارض الأمارتين فإنَّا [لم نقل] (2) بمقتضاهما (3) ، بل قلنا اقتضيا (4) حكمين متضادين، فلو امتنع ذلك (5) لامتنع وجود المقتضي والمانع في جميع صور (6) الشريعة وليس كذلك (7) ، فلا محال حينئذٍ. ومثاله في حكم واحد في فعلين: أن تدلَّه أمارة على أن القبلة في استقبال جهةٍ (8) وأمارة أخرى على أنها في استدبار تلك الجهة، فالاستقبال والاستدبار فعلان وحكمهما واحد، وهو وجوب التوجه، فيتخيَّر في الجهتين (9) كما قاله الإمام. ورجَّح السيف الآمدي الحظر على الإباحة عند التعارض بثلاثة أوجهٍ (10) : أحدها: أن الحظر إنما يكون لتضمن المفاسد، وعناية (11) الشارع والعقلاء بدرء (12) المفاسد أعظم من رعايتهم (13) لتحصيل المصالح، فيقُدَّم الحظر عنده على الواجب والمندوب والمباح. وثانيها: أن القول بترجيح الحظر يقتضي موافقة الأصل، فإن موجبه عدم الفعل، وعدم الفعل هو الأصل، أما الوجوب ونحوه فموجِبه الفعل (14) وهو خلاف الأصل.   (1) في س: ((وأيسر)) وهو تحريف؛ ولهذا قال ابن عاشور، حسب النسخة التي اطلع عليها ((لم أفهم كونه أيسر ... )) حاشية التوضيح 2 / 93. (2) في ن: ((لا نقول)) . (3) في ن: ((لمقتضاهما)) وهو تحريف. (4) في ق: ((اقتضا)) وهو تحريف. (5) ساقطة من ن (6) في ن: ((الصور)) وهي مختلَّة بما بعدها. (7) قول المصنف هنا ((فلو امتنع ذلك لامتنع وجود المقتضي والمانع ... إلخ)) ، هو استدلال بمحل النزاع، فإن مذهب الإمام الرازي منع اجتماعهما، وقد تقدَّمت شبهة الإمام والرَّد عليها في باب القياس. انظر ص 384 - 385. (8) في ن، س: ((وجهة)) . (9) في ن: ((الوجهين)) . (10) انظر: الإحكام 4/259-260. علماً بأن الآمدي رجَّح تقديم الحظر على الإباحة بوجهٍ واحد، وتقديم الحظر على الوجوب بوجهين، فالمصنف دمج الأمرين معاً، ولو قال: رجَّح الآمدي الحظر على الإباحة والوجوب عند التعارض بثلاثة أوجهٍ، لكان أسدّ. (11) في ق: ((رعاية)) . (12) في ق: ((لدرء)) . (13) في س: ((عنايتهم)) . (14) في س، ن: ((العقل)) . وهو تحريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 وثالثها: أن الحظر يُخْرج الإنسان عن عهدته وإن لم يشعر به (1) ، فهو أهون (2) وأقرب للأصول، بخلاف الوجوب ونحوه لابد فيه من الشعور حتى يخرج عن العهدة، فهذه ترجيحاتٌ غير تلك الأصول المتقدمة. تعدد أقوال المجتهد في المسألة الواحدة ص: وإذا نُقل عن مجتهدٍ قولان (3) ، فإن كانا في موضعين وعُلم التاريخ عُدَّ الثاني رجوعاً عن الأول (4) . وإن لم يُعلم حُكي عنه القولان (5) ، ولا (6) يُحكم عليه برجوعٍ (7) ، وإن كانا (8) في موضع* واحد بأن يقول: في المسألة قولان (9) ، فإن أشار   (1) أي: إذا قدَّم المكلف الدليل الحاظر في العمل على دليل الإباحة أو الوجوب، فإن ذمته تبرأ من التأثم، ولو كان تركه للحرام بلا نية ولا شعور منه لغفلته. (2) لأن ترك الفعل فيه ترك للمشقة، إذ الفعل يتضمن مشقة الحركة. (3) مناسبة ذكر المصنف لهذه المسألة عقب التي قبلها؛ لأن تعارض قولي المجتهد في حقَّ من قلَّده بمثابة تعارض أدلة الشرع. (4) وحينئذٍ لا يجوز نسبة القول المتقدم إليه، وهذا قول جمهور العلماء. انظر: المحصول للرازي 5/391، روضة الناظر 3/1013، الإحكام للآمدي 4/201، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/299، التوضيح لحلولو ص371، تيسير التحرير 4/232. (5) في ن: ((قولان)) . (6) في ن: ((فلم)) . (7) هذه صورة أخرى لتعارض قولي المجتهد ولم يُعلم المتقدم منهما، ولا يمكن الجمع بينهما. فالمصنف نقل فيها قولاً واحداً، وهو أن يُنسب إليه القولان ولا يحكم برجوعه عن أحدهما بعينه، وهو اختيار الرازي في المحصول 5/391. وانظر: تقريب الوصول ص (424) . وفي المسألة مذهبان آخران، أحدهما: أن مذهب المجتهد هو الأشبه بأصوله وقواعده، الأقوى دلالة، الأقرب إلى ظاهر الكتاب والسنة، وأما القول الآخر للمجتهد فنكون شاكّين في نسبته إليه، وهو اختيار أبي الخطاب في التمهيد (4/370) ، وابن الصلاح في كتابه: أدب الفتوى ص (86) ، وابن حمدان في كتابه: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص (87) ، والشريف التلمساني على تفصيلٍ عنده في مفتاح الوصول ص (207) القسم الدراسي. وثانيهما: أنه يجب اعتقاد نسبة أحد القولين إليه من غير تعيين، واعتقادُ أنه رجع عن واحدٍ غير معين، فيمتنع العمل بأحدهما تقليداً إلا بعد معرفة التاريخ، وهو مذهب الآمدي في الإحكام (4/200) . وانظر بحثاً نفيساً في المسألة في كتاب: تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال لفضيلة الشيخ د. عياض السلمي ص 82-86. (8) في س: ((كان)) وهو تحريف.. (9) في ن: ((قولين)) وهو جائز على أنه مفعول به. والمثبت على أنه مبتدأ مؤخر وخبره " في المسألة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 إلى تقوية أحدهما فهو قوله، [وإن لم] (1) يعلم فقيل (2) : يتخيَّر السامع بينهما (3) . الشرح إذا عُلِم الرجوع عن الأول [لم يجز] (4) الفتيا به، ولا تقليده فيه، ولا بقي (5) يُعَدُّ (6) من الشريعة، بل هو كالنص المنسوخ من نصوص (7) صاحب الشريعة (8) [لم يبق (9) منها] (10) . فإن قلتَ: لأيِّ شيءٍ جَمَع الفقهاء الأقوال كلها السابقة واللاحقة في كتب الفقه، بل كان ينبغي ألاّ يُثْبَت (11) لكل إمام إلا قوله الذي لم يَرْجع عنه؟ قلتُ: ما ذكرتموه أقرب للضبط، غير أنهم قصدوا معنى آخر، وهو الاطلاع على المدارك واختلاف الآراء، وأنَّ مِثْل هذا قد صار إليه المجتهد في وقت، فيكون ذلك أقرب للترقي لرتبة (12) الاجتهاد. وهو مطلب عظيم أهم من تيسير الضبط، فلذلك جُمِعت الأقوال في المذاهب. وإذا لم يُعْلم التاريخ ولم يُحْكم عليه برجوع ينبغي ألاّ يعمل بأحدهما، فإنا نجزم بأن أحدهما مرجوع عنه منسوخ، وإذا اختلط الناسخ بالمنسوخ (13) حَرُم العمل بهما، كاختلاط المذكَّاة بالميتة، وأختِ الرَّضاع بالأجنبية، فإن المنسوخ لا يجوز الفتيا به   (1) في س: ((وإلا)) . (2) ساقطة من متن هـ. (3) وقيل: يتساقطان، ويكون كمن لا قول له في المسألة. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/359، المحصول للرازي 5/391، الإحكام للآمدي 4/201 (4) في س: ((لا تجوز)) ، وفي ن: ((لا يجوز)) وكلُّه جائز. (5) في ق: ((يبقى)) ، وفي ن: ((يقرّ)) . (6) في ق: ((بَعْد)) . (7) تحرَّفت في ن إلى: ((خصوص)) . (8) لكن غلَّط الشريف التلمساني من اعتقد من الأصوليين أن القول الثاني من إمام المذهب حكمه حكم الناسخ من قول الشارع، وجوَّز الأخذ بالاجتهاد الأول ما لم يكن نصٌّ قاطع يُرجع إليه. كما أنه فرَّق بين نص المجتهد ونص الشارع. انظر: مقدمة محقق كتاب: مفتاح الوصول للتلمساني تحقيق محمد علي فركوس ص 207-214، وانظر: المعيار المعرب 11/364-371. (9) في ق: ((يُنْفَ)) وهو تحريف (10) ساقط من س (11) في ق: ((يوضع)) . (12) في س: ((لدرجة)) . (13) في س، ن: ((والمنسوخ)) وهو صحيح أيضاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 فذلك (1) كله من باب اختلاط الجائز بالممنوع (2) فتحرم (3) الفتيا حينئذٍ بتلك الأقوال حتى يتعيَّن (4) المتأخر منها (5) ، أو يعلم (6) أنها محمولة على أحوال مختلفة أو أقسام متباينة، فيحمل [كلُّ قولٍ] (7) على حالةٍ أو قِسْمٍ، ولا تكون (8) حينئذٍ أقوال (9) في مسألة واحدة، بل كل مسألة فيها قول. وأما القولان في الموطن الواحد إذا لم يُشِرْ إلى تقوية أحدهما توجَّه (10) التخيير بينهما قياساً على تعارض الأمارتين، فإن نصوص المجتهد بالنسبة إلى المقلد كنسبة نصوص صاحب الشرع للمجتهد (11) ، ولذلك (12) يُحمل عامُّ (13) المجتهد على خاصِّهِ، ومطلقُه على مقيَّدِه، وناسخُه على منسوخه، وصريحُه على مُحْتَمله (14) ، كما [يُعمل ذلك في نصوص صاحب الشرع] (15) . وأما كيف يُتصَوَّر أن يقول المجتهد في المسألة قولان، مع أنه لا يُتصوَّر عنده (16) الرجحان إلا في أحدهما؟ فقيل معناه: أنه أشار إلى أنهما قولان للعلماء (17) وأنهما احتمالان يمكن أن يقول بكل واحد منهما عالم لتقاربهما من الحق، وأما أنه جازم بهما فمحال ضرورة (18) .   (1) في س: ((فكذلك)) وهو تحريف. (2) في س، ن: ((والممنوع)) . (3) في ن: ((يحرم)) وهي غير مناسبة للسياق. (4) في ق: ((يعلم)) . (5) في ن: ((عنها)) وهي غير مناسبة للسياق. (6) في ق: ((نعلم)) . (7) ساقط من س (8) في س: ((يكون)) . (9) في ق: ((أقوالاً)) وهو سائغ باعتبار كلمة " تكون " ناقصة (10) في ن: ((فوُجِّه)) ، وفي س: ((فوجب)) . (11) انظر: الموافقات للشاطبي 5/68، 76. (12) في ن: ((وكذلك)) . (13) في س: ((على)) وهو تحريف (14) في ق: ((مجمله)) . (15) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((كما فعل بنصوص الشرع)) . (16) في ق، ن: ((عند)) سقط منها الضمير المتصل (17) ساقطة من س (18) انظر: شرح اللمع 2 / 1077، التلخيص 3 / 411، قواطع الأدلة 5 / 62، الإبهاج 3 / 202، فواتح الرحموت 2 / 439، تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال ص 72 - 73. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الفصل الثاني في الترجيح ص: والأكثرون (1) اتفقوا على التمسك به (2) ، وأنكره بعضهم (3) وقال: يلزم التخيير أو التوقف (4) . الشرح حجة الجواز (5) : قوله عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالسواد الأعظم)) (6) ، وهو يقتضي تغليب الظاهر الراجح (7) ، وقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نحكم بالظاهر)) (8) ، وقياساً على البناء على الظاهر في الفتيا والشهادة وقيم المتلفات وغيرها، فإن الظاهر الصدق في ذلك والكذب مرجوح، وقد اعتبر الراجح إجماعاً، فكذلك هاهنا (9) . حجة المنع (10) : أن الدليلين إذا تعارضا ورجح أحدهما ففي كل واحد منهما مقدار هو مُعارَض بمثله، فيسقط (11) المِثْلان، ويبقى مجرد الرُّجْحان، [ومجرد الرجحان] (12) ليس   (1) هنا زيادة: ((على أنهم)) في ن، ولا حاجة لها. (2) بل حكى بعض الأصوليين الإجماع على القول بالترجيح انظر: البرهان للجويني 2/741، شرح المعالم لابن التلمساني 2 / 414، فواتح الرحموت 2/259. وانظر المسألة في: المنخول ص 426، المحصول للرازي 5/397، الإحكام للآمدي 4/239، نهاية الوصول للهندي 8/3649، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 679، كشف الأسرار للبخاري 4 / 131، تقريب الوصول ص 468، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 309، التوضيح لحلولو ص 372، فتح الغفار 3/51، شرح الكوكب المنير 4/619. (3) يَنْسبُ فِئامٌ من الأصوليين هذا الإنكار إلى أبي عبد الله البصري الملقَّب بـ " جُعْل " لكن قال إمام الحرمين: ((ولم أر ذلك في شيء من مصنفاته مع بحثي عنها)) البرهان 2/741، وانظر: المسودة ص 309، الإبهاج 3/209، تشنيف المسامع 3/487، نشر البنود 2/273. (4) في س: ((الوقف)) . (5) هنا زيادة: ((أن)) في ن وهي مخلِّة، لم يتم الكلام بها. (6) سبق تخريجه. (7) في ق: ((للراجح)) وهو تحريف. (8) سبق تخريجه. (9) من الأدلة الظاهرة قوة وبرهاناً - ولم يذكره المصنف - إجماعُ الصحابة وسلف الأمة على وجوب العمل بالراجح، وفي ذلك وقائع كثيرة. انظر: المحصول للرازي 5/397، الإحكام للآمدي 4/239 (10) ساقطة من س (11) في ن: ((فسقط)) . (12) ساقط من س الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 بدليل، وما ليس بدليل لا يجوز الاعتماد عليه، فلا يُعْتمد* على (1) الرجحان، بل ينبغي تخريج هذه الصورة على صورةِ تَسَاوي الأمارتين، والحكم* هناك التخيير على المشهور، والتوقف على الشاذِّ، فكذلك يجري هاهنا القولان. والجواب: أن القول بالترجيح ليس حكماً بمجرد الرجحان بل بالدليل الراجح، ولا نُسلِّم أن الجهة (2) المتساوية في (3) جهة الرجحان تسقط بمقابلها إذا عَضَدها الرجحان، وإنما نُسلِّم السقوط مع المساواة، وهذا كما نقضي (4) بأَعْدل البيِّنتين، ليس معناه أنَّا (5) نقضي بمزيد العدالة دون أصلها، بل [بأصل العدالة] (6) مع الرجحان، فيُقضَى بالبيِّنة الراجحة (7) لا برجحانها مع قطع النظر عنها، فكذلك هاهنا. الترجيح في العقليات ص: ويَمْتَنِع الترجيح في العقليات؛ لتعذُّر (8) التفاوت بين القَطْعِيَّيْن (9) .   (1) ساقطة من ن، س. (2) في ق: ((الصحة)) ولعلَّها انقلبت على الناسخ من: ((الحصة)) . (3) في ن: ((من)) . (4) في ق: ((يقضى)) . (5) في ن: ((أنما)) . (6) في ق: ((بأصلها)) . (7) ساقطة من ن (8) في ن: ((لعدم)) . (9) مسألة الترجيح في العقليات أخص من الترجيح بين القطعيات، وللعلماء فيها مذهبان، الأول: لا يجوز الترجيح بينها سواء كان الدليلان عقليين أو نقليين أو أحدهما عقلياً والآخر نقلياً، وهو ما ذهب إليه جمع غفير من الأصوليين، لكن لبعضهم كالجويني والغزالي والرازي تفصيل كما في اعتقاد العوام، إذا كان على سبيل التقليد فإنه لا يمتنع تطرق التقوية إلى هذا الاعتقاد. المذهب الثاني: يجوز الترجيح بينها ولا فرق بين الظنيات والقطعيات، وهو مذهب الصفي الهندي وابن الهمام، وقال الإسنوي ((واعلم أنَّ إطلاق هذه المسألة - وهو عدم الترجيح في القطعيات - فيه نظر)) نهاية السول 4/447. وانظر: شرح اللمع للشيرازي 2/950، البرهان 2/742، المستصفى 2 / 472، المحصول 5 / 400، الإحكام للآمدي 4/241، المسودة ص 448، الفائق في أصول الفقه للهندي 4 / 393، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/310، تقريب الوصول ص469، التلويح للتفتازاني 2/227، البحر المحيط للزركشي 8/148، التقرير والتحبير 3/3، 22، التوضيح لحلولو ص 373، رفع النقاب القسم 2 / 962، شرح الكوكب المنير 4 / 607. كلام المصنف هنا بتعذر التفاوت بين القطعيات ظاهره يتناقض مع ما ذكره في باب الخبر ص (269 - 267) إذ قال: ((فإن اليقين بما ورد فيه السمع والعقل أشد، بخلاف العقل وحده)) ، وكذلك مع قوله في نفائس الأصول (6 / 2812) ((نحن نجد بالضرورة التفاوت بين الجزم بكون الواحد نصف الاثنين، وبين المشاهدات وجميع الحسيات، ومع ذلك فاليقين حاصل في الكلّ، فعلمنا أن التفاوت لا يخلُّ باليقين، وهي مسألة خلاف بين العلماء: هل العلوم تقبل التفاوت أم لا؟)) . وانظر: هامش (2) ص 267. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الترجيح بكثرة الأدلة : ومذهبنا (1) ومذهب الشافعي (2) الترجيح بكثرة الأدلة (3) ، خلافاً لقوم (4) . الشرح لأن (5) كثرة الأدلة توجب مزيد (6) الظن بالمدلول، فيكون من باب القضاء (7) بالراجح كما تقدَّم بيانه (8) . حجة المنع: القياس على المنع من الترجيح بالعدد في البيِّنات، فإن المشهور المنع منه (9) بخلاف* الترجيح بمزيد العدالة. والجواب: أن الفرق بأن الترجيح بكثرة العدد يمنع سدَّ باب الخصومات، ومقصود صاحب الشرع سدُّه، بأن يقول الخصم: أنا (10) آتي (11) بعددٍ أكثر من   (1) انظر: منتهى السول والأمل ص 222، التوضيح لحلولو ص 373، رفع النقاب القسم 2 / 966، حاشية البناني على شرح المحلى لجمع الجوامع 2 / 362. (2) انظر: التبصرة ص 348، المنخول ص 428، المحصول 5/401، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 376، تشنيف المسامع 3/487. وهو مذهب الحنابلة أيضاً، انظر: العدة لأبي يعلى 3/1019، التمهيد لأبى الخطاب 3/202. (3) بعض الأصوليين ألحق الترجيح بكثرة الرواة بالترجيح بكثرة الأدلة. انظر: المحصول 5/401، نفائس الأصول 8/3679، التوضيح لحلولو ص 373. والمراد بكثرة الأدلة: أن يتقوى أحد الدليلين المتعارضين بغيره، ولو كان دليلاً واحداً موافقاً له. انظر: دراسات في التعارض والترجيح عند الأصوليين لشيخنا الدكتور/ السيد صالح عوض ص 437. (4) وهم الحنفية، انظر: أصول السرخسي 2/264، كشف الأسرار للبخاري 4/135، التلويح ومعه التوضيح 2 / 255، التقرير والتجبير 3/44، فواتح الرحموت 2/260. (5) في ن: ((لكن)) وهو تحريف. (6) في ق: ((يزيد)) وهو تحريف. (7) في ن: ((القطع)) . (8) انظر: بداية هذا الفصل ص (410) (9) ساقطة من س. وانظر مسألة المنع من الترجيح بالعدد في البينات والخلاف فيها في: المحلَّى 9 / 438، الفروع لابن مفلح 6 / 465، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 337، تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 264، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للمنجور ص 556، مجمع الأنهر لداماد 2 / 280. (10) في س: ((إذا)) وهو تحريف. (11) في س: ((أتا)) وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 عدده، فيتحيَّل ويأتي به، فيقول الآخر: وأنا أفعل ذلك، فلا تنفصل خصومة، بخلاف الترجيح بمزيد العدالة، ليس في قدرة الخصم أن يُصيِّر (1) بيِّنته أعدل من بينة خصمه، وكذلك الأدلة لا تقبل أن يَصِيْر مرجوحها راجحاً ولا قليلها كثيراً، فإن الأدلة قد استقرَّتْ من جهة صاحب الشرع فتتعذَّر (2) الزيادة فيها، فالترجيح بكثرة الأدلة كالترجيح بالعدالة [لا كالترجيح بالعدد] (3) ، فظهر الجواب والفرق. العمل عند تعارض الدليلين ص: وإذا تعارض دليلان (4) فالعمل بكل واحدٍ منهما من وَجْهٍ أولى من العمل بأحدهما دون الآخر (5) . وهما (6) إن كانا عامَّيْن معلومين والتاريخ معلوم نَسَخ المتأخرُ المتقدِّمَ، وإن كان مجهولاً سقطا، وإن علمت المقارنة خُيِّر بينهما. وإن كانا مظنونين فإن عُلِم المتأخر نَسَخ المتقدِّمَ وإلا رُجِعَ إلى الترجيح (7) . وإن كان أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً   (1) في س: ((تَصِيْر)) وهو متجه (2) في ق: ((فيعذر)) ، وفي ن: ((تعذر)) وكلاهما تحريف (3) ساقط من ن (4) هذا التقسيم الذي سيذكره المصنف مستَمدٌّ من المحصول للرازي (5/406، 408) . ويمكن حصر القسمة كما يلي: إذا تعارض الدليلان، فإما أن يُمكن الجمع بينهما أو لا؟ فإن لم يمكن الجمع بينهما ففيه أربعة أقسام، وهي: إما أن يكونا عامَّين، أو خاصَّين، أو أحدهما عامّاً والآخر خاصاً، أو أحدهما عامّاً من وجه خاصاً من وجه والآخر كذلك. فهذه أربعة أقسام، وكل واحدٍ منها إمَّا أن يكونا معلومين، أو مظنونين، أو أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً. فثلاثة في أربعةٍ باثني عشر قسماً. وفي كل قسم من هذه الأقسام إما أن يُعلم التاريخ أو يجهل، فهذه أربعة وعشرون قسماً. انظر: رفع النقاب القسم 2/968، وانظر: السِّراج الوهَّاج 2/1035، البحر المحيط للزركشي 8/157. (5) هذا ما يسمَّى بمسلك الجمع والتوفيق بين الدليلين المتعارضين، فمهما أمكن العمل بهما تعيّن ذلك؛ لأن الإعمال أولى من الإهمال. وأوجه الجمع كثيرة، منها: الجمع بالتخصيص أو التقييد أو بتغاير الحال أو بالتأويل أو بالتخيير ... إلخ. انظرها مستوفاة في: منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د/ عبد المجيد محمد السوسوة ص (155-274) ، وانظر الشروط المتوخَّاة في الجمع بين الدليلين المتعارضين في: التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية د/ عبد اللطيف البرزنجي ص (218 - 243) . (6) ساقطة من ن (7) أي: إن لم يُعلم المتأخر منهما رُجع إلى الترجيح، ولا سبيل هنا إلى التساقط، بخلاف المعلومين، لتعذر التفاوت بينهما، كما هو مذهب المصنف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 والمتأخرُ المعلومُ نَسَخ (1) أو المظنونُ لم يَنْسَخْ، وإن جُهِل الحال تعيَّن المعلوم. وإن كانا خاصَّيْن فحكمهما (2) حُكْمُ العامَّيْن، وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً، قُدِّم الخاص على العام؛ لأنه لا يقتضي (3) إلغاء أحدهما بخلاف العكس، وإن كان أحدهما عاماً من وجْهٍ كما في قوله تعالى {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (4) مع قوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (5) وجب الترجيح إن كانا مظنونين (6) . الشرح إنما يرجح (7) العمل بأحدهما من وجهٍ؛ لأن كل واحد منهما يجوز إطلاقه بدون إرادة ذلك الوجه الذي تُرِك، ولا يجوز إطلاقه بدون (8) جميع ما دلَّ (9) عليه، فإن ذلك هَدَرٌ بالكلية؛ فكان الأول أولى، كقوله (10) عليه الصلاة والسلام ((لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لبولٍ أو غائطٍ)) (11) ورَوَى ابن عمر رضي الله عنه أنه (12) رأى رسول الله   (1) هنا زيادة: ((المظنون)) في س، وهي صحيحة، وتركتُ إثباتها محافظةً على نَظْم الكلام. (2) في ق: ((حكمهما)) وهو خطأ نحوي، انظر: هامش (7) ص 22. (3) هنا زيادة: ((عدم)) في س، وهي خطأ؛ لانقلاب المعنى بها. (4) النساء، من الآية: 23 (5) النساء، من الآية: 3 (6) في هذا القسم الأخير - عند المصنف - اختلال، نتج عن شدة اختصاره للمحصول (5/410-412) . وحاصله وتحصيله: إنْ كان أحد الدليلين عاماً من وجهٍ وخاصاً من وجهٍ والآخر عكسه، فإن علم المتأخر منهما كان ناسخاً للمتقدم سواء كانا معلومين أو مظنونين. أما إن كان المتقدم مظنوناً والمتأخر معلوماً فقيل بالنسخ، وقيل: بالترجيح، وعكسه: بالترجيح قولاً واحداً. وإن جُهل التاريخ فإن كانا معلومين لم يمكن الترجيح بقوة الإسناد بل بما تضمنه الحكم (وهو مثال المصنف هنا بالجمع بين الأختين المملوكتين في النكاح) ، وإن لم يوجد الترجيح فالتخيير، وإن كانا مظنونين أمكن الترجيح بقوة الإسناد وبما تضمنه الحكم، فإن لم يوجد فالتخيير. انظر: الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموي 2/974، التحصيل من المحصول لسراج الدين الأرموي 2/262. (7) في ق: ((ترجح)) . (8) ساقطة من ن (9) في س: ((دلَّت)) وهو خطأ؛ لأن فاعله مذكَّر. (10) في س: ((لقوله)) وهو ليس مناسباً؛ لأن المقصود هو التمثيل. (11) أخرجه مسلم (264) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببولٍ ولا غائط، ولكن شرّقوا أو غرِّبوا)) وبلفظِ نحوه عند البخاري (144، 394) . (12) هنا زيادة: ((قال)) ولا داعي لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 صلى الله عليه وسلم فَعَل ذلك في بيته (1) ، الحديثين المشهورين، فَحَمَلْنا الأول على الأَفْضية، والثاني على الأبنية (2) . وإذا كانا عامَّيْن لا يمكن حملهما على حالين تعيَّن نسخُ المتأخرِ للمتقدم كانا معلومين أو مظنونين (3) ؛ لأنا نشترط في الناسخ أن يكون مساوياً أو أقوى (4) ، ويسقطان مع الجهل لاحتمال النسخ، فكل واحد منهما دائر بين أن يكون ناسخاً حجة أو منسوخاً ليس بحجة، والأصل عدمُ الحكم وبراءة الذمة، فيجب التوقف حتى يتعين موجِب الشَّغْل، وإذا عُلمتْ المقارنة خُيِّر بينهما؛ لأن من (5) شرط النسخ التراخي، والمقارنة ضِدُّه فلا نسخ، فكل واحد منهما حجة قطعاً فتعيَّن التخيير (6) ، وإذا (7) كان المتأخر هو المظنون لم يَنْسَخ المعلومَ، لما تقدَّم: أن القاعدة أنا نشترط في الناسخ أن يكون مساوياً أو أقوى (8) ، والمظنون أضعف من المعلوم، ويتعين (9) المعلوم عند جهل التاريخ لرجحانه بكونه معلوماً، ومهما (10) ظَفِرْنا بجهة ترجيح تعيَّن العملُ بالراجح.   (1) في ن: ((في بيته يفعل ذلك)) . * والحديث لفظه عند البخاري (145، 148) ، ومسلم (266) وخاص (62) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام. (2) انظر اختلاف العلماء في مسألة استقبال القبلة واستدبارها ببولٍ أو غائط في: المدونة 1/7، المحلَّى 1/193، بداية المجتهد 2/95، المغني 1/220، المجموع 2/81، شرح فتح القدير 1/432. (3) انظر مثاله في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/972. (4) سبق التعليق على هذا الاشتراط. (5) ساقطة من ن. (6) لئلا يتهافت الخطاب، إذْ فَرْض المسألة العلم باقترانهما معاً، وليعلم بأن تعيُّن التخيير هنا - وفي المظنونين - إنما يتخرَّج على مذهب القائلين به عند تساوي الأمارتين. لكنْ يجري القول الآخر هنا أيضاً، وهو التساقط والتوقف. انظر: نفائس الأصول 8/3691. (7) في س: ((وإن)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (7) ص 16. (8) انظر هذه القاعدة والتعليق عليها ص (83) هامش (3) . (9) في ق: ((فيتعيّن)) وهو خطأ؛ لأن العطف بالفاء يخلُّ بالمعنى، فلا معنى للترتب والتعقيب، وإنما المراد هنا الاستئناف. (10) في ق: ((ومتى)) وهي ظرف زمان شرطية، تصلح أن تثبت هنا أيضاً. وابن مالك يجوِّز ورود " مهما " ظرف زمانٍ أيضاً، لكن ابنه وابن هشام لم يوافقاه على ذلك، بل تحمل على معنى المصدريَّة. انظر: شرح التسهيل 4 / 69، مغني اللبيب 1 / 628، همع الهوامع 2 / 449، 451. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وتقديم (1) الخاص على العام كقوله عليه الصلاة والسلام ((لا تقتلوا الصبيان)) (2) مع قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (3) فإن تقديم الحديث لا يقتضي إلغاءه (4) ولا إلغاء الآية، وتقديم عموم الآية يقتضي إلغاء الحديث، ولأن الآية يجوز إطلاقها بدون [إرادة الصبيان] (5) ، [ولا يجوز إطلاق الحديث بدون إرادة الصبيان] (6) ، لأنهم جميع مدلوله فيبقى هَدَراً، فالأول أولى. وقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (7) يتناول المملوكتين والحُرَّتين، وقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (8) يتناول الأختين والأجنبيتين، وضابطُ الأعمِّ والأخصِّ من وجهٍ: أن يوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه، وقد وجد الأول في الأختين الحرتين بدون المِلْك، ووجد الثاني في المملوكات الأجنبيات بدون الأُخُوَّة (9) ، واجتمعا معاً في الأختين المملوكتين، [فكلٌّ منهما حينئذ] (10) أعم من الآخر من وجهٍ وأخص من وجهٍ، فلا رجحان لأحدهما على الآخر من هذا الوجه   (1) في ق: ((تقدُّم)) . (2) لم أجدْه بهذا اللفظ، ولكن بلفظ (( ... ولا تقتلوا الوِلْدان ... )) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/300) ، وأبو يعلى في مسنده (4/422) ، والبيهقي في سننه (9/90) ، والطبراني في المعجم الكبير (11/224) وضعَّفه ابن حجر في تلخيص الحبير4 / 103، وكذلك ورد من طريق عبد الله البجلي رضي الله عنه عند أبي يعلى في مسنده (13/494) ، والطبراني في المعجم الكبير (2/313) ، قال عنه أبوحاتم: ((هذا حديث منكر)) . انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (1 / 320) ، لكن ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان. انظر: صحيح البخاري (3015) ، صحيح مسلم (1744) وخاص (25) . (3) التوبة، من الآية: 5. وقد جاءت مثبتةً في جميع النسخ: اقتلوا المشركين. انظر: القسم الدراسي ص 157. (4) ساقطة من ن (5) في ق: ((إرادتهم)) . (6) ما بين المعقوفين ساقط من ن (7) النساء، من الآية: 23 (8) النساء، من الآية: 3 (9) في ق: ((الآخر)) وهو تحريف. (10) في س، ن: ((فهما حينئذٍ كلُّ واحد منهما)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 بل من خارج، و [قد رُجِّحَ] (1) المشهور من المذاهب التحريمُ في الأختين المملوكتين (2) بأنَّ آيتهما لم يدخلها التخصيص بالإجماع، بل قيل: لا تخصيص فيها وهو المشهور، وقيل: يباحان (3) ، وقيل: بالتوقف (4) كما قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم، (( أحلَّتْهما آيةٌ وحرَّمَتْهما آية)) (5) . وأما آية المِلْك فمخصوصةٌ إجماعاً بملك اليمين من موطوءات الآباء وغيرهم (6) ، وما لم يُخَصَّص (7) بالإجماع مقدَّم على ما خُصِّص (8) بالإجماع، فتُقدَّم آية الأختين، فيحرم الجمع بينهما.   (1) ساقط من س (2) اتفق العلماء على جواز الجمع بين الأختين المملوكتين في الملك دون الوطء، فإن وطيء إحداهما جرى الخلاف في الثانية. وجمهور الفقهاء والأئمة الأربعة على تحريم الجمع بينهما، ورويت الكراهة عن أحمد وبعض الصحابة. انظر: الإجماع لابن المنذر ص 106، الحاوي 9/201، بداية المجتهد 4/279، الاستذكار 16/248، بدائع الصنائع 3/440 المغني 9/538، الذخيرة 4/313، التفسير الكبير للرازي 10/30. (3) في ق: ((مباحان)) والقائلون بالإباحة هم أهل الظاهر غير أن ابن حزم مع الجمهور، انظر: المحلَّى 9/522 - 523 ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/117. (4) رُوِي ذلك عن بعض الصحابة، انظر: المحلَّى 9/522، أحكام القرآن للجصاص 2/164. (5) روي هذا الأثر عن عثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، انظره في: الموطأ 2/538، المصنف لعبد الرزاق 7/189، 192، المصنف لابن أبي شيبة 4/169، سنن سعيد بن منصور 1/396، 397، سنن البيهقي الكبرى 7/164. قال ابن عبد البر: ((وقول بعض السلف في الجمع بين الأختين بملك اليمين ((أحلتهما آية وحرمتهما آية)) معلوم محفوظ)) الاستذكار 16/252 (6) ساقطة من ن (7) في س: ((تُخصصْ)) . (8) في س: ((تخصَّص)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 الفصل الثالث في ترجيحات الأخبار ترجيح الأخبار في الإسناد ص: وهي إما في الإسناد (1) [وإما] (2) في المتن، فالأول: قال الباجي رحمة الله عليه: يترجَّح بأنه في قصة (3) مشهورة والآخر ليس كذلك. أو رُواته (4) أحفظ أو أكثر، أو مسموعٌ منه (5) عليه الصلاة والسلام، والآخر مكتوب به، أو متَّفَق (6) على رفعه إليه عليه الصلاة والسلام، أو تتفق رواته عند (7) إثبات الحكم به، أو رَاوِيْه (8) صاحب القصة (9) ، أو إجماعُ (10) أهل المدينة على العمل به، أو روايته أحسن نَسَقاً، أو سالمٌ من الاضطراب، أو موافق لظاهر الكتاب، والآخر ليس كذلك (11) .   (1) انظر مسألة ترجيح الأخبار في الإسناد في: المعتمد 2/178، العدة لأبي يعلى 3/1019، شرح اللمع للشيرازي 2/657، المحصول للرازي 5/414، تقريب الوصول ص475، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/310، مفتاح الوصول ص621، التعارض والترجيح بين الأدلة لعبد اللطيف البرزنجي 2/151، دراسات في التعارض والترجيح لشيخنا الدكتور/ السيد صالح عوض ص 453، منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د. عبد المجيد السوسوة ص 354. (2) في ق، س، متن هـ: ((أو)) والمثبت أقعد؛ لأن ((إما)) التفصيلية الغالب تكررها بنفسها مسبوقة بحرف العطف، وقد يستغنى عن الثانية بذكر ما يغني عنها نحو ((أو)) . انظر: مغني اللبيب 1 / 128. (3) في س: ((قضية)) . (4) في س: ((روايه)) . (5) في ن: ((عنه)) . (6) في ق: ((يتفق)) . (7) في ق: ((على)) وهو متجه، لكن المعنى المراد يتحقق بإختيار ((عند)) ، إذ المراد أن الخبر الذي يتفق الرواة على روايته بلا اختلاف بينهم في دلالته على الحكم يقدَّم على ما اختلف فيه الرواة. انظر: الإشارة للباجي ص 334، وشرح المصنف لهذه العبارة ص 419. (8) في ن: ((رواية)) . (9) في س، ن: ((القضية)) . (10) في ق: ((أجمع)) .. (11) انظر هذه الأقسام والأمثلة عليها - بالتفصيل - عند الباجي في كتبه: إحكام الفصول ص 735 - 744، الإشارة في معرفة الأصول ص331 - 336، المنهاج في ترتيب الحجاج 221 - 227، وقد عَدَّ منها ثلاثة عشر مرجّحاً. وانظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/981-994. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 الشرح القصة المشهورة يبعد الكذب فيها بخلاف القصة الخفية. والكتابة تحتمل التزوير بخلاف المسموع. والمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حجةٌ إجماعاً، أما الموقوف على بعض الصحابة [يقوله من قِبَل نفسه، ولا يقول: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم] (1) ، فيحتمل أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون حجة إجماعاً، أو هو من اجتهاده فيُخرَّج على الخلاف في قول الصحابي وفعله هل هو حجة أم لا (2) ؟، والحجة إجماعاً مقدَّم على المتردِّد بين الحجة وغيرها. واتفاق الرواة عند إثبات الحكم دليلُ قوة الخبر وضَبْطِه عندهم، وإذا اختلفوا دل ذلك على ضعف السَّند أو (3) الدلالة أو وجود (4) المعارض، فكان الأول أرجح. وصاحب* القصة إذا رواها كان (5) أعلم بها وأبعد عن (6) الذهول والتخليط فيها (7) ، بخلاف [إذا روى] (8) غيرُه. وإجماع أهل (9) المدينة مرجِّح (10) ؛ لأنهم (11) مهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وإذا وقع شَرْعٌ كان ظاهراً فيهم، وعنهم يأخذ غيرهم، فإذا لم يوجد شيءٌ بين أظهرهم دل ذلك (12) على بطلانه أو نسخه.   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (2) سيأتي مبحث حجية قول الصحابي في: ص 492. (3) في ن: ((و)) والمثبت أنسب للدلالة على التنويع. (4) في ن: ((وجوب)) وهو تحريف. (5) ساقطة من ق. (6) في س: ((من)) وهو صحيح؛ لأن "بَعُد" يتعدَّى بـ " عن " و "من ". انظر: لسان العرب مادة " بعد ". (7) في ق: ((منها)) وهو تحريف (8) ساقط من ق (9) ساقطة من ق (10) في ق: ((راجح)) وهو سائغ أيضاً. (11) في ن: ((لأنه)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن " أهل " لفظه مفردٌ، والمثبت على اعتبار معنى الجمع. (12) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 وحُسْن النَّسَق (1) أنسب للفظ النبوة، فإنه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب، فإضافة الأفصح إليه أنسب من ضدِّه (2) . والاضطراب (3) : اختلاف ألفاظ الرواة (4) ، وهو يوجب خللاً في الظن عند السامع، فما لا خلل فيه أرجح. والمعضود بالكتاب العزيز أقوى* في الظن من المنفرد بغير عاضد فيُقدَّم.   (1) حُسنْ النَّسَق يُسمى بالتنسيق وهو من محاسن الكلام وهو: أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر، والأبيات من الشعر، متتاليات متلاحمات تلاحماً مستحسناً مستبهجاً، وتكون جملها ومفرداتها منسَّقة متوالية. انظر: خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي 2/388. (2) تفسير المصنف هنا لحُسْن النَّسق بالفصاحة ليس سديداً؛ لأننا كنا في السند. وقد سبق تعريف "حسن النَّسق " في الهامش السابق. أما الفصاحة التي أوردها هنا فهي الفصاحة التي أوردها بعد متنين لهذا المتن عندما قال: ((قال الإمام رحمه الله أو يكون فصيح اللفظ ... )) ص (425) ، والمراد هنا بحسن النَّسق من جهة السند (الرواة) ما قاله الباجي: ((أن يكون أحد الراويين أشدَّ تقصِّياً للحديث، وأحسن نسقاً له من الآخر، فيُقدَّم حديثه عليه. وذلك مثل تقديمنا لحديث جابر رضي الله عنه في إفراد الحج [رواه مسلم (1218) ] على حديث أنس رضي الله عنه في القِران [رواه البخاري (4353) ، ومسلم (1232) ] ؛ لأن جابراً رضي الله عنه تقصَّى صفة الحج من ابتدائه إلى انتهائه، فدلّ ذلك على تهمُّمِهِ وحفظه وضبطه وعلمه بظاهر الأمر وباطنه. ومن نَقَل لفظةً واحدة من الحج يجوز أن لم يعلمْ سببها)) إحكام الفصول ص 742. (3) هنا زيادة: ((في)) في س، والأحسن حذفها؛ لاستقامة التركيب بدونها. (4) الاضطراب لغة: الاختلال والتحرك، يقال: اضطرب الموج، إذا تحرَّك وضرب بعضه بعضاً. انظر مادة "ضرب " في: لسان العرب والحديث المضطرب: هو ما رُوي على أوجهٍ مختلفة متساوية في القوة. والاضطراب يقع في الإسناد، ويقع في المتن. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 93، تدريب الراوي 1/308، تيسير مصطلح الحديث ص 112. والمعنى الذي ذكره المصنف هنا للاضطراب أقرب ما يكون للاضطراب في المتن، وهو ما سيكرره أيضاً في ص (424) . والمراد بالحديث السالم من اضطراب الإسناد: هو الذي لم يوجد خلل في إسناده عند كلَّ مَنْ رواه، لا بزيادةٍ ولا نقصٍ، ولا رواية عمَّنْ لا يمكن الرواية عنه. انظر: العدة لأبي يعلى 3/1029. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 ص: قال الإمام فخر الدين: أو يكون راويه (1) فقيهاً، أو عالماً بالعربية، أو عُرِفت عدالته بالاختبار، أو عُلِمت (2) بالعدد الكثير، أو ذكِر [سبب عدالته] (3) ، أو لم يَخْتَلط (4) عقله في بعض الأوقات، أو كونه (5) من أكابر الصحابة (6) رضوان الله عليهم، أو له اسم واحد، أو لم تُعرف له رواية في زمن الصبا (7) والآخر ليس كذلك أو يكون مدنياً والآخر مكياً، أو راويه (8) متأخر الإسلام (9) . الشرح العلم بالفقه أو بالعربية مما يُبْعد الخطأ في النقل، فيُقدَّم على الجاهل بهما. وعدالة الاختبار هي عدالة* الخُلْطة، فهي أقوى من عدالة التزكية من غير خلطة للمزكِّي عنده. والمذكورُ سببُ عدالته دليلُ قوة سبب التزكية، فإنه لا يُذكر (10) إلا مع قوته. وأما إذا سكت المزكِّي عن سبب العدالة احتمل الضعف.   (1) في س زيادة: ((الإمام)) ، وهو مما شَذت به، والظاهر أن ناسخها التبس عليه الأمر لقرب كلمة " الإمام " التي سبقتها. (2) ساقطة من ق. (3) في ق: ((سببها)) . (4) في س: ((يُخلط)) . (5) في ق: ((كان)) . (6) المراد بأكابر الصحابة رؤساؤهم، كالخلفاء الأربعة. وتقديم روايتهم هو رأي الجمهور، أما أبو حنيفة وأبو يوسف فإنهما يقيدانه بكون الأكبر فقيهاً، ولهذا وقع منهما تقديم رواية الأصاغر على الأكابر. انظر: المسودة ص 307، شرح مختصر الروضة 3/697، تشنيف المسامع 3/505، شرح الكوكب المنير 4/642، تيسير التحرير 3/163 فواتح الرحموت 2/263 (7) في متن هـ: ((الصبي)) وهو متجه. والمثبت أنسب. (8) في ق، متن هـ: ((رواية)) . (9) النقل هنا من المحصول (5/415 - 425) بانتخاب واقتضاب. وانظر هذه المسائل في: الإبهاج 3/220 وما بعدها، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/364 وما بعدها، مفتاح الوصول ص 621 وما بعدها، التقرير والتحبير 3/36 وما بعدها، شرح الكوكب المنير 4/635 وما بعدها (10) في ن: ((لا يَذْكره)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 والذي اختلط (1) عقله (2) في بعض (3) الأوقات يُخْشى أن يكون ما يرويه لنا الآن ما سمعه في تلك الحالة، والذي لم يختلط عقله أمِنَّا فيه ذلك. والذي له اسم واحد يَبْعد التدليس (4) به، والذي له اسمان يَقْرُب اشتباهه بغيره ممن ليس بعَدْلٍ وهو مسمىً (5) بأحد اسْمَيْه، فتقع الرواية عن ذلك الذي ليس بعدل، فيظن السامع أنه العدل [ذو (6) الاسمين] (7) فيقبله (8) . والذي وقعت له روايةٌ في زمن الصبا إذا رُوِي عنه، فإنه (9) يجوز أن يكون مما نُقِل (10) عنه في زمن (11) الصِّبَا، ورواية الصبي (12) غير موثوق بها بخلاف الذي لم يرو إلا بعد البلوغ. وما رُوي بالمدينة ظاهر حاله التأخُّر (13) عن المكي (14) ؛ لأنه (15) بعد الهجرة،   (1) في ن: ((أُخِلط)) . (2) الاختلاط: هو فساد العقل أو الاختلال في الأقوال، إما لكبر وخَرَفٍ أو لذهاب بصر، أو لخللٍ في كتبه باحتراقها أو اغتراقها أو استراقها أو اختراقها أو غير ذلك. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 391، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص 535، تيسيرمصطلح الحديث للطحان ص 227 (3) ساقطة من ق (4) التدليس لغة: أصله من الدَّلَس، وهو الظلمة والستر والخديعة. انظر مادة "دلس " في معجم المقاييس في اللغة، المصباح المنير. واصطلاحاً: إخفاءُ عيبٍ في الإسناد وتحسين ظاهره. انظر: ظفر الأماني للكنوي ص 376، تيسير مصطلح الحديث ص 79، وانظر: نفائس الأصول 8/3708 (5) في س: ((يُسمَّى)) . (6) في ن: ((و)) سقط منها حرف الذال (7) ساقط من س (8) التدليس أقسام وأنواع، والذي ذكره المصنف هنا مقارب لتدليس الشيوخ، وهو: أن يروي الراوي عن شيخٍ حديثاً سمعه منه، فيسمِّيه باسم آخر له أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف. وفي هذا الصنيع تَوْعِيرٌ لطريق معرفته على السامع. انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص 73، 79. (9) هكذا في ز، م، وفي سائر النسخ "لنا" وهي ليست مناسبة؛ لعدم استقامة الأسلوب بها. (10) في س: ((بذل)) وهو تحريف (11) في ن: ((حال)) . (12) في ن: ((الصِّبا)) . (13) في ن: ((التأخير)) . (14) في ن: ((الأول)) وهي ليست مناسبة، ولا سيما مع السقط الذي بعدها (15) ساقطة من ن وهو مُخِلّ بالمعنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 والمتأخَّر يُرَجَّح؛ لأنه قد يكون الناسخ، ولقول (1) ابن عباس رضي الله عنهما: ((كنَّا نأخذ بالأحدث فالأحدث من أمر (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (3) . ورواية متأخر الإسلام يتعيَّن تأخُّرها (4) ، (5) فهو كالمدني (6) ، ومتقدِّمُ الإسلام يحتمل أن يكون حديثه مما سمعه في [آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم] (7) ، فيكون مساوياً لمتأخر الإسلام، ويحتمل [سماعه أول إسلامه، فيكون متقدماً في الزمان مرجوحاً في العمل] (8) ، والذي لا احتمال فيه أولى مما فيه احتمال المرجوحِيَّة (9) .   (1) في ن: ((كقول)) وهو تحريف (2) في س، ق: ((فعل)) . (3) لم أجده بهذا اللفظ فيما وقفْتُ عليه، ولفظ الموطأ (1/294) ((كانوا يأخذون ... )) . والحديث جاء في صحيح مسلم (1113) من طريق ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكَدِيْد ثم أفطر. وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَّبِعون الأحدث فالأحدث من أمره، وهذه الزيادة في آخر الحديث ((وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث ... )) مدرجة من كلام الزهري في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وبهذا جزم البخاري (4276) فقال: ((قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآخِرُ فالآخِر)) . انظر: " الفَصْل للوصل المُدْرج في النقل " للخطيب البغدادي 1/322، موافقة الخُبْر الخَبَر لابن حجر 2/82، المعتبر للزركشي ص165، فتح الباري لابن حجر 4/227. (4) في س: ((تأخيرها)) . (5) هنا زيادة: ((وأن حديثه متأخر)) في س، ن، وهي تكرار في المعنى. (6) في ق: ((كالمديني)) وهو خطأ؛ لأن النسبة إلى فَعِيْلة فَعَلِيّ إذا لم يكن معتلَّ العين أو مضاعفاً. لكن فرَّقوا بين المنسوب إلى المدينة المنورة وإلى مدينة المنصور (بغداد) فقالوا في الأول: مَدَنِيّ، وفي الثاني: مَدِيْنِيّ. انظر: همع الهوامع للسيوطي 3/361 (7) ما بين المعقوفين في ق: ((الآخر)) . (8) ما بين المعقوفين في ق: ((التقدم، فيكون مرجوحاً)) . (9) قدَّم الآمدي وابن الحاجب والهندي وجَمْعٌ الترجيح بمتقدم الإسلام على المتأخر؛ لزيادة أصالته في الإسلام وتحرزه. انظر: الإحكام 4/244، منتهى السول والأمل ص223، الفائق 4/413. وعند المجد ابن تيمية والطوفي وغيرهما أنهما سواء؛ لأن كل واحد منهما اختص بصفةٍ، فالمتقدم اختص بأصالته في الإسلام، والمتأخر اختص بأنه لا يروي إلا آخر الأمرين. انظر: المسودة ص 311، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/696، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص169. وما اختاره المصنف هو اختيار أبي يعلى والشيرازي وابن السبكي وغيرهم، انظر العدة 3/1040، شرح اللمع 2/659، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/365. وللفخر الرازي تفصيل في المسألة، انظره في: المحصول 5/425، والمصنف له تفصيل آخر ذكره في: نفائس الأصول (8/3714) فقال: ((إذا عُلِم تأخُّرُ رواية متقدم الإسلام رُجِّحتْ بقدم هجرته، وإن جُهل تقدُّمها وتأخُّرها قُدم المتأخرُ الإسلام)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 ترجيح الأخبار في المتن ص: وأما ترجيح المتن (1) قال (2) الباجي رحمة الله عليه: يترجَّح السالمُ من الاضطراب*، والنصُّ في المراد، أو غير متَّفقٍ على تخصيصه، أو ورد (3) على غير (4) سببٍ، أو قُضِي به على الآخَر في موضع، أو ورد بعباراتٍ مختلفة، أو يتضمن نفي النقص (5) عن الصحابة رضوان الله عليهم (6) والآخر ليس كذلك (7) . الشرح الاضطراب اختلاف ألفاظ الرواة (8) . والنص هو الذي لا يحتمل المجاز. والذي لم يُتَّفق على تخصيصه [كما تقدَّم في آية الأختين] (9) . والوارد على سببٍ: اختلف العلماء (10) فيه، هل يُقْصَر (11) على سببه أو (12)   (1) انظر مسألة ترجيح الأخبار في المتن في المعتمد: 2/181، شرح اللمع للشيرازي 2/660، بذل النظر ص488، تقريب الوصول ص 480. شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/312، مفتاح الوصول ص 637، رفع النقاب القسم 2/1003، شرح الكوكب المنير 4/659، دراسات في التعارض والترجيح لشيخنا د. السيد صالح عوض ص 471، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية د. عبد اللطيف البرزنجي 2/186، منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د. عبد المجيد السوسوة ص 429. (2) هكذا في جميع النسخ، والصواب وجوب اقتران جواب "أما" الشرطية بالفاء ولا يعرى عنها إلا لضرورة أو ندرة. انظر: هامش (2) ص 79. (3) في ن: ((وروده)) . (4) ساقطة من ق، وهو سقط يقلب المعنى. (5) في ق: ((البعض)) وهو تحريف، وفي ن: ((النقض)) وهو تصحيف. (6) قال الشوشاوي: ((لو عبَّر المصنف بقوله: أو لا يتضمن إضافة النقص إلى الصحابة رضي الله عنهم لكان أولى، فإنه أعم من نفيه عنهم)) رفع النقاب القسم 2/1010 (7) انظر هذه المرجِّحات في المتن مع أمثلتها عند الباجي في: إحكام الفصول ص745-753، الإشارة في معرفة الأصول ص337-341، المنهاج في ترتيب الحجاج ص228-232 (8) المراد بالاضطراب هنا الاضطراب في المتن، والمراد به الذي يقع الاختلاف فيه على الراوي المؤدي إلى اختلاف المعاني. انظر: إحكام الفصول ص746، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/699. قال السخاوي (( قلَّ أن يوجد مثالٌ سالم له)) فتح المغيث 1/279. (9) ما بين المعقوفين في ق: ((كآية الأختين المتقدمة)) . انظر ما ذكره في آية الأختين: ص 414، 416-417. (10) ساقطة من ق (11) في ن: ((يقضي)) . (12) في س: ((أم)) وهو مالا يجوِّزه أكثر النحاة. انظر: هامش (6) ص 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 يبقى (1) على عمومه؟ (2) [والذي لم يرد على سببٍ سَلِم من (3) هذا الاختلاف، ويحمل على عمومه] (4) إجماعاً. وإذا قُدِّم أحد الخبرين على الآخر في موطن كان ذلك ترجيحاً له عليه (5) ؛ لأنه (6) مزيَّة له (7) . وإذا ورد بعبارات مختلفة والمعنى واحد قَوِي ذلك المعنى في النفس، وبَعُد اللفظ عن المجاز، والعبارة الواحدة تحتمل المجاز، وأن يراد غير ذلك المعنى الظاهر، وهذا غير (8) الاضطراب، فإنه اختلاف اللفظ واختلاف المعنى بالزيادة والنقصان. ص: قال الإمام رحمه الله: أو يكون فصيحَ اللفظ، أو لفظه حقيقةً، أو يدل على المراد من وجهين، أو تأكَّد (9) لفظه بالتكرار، أو يكون ناقلاً عن حكم العقل، أو لم يعمل بعض الصحابة أو السلف على (10) خلافه مع الاطلاع (11) عليه، أو كان (12) مما (13) لا تعمُّ به البلوى، والآخر ليس كذلك (14) .   (1) في س، ن: ((يُخلَّى)) . (2) مسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، سبق أن بحثها المصنف ص (216) من المطبوع. وانظر أيضاً: المعتمد 1 / 279، إحكام الفصول ص 269، أصول السرخسي 1 / 271، المستصفى 2 / 131، الواضح لابن عقيل 3 / 41، رفع الحاجب لابن السبكي 3 / 116، مفتاح الوصول ص 539. (3) في ن: ((عن)) . (4) ما بين المعقوفين ساقط من س (5) ساقطة من س (6) في ن: ((لأنها)) وهو تحريف (7) ساقطة من ن (8) في ن: ((عين)) وهو تحريف يقلب المعنى (9) في متن هـ: ((يؤكد)) ، وفي ق: ((تأكيد)) . (10) في ن: ((عن)) وهو تحريف (11) في ق: ((الإطلاق)) وهو تحريف (12) في ن: ((يكون)) . (13) في ق، متن هـ: ((فيما)) . (14) النقل هذا عن المحصول (5/428 - 433) باختيار واختصار. وانظر أيضاً: الإبهاج 3/229 وما بعدها جمع الجوامع بحاشية البناني 2/367، نهاية السول للإسنوي 4/497، التوضيح لحلولو ص378، رفع النقاب القسم 2/1011 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 الشرح الناقل عن البراءة الأصلية أرجح؛ لأنه مقصود بعثة الرسل، وأما استصحاب حكم العقل (1) فيكفي فيه العقل فيقدم الناقل كما يقدم [المنشيء على المؤكِّد] (2) . وعمل بعض (3) الأكابر على خلاف الخبر مع اطلاعهم (4) عليه يدلُّ على اطلاعهم (5) على (6) نسخه، فالسالم من ذلك مقدَّم عليه، أما إذا لم يطَّلع جاز أن يكون تركه لعدم اطلاعه عليه، فيسقط الترجيح. والذي تعمُّ به البلوى: اختلف العلماء في قبوله، منعه الحنفية من أخبار الآحاد [وتقدم الكلام فيه] (7) فيضعف للخلاف في قبوله، فالسالم عن هذا الخلاف مقدّم.   (1) ساقطة من ن. (2) في ن، س: ((المؤكد على المنشيء)) وهو خطأ بيّن. وقاعدة: تقديم التأسيس على التأكيد تعرَّض لها المصنف في ص (112) من هذا الكتاب (المطبوع) . وانظرها أيضاً في: مفتاح الوصول ص 483، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للإسنوي 167، تقرير القواعد لابن رجب 3/189، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحَّام ص144، 147، كتاب القواعد للحصني 3/50. (3) ساقطة من ق (4) في ن، س: ((اطلاعه)) وهو صحيح أيضاً باعتبار لفظ الإفراد في ((بعض)) . والمثبت هنا مراعاةً لمعنى الجمع. انظر: هامش (9) ص 216. (5) في ن، س: ((اطلاعه)) . انظر الهامش السابق. (6) ساقطة من ن. والفعل " اطلاع " يتعدى بنفسه وبعلى. (7) ساقط من ق. وانظر بحث المسألة في: ص 267. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة (1) ص: قال الباجي: يترجَّح أحد القياسين على الآخر بالنص [على عِلَّتِهِ] (2) ، أو لا يعود على أصله بالتخصيص، أو علته مطَّردة منعكسة (3) ، أو شهد لها أصول كثيرة، أو يكون [أحدُ القياسين فَرْعُه] (4) من جنس أصله، أو علته متعدِّية، أو تعمُّ فروعَها، أو هي أعم، أو هي (5) مُنْتَزَعة من أصلٍ منصوصٍ عليه، أو أقلُّ أوصافاً والقياس الآخر ليس كذلك (6) . الشرح النصُّ على العلة يدل على العلية أكثر من الاستنباط، فإن اجتهادنا يحتمل الخطأ، [والنص صواب جزماً] (7) . ومثال ما يعود على أصله بالتخصيص: جَعْلُنا علة منع بيع الحيوان باللحم (8)   (1) قد يتعارض قياسان أو أكثر في حكم حادثةٍ، ويتردد الفرع بين أصلين يصحّ حمله على أحدهما بعلَّةٍ مستنبطة منه، ويصحّ حمله على الثاني بعلةٍ مستنبطةٍ منه، فيحتاج الناظر إلى ترجيح إحدى العلتين على الأخرى. انظر: الإشارة في معرفة الأصول للباجي ص 342. وانظر مسألة التراجيح بين الأقيسة في: المعتمد 2/300، 457، شرح اللمع للشيرازي 2/950، قواطع الأدلة 4/428، التمهيد لأبي الخطاب 4/226، المحصول للرازي 5/444، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/713، تقريب الوصول ص 486، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/316، تشنيف المسامع 3/538، التوضيح لحلولو ص 379، تيسير التحرير 4/87، فواتح الرحموت 2/387. (2) في س: ((عليه)) وليس هو المراد. (3) العلة المطردة المنعكسة هي التي توصف بالطرد والعكس. والطرد: وجود الحكم لوجود العلة، والعكس: عدم الحكم لعدم العلة. الحدود للباجي ص 74، 75. (4) ما بين المعقوفين في ق: ((فرع أحد القياسين)) . (5) ساقطة من س (6) انظر: إحكام الفصول للباجي ص (757 - 766) ، فقد ذكر اثني عشر مرجِّحاً بأمثلتها. وانظر أيضاً كتابيه: المنهاج في ترتيب الحجاج ص (234 - 237) ، الإشارة في معرفة الأصول ص (342 - 347) (7) ما بين المعقوفين في ق: ((بخلاف النص)) . (8) نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك في معنى النهي عن بيع الحيوان باللحم أنه تحريم التفاضل في الجنس الواحد حيوانِهِ بلحمه، لما فيه من المزابنة والغرر والقمار؛ لأنه لا يُدرى: هل في الحيوان مثل اللَّحم الذي أُعطي أو أقل أو أكثر، فهو بيع لحم مغيَّبٍ في جِلْدِه بلحمٍ. انظر: الاستذكار 20/106. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 معلَّلاً بالمزابنة (1) - وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه (2) - فاقتضى ذلك حمل الحديث على الحيوان الذي يقصد لِلَّحمْ، فخرج (3) بسبب هذه العلة أكثر الحيوانات، وبطل حكم النهي فيها. وكذلك تعليل منع بيع الحاضر للبادي (4) ، بأن الأعيان على أهل البادية تُقوَّم بغير مالٍ كالحَطَب والسَّمْن وغيرهما (5) ، فاقتضى هذا التعليل أن تَخْرُج (6) الأعيان التي (7) اشتراها البدوي، وأنَّ نُصْحَه فيها متعيَّن أو إعانته، بخلاف القسم الأول (8) [يترك فيه] (9) مع الحضري ولا ينصح، فالعلة التي لا تعود (10) على أصلها بالبطلان أولى. والعلة المتعدية أولى من القاصرة (11) ، غير أن هذا لا يستقيم من جهة أن القاصرة   (1) في ن: ((المزاعة)) وهو تحريف. والمُزابنة لغة: مفاعلة من الزَّبْن وهو: الدَّفْع، كأن كل واحد من المتبايعين يَزبن صاحبه عن حقِّه بما يزداد منه، وإنما نهى عنها لما يقع فيها من الغبن والجهالة. انظر مادة " زبن " في: النهاية في غريب الحديث والأثر، لسان العرب. (2) انظر تعريفها اصطلاحاً عند المالكية في: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1/347، حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل 5/135، وبعض كتب المالكية تعبِّر عن المزابنة بأنها: بيع مجهول بمعلوم أو مجهول بمجهول من جنسه انظر: مختصر خليل بشرح الزرقاني 5/80 (3) في س، ق: ((فيخرج)) . (4) عرَّفه بعض المالكية بأنه: أن يتولَّى الحاضر العقد أو يقف مع ربِّ السلعة ليزهَّده في البيع ويعلمه أن السلعة لم تبلغ ثمنها ونحو ذلك. انظر: مواهب الجليل (6/250) . وعرَّفه بعضهم: بأن يبيع حاضر سِلَعاً لعموديٍّ (بدوي) قَدِمَ بها الحاضرةَ ولا يعرف ثمنها، وكان البيع لحاضرٍ. انظر: الشرح الكبير للدردير 3 / 69 فاللاَّم في ((البادي)) للتعليل لا للتعدية، ويكون الحاضر سمسرياً أو مرشداً. انظر: حاشية التوضيح لابن عاشور 2 / 198. (5) في ن: ((وغيرها)) والمثبت أولى لعود الضمير على اثنين: الحطب والسمن. (6) في س: ((يخرج)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص 67. (7) في ن: ((الذي)) وهو خطأ؛ لأن الموصوف وهو ((الأعيان)) مؤنث، والصفة تتبع الموصوف. (8) وهو أن يكون البدويُّ بائعاً والثمن غير مالٍ كالحطب والسمن. والقسم الثاني: أن يكون البدوي مشترياً. (9) ما بين المعقوفين في ن، س: ((التحامل عليه فيه)) . (10) في س، ق: ((تعكِّر)) . (11) هذا مذهب الجمهور، ووجهه أن النص يغني عن القاصرة. والمذهب الثاني: تقديم القاصرة على المتعدية، ووجهه أن النص يقوّيها. والمذهب الثالث: هما سواء، لتعارض المدركين. انظر: البرهان للجويني 2/822، المحصول للرازي 5/467، المسودة ص378، كشف الأسرار للبخاري 4/172، البحر المحيط للزركشي 8/210 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 لا قياس فيها، والكلام [إنما هو] (1) في ترجيح الأقيسة، فإن كان في ترجيح العلل من غير قياس صح (2) . والعلل التي تعمُّ فروعها متقدِّمةٌ بسبب أنها إذا لم تعم تكون بقية الفروع معللةً بعلة أخرى، وتعليل الأحكام المستوية بالعلل (3) المختلفة مُخْتَلفٌ (4) فيه، والمتفق عليه أولى. والتي هي أعم تكون فائدتها أكثر، فتُقدَّم. والمُنْتَزَعةُ من أصلٍ منصوصٍ عليه مقدَّمةٌ على ما أُخِذ من أصلٍ (5) اتفق عليه الخصمان فقط. والعلة إذا قلَّت أوصافها أو كانت ذاتَ (6) وصفٍ* واحدٍ [كانت مقدَّمةً] (7) ؛ لأن المركَّب يُسْرِع (8) إليه العَدَمُ بطريقين، من جهة عدم كل واحد من أوصافه، وما كثرت شروطه كان مرجوحاً (9) .   (1) ساقط من ق (2) أجاب الزركشي عن هذا بأن نتيجة الترجيح بين القاصرة والمتعدية ينبني عليها إمكان القياس وعدمه. مثاله: الثمنية والوزن في النقدين، فمن رجَّح الوزن رتَّب على ترجيحه إمكان القياس، ومن رجَّح الثمنية رتَّب على ترجيحه امتناع القياس، وهذه فائدة. انظر: البحر المحيط 8/212. وانظر توجيهاً آخر للمصنف في: نفائس الأصول 9/3779 (3) في س: ((بالعلة)) وهي غير مناسبة مع السياق. (4) ساقطة من ن (5) في س: ((الأصل الذي)) . (6) في ن: ((ذا)) وهو خطأ؛ لأن الموصوف وهو ((العلة)) مؤنث. (7) في ق: ((قُدِّمتْ)) . (8) في س: ((يشرع)) وهو تصحيف (9) ما ذكره المصنف من تقديم العلَّة قليلة الأوصاف على كثيرتها هو قول الجمهور. والقول الثاني: ترجيح العلة الأكثر أوصافاً؛ لأنها أكثر مشابهةً للأصل. والقول الثالث: هما سواء؛ لأنهما سواء في إثبات الحكم. انظر: إحكام الفصول ص 763، شرح اللمع للشيرازي 2/957، نفائس الأصول 9/3748، المسودة ص378، 381 كشف الأسرار للبخاري 4/173. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 ص: قال الإمام رحمه الله: أو يكون أحد القياسين متفقاً (1) على علته، أو أقلَّ خلافاً، أو بعضُ مقدماته يقينية، أو علَّتُه وصفٌ حقيقي. ويترجَّح (2) التعليل بالحكمة على العدم والإضافيِّ والحكمِ الشرعيِّ والتقديريِّ، والتعليل* بالعدم أولى من التقديري، وتعليلُ الحكم الوجودي [بالوصف الوجودي] (3) أولى من العدمي بالعدمي (4) ومن العدمي بالوجودي و [من] (5) الوجودي بالعدمي؛ لأن التعليل بالعدم يستدعي تقدير الوجود، وبالحكم الشرعي أولى من التقديري (6) ؛ [لكون التقدير] (7) على خلاف الأصل. والقياس الذي يكون ثبوت الحكم في أصله أقوى (8) أو بالإجماع أو بالتواتر أقوى مما ليس كذلك (9) . الشرح الوصف الحقيقي كالإسكار، والعدمي كقولنا: غير مستحقّ أو عدوان، فإنه سلب محض، والإضافي (10) نحو قولنا: البنوة مقدَّمة على الأبوة، وهما علة الميراث، وهما إضافيتان ذهنيتان لا وجود لهما في الأعيان (11) . وتقدَّم (12) أن الحكمة هي [علة علية العلة] (13) ، كإتلاف المال في السرقة، واختلاط الأنساب في الزنا، فهي أولى من   (1) في ن: ((متفق)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر "كان " منصوب. (2) في ن: ((ترجح)) . (3) ساقط من س (4) ساقطة من ق (5) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسخ: ص، و، ش (6) سبق تعريف هذه المصطلحات بأمثلة. (7) ساقط من ق (8) هنا زيادة ((بالنص)) في س، وكان الأولى أن تأتي قبل الكلمة التي سبقتها ليستقيم سياق العبارة. (9) انظر هذه المرجحات عند الإمام الرازي في: المحصول 5/445 - 448، 462 وانظر: الإبهاج 3/237، نهاية السول للإسنوي 4/ 510، التوضيح لحلولو ص 381. وهناك أمثلة توضيحية لهذه المرجحات، انظرها في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/1031- 1040. (10) سبق تعريف الإضافي. (11) راجع هامش (5) ص 373. (12) انظر: ص 369. (13) في ق: ((علية العلية)) وهو غير مناسب، ولو قال ((علة العلة)) لكان أسدّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 العدم الصِّرْف، والحكم الشرعي كتعليل منع البيع بالنجاسة (1) ، والتقديري كتعليل ثبوت الولاء للمُعْتَق عنه بتقدير الملك له (2) ، وتوريث الدِّيَة في الخطأ بتقدير ثبوت الملك للمقتول قبل موته في الزمن الفَرْد، فإنه حي لا يستحقها، وما لا يملكه لا يُورث عنه، والمِلْك بعد الموت محال، فيتعين تقدير الملك قبل الزهوق بالزمن الفَرْد. وقُدِّم العَدَم على التقديري (3) ؛ [لأن التقدير] (4) : هو إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود، ووضع المعلوم (5) على خلاف ما هو عليه خلاف الأصل، والعدم هو على وضعه (6) لم يُخَالَف فيه أصلٌ فكان مقدَّماً. وإنما استدعى العدم تقدير الوجود؛ لأن العلة العدميَّة (7) لابد أن تكون عدماً مضافاً لشيء معينٍ كقولنا: عدم الأسكار علة (8) إباحة الخمر ونحو ذلك، فلابد أن نقدِّر (9) معنىً هذا عدمه (10) . والحكم الشرعي حقيقي، بخلاف التقديري فيه مخالفة الأصل كما تقدَّم.   (1) انظر: ص 374. (2) انظر: ص 382. (3) في ن: ((التقدير)) والمثبت أولى تمشياً مع عبارة المتن. (4) ساقط من ن (5) في ق: ((المعلول)) وهو تحريف (6) في ق: ((أصله)) . (7) في ق: ((بالعدمية)) ويكون المراد: لأن التعليل بالعلة العدمية (8) ساقطة من س (9) في ق: ((يُقدَّر)) . (10) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الفصل الخامس في ترجيح طرق العلة ص: قال الإمام رحمه الله: المناسبة أقوى من الدوران خلافاً لقوم (1) ، ومن التأثير والسَّبْر المظنون والشَّبَه والطَّرْد (2) . والمناسب الذي اعْتُبر نوعه في نوع الحكم مقدَّم (3) على ما اعتبر جنسه في [نوع الحكم] (4) ، ونوعُه في جنسه، وجنسُه في جنسه؛ لأن الأخص بالشيء أرجح وأولى به*، والثاني والثالث متعارضان (5) ،   (1) لم أعثر على تسميةٍ لهم، وقد جاءت الإشارة إلى هذا الخلاف في: نهاية الوصول للهندي 8/3759، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/376، البحر المحيط للزركشي 8/218، تشنيف المسامع 3/547، التوضيح لحلولو ص 382 (2) مراتب هذه المسالك وقع اختلاف بين العلماء في تقديم بعضها على بعض، فمنهم من قدَّم المناسبة على الدوران، ومنهم من عكس. ومنهم من قدَّم السبر على الدوران، ومنهم من عكس. ومنهم من قدَّم السبر على المناسبة، ومنهم من عكس. ومنهم من أخَّر الإيماء عن الجميع إلا عن الطرد.. وهكذا. انظر: الإحكام للآمدي 4/272، الإبهاج 3/242-244، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/376، نهاية السول للإسنوي 4/513-516، البحر المحيط للزركشي 8/217، التوضيح لحلولو ص 381، شرح الكوكب المنير 4/718، تيسير التحرير 4/87-89. (3) ساقطة من ق، متن هـ. (4) في متن هـ: ((نوعه)) . (5) وجه تعارضهما: أن كلَّ واحدٍ من القسمين فيه خصوص من وجه واحد، إذ في أحد القسمين خصوص الوصف، وفي الآخر خصوص الحكم، فليس تقديم أحد القسمين على الآخر بأولى من العكس. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم (2/1049) . لكن من العلماء من رأى تقديم " النوع في الجنس " على عكسه، ولم يحكم بتعارضهما. والمصنف حكم أولاً بتقديم النوع في الجنس على عكسه ص (332) ، ثم تراجع عنه، وبيَّن أنه وقع منه سهواً ص (335) ..وحجة التقديم: أن تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع إنما هي فرع تعدية العلة، فالعلة أصلٌ في التعدية وعليها المدار، أو بعبارة أخرى: أن الوصف أصلٌ للحكم؛ لأن الحكم إنما جيء به لأجل الوصف والحكم فرعٌ له، وإذا تعارض الفرع مع الأصل قُدّم الأصل، فخصوص الأصل أولى بالاعتبار من خصوص الحكم. ويلاحظ هنا بأن الرازي عبَّر في محصوله (5/459) عن هذين القسمين بقوله: ((فهما كالمتعارضين)) . وتعبير تاج الدين الأرموي في: الحاصل (2/995) ، وسراج الدين الأرموي في التحصيل (2/274) قولهما ((بأنهما متقاربان)) . وكذا تعبير صفي الدين الهندي في: نهاية الوصول (8/3303) ، وقال: ((لكن اعتبار النوع في الجنس أولى؛ لأن الإبهام في العلة أكثر محذوراً من الإبهام في المعلول)) . انظر المسألة في: الإحكام للآمدي 4/279، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/318، الإبهاج 3/242، التوضيح لحلولو ص 382، فواتح الرحموت 2/387. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 والثلاثة راجحة على الرابع، ثم الأجناس عالية وسافلة ومتوسطة، وكلما قرب كان أرجح. والدوران في صورة أرجح منه في صورتين*، والشبه في الصفة أقوى منه في الحكم، وفيه خلاف (1) . الشرح المناسبة المصلحة بادية فيها، والدوران ليس فيه إلا مجرد الاقتران، والشرائع مبنية على المصالح. حجة المنع: أن الدوران فيه طرد وعكس؛ لاقتران الوجود بالوجود والعدم بالعدم، والعلة المطردة المنعكسة أشبه بالعلل العقلية فيكون (2) أرجح. والجواب: المناسب المطَّرد المنعكس أرجح من المناسب الذي لا يكون كذلك، أما مجرد الطرد والعكس فممنوع. والتأثير هو اعتبار الجنس في الجنس، والاعتبار أضعف من المناسبة لما تقدم (3) . والشَّبَه هو المستلزم للمناسب، فالمناسب مقدَّم عليه، وقد تقدَّم تمثيله في طرق العلة (4) . والسَّبر والتقسيم وقع التعيين فيه بإلغاء الغير أو بعدم اعتباره، والمناسب الاعتبار فيه بالذات (5) . وتقدَّم في طرق العلة تقرير (6) الطرد وهو مجرد اقتران الحكم بجملة صور الوصف (7) ، والاقتران بمجرده أضعف من المناسب؛ لمَّا تقدَّم أنه مَعْدن الحكمة.   (1) انظر هذا النقل عن الإمام الرازي في: المحصول (5/454-461) (2) في ن: ((فتكون)) ووجهه: أن العلة المطردة المنعكسة تكون أرجح. ووجه المثبت عود الضمير على ((الدوران)) . (3) وهو قوله في أول شرح هذا المتن: ((المناسبة المصلحة بادية فيها)) . أي ما ظهرت فيه المناسبة والمصلحة أولى من مجرد الاعتبار. لكن المصنف لم يعدَّ التأثير أو المؤثر على أنه طريق من طرق العلة، بل الذي عدَّه طريقاً مستقلاً هو الرازي في المحصول (5/199) ، وعرَّفه هناك بما يختلف عن تعريف المصنف له هنا. والغريب أن المصنف لم يرتضِ صنيع الرازي في اعتبار التأثير أو المؤثر مسلكاً مستقلاً، ثم هو يتبعه هنا. انظر: نفائس الأصول 7/3273، 3277، 3322. وانظر: هامش (9) ص 331 - 332. (4) انظر: ص 339. (5) في ن: ((بالذوات)) ولا داعي للجمع. (6) في س: ((تقدير)) وهو تحريف (7) انظر: ص 347. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 وتقدَّم في المناسب تمثيلُ أجناس الأوصاف والأحكام عاليةً وسافلة (1) ، وتمثيلُ الدوران في صورتين وفي صورة ووجه الترجيح بينهما (2) . ويُقدَّم (3) الشَّبَه في الصفة (4) ؛ لأن الأوصاف هي أصل العلل، والأصل أن تكون الأحكام معلولاتٍ (5) لا عِلَلاً (6) . وقيل: لا، وحجته أن الحكم يستلزم علته، فيقع الشبه في أمرين (7) ، فيكون أرجح (8) . وجوابه: أنه لا يلزم من الشبه في الحكم الشبه في العلة؛ فإن الأحكام المتماثلة (9) (10) تعلل بالعلل المختلفة.   (1) انظر: ص 333. (2) انظر: ص 342، وانظر: نفائس الأصول 9/3765. (3) في ق، س: ((تقدّم)) وهو تصحيف. (4) في س: ((الوصف)) . (5) في ن: ((معلولة)) . (6) فصار الحكم فرعاً للوصف، والوصف أصلٌ له، فيقدم الشبه الوصفي على الحكمي تقديم الأصل على الفرع (7) هما الحكم والصفة. (8) لأن الشبه الذي اجتمع فيه أمران (الحكم والصفة) أولى مما فيه وجه واحد (9) في ن: ((المماثلة)) . (10) هنا زيادة: ((لا)) في ن. وهي منكرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 الباب التاسع عشر في الاجتهاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 تعريف الاجتهاد ص: وهو استفراغ الوُسْع (1) في المطلوب لغةً (2) . واستفراغ الوُسْع في النظر فيما لا (3) يلحقه فيه لَوْمٌ شرعي اصطلاحاً (4) . وفيه تسعة فصول (5) :   (1) في س: ((الجهد)) . (2) انظر مادة " جهد " في: لسان العرب، المصباح المنير، القاموس المحيط (3) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسخ ق، ز، م. والصواب إثباتها؛ لأنها مثبتة في: المحصول (6/6) ، وفي: نفائس الأصول (9/3789) ، ولأن المعنى في الحدّ بدونها يختلُّ، فإن كان المراد أنه يلحق المجتهدَ لومٌ شرعي على تقدير تركه الاجتهاد في تحصيل الحكم الشرعي إذا تعيَّن عليه، كان الحدُّ غير مانع؛ لأنه يندرج فيه كل ما يُجْتَهد فيه من أصول الديانات وتعيين القبلة ... إلخ، وهذا لا يُسمى اجتهاداً بالاصطلاح بل باللغة. وإن كان المراد أنه يلحق المجتهد لومٌ شرعي بترك العمل به بعد حصول الاجتهاد، كان الحدُّ غير جامع؛ لأنه لم يتناول إلا الواجبات. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/1060. وانظر: التوضيح لحلولو ص 382 أما إذا أثبتت "لا" في الحدّ، فيكون قوله ((فيما لا يلحقه فيه لومٌ شرعي)) قيداً في التعريف يُدْخِل الفروع، ويُحترز به عما يكون فيه اللوم وهو ما يتعلَّق بالأصول. ولهذا قال الرازي عقب تعريفه هذا: وهذا سبيل مسائل الفروع، ولذلك تُسَمى هذه المسائل مسائل الاجتهاد، والناظر فيها مجتهد. وليس هذا حال الأصول. المحصول 6/6. وانظر: نهاية الوصول للهندي 8/3785 (4) لم يرتضِ المصنف هذا التعريف ولم يستحسنه في نفائس الأصول (9/3790-3792) ، وأورد عليه إشكالاً، وناقش عدداً من التعريفات، ثم قال: ((والذي أراه أنه: بذل الوسع في الأحكام الفروعية الكلية ممن حصلت له شرائط الاجتهاد)) وشَرَحَه هناك. ومن تعريفات الاجتهاد المناسبة هو ((بذل الفقيه الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط)) ذكره الشوكاني وشرحه في: إرشاد الفحول 2/295 وانظر: الإحكام لابن حزم 2/629، الحدود للباجي ص 64، اللمع للشيرازي ص 258، الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 137، منتهى السول والأمل ص 209، التقرير والتحبير 3/388، شرح الكوكب المنير 4/458، فواتح الرحموت 2/415 (5) نبَّه الشوشاوي تنبيهاً لطيفاً وقال بأن الصواب أن يقول المصنف: ((الباب التاسع عشر في الاجتهاد، وفيه عشرة فصول. الفصل الأول: في حقيقته، وهو استفراغ الوسع في المطلوب ... إلخ)) . ثم يقول: الفصل الثاني: في النظر وهكذا ... ، وهذا التفطن من الشوشاوي جاءه مِنْ حَصْرِ عدد فصول الكتاب؛ لأن المصنف ذكر في مقدمة متنه " تنقيح الفصول " بأنه لخَّصه في مائة فصل وفصلين، فبهذا الفصل المشار إليه في حقيقة الاجتهاد يكتمل العدد، وإلا فليس في الكتاب إلا مائةُ فَصْلٍ وفصلٌ واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 الفصل الأول في النظر (1) ص: وهو الفكر (2) ، وقيل: تَرَدُّدُ الذهن بين أنحاء الضرورات (3) ، وقيل: تَحْديق العقل إلى جهة الضروريات (4) ، وقيل: ترتيب تصديقاتٍ يُتَوصَل بها إلى علم أو ظنٍ (5) ، وقيل: ترتيب تصديقين (6) ، وقيل: ترتيب معلومات (7) ، وقيل: ترتيب معلومين (8) . فهذه سبعة (9) مذاهب (10) ، وأصحُّها الثلاثة الأُوَل. وهو (11) يكون في التصورات (12) ؛ لتحصيل الحدود الكاشفة عن الحقائق المفردة على ترتيبٍ خاصٍّ تَقدَّمَ أولَ الكتاب (13) ،   (1) لعل مناسبة عقد هذا الفصل هنا أن لفظة " النظر " وردت في حدِّ الاجتهاد، والمجتهد أحوج ما يكون إلى النظر. لكن جلُّ الأصوليين يذكرون "النظر" في أوائل تصانيفهم. انظر تعريفاته في: التقريب والإرشاد للباقلاني 1/210، التلخيص 1/122، قواطع الأدلة 1/41، الإحكام للآمدي 1/10، منتهى السول والأمل ص4، مراقي السعود للمرابط 1/86، إرشاد الفحول 1/52. (2) هذا تعريف أبي الحسين البصري في المعتمد 1 / 6، وبزيادة: ((في حال المنظور فيه)) ، جاء في العدة لأبي يعلى 1/184، وفي شرح اللمع للشيرازي 1/153. (3) هذا تعريف الجويني في: البرهان 1/103. (4) هذا تعريف أبي إسحاق الإسفراييني، هكذا النسبة إليه في نفائس الأصول 1/211. (5) هذا قريب من تعريف الرازي في: المحصول 1/87، معالم أصول الدين ص20. (6) هذا تعريف تاج الدين الأرموي في الحاصل (1/232) وتمامه: ((يتوصل بهما إلى استعلامِ مجهول)) . (7) لم أجده منسوباً لأحد، وهو مذكور في: نفائس الأصول (1/211) ، وتمامه: ليتوصل بها إلى معلوم آخر. (8) لم أجده منسوباً لأحد. وانظر: نفائس الأصول 1/211 (9) في س: ((ثلاثة)) وهو خطأ بيّن. (10) قال حلولو: ((كلها مدخولة، وأسدُّ عبارة فيه ما قيل إنه: الفكر المؤدي إلى علم أو ظن)) . التوضيح ص 383 (11) هنا زيادة: ((أن)) في س، وهي منكرة؛ لأن المراد هنا الشروع في بيان مجالات النظر لا بيان أصح التعريفات. (12) التصور: حصول صورة الشيء في الذهن. أو إدراك ماهية الشيء من غير حكمٍ عليه بنفي أو إثبات. انظر: شرح السلم للملَّوي بحاشية الصبان ص 45، التعريفات ص 78 (13) انظر: ص (11) من المطبوع. والمراد بالحدود: المعرفات الخمسة وهي: الحد التام، والناقص، والرسم التام، والناقص، والحد اللفظي. والمراد بالحقائق المفردة: المعاني المتصورة في النفس، والمفردة: احتراز من المركبَّة فإنها من شأن التصديقات. والمراد بقوله: على ترتيب خاص، أي: تقديم الجنس على الفَصْل أو الخَاصَة. انظر: رفع النقاب القسم 2/1068 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 وفي التصديقات (1) ؛ لتحصيل المطالب التصديقية على ترتيب خاصٍّ (2) وشروطٍ خاصة (3) حُرِّرتْ في علم المنطق (4) ، ومتى كان في الدليل مقدمة سالبة أو جزئية أو مظنونة كانت النتيجة كذلك؛ لأنها تتبع أخسَّ المقدِّمات (5) ولا يُلْتفت إلى ما صحبها من أشرفها. الشرح الثلاثة في النظر متقاربة في (6) المعنى، واختلافها في العبارات، والضروريات: هي القضايا البديهية، فإن العقل يقصدها ابتداءً ليستخرج منها (7) التصديقات النظرية. وأما قولهم: ((ترتيب تصديقات)) فهو قول الإمام فخر الدين (8) ، وهو باطل، فإن النظر إن كان في الدليل كَفَى فيه (9) مقدمتان، وتصديقاتٌ جَمْعٌ ظاهرٌ في الثلاث (10) . ولذلك (11) قال القائل الآخر: ((تصديقين)) ، وبَطَل أيضاً، فإن النظر كما (12) يقع في   (1) أي: ويكون النظر في التصديقات والتصديق: هو إدراك النسبة بين شيئين، أو حكم العقل بنسبةٍ بين مفردين سلباً أو إيجاباً. انظر: شرح السلم للملوي ص 45، المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي ص 69. (2) المراد بالترتيب الخاص، هو تقديم المقدمة الصغرى على الكبرى. انظر: رفع النقاب القسم 2/1070 (3) المراد بشروط خاصة، كقولهم: يشترط في إنتاج الشَّكْل الأول إيجاب الصغرى، وكلِّية الكبرى. مثل: كل إنسان حيوان وكل حيوان متحرك. انظر: رفع النقاب القسم 2/1070، وانظر: تحرير القواعد المنطقية لقطب الدين الرازي ص141 وما بعدها، شرح البنَّاني على السلم ص 176. (4) علم المنطق ويسمى علم الميزان وهو: علم يُتعرَّف منه كيفية اكتساب المجهولات التصورية والتصديقية من معلوماتها. انظر: أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي 2/521، وانظر تعريفات أخرى له في: شرح المطلع على متن إيساغوجي في المنطق لزكريا الأنصاري ص 9، مقدمة ابن خلدون 3/1136. (5) قال المصنف في نفائس الأصول 1/212 ((النتيجة تتبع أخس المقدمات، والخِسَّات ثلاث: الظن، والسلب، والجزئي، فظنية وقطعية النتيجة: ظنية، وسالبة وموجبة النتيجة: سالبة، وجزئية وكلية النتيجة: جزئية ... )) . (6) ساقطة من ق (7) في ن: ((منه)) وهو تحريف (8) انظر: المحصول 1/87، محصّل أفكار المتقدِّمين والمتأخرين ص 38 (9) في ق: ((به)) وهو غير مناسب للسياق (10) أورد المصنف في نفائس الأصول (1/196-209) ستة مطاعن على تعريف الرازي، فراجعها ثمة. (11) في ن: ((وكذلك)) وهو تحريف (12) ساقطة من ن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 التصديقات في البراهين يقع في التصورات في الحدود، والتصديقات لا تتناول التصورات التي في الحدود. فلذلك قال الآخر: ((ترتيب معلومات)) حتى يشمل (1) التصديقات والتصورات، فقيل له: إن معلومات جَمْع، وقد يكفي معلومان، في الدليل من تصديقين، والحدِّ من تصورين. فلذلك قال الآخر: ((ترتيب معلومين)) فقيل له: إن النظر قد لا يتحصَّل منه إلا الحدُّ الناقص (2) : وهو [ذكر الفصل (3) وَحْده، أو الرَّسْم الناقص (4) ] : (5) وهو ذكر (6) الخاصَّة (7) وحدها، ومع الوَحْدة لا ترتيب [فقَيْد الترتيب لا يسوغ (8) أصلاً لتوقفه] (9) على التعدد (10) ، فلذلك لم يصح إلا الثلاثة الأُوَل، لعدم اشتراطه الترتيب فيها والتعدد.   (1) في س: ((تشمل)) . (2) الحد الناقص: هو تعريف الشيء مركباً من جنسه البعيد وفَصْله القريب، كتعريف الإنسان بأنه جسم ناطق. ويطلق الحد الناقص - وهو المراد هنا - على تعريف الشيء بفصله القريب فقط، على خلافٍ في التعريف بالمفرد، كتعريف الإنسان بأنه: ناطق، وكونه ناقصاً؛ لعدم ذكر جميع الذاتيات فيه. انظر فتح الرحمن على مقدمة لقطة العجلان للأنصاري ص 45، شرح المطلع على متن إيساغوجي للأنصاري ص 35، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 131. (3) الفصل: هو كلّي مَقُول على الشيء في جواب: أي شيء هو في ذاته، كالناطق للإنسان. أو هو: جزء الماهية الصادق عليها في جواب: أي شيء هو. انظر: حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 107، شرح السلَّم المُنَوْرق بحاشية الصبان ص 69. (4) الرسم الناقص: هو الذي يكون مركباً من الجنس البعيد والخاصَّة، كتعريف الإنسان بأنه: جسم ضاحك. أو بالخاصَّة وحدها، كتعريف الإنسان بأنه: الضاحك. انظر: حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 131، تسهيل المنطق للبدخشاني ص 57 (5) ما بين المعقوفين ساقط من س (6) ساقطة من س، ق (7) الخاصَّة: هي كُلِّي مَقُول على أفرادٍ حقيقةً واحدةً قولاً عرضياً. كالضاحك أو الكاتب للإنسان. وله تعريفات أخرى. انظر: شرح السلم المنورق للملوي بحاشية الصبان ص71، شرح الخبيصي بحاشية العطار ص 111، فتح الرحمن على مقدمة لقطة العجلان للأنصاري ص 45 (8) في ن: ((يصح)) بدلاً من: ((يسوغ)) وهو صحيح أيضاً (9) ما بين المعقوفين في ق: ((لتوقف الترتيب)) .. (10) في ن: ((التحديد)) وهو تحريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 مثال المقدمة (1) السالبة والموجبة (2) : كل إنسانٍ حيوانٌ، ولا شيء من الحيوان بجمادٍ*، فلا شيء من الإنسان بجمادٍ. ومثال الجزئية والكلية: بعض الحيوان إنسانٌ، وكلُّ إنسانٍ ناطقٌ، فبعض الحيوان ناطقٌ. ومثال المظنونة والقطعية: في البيت عُصْفور عملاً بأخبار زَيْدٍ، وهذه ظنية، وكلُّ عصفور حيوان، وهذه قطعية، ففي البيت حيوانٌ (3) ظناً لا قطعاً. والضابط في الإِنْتَاج أنك أبداً تحذف المتكرر (4) وتحكم بالثاني على الأول كما تقدَّم في المُثُل السابقة. والسبب في كون النتيجة تتبع أخسَّ المقدمات أن تلك المقدمة [القوية متوقِّفة] (5) على تلك الخسيسة، ولا تستقل بنفسها، فلذلك صارت مع قوتها كالضعيفة.   (1) ساقطة من ق ... (2) ساقطة من س (3) في ق: ((عصفور)) وهو خطأ؛ لما سيُذكر بعد هذا من أن النتيجة من المقدمتين تكون بحذف المكرر، وهو الحد الأوسط، وهو هنا: ((عصفور)) . (4) في ق: ((المكرر)) . (5) في ق: ((متقدمة)) . وهو تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 الفصل الثاني في حكمه ص: مذهب مالك وجمهور العلماء رضي الله عنهم وجوبه وإبطال التقليد (1) ؛ لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) (3) . الصور المستثناة من تحريم التقليد: وقد استنثى مالك رحمه الله أربع عشرة (4) صورة (5) لأجل الضرورة. الأولى (6) : قال ابن القصار (7) : قال مالك يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين، كما يجب على المجتهدين الاجتهاد (8) في أعيان الأدلة، وهو قول جمهور العلماء (9) خلافاً لمعتزلة بغداد (10) ، وقال   (1) المراد بالاجتهاد الواجب والتقليد الباطل في حق كل أحد هو ما كان في أصول الدين. أمَّا في الفروع فالعوام مستثنون من ذلك بل الواجب في حقهم التقليد. انظر مذهب مالك في وجوب الاجتهاد في العقائد في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 7، التوضيح لحلولو ص384، وانظر مذهب الجمهور في: المعتمد 2/365، شرح اللمع 2/1007، التمهيد لأبي الخطاب 4/396، المحصول للرازي 6/91، نهاية الوصول (بديع النظام) لابن الساعاتي 2/689 (2) التغابن، من الآية: 16. (3) وجه الدلالة منها: أنها أمرت باتقاء الله في حدود الاستطاعة، ومن الاستطاعة ترك التقليد. (4) في س، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي؛ لأن العدد "عشرة" يوافق المعدود إذا استعمل مركباً. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص291 (5) في س: ((مسألة)) . (6) ساقطة من س (7) هذا النقل عن ابن القصار من مواضع متفرقة، ضمّنها المصنف هنا باختصار. انظر: المقدمة في الأصول ص 7، 14، 26 (8) ساقطة من ن (9) انظر: إحكام الفصول ص 723، 727، شرح اللمع للشيرازي 2/1010، قواطع الأدلة 5/99، المستصفى 2/466، التمهيد لأبي الخطاب 4/399، المحصول للرازي 6/73، المسودة ص 459، فواتح الرحموت 2/446 (10) أمثال: بشر بن المُعْتمِر ت 210هـ، وجعفر بن مبشِّر ت 234هـ، وجعفر بن حرب ت 246هـ، وأحمد ابن أبي دؤاد ت 240هـ، وأبي القاسم البلخي الكعبي ت 391هـ وغيرهم. انظر: شرح العمد 2/303، المعتمد 2/360، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 780. وممن منع التقليد جملةً وتفصيلاً ابن حزم في الإحكام 2/233، وتبعه الشوكاني على ذلك انظر: إرشاد الفحول 2/351، وله رسالة موسومة بـ" القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد " بتحقيق / عبد الرحمن عبد الخالق، دار القلم - الكويت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 الجُبَّائي (1) يجوز (2) في مسائل الاجتهاد فقط. الشرح التقليد في أصول الدين : قال إمام الحرمين في " الشامل " (3) : لم يقل بالتقليد في الأصول إلا الحنابلة (4) وقال الأستاذ أبو إسحاق من اعتقد ما يجب عليه من عقيدة دِيْنِهِ (5) بغير (6) دليل لا يستحق بذلك اسم الإيمان، ولا دخول الجنة والخلوص من الخلود في النيران ولم يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر (7) . حجة الجمهور: قولُه تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} (8) أمر بالعلم دون   (1) وهو الأب: أبو علي. انظر: شرح العمد 2/306، المعتمد 2/360 (2) في س: ((يجب)) وهو تعبير انفردت به عن سائر النسخ، وهو صحيح، وإنما جرى التعبير بالجواز في مقابلة قول معتزلة بغداد بأنه لا يجوز، وكذلك في مقابلة ما ليس من مسائل الاجتهاد كالعبادات الخمس، فإن التقليد فيها عنده لا يجوز. والله أعلم (3) كتاب: الشامل في أصول الدين. يعتبر موسوعة في تقرير العقيدة الأشعرية. طبع منه جزء بتحقيق المستشرق: هلموت كلوبفر مطبعة دار العلوم بالقاهرة عام 1988، وله طبعة أخرى بتحقيق د. علي سامي النشار، وفيصل بدير، وسهير محمد. الناشر: دار المعارف بالأسكندرية عام 1969م (4) استدرك المصنف على هذا النقل عن الحنابلة، وبيّن أن مشهور مذهبهم المنع من التقليد. انظر: ص (489) وانظر هامش (3) في نفس الصفحة. (5) في س، ن: ((دينية)) . (6) في ق: ((لغير)) . (7) ابن حزم ممن يرى حرمة التقليد في الفروع والأصول. انظر الإحكام 2/307 فلعلَّ المخالفين هم بعض أهل الظاهر كداود الأصبهاني وغيره انظر: الشفا للقاضي عياض 2/601. وممن جوّز التقليد في العقائد بعض الشافعية. انظر: المعتمد 2/365، وقال الرازي في المحصول (6/91) بإنه قول كثير من الفقهاء. وينبه هنا إلى أن القول بعدم صحة إيمان المقلد وإلزام العامي بالنظر والاستدلال في كل مسائل الاعتقاد فيه شَطَطٌ وتكلُّف غير مرضي. انظر: قواطع الأدلة 5/112، المنخول ص451، المسودة ص 461، النبوات لابن تيمية ص 61 - 62، 69، 72، فتاوى عز الدين بن عبد السلام ص282، 286، تحفة المسؤول القسم 2/866، تشنيف المسامع 4/622، الضياء اللامع 3/262، رفع النقاب القسم 2/1081، نيل السول ص 207. (8) سورة محمد، من الآية: 19. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 التقليدِ (1) وقولُه تعالى {قُلِ انظُرُواْ} (2) و {أَفَلَمْ يَنظُرُوا} (3) و {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا} (4) وهو كثير في الكتاب العزيز. وذمَّ التقليدُ [بقوله تعالى ذَمّاً] (5) لمن قال: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون} (6) ، وقال تعالى أيضاً {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون} (7) ، وقال تعالى {قُلْ (8) أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُم} (9) ، فأمر بالنظر في ذلك، وقال (10) : {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (11) } (12) . حجة الشاذ: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل إيمان (13) الأعراب الجُلفُ (14) البعيدين عن (15) النظر، ولو صحَّ ما قلتموه ما أقرَّهم على ذلك وحَكَم بإيمانهم (16) ،   (1) في ن: ((تقليد)) . (2) يونس، من الآية: 101 (3) ق، من الآية: 6 (4) النمل، من الآية: 69، والعنكبوت، من الآية: 20، والروم، من الآية: 42. (5) ساقط من ن، والعبارة في ق هكذا: ((وذمَّ من قال)) . (6) الزخرف، من الآية: 22 (7) الزخرف، من الآية: 23 (8) هكذا في جميع النسخ، وهكذا قرأها أكثر القراء على أنها فعل أمر، بينما قراءة ابن عامر، وحفص ((قال ... )) على أنها فعل ماضٍ. انظر: اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للشيخ أحمد البنا 2/455 (9) الزخرف، من الآية: 24 (10) في ن: ((وقوله تعالى)) . (11) يُهرعون: يتبعونهم مسرعين، والإهراع: إسراعٌ في رِعْدة. انظر: مادة " هرع " في: عمدة الحفاظ، لسان العرب (12) الصافات، من الآية: 70 (13) ساقطة من ن (14) الجِلْف: الجافي في خَلْقه وخُلُقه. وجمعه: أجْلاف. أمَّا جُلُف فهو جمع: جَلِيْف وهو الذي قُشِر. انظر مادة " جلف " في: لسان العرب. (15) في ق: ((على)) وهي ليست مناسبة. انظر: هامش (6) ص (419) (16) منها حديث أنس رضي الله عنه في إسلام ضمام بن ثعلبة في البخاري (63) ، ومنها حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في إسلام رجل من أهل نجد في البخاري (46) ، وكذلك حديث أنس في إسلام رجل من أهل البادية في مسلم (12) وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 وسأل (1) عليه الصلاة والسلام الجارية (2) ((أين الله؟)) فقالت: في السماء. فقال للسائل: ((أعْتِقْها فإنها مؤمنة)) (3) ، وهذا كله يدل على عدم اشتراط النظر. أجاب الجمهور عن هذه الصور (4) : بأن ذلك كان من أحكام أوائل الإسلام لضرورة المباديء. أما بعد تقرُّر الإسلام فيجب العمل بما (5) ذكرناه من موجب الآيات، ولذلك كان (6) عليه الصلاة والسلام يكتفي في قواعد الشرع والتوحيد بأخبار الآحاد، فيبعث الواحد إلى الحي من أحياء العرب يعلمهم القواعد والتوحيد والفروع، وقد لا يفيد خبره إلا الظن غالباً، ومع ذلك فيُكتفى به في أول الإسلام، بخلاف (7) الآن لا يُكتفى بمثل هذا في الدين، ولا يَحِلُّ أن يظن الإنسان نفي الشريك والوحدانية مع تجويز النقيض. التقليد في الفروع وأما التقليد في الفروع فحجة الجمهور قوله تعالى {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (8) فأمرهم بالحذر عند إنذار علمائهم، ولولا وجوب التقليد لما وجب ذلك، ولقوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (9) قال المفسرون: هم العلماء، وقيل: ولاة الأمر والنهي من الملوك وغيرهم (10) ، أوجب الطاعة وهو وجوب التقليد (11) .   (1) في س: ((قال)) . (2) في س: ((للجارية)) . (3) حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية أخرجه مسلم (537) وغيره من حديث معاوية بن الحكم السلمي، وفيه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم سألها: ((من أنا؟ قالت: أنت رسول الله ... )) إلخ. (4) في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صور. (5) في س: ((عما)) وهو تحريف. (6) في ن: ((قال)) وهو خطأ؛ لعدم مناسبتها للسياق. (7) ساقطة من ق (8) التوبة، من الآية: 122 (9) النساء، من الآية: 59، وصدرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} (10) ذكر ابن القيم بأن القولين ثابتان عن الصحابةرضي الله عنهم في تفسير الآية، وقال بأن الصحيح أنها متناولة للصنفين جميعاً، فإن العلماء ولاة الأمر حفظاً وبياناً وذبّاً عنه وردّاً على من ألْحد فيه وزاغ عنه ... والأمراء ولاة الأمر قياماً وعنايةً وجهاداً وإلزاماً للناس به وأخذهم على يد من خرج عنه. انظر: إعلام الموقعين 2/216، بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية جَمْع/ يُسري السيد محمد 2/29. وانظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/573، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/259، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/301 (11) في ق: ((التقليل)) وهو تحريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 حجة المعتزلة: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ومن الاستطاعة ترك التقليد (2) ، ولأن العامي متمكِّنٌ من كثير من وجوه النظر، فوجب ألا يجوز له تركها قياساً على المجتهد (3) . والجواب عن الأول*: أن الخطأ متعَيِّنٌ في حق العوام إذا انفردوا بالأحكام؛ لأنهم لا* يعرفون الناسخ والمنسوخ ولا المخصِّص ولا المُقيَّد ولا [كثيراً مما] (4) تتوقف عليه الألفاظ، وما لا يضبطونه (5) لا يحل لهم (6) محاولته لفَرْط الغَرَر فيه. وهو الجواب عن الثاني. حجة الجبائي: أن شعائر الإسلام الظاهرة لا تحتاج لمنصب المجتهد، فلا حاجة إلى التقليد فيها كالصلوات الخمس وصوم رمضان ونحو ذلك، وأما الأمور الخفيَّة من المجتَهَد فيه فيتعيَّن التقليد فيه لغموضه. والجواب: أن تلك الأمور إن (7) انتهت إلى حدِّ الضرورة بطل التقليد بالضرورة، ولا نزاع في ذلك؛ لأن تحصيل الحاصل محال لاسيما والتقليد إنما يفيد الظن الذي هو دون الضرورة بكثيرٍ (8) وإنْ لم يَنْتَهِ إلى حدِّ الضرورة تعيَّن التقليد للحاجة في النظر إلى أدواتٍ مفقودة في حق العامي (9) . فروع ثلاثة: الفرع الأول: هل يعيد العامي استفتاءه إذا عادت النازلة به؟ الأول: قال ابن القصار: إذا استفتى العامي في نازلة (10) ثم عادتْ، يحتمل أن   (1) التغابن، من الآية: 16 (2) هذا الدليل الأول (3) هذا الدليل الثاني (4) في ق: ((كلَّ ما)) . (5) في س: ((يضيعونه)) وهو تحريف (6) ساقطة من ن (7) ساقطة من ن (8) ساقطة من س (9) انظر: المعتمد 2/365، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/132، شرح اللمع للشيرازي 2/1009، التمهيد لأبي الخطاب 4/398 (10) في س: ((مسألة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 يعتمد على تلك الفتوى لأنها حق، ويحتمل أن يعيد الاستفتاء لاحتمال تغيُّر الاجتهاد (1) . الفرع الثاني: التنقل من مذهب إلى آخر الثاني: قال الزَّنَاتيَ (2) : يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقالُ من مذهبٍ إلى مذهب (3) بثلاثة شروط: - ألاَ يَجْمع بينهما على [وجهٍ يخالف] (4) الإجماع، كمن تزوَّج بغير صَدَاقٍ ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد (5) .   (1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص (32) . وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال، الأول: لا يعيد السؤال اختاره ابن الصلاح في كتابه "أدب الفتوى" ص (149) ، والرهوني في تحفة المسئول (2/874) ، القول الثاني: يلزمه تجديد الاستفتاء، صححه ابن القصار في مقدمته ص (32) وجزم به ابن العربي في محصوله ص (616) القول الثالث: التفصيل إن كانت الفتوى استقرَّتْ على نص أو إجماع، وعَسُرت المراجعة لبعد مسافةٍ أو شدة تكرر المسألة أو كان المقلَّد ميتاً - عند من يجوزّه - فلا يلزم تكرار السؤال، وإلا لزم، وهو ما اختاره الجويني والغزالي وابن النجار وزكريا الأنصاري وغيرهم. انظر: البرهان 2/878، المنخول ص 482، شرح الكوكب المنير 4/555، غاية الوصول ص 151. وانظر المسألة في: المسودة ص 467، البحر المحيط للزركشي 8/355، فواتح الرحموت 2/438، إعلام الموقعين 4/232، صفة الفتوى لابن حمدان ص 82. (2) في س: ((الرزباني)) وهو تحريف. أما ترجمته فلعلَّه: أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عيَّاش الزَّناَتي - نسبة إلى زَنَات ناحية بَسَرَقُسْطة بالأندلس - الغرناطي يُعرف بالكمَّاد شيخ المالكية، كان إماماً فقيهاً قائماً على المدونة ت 618هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 22/175. ومما دفعني إلى ترجيح كون الزناتي هو المترجم له أن القرافي ذكره باسمه في الذخيرة 6/354، وأن له رسالة بعنوان: " الكشط عن المقلدين والنشط في إفحام الملحدين " مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط، ضمن مجموع (1278) ص 354 - 374. (3) هذه مسألة: العامي هل يجب عليه التزام مذهب معين في كل نازلة لا يبرحه؟ فيها قولان، الأول: يجب، ووجهه أنه ما قلَّده إلا لاعتقاده بأنه حق، فوجب أن يعمل بمقتضى اعتقاده. الثاني: لا يجب عليه، فالعامي لا مذهب له بل له أن يقلد أيَّ مجتهد شاء، فإن الأئمة لم يأمروا أصحابهم بالتزام مذهب معين، بل المنقول عنهم تقريرهم الناسَ على العمل بفتوى بعضهم بعضاً. انظر: المسودة ص 465، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/401، البحر المحيط للزركشي 8/373، 375، التوضيح لحلولو ص 387، تيسير التحرير 4/253، الدرَّة البهية في التقليد والمذهبية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، إعداد/ محمد شاكر الشريف ص (26) ، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 138، إعلام الموقعين 4/232 (4) في ن، ق: ((جهة تخالف)) . (5) بمعنى أنه لو سئل كل عالم عن حكم هذا النكاح لأفتاه ببطلانه. ومع ذلك لم ينقل عن أحدٍ من العلماء عدم اشتراط الصداق في النكاح ألبتة. انظر: التوضيح لحلولو ص 378، وانظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص 123، بداية المجتهد 4/235 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 - وأن (1) يعتقد فيمن يُقلِّده الفَضْلَ بوصول أخباره إليه، ولا يقلده* رَمْياً في عَمَاية (2) . - ألاَّ يتتبَّع رُخَصَ المذاهب. قال: والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة، و [طرق إلى الخيرات] (3) ، فمن سلك منها طريقاً وصله (4) . تنبيه: قال غيره (5) : يجوز تقليد المذاهب والانتقال إليها في كل ما لا (6) يُنْقَض فيه [حكم الحاكم] (7) وهو أربعة: ما خالف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي (8) . فإن أراد رحمه الله (9) بالرُّخَص هذه الأربعة فهو حَسَنٌ متعيِّنٌ، فإن ما لا نُقِرُّه (10) مع تأكده بحكم الحاكم فأولى ألاَّ نُقِرُّه (11) قبل ذلك، وإن أراد بالرخص ما فيه سهولة على المكلَّف -كيف كان - يلزمه أن يكون (12) مَنْ قَلَّد مالكاً رحمه الله في المِيَاه (13) والأَرْوَاث (14)   (1) هنا زيادة: ((لم)) في س، وهي شاذة منكرة. (2) العَمَاية: الغواية واللجاجة في الباطل والجهالة. انظر مادة "عمي " في: لسان العرب. وستأتي هذه المسألة مرة أخرى ص 480 - 481. (3) في ن: ((طريق السعادة)) ، وفي متن هـ: ((طرق إلى السعادة)) . (4) هذا النقل عن الزَّناَتي لم أقف عليه، بَيْد أنه مثبت في: البحر المحيط للزركشي 8/378. (5) وهو شيخ المصنف: العز بن عبد السلام، كما صرح به في نفائس الأصول 9/3964، وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص605 (6) ساقطة من س، وهو قبيح، لأنه يقلب المعنى. (7) في ق، ن: ((قضاء القاضي)) . وهو صحيح أيضاً. (8) انظر: هامش (13) ص 238، وهامش (5) ص 479. (9) أي: الزَّناَتي. (10) في س: ((يقرّ)) ، وفي ن: ((نغيره)) . (11) في س: ((يُقرّ)) ، وفي ن: ((نغيره)) . (12) ساقطة من ق (13) وهو ترخيصه في ماءٍ قليل تحلُّه نجاسة يسيرة ولم تغيّره. انظر: المقدمات الممهدات لابن رشد 1/86، رفع النقاب القسم 2/1102 (14) وهو ترخيصه في الصلاة بالخُفِّ أو النعل تتلطخ بأرواث الدواب وأبوالها بعد دَلْكها، والباقي بعده معفوٌ عنه. انظر: المدونة 1/21، رفع النقاب القسم 2/1102. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 وترك (1) الألفاظ في العقود (2) مخالفاً لتقوى الله تعالى وليس (3) كذلك. قاعدة (4) : انعقد الإجماع على أنَّ من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حَجْرٍ (5) . وأجمع الصحابة (6) رضوان الله عليهم على أنَّ من استفتى أبا بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما وقلَّدهما فله أن يستفتي أبا هريرةَ ومعاذَ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهم (7) من غير نكيرٍ. فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل. الفرع الثالث: هل يؤثم المكلف إذا فعل فعلاً مخْتَلَفاً في تحريمه غيرَ مقلدٍ لأحدٍ؟ الثالث: إذا (8) فَعَل المكلَّف فِعْلاً (9) مخَتَلفاً في تحريمه غير مقلِّد لأحدٍ، فهل نؤثمه بناءً على القول (10) بالتحريم، أو لا نؤثمه بناءً على القول بالتحليل، مع أنه ليس إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر، ولم يَسْألنا عن مذهبنا فنجيبه؟. ولم أرَ [لأحدٍ من أصحابنا فيه نقلاً] (11) .   (1) في س: ((وتلك)) وهو تحريف. (2) نحو انعقاد البيع في المعاوضة من غير قول. انظر: مواهب الجليل 6/13، رفع النقاب القسم 2/1102 (3) في ن: ((فليس)) والفاء هنا غير مناسبة للسياق. (4) في ن: ((فائدة)) وهو موافق لما جاء في نفائس الأصول 9/3963 (5) في س: ((حجة)) والمثبت أظهر في المراد. (6) حكى المصنف هذين الإجماعين عن شيخه العز بن عبد السلام، كما صرح بذلك في: نفائس الأصول (9/3963) . لكن في ادعائها نظر، بدليل أن المصنف ذكر خلافاً في هذه المسألة في الفصل الثامن ص (480 - 481) عند تعدد المفتين، هل يتخيّر المقلد من بينهم من شاء أو يتحرَّى الأعلم الأورع؟ ... ثم إن ما قرره هنا تحت هذه القاعدة مناقض لما تقدم قريباً في قوله ((ولا يقلده رمياً في عماية)) ص (447) وقوله في أول هذا الفصل ص (441) ((يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين ... )) . وقد حاول الشوشاوي الاعتذار عن المصنف بأن كلامه هنا محمول على من أسلم وضاق عليه الوقت ولم يمهله الوقت إلى استفحاص أحوال العلماء. انظر: رفع النقاب القسم 2/1104، 1169. (7) في ن، س متن هـ: ((بقولهما)) والمثبت أصحُّ، لعود الضمير على أكثر من اثنين. (8) في س: ((إن)) انظر هامش (7) ص (16) . (9) ساقطة من ق. (10) ساقط من س. (11) في س، متن هـ: ((لأصحابنا فيه نصاً)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 وكان الشيخ الإمام عِزُّ الدين بن عبد السلام (1) قدّس الله روحه من الشافعية يقول في هذا الفرع: إنه آثمٌ من جهة [أن كل واحد يجب عليه] (2) ألاَّ يُقْدِم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله تعالى فيه، وهذا أَقْدَم غير عالم، فهو آثم بترك التعلُّم (3) ، وأما تأثيمه بالفعل نفسه، فإن كان مما عُلِم من الشرع قُبْحُه أثَّمْنَاه وإلا فلا (4) . وكان يُمثِّلهُ بما اشْتَهر قُبْحه كتلقي الرُّكْبَان (5) وهو من الفساد على الناس ونحو ذلك. الصورة الثانية وما بعدها من الصور المستثناة من تحريم التقليد ص: الثانية: قال ابن القصار: يُقلَّد القائِفُ (6) العَدْل عند مالك رحمه الله، ورُوِى لابدَّ من اثنين (7) .   (1) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم بن الحسن السُّلَمي الشافعي، المشهور بالعز بن عبد السلام، وسلطان العلماء، الفقيه الأصولي المحدِّث، درس الأصول على الفخر الرازي وسيف الدين الآمدي، والحديث على ابن عساكر، تولَّى قضاء مصر عدة مرات وكان يُعزل أو يعزل نفسه، وكان صارماً على الولاة لا تأخذه في الله لوم لائم. من مؤلفاته: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ط) ، الإمام في بيان أدلة الأحكام (ط) وغيرهما. ت سنة 660 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 8 / 248، النجوم الزاهرة 7 / 208. (2) ن، ق: ((أنه يجب على كل أحدٍ)) . (3) في ق: ((التعليم)) وهو تحريف، لأن المراد أن يكوم متعلماً: ((لامعلَماً)) . (4) قال الشوشاوي: ((أما تأثيمه من جهة نفسه، فالأولى ألاَّ يؤثم - وإن كان مما عُلم في الشرع قبحه - إذا كان الفاعل غير عالم؛ لأن التكليف مع عدم العلم تكليف بما لا يطاق، فالأولى تفويض ذلك إلى الله حتى يدل الدليل القاطع على التأثيم)) . رفع النقاب القسم 2/1105. (5) تلقي الرُّكْبان هو تلقي السِّلَع من القادمين بها فيُبْتاع منهم قبل ورود أسواقها ومواضع بيعها. انظر: المنتقي للباجي 5/101 (6) القائف لغة: اسم فاعل من قاف يقوف قيافةً، وهو الذي يتتبع الآثار ويعرف شَبَه الرَّجِل بأخيه وأبيه. انظر مادة "قوف " في: النهاية في غريب الحديث والأثر، لسان العرب. واصطلاحاً القيافة: اعتبار الشبه في إلحاق النسب. حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر خليل 6/110. (7) وانظر: المقدمة في الأصول ص 14 - 15، وانظر: تقريب الوصول ص451، التوضيح لحلولو ص 388. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 الشرح اخْتُلف في مدرك هذه* المسألة، فقال أصحابنا: إنه كالرواية فيكفي الواحد، أو الشهادة فلابد من اثنين، وقال الشافعية: المدرك أنه حاكم، والحاكم (1) يكفي (2) واحد، أو شهادة فلابد من اثنين (3) . ص: الثالثة (4) : قال: يجوز عنده (5) تقليد التاجر في قيم المُتْلَفات إلا أن تتعلق القيمة بحدٍّ من حدود الله تعالى، فلابد من اثنين لدُرَبْة التاجر بالقيم (6) ، ورُوِي عنه أنه لابد من اثنين في كل موضع. الشرح يريد بالقيمة التي يتعلق بها حَدٌّ، كتقويم العَرَض المسروق، هل (7) وصلتْ قيمته إلى نصاب السرقة أم لا؟ فهذه الصورة لابد فيها من اثنين؛ لأن الحدود تُدْرأ بالشبهات، ولأنه عضو يُبَان فيُحتاط فيه لشرفه (8) . ص: الرابعة: قال: ويجوز عنده (9) تقليد القَاسِم (10)   (1) ساقطة من ق (2) في ق: ((فيكفي)) . (3) اشتراط التعدد في القائف هو رواية عند مالك، وقول لأحمد، وقول عند الشافعية في مقابل الأصح. انظر: المنتقي للباجي 6/14، المغني 8/376، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/247، 2/99، نهاية المحتاج للرملي 8/351، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحَّام ص 245. لكن المصنف في كتابه: الفروق (1/8-9) غلَّب مدرك الشهادة على الرواية، وأثبت أن اعتبار قول القائف شهادة أقوى من اعتباره روايةً. (4) في ن: ((الثالث)) وهو خطأ نحوي؛ لأن العدد إذا كان اسم فاعل فإنه يوافق معدوده، والمعدود هنا مؤنث وهو: صورة أو مسألة. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 291 (5) في ن: ((عند الناس)) وهو غير مراد هنا، بل المراد عند الإمام مالك رحمه الله (6) هذا تعليلٌ لجواز تقليد التاجر، أما تعليل اشتراط الاثنين فسيذكره في الشرح. (7) في س: ((مثل)) وهو تحريف. (8) انظر: تبصرة الحكام 1 / 247، الفروق 1 / 9. (9) ساقطة من ن، متن هـ. (10) القاسم: اسم فاعل من القِسْمة، وهي: تصْيِيْرُ مُشاعٍ من مملوكِ مالِكَيْن مُعيَّناً - ولو باختصاص تصرُّفٍ فيه - بقرعةٍ أو تراضٍ. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2/492 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 [بين اثنين] (1) ، وابن القاسم (2) لا يقبل قول القاسم؛ لأنه شاهِدٌ على فعل* نفسه (3) . الشرح مالكٌ يُجْرِيه مُجرَى الحاكم أو نائب الحاكم يخبره بما ثبت عنده. ص: الخامسة: قال: ويجوز تقليد المقوِّم (4) لأَرْش (5) الجنايات عنده (6) . السادسة: قال: [يجوز تقليد] (7) الخارص (8) الواحد فيما يَخْرُصه عند مالك (9) رحمه الله.   (1) ساقط من ن. (2) هو: أبوعبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العُتَقِيّ - نسبة إلى قبيلة العتقيين - المصري، من أعلم تلاميذ مالك بفقهه وله "المدوَّنة" (ط) التي جمع فيها أقوال مالك. جمع بين الزهد والصلاح، وله آراء يخالف فيها مالكاً. ولد عام 132هـ، توفي في عام 191هـ انظر: ترتيب المدارك 1/433، الديباج المذهب ص239، سير أعلام النبلاء 9/120 (3) صنيع المصنف هنا وفي الفروق (1 / 10) أن القول بعدم قبول قول القاسم منسوب لابن القاسم. لكن الذي في " المقدمة في الأصول " لابن القصار ص 16 - 17 أنهما روايتان عن مالك، الأولى برواية ابن نافع، والثانية برواية ابن القاسم. وانظر المسألة في الذخيرة 10 / 276. (4) في س: ((المقدم)) وهو تحريف (5) الأرش: هو جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليماً إلى تمام القيمة. وسمي أرْشاً، لأنه من أسباب النزاع، يقال: أَرَشْتُ بين القوم، إذا أوقع بينهم وحرَّش. والأَرْش في الجنايات: أن يقوَّم العبد سليماً صحيحاً ثم تقوَّم الجناية، فيؤخذ الفرق من قيمته. انظر مادة "أرش " في: النهاية غريب الحديث والأثر، لسان العرب، القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب. (6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 17. ويجرى هنا الخلاف السابق، هل يكتفي فيه بالوحد أم لا؟ انظر: الفروق 1/9، رفع النقاب القسم 2/1112 (7) في س متن هـ: ((لا يقلَّد)) . (8) الخارص: اسم فاعل من خَرَص يخرُص خَرْصاً. والخَرصْ: هو الحَرْز والقول بالظن والكذب. انظر: مادة "خرص " في: لسان العرب. والخرص عند الفقهاء: هو حَرْز ما على النخل من الرُّطّب تمراً، وما على الكَرْم من العنب زبيباً، أي هو: حَرْزُ للثمار قبل الجذاذ من غير وزن ولا كيل. انظر: مادة "خرص " في عمدة الحفاظ، معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي، القاموس الفقهي. (9) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص18، وانظر: تقريب الوصول ص 452، الذخيرة 3/90، القواعد للمقرَّي 2/524، تبصرة الحكَّام 1/247. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 السابعة: قال يُقلَّد عنده الراوي فيما يرويه (1) . الثامنة: قال يُقلَّد عنده الطبيب فيما يدَّعيه. (2) التاسعة: قال يُقلَّد المَلاَّح (3) في القبلة إذا خَفِيَتْ أدلتها وكان عَدْلاً دَرِيّاً بالسير في البحر، وكذلك كل من كانت صناعته في الصحراء وهو عَدْل. (4) العاشرة: قال: ولا يجوز عنده أن يقلِّد عاميٌّ عامياً إلا في رؤية الهلال لضبط (5) التاريخ دون العبادة (6) . الحادية (7) عشرة (8) : قال: يجوز عنده (9) تقليد الصبي والأنثى والكافر والواحد في الهدية والاستئذان (10) . الشرح قال الشافعية: هذه الصورة ونحوها احتَفَّتْ بها (11) القرائن فنابت عن العدد والإسلام، وربما حصل العلم (12) .   (1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، تبصرة الحكام 1/248. وانظر باب الخبر، الفصل السابع من هذا الكتاب ص 254. (2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248. (3) الملاَّح: هو السَّفَّان صاحب السفينة، وحِرْفته: المِلاحة والمَلاَّحِيَّة. وسمي بذلك إما لملازمته الماء المالح بإجراء السفن فيها، أو من الريح المِلاح التي تجري بها السفينة. انظر مادة "ملح " في: لسان العرب. (4) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، وانظر الفروق 1/10، 13 (5) في ن: ((لربط وهو تحريف (6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 23، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248، ويُلاحظ هنا أنَّ علم التاريخ وضبط الأيام والشهور يكفي فيها الواحد؛ لأن بابه باب إخبار، وأما أبواب العبادة من صوم وحج ونحوهما مما يترتب عليه فرض العبادة فلابد من شاهدين عدلين عند مالك. انظر: المدونة 1/174، الفروق 1/12 (7) في متن هـ: ((الحادي)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (3) ص (58) . (8) هكذا في متن هـ، ومتن د، وهو الصواب. وفي سائر النسخ: ((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441) . (9) ساقطة من س. (10) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 24، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248. (11) في ق: ((فيها)) والمثبت أظهر. (12) الصحيح عند الشافعية عدم اشتراط احتفاف القرائن. انظر: مغني المحتاج 3/234، الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/165. وانظر: الفروق 1/14 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 ص: الثانية عشرة: (1) قال: يُقلَّد القَصَّاب (2) في الذكاة ذكراً كان أو أنثى، مسلماً أو كتابياً، ومَنْ مِثْلُه يَذْبح. (3) الثالثة عشرة: (4) [قال: تُقلَّد] (5) محاريبُ البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها (6) ، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها ونَصَبَها أو اجتمع أهل البَلْدة (7) على بنائها، قال: لأنه قد عُلِم أنها لم تُنْصب إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك، ويقلِّدها العالم والجاهل، وأما غير ذلك (8) فعلى العالم الاجتهاد، فإن تعذَّرت عليه الأدلة صَلَّى إلى المحراب إذا كان البلد عامراً؛ لأنه أقوى من الاجتهاد بغير دليل، وأما العامي فيُصلِّي في سائر المساجد. (9) الشرح قلت: وهذا بشرط أن لا يشتهر الطعن (10) فيها كمحاريب القرى (11) وغيرها بالديار المصرية، فإن أكثرها ما زال العلماء قديماً وحديثاً ينبِّهون (12) على فسادها، وللزَّيْن الدِّمْياطي (13) في ذلك   (1) هكذا في متن هـ، وهو الصواب. وفي س، ق، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441) (2) القصَّاب: اسم منسوب إلى القصابة، وهي: الجِزَارة يقال: قَصَب الجزَّارُ الشاةَ يَقْصِبها قَصْباً بمعنى: قَطَّعها عضواً عضواً. انظر: لسان العرب مادة: ((قصب)) . (3) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 24، تقريب الوصول ص 453، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248. وللمصنف تعليق مفيد حول هذه المسألة في كتابه: الفروق (1/15) وانظر معه تعقيب ابن الشاط بحاشيته. (4) هكذا في متن هـ، وهو الصواب. وفي س، ق، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441) . (5) في ن: ((تقليد)) ولا خبر لها. (6) ساقطة من س. (7) في ن: ((البلد)) . (8) في ق: ((تلك)) والَخْطب سهل، فهو بحسب التقدير (9) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 28، الذخيرة 2/123، المعيار المعرب للونشريشي 1/22 (10) في ن: ((الظن)) فهو بمعنى الشك هنا. (11) في س: ((الغرباء)) . (12) في س، ق: ((يشهدون)) . (13) هو الحسين بن الحسن بن منصور القاضي زين الدين أبوعبد الله السَّعْدي، المقدسي الأصل، الدمياطي - نسبة إلى دمياط بمصر - كان صالحاً زاهداً، وهو شيخ الحافظ شرف الدين الدمياطي، له تصنيف في البدع والحوادث. توفي بصعيد مصر سنة 648هـ. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/131. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 كتابٌ (1) ولغيره (2) ، وقد قصد الشيخ عِزُّ الدين بن عبد السلام تغيير (3) محراب قبة (4) الشافعي رضي الله عنه والمدرسة (5) [ ومصلَّى خَوْلان] (6) ، فعاجله ما منعه من ذلك، وهو قضيَّته (7) مع بني الشيخ وإسقاطه (8) معين الدين (9) ، وعَزَل نَفْسَه عقيب ذلك (10) ،   (1) لعله الكتاب المذكور في ترجمته السالفة، وهو: "درر المباحث في أحكام البدع والحوادث ". انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة 1/749 (2) كالمقريزي في خططه، المعروف بـ: "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، فإنه قسَّم محاريب ديار مصر إلى أربعة محاريب بحسب اتجاهها نحو القبلة، وزيَّف كثيراً من محاريب مساجد القرافة والفُسْطاط، وبيَّن أسباب اختلاف هذه المحاريب. فانظره في "خططه " 3/126 - 139 مطبعة دار التحرير للطبع والنشر. وانظر: كلام المصنف عن هذه المحاريب في الذخيرة: 2/124- 125 (3) في س: ((يُغيِّر)) . (4) ساقطة من ن (5) قبة الشافعي: أنشأها الملك الكامل محمد بن الملك العادل الأيُّوُبي سنة 608هـ على قبر الشافعي رحمه الله عندما دَفَن بجواره ولده، ثم بُني جامع الشافعي عندها في القرافة (بالقاهرة) . انظر: خطط المقريزي 3/453، عجائب الآثار للجبرتي 1/28. وانظر ما قيل في القبة والجامع في: الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة وبلادها القديمة والشهيرة، تأليف: علي باشا مبارك (5/22) . مع أن هذا الفعل بدعة في الدين محدثة لا تجوز. أما المدرسة فلعلها المدرسة الناصرية التي بناها السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بالقرافة الصغرى بالقاهرة بجوار قبر الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: خطط المقريزي 3/197، 377 (6) ساقط من ق. ومصلَّى خَوْلان: يقع في القرافة، وفيها عدة مصلَّيات ومحاريب. وعُرف "مصلّى خولان " بهذا نسبةً إلى طائفة من العرب الذين شهدوا فتح مصر، يقال لهم: خولان، وهم من قبائل اليمن. انظر: خطط المقريزي 3/468. (7) في ق: ((قصته)) . (8) في ق: ((إسقاط)) . (9) هو معين الدين الحسن بن شيخ الشيوخ. كان وزيراً للملك الصالح نجم الدين أيوب (ت 647هـ) ، وكان نائباً له في دمشق، توفي بدمشق سنة 643هـ انظر: البداية والنهاية لابن كثير 13/182، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي 6/352 (10) خلاصة القصة أن معين الدين بنى بيتاً على سطح مسجدٍ بمصر، وجعل فيه دار لهوٍ وغناءٍ، فأنكر ذلك العز ابن عبد السلام، ومضى بأبنائه وجماعته وهدم البنيان، ولما علم أن السلطان والوزير يغضبان من ذلك، أسقط عدالة الوزير، وعَزَل نفسه عن القضاء، وهي المرة الأخيرة، وكانت هذه الحادثة سنة640هـ. انظر: فوات الوفيات والذيل عليها لمحمد بن شاكر الكتبي 2/351، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/210 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وكذلك محاريب (1) الَمَحلَّة مدينة الغربية (2) ، والفَيُّوم (3) ، ومُنيْة ابن خُصَيْب (4) ، وهي لا تُعدُّ، ولا تُحْصى لا يجوز أن يقلدها عالم ولا عامي. ص: [الرابعة عشرة] (5) : قال: يُقلَّد العامي في ترجمة الفتوى باللسان العربي أو العجمي وفي قراءتها أيضاً (6) ، ولا يجوز لعالمٍ (7) ولا لجاهلٍ التقليد في زوال الشمس لأنه مُشَاهد (8) .   (1) في ق، ن: ((محراب)) . (2) لعلَّها المحلّة الكبرى سمّيت بهذا لأنها أكبر البلاد المسماة بالمحلَّة، فإن هذا الاسم يطلق على نحو 100 قرية ببلاد مصر. والمحلَّة هي قاعدة محافظة الغربية، تقع غربي فرع النيل بين القاهرة ودمياط..انظر: الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق ص57، محافظات الجمهورية العربية المتحدة وآثارها الباقية في العصر الإسلامي للدكتورة سعاد ماهر ص 90 (3) الفَيُّوم: مدينة مصرية قديمة سيق إليها نهر النيل، وهي قاعدة محافظة الفيوم، تقع في الجنوب الغربي للقاهرة انظر: الخطط التوفيقية الجديدة 14/84، محافظات الجمهورية العربية المتحدة ص 68 (4) مُنْية ابن خُصيب: مدينة كبيرة في مصر على شاطيء النيل من بلاد الصعيد وهي المسماة الآن "بالمِنيْا" تقع في منتصف الطريق بين بني سُويف وأسيوط. وسميت بذلك نسبة إلى الخُصَيْب بن عبد الحميد صاحب خراج مصر من قِبَل هارون الرشيد، ويقال: إنه أنشأها لابنه، وفي معجم البلدان (8/188) هي: مُنية أبي الخُصيب، وهي موافقة لنسخة ز. انظر: خطط المقريزي 1/385، وصف أفريقيا لابن الوزان الفاسي 2/235، رحلة ابن بطوطة 1/224. (5) في س: ((الرابع عشر)) ، وفي ن: ((الرابعة عشر)) وكلاهما خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441) (6) لكن هل يكفي واحد؟. به قال مالك؛ لأنه أَشْبَه الرواية لعموم الناس، وقيل: لابد من اثنين. انظر: الفروق 1/8. (7) في س: ((لعامي)) وهو خطأ، للتكرار بما بعده، وهو غير مراد. (8) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 38، تبصرة الحكام 1/248. لكن قال حلولو في مسألة عدم التقليد في زوال الشمس ((فيه نظر فإن من الناس من لا يُحْسن ذلك ... )) التوضيح ص 388 وانظر الذخيرة 2/80، الفروق 4/458، مواهب الجليل 2/16. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 الفصل الثالث فيمن يتعيَّن (1) عليه الاجتهاد ص: أفتى أصحابنا رضي الله عنهم بأن العلم على قسمين: فَرْض عينٍ، وفَرْض كفايةٍ (2) . وحكى الشافعي رضي الله عنه في " رسالته " (3) والغزالي في " أحياء علوم الدين " (4) الإجماعَ على ذلك (5) ، ففْرض العين الواجبُ (6) على كل أحد [هو علمه] (7) بحالته التي هو فيها، مثاله: رجل أسلم، ودخل عليه (8) وقت الصلاة، فيجب عليه أن يتعلم الوضوء والصلاة، فإن أراد أن يشتري طعاماً لغذائه قلنا له (9) : يجب عليك أن تتعلم ما تعتمده في ذلك، [وإن أراد الزواج وجب عليه أن يتعلم ما يعتمده (في ذلك) (10) ،   (1) في س: ((تعيّن)) . (2) انظر: كتاب الفروق للمصنف (1/116) لمعرفة ضابط الفرق بين فرض العين، وفرض الكفاية، وانظر مبحثهما من هذا الكتاب: ص 155 (المطبوع) . (3) انظره في: ص (357) وما بعدها، ص (478) وما بعدها. "والرسالة" أول مصنف دُوِّن في أصول الفقه، جمع فيها قواعده الكلية، وشهرتها تغني عن التعريف بها. حققها شيخ المحققين أحمد محمد شاكر، وعليها شروحات لكنها مفقودة. انظر: مقدمة الرسالة، الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبو سليمان ص 67-89 (4) انظره في: 1/29. وهو كتاب شهير جداً في الوعظ والرقائق، له طبعات متعددة مع تخريج أحاديثه للزين العراقي، وعليه شرح كبير وهو: اتحاف السادة المتقين للمرتضى الزبيدي، وهو مطبوع. وله عدة اختصارات منها: منهاج القاصدين لابن الجوزي (المطبوع مختصره) ، وموعظة المؤمنين للقاسمي (ط) . وقد طال الجدل في الحكم على الكتاب ما بين قادح ومادح، والإنصاف أن يقال بأنه يحتوي علي فوائد كثيرة نفيسة، ولكن فيه موادُّ مذمومة من كلام الفلاسفة وشطحات الصوفية وأحاديث موضوعة. انظر: مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية 10/ 551، رسالة بعنوان: كتاب إحياء علوم الدين في ميزان العلماء والمؤرخين بقلم: علي حسن علي عبد الحميد. دار ابن الجوزي بالدمام. (5) وممن حكى الإجماع أيضاً ابن عبد البر في كتابه: جامع بيان العلم وفضله 1/56، وانظر: الذخيرة 6/28 (6) ساقطة من ق (7) في س: ((وهو علم)) ، وفي ق: ((عمله)) وهو تحريف.. (8) ساقطة من ق، وفي س، ن: ((في)) وهكذا باقي النسخ ماعدا النسختين ز، م فالمثبت منهما، وهو الأنسب لكثرة إسناد الدخول إلى الوقت. (9) ساقطة من ق، ن. (10) ساقط من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وإن أراد أن يؤدي شهادة وجب (1) عليه أن يتعلم (2) شروط التحمل والأداء، وإن أراد أن يصرف ذهباً وجب عليه أن يتعلم حكم الصَّرْف (3) ] (4) ، فكل حالة يتصف بها يجب (5) عليه [أن يعلم] (6) حكم الله تعالى فيها، فعلى هذا لا ينحصر فرض العين في العبادات، ولا في (7) باب من أبواب الفقه، كما يعتقده كثير من الأغبياء (8) ، وعلى هذا القسم يُحمل قوله عليه الصلاة والسلام ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) (9) فمن توجَّهت عليه حالة فعلم وعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعتين، ومن (10) لم يعلم ولم يعمل* فقد عصى الله معصيتين، ومن (11) علم ولم يعمل فقد أطاع الله طاعة وعصاه معصية، ففي هذا المقام يكون العالم خيراً (12) من الجاهل، والمقام   (1) في متن هـ: ((فيجب)) . (2) في ن: ((يتحمل)) وهو لا يؤدي الغرض؛ لأن المقام مقام تعلَّم. (3) الصرف، لغة: ردُّ الشيء عن وجهه. انظر: لسان العرب مادة: ((صرف)) . واصطلاحاً: هو بيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس. شرح حدود ابن عرفة 1/37 (4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وإن أراد الزواج أو الشهادة أو الصرف وجب عليه أن يتعلم أحكامها)) . (5) في ن: ((وجب)) . (6) ساقط من ن (7) ساقطة من ن، س، متن هـ. (8) في ق: ((الأغنياء)) . والظاهر أنها غير مرادة هنا.. (9) الحديث مشهور، وله طرق متعددة، ممن أخرجه ابن ماجه (224) ، والطبراني في المعجم الصغير (1/16) وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/23-53) ولا تخلو هذه الطرق من طعن وعلة، قال ابن عبد البر ((كلها معلولة ولا حجة فيها من حيث الإسناد)) وقال البيهقي في كتابه: المدخل إلى السنن الكبرى ص 242، ((هذا حديث متنه مشهور وأسانيده ضعيفة ... )) وقال السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ص (137) ((رُوي من حديث أنس وجابر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعلي وأبي سعيد، وفي كل طرقه مقال - ثم قال - فالحديث حسنٌ)) . وجمع من العلماء صححه أو حسنه، إما لاعتضاد طرقه أو لشواهده، منهم: المِزِّي، والزركشي، والألباني. انظر: التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي ص 40، المقاصد الحسنة للسخاوي ص 328، تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للألباني ص 48. (10) في ق: ((وإن)) . (11) في ق: ((وإن)) . (12) في س: ((خير)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر "كان " منصوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 الذي يكون الجاهل فيه خيراً (1) من العالم مَنْ شَرِب خمراً [يعلمها، وشربها] (2) آخر يجهلها (3) ، فإنَّ العالم (4) آثم (5) بخلاف الجاهل، وهو أحسن حالاً من العالم وكذلك من اتَّسَع في العلم باعُه تعظُم مؤاخذته؛ لعلوِّ منزلته، بخلاف الجاهل فهو أسعد حالاً من العالم في هذين الوجهين (6) . وأما فرض الكفاية: فهو العلم الذي لا يتعلق بحالة الإنسان، فيجب على الأمة أن تكون منهم طائفة يتفقهون (7) في الدين، ليكونوا قدوة للمسلمين حفظاً للشرع من (8) الضياع، والذي يتعيَّن لهذا (9) من الناس من جاد حِفْظُه، وحَسُن إدراكُه، وطابت سجيته وسريرته، ومن لا فلا. الشرح لأن من لا يكون كذلك لا يحصل منه المقصود، [إمَّا لتعذره كسيِّيء الفهم يتعذر عليه أن يصل لرتبة الاقتداء، أو لسوء الظن به، فينفر الناس عنه، فلا يحصل منه (10) مقصودُ] (11) الاقتداء (12) .   (1) في ن، س، ق: ((خير)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر كان منصوب. (2) في ن، س: ((يعلمه وشربه)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن الخمر تذكر وتؤنث، والتأنيث أغلب عليها. انظر: المذكر والمؤنث للأنباري ص 337 (3) في س، ن: ((يجهله)) وهو جائز للعلة السابقة. (4) هنا زيادة: ((بها)) في س (5) في متن هـ: ((يأثم)) .. (6) انظر: الذخيرة للمصنف 6/28-29 (7) في س: ((يتفقَّهوا)) وقد سبق التعليق على مثلها. (8) في ن: ((عن)) . (9) في ق: ((لهذه)) وربما كان وجهه الإشارة إلى ((حالة)) . (10) ساقطة من ق (11) ما بين المعقوفين ساقط من ن (12) في ن: ((والاقتداء)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 الفصل الرابع في زمانه ص: واتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (1) ، وأما في زمانه [فوقوعه منه عليه الصلاة والسلام قال به] (2) الشافعي (3) وأبو يوسف (4) ، وقال أبو علي وأبو هاشم (5) : لم يكن متعبَّداً به؛ لقوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (6) ، وقال بعضهم: كان له عليه الصلاة والسلام أن يجتهد في الحروب والآراء (7) دون الأحكام (8) ، قال الإمام: وتوقف أكثر المحققين في الكل (9) .   (1) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/18، الإحكام للآمدي 4/175، نهاية الوصول للهندي 8/3816، تقريب الوصول ص 422، الإبهاج 3/252. (2) ما بين المعقوفين في ق: ((فقال بوقوعه)) . (3) انظر النسبة إليه في: المحصول للرازي 6/7، السراج الوهاج للجاربردي 2/1068، تشنيف المسامع 4/578 وهذا رأي جماهير الأصوليين، انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1091، التلخيص 3/399، المنخول ص 468، التمهيد لأبي الخطاب 3/412، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/91. وقد حرَّر المصنف في كتابه: نفائس الأصول (9/3806) محل الخلاف، فحصره في الفتاوى، أما اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأقضية وفصل الخصومات فيجوز بلا نزاع. وانظر أيضاً: التوضيح لحلولو ص 389، الآيات البينات للعبادي 4/344، سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول للإسنوي 4/533. لكن الزركشي في البحر المحيط (8/51) نازع في هذه الدعوى. وانظر: التقرير والتحبير 3/401. (4) انظر النسبة إليه في: ميزان الأصول للسمرقندي 2/678، كشف الأسرار للبخاري 3/246، تيسير التحرير 4/185. ومذهب أكثر الحنفية جواز اجتهاده إن انقطع طمعه في الوحي وخاف فوات الوقت. انظر: أصول السرخسي 2/91، المغني للخبازي ص264، التقرير والتحبير 3/394. (5) انظر النسبة إليهما في: شرح العمد 2/348، المعتمد 2/210، 240. وهو مذهب أكثر المعتزلة. ومن المانعين أيضاً ابن حزم في: الإحكام 2/125. (6) النجم، الآية: 4. (7) ساقطة من متن هـ. (8) ومنهم من حكي الإجماع على ذلك..انظر: البحر المحيط للزركشي 8/247، التوضيح لحلولو ص389، شرح الكوكب المنير 4/474 (9) انظر: المحصول 6/7، وانظر: نهاية السول للإسنوي 4/531. وهناك كتاب مستقل في هذه المسألة، عنوانه: اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتورة نادية العمري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 وأما وقوع الاجتهاد في زمانه عليه الصلاة والسلام من غيره فقيل (1) : هو (2) جائز عقلاً في الحاضر عنده عليه الصلاة والسلام والغائب عنه (3) ، فقد قال له* معاذ ابن جبل: أجْتَهدُ رأيي (4) . الشرح حجة كونه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد: ما رُوِي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال في تحريم مكة: ((لا يُعْضَد شجرُها ولا يُخْتَلى خَلاَها)) : فقال له العباس: إلا الإِذخِر يا رسول الله، فإنَّا نحتاجه لدوابِّنا، فقال: ((إلا الإِذْخِر)) (5) وهذا يدل على أنه لما بيّن له الحاجة إليه أباحه بالاجتهاد للمصلحة.   (1) ساقطة من ق، وفي متن هـ: ((فعليلٌ)) وهو محتمل إذا كان المراد أن الخوض في هذه المسألة لا ثمرة له، كما سيظهر في هامش (3) من هذه الصفحة. (2) في متن هـ: ((وهو)) وهي مستقيمة بما جاءت في سياقه، وفي ق: ((فهو)) . (3) اقتصر المصنف في مسألة حكم اجتهاد غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته على قولٍ واحد، وهو الجواز مطلقاً في حضرته وغيبته، بإذنه وبدونه. أما القول الثاني فهو: المنع مطلقاً. والثالث: الجواز للغائب من الولاة والقضاة، والرابع: الجواز للغائب مطلقاً. والخامس: الجواز للغائب مطلقاً، وللحاضر بإذنه. والسادس: الوقف. انظر: المستصفى 2/390، الوصول لابن برهان 2/376، الإحكام للآمدي 4/175، شرح مختصر الروضة 3/589، تشنيف المسامع 4/580، التوضيح لحلولو ص390، تيسير التحرير 4/191، نشر البنود 2/320 قال الرازي في المحصول 6/18: ((الخوض فيه قليل الفائدة؛ لأنه لا ثمرة له في الفقه)) . (4) سلف تخريجه في هامش (1) ص (38) . (5) أخرجه البخاري في صحيحه (1349، 1833) ، ومسلم (1353، 1355) وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. لكن لم أجدْ في جميع ما وقفت عليه من الروايات لفظ ((لدوابِّنا)) ، بل الموجود فيها: ((لقبورنا وبيوتنا)) البخاري (2434) ، أو ((لِقَيْنهم وبيوتهم)) البخاري (1834) ، أو ((لصاغتنا وقبورنا)) البخاري (1833) . والإِذخر: نَبْتٌ معروف عند أهل مكة، له أصل مُنْدفن وقُضْبان رِقَاقٌ، ينبت في السَّهْل والحزْن، تُسْقَف به البيوت بين الخشب، ويسدُّون به الخلل بين اللَّبنات في القبور، ويحتاج إليه القَيْن (الحدَّاد) والصائغ في وقود النار. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 9/108، فتح الباري لابن حجر 4/60. والخَلاَ: هو الرَّطْب من النبات، أي: العُشب، واخْتِلاؤه: قَطْعه واحتشاؤه. انظر: فتح الباري لابن حجر 4/60. يُعْضَد: يُقْطَع. انظر: مختار الصحاح مادة "عضد" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وكذلك ما أنشدَتْه المرأة لمَّا قَتَل أخاها (1) : أَمحمَّدٌ والنَّجْلُ نَجْلُ كريمةٍ (2) في قومها والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ (3) ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ (4) ورُبَّما مَنَّ الفتى وهو المَغِيْظُ المُحْنَقُ (5) فقال عليه الصلاة والسلام ((لو سمعتُ شِعْرها قبْل قَتْلِه ما قَتَلْتُه)) (6) ، وهذا يدل على الاجتهاد.   (1) المرأة هي: قُتَيلْةَ بنت النَّضْر بن الحارث القرشية العبدرية. وقيل: قُتيلة بنت الحارث، والنَّضر هو أخوها، والصواب الأول، وأنها ترثي أباها لما قُتِل في أعقات غزوة بدر، فقد كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم قيل: إنها أسلمت وصارت صحابية. انظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي 4/63، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 4/457، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر8/285. (2) هكذا جاء المصراع الأول من البيت في جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز ففيهما: أمحمدٌ يا خير بَطْنِ كريمةٍ. ولم أجده فيما وقفتُ عليه بهذه الألفاظ. وإنما الذي وجدته: أمحمدٌ يا خير ضَنْءِ كريمةٍ. انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/63) ، والضَّنْءِ: بالفتح والكسر، الولد. انظر: لسان العرب مادة "ضنأ". وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نجلُ نجيبةٍ. انظر: شرح ديوان الحماسة لأبي علي المرزوقي 2/966. والنَّجْل: النَّسل. مختار الصحاح مادة "نجل "، ونجيبة: كريمة. مختار الصحاح مادة "نجب "، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نَسْلُ نجيبةٍ. انظر: الأغاني للأصفهاني 1/30، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ صِنْوُ نجيبةٍ. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/427، والمراد بالصِّنْو هنا: الابن، انظر: لسان العرب مادة "صنا". وكذلك: أمحمدٌ وَلَدَتْك خيرُ نجيبةٍ. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/458، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: معجم البلدان 1/94، شرح ديوان الحماسة للتبريزي 3/15وكذلك: أمحمدٌ ها أنت ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: البيان والتبيين للجاحظ 4/44 وكذلك: أمحمدٌ أَوَ لَسْتَ ضنء نجيبة. انظر: السيرة الحلبية 2/186 (3) البيت من البحر الكامل. والفَحْل: الذَّكَر من كل حيوان. لسان العرب مادة "فحل "، مُعْرِق: أي عريق النَّسَب أصيل. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير مادة "عرق ". (4) في ق: ((عفوت)) . (5) المَغِيْظ: اسم مفعول من غاظ، والغَيْظ: فوق الغضب. المُحْنَق: اسم مفعول من أحنق، والحَنَق: شدة الاغتياظ. انظر: لسان العرب مادة "حنق ". ومعنى البيتين: يا محمدُ أنت كريم الطرفين والنسب من جهة العمومة والخؤولة، فأيُّ شيء يضرك لو عفوت، فإن الفتى وإن كان مُغْضَباً منطوياً على حَنَقٍ وعداوة قد يَمُنُّ ويصفح. انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/967 (6) جاء في الاستيعاب لابن عبد البر 4/458 في رواية عبد الله بن إدريس: فلما بلغ رسول الله ذلك بكى حتى اخضلَّت لحيته، وقال ((لو بلغني شِعْرها قبل أن أقتله لعفوت عنه)) . ورواية الزبير بن بَكَّار: فَرَقَّ صلى الله عليه وسلم حتى دَمعت عيناه، وقال لأبي بكر: ((يا أبا بكر، لو كنتُ سمعتُ شعرها ما قتلت أباها)) . قال الزبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها هذه، ويذكر: أنها مصنوعة)) وقال ابن الملقِّن في: غاية مأمول الراغب في معرفة أحاديث ابن الحاجب (ورقة 38 أ) ((لم يثبت لنا بإسنادٍ صحيحٍ)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وحُكْم سَعْدٍ في بني قُرَيْظة (1) ، فحَكَم بأن تُقْتَل مقاتِلتُهم وتُسْبَى ذَرَارِيْهم (2) ، وما جُعِل لغيره أن يفعله فله هو (3) عليه الصلاة والسلام أن يفعله؛ لأن* الأصل مساواة أمته له في الأحكام إلا ما دل الدليل على تخصيصه من ذلك. ويرد على الكلِّ أن هذه الصور (4) يجوز أن [تقارنها نصوص] (5) نَزَلتْ فيها، أو تقدَّمتْها نصوص بأن يُوحى إليه (6) : إذا كان كذا فافعلْ كذا، وحينئذٍ هي بالوحي لا بالاجتهاد. حجة القول بالفرق بين الحروب فيجوز: أنَّ الحروب أمرُها على الفَوْر؛ لعظم المفسدة في التأخير من جهة استيلاء (7) العدوِّ، فيُفَوَّض إليه، وقضية (8) [سعد بن] (9) معاذ تدل عليه، والأحكام يجوز التراخي فيها، فلا يُجْتَهد فيها.   (1) ومن العلماء من وجَّه هذا القول بأن كلامه صلى الله عليه وسلم هذا ليس معناه الندم، لأنه لا يقول ولا يفعل إلا حقاً، والحق لا يُنْدم على فعله، ولكن معناه: لو شَفَعت هذه المرأة عندي بهذا القول لقبلتُ شفاعتها ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازةَ الشاعر وتبليغَه قصده. انظر: سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4/63، 87، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية للقسطلاني 1/450 ( ) بنو قريظة: حيٌّ من اليهود، وهم والنضير قبيلتان من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون عليه السلام، وكانوا يسكنون في ضواحي المدينة. انظر: التاريخ لليعقوبي 2/52، لسان العرب مادة " قرظ ". (2) حكْم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة أخرجه البخاري (3043، 4122) ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وانظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/331 (3) ساقطة من ق (4) في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صورٌ عديدة (5) في ق: ((يقارنها بنصوص)) . (6) ساقطة من س (7) ساقطة من س (8) في ق: ((قصة)) . (9) ساقط من ق، ن، وهو سقطٌ مُخِلٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 والجواب: أن المفسدة تَنْدفع (1) بتقدِّم (2) نصوصٍ (3) في مثل هذه الصور (4) ، ويقال له: إذا وقع كذا فافعل كذا، ولا اجتهاد حينئذٍ. ويظهر مِنْ تعارُض هذه المدارك حجة التوقف.   (1) في س: ((ترفع)) ، وفي ق: ((تتوقع)) . (2) ساقطة من ق (3) في ق: ((بنصوص)) . (4) في ق: ((الصورة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 الفصل الخامس في شرائطه (1) ص: وهي: (2) أن يكون عالماً بمعاني الألفاظ وعوارضِها من التخصيص والنسخ وأصول الفقه، ومن كتاب الله تعالى ما يتضمن الأحكامَ، وهي (3) خمسمائة آيةٍ، ولا يشترط الحفظ بل العلم بمواضعها (4) لينظرها عند الحاجة إليها، ومن السنة مواضع أحاديث الأحكام دون حفظها، ومواضع الإجماع (5) والاختلاف، والبراءة الأصلية، وشرائط الحدِّ والبرهان، والنحو واللغة والتصريف، وأحوال الرواة، ويقلِّد مَنْ تقدَّم في ذلك (6) . تجزُّؤ الاجتهاد: ولا يشترط عموم النظر، بل يجوز أن تَحْصُل صفة الاجتهاد في فَنٍّ دون فَنٍّ، وفي مسألة دون مسألة، خلافاً لبعضهم (7) .   (1) انظر شروط الاجتهاد في: المعتمد 2/357، العدة لأبي يعلى 5/1594، إحكام الفصول ص 722، شرح اللمع للشيرازي 2/1033، قواطع الأدلة 5/4، الإحكام للآمدي 4/162، تقريب الوصول ص 427، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/383، التقرير والتحبير 3/389، التوضيح لحلولو ص 390، فتح الغفار لابن نجيم 3/34، شرح الكوكب المنير 4/459 (2) في س، ن: ((وهو)) . والمثبت أظهر لعوده على " شرائطه ". (3) في ق، متن هـ: ((وهو)) ووجهه عود الضمير على لفظ: ((ما)) . (4) في ن: ((بمواضعه)) ولعلها تحريف؛ لأن مرجع الضمير إلى الآيات الخمسمائة. (5) في ن، س، متن هـ: ((الاجتماع)) . (6) ساقطة من ق. (7) هذه مسألة تجزؤ الاجتهاد، بمعنى هل يصحّ أن يُجتهد في بعض الفنون أو الأبواب أو المسائل دون البعض الآخر أو لابد أن يكون المجتهد مطلقاً لديه القدرة على استنباط الأحكام في جميع أبواب الفقه؟. وقد اختلفوا في تحرير محل النزاع، والأقوال في المسألة أربعة. الجواز وهو للجمهور، عدم الجواز، الجواز في مسائل الميراث وحدها؛ لأنها منفصلة عن غيرها، التوقف. انظر: المحصول للرازي 6/25، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/585، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/416، البحر المحيط للزركشي 8/242، التوضيح لحلولو ص 392 تيسير التحرير 4/182، فواتح الرحموت 2/416، نشر البنود 2/318، إعلام الموقعين 4/190، أصول الفتوى وتطبيق الأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين لشيخنا د. علي الحكمي ص 34 - 37، الاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 49 - 53. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 الشرح حَصْر المتعيِّن في خمسمائة آيةٍ قاله الإمام فخر الدين (1) وغيره (2) ، ولم يَحْصُر غيرهم ذلك، وهو الصحيح (3) ، فإن استنباط الأحكام إذا حُقِّق لا يكاد تَعْرَى (4) عنه آية، فإن القصَص أبعدُ الأشياء عن ذلك، والمقصودُ منها (5) الاتِّعاظ والأمْرُ به، وكلُّ آيةٍ وقع فيها ذِكْرُ عذابٍ أو ذَمٍّ على فعلٍ كان (6) [ذلك دليلَ] (7) تحريمِ ذلك (8) الفعل، أو [مدح أو ثواب] (9) على فِعْلٍ، فذلك دليل طَلَبِ ذلك الفعل وجوباً أو ندباً، وكذلك ذِكْرُ صفاتِ الله عز وجل والثناءِ عليه المقصودُ به الأمرُ بتعظيم ما عظَّمه الله تعالى وأن نثني عليه بذلك، فلا [تكاد تجد] (10) آيةً إلا وفيها حُكْم، وحَصْرُها في خمسمائة آية بعيد (11) . وشرائط الحَدِّ: حتى يتحقق له الضوابطُ، فيعلم ما خرج عنها [فلا يعتبره] (12) ، وما اندرج فيها أَجْرَى عليه أحكام تلك الحقيقة. وشرائط البرهان مقررة في علم المنطق (13) .   (1) انظر: المحصول 6/23. (2) منهم الغزالي في المستصفى 2/383، وابن رشد (الحفيد) في الضروري في أصول الفقه ص 137، والنسفي في كشف الأسرار 2/302، ونُسِب إلى ابن العربي كما في البحر المحيط للزركشي 8/230 (3) انظر: نفائس الأصول 9/3829-3832، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/573، شرح الكوكب المنير 4/460. (4) في ق: ((يعري)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (27) . (5) في ق: ((عنها)) وهو تحريف. (6) ساقطة من ق. (7) في ن: ((دليلاً على)) . (8) ساقطة من س. (9) في س، ن: ((مدحاً أو ثواباً)) وربَّما كان وجهة العطف على محلِّ عذاب في قوله: ((ذكر عذاب)) فإنها مجرورة لفظاَ ومنصوبة محلاً. والمثبت أبْين، لأنه معطوف على فاعل " وَقَع " أو على المضاف إليه " عذاب " (10) في س: ((يكاد توجد)) . (11) في ق: ((تعبد)) وهو تحريف (12) ساقط من س (13) أجلى المصنف وجه احتياج المجتهد لشرائط الحدِّ وشرائط البرهان في كتابه: نفائس الأصول (9/3835 - 3836) ، فذكر من شرائط الحد: الاطراد والانعكاس، والجمع والمنع، وألا يُحدَّ بالأخفى، ولا بالمساوي في الخفاء، ولا بما لا يُعرف المحدود إلا بعد معرفته وهو الدور، وألا يأتي بلفظٍ مجمل أو بمجاز بعيد، وأن يقدِّم الأعم على الأخص. وأما شرائط البرهان فكتقديم المقدمة الصغرى على الكبرى ثم النتيجة، وأن يعلم المُنْتِج والعقيم.. إلخ وانظر في هذا: معيار المعلم في فن المنطق للغزالي ص 98 - 114، 192 - 205، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي 1/42، 72 وما بعدهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وأما النحو والتصريف واللغة: فلأن الحكم يتبع الإعراب، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ما تركنا صدقةٌ)) (1) بالرَّفْع (2) ، فرواه الرافضة بالنَّصْب (3) أي لا يُورث ما تركناه (4) وَقْفاً، ومفهومه: أنهم يُورَثون في غيره. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ((اقتدوا باللَّذَيْن من بعدي أبي (5) بكر وعمر)) (6)   (1) أما اشتراط المعرفة بعلم المنطق على المجتهد، فمن العلماء من أنكره، لأن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم ويُكمِّل علمهم دون حاجة إلى منطق اليونان. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/172، جامع الأسرار للكاكي 4/1072، الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي ص (153) . لكن حاول الطوفي أن يوازن بين الفريقين، فانظر كلامه في: شرح مختصر الروضة 3/583 ( ) رواه البخاري (4033، 6727) ، ومسلم (1759) بلفظ: ((لا نُوْرث، ما تركنا صدقةٌ)) والحديث من رواية ثلاثةَ عشر صحابياً بينهم ثمانية من العشرة المبشَّرين بالجنة، ولهذا عدَّه السيوطي من الأحاديث المتواترة. انظر: قَطْف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ص (273) وانظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 227 (2) على أن ((صدقة)) خبرٌ مبتدؤه "ما" الموصولة، والمعنى: المتروك عنَّا صدقةٌ. انظر: فتح الباري 12/6، عون المعبود للعظيم أبادي 8/129 (3) فتكون ((صدقة)) حالاً. وممن أشار إلى رواية الرافضة هذه: أبو جعفر أحمد الطبري في كتابة: الرياض النَّضِرة في مناقب العشرة 2/126، وابن كثير في: البداية والنهاية 5/254، وابن حجر في: فتح الباري 12/6، والباجي في: المنتقي 7/317 - 318،، وذكر مناظرةً طريفةً بين سُنِّي جاهلٍ بالنحو وإمَامِيٍّ رافضيّ عالمٍ بالنحو، وقد خَصَمه السُّنِّي. وانظر: نفائس الأصول 9/3834. (4) في ق: ((تركناها)) وهو تحريف (5) في س، ن: ((أبو)) وهي مطابقة لما جاءت في مسند الإمام أحمد 5/382 والتاريخ الكبير للبخاري 8/209، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 2/249. (6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/382، 399، 402) ، والترمذي (3662) ، وابن ماجة (97) ، وابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان 15/327، والحاكم في مستدركه (3/75) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وغيره. قال العقيلي: ((وهذا يروى عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد ثابت)) الضعفاء (4/94) ، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/233) ، برقم (1233) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 رواه الشيعة (1) ((أبا بكر وعمر)) [فانعكس المعنى، أي: يا أبا بكرٍ وعمرُ] (2) فيكونان مُقْتَدِيَيْن (3) لا مُقْتَدَىً بهما، وهو كثير (4) ، واسم الفاعل من المفعول إنما يُعْلم من جهة التصريف. وإنما قُلِّد من مضى في أحوال الرواة: لبُعْد (5) أحوالهم عنَّا، فتعيَّن التقليد لمن اطَّلع [على حالهم] (6) ، لتعذِّر ذلك علينا. حجة عدم اشتراط عموم النظر: أن المقصود البعد عن الخطأ بتحصيل شرائط الاجتهاد، فإذا حصل ذلك في فَنٍّ واحدٍ كان كحصوله في جميع الفنون. حجة المنع: أن العلوم والفنون يمدُّ بعضُها بعضاً (7) ، فمن غاب عنه فَنٌّ (8) فقد غاب عنه نورٌ فيما (9) هو (10) يعلمه، وحينئذٍ لا يكمل النظر إلا بالشمولِ، ولذلك أنَّ النحوي الذي لا يُحْسِن الفقه ولا المعقولات تجده قاصراً في نَحْوِه بالنسبة (11) لمن يعلم ذلك، وكذلك جميع الفنون.   (1) لم أقف عليه في كتبهم، لكن انظر: نفائس الأصول 9/3835 (2) ما بين المعقوفين ساقط من ق (3) في س، ن: ((مقتديان)) وهو خطأ نحوي، لأن اسم كان منصوب (4) انظر مزيداً من الأمثلة في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3/581 (5) في ن: ((لبعض)) وهو تحريف (6) في س: ((عليهم)) . (7) ساقطة من س (8) ساقطة من س، ن (9) في ق: ((مما)) . (10) ساقطة من ن (11) ساقطة من ن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 الفصل السادس في التصويب ص: قال الجَاحِظُ وعُبيد (1) الله العَنْبَرِي (2) بتصويب المجتهدين في أصول الدين (3) ، بمعنى نفي (4) الإثم لا بمعنى مطابقة الاعتقاد، واتفق سائر العلماء على فساده (5) . وأما في الأحكام الشرعية فاختلفوا: هل لله تعالى في نفس الأمر حكم معين في الوقائع أمْ لا؟. والثاني قول من قال: ((كل مجتهد مصيب)) وهو قول جمهور المتكلمين (6) ، ومنهم الأشعري (7) والقاضي أبوبكر (8) منا (9) ، وأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة (10) .   (1) في ن، ق، متن هـ: ((عبد)) . وهو تحريف. (2) هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي، محدث ثقة، أخرج له الإمام مسلم في صحيحه، كان فقيهاً، ولي قضاء البصرة. ولد عام 105هـ وتوفي عام 168هـ، وقيل غير ذلك. شنَّع عليه العلماء في قوله: كل مجتهد مصيب، ونقل ابن حجر عنه قولاً برجوعه في هذه المسألة لما تبين له الصواب. انظر: تاريخ بغداد 10/306، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 91، تهذيب التهذيب 4 / 8 (3) انظر النسبة إلى الجاحظ في: المستصفى 2/401، المحصول للرازي 6/129، المسودة ص 495، جامع الأسرار للكاكي 4/1073، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/389. وانظر النسبة للعنبري في: المراجع السابقة، وأيضاً العدة لأبي يعلى 5/1540، التبصرة ص496، التلخيص 3/335، المنخول ص451. وقد اختلف الأصوليون في حمل كلام الجاحظ والعنبري في تصويب كل مجتهد في الدين، هل يشمل المخالفة لملة الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس أو ينحصر في الخلاف الجاري بين أهل القبلة من المعتزلة والخوارج والروافض ونحوهم، كمسألة القدر أو الرؤية أو الصفات؟ . أكثر الأصوليين على الثاني. انظر: المعتمد 2/398، البرهان للجويني 2/860، قواطع الأدلة 5/11، الوصول لابن برهان 2/338، روضة الناظر 3/981، كشف الأسرار للبخاري 4/30، البحر المحيط للزركشي 8/276، التوضيح لحلولو ص 393 (4) في ق: ((عدم)) . (5) انظر: المراجع المذكورة في الهامش قبل السابق، وانظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1043، التمهيد لأبي الخطاب 4/307، نهاية الوصول للهندي 8/3837، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/293، شرح الكوكب المنير 4/488، نيل السول للولاتي ص 205..لكن دعوى الاتفاق هذه فيها نظر، فإن طائفة من العلماء ترى عدم تأثيم أو تكفير المجتهد المخطيء في المسائل العلمية، كالمسائل العملية على حد سواء. انظر: الفصل في الملل والنحل لابن حزم 3/291، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 2/315، مجموع الفتاوى لابن تيمية 11/407، 413، 23/146 (6) انظر: إحكام الفصول ص 707، التبصرة ص 498، المحصول للرازي 6/34، الإحكام للآمدي 4/183، التلويح للتفتازاني 2/260، التوضيح لحلولو ص 394، فواتح الرحموت 2/428 (7) انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1048، المنخول ص 453، الفائق 5/35 (8) انظر: إحكام الفصول ص 708، تقريب الوصول ص 443، نشر البنود 2/322 (9) في ق: ((مني)) وهو تحريف (10) انظر: شرح العمد 2/238، المعتمد 2/370 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وإذا لم يكن لله تعالى حكم معين، فهل في الواقعة حُكْمٌ لو كان لله تعالى حُكْمٌ معين لحكَمَ به فيها (1) أم لا؟. والأول هو القول: بالأشبه، وهو قول جماعةٍ من المُصَوِّبين (2) ، والثاني قول بعضهم (3) . وإذا قلنا بالمعيَّن فإمَّا أن يكون عليه دليل ظني أو قطعي أو ليس عليه واحد منهما، والثاني (4) : قول جماعة من الفقهاء والمتكلمين (5) ، ونُقِل عن الشافعي (6) رضي الله عنه، وهو عندهم كدَفِيْنٍ يُعْثر عليه بالاتفاق. والقول بأن عليه دليلاً ظنياً فهل كُلِّف بطلب ذلك (7) الدليل، فإنْ أخطأه تعيَّن (8) التكليف بما (9) غلب على ظنه وهو قول بعضهم (10) ، أو لم يُكَلَّف بطلبه لخفائه وهو قول كافة الفقهاء (11) منهم الشافعي (12)   (1) ساقطة من س، ن، متن هـ (2) انظر: المعتمد 2/371، التمهيد لأبي الخطاب 4/314، الوصول لابن برهان 2/343، كشف الأسرار للبخاري 4/33، التوضيح لحلولو ص 394 (3) عبر عنهم الرازي في محصوله (6/34) بأنهم الخُلَّص من المصوِّبين (4) في ق: ((وأما الثاني)) بزيادة: ((أما)) ، وفي ن: ((والثاني هو)) بزيادة: ((هو)) . ومقصود المصنف بالثاني هنا هو القول بأنه ليس على الحكم أي دليل لا ظني ولا قطعي، لأنه يُعدُّ ثانياً بالنسبة إلى اشتراط الدليل سواء كان قطعياً أم ظنياً. (5) انظر: المستصفى 2/409، المحصول للرازي 6/34، الإحكام للآمدي 4/183، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/294، نهاية السول للإسنوي 4/562، تشنيف المسامع 4/588 (6) انظر: المحصول للرازي 6/34. والغريب أن المصنف في نفائس الأصول (9/3878 - 3880) ينازع الرازي في هذه النسبة للشافعي، وينقل صفحاتٍ من كتب الأصوليين تناقض نقل المحصول (6/34) هذا ويَخْلُص أخيراً بأن النسبة الصحيحة للشافعي إنما هي في القول بأن لله تعالى أمارةً (دليلاً ظنياً) على الحكم، كما سيأتي بعد قليل. (7) ساقطة من ق (8) في س: ((تغير)) تحرَّفت عن: ((تعين)) . (9) في س، ن، متن هـ: ((إلى ما)) . (10) ساقطة من س، ن، متن هـ. وانظر هذا القول في: المستصفى 2/409، التمهيد لأبي الخطاب 4/310، المحصول للرازي 6/34، الإبهاج 3/255، فواتح الرحموت 2/428 (11) منهم الإمام مالك، والإمام أحمد، انظر: إحكام الفصول ص 707، المسودة ص 497، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/602، تقريب الوصول ص443، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/885 (12) اضطرب بعضهم في النقل عن الشافعي، فمنهم من نسب إليه تصويب المجتهد بكل حال. والنقل الصحيح عنه أن الحق واحد لا يتعدد، وأن المصيب واحد. قال في إبطال الاستحسان (بذيل الأم 7/302) ((لا يجوز فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحداً)) . وانظر كلامه في الرسالة ص 489 وما بعدها. وانظر: شرح اللمع 2/1046، التلخيص 3/338، قواطع الأدلة 5/16، البحر المحيط للزركشي 8/283 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وأبو حنيفة (1) رضي الله عنهما. والقائلون بأن عليه دليلاً قطعياً (2) : اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه، وقال بِشْر المَرِيْسِيّ (3) : إن أخطأه استحق العقاب (4) ، وقال غيره: لا يستحقُّ العقاب (5) . واختلفوا أيضاً هل يُنقَض قضاء القاضي إذا خالفه قاله الأَصَمُّ (6) خلافاً للباقين، والمنقول عن مالك رحمه الله أن المصيب واحد (7) ، واختاره الإمام (8) ، وقال الإمام:   (1) اضطرب بعضهم في نقل مذهب أبي حنيفة، فهناك من نسب إليه التصويب. والتحقيق - عند الحنفية - أن الحق واحد لا يتعدد، وربما جاء اللبس مما روي عنه، وهو قوله: ((كل مجتهد مصيب، والحق عند الله واحد)) . انظر: ميزان الأصول 2/1051، بذل النظر ص 695 كشف الأسرار للبخاري 4/33-34 التوضيح لصدر الشريعة ومعه التلويح للتفتازاني 2/265، التقرير والتحبير 3/409 (2) في ق: ((ظنياً)) وهو خطأ؛ لأنه تكرار، فقد تقدم القول فيه. (3) هو بشْر بن غِيَاث بن أبي كريمة العدوي مولاهم، المَرِيْسِيّ نسبة إلى مريس بمصر، وإليه تنسب الفرقة " المَرِيْسِيَّة " من مرجئة بغداد، تفقَّه على أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. ثم نظر في الكلام، فغلب عليه وصار رأساً في الابتداع والاعتزال، ودعا إلى خَلْق القرآن وإنكار الصفات، ت 218هـ. ومن أنفس الردود عليه كتاب: " نَقْض الإمام أبي سعيد على بشر المريسي العنيد " للدرامي بتحقيق: رشيد بن حسن محمد نشر: مكتبة الرشد - الرياض. انظر: تاريخ بغداد 7/56، وفيات الأعيان 1/277، الجواهر المضية ص 164، الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي ص124 (4) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2/235، المعتمد 2/371 (5) انظر: المحصول للرازي 6/36، الإحكام للآمدي 4/183 (6) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2/235، المعتمد 2/371، والأصمُّ هو: أبوبكر عبد الرحمن بن كَيْسان، كان ديِّناً وقوراً صبوراً على الفقر لكن كان شيخاً في الاعتزال، يخطِّيء عليّاً رضي الله عنه، أخذ عنه ابن علية (الابن) ، وله كتاب في التفسير، وفي خَلْق القرآن. توفي سنة 201هـ. انظر: طبقات المعتزلة لابن عبد الجبار ص 267، سير أعلام النبلاء 9/402، لسان الميزان 3/427 (7) اختلف عن الإمام مالك، وسبب اختلافهم بحسب ما يستنبطونه من أقواله، فنُقل عنه لما سُئل عن اختلاف الصحابة قوله: ليس إلا خطأ وصواب. وقال: قولان مختلفان لا يكونان قطُّ صواباً. فهذا يدل على أن المصيب واحد، ومما يدل على أن مذهبه ((أن كل مجتهد مصيب)) : أن الخليفة العباسي وقتذاك لما أراد أن يحمل الناس على موطأ مالك، امتنع مالك، واحتج بتفرق الناس في الأمصار، وقد أخذوا بآراء الصحابة، وكلٌّ عند نفسه مصيب. ونقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/885) عن بعضهم قوله ((ولا أعلم خلافاً بين الحُذَّاق من شيوخ المالكيين البغداديين والمصريين، كلٌّ يحكي أن مذهب مالك رحمه الله في اجتهاد المجتهدين والقياسيين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله واحد من قولهم ... )) . انظر: إحكام الفصول ص 707، منتهى السول والأمل ص 212، تقريب الوصول ص 443، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 832، رفع النقاب القسم 2/1155 - 1157، نشر البنود 2/320 (8) انظر: المحصول 6/36 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 عليه دليل ظني ومخالِفُه معذور والقضاء لا يُنقَض (1) . لنا: أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراحجة أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة ويستحيل وجودها في النقيضين فيتَّحِدُ الحكم (2) : احتجوا بانعقاد* الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يَتْبَع ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلَّده، ولا نعني بحكم الله تعالى إلا ذلك، فكلُّ مجتهد مصيب، وتكون ظنون المجتهدين تَتْبعها الأحكام كأحوال المضطَّرين والمختارين* بالنسبة إلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حراماً بالنسبة إلى شخصين كالميتة. الشرح حجة الجاحظ: أن المجتهد في أصول الدين (3) إذا بذل جهده فقد فَنِيَتْ قدرته، فتكليفه بعد ذلك بما زاد على ذلك تكليفٌ بما لا يطاق، وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه لقوله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (4) . حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيُكْره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه (5) ، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة (6) اعْتُبِر في ظاهر   (1) انظر: المحصول 6/36 (2) هذا دليل القائلين بأن المصيب واحد. ومفاده: أنه يستحيل أن يوجد في حكم واحد مصلحة ومفسدة فيكون حلالاً حراماً؛ لأنه جمع بين النقيضين، فيلزم أن يكون الحكم واحداً إما حلالاً أو حراماً. (3) في ق: ((الفقه، وهو خطأ، لأن المراد: ((الدين)) كما جاء في المتن. (4) البقرة، من الآية: 286 (5) المبدأ الإسلامي يقوم على قاعدة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، وقوله تعالى {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ، فالإسلام لم يحمل سيفه ليُكره الناسَ على اعتناقه عقيدةً، وإنما جاهد وحارب وناضل، أولاً: ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يُسَامونها، وثانياً: لإزالة العقبات من طريق إبلاغ الدعوة للناس كافة، كإزالة النُّظُم الطاغوتية التي تصدُّ الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتنهم عنه، وثالثاً: ليقيم نظاماً عادلاً آمناً يعيش أصحاب العقائد في كنفه، خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته. انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب 1/290 - 296. ولكن ما ذهب إليه المصنف هو أحد أقوال المفسرين، وأن آية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] منسوخة بآيات القتال، فالواجب دعوة الناس إلى الإسلام، فإن لم يستجيبوا قوتلوا وأجبروا على الإسلام. انظر: أحكام القران لابن العربي 1/310، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/280، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/460، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص 44 - 49 (6) في ن: ((الحال)) وهو صحيح أيضاً، فهو يذكر ويؤنث انظر: هامش (4) ص 122. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 الشرع، وغيره (1) لو وقع بهذه الأسباب لم يُعْتَبر، ولذلك (2) لم يَعْذر اللهُ بالجهل في أصول الدين إجماعاً (3) ، ولو شرب خمراً يظنه جُلاَّباً (4) أو وَطِيء امرأة يظنها امرأته عُذِر بالجهل، ولذلك جُعِل النظر الأول واجباً (5) مع الجهل بالموجَب، وذلك تكليف   (1) أي غير الإيمان، كالأحكام العملية. انظر: نفائس الأصول 9/3869 - 3770 (2) في س: ((وكذلك)) .. (3) دعوى الإجماع فيها نظر، والمصنف نفسه في كتابه الفروق (2/149 - 151) أورد تحت قاعدة: ((الفرق بين ما لا يكون الجهل عذراً فيه وما يكون)) أن الجهل في أصول الدين لا يعذر الله صاحبه به، بل هو آثم كافر يخلد في النار على المشهور من المذاهب. ثم إن عدم العذر بالجهل لا ينبغي إطلاقه هكذا، بل له حالات يختلف الحكم فيها باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فمنهم حديثُ عَهْدٍ بالإسلام، ومنهم من نشأ في بادية بعيدة، ومسائل أصول الدين منها ما هو معلوم من الدين بالضرورة وما هو دون ذلك. وابن حزم وابن تيمية وغيرهما ممن نصر القول بأن المجتهد المخطيء في الأصول معذور إذا كان من المسلمين ولم تقم عليه الحجة. انظر: الفِصَل في الملل والنحل لابن حزم 3/291، 292، 301، الدرَّة فيما يجب اعتقاده له أيضاً ص 414، 440، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/125، 20/33، 23/346، وانظر: نواقض الإيمان الاعتقادية د. محمد الوهيبي 1/225 - 293. وقد أُلِّفَتْ كُتُب ورسائل خاصة في هذا الموضوع منها: الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق معاش. دار الوطن - الرياض، العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي لمدحت آل فراج. دار الكتاب والسنة - كراتشي. (4) في ن: ((خَلاًّ)) . والجُلاَّب: ماء الورد، فارسي معرَّب. انظر مادة " جلب " في: لسان العرب، المعرَّب للجواليقي ص 154 وهو الآن شراب يُصنع من الزبيب المدقوق والمنقوع في الماء ويُصفَّى ويُطيِّب بالبخور. انظر: قاموس الغذاء والتداوي بالنبات لأحمد قدامة ص 9 (5) مذهب الأشاعرة أن أول واجب على المكلف هو: النظر، وبعضهم قال: القصد إلى النظر، وبعضهم: المعرفة. والذي عليه أهل السنة والجماعة والسلف والأئمة أن أول واجب يؤمر به العباد الشهادتان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله ... )) رواه البخاري (1395) ومسلم (19) . انظر: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للباقلاني ص 33، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني ص 25، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص7، الانتصار لأصحاب الحديث للسمعاني ص 60 - 64، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 8/11، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص 23. وللشيخ عبد الله الغنيمان بحث قيم بعنوان " أول واجب على المكلف عبادة الله ". انظره في: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في العددين: 62، 63. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 ما لا يطاق (1) ، فكذلك [إذا حصل] (2) الكفر مع بذل الجهد (3) يؤاخذ الله تعالى به، ولا ينفعه بذل جهده؛ لعظم خطر الباب وجلالة رتبته (4) ، وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحاً فإن له نار جهنَّم خالداً (5) فيها، وقياسُ الخصمِ* الأصولَ على الفروع غَلَطٌ لعظم التفاوت بينهما (6) . وإذا قلنا ليس لله تعالي في نفس الأمر حكم معين: فليس هناك إلا ما ظهر في ظنون (7) المجتهدين [فقد أصابوه] (8) ، فكل مجتهد مصيب، أي: إذا أَفْتَى بشيء فقد أصابه أما لو انتهى به الحال للوقف (9) فتمَادَتْ (10) مهلة النظر فلا يقال له (11) : إنه مصيب ولا مخطيء. وإذا قلنا في نفس الأمر حكم معين وهو ما تضمن المصلحة الخالصة أو الراجحة، فمن صادفه فهو المصيب ومن لم يصادفه فهو مخطيء له، فليس كل مجتهد مصيباً (12) .   (1) أي مما يدل على أن الشرع شَدَّد في الاعتقاد أنه أوجب عليه النظر لمعرفة الله، ولو صار الجهل له ضرورياً لا يمكن دفعه عن نفسه انظر: الفروق 2/150 - 151، تهذيب الفروق والقواعد السنية " بهامش الفروق " لابن حسين المكي 2/163 (2) في ن: ((تحصيل)) . (3) في ق: ((الجهل)) وهو تحريف (4) ساقطة من س (5) في ن: ((خالدين)) . (6) لابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن تابعهما رأيٌ في تفريق المتكلمين بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، وبيّنا أنه اصطلاحٌ من إحداث المعتزلة والجهمية، وأنه ترتَّبتْ عليه أمور باطلة. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/84 - 95، مجموع الفتاوى له أيضاً 13/126، 19/207 - 212، 23/346. مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ص 755، التفريق بين الأصول والفروع، د. سعد بن ناصر الشثري 1/169 - 193 (7) في ن: ((نفس)) ، وفي س: ((ظن)) . (8) ساقط من ق (9) في ن: ((للوقوف)) . (10) في ق: ((وبقي في)) . (11) ساقطة من ق (12) هكذا في و، ص، م، ز وهو الصواب. وفي باقي النسخ: ((مصيب)) وهو خطأ، لأن خبر " ليس " منصوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 ومعنى المذهب الثالث (1) ، وهو القول بالأشْبَه: أنه ليس في نفس الأمر حكم (2) معين وإنما في نفس الأمر ما لو عيَّن الله شيئاً لعيَّنه، فهو أشبه الأمور بمقاصد الشريعة، كما تقول (3) : لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الزمان رجل صِدِّيق [خَيِّر، لو أن الله تعالى يبعث نبياً لبعثه] (4) . والقول (5) الآخر يقول: ليس في نفس الأمر شيء هو أشبه، والظاهر هو الأول، فإن الأفعال المُتَخيَّلة لا تخلو عن الرجحان في بعضها. والقول الثاني يقول (6) : إذا لم يُعيِّن الله تعالى شيئاً استوت الأفعال، كما أن المباحات كلها مباحة (7) لم تختلف وإن كانت مصالحها مختلفة. حجة الدليل القطعي على الحكم في نفس الأمر: أن تكليف الكل بشيء معين يعتمد دليلاً يظهر (8) للكل وما ذاك إلا القطعي، أما الظني فتختلف فيه القرائح. حجة الدليل الظني: أن الله سبحانه وتعالى امتحن الخلق بذلك الحكم في نفس الأمر، وأمرهم ببذل الجهد في طلبه، فلولا أنه ودليلَهُ في غاية الخفاء لعَرَفَه الكلُّ، فزال الامتحان، وليس كذلك. حجة أنه ليس عليه دليل لا ظني ولا قطعي: أنه لو كانت عليه أمارة لفهمها الكل، ألا تري أن المطر إذا كانت عليه أمارة علمها الكلُّ، لكن الحكم ليس كذلك، فلا أمارة عليه. وقول بِشْرٍ باستحقاق العقاب إذا أخطأه؛ لأنه يجعل التقصير من جهته، ومن قَصَّر استحقَّ العقاب. حجة الجمهور: قوله عليه الصلاة والسلام ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجْرٌ وإنْ   (1) اعتبار هذا المذهب ثالثاً أمرٌ نسبيٌ، وهو يختص بالأحكام الشرعية. فالمذهب الأول (للمخطئة) هو: أن لله حكماً معيناً في نفس الأمر. والمذهب الثاني (لبعض المصوّبة) هو: ليس لله حكمٌ معينٌ راجحٌ هو أشبه، بل هي على السواء. وسيتضح هذان المذهبان في الشرح التالي. (2) ساقطة من ن (3) ساقطة من ق (4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لو بعث الله تعالى نبياً لبعثه)) . (5) ساقطة من ق (6) ساقطة من ق (7) هكذا في ص، و، ش. وفي ن: ((مباحات)) وهو صحيح أيضاً. وفي ق، س: ((مباحت)) وهو تحريف. (8) في ن: ((ظاهراً)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 أصاب فله أجران)) (1) فجعل الثواب مع الخطأ، فلا عقاب حينئذٍ. وأما قول الأصمِّ: إنه (2) يُنْقَض قضاء القاضي إذا خالفه، فهو في غاية العُسْر من جهة تصوُّره، بسبب أن هذا الحكم غير معلوم، [وكذلك دليله. ونحن وإن قلنا إن المصيب واحد، فهو غير معلوم] (3) ، ونقض قضاء (4) القاضي إنما يكون بما يتحقق، وما لا يتحقق كيف يُنْقَض به القضاء؟! فهذا المذهب مُشْكل (5) . وأما قول المصوِّبة: إنه يجب عليه اتباع ظنه وإن خالف الإجماع فمسلَّمٌ، ولكن الأحكام التي على ألْسنة المجتهدين وظنونهم متَّفقٌ عليها وأنها أحكام الله تعالى، والنزاع في ثبوت أمر آخر في نفس الأمر غيرها، فما أقاموا فيه الدليل لا نزاع فيه، وما فيه النزاع لم يقيموا الدليل عليه، فلا ينبغي أن يقيموا الدليل على أن هذه أحكام الله تعالى، بل [يقيمون (6) الدليل] (7) على أنه ليس لله تعالى حُكْمٌ آخر (8) غيرها فإنه محل النزاع،   (1) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) . وأقرب لفظ وجدته قريباً من لفظ المصنف ما رواه أبو يعلى في " المعجم " ص (194) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ كان له أجر، وإذا اجتهد فأصاب كان له أجران)) . وكذلك ما رواه ابن الجارود في " المنتقى " ص (249) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران اثنان، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)) . (2) ساقطة من ن (3) ما بين المعقوفين ساقط من س (4) ساقطة من س (5) وأيضاً يلزم من نقض قضاء القاضي في الاجتهاد تسلسل النقض إلى غير نهاية، مما يؤدي إلى اضطراب الأحكام، وتفويت مصلحة نصب الحاكم، وحطِّ منزلة القضاء في نفوس الناس. انظر: المستصفى 2/606، منتهى السول والأمل ص 216، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/392، تيسير التحرير 2/234. وستأتي هذه المسألة في الفصل التالي ص 477. (6) في س: ((يقيموا)) والمثبت هو الصواب، لأن ((بل)) إذا دخلت على الجملة صارت حرف ابتداءٍ لا عاطفة على الصحيح. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 221. (7) ساقط من ق (8) ساقطة من ن، س الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 والقائلون بالتصويب يقولون: إن الحكم إنما يَتْبع المصلحة الخالصة أو الراجحة في مواقع الإجماع، [أما في (1) محلِّ الاختلاف فلا يُسلِّمون ذلك، فهذا مَنْعٌ حَسَن أيضاً على دليل المُخَطِّئة] (2) (3) .   (1) ساقطة من ن (2) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((أو في محل الاختلاف فلا)) . (3) نقل المصنف في نفائس الأصول (9/3901) جواباً ذكياً لطيفاً عن قول المصوبة، وهو: إذا أجمع المصوبة على تصويب كل مجتهد فقد اعترفوا بإصابة المُخطِّئة في أن الحق واحد، فيصير هذا القول مجمعاً عليه، وخلاف المجمع عليه باطل إجماعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 الفصل السابع في نقض الاجتهاد (1) ص: أما المجتهد في نفسه فلو تزوَّج امرأةً علَّق طلاقها الثلاث (2) على (3) المِلْك (4) بالاجتهاد، فإنْ حكم به حاكم (5) ثم تغيَّر (6) اجتهاده لم يُنْقض، وإن لم يحكم به (7) نُقِضَ ولم يجز له إمساك المرأة (8) .   (1) نقض الاجتهاد: هو إبطال الاجتهاد وإفساده بعد أن وجد. وهو مما يحتاجه القاضي والمفتي. ولنقض الاجتهاد حالتان. الحالة الأولى: أن يكون الاجتهاد الثاني مستَنِداً إلى دليل متفق عليه من نص أو إجماع أو قياس جلي أو قواعد شرعية. فحكم الاجتهاد الأول أن يُنْقض بالثاني. الحالة الثانية: أن يكون الاجتهاد الثاني مستنداً إلى دليل ظني، كالاجتهاد الأول. وحكم النقض في هذه الحالة يتحدد بحسب الصورة، والصور أربع، الأولى: أن يكون الاجتهاد لنفسه، ولم يتصل به حكم حاكم. الثانية: أن يكون الاجتهاد لنفسه ويتصل به حكم حاكم. الثالثة: أن يكون الاجتهاد لغيره كعامي ولم يتصل به حكم حاكم. الرابعة: أن يكون الاجتهاد لغيره ويتصل به حكم حاكم. انظر: في هذا كتاباً نفيساً للدكتور: أحمد العنقري، وهو: نقض الاجتهاد: دراسة أصولية. ص 35 (2) في س: ((بالثلاث)) ولست أعلم لها معنى مناسباً هنا. (3) في س، متن هـ: ((قبل)) . (4) صورة هذا التعليق: أن يقول لها: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً. فإذا تزوجها وكان اجتهاده الأول أن هذا التعليق لا يلزم أي لا يقع، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية [انظر: الحاوي 10/23، المغني 13/488، المحلَّى 1/205] ثم تغير اجتهاده بعد ذلك، ورأى أن التعليق يلزم ويقع كما هو مذهب الحنفية والمالكية [انظر: بدائع الصنائع 4/289، الاستذكار 18/119، الشرح الصغير 2/550] فما الحكم؟ (5) في ق: ((حكم)) . (6) في ق: ((يُغيِّر)) . (7) ساقطة من متن هـ. (8) هاتان هما الصورتان الأوليان المذكورتان في هامش (1) من هذه الصفحة. والحكم عليهما بما ذكره المصنف هو رأي جماهير العلماء. انظر: المستصفى 2/454، المحصول للرازي 6/64، روضة الناظر 3/1015، الإحكام للآمدي 4/203، البحر المحيط للزركشي 8/312، التوضيح لحلولو ص 396، فواتح الرحموت 2/440، نشر البنود 2/324. والقول الثاني: يُنْقض اجتهاده الأول بالثاني مطلقاً، سواء تقرر الأول بقضاء القاضي أم لا، وهو ما ذهب إليه ابن الحاجب وابن النجار، انظر: منتهى السول والأمل ص216، شرح الكوكب المنير 4/510. والقول الثالث: لا يُنْقض مطلقاً: انظر: رفع النقاب للشوشاوي 2/1163، شرح الكوكب المنير 4/510 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي ثم تغيَّر اجتهاده فالصحيح أنه تجب (1) المفارقة (2) (3) قاله (4) الإمام. وكلُ حُكْمٍ اتَّصَل به قضاء القاضي استقرَّ، إلا أن يكون ذلك القضاء ما يُنْقَض في نفسه. الشرح حُكْم الحاكم في مسائل الاجتهاد يُعيِّن ذلك الحكم الذي حكم به الحاكم، فإن الحاكم نائب الله تعالى (5) في مسائل الخلاف، فإذا أنشأ حكماً في مسائل الاجتهاد كان ذلك كالنص الوارد في خصوص (6) تلك الواقعة من تلك القاعدة العامة، والدليل الخاص مقَدَّمٌ على العامِّ في الصورة التي تناولها الخاص، كما تقرَّر في أصول الفقه، وقد بَسَطْتُ ذلك في كتاب: " الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام " (7) . وإذا لم يَحْكم بالاجتهاد الأول حاكمٌ نُقِض؛ لأن تغيُّر (8) الاجتهاد يصيِّره (9) كالمنسوخ، والمنسوخُ لا عبرة به.   (1) في ق: ((يجب)) . (2) في س: ((الموارثة)) وهو تحريف (3) ينبغي هنا تقييد هذه الصورة بما إذا لم يتصل بهذا الاجتهاد حكم الحاكم وإلا لم ينتقض اتفاقاً. انظر: الإحكام للآمدي 4/203، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/646، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/293، شرح الكوكب المنير 4/503، نقض الاجتهاد للدكتور أحمد العنقري ص100، وسيأتي في شرح المصنف الخلاف في هذه الصورة. (4) هكذا في س، ش، وكل نسخ المتن الخطية. وفي باقي النسخ: ((قال)) ، وكلاهما صحيح؛ لأن ما سلف وما سيأتي قاله الرازي. انظر: المحصول 6/64 - 65 (5) من العلماء من تحفَّظ على هذا التعبير، وكذا نظيره " خليفة الله " راجع المسألة بتوسُّع في: معجم المناهي اللفظية د. بكر أبو زيد ص 252، 537، الخلافة في الأرض د. أحمد حسن فرحات ص 11 وما بعدها، بصائر للمسلم المعاصر د. عبد الرحمن الميداني ص 142 (6) في ن: ((تخصيص)) . (7) انظره في: ص 38، 43، 97. وقد سبق التعريف بالكتاب في القسم الدراسي. (8) في ن: ((تعيين)) وهو تحريف (9) في س: ((يصير)) ، وهي ساقطة من ن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 وكذلك تجب مفارقة المرأة من العامي إذا تغيَّر اجتهاد من أفتاه؛ لأن اجتهاده نُسِخ (1) ، وقيل: لا يجب (2) ؛ لأن الثاني اجتهاد أيضاً، وليس إبطال أحدهما بالآخر أولى من العكس، فلا يُنْقض الاجتهاد بالاجتهاد، نعم لو قُطِع بخطأ الأول وجبت المفارقة. والحكم الذي يُنْقض (3) في نفسه ولا يَمْنع النقض هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي (4) (5) .   (1) هذا مذهب الغزالي والرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم. انظر: المستصفى 2/454 المحصول 6/64، الإحكام 4/203، منتهى السول والأمل ص 216، البحر المحيط للزركشي 8/313، التوضيح لحلولو ص 396 (2) وهو مذهب ابن قدامة والطوفي وابن القيم وابن النجار وغيرهم. انظر: روضة الناظر 3/1015، شرح مختصر الروضة 3/646، 649، إعلام الموقعين 4/196 - 197، شرح الكوكب المنير 4/511، فواتح الرحموت 2/440 (3) في ن: ((نقض)) . (4) ساقطة من س (5) سبق التعليق عليها في هامش (13) ص (238) . ولكن أنبِّهُ هنا إلى أن من العلماء من فرَّق في النقض بالكتاب بين ما كان منه قطعي الدلالة أو ظنيها، وكذا وقع التفريق عند بعضهم بين السنة المتواترة والمشهورة والآحادية، وكذا التفريق بين الإجماع القطعي والظني، وكذا بين القياس الجلي والخفي. أما نقض الاجتهاد بالقواعد فهذا ما صرَّح به المالكية، وربما لم يذكره غيرهم، والمراد بها - كما ذكره الشوشاوي في رفع النقاب القسم 2/1098 - الكليات الخمس، وقيل: هي الضوابط التي تجري عليها أحكام الأبواب الفقهية، كقاعدة المِثْلِيَّات والمقُوَّمات.. إلخ. انظر كلاماً مستوعباً عن هذه الأربعة في كتاب: نقض الاجتهاد د. أحمد العنقري ص 36 - 67، وانظر: المستصفى 2/455، الإحكام للآمدي 4/203، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، جمع الجوامع بحاشية البناتي 2/392، إعلام الموقعين 4/197، تشنيف المسامع 4/591، التقرير والتحبير 3/446، التوضيح لحلولو ص 396، شرح الكوكب المنير 4/505، نيل السول للولاتي ص 209، نثر الورود 2/637 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 الفصل الثامن في الاستفتاء ص: إذا اسْتُفْتِي* مجتهدٌ فأفْتَى، ثم سُئِل ثانيةً عن تلك الحادثة: فإن كان ذاكراً لاجتهاده الأول أفْتى، وإن نسي استأنف الاجتهاد (1) ، فإن أدَّاه (2) إلى خلاف الأول أفتى بالثاني، قال الإمام: والأحسن أن يعرف العامي ليرجع (3) . ولا يجوز لأحدٍ الاستفتاء إلا إذا غلب على ظنه أن الذي يستفتيه من أهل العلم والدين والورع (4) ، فإن اختلف عليه العلماء في الفتوى فقال قوم: يحب عليه الاجتهاد في أعلمهم وأورعهم لتمكنه من ذلك (5) ، وقال قوم:   (1) تحرير محل النزاع في مسألة تجديد الاجتهاد هو: أن المجتهد لا يخلو إما إن يتجدد له ما يوجب تغيُّر اجتهاده أو لا، فإن ظهر له ما يوجب تغيُّر اجتهاده لم يجز له البقاء على القول الأول، بل يجب عليه أن يجتهد ثانياً بغير نزاع، ولا يجب عليه نقض الاجتهاد الأول. ومحل النزاع فيما إذا لم يظهر له ما يوجب تغيُّر اجتهاده، وللعلماء ثلاثة أقوال في ذلك، الأول: يجب عليه تجديد اجتهاده مطلقاً سواء أكان ذاكراً لاجتهاده الأول أم لا، وسواء أكان ذاكراً لدليله أم لا. والثاني: لا يجب عليه مطلقاً. والثالث: التفصيل، فيجب إن كان ناسياً لاجتهاده الأول أو لدليله أو لهما معاً، وقال بعضهم: يجب إن وجد عند المجتهد احتمال العثور على ما يوجب رجوعه. انظر الأقوال بأدلتها في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 1035، الإحكام للآمدي 4 / 233، نهاية الوصول للهندي 8 / 3882، 8 / 3882، زوائد الأصول للإسنوي ص 435، التمهيد للإسنوي ص 529، البحر المحيط للزركشي 8/354، التوضيح لحلولو ص 397، تيسير التحرير 4/232، فواتح الرحموت 2/438، إعلام الموقعين 4/204، صفة الفتوى لابن حمدان ص 37، التقليد والافتاء والاستفتاء لعبد العزيز الراجحي ص102 (2) في س: ((أداته)) ولا وجه لها (3) انظر: المحصول 6/69 (4) تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى ص (447) . وهذا الأمر حكى بعض الأصوليين الاتفاق عليه. انظر: المعتمد 2/363، إحكام الفصول ص 729، شرح اللمع للشيرازي 2/1037، التمهيد لأبي الخطاب 4/403، المحصول للرازي 6/81، المسودة ص 464، تشنيف المسامع 4/611، التوضيح لحلولو ص 398، تيسير التحرير 4/248، نشر البنود 2/332 (5) سبق ذكر هذه المسألة، وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب بعض الشافعية انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 26، قواطع الأدلة 5/98، 111، 143، المحصول لابن العربي ص 613، الإحكام للآمدي 4/237، المسودة ص 462، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/666، البحر المحيط للزركشي 8/365، التوضيح لحلولو ص 398، إعلام الموقعين 2/226، 232، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 137، صفة الفتوى لابن حمدان ص 69 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 لا يجب (1) ؛ لأن الكل طُرُقٌ إلى الله تعالى، ولم ينكر أحدٌ على العوام في كل (2) عصرٍ تَرْكَ النظر في أحوال العلماء (3) . وإذا فرَّعنا على الأول فإن حصل ظن الاستواء مطلقاً فأمكن أن يقال: ذلك (4) متعذِّر، كما قيل في الأمارات (5) ، وأمكن أن يقال: يسقط عنه التكليف، ويفعل ما يشاء (6) منها (7) . وإن حصل ظنُّ الرُّجْحان مطلقاً تعيَّن العمل (8) بالراجح (9) ، وإن حصل من وَجْهٍ فإن كان في العلم - والاستواء في الدين - فمنهم من خَيَّر، ومنهم من أوجب الأخذ بقول الأعلم (10) ، قال الإمام: وهو الأقرب؛ ولذلك قُدِّم من إمامة الصلاة (11) ، وإن كان في الدين - والاستواء في العلم - فيتعيَّن الأدْيَن (12) ، فإن رَجَح أحدهما في دينه والآخر في علمه، فقيل: يتعيَّن الأدْيَن، وقيل: الأعْلَم، قال (13) : وهو الأرجح كما مرَّ (14) .   (1) هذا مذهب جماهير العلماء، والرواية الأخرى عن أحمد عليها أكثر الحنابلة، واختاره الباجي وابن الحاجب من المالكية. انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 131، إحكام الفصول ص 729، شرح اللمع للشيرازي 2/1011، 1038، التلخيص 3/465، روضة الناظر 3/1024، منتهى السول والأمل ص 221، تقريب الوصول ص 460، التقرير والتحبير 3/465، فواتح الرحموت 2/448، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 137، صفة الفتوى لابن حمدان ص 69 (2) ساقطة من متن هـ. (3) حكى المصنف الإجماع على هذا القول في ص (448) . وها هو هنا ينقض ادعاء الإجماع بحكاية الخلاف في المسألة. راجع هامش (6) ص 448. (4) في ق: ((هو)) . (5) في ق: ((الأمارة)) . وانظر مبحث تساوي الأمارتين في: ص 402. (6) انظر: المعتمد 2/364، اللُّمع ص 256، التمهيد لأبي الخطاب 4/405، المحصول للرازي 6/81، التوضيح لحلولو ص398 (7) ساقطة من ق، س (8) في ق: ((العلم)) وهو خطأ، لعل الناسخ التبس عليه العمل بالعلم (9) انظر: البرهان للجويني 2/879، المنخول ص 483، المحصول للرازي 6/82، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/396، زاوئد الأصول للإسنوي ص 449 (10) انظر المراجع السابقة، وكذا: المعتمد 2/264، شرح الكوكب المنير 4/573، نشر البنود 2/335، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 138 (11) انظر: المحصول 6/82 (12) وقيل: يخيّر. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/405، المسودة 463 (13) أي: الإمام الرازي. انظر: المحصول 6/82 (14) وهو قوله: ((وهو الأقرب)) . وقيل: يخيّر..انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/406، المسودة ص 463، وانظر المسألة في: التمهيد للإسنوي ص 530، البحر المحيط للزركشي 8/366، نثر الورود 2/647، صفة الفتوى لابن حمدان ص 70 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 الشرح إذا كان (1) المجتهد ذاكراً للاجتهاد ينبغي ألاَّ يَقْتَصِر (2) على مجرد الذِّكْر، بل يُحرِّكُه، لعله يَظْفر فيه بخطأ أو زيادةٍ بمقتضى (3) قوله (4) تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) ، ولأن (6) رتبة المجتهد ألاَّ يُقَصِّر ولا يترك من جهده شيئاً، فإذا استقرَّ له اجتهاد في زمن لا يلزمه استقراره دائماً، بل الله تعالى خَلاَّقٌ (7) على الدوام، فيخْلُق (8) في نفسه علوماً (9) ومصالحَ لم يكن يشعر بها قبل ذلك، فإهمال (10) ذلك تقصير. وإنما قال* الإمام: ((الأحسن أن يعرف العامي إذا تغير (11) اجتهاده)) : لأن الاجتهاد (12) لا يُنْقَض بالاجتهاد (13) ، ولكنَّ الثاني أغلبُ على الظن من الأول، فلو قَطَع ببطلان الأول وجب عليه تعريف العامي.   (1) في س: ((اجتهد)) . (2) في ن: ((يقتضي)) وهو تحريف (3) في س: ((لمقتضى)) وهو مما انفردت به، وهو صحيح أيضاً؛ لأن التعليل كما يقع بالباء يقع باللام أيضاً. وهي ساقطة من ق (4) في ق: ((لقوله)) . (5) التغابن، من الآية: 16 (6) في ق: ((ولأنها)) . (7) في ن: ((خالق)) وهو صحيح، والمثبت أبلغ. وفي ق: ((خَالِفٌ)) وهو متجه، فهو من باب الإخبار عن فعل الله تعالى وليس من أسمائه، والمعنى إذا ذهب عنه علم عَوَّضه وأخلف له علوماً أخرى. وفي الحديث: ((اللهم أعط منفقاً خلفاً)) رواه البخاري (1442) انظر مادة " خلف " في النهاية في غريب الحديث والأثر. (8) في ق: ((فتختلف)) وهو مقبول أيضاً، لما ذُكر في الهامش السابق. (9) في ق: ((علوم)) وهو مستقيم بما جاء في الهامش السابق (10) في ق: ((احتمال)) وهو تحريف (11) في ق: ((قصر)) وهي غير مناسبة للمراد. (12) في س: ((اجتهاده)) . (13) قول الإمام هنا بأن الأحسن أن يعرف العامي بتغير الاجتهاد معناه: أنه لا يجب تعريفه بذلك، لأن الاجتهاد الأول لا يُنْقض بالثاني، هذا القول منه يخالف قوله السابق الذي نقله عنه المصنف ص (478) إذ قال: ((وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي ثم تغيَّر اجتهاده، فالصحيح أنه تجب المفارقة)) أي يجب إخباره بذلك. انظر: المحصول 6/64، 69. وانظر مسألة وجوب إعلام المستفتي عند تغيِّر الاجتهاد من عدمه في: إعلام الموقعين 4/197، صفة الفتوى لابن حمدان ص 30 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 ومدرك العامي في أن الذي يستفتيه من أهل العلم والدين والورع: الأخبارُ*، وقرائنُ الأحوال، فذلك عند العامة متيسر (1) ، وأما إذا لم يتضح له ذلك فلا يَحِلُّ (2) له الاستفتاء؛ لأن دين الله لا يؤخذ من (3) غير أهله، قال الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} (4) قال تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (5) فتعيين (6) أهل الذكر بالنطق يقتضي بالمفهوم تحريم (7) سؤال غيرهم. والتخيير والسقوط عند (8) استواء المفتين، قد قيل بهما في الأمارتين إذا اسْتَوتا (9) ، مذهب القاضي والجمهور: التخير، [ومذهب بعض الفقهاء: السقوط (10) . وجه التخير] (11) عند الرجحان في العلم والاستواء في الدين: إن تقليد (12) الأعلم غير واجب على المشهور، وغاية هذا أن يكون أعلم فيتخيَّر المستفتي. حجة تقديم الأعلم: أن المُقدَّم في كل موطن [من مواطن] (13) الشريعة [من هو أقوم بمصالح ذلك الموطن، فيُقدَّم في الحروب] (14) من هو أعلم [بمكايد الحروب] (15) وسياسة الجيوش، وفي القضاء (16) من هو أعلم بالتفطن بحجاج الخصوم، ولأمانة الحكم من هو أعلم بتنمية (17) الأموال وضبطها وأحوال الأيتام في مصالحها.   (1) انظر هذه القرائن في: نشر البنود 2/332، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 135، صفة الفتوى لابن حمدان ص 68، التقليد وأحكامه د. سعد بن ناصر الشثري ص 117 (2) في ق: ((يصح)) . (3) في س: ((عن)) وهو صحيح؛ لأن أخذ يتعدى بكليهما. انظر مادة " أخذ " في: لسان العرب. (4) الزمر، من الآية:9 (5) النحل، من الآية: 43 (6) في ن، س: ((فتعين)) . (7) ساقطة من س، وهو سقط فاحش (8) في س: ((لا تعلمون)) وهو بعيد جداً، لعله جاء للناسخ من السطر الذي قبله (9) في ق: ((استويا)) وهو خطأ، انظر هامش (6) ص (109) (10) انظر مبحث تساوي الأمارتين ص 402. (11) ما بين المعقوفين ساقط من س (12) في ق: ((يقلد)) وهو تخريف (13) ساقط من ق (14) ما بين المعقوفين ساقط من ق (15) في ق: ((بمكايدها)) . (16) في س: ((القصاص)) تحرفت من ((القضاء)) (17) في ق: ((قيمة)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 ولذلك قُدِّم في الصلاة الفقيه على القاريء؛ لأن الفقيه أقوم بمصالح الصلاة في سهوها وعوارضها (1) ، وكذلك الفتوى العلمُ أخصُّ بها من الدين.   (1) تقديم الأفقه على الأقرأ هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وإحدي الروايتين عن أحمد، وتقديم الأقرأ هو مذهب الحنابلة وبه قال ابن سيرين والثوري وابن راهويه. انظر: بدائع الصنائع 1/669، والمغني 3/11، المجموع 4/177 الذخيرة 2/253 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الفصل التاسع فيمن يتعين (1) عليه الاستفتاء ص: الذي تنزل به (2) الواقعة: إن كان عامياً وجب عليه الاستفتاء. وإن كان عالماً لم يبلغ درجة الاجتهاد قال: فالأقرب أنه يجوز له الاستفتاء (3) . وإن بلغ درجة الاجتهاد (4) وكان قد اجتهد وغلب على ظنه حكم فاتفقوا على تعيُّنه (5) في حقه (6) ، وإن كان (7) لم يجتهد فأكثر أهل السنة (8) على (9) أنه لا يجوز له التقليد، وهو مذهب   (1) في ن: ((يتعلق)) وهو تحريف (2) في ن: ((عليه)) . (3) المتبادر إلى الذهن أن يكون القائل هو الإمام فخرالدين الرازي، لكن لم أعثر على هذا القول عنده في المحصول 6/83، ولا في المعالم، فإن الرازي نفسه سها أن يتكلم عن العالم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد. لكن وجدت في " التحصيل " لسراج الدين الأرموي 2/305 قوله ((المسألة الثانية: الأقرب جواز الاستفتاء لعالم غير مجتهد ... )) وفي " الحاصل " لتاج الدين الأرموي 2/1027 قوله ((المستفتي إن كان عامياً جاز له الاستفتاء، وإن كان عالماً لكنه لم يبلغ درجة الاجتهاد جاز أيضاً ... إلخ)) ثم بعد ذلك اطلعت على كتاب " المنتخب " للرازي (رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) فوجدته قال ((العالم الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد إذا وقعت له واقعة فالأقرب أنه يجوز له الاستفتاء)) وهو نص نقل المصنف عنه هنا، ولكن بقي إشكالٌ وهو أن المصنف لا يصحِّح نسبة " المنتخب " إلى الإمام الرازي، وإنما هو من اختصار ضياء الدين حسين، فكيف حازت النسبة إلى الرازي هنا؟! انظر: نفائس الأصول 1/ 105 - 106 (4) ما بين المعقوفين ساقط من ق (5) في س، ن: ((تعيينه)) .. (6) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/83، روضة الناظر 3/1008، شرح العضد لمختصر بن الحاجب 2/300، التوضيح لحلولو ص 399، تيسير التحرير 4/227 (7) ساقطة من س (8) لست أرى داعياً إلى نسبة هذا القول لأكثر أهل السنة، فإن الخلاف ما يزال في دائرتهم لا مع خصمائهم من المعتزلة والمتكلمين، والدليل على ذلك أن المصنف ذكر القول المضاد لهذا القول، وأن القائل به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري، وهؤلاء أساطين وعُمَد أهل السنة والجماعة. وعلى كل حال، هذا القول لكثير من الأصوليين والعلماء. انظر: المعتمد 2/366، والتلخيص 2/434، المحصول للرازي 6/83، والإحكام للآمدي 4/204، تقريب الوصول ص 456، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، البحر المحيط للزركشي 8/334، فواتح الرحموت 2/437 (9) ساقطة من ن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 مالك (1) رحمه الله، وقال الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (2) وسفيان الثوري (3) رحمهم الله: يجوز (4) مطلقاً (5) ، وقيل: يجوز تقليد العالم الأَعْلمَ (6) وهو قول محمد بن الحسن (7) رحمه الله، وقيل: يجوز فيما يخصُّه دون ما يفتي به (8) ،   (1) انظر مذهبه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص10، إحكام الفصول ص721، التوضيح لحلولو ص399 (2) هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مَخَلد الحَنْظَلى نسبة إلى بطن من تميم، المعروف بابن رَاهُوْيه وضُبِط أيضاً رَاهوَيْه، وهو لقب أبيه، كلمة فارسية معناها: وجد في طريق، وابن راهويه ولد في طريق مكة، وهو من كبار الحفاظ والمحدثين، جمع بين الفقه والحديث مع الورع، سمع من ابن عُيينه وعبد الرازق، وأخذ عنه البخاري ومسلم والترمذي وابن حنبل وكان من أقرانه..له مسند مشهور (ط) وتفسير، توفي عام 237هـ انظر: وفيات الأعيان 1/199، تذكرة الحفاظ 2/433، تاريخ بغداد 6/345 (3) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري نسبة إلى بطن من تميم، أجمع الناس على إمامته في الحديث وغيره من العلوم، وفي دينه وزهده وثقته، وكان من المجتهدين، من شيوخه الأعمش وغيره، ومن تلاميذه الأوزاعي ومالك وغيرهما. توفي عام 161هـ انظر: تاريخ بغداد 9/151، وفيات الأعيان 2/127، تذكرة الحفاظ 1/203 (4) هنا زيادة: ((له)) في ن لا حاجة لها. (5) أما النسبة إلى الإمام أحمد فقد ذُكِرتْ في بعض كتب الأصول. لكنَّ أبا الخطاب في التمهيد (4/409) ساق الروايات عنه بعدم جواز تقليد العالم للعالم، وقال: ((وحكى أبو إسحاق الشيرازي عن مذهبنا جواز تقليد العالم للعالم، وهذا لا نعرفه عن أصحابه..)) . وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة (3/631) ((ما حكاه-يريد الآمدي-عن أحمد من جواز تقليد العالم للعالم مطلقاً غير معروف عندنا، وإنما المشهور عنه الأخذ بقول الصحابي لاتقليداً له، بل بنوع استدلال)) وانظر: روضة الناظر 3/1008، المسودة ص 468-469، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 167، شرح الكوكب المنير 4/516 أما النسبة إلى سفيان وابن راهويه فانظرها في: شرح اللمع للشيرازي 2/1013، المستصفي 2/458، المحصول للرازي 6/83، المسودة ص 469، تقريب الوصول ص 457، البحر المحيط للزركشي 8/335. وذكر الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه (2/135) رواية مسندة إلى سفيان الثوري في هذه المسألة (6) معناها: يجوز للعالم تقليد الأعلم منه. (7) في ق، متن هـ: ((الحسين)) وهو خطأ، سبقت ترجمته في هامش (3) ص (251) . انظر نسبة هذا القول إليه في: أصول الفقه للاَّمشي ص 201، التقرير والتحبير 3/440، فواتح الرحموت 2/438. (8) نُسِب إلى بعض أهل العراق..انظر: نهاية السول 4/89. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وقال ابن سُرَيْج (1) : إن ضاق وقته عن الاجتهاد جاز وإلا فلا (2) ، فهذه خمسة (3) أقوال (4) . لنا: قوله تعالي: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) . التقليد في أصول الدين: ولا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهدٍ ولا للعوام عند الجمهور؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (6) ، ولعظم [الخطر في الخطأ] (7) في جانب الربوبية، بخلاف الفروع: فإنه رُبَّما كَفَر في الأول ويثاب في الثاني جَزْماً. الشرح العامي ليس له أهلية الاجتهاد (8) فيتعين أن يقلد كما في القِبْلة، والعالم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد احتمالات الخطأ في حقه موجودة غير أنها أقل من العامي، فهذا وجه التردد، وكما اتفقوا على تعيُّن (9) الحكم في حق المجتهد فكذلك من قلده، ومعناه لو فُرِضَ موصوفاً بسببه (10) وإلا فقد يجتهد في الغَنَم وزكاتها ولا غَنَم له، أو في الجنايات   (1) في ق، ن: ((ابن شريح)) وهو تصحيف. وابن سريج هو: أحمد بن عمر بن سريج البغدادي أبو العباس فقيه الشافعية في عصره والذاب عنه والناشر له. من شيوخه: المزني، ومن تلاميذه: الحافظ الطبراني. من تآليفه: كتاب الرد على ابن داود الظاهري في إبطال القياس، والتقريب بين المزني والشافعي، وغيرهما، ت306هـ. انظر طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3/21 تاريخ بغداد 4/287، سير أعلام النبلاء 14/201 (2) انظر النسبة إليه في: المعتمد 2/266، التبصرة ص 412، قواطع الأدلة 5/109، الوصول لابن برهان 2/362، نهاية الوصول للهندي 8/3911 (3) في متن هـ: ((أربعة)) وهو خطأ؛ لأن الأقوال خمسة. (4) حكى الزركشي في البحر المحيط 8/334-337 أحد عشر قولاً في المسألة. (5) التغابن، من الآية: 16. (6) الإسراء، من الآية:36 (7) في ق: ((الخطر والخطأ)) ، وفي س: ((الخطأ في الخطر)) وهو مقلوب (8) ساقطة من ق (9) في ق: ((تعيين)) . (10) في ن: ((لسببه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 ولا جناية له ولا عليه، بل قد يجتهد في أحكام الحيض والعِدَّة وغيرها مما لا يوصف به، لكنه بحيث (1) لو اتَّصَف بسببه لكان (2) ذلك الحكمُ حكمَ الله تعالى في حقه، فهذا لابد منه. وقد تقدَّم أول الكتاب (3) حجةُ منع التقليد على (4) المجتهد مطلقاً: أن الأصل ألاَّ يجوز الظن لقوله تعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (5) خالفناه في أعلى مراتب الظنون الناشئة عن الاجتهاد، فيبقى ظن التقليد الضعيف على مقتضى الدليل. حجة الجواز مطلقاً: أن غاية المجتهد في اجتهاده أن يُحصِّل مِثْلَ ما حصَّله غيره، وكما يجوز أن يكون الثاني أقوى يجوز أن يكون أضعف فيتساقطان، فيبقى التساوي، وأحد المِثْلين يقوم مقام الآخر. وبهذا يظهر تقليد العالمِ الأعلمَ؛ لأن الظاهر أن اجتهاد الأعلم أقرب للصواب. وأما ما يخصُّه فلأن الحاجة تدعو إليه بخلاف الفُتْيا، فله أن يُحِيْل (6) المستفتي على غيره، وكذلك إذا ضاق الوقت كانت حالةَ ضرورةٍ بخلاف اتساعه. وأما أصول الدين فقد تقدَّم (7) حكاية إمام الحرمين في " الشامل " أنه لم يخالف في ذلك إلا الحنابلة، [وقول الإسفراييني: أنه لم يخالف فيه (8) إلا أهل الظاهر (9) ، مع أني   (1) في ق: ((يحنث)) وهو تصحيف (2) في ق: ((كان)) ، وفي س: ((فإن)) . (3) لو قال: أول الباب لكان أولى أَمنْاً من اللبس. انظر: الفصل الثاني من هذا الباب ص 441. (4) هنا زيادة: ((أن)) في ن، وهي مخلَّة بالمعنى. (5) الإسراء، من الآية: 36 (6) في ق: ((يلد)) ولعلها تحرفت من: ((يَدلُّ)) . (7) انظر: ص 442. (8) ساقطة من س (9) تقديم التعليق عليه في هامش (7) ص (442) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 سألْتُ الحنابلة] (1) فقالوا: مشهور مذهبنا منع (2) التقليد (3) ، والغزالي يميل إليه (4) وجماعة، وقد حكى القاضي عياض في " الشفاء " (5) ذلك عن غيره (6) .   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق (2) ساقطة من س، وهو سقط قبيح. (3) انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 128، العدة لأبي يعلي 4/1217، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5/237، روضة الناظر لابن قدامة 3/1017، المسودة ص 457، أصول الفقه لابن مفلح 4/1533 (4) ربما كان استشفاف هذا الميل استناداً إلى ما ذكره القاضي عياض في كتابه: الشِّفَا بتعريف حقوق المصطفى 2/601 ((وقد نحا الغزالي قريباً من هذا المنحى في كتابه: التفرقه)) . لكن بعض العلماء انبروا إلى الذبِّ عن الغزالي وتغليط من نسب إليه ميلاً إلى جواز التقليد في أصول الدين. انظر: نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للشهاب الخفاجي 4/494-495، البحر المحيط للزركشي 8/279. وللوقوف على عبارات الغزالي الموهمة في هذه المسألة انظر كتابيه: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة بتحقيق د. سليمان دنيا، ص 206-208، والمستصفي 2/401 (5) كتاب: الشَّفا بتعريف حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام كتابٌ في السيرة النبوية، ألَّفه بمنهجٍ فريدٍ وطريقة مبتكرة..قال فيه حاجي خليفة ((وهو كتاب عظيم النفع، كثير الفائدة، لم يؤلف مثله في الإسلام)) كشف الظنون 2/1053، والكتاب مطبوع في مجلدين بتحقيق خمسة محققين، إصدار مؤسسة علوم القرآن، ودار الفيحاء بعمَّان ط (2) - 1407هـ والكتاب عليه شروحات منها: نسيم الرياض في شرح شفا القاضي عياض لشهاب الدين الخفاجي، وبهامشه شرح له يتعلق بالبناء والإعراب والكلمات لملاَّ علي القاريء، مطبوع بدار الكتاب العربي ببيروت. (6) كداود الأصبهاني الظاهري، وثمامة بن أشرس. انظر: الشفا 2/601 - 602. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 الباب العشرون في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين وفيه فصلان: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 الفصل الأول في الأدلة (1) ص: وهي على قسمين: أدلة مشروعيتها، وأدلة وقوعها. فأما أدلة مشروعيتها فتسعة عشر بالاستقراء (2) ، وأما أدلة وقوعها فلا يحصرها عَدَدٌ (3) . فلنتكلَّمْ أولاً على أدلة مشروعيتها فنقول: هي الكتاب، والسنة، وإجماع* الأمة، وإجماع أهل (4) المدينة، والقياس، و قول الصحابي ، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسدُّ الذرائع، والاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخفِّ، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العِتْرة (5) ، وإجماع الخلفاء الأربعة. فأما الخمسة الأُوَل (6) فقد تقدَّم الكلام عليها (7) .   (1) أي: الأدلة التي يستدل بها المجتهدون، والمراد هنا الكلام عن الأدلة المختلف فيها. (2) هذا الاستقراء ناقص بدليل أن بعض علماء الأصول زاد على التسعة عشر التي ذكرها المصنف، مثل: إجماع المِصْرين (الكوفة والبصرة) ، وإجماع الحرمين، والتحرِّي، والأخذ بالاحتياط، والقرعة، ودلالة الاقتران، ودلالة السياق، وعموم البلوى، والعمل بالشَّبَهين، والأخذ بأقل ما قيل، ومفهوم اللَّقب، والتعلُّق بالأولى ... إلخ. انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 5 - 118، حاشية على منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 208. (3) سيتكلم عنها المصنف في آخر هذا الفصل ص 524. (4) ساقطة من ق، متن هـ. (5) في س: ((العشرة)) وهو تصحيف. (6) في س: ((الأولى)) . (7) تقدم الكلام عن الكتاب في حكم تخصيص الكتاب والتخصيص به في باب العمومات ص 202 ( المطبوع) ، وعن السنة في باب الخبر ص (189) ، وعن الإجماع ص (119) ، وعن إجماع أهل المدينة ص (153) ، وعن القياس ص (300) والمصنف لم يقتصر كلامه عن الخمسة الأول، بل تحدَّث أيضاً عن إجماع أهل الكوفة ص (155) ، وإجماع العترة ص (155) ، وإجماع الخلفاء الراشدين ص (157) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 قول الصحابي وأما قول الصحابي (1) : فهو حجة (2) عند مالكٍ (3) والشافعي في قوله القديم (4) مطلقاً (5) ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) (6) .   (1) ينحصر محل النزاع في قول الصحابي فيما للرأي فيه مجال، ولم يشتهر، وليس مما تعمُّ به البلوى، ولم يُعْرف له مخالف، ولا رجوعه عنه. انظر: الإحكام للآمدي 4 / 149، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 287، إعلام الموقعين 4 / 103، البحر المحيط 8 / 55، فواتح الرحموت 2 / 239، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي د. مصطفى البغا ص 338، قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 54، حجية مذهب الصحابي دراسة أصولية مقارنة لعبد الرحمن حللي ص 12. (2) في متن هـ: ((وجه)) ولها وجه كما سيتضح من الهامش التالي. (3) هذا هو المشهور عن الإمام مالك، وكتابه " الموطأ " حافل بالاحتجاج بآثار الصحابة، وروي عنه المنع مطلقاً، وزعم القاضي عبد الوهاب - كما في البحر المحيط للزركشي (8 / 57) - أنه هو الصحيح الذي يقتضيه مذهب مالك؛ لأنه نَصَّ على وجوب الاجتهاد واتباع ما يؤدي إليه صحيح النظر، وقيل مذهبه: التفصيل، وهو إن اشتهر قول الصحابي ولم يظهر له مخالف كان حجةً - وليس هو إجماعاً سكوتياً - وإلا فلا. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 23، 143، التوضيح لحلولو ص 400، الضياء اللامع 3 / 146، نشر البنود 2 / 257، نيل السول ص 169، نثر الورود 2 / 572، الجواهر الثمينة للمشّاط ص 215. أما المالكية فمنهم من احتجَّ بقول الصحابي، ومنهم من لم يحتج به. انظر: الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 97، منتهى السول والأمل ص 206، تقريب الوصول ص 341، مفتاح الوصول ص 753، الموافقات 4 / 446. (4) اضطرب النقل عن الشافعي في هذه المسألة، ومن العلماء من ردّ هذا الاضطراب إلى الاشتباه بين مسألتين هما: اعتبار قول الصحابي حجة، وجواز تقليده. انظر تحريره في: نهاية السول 4 / 410. وعبارة الشافعي في رسالته ص (597) تدل على حجية قول الصحابي، وكذا في الأم 4 / 34. وقد أطال ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 104 - 106) في تحقيق مذهب الشافعي، وأنه يقول بحجية قول الصحابي في القديم والجديد، وعلّل وجهة نظر كل فريق في حكاية مذهبه، ونقل أقوالاً عن الشافعي نفسه تؤكّد مذهبه. وانظر: التبصرة ص 395، التلخيص 3 / 451، قواطع الأدلة 3 / 290، جمع الجوامع بحاشية العطار 2 / 396، التمهيد للإسنوي ص 499، البحر المحيط للزركشي 8 / 57 - 69، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للعلائي ص 41. (5) المراد بالإطلاق هنا أي من غير تقييد ببعض الصحابة، ولا بمخالفة القياس، كما سيعلم مما بعده. وممن ذهب إلى حجية قول الصحابي بإطلاقٍ جماعةٌ من الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد عليها جمهور أصحابه. انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1181، أصول السرخسي 2 / 105، ميزان الأصول 2 / 697، جامع الأسرار للكاكي 3 / 911، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 240، شرح الكوكب المنير 4 / 422. (6) سبق تخريجه في هامش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 ومنهم من قال: إن خالف القياس فهو (1) حجة وإلا فلا. ومنهم من قال: قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون غيرهما. وقيل: قول الخلفاء الأربعة حجة إذا اتفقوا (2) . الشرح حجة (3) كونه حجة (4) : أنه إذا خالف القياس يقتضي أنه إنما [قال به] (5) لنصٍّ فاشٍ (6) ، أما إذا لم يخالف القياس (7) فأمكن أن يكون عن اجتهاد فيكون كقول غير الصحابي، فيصير دليلاً لدلالته على الدليل عند هذا القائل، لا لكونه دليلاً في نفسه. حجة الآخر (8) : قوله عليه الصلاة والسلام ((اقتدوا باللَّذَيْن من بَعْدي أبي (9) بكر وعمر)) (10) ومفهومه يقتضي أن غيرهما ليس كذلك. حجة الآخر (11) : قوله عليه الصلاة والسلام ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ)) (12) ومفهومه أن غيرهم ليس كذلك.   (1) في متن هـ: ((فلا)) وهو خطأ بَيِّن بدليل ما بعدها. (2) نقل المصنف أربعة أقوال في المسألة، وهناك أقوال أخرى، منها: أن مذهبه ليس بحجةٍ مطلقاً، ومنها: أنه حجة إذا انضم إليه قياس، ومنها: أنه حجة إذا كان معه خبر مرسل. انظر: شرح العمد 1 / 258، الإحكام لابن حزم 1 / 620، 2 / 258، اللمع للشيرازي ص 194 - 195، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 331، كشف الأسرار للبخاري 3 / 407، البحر المحيط للزركشي 8 / 57، 60، التوضيح لحلولو ص 401، قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 56. (3) ساقطة من س. (4) هذه حجة القائلين بأن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس. (5) في س، ن: ((عمل)) وهو ممكن، لكن المثبت أنسب؛ لأن المسألة في قول الصحابي لا عمله. (6) ساقطة من ق. (7) ساقطة من ن، ق. (8) حجة القائلين بأن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون سواهما. (9) في س: ((أبو)) انظر هامش: (5) ص (466) . (10) مرَّ تخريجه في هامش: (6) ص (466) . (11) حجة القائلين بأن أقوال الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حجة دون غيرهم. (12) سلف تخريجه في هامش: (8) ص (157) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 المصلحة المرسلة ص: المصلحة المرسلة (1) ، والمصالح بالإضافة إلى شهادة الشرع لها بالاعتبار على ثلاثة أقسام (2) : ما شَهِد الشرع باعتباره، وهو القياس الذي تقدَّم (3) ، وما شهد الشرع بعدم (4) اعتباره، نحو: المنع من زراعة العنب لئلا يعصر (5) خمراً (6) ، وما لم يشهد له الشرع (7) باعتبارٍ (8) ولا بإلغاءٍ (9) وهو المصلحة المرسلة، وهي (10) عند مالك رحمه الله حجة (11) . وقال الغزالي (12) : إن وقعت في محل (13) الحاجة [أو التتمة] (14) فلا (15) تعتبر،   (1) المصلحة لغة: ضد المفسدة، وهي كالمنفعة وزناً ومعنى. انظر: مادة " صلح " في: لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط. والمرسلة لغة: المُطْلقة، إذ الإرسال هو الإطلاق والإهمال. انظر مادة " رسل " في لسان العرب. واصطلاحاً: هي الوصف الذي يلائم تصرفات الشارع ومقاصده، لكن لم يشهد له دليلٌ معيّن خاص من الشرع باعتبارٍ ولا بإلغاءٍ، ولكن يحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مفسدة. وتسمّى بالاستصلاح، وبالمناسب المرسل. انظر: المستصفى 1 / 416، الموافقات 1 / 32، التوضيح لحلولو ص 344، الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية د. مصطفى الزرقا ص 37. (2) سبق ذكر هذا التقسيم. (3) وهو المسلك الثالث من مسالك العلة، وهو المناسب. انظر: ص 324. (4) ساقطة من ق. (5) هنا زيادة: ((منها)) في ن. (6) في ن، س، متن هـ: ((الخمر)) . (7) ساقطة من ق، متن هـ. (8) هنا زيادة: ((ولا عدم)) في ن، ولا داعي لها، لأنها تكرار لما بعدها. (9) في ق: ((بإلغائه)) . (10) ساقطة من متن هـ. (11) لم يختلف الأصوليون في نسبة القول بحجية المصلحة المرسلة إلى الإمام مالك، وأنه في طليعة الآخذين بها، وأنه يعوِّل عليها كثيراً في استنباط الأحكام. انظر: منتهى السول والأمل ص 183، 208، تقريب الوصول ص 410، الاعتصام للشاطبي 2 / 135، التوضيح لحلولو ص 401، نيل السول ص 191، نثر الورود 2 / 505، الجواهر الثمينة للمشاط ص 249. (12) هذا النقل بمعناه في: المستصفى 1 / 420 - 422. (13) في ن، ق: ((موضع)) . (14) ساقط من ق. (15) في ق: ((لم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وإن وقعت في محل (1) الضرورة فيجوز أن يؤدِّي إليها اجتهادُ مجتهدٍ، ومثاله: تَتَرُّس (2) الكفار بجماعةٍ (3) [من المسلمين] (4) ، فلو كَفَفْنا عنهم لصَدَمُونا (5) [واستولوا علينا] (6) وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا التُّرْس (7) معهم (8) ، قال: فيُشْترط في هذه المصلحة (9) أن تكون كليةً* قطعيةً ضروريةً، فالكليَّة: احتراز (10) عما إذا تترّسوا في قلعة (11) بمسلمين، فلا يَحِلُّ رمي المسلمين إذ لا يلزم من ترك تلك القلعة (12) [فساد عام] (13) (14) ، والقطعية: احتراز (15) عما إذا لم يُقطع   (1) في ن، ق: ((موضع)) . (2) التَّتَرُّس لغة: التستر بالتُّرس، والترس: صفحة من الفولاذ تُحمل في اليد للوقاية من السيف ونحوه. انظر مادة " ترس " في: لسان العرب، تاج العروس. (3) في ق: ((بالمسلمين)) . (4) ساقط من س، ق. (5) الصَّدْم: الضَّرْب بالجسم، والجيشان يتصادمان: إذا أصاب كلُّ واحدٍ الآخر بثِقْله وحِدَّته. انظر مادة " صدم " في: لسان العرب، المصباح المنير. (6) ساقط من ق. (7) في ق: ((أكثر من)) . (8) انظر تفصيل الفقهاء في أحكام التترُّس في أبواب الجهاد في: بدائع الصنائع 9 / 394، الحاوي 14/187، المغني 13 / 141، الذخيرة 3 / 408. (9) في ن: ((المسألة)) . (10) في ن: ((احترازاً)) سبق توجيهه. (11) في ق: ((قطعة)) وهي ليست مناسبة هنا. (12) في ق: ((قطعة)) وهي ليست مناسبة هنا. (13) في س: ((فساداً عاماً)) ، وهو خطأ نحوي؛ لأنه فاعل للفعل: ((يلزم)) . (14) هذا الاحتراز جعله الغزالي احترازاً بالضرورية لا بالكُليِّة. وعبارته: ((وليس في معناها ما لو تترَّس الكفار في قلعةٍ بمسلم، إذ لا يحلُّ رمي التُّرس، إذ لا ضرورة، فَبنا غُنيةٌ عن القلعة، فنعدل عنها)) المستصفى 1 / 421. وأمّا الاحتراز بالكلية فما ذكره هو: ((وليس في معناها: جماعةٌ في سفينة لو طرحوا واحداً منهم لنجوا وإلا غرقوا بجملتهم؛ لأنها ليست كُلِّية، إذ يحصل بها هلاك عددٍ محصورٍ. وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين ... وكذلك جماعةٌ في مَخْمصةٍ لو أكلوا واحداً منهم بالقرعة لنجوا، فلا رخصة فيه؛ لأن المصلحة ليست كُليِّة)) المصدر السابق. (15) في ن: ((احترازاً)) انظر وجهها في: هامش (4) ص (45) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 باستيلاء الكفار علينا إذا لم نقصد الترس، وعن المضطر يأكل قطعة من فخذه (1) ، والضرورية: احتراز (2) عن المناسب الكائن في محل الحاجة (3) والتتمة* (4) . لنا أن الله تعالى إنما بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام لتحصيل مصالح العباد [عملاً بالاستقراء] (5) ، فمهما وجدنا مصلحة غلب على الظن أنها مطلوبة للشرع. الشرح قد تقدَّم (6) أن المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق (7) ؛ لأنهم يقيسون ويفرِّقون بالمناسبات ولا يطلبون شاهداً بالاعتبار، [ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلا ذلك. ومما يؤكد العمل بالمصالح المرسلة أن* الصحابة رضوان الله عليهم عملوا أموراً   (1) عبارة المستصفى (1 / 422) أوضح مما ها هنا ((وكذا قطْع المضطّر قطعةً من فخذه إلى أن يجد الطعام - فهو كقطع اليد - لكن ربما يكون القطع سبباً ظاهراً في الهلاك، فيمنع منه؛ لأنه ليس فيه يقين الخلاص، فلا تكون المصلحة قطعية)) . (2) في ن: ((احترازاً)) انظر وجهها في: هامش (4) ص (45) . (3) في ن: ((الحاجات)) . (4) في اشتراط هذه القيود الثلاثة للحمل بالمصلحة نظر، وهو أمر لا يُتصوَّر ولا وقوع له في الشريعة. انظر: الضياء اللامع لحلولو 3 / 46 - 47. (5) ساقط من متن هـ. (6) انظر: ص 336. (7) قال الزركشي: (( ... والمشهور اختصاص المالكية بها، وليس كذلك، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك)) البحر المحيط 7 / 274، وانظر أيضاً ما نقله عن غيره في (8 / 84) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وإن قرَّروا في أصولهم أنها غير حجة..)) مذكرة أصول الفقه ص 304، وانظر مذاهب العلماء في هذه المسألة في: البرهان للجويني 2 / 721، قواطع الأدلة 4 / 492، شفاء الغليل للغزالي ص 207، المحصول للرازي 6 / 165، 167، المسودة ص 450، نفائس الأصول 9 / 4095، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 320، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 289، التقرير والتحبير 3 / 381، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية د. محمد سعيد البوطي ص 307 - 357، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي د. حسين حامد ص 47، 307، 466، 569، أصول الإمام أحمد د. عبد الله التركي ص 471. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهدٍ بالاعتبار] (1) نحو: كتابة المصحف (2) ، ولم يتقدَّم فيها أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما (3) ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى (4) ، وتدوين الدواوين (5) ، وعمل السِّكَّة (6) للمسلمين، واتخاذ السجن (7) فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وهَدّ (8) الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه (9) فعله عثمان رضي الله عنه (10) ، وتجديد الأذان في الجمعة بالسوق، وهو الأذان الأول فعله (11) عثمان رضي الله عنه (12) ثم نقله هشام (13) إلى المسجد (14) ، وذلك كثير جداً لمطلق المصلحة.   (1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (2) كُتِبَ المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري (4987) ، الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 280. وقد جُمِع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري (4986) ، الاعتصام للشاطبي 2 / 135، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1 / 181. (3) انظر: المصنف لعبد الرزاق 5 / 449، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 149، تاريخ الأمم والملوك للطبري 2 / 618، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 86، 144. (4) انظر: المصنف لعبد الرزاق 5 / 480، تاريخ الأمم والملوك 3 / 392، تاريخ الخلفاء ص 146. (5) الدواوين: جمع ديوان وهو مجتمع الصحف، والسجل أو الدفتر يُكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وهو فارسي معرّب. انظر مادة " دون " في: لسان العرب. وانظر تدوين الدواوين في عهد عمر رضي الله عنه في: الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 294، الأحكام السلطانية للماوردي ص 307، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 236. (6) انظر: مقدمة ابن خلدون تحقيق د. علي عبد الواحد وافي 2 / 700. (7) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص 149. (8) في ن: ((هدم)) وهو صحيح؛ لأن الهدّ هو الهدم الشديد. انظر: لسان العرب، مادة " هدد "، وفي س: ((هذه)) وهو تحريف. (9) انفردت نسخة ق هنا بزيادة: ((بدور الأوقاف)) . (10) انظر: تاريخ الأمم والملوك 3 / 310، 322، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 172. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (3 / 283) أن عمر رضي الله عنه قام بتوسعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (11) في ق: ((أحدثه)) . (12) انظر: صحيح البخاري (912) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 182. (13) هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، كانت خلافته 20 سنة، توفي سنة 125 هـ. انظر: شذرات الذهب 1 / 163، تاريخ الخلفاء ص 285. (14) انظر: المدخل لابن الحاج 2 / 380، 404، 406، الاعتصام للشاطبي 2 / 20، الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة للألباني ص 17 - 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 وإمام الحرمين قد عمل في كتابه المسمى بالغِيَاثِيّ (1) أموراً وجَّوزها وأفتي بها، والمالكية بعيدون عنها [وجَسَر عليها وقالها] (2) للمصلحة المطلقة (3) ، وكذلك الغزالي في شفاء الغليل (4) مع أن الاثنين شديدان الإنكار علينا في المصلحة المرسلة (5) . الاستصحاب الاستصحاب (6) : ومعناه أن اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال (7) . فهذا الظن عند   (1) هو كتاب شهير في موضوع فقه السياسة الشرعية، ألّفه الجويني لغياث الدولة نظام الملك الحسن الطُّوسي (ت: 485 هـ) ، وزير السلطان السلجوقي أَلْب أَرْسلان. ويُسمّى أيضاً بـ: غياث الأمم في التياث الظُّلَم. مطبوع بتحقيق د. عبد العظيم الديب، مكتبة ابن تيمية - القاهرة - ط (2) - 1401 هـ. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من ق. (3) ذكر المصنف أمثلة منها في كتابه: نفائس الأصول 9 / 4096 - 4098، وانظرها مبثوثةً في كتاب " الغياثي " في الصفحات: 283، 288، 308، 310، 312. (4) انظر أمثلة عليها في الصفحات الواقعة بين (211 - 266) . وكتاب: " شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل " كتاب فريد في بابه، عظيم الفائدة، أقامه في بيان معنى القياس وأركانه مع تركيزه على مباحث العلة. مطبوع بتحقيق د. حمد الكبيسي - مطبعة الإرشاد - بغداد - 1390 هـ. (5) كان الجويني والغزالي ممن نسبا إلى الإمام مالك الإفراط في أخذه بالمصلحة المرسلة، حتى أخرجاه عن حدِّ الاعتدال بزعمهم. انظر: البرهان 2 / 721 وما بعدها، المستصفى 1 / 422، شفاء الغليل ص 228 وما بعدها. قال الشاطبي: ((حتى لقد استشنع العلماء كثيراً من وجوه استرساله (مالك) زاعمين أنه خلع الربقة، وفتح باب التشريع، وهيهات ما أبعده من ذلك! رحمه الله)) الاعتصام (2 / 158) . ونقل الزركشي عن القرطبي قوله: ((وقد اجترأ إمام الحرمين وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط في هذا الأصل. وهذا لا يوجد في كتاب مالك، ولا في شيء من كتب أصحابه)) البحر المحيط (8 / 84) . ونقل حلولو عن الأبياري قوله: ((ما ذهب إليه الشافعي هو عين مذهب مالك، وقد رام الإمام (إمام الحرمين) التفريق بين المذهبين، وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً أبداً ... )) الضياء اللامع 3 / 43. (6) الاستصحاب لغة: الملازمة والمقارنة، واستصْحَبْتُ الكتاب وغيره: جعلتُه في صحبتي. انظر مادة " صحب " في: أساس البلاغة، لسان العرب، المصباح المنير. وانظر ما قاله المصنف في بيان الحقيقة اللغوية للاستصحاب في: نفائس الأصول 9 / 4014 - 4015. (7) انظر تعريفات أخرى له في: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 172، تقريب الوصول ص 391، إعلام الموقعين 1 / 315. وما ذكره المصنف هنا هو أحد أنواع الاستصحاب، ويسمى استصحاب ثبوت الحكم الشرعي، كاستصحاب بقاء المِلْك بناءً على عقد صحيح في بيْع أو هبة، وكاستدامة حِلّ النكاح ... إلخ، ويُعبِّر عنه بعضهم: بأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه. انظر الاستصحاب وأنواعه وحكمها في: العدة لأبي يعلي 4 / 1262، الإشارة للباجي ص 322، أصول السرخسي 2 / 224، المستصفى 1 / 378، ميزان الأصول 2 / 932، مفتاح الوصول ص 647، الإبهاج 3 / 168، البحر المحيط للزركشي 8 / 17، شرح الكوكب المنير 4 / 404. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 مالك (1) والإمام (2) والمزني (3) وأبي بكر الصيرفي رحمهم الله تعالى حجة (4) خلافاً لجمهور الحنفية (5) والمتكلمين (6) . لنا: أنه قضاء (7) بالطرف (8) الراجح، فيصح كأُرُوش الجنايات [واتباع الشهادات] (9) . الشرح حجة المنع: أن الاستصحاب أمر عام يشمل كل شيء، وإذا كثر عموم الشيء كثرتْ مخصصاته [وما كثرت مخصصاته] (10) ضعفت دلالته، فلا يكون حجة.   (1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 157، إحكام الفصول ص 694، المحصول لابن العربي ص 541، التوضيح لحلولو ص 402، نشر البنود 2 / 253. (2) انظر: المحصول 6 / 109. (3) في ن: ((المازني)) وهو تحريف. والمُزني هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المُزَني نسبةً إلى مُزَيْنة، قبيلة من قبائل اليمن. صاحب الشافعي وأحد أعمدة المذهب، روى عن الشافعي ونعيم بن حماد وغيرهما، وروى عنه ابن خزيمة وابن أبي حاتم وغيرهما، له اجتهادات خاصة، وله كتاب: " مختصر المزني " (ط) ، اختصره من علم الشافعي، توفي سنة 264 هـ. انظر: طبقات الشافعية للإسنوي 1 / 34، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 1 / 438، وفيات الأعيان 1 / 217. (4) انظر مذهبهما ومذهب الجمهور في: الإحكام لابن حزم 2 / 3، شرح اللمع للشيرازي 2 / 986، البرهان للجويني 2 / 735، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 251، نهاية الوصول للهندي 8 / 3953، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 148، سلاسل الذهب ص 425، التحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان ص 578، أبو بكر الصيرفي وآراؤه الأصولية (رسالة جامعية) لأحمد بن جاسم الراشد ص 344. (5) انظر: كتاب في أصول الفقه للاَّمشي ص 118، بذل النظر ص 673، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 611، كشف الأسرار للبخاري 3 / 662. (6) انظر: المعتمد 2 / 325، المحصول للرازي 6 / 109، الإحكام للآمدي 4 / 127. (7) في ق: ((قُضي)) . (8) في ز، م: ((الظن)) . (9) ساقط من ق ومتن هـ. ومعنى هذه الحجة: أن القضاء بالاستصحاب راجحٌ على منعه قياساً على القضاء بصدق مقوِّم أروش الجنايات، وقيم المتلفات؛ إذ الظاهر صدقه في ذلك لعدالته، فذلك راجح على كذبه، وكذلك صدق الشاهد راجح على كذبه لعدالته. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1192. (10) ساقط من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 والجواب: أن الظن الضعيف يجب اتباعه حتى توجد (1) معارضة الراجح عليه، ك البراءة الأصلية ، فإن شمولها لم يمنع من التمسك بها حتى يوجد رافعها. البراءة الأصلية ص: البراءة الأصلية (2) : وهي استصحاب حكم العقل (3) في (4) عدم الأحكام خلافاً للمعتزلة والأَبْهَري وأبي الفَرَج منا. لنا: أن ثبوت العدم في الماضي يوجب ظن [عدم ثبوته] (5) في الحال، فيجب الاعتماد على هذا الظن بعد الفحص عن رافعه، وعدم وجوده عندنا وعند طائفة من الفقهاء (6) . الشرح المعتزلة بنوا على مسألة التحسين والتقبيح، وأن كل ما هو ثابت بعد الشرع (7) ثابت قبله بالعقل، وقد تقدَّم حِجَاجهم وأجوبتها أول الكتاب (8) . وأما الجمهور منا فعلى عدم الحكم إلا بعد البعثة، وأما الأَبْهَري وأبو الفَرَج وجماعة من الفقهاء فقالوا بالحَظْر مطلقاً وبالإباحة مطلقاً، وقد تقدم تفصيل مذاهبهم (9) ، وليس ذلك منهم موافقة للمعتزلة في تحكيم (10) العقل بل قالوا بذلك لأدلة سمعية وردت   (1) في ن، س: ((يوجد)) وهو جائز والمثبت أرجح. انظر: هامش (11) ص 27. (2) وهي ضَرْب من الاستصحاب ويُعبَّر عنها باستصحاب النفي أو استصحاب العدم الأصلي، وبالإباحة العقلية، ومنها قولهم: الأصل براءة الذمة. (3) في ق: ((العقلي)) . (4) في ق: ((و)) بدلاً من ((في)) وهو مقبولٌ أيضًا. (5) في ن، متن هـ: ((عدمه)) . (6) انظر: شرح اللمع 2 / 986، المستصفى 1 / 377، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 147، تقريب الوصول ص 394، الإبهاج 3 / 168، تشنيف المسامع 3 / 418، شرح الكوكب المنير 4 / 404، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 286. (7) في ن: ((البعثة)) . (8) انظر ص 88 وما بعدها (المطبوع) . (9) انظر ص 88، 92 (المطبوع) . (10) في ن: ((حكم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 فقالوا بذلك لأجلها، فمن الوارد في الحَظْر قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} (1) وذلك يقتضي أن المتقدِّم التحريم على العموم، وكذلك قوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (2) . و [من أدلة الإباحة قوله تعالى] (3) : {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (4) ، وقوله تعالى {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} (5) [ونحو ذلك مما يدل على الإباحة العامة] (6) ، فهم سُنِّيَّة لا معتزلة. العُرْف والعادة ص: العوائد (7) ، والعادة: غَلَبةُ معنىً من المعاني على الناس (8) . وقد تكون هذه الغلبة (9) في سائر (10) الأقاليم كالحاجة للغذاء والتنفس في الهواء، وقد تكون خاصة ببعض البلاد [دون بعض] (11) [كالنقود والعيوب] (12) ، وقد تكون خاصة   (1) المائدة، من الآية: 4. (2) المائدة، من الآية: 1. (3) ساقط من ق. (4) البقرة، من الآية: 29. (5) طه، من الآية: 50. (6) ما بين المعقوفين جاء في ق هكذا: ((وذلك لا يدلُّ على الإباحة العقلية)) وهو صحيح أيضاً. (7) جمع عادة، وتجمع على عاداتٍ، وعادٍ، وعِيْدٍ، سُميتْ بذلك؛ لأن صاحبها يعاودها، أي يرجع إليها مرةً بعد أخرى، وهي الدَّيْدَن. انظر مادة " عود " في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب. (8) هذا تعريفها الاصطلاحي، والعادة هي ما يطلق عليها بعضهم بالعُرْف، وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فالعادة أعم، والعرف أخص. انظر: كشف الأسرار للنَّسفي 1 / 182، تيسير التحرير 1 / 317، نَشْر العَرْف (رسائل ابن عابدين) 2 / 112، العُرْف والعادة د. أحمد فهمي أبو سنة ص 11، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 115. (9) هذا شروع في تقسيم العُرف باعتبار من يصدر عنه، فهو ينقسم إلى: عُرْفٍ عامٍّ، كبيع المعاطاة. وعُرْفٍ خاصٍ، سواء كانت الخصوصية من جهة أهل بلدٍ معينٍ أم من طائفةٍ وفِرْقةٍ أم من أهل حِرْفةٍ وصناعة ... إلخ. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 102، العرف والعادة د. أحمد أبو سنة ص 24، أثر العرف في التشريع الإسلامي لفضيلة شيخنا الدكتور / السيد صالح عوض ص 136، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 261، المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى الزرقا 2 / 877. (10) في ن، ق: ((جميع)) . (11) ساقط من س، ن. (12) في ن: ((كالدنانير والدراهم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 ببعض الفِرَق كالأذان للإسلام (1) ، والناقوس (2) للنصارى، فهذه العادة يُقْضَى بها عندنا (3) لما تقدَّم في الاستصحاب (4) . الاستقراء الاستقراء: وهو تتبُّع الحكْم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة (5) ، كاستقراء الفَرْض في جزئياته (6) بأنه لا يُؤدَّى على الراحلة [فيغلب على الظن أن الوتر لو كان فرضاً لما أُدِّي على الراحلة*] (7) ، وهذا   (1) في س: ((والإسلام)) وهو خطأ؛ لعدم دلالتها على المراد. (2) الناقوس: هو مضراب النصارى الذي يضربونه لأوقات الصلاة، وهو قطعة طويلة من حديد أو خشب، وربما استعملت كلمة الناقوس للجرس. انظر مادة " جرس " في: لسان العرب، المنجد في اللغة. (3) ساقطة من س. (4) وهو قوله: ((لنا أنه قضاء بالطرف الراجح فيصحُّ ... )) ص (499) . وقد اتفقت المذاهب الفقهية على الاحتجاج بالعرف إجمالاً، وإنْ وُجد بينهم تفاوت في مدى اعتباره. وليس معنى حجية العُرْف كونه مصدراً للتشريع وإنشاء الأحكام كالكتاب والسنة، إنما المراد بحجيّته أن نصوص الشارع، وعبارات المتعاملين تُفسَّر وفْقاً للعُرْف الجاري بينهم. ويلاحظ أن كتب الأصول قلَّ أن تبحث في العوائد باعتبارها دليلاً مستقلاً، ولكنّها تبحثها في كونها من مخصَّصات العموم المنفصلة، لكن كتب القواعد الفقهية تبحثها تحت قاعدة: ((العادة مُحكَّمة)) وما يتفرّع عنها. انظر: المسودة ص 123، تقريب الوصول ص 404، الموافقات 2 / 483، الضياء اللاّمع 2 / 48، 3 / 57، التوضيح لحلولو ص 182، شرح الكوكب المنير 4 / 448، نشر البنود 2/265، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 564، 577، 584، الفروق 1 / 171، الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام ... للقرافي ص 218، 232، إعلام الموقعين 3 / 71، 4 / 200، المنثور في القواعد للزركشي 2 / 256، 377، القواعد للحصني 1 / 357، غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (لابن نجيم) لأحمد الحموي 1 / 295. وللوقوف على الشروط والضوابط المعتبرة للعمل بالعُرْف انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 182، نَشْر العرف (رسائل ابن عابدين) 2 / 114، المدخل الفقهي العام للزرقا 2 / 873، العرف والعادة د. أحمد فهمي ص 73، أثر العرف في التشريع الإسلامي د. السيد صالح ص 189، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 231. (5) هذا تعريف الاستقراء غير التام (الناقص) . وقد سبق التعريف به لغةً واصطلاحاً، كما سبق ذكر قسميه: التام والناقص في: هامش (5) ص (126) . (6) جزئيات صلاة الفريضة: هي حالاتها من الأداء والقضاء والإتمام والقصر. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1201. (7) ما بين المعقوفتين ساقط من س. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 الظن حجة عندنا وعند الفقهاء (1) . الشرح في الاستدلال على عدم وجوب الوتر (2) بفعله عليه الصلاة والسلام إياه على الراحلة (3) إشْكالٌ من جهة أنه لم يكن ذلك إلا في السفر، والمنقول أنه لم يكن واجباً هو ولا القيام (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فما فعل على الراحلة إلا وهو غير واجب (5) . سد الذرائع ص: سد الذرائع: والذريعة (6) الوسيلة للشيء (7) ، ومعنى (8) ذلك: حسم مادة وسائل الفساد دفعاً له (9) ، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلةً إلى المفسدة   (1) انظر: دليل الاستقراء واختلاف المذاهب فيه في: المستصفى 1 / 103، المحصول للرازي 6 / 161، نهاية الوصول للهندي 8 / 4050، تقريب الوصول ص 397، البحر المحيط للزركشي 8 / 6، التوضيح لحلولو ص 404، شرح الكوكب المنير 4 / 417، فواتح الرحموت 2 / 413، الآيات البينات للعبادي 4 / 244، نثر الورود 2 / 566. (2) سبقت الإشارة إلى خلاف العلماء في حكم صلاة الوتر. (3) ثبتت في أحاديث عدة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة. انظر: صحيح البخاري (999، 1000، 1098) ، وصحيح مسلم برقم عام (700) وخاص (36، 37، 39) . (4) اختلف العلماء في نسخ وجوب صلاة الليل (التهجد) عليه صلى الله عليه وسلم على قولين. انظر الناسخ والمنسوخ للنحّاس 3 / 126، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 403، زاد المعاد 1 / 322، الخصائص الكبرى للسيوطي 2 / 396، أحكام القرآن للجصاص 3 / 627، الحاوي 2 / 3، المغني لابن قدامة 2 / 555. (5) انظر هذا الإشكال في: نفائس الأصول 9 / 4078، رفع النقاب القسم 2 / 1202. (6) ساقطة من ن. (7) هذا معناها اللغوي، وهي مأخوذة من " ذَرَع " وهو أصلٌ يدلُّ على الامتداد والتحرك إلى أمام، انظر: لسان العرب، معجم المقاييس في اللغة. (8) في متن هـ: ((فسدُّ)) وهو صحيح أيضاً. (9) هذا إشارة إلى ثمرة وفائدة سد الذرائع؛ لأن الذريعة اصطلاحاً: التوصل بمباح إلى ما فيه جناح، أو هي عبارة عن أمرٍ غير ممنوع في نفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع. انظر تعريفات الذريعة اصطلاحاً في: الحدود للباجي ص 68، الموافقات 5 / 183، رفع النقاب القسم 2 / 1204، مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 139، الجامع لأحكام القرآن 2 / 57 - 58. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 منعنا من ذلك الفعل، وهو مذهب مالك رحمه الله (1) . تنبيه: يُنْقل عن مذهبنا أن من خواصِّه اعتبار العوائد، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع (2) ، وليس كذلك. أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها (3) وجدهم يصرِّحون بذلك فيها (4) . وأما المصلحة المرسلة فغيرنا يصرِّح بإنكارها، ولكنهم عند التفريع نجدهم (5) يعلِّلون بمطلق المصلحة، ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشاهد (6) لها بالاعتبار، بل يعتمدون على مجرد المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة (7) . وأما الذرائع* فقد أجمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام: أحدها: معتبرٌ إجماعاً، كحفر الآبار في طُرُق المسلمين، وإلقاء السمِّ في أطعمتهم، وسبّ الأصنام عند من يعلم من حاله أنه [يسبُّ الله تعالى] (8) حينئذٍ (9) .   (1) انظر: إحكام الفصول ص 689، الإشارة في معرفة الأصول ص 314، تقريب الوصول ص 415، الموافقات 3 / 75، 130، 5 / 182، نشر البنود 2 / 259، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 213، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 265، 331، الفروق 2 / 33، 3 / 266، القواعد للمقري 2 / 471. (2) ذكر الشوشاوي أن أرباب المذهب ذكروا انفراد مالك بخمسة أشياء: هذه الثلاثة المذكورة، ومراعاة الخلاف، والحكم بين الحكمين. فأما الثلاثة المذكورة فليست من خصوصياته، وأما الأخيران فمن انفراداته. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205. (3) في ق: ((استقرارها)) وهو تحريف. (4) ذكر ابن العربي بأن العادات أصل من أصول مالك، أباها سائر العلماء لفظاً، ولكنهم يرجعون إليها على القياس معنىً. انظر: القبس في شرح الموطأ 2 / 819، وانظر: هامش (4) ص (502) . (5) ساقطة من ن، وفي متن هـ: ((تجدهم)) . (6) في س: ((الشواهد)) . (7) انظر: هامش (7) ص (496) ، وهامش (6) ص (498) . (8) في ق: ((سبب)) . (9) ضابط ما أجمعوا على سدّه أن المنع فيه يرجع إما لنصٍّ أو إجماعٍ على قطعية إفضائه لمفسدة. انظر: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية لمحمد هشام البرهاني ص 107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وثانيها: مُلْغىً إجماعاً، كزراعة العنب، فإنه لا يُمْنع خشية الخمر، والشَّرِكة في سكنى الدُّوْر خشية الزنا (1) . وثالثها: مختلفٌ فيه، كبيوع الآجال (2) ، اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخَالَفَنا غيرُنا، فحاصل القضية أنَّا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا، لا أنها خاصة بنا (3) . علاقة الوسائل بالمقاصد واعلم أن الذريعة كما يجب سدُّها، يجب فتحها، ويكره، ويندب، ويباح (4) ، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج (5) . وموارد الأحكام على قسمين (6) : مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل: وهي الطرق المُفْضية إليها، وحكمها كحكم ما أفْضَتْ إليه من تحريمٍ أو تحليلٍ، غير أنها أخفض رتبةً من المقاصد في حكمها (7) ، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما [هو متوسط] (8) متوسطة (9) ، وينبِّهُ على اعتبار الوسائل قولُهُ   (1) ضابط ما أجمعوا على عدم سدّه ندرة إفضائه إلى المحظور، وأن الإفضاء إليه ليس مباشراً. انظر: المرجع السابق ص 106. (2) هي: بيع المشتري ما اشتراه لبائعه أو وكيله لأَجَلٍ. الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3 / 116. ولها صور كثيرة، منها الجائز، ومنها الممنوع. انظر: بداية المجتهد 4 / 521، جامع الأمهات لابن الحاجب ص 352، القوانين الفقهية لابن جزي ص 275، تهذيب الفروق للمكي (بهامش الفروق) 3 / 275، شرح الزرقاني على مختصر خليل 5 / 98. وانظر: المغني 6 / 260، المجموع 10/141، 148، تبيين الحقائق 5 / 125. (3) انظر مذهب غير المالكية في سد الذرائع في: إبطال الاستحسان للشافعي (بذيل الأم: طبعة بولاق) 7 / 267 - 270 ، الإحكام لابن حزم 2 / 180، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 214، البحر المحيط للزركشي 8 / 89، شرح الكوكب المنير 4 / 434، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 182، إعلام الموقعين 3 / 121، الأشباه والنظائر لابن السبكي 1 / 119، بدائع الصنائع 3 / 34. (4) انظر الأمثلة عليها في: رفع النقاب القسم 2 / 1214. (5) ساقطة من ن. (6) انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 88، الفروق 2 / 33، إعلام الموقعين 3 / 121. (7) في ن: ((أحكامها)) . (8) في س: ((يتوسط)) ، وفي ن: ((توسط)) . (9) انظر الأمثلة على ما سبق في: رفع النقاب القسم 2 / 1215. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (1) فأثابهم [الله على الظمأ والنَّصَب وإن لم يكونا] (2) من فعلهم؛ [لأنهما حصلا لهم] (3) بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصَوْن المسلمين، فالاستعداد وسيلة الوسيلة. قاعدة (4) : كلما (5) سقط اعتبار المَقْصد سقط اعتبار الوسيلة، فإنها تَبَع [له في الحكم] (6) ، وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شَعْر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر، فيُحتَاج إلى ما يدل على (7) أنه مقصود في نفسه، وإلا* فهو مُشْكل (8) . تنبيه : قد تكون (9) وسيلة المحرم غير محرَّمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة،   (1) التوبة، من الآية: 120. والنَّصَب: التعب، والمَخْمصة: المجاعة الشديدة، ولا يطؤون موطئاً: لا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار، نيلاً: قتلاً أو أسراً أو هزيمةً أو غنيمةً. انظر: فتح القدير للشوكاني 2 / 433. (2) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((على ما ليس)) . (3) ساقط من ق. (4) انظرها في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 178، الفروق 2 / 33، الموافقات 2 / 34، القواعد للمقري 1 / 329. (5) في ق: ((كما)) . (6) ساقط من ن، ق، متن هـ. (7) ساقطة من ن. (8) ونظير هذا الفرع من ولد مختوناً، فهل يجب إمرار الموسى على حشفته أم لا؟ في كلا الفرعين قولان. وسبب الخلاف هو: هل إجراء الموسى مقصود لنفسه أو هو وسيلة لإزالة الشعر وإزالة الغُرْلة؟ فمن جعله مقصوداً أوجبه، ومن جعله وسيلةً أسقطه، ومن لم يوجب إمرار الموسى على رأس من لا شعر له عَلَّل بأنه عبادة تتعلّق بجزءٍ من البدن، فتسقط بذهابه قياساً على طهارة اليد إذا قطعت. ومن أوجب علّل بأنه عبادة تتعلق بالشعر فتتعلق بالبشرة عند ذهابه قياساً على مسح الرأس في الوضوء. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1219. وانظر المسألة في: المبسوط 4 / 70، بدائع الصنائع 3 / 99، الحاوي 4/ 162، حلية العلماء 1 / 296، المغني 5 / 306، مواهب الجليل 4 / 181. (9) في ق، متن (هـ) : ((يكون)) وهو جائز والمثبت أرجح، انظر: هامش (11) ص 27. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 كالتوسل إلى فِداء الأُسارى بدفع (1) المال إلى العدو والذي [هو محرَّم] (2) عليهم للانتفاع به لكونهم مخاطبين بفروع الشريعة عندنا، وكدفع مالٍ لرجلٍ يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأةٍ إذا عُجِزَ عن ذلك إلا به، وكدفع المال للمُحارِب (3) حتى لا يَقْتَتِل (4) هو وصاحب (5) المال، واشترط مالك رحمه الله فيه اليسارة (6) . عذر العالم في مخالفة الدليل ومما شُنِّع على (7) مالك رحمه الله مخالفته لحديث بيع الخيار مع روايته له* (8) ، وهو مَهْيَع (9) مُتَّسِع، ومسلك غير ممتنع، فلا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام أدلةً كثيرةً ولكن لمعارضٍ راجحٍ عليها عند مخالِفِها (10) ، وكذلك مالكٌ ترك هذا الحديث لمعارضٍ راجحٍ عنده (11) ، وهو عمل أهل المدينة (12) . فليس هذا باباً اخترعه، ولا بِدْعاً ابتدعه (13) .   (1) ساقطة من ق. (2) في متن هـ: ((حرم)) . (3) المحارب هو: كل من قصد بفعله أخذ مالٍ على وجهٍ تتعذّر معه الاستغاثة عادةً من رجلٍ أو امرأةٍ أو حرٍّ أو عَبْدٍ أو مسلم أو ذِمِّي أو مُسْتأْمَر، أو مُخِيْفٌ للسبيل وإن لم يَقْتل، وإن لم يأخذْ مالاً. انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب ص 523. (4) في ق: ((يقبل)) والمثبت هو الصواب. (5) في ن: ((وربّ)) . (6) في ق: ((السادسة)) وهو خطأ، لا معنى له. وانظر: الفروق 2 / 33. (7) في ن، ق: ((عن)) والذي رأيته في: لسان العرب مادة " شنع " تعدِّيه بنفسه، وبعلى، وبالباء. والله أعلم. (8) تقدَّمت هذه المسألة في ص 264، هامش (2) ، (3) . (9) ساقطة من ق. والمَهيْع: الواضح، الواسع، البيِّن، أوصاف للطريق. ويقال للطريق المنبسط الواسع: مَهْيَع. انظر: مادة " هيع " في لسان العرب. (10) في متن هـ: ((مخالفتها)) وهو مستقيم أيضاً، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله. (11) ساقطة من متن هـ. (12) انظر: المدونة 3 / 234، المقدمات الممهدات لابن رشد 2 / 95. (13) في متن هـ: ((افترعه)) وهو متَّجه؛ لأن الافتراع: ابتداء الشيء. انظر: مادة " فرع " في لسان العرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 ومن هذا الباب (1) ما يُروى* عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: ((إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي)) (2) أو ((فاضربوا بمذهبي عُرْض (3) الحائط)) (4) ، فإن كان مراده مع (5) عدم المعارض، فهذا مذهب العلماء كافة وليس خاصاً به، وإن كان مع وجود المعارض، فهو خلاف الإجماع، فليس هذا القول [خاصاً بمذهبه] (6) كما ظنه بعضهم (7) . الشرح كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون (8) : مذهب الشافعي كذا؛ لأن الحديث صحَّ فيه، وهو غَلَطٌ؛ فإنه لابد من انتفاء المعارض، والعلم بعدم المعارض   (1) أي من باب: مخالفة العالم للحديث. (2) قال تقي الدين السبكي في كتابه: " معنى قول الإمام المطَّلبي: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ص (71) ، ((وهو قولٌ مشهور عنه، لم يختلف الناس أنه قاله، وروي عنه معناه أيضاً بألفاظٍ مختلفة)) . وهي تنسب أيضاً للإمام أبي حنيفة. انظر نسبتها للشافعي في: المجموع للنووي 1 / 104، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 81، إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني ص 107. وانظر نسبتها إلى أبي حنيفة في: رَسْم المفتي (من مجموعة رسائل ابن عابدين) 1 / 4، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 1 / 167، إيقاظ همم أولي الأبصار ص 62. (3) عُرْض الحائط: أي جانبه وناحيته وجهته. انظر: لسان العرب مادة " عرض ". (4) انظر عبارات الشافعي حول هذا المعنى في: " الرسالة " الفقرات: 598، 905، 1168، كتاب: " اختلاف الحديث " مطبوع مع مختصر المزني (بذيل الأم) ص 8 / 481. (5) ساقطة من ق. (6) في ق: ((خاصة به)) . (7) لتقي الدين السبكي وقفة طويلة يعارض فيها توجيه القرافي لقول الشافعي: ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)) وأثبت أن مقولة الشافعي من خصوصيات مذهبه، لا كما قال المصنف هنا، فكان مما قال في هذا الصَّدد بأن العلماء كافة متّبعون للحديث إذا سلم من المعارض، فإذا لم يبلغهم كانوا في أوسع العذر، والشافعي يشترك معهم في ذلك، ويمتاز عنهم بأنه علّق القول بالحديث على صحته، فمتى صحّ كان مذهباً له، وصحّ نسبته إليه. والأمر الآخر أن بعض العلماء وضعوا أصولاً وقواعد بنوا مذاهبهم عليها، ولأجلها ردّوا بعض الأحاديث، كمن قدّم عمل أهل المدينة أو القياس على الخبر، أما الشافعي فليس له قاعدة يردُّ بها الحديث، فمتى صحَّ كان قائلاً به وهو مذهبه. انظر: معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي ص 141 - 172. (8) في س: ((ويقول)) وهو جائز بالنظر إلى لفظ الإفراد في " كثير ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يُقال لا معارض لهذا الحديث، وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به، فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يُحصِّل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يُصرِّح بهذه الفُتْيا، لكنه ليس كذلك، فهم مُخْطئون في هذا القول (1) . الاستدلال ص: الاستدلال (2) : وهو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد (3) لا من جهة الأدلة المنصوبة (4) ، وفيه قاعدتان: القاعدة الأولى: في الملازمات (5) ، وضابط الملزوم ما يحسن فيه " لو "، واللازم   (1) ناقش الزركشي المصنف في هذا القول، ووصمه بأنه تحجير منه. انظر: البحر المحيط 8 / 344. (2) الاستدلال لغةً: طلب الدليل. انظر: مادة " دلل " في لسان العرب. (3) معناه: أن الاستدلال هو إقامة الدليل الموصل إلى الحكم الشرعي من جهة القوانين العقلية، لا من جهة الأدلة التي نصبت لذلك من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الشرعي. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1229. وللاستدلال اطلاقات أخر متباينة فيما بينها. وله أنواع كثيرة يتفاوت العلماء في عدّها وحصرها، لأنه مصطلح فَضْفَاض. انظر بحث الاستدلال تحديداً وتقسيماً واحتجاجاً في: إحكام الفصول ص 672، شرح اللمع 2 / 815، الإحكام للآمدي 4 / 118، نهاية الوصول للهندي 8 / 4039، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 280، تقريب الوصول ص 387، تشنيف المسامع 3 / 408، التقرير والتحبير 3 / 381، التوضيح لحلولو ص 405، شرح الكوكب المنير 4 / 397، الآيات البينات للعبادي 4 / 239، نشر البنود 2 / 249، إرشاد الفحول 2 / 45، الاستدلال عند الأصوليين د. علي العميريني ص 18 - 51. (4) في س: ((المنصوصة)) . (5) يسمى هذا بالاستدلال بالتلازم، ويسميه المناطقة بالقضية الشرطية، وبالقياس الاستثنائي، وهو مركّب من مقدمتين، الأولى: منهما مركّبة من قضيّتين، تُقْرَن الأولى بحرف شرطٍ كـ" لو " أو " إنْ " ونحوهما، وتسمّى بالملزوم أو المقدَّم، والقضية الأخرى هي جواب الشرط، قد تُقْرن بالفاء ونحوها، وتُسمَّى باللازم أو التالي. والمقدمة الثانية: استثناء من قضية واحدة يُقرن بها حرف استثناء مثل: " لكن " أو لا يُقْرن ويكون الكلام في معناه. مثاله: لو كان هذا إنساناً فهو حيوان، لكنه إنسان فهو حيوان أو لكنه ليس إنساناً فليس بحيوان. انظر: تقريب الوصول ص 124، شرح الكوكب المنير 4 / 398، نثر الورود 2 / 563، حاشية الصبان على شرح السُّلم للملّوي ص 141، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 247، شرح المطلع على متن إيساغوجي للأنصاري ص 62، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي القسم الأول ص 90. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 ما يحسن فيه " اللاَّم " كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1) ، وكقولنا: لو (2) كان هذا الطعام مُهْلكاً فهو حرام، تقديره: لو كان مهلكاً لكان حراماً. والاستدلال إما بوجود الملزوم أو بعدمه، أو بوجود اللازم أو بعدمه، فهذه الأربعة منها [اثنان منتجان واثنان عقيمان، فالمنتجان] (3) : الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم وبعدم اللازم على عدم (4) الملزوم (5) ، فكل ما أنتج [عدمُه فوجوده عقيم، وكل ما أنتج] (6) وجودُه فعدمه عقيم، إلا أن يكون اللازم مساوياً للملزوم فتنتج الأربعة، نحو قولنا: لو كان هذا إنساناً (7) لكان ضاحكاً بالقوة (8) ، ثم الملازمة قد تكون: قطعية، كالعَشَرة مع الزوجية، وظنية، كالنجاسة مع كأس الحَجَّام (9) ، وقد تكون: كليَّة، كالتكليف مع العقل، فكل مكلف عاقل في سائر   (1) الأنبياء، من الآية: 22. (2) في ن، س، متن هـ: ((إنْ)) وهو صحيح أيضًا. (3) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((اثنتان منتجتان، واثنتان عقيمتان، فالمنتجتان)) والمثبت هو الصواب، لأن المعدود مذكّر، يدلُّ عليه العدد " الأربعة " والعدد " اثنان " يتبع معدوده تذكيراً وتأنيثاً. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 4 / 231. (4) ساقطة من ن. (5) والعقيمان: هما الاستدلال بعدم الملزوم، والاستدلال بوجود اللازم. فمثلاً؛ في قولنا: لو كان هذا الطعام مهلكاً لكان حراماً، هنا الاستدلالان المنتجان هما: بأن يستدلّ بوجود الهلاك على وجود التحريم، ويستدل بعدم التحريم على عدم الهلاك. والاستدلالان العقيمان هما: بأن يستدل بعدم الهلاك على عدم التحريم أو وجوده، فإنه عقيم لا ينتج؛ لأن الطعام غير المهلك قد يكون حلالاً كالطعام غير المسموم لا النجس، وقد يكون حراماً كالمغصوب أو النجس. وكذلك الاستدلال بوجود التحريم على وجود الهلاك أو عدمه استدلال عقيم؛ لأن الطعام المحرم قد يكون مهلكاً كالسموم، وقد يكون غير مهلك كالمغصوب أو النجس. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1231. (6) ما بين المعقوفين ساقط من ن. (7) في س: ((إنسان)) وهو خطأ نحوي، لعدم انتصابه على أنه خبر ((كان)) . (8) في هذا المثال - لو كان هذا إنساناً لكان ضاحكاً بالقوة - تنتج الأربعة، وهي: لكنه إنسان فهو ضاحك، لكنه ضاحك فهو إنسان، لكنه ليس بإنسان فليس بضاحك، لكنه ليس بضاحك فليس بإنسان، وكل هذا بسبب تساوي اللازم والملزوم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233. (9) أي: ملازمة النجاسة لكأس الحجّام، فلا توجد كأس الحجّام إلا ومعها نجاسة ظنية، فنقول: لو كان هذا كأس حجّام لكان نجساً، وإنما كانت هذه الملازمة ظنية؛ لأن كأسه قد لا تكون نجسة لأنه لم يَحْجِم بها أحداً بَعْد، أو حجم بها ثم غسلها..انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 الأزمان والأحوال، فكليتها [باعتبار ذلك] (1) لا باعتبار الأشخاص، وجزئية، كالوضوء مع الغُسْل، فالوضوء لازم للغسل إذا سَلِم من النواقص حالة إيقاعه فقط، فلا جَرَم* لم يلزم من انتفاء اللازم الذي هو الوضوء انتفاء الملزوم الذي هو الغسل؛ لأنه ليس كلياً، بخلاف انتفاء العقل فإنه (2) يوجب انتفاء التكليف في سائر الصور. الشرح استدل مرَّة (3) بعض الفضلاء على [أن المغتسِل] (4) لا يكفيه غُسْله للصلاة حتى يتوضأ - وهو قول بعض العلماء (5) - بإن قال: القاعدة العقلية أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم، فلو كان الوضوء لازماً للغسل [لكان يلزم من انتفائه انتفاء الغسل] (6) ، [فيلزم من انتفاء الطهارة الصغرى انتفاء الطهارة الكبرى] (7) فإذا أحْدث الحَدَث الأصغر يلزمه (8) الغسل، وهو خلاف الإجماع، فلا تكون الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى وهو المطلوب. والجواب: ما تقدَّم أن الملازمة جزئية في بعض (9) الأحوال، وهي حالة الابتداء فقط، وأما بعد ذلك فليست لازمة، فلا يلزم من انتفاء ما ليس بلازمٍ انتفاء شيء ألبتة.   (1) في متن هـ: ((بذلك)) . (2) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز، وإثباتها أليق بالسياق. (3) ساقطة من س. (4) في ق: ((الغسل)) . (5) هذا القول أحد الأوجه عند الشافعية، وهو الرواية المقدَّمة عند الحنابلة عليها المذهب. انظر: المجموع 2 / 223 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 223، المغني 1 / 289، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1 / 259. وانظر المسألة في: المبسوط 1 / 44، الحاوي 1 / 221، الذخيرة 1 / 307، 310، مواهب الجليل 1 / 459. (6) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لانتفى الغسل بانتفائه)) . (7) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (8) في ن: ((يلزم)) . (9) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 وكذلك نقول (1) : إن كل مؤثر فهو لازم لأثره حالة إيقاعه، وقد ينتفي الصانع وتبقى الصَّنْعة بعده؛ لأن الملازمة بينهما جزئية في بعض الأحوال، وهي حالة الحدوث فقط، وما عدا تلك الحالة لا ملازمة بينهما فيها، فلا يلزم النفي من النفي، فكذلك لا يلزم من انتفاء (2) الطهارة [الصغرى انتفاء الطهارة] (3) الكبرى بعد زمن الابتداء لعدم الملازمة في بقية الأحوال غير الابتداء بشرط السلامة عن النواقض. ص: القاعدة الثانية: أن (4) الأصل في المنافع الإذن (5) وفي المضارِّ المنع بأدلة السمع لا بالعقل، خلافاً* للمعتزلة (6) ، وقد تعظم المنفعة (7) فيصحبها الندب (8) ، أو الوجوب مع الإذن، وقد تعظم المضرَّة فيصحبها التحريم على قدر رُتْبتها (9) فيستدل على الأحكام بهذه القاعدة. الشرح يعلم ما يصحبه الوجوب أو الندب أو التحريم أو الكراهة بنظائره من الشريعة وما عهدناه في تلك المادة.   (1) في ق: ((تقول)) . (2) في س، ق: ((نفي)) . (3) ساقط من س. (4) ساقطة من ق، متن هـ. (5) من العلماء من نبّه على استثناء: الدم، والمال، والفرج، والعِرْض من قاعدة: ((الأصل في المنافع الإباحة)) . انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 12، التوضيح لحلولو ص 408. (6) سبق بحث مسألة: حكم الأشياء قبل ورود الشرائع. أما هذه المسألة فهي مسألة: الأصل في الأشياء بعد ورود السمع. وقد خلط بعضهم بين المسألتين وأجرى نفس الخلاف. انظر: المحصول للرازي 6 / 97، نهاية الوصول للهندي 8 / 3938، الإبهاج 3 / 165، نهاية السول للإسنوي 4 / 352، البحر المحيط للزركشي 8 / 8، الضياء اللامع 3 / 141، الآيات البينات للعبادي 4 / 264. وانظر: تحكيم المعتزلة للعقل في مسألة المنافع والمضار في: المعتمد 2 / 315، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 813. (7) في ن: ((المصلحة)) . (8) في ق: ((الثواب)) وهو غير مناسب؛ لأن المراد هنا تقرير الأحكام لا الجزاء. (9) أو الكراهة. وإذا استوت المنفعة والمضرة صار مباحاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 الاستحسان ص: الاستحسان (1) ، قال الباجي: هو القول بأقوى الدليلين (2) ، وعلى هذا يكون حجة إجماعاً، وليس كذلك (3) . وقيل: هو الحكم بغير دليلٍ، وهذا (4) اتباع (5) للهوى، فيكون حراماً إجماعاً. وقال الكرخي: هو العدول عما حُكِم به في نظائر مسألة (6) إلى خلافه لوجهٍ أقوى منه (7) ، وهذا يقتضي أن يكون العدول عن (8) العموم إلى الخصوص استحساناً (9) ، ومن [المنسوخ إلى النَّاسِخ] (10) . وقال أبو الحسين: ((هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد (11) غير شاملٍ شمولَ الألفاظ لوجه أقوى منه وهو في حكم الطاريء على الأول)) (12) ، فبالأول: خرج العموم، وبالثاني: تُرِك القياس المرجوح للقياس الراجح لعدم طريانه عليه.   (1) الاستحسان لغةً: استفعال مأخوذ من الحُسْن وهو نقيض القبح. والاستحسان عَدُّ الشيء حسناً. انظر مادة " حسن " في: لسان العرب، وتاج العروس. (2) هذا القول ليس للباجي نفسه، وإنما نقله عن محمد بن خُوَيْزمِنْداد المالكي. انظر: إحكام الفصول ص 687، الإشارة في معرفة الأصول له ص 312. (3) أي: لم يقع الإجماع على حجية الاستحسان، فلا يصحّ حدُّه بما ذكر. (4) في ن: ((وهو)) ، وفي ق: ((فيكون)) . (5) في ق: ((اتباعاً)) وهي مستقيمة بحسب سياق هذه النسخة. (6) في ق: ((مثلٍ)) وهي لا تُعطي وضوحاً في معنى الحدّ. (7) انظر تعريفه في: بذل النظر ص 648، كشف الأسرار للبخاري 4 / 7، التلويح إلى كشف حقائق التنقيح للتفتازاني 2 / 182، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي لشيخنا الدكتور / حسين الجبوري ص 112. (8) في ق: ((من)) . (9) في نسخة ق انتقلت هذه الكلمة إلى ما بعد كلمة: ((الناسخ)) ، وهو صحيح أيضاً. (10) في س: ((الناسخ إلى المنسوخ)) وهو انقلاب لعلّه وقع من الناسخ. (11) في ن: ((الاستدلال)) وهي ليست في تعريف أبي الحسين. انظر: المعتمد 2 / 296. (12) انظر: المعتمد 2 / 296. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 وهو حجة (1) عند الحنفية (2) وبعض المصريين (3) منا، وأنكره العراقيون (4) . الشرح حجة الجواز: أنه راجح على ما يقابله على ما تقدَّم تحريره (5) ، فيعمل به كسائر الأدلة الراجحة، ولقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نقضي بالظاهر)) (6) . حجة المنع: أنه لم تتحقق له حقيقة في الحقائق الشرعية فيعمل به، إنما هو شيء يهجس (7) في النفس، وليس قياساً ولا مما دلَّت النصوص عليه حتى   (1) الجمهور على حجية الاستحسان، وقال الشافعي بعدم حجيته، ونُقِل عنه: من استحسن فقد شرَّع. ورغم هذا الخلاف المشهور والجدل الطويل يظهر أن النزاع بين الفريقين لفظي، وأن الجميع قائلٌ به؛ لأن الاستحسان الذي أنكره المنكرون ليس هو الذي أثبته القائلون به. ولهذا قال الشيرازي وغيره: ((إن كان مذهبهم - أي الأحناف - على ما قال الكرخي فنحن نقول به وارتفع الخلاف)) شرح اللمع 2 / 970. وانظر: الرسالة ص 503، كتاب إبطال الاستحسان للشافعي (بذيل الأم: طبعة بولاق) 7 / 267، المعتمد 2 / 295، الإحكام لابن حزم 2 / 195، التلخيص 3 / 308، أصول السرخسي 2 / 199، قواطع الأدلة 4 / 514، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 87، المحصول للرازي 6 / 123، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 190، تقريب الوصول ص 399، الموافقات 5 / 193، جامع الأسرار 4 / 1054، 1063، التوضيح لحلولو ص 409، قاعدة في الاستحسان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 47، الاستحسان عند علماء أصول الفقه د. السيد صالح عوض ص 57، نظرية الاستحسان لأسامة الحموي ص 99، الاستحسان بين النظرية والتطبيق د. شعبان محمد إسماعيل ص 57. (2) انظر: الغنية في الأصول للسجستاني ص 176، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 619، كشف الأسرار للبخاري 4 / 7، فتح الغفار 3 / 30، فواتح الرحموت 2 / 384. (3) هكذا في ن، س، و، متن د، وهو ما أُرجِّحه، بينما في باقي النسخ: ((البصريين)) . أما سبب الترجيح؛ فلأن المدارس المالكية هي: المدنيّة، والمصرية، والعراقية، والمغربية (القيروانية) ، والأندلسية، ولم أجد من جعل من المدارس: البصرية في مقابلة الكوفية أو العراقية. والمراد بالمصريين: ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وأصبغ، ونظرائهم، وبالعراقيين: القاضي إسماعيل، وابن القصار، وأبي بكر الأبهري، والقاضي عبد الوهاب ونظرائهم. انظر هذه المدارس وأصحابها في بحث: اصطلاح المذهب عند المالكية د. محمد إبراهيم ص 59 - 73 في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة - السنة (4) ، العدد (15) ، عام 1413 هـ. (4) انظر: الإشارة للباجي ص 313. (5) تقدَّم تحريره يحتمل أن يكون في المتن، ويحتمل أن يكون في حجية الاستصحاب: أنه قضاء بالطرف الراجح ص 499. (6) سبق تخريجه. (7) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 يُتَّبع (1) ، وقد قال به مالك (2) رحمه الله في عدة مسائل في تَضْمِين الصناع المؤثرين في الأعيان بصنعتهم (3) ، وتضمين الحَمَّالين للطعام والإدام دون غيرهم من الحَمَّالين (4) ، وهو الذي قاله أبوالحسين (5) ((تَرْك وجهٍ من وجوه الاجتهاد)) : وهو ترك عدم التضمين الذي هو شأن الإجارة. ((غير شامل شمول الألفاظ)) ؛ لأن عدم التضمين قاعدة لا لفظ. ((لوجه أقوى منه)) : إشارة إلى الفرق الذي لوحظ في صورة الضمان، اعتبارُه راجح على عدم اعتباره وإضافة الحكم* إلى المشترك الذي هو قاعدة الإجارة و (6) عدم التضمين، وهذا الفرق في حكم الطاريء على قاعدة الإجارات؛ فإن المستثنيات (7) طارئات على الأصول، وأما أحد القياسين مع (8) الآخر، فليس أحدهما أصلاً للآخر (9) حتى يكون في حكم الطاريء عليه.   (1) حجة المنع هذه غير متَّجهة؛ لأن الكل مجمعٌ على بطلان التقوّل في الشريعة بمجرد التشهّي، ثم إن المستحسنين لا يستحسنون بغير مستندٍ أو حقيقة شرعية، بل لابد أن يكون منزع استحسانهم نصاً أو إجماعاً أو قياساً أو مصلحةً أو عرفاً ونحو ذلك. انظر: المعتمد 2 / 295، اللمع للشيرازي ص 445، الموافقات 5 / 194، إرشاد الفحول 2 / 261 - 263. (2) قال مالك عن الاستحسان بأنه تسعة أعشار العلم. انظر: الاعتصام للشاطبي 2 / 164، الموافقات 5 / 198. (3) للفقهاء تفريقٌ بين يد الأجير الخاص والأجير المشترك، فالأول لا ضمان عليه إذا تلفت العين عنده من غير تعدٍّ ولا تفريط. والثاني - ومنهم الصُّنَّاع - اختلفوا في تضمينهم، فمن قال به إنما قاله استحساناً بعد أن شاع الفساد بينهم؛ لأنهم يَخْتَلُون بما يصنعونه عن أعين أصحابها، وليس من شأنهم الاحتياط في حفظ ما يصنعون. انظر: المدونة 3 / 373 - 374، بداية المجتهد 5 / 153، الذخيرة 5 / 502، 517، 523، القوانين الفقهية ص 349، الحاوي 7 / 425، المغني 8 / 103، ردّ المحتار لابن عابدين 9 / 88. (4) لأن حمّالين الطعام تُسرع أيديهم إليه غالباً بالأكل، بخلاف من يحمل غير الطعام. انظر: المدونة 3/ 413، الذخيرة 5 / 512. (5) أي: عبارة أبي الحسين في تعريف الاستحسان هي التي تنطبق على ما قاله الإمام مالك في تضمين الصنَّاع وحمَّالين الطعام. (6) في ق: ((من)) بدلاً من الواو. (7) في ن: ((المثبتات)) وهو تحريف. (8) في ن: ((على)) . (9) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 الأخذ بأقل ما قيل ص: الأخذ بالأخف (1) ، وهو عند الشافعي رحمه الله حجة (2) كما قيل - في دية اليهودي - إنها مساوية لدِيَة المسلم (3) . [ومنهم من قال: نصف دية المسلم، وهو   (1) هكذا ترجم المصنف لهذه المسألة هنا، وكذا في نفائس الأصول 9 / 4070، ثم أخذ يشرح بما يدلُّ على مسألةٍ أخرى وهي: ((الأخذ بأقل ما قيل)) . وعنوانهما متقاربان لا يُؤْمن من الوقوع في اللَّبس بسببه، وفي الحقيقة هما مسألتان متغايرتان. فالأخذ بأقل ما قيل حقيقته - كما قال السمعاني -: أن يختلف المختلفون في مقدَّرٍ بالاجتهاد على أقاويل، فيؤخذ بأقلّها عند إعواز الدليل. انظر: قواطع الأدلة (3 / 394) وهي ما سيذكرها المصنف. أما مسألة الأخذ بالأخف فصورتها: أن يقوم دليلٌ على وجوب شيءٍ يمكن تحقيقه بأحد وجهين، أخفّ أو أثقل، ولم يقم دليل على خصوص أحدهما، وتعارضت فيها الاحتمالات أو تعارضت مذاهب العلماء، والأخفّ في هذه الحالة لا يدخل في الأثقل، كما هو الحال في المسألة السابقة. مثالها: من نَذَر هَدْياً، فهل تجزيه شاة أو لابدّ من بدنة؟ ومن نذر صوم شهرٍ - وصام بغير الهلال - فهل يكتفي بتسعةٍ وعشرين يوماً أو لابد من ثلاثين؟ . في المسألة ثلاثة مذاهب، الأول: يجب الأخذ بالأخف. الثاني: وجوب الأخذ بالأشقّ. الثالث: التخيير. والفخر الرازي في المحصول (6 / 160) فرَّق بين المسألتين، بأن جعل مسألة الأخذ بأقل ما قيل: هو ما كان الأقل فيها جزءاً من ماهية الأصل، بينما مسألة الأخذ بالأخف: هو ما لم يكن فيها الأخف جزءاً من ماهية الأصل. انظر: نهاية الوصول للهندي 8 / 4036، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 352، البحر المحيط للزركشي 8 / 31، تشنيف المسامع 3 / 430، الضياء اللامع 3 / 139، التوضيح لحلولو ص 412، إرشاد الفحول 2 / 275. (2) انظر مذهب الشافعي في الأم 6 / 105، ونسب ابن السبكي الأخذ بأقل ما قيل إلى الجمهور والباقلاني. انظر: الإبهاج 3 / 175، ونقل المصنف في نفائس الأصول (9 / 4071) عن القاضي عبد الوهاب أن مذهب المالكية التفصيل، فتارة يؤخذ بالأقل وتارة لا يؤخذ به، وقال: هذه المسألة تتعلق باستصحاب الحال أكثر من تعلُّقها بالإجماع. وذهب ابن حزم إلى ردّ القول بأقل ما قيل، وحكى قولاً بالأخذ بأكثر ما قيل ليخرج من عهدة التكليف بيقين. وهناك من قال: يمكن الأخذ بالأوسط من الأقوال كما يحدث في تقويم السلع وأروش الجنايات. انظر: شرح اللمع 2 / 993، قواطع الأدلة 3 / 394، المحصول للرازي 6 / 154، الإحكام للآمدي 1 / 281، المسودة ص 490، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/ 43، تقريب الوصول ص 395، الضياء اللاَّمع 2 / 246، شرح الكوكب المنير 2 / 257، فواتح الرحموت 2 / 412. (3) هذا مذهب الحنفية. انظر: المبسوط 26 / 84، بدائع الصنائع 10 / 310، البناية في شرح الهداية 12 / 214. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 قولنا (1) ] (2) ومنهم من قال: ثلثها (3) [أخذاً بالأقل] (4) ، فأوجب الثلث فقط؛ لكونه مجمعاً (5) عليه، وما زاد منفي بالبراءة الأصلية (6) . تفويض الحكم إلى المجتهد العصمة (7) ، وهي أن العلماء اختلفوا: هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبيٍّ أو عالم أحكم فإنك لا تحكم إلا بالصواب (8) ، قطع [بوقوع   (1) هذا مذهب المالكية والحنابلة. انظر: الاستذكار 25 / 161، الذخيرة 12 / 356، المغني 12 / 51، كشاف القناع 6 / 23. (2) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وعندنا نصفها)) . (3) هذا مذهب الشافعية. انظر: الحاوي الكبير للماوردي 12 / 308، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 10 / 330، حاشية الجمل على شرح المنهج 7 / 462. (4) ساقط من ق. (5) في ن: ((مجمع)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر ((كون)) حقُّه الانتصاب. (6) انظر: المستصفى 1 / 376. (7) سمَّاها حلولو في التوضيح ص (413) بـ" التوفيق ". ويسمّيها كثير من الأصوليين بـ" التفويض "، أي: تفويض الله الحكمَ إلى نبي أو عالم ليحكم بما شاء وكيفما اتفق دون الاستناد إلى مدارك شرعية، ويكون صواباً. لكن من الأصوليين مَنْ عدَّ هذه المسألة من علم الكلام وليست معروفة عند الفقهاء، وقال السمعاني: ((ليس فيها كبير فائدة؛ لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد، ولا يتوهم وجوده في المستقبل)) قواطع الأدلة 5 / 96، وانظر تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي على الإحكام للآمدي 4 / 209. (8) الخلاف هنا في أمرين: في الجواز العقلي، وفي الوقوع الشرعي. أما الجواز العقلي فأكثر الشافعية والمالكية وبعض الحنفية يقولون به، وتردد الشافعي في ذلك، ومنهم من ينقل توقفه في الوقوع. وقال أبو علي الجبائي - وقيل رجع عنه - وأبو يعلى والسمعاني وابن عقيل بجواز ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره. وأكثر المعتزلة على عدم الجواز وبه قال الجصاص. أما الوقوع الشرعي فالمختار عند الأحناف وأصحاب الأئمة الثلاثة عدم وقوعه، وقال النظّام ومُوَيْس بن عمران والروافض بالوقوع جزماً، ومثَّلوا له بقصة الإذخر، وقتل النّضر بن الحارث، وحديث الأقرع بن حابس عن الحج (انظرها في المحصول 6 / 141 - 148 ) ، وقيل: بالتوقف في الوقوع. انظر: الرسالة ص 92 - 104، 508، الفصول في الأصول للجصاص 2 / 242، المعتمد 2 / 329، العدة لأبي يعلى 5 / 1587، اللمع للشيرازي ص 267، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5 / 410، الوصول لابن برهان 2 / 209، الإحكام للآمدي 4 / 209، منتهى السول والأمل ص 217، المسودة 510، تقريب الوصول ص 419، الإبهاج 3 / 196، البحر المحيط للزركشي 8 / 51، التقرير والتحبير 3 / 447، التوضيح لحلولو 413، التحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان ص 627، فواتح الرحموت 2 / 441. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 ذلك] (1) مُوَيْس (2) بن عمران، وقطع جمهور المعتزلة بامتناعه (3) ، وتوقَّف الشافعي رضي الله عنه في امتناعه وجوازه (4) ووافقه الإمام (5) . الشرح حجة الجواز والوقوع: قوله تعالى: {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (6) [فأخبر الله تعالى أنه حرم على نفسه] (7) ، ومقتضى السياق أنه صار (8) حراماً (9) عليه، وذلك يقتضي أنه ما حَرَّم على نفسه إلا ما جعل الله له أن يفعله، ففعل التحريم، ولو أن الله تعالى هو المُحرِّم لقال إلا ما حرَّمنا على إسرائيل. حجة المنع: أن ذلك يكون تصرفاً في الأديان بالهوى، والله تعالى لا يشرع إلا المصالح لا اتباع الهوى. وأما قصة إسرائيل عليه السلام فلعله حرَّم على نفسه بالنذر، ونحن نقول به. حجة التوقف: تعارض المدارك.   (1) في ن: ((بذلك)) . (2) هكذا في نسخة متن ف، وهو مما انفردت به، وهو الصواب كما في المعتمد 2 / 329، والمعتبر للزركشي ص 287 وغيرهما. وقد تحرَّفت في جميع النسخ إلى ((موسى)) وهو ما تتابع عليه كثير من الأصوليين. أما ترجمته فهو أبو عمران مُوَيْس بن عمران المعتزلي صاحب النظّام، ومن شيوخ الجاحظ، كان واسع العلم والكلام والإفتاء، ويقول بالإرجاء عاش بين القرنين الثاني والثالث. انظر: طبقات المعتزلة ص 76. (3) انظر: المغني للقاضي عبد الجبار 17 / 123، المعتمد 2 / 329، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 668. (4) وقع اضطراب بين العلماء في موقف الشافعي من مسألة التفويض، فمنهم من يذكر تردد الشافعي في الجواز العقلي، وآخرون: في الوقوع مع الجزم بالجواز. والذي وجدْتُه في الرسالة ص (92 - 104) ما يدلُّ على أن التفويض للنبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ محتمل وجائز. والله أعلم. وانظر: المعتمد 2 / 329، قواطع الأدلة 5 / 91 - 92، البحر المحيط للزركشي 8 / 52. (5) انظر: المحصول 6 / 137. (6) آل عمران، من الآية: 93. (7) ما بين المعقوفين ساقط من ق. (8) ساقطة من ق. (9) في ق: ((حرام)) وهو مستقيم؛ لأن كلمة " صار " التي قبلها ساقطة منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 إجماع أهل الكوفة ص: إجماع أهل (1) الكوفة، ذهب قوم إلى (2) أنه حجة؛ لكثرة من وَرَدَها من الصحابة رضوان الله عليهم، كما قاله (3) مالك رحمه الله في المدينة (4) . فهذه أدلة مشروعية الأحكام. قاعدة في التعارض قاعدة (5) : يقع التعارض في الشرع بين الدليلين، والبينتين، والأصلين، والظاهرين، والأصل والظاهر (6) . ويختلف العلماء في جميع (7) ذلك. تعارض الدليلين الدليلان نحو قوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (8) ، وهو يتناول الجمع بين الأختين في الملك. وقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (9) يقتضي تحريم الجمع مطلقاً (10) ، ولذلك قال علي رضي الله عنه: ((حرَّمتهما آية وأحلَّتهما (11) آية)) (12) . وذلك كثير في الكتاب والسنة، واختلف العلماء هل يتخير بينهما أو يتساقطان؟ * (13) (14) .   (1) ساقطة من س، ق، متن هـ. (2) في ق: ((على)) . (3) في ن، ومتن هـ: ((قال)) والمثبت أصحّ لتمام المعنى. (4) سبق بحث هذه المسألة في باب الإجماع. (5) هذه القاعدة اقتبسها المصنف باختصار من كتاب شيخه العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 456 - 461، فانظرها ثمَّة موضحةً مفصَّلة. (6) كان الأليق بهذه القاعدة في " التعارضات " أن تبحث في باب التعارض والترجيح ص 402؛ لأنها ألصق بتلك المباحث. (7) في ق: ((جمع)) وهو متَّجه، أي في الجمع بين المتعارضين. (8) النساء، من الآية: 24. (9) النساء، من الآية: 23. (10) سبق بحث هذه المسألة. (11) في ن، س متن هـ: ((حلَّلتها)) ولم أجدها فيما وقفتْ عليه من ألفاظ الأثر. (12) سبق تخريجه. (13) في س، ق، متن هـ: ((يسقطان)) . (14) هذا الاختلاف مبنيٌّ على تساوي الدليلين، وعدم إمكان الترجيح بينهما، حينئذٍ يجري هذا الخلاف، وقد مرَّ ذكره في ص (402) . أما ما مثَّل به المصنف هنا على التعارض بمسألة الجمع بين الأختين المملوكتين فلا يتجه فيه التخير أو التساقط، بل يجب الترجيح، كما بيّنه في تعارض الدليلين كل واحدٍ منهما أعم من وجه. انظر: ص 416. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 الشرح حجة السقوط: التعارض، وليس أحدهما أولى من الآخر. حجة التخيير: أن العمل بالدليل الشرعي واجب بحسب الإمكان، والتخيير عمل (1) بالدليل، فإنه أيُّ (2) شيء اختاره فهو فيه (3) مُسْتنِدٌ إلى دليل شرعي، فلم يحصل الإلغاء، فهو أولى. تعارض البينتين ص: البيِّنتان (4) ، نحو* شهادة (5) بيِّنةٍ بأن هذه الدار لزيدٍ، وشهادة أخرى بأنها (6) لعَمْرو، فهل [تترجح إحدى البينتين] (7) ؟ فيه (8) خلاف (9) .   (1) في ن: ((عملاً)) وهو خطأ نحوي، لأنها منتصبة، وهي خبر. (2) في ن: ((أول)) . (3) ساقطة من س. (4) تعارض البينتين: هو اشتمال كلٍّ منهما على ما ينافي الأخرى. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصّاع 2 / 604. بمعنى أن يُقدِّم كلُّ طَرَف في الخصومة دليلاً يؤيد دعواه وينفي دعوى الآخر بحيث لو انفرد دليل أحدهما لحُكِم له به. انظر: وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية ... د. محمد الزحيلي ص 803. وهناك فروقات بين تعارض الأدلة وتعارض البيِّنات، فالأول من مباحث أصول الفقه، ومن وظائف المجتهدين، والثاني من مباحث الفقه، ومن وظائف القضاة، انظر الفروقات بينهما في: تعارض البيِّنات في الفقه الإسلامي ... لمحمد بن عبد الله الشنقيطي ص 57. (5) هنا زيادة: ((بأنها)) في ن، ولا داعي لها. (6) ساقطة من ق. (7) ما بين المقعوفين في ق هكذا: ((يترجَّح أحدهما)) والصواب أن يقول: إحداهما؛ لأن الشهادة مؤنث. (8) ساقطة من س، ومتن هـ. (9) طريقة الأحناف: الترجيح بينهما، فإن تعذَّر فالجمع، فإن تعذَّر فالتساقط. وطريقة الجمهور: الجمع، فإن تعذَّر فالترجيح، فإن تعذَّر اختلفوا فيما يفعله القاضي، فقيل: تتساقط البينات، وقيل: تستعمل طريقة القِسْمة إذا كان المحلّ يقبلها، وقيل: تستعمل القرعة، وقيل: يتوقف حتى ينكشف الأمر فتظهر البينة الراجحة أو يصطلح المتنازعان، وهذا ما يُعبّر عنه في المحاكم بـ" تأجيل الدعوى " حتى تكتمل الأدلة، ولو قيل: يترك الأمر لتقدير القاضي ومدى فطنته لما كان هذا بعيداً عن الصواب. انظر: المحلّى 9 / 436، بدائع الصنائع 8 / 443، المغني 14 / 285، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 13/219، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 457، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 254، تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 263 - 265، تعارض البينات في الفقه الإسلامي ... لمحمد بن عبد الله الشنقيطي ص 179 - 181، 261 - 266. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 تعارض الأصلين الأصلان (1) نحو رجل قَطَع رجلاً ملفوفاً (2) نصفين، ثم نازع أولياؤه (3) [أنه كان حياً] (4) حالة القطع، فالأصل: براءة الذمة من القصاص، والأصل: بقاء الحياة. فاختلف العلماء في نفي القصاص وثبوته، أو التفرقة بين أن يكون ملفوفاً في ثياب الأموات أو الأحياء (5) . ونحو العبد إذا انقطع خبره، فهل تجب زكاة فطره لأن الأصل بقاء حياته أو لا تجب لأن الأصل براءة الذمة؟ فيه (6) خلاف (7) . تعارض الظاهرين الظَّاهران (8) ، نحو اختلاف الزوجين في متاع البيت، فإن اليد ظاهرة في الملك ولكل واحد منهما يد، فسوَّى* الشافعي بينهما (9) ورجَّحنا نحن بالعادة (10) . ونحو   (1) المراد بهما: الأصلان العقليان، وانظر مسألة تعارض الأصلين في: الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 36، المنثور في القواعد للزركشي 1 / 330، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 149، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للإمام المنجور ص 578، رفع النقاب القسم 2 / 1256. (2) أي: في ثيابه، ولا يُدرى أحيٌّ هو أم ميت؟ (3) في ق: ((أولياء المقتول)) . (4) في ق: ((في حياته)) . (5) انظر مذاهب العلماء في قدِّ الملفوف في: المجموع 21/ 4، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 460، الذخيرة 10 / 278، المبدع لابن مفلح 7 / 222، القواعد للحصني 1 / 278. (6) ساقطة من ن، ق، متن هـ. (7) انظر مذاهب العلماء في زكاة الفطر عن العبد الغائب في: المجموع 6 / 70، المغني 4 / 304، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 153، بدائع الصنائع 2 / 537، مواهب الجليل 3 / 264. (8) المراد بهما: الغالبان العرفيان. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 1257. (9) أي: أن كلَّ ما في البيت من الأمتعة يُقْسم بين الزوجين نصفين - بعد أن يتحالفا - ولا بينة لأحدهما؛ لأن الاشتراك في اليد يمنع من الترجيح بالعُرْف. انظر: الأم 5 / 95، التهذيب في فقه الإمام الشافعي للبغوي 8 / 349، قواعد الأحكام ص 460، الأشباه والنظائر لابن السبكي 1 / 38. (10) أي المالكية عملوا بظاهر العُرْف والعادة، فما يُعرف للنساء ويستعملنه كالحُليّ والمغازل يقضى به للزوجة، وما يعتاد للرجال ويصلح لهم كالسلاح والعمائم يقضى به للزوج. وهذا القدر قال به الحنفية والحنابلة، إلا أن الحنفية استدركوا فيما إذا كان كلٌّ منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر؛ فالقول له لتعارض الظاهرين. أما حكم ما يصلح لهما وجرى العُرْف باستعمال كلٍّ منهما له كالأواني والبُسُط ونحوهما فالمالكية والحنفية يقضون بأنه للزوج؛ لأن الشأن أن ما في البيوت للرجال وتحت أيديهم، بينما الحنابلة يقضون فيما يصلح لهما بالمناصفة. انظر: المدونة 2 / 196، المغني 14 / 333، الفروق 3 / 148، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 109، معونة أولي النّهى لابن النجار الفتوحي 9 / 272، مواهب الجليل 5 / 237، شرح فتح القدير (التكملة) 8 / 245، حاشية قرة عيون الأخيار (تكملة حاشية رد المحتار) 11 / 644. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 شهادة عَدْلين منفردين (1) برؤية الهلال والسماء مصحية، فظاهر العدالة الصدق، وظاهر الصحو اشتراك (2) الناس في الرؤية (3) ، فرجَّح مالك العدالة، ورجح سَحْنون (4) الصحو (5) . تعارض الأصل والظاهر الأصل والظاهر (6) كالمقبرة (7) القديمة الظاهر: نبشها (8) فتحرم الصلاة فيها، والأصل: عدم النجاسة (9) . وكذلك اختلاف الزوجين في النفقة: ظاهر   (1) ساقطة من ق. (2) في ق: ((استواء)) . (3) في ق: ((الرواية)) وهو تحريف.. (4) هو عبد السلام بن سعيد التَّنُوخي - نسبة إلى عدة قبائل اجتمعوا في البحرين وتحالفوا، والتَّنُوخ: الإقامة. وأصلُه شاميّ، لُقّب بسَحْنون باسم طائر حديد؛ لحِدَّته في المسائل، من كبار علماء المالكية، سمع من ابن القاسم وابن وهب وأشهب، ولي قضاء إفريقية، صنَّف كتاباً سمَّاه: المدونة، وعليها يعتمد أهل قيروان. ت 240 هـ. انظر: ترتيب المدارك 2 / 585، الديباج المذهب ص 263، وفيات الأعيان 1 / 291. (5) إذا كانت السماء مصحية فمذهب مالك ثبوت الرؤية بعدْلين، ومذهب سحنون عدم ثبوتها وعليه الحنفية. والحنابلة والصحيح من مذهب الشافعية ثبوتها بالعدل الواحد. انظر: المنتقى للباجي 2 / 36، جامع الأمهات لابن الحاجب ص 170، الذخيرة 2 / 488، مواهب الجليل 3 / 282، المجموع 6 / 292، بدائع الصنائع 2 / 573، المغني 4 / 416. (6) انظر هذه القاعدة في: أصول الكرخي (المطبوع بآخر: تأسيس النظر للدبوسي) ص 161، الأشباه والنظائر لابن الوكيل 2 / 169، القواعد للمقري 1 / 264، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 178، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 162. (7) في ن: ((المقبرة)) . (8) في ق، ن: ((تنجيسها)) وهومتّجه؛ لتلازم التنجيس النبش. لكن المثبت أقوى لموافقتها كتاب: قواعد الأحكام ص 458، وأكثر النسخ عليه، وهو المعبَّر عنه في كتب الفقه. (9) نبش المقابر القديمة له ثلاث حالات، إما أن يُتيقَّن النبش فلا تجوز فيها الصلاة اتفاقاً، وإما أن يُتحقَّق عدم النبش، فالحنفية والحنابلة يمنعون بكل حال الصلاة في المقابر قديمة كانت أم حديثة، منبوشة كانت أم لا، والمالكية والشافعية على جواز الصلاة فيها. والحالة الثالثة: الشك في النبش، فالمالكية رجّحوا الأصل وهو طهارة الأرض، وهو أظهر الوجهين للشافعية، والوجه الآخر عندهم المنع؛ لأن الغالب في القبور القديمة النبش. انظر: الحاوي 2 / 261، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 458، بدائع الصنائع 1 / 540، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 2 / 42، الذخيرة 2 / 96، مواهب الجليل 2 / 63، المغني 2 / 470، الفروع لابن مفلح 1 / 330، 333. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 العادة (1) دفعها، والأصل بقاؤها، فغلَّبنا الأول والشافعي الثاني (2) . ونحو (3) اختلاف الجاني مع المجني عليه في سلامة العضو أو وجوده، الظاهر: سلامة الأعضاء في الناس ووجودها، والأصل: براءة الذمة (4) ، اختلف العلماء في جميع ذلك، واتفقوا على تغليب الأصل على الغالب في الدعاوى، فإن الأصل: براءة الذمة، والغالب: المعاملات ولا سيما إذا كان المدعي من أهل الدين والورع (5) ، واتفقوا على تغليب الغالب على الأصل في البينة، فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة (6) . فائدة (7) : الأصل أن يحكم الشرع (8) بالاستصحاب أو بالظهور إذا انفرد عن المعارض. وقد اسْتُثني من ذلك أمور لا يُحْكم فيها إلا بمزيد ترجيح يُضمُّ إليه: أحدها: ضَمُّ اليمين إلى النُّكُول (9) ، فيجتمع الظاهران (10) . وثانيها: تحليف   (1) في س، ق: ((العدالة)) وهو مما انفردت به، وهو متّجه بمعنى: ظاهر العدالة الصدق. (2) تمسّك الحنفية والشافعية والحنابلة بالأصل، وأخذ المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية بالظاهر؛ لأن الغالب فيمن يُشَاهد وهويُدخل الأطعمة بيته يثير الظن بصدقه. انظر: بدائع الصنائع 5 / 164، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 58، تبصرة الحكام 1 / 266، مواهب الجليل 5 / 579، الحاوي 11 / 446، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 166، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 34 / 77. (3) في ق: ((وهو)) وهو تحريف. (4) انظر: قواعد الأحكام ص 459، مغني المحتاج 5 / 272، كشاف القناع 5 / 658، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 1261. (5) عبارة المصنف في كتابه الفروق (4 / 76) أوضح مما هاهنا، إذ يقول: ((بل اجتمعت الأمة على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب في دعوى الدَّيْن ونحوه، فالقول قول المدّعى عليه، وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى، ومن الغالب عليه ألاَّ يدعي إلا ماله ... )) . وانظر: حكاية الاتفاق في: المنثور في القواعد للزركشي 1 / 315، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 162، تبصرة الحكام 1 / 106. (6) انظر: المراجع السابقة (7) انظرها في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 462 - 463. (8) ساقطة من ق. (9) النكول لغة: النكوص والامتناع. انظر: مادة " نكل " في: لسان العرب. واصطلاحاً: امتناعُ مَنْ وَجَبتْ عليه أو له يمينٌ منها. حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 611. (10) هما: ظاهر اليمين وهو: الصدق، وظاهر النكول وهو: الكذب. ومع ذلك لا يحكم بمجرد نكول المدَّعى عليه، بل لابد من ضميمة أخرى وهي: تحليف المدَّعي. انظر: المدونة 4 / 102. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 المدعَى عليه، فيجتمع استصحاب البراءة مع ظهور اليمين. وثالثها: اشتباه الأواني والأثواب يُجْتهد فيها على الخلاف (1) ، فيجتمع الأصل مع ظهور الاجتهاد (2) ويُكتفى في القِبْلة بمجرد الاجتهاد؛ لتعذر انحصار القبلة في جهةٍ حتى (3) تسْتصحب فيها. أدلة وقوع الأحكام وأما أدلة وقوع الأحكام (4) بعد مشروعيتها فهي: أدلة وقوع أسبابها، وحصول شروطها، وانتفاء موانعها، وهي غيرمحصورة*. وهي إما معلومة بالضرورة كدلالة زيادة الظل (5) على الزوال (6) ، أو كمال العِدَّة على الهلال، وإما مظنونة كالأقارير (7) والبينات والأيمان والنكولات والأيدي على الأملاك (8) ، وشعائر الإسلام عليه (9) [الذي هو شرط في الميراث] (10) ، وشعائر الكفر عليه وهو مانع من الميراث، وهذا باب لا يُعدُّ ولا يحصى.   (1) انظره في: المغني 1 / 82، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 1 / 72، الذخيرة 1 / 178. (2) الأصل هو استصحاب الطهارة، وظهور الاجتهاد هو التحرِّي. (3) ساقطة من ن. (4) هذا القسم الثاني من أقسام أدلة الأحكام، ابتدأ القسم الأول - وهو أدلة مشروعية الأحكام - ص 491. وللمصنف تفريق لطيف وواضح بينهما ذكره في: الفروق 1 / 128، وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 451 وما بعدها، ومنهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 223. (5) في ق: ((الظن)) وهو تحريف. (6) والزوال سبب لوجوب الظهر، وهذا والذي بعده مثال على دليل وقوع الأسباب. (7) في ق: ((الأقارين)) ، وفي ن: ((الأقادير)) وكلاهما تحريف. والأقارير جمع " إقرار " على صيغة منتهى الجموع " أفاعيل " كإعصار، وتجمع أيضاً على إقرارات. (8) أي: إن هذه الأشياء (الإقرار، البينة، النكول ... ) دليل على الملك، الذي هو شرط في التصرف، الذي هو الحكم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1268. (9) معناه: أن شعائر الإسلام كالصلاة مثلاً دليلٌ على الإسلام، والإسلام شرطٌ في الميراث. (10) ما بين المعقوفين ساقط من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 الفصل الثاني في تصرفات المكلفين في الأعيان (1) ص: وهي: إما نقل، أو إسقاط، أو قبض، أو إقباض، أو التزام، أو خلط، أو إنشاء ملك، أو اختصاص، أو إذن، أو إتلاف، أو تأديب و (2) زجر. النقل النقل (3) ينقسم إلى: ما هو بعوض في الأعيان كالبيع والقرض (4) ، أو في المنافع كالإجارة، ويندرج فيها المساقاة والقراض والمزارعة (5) والجعالة، وإلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والعُمْرَى (6) (7) والهبات والصدقات والكفارات والزكوات والغنيمة (8) ، والمسروق من أموال الكفار (9) .   (1) وكذلك المنافع. وجملة مباحث هذا الفصل مستمدة من كتاب شيخ المصنف العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 501 - 509. (2) في ق، س: ((أو)) . ولكن المصنف جعل التأديب والزجر شيئاً واحداً، انظر: ص 538. (3) النَّقْل لغة: تحويل الشيء من مَوْضع إلى مَوْضع. لسان العرب مادة " نقل ". واصطلاحاً: تحويل المِلْك أو الحق من مالكه أو مستحِقِّه إلى غيره. وهو تصرُّف يفتقر إلى القبول. انظر: تهذيب الفروق والقواعد السنية لابن حسين المكي (بهامش الفروق) 2 / 135. (4) في ن: ((القراض)) وهو تحريف، والقراض يندرج في النقل بعوض في المنافع. والقَرْض: إعطاءُ متموَّلٍ في عِوَض متماثِلٍ في الذمَّة لنفع المُعْطَى فقط. أقرب المسالك للدردير 3 / 291. (5) المزَارعة لغة: مفاعلة من الزَّرع، وهو حَرْث الأرض للزِّراعة. انظر: المصباح المنير مادة " زرع ". واصطلاحاً: شِرْكةٌ في الحَرْث. حدود ابن عرفة بشرح الرصَّاع 2 / 513. (6) العُمْرَى لغة: ما تجعله للرجل طول عُمرك أو عمره، وقد عَمرْتُه الدار وأَعْمَرْتُه، والمصدر: العُمْرى كالرُّجْعَى. انظر: لسان العرب مادة " عمر " واصطلاحاً: تمليك منفعةٍ حياةَ المُعْطَى بغير عِوَضٍ إنشاءً. حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 550. (7) هنا زيادة: ((الرُّقْبَى)) في س، وقد خلت منها جميع النسخ. انظر تعريفها في: شرح حدود ابن عرفة 2 / 551. (8) تحرفت في ق إلى: ((القسمة)) وهي من انفراداتها، والقسمة ليس فيها نَقْلٌ أصلاً. (9) المقصود منه ما سرقه المسلمون من أموال الكفار الحَرْبيين. انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 503. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 الإسقاط الإسقاط (1) إما بعوض كالخُلْع، والعفو على مال، والكتابة، وبيع العبد من نفسه، والصلح على الدين، والتعزير (2) ، فجميع هذه (3) (4) تُسْقِط (5) الثابتَ ولا تنقله (6) للباذل، أو بغير عوض كالإبراء (7) من الديون (8) ، والقصاص أو التعزير أو حدِّ القذف والطلاق والعتاق (9) وإيقاف المساجد (10) ، فجميع هذه تُسْقِط (11) الثابت ولا تنقله. الشرح مع العوض يقع النقل من (12) أحد الجانبين في العوض، والإسقاط من الجانب الآخر، وقد يُقابَل الإسقاطُ بالإسقاطِ عند تساوي الديون في باب المقاصَّة (13) ولا نقل فيها، فإن ما كان لأحدهما من المطالبة لا ينتقل للآخر فيصير يطالب نفسه، كما   (1) الإسقاط لغة: الإلقاء والرمي. انظر مادة " سقط " في لسان العرب. واصطلاحاً: إزالة المِلْك أو الحق لا إلى مالكٍ أو مُستحِقٍّ. انظر: الموسوعة الفقهية (الكويتية) 1 / 143. وهو تصرُّف لا يفتقر إلى القبول. انظر: تهذيب الفروق (بهامش الفروق) 2 / 135. (2) أي: الصلح على التعزير بأن يُسْقط المجني عليه العقوبة عن الجاني ببذل مالٍ. (3) ساقطة من ق. (4) هنا زيادة: ((الصور)) في س. (5) في س: ((يسقط فيها)) . (6) في ق: ((مقلد)) وهي محرَّفة. (7) في ق، ن: ((كالبراءة)) . (8) ذكر المصنف في كتابه: الفروق (2 / 110) خلافاً في الإبراء من الدَّيْن، هل هو إِسْقاط فلا يفتقر إلى القبول كالطلاق والعتاق ينفذان ولو كرهت المرأة والعبد أم هو نَقْل وأنه تمليك لما في ذمّة المدين فيفتقر إلى القبول كالهدية ونحوها لابد فيها من الرضا. وقال بأن ظاهر المذهب اشتراط القبول، وعلَّله: بأن المِنَّة قد تعظم في الإبراء، وذوو المروءات والأَنَفَات يضرُّ ذلك بهم ولاسيما من السَّفَلة، فجعل صاحب الشرع لهم قبولَ ذلك أو ردَّه. (9) في ق: ((العتق)) . (10) نقل المصنف خلافاً في الوقف: هل هو إسقاط أم نقل، وهل ذلك في منافعه أم في العين الموقوفة، وما حكمه في الوقف إلى مُعيَّن وإلى لا مُعيَّن؟ انظر: الفروق 2 / 111. (11) في س، ق: ((يسقط)) ويكون مرجع الضمير إلى " جميع ". (12) في ن: ((في)) . (13) في ن: ((المقاصَّات)) . والمقاصَّة لغة مصدر: قاصَّ إذا كان لك دَيْنٌ على أحدٍ مِثْل مالَهُ عليك، فجعلت الدَّيْن في مقابلة الدَّين. المصباح المنير مادة " قصص ". واصطلاحاً: مُتَاركة مَدِيْنَين بمُتماثِلَيْن عليهما. أقرب المسالك مع الشرح الصغير 3 / 297. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 حصل النقل في العوض الذي كان للباذل فيه من التصرف صار لمن بُذِل له، وبهذا (1) يمتاز لك النقل من الإسقاط، ولهذا قلنا الطلاق والعتاق إسقاط؛ لأن المرأة لم تنتقل (2) إليها إباحة وطء نفسها، ولا للعبد إباحة بيع نفسه، بل سقط ما كان على المرأة من العصمة، وما كان على العبد من الملك ولم يصر يملك نفسه، فالمُقاصَّة* سقوطٌ قُبَالة سقوط، كما أن البيع نَقْل قُبَالة نَقْل، أو يقال المقاصَّة: مقابلة إسقاط بإسقاط (3) . القبض ص: القبض (4) وهو إما بإذن الشرع وحده كاللقطة (5) ، والثوب إذا ألقته الريح في (6) دار إنسان، ومال اللقيط (7) ، وقبض المغصوب من الغاصب، وأموال الغائبين، وأموال بيت المال، والمحجور عليهم، والزكوات، [وإما] بإذن غير   (1) في ن: ((ولهذا)) والمثبت أدلُّ على المراد. (2) في س، ق: ((ينتقل)) وهو جائز. انظر: هامش (11) ص (27) . (3) هذه محاولة سديدة من المصنف رحمه الله للتفريق بين النَّقل والإسقاط، استلهمها من كتاب شيخه العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 504. وانظر: الفروق 2 / 110، ترتيب الفروق واختصارها للبقُّوري 2 / 108، وللشوشاوي تفريق واضح ولطيف وتقسيمات بديعة بيَّن فيها علاقة النقل بالإسقاط. فانظره في: رفع النقاب القسم 2 / 1272. (4) القَبْض لغة: الأخذ والتناول، وهو تحويلُك المتاعَ إلى حيِّزك. انظر مادة " قبض " في: لسان العرب. واصطلاحاً: قال ابن جزي: القبض هو الحَوْز. القوانين الفقهية ص 334. ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: حيازة الشيء والتمكُّن منه حقيقة كالأخذ باليد أو حكماً كالتخْلية. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، الجزء الأول ص 495، 711. (5) اللُّقطة لغة مشتقة من اللَّقْط وهو أخذ الشيء من الأرض. انظر: مادة " لقط " في لسان العرب. واصطلاحاً: هو مالٌ وُجد بغير حِرْزٍ محترماً ليس حيواناً ناطقاً ولا نَعَمَاً. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصّاع 2 / 562. (6) في ق، ن، ومتن هـ: ((من)) والمثبت أولى؛ لأن الغرض هو قبض الثوب الذي ألقته الريح في داره من غير اعتبار لمصدره. (7) اللقيط لغة: فعيل بمعنى مفعول، من اللِّقط، وهو الأخذ. انظر مادة " لقط " في: المصباح المنير. واصطلاحاً: هو صغيرٌ آدميٌّ لم يُعْلم أبواهُ ولا رقُّهُ. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصَّاع 2 / 565. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 الشرع كقبض المبيع (1) بإذن البائع والمُسْتَام (2) والمبيع الفاسد والرهون والهبات والصدقات والعواري والودائع، أو بغير إذن من الشرع ولا من غيره كالغَصْب. الشرح يَقْبِض المغصوبَ من الغاصب ولاة (3) الأمور إجماعاً، وفي قبض آحاد الناس خلاف بين العلماء (4) ، ويُلْحق بالغائبين المحبوسون (5) الذين لا يلحقون بأموالهم ولا يقدرون على حفظها فتحفظ لهم، وكذلك المُوْدِع إذا مات وترك الوديعة وورثته غائبون ومات الذي هي (6) عنده (7) ، فإن كان حياً (8) فيحتمل (9) أن يقال: الإمام أولى من الذي هي تحت يده؛ لأن إذن الأول انقطع بموته، وهو لم يُوْصِ (10) للثاني، وهذا هو ظاهر الفقه. ويحتمل أن (11) يستصحب (12) حفظه لها حتى يوصلها إلى مستحقها. وقبض المُضْطر لما يَدْفع به ضرورته هو بإذن الشرع، وكذلك قبض الإنسان إذا ظَفِر بجنس حقه أو بغير جنسه على الخلاف في ذلك (13) والمذهب منعه (14) . والقبض بغير إذن من الشرع قد   (1) جاءت هذه الجملة السابقة في س: ((أو بغير إذن الشرع كالمبيع)) . (2) في ن: ((المُسْتَأْجَر)) وهو من انفراداتها. ووجهها: أن القبض يقع على العَيْن المستأجرة للانتفاع بها. وأما المثبت فالمراد به: السِّلعة المتساوَم عليها. وعبارة " قواعد الأحكام " - كما في ص (505) : ((وقبض المتساوم عليه)) - أوضح مما هاهنا. (3) في ن: ((أولات)) وهو خطأ؛ لأنه جَمْع للإناث، واحدتها ذات. انظر: مختار الصحاح مادة " أول ". (4) انظر: قواعد الأحكام ص 504، إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة لسيد صديق ص 165 - 166. (5) في ن، س: ((المحبوسين)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها ليست مرفوعة، ونائب الفاعل حكمه الرفع. (6) في ق: ((هو)) . (7) أي كذلك يكون الحكم في حفظ الوديعة إذا مات المودِع والمودَع، فإنَّ حِفْظها يؤول إلى الإمام. (8) أي: المودَع. (9) في ن، س: ((احتمل)) . (10) في ن: ((يرض)) ، وفي س: ((يعوض)) وهو تحريف. (11) اقحمت هنا: ((لا)) في ق، وهو خطأ؛ لانقلاب المعنى. (12) في ق: ((تستصحب)) وهو خطأ. انظر: هامش (7) ص 112. (13) هذه تُعرف بـ" مسألة الظَّفَر " والحكم فيها يختلف باختلاف الحقوق. انظر: المغني 14 / 339، المحلى 8 / 180، الوسيط في المذهب للغزالي 7 / 400، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 4 / 171، إغاثة اللهفان 2 / 98، سبل السلام 3 / 141. (14) نقل المصنف عن المالكية - في هذه المسألة - خمسة أقوال، ورجَّح جواز الأخذ انظر: الذخيرة 8/213، 9 / 159، 6 / 157..وفي كتابه: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام.. . ص (112) نقل بأن مشهور المذهب عدم جواز الأخذ، وكذا في الفروق 1 / 208. ولكنه استدرك عليه ابن حسين المكي في: تهذيب الفروق (بهامش الفروق 1 / 207) وأبان أن المعتمد عند المالكية جواز الأخذ. وانظر: شرح الخرشي لمختصر خليل 7 / 235، التاج والإكليل للموّاق (بهامش: مواهب الجليل) 7/292. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 يكون مع العلم كالغصب فيأثم أو بغير علم فيعتقد أنه ماله، فلا يقال: إن الشرع أذن له في قبضه، بل عفا عنه بإسقاط الإثم، كما إذا وطيء أجنبية يظنها امرأته لا يقال: إن الشارع أذن له بل عفا عنه، ولا حُكْم (1) لله تعالى في فعل المخطيء والناسي، ولا وَطْءِ الشبهات، بل العفو فقط [وكذلك قتل الخطأ] (2) ، بل هذه الأفعال في حق هؤلاء كأفعال البهائم ليس فيها إذن ولا منع (3) . الإقباض ص: الإقباض (4) كالمناولة: في العروض والنقود (5) ، وبالوزن والكيل في (6) الموزونات والمكيلات (7) ، وبالتمكين: في العقار والأشجار، أو بالنية فقط: كقبض الوالد (8) وإقباضه لنفسه من نفسه لولده (9) . الشرح ومن الإقباض أن يكون للمديون (10) حقٌّ في يد رَبِّ الدَّيْن، فيأمره بقبضه من يده لنفسه، فهو إقباض بمجرد الإذن.   (1) في ق: ((فِعْل)) وهو مما شذت به، ولعلَّه سَبق قلم الناسخ، وإلا فإنها غير لائقة بالله تعالى، فالقول بأن أفعال العباد ليست من فعل الله هو قول القدريّة نفاة القدر. انظر: شفاء العليل لابن القيم 1 / 149. (2) في ن: ((وكان مثل الخطأ)) وهو تكرار. (3) انظر: مرتبة العفو بالتفصيل في: الموافقات 1 / 253 - 278. (4) قال الشوشاوي: ((القَبْض والإِقْباض متلازمان، فما كان من جهة الدافع فهو إقباض، وما كان من جهة المدفوع إليه فهو قبض، وإنما جعلهما المؤلف قسمين لما بينهما من العموم والخصوص، فإن القبض قد يوجد من غير إقباض كاللقطة ونحوها، ولا يوجد الإقباض إلا ومعه قبض. فكلّ إقباض معه قبض وليس كلُّ قبض معه إقباض، فالقبض أعم)) رفع النقاب القسم 2 / 1279. (5) ساقطة من ق، س. (6) ساقطة من متن هـ. (7) هنا زيادة: ((والمنقولات)) في ن، س. وموضعها المناسب في قسم المناولة بعد النقود. (8) تحرَّفت في ن إلى: ((الولد)) . (9) فيما وهبه له أو باعه عليه أو تصدق به عليه أو حبسه عليه، فالأب قابضٌ ومُقْبض في آنٍ واحد. (10) في ن: ((للمِديان)) وهي صحيحة، ومعناها: كثير الاستقراض، وكذلك كثير الإقراض، فهي من الأضداد. انظر: القاموس المحيط، مختار الصحاح. كلاهما مادة " دين ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 ويصير قبضه له بالنية كقبض الأب [من نفسه لنفسه] (1) مالَ ولده إذا اشتراه منه. الالتزام الالتزام (2) بغير عوض (3) كالنذور، والضمان بالوجه أو بالمال (4) . الخلط الخلط (5) إما بشائع (6) ، وإما بين الأمثال، وكلاهما شركة (7) . الشرح الشائع (8) : كنصيبٍ من دار يُقَايَضُ (9) به بنصيب آخر، فيصير قد خلط [ملكه بملك] (10) من صارت الشركة معه. والأمثال: كالزيت الذي يخلط بمثله، [أو البُرِّ ونحوه] (11) ، بخلاف خَلْط الغنم ونحوها، فليست شركةً، بل خلط يوجب أحكاماً أخرى* غير الشركة (12) .   (1) في ن: ((لنفسه من نفسه)) . (2) الالتزام لغة: الثبات والدوام. انظر: لسان العرب، مادة " لزم ". واصطلاحاً: هو إلزام الشخص نفسه شيئاً من المعروف مطلقاً أو معلقاً على شيءٍ. فتح العلي المالك للشيخ محمد عليش 1 / 217. (3) سكت المصنف عن الالتزام بعوض، ومثاله: الضمان برهنٍ يكون عنده. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 80. (4) ضمان الوجه أو الذات: هو التزام الإتيان بالغريم عند حلول الأجل. وضمان المال: التزام مكلَّفٍ غير سفيهٍ دَيْناً على غيره. انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3 / 430، 450. (5) الخَلْط لغة: المزج. والمراد بها هنا الشركة؛ ولهذا قال العز بن عبد السلام: ((الخلط والشركة ضربان؛ أحدهما: شركة شياع، والثاني: شركة خلط فيما لا يتميّز من ذوات الأمثال)) قواعد الأحكام ص 506. (6) في ن، ق: ((شائع)) . (7) الشَّركة والشِّرْكة سواءٌ، وهي: مخالطة الشريكين. لسان العرب مادة " شرك ". واصطلاحاً: عَقْد مالِكَيْ مالين فأكثر على التَّجْر فيهما معاً أو على عملٍ بينهما، والربْح بينهما بما يدلُّ عُرفاً. أقرب المسالك مع الشرح الصغير 3 / 455. (8) في ن: ((الشياع)) . (9) قايضه مقايضة: إذا أعطاه سِلعةً وأخذ عِوضها سلعة. لسان العرب مادة " قيض ". والمقايضة اصطلاحاً: بيع عين بعين. طلبة الطلبة ص 296. (10) في ن: ((نصيبه بنصيب)) . (11) ساقطة من ق. (12) كزكاة الخليطين، انظر تعريفها في: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1 / 146. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 إنشاء المِلْك ص: إنشاء (1) الأملاك في غير مملوكٍ: كإرقاق الكفار، وإحياء الموات، والاصطياد، والحيازة (2) في الحشيش ونحوه. الشرح ومن ذلك حيازة المعادن والجواهر من البحار وغيرها. الاختصاص الاختصاص (3) بالمنافع: كالإقطاع (4) ، والسبق إلى المباحات (5) ، ومقاعد الأسواق والمساجد (6) ، ومواضع النسك* كالمطاف والمسعى وعرفة ومزدلفة ومنى ومرمى الجمار والمدارس والرُّبُط (7) والأوقاف. الشرح يلحق بذلك الاختصاص بالخانات (8) المُسَبَّلة في الطرقات، والاختصاص [بالكلاب   (1) الإنشاء لغة: ابتداء الشيء. انظر: لسان العرب، مادة " نشأ ". وهو المراد به هنا، ابتداء المِلْك. (2) الحيازة لغة: الضمُّ والجمع، وكل من ضم شيئاً إلى نفسه من مالٍ وغيره فقد حازه. انظر مادة " حوز " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه. الشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 319. (3) الاختصاص: هو الانفراد بالشيء دون الغير. انظر مادة " خصص " في: لسان العرب. وهو المراد هنا. (4) الإقطاع: إعطاء قطعة أرضٍ للإرفاق، واستقطع الإمامَ إذا سأله إقطاعاً يستبدُّ وينفرد به. انظر مادة " قطع " في: لسان العرب، وهو المراد به هنا، فإذا كانت الأرض أرض عُنْوة فلهم الانتفاع بها من زراعة ونحوها دون تمليك رقبتها، وإن كانت من الفيافي البعيدة أو غير أراضي العنوة فللإمام تمليكهم رقبتها. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1282. (5) كالسَّبْق إلى منافع المواضع المباحة كالحطب والحشيش. (6) الاختصاص بمقاعد المساجد للصلاة والعزلة والاعتكاف ونحو ذلك. انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 507. (7) الرُّبُط: جمع رباط، ويجمع على رِباطات، وهي مُولَّدة، وهي: ما يُبنى للفقراء أو المنقطعين للعبادة أو العلم. انظر مادة " ربط " في: المصباح المنير، تاج العروس. (8) جمع " خان " وهو النُّزُل أو الفندق الذي ينزله المسافرون، وهي معرَّبة. انظر مادة " خون " في: مختار الصحاح، المصباح المنير، المعجم الوسيط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 التي للصيد] (1) ، وجلد الميتة، فإنَّا وإن مَنَعْنا (2) [بيعَ الكلب وجلْد الميتة] (3) فإنا نمنع من (4) أخذهما (5) ممن هما (6) بيده، وكذلك الأرواث وإن منعنا بيعها (7) [فإنا نمنع من] (8) أخذها (9) ممن حازها لبستانه، وإذا (10) قلنا بالاختصاص ببيوت المدارس والخوانق (11) فمعناه أنَّ لهم أن ينتفعوا [لا أنهم] (12) ملكوا تلك المنافع، فلذلك له أن يسكن، وليس له أن يؤجر (13) ولا يُسْكِن غيره ممن لم* يقم (14) بشرط الواقف، فإنَّ بَذْل المنفعة للغير بعوض أو بغير عوض فرع (15) ملكها، وهو (16) ليس بحاصل، بل له أن ينتفع بنفسه (17) إذا قام بشرطها فقط دون أن ينقل المنفعة لغيره.   (1) في ق: ((بكلاب الصيد)) . (2) في ق: ((معنا)) وهو تحريف. (3) ما بين المعقوفين في ق: ((بيعها)) . (4) ساقطة من ن، ق. (5) في س، ن: ((أخذه)) . (6) في س، ن: ((هو)) . (7) ساقطة من ق. (8) في ق: ((منعنا)) . (9) في ق: ((أحدهما)) وهو تحريف. (10) في س: ((إن)) وهو مقبولٌ أيضاً. انظر: هامش (7) ص 16. (11) في ق: ((الخوانك)) ولعلَّها لهجة. والخوانق جَمْع إمَّا لخانق وهو الشِّعْب الضيِّق بين جبلين ويُسمَّى بالزُّقاق على لغة اليمن. وإما لخَانِقَاه، وهو الأقرب، وهي بقعة يسكنها أهل الصلاة والخير والصوفية وجعلت علماً لهم، وهي فارسية معرَّبة. انظر مادة " خنق " في: تاج العروس، المعجم الوسيط. وانظر: منادمة الأطلال لابن بدران ص 272. (12) في س، ن: ((لأنهم)) وهي محرَّفة. (13) في ن: ((يؤاجر)) وهي صحيحة، تقول: آجرته الدار: أكريتُها. لسان العرب، مادة " أجر ". (14) ساقطة من س. (15) ساقطة من س. (16) في ق: ((وهي)) وهي خطأ؛ لأن " مِلْك " مذكر، فالضمير العائد عليه لابد أن يكون للمذكر. (17) في ن، س: ((لنفسه)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 الإذن ص: الإذن (1) إما في الأعيان: كالضيافات و (2) المنائح، أو في المنافع: كالعواري والاصطناع بالحَلْق (3) والحِجَامة (4) ، أو في التصرف: كالتوكيل والإبضاع (5) والإيصاء (6) . الشرح الصحيح أن عرض الطعام وتقديمه للضيف إذن له في تناوله، واشترط بعضهم الإذن بالقول (7) - وهو بعيد - قياساً على البيع (8) ، وله أن يأكل بنفسه، وليس له أن يبيع ولا يحوله لغيره، ولا يأكل فوق حاجته؛ لأن العادة إنما دلت على تناوله بنفسه خاصةً (9) مقدار حاجته، فلا يتعدَّى موجب الإذن؛ لأن الأصل استصحاب الملك السابق بحسب الإمكان. ونُقِل عن الشافعية خلاف في الزمن الذي يحصل به الملك   (1) الإذن لغة: الإباحة والإطلاق. انظر مادة " أذن " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: إباحة التصرف للشّخص فيما كان ممنوعاً منه شرعاً لحقِّ غيره. انظر: معجم لغة الفقهاء ص 52، أحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي للشيخ محمد عبد الرحيم 1 / 37. (2) هنا زيادة: ((في)) في ق. (3) في ق: ((في الحلق)) . (4) أي يقع الإذن للصانع (الأجير) في أن يحلق شعر أحدٍ، أو أن يحجمه. (5) ساقطة من س، ومتن هـ. والإبْضَاع: إعطاء البِضَاعة. انظر مادة " بضع " في: لسان العرب. واصطلاحاً: هو بَعْث المال مع من يتَّجربه تبرعاً، والرِّبح كله لربِّ المال. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 215، الموسوعة الفقهية الكويتية 1 / 172. (6) ساقطة من ق. (7) ساقطة من ق، وفي ن: ((بالقبول)) . (8) يرى جماهير الفقهاء أن تقديم الطعام للضيف يقوم مقام الإذن، فلا يشترط الإذن لفظاً، ونقل ابن قدامة عدم الخلاف فيه بحسب علمه، لكن الغزالي ذكر قولاً باشتراط الإذن لفظاً، وضعَّفه النووي وقال بأنه شاذ. انظر: الوسيط في المذهب للغزالي 5 / 279، المغني 8 / 246، روضة الطالبين للنووي 7 / 338، مواهب الجليل 5 / 246 - 247. (9) ساقطة من ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 للضيف: هل هو (1) بالتقديم أو بالازدراد (2) ؟. ولا معنى للقول بالازدراد؛ لأن الملك هو إذن الشارع في التصرف وبعد (3) الازدراد انقطع ذلك، بل مقتضى الفقه أن يقال: لا ملك هنا ألبتة بل إذنٌ في أن يتناول بأكله مقدارَ حاجته. ويلحق بذلك ما دلَّت العادة على الإذن فيه من إطعام الهِرِّ ونحو ذلك، فالعادة كالقول في الإذن، فكلُّ ما دلَّتْ العادة عليه فهو كالمصرَّح به في هذا وفي غيره، وكذلك [إنَّ كُتُب الرسائل التي تسير للناس، تلك الأوراق] (4) كانت على مِلْك مُرْسِلها، وذكر الغزالي (5) أنها بعد الإرسال يحتمل أن يكون انتقلت إلى مِلْك المُرْسَل إليه، ويحتمل أن يقال: إنه لم يحصل فيها إلا إسقاط الملك السابق فقط، وبقيت بعد تحصيل المقصود منها مباحةً للناس أجمعين ما لم يكن فيها سِرٌّ وما (6) يحافظ عليه، فإن كان ذلك فقد تدل العادة على ردِّه لمرسله بعد الوقوف عليه، وقد تدل على تحفظ الثاني به من غير رد، وقد تدل العادة (7) على تمليك الثاني لتلك الرقعة كالتواقيع (8) التي   (1) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين ز، م. (2) الازدراد: الابتلاع، يقال: زَرِد الشيءَ واللقمة زَرَداً، وزَرَده وازْدَرَده زَرْداً: ابتلعه. انظر مادة " زرد " في: لسان العرب. أمَّا مسألة مِلْك الضيف للطعام ووقته، فقد حكى النووي عن الشافعية قولين، الأول: أنه لا يملكه، بل هو إتلاف بإذن المالك. والثاني: القول بالملك، ثم بِمَ يكون المِلْك؟ نقل فيه أربعة أوجه، أولها: بالوضع بين يديه، وثانيها: بالأخذ، وثالثها: بوضعه في الفم، ورابعها: بالازدراد يتبين حصول الملك قُبيله. ثم قال النووي: وضعَّف المتولِّي ما سوى الوجه الأخير. انظر: روضة الطالبين 7 / 338 - 339. (3) في س: ((وهو)) وهي تحريف. (4) ما بين المعقوفين اختصر في ق إلى: ((أوراق الرسائل)) . (5) لم أعثر على نصِّ الغزالي بعد بحث طويل. ولكن الكلام المتعلِّق بحكم الرسائل موجود في: العزيز شرح الوجيز للرافعي 6 / 335، روضة الطالبين 5 / 368، مغني المحتاج 3 / 574، المجموع (التكملة) 16 / 361. (6) أقحمت هنا: ((لا)) في ق وهي خطأ، لانقلاب المعنى بها. (7) ساقطة من ق. (8) في ن: ((التراقيع)) وهي مما انفردت به. فإن كان المراد بها جمع " الرُّقْعة " فإني لم أجده. والذي وجدته: " رُقَع " و" رِقَاع ". انظر مادة " رقع " في: لسان العرب القاموس المحيط، مختار الصحاح، تاج العروس وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 يكتبها الخلفاء والملوك لتشريف المكتوب إليه، فإنها تبقى عند (1) الأعقاب تذكيراً (2) بذلك الشرف وعظم المنزلة، فكل ما دلت عليه العادة (3) من ذلك اتُّبع وكان كالمنطوق، والمنائح (4) : الشاة (5) تعطى لمن يأكل لبنها مع بقائها على ملك رَبِّها، والإِفْقار (6) : الإذن في ركوب البعير، والإسكان: الإذن في سكنى الدار، والعُمْرى (7) : إسكانه عمره، والعَريَّة (8) : هبة ثمر النخل. الإتلاف ص: الإتلاف (9) : إما للإصلاح (10) في الأجساد والأرواح كالأطعمة والأدوية والذبائح وقطع الأعضاء المتآكلة، أو للدفع كقتل الصُّوَّال (11) والمؤذي من الحيوان،   (1) في ق: ((بعد)) وهو تحريف. (2) في ن: ((تذكير)) وهي خطأ نحوي، لأنها غير منتصبة، والمفعول لأجله حكمه النَّصب. (3) ساقطة من ق. (4) جمع منيحة، ويُقال: مِنْحة، وكلّ عطيّة منيحة، والعرب تضع أربعة أسماء مواضع العارية، وهي: المَنِيحة، والعَرِيَّة، والإفْقار، والإِجْنال. انظر: مادة " منح " في: لسان العرب. (5) في ن: ((كالشاة)) . (6) الإفقار: إعارة الدابَّة ليركبها، مأخوذ من ركوب فِقار الظهر. ويقال: الفُقْرى كالعُمْرى. انظر مادة " فقر " في: لسان العرب. (7) سبق التعريف بها. (8) العَرِيَّة: النخلة المُعْراة، وأَعْراه النخلة: وهب له ثمرة عامها. وليس في هذا بيع، وإنما فضل ومعروف، ثم أُرْخص للمُعْري في بيع ثمر نخلةٍ في رأسها بخرْصها من التمر. وسُميت عريةً لعروُّها من جملة التحريم. انظر مادة " عرا " في: لسان العرب. وانظر تعريفها في الاصطلاح في: المنتقى للباجي 4 / 226، شرح حدود ابن عرفة 2 / 389. (9) الإتلاف لغة: الإفناء، مصدر أَتْلف، والتَّلف: الهلاك والعطب. انظر مادة " تلف " في: لسان العرب. واصطلاحاً: إخراج الشيء من أن يكون منتفعاً به منفعة مطلوبةً منه عادة. انظر: بدائع الصنائع 10 / 70. (10) في متن هـ: ((في الاصطلاح)) ، والمثبت أنسب من جهة تركيب العبارة. (11) الصُّوَّال: جمع صائل كالصُّوَّام، والصائل: هو القاصد للوثوب على الشخص. وصال عليه: وثب عليه صَوْلاً وصيالاً وصيالةً ومصاولة. انظر مادة " صول " في: لسان العرب، وانظر: الفروق 4 / 183. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 أو لتعظيم الله تعالى كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم (1) وإفساد الصُّلْبان، أو لتعظيم الكلمة كقتل البغاة، أو للزجر كرجم (2) الزناة وقتل الجناة. الشرح البغاة: هم الذين يقاتلون بالتأويل من أهل الإسلام (3) ، سُمُّوا بغاةً: إما لبغيهم، أو لأنهم يبغون الحق على زعمهم، وكان قتالهم للكلمة (4) ؛ لأنهم فَرَّقُوها بخروجهم عن الطاعة. ومن ذلك - أعني القتال للإتلاف - قتال الظلمة؛ لدفع ظلمهم، [وحسم] (5) مادة فسادهم، وتخريب ديارهم، وقطع أشجارهم، وقتل دوابهم، إذا لم يمكن* (6) دفعهم إلا بذلك. [ومن ذلك] (7) قتل من كان دَأْبه أذية المسلمين طَبْعاً له، وذلك متكرر منه لا لعذر، وعَظُم ضرره وفساده في الأرض، ولم يمكن (8) دفعه إلا بقتله قُتِلَ بأيسر الطرق المزهقة لروحه. وكذلك من طلَّق امرأته ثلاثاً وكان يهجم على الزنا [بها، فإنَّ لها] (9) مدافعته بكل طريق، [ولو لم] (10) تقدر إلا بقتله قتلته بأيسر الطرق في ذلك. وكذلك إتلاف ما يُعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي.   (1) لا أعلم كيف يُمحى الكفر من القلب؟! ولو قال: لمحو الكفر من الأرض لكان مقبولاً. وعبارة " قواعد الأحكام " ص (508) هي: ((قتل الكفار دفعاً لمفسدة الكفر في قتال الطلب، ودفْعاً لمفسدتي الكفر والإضرار بالمسلمين في قتال الدَّفْع)) . ولكن ما سطَّره المصنف هنا لعلَّه يتمشَّى مع مذهبه في وجوب إجبار الكفار على الإسلام. انظر هامش (5) ص (471) . وانظر: الذخيرة 3 / 387. (2) في ق: ((كقتال)) والمثبت أصح؛ لأن الزناة يرجمون. (3) انظر: الذخيرة 12 / 5، الفروق 4 / 171. (4) في ق: ((لعظيم)) . (5) ساقطة من ق. (6) في ق: ((يكن)) . (7) في س: ((كذلك)) . (8) في ق: ((يكن)) . (9) في ق: ((فلها)) . (10) في ق: ((لم)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 فائدة : سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن قتل الهِرِّ المؤذي: هل يجوز أم لا؟. فكتب رحمة الله عليه وأنا حاضر: إذا خرجتْ أذيَّته عن عادة القطط، وتكرر ذلك منه قتل، فاحترز بالقيد الأول عما هو في طبع الهر من أكل اللحم إذا تُرك سائباً أو عليه شيء يمكن رفعه للهر، فإذا رفعه وأكله لا (1) يقتل ولو تكرر ذلك منه؛ لأنه طبعه، واحترز بالقيد الثاني من (2) أن يكون ذلك منه على وجه الفَلْتة (3) ، فإن ذلك لا يوجب قتله، بل القتل إنما يكون في الميئوس من صلاحه واستصلاحه من الآدميين والبهائم (4) . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا أذتْ الهرة وقُصِد قتلها، فلا تعذَّب ولا تُخْنق، بل تذبح بموسى حادَّة (5) ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة)) (6) . ومن هذا الباب مسألة السفن وما يُطْرح منها خوف الغرق على المال أو النفس، فإنه إتلاف لصون النفس والمال (7) . مسألة: الحيوان الذي لا يؤكل إذا وصل في المرض لحدٍّ لا يُرجى، هل يُذبح تسهيلاً عليه وإراحة له من ألم الوجع؟. الذي رأيته المنع (8) (9) إلا أن يكون مما يُذكَّى   (1) في ق: ((لم)) . (2) في ق: ((عن)) . (3) الفَلْتَة هي: البَغْتة، والخَلْسة، والفَجْأة. انظر مادة " فلت " في: لسان العرب. (4) لم أعثر على هذه المسألة فيما وقفت عليه من كتب العز بن عبد السلام، ولا في كتب الشافعية، ولكنها موجودة في: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب 4 / 357، وانظر: المحلى 7 / 239. (5) انظر النسبة إلى أبي حنيفة في: مواهب الجليل 4 / 358. ولم أهتدِ إلى توثيقها من كتب الحنفية، وإن كانت المسألة موجودة من غير عزوٍ في: البحر الرائق لابن نجيم 8 / 232، 554. (6) رواه مسلم (1955) عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه بلفظ: (( ... فأحسنوا الذَّبْح)) . ورواه الترمذي (1409) بنفس لفظ المصنف. (7) قرَّر المصنّف مسألة الطَّرح من السفن أحسن تقرير في كتابه: الفروق (4 / 8 - 10) . وانظر: ترتيب الفروق واختصارها للبقوري 2 / 177. (8) في ن: ((لا يذكَّى)) . (9) ما رآه المصنف هو المنع. لكن ما رآه الحَطَّاب هو الإجهاز عليه لإراحته. انظر: مواهب الجليل 4/358. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 لأخذ جلده كالسباع. وأجمع الناس على منع ذلك في [حق الآدمي] (1) وإن اشتدت* آلامه (2) ، واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن (3) الإهانة بالذبح، فلا يتعدى ذلك إلى غيره (4) . التأديب والزجر ص: التأديب والزجر: إما مقدَّر كالحدود، أو غير مقدَّر كالتعزير، وهو مع الإثم في المكلفين، أو بدونه في الصبيان والمجانين والدواب (5) . خاتمة متن الكتاب فهذه أبواب مختلفة الحقائق والأحكام، فينبغي للفقيه الإحاطة بها (6) ؛ لتنشأ له الفروق والمدارك في الفروع (7) . الشرح يلحق بالتأديب تأديب (8) الآباء والأمهات للبنين والبنات، والسادات للعبيد والإماء، بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراط، وكذلك   (1) في ق: ((الآدميين)) . (2) في س: ((الأمر)) وهو تحريف. (3) في ق: ((على)) ولست أعلم لها وجهاً هنا. (4) ذكر ابن حزم الاتفاق على حرمة قتل الإنسان نفسه أو أن يقطع عضواً منه أو أن يؤلم نفسه إلا للتداوي خاصةً. انظر: مراتب الإجماع ص 252. (5) أي: إن المكلفين يأثمون على المعصية مع زجرهم وتأديبهم عليها. بينما الصبيان والمجانين والدواب لا يأثمون على فعل المعصية، بل ما فعلوه من المنكر لا يسمَّى في حقّهم معصية لعدم التكليف، ولكن يزجرون ويؤدبون لا للإثم، وإنما استصلاحاً لحالهم، ودَرْءاً للمفسدة، فالمنكر يجب تغييره، ولهذا يُمنعون من شرب الخمر والزنا ونحو ذلك. انظر: قواعد الأحكام ص 509، الفروق 1 / 213، 4 / 180. لكن من العلماء من منع تأديب وضرب المجانين والصغار الذين لا يعقلون. انظر: بدائع الصنائع 9 / 270، الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح 1 / 477. (6) في ن: ((لها)) وهو تحريف. (7) اتفقت نسخ الشرح على هذه النهاية من كلام المصنف في متنه. ولكن اختلفت نسخ المتن في خواتيم النهاية. والذي جاء في نسخة متن (هـ) - التي تمَّت المقابلة بها - ما يلي: ((وهذا آخره، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. آمين. (8) ساقطة من ن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلك، وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول [لم يجز] (1) العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك، فالزيادة مَفْسدة بغير مصلحة فتحرم (2) ، حتى قال " إمام الحرمين ": إذا كانت (3) العقوبة المناسبة لتلك (4) الجناية (5) لا تؤثر في استصلاحه عن تلك المفسدة، فلا يَحلُّ أن يُزجر أصلاً، أما بالمرتبة (6) المناسبة فلعدم الفائدة، وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له، فيحرم الجميع حتى يتأتَّى استصلاحه بما يجوز أن يُرَتَّب (7) على تلك الجناية (8) .   (1) في س، ن: ((لا يجوز)) . (2) في ن، ق: ((فيحرم)) وهو غير سديد إلا على تقدير عود الضمير الغائب إلى: التأديب، والأَوْلى خلافه. انظر: هامش (6) ص 109. (3) في س: ((كثرت)) وهي غير مستقيمة مع السياق. (4) في ق: ((لملك)) وهي محرَّفة. (5) في س: ((المصلحة)) . (6) في س: ((بالتربية)) ، وفي ن، ق: ((والريبة)) وهي تحريف. والمثبت من م، ز. (7) في ق: ((تياب)) وهو تحريف. (8) لم أجد هذا النص بحروفه، ولكن المصنف استوحاه من كلام الجويني في: ((الغياثي)) ص 229. كما أن المصنف أورد كلام الجويني بعبارات مقاربة له في كتابه " الفروق " 4 / 181، وانظر: روضة الطالبين للنووي 10 / 175، قواعد الأحكام ص 509، ويلاحظ هنا أن القول بعدم فائدة العقوبة المناسبة لأنها لا تستصلحه ولا تزجره غير مُسلَّم، فقد تكون الفائدة زجر غيره عن الوقوع في مثل ما وقع فيه الجاني. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1296. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 خاتمة شرح الكتاب فهذه فوائد جليلة، وقواعد جميلة، نفع الله به واضعها وكاتبها وسامعها وقارئها (1) ، وختم لنا بخير أجمعين [في القول والعمل بمنه وكرمه] (2) . وهو حسبنا ونعم الوكيل (3) .   (1) ساقطة من س، ق. (2) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((وهو المعين على الخير كله)) . (3) إلى هنا اتفقت نسخ الشرح على هذه النهاية. ثم اختلفت فيما بعد ذلك. - فالنسخة (س) ختمت بما يلي: ((وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً. تمَّ شرح الكتاب، نفع الله به المسلمين، إنه على كل شيء قدير)) . - وختام النسخة (ق) هو: ((هذا آخر شرح الكتاب، الذي هو: تنقيح الفصول في علم الأصول كتبه بيده الفانية أحمد بن حسن بن عثمان الدميري غفر الله له ولوالديه، ولمن قرأ فيه. وكان الفراغ من كتابته يوم الإثنين سابع عشر شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وستين وثمانمائة. أحسن الله عاقبتها. والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد)) . - وأما خاتمة النسخة (ن) فهي: ((كمل شرح التنقيح على بركة الله تعالى وحسن عونه، وكتبه عَبْدٌ ذليل لربٍّ جليل محمدُ بن محفوظ - كلمة غير واضحة - كتبه لصاحبه في الله تعالى: علي بن محمد الجزولي أراده لنفسه، وأراد أن يستفيد منه، نفعه الله به، وكان الفراغ منه يوم الأربعاء في شهر شوال عام خمس وثلاثين بعد سبعمائة. والحمد لله كثيراً، والصلاة على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً. تمَّ الكتاب بحمد الله ذي الجود ربِّ العباد، ومُجري الماء - كلمة غير واضحة - يا قاريء الخَطِّ قُلْ بالله مجتهداً اغفر لكاتبه يا خير مُعبَّدي، غيره! إلى الله تعالى. وهذا كتابٌ باليمين كتبْتُه *ستُبلى يميني والحروفُ رواتبُ رعى الله أقواماً قَرَوْا فترحَّموا *على من لهذا الخطِّ بالكفّ كاتبُ فاسأل الله الذي احتجب بالحجاب، وخلق آدم من التراب، أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. والحمد لله رب العالمين)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540