الكتاب: تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية المؤلف: محمد بن سعد الشويعر الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثالثة، 1419 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية محمد بن سعد الشويعر الكتاب: تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية المؤلف: محمد بن سعد الشويعر الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثالثة، 1419 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية تأليف د/محمد سعد الشّويعر مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين: أما بعد فإن الجامعة الإسلامية مؤسسة علمية وثقافية، تعمل على هدى الشريعة الإسلامية، وتقوم بتنفيذ السياسية التعليمية بتوفير التعليم الجامعي، والدراسات العليا، والنهوض بالبحث العلمي، والقيام بالتأليف والترجمة والنشر، وخدمة المجتمع في نطاق اختصاصها. لذا رأت طباعة هذا الكتاب القيم (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية) لمعالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر، وهو كتاب يطابق عنوانه يوضح خطأ تاريخياً بسببه حصل التجني على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ودعوته إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، كما هي دعوة الرسل من أولهم إلى خاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعليهم وسلم، وحصل سوء الفهم الذي استغله أعداء الإسلام والمسلمين للتفريق بينهم وتمزيق وحدتهم، فلعل هذا الكتاب القيم يسهم في إزالة اللبس وتصحيح مفاهيم خاطئة وكبت نوايا فاسدة. أدعو الله أن ينفع به الإسلام والمسلمين وان يجزي مؤلفه خير الجزاء. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. مدير الجامعة الإسلامية د. صالح بن عبد الله العبود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 سبب التأليف الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد، كنت قد أخرجت كتاباً صغيراً باسم تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية يقع في 110 صفحات تقريباً وطبع للمرة الأولى بتطوان بالمغرب عام 1407 هـ وطبعته دار المعارف بالرياض الطبعة الثانية عام 1413 هـ , أوضحت فيه بأن خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأعداء دين الله الحق , من أرباب المصالح الدنيوية ممن يريدون إطفاء نور الله والتصدي لمن يريد أن يحقق التوحيد الذي أمر به الله وأرسل به رسله من أولهم إلى آخرهم: دعوة وتطبيقاً وتنقية من مداخل الشرك. فوجدوا دعوة خارجية أباضية في شمال إفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري باسم الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الأباضي , ووجدوا فتاوى من علماء المغرب والأندلس ممن عاصرها أو جاء بعدها فأرادوا شيئاً عاجلاً يحقق الغرض وينهض الهمم لإسكات الدعوة الجديدة خوفاً من توسع الدائرة الإسلامية حيث قامت الدولة السعودية الأولى مناصرة للدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - فتصافحت يداً الإمامين: محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب رحمهما الله في عام 1157 هـ على القيام بهذه الدعوة نصرة لدين الله وأداء لأمانة التبليغ. فوفق الله ولقيت الدعوة قبولاً وتأييداً حيث امتدت إلى العام الإسلامي كله وتأثر بها العلماء من الحجاج وبدأوا في نشرها في بلادهم .... فخاف المنتفعون دنيوياً من آثارها ووجدوا الضالة في الوهابية الرستمية , المدفون خبرها في سجلات التاريخ فنبشوا في فتاوى العلماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 حولها وكانت فرصة بإلباس الثوب القديم للدعوة الجديدة ووجدت الإشاعة صدى في النفوس لأن أرباب المنافع الدنيوية جهدوا في التمويه والتشويه والناس عادة يتلقفون الكذب أكثر من اهتمامهم وتحريهم للصدق. ولذ فإن للإشاعات دوراً كبيراً في تغيير المفاهيم ووضع تصورات تغاير الواقع ... بحسن نية أو سوء فهم. وفي حدود عام 1407 هـ كان نقاش علمي مع أحد علماء المغرب حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - حقق نتيجة مرضية وصحح مفهوماً تاريخياً سائداً وقد رغب إلى أكثر من أخ كريم ذكر سبب التأليف تلك الرسالة كتابياً حيث ذكرتها لهم شفوياً لأنه أمكن في البلاغ ويطلع عليها أكبر عدد ممكن حيث تبقى حية لمن يريدها واستجابة لذلك أقول: - قد يكون من المناسب الاشتراك مع القارئ في السبب الذي من أجله كتبت: تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية , ولأن الله قد جعل لكل شئ سبباً فكان هذا الحوار الذي تولد عنه النقاش العلمي المقنع والحوار الهادئ المثمر هو السبب المباشر لكتابة هذه الرسالة. (ففي عام 1407 هـ، كنت في مهمة لموريتانيا، ثم عرجّنا على السنغال، وكان خط سير الطيران ملزماً لنا بالبقاء في المملكة المغربية ستة أيام. وفي أحد الأيام كنت في ضيافة أحد الأساتذة بإحدى الجامعات هناك، وأرمز له: بالدكتور عبد الله. وفي جلسة بمكتبته دارت أحاديث شتى، ومن محبته للملكة وحضور مؤتمرات عديدة بها، طرح عليّ هذا السؤال أمام الحاضرين، وعددهم يقارب الاثني عشر شيخاً من فضلاء البلاد هناك. قال إننا نحب المملكة، ونفوس المسلمين وقلوبهم تهفوا إليها، وبيننا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وبينكم تقارب كبير وتفاهم بين القيادات، وإعجاب بما يؤديه حكام وعلماء المملكة من جهود مخلصة للإسلام والمسلمين، ولكن حبذا لو تركتم المذهب الوهابي الذي فرق بين المسلمين؟! . فأجبته: قد يكون علق بالذهن معلومات خاطئة، مأخوذة من غير مصدرها السليم، ولكن حتى تلتقي المفاهيم، نحب أن نطرح الموضوع بحضور الإخوة للنقاش العلمي المقرون بالبراهين.. ثم قلت: - ولما كان كل إنسان ترتاح نفسه، ويطمئن قلبه، لما ألفه علماء بلده، فإنني في هذا الحوار لن أخرج عما في محتويات هذه المكتبة، التي تضمنا جدرانها الأربعة؛ لأنك كما تراني الآن لا أحمل كتاباً، ولم يخطر ببالي مثل هذا النقاش. ولذا وقبل أن نبدأ: أرجو أن يكون نقاشنا بعيداً عن التعصب والانفعال، أو طرح الآراء بدون دليل مقنع يعول عليه، لأن نشدان الحقيقة هو هدفنا، والامتثال لأمر الله وأمر رسوله هو غايتنا، ونصر الدين هو المؤمل من كل منّا. قال: أوافقك على هذا، وأصحاب الفضيلة المشايخ هم الحكم بيننا. قلت: رضيت بذلك، وبعد التوكل على الله أرجو أن تطرح أي مدخل للحوار. قال: خذ مثلاً ما ذكره الونشريسي في كتابه] المعيار [الجزء 11، وهو قوله: سئل اللخمي: عن أهل بلد بنى عندهم الوهابيون مسجداً، ما حكم الصلاة فيه؟. (1)   (1) انظر (المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب) (11/168) والسؤال في المعيار أوسع مما ذكر هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وللمعلومية: فإن كتاب] المعيار [هذا هو كتاب يجمع الفتاوى في الفقه المالكي، جمعه أحمد بن محمد الونشريسي، وطبع في 13 مجلداً، وقد طبعته الحكومة المغربية وتوزع منه نسخ عن طريق الإهداء. بعد طرح السؤال، وإحضار الكتاب المذكور الجزء 11، أجبته: بان الفتوى على هذا السؤال صحيحة، ونوافق اللخمي على ما جاء في فتواه. قال إذا اتفقنا على أن هذه الفرقة، وخطأ ما تسير عليه، خاصة وأن المفتي قال: هذه فرقة، خارجية ضالة كافرة، قطع الله دابرها من الأرض، يجب هدم المسجد، وإبعادهم عن ديار المسلمين. قلت: لم نتفق بعد ولا زلنا في بداية الحوار.. ولعلمك: فإن هذه الفتوى لها نظائر كثيرة قبل اللخمي وبعده، موجودة لدى علماء الأندلس، وفقهاء شمال أفريقيا، وهي مستمدة من حكم رسول الله في الخوارج، الذين قاتلهم علي بن أبي طالب في النهروان. وفي نقاشنا هذا، سوف نصل بإذن الله إلى تصحيح المفهوم التاريخي بين ما تعنيه هذه الفرقة، التي أفتى علماء الإسلام في الأندلس وشمال إفريقيا بشأنها، وبين التسمية التي ألصقت وصفاً مستهجناً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التصحيحية. هذا التصحيح لن يكون مقنعاً إلا بقرائن وبراهين مرضيّة عندكم، لأن رائدنا جميعاً الوصول إلى الحقيقة لذات الحقيقة.. والرأي الهادئ المقنع هو الذي تنجلي به الغشاوة وتصحح به المفاهيم. قال: كلنا نريد الوصول لهذه الحقيقة.. ثم قال: وبعد هذه الفتوى نريد أن تعطينا ما عندك، ونحن نستمع والإخوة يحكمون بيننا، ويصوبّون أو يخطئون ما يقال أو يعرض أمامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 قلت:: سترون - إن شاء الله -، ما ينير الطريق لمن يريد الوصول للرأي الصائب، واستجلاء الأمر، ولهذا: نبدأ بما لدينا من أجزاء المعيار.. ولعلك تقرأ طرة الكتاب ليسمع الإخوة؟ . قال: تريد الفتوى حتى أقرأها أمامهم، أم أبدأ بما على الغلاف الخارجي من معلومات؟؟. قلت: بل الغلاف الخارجي.. أو الداخلي.. فهما سواء.. فقرأ:] المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب [، تأليف: أحمد بن محمد الونشريسي المتوفى عام 914 هـ، بفاس بالمغرب. قلت لأكبر المشايخ سناً، وهو شيخ وقور، هادئ الطبع، اسمه أحمد: يا شيخ أحمد سجل تاريخ وفاة الونشريسي.. فرصد ذلك عام 914 هـ. ثم قلت: هل من الممكن إحضار ترجمة اللّخميّ؟ . قال: نعم.. ثم قام إلى رفّ من رفوف المكتبة فأحضر جزءاً من أحد كتب التراجم، وفيه ترجمة: علي بن محمد اللخمي، مفتي الأندلس وشمال إفريقيا، والترجمة طويلة، وفيها ثناء عليه وعلى علمه.. فقلت: إن بيت القصيد في نهاية الترجمة، فمتى توفي؟ قال القارئ: وتوفي عام 478 هـ (1) . فقلت للشيخ أحمد: اكتب تاريخ وفاة الشيخ علي اللّخمي، فكتبه في عام 478 هـ.   (1) (الحلل السندسية) ص: 142، و (الأعلام) للزركلي (5/148) ، وفي (الحلل السندسية) أنه توفي في صفاقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فقال الدكتور عبد الله: هل تشك في علمائنا وفي فتاواهم؟ . قلت وما دليلك على هذا الشك؟ . ثم التفتّ إلى المشايخ.. وقلت: هل بدر مني ما يدعو إلى الشك الذي أوجب هذا القول؟. فكان الجواب بالإجماع: النفي. قلت: ولكي أنفي الشك عني، وعن علمائنا في بلادي، فإننا نحترمهم ونجلّهم، ونصوّب كل فتوى تصدر عنهم، يدعمها الدليل من الكتاب الكريم، والصحيح من سنة رسول الله. ولكن الوصول إلى ما بدأنا الحديث من اجله، مقروناً بما يدعمه، يحتاج إلى شيء من الأناة والصبر. ومن باب استعجال الجواب: أطرح على الجميع هذا السؤال: هل يمكن أن يفتي العلماء على معتقد لم يوجد صاحبه الذي ينسب إليه بعد، أو الحكم على ملّة من الملل لم تظهر بعد؟؟!! . قالوا جميعاً: لا.. ولم يعرف هذا، إلا ما جاء عنه إخبار من رسول الله. وهذا من معجزات النبوة، وفي الغالب يأتي الوصف دون المسمى. قلت موجهاً الكلام لمحدّثي: ألست تعتقد ويعتقد غيرك: أن الوهابية أول من أنشأها محمد بن عبد الوهاب في نجد؟ قال بلى. قلت: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عندما أفتى اللّخمي وغيره من علماء المالكية في الأندلس. وفي الشمال الإفريقي، كان أكثر من اثنين وعشرين من أجداده لم يولدوا بعد، باعتبار أن المتوسط لكل قرن ثلاثة جدود، كما أن بين وفاة عبد الوهاب بن رستم ووفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يقرب من واحد وثلاثين جداًّ، وعلماؤكم وعلماء المسلمين لا يعلمون الغيب، وننزههم عن الكهانة والسحر، وعن القول في أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لا يعلمونه، قال تعالى {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيَّان يبعثون} . قال: أوضح أكثر..!! قلت: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولد عام 1115هـ، ومات سنة 1206 هـ، وبينه وبين أحمد الونشريسي الذي ألف كتاب (المعيار) ، ونقل الفتوى عن اللّخمي - كما مر بنا - مئتان واثنتان وتسعون سنة (292) وفق تاريخ الوفاة، كما أن بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين اللّخمي، وهو صاحب الفتوى سبعمائة وثمانية وعشرون عاماً (728) وفق تاريخ الوفاة، وفق ما سجّل الشيخ أحمد لوفاة كل منهما. ويقاس على هذا كل من أفتى من علماء الأندلس وشمال إفريقيا عن تلك الوهابية. قال: هل يمكن أن توضح أكثر لما تعني.. بدليل مقنع؟ قلت: لم يهتم علماء شمال إفريقيا والأندلس، بالفتاوى عن الوهابية والتحذير منها، إلا لأنها موجودة عندهم بخلاف ديار المسلمين الأخرى، التي وضّح فرقها الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) (1) . وابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) (2) . وفي موضوعنا: ألا يوجد عندك كتاب: (الفرق الإسلامية في شمال إفريقيا) ، الذي ألفّه الفرنسي: ألفرد بل، وترجمه للغة العربية: عبد الرحمن بدوي؟ .. وهو جزء واحد.   (1) يراجع هذا الكتاب وهو جزءان، حيث لا توجد فيه فرقة باسم الوهابية. (2) يراجع هذا الكتاب وهو 4 أجزاء، حيث لا توجد فيه فرقة باسم الوهابية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 قال: هاهو موجود.. ثم قام وأحضره. قلت فلنقرأ في آخره، حرف الواو.. فقرأ أحدهم: الوهبية أو الوهابية: فرقة خارجية أباضية أنشأها عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم، الخارجي الأباضيّ، وسميت باسمه وهابية، الذي عطّل الشرائع الإسلامية، وألغى الحج، وحصل بينه وبين معارضيه حروب.. إلى أن قال: المتوفى عام 197 هـ، بمدينة تاهرت بالشمال الأفريقي، وأخبر بأن فرقته أخذت هذا الاسم؛ لما أحدثه في المذهب من تغيرات ومعتقدات، وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة. وكان ألفرد هذا قد تحدث في كتابه المنوه عنه عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى وقت المؤلف في العصر الحاضر تقريباً. وعبد الوهاب بن رستم قد اختلف في تاريخ وفاته، عند من كتب عنه، ويرى الزر كلي في (الأعلام) : أن وفاته نحو 190 هـ. عند ذلك قلت له وللحاضرين: هذه هي الوهابية التي فرقت بين المسلمين، وصدرت بشأنها فتاوى من علماء وفقهاء الأندلس وشمال أفريقيا، كما تجدون في كتب العقائد عندكم، وهم محقون فيما قالوا عنها. أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها الإمام محمد بن سعود - رحمهما الله - السلفية التصحيحية، فهي ضد الخوارج وأعمالهم؛ لأنها قامت على كتاب الله وما صح من سنة رسوله، ونبذ ما يخالفهما وهم من أهل السنة والجماعة. والشبهة التي انتشرت في بلاد الإسلام قد روجها أعداء الإسلام والمسلمين من مستعمرين وغيرهم لكي تبث الفرقة في صفوفهم، فقد كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 المستعمرون يسيطرون على غالب العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وهو وقت عنفوانهم، ويعلمون من واقع حروبهم الصليبية، أن عدوهم الأول في تحقيق مآربهم: الإسلام الخالي من الشوائب، وتمثله السلفية، ووجدوا ثوباً جاهزاً ألبسوه هذه الدعوة تنفيراً، وتفريقاً بين المسلمين - لأن مبدأهم فرق تسد - حيث أن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يخرجهم من ديار الشام إلى غير رجعة، إلا بعد أن قضى على دولة الفاطميين العبيديين الباطنيين من مصر، ثم استقدم علماء من أهل الشام ووزعهم في الديار المصرية فتحولت مصر من التشيّع الباطني إلى منهج أهل السنة والجماعة، الواضح دليلاً وعملاً واعتقاداً. فالمستعمرون خافوا من إعادة الكرّة، بعدما رأوا دولة التوحيد السنّية، التي قادها الإمامان: محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود، ثم من جاء بعدهما، تتسع أعمالهما،، ويكثر المستجيبون لما تهدف إليه هذه الدعوة، ومعلوم لديكم أن المستعمر ما دخل بلدة إسلامية إلا حاول إقصاء أهل السنة، وتقريب أهل الأهواء والبدع؛ لأنهم مطيته فيما يريد عمله في ديار الإسلام. كنت أعتقد أن هذا الجواب فيه إقناع.. لكن طرح أحدهم سؤلاً قال فيه: ألا يكون محمد بن عبد الوهاب قد أخذ منهج السابقين وأحياه من جديد واتبع طريقتهم؟! قلت: أولاً: لبعد الاتصالات بين المكانين فإن المعلومات لا تصل ولم يكن لدعوة عبد الرحمن بن رستم ذكر في تاريخ الجزيرة العربية، بل كما مر بنا، لم يكن لها تصنيف عند الدارسين والراصدين للملل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والنحل والأهواء؛ كالشهرستاني وابن حزم، ولا في ردود ابن تيمية، وابن رستم مات قبل هؤلاء بزمن. مما يدل على أن دعوة عبد الوهاب بن رستم (الوهّابيّة) لم تتعدّ الشمال الإفريقي والأندلس قبل ضياعها. ثانيا: أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تختلف عن دعوة جميع الفرق المخالفة لكتاب الله ولسنة رسوله، لأنها دعوة تجديدية على منهج السلف الصالح، ولم يأت بشيء يخالف ذلك. ثالثاً: تسمية الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ (وهّابيّة) نسبة إليه خطأ لغوي، لأن والده لم يقم بها، وإلا لأشترك في هذه النسبة الوالد وأولاده، ومحمد واحد منهم لتصبح نسبة مشتركة. رابعاً: الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يوافق الإباضية في آرائهم، ولا غيرهم من الفرق التي ذمها علماء أهل السنة منذ نشأت في ديار المسلمين، وكتبه ورسائله توضح ذلك. خامساً: أن ما نسب إليه من أمور، آتي لها بشواهد - إن رأيتم في الوقت متسعاً _ من كلامه وكلام تلاميذه بالتبرئ مما نسب إليه كذباً وزوراً، ويقول في كلامه: سبحانك ربي هذا بهتان عظيم. فكيف ينسب للإنسان شيء هو يتبرأ منه؟؟! لكن سوف نستكمل الحوار، ولعلنا نجد في هذه المكتبة - بحول الله - ما يزيل ما علق بالأذهان من شبهة، والحكمة ضالة المؤمن. قلت: ولعلنا نجد عندكم كتاباً تاريخياً عن منطقتكم اسمه (تاريخ شمال أفريقيا) من تأليف أحد الغربيين في فرنسا.. واسم المؤلف: شارلي أندري، وقد ترجمه إلى اللغة العربية محمد مزالي رئيس وزراء تونس الأسبق، والبشير بن سلامة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 قال الدكتور عبد الله: نعم موجود.. فأحضره وهو ثلاثة أجزاء. وباستعراض الفهارس: قرأنا في الجزء الثاني، عن ممالك الخوارج، ومن ضمنها مملكة تاهرت، التي هي الدولة الرستمية، حيث توسع المؤلف في الحديث عن معتقداتها واتساعها ومعالمها الحضارية، وتسميتها بالوهابية، نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، الذي خالف أهل ملته، كما أبان في عشر صفحات، بأن هذه الوهابية - الرستمية - تخالف أهل السنة في المعتقد (1) . ثم قلت: ولعلك تحضر أيضاً كتاب: (المغرب الكبير، العصر العباسي) للدكتور: السيد عبد العزيز سالم، إن كان موجوداً في هذه المكتبة. قال: نعم موجود: ثم أحضره. فقرانا سوياً بعد إحضاره في الجزء الثاني عن الدولة الرستمية، في مدينة تاهرت في المغرب: أن عبد الرحمن بن رستم، وهو من أصل فارسي، عندما أحس بدنو أجله في عام 171 هـ، أوصى لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية، ومن بينهم ابنه عبد الوهاب، ويزيد بن فنديك: وقد بويع عبد الوهاب، مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه وبين ابن فنديك. وقد انقسمت الإباضّية التي هي ديانة ابن رستم ومن معه، حيث نقلها من المشرق إلى المغرب إلى فرقتين: الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، والنكارية، ودارت بين الطرفين معارك ومقاتل، تنهزم فيها النكارية، إلى أن قتل زعيمها: ابن قنديرة، وفي حالة ضعف من النكارية، انضموا إليهم الواصلية المعتزلة.   (1) - انظر هذا الكتاب الجزء الثاني من ص 40 , 50 وفي مواطن أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ثم قال: وقد عزم عبد الوهاب هذا على حج في آخر حياته، إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في (نفّوسه) خوفاً عليه من العباسين (1) . ثم قلت: ولو رجعنا إلى كتاب ألفرد بل، عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، من الفتح الإسلامي حتى اليوم..لوجدناه في موضع آخر يقول: الخوارج الوهبيين الذين سمّوا نسبة على عبد الله بن وهب الراسبي، الذي قاتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم: خوارج أباضية، وعن انقسامهم قال: بأن أباضية المغرب، في تاهرت منهم، وهم الذين كانت ولتهم الرستمية في شمال إفريقيا، وكانوا أشد الفرق تعصباً. واتباع عبد الوهاب بن رستم، الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه؛ لما أحدثه في المذهب من تغييرات ومعتقدات. وقد تحدث في هذا الأمر قرابة اثني عشرة صفحة، واخبر أنهم يكرهون أهل السنة (2) . ثم قلت: من هذا الرصد وغيره من كتب العقائد والسير، في تاريخ شمال أفريقيا، يبرز أمام طالب الحقيقة، ما حرص عليه الكاتبون من تفنيد لمعتقدات الخوارج الإباضية الرستميين، الذين منهم الوهابيون - نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم -، منذ خرجت هذه الفرقة بالقرن الثاني الهجري، حيث أكدت ذلك جميع المصادر. والشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي قام بدعوته للقضاء على الشوائب التي أدخلت على الإسلام في صفائه ونقاوته رغبة منه في تصحيح العقائد وتنقيتها من مداخل والبدع مثلما سار من قبله دعاة منهم أحمد بن   (1) - انظر هذا الكتاب ج 2 ص 551 - 557 طباعة دار النهضة العربية بيروت , وفيه معلومات أشمل عن عبد الوهاب هذا ودولته وذكر أن وفاته كانت عام 211 هـ. (2) - يراجع الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ص 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 حنبل , وشيخ الإسلام ابن تيمية في الشام والعز بن عبد السلام في مصر وغيرهم ... كلهم وغيرهم من أئمة الإصلاح والتجديد يخالفون ملل الخوارج وما يدعون إليه من معتقدات واعتزال وبدع تخالف ما درج عليه أهل السنة والجماعة وهذا مرصود في كتب: الملل والأهواء والنحل. فحصل بحمد الله الاقتناع خاصة بعد أن تردد اسم الوهابية في مصادرهم التاريخية والعقدية مراراً مع إيضاح نماذج مما يدعون إليه.. لكنني أحببت ترسيخ هذا المفهوم عندهم بما لا يدع مجالاً للشك ولكي يستفيد منه من يطلع عند تدوينه وفقاً لكلام البلاغيين: زيادة المبنى , زيادة في تمكين المعنى. فقلت: ما رأيكم إذا اتسعنا مع المصادر وبرز أمامنا من الحقائق التاريخية زيادة عما ذكر ما يدل على أن علماءبلادكم وحكامها قد اهتموا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما حرص آل سعود على نشرها وتبلغها لحكام المسلمين بالمكاتبات وبعث المندوبين اقتداء بأسلافنا في أداء الأمانة وتبليغ ما قاموا من أجله أخذاً من قول الله سبحانه: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون} (سورة الزخرف آية 44) حيث قام حكام المغرب الأقصى وعلماؤه بالتقصي والمحاورة ثم اقتنعوا بسلامة هذه الدعوة. قالوا: نعم ... نريد المزيد , بالشئ المفيد , المقنع والموثق. قلت: سوف يكون ذلك إن شاء الله. ثم قلت: لعلكم تعلمون أن الإمام سعود بن عبد العزيز - وهو الإمام الثالث من الدولة السعودية الأولى - قد بعث بعد ما دخل مكة في عام 1219 هـ رسائل شمال أفريقيا: تونس والمغرب الأقصى وغيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 يشرح فيها حقيقة التوحيد وأصول الدين الذي جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم صافياً نقياً من الأمور التي أدخلت عليه وبلغه للناس بصدق وأمانة , عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم , وهي رسالة من ثلاث صفحات حسبما نشرتها مجلة ألمانية اسمها إسلاميكا " islamiga " مع دراسة باللغة الألمانية لما تعنيه الدعوة التي قاموا بها من أحد المستشرقين (1) . وكانت هذه الرسالة توضح بمحتواها ونصها العربي ما قام به الإمام سعود ووالده من قبل من عمل وفق أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دين الله على نور من الله ليزيل ما قد يكون علق بالأذهان من أكاذيب قيلت عن الدعوة ونفاها الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبل وفاته [1115 - 1206 هـ] وفي ردوده بقوله: سبحانك هذا بهتان عظيم وقبلنا كذب على صفوة الخلق عليه الصلاة السلام كما في رسالته رحمه الله لعبد الله بن سحيم وهو من المعارضين له , وفي رسالته إلى عالم بغداد الشيخ عبد الرحمن السويدي رحمه الله تعالى: بعد أن بين لهذا الأخير عقيدته وما يدعوا الناس إليه من إخلاص العبادة لله تعالى وإنكار ما فشا في الناس من أمر الشرك من دعاء الأموات والالتجاء إليهم من دون الله تعالى قال: فقام بسبب هذه الدعوة من عارضنا في ذلك وافترى علينا الكذب - إلى أن قال: فإني ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيتهم عن الربا وشرب الخمر وأنواع المنكرات فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسناً عند العوام فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد وأنهى عنه من الشرك ولبسوا على العوام: أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس وكبرت الفتنة جداً وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله , منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن   (1) - تراجع هذه المجلة المجلد 7 عام 1935 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 يحكيه عن أن يفتريه ومنها ما ذكرتم: أتى الكفر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟؟ !! . وبعد أ، عدد أموراً كثيرة مما نسب إليه قال: والحاصل أن ما ذكر عنا من الأسباب غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك فكله من البهتان وهذا لو خفي على غيركم ما خفي عليكم (1) . ثم قلت: ومن رغبة الحكام والعلماء في المغرب التقصي نرى الحقيقة التالية: 1- تأثر بهذه الدعوة واهتم بها وبمحتواها بعد الدراسة والعمق سلطان المغرب الأقصى: سيدى محمد بن عبد الله العلوي - جد الأسرة الحاكمة الآن: حيث قام بمحاربة البدع في بلاده كما حارب تشعب الطرق الصوفية ودعا إلى الاجتهاد وإلى انتشار السنة لأنه ذلك الوقت من أقوى الحكام المسلمين ولأن بلاده قد اكتوت بنيران: الباطنية العبيدية وأصحاب البدع مع تفشي الجهل والوهابية الرستمية الخارجية الباطنية علاوة على الغزو الصليبي للشمال الإفريقي بعد سقوط الأندلس في أيدي الإفرنج. وقد ذكر محمد جمعه في كتابه: انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أموراً من أعمال سيدي محمد بن عبد الله العلوي , فيما يتفق   (1) - انظر هذه الرسالة ورسالته رحمه الله إلى عبد الله بن سحيم ورسالة ابنه عبد الله في تكذيبهم لما نسب إليهم كتاب: البيان والإشهار للشيخ فوزان الشابق رحمه الله ط الأولى عام 1372 هـ ص 82 - 84 ورسائل الشيخ طباعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بمناسبة اسبوع الشيخ ابن عبد الوهاب مجلد الرسائل الخامس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 مع دعوة الشيخ محمد بن الوهاب وحرصهما على تنقية التوحيد من البدع والشرك مع الله (1) هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان في كتابه: تاريخ أفريقيا الشمالية الذي ترجمه إلى اللغة العربية: محمد مزالي والبشير بن سلامه الذي مر بنا قبل قليل. فقرأنا في الجزء الثاني قوله: وكان سيدي محمد وهو التقي الورع علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية وتأييد آل سعود لها وقد أعجب بعباراتها وكان يؤثر عنه قوله " أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة " وقد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين والمحللة لمذهب الأشعرية وتهديم بعض الزوايا (2) 2- أما مؤرخ المغرب الأقصى: أحمد الناصري فإنه توسع في الجزء الثامن من كتابه التاريخي الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى - ولابد أن يكون موجوداً ضمن محتويات هذه المكتبة - فقال: نعم فلما أحضره فتحنا على أحداث عام 1226 هـ فإذا هو يقول في هذا العام حج جماعة من المغاربة صحبه المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان , سلطان المغرب , الذي خلف والده السلطان: سيدي محمد بن عبد الله العلوي , فقال ابنه المولى إبراهيم ومن معه ما رأينا من ابن سعود ما يخالف ما عرفناه من ظاهر الشريعة وإنما شاهدنا منه ومن أتباعه ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر وتنقية الحرمين من الآثام (3) ثم قلت لهم: هل من شهد له وأتباعه   (1) - يراجع هذا الكتاب طباعة دارة الملك عبد العزيز بالرياض. (2) - تاريخ أفريقيا الشمالية المنوه عنه 2: 311. (3) - الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى للناصرى 8: 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 المولى بن السلطان سليمان ومن معه من علماء بعد المناقشة في مكة أثناء الحج عام 1226 هـ حيث قال الناصري عن الطريقة المتبعة الركب النبوي الذي جرت العادة بخروجه من فاس على هيئة بديعة الاحتفال وكانت الملوك تعتني به وتختار له أصناف الناس من العلماء والأعيان والتجار والقاضي وشيخ الركب وغير ذلك مما يضاهي ركب مصر والشام (1) . هذا الركب بعلمائه ووجهائه بعد مناقشته مع الإمام سعود والعلماء هل يتفق مع عبد الوهاب بن رستم الخارجي الأباضي , صاحب الوهابية الأساسية التي جاءت عنها الفتاوى أم أنها فردية من أعداء دين الإسلام وصدقها بعض المسلمين دون تمحيص ولا روية ولا رجوع للكتب التاريخية والعقدية الموثقة؟ !! قالوا جميعاً: نحن معك واقتنعنا ... لكن كيف غاب على الكثير من الباحثين ما رصد في مصادرنا مما لا يقبل الشك. قلت: ولكي أزيدكم ويستفيد منه من يطلع عليه من بعدنا فإن الناصري في تاريخه هذا قد غطى حيزاً كبيراً من أخبار هذه الدعوة بأكثر من عشر صفحات وسوف أزيدكم من قوله وهو من المؤرخين الموثقين عندكم وتاريخه من مصادر بلادكم المهمة. قالوا: نعم قلت: يقول الناصري عن السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي الذي بويع في فاس في حدود عام 1226 هـ وقد كان معاصراً للإمام عبد الله بن سعود ووالده الإمام سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة المكرمة في المرة الأولى حاجاً عام 1214 هـ الموافق لعام 1799 م بأنه أراد أن يتحقق من   (1) - المصدر السابق ص 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ابن سعود وما يدعوا غليه فأرسل ابنه المولى إبراهيم في جماعة من علمائ المغرب وأعيانه ومعه جواب من ولاده فوصلوا الحجاز وقضوا المناسك وزاروا الروضة الشريفة كل هذا على الأمن والأمان والر والإحسان ثم أردف الناصري قائلاً: حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان - يعني الإمام سعود - ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر الحرام وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت بهما من غير نكير وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لآل البيت الكريم وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته وكان الذي تولى الكلام معه الفقيه القاضي: أبو إسحاق الزرعي فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفناه من السنة وأي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟؟ . فقال له القاضي: بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى فقال له: معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك رحمه الله: الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب.. فهل في هذا مخالفة؟ ! . قالوا: لا ... وبمثل هذا نقول أيضاً ثم قال القاضي الزرعي له: وبلغنا أنكم تقولون: بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم .... فلما سمع ذكر النبي لى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه وقال معاذ الله إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره وكذا غيره من الأنبياء حياة حياة فوق حياة الشهداء. 3- ثم في نهاية هذا الحديث قال الناصري: وأقول إن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك ولأجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها عن حال متفقرة الوقت - ويعني بهم رهينة الصوفية - وحذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 فيها رضي الله عنه , من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة وبين فيها آداب زيارة الأولياء وحذر من غلو العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً. كما قال: إن المولى سليمان قد حدد خطبة تحث على التوحيد ومحاربة البدع وأمر بتوزيعها على مساجد الجمعة كما أمر بإغلاق زوايا الصوفية (1) وبعد الحوار الذي دار في أمور كثيرة مما نسب لهم قال الناصري: ثم قال صاحب الجيش: هذا ما حدث به أولئك المذكورون سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ثم سألنا الباقي أفراد فاتقف خبرهم على ذلك (2) ثم قلت: هذه بعض الحقائق المقرونة بالحوار والرصد وكما وعدتكم بعدم الخروج عما هو محيط منطقتكم حيث نشأت الوهابية الحقيقة وحيث لبس عليكم وعلى من المسلمين أمر وحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي قام بنشرها آل سعود. وإلا فإن الشيخ محمد كما يتضح من رسائله وردود التي طبعتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كما مر بنا نماذج منها فيها نفي وتفنيد لما ألصق بدعوته من تهم وأكاذيب لم يقلها بل قد نفاها وكرر مراراً القول: هذا بهتان عظيم (3)   (1) - الاستقصاء ج 8 ص 121 - 122. (2) - المصدر السابق. (3) - يراجع في هذا الجزء الخامس من مجموع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي نشرته جامعة الإمام وهو خاص بالرسائل والردود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فكيف يصدق العاقل ما قيل من أمور هو في حياته سمعها ونفاها كما نفاها تلاميذه من بعده. وهذا كتابه: كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد , وتيسير العزيز الحميد , اقرأوها بتمعن وتدقيق فإن رأيتم فيها شيئاً يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلكم الحق في التشكيك ومثل ذلك رسائله: ثلاثة الأصول وكشف الشبهات والقواعد الأربع وآداب المشي إلى الصلاة وغيرها. 4- أما الدكتور عباس الجراري وهو من هنا من المغرب - ولست أدري هل اطلعتم على محاضرته في عام 1399 هـ بجامعة الرياض - جامعة الملك سعود حالياً - التي قال فيها: إن التيار السلفي في المغرب قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري حيث وجه السلطان الحسن عام 1300 هـ رسالة إلى الشعب المغربي وقد نوه عن هذا الناصري أيضاً كما حصل مثل ذلك عام 1185 هـ عندما أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد , الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين , إلى والي مكة آنذاك لمناظرة علماء مكة فكان من علماء مكة المشايخ: يحيى بن صالح الحنفي , وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان , وعبد العزيز بن هلال , فتفاوضوا في ثلاث مسائل , وقت المناظرة ظهرت منها لهم الحقائق المقنعة بسلامة هذه الدعوة. ثم قلت: إن علماء مكة ذلك الوقت عندهم شبهة كما هي لدى علماء المغرب وغيرهم حسبما يتردد من إشاعات وما يصلهم من أكاذيب وافتراءات ينشرها المغرضون. وبعد ما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز مكة ثانية , جرت مناظرات واجابات على تساؤلات وكان من علماء نجد: الشيخ عبد العزيز الحصين , والشيخ حمد بن ناصر بن معمر , الذي عينه الإمام سعود قاضياً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ومفتياً بمكة حتى توفي بمكة بعد ذلك فحصلت القناعة من علماء مكة وصدر بهذا وثيقة وقتها الجميع بنفي الشبهات والأكاذيب حول الدعوة وطبعت عدة مرات. ثم في عهد الملك عبد العزيز بعد ما دخل مكة عام 1343 هـ حصل مثل ذلك مما أوجد قناعة بسلامة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. وأزيدكم علماً بأن القباب المبنية على القبور في مكة هدمت أيام الشريف عون الرفيق ما عدا قبر السيدة خديجة في الفترة ما بين الدولة السعودية الثانية وقيام الملك عبد العزيز لإعادة الدولة السعودية في دورها الثالث كان ذلك الهدم بمشورة الشيخ أحمد بن عيسى وتأييد من الشريف وبعض علماء مكة مما على القناعة (1) ثم قلت: أيها الاخوة مما دار من نقاش ومما مجدنا من نصوص نرى أن الوهابية لعيوبها نسبتها إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية خطأ محض وأن الوهابية التي أصدرت عنها الفتاوى في كتبهم لا علاقة لها بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا تقارب بينهما لأن الخطين المتوازيين لا يلتقيان. ذلك أن الشيخ محمد وتلاميذه يمقتون الوهابية الرستمية كما مقتها علماؤكم من قبل ... لأن دعوة الشيخ محمد سلفية ولا يوجد فيها ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما برز أمامنا: أن علماء المغرب برأوا علماء الدعوة وحكام آل سعود   (1) - تراجع ترجمة الشيخ أحمد العيسى في كتاب ابن بسام علماء نجد خلال ستة قرون الجزء الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الذين ناصروها وإحياء لدين الله وتجديداً لما اندثر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإماتة للبدعة عندما تناظروا معهم في حج عام 1226 هـ وظهر لهم كذب ما نسب للشيخ والدعاة لدين الله وعلى هذا بان لنا أن أربعة من سلاطين المغرب الأقصى واهتموا بهذه الدعوة وتبنوا نشرها في بلادهم وهم: - 1- المولى السلطان: سيدى محمد بن عبد الله العلوي الذي كان معاصراً للإمام عبد العزز بن محمد وتبلغ رسالة الإمام سعود. 2- المولى السلطان: سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي أوفد العلماء مع ابنه المولى إبراهيم , وتناقش مع الإمام سعود بن عبد العزيز وعلماؤه مع علماء الدعوة. 3- المولى السلطان: إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي الذي تسلم زمام الأمر بعد أبيه السلطان سليمان. 4- المولى السلطان: الحسن الأول في عام 1300 هـ ووقته فترة بين الدولة السعودية الثانية والدور الثالث لهذه الدولة الذي قام به الملك عبد العزيز من خمسة شوال عام 1319 هـ. كما أن الدكتور محمد تقي الدين الهلالي - رحمه الله - اهتم بهذه الدعوة وهو حسني من العائلة المغربية الحاكمة وقد كان تيجانياً ثم لما عرف حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - حرص على نشرها في كل مكان ذهب إليه حتى أستقر آخر عمره في المغرب بفاس ثم تحول إلى الدار البيضاء حتى توفي رحمه الله وقد ألف رسالة عن التيجانية وبطلانها ومثله الشيخ عبد الرحمن الإفريقي الذي كان سنغالياً تيجانياً فتركها وألف في ذمّ ما هم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 كما جرت كتابات عديدة عن محاكمة السلفية في المغرب وعن انتشارها وتأثر قادتها بعلماء الحجاز ونجد , من ذلك التاريخ حتى اليوم وقد رد الأستاذ أحمد العماري الذي حقق رسالة الوتري وقال: إن تحامله على السلفية تزمت شديد للطرقية على حساب السلفية والمحقق مغربيّ. ثم قلت: أرجو أن يكون في ذلك مقنع كفاية وإن أردتم زيادة توضيحية أكثر سواء بنقل آراء العلماء من العالم الإسلامي أو بوجهات نظر وتحليل المستشرقين من بلاد الغرب الذين راقبوا الأحداث وتتبعوا مسيرة الدعوة فلا مانع .... لكن ذلك يحتاج إلى مصادر قد لا تتوفر هنا. لذلك اقتصرت على علماء المغرب وحكامهم لأن طارحي الشبهة الآن مغاربة حيث يسهل الرجوع للمصادر من هذه الكتبة وذلك أقرب إلى القناعة أخذاً من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: خاطبوا الناس بما يعرفون حتى لا يكذب الله ورسوله. وقال صاحبنا: كل ما ذكرت مقنع وواقعي وأزال بحمد الله الشبهات التي كانت تثار فما رأي الاخوة قالوا: هذا صحيح ثم أردف قائلاً لكن كيف أن هذه الإجابات المقنعة بين أيدينا وسهلة التناول وغاب عنا استجلاؤها. قلت له: جوابه عندكم ... وطالب العلم مسئوليته أمام الله عظيمة فليس هو كالجاهل الذي يلقى إليه الأمر ويصدق إذ يجب أن لا يحكم طالب العلم على أمر إلا بعد البحث والاستقصاء فالعامي ونصف المتعلم إن وجد له عذر إلا أن طالب العلم والأستاذ الجامعي لا يعذران لأن كل منهما قدوة لغيره ولأن طلابه يأخذون عنه وينتظرون توجيهه وغزالة الشبهات من أمامهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قال: هل من الممكن أن تكتب بهذا الخصوص في صحيفة النور التي تصدر في تطوان بالمغرب مقالاً قلت: نعم .... ثم بعد أن عدت إلى المملكة بعثت لهم موثقاً بمصادره.. وبعد أن نشر هذا المقال جاءتني رسائل إجابية وسلبية عن صدى ما نشر عن الوهابية ... فالذين تحدثت معهم رغبوا في زيادة المقالة حتى تصبح رسالة تضم معلومات أوسع ليمكن طبعها هناك. وقد استجبت وتم ذلك - بحمد الله - وحرصت على عدم الإطالة مع الإشارة للمصادر حتى يسهل على راغب الزيادة والحريص على توسيع المدرك معرفة الكتب المعينة له في إشباع رغبته. وقد طبعت هذه الرسالة للمرة الأولى في كتيب في تطوان بالمغرب في حدود عام 1407 هـ كما طبعت ثانية بعد ذلك بعدة سنوات في الرياض عام 1413 هـ وما ذلك إلا أن أعداء الإسلام والراغبين في فرقة المسلمين وأصحاب المآرب الخاصة أعاذ الله المسلمين من شرهم قد وجدوا في الوهابية الرستيمة ثوباً جاهزاً ألبسوه عاجلاً هذه الدعوة السلفية الصحيحة في مقصدها ودعوتها خوفاً من تجمع المسلمين ضدهم حيث يريدونهم مثل الجياع الذين يلاحقون من يطعمهم كالأيتام على مائدة اللئام. هذا من جانب وللتنفير وبث العداوات بين أبناء المسلمين من جانب آخر وليحققوا مآربهم بتوسيع دائرة الخلافات ولإثارة الشبهات في المجتمع الإسلامي. وقد كان من المصالح التي تحققت - بحمد الله - من هذه الرسالة بعد طبعها للمرة الثانية أن أكثر من شخص من المرموقين أخبرت عنهم بأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قد مرت بهم مواقف في الجمهوريات الإٍسلامية المنفصلة عن الإتحاد السوفييتي بعد انحلال الشيوعية لأن فتوى انتشرت هناك مستغل مروجها حماسة السكان إسلامياً وقصورهم في فهم العقيدة الصحيحة والمعارف الإسلامية تقول هذه الفتوى: إن قتل وهابي واحد أفضل من قتل مائة يهودي حتى صار السلفي لا يسير منفرداً. فجمع بعضهم ببعض العلماء وأئمة المساجد هناك أوضحوا لهم عن الوهابية الرستمية وعن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وفق ما جاء في هذه الرسالة فكان من ذلك جلاء للغشاوة وإزالة الشبهة بتصحيح المفهوم وقد ترجمت للغات المحلية هناك فنفع الله بها. والذي يجب أن يدركه كل مسلم مخلص أن الأعداء لا يكلون ولا يملون من ترديد شبهاتهم ولكن المعرفة والتعليم ورد الأمور في دين الله إلى أصولها من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا تمسكوا بهما لن يضلوا (1) وهما السلاح لمن يريد أن يجابه مكائد الخصوم وسموهم. كما أن الدارسين لهذه الدعوة خرجوا بنتيجة: - 1- أنها ليست حزباً له تنظيماته: وإنما هي تجديد لدين الله على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وسلف هذه الأمة الأخيار. 2- أنها ليست مذهباً يخالف به معتنقوه المذاهب الفقهية المعروفة. 3- أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب سلفي العقيدة شأنه شأن من يدعو إلى منهج السلف الصالح في كل عصر ومصر , يدعو إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له سبحانه.   (1) - يراجع في هذا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 4- أما مذهبه في الفروع فهو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل مثلما أن هناك أحنافاً سلفيون وشوافع سلفيون ومالكية سلفيون. وقد بان لنا من هذا الحوار أن أحد سلاطين المغرب وهو المولى السلطان: سيدي محمد بن عبد الله العلوي قال عن نفسه: " أنا وهابي العقيدة مالكي المذهب " (1) وهو لا يقصد الوهابية الرستمية وإنما يرد بذلك على من وصم دعوة التوحيد الخالص لله بهذا النعت. ومثله قال: عمران بن رضوان , وهو من علماء بلدة لنجه بإيران في الجهة الشرقية من الخليج: أنا وهابي لما بلغته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو حنفي المذهب وقيل شافعي وقد مدحها بقصيدة منها هذا البيت: إن كان تابع أحمد متوهباً ... فأنا المقر بأنني وهابي والأمير الشيخ الصنعاني: محمد بن إسماعيل , وهو من اليمن وجيهاً وعالماً ومع أن مذهبه الفقهي زيدي فإنه درس هذه الدعوة وأحبها ومدحها ومدح الشيخ بقصيدة بدأها بقوله: - سلام على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي ومثله الإمام الشوكاني من اليمن أيضاً. (2) . والشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله الذي مر بنا ذكره وهو من علماء المغرب وحسني ينتمي للعائلة المالكية يقول عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن قصيدة: -   (1) - انظر تاريخ أفريقيا الشمالية لشارلي جوليان ترجمة محمد مزالي والبشير بن سلامة 2: 311. (2) - يراجع في هذا ما ذكره الشيخ ابن سحمان في الدرر السنية وبها القصائد. وكتاب الدكتور عبد الله أبو داهش وهو من أدب الدعوة في جنوب الجزيرة - رسالة دكتوراه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 نسبوا إلى الوهاب خير عبادة فياحبذا نسبي إلى الوهابي وقد استعنت بالله في إخراج هذه الرسالة المختصرة " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " حتى تسهل القراءة لأن المطولات في هذا العصر قد لا تقرأ إلا من ذوي الاختصاص وأرجو أن تتحقق منها الفائدة في إزالة اللبس وتنقشع الغشاوة التي أراد بها أعداء الإسلام والراغبون في الإضرار بالمسلمين بلبلة الأفكار وبث الفرقة ... لعل الله أن يصحح المفاهيم وينير الأذهان والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. د. محمد سعد الشويعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 المقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فلقد كان بحمد الله لمقالي الذي نشرته منذ أربعة أعوام حول تصحيح مفهوم تاريخي أثر طيب، عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنه لا علاقة للوهابية الرستمية بالدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد رحمه الله. وقد كانت مبادرة من أستاذ كريم بإحدى جامعات المغرب الشقيق طالباً المزيد من التفصيل لذلك الموضوع. وهذه الرسالة الموجزة ما هي إلا استجابة لمطلبه، وتوضيحاً لمكانة قادة وعلماء المغرب من الرغبة الأكيدة بالدفاع عن هذا الدين، وتحرى الأصوب فيما يتجهون إليه. وقد حاولت أن تكون وجهة النظر التي أطرح في هذا البحث مستندة على مصدر معتمد في نقل الأحداث. وقد حققت الطبعة الأولى من هذا الكتاب تجاوباً حسناً، ورغبة في استجلاء الحقيقة التي حرصت على تجليتها خدمة للعلم، وأداء للأمانة، وتأليفاً للقلوب في مسيرة الإسلام الخيرة التي رسم معالمها سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً وتوفي بعد أن ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. كما قال صلى الله عليه وسلم وهأنذا أقدم للقارئ الكريم الطبعة الثانية مزادة ومنقحة جعل الله الحق رائدنا، والحقيقة منطلقنا، والألفة تجمعنا، والجنة مستقرنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. محمد الشويعر الرياض في 15/5/1409هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 تمهيد : - إذ كان المثل يقول الناس أعداء ما جهلوا ... فإن بعض الناس أيضاً أعداء ما خالف شهواتهم وتعارض مع مصالحهم الشخصية. والحكم الفصل فيما يجب أن ينطلق منه الفرد في رأيه وحكمه هو عرض الأمور على مصدر التشريع السماوي الذي لا يأتيه الباطل ولا يتطرق إليه الشك. والمسلمون في كل مكان مأمورون قبل انطلاقهم نحو وجهة نظر معينة في أمور العقيدة وكل ما له صلة بالدين وقبل القدح أو المدح أن يرجعوا لمصدري التشريع في دينهم وهما: كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فمن أتى بشيء يخالفهما نبذ ومن سار وفقهما قولاً وعملاً أيد ونصر. هذا حكم فيما يجب أن يكون عليه الفرد المسلم وهو الوعي والإدراك والتحليل والتأكيد بحيث لا يكون إمعة ينقل صدى الآخرين ويستغله أعداء دين الإسلام وهو لا يدري. وقصة بني المصطلق التي نزل بشأنها قرآن يتلى حيث يقول جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعتم نادمين} (1) فيها درس عملي للفئة المؤمنة التي تحرص على دينها وعلاقاتها بإخوانها المؤمنين بأن تتوثق من كل إشاعة ترمي إلى خلخلة الصف وبذر الشحناء وإتاحة الفرصة للفرقة.   (1) - سورة الحجرات آية رقم 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فما اكثر الأعداء الذين يحاولون الغرر بالمسلمين وإيجاد مبررات التخاذل لمباعدتهم عن حقيقة الإسلام وصفاءه وإدخال أشياء على المسلمين في دينهم هي من جذور طقوس الديانة اليهودية والنصرانية التي أفسدت حقيقة تلك الديانات السماوية من قبل بما دخلها من تبديل في محاولة دؤوبة لبثها في صفوف المسلمين عن طريق بعض عبادهم وعلمائهم. وهدفهم من هذا أن يتساووا معهم في المعصية والمخالفة ليسهل بذلك النفاذ إلى المجتمع ثم عن هذا الطريق إدخال أشياء تباعد المسلمين عن الإسلام ومع الزمن والتساهل تتسع الشقة ويكثر البعد فيصبح الإسلام غريباً على أبنائه. يروى عن سفيان الثوري (97 - 161 هـ) رحمه الله أنه قال: "من فسد من علماء المسلمين ففيه شبه باليهود الذين معهم علم ولم يعملوا به ومن فسد من عباد المسلمين ففيه شبه بالنصارى الذين يعبدون الله على جهل وضلال" نسأل الله السلامة والعافية (1) . ومن هنا جاءت نقاوة الإسلام في التشريع وصفاؤه في العقيدة وسطاً في العمل ووسطاً في القول ووسطاً في الاعتقاد وقمة في العلاقة مع الله وقد جعل الله أمة الإسلام وسطاً بين الأمم في كل شئ قال تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (2) فأمة الإسلام وسط بين رهبانية النصارى وغلوهم في عيسى عليه السلام اعتقادا وفي عبادتهم بالضلال والجهل واتباعهم لرجال الكنيسة بدون فهم أو مناقشة.   (1) - بعضهم ينسبه لغياث بن عيينه رحمه الله. (2) - سورة البقرة الآية 143 وراجع أقوال سيد قطب في الظلال على دلالة الوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وبين تحايل اليهود وكذبهم وادعائهم على الله جل وعلا وأنبيائه عليهم السلام بما تصف ألسنتهم وتعمدهم الضلال والإضلال وإخفائه للحقائق العلمية والعقيدة في الديانة التي جاءتهم من عند الله على ألسنة الأنبياء والرسل من باب الإفساد والمخالفة. والتاريخ الإسلامي يشير إلى أن الجهل فشي في المجتمعات الإسلامية في نهاية الخلافة العباسية بعد ما كثرت العجمة وقل العلم وتأثر الناس بفلسفة الرومان وعلوم فارس والهند. وقبل ذلك وفي أثناءه كان التأثر في أطراف الدولة أكثر حيث نشأت فرق كثيرة لها معتقدات متباينة ونماذج شتى في الاتجاه والهدف وضع بذورها اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أسلم مخادعة حتى وجد فرصة ملائمة لبث روح الفرقة بين المسلمين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. ونشأت أول فرقة باسم الفرقة السبأية وهو الذي أسسها. وقد تحدثت بعض الكتب كالملل والنحل للشهرستاني والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيميه في فتاواه وكتبه عن تلك الفرق ومعتقداتها وكيفية نشأتها وما تخالف فيه أهل السنة والجماعة. ويمتاز ابن تيميه رحمه الله بالرد على بعض تلك الفرق والتنويه عن معتقدات أصحابها وأعمال البعض الآخر. ومن يتبع الحركات الفكرية والعقيدة الإسلامية في العالم الإسلامي منذ ذلك التاريخ يلمس هذا جيداً حيث برز الصراع الفكري في المجتمع على أعقاب تعلق بعض المسلمين بفلسفة اليونان وعلوم فارس والهند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 والمجتمع الإسلامي لا يعدم وجود أناس يدركون ما تنطوي عليه تلك الأفكار وما يندس في ثناياها من معتقدات وافدة على عقيدة الإسلام الصحيحة النقية فيصححون لمن حولهم ما أدخل في بيئتهم وما يراد لعقيدتهم لأن جميع الملل والنحل في الأرض تريد أن تضل المسلمين عن دينهم الحق إن استطاعوا. قال تعالى {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} (1) . وهذه حكمة أرادها الله في صراع الحق بالباطل لتسترشد العقول وتتفهم الأفئدة فيرجع للصواب من الله به خيراً لأن الحق واضح بالدليل النقلي والعقلي. وهذا جزء من مهمات الدعوة والتوضيح التي حمل بها بنوا إسرائيل وتخلوا عنها عناداً ومكابرة فكان لزاماً على علماء المسلمين العارفين الخائفين من عقاب الله ونقمته الأنبراء لدعوة الناس إلى المنهج المحمدي في العقيدة والعبادة وتصحيح المفاهيم العقدية حسبما أمر الله في كتابه ودعا إليه نبيه الكريم ثم ما سار عليه أصحابه ومن تبعهم بإحسان امتثالاً وتطبيقاً. ولا تعدم كل دعوة سليمة وصحيحة في كل زمان ومكان وجود أعداء وخصوم إما عن جهل أو لتعصب شخصي أو لمآرب خاصة ومصالح ذاتية " فالهوى يعمي ويصم " فيحرك تلك النوازع أمثال هؤلاء ليشهروا السلاح في وجه الإسلام علانية أو بالاستتار فيلصقوا التهم ضد الدعاة المخلصين ويستعينوا بالكذب والافتراء لبلبلة الأفكار ثم بوضع الألقاب المنفرة لنزع الثقة من هؤلاء الدعاة حتى يعمي الأمر على الغالبية   (1) - سورة البقرة 217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 العظمى من الناس وهم العامة الذين لا يقرؤون ولا يبحثون. ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية التصحيحية التي نبعت من وسط الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر في وقت كان المسلمون - لا في الجزيرة العربية وحدها بل في كل مكان أحوج ما يكونون إليها لإنقاذهم من الجهل الذي ران عليهم وتصحيح مفاهيمهم في أمور العقيدة والعبادات التي أشدها الجهل بأمور الدين والإقتداء بعلماء يجهلون أمور دينهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق فيما يخشاه على أمته من العلماء المضلين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون ويضلون في قوله الكريم " إن الله لا ينزع العلم بعد ما أعطاكموه انتزاعاً ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال فيستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون " (1) . فقد جاءت دعوة الشيخ محمد لإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب وتصحيح ما أدخل على التوحيد وخاصة توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو لله جل وعلا مقروناً بالمخلوق في العمل والاعتقاد وتعطيل أسماء الله وصفاته جل وعلا أو نفيها والسير خلف تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان. فصار التوحيد بأقسامه الثلاثة: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات مشوباً بما يكدره حيث دخل عليها في المعتقد ما يصرفها عن حقيقتها نظراً للتأثر بالمعتقدات البعيدة عن المنهج الذي جاء به   (1) - رواه البخاري عن عروة عن عبد الله بن عمرو بن العاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم الإقتداء بأصحابها بعد أن بهرهم القول وأعجبهم المظاهر والدعوات لأمثال من قال الله فيهم {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} (1) . وما ذلك إلا لأن النفوس خليت من القاعدة المكينة وهو العلم والإدراك بما شرع الله لخلقه ومعرفة الحكمة من إيجادهم للحياة. لقد نشأ عن ذلك الضعف العلمي ونقص في الإدراك وتقليد للأمم الغلبة والمؤثرة فكثرت الطرق الصوفية التي بدأت برغبة دينية وحرص على التبتل والمحافظة على الإسلام فكانت بدايتها طيبة وهدفها نبيل. إلا أن الجهل ورغبة التوارث لهذه المكانة الاجتماعية التي جاءت باسم المنصب الديني قد جاء برجال لا علم عندهم ولا قدرة لديهم في فهم رأي الشريعة الإسلامية في كثير من الأمور وهذا ما كان يخشاه صلى الله عليه وسلم على أمته. ومن ينظر في إزالة الحجب ورفع التكاليف وأعمال المريدين والأقطاب عند الطرق الصوفية ويربط هذا بالغفران لدى النصارى ومكانة أصحاب الألقاب في الكنيسة وطقوس الميلاد وصكوك الغفران يرى أن أحدهما استمد من الآخر في هذه الجوانب وفي جوانب أخرى. ولكي يعود للإسلام نقاوته وصفاؤه من كل شوائب دخيلة عن جهل أو تقليد سواء من الديانة اليهودية أو النصرانية أو من جذور الجاهلية فإنه   (1) - سورة البقرة آية 204 - 205. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 لابد من الامتثال لأمر الله جل وعلا في مثل قوله سبحانه {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} (1) . وإن علماء المسلمين العارفين بأمور دينهم فهماً حقيقياً لهم الذين عليهم دور التوضيح والإرشاد والتوجيه والتبيين حسبما يأمرهم بهذا مصدر التشريع في الإسلام كتاب الله وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة التي خدمنا فيها علماء الحديث المعروفون. وهذا ما يجب أن يعيه كل داعيه ويهتم به كل عالم من علماء المسلمين. وفي تاريخ الدعاة والمصلحين صفحات مشرقة نتيجة اهتمامهم وانطلاقهم في دعوة الناس من ذلك النبع الصافي الفياض والمعين الزاخر الذي لا ينضب. والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واحد من ذلك الجيش الذي انتهج طريقاً يتفق مع رسالة الصفوة الأولى من التابعين واتباعهم بإحسان للإصلاح والعم فقد أدرك ما يعيش فيه مجتمعه من صوفية متطرفة رغم وفرة العلماء وما سار عليه أبناء جلدته من تعلق بالقبور التي لا تنفع ولا تضر وتبرك بالأحجار الجامدة ووضع الكلام في غير محله. فكان الناس يتعقلون بتلك الجمادات طلباً للنفع أو دفعاً للضر ونسوا أن الله هو النافع الضار القادر على كل شئ وإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.   (1) - سورة البقرة آية 120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 لقد شق هذا الأمر عليه لما فيه من جرأة على الخالق بصرف القلب والعمل إلى غيره مع أنه هو المنعم والمتفضل سبحانه بكل شئ. ويمكن وصف حالة المجتمع الإسلامي في كل مكان ذلك الوقت وليس في نجد وحدها بما قاله المؤرخ الأمريكي لوثروب ستودارد بمثل هذه الكلمات " أما الذين غشيته غاشية سوداء فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية وخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التعاويذ ويوهمون الناس بالأباطيل والشبهات ويرغبون في الحج إلى قبور الأولياء وزينوا للناس الشفاعة من فناء القبور وغابت عن الناس فضائل القرآن فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى من كان يدعي الإسلام لغضب ". هذه - كما قال الشيخ عبد الله خياط إمام وخطيب الحرم المكي الشريف - شهادة حق من عدو منصف لم يعرف عنه الدخول في الإسلام يصف واقع الإسلام والمجتمع الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري وما وصل إليه من الانحطاط والتدني (1) ويقول الأمير شكيب أرسلان عن هذا المؤرخ: لو أن فيلسوفاً من فلاسفة الإسلام أراد تشخيص حالة الإسلام في هذه القرون الأخيرة   (1) - ضمن مقال نشر لفضيلته في عكاظ في شهر جمادى الأولى من عام 1404 هـ وانظر كتاب الإمام محمد بن عبد الوهاب للأستاذ عبد الله بن رويشد ج 2 ص 245 - 246 نقلاً عن كتاب " حضارة العالم الإسلامي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ما أمكنه يصيب المحز ويطبق المفصل , تطبيق هذا الكاتب الأمريكي استودارد. ونجد والجزيرة العربية لم تكن تختلف عن ديار الإسلام في ذلك الوقت فقد تغلب الباطل على الحق في أكثر ديار الإسلام وكثرت البدع والخرافات فالعلماء موجودون ولكنهم لا يرشدون الناس للطريق الأقوم بل أضلوهم وأفسدوا عقائدهم. وقد ذكر المؤرخان النجديان: حسين بن غنام الإحسائي ثم النجدي المتوفى عام 1225 هـ , وعثمان بن بشر المتوفى عام 1290 هـ , نماذج مما آلت إليه حالة الناس في العقيدة والعبادة في البلاد الإسلامية والعربية وفي نجد بصفة خاصة باعتبارهما يعرفان عن كثب وعرفا واقع الناس وما هم فيه. فابن غنام عاصر الدعوة من بدايتها وأدرك دور الشيخ محمد ومكانته في نقل الناس من حال إلى حال وتفانيه في سبيل الدعوة. قد أحب هذه الدعوة وأرخ لها وانتقل من أجلها من بلدة الأحساء وسكن الدرعية , حيث توفي بها , نراه في كتابه التاريخي يصف البلاد العربية عامة ونجد بصفة خاصة ويضرب الأمثال بانحراف الناس إلى الوثنية بقبر زيد بن الخطاب الذي كان عليه قبة وله مزار في بلدة الجبيلة قرب الرياض إلى جانب قبور وقباب أخرى لبعض الصحابة الذين قتلوا في حروب الردة ثم ذكر ما كان يعتنق الناس عندها من الشرك بالله من دعاء ونذور وتبرك وتوسل من دون الله ولم يقتصر الأمر على القبور بل تعداها إلى الشجر والحجر والشياطين (1) .   (1) - راجع تاريخ ابن غنام ج 1 ص 5 - 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ونأخذ من تاريخ ابن غنام الذي عاصر الأحداث وسجلها فكرة ومن تاريخ خلفه ابن بشر الذي أدرك كثيراً من مجريات الأحداث بأن نجداً قد نالها ما نالها من بلاد الإسلام من الانحراف والتدهور العقدي (1) , الذي يحركه أصحاب المصالح ومشايخ الطرق. ومن هنا بدأت غيرة الشيخ محمد وتحركت همته للدعوة أداء لرسالة المعرفة وتنفيذاً لما يأمره به العلم حيث رأى أن العلم لا بد أن يقترن بالعمل وأن الأمانة توضيح ما خفي على الناس وما يجب عليهم عمله ويتحتم عليه تركه من أمور هي من الإسلام تركت وأشياء أدخلت عليه وسارت في حياة الناس على أنها من مستلزمات العقيدة أو جزء من أوامر الدين وهم لا يدركون الحقيقة. ذلك أن العلماء المنتفعون أو الجهلة المتعالون ورجال الطرق الصوفية قد لبسوا الأمر وأفسدوا المعتقدات وصرفوا الناس عن الفهم الحقيقي لشرائع الإسلام ووجهوهم إلى ما يحلوا لهم في المكتسب الدنيوي والاستعلاء في السيادة. فكان يقيناً أن تلقى هذه الدعوة التصحيحية السلفية جحوداً ونكراناً من المقربين العارفين وتوجساً وخيفة من الآخرين المتطلعين وعداء من الخصوم وأرباب المصالح. ومن هنا بدأت الاتهامات تتوافد والسهام تشرع والأفكار تعمل لحبك الأكاذيب واختراع الألقاب المنفرة. وهذا شئ ينتظر في كل أمر جديد وفكر مناهض لما ألفه الناس   (1) - راجع تاريخ ابن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1 ص 34 - 35. ص 44 -45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وساروا عليه قولاً، وعملاً فقديماً قال عرب الجاهلية للنبي صلى الله عليه وسلم " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " (1) . لكنه غير مقبول بعد انتهاء فترة الاختبار وظهور الحجة الساطعة بعد البلوى والامتحان وبعد النقاش والحوار والمداولة والمجادلة. فقد أثبتت المراسلات الهادئة والكتابات الهادفة وآراء العلماء المتزنين الذين حاوروا في مكة مجموعة من علماء الدعوة بأن الإمام سعود بن عبد العزيز الذي سار على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم ينتهج أمراً بدعاً ولم يخالف في دعوته ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الشيخ محمداً لم يستدل في كتبه بغير الآيات القرآنية الكريمات والأحاديث النبوية الصحيحة حسبما دار من حوله بين علماء مكة وعلماء نجد ذلك الوقت وبين ابن سعود وعلماء نجد من جانب وعلماء المغرب من جانب آخر عام 1226 هـ كما رصد ذلك في تاريخ المغرب (2) . وسوف أستعرض في هذا البحث أسماء بعض العلماء من نجد الذين ناوؤوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وخرجوا من نجد يحملون العداء للدعوة والكذب عليها وتشويهها أمام المسلمين فاقتنع بكلامهم ودعواهم البعيدون وتأثروا بمقالاتهم بينما لم يعرفوا عن الدعوة شيئاً من غير هذا الجانب ولم يدركوا سبب الافتراء عليها ومبررات الكذب والبهتان ضد الشيخ محمد ودعوته.   (1) - سورة الزخرف آية 23. (2) - راجع في هذا الكتاب الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام ج 10 ص 70 - 71 , وكتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ج 8 ص 120 - 122. وانظر البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد الطبعة الأولى عام 1244 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وقد نلتمس لبعض العلماء في ديار الإسلام عذراً إذ جاءهم أناس من أبناء المنطقة يجأرون إليهم ويصفون الدعوة بنعوت قد توافق أهواء في النفوس أثار بعضها أصحاب المصالح من الدول الاستعمارية ويحرك ذلك ما عرف لدى العلماء من حسد وتناحر وتعصب واختلاف. كما دفعني للحديث في هذا الموضوع: كتاب فقهي قديم على مذهب الإمام مالك له رغبة كبيرة في نفوس إخواننا المغاربة وقد طبع حديثاً في بيروت عن طريق دار الغرب الإسلامي اسم الكتاب " المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقيا والأندلس والمغرب ". والمؤلف هو: احمد بن يحيى الونشريسي. وقد نشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت عام 1401 هـ , 1981 هـ. لقد لفت نظري ما رأيت في الجزء 11 ص 168 تحت عنوان سؤال جاء العبارة: كيف يعامل معتنقوا المذهب الوهابي؟؟!! وهو سؤال ملفت للنظر ومثير للانتباه خاصة وأن دعوة السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإصلاحية التجديدية المصححة لأمور العقيدة الإسلامية مما داخلها قد كادت لا تعرف إلا بهذا الاسم الذي أطلقه أعداؤها على هذه الدعوة ومن يتعاطف معها أو يسير على منوالها حتى ولو كان لا يعرف من هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا أين قامت دعوته؟؟!! هذا الاصطلاح جاء من باب التنفير حيث حركت ذلك اللقب ودعت إليه بعض الطرق الصوفية ومصالحها أو الرغبة في تفكيك المسلمين ومباعدتهم عن دينهم الحقيقي حسب منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فوافق ذلك هوى في نفوس أعداء الدين الإسلامي الحريصين على تفكيك وحدة المسلمين وتفتيت ما بين أبناء الإسلام من أواصر ومحبة يدعو إليها دينهم وتهتم بها تعاليمه: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. يآيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} (1) . " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " (2) . وما ذلك إلا لإذكاء روح التناحر والبغضاء في صفوف المسلمين لأنهم أدركوا تأثير الكلمة فيما يتعلق بأمور الدين من جهة ومن أخرى فلأن نسبة الأمية آنذاك في العالم الإسلامي عالية جداً فالناس لا يقرؤون ليعرفوا ولا يفهمون إلا ما يقال لهم عن طريق أناس نصبوا من أنفسهم علماء وهم أدعياء للعلم حيث توجههم السلطات ويرون أن ما خرج عن هؤلاء يجب أن يعتقده الناس رغم وجود أصوات تنادي بالحق وتدعوا إليه بسطاً وتوجيهاً ولكن عينهم بصيرة ويدهم قصيرة كما يقال. وقد ذكر الشيخ عبد الله عبد الغني خياط إمام وخطيب الحرم المكي الشريف في لمحاته التي تصدر كل ثلاثاء في جريدة عكاظ بأن الأستاذ احمد علي الكاظمي قد أورد في كتاب ألفه كلمة قصيرة عن ضابط بريطاني اسمه " هارفورد برايجس " كان يقيم في العراق كوكيل سياسي من سنة 1199 هـ إلى سنة 1209 هـ وكان يعاصر الإمام محمد وكانت له صلات مع الأمير سعود بن عبد العزيز - الذي أصبح فيما بعد الحاكم الثالث للدولة السعودية الأولى بعد أن تولى الأمر بعد مقتل والده عام 1218 هـ - ولهذا الضابط   (1) - سورة الحجرات آية 10. (2) - حديث رواه الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تاريخ موجز عن الوهابية - ونص الكلمة كالآتي: " لقد أشاع الباب العالي أن ابن سعود كان يمنع الناس من زيارة المدينة المنورة ولكن الصحيح أنه كان يمنع الناس من ارتكاب أعمال الشرك أمام الروضة كما منع الناس من عبادة الأولياء ". وقد ظن البسطاء اعتماداً على قول أصحاب النفوذ من ولاة وغيرهم أن الوهابية أو دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية - كفر وأن من يسير عليها إنما هو كافر. ولكن الصحيح الذي عرفه كل من اهتم بدراسة ذلك المعتقد أن الشيخ محمد وأتباعه يسيرون على نهج الكتاب والسنة في الأصول. أما في الفقه - وهو الاتجاه المذهبي - فوفق الفقه الحنبلي وليسوا مذهباً خامساً كما أطلقوا عليهم من باب التنفير لدى العامة والفقه الحنبلي قد انتقل إلى نجد قبل ولادة الشيخ محمد بأكثر من قرن أتى به الدارسون في مدرسة الصالحية بدمشق والدراسون في مصر وقبله كان السائد المالكي والحنفي. وقد صدق برخاردت في قوله: إن كل ما أشيع عن الوهابية سببه سوء فهم حقيقة الوهابية التي لم تكن إلا تطهيراً داخلياً للإسلام. فهذه شهادة قررها من لا يتعرف بالإسلام كدين غير أنه منصف حكى الواقع الذي لا مرية فيه وقد قال بمثل هذا الرأي كل من: الأستاذ منح هارون في الرد على الكاتب الإنجليزي كونت ويلز والباحث الأمريكي لوثروب ستودارد في كتاب " حاضر العالم الإسلامي ". والمستشرق الألماني كارل بروكلمان في كتابه " تاريخ الشعوب الإسلامية " الذي تناول هذه الحركة بالدرس والتحليل في الجزء الرابع. والمؤرخ الألماني داكوبورت فون ميكوس في كتابه " عبد العزيز " وصدر بألمانيا عام 1953 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والأستاذ ديلفرد كانتول في كتابه "الإسلام في نظر الغرب" وقد ألفه جماعة من المستشرقين. والعالم الفرنسي برنارد لويس في كتابه " العرب في التاريخ ". والمستشرق النمساوي جولد زيهر في كتابه " العقيدة والشريعة ". والمستشرق الإنجليزي جب في كتابه " المحمدية ". والمستشرق الفرنسي سيديو في كتابه " تاريخ العرب العام ". ودائرة المعارف البريطانية التي جاء فيها " الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده ويهملون ما سواها وأعداء الوهابية هم أعداء للإسلام الصحيح " (1) . أما في بعض ديار الإسلام فهناك أصوات منصفة مسلمة قالت الحق لأنه الحق الذي يجب إبلاغه للناس عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل: - الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان". - الشيخ محمود شكري الألوسي العراقي في كتاب ألفه عن تاريخ نجد. - الشيخ أحمد بن سعيد البغدادي - العراقي في كتابه " نديم الأديب ".   (1) - راجع كتاب محمد بن عبد الوهاب للأستاذ عبد الله ابن رويشد ج 2 من ص 345 - 354 وفيه مقتطفات من كلام هؤلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الشيخ جمال الدين القاسمي , والشيخ عبد الرازق البيطار , والشيخ طاهر الجزائري , والشيخ محمد كامل القصاب في أرض الشام حيث درسها هؤلاء فأعجبوا بها ورأوا أنها على حق وصواب فنشروها في المجتمع الشامي مما دفع السلطات العثمانية إلى إحالة عميد الحركة الشيخ جمال الدين القاسمي إلى القضاء في عام 1908 م وقد برأه القضاء. هذا إلى جانب آراء كثير من العلماء مثل: السيد محمد رشيد رضا في كتابه " محاورة المصلح والمقلد , وكتابه الآخر " الوهابيون والحجاز " , وما ينشره في مجلة المنار. ومحمد كرد علي , وشكيب أرسلان , وفيليب حتى , وأمين سعيد , وعلي الطنطاوي , والزركلي , ومحمد جميل بيهم , وعمر أبو النصر , وعبد المتعال الصعيدي في " المجددون " , وحامد الفقي في " أثر الدعوة الوهابية " , وعبد العزيز بكر في " الأدب العربي وتاريخه " , ومصطفى الحفناوي , والدكتور أحمد أمين في " زعماء الإصلاح , ومحمد قاسم في " تاريخ أوروبا ومناع القطان في دعوة الإسلام " , وعبد الكريم الخطيب في " محمد بن عبد الوهاب " , ومحمد ضياء الدين في مجلة الإرشاد الكويتية رجب عام 1373 هـ. والدكتور محمد بن عبد الله ماضي " حاضر العالم الإسلامي ". وأحمد حسين في " مشاهداتي في جزيرة العرب " بعد أدى فريضة الحج عام 1948 م (1367 هـ) . والعقاد في " الإسلام في القرن العشرين " , وطه حسين في بحث نشره عام 1354 هـ عن الحياة الأدبية في جزيرة العرب (1) . والشيخ أحمد بن حجر القاضي بقطر في كتابه " الشيخ محمد بن عبد الوهاب " , ومسعود الندوي في كتابه " مصطلح مظلوم ومفترى عليه " , والدكتور محمد جميل غازي في كتابه " مجدد القرن الثاني عشر , وأمين   (1) - راجع مقتطفات من هذه الأقوال في " محمد بن عبد الوهاب " لابن رويشد ج 2 ص 275 - 360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 سعيد في كتابه " سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب " , ومسلم الجهني في كتابه " أثر حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي " وغيرهم كثير جداً. وإن ما يرى ويلمس عن تسمية الدعوة السلفية بالوهابية فهو مما أطلقه خصوم هذه الدعوة السلفية التصحيحية , التي نبعت من الجزيرة العربية غيرة على دين الله ولإزالة ما علق بتعاليم الإسلام من شوائب وما أدخل على التوحيد من مشاركة للمخلوق مع الخالق في صرف ما هو له جل وعلا مقروناً بالمخلوق وفي هذا منافاة لمضمون الحديث القدسي الذي جاء فيه قول الله جل وعلا " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " (1) . ومن باب ربط السبب بالمسبب ومحاولة التصحيح لما علق بأذهان الناس عبر مدة زمنية طويلة نقول: إن أولئك الخصوم أعطوا هذه الدعوة اصطلاحاً في اللقب هو " الوهابية " من باب التنفير والتشويه وتلقفها من جاء بعدهم حيث إن أول من حرك ذلك الاصطلاح ودعي إليه أصحاب بعض الطرق الصوفية والدراويش التي أخطأت هي في فهم الدين الإسلامي على نقاوته وكما يجب أن يفهم ليتعبد الناس به خالقهم كما أمروا بذلك لأن الإسلام لا رهبانية فيه. وما ذلك إلا أن بعض القائمين على تلك الطرق يحكمون الجانب الذاتي فلا يهتمون إلا بما يتوفر لهم من مصالح ومكاسب دنيوية يخشون ضياعها ونسوا أن تعاليم الإسلام وشرائعه أسمى من ذلك وأن إخلاص العمل يجب أن يراد به الله جل وعلا وحده.   (1) - اخرجه مسلم في باب ارياء عن زهير ابن حرب ص 291 الأحاديث القدسية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وسلاحهم في الوصول لما يريدون: التضليل على العوام والتلبيس أمام السلطة وتخويفها من هذا الصوت الجديد على مصالحها من باب استعدائها عليه. فتلقف ذلك أعداء الإسلام حيث لقي هوى في نفوسهم لحرصهم على تفكيك وحدة المسلمين وغرس بذور الشر بينهم لأنهم أدركوا ووعوا خطر ما ترمي إليه الدعوة الصحيحة لدين الإسلام وإذكاء الحماسة الدينية لدى المسلمين على مصالحهم وسيطرتهم على ديار الإسلام. وهذا الموضوع وإن كان قد كتب الناس فيه كثيراً نسأل الله أن ينفع المسلمين بما كتب لهم وأن يعيد ضالهم إلى الطريق الأقوم فهو سبحانه القادر على ذلك. إلا أن الذي لفت نظري ودفعني للحديث في هذا الجانب هو ما وجدته في ذلك الكتاب الفقهي القديم على مذهب الإمام مالك رحمه الله حيث أثار انتباهي كما قلت من قبل عنوان هذا السؤال: كيف يعامل معتنقوا المذهب الوهابي؟؟!! (1) وفي قراءتي لنص السؤال وجدته كما يلي: سئل اللخمي عن قوم من الوهبية سكنوا بين أظهر المسلمين زماناً وأظهروا الآن مذهبهم وبنوا مسجداً.. إلى آخر ما جاء في السؤال ... الذي ختمه بقوله: فهل لمن بسط الله يده في الأرض الإنكار عليهم وضربهم وسجنهم حتى يتوبوا من ذلك؟؟ ولما كان الجواب فيه قساوة وحدة ولم يفصل عن هذه الفرقة وما إذا كانت نسبة إلى عبد الله بن وهب الراسبي الخارجي المتوفي عام 38 هـ في وقعة   (1) - انظر ص 20 من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 النهروان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه قد خرج عليه بعد التحكيم (1) أو نسبة إلى شئ آخر أياً كان زمانه ومكانه. وأنه لم يشر فيه إلى شئ غير هذا بل إن أحد الاخوة من المغرب العربي قد فهم كما يتبادر للذهن لدى آخرين بأن المقصود من ذلك دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأن المعهود الذكرى يتغلب على ما يراد بحثه واستقصاؤه ومع هذا فإن صاحب هذا الفهم من ذوي العلم والمكانة حيث جرى معه حوار تراجع - بحمد الله - عن فهمه السابق بموجبه وهذه الرسالة استجابة لمطلبه. وقد يعذر هو غيره لأن الهجوم منصب على هذه الدعوة من كل جانب والدفاع عنها قليل ولأن هذه التسمية قد طغت وعمت وفتاوى علماء المغرب القديمة على الوهابية الرستمية الخارجية الأباضية تنفر الناس منها وتكفر أتباعها لما عرفوه عنها من مخالفة لأهل السنة والجماعة إذ قد أفتى غير اللخمي علماء آخرون كالشيخ السيوري. ومن هنا فقد أحببت التثبت أولاً عمن يعني السائل والمجيب ثم إزالة ما في الأمر من لبس وجلاء ذلك الاشتباه الذي قد أدركه كثير من الناس من باب أمانة العالم وتوثيق المعلومات ولأن هذا اللبس قد امتدت بعض المفاهيم حوله وألبست ثوباُ جاهزاً على دعوة سلفية تباين ذلك الاتجاه وتخالفه.   (1) - انظر الكامل لابن الأثير في حوادث عام 38 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الوهابية أو الوهبية. . من هم؟ ! : - في القرن الثاني الهجري وعلى يد عبد الوهاب بن رستم انتشرت في الشمال الإفريقي فرقة الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب هذا وهي فرقة متفرعة عن ألوهية الفرقة الإباضية الخارجية نسبة إلى مؤسسها الأصلي عبد الله بن وهب الراسبي وبعضهم يسميها الراسبية. ولما كان أهل السنة بالمغرب كله يناوؤنها لأنها تخالفهم في هذا المعتقد وقد كفرهم كثير من علمائهم كما نلمس في فتاواهم القديمة. ومن هنا أحببت التوثق من المصادر المهتمة بهذا ولذا فقد رجعت لترجمة حياة علي بن محمد اللخمي وهو الذي وجه إليه السؤال فإذا هو قد توفي عام 478 هـ وأنه فقيه مالكي قيرواني الأصل توفى بسفاقس (1) . أما المؤلف أحمد بن يحيى الونشريسي فقد جاء على غلاف كل جزء من أجزاء المعيار - طرته - وتحت اسمه بأنه توفي بفاس عام 914 هـ. ولما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو صاحب الدعوة السلفية التصحيحية في نجد لم يكن قد ولد بعد حيث إن ولادته عام 1115 هـ بالعينية وبدأ الدعوة مع الإمام محمد سعود بالدرعية منذ عام 1158 هـ. وعلى هذا فإن هذا الجواب الذي ترتب عن السؤال قد سبق ولادته بأكثر من ستمائة عام بالنسبة لوفاة المجيب وهو اللخمي وأكثر من مائتي عام بالنسبة لوفاة المؤلف الونشريسي. وكلا الأمرين يحدثان لبساً لدى من يريد المقارنة ووضع الأمور في نصابها.   (1) - انظر الحلل السندسية ص 143 والأعلام للزركلي ج 5 ص 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وهذا الأمر دفعني للبحث تأريخياً في كتب المغرب عن أصل ذلك المذهب ومتى وجد لأن في الأمر لبساً لابد من جلائه أما بمعرفة المقصود أو أن زيادة قد حصل في الكتاب لم يكن للمجيب والمؤلف ضلع فيها. خاصة وأن هذا السؤال وجوابه قد جاء في كلام الونشريسي مرة باسم الوهبية وأخرى بالوهابية ولم يعلق الناشر أو المحقق عليه بشيء مما يجعلني أعتقد أن كثيراً من كتب المغاربة وخاصة منها ما يتعلق بالعقائد قد تعرض لمثل هذا بشيء من التوضيح في أماكن متفرقة. ومن باب ربط الحوادث التاريخية بمصادرها وإشراك القارئ في قراءة ورصد ما تحفل به المصادر فإن الموضوع يحتاج إلى مراجعة تاريخية متفحصة لكي نعرف ما يحاول دسه أعداء الإسلام في تاريخ أمة الإسلام للتنفير من كل عمل تصحيحي عقدي في المجتمع الإسلامي لأنهم يعرفون حقيقة الإسلام وما يضفيه على أبنائه إذا ساروا على منهجه الصحيح جيداً وما يعود على الأمة من ألفة ومحبة وترابط ولا تستطيع معه قوى الشر أن تنفذ لديار الإسلام أو تجد بين أبناء المسلمين مستقراً أخذاً من حديث رسول الله لى الله عليه وسلم الذي قال فيه: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي وذكر منهن " ونصرت بالرعب مسيرة شهر " (1) . فلابد أن يجدوا منفذاً في ديار الإسلام للاستفادة من خيراتهم بالتركيز على كلمتهم المعهودة: فرق تسد. فسيادة أعداء الإسلام في ديار الإسلام وتمكنهم من التصرف في أمورهم واستثمار خيرات بلادهم والتسلط عليهم فكرياً كل هذا لا يتم إلا ببث الفرقة وإيجاد مسببات الشحناء ة وبذور الكراهية بين الأفراد والجماعات.   (1) - متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وأعداء الإسلام كالشيطان الذي يسترق السمع فإذا وجد كلمة بنى عليها كذبات كثيرة لإفساد ذات البين وبلبلة الأفكار. واستنتج هذا من بعض النصوص التاريخية والوقائع الزمنية التي وقع نظري على جزء منها تراءى أمامي أثناء البحث ما يلي عن الفرقة الوهابية التي بشمال أفريقيا: 1) جاء في كتاب المعرب الكبير الجزء الثاني: العصر العباسي للدكتور السيد عبد العزيز سالم أن عبد الرحمن بن رستم الذي أسس الدولة الرستمية في مدينة تاهرت بالمغرب. عندما أحس بدنوا أجله في 171 هـ أوصى بالأمر لسبعة من خيرة رجال الدولة الرستمية ومن بينهم ابنه عبد الوهاب ويزيد بن فنديك وقد بويع عبد الوهاب مما ترتب عليه نشوء خلاف بينه وبين ابن فنديك. وقد انقسمت الإباضية - التي هي ديانة ابن رستم ومن معه حيث نقلها من المشرق إلى المغرب - إلى فرقتين: الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم , والنكارية , ودارت بيت الطرفين معارك ومقاتل تنهزم فيها النكارية إلى أن قتل زعيمها ابن قنديره وفي حالة ضعف من النكارية انضم إليهم الواصلية المعتزلة. وقد عزم عبد الوهاب هذا على الحج في آخر حياته إلا أن أتباعه نصحوه بالبقاء في " نفوسة " خوفاً عليه من العباسيين. وتوفي عبد الوهاب هذا الذي يعتبر مؤسس للدولة الرستمية ذات الاتساع في شمال إفريقيا عام 211 هـ (1) .   (1) - انظر هذا الكتاب ج 2 ص 551 إلى ص 557 طباعة دار النهضة العربية بيروت وفيه معلومات أشمل عن عبد الوهاب هذا ودولته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 2) أما المؤلف الفرنسي شارلي أندري فقد تحدث في كتابه " تاريخ أفريقيا الشمالية " تعريب محمد مزالي , والبشير بن سلامه عن مالك الخوارج ومن ضمنها مملكة تاهرت التي هي الدولة الرستيمة وقد أفاض في حديثه عن معتقداتها واتساعها ومعالمها الحضارية وتسميتها بالوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الذي خالف أهل ملته كما أبان بأنها تخالف أهل السنة في المعتقد (1) . 3) كما تحدث الفردبل في كتابه " الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي " من الفتح العربي حتى اليوم وقد ترجم هذا الكتاب عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي في عدة مواضع وقال بأن الخوارج الوهبيين الذين سموا نسبة إلى عبد الله وهب الراسبي الذي قاتله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهروان هم خوارج أباضية. وعن انقسامهم أيضاً حيث قال: أباضية المغرب في تاهرت منهم وهم الذين كانت دولتهم الرستمية وكانوا أشد الفرق تعصباً. ثم قال عن أتباع عبد الوهاب بن رستم هذا الذي سميت فرقته بالوهابية نسبة إليه لما أحدثه في المذهب من تغيرات ومعتقدات: بأنهم أشد الأباضية تقوى وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة (2) . والزركلي في الأعلام أخذ خلاصة من عشرة كتب تعرضت لسيرة الأباضية والدولة الرستمية في تيهرت بالجزائر ومما جاء في كلامه عنه بأن عبد الوهاب هذا ثاني الأئمة الرستميين من الأباضية فارسي الأصل كان مرشحاً للإمامة في حياة أبيه وجعلها أبوه شورى فوليها بعد وفاته بنحو شهر   (1) - راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب من ص 40 إلى ص 0 ومواطن أخرى. (2) - انظر ص 150، ومن ص 140 إلى ص 152 من هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 سنة 171 هـ واجتمع له من أمر الإباضية وغيرهم مالم يجتمع مثله لزعيم إباضي قبله وكان فقيهاً عالماً شجاعاً يباشر الحروب بنفسه وله مواقف كثيرة مذكورة واستمر إلى أن توفى وفي تاريخ وفاته خلاف والزركلي يرجح أن وفاته 190 هـ (1) . ومن هذه النبذة الصغيرة نستدل على أن هذه الفرقة قد رصد عنها أشياء كثيرة ليس من الفرنسيين وحدهم - بل من أبناء البلاد أيضاً منه جرى الاطلاع عليه وأكثره لم نطلع عليه. لأن عبد الوهاب الرستمي هذا قد جعل من تاهرت مركزاً فكرياً وفتح باب الجدل مع علماء السنة ثم الشيعة التي قامت دولتهم في نهاية القرن الثالث الهجري باسم الدولة الفاطمية حيث قضى عبد الله الشيعي في عام 296 هـ على الرستمية (2) . مما تتبلور عنه تفنيد معتقدات الرستميين التي تختلف مع ما يراه أهل السنة والجماعة وثبتت به الأحاديث الصحيحة. وهذا الحوار هو الذي تفتق عنه جذور عميقة عند علماء وفقهاء المغرب وحول هذه الفرقة ومعتقداتها. وقد استغل المستعمرون وأصحاب المصالح تلك الجذور في إذكاء العداوة بين أبناء المسلمين فيما بعد فألبسوا الثوب القديم بما فيه عيوب وما عليه من مثالب لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته الإصلاحية السلفية كما ألبسوا هذا الثوب لكل دعوة تدعوا إلى نقاوة الإسلام والإقتداء بالمسيرة الأولى في تبليغ دين الله الحق منذ قام بها رسول   (1) - راجع الأعلام ج 4 ص 333 - 433 ومن هامشه يتضح مراجعة لمن يرغب الإستزاده. (2) - انظر البيان المغرب في أخبار الأندلس والمعرب ج 1 ص 197 وفيه سمي عبد الوهاب عبد الوارث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده مستغلين الحزازات ضد الدعوة الجديدة التي جاءت لإصلاح العقائد وإعادة الناس إلى منزلة الإسلام الأولى التي سار عليها الصفوة الأولى من أمة الإسلام مدة ثلاثة قرون لم تعرف الدخائل ولا البدع اللهم إلا فرقاً عرفت بمباعدتها للإسلام حيث قوتلت في وقائع كثيرة ابتداء من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جرد سيفه لقتالهم اتباعاً لمنهج الرسالة المحمدية التي حاد عنها أولئك الذين خرجوا عليه. الاستعمار. . ومواجهة الدعوة : - كما هي عادة أعداء الإسلام لا يدخلون في المواجهة مع الإسلام لمعرفتهم بعدم الصمود لأن حججهم واهية ولكنهم يستغلون فئات من المنتمين للإسلام ليجعلوهم جسوراً يعبرون منها لمآربهم ويضعون باسم الشبهات حيث أدرك الصليبيون والحاقدون على الإسلام من واقع مجريات الأمور في الأندلس وفي أرض الشام وفي حروب الدولة العثمانية مع أوروبا وغير ذلك من المواقف العديدة أن الإسلام الصافي من الشوائب والحريص أبناؤه على نشر دين الله وتخليص الأمم الأخرى مما يخالفه هو عدوهم الأول فلا يستطيعون مجابهته لأنه المنتصر إذاً فلابد من تشويه صورته وتفرقة أبنائه وإثارة الفتن والقلاقل في بيئته. أولاً: فالإنجليز مثلاً لمسوا آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أعظم مكان يعتزون باستعماره والاستيلاء على خبراته عندما تلقفها الهنود على يد الداعية الإسلامي: أحمد بن عرفان الشهير بأحمد باريلي , وأتباعه وفي حركات أخرى مثل " الفراتفيين وتيتومان " نزار علي (1) .   (1) - انظر انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية تأليف محمد كمال جمعة ص 63 - 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 تلك الدعوات التي ناوأت القاديانية الكافرة التي أرادها الإنجليز واجهة إسلامية تحقق مآربهم وينضوي تحتها من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه. ويظهر انزعاج الإنجليز وحرصهم على القضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تمثل يقظة جديدة في الدين الإسلامي ودعوة إلى فهمه من مصادر الصافية: كتاب الله , وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم بذلوا جهوداً وأموالاً في هذا السبيل وقد أبانت رحلة " سادلير" الضابط البريطاني وقائد الفوج 47 ومبعوث الحكومة البريطانية في الهند الذي قام برحلة شاقة من الهند إلى أن وصل الرياض ووقف على أطلال الدرعية التي هدمها إبراهيم باشا بناء على تخطيط اشترك في الإعداد له الإنجليز ليطمئن على تفتيت الحكومة الإسلامية التي تحركت في الجزيرة لإيقاظ المسلمين والقضاء على قاعدة الدعوة السلفية بنفسه لما أحدثته من خوف وقلق بداخل الحكومة الإنجليزية خوفاً على مصالحها وقد كان في رحلته هذه ضمن قافلة كبيرة أغلبها من الأتراك أبانت هذه الرحلة جانباً مهماً في التعاطف والحرص على القضاء على هذه الدعوة التي تمثل يقظة إسلامية توحد المسلمين كما أبانت عن حقد الإنجليز على الإسلام ذلك الحقد المخطط له من التبشير الكنسي الموجه بأفكار المستشرقين ودسائسهم. فقد مر بالدرعية متشفياً في 13 أغسطس من عام 1819 م (1) , وبعد أن ارتاحت نفسه شد الرحال لاحقاً بإبراهيم باشا حتى أدركه في آبار علي , على مقربة من المدينة المنورة ليقدم له التهاني بهذا النصر مقرونة بهدايا حكومة الهند الشرقية (الحكومة البريطانية) (2) هذا من جانب ومن جانب   (1) - راجع رحلته ترجمة أنس الرفاعي وتحقيق سعود بن غانم العجمي ص 85 - 87 , وص 96 - 99. (2) - نفس المصدر من ص 105 - 110 , وص 156 - 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 آخر حتى يطمئن الحكومة البريطانية على نتائج القضاء على قادة هذه الدعوة وهدم وتدمير قاعدة الملك فيها وذلك عام 1233 هـ لأن آثارها قد امتدت لمواطئ أقدام الإنجليز في ديار الإسلام في كل مكان. وكان سادلير يكرر عبارات التشفي والارتياح للقضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مثل قوله " مع سقوط الدرعية وخروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون وأنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل وتحت أقسى الظروف " (1) . ثم من باب التفرقة أيضاً في داخل البلد الواحد يقول " إن البدو لم يثبتوا على الوهابية إلا مرغمين وذلك حين كانت الدعوة قوية وسهلت لهم سبل النهب " (2) . مع أن الدولة السعودية منذ أن قامت على ركيزة الدعوة إلى الله مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عام 1158 هـ كانت تحكم شرع الله وتقطع يد السارق فأمنت الطرق لأن أول ما حاربته النهب والاعتداء على الناس أو أخذ أموالهم. وهذا وغيره من كلامه فيه تناقض وتشويه للحقيقة وخداع للناس بما يعطي من معلومات لأسباب جاءت في كتابه عندما تحدث عن قوة القواسم البحرية في الخليج والبحر العربي حتى وصلوا إلى بومباي في الهند وهاجموا سفناً عديدة لحكومة الهند الشرقية وسفناً حربية إنجليزية , والقواسم ممن أيد الدعوة السلفية فهم يعاضدونهم لأن مبادئ الدعوة السلفية تحض على   (1) - نفس المصدر السابق ص 149. (2) - انظر كتاب هذا ص 151 - 153 , وص 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 مقاومة السلطان الأجنبي لأنهم كفار لا يحق لهم بسط النفوذ على ديار الإسلام. ولأن ولاية الكافر لا تجوز على المسلم فالمسلمون يجب أن يلوا أمورهم بأنفسهم ليحكموا شرع الله في بلادهم. وقد تحدث سادلير في كتابه هذا كثيراً عن هذا الموضوع الذي أرق بريطانيا فتحدث مع إبراهيم باشا وحمل كتاباً من الإنجليز له بطلب التحالف ضد القواسم وعن دور بريطانيا في شرق الجزيرة العربية لمناوأة كل من يؤيد الدعوة السلفية التي أيقظت همة الناس وفتحت مغاليق أفكارهم وحركتهم من سبات عميق. وقد ظهرت همومه وسمومه ضد الإسلام والمسلمين في مواقف: 1) بث العداء بين أهل اليمن ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كقوله ك وقد سقط آخر زعيم يمني وهابي خلال إقامة هذا الباشا - يعني خليل ياشا - وهذا الزعيم هو محمود ين محمد , والذي جئ به مكبلاً بالأغلال إلى حبك ومن هناك أرسل بسفينة إلى مصر ... إلى آخر حديثه عن اليمن (1) ومثل هذا ما هو إلا محاولة للتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة كما قال عن عُمَان وأبناء الجزيرة العربية كلاماً يدعوا للفرقة بين أبناء الجزيرة جميعاً يربطهم الإسلام ويجمع شملهم مصدراً التشريع فيه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (2) . 2) وصفه التساهل الديني بالتقدم الحضاري والمحافظة على شعائر الإسلام بالتناقض مع متطلبات النفس في مثل قوله: يصف بدو نجد: وهم   (1) - انظر كتاب هذا ص 108. (2) - انظر رحلته هذه: رحلة عبر الجزيرة العربية ص 149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 حريصين جداً على عباداتهم ولا يهملون أياً من الصلوات المفروضة مهما كان المسير طويلاً في أسفارهم وتحت أشق أنواع الحرمان والعوز ويظهر التناقض الغريب عنده بمقارنة هؤلاء البدو مع الأتراك الذين يتسمون بثقافة روحية أكثر لكنهم لا يسمحون للدين أو للصلوات أن تتعارض مع راحتهم واطمئنانهم أبداً (1) . 3) محاولة الحط من قدر أهل المدينة المنورة ووصفهم بنعوت كثيرة كالشحاذين والجشع وأن من حقهم - اعتقاداً - أن يكونوا متغطرسين وأنهم يعيشون على صداقات الحجاج إلى غير هذا مما ينبئ عن جذور صليبية. (2) . 4) لكن الأغرب من ذلك أن يقول سادلير عن إبراهيم باشا: أبأنه تناول معه الطعام على الطريقة الإنجليزية وأنه تحدث معه عن رحلته وأعطاه الهدايا البريطانية والخطابات قبل دخوله المدينة للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وقدم له الشاي والدخان والسعوط والغلايين وفنجان القهوة يقدم في صحن مرصع بالألماس (3) . ب أنه ليس إلا ولد متبنى لمحمد علي وعندما ترعرع أمضى سنة كرهينة في استنبول ويقال أن إبراهيم باشا ولد بعد شهور قلائل من زواج والديه لكنه كان مفرطاً في إدمانه على الخمر وجلفاً مع المستخدمين عنده (4) .   (1) - انظر رحلته هذه ص 116 - 118. (2) - انظر رحلته هذه ص 105 , ص 106 , ص 109 , ص 110. (3) - نفس المصدر ص 137 وانظر بالتفصيل من ص 137 إلى ص 143 (4) - نفس المصدر ص 137 وانظر بالتفصيل من ص 137 إلى ص 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ت وفي موطن آخر يقول: وكان يشرف على خدمة بعض المماليك فقط ولدى دخوله أرض (محمد) المقدسة صمم سعادته على اعتزال اللهو والمسكرات فأهدر كل ما كان مختزناً عنده منها مما أتى به من القاهرة وكان ذلك قبل انطلاقه نحو المدينة (1) . ثانياً: والفرنسيون أيضاً لهم دور فقد أحسوا باهتمام الشمال الإفريقي بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحرصهم عليها في مثل: 1) اهتمام سيدي محمد بن عبد الله العلوي , سلطان المغرب الأقصى بها حيث قام بمحاربة البدع والانحراف كما كان يحارب تشعب الطرق الصوفية ويدعوا إلى العودة إلى الاجتهاد وإلى السنة (2) إلى جانب حرصه الشديد وحرص الدولة العلوية منذ أن قامت على محاربة النصارى وفي تعاطفهم مع الدعوة السلفية قوة تمتد إلى نفوذ الفرنسيين. هذا السلطان هو الذي وصفه المؤرخ الفرنسي شارلي جوليان بقوله: وكان سيدي محمد وهو التقي الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية وتأييد عائلة آل سعود لها وقد أعجب بعباراتها وكان يؤثر عنه قوله " أنا مالكي المذهب وهابي العقيدة وقد ذهبت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين والمحللة لمذهب الأشعرية وتهديم بعض الزوايا (3) . 2) كما أنه في عام 1226 هـ حج جماعة من المغاربة صحبة المولى   (1) - انظر كتاب انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 235 تأليف محمد جمعه كمال نشرته الدارة. (2) - نفس المصدر السابق ص 150. (3) - انظر كتابه: تاريخ أفريقيا الشمالية ج 2 ص 311. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب ونقل عنهم صاحب كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى: أنهم ما رأوا من ابن سعود ما يخالف ما عرفوه من ظاهرة الشريعة وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه مآبه الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر وتنقية الحرمين من الآثام (1) . 3) رسالة بعث بها الإمام سعود بن عبد العزيز لأهل تونس يشرح فيها حقيقة التوحيد وأصول الدين وهي رسالة طويلة تقع في ثلاث صفحات مطبوعة كما جاءت في صحيفة ألمانية ضمن مقال طويل باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية في المغرب أما الرسالة فقد كتبت باللغة العربية (2) . 4) والسلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع في فاس عام 1226 هـ كان معاصراً للإمام عبد الله ابن سعود ووالده الإمام سعود بن عبد العزيز الذي دخل مكة عام 1217 هـ , الموافق لعام 1802 م أراد أن يتحقق من ابن سعود وما يدعوا إليه فأرسل ابنه المولى إبراهيم في جماعة من علماء المغرب وأعيانه ومعه جواب من والده فوصلوا إلى الحجاز وقضوا المناسك وزاروا الروضة الشريفة كل هذا على ألمن والأمان والبر والإحسان ويقول في هذا الشيخ أحمد الناصري صاحب كتاب الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى من ص 119 إلى ص 123: حدثنا جماعة وافرة من حج المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان - يعني ابن سعود - ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة وإنما شاهدوا منه ومن   (1) - انظر هذا الكتاب التاريخي في أحداث عام 1226 هـ. (2) - انظر صحيفة اسلاميكا ISLAMIGA وهي دورية ألمانية كما علق على الرسالة الكاتب بتشويه الدعوة بخلاف ما جاء في الرسالة وهذا غير مستغرب من المستشرقين - العدد الأول المجلد السابع عام 1935 م ص 72 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وصيام ونهي عن المنكر الحرام وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بع من غير نكير وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب آل البيت الكريم وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته وكان الذي تولى الكلام معه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزرعي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة وأي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟ فقال له القاضي: بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى. فقال له: معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب فهل في هذا مخالفة؟ قالوا: لا وبمثل هذا نقول أيضاً. ثم قال له القاضي: وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه. وقال: معاذ الله إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره وكذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء. وفي نهاية ذلك الحديث قال المؤلف: وأقول إن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك ولجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها عن حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة والتغالي في البدعة وبين فيها آداب زيارة الأولياء وحذر من غلو العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (1) .   (1) - انظر انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لمحمد كمال جمعه ص 235 - 237 , وانظر الاستقصاء للناصري أيضاً ج 8 ص 120 / 122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وينقل الأستاذ محمد كمال جمعه عن دائرة المعارف الإسلامية بأن المولى سليمان قد تأثر بعد عام 1810 م بالوهابية أو على الأصح بالدعوة السلفية التي قام بها السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مما جعله يتخذ موقفاً صارماً ضد المربوطية وهو اللقب الذي كان يطلق في المغرب على الصوفيين (1) . 5) كما ينقل عن الدكتور عباس الجراري في محاصرة ألقاها في عام 1399 هـ بجامعة الرياض بأن هذا التيار السلفي في المغرب قد ظهر مرة أخرى في بداية القرن الرابع عشر الهجري حين وجه السلطان الحسن الأول سنة 1300 هـ رسالة إلى الشعب المغربي (2) . 6) وقد تحث أحمد بن حجر عن الحركة السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي في الجزائر وأنه تأثر بها عندما كان يطلب العلم في مكة وقت استيلاء آل سعود عليها وقد ابتدأ حركته الإصلاحية في الجزائر على ضوء تعاليم الإصلاح الديني الإسلامي الذي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب (3) . ثالثاً وفي مصر: يلمس من يقرأ تاريخ عبد الرحمن الجبرتي المتوفى عام 1237 هـ المسمى عجائب الآثار في التراجم والأخبار في مثل قوله: ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجياً ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو عرضه. ثم أورد رسالة من رسائل الإمام سعود التي أرسل لشيخ الركب المغربي تتضمن دعوته وعقيدته وقد بين في تلك الرسالة أمور الدين مجملة وعرض لبيان الشفاعة وفتنة وتعظيم القبور   (1) - نفس المصدر ص 237. (2) - انظر المصدر السابق ص 237 - 238 وفيه تفصيل أكثر والاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى ص 119 - 123 ج 8. (3) - انظر كتاب محمد بن عبد الوهاب ص 106 - 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 والنذور - أي للمقبورين - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتخاذ الوسائط عند الله وأعقب ذلك بقوله: وعلى هذا أقول إن كان كذلك فهذا ما ندين لله به نحن أيضاً وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه " إغاثة اللهفان " والحافظ المقريزي في " تجريد التوحيد " والإمام اليوسي في " شرح الكبرى " وذكر كتباً أخرى - كلها تدافع عن حقيقة التوحيد الصافي النقي الذي صلب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1) . ومن جانب آخر ذكر الجبرتي مطامع الإنجليز في الشمال الإفريقي المسلم عندما ذكر قصة الإنجليز مع أهل الجزائر لأن لهم صولة واستعداداً ويغزون مراكب الإفرنج ويغنمون منهم مغانم ويأخذون منهم أسرى وتحت أيديهم أسرى كثير من الإنجليز وغيرهم فقد جاء الإنجليز بمراكبهم ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا أسراهم بمال فأعطاهم أهل الجزائر ما يزيد عن الألف أسير ودفعوا عن كل أسير مائة وخمسين ريالاً فرنسياً ورجعوا من حيث أتوا إلا أنهم بعد مدة رجعوا وبأيديهم مرسوم آخر يطلبون باقي الأسرى فامتنع حاكم الجزائر من ذلك وترددوا في المخاطبات وفي هذه الأثناء وصلت مراكب فأثاروا الحرب والضرب بطرائقهم المستحدثة فأحرقوا مراكب أهل الجزائر وقد أمد سلطان المغرب مولاي سليمان أهل الجزائر وبعث لهم مراكب عوضاً عن الذي تلف (2) .   (1) - انظر كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج 3 ص 269 - 282 آخر حوادث صفر سنة 1218 هـ. (2) - انظر عجائب الآثار للجبرتي ج 4 ص 276 - 277 وفيه تفصيل أكثر مما أوردنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 رابعاً: الإيطاليون: أقلقهم ما قام به محمد بن علي السنوسي المولود في الجزائر عام 1202 هـ من دعوة إصلاحية في ليبيا لإعادة الإسلام إلى صفائه ووضعه الصحيح في النفوس تطبيقاً وعملاً والوقوف ضد الإيطاليين الوافدين الذين لا يهمهم إلا استغلال خيرات البلاد والتفريق بين المسلمين (1) . كما أقلقهم تأثر الحجاج الصوماليون بها وامتدادها إلى القرن الإفريقي لقربهم من الجزيرة العربية وتأثر الحجاج المغاربة بها حيث نقلوا آثارها لبلادهم فقام فيهم مصلحون مجددون. خامساً: والهولنديون حركهم ما لمسوه من اهتمام جديد من المسلمين الذين استولوا على ديارهم ويظهر ذلك واضحاً بالحرص على الولاء لعقيدة الإسلام في جزيرة سومطرة وجاوة وسولو بإندونيسيا مما وفد لتلك الديار مع الحجاج المتأثرين بما يجب أن ينقى به المجتمع الإسلامي وتصفى من شوائبه شعائر الإسلام بعد أن درس هؤلاء الحجاج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التجديدية واهتموا بها بعد أن اطمأنوا على سلامة منهجها في إصلاح العقيدة المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولما فيها من صفاء الدعوة وسلامة الاتجاه والبعد عن الهوى وأنها لم تأت لمآرب ذاتية. فلذا نقلوا بقناعة لبلادهم حيث قامت دعوات متعددة مثل: الجمعية المحمدية في جاكرتا التي بدأت الدعوة بنبذ الشوائب والخرافات التي أدخلت على تعاليم الإسلام مما وقف حائلاً دون اتساع دعوة المستعمرين في تبني فئات إسلامية أو محسوبة على الإسلام تشجع الخرافة   (1) - انظر تاريخ أفريقيا الشمالية ج 2 ص 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وتنمي البدع في المجتمع الإسلامي مما يستفيد منه المستعمر بتغذية الطائفية وتذكية الفتن على مبدأ الاستعمار: فرق تسد. ولقد بدأ هذا التأثر من عام 1803 م الموافق لعام 1218 هـ عندما قامت حركة ضد الهولنديين استمرت 16 عاماً تغلبت فيها قوى الاستعمار على السلفيين الموحدين المتأثرين بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1) . هذا إلى جانب دول إسلامية عديدة انتقلت إليهم آثار الدعوة مع الحجاج الذين أعجبوا بها لما فيها من تخليص الإسلام من الشوائب التي أدخلت عليه وتخليص البلاد من المستعمر الجاثم عليها والحريص على إفساد عقيدة أهلها بما يشيعه من أعمال وما يتيحه من فرص للفساد والإفساد ولما يدعوا إليه المبشرون من رغبة في تحويل المسلمين إلى النصرانية وما يبثه الملحدون وأصحاب النزعات الأخرى من دعوة لترد المسلمين عن دينهم ومحاولة لإبعادهم عن صفائه ونقاوته التي تخاطب العقول المستنيرة. لذا كثرت الأصوات المستجيبة في كل مكان كالسودان ومصر والشام واليمن وأفغانستان وجزر الهند الشرقية ونيجيريا وبلاد الهوسا وبرنو وبلاد التكرور وغيرها مما ذكره كل من درس حياة الشيخ وأثرها في بلاد الشام لأنها أيقظت الهمم وحركت الناس من سباتهم وأوجدت يقظة فكرية ورغبة واسعة في إصلاح المجتمع الإسلامي بالدين السليم كما قال بذلك الإمام مالك رحمه الله مما زلزل أقدام المستعمرين وحرك مشاعرهم ضد هذه الدعوة والمعتنقين لمبادئها.   (1) - انظر كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأحمد بن حجر ص 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الدولة العثمانية .... والدعوة: - إن تأثر بعض الأوروبيين وبعض الأتراك وجماعات من الأفارقة إلى جانب اهتمام مجموعة من المفكرين المسلمين بدعوة الشيخ في بلاد الشام والمغرب وحتى داخل تركيا وغيرها كل هذا أثار حفيظة الباب العالي وأرباب المصالح والمناصب الذين موهوا الحقيقة على العثمانيين واغتنموا بعض التصرفات من الأعراب في الحج فلبسوا الشبه للتنفير ضد هذه الدعوة لإثارة الحفائظ على من قام بها واختلاق أشياء لم يكن لها أساس من الصحة. وفي رسائل الشيخ محمد وإجابات تلاميذه نبين الجوانب الإيجابية والحرص من بعض المسلمين استجلاء حقيقة الدعوة من الشيخ نفسه بإرسال رسائل له أجاب عليها مثل: 1- رسالة الشيخ محمد رحمه الله إلى الشيخ فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام التي جاء فيها: فالسبب في المكاتبة أن راشد ابن عربان ذكر لنا عنك كلاماً حسناً سر الخاطر وذكر عنك أنك طالب مني المكاتبة بسبب ما يجيك عنا من كلام العدوان من الكذب والبهتان وهذا هو الواجب من مثلك أنه لا يقبل كلاماً إلا إذا تحققه ثم بدأ يشرح له ما قيل ويوضح الحقيقة في ذلك وفق شرع الله وهدى رسوله الكريم تفنيداً وشرحاً (1) . 2- رسالة الشيخ محمد رحمه الله إلى عبد الرحمن السويدي علام من أهل العراق جاء فيها: فقد وصل كتابك وسر الخاطر جعلك الله من أئمة المتقين ومن الدعاة إلى دين سيد المرسلين وأخبرك أني ولله الحمد متبع   (1) - انظر الرسالة كاملة في الجزء الخامس من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الطبعة الأولى ص 32 - ص 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ولست مبتدع عقيدتي وديني الذي أدين لله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة لكني بينت للناس إخلاص الدين لله ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم وعن اشتراكهم فيما يعبد الله من الذبح والنذور والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق لله الذي لا يشرك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة (1) . 3- رسالة الشيخ محمد ين عبد الوهاب التي بعث إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام ويوضح لهم عن المعالم المهمة في دعوته ومما جاء فيها قوله: جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين فلما كبر هذا على العامة لظنهم أنه تنقيص للصالحين ومع هذا نهيناهم عن دعواهم وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور كبر على العامة جداً وعاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب أخرى لا تخفى على مثلكم أعظمها اتباع هوى العوام مع أسباب أخرى فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين وأنا على غير جادة العلماء ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها وأنا أخبركم بما نحن عليه خبراً لا أستطيع أن أكذب بسبب أن مثلكم لا يروج عليه الكذب على أناس متظاهرين بمذهبهم عند الخاص والعام فنحن ولله الحمد متبعون غير مبتدعين على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء أني أدعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور والأمر بترك دعوة الصالحين لما أظهرناه يخالف مذهب سلف الأمة.   (1) - انظر الرسالة كاملة في الجزء الخامس من مؤلفات الشيخ محمد نشر جامعة الإمام بالرياض ص 36 - 38 وانظر الدرر السنية ج 1 ص 54 - 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 إلى أن قال: وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسولكم أني متبع لأهل العلم وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه فبينوا لي وأنا أشهد الله أني أقبل على الرأس والعين والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل (1) . 4- ورسالته أيضاً إلى عالم من أهل المدينة وفيها يقول: الخط وصل أوصلك الله إلى رضوانه وسر الخاطر حيث أخبر بطيبكم فإن سألت عنا فالحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات وإن سألت عن سبب الاختلاف الذي هو بيننا وبين الناس فما اختلفنا في شئ من شرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك ولا في شئ من المحرمات الشيء الذي عندنا زين هو عند الناس زين (2) . وغير ذلك من الرسائل حيث تخوفت منها الدولة العثمانية بقياداتها في العالم الإسلامي نتيجة الجهل وتعاونوا مع المستعمرين من اجل مصالحهم من جهة ومن أجل ضرب المسلمين بعضهم ببعض لتحقيق المآرب بإضعاف قوة المسلمين والقضاء على دعوة الإصلاح التي تؤلف بين القلوب وتجمع الشمل وتقضي على أسباب الفرقة بإتباع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه وما ذلك إلا من جهل هذه القيادات بما تنص عليه تعاليم الإسلام وخوفهم على مراكزهم ومصالحهم التي قدموها على حكم الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم بإتباع الأهواء والرغبات. وبذلك يخرج العدو المستعمر هو الكاسب من جانب ومن جانب آخر فلأن المسلم لا يقبل ذلك المستعمر المخالف له في دينه أن يتدخل فيما   (1) - انظر المرجع السابق ص 40 - 42. (2) - انظر المرجع السابق ص 44 - 49 وفيها شرح كامل لمعتقد أهل السنة والجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 يتعلق بعقدته وإلا انكشفت النوايا وعادت الحروب الصليبية من جديد. ولذا فإن هؤلاء الغربيين ولا يستبعد أن يكون من بينهم يهود يهمهم ضرب الإسلام كما هي مخططاتهم وأعمالهم منذ حل رسول الله صلى اله عليه وسلم في المدينة مهاجراً والدارس يلمس مثل هذا الشعور لدى عبد الله بن أبي رأس المنافقين في المدينة وعبد الله ابن سبأ اليهودي الذي دخل الإسلام ليفسده من داخله وليشك ضعاف الفهم للإسلام في مكانته فكان أول من انشأ فرقة فيه عرفت باسم السبأية. كما نلمس هذا في دراسات المستشرقين الذين حاولوا تشويه صورة الإسلام في العصر الحديث للتنفير منه والدرس في فكره وتأريخه وغالبيتهم من اليهود. فقد بدأ هؤلاء جميعاً يقبلون صفحات التاريخ وينبشون الماضي علهم يجدون أشياء ترضى أصحاب الأهواء من أدعياء العلم الذين نصبهم المستعمر في مقامات إسلامية يستتر خلفهم ويزينون له ما يريد وأصحاب المصالح الذين باعوا أخراهم بعرض من الدنيا فهؤلاء جميعاً ينشدون غرضاً ويريدون تحقيق غاية. فأوهموا العامة وأنصاف المتعلمين الذين لا يقرؤون ولا يتعمقون وهم الغالبية العظمى في المجتمع الإسلامي ذلك الوقت بأن هذه الدعوة الجديدة التي تحركت في الجزيرة العربية ما هي إلا امتداد لتلك السابقة التي كانت في المغرب: فرقة الخوارج الأباضية التي تخالفكم معاشر المسلمين في المذهب والمعتقد. ولكي تنطلي الحجة ويمر التمويه لفقوا أقاويل على الشيخ محمد واتباعه وأوضح رحمه الله كذبها في رسائله العديدة وعرف هذا علماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 المغرب في حوارهم عام 1226 هـ عندما حج المولى أبو إسحاق إبراهيم بن السلطان المولى سليمان رحمه الله ومعه مجموعة كبيرة من علماء المغرب لحوار الإمام سعود بن عبد العزيز ومناقشته فيما نسب إليهم وكان هذا بعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بزمن. وقد سجلت تواريخ المغرب عن هذه الحادثة ما يثبت البراءة لهذه الدعوة السلفية من كل نسب إليها وقناعة علماء المغرب من سلامتها وصدقها حتى أن الإمام إبراهيم هذا اقتنع بها (1) وقد وجد هذا القول - أعني القدح في هذه الدعوة - صدى في نفوس راغبي الزعامة والتسلط باسم العلم والمعرفة ولدى أصحاب الأهواء والمصالح الظاهرة أيضاً. هذا من جانب ومن جانب آخر انطلت النسبة إلى عبد الوهاب - والد الشيخ محمد وهي نسبة غير صحيحة لأنه لم يكن هو صاحب الدعوة ولأنهم لو نسبوها للشيخ محمد لصارت محمدية ولا يتحقق لهم ما أرادوا لأن الدين الإسلامي كله يسمي الرسالة المحمدية نسبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغها عن ربه. والعامة لا تفرق بين هذا وذاك ولذا حرصوا أن يكون للاسم المراد إطلاقه صدى في نفوس الجماهير الذين هم قاعدتهم في التمويه والتلبيس وخلفية يموه بها على أنصاف المتعلمين.   (1) - راجع سيرة المولى أبي إسحاق بن سليمان في تواريخ المغرب مثلاً: الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ج 8 ص 120 - 125 للناصري والإعلام بمن حل مراكش واغمات من الأعلام ج 10 ص 68 - 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ظهر مثل هذا القول في تقارير وخطابات إبراهيم باشا التي كان يبعث بها لمحمد على بمصر وفي كتابات لبعض العثمانيين حيث بدأ إطلاق الألقاب التالية: الوهابية , الخوارج , المارقين من الدين (1) على دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية من ذلك التاريخ. هؤلاء في مظهر عام اتفقوا جميعاً في اتجاه واحد للتلبيس على الناس في هذا الأمر والناس بطبيعتهم يتخوفون من كل جديد ويستنكرون ما جاء لمخالفة ما ساروا عليه. وخير شاهد في هذا ما نجده موضحاً في القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة من أمور كثيرة في موقف المعاندين للإسلام عندما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه داعياً ومنقذاً. كما نلمس شاهداً حياً في عصرنا الحاضر عندما بدأ الشباب الإسلامي يهتم بدينه ويرجع لتعاليم ربه فيما أطلق عليه: الصحوة الإسلامية فقد بدأت صحف الغرب والشرق ووسائل إعلامه وجهود مفكريه تشوه الصورة وتنفر من الاتجاه وتصف هذا التحول الإسلامي بنعوت متعددة لكي يوجد حجاب يمنع المسيرة ويقضي على الحماسة. والعامة في كل عصر ومكان وهم الجم الغفير يلجأون في مثل هذا الأمر إلى مصدر القوة لتوضيح لهم الأمر وتجلي الحقيقة لكن هذا المصدر في ذلك الوقت من علماء وأرباب مصالح أرادوا قلب الحقائق وتشويه   (1) - راجع مثل هذه الوثائق: رسالة محمد على يعتذر للأتراك فيها عن القيام بحرب ابن سعود ص 353 - 355 ورسالة يوسف كبخ الخاصة بحرب آل سعود ص 362 - 370 وأمر تعيين يوسف ضبا باشا قائداً عاماً للعساكر بالحجاز ص 381 - 382 والملحق رقم 7 ص 383 - 384. ورسالة إبراهيم باشا بعد حرب شقراء والتبشير بفتحها ص 422 - 444 وغير ذلك كثير. انظر كتاب الدولة السعودية للدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم في هذا وهو من مطبوعات جامعة الدول العربية ص 349 - 440. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 أصوات المستجيبين العارفين وذلك بإطلاق الشبهة واختلاق الآراء التي تلقفها العامة بالنشر والإذاعة من جانب ومن جانب آخر بالاستجابة للنداء بالوقوف ضد هذا الاتجاه الذي سموه للناس انشقاقاً في الدين وخروجاً على جماعة المسلمين وبدعاً في الدين بينما واقع الأمر عكس ذلك. وقد وجدت هذه الشبهة التي أطلقت صدى في نفوس أرباب المصالح والجاه لدى الباب العالي العثماني خوفاً على سمعة ومكانة الدولة ونفوذها بعد أن أثاروا حفيظة والدة أحد سلاطينهم على الإمام عبد الله بن سعود بعد انتصاره على جيوشهم في وادي الصفراء بين المدينة وينبع. وفي كثير من أقطار المسلمين بالتبعية حيث روجها أناس يأكلون أموال الناس بالباطل ويرضون بزعامات مؤقتة دينية ويتسلطون بها على الجهال الذين لا يدركون حقيقة دينهم ولا نوايا هؤلاء وما هم عليه وهذا ما كان يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من زلة العالم والعلماء المضللين الذين يفتون بغير ما أنزل الله فيضلون ويضلون (1) . وقد ضرب هؤلاء جميعاً على الوتر الحساس في حياة الناس وهو الدين الذي تحتاجه النفوس وتتشوق إليه الأفئدة ولكنها تجهله حقيقة وتجهل المصادر التي يجب أن يؤخذ منها فتتبع كل ما يقال لها فيه. ومن هذه الجذور بدأوا في التعاون لتشويه الدعوة التي كان من أهدافها توحيد كلمة المسلمين ونبذ الخرافات وتنوير الأذهان وتوجيه النفوس إلى العلم باعتباره مصدر الحقيقة حيث بلغ الأمر بالناس في الدرعية كما ذكر ابن غنام وابن بشر في تاريخها رغبة عارمة في النهل من   (1) - من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة وعروة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 العلم ثم العمل المتواصل لكسب المعيشة فكان تلاميذ الشيخ يوزعون أوقاتهم بين العلم والعمل. من بعد صلاة الفجر حتى ارتفاع الشمس للعلم ثم يتجهون لأعمالهم وفلايحهم حتى الظهر ليرتاحوا العمل من العصر حتى المغرب إلى العشاء جلسات علم واهتمام بالبحث عن المعرفة في الحلقات والنقاش. شبهات الخصوم : - وهذا مما دفع أيضاً بعض الأشخاص ممن تعارضت مصلحته الدنيوية مع دعوة الشيخ على مخالفة الشيخ ومحاولة التشهير به كذباً وافتراء وأغلبهم من بني قومه فألصقوا بالشيخ ودعوته أشياء كثيرة طفق جاهاً في رسائله العديدة إلى التبرئ منها والدفاع عن سلامة المعتقد الذي ينادي به وأنه لم يخرج عن الكتاب والسنة وسوف يكون لنا مع بعض أولئك وقفة خاطفة ترشد طالب الحقيقة إلى بعض مواطن الداء. وإن من يقرأ ما كتبه خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عنها من افتراءات وأكاذيب فإنه لا شك سيلمس أن جميع ما أوردوه من شبهات وما اختلقوه من مجادلات لا أصل لها في أي مصنف مما كتبه رحمه الله بل إن رسائله العديدة التي ملأت سفراً كاملاً ورسائل وردود أولاده وأحفاده وتلاميذه من بعده وهي كثيرة وعديدة كلها كانت تنفي تلك الأقاويل وتتبرأ منها بأيمان صادقة ومثل هذه الرسائل والردود التي يجدها المتتبع لمسيرة هذه الدعوة والمنافحين عنها النافين للشبهات المطروحة من دون أصل ثابت منذ اقترانه بالعمل الجهادي السياسي وحتى اليوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 إننا عندما نعود إلى أصل تلك الشبهات فإننا سنراها لا تخرج عن: 1- شبهات ذات جذور في الفرق السابقة ألصقوها بالشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أن له رأياً فيها هو رأي أهل السنة والجماعة حيث ينكر خروجها عن الصف الإسلامي كما أنكرها قبله شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في الشام والإمام الشاطبي في المغرب والعز بن عبد السلام في مصر سنة 660 هـ. 2- وإما أشياء مختلقة لا أساس لها من الصحة ولم ترد في أصل مما نقل عن نصوص ومؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا في مؤلفات تلاميذه وأبنائه. والمختلق لا حدود له وفيه تمويه على القارئ والسامع فقد أبانت رسائل الشيخ ضد هذا الشيء الكثير كما مر بنا في مقتطفات من أربع رسائل بعثها للآفاق (1) البراءة من كل ما نسب إليه وأنه محض افتراء لا أصل له عنده قولاً أو عقيدة خذ مثلاً قوله في إحدى رسائله لأهل القصيم وقد جاء فيها: ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم (2) قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم والله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي. فمنها قوله: أني مبطل كتب المذاهب الأربعة وإني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ وإني أدعي الاجتهاد وإني خارج عن التقليد وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمه وإني أكفر من يتوسل بالصالحين وإني   (1) - من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة وعروة. (2) - انظر ص 75 - 77 من هذا الكتاب وأصول هذه الرسائل في الهوامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أكفر البوصيري لقوله: يا اكرم الخلق وو إني أقول لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت له ميزاباً من خشب وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلمو إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما وإني أكفر من حلف بغير الله وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميته روض الشياطين جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور (1) . 3- ويدخل في هاتين الحالتين ظهور عجز من جادلوا أتباع الشيخ وأفحموهم ومن باب الرغبة في تغطية هذا العجز بدأوا ينالون من الشيخ ودعوته وهذا من باب التلبيس على الناس ذلك أنهم لو قالوا الحقيقة التي دارت في النقاش لانتهت مكانتهم ومصالحهم ولذا لم يبق أمامهم إلا قلب الحقيقة وتمويه النتيجة لأن ما جرى لم ينشر على الملأ. 4- وإما كلام مبتور من أصل كلامه رحمه الله أو أقول مؤول على غير معناه مثل من يقرأ " ويل للمصلين " ويسكت عن إكمال الآية. ويدخل في هذا قولهم: إن أتباع محمد بن عبد الوهاب ينكرون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وينكرون رسالته مما لا يصدقه عاقل متبصر. ولا أستبعد أن يكون جميع من كتب متهجماً على الشيخ محمد ودعوته بأنه لم يقرأ واحداً من كتبه سواء في التوحيد والعقيدة أو الفقه والأحكام أو التفسير والسيرة النبوية بل إنه لم يناقش رأياً مما قال وإنما حركتهم   (1) - واحد من أهل الرياض ناوأ الدعوة وخاصمها وصار يكتب في الآفاق يختلق ما لم يقله الشيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 المصالح الدنيوية وأعماهم الهوى حيث وجدوها فرصة عاجله لأخذ عيوب الوهابية الرستمية , الخارجية الأباضية التي قال فيها علماء الإسلام ما قالوا ودار حولها في المغرب نقاش طويل وردود ومجادلات وتناولها علماء المغرب والأندلس في كتبهم بالردود والقدح كثيراً لإلصاق تلك العيوب بالدعوة الجديدة بادئ ذي بدء. وقد استغل الخصوم قرابة في الاسم فطابقوا اللقب في الحالين وأطلقوا الأول على الثاني وأعطوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب اصطلاحاً جديداً هو اسم لجذور عميقة في نفوس المسلمين في شمال أفريقيا بصفة خاصة وهو "الوهبية أو الوهابية " فوجدوا هذا ثوباً جاهزاً ألبسوه دعوة الشيخ محمد للتنفير منها حيث أبرزوا عيوب السابقة والصقوها بدعوة الشيخ محمد. والمغاربة ممن شهد لهم التاريخ بدور إيجابي في الوقوف ضد الدعوات المناهضة لأهل السنة: مع عبد الوهاب بن رستم هذا ثم مع الفاطميين العبيديين وغيرهم ثم بمناهضة المستعمر في بلادهم والوقوف ضد مطامعه. فألبس أعداء الإسلام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ثوباً مستعاراً من باب التنفير خوفاً من عودة المسلمين إلى المنهج المحمدي وبساطته واستمالة لقلوب المسلمين الذين ملوا الفرقة وأضناهم الخلاف فيكون في ذلك سبب لاتفاق الكلمة ونبذ الخلافات التي ينفذ منها الأعداء. لاسيما وأن صدوراً في العالم الإسلامي وخاصة في شمال أفريقيا قد انفتحت لهذه الدعوة واستجاب لها أصحابها لأنها بغية كل مسلم كما مر بنا نماذج من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فأقض ذلك مضاجع أصحاب المصالح وأرباب الأهواء والبدع وتعاموا عن الحقيقة حيث بذلوا جهوداً مضنية لطمسها وإلهاء الناس عنها وعن تتبع مصادرها بحثاُ واستقصاء. ويتضح مثل ذلك في كتابة الباحثين الغربيين والمستشرقين من فرنسيين وإيطاليين وإنجليز وألمان عن الإسلام والمسلمين في شمال إفريقيا على وجه الخصوص وفي كل مكان بوجه عام وخاصة عند تعرضهم لليقظة الفكرية الجديدة في تاريخ الإسلام التي ترتبط دائماً ومن الدراسات المنصفة بقيام السيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته وامتدادها للعالم الإسلامي لأنها جاءت في وقت الظلمة والجهل. ففي الوقت الذي بدأ المسلمون يعون حقيقة الدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأعادت للمسلمين يقظة فكرية عقدية في المنهج الإسلامي الصحيح والعقيدة الصافية السليمة لأنها لم تخرج بالإسلام عن نقاوته الأولى حيث سلك في هذا الدرب منحى المصلحين في تاريخ الإسلام المجددين لمنهج السلف الصالح كلما اندثر كابن تيمية أحمد بن عبد الحليم المتوفى بالشام عام 728 هـ وابن قيم الجوزية المتوفى بدمشق عام 751 هـ والشاطبي المتوفى بغرناطة بالأندلس عام 790 هـ والعز بن عبد السلام المتوفى بمصر وغيرهم كثير من علماء السلف. كما تحدث عن ذلك كثير من العارفين والمفكرين العرب والمسلمين وغيرهم. وقد أورد الأستاذ عبد الله بن سعد بن رويشد في كتابه الإمام محمد بن عبد الوهاب في التاريخ: حدود أربعين رأياً تشيد بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودورها في تحريك اليقظة في نفوس المسلمين في كل مكان من المعمورة (1) .   (1) - راجع هذه الرسالة كاملة في ج 5 من مؤلفات الشيخ قسم الوسائل الشخصية ص 8 - 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 عودة لإثارة الشبهات : - دهمت العالم عامة والمسلمين بصفة خاصة المبادئ المنكرة من شيوعية ومأسونية ووجودية وعلمانية وإلحادية ولم يجد المسلمون مخرجاً يضئ لهم الطريق ومنفذاً يهربون منه إلى بر ألمان إلا بالإسلام الصافي النقي الخالص من الشوائب والدخائل. ذلك أن أبناء المسلمين قد جبلهم الله على حب الولاء والاتجاه بالعقيدة إلى ما يوصل لله جل وعلا وهذه فطرة الله التي فطر البشر عليها وإن جذور الإسلام تجذبهم ورابطته تجمع بينهم فتتجاذب القلوب لتتقارب النفوس إلا أن جهات ذات أهداف متباينة وأحقاد دفينة تأتي مع بعدها عن العاطفة مع المسلمين لتستغل ذوي العقول الضعيفة والمآرب الوقتية والبضاعة المزجاة من العلم والمعرفة فتتحدث باسم العلم وتتزعم باسم الغيرة والمعرفة وهذا ما كان يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من العلماء المضللين الذين يلبسون الأمور على الناس. ألمس هذا عندما بدأت كتب تطبع وتوزع بالمجان مجدداً في إفريقيا وآسيا وأوروبا تعيد تلك الشبهات على المسلمين بعد أن كاد المسلمون ينسوا الماضي بأحقاده ويتآلفون من جديد على منهج كتاب الله وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم بعد أن عصفت بهم الفتن وأعمل الأعداء أيديهم في التخريب والإفساد وذلك من أجل تنقية الدين من الشوائب الدخيلة ذلك أن النصرانية الحاقدة واليهودية الماكرة قد حركتا الأعوان لأنهما بدأتا تفلسان في ديار الغرب فضلاً عن ديار الإسلام بعد أن تمرد عليهم أبناؤهم وشعروا بخواء أفكار أرباب تلك الدعوات ثم عندما رأوا أبناء المسلمين يتجهون للإسلام الصحيح في نقاوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 حسبما حدثني أحد الدعاة في أفريقيا عن حرص الناس هناك وفي كل مكان على تتبع تعاليم الإسلام من مصادرها الصحيحة النقية. وكان مما حدثني به هذا الداعية أن أحد علمائهم مال مع تلك الكتب التي تطبع في دولة إسلامية وتوزع بعدة لغات وقد بدأ هذا الشيخ ينال من شخصية محمد بن عبد الوهاب ودعوته ويصفها بنعوت عديدة لتأثره بالكتب التي وصلته وألصقت بالدعوة الإصلاحية التي انتهجها الشيخ ومن جاء بعده سبهاً ة افتراءات. فقال له الداعية: هل قرأت للشيخ محمد بن عبد الوهاب شيئاً من كتبه؟ قال: لا ويكفي ما قيل عنه. وكان الداعية ذكياً فأعطاه كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن نزع عنه غلافه وقال: أحب أن تقرأ هذا الكتاب وتعطيني رأيك فيه غداً. وفي موعد اللقاء: أثنى ذلك العالم على هذا الكتاب وترحم على مؤلفه لما حوى من علم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم واتجاه رصين يحتاج إليه المسلمون في تصحيح معتقداتهم. فما كان منه إلا أعطاه نسخة أخرى منه وعليها الغلاف. وقال له: هذا هو الكتاب كاملاً ومؤلفه الشيخ محمد ين عبد الوهاب صاحب الدعوة الإصلاحية التجديدية السلفية كما ترى وبقية كتبه من هذا النوع. فما كان من ذلك العالم إلا أن قال: حسبنا الله ونعم الوكيل لقد أتهم الشيخ بما ليش فيه وما نقرؤه عنه يخالف ما يقوله هو في مؤلفه هذا إن هذا هو التوحيد الخالص الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه الصلاة السلام ودعانا إلى التمسك به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ومنذ عشرات السنين حصلت قصة مماثلة في الهند فقد هدى الله عالماً من علماء الهند بتوفيق من الله ثم بمناظرة مع شخص يسمى البكري في قضية مماثلة. هذه نظرة عامة يحسن بالمسلمين عموماً الانتباه إليها وألا يجعلوا الآخرين يفرضون عليهم رأياً بدون معرفة خفاياه فالرأي العلمي والحقيقة التي تتعلق بالعقيدة والدين يحسن بالمسلم العارف أن يبحث عنهما وينقب بنفسه عن كل ما يؤصلهما ويتوثق ويدقق حتى لا تزل قدمه بعد ثبوتها ويترتب على ذلك خلاف في الصف الإسلامي لا يستفيد منه سوى العدو الذي يبذل الشيء الكثير من جهده وماله وفكره وأعوانه لبث الفرقة وتشتيت الشمل بين أبناء المسلمين لأن مصالحه ومنافعه في هذه الفرقة وسيطرته ونفوذه في بذر الخلافات. وندعوا الله أن يجمع كلمة المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم في آخر الزمان كما ألف بينهم في أوله عندما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} (سورة الأنفال آية 63) واليهود والنصارى لن يرضوا عن المسلمين حتى يفسدوا عليهم دينهم ويجعلوهم في خلاف مستمر وتشاحن وتباغض كما أبان الله عنهم ذلك الشعور في محكم التنزيل عندما قال {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى} (سورة البقرة آية 120) ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله وأولها لم يصلح إلا بعقيدة الإسلام الصافية النقية وآخرها لن يصلح إلا بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 خصوم الدعوة من داخل المنطقة : - جوبهت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أول ما جوبهت من داخل المنطقة التي انطلقت منها فوقف أمامها أناس ادعوا العلم وكانت لهم مصالح سوف تتأثر من معرفة الناس للحقيقة التي حرص الشيخ على إبانتها للناس مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والهوى دائماً يعمي ويصم كما أن للحسد دوراً في تلك المجابهة كما يقول الشاعر العربي: حسدوا الفتى إذ لم يكونوا مثله ... فالقوم أعداء له وخصوم لقد بلغ من هؤلاء القوم أن انبروا لدعوة الشيخ بالحرج والكذب والافتراء .... ثم لخوفهم الذي اقلق راحتهم بدأوا يبثون الرسائل يميناً وشمالاً من باب التنفير والكيد كما حصل من ابن سحيم وابن مويس وغيرهما ممن سوف نلم بذكرهم والإشارة لانتشار رسائلهم التي كشفها الشيخ محمد نفسه في الرسائل التي يبعث بها للآفاق داعياً وموضحاً من جهة ومزيلاً لما علق بالأذان من أكاذيب وافتراءات من جهة أخرى. ولن ندخل في تلك المنافحات والمراسلات ولكن يكفي أن نستشهد بالآية الكريمة {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} (سورة الرعد آية 17) لقد ذهب القوم جميعاً الناقد والمنقود والمفتري والمفترى عليه وأثبتت الأيام صدق إخلاص الشيخ محمد رحمه الله حيث بقي صدى الدعوة بل ازداد وحرص الناس في كل مكان على تتبع كتبه رحمه الله ودراستها كما عاد كثير من المناوئين إلى رشده بعدما استبان لهم سلامتها وصدق هدف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الداعية لأن الحق أحق أن يتبع أما أولئك المناوئون فقد ماتت أسماؤهم ومات معها كل ما قالوه ولا يكاد الناس يعرفون عن أغلبهم إن لم نقل كلهم إلا من فحوى رسائل الشيخ محمد رحمه الله. هذا في الدنيا وأما في الآخرة فالجزاء عند الله جلت قدرته لأنه هو الذي يعلم السرائر وما تخفي الصدور. وقد اعتبر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - خصوم الشيخ ثلاثة أقسام: - 1- علماء مخرفون يرون الحق باطلاً والباطل حقاً ويعتقدون أن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين وأبغض الأولياء وهو عدو يجب جهاده. 2- وقسم آخر من المنسوبين للعلم: جهلوا حقيقة هذا الرجل ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بعض الأولياء والأنبياء ومن معاداتهم وإنكار كراماتهم فذموا الشيخ وعابوا دعوته ونفروا عنه. 3- وقسم آخر خافوا على المناصب والمراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتنزلهم عن مراكزهم وتستولي على بلادهم (1) . ومن أبرز خصوم الدعوة الذين صاروا يكاتبون الآفاق ويفترون على   (1) - انظر الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته للشيخ ابن باز ص 27 - 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الشيخ أشياء لم يقلها ثم لما ضاق بهم المكان وعرف الناس حقيقة دعوة الشيخ محمد واتبعوها لأنها دين الله الخالص , لم يسعهم إلا مغادرة الديار إلى أماكن أخرى ليوصلوا عملهم ويجدوا ميداناً أرحب يصولون ويجولون فيه فموهوا على كثير من المسلمين واغتر بهم بعض العلماء هناك من دون روية أو تبصر. ونذكر من أولئك بعض الأسماء باختصار: 1- سليمان بن محمد بن سحيم الذي جاء ذكره في كثير من رسائل الشيخ بأنه يكتب للأمصار في النيل من الشيخ ومهاجمة دعوته حيث يصور للناس برسائله أشياء لم تقع من الشيخ وليس لها أصل , كان من علماء الرياض وبعد سقوط الرياض في يد الدولة السعودية الأولى غادر للأحساء ثم الزبير بالعراق وقد توفي هناك وفيها أولاده عام 1181 هـ (1) . كما روى هذا العداء للدعوة من آل سحيم لعدة رجال وكلهم بيت علم ذلك الوقت في مدينة المجمعة وفي الرياض ولعل السر في هذا من حسد العلماء وغيرتهم لأن الشيطان حريص بدخول المنافذ على الإنسان مهما كانت. 2- محمد بن عبد الله بن فيروز النجدي أصلاً الأحسائي مولوداً , كان من العلماء الأعلام وقد اهتم به والي البصرة العثماني عبد الله أغا لما انتقل إليها وسكنها وبقي بها حتى آخر حياته عام 1216 هـ , حيث دفن بالزبير وقد خرج من الأحساء عندما أوشكت جيوش آل سعود أن تدخلها لأنه ناوأ   (1) - انظر ترجمته عند ابن بسام في علماء نجد خلال ستة قرون ج 1 ص 322 وتاريخ ابن غنام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الدعوة منذ بدايتها فوجد عند الوالي ما يعينه على تحريض السلطان العثماني بالقضاء على الدعوة وقمعها (1) وقد أيده في هذا المسلك بعض تلاميذه ماعدا: محمد بن رشيد العفالقي الذي هاجر للمدينة فلما دخلها الإمام سعود بن عبد العزيز أكرمه كعادته في إكرام العلماء وجعله على قضاء المدينة فأحب الدعوة السلفية وكان من دعاتها وظهرت جهوده في مصر بعد أن سكنها فأحبه الناس هناك وله دور كبير في تعريف الناس بالسلفية وتوفي بالقاهرة سنة 1257 هـ (2) . 3- محمد بن عبد الرحمن بن عفالق له مكانة علمية في الأحساء يرتاده طلاب العلم وقد توفي بالأحساء سنة 1163 هـ وقد أدرك أول دعوة الشيخ محمد - رحمه الله - فعاداها وكتب إلى الشيخ رسالة يتحداه فيها بأن يبين له ما تحتوي عليه سورة العاديات من المجاز والاستعارة والكناية وغيرها من العلوم البلاغية , حيث صح في اعتقاده أن استحضار النكت البلاغية والاصطلاحات البيانية هي الوسيلة الوحيدة على تحقيق ما يجب لله تعالى على عباده من معرفته ومعرفة توحيده وإخلاص العبادة له كما قال الشيخ عبد الله بن بسام عند ترجمته لحياته (3) 4- عبد الله بن عيسى المويسي قاضي حرمة الذي جاء ذكره في رسائل الشيخ كثيراً فأخذ الشيخ محمد يحذر الناس منه ويبين أعماله وقد توفي ببلده عام 1175 هـ (4) وذلك قيل انتشار الدعوة أو اتساع دائرتها في الجزيرة العربية.   (1) - انظر ترجمته في علماء نجد لابن بسام ج 3 ص 882 - 886 ورسالته في محاربة الدعوة في تاريخ ابن غنام وابن بشر. (2) - انظر مشاهير علماء نجد لعبد الرحمن آل الشيخ ص 228 ويسميه أحمد. (3) - انظر علماء نجد خلال ستة قرون ج 3 ص 820. (4) - نفس المصدر ج 2 ص 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 5- عثمان بن عبد العزيز بن منصور الذي درس في العراق ومن أشهر مشايخه داود بن جرجيس , ومحمد بن سلوم الفرضي , وهما من أشد خصوم الدعوة وبين ابن جرجيس وعلماء نجد ردود ومنافرات حول هذه الدعوة قال ابن بسام في ترجمته: والمترجم له متردد في اتجاهه العقدي فمرة يوالي الدعوة السلفية وينتسب إليها وأخرى يبتعد عنها ويوالي أعداءها ولذا فإنه لما وصل نجداً داود بن جرجيس الذي أخذ يقرر استحباب التوسل بالصالحين من الأموات والاستعانة بهم ونحو ذلك مما يخالف صافي العقيدة ناصره وصار يثني عليه ويمدح طرقته وقرظ كتابه وأثنى على نهجه بقصيدة بلغت ستة وثلاثين بيتاً وقد رد عليه بقصائد مماثلة بالوزن والقافية أكثر من سبعة علماء من نجد (1) 6- محمد بن عبد الله بن حميد المولود في عنيزة سنة 1232 هـ ومفتي الحنابلة في مكة إلى أن توفي بالطائف سنة 1295 هـ ذكر ابن بسام في ترجمته لحياته قائلاً: إن المترجم له بحكم وظيفته تبع الدولة العثمانية - مفتي الحنابلة بالحرم المكي - التي حابت العقيدة السلفية وبحكم وجود المترجم له بعد النكبة التي أصابت الدعوة السلفية في بلادها فقضت عليها وكثرت أعداءها والموالين لأضدادها وبحكم قراءته خارج نجد على علماء نذروا أنفسهم لمحاربة هذه الدعوة فإن هذه المؤثرات طبعته بطابعها الخاص وجعلت منه خصماً لها وحليفاً لأعدائها (2) 7- مربد بن أحمد التميمي الذي ناوأ الدعوة ثم سافر على اليمن سنة 1170 هـ وبدأ يبث التشويه لسمعة الدعوة ودعاتها والقائمين عليها وبقي هناك حوالي عشرة أشهر وفارقهم إلى الحجاز مع الحجاج.   (1) - انظر متابه علماء نجد في ستة قرون ج 3 ص 696. (2) - انظر علماء نجد في ستة قرون ج 3 ص 865 - 866 وانظر مخطوطة ابن حميد " السحب الوابلة على ضرائع الحنابلة " حيث ضرب صفحاً عن علماء الدعوة وناصر خصومها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وقد قال عنه ابن بسام عند ترجمته: والقصد أن هذا الرجل وأمثاله ممن ناوأوا الدعوة الإصلاحية هم الذين شوهوا سمعتها وألصقوا بها الأكاذيب وزوروا عليها الدعاية الباطلة حتى اغتر بهم من لا يعرف حقيقتها ولا يخبر حالها فرميت بالعداء عن قوس واحد إما من الحاسدين الحاقدين وإما من المغرورين المخدوعين وإما من أعداء الإصلاح والدين حتى غزتها الجيوش العثمانية في عقر دارها فأوقفت سيرها وشلت نشاطها بالقضاء على دعاتها وإبادة القائمين عليها من ملوك الحكومة السعودية الأولى ورجال العلم من أبناء الشيخ محمد وأحفاده حتى شاء الله تعالى انبعاثها مرة أخرى هيأ الله لها البطل المغوار الإمام تركي بن عبد الله, الذي قاوم الجيوش التركية حتى طهر البلاد منها (1) ولا تزال بحمد الله في طريق آمن وممهد ومن أثرها الأمن الذي تنعم به البلاد في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية السمحة. وقال في نهاية ترجمته إنه عاد من الحجاز إلى بلده حريملاء ولكن الإمام محمد بن سعود تغلب عليه فهرب منها فلما وصل بلدة رغبة أمسكه أميرها علي الجريسي وقتله وذلك في عام 1171 هـ (2) . 8- وهناك علماء آخرون لم يعرف عنهم التحدي للدعوة لكنهم يميلون مع خصومها في البلاد التي انتقلوا إليها أمثال: محمد بن علي بن سلوم الفرضي الذي انتقل من سدير إلى الزبير بالعراق متعاطفاً مع شيخه محمد بن فيروز حيث توفي بالعراق هو وابناه عبد الرازق وعبد اللطيف اللذان أصبحا من أعلام علماء سوق الشيوخ والبصرة في وقتها. وإبراهيم بن يوسف الذي تعلم في دمشق م سكنها وكان له حلقة علم في الجامع الأموي وقتل في ظروف غامضة هناك عام 1187 هـ ,   (1) - انظر كتابه علماء نجد في ستة قرون ج 3 ص 949. (2) - نفس المصدر ص 950. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وراشد بن خنين الذي انتقل من الخرج إلى الأحساء ومات هناك بغير عقب (1) . وغيرهم ممن جاء ذكرهم في رسائل الشيخ كابن إسماعيل وابن ربيعة وابن مطلق وابن عبد اللطيف وصالح بن عبد الله وغيرهم وقد بلغ ماجمع من رسائله التي توضح دعوته رحمه الله والرد على ما قيل نحوها من افتراءات واحد وخمسون رسالة , وطبعت في 323 صفحة ضمن مجلد واحد وهي ذات فائدة كبيرة لمن يريد التحقق عن كثب عن كنه الشيخ ودعوته ولا ريب أن كثيراً من ناوأها عندما استبانت له الحقيقة رجع عن رأيه السابق لأن الحق أحق أن يتبع. الهدف من التسمية : - لئن كان مسعود الندوي - رحمه الله - في كتابه " محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه " قد قال: إن من أبرز الأكاذيب على دعوة شيخ الإسلام تسميتها بالوهابية ولكن أصحاب المطامع حاولوا ن هذه التسمية أن يبثوا أنها دين خارج على الإسلام واتحد الإنجليز والأتراك والمصريون فجعلوها شبحاً مخيفاً بحيث كلما قامت أي حركة إسلامية في العالم الإسلامي في القرنين الماضيين ورأى الأوروبيون فيها خطراً على مصالحهم ربطوا حبالها بالوهابية النجدية وإن ناقضتها (2) فإن الشيخ أحمد بن حجر قاضي المحكمة الشرعية الأولى بقطر قد ربط افتراءات بعض المتكلمين الحنابلة السابقين بالافتراءات على الشيخ محمد   (1) - في تراجم هؤلاء انظر السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لإبن حميد وعلماء نجد في ستة قرون لإبن بسام , وروضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين لمحمد بن عثمان القاضي. (2) - انظر كتابه هذا ترجمة عبد العليم البستوي مراجعة وتقديم الدكتور محمد تقي الدين الهلالي ص 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 لأن المخالفين لا ينقصون من قدر الآخرين إلا بالافتراء عليهم وكذلك المستعمر لا يجد طريقاً في القضاء على الحركات الإسلامية إلا بمثل هذا الأسلوب. وكان مما قاله الشيخ أحمد في كتابه " نقض كلام المفترين الحنابلة السلفيين ": ((ونسبوا إلى الشيخ وإلى أتباعه أنهم لا يجعلون للرسول صلى الله عليه وسلم حرمة بل يقول أحدهم عصاي خير من الرسول. ولا يرون للعلماء ولا الصالحين مقاماً وينكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرمون زيارة القبور وقبور سائر المؤمنين ولا يرون الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعتنون بكتب الأئمة بل يحرقونها ويتلفونها ولا يرون تقليدهم جائزاً ويكفرون المسلمين من قرون عديدة سوى من كان على معتقدهم ويحرمون قراءة المولد النبوي)) (1) إلى غير ذلك من المزاعم. والجواب أن هذه الأشياء المنسوبة إليهم كلها كذب لا نصيب لها من الصحة أبداً وهذه كتبهم مطبوعة تباع وتوزع فمن أراد أن يعرف كذب هذه المزاعم فليقرأ كتبهم (2) . ومن هنا ندرك السر في الإصرار على لقب الوهابية وإشاعة أنهم مذهب خامس لأن علماء المغرب قد اكتووا بنار الوهابية الرستمية الخارجية الأباضية التي قامت هناك وأسسها عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في آخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري ولديهم فتاوى حولها ومذهب أهلها كما أوضحنا من قبل. فهي ثوب جاهز ما على أعداء الدعوة إلا خلعه على هذه الدعوة الجديدة   (1) - من المعلوم أن إقامة المولد النبوي وقراءة المولد على ما يفعله البعض تقرباً وتعبداً بدعة , يراجع القول الفصل في مولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم للشيخ إسماعيل الأنصاري. (2) - انظر كتابه هذا ص 57 - 58 إلى ص 101 حيث يرد على تلك الشبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 من باب التنفير واختصار الطريق لأنه لا يخدم المستعمر في ديار الإسلام إلا أصحاب البدع والخرافات. أما العلماء من أصحاب المصالح فتمسكوا بما قيل من افتراءات وألصق من شبهات رغم أن الحوار والنقاش ينفي تلك التهم وأنها لا أساس لها من الصحة ويتبرأون منها وما ذلك إلا أن الهوى يعمي ويصم. ولكي يؤكدوا صحة ما وضعوا من شبهات استغل أعداء الدعوة ما صار بين الشيخ محمد وأخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب من خلاف بادئ الأمر حيث عارضه سليمان شأنه شأن طلبة العلم في منطقة نجد وخارجها عدم الاستجابة إلا بعد معرفة الحقيقة فإذا استبان الرشد رجعوا للحق مذعنين. والشيخ سليمان أيضاً ممن اقتنع بحقيقة الدرب الذي سار فيه أخوه وسلامة المقصد فصار من مؤيديه بعد ذلك. نقول استغل الخصوم ذلك فألفوا رسالتين نسبتا إلى سليمان هذا هما " الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية " و " فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب " بينما المتتبعون للأمر ينفون ذلك عن سليمان وإنما قصد إلصاقها بسليمان لزيادة التنفير بأن أخاه سليمان وهو أقرب الناس أنكر عليه بينما واقع الحال أنه تابعه ووفد إليه معتذراً في الدرعية. وكدليل آخر على كذب هذه المؤلفات وعدم صحة نسبتها لسليمان أن لقب الوهابية لم تتفتق عنه الحيلة إلا مع الحملات التركية المصرية بقيادة إبراهيم باشا على نجد وبعد موت الشيخ محمد بأكثر من عشرين سنة وبعد موت سليمان أيضاً. بدليل أن " ني بور " المعاصر الأوروبي للشيخ محمد لم يستعمل اصطلاح الوهابية أصلاً وقال مسعود الندوي عنه: ويظهر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 هذا اصطلاح الوهابية لم يكن معروفاً إلى ذلك الوقت ولكنه يسمي دعوة الشيخ بدين جديد New صلى الله عليه وسلمeligion مع أنه في النهاية يعبر عن مذهب محمد بن عبد الوهاب الجديد بالمحمدية. وأن أول ذكر للوهابية جاء عند " برك هارت " الذي جاء الحجاز بعد استيلاء محمد علي في سنة 1229 هـ كما جاء ذلك عند الجبرتي في تاريخه (1) . وكما جاء أيضاً في رحلة سادلير التي مر بنا ذكرها. وقرينة ثالثة فلو كان سليمان بن عبد الوهاب ممن رد على أخيه وناوأ الدعوة فإن اسمه سوف يتكرر في الردود وسيأتي له ذكر أسوة بأسماء من ناوأها ولو لفترة حيث الجدل والنقاش مستمر وإنما هو ثوب ألبس لسليمان هذا ولم يكن له , كما ألبست الدعوة اصطلاحاً لا يربطها به صلة , لتنافر ما بين دعوة الشيخ محمد والوهابية الرستمية الخارجية , من حيث المعتقد والمحتوى والمكان والطريقة والاستشهاد بالدليل الشرعي ولذا لم يرد له ذكر في ذلك مما يدل على براءته من ذلك. فالوهابية الرستمية تخالف معتقد أهل السنة والجماعة كما هو معروف عنهم من الدارسين لحالهم؟ , بينما الشيخ كما يقول بنفسه في رسائله وتشهد به جميع كتبه وكتب أبنائه وتلاميذه: متبع وليس بمبتدع يسير وفق مذهب أهل السنة والجماعة ويدعو رأيه بالدليل الصحيح من كتاب الله الكريم وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وما انتهجه السلف الصالح من القرون المفضلة كما هو واضح القياس في جميع كتبه ورسائله. وقرينة رابعة: فإن مخالفة سليمان بن عبد الوهاب لأخيه كانت في بداية أمر الشيخ محمد , ووقتها لم تتعد الردود الكلام الشفوي والمراسلات   (1) - راجع كتاب الندوي محمد بن عبد الوهاب ص 167 - 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الصغيرة , وابن غنام ممن رصد ذلك بتاريخه وقد عاصرهما وتوفي بعدهما بزمن ولم يذكر من ذلك شيئاً رغم أنه ذكر المخالفين للشيخ. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن كلمة الوهابية نسبة لوالدهما سوياً ولا يمكن أن يكون لسليمان الابتداع في إطلاقها لأنه لم يرد على والده من جهة ومن جهة أخرى فإنه يدرك أن النسبة خطأ لأنها من نسبة الشيء إلى غير أصله فال يمكن أن تقول للمكي إنه مدني ولا للمغربي أنه هندي وإن أطلقت تجاوزاً فهما يشتركان فيها , الراد والمردود عليها. وهذه لا تنطلي على سليمان بن عبد الوهاب إذا كان هو صاحب الرد حقيقة. وقرينة خامسة: أن الكاتبين عن الدعوة في وقتها حيث لفتت الأنظار من الغربيين وغيرهم مثل " ني بور " ممن عاصرها الذي وصل إلى الأحساء فقد كان يسميها المحمدية نسبة إلى محمد ابن عبد الوهاب وتارة يسميها الدعوة الجديدة. وهذان الاسمان لا يحققان الغرض المقصود باستثارة العامة و " برك هارت " الذي وصل الحجاز عام 1229 هـ وقابل محمد علي وأثنى على هذه الدعوة ومكانتها العقدية وسلامتها من الشوائب وانتقد من يخافها فيما رصده برحلته. مما يبرهن على أن الحيلة قد تفتقت عن اسم يراد به الإثارة. ويعطي شرعية على تحريك الجيوش , وتجريد الحملات ضد هذه الدعوة بمثل هذا اللقب الجديد الذي لابد أن يكون له جذور تستولي على المشاعر وإثارة الحماسة. ولذا سبقت هذه التسمية الحملات من أجل إرهاق الناس بالضرائب ودعوتهم للبذل والإنفاق كما ذكر الجبرتي في تاريخه من أقاويل عنهم بوجوب قتال الخوارج , وبأن الوهابية الأباضية الخارجية قد عادت للظهور فيجب بذل المستطاع لمحاربتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 هذا من أهم بواعث نفض الغبار عن ذلك اللقب الكامن في سجلات التاريخ ولذا فإنه قد كذب على سليمان بن عبد الوهاب تأليف هذه الرسالتين بعد موته بزمن. كما زيفت في الوقت الحاضر مذكرات " همفر " الذي قيل عنه بأنه جاسوس بريطاني وعن علاقته بالشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث لم يعرف لذلك أصل ولم يسمع بهذا الشخص من قبل. وهذا من الادعاءات التي لا برهان عليها أو دليل يؤيدها ... والكذب لا حدود له. وأعداء الإسلام يهتمون بإثارة مثل هذا لما فيه من بلبلة للأفكار وتحريك للفتن ونزع للثقة من كل داعية مخلص. وصحافة اليوم دليل قاطع على هذا المنهج في الإثارة وكثرة الافتراءات على كثير من الدول لأن منهجها يخالف الآخرين. ذلك أن الدين الحق الصافي من الشوائب كلما برز وبدأ الناس يميلون إليه لما فيه من تخليص للنفوس والمجتمعات من السلبيات التي تدخل على دين الإسلام وهو منها براء , ينزعج أعداء الإسلام من ذلك العمل الذي يؤلف القلوب فيحركون أعوانهم لمباعدة هذا الاقتراب , كما تحس هذا عندما قام الفلسطينيون بانتفاضتهم بالحجارة والهتافات ... فقد انزعج اليهود من الدعوة للجهاد التي هتفت بها الأطفال ومن ترديدها لكلمة " الله أكبر " وأشاعوا في العالم بوسائل إعلامهم أن التمرد شيوعي ليصرفوا النظر عن الاتجاه الإسلامي الذي خشاه اليهود.. فما أشبه الليلة بالبارحة. والأمثال في ذلك كثيرة في كل مكان وزمان: فهذا الوتري المولود بالمدينة عام 1261 هـ والذي رأى الأستاذ أحمد العماري الذي حقق رسالته في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 محاكمة السلفية الوهابية بالمغرب في تساؤلاته حول هذه الرسالة بما نصه: ألا يكون الوتري أراد من مرافقته هاته ومحاكمته متابعة السلفية بالمغرب كما تابعها بالمشرق حسب الإشارات التي وردت عنده بالرسالة؟ لماذا يتحيز للسلطان التركي وللوالي على مصر ضد محمد بن عبد الوهاب فهل هو تزمت شديد للطرقية على حساب السلفية , أو توجد خلفيات أخرى وراء التحامل؟ نحاول أن نجيب على هذه الأسئلة من خلال عرض الأسباب التي جعلت الوتري يكتب رسالته (1) إذا فكل من كتب كان لسبب دفعه وهدف وجه إليه. فقد تأثر أمثال الوتري باهتمام أهل المغرب بالدعوة السلفية بعد أن وصلت رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز في عام 1225 هـ حيث عهد المولى سليمان العلوي للأديب السيد حمدون بن الحاج الفاسي الإجابة عليها وقد أرفق بالجواب قصيدة مدح فيها ابن سعود وقد أكد أبو عبد الله محمد الكنسوس أن حمدون بن الحاج أجاب ابن سعود ومدحه بأمر من السلطان سليمان وبرهن على ذلك بأمور مقنعة ثم ذكر المحقق بعضاً من هذه الميمية في مدح سعود ومنها: إن قمت فينا بأمر لم يقم أحد *** به فجوزيت ما يجزاه ذو نعم بقطع أهل الحروب بالحجاز بأن *** يقتلوا أو يصلبوا بلاوهم أو أن تقطع أيديهم وأرجلهم *** عن الخلاف أو أن ينفوا من أرضهم   (1) - انظر ص 4 من هذا التحقيق بمجلة كلية الآداب بفاس شعبة التاريخ عدد خاص سنة 1406 هـ عام 1985 م ويقع هذا التحقيق في 46 صفحة , وقد دافع المحقق بإنصاف عن السلفية في المغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 حتى جرى الماء في بلد الحجاز بأن *** طلعت سعد سعود غير ملتثم لاشيء يمنع من حج ومعتمر *** وزورة يكمل المأمول من حرم إذ عاد درب الحجاز اليوم سالكه *** أهنأ وأمن من حمامة الحرم مذُ لاح فيه سعود ماحياً بدعاً *** قد أحدثتها ملوك العرب والعجم (1) من نتائج الخصومة : - لقد كانت العيينة التي ارتبطت باسم الشيخ محمد وتحركت منها دعوته الأولى , قلعة علمية يرتادها طلاب العلم ورواد المعرفة ويجاورها من الشرق بلدة صغيرة اسمها الجبيلة وقد التصقتا الآن في مدينة واحدة (2) وبالجبيلة كانت توجد قبور الصحابة رضوان الله عليهم الذين قتلوا في حروب الردة حيث قرب المكان من مواقع معارك اليمامة التي أعز الله فيها دينه بقتل مسيلمة الكذاب. ومع الجهل وطول الزمن وضعف العقيدة في النفوس اتخذ الناس عليهم المباني ونصبت القباب على قبر زيد بن الخطاب وبقية الصحابة فصارت النذور تقدم لهم والقرابين تدفع ضدهم وقصدهم الناس من دون الله. والذي يرجع لمبدأ البناء على القبور في العالم الإسلامي يراه مرتبطاً بقيام دولة القرامطة في الجزيرة العربية والفاطميين في المغرب ثم في مصر   (1) - نفس المصدر السابق ص 12. ويلاحظ أن بعض الأبيات لم يستقم وزنها. (2) - تبعد عن الرياض 40 كم من الجهة الشمالية الغربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ولكن العلماء لا يحركون ساكناً لأن جوهر العقيدة وهو المحرك لذلك قد ضعف بل بلغ الأمر إلى الجهة التي لا يوجد فيها أولياء يبنى على قبورهم كان الناس يبحثون عن شئ يتعلقون به كالشجر والحجر والمغارات وغيرها. ومن يدرك من العلماء ضرر ما وقع فيه الناس من خلل وبعد عن العقيدة الصافية فإنه تنقصه الشجاعة في إظهار الأمر ولا يستطيع الجهر خوفاً من العامة التي تدعمها السلطة. لكن الشيخ محمد رحمه الله أدرك هذا وهو لا يزال طالباً إذ بدأ ينمي الشجاعة في نفسه ويوطنها على التحمل في سن مبكرة ويبين ما يحب إيجابه كلما عرض له مناسبة في مثل هذه المواقف. 1- عندما كان يدرس في العيينة كان أحد أساتذته إذا أراد بدء درسه همهم بدعاء يستعين فيه بزيد بن الخطاب ويطلب منه المدد فكان محمد يرد بصوت خفيف لا يسمعه غير هذا الأستاذ لينبهه: الله أقدر من زيد. ومع الزمن ترك الأستاذ تلك العادة ثم استدعاه ونصحه بالرفق فيما هو مقبل عليه مع الحلم في دعوة الناس لأن تغيير ما ألفه الناس وإن كان باطلاً يحتاج إلى علم مقرون بحلم وشجاعة. 2- وعندما كان يطلب العلم في مكة كان يجلس في حلقة أحد المشايخ الذي أعجب به وبذكائه وكان هذا الشيخ إذا قام من كرسيه بعد انتهاء الدرس يقول: يا كعبة الله. فأراد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن يلفت نظر الشيخ وبرفق لهذا الخطأ العقدي. فجاء إليه يوماً مبكراً وقبل وصول الطلاب وقال له: أريد أن أقرأ عليك شيئاً من حفظي في القرآن فرحب الشيخ بذلك: فقرأ عليه سورة قريش فلما وصل إلى الآية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 {فليعبدوا رب هذا البيت} قرأها فليعبدوا هذا البيت فرد عليه الشيخ الخطأ وصحح له ولكنه أعادها ثلاثاً بنفس الخطأ فقال له الشيخ: أنت ذكي فلماذا كررت الخطأ وهذا لا يصح لأن العبادة لله لا للبيت فقال: يا شيخ معذرة فقد تأثرت بك. فقال عجيب وماذا قلت؟ فأخبره بما يقول كلما قام. قال الشيخ هذا خطأ وقد قلدت غيري فيه من دون روية واستغفر الله من ذلك. وأبطل هذه العادة. ثم قال له: سيكون لك شأن ولكن عليك بالتحمل والصبر. 3- أما في الزبير بالعراق فقد آذوه وطردوه لأنه أنكر عليهم التمسح والتوسل بقبر الزبير بن العوام الذي سميت البلدة باسمه. 4- وعندما كان يدرس تلاميذه في الدرعية التوحيد وأيقن أنهم قد أدركوا ذلك أراد اختبارهم وكان بعد صلاة الفجر فقال في أول الدرس لطلابه لقد سمعت ضجة ليلة البارحة في أحد أحياء المدينة وصباحاً فماذا ترون قد حصل؟ فاهتم التلاميذ بالمساهمة والحماسة إذ لعله سارق أو مجرم أو شخص يتعدى على أعراض الناس. وفي اليوم التالي: سألهم هل عرفتم الأمر وماذا ترون جزاءه. فقالوا: لم نعرف ولكن يجب أن يجازى بأقصى العقوبات الرادعة. فقال الشيخ محمد مهوناً الأمر أمامهم ليعرف نتائجه في نفوسهم: أما أنا فقد عرفت: ذلك أن امرأة نذرت أن تذبح ديكاً أسود للجن إن عوفي ابنها من مرض لم به وقد عوفي فتعاونت مع زوجها على ذبح الديك فهرب منهم وصاروا يلاحقونه من سطوح المنازل حتى أمسكوه وذبحوه بدون تسمية للجن كما أخبرها بذلك أحد المتعاطين للسحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فهدأت ثائرة الطلاب. فلما رأى هذا منهم. قال: إنكم لم تعرفوا التوحيد الذي درستم. لما كانت المسألة جريمة يعاقب عليها الشرع بالحد الموضح نوعه في كتب الفقه أهمكم الأمر وتحمستم له ولما أصبح الموضوع يتعلق بالعقيدة هدأتم بينما الأول معصية أما الثاني فشرك والشرك يقول الله فيه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (سورة النساء آية 48) إذاً سنعيد دراسة التوحيد من جديد ثم جاءته فكرة إعداد كتاب التوحيد وتقريره على طلابه من تلك الحادثة. لقد نتج عن دعوة الشيخ أمور منها: بالنسبة لمن يريد أن يسترشد فإنه قد كتب بعضهم للشيخ مستوضحاً عما وصله من أخبار الشيخ ومستجلباً للإجابة عن الشبهات التي نسبت للشيخ ووصل إليهم علمهم. ورسائل الشيخ التي أشرنا إليها من قبل تنبئ عن ذلك ولذا فإن من فطنة الشيخ أن يخبرهم بأسماء من أشاعها من طلبة العلم في زمانه ويوضح لهم ما يجب عليهم. أما العلماء الذين يريدون الوصول للحقيقة فكانت كتاباتهم للشيخ تتسم بعمق النظرة وتركيز السؤال حيث يحكمون على الشيخ من إجابته المدعومة بالدليل الشرعي نقلا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقلاً بما هو مدرك ومحسوس. وهؤلاء الطلاب في الغالب الأعم عندما يتبين لهم الحق يتبعونه ويركنون إليه وتعتبر بمثابة التعليم لهم والإرشاد كما في رسالته إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 محمد بن عيد من مطاوعة ثرمداء (1) ورسالته إلى البكيلي في اليمن (2) ورسالته إلى عبد الله بن سحيم مطوع المجمعة (3) وغيرها. أما الحكام الذين هدفهم حقيقة الدفاع عن دين الله ورد الشبهات التي تثار حوله فإنهم يتخذون المناظرة طريقاً للوصول للهدف ولا يجري المناظرة إلا من لديه استعداد بالرجوع للحق إذا استبان له كما حصل لهذه الدعوة مع علماء مكة التي جرت على إثرها مناظرة بين علماء مكة وعلماء من الدرعية منهم الشيخ محمد بن معمر , والشيخ عبد العزيز الحصين. وقد كانت النتيجة قناعة علماء مكة بسلامة منهج هذه الدعوة وصحة الخط الذي تسير فيه (4) ومع ملوك المغرب فقد كتب الشيخ محمد رسالة لأهل المغرب (5) ثم رسالة أخرى قال عنها أبو العباس الناصري في كتابه التاريخي " الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى " وفي هذه المدة أيضاً وصل كتاب عبد الله بن سعود الوهابي النابغ بجزيرة العرب , المتغلب على الحرمين الشريفين المظهر لمذهبه فيها إلى فاس المحروسة بكتاب لأن ابن سعود لما استولى على الحرمين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب يدعوا الناس إلى اتباع مذهبه والتمسك بدعوته ... ثم شكك المؤلف هل الرسالة أصلها لتونس حيث بعث مفتيها نسخة إلى فاس. أم أنها موجهة   (1) - هي الرسالة الثالثة من رسائله ص 24 - 30 وأيضاً الرسالة الثانية من رسائله ص 16 - 21. (2) - هي الرسالة الرابعة عشر من رسائله ص 94 - 98. (3) - انظر مثلاً الرسالة 11 ص 62 - 76 , والرسالة 20 ص 130 - 140. (4) -راجع كتاب البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد الطبعة الأولى سنة 1424 هـ. (5) - هي الرسالة 17 من رسائله ص 110 - 115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 للسلطان المولى سليمان العلوي بالقصد إلا أن نسخة منه وردت بواسطة علماء تونس (1) . ومن باب الإيضاح: فإن هذه الرسالة قد بعثها الإمام سعود بن عبد العزيز بع أن استولى على المدينة في عام 1220 هـ لأن الشيخ محمد قد توفي في عام 1206 هـ وقد وجدت نسخة من هذه الرسالة منشورة باللغة العربية في صحيفة (اسلاميكا) الألمانية ISLAMICA العدد الأول المجلد السابع الصادر في عام 1935 م ضمن مقال مطول باللغة الألمانية لأحد المستشرقين عن الوهابية بالمغرب. وهذه الرسالة لشرح حقيقة التوحيد وما تنطوي عليه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتقع في ثلاث صفحات (2) ولقد كان لهذه الرسالة صدى لدى حكام المغرب العلويين الذين قامت دولتهم لمحاربة النصارى والنهوض بالمغرب الأقصى منذ عام 1631 م الموافق لعام 1041 هـ (3) . ففي عام 1226 هـ - يقول الناصري: - وجه السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي الذي جرت العادة بخروجه   (1) - انظر الاستقصاء 8 ص 119 - 120. (2) - انظر تلك المجلة حيث علق المستشرق على هذه الرسالة مشوهاً الدعوة بخلاف ما فيها من وضوح وأدلة. (3) - راجع كتاب المغرب الكبير للدكتور جلال يحيى ج 3 ص 65 - 66 ويرى صاحب الاستقصاء أنه عام 1045 ج 7 ص 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 من فاس على هيئة بديعة من الاحتفال ... وكانت الملوك تعتني بذلك وتختار له أصناف الناس من العلماء والأعيان والتجار والقاضي وشيخ الركب وغير ذلك مما يضاهي ركب مصر والشام وغيرهما فوجد السلطان ولده المذكور في جماعة من علماء المغرب وأعيانه مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل بن العباس بن كيران , والفقيه الشريف البركة المولى الأمين بن جعفر الحسني الرتبي , والعلامة الفقيه الشهير أبي عبد الله محمد العربي السواحلي وغيرهم من علماء المغرب (1) إلى أن قال: ولما اجتمع (2) بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته وكان الذي تولى الكلام عه الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية فأي شئ رأيتمونا خالفنا من السنة وأي شئ سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا فقال القاضي: بلغنا أنكم تقولون الاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى: فقال لهم: معاذ الله إنما نقول كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم , والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة فهل في هذا مخالفة؟ قالوا: لا. وبمثل هذا نحن أيضاً نقول ثم قال القاضي: وبلغنا أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم , فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه. وقال معاذ الله إنما نقول إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره وكذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء ثم قال القاضي: وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصححاح التي لا يمكن إنكارها فقال معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا وهل منعناكم أنتم لما   (1) - انظر الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى ج 8 ص 120. (2) - الضمير في اجتمع يعود إلى ابن سعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الأموات وتذكر مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلى الله تعالى (1) ويسأل الله تعالى المتفرد بالإعطاء والمنع هذا قول إمامنا أحمد ابن حنبل رضى الله عنه ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سداً للذريعة فأين مخالفة السنة في هذا القدر. ثم قال صاحب الجيش: هذا ما حدث به أولئك المذكورون سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ثم سألنا الباقي أفراداً فاتفق خبرهم على ذلك (2) . ثم قال المؤلف: وأقول بأن السلطان المولى سليمان رحمه الله كان يرى شيئاً من ذلك ولأجله كتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة وتغالي العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً (3) وقد نشأ عن اهتمام ملوك المغرب بالاتجاه السليم في العقيدة لأنهم يبحثون عن الحكمة التي ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها أن رأينا منهم اهتماماً كبيراً بتنقية العقيدة: 1- فهذا السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي وصفه المؤرخ   (1) - ابن سعود لا يقول هذا , ولكن آفة الأخبار رواتها لأنه منفي فالاستشفاع بالميت إلى الله تعالى غير جائز سواء كان بطلب الدعاء منه أو غير ذلك لأن عمله انقطع إلا من ثلاث علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له أو صدقة جارية كما صح الحديث يرجع إلى التحقيق والإيضاح لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في آداب الزيارة. (2) - الاستقصاء ج 8 ص 121 - 122. (3) - نفس المصدر ص 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الفرنسي شارلي جوليان في كتابه تاريخ إفريقيا الشمالية تعريب محمد المزالي والبشير بن سلامة بقوله: وكان سيدي محمد وهو التقى الورع على علم بواسطة الحجيج بانتشار الحركة الوهابية في الجزيرة العربية وتأييد عائلة آل سعود لها وقد أعجب بصرامتها وكان يؤثر عنه قوله: " إني مالكي المذهب وهابي العقيدة " ومضت به حماسته الدينية إلى الإذن بإتلاف الكتب المتساهلة في الدين حسب رأيه والمحللة لمذهب الأشعرية وتهديم بعض الزوايا مثل زاوية بوجاة (1) وقد توفي هذا السلطان في شهر رجب من عام 1204 هـ (2) 2- والسلطان سليمان التي مرت بنا مناظرته قد أحب هذه الدعوة وعمل جاهداً على إصلاح وضع المغرب برسالته التي عمم وبمحاربته للطرق الصوفية المنحرفة " المربوطية (3) وكانت وفاته عام 1238 هـ كما قال بذلك الناصري في كتابه الاستقصاء بعد أن أثنى على ديانته وسيرته وحرصه على محاربة الإلحاد والبدع (4) . 3- والسلطان الحسن الأول في عام 1300 هـ وجه رسالة إلى الشعب المغربي يودع فيها القرن. ويتحدث عن ضرورة الرجوع على الكتاب والسنة ومحاربة البدع ويرغب في حسن العقيدة كما قال بذلك الدكتور عباس الجراري في محاضرة ألقاها بجامعة الرياض سنة 1399 هـ حيث قال: إنه عاش في السنوات الأولى لهذا القرن في المغرب مع الدعوة السلفية على أيد أحد كبار العلماء المحدثين المغاربة وهو الشيخ أبو شعيب الدكالي الذي أقام بمكة مدة تزيد على عشر سنين وقام بتدريس الحديث في الحرم   (1) - انظر هذا الكتاب ج 2 ص 311. (2) - انظر خبر وفاته في الاستقصاء ج 8 ص 65. (3) - انظر كتاب انتشار دعوة الشيخ محمد لمحمد كمال جمعه ص 237 - 238. (4) - راجع ج 8 ص 164 - 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 المكي ثم عاد على المغرب حيث أصبح زعيماً للحركة السلفية لمدة تزيد على ربع قرن وبشر بالفكرة السلفية وحارب البدع والضلالات (1) . هذا على جانب اهتمام المسلمين بها في كل مكان وتحقيق طلبة العلم من صدق الهدف وبعدها عن مسارب البدع والخرافات التي أنكرها علماء الإسلام في كل مكان. ولقد زاد الأمر وضوحاً أن الناس في كل مكان ما كانوا ليقتنعوا إلا بما هو واضح يدعمه الدليل فوضح أمامهم أن محمد بن عبد الوهاب كغيره من الدعاة المصلحين جاء ليجدد الدعوة وينقي العقيدة من الفساد الذي أدخل عليها نتيجة الجهل أداء للأمانة ونصحاً للأمة ليعيد الناس بأعمالهم واعتقادهم إلى منهج السلف الصالح منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نهاية القرن الثالث الهجري حيث بدأت البدع تدخل الصف الإسلامي نتيجة غلبة الأمم والتأثر بثقافات وأفكار الأمم والأخرى في معتقداتها ولضعف العلماء في أداء الأمانة. وتعتبر الدولة الفاطمية التي ناوأها أهل المغرب في القرن الرابع الهجري فاتجه شر في تاريخ البدع في المجتمع الإسلامي وقد أبان عن أعمالهم ابن عذارى المراكشي في تاريخه البيان المغرب في تاريخ الأندلس والمغرب وأتى بالشيء الكثير من سيرهم وأعمالهم حيث يرى أنهم ليسوا من نسل فاطمة الزهراء وإنما يعودون إلى اليهود وأنهم من اصل غير شرعي حيث اتصلوا بابن الحلاج وأخذوا عنه هذا المعتقد (2)   (1) - من أراد رسالته هذه فليرجع لكتاب الترجمانة الكبرى ص 466 - 470. (2) - انظر نسبهم في البيان المغرب ج 1 ص 158 - 159 لابن عذارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وبعد فإذا كان الفقهاء رحمهم الله يقولون: الأصل براءة الذمة ورجال القانون في العصر الحاضر كلمتهم المعهودة تقول: المجرم برئ حتى تثبت إدانته , وأصدق من ذلك قول الله عز وجل: {فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (سورة الحجرات آية 6) فإن من مهمات طالب العلم عدم الانسياق خلف كل قول من دون تحقيق أو تثبت لأن زلة العالم كبيرة وانسياقه خلف آراء أصحاب الأهواء يزري بمكانته ويقدح في عدالته فلقد جاء في الأثر: إذا جاءك الخصم قد فقئت عينه فلا تحكم له فلعل الآخر قد فقئت عيناه. ذلك أن الخصومة في الرأي أو المعتقد أو الحقوق مداولة بين الطرفين فلا يصح أن يؤخذ الحكم من جانب ويترك الجانب الآخر وإلا أصبح في الحكم تحيز. وإصدار الحكم عدالة يجب التثبت منها والتروي في نتيجتها حتى لا تكون جائرة لأن منهجنا في الإسلام حفظ اللسان من الزلل والأعمال من الخطأ. وميزان ذلك الحفظ , عرض كل أمر على كتاب الله وسنة رسوله الكريم: {فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول} (سورة النساء آية 59) والحق أحق أن يتبع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 يقول عمر بن عبد العزيز - رحمه الله: - لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة , هذا لرغبته رحمه الله عدم إيجاد نفرة في المجتمع الإسلامي أفراداً وجماعات ولئن كانت هذه التسمية - الاصطلاحية - خطأ في النسبة والمعتقد كما كانت الآراء المنسوبة للشيخ محمد وأتباعه خطأ وتبرأوا من ذلك كتابة ومناقشة , فإن المتتبعين لذهه العقيدة السلفية هم أعرف بما تعنيه من دلالات واضحة من مصدري التشريع في دين الإسلام: كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ولذا لم يتبرموا من هذا اللقب لإدراكهم بأن ما قيل ما هو إلا محض افتراء لا يثبت بالنقاش والمحاورة فهم متبعون للمحجة البيضاء التي ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , وهي مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم وعمله وتقريره , وبعد التوثق من ذلك صحة وسنداً. فهذا عمران بن رضوان , وهو من مسلمي خارج الجزيرة , وعلماء بلدة لنجه , عندما بلغته هذه الدعوة وتحقق عنها مدحها بقصيدة جاء فيها هذا البيت (1) . إن كان تابع أحمد متوهباً *** فأنا المقر بأنني وهابي وما ذلك غلا هذا اللقب كما قال العالم العراقي محمد بهجت الأثري: من وحي أعداء الإسلام , والذين كانوا يظنون أن العالم الإسلامي قد صار جثة هامدة لا حراك بها ولابد أن تكون الدول الاستعمارية هي الوارثة لأرضه وكنوزه ومعادنه وخيراته , فوضعت هذه الدعوة الجديدة التي انبعثت   (1) - المذكور من علماء ووجهاء مدينة لنجد بإيران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 من قلب جزيرة العرب مدوية لجمع شمل المسلمين وإنقاذهم من المهالك في ثورة الطائفية التي تزيد أرقام الطوائف رقماً جديداً أي عكست الحال فنبزتها بالوهابية وأذاعت هذا النبز الأنباء الذائعة الشهرة فتلقفته الأسماع ورددته الألسن وراق الدولة العثمانية هذا النبز فأجرته عل ألسنة الدراويش ومرتزقة طعام التكايا والزوايا من تنابلة السلطان وأفرطت في إلقاء الشبهات عليه وتشويهه ولا سيما بعد استفحال شأنه وقيام الدولة العربية الإسلامية في جزيرة العرب على أساسه وقواعده (1) . ولقد رأيت من المناسبات أن أختم هذه الرسالة الموجزة بكتابين: أحدهما أرسله الشيخ سليمان بن عبد الوهاب إلى ثلاثة من علماء المجمعة والآخر من الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأهل القصيم إلا أن تأريخهما بكل أسف لم يكن واضحاً. في هذا الكتاب يوضح الشيخ محمد منهجه في الدعوة حيث طلب مني بعض علماء موريتانيا ذلك عندما زرت بلادهم في شعبان عام 1407 هـ وذلك من باب إفادة القارئ وفتح المجال أمامه ليستوثق بنفسه ويحكم ويوازن من غير أن يفرض عليه رأي لم يقتنع به وقد جعلتهما ملحقاً وما أردت إلا الإصلاح والتوفيق من الله العزيز الحكيم.   (1) - انظر كتابه " محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث " ص 16 - 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الملحق : - أولاً: - وإن من استكمال فائدة القارئ إيراد واحدة من رسائل الشيخ محمد التي بعث لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته للاطمئنان عن اتجاهه والرد عليه إذا كان مخالفاً لآراء العلماء لأن الناس هناك لم يستجيبوا لدعوته إلا بعد دراسة وتمحيص وهذا من مهمة العلماء في استجلاء الحقيقة ورد المعتدي ببصيرة وإدراك. وهذا هو نص هذه الرسالة ... ولها نظائر مع كل من سأله أو أشبه في أمره ... وتكون النتيجة الاستجابة لمن يريد الحق لأنهم لم يجدوا لدى الشيخ ما يخالف شرع الله أو يغاير ما عليه أعلام أمة الإسلام من المصادر الموثوقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 رسالة الشيخ إلى أهل القصيم لما سألوه عن عقيدته: (1) بسم الله الرحمن الرحيم أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت , والإيمان بالقدر خيره وشره , ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع العليم , فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه , ولأا ألحد في أسمائه وآياته ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى , بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له , ولا ند له , ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً , وأحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل: وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال {سبحن ربك رب العزة عما يصفون (وسلام على المرسلين} (الصافات الآيات 180 - 182) الفرقة الناجية وسط باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية , وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة , وبين المرجئة والجهمية وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج.   (1) - نشرت هذه الرسالة في القسم الخاص للرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب تصنيف د. محمد بلتاجي. و. د. سيد حجاب والشيخ عبد العزيز الرومي وهي الرسالة الأولى ص 7 - 13. نقلاً عن الدرر السنية ج 1 ص 28 - 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ إليه ويعود: وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأومن بأن الله فعال لما يريد ولا يكون شئ إلا بإرادته ولا يخرج شئ عن مشيئته وليس شئ في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور. وأعتقد الإيمان بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت , فأومن بفتنة القبر ونعيمه وبإعادة الأرواح إلى الأجساد فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً تدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله. وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل , وآنيته عدد نجوم السماء , من شرب منه مرة لم يظمأ بعدها أبداً وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم. وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه شافع وأول مشفع ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى كما قال تعالى {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (سورة الأنبياء آية 28) وقال تعالى: {ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (سورة البقرة آية 255) وقال: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (سورة النجم آية 26) وهو لا يرضى إلا التوحيد , ولا يأذن إلا لأهله , وأما المشركون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} (سورة المدثر آية 48) وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما موجودتان وأنهما لا يفنيان وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر في رؤيته. وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين , ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق , ثم عمر الفاروق , ثم عثمان ذو النورين , ثم علي المرتضى , ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واذكر محاسنهم وأترضى عنهم واستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم واعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (سورة الحشر آية 10) وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء واقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات , إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله , ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة أو نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت له طاعته وحرم الخروج عليه وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا وأحكم عليهم بالدين وأكل سرائرهم إلى الله وأعتقد أن كل محدثة في الإسلام بدعة. واعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل يعمل , بالأركان واعتقاد بالجان , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة. فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل. ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم , والله يعلم أن الرجل افترى على أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي (فمنها) قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة وإني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شئ وإني أدعي الاجتهاد وإني خارج عن التقليد وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة وإني أكفر من توسل بالصالحين وإني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق وغني لو اقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما وإني أكفر من حلف بغير الله وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي وإني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين. جوابي عن هذه المسائل: أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم. وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله} (سورة النحل آية 105) بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار فأنزل الله في ذلك {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} (سورة الأنبياء آية 101) وأما المسائل الأخر وهي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله وأني أعرف من يأتيني بمعناها وأني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله وأخذ النذر لأجل ذلك وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام. فهذه المسائل حق وأنا قائل بها ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله ومن أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة وإذا سهل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة إن شاء الله. ثم اعملوا وتدبروا قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} (سورة الحجرات آية 6) ثانياً: قال صاحب كتاب مصباح الظلام بعد اعتراضه على نسب لسليمان بن عبد الوهاب من رد على أخيه هذا وقد من الله وقت تسويد هذا بالوقوف على رسالة لسليمان فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول وأنه قد استبان له التوحيد والإيمان وندم على فرط من الضلال والطغيان وهذا نصها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن عبد الوهاب إلى الأخوان: حمد محمد التويجري وأحمد ومحمد ابنا عثمان بن شبانه (1) . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته (وبعد) فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأذكركم ما من الله به علينا وعليكم من معرفة دينه ومعرفة ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده وبصرنا به من العمى وأنقذنا من الضلالة وأذكركم بعد أن جيتونا في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه وابتهاجكم به وثنائكم على الله الذي أنقذكم وهذا دأبكم في سائر مجالسكم عندنا وكل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم. والحمد لله على ذلك. وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم وأحضكم ولكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق واتباعنا سبل الشيطان ومجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى. والآن معلومكم لم يبق من أعمارنا إلا اليسير والأيام معدودة والأنفاس محسوبة والمأمول منا أن نقوم لله ونفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال وأن يكون ذلك لله وحده لا شريك له لا لما سواه لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى وسيئات ما بقى. ومعلومكم عظم الجهاد في سبيل الله وما يكفر من الذنوب وأن الجهاد باليد واللسان والقلب والمال وتفهمون أجر من هدى الله به رجلاً واحداً. والمطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن , وأن تقوموا لله قيام صدق وأن تبينوا للناس الحق على وجهه وأن تصرحوا لهم تصريحاً بينما بما كنتم عليه أولاً من الغي والضلال.   (1) - انظر مصباح الظلام للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ص 104 - 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 فيا إخواني الله الله. فالأمر أعظم من ذلك فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات وعدنا الناس من السفهاء والمجانين في ذلك لما كان ذلك بكثير منا. وأنتم رؤساء الدين والدنيا في مكانكم أعز من الشيخ والعوام كلهم تبع لكم. فاحمدوا الله على ذلك ولا تعتلوا بشيء من الموانع. وتعلمون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن يرى ما يكره ولكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر كما حكى عن العبد الصالح لقمان في وصيته لابنه فلا أحق من أن تحبوا لله وتبغضوا لله وتوالوا لله وتعادوا لله. وترى يعرض في هذا أمور شيطانية: وهي أن من الناس من ينتسب لهذا الدين وربما يلقى الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق , وأن له ملحظ دنيوي وهذا أمر ما يطلع عليه إلا الله فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوا منه ووالوه فإذا ظهر من أحد شر وإدبار عن الدين فعادوه واكرهوه ولو أحب حبيب. وجامع الأمر في هذا: أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له ومن رحمته بعث لنا يأمرنا بما خلقنا له وبين لنا طريقه وأعظم ما نهانا عنه الشرك بالله وعداوة أهله وأمرنا بتبيين الحق وتبيين الباطل فمن التزم ما جاء به الرسول فهو أخوك ولو أبغض بغيض. ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك ولو ولدك أو أخوك. وهذا شئ أذكركموه مع أني بحمد الله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس وأن تذاكروا دائماً في مجالسكم ما جرى منا ومنكم أولاً وأن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل فلا أحق من ذلك ولا لكم عذر لأن اليوم الدين والدنيا ولله الحمد مجتمعه في ذلك فتذاكروا ما كنتم فيه أولاً في أمور الدنيا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الخوف والأذى واعتلاء الظلمة والفسقة عليكم. ثم رفع الله ذلك كله بالدين وجعلكم السادة والقادة وذلك من آثار من دعوة شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام. ثم أيضاً مت من الله به عليكم من الدين انظروا إلى مسألة واحدة مما نحن فيه من الجهالة قبل انتشار الدعوة الإسلامية كون البدو تجري عليهم أحكام الإسلام مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة وأكثرهم متكلمون بالإسلام ومنهم من أتى بأركانه ومع معرفتنا أنه كذب بحرف من القرآن كفر ولو كان عابداً وأن من استهزأ بالدين أو بشئ منه فهو كافر وأن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر إلى غير ذلك من الأحكام المكفرات وهذا كله مجتمع في البدو وأزيد ونجري عليهم أحكام الإسلام اتباعاً لتقليد من قبلنا بلا برهان. فيا إخواني تأملوا وتذكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكثر من ذلك وأنا أكثرت عليكم الكلام لوثوقي بكم إنكم ما تشكون في شئ فيما تحاذرون ونصيحتي لكم ولنفسي والعمدة في هذا أن يصير دأبكم في الليل والنهار وأن تجأروا إلى الله تعالى وأن يعيذكم من شرور أنفسكم وسيئات أعمالكم وأن يهديكم على الصراط المستقيم الذي عليه رسله وأنبياؤه وعباده والصالحون وأن يعيذكم من مضلات الفتن فالحق وضح وأبلولج وماذا بعد الحق إلا الضلال. فالله الله ترى الناس الذين في جهاتكم تبع لكم في الخير والشر فإن فعلتم ما ذكرت لكم ما قدر حد من الناس يرميكم بشر وصرتم كالأعلام هداية للحيران فإن الله سبحانه وتعالى هو المسؤول أن يهدينا وإياكم سبل السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والشيخ وعياله وعيالنا طيبين ولله الحمد ويسلمون عليكم وسلموا لنا على من يعز عليكم والسلام. وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم. اللهم اغفر لكاتبها ولوالديه ولذريته ولمن نظر فيه فدعا له بالمغفرة وللمسلمين وللمسلمات أجمعين. ثم ذكر أنهم أجابوه برسالة ينبغي أن تذكر لما فيها من جواب حسن ثم ذكرها بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ثالثاً: ولعل مما يفيد في الموضوع إيراد رسالة كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قبل وفاته لأهالي المغرب يوضح فيها ما يدعو إليه من إخلاص العبادة لله وتنقية التوحيد .... مما يفيد أن الجذور الحسنة والقناعة مهدت للاتفاق بين رأي الإمام إبراهيم بعد المناظرة بين علماء المغرب بزعامة المولى إبراهيم وبين علماء نجد برئاسة الإمام سعود بن عبد العزيز في مكة المكرمة عام 1226 هـ وحصول القناعة بسلامة ما يدعا إليه ونفي الشبهات عن الشيخ محمد مما يتبرأ منه هو والعلماء بمكة وهذا نصها: - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولن يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً وصلي الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد. فقد قال الله تعالى {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (سورة يوسف آية 108) وقال تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (سورة آل عمران آية 31) وقال تعالى {وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (سورة الحشر آية 7) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وقال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (سورة المائدة آية 3) فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وامرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف فقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} (سورة الأعراف آية 3) وقال تعالى {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (سورة الأنعام آية 153) والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي. إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماء وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله. وصرف شئ من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً كما قال تعالى: {فأعبد الله مخلصاً له الدين (ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من كاذب كفار} (سورة الزمر آية 2 , 3) فاخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدي من كاذب كفار فكذبهم في هذه الدعوى وكفرهم فقال: (إن الله لا يهدي من كاذب كفار) وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ق أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (سورة يونس آية 18) فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} (سورة الزمر آية 44) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فلا يشفع أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (سورة البقرة آية 255) وقال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً} (سورة طه آية 109) وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {ولا يشفعون إلا من ارتضى} (سورة الأنبياء آية 28) وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده غلا لمن ارتضى} (سورة سبأ آية 22 , 23) فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} (سورة الجن آية 18) وقال: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين} (سورة يونس آية 106) فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله وصفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع ابتداء بل: " يأتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك , وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة " فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء. وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين قد اجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم. وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طرق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر , وثبت فيه أيضاً أنه بعث على بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه ولا تمثالاً إلا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعوا الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} (سورة الأنفال آية 39) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسلف والسنان كما قال: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (سورة الحديد آية 25) وندعوا الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر كما قال: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعرف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (سورة الحج آية 41) فهذا الذي نعتقد وندين لله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا. ونعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وصلي الله على محمد (1)   (1) - اسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب: المجموع ج 8 ص 110 - 115 الرسائل الشخصية وانظر أيضاً الدار السنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 رابعاً: دور الملك عبد العزيز في تصحيح الخطأ: الملك عبد العزيز عندما دخل مكة المكرمة عام 1343 هـ بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية ثم بعد أن إنظوت المدينة وجده على لواء الدولة الجديدة بقيادة الملك عبد العزيز , وقامت أصوات أجنبية عديدة تتهمه بأمور عديدة هو منها براء .... فقالوا إن مذهبه وهابي وانه مذهب خامس وإنه امتهن قدسية الحرمين وأنهم ضربوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقنابل وانتهكوا الأعراض ولا يحبون النبي ولا يصلون عليه وغير هذا من الأكاذيب التي تكررت من قبل , فجاء مجموعة من علماء أهل الحديث وحجوا وزاروا مسجد الرسول , وبان لهم كذب تلك الادعاءات وقد عادوا إلى الهند ليردوا على الافتراءات وليبينوا حقيقة ما رأوا وعقدوا مؤتمرين رداً على مؤتمر لكنؤ , ومؤتمر دلهي , وتحدثت الصحف التي في مقدمتها: أهل الحديث , وأخبار محمدي , وزمنيدار , عن حقيقة حال الملك عبد العزيز , وما أحدثه في الحرمين من إصلاحات مع اهتمامه بأمن الحجاج وراحتهم وسلامة عقيدته وحماسته لدين الله. ولكي يوضح للمسلمين حقيقة العقيدة التي هو متمسك بها نراه يرسل الكتب ويتحدث في وفود الحجاج سنوياً وكان من كلامه ما جاء في خطابه الذي ألقاه في القصر الملكي بمكة يوم غرة ذو الحجة عام 1347 هـ الموافق 11 مايو عام 1929 م بعنوان " هذه عقيدتنا " جاء فيها قوله: -- يسموننا " بالوهابيين " ويسمون مذهبنا " الوهابي " باعتبار أنه مذهب خامس وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة ولم يأت محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بن عبد الوهاب بالجديد فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح. ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وكلهم محترمون في نظرنا ونحن في الفقه نأخذ بالمذهب الحنبلي. هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعوا إليها وهذه هي عقيدتنا وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة منزهة عن كل بدعة فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعوا إليها وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب. أما التجديد الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصل إلى غاية ولا يدنينا من السعادة الأخروية. إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة. إننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا وإنا نبغي مرضاة الله عز وجل ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه وهو ناصره فالمسلمون لا يعوزون التجدد وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح. ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام فخذلهم الله جل شأنه ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل وهوان ولو كانوا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لما أصابهم ما أصابهم من محن وآثام ولما أضاعوا عزهم وفخارهم. لقد خرجت وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ومن القوة البشرية وقد تألب الأعداء علي ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائي وفتحت كل هذه البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله وسن رسوله صلى الله عليه وسلم ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة وهذه المصائب إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب يأتي أجنبي إلى بلد ما فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين فيعمل عمله بمفرده فهل يعقل أن فرداً في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟؟! . كلا ثم كلا فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا إن هؤلاء الأعوان هم أعداء الله وأعداء أنفسهم. إذاً فاللوم واقع على المسلمين وحدهم لا على الأجانب إن البناء المتين لا يؤثر فيه شئ مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول وكذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم. في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام وضربها في الصميم وإلحاق الأذى بنا ولكن لم يتم لهم ذلك إن شاء الله وفينا عرق ينبض. إن المسلمين بخير إذا اتفقوا وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتقدم المسلمون للعمل بذلك فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء فيها والدعوة إلى التوحيد الخالص فإنني حينذاك أتقدم وأسير وإياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه وفي كل حركة يقومون بها. والله إنني لا أحب الملك وأبهته ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 التوحيد ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك وليتفقوا فإنني أسير ووقتئذ معهم لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم (1) وفي 23 المحرم عام 1348 هـ الموافق أول يوليو عام 1929 م جاء في أحد خطاباته: قد علمتم أن بعض الناس قد شذ عن طرق الهداية وتنكب الطريق المستقيم ووقع في أحابيل الشيطان بفعل الدسائس التي يكيدها بعض من يدعون الإسلام ويتظاهرون بالغيرة على الإسلام والله يشهد أن الدين منهم براء وبراء من أعمالهم لقد قلت وما زلت أقول: إنني لا أخشى من الأجانب قدر ما أخشى من بعض المسلمين فالأجانب أمرهم معروف وفي الاستطاعة الحذر منهم وفي الإمكان الاستعداد لصد هجماتهم وإحباط دسائسهم وأضف إلى ذلك أنهم لا يقدرون على محاربتنا باسم الإسلام أما بعض المسلمين فهم ما زالوا يكيدون لنجد وأهل نجد باسم الإسلام والمسلمين ويحاربون إخوانهم المسلمين باسم الإسلام منذ عصور. كانت الدولة العثمانية وقد كانت أقرب الناس بصفتها دولة الإسلام فحاربتنا باسم الإسلام والمسلمين محاربات شديدة وأحاطت بنا من كل جانب حاربنا مدحت باشا من جهات القطيف والأحساء وسيرت علينا من الحجاز واليمن قوات عظيمة وكذلك سارت جيوشها من الشمال فحاصرتنا من كل جانب للقضاء علينا وضربنا في الصميم حاربتنا باعتبار " الوهابية " مذهباً جديداً , وابن عبد الوهاب جاء ببدعة جديدة وأن " الوهابيين " تجب محاربتهم إلى غير ذلك من الأقوال المنمقة التي انطلت   (1) - انظر المصحف والسف جمع مجد الدين القابسي ص 55 - 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 عل أصحاب العقول السذج من الدهماء فانخدعوا وأتعادوا لأقوالها ولكن الله نصرنا عليهم. وكذلك فعل غيرهم في هذا الزمان فحوصرنا من كل جانب وأرادوا القضاء علينا باسم الدين أيضاً ولكن الله نصرنا عليهم وجعل كلمته هي العليا وقد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في القلوب والإيمان الذي في الصدور ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا وحسب بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا ولم نتخذ التوحيد آله لقضاء مآرب شخصية أو لجر مغنم وإنما تمسكاً به عن عقيدة راسخة وإيمان قوي ولتجعل كلمة الله هي العليا (1) ولا يسعني بعد ذلك الجهد المتواضع إلا أن أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم والمعرفة. والحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.   (1) - انظر المصدر السابق ص 58 - 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - الأعلام، للزركلي. 3 - الأحاديث القدسية. 4 - الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى، للناصري. 5 - الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم. 6 - الإمام محمد بن عبد الوهاب، لعبد الله بن سعد بن رويشد. 7 - المعيار المعرب، لأبي العباس الونشريسي. البيان المغرب، في أخبار الأندلس والمغرب، لأبن عذاري. 9 - تاريخ إفريقيا الشمالية، تأليف: شارلي اندري، تعريب محمد مزالي والبشير بن سلامة. 10 - الحلل السندسية. 11- الفرق الإسلامية في شمال افريقيا، تأليف: الفردبل ترجمة عبد الله بدوي. 12 - المغرب الكبير، للدكتور عبد العزيز سالم والدكتور جلال يحيى. 13 - الكامل، للمبرد. 14 - الوهابيون والحجاز، لمحمد رشيد رضا. 15 - رحلة سادلير، ترجمة انس الرفاعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 16 - الدرر السنية في الفتاوي النجدية، جمع سليمان بن سحمان. 17 - الإمام محمد بن عبد الوهاب، دعوته وسيرته للشيخ عبد العزيز بن باز. 18 - تاريخ نجد، للشيخ حسين بن غنّام، تحقيق الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والدكتور محمد أسد. 19 - الدولة السعودية، للدكتور عبد الرحمن عبد الرحيم. 20 - عجائب الاثار في التراجم والأخبار، لعبد الرحمن الجبرتي. 21 - مؤلفات ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، جمع ونشر جامعة الإمام - الرياض. 22 - محمد بن عبد الوهاب، لأحمد بن حجر آل طامي. 23 - مصباح الظلام للشيخ عبد الطيف بن عبد الرحمن بن حسن. 24 - عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر. 25 - محمد بن عبد الوهاب، داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث، لمحمد بهجت الأثري. 26 - البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد عن عقائد التوحيد الطبعة الأولى. 27 - محمد بن عبد الوهاب. مصلح مظلوم، تأليف مسعود الندوي. 28 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد (مخطوط) . 29 - علماء نجد خلال ستة قرون، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام. 30 - في ظلال القرآن، لسيد قطب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 31 - مجلة كلية الآداب بفاس (شعبة التاريخ) . 32 - جريدة "عكاظ". 33 - صحيفة (ISLAMIGA) الألمانية - مجلد 7 عام 1935. 34 - جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبن الأثير. 35 - روضة الناظرين في مآثر علماء نجد وحوادث السنين لمحمد بن عثمان القاضي. 36 - الترجمانة الكبرى. 37 - رحلة بورك هارت لبلاد العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139