الكتاب: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة المؤلف: حسين حسينى معدى (المتوفي: معاصر) الناشر: دار الكتاب العربى - دمشق الطبعة: الأول - 1419 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة حسين حسينى معدى الكتاب: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة المؤلف: حسين حسينى معدى (المتوفي: معاصر) الناشر: دار الكتاب العربى - دمشق الطبعة: الأول - 1419 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] آيات من الذكر الحكيم قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (الأعراف: 158) . وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء: 107) . وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً (سبأ: 28) . لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران: 186) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الحجر: 95) . يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة: 32، 33) . يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الأنفال: 64) . إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (الأحزاب: 57) . وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور: 11) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الإهداء يشرفنى أن أقدم هذا العمل خالصا لوجه الله الكريم، وأهديه لحبيبه وخليله ورسوله سيدنا ومولانا محمد- صلّى الله عليه وسلم- عسى أن أنال شفاعته يوم الحشر العظيم. إلى الذين وهبهم الله البصيرة والإنصاف وحمدا لله أنهم ليسوا قلة فى هذا العالم. إلى كل من يبحث عن الحقيقة ولا يخشى فى الله لومة لائم. إلى كل من يساهم فى إظهار صورة الإسلام الصحيحة ونبيه محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى المجتمعات الغربية. أهدى هذا الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد،، كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- خير الخلق فى طفولته، وأطهر المطهرين فى شبابه، وأنجب البرية فى كهولته، وأزهد الناس فى حياته، وأعدل القضاة فى قضائه، وأشجع قائد فى دفاعه عن الحق، وخير قدوة للمصلحين، وخير أسوة للمربين. اختصه الله بكل خلق نبيل، وحرسه بعنايته، وحفظه برعايته، وأيده بجوامع الكلم، مع الفصاحة وقوة الحجة، وأمر العالمين بطاعته، وجعل طاعته صلّى الله عليه وسلم مقرونة بطاعته تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (النساء: 80) كما عصمه من كل خطأ ومن الناس: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67) . وطهره من كل دنس، وهداه الصراط المستقيم، ومنح من الآيات والمعجزات مالم يمنحه غيره، وأدبه فأحسن تأديبه، وعلمه ما لم يكن يعلم. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (الفتح: 28) ولم يسجد صلّى الله عليه وسلم لصنم من الأصنام ولم يشرك فى عيد من أعيادها. كان محمد مثلا كاملا للإنسان الكامل، ذا شخصية قوية جذابة، لا يدانيه أحد فى كماله وعظمته، وصدقه وأمانته، وزهده وعفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 اعترف كل من عرفه بعلو نفسه، وصفاء طبعه، وطهارة قلبه، ونبل خلقه، ورجاحة عقله، وتفوق ذكائه، وحضور بديهته، وقوة إرادته، وثبات عزيمته، ولين جانبه، وتمسكه بالحق، وإقامة العدل. فكان خير قدوة للناس جميعا. لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب: 21) . خلقه الله عظيما، فكانت عظمة فطرية طبيعية، وكان عظيما منذ ولادته، عظيما فى صباه، عظيما فى شبابه، عظيما فى رجولته، عظيما فى كهولته، عظيما فى شيخوخته، عظيما فى صغره وكبره، عظيما قبل الرسالة، عظيما بعدها. خلقه الله عظيما كما شاء ليعده لأداء رسالته، وهو فى الأربعين فأداها خير أداء. وكان رسولا وهاديا للبشرية المتنازعة المتنافرة، وقدوة مثالية سامية للناس كافة. ولقد تعرض الأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام للتكذيب والتنكيل حتى وصل الأمر إلى درجة قتل بعضهم. ويبين تاريخ الرسالات الإلهية الكبرى أن أنبياء الله الذين حملوها إلى الناس قد تعرضوا لكثير من صنوف الآلام والمحن والعذاب على أيدى الذين حسبوهم من الكاذبين وما أفظعها من تهمة خاصة حين يقذف بها وجوه أصدق الناس حديثا ويزداد الأمر سوآ وتشتد المحنة عند ما يأتى التكذيب والسخرية من الأهل والعشيرة والأصحاب. فها هى التوراة تقول إن موسى تعرض للنقد الجارح من أخيه هارون وأخته مريم عندما تزوج ثانية من امرأة سمراء أعجبته: «وتكلمات مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوشية التى اتخذها لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية فحمى غضب الرب عليهما.. فالتفت هارون إلى مريم وإذا هى برصاء فقال هارون لموسى: أسألك يا سيدى لا تجعل علينا الخطيئة التى جمعتتا وأخطأنا بها» (سفر الأعمال 12: 1- 11) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وها هو المسيح يشك فيه أقرباؤه ويعتبرونه مختل العقل: «ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا إنه مختل» (إنجيل مرقس 3: 21) ، وكان إخوته- أبناء أمه مريم حسب رواية الإنجيل- يشكون فيه: «قال له إخوته: انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية لكى يرى تلاميذك أيضا الأعمال التى تعمل،.. لأن إخوته أيضا لم يكونوا يؤمنون به» (إنجيل يوحنا 7: 3- 5) ، «وحين سمع كثير من تلاميذه بعض مواعظه فإنهم ارتدوا عنه وتركوا صحبته فلم يبق معه إلا اثنا عشر حواريا، قال كثير من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للاثنى عشر. ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا؟» (إنجيل يوحنا 6: 60- 66) . وقد سجل القرآن الكريم افتراآت الكفار والمشركين على الإسلام ونبيه محمد- صلّى الله عليه وسلم- حتى حديث الإفك ضد زوجه عائشة جعله الله قرآنا يتلى، ولو كان الأمر بيد النبى- صلّى الله عليه وسلم- لنحاه جانبا. ولكنه عبد لله مأمور قال له ربه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ (آل عمران: 128) ، إذ (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (آل عمران: 154) . وهذه بعض مفترياتهم على رسول الله محمد- صلّى الله عليه وسلم- والسخرية منه. 1- اتهامه بالجنون والكهانة والسحر والكذب: وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (ص: 4) . وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (القلم: 51) . إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (الصافات: 35، 36) . فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (الطور: 29) . 2- اتهامه بتأليف القرآن وافترائه كذبا على الله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفرقان: 4- 5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 - وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل: 103) . 3- السخرية من النبى- صلّى الله عليه وسلم-: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف: 31) . وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (سبأ: 7، 8) . ولقد كان ما تعرض له محمد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فى الحرب الدعائية الظالمة، استمرارا لما تعرض له إخوانه السابقون من الأنبياء والمرسلين. كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (الذاريات: 52، 53) . هذا ولقد دأب الغرب المسيحى الصليبى على الطعن فى الإسلام ونبيه. وتعرضت سيرة خاتم النبيين إلى التشويه والمغالطات والمفتريات والأباطيل على أيدى رجال الكهنوت المسيحى وتلاميذهم من المستشرقين والمبشرين والمنصرين ومن بعض الكتاب والإعلاميين الضالين ... إلخ. لقد تنبأ القرآن بهذا الواقع الأليم فقال: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران: 186) واشتد الهجوم فى الغرب على الإسلام والمسلمين بعد الهجوم على مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ومبنى البنتاجون فى واشنطن يوم 11 سبتمبر 2001، وأصبح الهجوم على الإسلام ونبيه مادة يومية فى الصحافة والتليفزيون وشبكة الإنترنت والقنوات الفضائية والأفلام السينمائية والكاريكيتير.. إلخ. وكل مسلم موضع اتهام فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بمجرد اكتشاف أنه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ولم يعد أمر العداء للإسلام فى الغرب خافيا على أحد فى العالم الإسلامى بعد أن صرح بذلك عشرات الكتاب والمفكرين والباحثين والعلماء والقادة والسياسيين- من الدول الغربية فى كثير من الكتب والإصدارات ووسائل الإعلام. وأعتقد أن الذين ينكرون وجود هذا العداء بعد الحملات الكثيرة والمتكررة لتشويه صورة الإسلام ونبيه منذ فجر الإسلام هم فى الحقيقة يتهربون من مواجهة الحقيقة لأنها تفرض عليهم واجب العمل للدفاع عن الإسلام ورسوله محمد- صلّى الله عليه وسلم. ولا ننكر أن فى الغرب مفكرين يتحدثون عن الإسلام بإنصاف ولكن تضيع أصواتهم داخل صناعة ضخمة تمولها المخططات الصهيونية الصليبية فى الغرب، هى صناعة الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين. ومما لا ريب فيه، أن هناك أيضا مفكرين عالميين منصفين درسوا الإسلام دراسة عميقة، فأحبه البعض وناصره، وآمن به البعض الآخر، وأعلن إسلامه وصدق فيه.. وهؤلاء الكتاب المفكرون، ينقسمون إلى فريقين: فريق أعلن إسلامه، فى غير لبس ولا مراآة، وجابه الرأى العام فى بيئته بعقيدته، ثم أخذ يدعو إليه مكرسا وقته وجهده لنشره. وفريق أحب الإسلام ومدحه. ولا ندرى ماذا أسر فى نفسه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذى يمنع الغربيين من الدخول فى الإسلام زرافات ووحدانا؟ إن الإسلام واضح جلى، وإن تعاليمه سهلة ميسورة، تنسجم مع العقل والمنطق، فما السر فى عدم أخذ الغربيين والأوربيين بهذا الدين، وعدم اعتناقهم له فى سرعة سريعة، وفى كثرة هائلة؟ الواقع أن العوامل التى تمنع الغربيين من اعتناق الإسلام كثيرة قوية، ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المؤسف أن بعض هذه العوامل يرجع إلى المسلمين أنفسهم بسبب عدم تطبيقهم وتمسكهم بالإسلام، وتكاد الصلة التى بينهم وبينه تكون مجرد صلة اسمية، وينسون عظمة المسلمين وقوتهم أيام كانوا متمسكين بالإسلام، وأيام أن كانت الدنيا لهم. ولعل المسلمين يعودون إلى دينهم صافيا نقيا، ويستمسكون به فيكونون مرآة حقيقية يتمثل فيها الإسلام قويا ساميا. ومن العوامل التى ساعدت على تشويه صورة الإسلام ونبيه محمد- صلّى الله عليه وسلم- والمسلمين فى الغرب وإحجام الكثير منهم عن دخول الإسلام تجربة الكنيسة مع الدين، وما استتبع ذلك من وسائل التبشير والتنصير، ومحاربة الدين الإسلامى على كافة الأصعدة، وبمختلف الوسائل والطرق، ومما ساعد على ذلك أيضا تحالف الصهيونية مع الصليبية فى الغرب، وتخاذل وضعف بعض المسلمين وتقصيرهم فى الدفاع عن دينهم، والدعوة إليه ونشره فى جميع أنحاء العالم، وعدم تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام فى الغرب. ويقول جمال الدين الأفغانى: «إن الغربيين يستمدون فكرتهم عن الإسلام من مجرد رؤيتهم للمسلمين، فإنهم يرون المسلمين متخاذلين ضعفاء أذلاء مستكينين، فرقت بينهم الأهواء والشهوات، وقعدت بهم الصغائر، وانصرفوا عن عظائم الأمور، وأصبحوا مستعبدين مستذلين، ويقولون لو كان الإسلام دينا قويا لما كان المسلمون هكذا ... » . ويقول أيضا: «إذا أردنا أن ندعو للإسلام، فليكن أول ما نبدأ به أن نبرهن للغربيين أننا مسلمون» . والكتاب الذى نقدمه اليوم يعرض جملا من أقوال وشهادات بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين الذين أعجبوا بشخصية الرسول العظيم صلّى الله عليه وسلم، ومع كونهم لم يرتدوا عباءة الإسلام فإنهم قالوا كلمة حق سطرها التاريخ على ألسنتهم وفى كتبهم وتراثهم، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته قد فاضت بكم عظيم من الرقى الشخصى والأخلاقى والحضارى إلى أبعد حد مما جعلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 معجبين به إلى حد أن جعلهم يسطرون فيه الكتب ويذكرون شخصه فى كل وقت. وهذا جزء من بعض ما قالوا فى عظيم شخصه وصفاته الجليلة. وأخيرا- فالكتاب لا يكتفى بسرد الشهادات الإيجابية والمنصفة للرسول- صلّى الله عليه وسلم- فقط وإنما يقوم بالتحليل والنقد لتاريخ العدوان الفكرى الغربى على الإسلام ونبيه محمد صلّى الله عليه وسلم، ويتساءل عن مضمون الإساءة إلى الإسلام فى الغرب. هل هى حرية تعبير أم عقيدة صليبية منذ فجر الإسلام؟ وعلاوة على ذلك يعرض الكتاب وسائل وأساليب لمواجهة حملات الإساءة والتشويه لصورة النبى- صلّى الله عليه وسلم- فى الغرب. وفى النهاية يلقى الضوء على بعض المعلومات المهمة عن الرسول- صلّى الله عليه وسلم- متضمنة لصفاته الخلقيّة والخلقيّة، وما تفرد به- صلّى الله عليه وسلم- عن باقى الأنبياء. أيضا يتحدث عن واجب المسلمين فى الدفاع عن دينهم والتصدى لحملات التشكيك فى الإسلام والموجودة فى الغرب حاليا. وأسأل الله العلى القدير أن أكون قد وفقت فى الدفاع عن سيد الأنبياء والمرسلين محمد- صلّى الله عليه وسلم- ضد حملات الإساءة والتشوية التى يتعرض لها نبى الإسلام محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى الغرب. كما أسأله سبحانه وتعالى أن يعيد للمسلمين وحدتهم، حتى يعود إليهم مجدهم وعظمتهم، ويصيروا سادة العالم وقادة الفكر بتطبيقهم لدينهم وشريعتهم كما كانوا. وأرجوه تعالى أن يعز الإسلام ونبيه الكريم صلّى الله عليه وسلم، وأن يظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. إنه سميع النداء مجيب الدعاء. وصلّى الله وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين/ والحمد لله رب العالمين الحسينى الحسينى معدّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الفصل الأول الإساءة للرسول ص هوس غربى قديم تاريخ العدوان الفكرى الغربى على الإسلام وعلى نبيه محمد- عليه الصلاة والسلام- العدوان الإعلامى الشرس وتصوير الإسلام ونبيه- عليه الصلاة والسلام فى صورة مغايرة للحقيقة بالغة البشاعة ومعاكسة تماما، ليست جديدة، بل هى عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت خلال ثمانية قرون منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجرى. قد يظن كثير من المسلمين أن العدوان الغربى على الإسلام وتشويه صورة الرسول محمد- عليه الصلاة والسلام- واختراع صورة بشعة ومعاكسة لحقيقة دين الإسلام ونبيه من طرف وسائل الإعلام فى الغرب، لا سيما فى أمريكا، من جانب رؤساء بعض الكنائس الإنجيلية أمر جديد حدث بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 م وقيام الحرب الصليبية المقنّعة الجديدة التى تقودها الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين تحت قناع «الحرب على الإرهاب وإزالة أسلحة الدمار الشامل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والحق أن هذا العدوان الإعلامى الشرس وتصوير الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام فى صورة مغايرة بالغة البشاعة ومعاكسة تماما، ليست جديدة، بل هى: عقيدة غربية موروثة تشكلت ونمت خلال ثمانية قرون منذ القرن الأول وحتى نهاية القرن الثامن الهجرى. وانتقلت هذه العقيدة كاملة متماسكة عبر القرون لتصل إلى القرون الحديثة والمعاصرة. وأصبحت أشبه بالمستنقع الآسن العفن الذى تغرف منه وسائل الإعلام الغربية وبعض رجال الدين الأنجيليين فى أمريكا، وينشرونها عبر وسائلهم المختلفة. وقبل أن نلقى نظرة موجزة جدّا على تاريخ تلك العقيدة الغربية القائمة على أساس التلفيق والاختراع لتصوير الإسلام فى أشكال مشوهة وبشعة، نعرض لمقتطفات من أقوال بعض رجال الدين الإنجيليين فى أمريكا عن الإسلام ونبيه محمد- عليه الصلاة والسلام- ليتضح لكل صاحب فكر خصيب مدى اعتناق هؤلاء لتلك العقيدة الموروثة التى لفقها أسلافهم خلال العصور الوسطى فى أوروبا. 1- جيرى فالويل:Jerry Falwell وهو قسيس إنجيلى معروف له برنامج إذاعى وتلفزيونى يصل إلى أكثر من عشرة ملايين أسبوعيا وله جامعة أصولية خاصة تسمى جامعة الحرية Liberty University وهو الذى يروج فى موقعه على الإنترنت لكتابه «فلنتقدم إلى معركة هرمجدون March To Armgeddon «وهى معركة نهاية التاريخ كما فى معتقدات الإنجيليين. وفى الصفحة الأولى من موقعه على الإنترنت يضع تاريخا ملفقا عن النبى عليه الصلاة والسلام؛ مستمدا بكامله من كتابات بعض الرهبان الأوربيين فى العصور الوسطى. ويهاجم فالويل النبى؛ من خلال بعض وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى. ومما قاله فالويل مساء يوم الأحد 6 أكتوبر 2002 م فى برنامجه 60 دقيقة ما نصه: «أنا أعتقد أن محمدا كان إرهابيا، لقد قرأت ما يكفى من المسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وغير المسلمين أنه رجل عنف، ورجل حروب.. فى اعتقادى المسيح وضع مثالا للحب كما فعل موسى، وأنا أعتقد أن محمدا وضع مثالا عكسيا!!. 2- بات روبرتسون:Pat Robertson وهو قسيس إنجيلى معروف باهتماماته السياسية وتأييده المعلن لإسرائيل، ويمتلك عددا من المؤسسات الإعلامية من بينها نادى ال) Club 700 (700 وهو برنامج تلفزيونى يصل إلى عشرات الملايين فى الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى محطة فضائية تصل إلى 90 دولة فى العالم بأكثر من 500 لغة مختلفة وهى محطة (البث النصرانى Christian Broadcasting (ومنها إذاعة الشرق الأوسط المتخصصة فى التنصير فى منطقة العالم العربى. كما سعى بات روبرتسون إلى الترشيخ لمنصب الرئيس الأمريكى فى عام 1988 م، ويقف خلف أقوى تحالف سياسى دينى فى الحزب الجمهورى وهو (التحالف النصرانىsaitsirhC) Coalition ((ويملك أيضا جامعة أصولية هى جامعة ريجنت ytisrevinU tneqeR وفى هجومه على النبى عليه الصلاة والسلام من خلال برنامج هانتى وكولمز ssemloC dna ytinnaHفى قناة فوكس الإخبارية ssweN xaFقال ما يلى: «كل ما عليك هو أن تقرأ ما كتبه محمد فى القرآن، إنه كان يدعو قومه إلى قتل المشركين.. إنه رجل متعصب إلى أقصى حد ... إنه كان لصا وقاطع طريق.. «إن ما يدعو إليه هذا الرجل (محمد) فى رأيى الشخصى ليس إلا خديعة وحيلة ضخمة» «إن 80 من القرآن من النصوص النصرانية واليهودية. ولقد ذكر موسى أكثر من 500 مرة فى القرآن. أنا أقول إن هذا القرآن ما هو إلا سرقة من المعتقدات اليهودية.. ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى فى المدينة. أنا أقصد.. أن هذا الرجل (محمد) كان قاتلا (سافكا للدماء) » - قطع الله لسان (روبرتسون) وإنا أنقل هذا ليعلم المنصفون مدى افتراء هذا الأفاك- وسنثبت بعد قليل أن هذا القسيس بات روبرتسون هو اللص والسارق عندما نورد أقوال الرهبان المتعصبين فى العصور الوسطى ليتبين للقارئ الكريم مدى تطابق أقوال هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 المأفون مع أقوال عصر الظلمات فى أوربا فى العصور الوسطى ونقله لأقوالهم وأفكارهم. 3- فرانكلين جراهام:Franklin Graham وهو ابن القسيس الأمريكى بيلى جراهام وقد عمل والده قسيسا خاصا للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون، وحتى الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون. ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب، وقام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكى الحالى جورج دبليو بوش. ويتولى جميع مسئوليات الكنيسة التى أنشأها أبوه والتى تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عددا وتأثيرا، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من 450 حملة تنصير فى جميع أنحاء العالم. وقد أدلى فرانكلين جراهام بتصريحات إعلامية قال فيها إن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتى وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية فى الخامس من أغسطس 2002 م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001 م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير) وفى كتاب جديد لفرانكلين جراهام يسمى (الاسم، The name (يحتوى على نصوص تتسم بالسفه والحطة بهدف الإساءة إلى الإسلام ومنها ما يلى: فى الصفحة رقم 71 يقول: «الإسلام.. أسّس بواسطة فرد بشرى مقاتل يسمى محمدا، وفى تعاليمه ترى تكتيك (نشر الإسلام من خلال التوسع العسكرى) ، ومن خلال العنف إذا كان ضروريا، من الواضح أن هدف الإسلام النهائى هو السيطرة على العالم» ويقول فى الصحفة 72 من كتابه إن «القرآن يحتوى على قصص أخذت وحرّفت عن العهدين القديم والجديد.. لم يكن للقرآن التأثير الواسع على الثقافتين الغربية والمتحضرة الذى كان للإنجيل. الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحية» . 4- جيرى فاينز:Jerry Vines وهو راعى كنيسة فى جاكسون يل فى فلوريدا، يصل عدد أتباعها إلى 25 ألف شخص، وهو من أبرز المتحدثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الأمريكيين فى المؤتمر السنوى للكنائس المعمدانية الجنوبية، وهو أكبر مؤتمر دينى يعقد كل عام. وقام الرئيس الحالى والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم وقد أدلى جيرى فاينز بتصريحات تتصف بالقذارة والسفه مليئة بالكراهية والحقد على الإسلام خلال الاجتماع السنوى للكنيسة المعمدانية الجنوبية، والذى عقد مؤخرا فى مدينة سانت لويس بولاية ميسورى الأمريكية. وخلال الاجتماع افترى جيرى فينزى على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زورا وبهتانا بأنه «شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من 12 زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات» وأضاف فاينز أن «الله (الذى يؤمن به المسلمون) ليس الرب الذى يؤمن به المسيحيون» . هذه الصور الملفقة المشوهة هى عقيدة دينية غربية موروثة ضمن عقائد المجتمع الغربى النصرانى، أصبحت راسخة فى العقل الجمعى الغربى منذ نهاية القرن الثامن الهجرى. وكانت هى المصدر الرئيس للمستشرقين والمنصرين المتعصبين فى العصور الحديثة وهى التى نراها الآن ونسمع بها. ويمكن أن نوجز مصادر تلك العقيدة الموروثة فى أربعة مصادر رئيسية هى: 1- ما كتبه النصارى الشرقيون وأشهرهم: يوحنا الدمشقى وتلميذه أبو قرة ويوحنا النقيوسى، ويحيى بن عدى، ومؤلف مجهول لمقالة تسمى الدفاع السريانى. 2- ما كتبه الكتّاب البيزنطيون (الروم) وعلى رأسهم: ثيوفانس المعترف، ونيقتاس البيزنطى، وجرمانوس. 3- المصادر الأسبانية: وعلى رأسها المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام وما كتبه ايزدور الأشبيلى، وأولوخيو، وبول الفارو، وغيرهم. 4- ما كتبه ولفقه واخترعه الكتاب الغربيون حتى نهاية القرن الثامن الهجرى. ويأتى على رأس تلك الكتابات : المشروع الكلونى. وهو أول وأكبر مشروع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 استشراقى يهدف بالدرجة الأولى الإساءة إلى الإسلام. وكتاب لمؤلف مجهول يسمى: الدحض الرباعى، وكتاب آخر لمؤلف مجهول يسمى (المتناقضات) وما كتبه كل من: بدرودى الفونسو، وسان بدرو باسكوال، وريكولدو دى مونت كروس، ورامون مارتى، وريموندلول، ووليم الطرابلسى، ووليم الصورى، ووليم آدم، وجاكيوس دى فترى، وهامبرت الرومانى، وفيدينزو أوف بافيا، وغيرهم كثيرون. ولا مجال هنا لعرض كل ما كتبته تلك المصادر الأربعة الرئيسية عن الإسلام، فالمادة العلمية التى جمعناها عن كل مصدر تغطى مجلدا كاملا. وسوف نعرض مجرد نماذج مختصرة لبعض تلك الكتابات حتى نرى كيف تشكلت وتكونت تلك العقيدة الغربية الموروثة عن الإسلام ونبى الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام. من النصارى الشرقيين يوحنا الدمشقى (55- 131 هـ/ 675- 749 م) وهو من نصارى الشام، ولد وعاش فى العصر الأموى، وتضلع فى اللاهوت، وكتب كتبا كثيرة، ومن ضمنها كتاب كتبه باليونانية بعنوان الهرطقات. وأفرد فيه فصلا عن الإسلام أطلق عليه اسم (هرطقة الإسماعيليين) ويقصد بالإسماعيليين العرب من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وهذا الفصل شديد الطعن، اتهم فيه يوحنا العرب بالهرطقة والضلال والخرافة، واعتبرهم فرقة نصرانية متهرطقة، وزعم أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان رسولا زائفا ادّعى النبوة زمن الإمبراطور هرقل، بعد أن قرأ العهد القديم والعهد الجديد وتعلّم من راهب أريوسى فتظاهر بالتقوى حتى استمال العرب إليه وأخبرهم أنه تلقى كتابا من السماء، وقدّم فيه تلك الشرائع المضحكة على حد قوله- التى تسمى بالإسلام. ومن التلفيقات التى وضعها يوحنا فى فصله هذا لتشويه صورة النبى عليه الصلاة والسلام زعمه الكاذب أن النبى عليه الصلاة والسلام دخل إلى بيت زينب بنت جحش فى غياب زوجها فافتتن بها وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب ... إلى آخر القصة التى تسربت إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 . ةيدوهيلا ت ادقتعملا ن م ةقرس لاإ وه ام ن آرقلا اذه ن إ ل وقأ انأ. ن آرقلا ى ف ةرم 005 ن م رثكأ ى سوم ركذ دقل و. ةيدوهيلا وةينارصنلا ص وصنلا ن م ن آرقلا ن م 08 ن إ «» ةمخض ةليح وةعيدخ لاإ س يل ى صخشلا ى يأر ى ف) دمحم (ل جرلا اذه هـ يلإ وعدي ام ن إ «.. ق يرط ع طاق واصل ن اك هـ نإ ... دح ى صقأ ى لإ ب صعتم ل جر هـ نإ.. ن يكرشملا ل تق ى لإ هـ موق وعدي ن اك هـ نإ، ن آرقلا ى ف دمحم هـ بتك ام أرقت ن أوه ك يلع ام ل ك «: ى لي ام ل اقFax Newss ةيرابخإلا س كوف ةانق ى فHannity and Colmess زملوك وى تناه ج مانرب ل لاخ ن م م لاسلا وةلاصلا هـ يلع ى بنلا ى لع هـ موجه ى ف وReqent University ت نجير ةعماج ى هـ ةيلوصأ ةعماج اضيأ ك لمي و) Christias ثم استدار محمد بعد ذلك ليقتل اليهود والنصارى فى المدينة. أنا أقصد.. أن هذا الرجل (محمد) كان قاتلا (سافكا للدماء) » - قطع الله لسان (روبرتسون) وإنا أنقل هذا ليعلم المنصفون مدى افتراء هذا الأفاك- وسنثبت بعد قليل أن هذا القسيس بات روبرتسون هو اللص والسارق عندما نورد أقوال الرهبان المتعصبين فى العصور الوسطى ليتبين للقارئ الكريم مدى تطابق أقوال هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 المأفون مع أقوال عصر الظلمات فى أوربا فى العصور الوسطى ونقله لأقوالهم وأفكارهم. 3- فرانكلين جراهام:Franklin Graham وهو ابن القسيس الأمريكى بيلى جراهام وقد عمل والده قسيسا خاصا للرؤساء الأمريكيين منذ عهد ريتشارد نيكسون، وحتى الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون. ويتولى ابنه فرانكلين جراهام الآن نفس المهمة بعد تقاعد الأب، وقام بعمل الطقوس الدينية لتنصيب الرئيس الأمريكى الحالى جورج دبليو بوش. ويتولى جميع مسئوليات الكنيسة التى أنشأها أبوه والتى تعد من أكبر الكنائس الأمريكية عددا وتأثيرا، وقامت خلال السنوات الماضية بأكثر من 450 حملة تنصير فى جميع أنحاء العالم. وقد أدلى فرانكلين جراهام بتصريحات إعلامية قال فيها إن الإرهاب جزء من التيار العام للإسلام، وأن القرآن (يحض على العنف) وكرر جراهام خلال برنامج (هاينتى وكولمز) المذاع على قناة فوكس نيوز الأمريكية فى الخامس من أغسطس 2002 م رفضه الاعتذار عن تصريحات أدلى بها بعد حوادث سبتمبر 2001 م وصف فيها الإسلام بأنه دين (شرير) وفى كتاب جديد لفرانكلين جراهام يسمى (الاسم، The name (يحتوى على نصوص تتسم بالسفه والحطة بهدف الإساءة إلى الإسلام ومنها ما يلى: فى الصفحة رقم 71 يقول: «الإسلام.. أسّس بواسطة فرد بشرى مقاتل يسمى محمدا، وفى تعاليمه ترى تكتيك (نشر الإسلام من خلال التوسع العسكرى) ، ومن خلال العنف إذا كان ضروريا، من الواضح أن هدف الإسلام النهائى هو السيطرة على العالم» ويقول فى الصحفة 72 من كتابه إن «القرآن يحتوى على قصص أخذت وحرّفت عن العهدين القديم والجديد.. لم يكن للقرآن التأثير الواسع على الثقافتين الغربية والمتحضرة الذى كان للإنجيل. الاختلاف رقم واحد بين الإسلام والمسيحية أن إله الإسلام ليس إله الديانة المسيحية» . 4- جيرى فاينز:Jerry Vines وهو راعى كنيسة فى جاكسون يل فى فلوريدا، يصل عدد أتباعها إلى 25 ألف شخص، وهو من أبرز المتحدثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الأمريكيين فى المؤتمر السنوى للكنائس المعمدانية الجنوبية، وهو أكبر مؤتمر دينى يعقد كل عام. وقام الرئيس الحالى والرئيس السابق بمدح هذا القسيس واعتباره من المتحدثين بصدق عن دينهم وقد أدلى جيرى فاينز بتصريحات تتصف بالقذارة والسفه مليئة بالكراهية والحقد على الإسلام خلال الاجتماع السنوى للكنيسة المعمدانية الجنوبية، والذى عقد مؤخرا فى مدينة سانت لويس بولاية ميسورى الأمريكية. وخلال الاجتماع افترى جيرى فينزى على الرسول عليه الصلاة والسلام واتهمه زورا وبهتانا بأنه «شاذ يميل للأطفال ويتملكه الشيطان، وتزوج من 12 زوجة آخرهن طفلة عمرها تسع سنوات» وأضاف فاينز أن «الله (الذى يؤمن به المسلمون) ليس الرب الذى يؤمن به المسيحيون» . هذه الصور الملفقة المشوهة هى عقيدة دينية غربية موروثة ضمن عقائد المجتمع الغربى النصرانى، أصبحت راسخة فى العقل الجمعى الغربى منذ نهاية القرن الثامن الهجرى. وكانت هى المصدر الرئيس للمستشرقين والمنصرين المتعصبين فى العصور الحديثة وهى التى نراها الآن ونسمع بها. ويمكن أن نوجز مصادر تلك العقيدة الموروثة فى أربعة مصادر رئيسية هى: 1- ما كتبه النصارى الشرقيون وأشهرهم: يوحنا الدمشقى وتلميذه أبو قرة ويوحنا النقيوسى، ويحيى بن عدى، ومؤلف مجهول لمقالة تسمى الدفاع السريانى. 2- ما كتبه الكتّاب البيزنطيون (الروم) وعلى رأسهم: ثيوفانس المعترف، ونيقتاس البيزنطى، وجرمانوس. 3- المصادر الأسبانية: وعلى رأسها المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام وما كتبه ايزدور الأشبيلى، وأولوخيو، وبول الفارو، وغيرهم. 4- ما كتبه ولفقه واخترعه الكتاب الغربيون حتى نهاية القرن الثامن الهجرى. ويأتى على رأس تلك الكتابات: المشروع الكلونى. وهو أول وأكبر مشروع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 استشراقى يهدف بالدرجة الأولى الإساءة إلى الإسلام. وكتاب لمؤلف مجهول يسمى: الدحض الرباعى، وكتاب آخر لمؤلف مجهول يسمى (المتناقضات) وما كتبه كل من: بدرودى الفونسو، وسان بدرو باسكوال، وريكولدو دى مونت كروس، ورامون مارتى، وريموندلول، ووليم الطرابلسى، ووليم الصورى، ووليم آدم، وجاكيوس دى فترى، وهامبرت الرومانى، وفيدينزو أوف بافيا، وغيرهم كثيرون. ولا مجال هنا لعرض كل ما كتبته تلك المصادر الأربعة الرئيسية عن الإسلام، فالمادة العلمية التى جمعناها عن كل مصدر تغطى مجلدا كاملا. وسوف نعرض مجرد نماذج مختصرة لبعض تلك الكتابات حتى نرى كيف تشكلت وتكونت تلك العقيدة الغربية الموروثة عن الإسلام ونبى الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام. من النصارى الشرقيين يوحنا الدمشقى (55- 131 هـ/ 675- 749 م) وهو من نصارى الشام، ولد وعاش فى العصر الأموى، وتضلع فى اللاهوت، وكتب كتبا كثيرة، ومن ضمنها كتاب كتبه باليونانية بعنوان الهرطقات. وأفرد فيه فصلا عن الإسلام أطلق عليه اسم (هرطقة الإسماعيليين) ويقصد بالإسماعيليين العرب من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وهذا الفصل شديد الطعن، اتهم فيه يوحنا العرب بالهرطقة والضلال والخرافة، واعتبرهم فرقة نصرانية متهرطقة، وزعم أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان رسولا زائفا ادّعى النبوة زمن الإمبراطور هرقل، بعد أن قرأ العهد القديم والعهد الجديد وتعلّم من راهب أريوسى فتظاهر بالتقوى حتى استمال العرب إليه وأخبرهم أنه تلقى كتابا من السماء، وقدّم فيه تلك الشرائع المضحكة على حد قوله- التى تسمى بالإسلام. ومن التلفيقات التى وضعها يوحنا فى فصله هذا لتشويه صورة النبى عليه الصلاة والسلام زعمه الكاذب أن النبى عليه الصلاة والسلام دخل إلى بيت زينب بنت جحش فى غياب زوجها فافتتن بها وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب ... إلى آخر القصة التى تسربت إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 بعض كتب التفسير، وأدرك ابن كثير زيفها فأعرض عن ذكرها فى تفسيره وأشار إلى أنها ملفقة لا تصح. وكان هدف يوحنا الدمشقى من ذلك التشويه تحصين النصارى من أهل الذمة والحيلولة بينهم فى بلاد الشام وبين اعتناق الإسلام حين رأى تسامح المسلمين مع أهل الذمة، ودخول كثير من النصارى فى الإسلام فلم يجد وسيلة لتثبيت النصارى على دينهم سوى اتهام الإسلام بالهرطقة وتشويه سيرة النبى عليه الصلاة والسلام، لتكون صورته فى نظر النصارى صورة كريهة حتى لا يقبلوا على اعتناق الإسلام. وقد انتشر هذا الكتاب فى بلاد الدولة البيزنطية (دولة الروم) واستخدمه الكتّاب البيزنطيون فى هجماتهم الفكرية على الإسلام ثم ترجم إلى اللاتينية وأسهم فى صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين طوال العصور الوسطى وحتى العصر الحاضر. ومن الكتّاب البيزنطيين نيقتاس البيزنطى الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى. وكتب كتابا زعم أنه دحض للقرآن الكريم، ذلك أن الإمبراطور البيزنطى ميخائيل الثالث (227- 254/ 842- 867) تلقى مقالتين من بعض العلماء المسلمين تفندان مزاعم النصارى بأن الله جل وعلا ابن يشاركه فى أسمائه وصفاته، وبطلان مقولة الأقانيم الثلاثة. فكلّف الإمبراطور نيقتاس بالرد عليه فقام نيقتاس بتأليف رده الذى وصفه بأنه (دحض لكتاب محمد المزوّر) . ولم يكن نيقتاس متضلعا فى اللغة العربية، فقام حسب زعمه بالاطلاع على القرآن، وقام باستعراض سوره من سورة البقرة إلى سورة الكهف، وكل سورة يسميها الأسطورة المحمدية رقم كذا. مثلما هو رقمها فى القرآن- ثم يذكر اسمها. وأصدر حكمه الباطل بأن القرآن يصوّر الله- جل وعلا على شكل كروى كامل، أو على شكل مطرقة معدنية مطروقة فى السماء. ويبدو أن نيقتاس اقتبس هذا الزعم من المقالة الأسبانية التى سأشير إليها بعد قليل. ثم أخذ يسخر من المسلمين على مناصرتهم لهذا التصور المادى- بزعمه-، وقال بأن محمدا عليه الصلاة والسلام قاد المسلمين ليعبدوا فى مكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وثنا مصنوعا على غرار أفروديت- معبود الحب والجمال عند الأغريق- وأنه جعل الشيطان ربا للخلق، وظل يؤكد على أن دين محمد عليه الصلاة والسلام دين وثنىّ وأن أتباعه مجرد جماعة من الوثنيين. وكان فى كل سورة يتحدث عنها يوجه السب والشتم إلى النبى عليه الصلاة والسلام- زاعما- أنه هو الذى وضع القرآن وشحنه بالأساطير، وأنه أمر أتباعه بقتل من يجعل شريكا فى جانب الله، ولذلك وقع معظم ذلك القتل على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن الله- بزعمه- وأخذ نيقتاس يحاول تفنيد بعض نصوص القرآن وقصصه عن طريق مقارنتها بنصوص العهدين القديم والجديد. ويبدو فى هذا متأثرا برأى يوحنا الدمشقى، فزعم على سبيل المثال أن إبراهيم الخليل- عليه السّلام- لم يصل إلى مكة ولم يبن الكعبة، لأن سفر التكوين لم يذكر ذلك. كما حاول نيقتاس أن يستدل على عقيدة الثالوث ببعض آيات القرآن بتأويلها حسب عقيدته. واختتم حديثه بالتأكيد على أن الذى يعبده محمد عليه الصلاة والسلام ويدعو إلى عبادته إنما هو الشيطان نفسه. والحق أن كل آراء نيقتاس لا تتعدى هذا الهذيان وقد أوردناها لنرى الأثر الذى أسهمت به فى صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين خلال العصور الوسطى وإلى الآن. وقد كان لبعض آراء نيقتاس الزائفة أثرها فى الدولة البيزنطية حتى إن أحد رجال الدين ألف رسالة فى زمن الإمبراطور مانويل كومنين (549- 585 هـ/ 1143- 1180 م) يشجب فيها الدين الإسلامى وفيها يلعن مصنفها (الرب الذى يعبده محمد عليه الصلاة والسلام) - أستغفر الله تعالى- وقدّم تلك الرسالة للإمبراطور الذي أراد شطب هذه العبارة المقيتة محتجا بأن الرب الذى يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو الأب الذى يعبده النصارى فأصر رجال الدين على أن الذى يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو إله غير إله المسيحيين. وهذا يوضح إلى أى مدى بقيت هذه العقيدة الزائفة حية حتى اعتنقها وقال بها فرانكلين جراهام وجيرى فاينز كما ذكرنا آنفا. ومنذ النصف من القرن الثالث الهجرى/ النصف الثانى من القرن التاسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الميلادى أصبح فى مقدور رجال الدين فى الغرب الأوروبى الاطلاع على تلك الصور المشوهة حين ترجم أمين مكتبة البلاط البابوى أنستاسيوس بعض تلك الكتابات، الشرقية والبيزنطية إلى اللاتينية وأدمجها فى حولياته التاريخية. وفى أواخر القرن الثانى الهجرى/ أواخر القرن الثامن وأوائل التاسع الميلادى ظهرت مقالة فى أسبانيا فى أحد الأديرة الشمالية، وهى عبارة عن نص هجومى بذئ على النبى عليه الصلاة والسلام عرفت باسم المقالة الإسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام ولا يعرف كاتبها، ويرجح ناشرها دياز أنها من عمل أحد النصارى المستفزين. وهذه المقالة تصور النبى عليه الصلاة والسلام بصورة مجافية للذوق ومعاكسة لصفاته، فتزعم- زورا وبهتانا أنه كان كاذبا مبتدعا شهوانيا، وأنه دعا عربه المتوحشين إلى أن يتخلوا عن الوثنية، وأن يعبدوا إلها ماديا فى السماء على شكل كرة مادية، وتزعم هذه المقالة الزائفة أن إبليس ظهر لمحمد- عليه الصلاة والسلام- مدعيا أنه الملك جبريل، وأخبره أن الرب أرسله ليبشر العرب بما كان قد سمعه فى مدارس المسيحيين ويدعوهم إلى عبادة ذلك الإله المادى فى السماء وهجر عبادة الأوثان. وتزعم المقالة البذيئة أن محمدا عليه الصلاة والسلام عندما مات تعفنت جثته فقامت الكلاب والخنازير بالتهام الجثة العفنة أستغفر الله. وقد نجم عن هذه المقالة المنحطة أن تشيع بها بعض الرهبان فظهرت حركة فى قرطبة فى منتصف القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، يقوم أفرادها بسب النبى عليه الصلاة والسلام علنا فيؤخذ أفرادها إلى القاضى فيكررون السب والشتم للنبى عليه الصلاة والسلام، الأمر الذى أدى إلى إصدار حكم الإعدام على عدد منهم، تذكر المصادر الأسبانية أن عددهم يبلغ زهاء 50 شخصا، وسمّت تلك المصادر تلك الحركة بحركة الاستشهاد فى قرطبة وبدأت تلك الحركة براهب يدعى بيرفكتوس الذى ذهب إلى السوق فسأله بعض عامة المسلمين عن رأى النصارى فى المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام فرد قائلا بألوهية المسيح ووصف محمدا عليه الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 والسلام بتلك الصفات الواردة فى المقالة الأسبانية، فقبضوا عليه وأخذوه إلى القاضى فأصر على موقفه فصدر الحكم بقتله. وقد سار على منواله عدد من الرهبان، منهم بول الفارو، وأولوخيو أسقف طليطلة الأسمى. وأولوخيو كتب رواية عن هذه الحركة وسبّ النبى عليه الصلاة والسلام فحكم عليه بالإعدام سنة 245 هـ/ 859 م. وبول الفارو هو الذى كتب سيرة أولوخيو بعد مقتله. والاثنان اعتقدا بأن ظهور الإسلام وانتشاره إنما هو الإعداد النهائى لظهور المسيح الدجال، أو هو الدجال نفسه. ومما أورده أولوخيو فى روايته لتلك الحركة أن ثلاثة من الرهبان الأسبان هم جورجيوس، وأورليوس، وناثاليا كتبوا نصا عن آلام المسيح. وقد احتوى النص على هجوم متعصب حاقد على الإسلام ونبى الإسلام عليه الصلاة والسلام فوصف الإسلام بأنه «العقيدة الضالة، وخدعة الشيطان الماكرة وأن الإسماعيليين (أى العرب أبناء إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام) يجلّون نبيّا كاذبا، صدّقوا أنه من خلاله يكون طريق الخلاص، وأن نبى المسلمين إنما هو- بزعمهم- غادر بطبعه ومؤمن بإبليس، وهو وكيل المسيح الدجال، والمستنقع لكل الرذائل، والذى سوف يلقى به فى جهنم، ومن خلال تعاليمه العقيمة كتب على أتباعه عذاب النار السرمدى، وأن الذى تراءى له فى هيئة ملاك إنما هو الشيطان» . ولا شك أن هذه الحركة الحاقدة المتعصبة فى قرطبة وما صاحبها من كتابات الرهبان المقيتة قد أسهمت بدور كبير فى صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين فى أوروبا طوال العصور الوسطى وإلى اليوم فى الولايات المتحدة الأمريكية. [ المشروع الكلوني: ] أما المشروع الكلونى: فهو الذى أعدّ كل المواد اللازمة لغرس تلك العقيدة الباطلة فى العقل الغربى وأحكم معظم جوانبها لتستمر قائمة إلى العصر الحاضر. وهذا المشروع الذى يعتبره بعض الباحثين الغربيين بأنه: المشروع الغربى العالمى الأول لدراسة الإسلام، إنما هو فى حقيقته المشروع الغربى الأكبر لتشويه صورة الإسلام، الذى حدث سنة 537 هـ/ 1143 م. وينسب هذا المشروع إلى دير كلونى فى جنوب فرنسا الذى تأسس سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 297 هـ/ 910 م ومنه انبثقت حركة لإصلاح الحياة الرهبانية عرفت فى التاريخ الأوربى باسم حركة الإصلاح الكلونية التى لم تلبث أن أسهمت فى تقوية الجهاز الكنسى فى الغرب الأوربى ونال دير كلونى منزلة الحصانة تحت الحماية المباشرة للبابا فى روما، والحق المطلق فى أن ينشئ أديرة أخرى تابعة له، وخلال القرنين التاليين من تأسيسه نال دير كلونى تأثيرا كبيرا وثروة ضخمة، وأصبح فى الواقع عاصمة للإمبراطورية الديرية حيث يتبعه أكثر من ستمائة دير، وعشرات الآلاف من الرهبان فى كل مكان من العالم الغربى النصرانى، وأصبح رهبان دير كلونى بابوات وكرادلة وكثير من رؤسائه كانوا مستشارين للأباطرة والملوك. ومن أشهر رهبان دير كلونى الذين وصلوا إلى منصب البابوية، البابا جريجورى السابع، وتلميذه البابا أوربان الثانى الذى أطلق الحروب الصليبية ضد المسلمين. وفى سنة 516 هـ/ 1122 م تم اختيار رئيس جديد لدير كلونى هو الراهب بيير موريس دى مونتبورسيير، الذى أطلق عليه معاصروه لقب بطرس المكرّم. وقد أمضى سنواته الأولى فى تدعيم سلطة الدير ومكانته. وفى سنة 536 هـ/ 1142 م قام برحلة إلى شمال الأندلس لزيارة الأديرة الكلونية فى تلك البلاد. وهناك علم من بعض المترجمين بوجود رسالة لنصرانى شرقى تدافع عن النصرانية وتهاجم الإسلام مكتوبة باللغة العربية، وعرف منهم مضمونها، فقرر القيام بمشروع ترجمتها وترجمة القرآن الكريم وبعض المصنفات الآخرى إلى اللاتينية بهدف دحض الإسلام والرد عليه. عاد بطرس المكرم إلى دير كلونى فى فرنسا بعد أن اتفق مع خمسة مترجمين للقيام بالعمل لديه وبيّن لهم أهدافه من المشروع وأجزل لهم العطاء لتنفيذه. ونقدم الآن لمحة مختصرة جدا عن أخطر ترجمتين فى المشروع والأثر الذى أحدثته فى صياغة تلك العقيدة الغربية عن الإسلام ونبى الإسلام عليه الصلاة والسلام. 1- ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية. وهى إحدى الترجمات الخمس التى أصبحت تعرف فى أوربا باسم المجموعة الطليطلية. وقام بهذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الترجمة مترجم إنجليزى يسمى روبرت أوف كيتون كان قد استقر فى برشلونة فى الأندلس منذ سنة 530 هـ/ 1136 م وأتقن العربية واهتم بالمؤلفات العربية فى علم الفلك والهندسة وقد علم روبرت أوف كيتون من بطرس المكرم أن هدفه تعريف الغرب النصرانى بالإسلام الذى يعتبره هرطقة من الهرطقات الكبرى التى هددت النصرانية، وأن بطرس المكرم ينوى الرد على الإسلام، لذلك قام روبرت أوف كيتون بترجمة خاطئة مغرضة لمعانى القرآن الكريم، كان لها تأثير سىء فى صياغة تلك العقيدة الغربية الحاقدة تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام. وتتضح أهداف روبرت أوف كيتون المبنية على أهداف بطرس المكرم مما جاء فى مقدمته لتلك الترجمة، حيث صدّرها بمقدمة طنانة سماها (تمهيد عن الخرافة الإسلامية المسماة بالقرآن) ومما قاله فى مقدمته، « ... أنا كشفت عن شريعة محمد بيدىّ وجلبتها إلى خزينة اللغة الرومانية، الأمر الذى سوف يساعد رسالة المسيح المخلّص على الانتشار وتخليص الجنس البشرى من هذا الإثم- الإسلام- ذلك أن دكاترة الكنيسة أهملوا تلك الهرطقة الكبرى- يقصد الإسلام- لتصل وتصعد إلى شىء ضخم جدا ومفرط لمدة خمسمائة وسبع وثلاثين سنة، لأنها مهلكة وضارة، بسبب أن الزهرة من تلك العقيدة المتعصبة الفاسدة، مجرد غطاء فوق عقرب، تحول دون أن تلفت الانتباه إليه، وتحطّم بالخداع قانون الدين المسيحى ... » إلى أن يقول مخاطبا بطرس المكرّم: «ولذلك قمت بالعمل معك لما علمت أن نفسك مجتهدة فى سبيل كل شىء صالح، وأنك تتوق إلى ردم المستنقع غير الخصب للعقيدة الإسلامية ... لذلك أنا كشفت عن السبل والوسائل- بكل جهدى- للوصول إلى ذلك ... وهكذا أنا أحضرت الخشب والحجارة اللازمة لعمارتك الجميلة التى يجب أن تنتصب فوق الجميع خالدة. أنا كشفت الغطاء عن دخّان محمد الذى يجب أن يخمد بواسطة منفاخك» . وقام روبرت أوف كيتون فى ترجمته لمعانى القرآن الكريم بإعادة ترتيب السور وعمد إلى الاختصار والتشويه المتعمّد والحذف والإضافة، وإضفاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الطابع اللاتينى على المعانى، مما أعطى صورة بشعة لمعانى القرآن الكريم. ومن أمثلة الفساد والتشويه فى تلك الترجمة ما يلى: أ- أعطى معنى غامضا لخطاب يا أهل الكتاب وجعله يبدو فى معظم الأحيان وكأنه موجه إلى المسلمين. ب- أضفى على كل الآيات المتعلقة بأحكام الزواج والطلاق معانى جنسية داعرة بحيث تبدو للقارئ الغربى لا سيما الرهبان مثيرة للاشمئزاز والنفور. مثل: ج- الآية 230 من سورة البقرة؛ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ترجمها «فلا تحل له حتى يطأها رجل غيره» . والنكاح هنا بمعنى عقد الزواج. د- الآية 220 من سورة البقرة: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ترجم تخالطوهم بمعنى تمارسوا معهم اللواط. هـ- الآية 223 من سورة البقرة: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ترجمعها بمعنى «فأتوهن فى أدبارهن» . والآية 50 من سورة الأحزاب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ.. الآية، ترجمها هكذا: «نحن نجيز لك أزواجك اللائى أتيتهن مهورهن، وجميع إيمائك اللائى أعطاكهن الله، وبنات عمك، وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك، اللائى اتبعنك، وكل امرأة مؤمنة إذ هى ترغب فى تقديم جسدها أو نفسها للرسول، وإذا الرسول يرغب أن يضطجع معها فليفعل، وهذا خاص لك وليس للمؤمنين الآخرين» . وهذا قليل من كثير مما فى تلك الترجمة القبيحة من تشويه متعمّد. ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل قام معلق مجهول بالتعليق والتحشية على تلك الترجمة فزاد فى التشويه إلى أقصى حد فمثلا عندما لا يتفق القصص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 القرآنى مع بعض قصص العهد القديم يهاجم القرآن، ويتهمه بالخرافة مثل وسوسة الشيطان لآدم وزوجه للأكل من الشجرة وفى العهد القديم أن الحية هى التى أغرت آدم بالأكل من الشجرة. ويعلق المعلق على القرآن بقوله: «كذب وقح» . أيضا القصة الرائعة لحمل مريم بعيسى- عليه السّلام- كما جاء فى سورة مريم، يسميها أيضا «كذب وقح» . كما أن هذا المعلق علّق- مثلا- على الآيتين من سورة الغاشية: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية: 20، 21) ، علّق عليها موجها الخطاب إلى النبى عليه الصلاة والسلام؛ قائلا: «لماذا أنت بعد كل هذا توجّه أصحابك إلى أن يحوّلوا الناس إلى دينك بالسيف، إذا أنت تقول مثل هذه المبادئ التى لا تجبر الناس على الطاعة، فلماذا تجبر الناس على الطاعة ولماذا تخضعهم بالقوة مثل الحيوانات والبهائم المتوحشة، وليس بواسطة الحجج والبراهين مثل البشر، فى الحقيقة أنت نموذج للكذّاب، فأنت فى كل مكان تناقض نفسك» . هذه الترجمة المشوهة لمعانى القرآن الكريم التى قام بها روبرت أوف كيتون لحساب بطرس المكرّم سنة 537 هـ/ 1143 م هى أول ترجمة عرفتها أوربا وأحدثت تأثيرا واسعا على الفهم الأوربى المشوه للإسلام حتى القرن الثامن عشر، فقط ظلت تنتشر مخطوطاتها حتى قام عالمان سويسريان بطباعتها فى بازل سنة 949 هـ/ 1543 م. وعن هذه الترجمة اللاتينية قام أريفابينى الإيطالى بترجمتها إلى الإيطالية سنة 953 هـ/ 1547 م. وعن هذه الترجمة الإيطالية قام سالمون اشفجر بترجمتها إلى الألمانية سنة 1025 هـ- 1616 م وعن هذه الترجمة الألمانية ترجمت إلى الهولندية سنة 1051 هـ/ 1641 م. ومن هنا يتبين لنا الأثر السىء الذى تركته هذه الترجمة على صورة الإ «لام فى الغرب، إذ قامت عليها الكثير من دراسات المستشرقين عن الإسلام. 2- رسالة النصرانى الشرقى: وهى الأخيرة فى المجموعة الطليطلية، وتعرف باسم الرسالة الإسلامية والجواب المسيحى. وهى التى أحدثت المشروع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الكلونى برمته. وهى عبارة عن رسالة وجواب على الرسالة. الرسالة مرسلة من رجل مسلم يدعى عبد الله بن إسماعيل الهاشمى إلى صديق له نصرانى يدعى عبد المسيح بن إسحاق الكندى، وقد صيغت رسالة الهاشمى المزعومة بحيث يبدو قريبا للخليفة المأمون، بينما صيغ الجواب وكأن الكندى المزعوم يعمل فى بلاط الخليفة نفسه. ومن الواضح أن كلا الاسمين مستعاران وأن كاتب النصين عالم عربى نصرانى عاش فى العراق فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، والراجع أنه الطبيب والفيلسوف النصرانى يحيى بن عدى المتوفى سنة 364 هـ/ 975 م. ولا نجد لهذه المصنفة ذكرا فى المصادر الإسلامية إلا عند البيرونى المتوفى سنة 440 هـ/ 1048 م. الذى اقتبس منها نصا فى حديثه عن الصابئة. وقد كلّف بطرس المكرم اثنين من المترجمين بترجمة هذا النص هما بطرس الطليطلى، وبطرس أوف بواتييه. وقد صاغ يحيى بن عدى رسالة الهاشمى المزعوم فى نحو عشرين صفحة، بحيث بدأ بالسلام والرحمة على صديقه النصرانى، زاعما أن ذلك سنة النبى عليه الصلاة والسلام فى مخاطبته للناس بما فيهم النصارى ثم يبدى الهاشمى المزعوم تعبيرات مختلفة من الاحترام لصديقه والإشارة إلى النسب الأصيل للكندى، والإشادة بتقواه وثقافته ومعرفته، ويدعوه إلى اعتناق الإسلام الذى هو دين الحنيفية، دين أبيهما الأول ابراهيم عليه السّلام، وهو التوحيد الخالص لله تعالى، ثم يعرض أركان الإسلام الخمسة، والجهاد، ويسهب فى ذكر نعيم الجنة لإغراء صديقه النصرانى باعتناق الإسلام. وأنه إذا اعتنق الإسلام يمكنه الزواج بأربع زوجات ويطلق متى يشاء ويملك من الجوارى ما يشاء، ويحصل على ترقية فى بلاط الخليفة وفى النهاية يعرض على صديقه أن يجيبه بكل صراحة على عرضه وأن يقول ما يحلو له فى الدفاع عن دينه ويحثه على التخلى عن عبادة الثالوث. وقد أجاب يحيى بن عدى على رسالته التى جعلها على لسان الهاشمى، بجوابه الذى جعله على لسان الكندى فى 140 صفحة، أى أكبر بسبع مرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 من رسالة الهاشمى، بحيث يترك جوابه الانطباع لدى القارئ النصرانى أنه نال الغلبة والقهر بالحجة والبرهان. ومن الواضح أن يحيى بن عدى كتب هذا الكتاب حين ازداد دخول النصارى فى الإسلام فى القرن الرابع الهجرى، وكان هدفه منه تحصين أهل الذمة من النصارى لمنعهم من اعتناق الإسلام وإقناعهم بأن دينهم هو الدين الصحيح. ويبدأ يحيى بن عدى جوابه على لسان الكندى المزعوم بالعرفان بالجميل لصديقه الهاشمى والدعاء للخليفة المأمون. ثم يدافع عن عقيدة الثالوث، ويزعم أن عقيدة الحنيفية التى يدعو إليها الهاشمى التى كان عليها إبراهيم عليه السّلام إنما هى عبادة الأصنام، حيث يزعم أن إبراهيم ظل يعبدها لمدة سبعين سنة فى حرّان مع آبائه. ويحاول بأسلوب فلسفى تفنيد عقيدة التوحيد، ثم يوجه هجومه إلى النبى عليه الصلاة والسلام، ويتهمه بأنه تطلع إلى الملك، ولما كان يعرف أن نفوس قريش تأبى أن يصبح ملكا عليها ادّعى النبوة للوصول إلى هدفه. ولا يتحدث جواب الكندى المزعوم عن دعوة النبى عليه الصلاة والسلام فى مكة، وإنما ينتقل فجأة إلى المدينة حيث يزعم أن النبى عليه الصلاة والسلام اغتصب مربد غلامين يتيمين وبنى عليه مسجده، وأنه اصطحب قوما فراغا لا عمل لهم وبدأ فى شن الغارات وممارسة النهب والسلب وقطع الطريق وإخافة السبيل، ويتهم النبى عليه الصلاة والسلام أنه أمر باغتيال بعض الآمنين فى بيوتهم، ثم يشير إلى جروح النبى عليه الصلاة والسلام يوم أحد، ويرى أنه لو كان رسولا لمنعه الله من الضرر، ثم يزعم أن النبى عليه الصلاة والسلام لم يكن له هم إلا امرأة جميلة يتزوجها، ويتهمه بالاستخفاف بالله فى محاباة زوجاته ويكرر حديث الإفك عن عائشة رضى الله عنها. وبعد ذلك يثير جواب الكندى المزعوم موضوع النبوة وعلاماتها ويزعم أن شروط النبوة لا تتوافر فى محمد عليه الصلاة والسلام. ويزعم أن أهم علامات النبوة هى المعجزات، وأن النبى عليه الصلاة والسلام لم يأت بشىء منها، وأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 أنكر أنه يستطيع أن يأت باية كما جاء فى القرآن، وأنه لا دليل لدى محمد عليه الصلاة والسلام على رسالة إلاهية ويزعم أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأن نجاح الفتوح الإسلامية ليس دليلا على إعجاز إلاهى، لأنها يمكن أن تكون وسيلة من الله لمعاقبة الناس المذنبين، ويزعم أن النصرانية انتشرت بالتبشير واستشهاد الحواريين بينما الإسلام انتشر بالقهر والسيف، ويزعم أن لغة القرآن ليست معجزة، ويعتبر لغة الشاعر امرئ القيس أقوى من لغة القرآن. ويزعم جواب الكندى أن الإغراء المادى والوعد بالملذات الحسية فى جنة شهوانية هو الذى أغرى العرب المحرومين أن ينضموا إلى الإسلام وجيوشه، وأن جيوش المسلمين كانت مليئة بالمنافقين الذين انضموا إليها طلبا للغنائم. ثم يهاجم شعائر الإسلام، ويعتبر الحج عملا من أعمال الوثنية، ويرى أن الجهاد فى سبيل الله إنما هو عمل الشيطان. ويزعم أن محمدا عليه الصلاة والسلام لم يكن يهدف مثلما هدف المسيح- عليه السّلام- إلى أن يخلّص ويهذب الإنسان، وإنما هدف إلى ما هدف إليه الفاتحون الآخرون وهو أن يوسع مملكته. ويزعم أن النصرانية هى الصراط المستقيم المذكور فى سورة الفاتحة. ويزعم أن الشرائع ثلاث: شريعة الكمال الإلهى وهى التى جاء بها المسيح عليه السّلام، وشريعة العدل وهى التى جاء بها موسى عليه السّلام، وشريعة الشيطان وهى التى جاء بها- بزعمه الكاذب- محمد عليه الصلاة والسلام. ويزعم أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يتلقى من راهب طرد من الكنيسة وذهب إلى تهامة واسمه سرجيوس، وتسمى عند محمد عليه الصلاة والسلام بإسم نسطوريوس وأنه هو الذى كان يسميه النبى عليه الصلاة والسلام جبريل أو الروح القدس. وقال هذا النصرانى- قطع الله لسانه- فى جوابه عن النبى عليه الصلاة والسلام ما نصه: «فإنا لم نره دعا الناس إلا بالسيف وبالسلب والسبى والإخراج من الديار ولم نسمع برجل غيره جاء فقال من لم يقر بنبوتى وإنى رسول رب العالمين ضربته بالسيف وسلبت بيته وسبيت ذريته من غير حجة ولا برهان» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وزعم- زورا وبهتانا- أن النبى عليه الصلاة والسلام أجبر الناس على قبول القرآن: «وقال من لا يقبل كتابى هذا ويقول إنه منزّل من عند الله وأنى نبى مرسل قتلته وسلبته ماله وسبيت ذريته واستبحت حريمه» . وزعم النصرانى أن عبد الله بن سلام وكعب الأحبار عمدا إلى ما فى يد على بن أبى طالب- رضي الله عنه- من القرآن بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام وأدخلا فيه أخبار التوراة وأحكامها وزادا وأنقصا منه وسخر من عملية جمع القرآن فى عهد أبى بكر- رضي الله عنه-، وزعم أنه وقع فيه التحريف والتبديل، وأن الحجاج بن يوسف الثقفى جمع المصاحف وأسقط منها أشياء كثيرة عن بنى أمية، وذكر كلاما كثيرا ملفقا فى هذا الموضوع وختم جوابه بدعوة الهاشمى المزعوم لاعتناق النصرانية. هذه الترجمة الرئيسية فى المشروع الكلونى نالت فى الغرب شعبية هائلة وأصبحت بمثابة إنجيل المنصّرين والمستشرقين منذ ترجمتها وإلى اليوم حيث اعتبروها أفضل دفاع عن النصرانية وأقوى هجوم على الإسلام. وهناك ثلاثة مصنفات أخرى ترجمت فى المشروع الكلونى هى (نشؤ محمد) و (عقيدة محمد) و (الأحاديث الإسلامية) ولكن لم يكن لها تأثير يضاهى تأثير رسالة الكندى المزعوم والترجمة الخاطئة والمغرضة لمعانى القرآن الكريم من جانب روبرت أوف كيتون. وبعد أن انتهى بطرس المكرم من ترجمة مشروعه الآنف الذكر قام بتأليف ردين على الإسلام هما: 1- المجمع الكامل عن الهرطقة الإسلامية وقسمه إلى ستة فصول هى: أ- الرب، المسيح، ويوم الحساب. ب- النبى محمد عليه الصلاة والسلام. ج- القرآن ومصادره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 د- الجنة والنار والتعاليم الأخلاقية. هـ- انتشار الإسلام. والإسلام بوصفه هرطقة مسيحية. 2- الدحض وقسمه إلى كتابين كل كتاب مكون من فصلين وكلاهما كتبه باللاتينية. وكان هدف بطرس المكرم من تأليف رديه أن يغرس فى قلوب النصارى موقفا معاديا للإسلام ينبغى على كل نصرانى أن يتخذه ويعتقده تجاه العقيدة الإسلامية. وسوف أعرض هنا مقتطفات مختصرة من مجمل بطرس المكرم للتدليل على هدفه هذا. بعد أن عرض بتهكم مشاهد يوم القيامة التى انفرد بها القرآن ولا توجد عندهم فى كتبهم المقدسة قال: «إلى هذا الحد الفعلى) Mahumet محمد) - أستغفر الله العظيم- القذر الشرير علّم أتباعه إنكار جميع أسرار الدين المسيحى، وحكم تقريبا على ثلث الجنس البشرى بعدم معرفة يوم الدينونة للرب، بواسطة حكايات مجنونة يهذى بما لم يسمع بمثلها استجابة لإبليس والهلاك السرمدى» . ثم يقدّم فى مجمله مختصرا مشوها لسيرة النبى عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول: «هكذا كان Mahumet ناشطا جدا فى الشؤون العالمية، وذكى إلى أبعد حد، هو انبثق من الأصل الوضيع والفقر إلى الغنى والشهرة، ونهض بنفسه إلى أعلى شيئا فشيئا، وتكرارا هاجم كل أولئك الذين كانوا بجواره، وكان بشكل بارز يضم إليه الأقرباء بالخداع، والسلب، والغزوات، قاتلا أى شخص غيلة إن استطاع، هو ازداد رعبا بواسطة اسمه، وفى الوقت المناسب وصل إلى القمة بالنزاعات. ثم بدأ يطمح إلى منصب الملك على شعبه، ولما كان يدرك أنه لا يستطيع أن يحقق هذه الرغبة بسبب أصله الوضيع. قرّر أن يصبح ملكا عن طريق السيف، وتحت قناع الدين وبواسطة الاسم رسول الله» . ثم يتناول فى مجمله القرآن ويرفض بشدةت نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ويزعم أن القرآن له مصادر هى: إبليس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وسرجيوس ونسطرويوس وبحيرا ... إلى آخر ما يقول ما نصه: «هكذا علّم محمد من جانب أحسن علماء من اللاهوت البارزين، والمتهرطقين، فأنتجوا قرآنه، ونسجوا معا، فى ذلك الشكل غير الفصيح، له كتابا مقدسا شيطانيا، صنّف على حد سواء من الخرافات اليهودية والأغانى العابثة للهراطقة، كاذبا أن هذه المجموعة جلبت إليه سورة وراء سورة بواسطة جبريل، الذى اسمه هو عرفه من الكتاب المقدس فى ذلك الوقت، هو أفسد بسهم مهلك ذلك الشعب الذى لم يعرف الرب، وفى سلوك هذا المفسد أن جعل فى حواف القدح المملوء بالعسل السم المهلك الذى يتسرب معه، هو (محمد) حطّم، وا حسرتاه، الأرواح والأجساد لذلك الشعب البائس، ذلك الرجل، أثنى على الشريعة المسيحية واليهودية، والشرير مع ذلك يقتبس منها ويرفضها فى الوقت نفسه» . وبعد ذلك يتناول بطرس المكرّم، الجنة والنار، والتعاليم الأخلاقية ويهاجم التصوير القرآنى للجنة والنار فيقول: «محمد يصف عذاب جهنم كأنها تسره حتى يصفها، وكأنه كان ملائما لرسول زائف كبير أن يخترع تلك الأوصاف. وهو يصور جنة ليست من مجتمع ملائكى، ولا من تجلى الرب، ولا من ذلك الخير الأعلى، الذى لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. بل فى هذه الطريقة هو وصفها مثلما هو رغبها أن تكون معدّة لنفسه، هو يعد أتباعه هناك بالأكل من اللحم، وكل أنواع الثمرات، هناك أنهار من اللبن والعسل والمياه المتدفقة. هناك العناق والإشباع الشهوانى من النساء العذارى الأجمل، فيها أشياء كثيرة، جنته كلها حسية» . ثم يتناول بطرس المكرم تعدد الزوجات فى الإسلام باعتباره عملا من أعمال الزنا وفق المنظور الرهبانى دون أن يعلم أن المجتمع الغربى من بعده، فى العصور الحديثة، سيصل إلى ممارسة الزنا علنا فى الشوارع وعلى الأرصفة بسبب تلك الرهبانية المصادمة للفطرة البشرية التى فرضها رجال الدين على المجتمع الغربى طوال العصور الوسطى. بل كان بعض الرهبان والقسس فى الكنائس يفعلون ما هو الأسوأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ثم يعود بطرس المبجل للهجوم البذئ على النبى عليه الصلاة والسلام فيقول: وبالإضافة إلى كل هذه الأشياء، هو استطاع أن يجتذب إليه الرغبات الشهوانية للرجال، حيث أطلق لهم الأعنة للنهم والتلوث هو نفسه كان له فى ذات الوقت ست عشرة زوجة ... مقترفا الزنا كأنه شرط بواسطة الأمر الإلهى، وبذلك أضاف إلى نفسه عددا ضخما من الناس المحكوم عليهم بالهلاك السرمدى» . وبالمقارنة اتضح أن مجمل ما قاله بطرس المكرم ودحضه قد اعتمد فيهما على رسالة الكندى المزعوم حيث نسج على منوالها. وأصبح هذان الردان ضمن المشروع الكلونى الذى غدا فى متناول الرهبان المتعصبين للاعتماد عليه فى كتاباتهم العدائية ضد الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام. فهذا وليم الصورى أسقف صور الذى عاصر الحروب الصليبية حتى عصر صلاح الدين الأيوبى وأرّخ للمملكة الصليبية فى بلاد الشام وعلاقتها بالمسلمين بدأ حديثه فى تاريخه عن النبى عليه الصلاة والسلام فقال ما نصه: «فى زمن الإمبراطور هرقل، وطبقا للروايات والتواريخ الشرقية حققت معتقدات محمد الضارة- بزعمه الباطل- موطئ قدم راسخ لها فى الشرق، وهذا هو أول أبناء الشيطان المعلن بالكذب أنه رسول مرسل من الله، وبذلك أضل بلدان الشرق خصوصا بلاد العرب. والبذرة السّامة التى زرعها اخترقت إلى حد بعيد المناطق التى استخدم فيها خلفاؤه السيف والعنف بدلا من التبشير والنصح، لإجبار الناس، مهما كانوا خاضعين، ليعتنقوا المعتقدات الخاطئة للرسول» . أما جايكوس دى فترى أسقف عكا الذى شارك فى الحملة الصليبية الخامسة 614- 618 هـ/ 1217- 1221 م فقال ما نصه: «إن محمدا أخذ جيرانه الذين كان يحسدهم فى الخفاء، وذبحهم بغدر» . أما سان بدرو باسكوال وهو راهب إسبانى عاش فى القرن السابع الهجرى/ 13 م والمتوفى سنة 700 هـ/ 1300 م فقد كتب عدة كتب ضد المسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ومنها كتاب أطلق عليه الفرقة المحمدية فقال فيه ما نصه: «ما الذى جاء به محمد غير الفسوق والسلب، القرآن على حد سواء أمر بالسلب والحرب، والحديث أكد هذا، حيث وعد المسلمون بمكافأة ضخمة من أجل الموت فى الحرب، وأن جروحهم سوف تكون جميلة يوم البعث، ذلك أن محمدا أمر بأن الناس من غير المسلمين يجب أن يقتلوا بواسطة الجهاد، وتغتصب نساؤهم ويؤخذون سبايا مع الأطفال، وخيراتهم تنهب وبلادهم تحتل» . وقد زعم سان بدرو باسكوال هذا أن محمدا عليه الصلاة والسلامه، أثنى ذات مرة على آلهة الوثنيين فى آيات زعم أن المسلمين يسمونها الآيات الشيطانية. ومن عجب أن قول سان بدرو باسكوال هذا، كان هو الذى أوحى للمرتد البريطانى سلمان رشدى بعنوان روايته «الآيات الشيطانية» ، كما أن باسكوال وفندينزو وبريكولدو وغيرهم من كتّاب العصور الوسطى كانوا المصدر الرئيس لرواية سلمان رشدى، بل هى مسروقة بالكامل من تلك الكتابات الوسيطة. لقد اخترع سان بدور باسكوال قصصا وأساطير عجيبة تناول فيها جوانب من سيرة النبى عليه الصلاة والسلام ونزول الوحى عليه وموقف خديجة- رضى الله عنها- فمثلا غزوة بدر يقدمها بهذا الشكل الملفق: «اصطحب محمد عصابة من اللصوص، وبعد ذلك سمع أن تجارا كثيرين من مكة كانوا يقتربون من تلك المدينة من مناطق أخرى فى طابور عظيم من البهائم المحملة بالأثقال، هو اختبأ فى مكمن مع أصحابه وقتل سبعين من التجار وسائقى البغال من أهل مكة، وأخذ أكثر من سبعين أسيرا، ونهبوا القافلة بالكامل» . وعن قصة نزول الوحى على النبى عليه الصلاة والسلام يورد رواية مشوهة ويزعم أن النبى عليه الصلاة والسلام تلبسه الشيطان، ويسب خديجة رضى الله عنها- التى صدقته ويقول مخاطبا النبى عليه الصلاة والسلام ما نصه: «فى الواقع أنا أقول لك يا محمد إن هذا الذى فعلته ليس نبوة، بل إنك قلت أشياء معينة مثلما تعوّد العرافون اليوم أن يقولوها عن طريق استحضار العفاريت بأى أسلوب، فهذا لن يكون مدهشا لأنه سيوجد عرّافون كثيرون فى العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 يقولون حقائق قليلة وكذبا كثيرا» وكتابات سان باسكوال عن الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام تتصف بالاختلاق والسفه فمثلا عند حديثه عن وفاة النبى عليه الصلاة والسلام قال ما نصه: «إن محمدا عندما أوشك أن يموت حاول أن يعمّد نفسه- أى يتنصّر- لكن الشياطين منعته» . أما الراهب الإيطالى فيدينزو أوف بافيا الذى جاء إلى بلاد الشام فى النصف الثانى من القرن السابع الهجرى/ النصف الثانى من القرن الثالث عشر الميلادى فقد كتب وصفا مختصرا مختلفا لتشويه صورة النبى عليه الصلاة والسلام عند القراء الغربيين ومما قاله: «إن محمدا جمع حوله عبيدا آبقين، ورجالا مؤذين مرتشين ومضطهدين للآخرين، من أصناف مختلفة، وعندما أطاعوه وأصبح أميرهم، أرسلهم إلى غابة ذات طرق فرعية وإلى قمم الجبال، وأخذوا يغيرون على الطرق التى يتردد عليها المسافرون، فيسلبون الناس، وينهبون بضائعهم ويقتلون كل من يبدى مقاومة. وحل الخوف من محمد وأصحابه بجميع الناس الذين يقطنون بتلك البلاد» . وهذا الراهب فيدينزو أحد الكتّاب الغربيين الذين تلقفوا القصة المختلقة عن النبى عليه الصلاة والسلام وزينب بنت جحش رضى الله عنها، التى اخترعها يوحنا الدمشقى وصاغوها بشكل داعر، ومما قاله فيدينزو ما نصه: «كان هناك رجل معروف يدعى سايدوس- زيد- وكان له زوجة تدعى سيبيب- زينب- كانت من أجمل الناس الجميلات اللائى عشن على الأرض فى أيامها، فسمع محمد بشهرة جمالها، واشتعل بالرغبة فيها، وأراد أن يراها، فجاء إلى منزل المرأة فى غياب زوجها، وسأل عن زوجها. هى قالت: يا رسول الله، ماذا تريد، لماذا أنت هنا؟ زوجى ذهب إلى الخارج فى العمل. هذا لم يكن مخفيا عن زوجها، هو عندما عاد إلى بيته، قال لزوجته: هل كان رسول الله هنا؟ هى أجابت: هو كان هذا، هو قال هل رأى وجهك؟ هى أجابت: نعم هو رآه، وهو أيضا سهّرنى وقتا طويلا، هو قال لها: أنا لا أستطيع أن أعيش معك وقتا أطول من هذا ... » . ومن الرهبان المنصرين الذين كتبوا عن الإسلام، ريكولدو أوف مونت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 كروس المتوفى سنة 720 هـ/ 1320 م وقد جاء إلى عكا سنة 688 هـ/ 1289 م وانتقل منها إلى آسيا الصغرى ومنها إلى الشرق حيث وصل إلى مراغة فى رحلة تنصيرية ثم جاء إلى الموصل وإلى بغداد. ثم عاد إلى دير مونت كروس وصنّف عدة كتب يهاجم فيها الإسلام منها كتاب سماه «دحض القرآن» ومما قاله: «إن الإسلام مجرد خدعة شيطانية ابتدعها الشيطان كى يمهد الطريق لمجىء المسيح الدجّال، وذلك حين شعر الشيطان بعدم قدرته على إيقاف انتشار النصرانية، وأن الوثنيات بدأت تتهاوى أمام النصرانية، وأنه ليس فى مقدوره دحض شريعة موسى وإنجيل عيسى، فابتدع الشيطان ذلك الدين ليكون وسطا بين النصرانية واليهودية ... والقرآن ليس قانون الله، نظرا لأن أسلوبه لا يطابق الأسلوب الإلهى، الذى لا يوجد فيه سجع ولا عبارات موزونة كتلك التى جاءت فى الكتب المقدسة» . والحق أن القرنين السابع والثامن الهجريين/ الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، قد شهدا حملة فكرية عدوانية شرسة ضد الإسلام ونبى الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام من جانب مئات الكتّاب الغربيين من الرهبان والمنصرين والحجاج الذين زاروا الديار المقدسة فى بلاد الشام، وهى حملة عدائية تضاهى فى ضخامتها العدوان الفكرى الحالى الذى نشهده فى وسائل الإعلام الغربية. ويتضح أحد أهداف تلك الحملة السابقة مما كتبه أحد أعضائها وهو روبرت هالكوت الذى كتب سنة 741 هـ/ 1340 م يقول: «إنه لن يكون سهلا أن ننشر تعاليم المسيح بين المسلمين إلا عن طريق تحطيم وشجب شريعة محمد» . ويتضح توطّد وترسّخ تلك العقيدة الغربية الباطلة تجاه الإسلام والمسلمين فى الغرب، وأنه لم يكن بمقدور أحد هناك اعتقاد سوى ما حدث سنة 762 هـ/ 1361 م عندما كتب راهب بندكتى يعمل فى جامعة أكسفورد، اسمه أوثرد أوف بولدون، مقترحا قال فيه: «إنه عند لحظة الموت لكل إنسان سواء كان نصرانيا، أو مسلما، أو من أى دين، فإنه ينعم بالرؤية المباشرة للرب، ويتلقى حكمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الأبدى فى ضوء استجابته لهذه التجربة» فقامت ضد الراهب أوثرد احتجاجات عنيفة من زملائه الرهبان مفادها: كيف يمكن لمسلم أن ينجو من الهلاك والعذاب السرمدى؟؟؟ فاضطر الراهب أوثرد إلى سحب اقتراحه!!! وفى ضوء هذا العرض المختصر للعقيدة الغربية المركوزة فى الفكر الغربى تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام يمكن أن نخرج بالملاحظات والحقائق التالية. أولا: لا نجد نظيرا لهذه العقيدة تجاه نبى من الأنبياء وأمة من الأمم إلا فى عقيدة التلمود عند اليهود تجاه المسيح- عليه السّلام- ووالدته الطاهرة مريم- عليها السلام- وتجاه المسيحيين. فالتلمود الذى يقدسه اليهود إلى أقصى حد «يرى بأن المسيح عيسى ابن مريم موجود فى لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وأن أمه مريم أتت به من العسكرى الرومانى «باندارا» بمباشرة الزنا. ويرى التلمود أن المسيح ارتد عن اليهودية وعبد الأوثان، وأن أتباعه النصارى وثنيون. ويذهب التلمود إلى أن المسيح كان ساحرا وثنيا ومن يتبعه من الأمم إنما هم وثنيون مثله، وأن المسيح كان مجنونا وكافرا لا يعرف الله وأن الطقوس الدينية عند النصارى إنما هى نوع من عبادة الأصنام. ويقرّر التلمود أن الأناجيل كتب النصارى المقدسة- إنما هى كتب الظلم والخطايا وأنه يجب على اليهود إحراقها ولو كان فيها اسم الله. وأن الكنائس النصرانية بمثابة قاذورات، وأن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة، وأن قتل النصارى من الأفعال التى يكافئ الله عليها، وإذا لم يتمكن من قتل النصارى، فالواجب عليه أن يلعن النصارى ثلاث مرات فى اليوم، ويطلب من الله أن يبيدهم ويفنى ملوكهم وحكامهم وعلى اليهود أن يعاملوا النصارى كحيوانات دنيئة غير عاقلة ... » . ثانيا: إذ تأملنا أسباب نشأة هذه العقيدة الغربية الضالة تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام يمكن أن نستخلص بعض الأسباب الرئيسة وأهمها وهى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أ- أن اعتراف النصارى بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وصحة القرآن وأنه الكتاب الحق المنزّل من الله ينسف العقيدة النصرانية بكاملها من الأساس وهى التى تقوم على أساس أن المسيح هو الرّب وأنه ظل يرسل الرسل والأنبياء للدعوة إليها، وأخيرا تجسّد الرب بنفسه ليبلّغ البشر برسالته الأخيرة، وأنه قتل وصلب ليكفر عن خطايا البشر ويخلصهم الخلاص النهائى. ب- اعتقادهم بأن النصرانية هى الحق والهدى وأن ما سواها هو الكفر والضلال، وأن لا خلاص للبشر إلا باعتناق النصرانية، ومن هنا رفضوا الإسلام، وحاولوا بكل ما يستطيعون إثبات أن الإسلام دين مختلق وليس وحيا من الله تعالى. ولإثبات هذا الزعم الباطل عمدوا إلى سيرة النبى محمد عليه الصلاة والسلام- المرسل بهذا الدين- وشوهوها واخترعوا له قصصا وأساطير من خيالاتهم تظهره فى صورة سيئة تقنع من يقرأها من عامة النصارى أنه لم يكن مرسلا من الله وأن تلك السيرة السيئة لا تليق برسول، هذا فضلا عن تعمّد الكتّاب النصارى طمس كل معالم سيرته الصحيحة وشمائله وأخلاقه وفضائله وهديه وعدم ذكر أى شيء منها، حتى لا ينجذب إليها القارئ النصرانى وتجعله يفتتن بها ومن ثم يعتنق الإسلام. ج- افتراضهم المسبق أن الإسلام هرطقة ومن ثمة البحث فى المصادر النصرانية والأحاديث والسّير الموضوعة ما يثبت ويبرهن على هذا الافتراض الزائف. د- اعتقاد الرهبان ورجال الدين فى العصور الوسطى أن الإسلام شكّل خطرا داهما على أوربا وأن عقيدته تهدد النصرانية فى عقر دارها وأن جماهير النصارى قد تقبل على اعتناقه مثلما حدث فى سائر البلدان التى فتحها المسلمون لاسيما الأندلس، ولذلك عمدوا إلى رسم صورة مشوهة ملفقة عن الإسلام كنوع من التحصين للمجتمع الغربى النصرانى والحيلولة بين عامة النصارى وبين اعتناق الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ثالثا: إن هذه العقيدة الضالة التى اكتمل بناؤها وصياغتها خلال العصور الوسطى عبرت كاملة متماسكة إلى العصور الحديثة وتبناها الكثير من الكتّاب والرهبان والمنصرين والمستشرقين المتعصبين فى العصور الحديثة لا يتسع المجال هنا لذكرهم ويكفى ما أوردناه فى بداية الحديث عما تقوله وتنشره وسائل الإعلام الغربية فى هذه الأيام. رابعا: إن هذه اللمحة الموجزة عن هذه العقيدة الغربية تجاه الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام والمقتطفات التى أوردناها لا تصل فى حقيقتها إلى نسبة واحد فى الألف مما كتبه الغربيون عن الإسلام عبر العصور من كتابات معادية ظالمة. فإذا أضفنا إلى هذا العدوان الفكرى، العدوان العسكرى الشامل والمستمر ضد المسلمين على مدى أكثر من ألف سنة بدا من حروب الاسترداد الأسبانية والحروب الصليبية عبر قرون كثيرة، والتنصير القسرى ضد مسلمى الأندلس بعد احتلالها، وضد مسلمى صقلية وجنوب إيطاليا وكريت وجزر البليار، وقتل الملايين من المسلمين الذين رفضوا التنصّر، وطرد الملايين الآخرين من الأندلس. ثم حركة الاستعمار الغربى ضد العالم الإسلامى بأكمله منذ الكشوف الجغرافية وحتى القرن العشرين، وما قتل من ملايين المسلمين فى تلك الحروب العدوانية المتمادية التى لا تكاد تنتهى ثم الظلم الأخير للمسلمين بزرع دولة اليهود فى قلب بلادهم، وتشريد شعب فلسطين من أرضه ووطنه. ونهب الغرب لثروات ومقدرات المسلمين عبر العصور وتقسيمهم إلى دول كثيرة، وأخيرا العدوان الشامل الذى تمارسه الولايات المتحدة ضد العالم الإسلامى، إذا نظرنا إلى هذا كله فإننا نخرج بحقيقة كبرى مفادها: أنه لا يوجد فى التاريخ البشرى بأكمله ولا فى تاريخ الحيوانات والوحوش ولا فى تاريخ الحشرات والزواحف أمة ظلمت أمة وبغت عليها وآذتها مثل ظلم الغرب وبغيه وعدوانه على أمة الإسلام. ولهذا كله يجب على كل مسلم أن يعلم طبيعة هذا العدوان وهدفه وأن يعمل على مقاومته وإفشاله بكل ما يستطيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وصفوة القول: إن هذا العدوان الفكرى الإعلامى على الإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام من جانب رجال الدين الإنجيليين ووسائل الإعلام الغربية- الذى يعبّر عن عقيدة موروثة- ليس إلا وسيلة ضمن وسائل كثيرة يشملها هذا العدوان الشامل على الإسلام والمسلمين والذى يرمى إلى هدف استراتيجى رئيس، رغم كل الأقنعة الزائفة التى يستتر بها، وهو: مسخ هوية الأمة الإسلامية وتحويلها عن دينها وتدمير عقيدتها، وتمزيقها إلى دويلات وطوائف متناحرة لا تدين بالولاء إلا لأمريكا وإسرائيل، ونهب ثرواتها ومقدراتها، وتحويلها إلى مجرد مجتمعات استهلاكية لمنتجات أمريكا وإسرائيل وتحويل كل فرد مسلم إلى مجرد كائن بهيمى لا حافز له ولا هم إلا السعى اللاهث وراء لقمة العيش وإشباع غرائزه الفطرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مشكلة الفكر الغربى مع نبى الإسلام صلّى الله عليه وسلم يمثل نبى الإسلام محمد- صلّى الله عليه وسلم- مشكلة حقيقية ومتكررة فى أدبيات الفكر الغربى. ويظهر من حين لآخر هجوم عنيف على شخص النبى عليه الصلاة والسلام. يعتبر البعض أن هذا الهجوم حالة شاذة من قبل أفراد بأعينهم، ويحاول طرف آخر أن يلقى باللائمة على نظريات المؤامرة، ويدعو ثالث إلى أن نتغير نحن حتى لا يهاجم رموزنا الآخرون. يرى الكاتب- من خلال الأدلة التاريخية والفكرية- أن الموقف الغربى من النبى عليه الصلاة والسلام لم يتغير بالمجمل، وأنه كان دائما يغلب عليه صبغة العداء والاستهزاء، وإن اختلفت صور التعبير عن هذا الموقف بين فئات المجتمع الغربى المختلفة، يهدف البحث كذلك إلى التعرف على الأسباب الفكرية لهذا الموقف الغربى، وكيف يمكن مقاومة هذا الموقف عمليا للدفاع عن رموز الأمة الإسلامية. شهدت الفترة الماضية ارتفاع نبرة المواجهة مرة أخرى بين العالم الإسلامى من ناحية، وبين أوربا من ناحية أخرى فيما يتعلق بالهجوم على شخص النبى صلّى الله عليه وسلم-، ورغم أن هذا الهجوم تكرر كثيرا خلال الأعوام الماضية، وبصور متعددة، إلا أن العالم العربى والإسلامى لا يزال مصرا على التعامل مع كل حالة من تلك الحالات التى يهاجم فيها خير البشر، وكأنها حالة منعزلة وفردية، ويجب أن تعامل فى هذا السياق. ويغيب عن الكثير من أبناء الأمة أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الموقف الفكرى الغربى من النبى صلوات ربى وسلامه عليه كان دائما موقفا عدائيا، وإن اختلفت صور التعبير عن هذا العداء. قصور فى الفهم يلقى البعض اللوم على الأمة الإسلامية لتخاذلها وضعفها من ناحية، أو لتكرار العنف الذى يتبناه بعض فصائل الأمة تجاه الغرب من جهة أخرى ويرى البعض أن ما يسمى بالإرهاب الإسلامى هو سبب هجوم الغرب على الإسلام وعلى نبى الإسلام. ونسأل هؤلاء ... وهل كان الغرب يمدح النبى- صلّى الله عليه وسلم-، أو حتى يسكت عن إيذاء شخصه الكريم وإهانته عندما كانت الأمة الإسلامية فى حالة وفاق وسلام تام مع دول الغرب؟ إن الغرب لم يتوقف عن الهجوم على رسول الإسلام طوال القرون الماضية، وهو موقف عام لم يشذ عنه إلا القليل من المفكرين والمتدينين. يرى البعض الآخر أن الهجوم على الإسلام أو على نبيه الكريم ليس إلا حالات فردية لمن يبتغون الشهرة، أو من يحملون أحقادا على الإسلام. ويقوم هؤلاء بسرد بعض النقولات التاريخية أو المعاصرة لمفكرين غربيين يمدحون شخص النبى، ويعتبرون أن وجود هؤلاء يقدح فى فكرة وجود عداء فكرى عام فى الغرب تجاه الإسلام أو شخص الرسول الكريم، والحقيقة أن الاستشهاد ببعض الأقوال- مع حذف السياق التاريخى لها- يمكن أن يكون مقنعا بوجود إعجاب من بعض المفكرين الغربيين بشخصية النبى صلّى الله عليه وسلم. لكن ما يغيب عن هذه الرؤية، ويعيبها أيضا ... أن الفكر الغربى يتحرك وفق مجموعة من المسلمات الأساسية التى تخالف بقوة الدعوة المحمدية فى المبادئ والمسلمات، وبالتالى فإن الأصل فى العلاقة الفكرية بين الغرب وبين الإسلام لم تكن يوما ما التوافق وإنما كانت العلاقة دائما من النواحى الفكرية تميل إلى المواجهة وعدم الاتفاق. ويجب هنا أن نفصل بين أمرين: الأول هو العلاقات بين الشعوب، والتى كانت فى كثير من الأحيان تميل إلى السلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 والوئام، وكذلك العلاقات السياسية التى تتبدل وتتغير وفق المصالح. أما الأمر الثانى فهو الرؤى الفكرية تجاه النبى، والتى لم تتغير كثيرا فى الغرب منذ بعثة النبى- صلّى الله عليه وسلم- وحتى التاريخ المعاصر، وكانت فى مجملها رؤى ومواقف معادية وصدامية. إن الأحكام الفكرية لابد وأن تنطلق من الرؤى المشتركة والمستمرة عبر فترات زمنية طويلة، ولا تقاس على ما شذ من الأقوال أو الأفكار. والغرب عبر تاريخه الطويل من المواجهة الفكرية والدينية مع العالم الإسلامى كان دائما يميل إلى الطعن فى شخص النبى، وهو ما لم يتغير عبر قرون طويلة من العلاقة مع الغرب، ولذلك أسباب سيأتى بيانها فى هذا الكتاب. هل الغرب كيان فكرى واحد؟ إن من المهم قبل دراسة الموقف الفكرى الغربى من النبى- صلّى الله عليه وسلم- أن نبين أن الغرب ليس كيانا واحدا فيما يتعلق بالسياسات وطبائع الشعوب، ومواقف الدول من العالم العربى والإسلامى. كما أن الغرب ليس كيانا واحدا أيضا فيما يتعلق باهتماماته الدينية ومدى اقترابه أو ابتعاده عن دعوة ورسالة نبى الله عيسى- عليه السّلام-. فليس كل الغرب متدينا وليس كل الغرب علمانيا أيضا، وهناك فوارق كبيرة بين المدارس والمذاهب الدينية المختلفة داخل المسيحية فى الغرب. لكن رغم كل هذا التباين والاختلاف فى السياسات والطبائع والتوجهات، إلا أن الغرب يكاد يكون كيانا واحدا عند ما يتعلق الأمر بالجوانب الفكرية المتعلقة بعلاقاته مع الحضارات الآخرى والديانات التى تختلف عن ديانات الغرب. فرغم تعدد المدارس الفلسفية والفكرية فى الغرب، إلا أن هناك قدرا مشتركا وواضحا من المفاهيم الفكرية الأساسية عندما يتعلق الأمر بالرؤى المقابلة حول مستقبل البشرية وهدف الإنسان من الحياة على الأرض. لذلك فإن من الممكن أن يتم الحديث عن الغرب بوصفه كيانا واحدا عندما يتعلق الأمر بالحياة الفكرية الغربية فى مقابل الحضارات الآخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وسوف تتعامل هذه الدراسة مع الغرب ككيان فكرى واحد من ناحية المنطلقات الأساسية للحضارة الغربية، والمبادئ التى قامت هذه الحضارة عليها، وعلاقة ذلك بموقف الغرب من النبى- صلّى الله عليه وسلم-. مشكلات الفكر الغربى مع نبى الإسلام لكى ننجح فى فهم علاقة الغرب فكريا بنبى الإسلام- صلّى الله عليه وسلم-، فلابد أن نبتعد قليلا عن المواقف وندرس المبادئ. إن المواقف ليست إلا تعبيرات واقعة عن الأفكار الكامنة فى الشخصيات الغربية، والتى تكونت عبر قرون طويلة من التأثير الفكرى الذى كون قناعات راسخة لا تتزعزع داخل الشخصيات الغربية فيما يتعلق بعلاقتها بالخالق، وعلاقتها بالكون والطبيعة والآخرين من البشر. وهذه القناعات تتصادم بشدة مع ما جاء به النبى- صلّى الله عليه وسلم-، ولذلك نشأ العداء وليس من المتوقع أن يقل أو ينتهى فى القريب. وهذه مجموعة من الأسباب الفكرية التى ساهمت فى تكون علاقة العداء على المستوى الفكرى. مركزية الله أم مركزية الإنسان إن المشكلة الرئيسية فى علاقة الغرب فكريا بالعالم الإسلامى، وعداء الغرب للنبى صلّى الله عليه وسلم، هو مركزية الله تعالى فى الكون لدى المسلمين، والتى تتجسد فى دعوة محمد- صلّى الله عليه وسلم-، وفى دين الإسلام وفى واقع الأمة الإسلامية بصرف النظر عن درجة تدين والتزام أفراد هذه الأمة. إن الغرب فى المقابل ينطلق فكريا- وبكل فئات مجتمعاته وكل مفكريه- من فكرة مركزية الإنسان فى الكون، وأن الفرد هو مركز الاهتمام الرئيسى، وأن تطلعات الفرد وحقوقه وحرياته تقدم على أى أمر آخر، وحتى أمور العبادة وعلاقة الفرد بالإله. إن الغرب يرى أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- قد قدم مفهوما يمكن أن يهدم الفكر الغربى من أساسه.. وهو مركزية الله تعالى فى حياة البشرية، مقابل نظريات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الغرب التى تقوم على مركزية الإنسان. لذلك اختار الغرب أن يجعل عداء الإسلام ضمن منظومة قيمه الرئيسية لأنه بذلك يتمكن من إبقاء الفرد مركزا للكون فى مواجهة دعوة محمد- صلّى الله عليه وسلم- التى حافظت على مكانة الخالق جل وعلا ومركزيتها فى حياة البشر. وحول ذلك تحدثت المؤلفة البريطانية كارين أرمسترونج- صاحبة كتاب «محمد» قائلة: «علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائى ضد الإسلام فى الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية، التى بدأت فى التشكل مع عصر النهضة والحملات الصليبية وهى بداية استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى، فالقرن الحادى عشر كان بداية لأوروبا الجديدة وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعى تقوم به أوروبا الجديدة. بين محمد والمسيح تمحور الفكر الغربى حول شخصية المسيح عليه السّلام. وتحولت شخصية المسيح بعد تحريف الدين المسيحى إلى تجسيد للفكر الغربى حول مركزية الفرد فى الكون. فقد تحول الإله فى نظر المتدينين إلى شخص.. إله فى صورة فرد.. دفع دمه ثمنا مقدما لجميع خطاياهم القادمة. وعندما سيطر الفكر النفعى على الشخصية الغربية، أصبح التعلق بشخص المسيح يمثل قمة النفعية لمن اختاروا التدين، فهو قد قام بدفع فتورة خطاياهم حتى قبل أن يقعوا فيها، وأبقى لهم الحياة لكى يمارسوا فيها ما شاؤا من أفعال طالما أن محبة المسيح كفرد وكإله- تسيطر على مشاعرهم. أما من تركوا الدين المسيحى بأكمله، وأصبحوا لادينيين أو ملحدين، فقد كان المسيح- بعد تحريف الدين- أيضا مركزيا فى مواقفهم الفكرية ... فهو فرد، وبالتالى لا يمكن أن يختلف عن غيره من البشر، وبالتالى فليس هناك إله- بزعمهم. كما أن المسيح بصورته التى قامت الكنيسة الغربية بتصويرها رحيم منعزل عن حياة الناس ... يقبل بكل معايير الحياة الإنسانية، ولا يدعو إلا إلى الحرية والمساواة ... وهى أهم قيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 العلمانية ولا تصادم من تركوا الدين، وبالتالى فلا حاجة إلى مصادمة المسيح. أما العلاقة مع محمد فهى علاقة تصادمية مع كل من التيار الدينى والعلمانى فى الغرب على المستوى الفكرى. فمحمد- صلّى الله عليه وسلم- حرص على أن يكون فردا.. إنسانا بكل معانى الإنسانية، ورفض أن يكون إلها فى صورة إنسان، وبالتالى فهو يناقض فهم المتدينين من الغرب للإله الذى عرفوه، وبالتالى تكونت الكراهية والضيق من كل ما يمثله محمد صلّى الله عليه وسلم ... فهو ليس على شاكلة المسيح.. فى نظرهم.. وهو يناقض أيضا مشاعر ورغبات غير المتدينين، لأنه يطلب من البشر- كما أمره خالقه- بالكثير من العبادات والأعمال والالتزامات، ويقدم حرية المجتمع على حرية الفرد، ويضحى بالمساواة من أجل العدالة ومن أجل صلاح المجتمع. كل ذلك ساهم فى تكوين صورة سلبية وقاسية عن نبى الإسلام. إن المتدينين فى الغرب- كما فى الشرق أيضا- يعشقون فكرة المعجزة لأنها خلاص من مواجهة واقع يطحن أحلامهم ... لذلك انتشر فى التدين الغربى قصص المعجزات والخوارق وكرامات القديسين، وأصبح ذلك مكونا رئيسيا من مكونات التدين المسيحى الغربى. أما محمد- صلّى الله عليه وسلم- فقد جسد إمكانية انتصار الإنسان دون حاجة إلى المعجزات.. لقد كانت حياة الرسول- فى نظرهم- خالية من المعجزات، والحياة الغربية قاسية، والتدين فيها يسمح للفرد أن يحلم بالمعجزة للفرار من الواقع، ونبى الإسلام لا يعد بالمعجزات، وإنما بحياة مليئة بالجهد والجد والمعاناة من أجل آخرة يمكن فيها الاستمتاع بالجنة. لقد نجح من حرفوا دين المسيح أن يقنعوا أنصار المسيح فى الفكر الغربى، أن لهم أن يجمعوا بين كل متع الدنيا- فقد دفع ثمن ذلك المسيح- وأن يجمعوا معها أيضا النجاة فى الآخرة لأنهم أحبوا المسيح. وهكذا يتفرغ المتدين للحياة دون الحاجة الحقيقية للعمل فإن محبة المسيح كافية للجنة. أما محمد فإن دينه ودعوته تطلب من الإنسان الكثير، ولا تعد بالمقابل إلا بأمل فى رحمة الله. كيف إذن لمن يعتنق الفكر النفعى أن يحب محمدا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ويروى الكاتب العربى هشام جعيط فى تحليله للشخصية الأوربية كيف أنها نظرت للعالم الإسلامى ولدعوة النبى- صلّى الله عليه وسلم- فيقول: «يسير تاريخ الإسلام لا وفق ديناميكيته الخاصة، بل كانعكاس شاحب ومعكوس لتاريخ الغرب. لنأخذ مثلا على ذلك: شخصية محمد. نلاحظ أنه ضمن كل تحليل لهذه الشخصية تنساب عملية مقارنة مع المسيح. إذا كان محمد غير صادق فذلك لأن المسيح كان صادقا؛ وإذا كان متعدد الزوجات وشهوانيا، فلأن المسيح كان عفيفا؛ وإذا كان محمد محاربا وسياسيا فذلك استنادا إلى أن يسوع مسالم، مغلوب ومعذب. تجذر فكرة النبوة الكاذبة قامت الكنيسة الغربية تحديدا منذ بداية الإسلام بالطعن فى صدق نبوة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يزال هذا الموقف هو السمت المشترك لمعظم المفكرين المتدينين الغربيين، رغم أن بعضهم قد تنازل ووصف النبى ببعض الصفات الإيجابية كقائد سياسى، أو مصلح إنسانى، أو إنسان طموح، ولكن ليس كنبى يوحى إليه. وأخطأ كثير منا فى فهم دلالة العبارات، والتى تطير بها وكالات الأنباء العربية والإسلامية، وكأنها تمثل تحولا فكريا فى نظرة الغرب للنبى. فكم تغنينا بعبارة أن «العظماء مائة وأعظمهم محمد» وغيرها من العبارات التى يكثر تقديمها فى هذا السياق. كما تسببت هذه الرؤية فى كذب نبوة محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى تكوين فكرة مسيحية استقرت فى أذهان الكثير من المفكرين الدينيين فى الغرب. هذه الرؤية تتصور أن هذه النبوة الكاذبة فى ظنهم قد أوقفت تطور الإنسانية باتجاه العصرية. يقول أحدهم: «لقد أمكن لمحمد أن يكون إمبراطورية سياسية ودينية على حساب موسى والمسيح. ويلحظ أحد المفكرين أن فكرة أن النبى لم يكن نبيا حقيقيا صادقا قد تجذرت دون أن يصدها أى ريب أو شك أو حتى محاولة للتفهم الحقيقى للرسالة الإسلامية عند مفكرين عديدين من القرون الوسطى، أمثال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ريمون مارتن، وريطولدو، ومارك دى تولاد، وروجيه بيكون. وتحولت دعوة الإسلام فى نظر هؤلاء إلى رسالة ناسوتية أملتها مشاريع المصالح السوداء الدنيوية والشخصية. أما القرآن فليس سوى مجموعة من الخرافات مستعارة من التوراة وبشكل مشوه فى نظر هؤلاء. ولذلك يبقى الإسلام فى نظر الغالبية العظمى من مفكرى الغرب دينا زائفا مهما بلغت نجاحاته، ومهما ادعى أنه أفضل من الدين المسيحى الذى تركه معظم الشعب الأوربى عمليّا، ولكنه لا يزال يحرك معتقداته الفكرية فى التعامل مع الآخرين بقوة. هوس فكرى إن كل تساؤل وانشغال كبير بالآخر إنما يعكس فى طياته هوسا بهذا الآخر. وقد قدم الإسلام منذ ظهوره ذلك «الآخر» الذى عرفت أوربا نفسها وطموحاتها من خلال مقابلته والمصادمات معه. فرغم أن الإسلام فى بداية انتشاره لم يول الغرب أى اهتمام- لتخلف الغرب حينها- إلا أن الإسلام وشخصية النبى محمد بوصفها تجسيدا للكمال الإنسانى لدى أنصار الإسلام قد أصبحا محور الهجوم المستمر لمفكرى الغرب لتأكيد فكرة أن الغرب أفضل من الشرق. حقا إن أوربا قد تخلت عن الفكرة المسيحية، ولكنها لا تستطيع أن تتحرر مطلقا من أثر الفكر المسيحى على شعوبها. وهذا الفكر المسيحى الغربى قد توحد عبر القرون الماضية حول فكرة معاداة الإسلام، وتقديم نموذج شخصية المسيح عليه السّلام- بعد تحريفها- فى مواجهة شخصية النبى محمد صلّى الله عليه وسلم، وهو ما يفسر الهوس الغربى بالهجوم على النبى. أما بالنسبة للاتجاه غير المتدين- كما يذكر أحد المفكرين العرب- الذى يؤثر أكثر فأكثر فى الحقيقة الاجتماعية الأوربية بمرور الزمن. فمنذ أن تحررت الفكرة العلمانية من الضغط المسيحى على التأمل العقلانى وعلى الممارسة السياسية، انفتحت نظرة جديدة للكون. هذه النظرة الجديدة مكنت من رؤية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الإسلام بعمق، كجزء متمم وهام من الحياة الإنسانية، ولكنه أيضا خصم سياسى وعسكرى عنيد تمثل فى ذلك الوقت فى الإمبراطورية العثمانية. لذلك استمر العداء رغم اختلاف القوى المحركة له، واستمر الهوس بالعالم الإسلامى. وظهرت الانتقائية الفكرية الغربية التى ترى أن الإمبريالية ليست إلا مهمة حضارية للارتقاء بشعوب الأرض، وأن مقاومتها من قبل المسلمين الذين يتمثلون نبيهم ليسوا إلا برابرة يجب القضاء عليهم من أجل استمرار المهمة الحضارية نحو هدفها فى تنقية الجنس البشرى من كل أنواع البرابرة، وعلى رأسهم أنصار محمد. مرآة داكنة لواقع الغرب يرى البعض فى الغرب فى شخصية النبى- صلّى الله عليه وسلم- نموذجا متكاملا لنوع من الكمال الإنسانى الذى لا يمكن للغرب بأفكاره ونظرياته وممارسته أن يصل لها. وعند هذا الفريق من الغربيين، يصبح القضاء على هذا النموذج هما حقيقيا بذاته. فكأن حياة النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم- تمثل ذلك الضمير الذى يوخز الغرب فى جنباته، وكأنه مرآة داكنة توضح لهم بالدليل الواقعى مدى التردى الذى وصل إليه حال الشخصية الغربية نتيجة لابتعادها عن النموذج المحمدى. قد يعترض بعض المفكرين العرب بل والمسلمين على تصوير واقع الشخصية الغربية بهذا الشكل المأساوى، ولكن الحقيقة أن هناك فراغا روحيا ضخما فى الغرب بالعموم، ويظهر ذلك من ارتفاع معدلات الجريمة والإدمان والانتحار وانتشار الرذائل، بل وتصديرها إلى كل أنحاء العالم. وفى المقابل تظهر الشخصية المسلمة التى يمثلها النبى- صلّى الله عليه وسلم- كمقابل حاد فى مواجهته لتلك الشخصية الغربية. ومن هنا نجد الهجوم الشديد والمتكرر على شخص النبى صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مشروع مواز للغرب إن إحدى مشكلات عداء الغرب التاريخى للنبى صلّى الله عليه وسلم، هو أنه جاء بنظام سياسى وفكرى متكامل ينازع الغرب فى المسلمات الأساسية، وكذلك فى طرق التنظيم والإدارة وسياسة المجتمعات، وأخيرا فى نمط العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، وبين المجتمعات المختلفة. إنه ببساطة نظام متكامل مواز للنظام الغربى، ولا يلتقى معه، وإنما يقدم بديلا قويا وخطيرا له. وكما يذكر أحد المفكرين العرب فإن «الخوف من قوة الإسلام المحركة يأخذ فى اللحظات التراجيدية شكل الدفاع والصراع والمشاجرة، أحد أكثر الأشكال الانفعالية فى التاريخ. لقد أبرز مفهوم الإسلام السياسى كتهديد متواتر، ومفهوم الدين السياسى كبنية تاريخية فى أصول الإسلام. يقول غولديسهر: إن الإسلام قد جعل الدين دنيويا لقد أراد أن يا بنى حكما لهذا العالم بوسائل هذا العالم. لذلك هاجم المفكرون الغربيون بشدة المشروع الحضارى الإسلامى، واعتبروه خطيرا كبيرا يهدد سيادة الفكر الغربى وانتصار الحضارة الغربية، ونهاية التاريخ. ولم يبدأ هذا الأمر مع أحداث سبتمبر، أو مع نشوء فكرة صدام الحضارات أو نظرية نهاية التاريخ، وإنما سبق ذلك بقرون عديدة، واستمر يغذى الشخصية الغربية بمبررات العداء للعالم الإسلامى ولشخصية النبى محمد صلّى الله عليه وسلم. وانظر إلى أحدهم عندما يقول منذ أكثر من قرنين من الزمان: «يجب القول إن من بين كل الذين تجرؤا على سن القوانين للشعوب، لم يكن واحد منهم أجهل من محمد. وبين كل الإبداعات الخرقاء للفكر الإنسانى، لم يكن هناك أتعس من كتابه. وما يحدث فى آسيا منذ ألف ومائتى سنة يمكن أن يكون البرهان، لأننا لو أردنا الانتقال من موضوع خاص إلى ملاحظات عامة، لكان من السهل البرهان أن الاضطرابات فى الدول، وجهل الشعوب فى هذه المنطقة من العالم إنما هو تأثير مباشر، إلى حد ما، للقرآن ولأخلاقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 إحياء فكرة المواجهة يرى الكثير من المفكرين الغربيين أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- هو من تسبب فى إحياء روح المقاومة والمواجهة فى حياة العرب والمسلمين، وأن الدين الإسلامى هو المحرك الرئيسى لجميع أفكار المقاومة الموجودة فى أفكار وتصرفات الشعوب الإسلامية. والمقاومة هنا- ليست فقط فكرة مقاومة العدوان- وإنما كل أشكال الانتصار على النفس وعلى الآخر. يرى المفكرون الغربيون أن رسالة محمد، وأفكار محمد، ودعوة محمد تقديم الرصيد الفكرى والنفسى والعقدى لجهد المسلم فى الانتصار على نفسه وعدم التسليم لشهوات الحياة ومتع الدنيا التى يتفنن الغرب فى محاولة تقديمها للأمة. كما أن المقاومة تمتد لتمنع الكثير من محاولات الهيمنة الفكرية والثقافية على الحياة الإسلامية والعربية من قبل الغرب. والعجيب أن هذه القوة فى الإسلام قد فسرها بعض مفكرى القرون الوسطى أنها تدل على زيف الإسلام. يقول لنا دانيال: «إن استعمال القوة، كان تقريبا معتبرا بالإجماع كخاصية كبيرة وأساسية للدين الإسلامى، وبالتالى فهو دلالة بديهية على ضلال الإسلام. ورغم كل ذلك تظهر المقاومة فى شكل تضحيات إنسانية ضخمة لا يقدمها شعب آخر أو أمة أخرى فى سبيل الحفاظ على أرضها ومقدساتها، والرغبة فى الدفاع عن أراضيها، وهو ما يصادم الفكر الغربى الذى يعلى من شأن الحياة الدنيا. إن الأعمال الاستشهادية وكل صور المقاومة الآخرى- وحتى وإن لم تكن موفقة أو شرعية- تشكل إشكالا فكريا عميقا يصادم الفكر الغربى بقوة، ويقدح فى مسلماته الأساسية، ويلقى مفكرو الغرب باللائمة على محمد صلّى الله عليه وسلم- فى ذلك. إن الفكر الغربى المعاصر غير قادر على تقديم أى تفسير مادى أو عقلانى للمقاومة الفلسطينية أو للعمليات الاستشهادية أو المسلحة فى العراق، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إصرار الشعوب العربية التى تظهر أنها ضعيفة ومتخلفة على رفض النموذج الغربى للحياة بإصرار يتزايد مع الوقت دون تفسير مقنع إلا بإلقاء اللوم والحقد على محمد- صلوات الله وسلامه عليه. إن النجاحات المتتالية لمشروع المقاومة تستنفر فى الغالب موجات جديدة من الهجوم على شخص النبى، وهو ما يفهم على المستوى الفكرى- ولا يقبل بأى حال من الأحوال أو يبرر. الخلاصة إن عداء الغرب للنبى محمد هو عداء مفهوم من المنطلقات الفكرية، وإن كان غير مقبول على الإطلاق تحت أى مبرر أو تفسير. كان هدف هذه الدراسة هو توضيح أهم المعالم الفكرية لمشكلة الغرب مع نبى الإسلام. فرسول الله صلوات الله وسلامه عليه قد جسد صورة مخالفة تماما للإنسان عن الصورة التى ارتبط بها المسيحيون عن المسيح كما يصورونه. إنه جسّد إمكانية انتصار الإنسان دون الحاجة لمعجزات ... بينما الفكر المسيحى المعاصر فى الغرب يرى أهمية المعجزة للهروب من مواجهة الكثير من مصاعب الحياة فى الغرب. إن محمدا قد أحيا فكرة القوة وعدم الخوف من المواجهة، وهى فكرة خطيرة فى نظر أصحاب مشروعات الهيمنة والسيطرة على واقع الأمة الإسلامية وثرواتها ومستقبلها. إن محمدا قد حارب من أجل أن ينتصر الإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الإساءة إلى الإسلام فى الغرب.. حرية تعبير أم وجدان صليبى لوحظ فى السنوات الأخيرة ارتفاع نبرة الإساءة إلى الإسلام والهجوم على رموزه فى الأوساط الثقافية والفكرية بل والسياسية فى الغرب. وفى الحقيقة فإن الكيد للإسلام والإساءة له ليس أمرا جديدا على الغرب، الجديد فقط هو ارتفاع تلك النبرة والأمر لا يرتبط هنا بحالة رد الفعل المزعومة بسبب أحداث 11 سبتمبر ولكنه يضرب فى جذور تلافيف العقل الغربى قبل سبتمبر 2001 وبعده، فالجندى الإيطالى الذى كان يذهب إلى ليبيا لاحتلالها كان ينشد لأمه: أماه ... أتمى صلاتك.. لا تبكى، بل اضحكى وتأملى، أنا ذاهب إلى طرابلس، فرحا مسرورا سأبذل دمى فى سبيل سحق الأمة الملعونة سأحارب الديانة الإسلامية سأقاتل بكل قوتى لمحو القرآن «1» .   (1) محمد جلال كشك ... القومية والغزو الأمريكى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وكتبت جريدة فرنسية سنة 1926 تقول: «لقد استسلم عبد الكريم الخطابى من غير شروط، وخضع لحماية فرنسا، ذلك ما كنا نبغى، فالحادث مهم، فهو يضرب الإسلام فى الصميم، وبوسعنا الآن أن نفتك بهذا الدين الفتك الذريع» «1» . والجنرال بيجو القائد العسكرى الفرنسى فى الجزائر حدد هدف الغزو «أن أيام الإسلام الأخيرة فى الجزائر قد اقتربت» ، وكان يقتل الرجال والنساء ويأتى بالأطفال ويسلمهم إلى القسيس بريمو «الذى صاحب الغزو الفرنسى» قائلا له: «حاول يا أبت أن تجعلهم مسيحيين» ، ويلخص نفس الجنرال المسألة بكاملها قائلا: «إن العرب لن يكونوا لفرنسا إلا حينما يصبحون مسيحيين» «2» . وقبل ذلك فإن المسألة برمتها يلخصها قول الأدب أربان الثانى مفجر الحروب الصليبية فى مجمع كلير مونت عام 1095 م «أيها الجنود المسيحيون ... اذهبوا وخلصوا البلاد المقدسة من أيدى الأشرار، اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين الكفار» «3» . نحن إذن أمام وجدان صليبى وعداء وحقد على الإسلام قديم جديد وليست عملية الإساءة إلى الإسلام إلا الجزء الطافى من جبل الجليد بل إن عملية محاولة اجتثاث الإسلام ذاته هى محاولة لم تتوقف قط منذ مئات السنين وشهدت عمليات إبادة، مذابح، تبشير، حرب ثقافية- غزوات.. إلخ. وأعتقد أن السبب الرئيسى لتلك المحاولات المستمرة لتشويه الإسلام والإساءة إلى رموزه بالإضافة إلى الحقد الصليبى المعروف وهو نوع من الهزيمة الداخلية فى العقل المسيحى الغربى فالخوف من انتشار نور الإسلام، وبسبب صحة العقيدة الإسلامية بكل المقاييس العقلية والنفسية والعلمية   28 /5 /1926 -da depeche de constasntine. (1) (2) د/ محمد مورو- الجزائر تعود لمحمد- المختار الإسلامى- 1992. (3) د/ سيد عبد الفتاح عاشور- الحروب الصليبية- مكتبة الأنجلو المصرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والأدبية دفعت دهاقنة الغرب لمحاولة تشويه الإسلام ومن ثم حجب نوره عن أعين الأوروبيين. والإساءة إلى الإسلام لا تتم فى الغرب فقط، بل يقوم بها أيضا عملاء محليون يدفع لهم الغرب هذا الثمن من الأموال والجوائز والمنح العلمية والأدبية ... إلخ، وهؤلاء ما هم إلا طابور خامس يردد أقوال مستشرقى الغرب كالببغاء، وهم بالطبع لا يتمتعون باحترام أهاليهم، ولا احترام الغرب ذاته لأنهم مجرد عملاء. بالنسبة لنا كمسلمين فإن الإساءة إلى الإسلام هى نوع من الكفر البواح، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بحرية التعبير المزعومة، وتقتضى بالطبع عقوبة يقررها العلماء المسلمون ولكن الغرب يزعم أن حرية التعبير هى الدافع وراء هذا السيل من الإساآت للإسلام، وأنه من ثم لا يستطيع أن يصدر قرارات إدارية بمنع ذلك لأن ذلك يتعارض مع حرية التعبير المزعومة، وفى الحقيقة فإن ذلك كذبا وخداعا، فحرية التعبير المزعومة تلك لم تمنع بلدا كفرنسا من مصادرة كتب أحمد ديدات فى فرنسا ولم تمنع من محاكمة روجيه جارودى لمجرد أنه شكك فى أرقام الضحايا اليهود فى أفران هتلر. وهى أمور تدخل فى باب السب والقذف وليس حرية التعبير، نفس الأمر ينطبق على تصريحات قساوسة النصارى فى أمريكا أمثال بات روبرتسون وجراهام بل الذى وصف رسول الإسلام- صلّى الله عليه وسلم- بالهمجية والعدوان، وتنطبق على حاخامات اليهود من أمثال «عوفاديا يوسفت» الذى وصف المسلمين بالصراصير والحشرات التى ينبغى سحقها بالأقدام. الإساءة للإسلام لم تتوقف عند هذا الحد، ولكنها وصلت إلى تمزيق المصاحف وتلويثها بالنجاسات والسير عليها بالأقدام فى معسكر جوانتانامو- واعترفت الإدارة الأمريكية بذلك!!. وكذلك نفس الشيء فى سجن «مجدو» الإسرائيلى، الأمر الذى دفع المعتقلين الفلسطينيين إلى الإضراب عن الطعام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 لوقف الإساءة إلى رموز الإسلام. والحملة الصحفية فى الدانمارك والتى تم فيها التطاول على الإسلام ورسول الإسلام تأتى فى نفس الإطار فإذا احتج المسلمون زعمت حكومات الغرب أن ذلك خارج إطار سلطاتها لأنه يدخل فى باب حرية التعبير المزعومة، والحقيقة أنه سب وقذف حتى بمعايير الغرب وقوانينه ذاتها. والحديث الغربى عن الحرية والديمقراطية أصبح حديثا مفضوحا، بعد ما حدث فى جوانتانامو وأبو غريب وقلعة جانجى بأفغانستان وغيرها مما رصدته واعترفت به منظمات حقوقية دولية لا يمكن اتهامها بالانحياز إلى الإسلام مثلا. ولكن على أى حال سنجارى الغرب فى أكاذيبه حول حرية التعبير، ونقبل أن نأخذ بمعاييره مؤقتا للحكم على سيل الإساآت للإسلام فى الغرب. فالمدعو سلمان رشدى مثلا الذى احتفى به الغرب ومنحه الحماية والجوائز والتقدير لم يقدم كتابا مثلا فى مناقشة الأفكار الإسلامية بل قدم قذفا صريحا فى حق أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، وأساء إلى الرسول- صلّى الله عليه وسلم- والصحابة وافترى على الجميع افتراآت منحطة وكلها أمور تخضع للعقوبة فى أى قانون غربى، فحرية التعبير غير السب والقذف والافتراء والكذب بالطبع. نفس الأمر ينطبق على المدعوة «تسليمة نسرين» وهى كاتبة بنغالية الأصل حذت حذو سلمان رشدى. فى الإطار نفسه سمعنا تصريحات من رئيس الوزراء الإيطالى «بيرلسكونى» الذى وصف الحضارة الإسلامية بالانحطاط والكاتبة الإيطالية «إيريا فلاشيا» التى وصفت الإسلام بكل الأوصاف المنحطة من أنه دين متخلف ووثنى وعدوانى بل ومقيد!! والحقيقة المريرة أن هناك أولا ضعفا عاما لدى المسلمين وجماعاتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وهيئاتهم الدينية والدبلوماسية على حد سواء تغرى الآخرين بامتهان المقدسات الإسلامية والإساءة إلى الرموز الدينية ووصل الأمر إلى حد الدعوة لضرب الكعبة الشريفة وهدم مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهى دعوة تكررت كثيرا فى الصحف الأمريكية. والسؤال الآن ... أين بعض الحكومات العربية والإسلامية؟! أين الأزهر أين المؤسسات الدينية ... أين منظمات المجتمع الأهلى التى تقيم الدنيا وتقعدها إذا حدث اعتداء مزعوم على مسيحى أو يهودى!! أين المعتصم «1» الذى سير الجيوش لمعاقبة الرومان لمجرد الاعتداء على سيدة واحدة مسلمة، والتى هتفت فى عمورية «وا معتصماه» فاستمع إليها الخليفة المعتصم فى بغداد على بعد مئات الأميال، واستجاب لندائها. نرجو من الله العلى القدير أن يجعل أكثر من معتصم بين حكام المسلمين. يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (التوبة: 32) .   (1) الخليفة العباسى المعتصم بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 موسم التهجم على الذات النبوية الشريفة ارتكبت صحيفة «جيلاندز بوستن» الدانماركية خطيئة كبرى، عندما تجرأت فى 30 سبتمبر 2005، على نشر اثنى عشر رسما كاريكاتيريا، تصور الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فى أشكال مختلفة، وفى أحد الرسوم يظهر مرتديا عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه، الأمر الذى أثار انتقادات واسعة واحتجاجات من قبل الأقلية المسلمة فى البلاد وطالبوا باعتذار رسمى من الصحيفة التى رفضت ذلك محتجة بأن ما نشرته يدخل فى إطار حرية التعبير ثم قامت مجلة «ماجازينت» النرويجية يوم الثلاثاء 10/ 1/ 2006 م بإعادة نشر الرسوم نفسها. وتعود قصة الرسوم الكاريكاتيرية، إلى مؤلف كتب أطفال دانماركى يدعى) kaare Blutgen (أراد أن يزين كتابا وضعه للأطفال عن خاتم الأنبياء- صلّى الله عليه وسلم بصور لشخصية بطل كتابه، ولكن المؤلف لم يجد بين الرسامين من قبل الفكرة، فكان أن أقيمت مسابقة شارك فيها 12 رساما وتبنت صحيفة «جيلاندز بوستن» نشر رسوماتهم السيئة إلى الرسول الكريم- صلّى الله عليه وسلم- حيث تصوره فى أشكال مختلفة من بينها رسم لوجه غير محبب للنبى الكريم- صلّى الله عليه وسلم- وعلى رأسه عمامة مزخرفة بالشهادة وتظهر قنبلة يدوية مغروسة فى ثنايا هذه العمامة وانتقلت الصور إلى شبكة الإنترنت فيما بعد وتناقلها عدد من وكالات الأنباء العالمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 تفاعلت الأزمة على نطاق واسع، حيث طالب سفراء 11 دولة إسلامية، من بينها مصر وتركيا وباكستان وإيران وفلسطين والبوسنة وإندونيسيا، فى رسائل بعثوا بها إلى رئيس الوزراء الدانماركى «أندرس فورد سموسن» يطلبون باعتذار رسمى من الصحيفة غير أن «راسموسن» أعلن أنه لن يتدخل فى هذا الشأن مرجعا ذلك إلى حرية التعبير فى بلاده. وقد نشرت صحيفة دانماركية، مقالا ينتنقد فيه اثنان وعشرون من الدبلوماسيين الدانماركيين. جميعهم من السفراء السابقين الذين عملوا فى دول إسلامية- موقف «راسموسن» . وقالوا: «إن الحريات الدينية وحرية التعبير هما من الحريات التى يضمنها الدستور، لكن استخدام حرياتنا لإهانة أقلية دينية عمدا، ليس من السمات الدانماركية» . مما دفع «راسموسن» إلى حث شعب الدانمارك فى خطاب ألقاه بمناسبة بداية العام الجديد 2006 م إلى ممارسة حقه فى حرية التعبير، دون التسبب فى كراهية المسلمين أو الأقليات الآخرى، فى خطوة وصفت بأنها خطوة تصالحية مع المسلمين. ويعتبر الإسلام هو الدين الثانى فى الدانمارك بعد الديانة البروتستانتية المسيحية التى يتبعها أربعة أخماس الشعب ويعانى مسلمو الدانمارك من الاضطهاد والتهميش فى مجتمعهم الذى يرفض أى شكل لانتمائهم الدينى. وخاصة أن رئيس الوزراء الدانماركى «آنس فوراسموسن» - ذا الاتجاه اليمينى الوسط- معروف بسياسته المتشددة ضد المهاجرين ومن بينهم المسلمون. وقد فاز بولاية ثانية فى الانتخابات التشريعية العامة التى جرت فى فبراير 2005 ويعيش فى الدانمارك نحو 180 ألف مسلم بما يمثل 3 من إجمالى السكان البالغ عددهم 3، 5 ملايين نسمة ومعظم هؤلاء المسلمين مهاجرون من أصول تركية. ويوجد فى البرلمان الدانماركى ثلاثة من المسلمين هم ناصر خضر ذو الجذور السورية وحسين أمراك التركى الأصل وكمال قرشى وهو من أصل باكستانى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وليست هذه الواقعة الأولى التى تبث فيها وسيلة إعلامية دانماركية إساآت إلى الإسلام والمسلمين فقد توالت هذه الإساآت فى الشهور الأخيرة وأدين «كماى فيلهيلمسين» المعلق فى الإذاعة الدانماركية بانتهاك قوانين مكافحة العنصرية بسبب إبدائه ملاحظات معادية للمسلمين حيث طالب بالقيام «بإبادة جماعية للمسلمين فى أوروبا» كما تواجه محطة إذاعة «هولجر» المحلية ذات الميول اليمينية المتطرفة احتمال سحب ترخيصها حول قضية تتعلق ببث مواد عنصرية ضد المسلمين. موقف مسلمى الدانمارك لمواجهة هذه الحملة الظالمة المسيئة إلى خاتم النبيين محمد- صلّى الله عليه وسلم- قرر 21 مركزا إسلاميا فى الدانمارك تدشين حملة تقضى باللجوء إلى الدول والمؤسسات الإسلامية وكبائر علماء الإسلام تحشد دعما معنويا ضد إساءة الحكومة الدانماركية البالغة للإسلام والمسلمين على مرأى ومسمع من العالم. وتظاهر يوم الجمعة 14/ 10/ 2005 م، نحو آلف مسلم فى شوارع كوبنهاغن، منددين بالرسوم وبالصحيفة التى نشرتها ويخطط المسلمون الدانماركيون لنقل معركتهم القضائية ضد صحيفة «جيلاندز بوستن» اليومية إلى النائب العام للمحكمة الفيدرالية للبلاد ولجنة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبى بعد خسارتهم لقضية محلية. كما قامت الجالية المسلمة بإرسال وفود إلى الدول العربية والإسلامية للاجتماع بالمسؤولين والشخصيات البارزة بهدف حشد الدعم اللازم لتحويل قضية الرسوم إلى قضية حقوقية دولية وقال محمد الخالد سمحة، المتحدث الرسمى باسم وفد مسلمى الدانمارك إن «هذا الدعم سيضمن تقديم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الحكومة الدانماركية اعتذارا رسميا عن تلك الإساآت مع التأكيد على عدم تكرارها وتفعيل الدستور الدانماركى فيما يتعلق بحرية الاعتقاد والاحترام القانونى للمعتقد الدينى لمسلمى الدانمرك. وأشار نور الدين محيى الدين رئيس وفد مسلمى الدانمارك الذى قابل شيخ الأزهر إلى «أن المسلمين ليسوا فى حرب مع الحكومة الدانماركية كل ما نطلبه هو دعم العالم الإسلامى لمواجهة الإساءة للإسلام والمسلمين خاصة مع تأييد الاتحاد الأوروبى لتصرفات الحكومة الدانماركية مع مسلميها» . وقال محيى الدين: «إن الأمر بالغ حد تهديد دانماركيين متشددين باغتيال بعض الشخصيات الإسلامية وحرق المساجد والمنازل بعد أن رفعنا دعوى قضائية ضد صحيفة «جيلاندز بوستن» لرفضها الاعتذار على نشرها الرسوم المسيئة» . وأوضح أن «هناك تحديات سيواجهها مسلمو الدانمارك بعد الإساءة لرسولهم- صلّى الله عليه وسلم- من بينها أن السطات الدانماركية بدأت التفكير فى حذف الآيات القرآنية التى ترى أنها تتعارض مع القانون الأوروبى كايات تعدد الزوجات والقصاص وأنه يتردد أيضا وجود مشروع كإصدار نسخ من القرآن الكريم خالية من هذه الآيات» . وشدد رئيس الوفد الدانماركى على أن الأقلية المسلمة تفاخر بموقف الدول الإسلامية من الأقليات غير المسلمة بها بينما يقاتل مسلمو الدانمارك لتخصيص قطعة أرض كمقبرة لدفن موتاهم إلى جانب منعهم الآن من بناء مسجد بشكل طبيعى موضحا أن كل المساجد الموجودة كانت مستودعات قبل تحويلها. وكان الأزهر الشريف قد انتقد إساءة الصحيفة الدانماركية للرسول- صلّى الله عليه وسلم وتعهد بإثارة موضوع نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول- صلّى الله عليه وسلم- مع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية لأنه يشكل ازدراء واضحا للمسلمين. وانتهاكا للتعددية الثقافية وما تتطلبه من احترام ثقافة الآخرين، والامتناع عن الترويج لثقافة الكراهية والازدراء بأولئك الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بينما دعا الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، الحكومات الإسلامية والعربية إلى ممارسة كل ما تملكه من وسائل الضغط السياسى والدبلوماسى على الحكومتين الدانماركية والنرويجية لوقف حملات الإساءة إلى النبى- صلّى الله عليه وسلم-. وهدد الاتحاد بدعوة المسلمين إلى مقاطعة المنتجات والبضائع الدانماركية والنرويجية فى حالة عدم قيام المسؤولين فى البلدين باتخاذ موقف إزاء الإساآت المتكررة. ويتعذر علينا أمة خاتم النبيين محمد- صلّى الله عليه وسلم- تبرير تسهيل الإساءة إلى الآخرين بدواعى حرية التعبير، ولا يكفينا الاعتذار بمعسول الكلام، حين تكون الإهانة معتمدة، والأشد إيلاما من كل هذا، حين تستهدف شخصية نبى الإنسانية، ثم تساق التبريرات الكاذبة وغير المنطقية لإقناع المسلمين بأن ذلك حرية فكر وتعبير ولا يراد منه الإساءة إلى العقائد والمقدسات الدينية وذلك إفك مبين لا يحتاج إلى جدال أو تشكيك!! وإذا كنا على يقين بأن الله عز وجل متكفل بحفظ دينه، وحام لحمى رسالته، ولن تضير نبيه- صلّى الله عليه وسلم- سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين، فقد كفاه الله ذلك كله كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الحجر: 95) . وأخيرا .... إذا لم يتم التصدى لمثل هذه الإساآت والأكاذيب الخطيرة بقوة وحزم، فإن الطريق سوف يكون مفتوحا لتجاوزات أخطر فى المستقبل تحت شعار زائف ومضلل، هو حرية الرأى والتعبير، بينما الحقيقة أن الأمر ينطوى على كثير من الأهداف والمخططات الخبيثة التى تمولها الصهيونية العالمية متحالفة مع الحركات الصليبية الغربية للقضاء على الإسلام والمسلمين. وبعد فهل تبادر الدول العربية والإسلامية والعقلاء من قيادات العالم إلى تبنى حملة لقانون دولى يجرم ازدراء الرسل والأديان السماوية على غرار قانون «معاداة السامية» المطبق فى العديد من بلدان عالم اليوم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 اعترافات غربية وهيا بنا إلى بعض من عرفوا الحق فأذاعه الله تعالى على ألسنتهم: القرآن هو الكتاب الذى يقال عنه (وفى ذلك فليتنافس المتنافسون) توماس كارليل كلما قرأت القرآن شعرت أن روحى تهتز داخل جسمى. غوته لم يعتر القرآن أى تبديل أو تحريف، وعندما تستمع إلى آياته تأخذك رجفة الإعجاب والحب، وبعد أن تتوغل فى دراسة روح التشريع فيه لا يسعك إلا أن تعظم هذا الكتاب العلوى وتقدسه. أرنست رينان سوف تسود شريعة القرآن العالم لتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة. لقد فهمت ... لقد أدركت ... كل ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تحق الحق، وتزهق الباطل. ليوتولستوى لا يوجد فى تاريخ الرسالات كتاب بقى بحروفه كاملا دون تحوير سوى القرآن الذى نقله محمد. الأمريكى مايكل هارت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 - القرآن كتاب الكتب، وإنى أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم. غوته سمع العالم الفلكى (جيمس جينز) العالم المسلم (عناية الله المشرقى) يتلو الآية الكريمة: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر: 28) ، فصرخ قائلا: مدهش وغريب! إنه الأمر الذى كشفت عنه بعد دراسة استمرت خمسين سنة!، من أنبأ محمدا به؟ هل هذه الآية موجودة فى القرآن حقيقة؟! لو كان الأمر كذلك فأنا أشهد أن القرآن كتاب موحى به من عند الله. جيمس جينز لما وعد الله رسوله بالحفظ بقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ صرف النبى حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه، فلو كان لهذا القرآن مصدر غير السماء لأبقى محمد على حراسته! العلامة بارتلمى هيلر لا شك فى أن القرآن من الله، ولا شك فى ثبوت رسالة محمد. الدكتور إيرنبرج أستاذ فى جامعة أوسلو لا أجد صعوبة فى قبول أن القرآن كلام الله، فإن أوصاف الجنين فى القرآن لا يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، الاستنتاج الوحيد المعقول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله. البروفيسور يوشيودى كوزان- مدير مرصد طوكيو أعظم حدث فى حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود. الشاعر الفرنسى لامارتين أى رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد، وأى إنسان بلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التى تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق. لامارتين محمد نبى حقيقى بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمدا هو المرشد القائد إلى طريق النجاة. عالم اللاهوت السويسرى د. هانز كونج بحثت فى التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته فى النبى العربى محمد- صلّى الله عليه وسلم-. شاعر الألمان غوته يخاطب الشاعر غوته أستاذه الروحى الشاعر الكبير حافظ شيرازى فيقول: «يا حافظ إن أغانيك لتبعث السكون ... إننى مهاجر إليك بأجناس البشرية المحطمة، بهم جميعا أرجوك أن تأخذنا فى طريق الهجرة إلى المهاجر الأعظم محمد بن عبد الله» . إن التشريع فى الغرب ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية، وإننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد. غوته لما بلغ غوته السبعين من عمره، أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل فى خشوع بتلك الليلة المقدسة التى أنزل فيها القرآن الكريم على النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم. غوته أنا واحد من المبهورين بالنبى محمد الذى اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء. ليوتولستوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 - إنما محمد شهاب قد أضاء العالم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. توماس كارليل قرأت حياة رسول الإسلام جيدا مرات ومرات، فلم أجد فيها إلا الخلق كما ينبغى أن يكون، وكم ذا تمنيت أن يكون الإسلام هو سبيل العالم. لقد درست محمدا باعتباره رجلا مدهشا، فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيح، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية، وأوربا فى العصر الراهن بدأت تعشق عقيدة التوحيد، وربما ذهبت إلى أبعد من ذلك فتعرف بقدرة هذه العقيدة على حل مشكلاتها، فبهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتى. جورج برناردشو جدير بكل ذى عقل أن يعترف بنبوته وأنه رسول من السماء إلى الأرض. كارل ماركس هذا النبى افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة، حرى أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة، وبما أن هذه التعاليم التى قام بها هى وحى فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكما من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير كارل ماركس إن محمدا أعظم عظاماء العالم، والدين الذى جاء به أكمل الأديان. فارس الخورى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 اعترافات أخرى يقول البروشاودر فى حديث له عن المسلمين: «إن هذا المسلم الذكى الشجاع، قد ترك لنا حيث حل آثار علمه وفنه، وأنار مجده وفخاره. ثم يقول: من يدرى؟ قد يعود اليوم الذى تصبح فيه بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة أخرى- ولست أدعى النبوة- ولكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة لا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها» . من كتاب لم هذا الرعب من الإسلام لسعيد جودت ص (19- 23) ويقول مرماديوك: «إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم بنفس السرعة التى نشروها بها سابقا، إذا رجعوا إلى الأخلاق التى كانوا عليها حينما قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوى لا يستطيع أن يقف أمام حضارتهم» . المصدر السابق والصفحة نفسها ويقول الدكتور حسن عباس زكى أنه قرأ لمؤلف فرنسى كتابا جاء فيه: «لو أن العرب عرفوا قيمة الإسلام لحكموا العالم إلى قيام الساعة» . كما أنه قرأ لمؤلف إنجليزى كتابا جاء فيه «إن نظام الزكاة فى الإسلام هو أفضل حل لمشاكل العالم» . وتقول عالمة الذرة (جونان التوت) - التى أسلمت على يد البيصار من بين (250) رجلا وامرأة أشهروا إسلامهم فى اليوم نفسه ومن بينهم سفير غانا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 «المسألة لست انتقالا من دين إلى دين آخر، ولا هى تحد لمشاعر وطقوس توارثناها، إنما هى الحرية المنشودة والفردوس المفقود الذى نشعر بأننا فى أشد الحاجة إليه، نحن الشباب فى الغرب نرفض واقع الدين الرومانسى، والواقع المادى للحياة، وحل هذه المعادلة الصعبة هى أن نشعر بالإيمان بالله» . وتضيف قائلة: «بعض الشباب غرق فى الرقص بحثا عن الله، فى الشيطان، فى المخدرات، وفى الهجرة إلى الديانات الشرقية القديمة وخاصة البوذية، وقليلون هم الذين أعطوا لأنفسهم فرصة التأنى والبحث والدراسة، وهؤلاء وجدوا فى الدين الإسلامى حلا للمعادلة الصعبة، وإذا كان عددهم لا يزال قليلا حتى الآن، فلأن ما نسمعه عن هذا الدين العظيم مشوش، ومحرف، وغير صادق فكل ما هو معروف عندنا عن الإسلام خزعبلات رددها المستشرقون، منذ مئات السنين، ولا تزال أصداؤها قوية حتى الآن، فالدين الإسلامى كما فى إشاعات المستشرقين هو دين استعباد المرأة، وإباحة الرق وتعدد الزوجات، ودين السيف لا التسامح» . وتقول أيضا: «لا تصدقوا فكرة الحرية المطلقة فى أمريكا، والتى تنقلها لكم السينما الأمريكية، فإن فى بلادنا كثير من المتعصبين دينيا. ولذا فإننى أعرف جيدا أننى مقبلة على حرب صليبية فى بلادى وأسرتى، وستزداد هذه الحرب اشتعالا عندما أبدأ فى إقناع غيرى بهذا الدين العظيم» . ثم تقول: «لقد بدأت أحس بوجود الثواب والعقاب وهذا السلوك هو الذى سيحكم سلوكى ويضبطه فى الاتجاه الصحيح» . مجلة الدعوة المصرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ويقول أحد قساوسة جنوب أفريقيا مخاطبا مبعوث مجلة الاعتصام المنتدب لزيارة المركز الإسلامى هناك: «أنا قس من رجال الدين المسيحى أحمل اسما مسيحيّا، وهذا الاسم لا يعنيكم ولن أقوله- ولكن أقول- بالرغم من أنى دربت على المسيحية، وتعلمتها فى جامعات بريطانيا، وأعددت لأكون راية للمسيحية، وداعية لها، إلا أنى لم أشعر بأن المسيحية استطاعت أن تجيب على تساؤلاتى، لأنها مرتبكة فى جسمى، وقد فكرت فى التخلص من المسيحية السوداء التى لا تعترف بادميتنا، والتى جاءتنا بالإنجيل فى يد وبالعبودية فى اليد الآخرى وجاءنا أدعياؤها بالإنجيل فى يد، وبزجاجة الخمر فى اليد الآخرى» . ثم يضيف قائلا: «لقد رأيتكم تصلون، فإذا بالأبيض بجانب الأسود، والغنى بجانب الفقير، والمتعلم بجانب الجاهل، لهذا أقول إن الأفريقى ليس بحاجة إلى المسيحية إنه فى حاجة إلى هذا الدين العظيم» . وبعد أن اغرورقت عيناه بالدموع قال: «لماذا حجبتم عنا هذا الدين؟ أنيروا لنا الطريق فإن مبادئ هذا الدين هى التى يمكن أن تنقذ العالم مما هو مقبل عليه من فوضى ودمار» . مجلة الاعتصام العدد (8) السنة (41) رجب سنة 1398 هـ ويقول أميل درمنجهم الذى كتب كتابا فى سيرة النبى محمد ص: «ولما نشبت الحرب بين الإسلام والمسيحية، اتسعت هوة الخلاف، وازدادت حدة، ويجب أن نعترف بأن الغربيين كانوا السابقين إلى أشد الخلاف فمن البيزنطيين من أوقر الإسلام احتقارا من غير أن يكلفوا أنفسهم مؤنة دراسته، ولم يحاربوا الإسلام إلا بأسخف المثالب فقد زعموا أن محمدا لص!، وزعموه متهالكا على اللهو!، وزعموه ساحرا!، وزعمور رئيس عصابة من قطاع الطرق! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بل زعموه قسا رومانيا!!، مغيظا محنقا، إذ لم ينتخب لكرسى البابوية، وحسبه بعضهم إلها زائفا!!! يقرب له عباده الضحايا البشرية وذهبت الأغنيات إلى حد أن جعلت محمدا صنما من ذهب وجعلت المساجد ملأى بالتماثيل والصور كتاب الإسلام بين الإنصاف والجحود. ص 129) وفى كتاب (معالم تاريخ الإنسانية) بقول ويلز: «كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط، ولم أجد دينا يسير مع المدنية أنّى سارت سوى دين الإسلام» . ويقول (هنرى دى شاميون) تحت عنوان: «الانتصار الهمجى على العرب» : «لولا انتصار جيش (شارل مارتل) الهمجى على العرب فى فرنسا فى معركة (تور) على القائد الإسلامى (عبد الرحمن الغافقى) لما وقعت فرنسا فى ظلمات العصور الوسطى، ولما أصيبت بفظائعها ولما كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الدينى، ولولا ذلك الانتصار البربرى لنجت أسبانيا من وصمة محاكم التفتيش، ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون بينما كنا مثال الهمجية. انظر الحديقة (ج 8/ ص 246) ويقول (أناتول فرانس) عن أفظع سنة فى تاريخ فرنسا هى سنة (732) م وهى السنة التى حدثت فيها معركة (بواتيه) والتى انهزمت فيها الحضارة العربية أمام البربرية الإفرنجية ويقول أيضا: (ليت «شارل مارتل» قطعت ييده ولم ينتصر على القائد الإسلامى «عبد الرحمن الغافقى» إن انتصاره أخر المدنية عدة قرون) . انظر مجلة الكفاح العربى (3- 676) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 واعترافات أيضا يقول كارليل الإنجليزى فى كتابه «الأبطال» : «إن العار أن يصغى الإنسان المتمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين أن دين الإسلام دين كذب، وأن محمدا لم يكن على حق: لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاآت السخيفة المخجلة، فالرسالة التى دعا إليها هذا النبى ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمن لملايين كثيرة من الناس، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التى عاشت عليها هذه الملايين، وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع؟! لو أنه الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا، وعبثا وكان الأجدر بها أن لا توجد. إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يا بنى بيتا من الطوب لجهله بخصائص البناء، وإذا بناه فما ذلك الذى يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد، فما بالك بالذى يا بنى بيتا دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه مئات الملايين من الناس. وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعمد محمدا كاذبا متصنعا متذرعا بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع.. فما الرسالة التى أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادر من العالم المجهول وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» من كتاب الإسلام بين الإنصاف والجحود ص (129) ويقول ادوارد مونتيه: «الإسلام دين سريع الانتشار، يروج من تلقاء نفسه دون أى تشجيع تقدمه له مراكز منظمة لأن كل مسلم مبشر بطبيعته، فهو شديد الإيمان، وشدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 إيمانه تستولى على قلبه وعقله، وهذه ميزة ليست لدين سواه، ولهذا نجد أن المسلم الملتهب إيمانا بدينه، يبشر به أينما ذهب وحيثما حل، وينقل عدوى الإيمان لكل من يتصل به» . «لقد قمت بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أى فكر مسبق وبموضوعية تامة، باحثا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ... فأدركت أنه لا يحتوى على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم الحديث ... » . العالم الفرنسى موريس بوكاى «للمسلم أن يعتز بقرآنه، فهو كالماء فيه حياة لكل من نهل منه» إبراهيم خليل أحمد (قس مبشر يحمل شهادات عالية فى علم اللاهوت) «إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط إنما أيضا تحفة أدبية رائعة تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجلته» . بلاشير (مدرس اللغات الشرقية بباريس) «لقد أثارت الجوانب العلمية التى يختص بها القرآن دهشتى العميقة، فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقته تماما للمعارف العلمية الحديثة» . الدكتور موريس بوكاى والعالم الفرنسى المعروف «7 ن الأسلوب القرآنى مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا فى أساسه، هو إعجاز القرآن» . فيليب حتى (أستاذ تاريخ العرب فى الجامعة الأمريكية) «إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمى وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز بنو الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظا ومعنى» . الكونت هنرى كاسترى (مقدم فى الجيش الفرنسى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 «القرآن يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمى وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز بنو الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظا ومعنى» . ولديورانت المؤلف الأمريكى المشهور (مؤلف كتاب قصة الحضارة) «لقد عرفت الآن، بصورة لا تقبل الجدل، أن الكتاب الذى كنت ممسكا به فى يدى كان كتابا موحى به من الله، فبالرغم من أنه وضع بين يدى الإنسان منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا فإنه توقع بوضوح شيئا لم يكن بالإمكان أن يصبح حقيقة إلا فى عصرنا هذا المعقد» . ليوبولد فايس (مفكر وصحفى نمساوى) «إن أثر القرآن فى كل هذا التقدم الحضارى الإسلامى لا ينكر، فالقرآن هو الذى دفع العرب إلى فتح العالم، ومكنهم من إنشاء إمبراطورية فاقت إمبراطورية الإسكندر الأكبر، والإمبراطورية الرومانية سعة وقوة وعمرانا وحضارة» . اللادى إيفلين كوبولد (نبيلة إنجليزية) « ... لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذى تركه القرآن فى قلبى، فلم أكد أنتهى من السورة الثالثة حتى وجدتنى ساجدة لخالق هذا الكون..» . عائشة برجت هونى (انجليزية مسيحية) «إن محمدا كان الرجل الوحيد فى التاريخ الذى نجح بشكل أسمى فى كلا المستويين الدينى والدنيوى ... إن هذا الاتحاد الفريد الذى لا نظير له يخوله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير فى تاريخ البشرية» . العالم الأمريكى مايكل هارث «سبق أن كتب كل شيء عن نبى الإسلام فأنوار التاريخ تسطع على حياته التى نعرفها فى أدق تفاصيلها، والصورة التى خلفها محمد- صلّى الله عليه وسلم-، عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية فى الحدود التى تكشف فيها وهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 تندمج فى ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الدينى وتتيح إدراك عظمته الحقيقية ... » . مارسيل بوازار (مفكر وقانونى فرنسى معاصر) « ... إذا كانت كل نفس بشرية تنطوى على عبرة وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بنى الإنسان» . المستشرق الفرنسى أميل درمنغم « ... كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- أنموذجا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة، بل مثالا كاملا للأمانة والاستقامة وإن تضحياته فى سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سمو ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته» . المهندس العراقى أحمد سوسة (يهودى) «هل رأيتم قط ... أن رجلا كاذبا يستطيع أن يوجد دينا عجبا ... إنه لا يقدر أن يا بنى بيتا من الطوب!، وليس جديرا أن يبقى على دعائمه اثنا عشر قرنا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكان جديرا أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن ... » . الكاتب الإنجليزى المعروف توماس كارلايل «إن طبيعة محمد- صلّى الله عليه وسلم- الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص، فقد كان محمد مصلحا دينيا ذا عقيدة راسخة..» . مونته (أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة جنيف) «لقد منح (العرب) العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية فى العالم أما الرجل الذى أشعل ذلك القبس العربى فهو محمد- صلّى الله عليه وسلم-. الكاتب والأديب البريطانى المعروف هربرت جورج ولز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 اعترافات واعترافات «بعد أن درست الأديان المختلفة فى العالم توصلت إلى الاستنتاج بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يؤثر فى أولئك الذين يؤمنون به وكذلك الذين لا يؤمنون به على حد سواء، فأعظم فضيلة للإسلام أنه يأسر قلوب البشر بصورة تلقائية ومن أجل هذا تجد فى الإسلام سحرا غريبا وجاذبية عظيمة تجتذب إليها ذوى العقليات المتفتحة من غير المسلمين» . الباحثة المسيحية مارى أوليفر «الإسلام فى عهده الأول، إنما كان شمس الحرية مشرقة وهاجة، ودينا تجلت فيه المنازع الحرة الشريفة، وليس ما طرأ على العالم الإسلامى فيما بعد من الوهن والتدنى بحاجب المنصف عن جوهر الإسلام وحقيقة صفائه..» . المؤلف الأمريكى لوثرب ستودارد « ... إن المبادئ الإسلامية التى استوقفت نظرى واستقطبت جل اهتمامى أكثر من غيرها.. حين أقبلت على الإسلام، هى أن المسيحية كثيرا ما تترك جوانب غامضة فى التصور الاعتقادى يملؤها الشك والريب، أما الإسلام فكل شيء فيه واضح لا لبس فيه ولا غموض» . فرانكستوك (شاب كاثوليكى أمريكى) «انطلاقا من قول الحقيقة، أرى لزاما علىّ أن أعلن، أننا نحن المسيحيين بصورة عامة نجهل الإسلام كل الجهل، دينا وحضارة» . نصرى سلهب (مسيحى لبنانى) « ... إن الغربى لا يفهم الإسلام حق فهمه إلا إذا أدرك أنه أسلوب حياة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 تصطبغ به معيشة المسلم ظاهرا وباطنا وليس مجرد أفكار أو عقائد يناقشها بفكره ... » ولفريد كانتويل سميث (أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونتريال) «بفضل الله هزمت الوثنية فى مختلف أشكالها لقد حرر مفهوم الكون، وشعائر الدين، وأعراف الحياة الاجتماعية من جميع الهولات أو المسوخ التى كانت تحط من قدرها، وحررت العقول الإنسانية من الهوى لقد أدرك الإنسان آخر الأمر مكانته الرفيعة» . لورافشيا فاغليرى (باحثة إيطالية معاصرة) «الإسلام يحقق الانسجام التام مع الحياة فى هذا العالم، فهو دين سهل لا التواء فيه ولا تعقيد، مباشر، مجرد من كافة الافتراضات التى لا سبيل إلى الإيمان بها» الضابط البريطانى فيلويز «لقد أصبح من أكبر العار على أى فرد متدين من أبناء هذا العصر أن يصغى إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- خدّاع مزور، وأن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التى أداها ذلك الرسول- صلّى الله عليه وسلم- مازالت السراج المنير مدة اثنا عشر قرنا لنحو مائتى مليون خلقهم الله الذى خلقنا، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التى عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر، كذبة وخدعة؟ لو أن الكذب والغش يروجان عند خلق هذا الرواج ويصادفان منهم مثل هذا التصديق والقبول، فما الناس إلا بله ومجانين وما الحياة إلا سخف وعبث ... » الكاتب الإنجليزى المعروف توماس كالايل « ... الإسلام دين حى، حى فى قلوب أتباعه ومريديه، وهو دين كلما تقدمت به الأيام زادت حيويته وقوى أمره وتبسط سلطانه وفشت دعوته ولولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ذلك لما أمكنه أن يعيش وأن يظل محتفظا بقوته وتأثيره وحب أتباعه له» . اللادى إيفلين كوبولد (نبيلة إنجليزية) « ... لقد بحثت طويلا فى سر الوجود وتعمقت فى أبحاثى بحكم دراستى للفلسفة وعلم النفس، ورأيت أن الإسلام هو أقرب الأديان إلى السماء وإلى النفس الإنسانية فتأكد يقينى بأنه الدين الكريم الذى أرتضيه وأؤمن به» . الفيلسوف الأمريكى أرثر كين «لا أستطيع أن أسجل مدى فرحتى بهذا الدين الذى أخذ ينفرج أمام نظرى، فقد أحسست أن هذا هو الدين الذى كنت انتظره، لقد كان إعلان دخولى فى الإسلام ترجمة ظاهرة لصوت ضميرى، فهل يمكن أن يكون هناك أى شيء أعظم حجة من العقيدة الإسلامية» . فاطمة سى لامير (ألمانية لم تقنعها الديانة النصرانية) «من روائع الإسلام أنه يقوم على العقل وأنه لا يطالب أتباعه أبدا بإلغاء هذه الملكة الربانية الحيوية فهو عى النقيض من الأديان الآخرى التى تصر على أتباعها أن يتقبلوا مبادئ معينة دون تفكير ولا تساؤل حر» . البرفسور الانجليزى هارون مصطفى ليون «الإسلام يختلف عن المسيحية فى أنه لا يتخذ لنفسه نظم الكنيسة والقسيسين والقرابين، فالإسلام يحرص على التوحد الخالص الذى لا يحتمل أى تدخل بين الإنسان وخالقه» . كويلر يونغ (أستاذ العلاقات الأجنبية بجامعة برنستون) «كان المثل الأعلى الذى يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة فى الإسلام، من العوامل التى جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة» . المؤرخ البريطانى توماس أرنولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 «.. فى ظل الإسلام استعادت المرأة حريتها واكتسبت مكانة مرموقة، فالإسلام يعتبر النساء شقائق الرجال، وكلاهما يكمل الآخر» . منى عبد الله ماكلوسكى (ألمانية عملت قنصلا لبلادها فى بنغلادش) «ليس هناك أى دين آخر غير الإسلام لديه الإمكانية لحل مشكلات الناس فى العالم الحديث، وهذا هو امتياز الإسلام وحده ... » السياسى والصحفى الهندى كوفهى لال جابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 (أيضا اعترافات) اعترافات امرأة غربية بسم الله الرحمن الرحيم هذا مقال نشرته مجلة الأسرة (عدد 71) عن اعترافات امرأة غربية. أسلمت حديثا، أحببت عرضه للقراء- لاسيما النساء المسلمات- ليعلمن ما هن فيه من نعم. قالت المجلة: «ليس جديدا القول بأن الحملة على الإسلام وتشويه حقائقه هى على أشدها فى الغرب، حتى إن المسلمين غدوا فى ظن بعض الغربيين أناسا وثنيين يعبدون القمر! لكن ما يشيع البهجة أن الإسلام أكثر الأديان انتشارا فى العالم، وربما كان ذلك أحد أسباب حقد الغرب عليه! فكثيرون فى الغرب وجدوا ضالتهم المنشودة فى الإسلام بعد أن تنكبت بهم سبل البحث عن الهداية فى مجتمعات مادية ممسوخة. ومن أكثر (الدعاوى) التى يرددها الإعلام الغربى عن الإسلام الادعاء بأنه يقهر المرأة ويجور عليها، ورغم أن هذا الادعاء رد عليه مرارا قبل أكثر من مائة عام، إلا أن الرد هذه المرة يأتى من امرأة غربية اعتنقت الإسلام حديثا، تعالوا نقف على تفاصيل رؤيتها تلك: قالت: فى أوقات كان الإسلام يواجه فيها عداء سافرا فى وسائل الإعلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الغربية، ولا سيما فى القضايا التى كان موضوع نقاشها المرأة، وربما كان من المثير للدهشة تماما أن يتبادر إلى علمنا أن الإسلام هو الدين الأكثر انتشارا فى العالم، كما أن من العجب العجاب أن غالبية من يتحولون عن دياناتهم إلى الإسلام هم من النساء. إن وضع المرأة فى المجتمع ليس بقضية جديدة، وفى رأى العديد من الأشخاص فإن مصطلح (المرأة المسلمة) يرتبط بصورة الأمهات المتعبات اللواتى لا هم لهن إلا المطبخ، وهن فى الوقت عينه ضحايا للقمع فى حياة تحكمها المبادئ، ولا يقر لهن قرار إلا بتقليد المرأة الغربية وهكذا. ويذهب بعضهم بعيدا فى بيان كيف أن الحجاب يشكل عقبة فى وجه المرأة، وغمامة على عقلها، وأن من يعتنقن منهن الإسلام، إما أنه أجرى غسل دماغ لهن، أو أنهن غبيات أو خائنات لبنات جنسهن. إننى أرفض هذه الاتهامات، وأطرح السؤال التالى: لماذا يرغب الكثير والكثير جدّا من النساء اللواتى ولدن ونشأن فيما يدعى بالمجتمعات (المتحضرة) فى أوروبا وأمريكا فى رفض حريتهن واستقلاليتهن بغية اعتناق دين يزعم على نطاق واسع أنه مجحف بحقهن؟ بصفتى مسيحية اعتنقت الإسلام، يمكننى أن أعرض تجربتى الشخصية وأسباب رفضى للحرية التى تدعى النساء فى هذا المجتمع أنهن يتمتعن بها ويؤثرونها على الدين الوحيد الذى حرر النساء حقيقة، مقارنة بنظيراتهن فى الديانات الآخرى. قبل اعتناقى للإسلام، كانت لدى نزعة نسائية قوية، وأدركت أنه حيثما تكون المرأة موضع اهتمام، فإن ثمة كثيرا من المراوغة والخداع المستمرين بهذا الخصوص ودون قدرة منى على إبراز كيان هذه المرأة على الخارطة الاجتماعية، لقد كانت المعضلة مستمرة: فقضايا جديدة خاصة بالمرأة تثار دون إيجاد حل مرض لسابقاتها، ومثل النسوة اللواتى لديهن الخلفية ذاتها التى أمتلكها، فإننى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 كنت أطعن فى هذا الدين لأنه كما كنت أعتقد دين متعصب للرجل على حساب المرأة، وقائم على التمييز بين الجنسين، وأنه دين يقمع المرأة ويهب الرجل أعظم الامتيازات، كل هذا اعتقاد إنسانة لم تعرف عن الإسلام شيئا، إنسانة أعمى بصرها الجهل، وقبلت هذا التعريف المشوه قصدا للإسلام. على أننى ورغم انتقاداتى للإسلام، فقد كانت داخليا غير قانعة بوضعى كامرأة فى هذا المجتمع، وبدا لى أن المجتمع أوهم المرأة بأنه منحها (الحرية) وقبلت النسوة ذلك دون محاولة للاستفسار عنه، لقد كان ثمة تناقض كبير بين ما عرفته النساء نظريا، وما يحدث فى الحقيقة تطبيقا. لقد كنت كلما ازداد تأملى أشعر بفراغ أكبر، وبدأت تدريجيا بالوصول إلى مرحلة كان عدم اقتناعى بوضعى فيها كامرأة فى المجتمع انعكاسا لعدم اقتناعى الكبير بالمجتمع نفسه، وبدا لى أن كل شيء يتراجع إلى الوراء، رغم الادعاآت، لقد بدا لى أننى أفتقد شيئا حيويا فى حياتى، وأن لا شيء سيملأ ما أعيشه من فراغ، فكونى مسيحية لم يحقق لى شيئا، وبدأت أتساءل عن معنى ذكر الله مرة واحدة، وتحديدا يوم الأحد من كل أسبوع؟ وكما هو الحال مع الكثيرين من المسيحيين غيرى، بدأت أفيق من وهم الكنيسة ونفاقها، وبدأ يتزايد عدم اقتناعى بمفهوم الثالوث الأقدس وتأليه المسيح- عليه السّلام-، وبدأت فى نهاية المطاف أتمعن فى الدين (الإسلامى) ، لقد تركز اهتمامى فى بادئ الأمر، على النظر فى القضايا ذات العلاقة بالمرأة، وكم كانت تلك القضايا مثار دهشتى، فكثير مما قرأت وتعلمت علمنى الكثير عن ذاتى كامرأة، وأين يكمن القمع الحقيقى للمرأة فى كل نظام آخر وطريقة حياة غير الإسلام الذى أعطى المرأة كل حقوقها فى كل منحى من مناحى الحياة، وضع تعريفات بينت دورها فى المجتمع كما هو الحال بالنسبة للرجال فى كتابه العزيز: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (النساء: 124) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ولما انتهيت من تصحيح ما لدى من مفاهيم خاطئة حول المنزلة الحقيقية للمرأة فى الإسلام، اتجهت لأنهل المزيد، فقد تولدت لدى رغبة لمعرفة ذلك الشيء الذى سيملأ ما بداخل كيانى من فراغ، فانجذب انتباهى نحو المعتقدات والممارسات الإسلامية، ومن خلال المبادئ الأساسية فحسب كان يمكننى أن أدرك إلى أين أتوجه وفقا للأولويات، لقد كانت هذه المبادئ فى الغالب هى المجالات التى لم تحظ إلا بالقليل من الاهتمام أو النقاش فى المجتمع، ولما درست العقيدة الإسلامية، تجلى لى سبب هذا الأمر؟ وهو أن كل أمور الدنيا والآخرة لا يمكن العثور عليها فى غير هذا الدين وهو (الإسلام) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 اعترافات مهمة «القرآن يبعث فى النفوس أسهل العقائد، وأقلها غموضا، وأبعدها عن التقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحررا من الوثنية ... » . (ول ديورانت) مؤلف كتاب «قصة الحضارة» «قرأت مرة فى كتاب الله تعالى، فما فرغت من تلاوته حتى اجتاحنى مدد البكاء ... فنفضت عن نفسى التعصب الممقوت.. وأصبحت من المسلمين) . (اللورد إستانلى أولدرى) «بين الحقول وبين الفضاء، كانت تقع عينى فى السفر على رجل متواضع يقف بين يدى الله فى خشوع وابتهال، فكانت نفسى تهفو إلى أن أصلى مثل صلاته.. كنت أعتقد أن هذه نفحات الله فى الأرض يلقيها فى نفوس عباده الصالحين» . المحامى (زكى عريسى) عميد الطائفة اليهودية بمصر قبل إسلامه «لما رأيت المسجد أول مرة، أحسست أن شيئا ما فى أعماقى يتحرك، ويفعل فعل السحر، لقد أحسست أنى مسلمة قبل أن أعلن إسلامى، إننى أشعر كما لو كنت قد ولدت من جديد ... لقد خرجت من أعماقى تاركة غلافى القديم ... آمنت بالله ... لا إله إلا الله» . الممثلة البريطانية (مارشيلا مايكل أنجلو) «لا يسعنى عندما أنظر للمسلمين عندما يصلون فى جماعة، والسكينة والإيمان العذب يغشيانهم إلا أن أكبر عظمة هذا الدين، ولقد اشتهيت أن أكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 يوما أحد أفراد هذه الأمواج الساجدة لربها» . الفيلسوف (أوغست كونت) «فى ليلة قمت أصلى.. وبقيت أصلى مدة طويلة، وفى صباحها قلبت ظهرى لعملى، وابتعدت عن أخاديع (هوليود) ومغرياتها، وأعطيت جسمى ونفسى وحياتى لرب محمد- صلّى الله عليه وسلم- ... وأنا اليوم ابن الإسلام» . المخرج السينمائى الأمريكى (وكس انجرام) «أعظم حدث فى حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد- صلّى الله عليه وسلم- دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود» . الشاعر الفرنسى الشهير (لامارتين) «لا يمكن أن توصف حياة محمد- صلّى الله عليه وسلم- بأحسن مما وصفها الله بقوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- رحمة حقيقية ... وإنى أصلى عليه بلهفة وشوق» . المستشرق الإسبانى (جان ليك) «أىّ رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد- صلّى الله عليه وسلم-، وأىّ إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التى تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق» . (لامارتين) «كلما قرأت القرآن ... شعرت أن روحى تهتز داخل جسمى» . (غوته) «لا يوجد فى تاريخ الرسالات كتاب بقى بحروفه كاملا دون تحوير.. سوى القرآن الذى نزل على محمد- صلّى الله عليه وسلم-» . الكاتب الأمريكى (مايكل هارت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 «درست القرآن فوجدت فيه الإجابات عن كل الأسئلة فى الحياة» . الملاكم العالمى (مايك تايسون) «لما انتصب آدم على قدميه، رأى فى الهواء كتابة تتألق كالشمس نصها: «لا إله الا الله محمد رسول الله» ، فقبل الإنسان الأول بنحو أبوى هذه الكلمات، ومسح عينيه وقال: بورك ذلك اليوم الذى ستأتى فيه إلى العالم» . (إنجيل برنابا- فصل 39) «أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنى إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط الأكثر حمدا أى (الأحمد) فأما إن انطلقت أرسلته إليكم ... فإذا جاء فهو يعلمكم جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده» . (إنجيل يوحنا- الباب 16) «جاءنى الإسلام متسللا كالنور إلى قلبى المظلم.. ولكن.. ليبقى فيه إلى الأبد..» . (ليبولد فايس) نمساوى من أسرة يهودية عرف بعد الإسلام باسم: محمد أسد «لا يوجد مكان على سطح الأرض، إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذى يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر» . (هانوتو) وزير خارجية فرنسا سابقا «أدركت وأنا فى المدرسة أن هناك فرقا كبيرا بين دروس الدين ودروس العلوم الآخرى كالحساب ... فى حصة الدين تعلمنا أن 3 1 وهذا غير صحيح فى دروس الرياضيات! وأخيرا وجدت الواحد واحدا فى الإسلام» . مطرب القارتين البريطانى الشهير (كات ستيفنز) اسمه بعد إسلامه (يوسف إسلام) «إذا كنت ولدت مسيحيا فهذا لا يحتم على أن أبقى كذلك طوال حياتى ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فقد كنت لا أعرف كيف أستطيع أن أؤمن بالمبدأ القائل: إذا لم تأكل من جسد المسيح، وتشرب دمه، فلن تنجو من عذاب جهنم الأبدى» !! المهندس اللورد هيدلى من أغنى البريطانيين ومن أعلى أسرهم حسبا «اليهود لا يعترفون بالمسيح، والمسيحيون لا يعترفون بمحمد- صلّى الله عليه وسلم- ... ولكن المسلمين يعترفون بموسى والمسيح..» . الملاكم العالمى (مايك تايسون) «يعتبر الطفل فى الإسلام مولودا على الفطرة.. أما المسيحيون فيحكمون على الطفل أنه يولد محملا للخطيئة!! وقبل مائة سنة كانوا يغطسون الأطفال فى الماء حتى يطهروهم من الخطيئة، فإذا ماتوا قبل الغسل لم يدفنوهم ... وإنما يلقونهم فى القمامة لأنهم متسخون بالخطيئة» !! المستشرق النرويجى (د. إنيربرج) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 اعترافات غربية أخرى كثيرا ما تومض فى سماء التاريخ كلمات تخطف الأبصار كأنها البرق يطعن الظلام الدامس، ليضىء طريق المستقبل. وماذا أصنع، إذا كان القرآن أقوى من فرنسا لاكوست وزير المستعمرات الفرنسية، عام 1962 ما دام هذا القرآن موجودا فى أيدى المسلمين، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق كلادستون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق إن أخشى ما نخشاه أن يظهر فى العالم العربى محمد جديد بن جوريون لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقى علينا موجود فى الإسلام وفى قدرته على التوسع والإخضاع وفى حيويته المدهشة لورانس براون لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه فهو الدين الوحيد الذى يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق أى دين آخر هانوتو وزير خارجية فرنسا سابقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 من يدرى ربما يعود اليوم الذى تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية، وفى الوقت المناسب ألبر مشادور إن الخطر الحقيقى على حضارتنا هو الذى يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم سالازار إن الخطر الحقيقى الذى يهددنا مباشرا وعنيفا هو الخطر الإسلامى، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربى، فهم يملكون تراثهم الروحى الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية فى الحضارة الغربية فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعى فى نطاقه الواسع؛ انطلقوا فى العالم يحملون تراثهم الحضارى الثمين، وانتشروا فى الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ مسئول فى وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952 إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر فى القارة الإفريقية مورو بيرجو إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوربا الذى كان يقف فى وجه زحف إسلامى يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط، ليستعيدوا الأندلس التى فقدوها، وليدخلوا معنا فى قلب فرنسا بمعركة بواتييه جديدة ينتصرون فيها ويكتسحون أوربا الواهنة ويكملون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم الأمويين بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة من أجل ذلك كنا نحارب فى الجزائر من محاضرة كان عنوانها: لماذا كنا نحاول البقاء فى الجزائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 قال لويس التاسع ملك فرنسا الذى أسر فى دار ابن لقمان بالمنصورة فى وثيقة محفوظة فى دار الوثائق القومية فى باريس،، إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب، وإنما باتباع ما يلى: 1- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين 2- عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية أن يقوم فيها حكم صالح 3- إفساد أنظمة الحكم فى البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة. 4- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحى فى سبيل مبادئه 5- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية فى المنطقة 6- العمل على قيام دولة غربية فى المنطقة العربية تمتد لتصل إلى الغرب يجب أن نزيل القرآن العربى من وجودهم ونقتلع اللسان العربى من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم الحاكم الفرنسى فى الجزائر بعد مرور مائة عام على احتلالها المسلمون يمكنهم أن ينشروا حضارتهم فى العالم الآن بنفس السرعة التى نشروها بها سابقا بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التى كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوى لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم مرماديوك باكتول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 إذا اتحد المسلمون فى إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم، وخطرا أو يمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير المبشر لورانس براون إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع فى حسابنا أن النائم قد يستيقظ أرنولد توينبى إذا أعطى المسلمون الحرية فى العالم الإسلامى، وعاشوا فى ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام ينتصر فى هذه البلاد، وبالدكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها المستشرق الأمريكى «وك سميث» الخبير بشئون الباكستان إذا وجد القائد المناسب الذى يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى فى العالم مرة أخرى المستشرق البريطانى مونتجومرى وات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الفصل الثانى الرسول صلّى الله عليه وسلم فى عيون غربية منصفة 1- عظماء دافعوا عن الرسول صلّى الله عليه وسلم لا تزال الأيدى اليهودية الآثمة تحكم سيطرتها على وسائل الإعلام الكبرى، ولا تألو جهدا فى استغلالها فى السخرية من الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وتشويه صورة الإسلام، فابتداء من كبريات الصحف العالمية: كالتايمز البريطانية التى أصبحت صحيفة صهيونية خالصة بعد أن اشتراها المليونير اليهودى «روبرت مردوخ» ، وكذلك شقيقتها الصنداى تايمز، بالإضافة إلى المجلة الأسبوعية «ويك إند» التى تخصصت بالرسومات الكاريكاتيرية التى تتهكم بالعرب فى لندن وتظهرهم فى أبشع صورة. وتعتبر النيويورك تايمز من أشهر الصحف الأمريكية وقد اشتراها اليهودى أودلف أوش، وتأتى الواشنطن بوست فى المرتبة الثانية من الخضوع للصهيونية! ونيوز ويك التى بلغ حجم توزيعها 5، 4 مليون نسخة عام 1981 م. وقد بلغ من تفاقم السيطرة الصهيونية على دور النشر الفرنسية، أن المفكر الشهير «رجاء جارودى» الذى كانت دور النشر الفرنسية تتسابق لنشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 كتبه، لم يجد دار نشر واحدة تتبنى كتابه «بين الأسطورة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية» . الذى كتبه بعد إسلامه!! «النفوذ اليهودى فى الأجهزة الأعلامية لفؤاد الرفاعى» ونظرا لهذا النفوذ التى يبعث الأسى والألم فى نفس كل مؤمن يبتغى العزة لله ولرسوله، كان التصدى لهذا الكيد من المقامات العظيمة التى انبرى لها عدد من العظماء، وبهذا امتدح الله عز وجل المهاجرين بقوله: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (الحشر: 8) ، ونصر رسول الله عليه الصلاة والسلام باللسان والسنان والقول والفعل نصرا له فى ذات نفسه، حماية لعرضه، وصونا لحرمته، وإرغاما لأعدائه ومبغضيه، وإجلالا لمقام النبوة من أى قدح. وقد أجمع العلماء على وجوب قتل من سبّ النبى- صلّى الله عليه وسلم- أو عابه أو ألحق به نقصا فى نسبه أو دينه.. فحكم من أتى بذلك أن يقتل بلا استتابة لأنه آذى رسول الله بما يستوجب إهدار دمه أن كان مسلما ونقض عهده إن كان ذميا. (الدليل الشافى لابن تغرى بردى 1- 45) . ولقد أخذ السلاطين على عواتقهم نصرة رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-. منه أن صلاح الدين الأيوبى نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك، فأسره وكان سببه أنه مرّ به قوم من مصر فى حال الهدنة، فغدر بهم فناشدوه الصلح، فقال ما فيه استخفاف بالنبى- صلّى الله عليه وسلم-، وقتلهم، فجمع صلاح الدين الملوك فلما حضر أرناط، قال: أنا أنتصر لمحمد منك!! ثم عرض عليه الإسلام فأبى، فحلّ كتفيه بخنجر. أما ملك الكامل ملك مصر، لما وقع الحصار على مدينة دمياط اتفق أن أحد الكفار قد ألهج لسانه بسبّ النبى- صلّى الله عليه وسلم- معلنا به على خنادقهم، وكان أمره قد استفحل وقد جعل هذا الأمر ديدنه، فلما وقعت الوقعة وانتصر المسلمون وكان هذا الكافر من ضمن الأسرى فأخبر الملك بشأنه، فصمم الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الكامل على إرساله إلى المدينة النبوية، وأن يباشر قتله بذاك المحل الشريف، فلما وصل أقيم ونودى على فعلته بين الناس فتهادته السيوف!! أما هارون الرشيد فقد حكى عنه العالم أبو معاوية الضرير: كنت أقرأ على أمير المؤمنين الحديث، وكنت كلما قلت قال رسول الله قال: صلى الله على سيدى ومولاى. حتى ذكرت حديث «التقى آدم وموسى» . فقال عمه: أين التقيا؟ قال: فغضب هارون، وقال: من طرح إليك هذا؟ وأمر به فحبس. قال: فدخلت عليه فى الحبس، فحلف لى بمغلظات الأيمان، ما سمعت من أحد ولا جرى بينى وبين أحد فى هذا كلام. فرجعت إلى أمير المؤمنين وأخيرته فأمر به فأطلق من الحبس!!! وقال لى هارون: توهّمت أنه طرح إليه بعض الملحدين هذا الكلام الذى خرج منه، فيدلنى عليهم فأستبيحهم. ما ذكره الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- عن أحد خطباء مصر، وكان فصيحا متكلما مقتدرا، وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين، فقال فى خطبته: «جاءه الأعمى فما عبس بوجهه وما تولى! فما كان من الشيخ محمد شاكر- والد الشيخ أحمد شاكر- إلا أن قام بعد الصلاة يعلن للناس أن صلاتهم باطلة، وعليهم إعادتها لأن الخطيب كفر بما شتم رسول الله صلّى الله عليه وسلم. يقول أحمد شاكر فى كلمة حق: «ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه فى الدنيا، قبل أن يجزيه جزاءه فى الآخرى، فأقسم بالله لقد رأيته بعيني رأسى- بعد بضع سنين، وبعد أن كان عاليا منتفخا، مستعزّا بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء- رأيته مهينا ذليلا، خادما على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها فى ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يرانى، وأنا أعرفه وهو يعرفنى، لا شفقة عليه؛ فما كان موضعا للشفقة، ولا شماتة فيه؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ومن مناقب الملك فيصل رحمه الله فى نصر رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- ونصرة الشريعة، ودفع كيد الكائدين بردّ شبههم، ودحض مفترياتهم ما حكاة الدكتور تقى الدين الهلالى، فقال: قبل بضع سنين كنت مقيما فى باريس عند أحد الإخوان، وكنت قد سمعت بأن الطبيب المشهور الجراح موريس بوكاى، ألّف كتابا بين فيه أن القرآن العظيم هو الكتاب الوحيد الذى يستطيع المثقف ثقافة علمية عصرية أن يعتقد أنه حق منزل من الله ليس فيه حرف زائد ولا ناقص!! وأردت أن أزور الدكتور موريس لأعرف سبب نصرته لكتاب الله ولرسوله، فدعوناه فحضر فورا!!! فقلت له: من فضلك أرجو أن تحدثنا عن سبب تأليفك لكتابك «التوراة والإنجيل والقرآن فى نظر العلم العصرى» ، فقال لى إنه كان من أشد أعداء القرآن والرسول محمد، وكان كلما جاء مريض مسلم محتاج إلى علاج جراحى يعالجه، فأتم علاجه وشفى! يقول له: ماذا تقول فى القرآن، هل هو من عند الله أنزله على محمد؟ أم هو من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ فيجيا بنى: هو من عند الله ومحمد صادق! قال: فأقول له: أنا أعتقد أنه ليس من الله وأن محمدا ليس صادقا!! فيسكت. قال: ومضيت على ذلك زمانا حتى جاءنى الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة السعودية، فعالجته جراحيّا حتى شفى، فألقيت عليه السؤال المتقدم الذكر!! فأجابنى: إن القرآن حق وأن محمدا رسول الله صادق!! قال: فقلت: أنا لا أعتقد صدقه!! فقال الملك فيصل: هل قرأت القرآن؟ فقلت: نعم مرارا!! فقال: هل قرأته بلغته أم بغير لغته؟ (أى بالترجمة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فقلت: أنا ما قرأته بلغته بل بالترجمة فقط! فقال لى: إذا أنت تقلد المترجم، والمقلّد لا علم له إذا لم يطّلع على الحقيقة، لكنه أخبر بشيء فصدقه، والمترجم ليس معصوما من الخطأ والتحريف عمدا!! فعاهدنى أن تتعلم اللغة العربية، وتقرأه وأنا أرجو أن يتبدل اعتقدك هذا الخاطئ! قال: فتعجبت من جوابه! فقلت له: سألت كثيرا من قبلك من المسلمين فلم أجد الجواب إلا عندك، ووضعت يدى فى يده، وعاهدته على أن لا أتكلم فى القرآن ولا فى محمد- صلّى الله عليه وسلم- إلا إذا تعلمت اللغة العربية وقرأت القرآن بلغته، وأمعنت النظر فيه حتى تظهر النتيجة بالتصديق أو التكذيب!! فذهبت من يومى ذلك إلى الجامعة الكبرى بباريس (قسم اللغة العربية) واتفقت مع أستاذ بالأجرة أن يأتينى كل يوم إلى بيتى، ويعلّمنى اللغة العربية ساعة واحدة كل يوم إلا يوم الأحد الذى هو يوم راحتى، ومضيت على ذلك سنتين كاملتين لم تفتنى ساعة واحدة، فتلقيت منه سبع مائة وثلاثين درسا، وقرأت القرآن بإمعان، ووجدته هو الكتاب الوحيد الذى يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله لا يزيد حرفا ولا ينقص، أما التوراة والأناجيل الأربعة، ففيها كذب كثير، لا يستطيع عالم عصرى أن يصدقها! فلله درّهم من سلاطين، كانوا بحق كما قال ابن المبارك: الله يدفع بالسلطان معضلة ... عن ديننا رحمة منه ورضوانا لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبا لأقوانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 2- النبى- صلّى الله عليه وسلم- كما تحدث عنه المنصفون والعقلاء فى الغرب الاعتراف بعالمية الإسلام وفضل رسوله على البشرية والحضارة الغربية سجل أعداء الإسلام فى الفترات الأخيرة خطوة أبعد فى عداوتهم للنبوة حينما هاجم بعض القساوسة الغربيين المهووسين شخص النبى المصطفى صلّى الله عليه وسلم، ونعته القس جبريل فالويل ب «الإرهابي» ، وقال متبجحا: «إنه كان رجل عنف، ورجل حرب» ، أما القس الأمريكى بات روبرتسون الذى يقود جناحا قويا فى الحزب الجمهورى- حزب الرئيس جورج بوش- اسمه (التحالف النصرانى) ، فقد وصف النبى الكريم- صلّى الله عليه وسلم- ب «المعتصب» ، وقال الشقى قطع الله لسانه «إنه كان لصا وقاطع طريق» ، ووصف القس المسيحى فرانكلين جراهام الإسلام بأنه «دين شرير» ، أما القس النمسوى كورت كرين فقد قال إن الإسلام «دين متعصب» . وهذه التصريحات الموتورة كلها تعبر عن صغر النفس وعدم معرفة حقيقة الإسلام وحقيقة النبوة الناصعة التى شهدت لها مئات بل آلاف الشهادات المنصفة شرقا وغربا، بل إنها تعبر فى حقيقة الأمر عن مدى التعصب الأعمى والتصامم الذى يصاب به بعض أعداء الإسلام الذين لا يزيدون الإسلام إلا سطوعا، ولا يزيدهم إلا شقاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ونود هنا أن نقف عند بعض الشهادات التى أنصفت الحقيقة واعترفت بصدق النبوة حتى وإن لم يلمس الإسلام شغاف قلوب أصحابها، وما ذلك إلا لأن الحق والموضوعية يفرضان مقاييسهما على من كان ينشد المعرفة الحقة. إن المتأمل لما كتب وقيل يدرك أنه لم تحظ شخصية فى التاريخ البشرى العريض بمثل ما حظيت به شخصية النبى الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام من الاهتمام والإشادة والتمجيد من كافة الأعراق والشعوب والطوائف والملل، وفى شتى اللغات. وبالرغم من وجود من حاولوا الطعن فى نبوة الرسول الكريم- صلّى الله عليه وسلم- والتشكيك فى رسالته بسبب الحقد على الإسلام وإطباق الجهل بالإسلام على أصحابها والبعد عن الموضوعية العلمية فى البحث والتدقيق، فإن التيار العام ظل يسير فى ناحية التقدير الحقيقى لشخصية محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى تاريخ البشرية، وفضل رسالته على الإنسانية، بشكل يتوخى الإنصاف والموضوعية بعيدا عن الأحقاد الصليبية وتعاليم الكنيسة فى القرون الوسطى. وباطلاعنا على ما قيل فى النبى- صلّى الله عليه وسلم- من طرف المفكرين والمستشرقين والفلاسفة الغربيين المنصفين نجد أن هؤلاء يمثلون كبار مفكرى الغرب وأعمدة الفكر والفلسفة فيه، وقد حاولوا الوقوف على عظمة الرسول الكريم- صلّى الله عليه وسلم-، منبهرين بشخصيته العظيمة ونبل أخلاقه وطهارة حياته وخلوها من كل ما يثلم أخلاقه القرآنية، والبعض منهم اكتفى بوضع شخصية نبى الإسلام فى إطارها الحقيقى الذى يعرفه المسلمون أجمع، دون أن يلمس الإسلام ودعوته شغاف قلوبهم، والبعض الآخر ممن ظلوا بعيدين عن الإسلام تعرضوا للشخصية العامة للنبى كواحد من الأبطال والعباقرة الذين أثروا فى مسيرة التاريخ، لكن فئة من هؤلاء كان اطلاعهم على خصائص شخصية الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وفضائلها مدخلا إلى البحث فى الإسلام، ومن ثم إلى إعلان إسلامهم على الملأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 عظمة النبى فى عيون الغربيين فهذا المؤرخ الأوروبى «جيمس ميتشنر» يقول فى مقال تحت عنوان «الشخصية الخارقة» عن النبى- صلّى الله عليه وسلم-: « ... وقد أحدث محمد- صلّى الله عليه وسلم- بشخصيته الخارقة للعادة ثورة فى الجزيرة العربية، وفى الشرق كله، فقد حطم الأصنام بيده، وأقام دينا خالدا يدعو الناس إلى الإيمان بالله وحده» . ويقول الفيلسوف الفرنسى (كارديفو) : «إن محمدا كان هو النبى الملهم والمؤمن، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التى كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذى أسسه بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عمليا حتى على النبى نفسه» . أما الروائى الروسى والفيلسوف الكبير تولتسوى الذى أعجب بالإسلام وتعاليمه فى الزهد والأخلاق والتصوف، فقد انبهر بشخصية النبى- صلّى الله عليه وسلم- وظهر ذلك واضحا على أعماله، فيقول فى مقالة له بعنوان «من هو محمد؟» : «إن محمدا هو مؤسس ورسول، كان من عظاماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنسانى خدمة جليلة، ويكفيه فخرا أنه أهدى أمة برمتها إلى نور الحق، جعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقى والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتى قوة، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال» . كارلايل يرد على النصارى والملحدين ومن هؤلاء الفيلسوف الإنجليزى توماس كارلايل (1795 م- 1881 م) ، فقد خصص فى كتابه (الأبطال وعبادة البطولة) فصلا لنبى الإسلام بعنوان «البطل فى صورة رسول: محمد- الإسلام» ، عد فيه النبى- صلّى الله عليه وسلم- واحدا من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ، وقد رد كارلايل مزاعم المتعصبين حول النبى- صلّى الله عليه وسلم- فقال: «يزعم المتعصبون من النصارى والملحدين أن محمدا لم يكن بريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان. كلا وايم الله!، لقد كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فى فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات، المتورد المقلتين، العظيم النفس المملوء رحمة وخيرا وحنانا وبرا وحكمة وحجى وإربة ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوى، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا وتلك نفس صافية ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين» . وبعد أن يتعرض بالتحليل النفسى لعظمة نبى الإسلام ونبوته وتعاليمه السامية، يقول: «وإنى لأحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع» . النبى المحرّر ولقد وقف الكثير من المفكرين والمستشرقين والفلاسفة الغربيين عند جوهر رسالة الإسلام الخالدة التى جاءت لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان، وتحرير البشرية جمعاء من الشرك والفوضى والعنف والتوحش الذى كان سائدا قبل مجىء الإسلام، ومن ثم نظروا إلى رسالة النبى- صلّى الله عليه وسلم- كرسالة للبشرية بأسرها، لأنها رسالة للتحرر والانعتاق وتكسير قيود الظلم والهوان. من هؤلاء المستشرق الأمريكى إدوارد رمسى الذى قال: «جاء محمد للعالم برسالة الواحد القهار، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فبزغ فجر جديد كان يرى فى الأفق، وفى اليوم الذى أعادت فيه يد المصلح العظيم محمد ما فقد من العدل والحرية أتى الوحى من عند الله إلى رسول كريم، ففتحت حججه العقلية السديدة أعين أمة جاهلة، فانتبه العرب، وتحققوا أنهم كانوا نائمين فى أحضان العبودية» . ويقول الفيلسوف والشاعر الفرنسى لامارتين: «إن ثبات محمد وبقاءة ثلاثة عشر عاما يدعو دعوته فى وسط أعدائه فى قلب مكة ونواحيها، ومجامع أهلها، وإن شهامته وجرأته وصبره فيما لقيه من عبدة الأوثان، وإن حميته فى نشر رسالته، وإن حروبه التى كان جيشه فيما أقل من جيش عدوه، وإن تطلعه فى إعلاء الكلمة، وتأسيس العقيدة الصحيحة لا إلى فتح الدول وإنشاء الإمبراطورية، كل ذلك أدلة على أن محمدا كان وراءه يقين فى قلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وعقيدة صادقة تحرر الإنسانية من الظلم والهوان، وإن هذا اليقين الذى ملأ روحه هو الذى وهبه القوة على أن يرد إلى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة حطمت آلهة كاذبة، ونكست معبودات باطلة، وفتحت طريقا جديدا للفكر فى أحوال الناس، ومهدت سبيلا للنظر فى شؤونهم، فهو فاتح أقطار الفكر، ورائد الإنسان إلى العقل، وناشر العقائد المحررة للإنسان ومؤسس دين لا وثنية فيه» . النبى- صلّى الله عليه وسلم- والفتوحات الإسلامية لقد شاع الفكر الغربى ولدى المتأثرين بتعاليم الكنيسة النصرانية ورواسب الأفكار الشعوبية المنحرفة التى روجتها أوروبا عن الإسلام ونبيه وعن المسلمين إبان وبعد الحروب الصليبية، أن الفتوحات الإسلامية قامت على السيف والقهر والتسلط والقسر، ولم تقم على الكلمة الطيبة والدعوة الرفيقة والعقيدة الواضحة، لكن فئة عادلة من مفكرى الغرب لم يقتنعوا بهذه الشائعات وراحوا يتأملون فى تلك العقيدة العجيبة للمسلمين على نشر دينهم بتلك السرعة المدهشة، وذلك الزحف للدخول الكبير للناس أفواجا فى دين الله، فعادوا إلى رسالة النبى- صلّى الله عليه وسلم- ليجدوا أنها تقوم على الدعوة اللينة لا على القسر الخشن. فالمفكر (لورد هدلى) يقف مندهشا عند معاملة النبى- صلّى الله عليه وسلم- للأسرى من المشركين فى معركة بدر الكبرى، ملاحظا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة، ثم يتساءل: «أفلا يدل هذا على أن محمدا لم يكن متصفا بالقسوة ولا متعطشا للدماء؟، كما يقول خصومه، بل كان دائما يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها، إلى أقصاها وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريق، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه فى الدين، بل أمنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد فى معتقداتهم وطقوسهم الدينية» . ويقول الفيلسوف الفرنسى (وولتر) : «إن السنن التى أتى بها النبى محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها، وجمالها جلب للدين المحمدى غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض، حتى زنوج أواسط أفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندى» . أما العالم الأمريكى مايكل هارت فهو يرد نجاح النبى- صلّى الله عليه وسلم- فى نشر دعوته، وسرعة انتشار الإسلام فى الأرض، إلى سماحة هذا الدين وعظمة أخلاق النبى عليه الصلاة والسلام الذى اختاره على رأس مائة شخصية من الشخصيات التى تركت بصماتها بارزة فى تاريخ البشرية، ويقول: «إن محمدا هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح مطلقا فى المجالين الدينى والدنيوى، وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا» . فضل النبى- صلّى الله عليه وسلم- على الإنسانية والعالم أجمع من الحقائق المسلم بها أن الإسلام جاء دينا للعالمين، لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور ومن الباطل إلى الحق ومن الجور إلى العدل ومن الفجور إلى التقوى، وكان له الفضل الكبير على الفلسفات والأفكار والقوانين والشرائع الأرضية التى استمدت منه روح العدل والمساواة والتسامح والاعتدال والحرية والأخوة الإنسانية. وقد أقر العديد من فلاسفة الغرب بهذه الحقيقة فى وقت مارى فيها آخرون وأشاعوا ترهات غير منطقية وغير موضوعية عن الإسلام، ونسبوا ما جاء به من تعاليم وتشريعات إلى نواميس سابقة عليه، وإلى القانون الوضعى الرومانى، وهى ترهات كفى الغربيون المنصفون المسلمين مهمة الرد عليها بأسس علمية. كما أثبت الباحثون المسلمون عوارها وتساقطها وإغراضها. يقول الفيلسوف والكاتب الإنجليزى المعروف برنارد شو: «إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وبدأت تعيش دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمها بها من أراجيف رجال أوروبا فى العصور الوسطى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ويضيف قائلا: «ولذلك يمكننى أن أؤكد نبوءتى فأقول: إن بوادر العصر الإسلامى الأوروبى قريبة لا محالة، وإنى أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق فى العالم بأجمعه اليوم، لتم له النجاح فى حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة» . ويفند المؤرخ الأوروبى روبرت بريغال مزاعم الغربيين عن تأثر الإسلام بالتشريعات اليونانية الرومانية، فيقول: «إن النور الذى أشعلت منه الحضارة فى عالمنا الغربى لم تشرق جذوته من الثقافة اليونانية الرومانية التى استخفت بين خرائب أوروبا، ولا من البحر الميت على البوسفور (يعنى بيزنطة) ، وإنما بزغ من المسلمين، ولم تكن إيطاليا مصدر الحياة فى أوروبا الجديدة، بل الأندلس الإسلامية» ، إلى أن يقول: «إن هذه الحقيقة التاريخية لا يمكن للغرب إنكارها مهما أوغل فى التعصب، واستخف به العناد. إن دين أوروبا لمحمد رسول الإسلام غريب ألا يجد محل الصدارة فى نسق التاريخ المسيحى» . أما وليام موير المؤرخ الإنجليزى فيقول فى كتابه (حياة محمد) : «لقد امتاز محمد- عليه السّلام- بوضوح كلامه، ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل نبى الإسلام محمد» . هذه مقتطفات من مواقف فلاسفة ومستشرقين أوروبيين وغربيين فى حق المصطفى محمد- صلّى الله عليه وسلم- النبى الخاتم، أردنا منها إثبات أن أبناء الحضارة الغربية يقرون بدور الإسلام فى بنائها وتشييد صروحها، وبنبوة محمد- صلّى الله عليه وسلم- وصفاته الحميدة وفضله المتصل إلى يوم القيامة على البشرية فى جميع أقطار المعمور، ذلك أن التعصب الأوروبى المسيحى لم يكن خطا صاعدا باستمرار، وإنما وجد هناك منصفون أكدوا الحقيقة بلا لف أو دوران، ولكن الثقافة الغربية السائدة والمتشبعة بقيم التعصب والعناد والتمركز الحضارى حول الذات سعت إلى حجب هذه الحقائق وإخفاء هذه الأصوات حتى لا يتمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الشخص الأوروبى العادى من الإطلاع على ما بثه أبناء جلدته من الكبار فى حق الإسلام ونبيه ورسالته العالمية الخالدة، وذلك كله بهدف تحقيق غرضين، الأول إبعاد الأوروبيين المسيحيين عن الإسلام الذى دلل على قدرته على التغلغل فى النفوس وملامسة صوت الفطرة فى الإنسان، فهو يخيف الغرب المتوجس من تراجع عدد معتنقى المسيحية فى العالم، برغم ما ينفقه من الأموال والوقت لتنصير الشعوب، والغرض الثانى ضمان استمرار الصراع بين الغرب والإسلام والقطيعة بينهما لمصلحة الصهيونية والماسونية التى تعتبر نفسها المتضرر الأول والرئيسى من أى تقارب أو حوار بين الإسلام والغرب. وصدق الله العظيم إذ يقول: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (فصلت: 53، 54) . مراجع: مؤثرات عربية وإسلامية فى الأدب الروسى: مكارم الغمرى، عالم المعرفة (الكويت) العدد 155 نوفمبر 1991. الإسلام والمسيحية: أليسكى جورافسكى، ترجمة خلف الجراد. عالم المعرفة (الكويت) العدد 215، نوفمبر/ تشرين الثانى 1996. الأبطال: توماس كارلايل. ترجمة محمد السباعى. كتاب الهلال. العدد 326 صفر 398 فبراير 1978. مجلة دعوة الحق (وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الرباط- المملكة الغربية- العدد 351- 352، محرم 1421- أبريل 2000) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 3- شهادات غربية منصفة وهذه شخصيات أخرى منصفة وإن كانت غربية محمد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- «إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان الرجل الوحيد فى التاريخ الذى نجح بشكل أسمى وأبرز فى كلا المستويين الدينى والدنيوى ... إن هذا الاتحاد الفريد الذى لا نظير له للتأثير الدينى والدنيوى معا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير فى تاريخ البشرية» . (العالم الأمريكى مايكل هارث) إبراهيم خليل أحمد «هذه حقيقة يثبتها التاريخ: فبينما كان العالم الشرقى والعالم الغربى بفلسفاتهما العقيمة يعيشان فى دياجير ظلام الفكر وفساد العبادة، بزع من مكة المكرمة فى شخص محمد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، نور وضاء أضاء على العالم فهداه إلى الإسلام» «1» . «إن سيدنا عيسى- عليه السّلام- يتنبأ عن الرسول الكريم- صلّى الله عليه وسلم- بقوله: «وأما متى جاء ذاك: روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية» «2» ... » «3» .   (1) محمد فى التوراة والإنجيل والقرآن، ص 47. (2) إنجيل يوحنا، 16: 12، (3) محمد فى التوراة والإنجيل والقرآن، ص 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 «يقول برنابا: «سيأتى مسيا (أى الرسول) المرسل من الله لكل العالم، وحينئذ يسجد لله فى كل العالم وتنال الرحمة..» «1» ..» «2» . « ... كلمة إنجيل كلمة يونانية تعنى بشارة، ولعل هذا هو الذى نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السّلام، أنه كن بشرى من الله للرحمة، وبشرى بتبشيره عن المسيا الذى سيأتى للعالمين هدى ورحمة، ألا وهو الرسول الكريم سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم-» «3» . «يقول عيسى- عليه السّلام- كما جاء فى إنجيل برنابا: «لأن الله سيصعّدنى من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إيّاى. ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث لنا فى ذلك العار زمنا طويلا فى العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عنى هذه الوصمة» «4» ..» «5» .   (1) إنجيل برنابا، 82- 16- 18. (2) محمد فى التوراة، ص 105. (3) نفسه، ص 114. (4) إنجيل برنابا، 80112- 16. (5) محمد فى التوراة، ص 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 آرنولد وهيا معا لنسمع شهادات أخرى معترفة بالحق « ... لعله من المتوقع، بطبيعة الحال، أن تكون حياة مؤسس الإسلام ومنشيء الدعوة الإسلامية- صلّى الله عليه وسلم-، هى الصورة الحقة لنشاط الدعوة إلى هذا الدين. وإذا كانت حياة النبى- صلّى الله عليه وسلم- هى مقياس سلوك عامة المؤمنين، فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة الإسلام. لذلك نرجو من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئا عن الروح التى دفعت الذين عملوا على الاقتداء به، وعن الوسائل التى ينتظر أن يتخذوها. ذلك أن روح الدعوة إلى الإسلام لم تجىء فى تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر، وإنما هى قديمة قدم العقيدة ذاتها. وفى هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبى محمد صلّى الله عليه وسلم- يعد نموذجا للداعى إلى الإسلام ... » «1» . «.. من الخطأ أن نفترض أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- فى المدينة قد طرح مهمة الداعى إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره، انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق الدين..» «2» . « ... إن المعاملة الحسنة التى تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبى- صلّى الله عليه وسلم واهتمامه بالنظر فى شكاياتهم، والحكمة التى كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التى أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف فى جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه مألوفا لديهم، كما جعل صيته ذائعا فى كافة أنحاء شبه الجزيرة سيدا عظيما ورجلا كريما. وكثيرا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبى- صلّى الله عليه وسلم- بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيا إلى الإسلام جادا فى تحويل إخوانه إليه..» «3» .   (1) نفس الدعوة إلى الإسلام، 34. (2) نفسه، ص 54. (3) نفسه، ص 55، عن.Muir (sir Wiliam) :Life Of Mahomet ,pp. 107 -8 (London ,1858 -,l ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 واشنجتون إيرفنج «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله» «1» . «كانت تصرفات الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فى «أعقاب فتح» مكة تدل على أنه نبى مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح فى مركز قوى. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو» «2» . «لقى الرسول- صلّى الله عليه وسلم- من أجل نشر الإسلام كثيرا من العناء، وبذل عدة تضحيات. فقد شك الكثير فى صدق دعوته، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحا كبيرا، وتعرض خلال إبلاغ الوحى إلى الإهانات والاعتداآت والاضطهادات، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعى وراء الثراء من أجل نشر العقيدة» «3» . «برغم انتصارات الرسول- صلّى الله عليه وسلم- العسكرية لم تثر هذه الانتصارات كبرياءه أو غروره، فقد كان يحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصية، وحتى فى أوج مجده حافظ الرسول- صلّى الله عليه وسلم- على بساطته وتواضعه، فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا فى الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها كانت دولة الإسلام، وقد حكم فيها بالعدل، ولم يفكر أن يجعل الحكم فيها وراثيا لأسرته» «4» . «كان الرسول- صلّى الله عليه وسلم- ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع فى يديه من غنائم فى سبيل انتصار الإسلام، وفى معاونه فقراء المسلمين، وكثيرا ما كان ينفق فى سبيل ذلك آخر درهم فى بيت المال ... وهو لم يخلف وراءه دينارا أو درهما أو رقيقا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض فى الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة» «5» .   (1) حياة محمد، ص 72. (2) حياة محمد، ص 72. (3) نفسه ص 300. (4) نفسه، ص 302، 303. (5) نفسه، ص 303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بارت «1» «كان من بين ممثلى حركة التنوير من رأوا فى النبى العربى- صلّى الله عليه وسلم- أدلة الله، ومشرعا حكيما، ورسولا للفضيلة، وناطقا بكلمة الدين الفطرى، مبشرا به» «2» . «كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة فى بوادى وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فسادا. حتى أتى محمد- صلّى الله عليه وسلم- ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم فى كيان واحد متجانس» «3» . بروى «4» «جاء محمد بن عبد الله- صلّى الله عليه وسلم-، النبى العربى وخاتم النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة (فى دعوته) لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد أعداء المسلمين ... ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبض النبى العربى- صلّى الله عليه وسلم-، عام 632 م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعى يسمو كثيرا فوق النظام القبلى الذى كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم فى وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل ... » «5» .   (1) رودى بارت Rudi ,Part: عالم ألمانى معاصر، اضطلع بالدراسات الشرقية فى جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة علوم العربية والإسلام، وصنف فيها عددا كبيرا من الأعمال، منها ترجمته للقرآن الكريم التى استغرقت منه عشرات السنين وأصدرها بين عامى 1963 و 1966، وله كتاب عن النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم-. (2) الدراسات العربية والإسلامية فى الجامعات الألمانية، ص 15. (3) نفسه، ص 20. (4) إدوار بروى Edourd Perroy: باحث فرنسى معاصر، وأستاذ فى السربون. (5) تاريخ الحضارات العام، 3/ 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بلاشير « ... إن معجزة النبى- عليه الصلاة والسلام- الحقيقة والوحيدة هى إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهى حمل النور إلى عرب الحجاز فى أوائل القرن السابع؟ إن محمدا- عليه الصلاة والسلام- لا يبدو فى القرآن إطلاقا، منعما عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع فى نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هى حاجاتهم، وهو يصرّح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (الكهف: 110) . وهو لم يتلق أى قدرة على صنع المعجزات، ولكنه انتخب ليكون منذرا ومبشرا للكافرين. إن نجاح رسالته مرتبط إذن فى قيمتها الإحيائية وإلى شكلها المنقطع النظير. ولم يكن محمد- عليه الصلاة والسلام- رغم ذلك، صاحب بيان ولا شاعرا، فإن الأخبار التى روت سيرته لم تحسن الاحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية، وثمة عوامل تحملنا على الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع، أو أنه تلقى من السماء فنّ ارتجال الشعر. وعندما قال عنه المكّيّون المشركون إنه شاعر، أو حين عرّضوا بأن مصدر الوحى جنّى معروف أزال الله عنه هذه التهمة: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (يس 69: 70) ، وهكذا يطرح هذا الوحى البالغ جماله حد الإعجاز، الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية، كظاهرة لا علاقة لها بالفصاحة ولا الشعر» «2» . (1) تاريخ الأدب العربى، 2/ 14- 15.   (2) نفسه، 2/ 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 مارسيل بوازار «سبق أن كتب كل شيء عن نبى الإسلام- صلّى الله عليه وسلم-، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التى نعرفها فى أدق تفاصيلها. والصورة التى خلفها محمد- صلّى الله عليه وسلم- عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية فى الحدود التى تكشف فيها وهى تندمج فى ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الدينى وتتيح إدراك عظمته الحقيقية ... » «1» . «لم يكن محمد- صلّى الله عليه وسلم- على الصعيد التاريخى مبشرا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت فى تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق ... » «2» . «منذ استقر النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى المدينة، غدت حياته جزآ لا ينفصل من التاريخ الإسلامى. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته فى أدق تفاصيلها.. ولما كان منظما شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية فى الدفاع عن المجتمع الإسلامى الجنينى، وفى بث الدعوة ... وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبى الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامى فى إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحى للإسلام ... وكما يظهر التاريخ الرسول- صلّى الله عليه وسلم- قائدا عظيما ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحا قوى الشكيمة له سياسته الحكيمة التى تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطى كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات فى الوقت الذى كان   (1) إنسانية الإسلام، ص 40- 41. (2) نفسه، ص 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 النصر العسكرى قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرا على الصعيد النفسانى هشاشة السلطان الذى كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التى كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلى بها، استطعنا أن نستخلص أنه لا بدّ أن يكون محمد- صلّى الله عليه وسلم- الذى عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانا فوق مستوى البشر حقا، وأنه لابد أن يكون نبيا حقيقيا من أنبياء الله» «1» . « ... لقد كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- نبيا لا مصلحا اجتماعيا. وأحدثت رسالته فى المجتمع العربى القائم آنذاك تغييرات أساسية لا تزال آثارها ماثلة فى المجتمع الإسلامى المعاصر..» «2» . « ... مما لا ريب فيه أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- قد اعتبر، بل كان فى الواقع، ثائرا فى النطاق الذى كان فيه كل نبى ثائرا بوصفه نبيا، أى بمحاولته تغيير المحيط الذى يعيش فيه..» «3» .   (1) إنسانية الإسلام، ص 46. (2) نفسه، ص 61. (3) نفسه، ص 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 توينبى «1» «لقد كرّس محمد- صلّى الله عليه وسلم- حياته لتحقيق رسالته فى كفالة هذين المظهرين فى البيئة الاجتماعية العربية (وهما الوحدانية فى الفكرة الدينية، والقانون والنظام فى الحكم) . وتم ذلك فعلا بفضل نظام الإسلام الشامل الذى ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم بأسره من سواحل الأطلسى إلى شواطئ السهب الأوراسى ... » «2» . « ... لقد أخذت سيرة الرسول العربى- صلّى الله عليه وسلم- بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فامنوا برسالته إيمانا جعلهم يتقبلون ما أوحى به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا فى بداية الأمر يفوقونهم عددا» «3» .   (1) آرنولد توينبى Arnold Toynbee: المؤرخ البريطانى المعاصر، الذى انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها- ولا ريب- مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذى شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثنى عشر جزآ عرض فيها توينبى لرؤيته الحضارية للتاريخ، ولقد وضع المستر سومر فيل- تحت إشراف توينبى نفسه- مختصرا فى جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدما عباراته الأصلية فى معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذى ترجم إلى العربية فى أربعة أجزاء، وهو الذى اعتمدناه هنا. (2) مختصر دراسة للتاريخ 10/ 381. (3) نفسه، 3/ 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فيليب حتى «إن اللغة العربية هى لغة القرآن التى كانت الأساس الذى قامت عليه أمة جديدة أخرجت للناس، أمة جاءت بها بعثة محمد- صلّى الله عليه وسلم- من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل أن تجتمع على رأى واحد. وهكذا استطاع رسول الإسلام- صلّى الله عليه وسلم- أن يضيف حدا جديدا (رابعا) إلى المأثرة الحضارية ذات الحدود الثلاثة من الدين والدولة والثقافة، ذلك الحد الرابع الجديد كان (إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات) ... » «1» . «إن إقامة الأخوة فى الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعى كان فى الحقيقة عملا جريئا جديدا قام به النبى العربى- صلّى الله عليه وسلم-..» «2» . «فى الكتاب المعاصرين لنا نفر يحاولون أن يكتشفوا الأعمال الباهرة «التى حققها محمد- صلّى الله عليه وسلم-) أو أن يعالجوا حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسى، فلا يزيدون على أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الآراء الهوائية أحكاما من زيف العلم..» «3» . «صفات محمد- صلّى الله عليه وسلم- مثبتة فى القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد فى كل مصدر آخر. إن المعارك التى خاضها والأحكام التى أبرمها والأعمال التى قام بها لا تترك مجالا للريب فى الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص   (1) الإسلام منهج حياة، ص 19- 20. (2) نفسه، ص 51. (3) نفسه، ص 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 البالغ وغير ذلك من الصفات التى خلقت الرجال القادة فى التاريخ. ومع أنه كان فى دور من أدوار حياته يتيما فقيرا، فقد كان فى قلبه دائما سعة لمواساة المحرومين فى الحياة» «1» . «إذا نحن نظرنا إلى محمد- صلّى الله عليه وسلم- من خلال الأعمال التى حققها، فإن محمدا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدا من أقدر الرجال فى جميع أحقاب التاريخ، لقد نشر دينا هو الإسلام، وأسس دولة هى الخلافة، ووضع أساس حضارة هى الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هى الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة فى حياة الملايين من البشر» «2» . جورج حنا «.. كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- يخرج من سويعات (لقائه مع جبريل عليه السّلام) بايات تنطق بالحكمة، داعيا قومه إلى الرجوع من غيّهم، والإيمان بالإله الواحد الكلّى القدرة، صابّا النقمة على الآلهة الصنمية، التى كان القوم يعبدونها فكان طبيعيا أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر، لما كان فى دعوته من خطر على زعامتهم، وهى ما كانت قائمة إلا على التعبد للأصنام التى جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها. لكن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يكن يهادن فى بث دعوته، ولم يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له، بل كان يتحداهم، فيزدادون حقدا عليه وتامرا على حياته. فلم تلبث دعوته حتى تحولت من دعوة   (1) الإسلام منهج حياة، ص 54. (2) نفسه، ص 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 سلمية إلى دعوة نضالية. إنه لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى فى طريقه غير هيّاب، فى يده الواحدة رسالة هداية، يهدى بها من سالموه، وفى يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل فى بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير ... كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التى انطلقت منها رسالة محمد- صلّى الله عليه وسلم- «1» . «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى المدينة أكثر اطمئنانا على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان فى مكة.. كانت يثرب مدينة العامة التابعة، لا مدينة الخاصة المتبوعة. والعامة دائما أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة، لاسيما إذا كانت كلمة الحق هذه، تحررها من عبوديتها للخاصة» «2» . «محمد بن عبد الله- صلّى الله عليه وسلم- كان ثائرا، عندما أبى أن يماشى أهل الصحراء فى عبادة الأصنام وفى عاداتهم الهمجية وفى مجتمعهم البربرى. فأضرمها حربا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال فى نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر فى أقطار المعمورة» «3» .   (1) قصة الإنسان، ص 76. (2) نفسه، ص 77. (3) نفسه، ص 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 أميل درمنغم «.. إذا كانت كل نفس بشرية تنطوى على عبرة وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بنى الإنسان!» «1» . « ... ولد لمحمد- صلّى الله عليه وسلم-، من مارية القبطية ابنه إبراهيم فمات طفلا، فحزن عليه كثيرا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ... » فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال ... » «2» . « ... تجلت بهذه الرحلة (حجة الوداع) ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبى الذى أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبى الذى جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة ... » «3» . «إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- الذى خلق للقيادة لم يطالب معاصريه بغير ما يفرض عليهم من الطاعة لرجل يبلّغهم رسالات الله، فهو بذلك واسطة بين الله رب العالمين والناس أجمعين.. وكان ينهى من عدّه ملكا ... ولقد نال السلطان والثراء والمجد، ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلام رجل على أعظم   (1) حياة محمد، ص 8. (2) نفسه، ص 318. (3) نفسه، ص 359. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الغنائم، ومما كان يمضه عجز كثير من الناس عن إدراك كنه رسالته..» «1» . « ... الحق أن النبى- صلّى الله عليه وسلم- لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحى إليه فى غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت فى رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطى. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحسّ ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية» «2» .   (1) حياة محمد، ص 360. (2) نفسه، ص 368- 369. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 درّانى «1» «أستطيع أن أقول بكل قوة أنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل فى نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد- صلّى الله عليه وسلم- لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة الطيبة التى أرسلها الله رحمة لنا وحبا بنا حتى نقتفى أثره» «2» . « ... وأخيرا أخذت أدرس حياة النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم- فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الربانى الذى أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة، وأصبحت تلك الأمة، التى لم تنجب رجلا عظيما واحدا يستحق الذكر منذ عدة قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفا من النفوس الكريمة التى انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه ونظام الحياة الإسلامية وتعلم الناس أمور الدين الجديد» «3» . « ... تحمل- صلّى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر عاما كاملة من المتاعب (فى مكة) دون انقطاع، وثمانى سنوات «4» (فى المدينة) دون توقف، فتحمل ذلك كله، فلم يتزحزح شعرة عن موقفه، وكان صامدا، رابط الجأش، صلبا فى أهدافه   (1) الدكتور م. ج درّانى Dr.M.H.Durrani: سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيا فى فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحا من حياته فى كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث جاءه الإسلام «كما يأتى فصل الربيع» ، فعاد إلى دين آبائه وأجداده. (2) رجال ونساء أسلموا، 4/ 27- 28. (3) نفسه، 4/ 28- 29. (4) بل عشر سنوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وموقفه. عرضت عليه أمته أن تنصبه ملكا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات البلاد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته. فرفض هذه الإغراآت كلها فاختار بدلا من ذلك أن يعانى من أجل دعوته. لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدا للثروات والجاه والملك والمجد والراحة والدعة والرخاء؟ لابدّ أن يفكر المرء فى ذلك بعمق شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه» «1» . «هل بوسع المرء أن يتصور مثالا للتضحية بالنفس وحب الغير والرأفة بالآخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجلا يقضى على سعادته الشخصية لصالح الآخرين، بينما يقوم هؤلاء القوم أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده فى سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والإساءة إليه ونفيه وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى فى منفاه، وأنه رغم كل ذلك يرفض أن يكف عن السعى لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة السعى لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة مزيفة؟ هل يستطيع أى مدخول غير مخلص ... أن يبدى هذا الثبات والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل أو تعثر أمام الأخطار وصنوف التعذيب التى يمكن تصورها وقد قامت عليه البلاد بأكملها وحملت السلاح ضده؟» «2» . «إن هذه الإيمان وهذا السعى وهذا التصميم والعزم الذى قاد به محمد- صلّى الله عليه وسلم- حركته حتى النصر النهائى، إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق فى دعوته. إذ لو كانت فى نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدا أن يصمد أمام العاصفة التى استمرّ أوارها أكثر من عشرين عاما كاملة، هل بعد هذا من برهان على صدق كامل فى الهدف واستقامة فى الخلق وسموّ فى النفس كل هذه العوامل تؤدى لا محالة إلى الاستنتاج الذى لا مفر منه وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقا. هذا هو نبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم- إذ كان آية فى   (1) رجال ونساء أسلمو، 4/ 29- 30. (2) نفسه، 4/ 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 صفاته النادرة ونموذجا كاملا للفضيلة والخير، ورمزا للصدق والإخلاخص ... (إن) حياته وأفكاره وصدقه واستقامته، وتقواه وجوده، وعقيدته ومنجزاته، كل ذلك براهين فريدة على نبوته. فأى إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقا من عند الله، وأن القرآن الذى جاء به للناس هو كتاب الله حقا، وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لابدّ أن يصل إلى هذا الحكم» «1» . سانتيلانا «2» «ما كان من محمد- صلّى الله عليه وسلم- إلا أن تناول المجتمع العربى هدما من أصوله وجذوره وشاد صرحا اجتماعيا جديدا ... هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خالدون) النفاذة الثاقبة. إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- هدم شكل القبيلة والأسرة المعروفين آنذاك، ومحا منه الشخصية الفردية Gentes والموالاة والجماعة المتحالفة. من يعتنق دين الإسلام عليه أن ينسى روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته، إلا إذا كانوا يعتنقون دينه (إخوته فى الإيمان) . فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول لهم كما قال إبراهيم- عليه السّلام- لأهله ما معناه: «لقد تقطعت بيننا الأسباب ... » «3» . «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- رسول الله إلى الشعوب الآخرى، كما كان رسول الله إلى العرب» «4» .   (1) رجال ونساء أسلموا 4/ 30- 31. (2) دافيد دى سانتيلانا David de Santillana: (1931 -1845) ولد فى تونس، ودرس فى روما، أحرز الدكتوراه فى القانون، فدعاه المقيم العام الفرنسى فى تونس لدراسة وتدوين القوانين التونسية، فوضع القانونين المدنى والتجارى معتمدا بذلك على قواعد الشريعة الإسلامية ومنسقا إياهما بحسب القوانين الأوروبية. كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكى والشافعى، وفى سنة 1910 عين أستاذا لتاريخ الفلسفة فى الجامعة المصرية، وله محاضرات قيمة فيها. ثم استدعته جامعة روما لتدريس التاريخ الإسلامى. من آثاره: (ترجمة وشرح الأحكام المالكية) ، كتاب (الفقه الإسلامى ومقارنته بالمذهب الشافعى) .. إلخ. (3) تراث الإسلام (إشراف سير توماس آرنولد) ، ص 405- 406. (4) نفسه، ص 406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 هنرى دى فاسترى «إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر إلى الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبى- صلّى الله عليه وسلم- ولذلك قصدت أن يكون بحثى أولا فى تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية علّنى أجد فى هذا البحث دليلا جديدا على صدقه وأمانته المتفق تقريبا عليها بين جميع مؤرخى الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحى» «1» . «ثبت إذن أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يقرأ كتابا مقدسا ولم يسترشد فى دينه بمذهب متقدم عليه..» «2» . «.. ولقد نعلم أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلاما نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكى يهرب من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذى ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة فى جسمه- صلّى الله عليه وسلم- ولعمرى فيم كان يفكر ذلك الرجل الذى بلغ الأربعين وهو فى ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا فى العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك ... إلا أن يقول مرارا ويعيد تكرارا هذه الكلمات (الله أحد الله أحد) . كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد..» «3» . «.. لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل المتكلمون من المسيحيين لأمكننا الوقوف على حالة مشيد دعائم الإسلام وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين.. ومن الصعب أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل- عليه السّلام   (1) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 6. (2) نفسه، ص 16. (3) نفسه، ص 16- 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 - ... إلا أن معرفة هذه الحقيقة لا تغير موضوع المسألة لأن الصدق حاصل فى كل حال» «1» . «لا يمكن أن ننكر أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- فى الدور الأول من حياته فى كمال إيمانه وإخلاص صدقه، فأما الإيمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه الدور الثانى (الدور المدنى) وما أوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على الإيمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغا لا محل للزيادة فيه.. وما كان يميل إلى الزخارف ولم يكن شحيحا.. وكان قنوعا خرج من (الدنيا) ولم يشبع من خبز الشعير مرة فى حياته.. تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الأعلى فى بلاد العرب ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرا ولا حشما، وقد احتقر المال ... » «2» .   (1) نفسه، ص 21. (2) نفسه، ص 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 اينين ديتيه «إن الشخصية التى حملها محمد- صلّى الله عليه وسلم- بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوى جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد ... » «1» . «إن نبى الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذى لم يعتمد فى إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى إلا بلاغه التنزيل الحكيم» ..» «2» . «.. إن سنة الرسول الغرّاء- صلّى الله عليه وسلم- باقية إلى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص دينى تفيض به نفوس (مئات الملايين) من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة «3» . «كان النبى- صلّى الله عليه وسلم- يعنى بنفسه عناية تامة، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال، وكان ينظر نفسه فى المرآة.. ليمتشط أو ليسوى طيات عماماته.. وهو فى كل ذلك يريد من حسن منظره البشرى أن يروق الخالق سبحانه وتعالى..» «4» . «لقد دعا عيسى- عليه السّلام- إلى المساواة والأخوة، أما محمد- صلّى الله عليه وسلم- فوفق إلى (تحقيق) المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته» «5» .   (1) أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 15. (2) نفسه، ص 16. (3) محمد رسول الله، ص 51. (4) نفسه، ص 312. (5) نفسه، ص 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ول يورانت «يبدو أن أحدا لم يعن بتعليم محمد- صلّى الله عليه وسلم- القراءة والكتابة.. ولم يعرف عنه أنه كتب شيئا بنفسه ... ولكن هذا لم يحل بينه وبين قدرته على ما تعرف شؤون الناس تعرفا قلّما يصل إليه أرقى الناس تعليما» «1» . «كان النبى- صلّى الله عليه وسلم- من مهرة القواد.. ولكنه كان إلى هذا سياسيا محنكا، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم» «2» . «إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر فى الناس قلنا إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان من أعظم عظاماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحى، والأخلاقى لشعب ألقت به فى دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح فى تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أى مصلح آخر فى التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانا غيره حقق ما كان يحلم به.. ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب فى أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذى سلكوه.. وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة، وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينا سهلا واضحا قويا، وصرحا خلقيا قوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع فى جيل واحد أن ينتصر فى مائة معركة، وفى قرن واحد أن ينشيء دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم فى نصف العالم» «3» .   (1) قصة الحضارة، 13/ 21- 22 (2) نفسه، 13/ 38. (3) نفسه، 13/ 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 «.. لسنا نجد فى التاريخ كله مصلحا فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد- صلّى الله عليه وسلم- لإعانة الفقراء..» «1» . «تدل الأحاديث النبوية على أن النبى- صلّى الله عليه وسلم- كان يحث على طلب العلم ويعجب به، فهو من هذه الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين..» «2» . ردونسن «3» «.. بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين فى القرن الثامن عشر) بدأت تتكمل معالم صورة هى صورة محمد- صلّى الله عليه وسلم- الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع» «4» .   (1) نفسه، 13/ 59. (2) نفسه، 13/ 167. (3) مكسيم رودنسن: ولد عام 1915، من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس، ثم مديرها. من آثاره: (مباحث فى فن الطبخ عند العرب) (1949) . ونشر عددا من الدراسات فى المجالات المعروفة من مثل (دانتى والإسلام) ، و (حياة محمد والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بأصول الإسلام) ، و (دراسة الصلات بين الإسلام والشيوعية) . (4) تراث الإسلام، (تصنيف شاخت وبوزوث) ، 1/ 67- 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فرانز روزنثال «إن أفكار الرسول- صلّى الله عليه وسلم- التى تلقاها وحيا أو التى أدى إليها اجتهاده نشّطت دراسة التاريخ نشاطا لا مزيد عليه، فقد أصبحت أعمال الأفراد وأحداث الماضى وحوادث كافة شعوب الأرض أمورا ذات أهمية دينية، كما أن شخصية الرسول- صلّى الله عليه وسلم- كانت خطا فاصلا واضحا فى كل مجرى التاريخ، ولم يتخط علم التاريخ الإسلامى هذا الخط قط..» «1» . «تبقى حقيقة، هى أن الرسول- صلّى الله عليه وسلم- نفسه وضع البذور التى نجنى منها اهتماما واسعا بالتاريخ.. لقد كان التاريخ يملأ تفكير الرسول- صلّى الله عليه وسلم- لدرجة كبيرة، وقد ساعد عمله من حيث العموم فى تقديم نمو التاريخ الإسلامى فى المستقبل، رغم أن الرسول- صلّى الله عليه وسلم- لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذى سيتم باسم دينه» «2» . جاك ريسلر «القرآن يكمله الحديث الذى يعد سلسلة من الأقول بأعمال النبى- صلّى الله عليه وسلم- وإرشاداته. وفى الحديث يجد المرء ما كان يدور بخلد النبى- صلّى الله عليه وسلم-، العنصر الأساسى من سلوكه أمام الحقائق المتغيرة فى الحياة، هذه الأقوال، أو هذه الأحاديث التى يشكل مجموعها السنة دونت مما روى عن الصحابة- رضى الله عنهم- أو نقل مع التمحيص الشديد فى اختيارها وهكذا جمع عدد كبير من الأحاديث ... والسنة هى المبينة للقرآن التى لا غنى عنها للقرآن..» «3» .   (1) علم التاريخ عند المسلمين، ص 40. (2) نفسه، ص 45. (3) الحضارة العربية، ص 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 «.. كان لزاما على محمد- صلّى الله عليه وسلم- أن يبرز فى أقصر وقت ممكن تفوّق الشعب العربى عندما أنعم الله عليه بدين سام فى بساطته ووضوحه، وكذلك بمذهبه الصارم فى التوحيد فى مواجهة التردد الدائم للعقائد الدينية. وإذا ما عرفنا أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق فى أقصر أجل أعظم أمل لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- يظل فى عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم تاريخ الشعوب والأديان» «1» . جورج سارتون «صدع الرسول- صلّى الله عليه وسلم- بالدعوة نحو عام 610 م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين- عليهم السلام- ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدا وفقيها ومشرعا ورجلا عمليّا..» «2» . «إنه لم يتح لنبى من قبل ... أن ينتصر انتصارا تاما كانتصار محمد- صلّى الله عليه وسلم- ... » «3» . «.. لم يكن محمد- صلّى الله عليه وسلم- نبى الإسلام فحسب، بل نبى اللغة العربية والثقافة العربية، على اختلاف أجناس المتكلمين بها وأديانهم» «4» .   (1) الحضارة العربية، ص 37. (2) الثقافة الغربية فى رعاية الشرق الأوسط، ص 29- 30- 31. (3) نفسه، ص 43. (4) نفسه، ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 نصرى سلهب «فى مكة.. أبصر النور طفل لم يمرّ ببال أمه، ساعة ولادته، أنه سيكون أحد أعظم الرجال فى العالم بل فى التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقا..» «1» . «هنا عظمة محمد- صلّى الله عليه وسلم-. لقد استطاع، خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يحدث شريعة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد فى التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة» «2» . «.. هذا الرجل الذى ما عرف الهدوء ولا الراحة ولا الاستقرار، استطاع وسط ذلك الخضم الهائج، أن يرسى قواعد دولة، وأن يشرّع قوانين ويسنّ أنظمة، ويجود بالتفسير والاجتهادات ... ولم ينس أنه أب وجد لأولاد وأحفاد، فلم يحرمهم عطفه وحنانه، فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلات، المتعددة الأبعاد والجوانب، الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات، وبما حباها من إمكانات، كل بذلك كله، عالما قائما بنفسه» «3» . «تراثك يا ابن عبد الله ينبغى أن يحيا، لا فى النفوس والقلوب فحسب، بل فى واقع الحياة، فيما يعانى البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس. كل سؤال له عندك جواب. كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت، نجد لها فى آثارك حلّا» «4» . «.. لم يكن النبى- صلّى الله عليه وسلم- رسولا وحسب، يهدى الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيما وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد» «5» .   (1) فى خطى محمد، ص 42. (2) نفسه، ص 196. (3) نفسه، ص 273- 274. (4) نفسه، ص 396. (5) نفسه، ص 409. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 أحمد سوسة «.. أى غاية أسمى وأقرب إلى الإنسانية ودين الله من تلكم الغاية التى كان يرمى إليها الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فى توحيد القلوب وإظهار الحقيقة؟ لنتصور محمدا- صلّى الله عليه وسلم- وهو يملى على أهل الكتاب وحى الله قائلا: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 64) ..» «1» . «إن نبى الإسلام شخصية تاريخية مبجلة. ما حياة الرسول- صلّى الله عليه وسلم- سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامى من الحلقة الإنسانية..» «2» . «.. كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- أنموذجا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالا كاملا للأمانة والاستقامة وإن تضحياته فى سبيل بث الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده، وعظمة شخصيته وقدسية نبوته» «3» . «إن التاريخ ينبئنا أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- ضحّى بكل شيء من أجل رسالته إذ أتيحت له مرات فرصة الاختيار بين أمرين أولهما حياة راحة وهناء وغنى على أن ينبذ (دعوته) وثانيهما حياة عسر واضطهاد مقرونة بنشر رسالته، وقد فضل الأمر الثانى لأن إيمانه برسالته كان قويا وكان قد أوحى إليه بأنه قد اختاره ربه لبث هذه الرسالة على الإنسانية جمعاء فكان ما أراد الله له» «4» .   (1) كان مسيحيا فأسلم انظر كتابه «فى طريقى إلى الإسلام» ، 1/ 72- 73. (2) نفسه، ص 1/ 174. (3) نفسه، ص 1/ 174- 175. (4) نفسه، 2/ 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 لويس سيديو «لقد حل الوقت الذى توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التى كانت مجهولة الأمر فى زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون. ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد، هو محمد- صلّى الله عليه وسلم-..» «1» . «.. لم يعد محمد- صلّى الله عليه وسلم- نفسه غير خاتم لأنبياء الله- عليهم السلام- وهو قد أعلن أن عيسى ابن مريم كان ذا موهبة فى الإتيان بالمعجزات، مع أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يعط مثل هذه الموهبة، وما أكثر ما كان يعترض محتجا على بعض ما يعزوه إليه أشد أتباعه حماسة من الأعمال الخارقة للعادة!» «2» . «.. إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- أثبت خلود الروح.. وهو مبدأ من أقوم مبادئ الأخلاق. ومن مفاخر محمد- صلّى الله عليه وسلم- أن أظهره قويا أكثر مما أظهره أى مشرّع آخر ... » «3» . «.. ما أكثر ما عرض محمد- صلّى الله عليه وسلم- حياته للخطر انتصارا لدعوته فى عهده الأول بمكة، وهو لم ينفك عن القتال فى واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه.. وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله فى معركة حنين، ومن الحق أن عرف العالم كيف يحيى قوة إرادته ومتانة خلقه.. وبساطته، ومن يجهل أنه لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية   (1) تاريخ العرب العام، ص 15. (2) نفسه، ص 90. (3) نفسه، ص 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض ... وكان- صلّى الله عليه وسلم- حليما معتدلا، وكان يأتى بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه، وكان يستقبل بلطف ورفق جميع ما يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلا فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحى فى كل مرة باحترام القول له.. ودلّ- صلّى الله عليه وسلم- على أنه سياسى محنّك..» «1» . «بدت فى بلاد العرب أيام محمد- صلّى الله عليه وسلم- حركة غير مألوفة من قبل، فقد خضعت لسلطان واحد قبائل العرب الغيرى على استقلالها والفخورة بحياتها الفردية، وانضم بعض هذه القبائل إلى بعض فتألفت أمة واحدة» «2» .   (1) نفسه، ص 102- 103. (2) نفسه، ص 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 هنرى سيروى «ومحمد- صلّى الله عليه وسلم- لم يغرس فى نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضا المدنية والأدب» «1» . «محمد- صلّى الله عليه وسلم- شخصية تاريخية حقة، فلولاه ما استطاع الإسلام أن يمتد ويزداد، ولم يتوان فى ترديد أنه بشر مثل الآخرين ماله الموت، وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله عز وجل. وقبل مماته أراد أن يطهر ضميره من كل هفوة أتاها فوقف على المنبر مخاطبا: أيها المسلمون، إذا كنت قد ضربت أحدا فهاكم ظهرى ليأخذ ثأره، أو سلبته مالا فمالى ملكه. فوقف رجل معلنا أنه يدينه بثلاثة دراهم، فردّ الرسول- صلّى الله عليه وسلم- قائلا: أن يشعر الإنسان بالخجل فى دنياه خير من آخرته. ودفع للرجل دينه فى التو. وهذا التذوق والإحساس البالغ لفهم محمد- صلّى الله عليه وسلم- لدوره كنبى يرينا بأن (رينان) كان على غير حق فى نعته العرب قبل الإسلام بأنها أمة كانت تحيا بين براثين الجهل والخرفات» «2» . «إن المحاولة الإسلامية فى التاريخ ذات أثر كبير، والعبقرية العربية تجد فى محمد- صلّى الله عليه وسلم- منشئا لحضارة التوحيد التى تعتبر ذات أهمية كبيرة، إذا فكرنا فى القيامة الفلسفية للتوحيد، وفى تفوقها الكبير الذى جعل كل الشعوب الآرية تمارس أفكار تلكم الفلسفة. وهذه الثروة الروحية الغزيرة فى الأمة العربية، راجعة إلى الغريزة النبوية والتى تعد واضحة لدى الشعوب السامية، فاليهود الذين يستطيعون الفخر بأنبيائهم الكبار، يقرون بأن روح النبوة قد اختفت لديهم بعد هدم معبدهم الثانى، وهذا ما يفسر بمعنى أكيد العداوة العنيفة والكثيرة التكرار فى القرآن بالنسبة إليهم» «3» . «.. إن الحضارة الفكرية الذهنية الحقيقية لم تظهر وتوجد- لدى العرب- إلا لدى وصول محمد- صلّى الله عليه وسلم-» «4» .   (1) فلسفة الفكر الإسلامى، ص 8. (2) نفسه، ص 17. (3) نفسه، ص 31. (4) دفاع عن الإسلام، ص 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 لورافيشيا فاغليرى «.. كانت حملة كبيرة على سوريا.. رهن الإعداد، عندما أسكت الموت إلى الأبد صوت النبى- صلّى الله عليه وسلم- الذى كان قد أحدث هذه الهزة العميقة فى تلك القلوب كلها، والذى كان مقدرا له أن يستهوى عما قريب شعوبا أخرى تقيم فى مواطن أكثر إمعانا فى البعد.. وكان فى السنة الحادية عشرة من الهجرة» «1» . «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- المتمسك دائما بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعا الأناة دائما اعتقادا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشرى» «2» . «حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبى الله- صلّى الله عليه وسلم ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد- صلّى الله عليه وسلم- على تهديد الكاذبين والمرائين، فى بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك (وحاشاه) رجلا كاذبا؟ كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه، وهو الرجل   (1) المصدر السابق، ص 33. (2) نفسه، ص 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ذو الفطرة البسيطة حثا موصولا؟ كيف استطاع أن يستهل صراعا كان يبدو يائسا؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، فى مكة، فى نجاح قليل جدا، وفى أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنا إيمانا عميقا يصدق رسالته؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا فى الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالى إلى مجتمع مؤلف فى كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا فى كلمته حرارة الصدق؟ ولسنا فى حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد- صلّى الله عليه وسلم- كان عميقا وأكيدا» «1» . «دعا الرسول العربى- صلّى الله عليه وسلم- بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة الأوثان، وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية. وارتضى أن يخوض صراعا مكشوفا مع بعض نزعات البشر الرجعية التى تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى ... » «2» . «.. إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- طوال سنين الشباب التى تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش فى مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج، كمؤسسة اجتماعية، مفقودا أو يكاد، وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلا إلى أبعد الحدود، لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير، هى خديجة- رضى الله عنها- التى كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج كرة ثانية، وأكثر من مرة، إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره. لقد كان لكل زواج من زيجاته هذه سبب اجتماعى أو سياسى، ذلك بأنه قصد من خلال النسوة اللاتى تزوجهن إلى تكريم النسوة المتصفات بالتقوى، أو إلى إنشاء علاقة زوجية مع بعض العشائر والقبائل الآخرى ابتغاء   (1) نفسه، ص 37- 38. (2) نفسه، ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 طريق جديد لانتشار الإسلام وباستثناء عائشة- رضى الله عنها- ليس غير، تزوج محمد صلّى الله عليه وسلم- من نسوة لم يكنّ لا عذارى، ولا شابات، ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية؟ لقد كان رجلا لا إلها. وقد تكون الرغبة فى الولد هى التى دفعته أيضا إلى الزواج من جديد، لأن الأبناء الذين أنجبتهم خديجة- رضى الله عنها- له كانوا قد ماتوا. ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه النهوض بأعباء أسرة ضخمة، ولكنه التزم دائما سبيل المساواة الكاملة نحوهن جميعا، ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفاوت مع أى منهن. لقد تصرف متأسّيا بسنة الأنبياء القدامى- عليهم السلام-، مثل موسى وغيره، الذين لا يبدو أن أحدا من الناس يعترض على زواجهم المتعدد. فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل حياتهم اليومية، على حين نعرف كل شيء عن حياة محمد- صلّى الله عليه وسلم- العائلية؟» «1» .   (1) نفسه، ص 99- 100. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ليوبولد فايس «.. إن العمل بسنة رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام. لقد كانت السنة الهيكل الحديدى الذى قام عليه صرح الإسلام، وأنك إذا أزلت هيكل بناء ما، أفيدهشك أن يتقوض ذلك البناء، كأنه بيت من ورق؟» «1» . «.. إن السنة هى المثال الذى أقامه لنا الرسول- صلّى الله عليه وسلم- من أعماله وأقواله. إن حياته العجيبة كانت تمثيلا حيّا وتفسيرا لما جاء فى القرآن الكريم، ولا يمكننا أن ننصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتبع الذى قد بلّغ الوحى» «2» . «.. إنه على الرغم من جميع الجهود التى بذلت فى سبيل تحدى الحديث على أنه نظام ما، فإن أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفى الخالص بنتائج من البحث العلمى. وأنه من الصعب أن يفعل أحد ذلك، لأن الجامعين لكتب الحديث الأولى، وخصوصا الإمامين البخارى ومسلم قد قاموا بكل ما فى طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضا أشد كثيرا من ذلك الذى يلجأ إليه المؤرخون الأوربيون عادة عند النظر فى مصادر التاريخ القديم» «3» . «.. إن رفض الأحاديث الصحيحة، جملة واحدة أو أقساما، ليس حتى اليوم.. إلا قضية ذوق، قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثا علميا خالصا من الأهواء..» «4» . «.. إن العمل بالسنة (يجعل) كل شيء فى حياتنا اليومية مبنيّا على الاقتداء بما فعله الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وهكذا نكون دائما، إذا فعلنا أو تركنا ذلك، مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد فى منهاج حياتنا اليومية نفسه، ويكون نفوذه الروحى قد أصبح العامل الحقيقى الذى يعتادنا طوال الحياة..» «5» .   (1) الإسلام على مفترق الطرق، ص 87. (2) نفسه، ص 88. (3) نفسه، ص 92. (4) نفسه، ص 97. (5) نفسه، ص 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 كارلايل «1» «هل رأيتم قط.. أن رجلا كاذبا يستطيع أن يوجد دينا عجبا.. إنه لا يقدر أن يا بنى بيتا من الطوب! فهو إذا لم يكن عليما بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذى يبنيه بيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرا أن يبقى على دعائمه اثنى عشر قرنا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإنى لأعلم أن على المرء أن يسير فى جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبا وأمما بهذه الأضاليل..» «2» . «.. إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يتلق دروسا على أستاذ أبدا وكانت صناعة الخطّ حديثة العهد آنذاك فى بلاد العرب، ويظهر لى أن الحقيقة هى أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم لم يكن يعرف الخط والقراءة، وكل ما تعلم هو عيشة الصحراء وأحوالها وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهده بعينيه ويتلقى بفؤاده من هذا الكون العديم النهاية. أنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسّر له أن يبصره بنفسه أو يصل إلى سمعه فى ظلمات صحراء العرب، ولم يضره.. أنه لم يعرف علوم العالم لا قديمها ولا حديثها لأنه كان بنفسه غنيّا عن كل ذلك. ولم يقتبس محمد- صلّى الله عليه وسلم- من نور أى إنسان آخر ولم يغترف من مناهل غيره ولم يك فى جميع أشباهه من الأنبياء والعظماء- أولئك الذين أشبههم بالمصابيح الهادية فى ظلمات الدهور- من كان بين محمد- صلّى الله عليه وسلم- وبينه أدنى صلة وإنما نشأ وعاش   (1) توماس كارلايل Th.Carlyle (1881 -1795) الكاتب الإنجليزى المعروف. من آثاره: (الأبطال (1940) ، وقد عقد فيه فصلا رائعا عن النبى- صلّى الله عليه وسلم-، الثورة الفرنسية) .. إلخ. (2) الأبطال: ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وحده فى أحشاء الصحراء.. بين الطبيعة وبين أفكاره» «1» . «لوحظ على محمد- صلّى الله عليه وسلم- منذ «صباه» أنه كان شابا مفكرا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين- رجل الصدق والوفاء- الصدق فى أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإنى لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ.. وقد رأيناه طول حياته رجلا راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهمة كريما برّا رؤوفا تقيّا فاضلا حرّا، رجلا شديد الجدّ مخلصا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضىء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكى اللب، شهم الفؤاد.. عظيما بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غنى عن ذلك.. فأدى عمله فى الحياة وحده فى أعماق الصحراء» «2» . «.. ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يكن صادقا فى رسالته.. أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه فى تلك العيشة الهادئة المطمئنة مع خديجة- رضى الله عنها- لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا درى، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة.. ولم يكن إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذى كان هاجعا وثار يريد أمرا جليلا وشأنا عظيما» «3» . « ... لقد كان فى فؤاد ذلك الرجل الكبير- صلّى الله عليه وسلم- ابن القفار والفلوات العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرا وحنانا وبرا وحكمة وحجى ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوى، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ نرى محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يرض أن يتلفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردا   (1) نفسه، ص 5. (2) نفسه، ص 50، 51. (3) نفسه، ص 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بنفسه العظيمة وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سرّ الوجود يسطع لعينيه بأهواله ومخاوفه ومباهره، ولم يكن هنالك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكأنه لسان حال ذلك السرّ يناجيه: هأنذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهى مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية وكل القلوب واعية. وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء..» «1» . «إنى لأحب محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لبراءة طبعه من الرأى والتصنّع. ولقد كان ابن القفار هذا رجلا مستقل الرأى لا يعول إلا على نفسه ولا يدعى ما ليس فيه ولم يكن متكبرا ولكنه لم يكن ذليلا، فهو قائم فى ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحرّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة. وكان يعرف لنفسه قدرها.. وكان رجلا ماضى العزم لا يؤخر عمل اليوم إلى غد..» «2» .   (1) نفسه، ص 51، 52. (2) نفسه، ص 64 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 كاهن «1» «اصطبغت شخصية محمد- صلّى الله عليه وسلم- بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أى مؤسس آخر من مؤسسى الديانات الكبرى» «2» . «يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان فى عداد الشخصيات النبيلة السامية التى سعت فى كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التى عاش فيها أخلاقيا وفكريا، كما استطاع فى الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل البقاء والخلود للرسالة التى بشر بها. وحتم علينا أن نلقى محمدا- صلّى الله عليه وسلم- بعواطف الإجلال والاحترام لما تحلى به من سمو الإلهام ومن قدرة على تذليل العقبات الإنسانية عامة والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة. وربما أثارت فينا بعض جوانب حياته شيئا من الارتباك تبعا لعقليتنا المعاصرة. فقد أكدت المهاترات على شهوات الرسول- صلّى الله عليه وسلم- الدنيوية وألمحت إلى زوجاته التسع اللائى اتخذهن بعد وفاة خديجة. لكن الثابت أن معظم هذه الصلات الزوجية قد طبعت بطابع سياسى، وأنها استهدفت الحصول على ولاء بعض الأشراف وبعض الأفخاذ. ثم إن العقلية العربية تقرّ الإنسان إذا استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله» «3» .   (1) كلود كاهن Cl.Cahen: ولد عام 1909 م، وتخرج باللغات الشرقية من السوربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا، وعين محاضرا فى مدرسة اللغات الشرقية فى باريس (1938) ، وأستاذا لتاريخ الإسلام فى كلية الآداب بجامعة ستراسبورغ (1945) ، وفى جامعة باريس. من آثاره: عدد كبير من الدراسات والأبحاث فى المجلات الشهيرة، وحقق العديد من النصوص التاريخية المهمة، كما أنجز عددا من المؤلفات عن الحروب الصليبية. (2) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1/ 14. (3) نفسه، 1/ 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 «.. الحق أننا نتجاوز النقد العلمى الصحيح إذا نحن أنكرنا على كل حديث صحته أو قدمه. ولقد باشر العلماء بمثل هذا التمحيص منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد لا يعمّان على نسق واحد واستندوا فى ذلك إلى بعض الأحاديث التى يمكن اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها. بمعنى أن الموقف النقدى مفروض على الباحث المنصف. وفقهاء المسلمين أنفسهم هم قدوة لنا فى هذا المضمار لأنهم- على طريقتهم- قد التزموا بذلك الموقف منذ العصر الوسيط» «1» . هاملتون كب «.. اقتضى الأمر نشوء علم جديد غايته جمع الحديث ونقده وتصنيفه وتنسيقه والحصول فى النهاية- بقدر الإمكان- على مجموعة متفق عليها يتقبلها الجميع. وقد استأثرت هذه المهمة بالكثير من طاقات الفقهاء والعلماء فى القرن الثالث، ولكن القائمين عليها أحرزوا نجاحا حتى أصبح حديث الرسول- صلّى الله عليه وسلم- يعتبر مرجعا ثانيا معتمدا للفقه والعقيدة» «2» . «.. يكاد يكون من المؤكد أن الآراء التى تعبر عنها الأحاديث (التى تم جمعها فى القرن الثالث) تمثل تعاليم القرآن ومبادئه الخلقيّة تمثيلا صادقا «3» . «إن بدايات التاريخ العلمى بالعربية تقترن بدراسة سيرة الرسول- صلّى الله عليه وسلم- ودراسة أعماله. وعليه فإننا نجد مصدر هذه الدراسة فى جمع الحديث النبوى وبخاصة الأحاديث المتعلقة بمغازى الرسول- صلّى الله عليه وسلم-. وكان موطن هذه الدراسة هو المدينة.. ويفسر لنا ارتباط المغازى بالحديث، هذا الارتباط الذى ترك طابعا لا يمحى فى المنهج التاريخى باستخدام هذا المنهج للإسناد، ما طرأ من تغير هائل ظهر منذ هذه اللحظة فى طبيعة الأخبار التاريخية عند العرب،   (1) نفسه، 1/ 95. (2) دراسات فى حضارة الإسلام، ص 20. (3) نفسه، ص 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ودقتها المؤسسة على النقد. ويمكننا أن نشعر لأول مرة بأننا نستند إلى أساس تاريخى قويم حتى وإن اعترفنا بوجود بعض العناصر المشكوك فيها فى أخبار الفترتين، المدنية والمكية، من حياة الرسول- صلّى الله عليه وسلم-» «1» . «ومهما نقل فى قوة النزعة الإسلامية نحو محمد- صلّى الله عليه وسلم- وفى آثارها فإننا لا نوصف بالغلو. فقد كان إجلال الرسول- صلّى الله عليه وسلم- شعورا طبيعيا محتوما فى عصره وفيها بعده، غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الإجلال. فإن العلاقات الشخصية من الإعجاب والحب اللذين بعثهما فى نفوس صحابته ظل صداها يتردد خلال القرآن، والفضل فى ذلك يعود إلى الوسائل التى أقرتها الأمة لتستنير بهما مجددين فى كل جيل» «2» . «.. لولا الحديث لأصبح لمحمد- صلّى الله عليه وسلم- فى أقل تقدير صورة معممة- إن لم نقل بعيدة- فى أصولها التاريخية والدينية. أما الحديث فقد صور وجوده الإنسانى فى مجموعة وفيرة من التفصيلات الحية المحسوسة، وبذلك قدم للمسلمين حين ربط بين المسلمين وبين نبيهم بنفسه الروابط الذاتية الوثيقة التى كانت تصله بأصحابه الأولين، وهى روابط نمت على مر القرون وكانت أقوى من أن تصاب بالضعف. ولم يصبح شخص محمد- صلّى الله عليه وسلم- أبدا ذا صبغة مرسومة مقررة، ويكاد لا يكن من الغلو أن نقول إن حرارة ذلك الشعور الشخصى نحو الرسول الحبيب- صلّى الله عليه وسلم- كانت أبدا أقوى عنصر حيوى فى دين الجماهير الإسلامية أو كانت كذلك بين أهل السنة، على الأقل» «3» . «.. لا تزال الاحتفالات العائلية تختم بأدعية وأناشيد فى تمجيد الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وكل الأمة تراعيها وتنشدها بحماسة فى ذلك اليوم المجيد، يوم مولد النبى- صلّى الله عليه وسلم- فى الثانى عشر من شهر ربيع الأول. هنالك ترى المجددين والمقلدين والصوفية والسلفية والعلماء وأفراد الجمهور يلتقون جميعا معا على بقعة واحدة، وقد يكون بين نزعاتهم العقلية تنوع واسع متباين، ولكنهم جميعا وحدة متالفة فى إخلاصهم وحبهم محمدا- صلّى الله عليه وسلم-» «4» .   (1) نفسه، ص 147. (2) نفسه، ص 257. (3) نفسه، ص 257- 258. (4) نفسه، ص 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ايفلين كوبولد «.. هذه هى مدينة الرسول- صلّى الله عليه وسلم-.. تعيد إلى نفسى ذكرى جهوده فى سبيل لا إله إلا الله، وتلقى فى روعى صبره على المكاره واحتماله للأذى فى سبيل الوحدانية الإلهية» «1» . «كان العرب قبل محمد- صلّى الله عليه وسلم- أمة لا شأن لها ولا أهمية لقبائلها ولا لجماعتها، فلما جاء محمد- صلّى الله عليه وسلم- بعث هذه الأمة بعثا جديدا يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجالا وآجالا..» «2» . «.. لعمرى، ليجدن المرء فى نفسه، ما تقدم إلى قبر الرسول- صلّى الله عليه وسلم- روعة ما يستطيع لها تفسيرا، وهى روعة تملأ النفس اضطرابا وذهولا ورجاء وخوفا وأملا، ذلك أنه أمام نبى مرسل وعبقرى عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحى بكل شيء فى الحياة فى سبيل الإنسانية وخير البشرية» «3» . «لقد استطاع النبى- صلّى الله عليه وسلم- القيام بالمعجزات والعجائب، لمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة على نبذ الأصنام وقبول الوحدانية الإلهية.. لقد وفّق إلى خلق العرب خلقا جديدا ونقلهم من الظلمات إلى النور» «4» . «مع أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان سيد الجزيرة العربية.. فإنه لم يفكر فى الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها، بل ظل على حاله مكتفيا بأنه رسول الله، وأنه خادم المسلمين، ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده، كريما بارا كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان فى أكثر الأحايين قليلا لا يكاد يكفيه» «5» .   (1) البحث عن الله، ص 39- 40. (2) نفسه، ص 51. (3) نفسه، ص 52. (4) نفسه، ص 66- 67. (5) نفسه، ص 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 كولد تسيهر «1» «.. إن محمدا قد بشر بمذهبه للمرة الأولى بحماس لم يفتر ولم تعوزه المثابرة، وبعقيدة ثابتة بأن هذا المذهب يحقق صالح الجماعة الخاصة، وقد كان فى ذلك كله مظهرا لإنكار الذات برغم سخرية الجمهور» «2» . «.. الحق، أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان بلا شك أول مصلح حقيقى فى الشعب العربى من الجهة التاريخية» «3» . «فى هذا العصر نرى النبى- صلّى الله عليه وسلم- يستخدم حنكته المفكرة ورويته الدقيقة وتبصره العالى، فى مقاومة خصومه الذين شرعوا فى معارضة مقاصده وغاياته فى داخل موطنه وخارجه» «4» .   (1) كولد تسيهر (1850- 1921 م Y.Gldziher (تخرج باللغات السامية على كبار أساتذتها فى بودابست وليبزج وبرلين وليدن. ولما نبه ذكره عين أستاذا محاضرا فى كلية العلوم بجامعة بودابست (1873) ثم أستاذ كرسى (1906) . رحل إلى عدد من البلدان العربية وتضلع بالعربية على شيوخ الأزهر. انتخب عضوا فى عدد من المجامع العلمية وحضر عددا من المؤتمرات الاستشراقية. من آثاره: كتب سيلا من المقالات والأبحاث فى المجلات الآسيوية والغربية بأكثر من لغة. وكتاب (العقيدة والشريعة فى الإسلام) (باريس 1920) ، و (درس فى الإسلام) فى جزأين كبيرين. كما حقق العديد من النصوص القديمة. (2) العقيدة والشريعة فى الإسلام، ص 12- 13. (3) نفسه، ص 13. (4) نفسه، ص 21- 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عبد الله لويليام «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- على أعظم ما يكون من كريم الطباع وشريف الأخلاق ومنتهى الحياء وشدة الإحساس.. وكان حائزا لقوة إدراك عجيبة وذكاء مفرط وعواطف رقيقة شريفة. وكان على خلق عظيم وشيم مرضية مطبوعا على الإحساس ... » «1» . «.. إن بعض كتاب هذا العصر كادوا أن يعرفوا بأن الطعن والقدح والشتم والسب ليس بالحجة ولا البرهان فسلموا بذكر كثير من صفات النبى- صلّى الله عليه وسلم- السامية وجليل أعماله الفاخرة..» «2» . «.. ما اهتدى مئات الملايين إلى الإسلام إلا ببركة محمد- صلّى الله عليه وسلم- الذى علمهم الركوع والسجود لله وأبقى لهم دستورا لن يضلوا بعده أبدا وهو القرآن الجامع لمصالح دنياهم ولخير أخراهم..» «3» . «لما شرّف محمد- صلّى الله عليه وسلم- ساحة عالم الشهود بوجوده الذى هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلاء النوع الإنسانى وترقيه فى درجات المدنية أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة. ومن نظر بعين البصيرة فى حال الأنام قبله عليه الصلاة والسلام وما كانوا عليه من الضلالة ... ونظر فى حالهم بعد ذلك وما حصل لهم فى عصره من الترقّى العظيم رأى بين الحالين فرقا عظيما كما بين الثريا والثرى» «4» . «.. امتدت أنوار المدنية بعد محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى قليل من الزمان ساطعة فى أقطار الأرض من المشرق إلى المغرب حتى إن وصول أتباعه فى ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولى الألباب ... وما السبب فى ذلك إلا كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى الحكمة» «5» .   (1) العقيدة الإسلامية، ص 96- 97. (2) نفسه، ص 113- 114. (3) نفسه، ص 38 (عن لوزون فى خطبته المذكورة) . (4) أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا، ص 21- 22. (5) نفسه، ص 22، 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 روم لاندو «.. لم ينسب محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى أيّما يوم من الأيام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية. على العكس، لقد كان حريصا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحى للناس» «1» . «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- تقيا بالفطرة، وكان من غير ريب مهيّأ لحمل رسالة الإسلام التى تلقاها.. وبالإضافة إلى طبيعته الروحية، كان فى سرّه وجهره رجلا عمليا عرف مواطن الضعف ومواطن القوة فى الخلق العربى، وأدرك أن الإصلاحات الضرورية ينبغى أن تقدم إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطا وإلى المدنيين الوثنيين، وفى آن معا، على نحو تدريجى.. وفى الوقت نفسه كان محمد صلّى الله عليه وسلم- يملك إيمانا لا يلين بفكرة الإله الواحد.. وعزما راسخا على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التى كانت سائدة بين الوثنيين العرب» «2» . «كانت مهمة محمد- صلّى الله عليه وسلم- هائلة. كانت مهمة ليس فى ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية (وهو الوصف الذى رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربى صلّى الله عليه وسلم) أن يرجو النجاح فى تحقيقها بمجهوده الشخصى، إن الإخلاص الذى تكشف عنه محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل فى ما أنزل عليه من وحى، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد- صلّى الله عليه وسلم- بأيه ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أى تلفيق (دينى) متعمد استطاع أن يعمر طويلا. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، فى كل عام، أتباعا جددا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلا واحدا   (1) الإسلام والعرب، ص 32. (2) نفسه، ص 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 على كل محتال لقد كان لرسالته الفضل فى خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلا» «1» . «كانت مهمة محمد- صلّى الله عليه وسلم- هى القضاء على النظام القوى الذى كان مسؤولا عن اندلاع نار الحرب، على نحو موصول تقريبا، بين العرب، والاستعاضة عنه بولاء لله يسمو على جميع الروابط الأسرية والأحقاد الصغيرة. كان عليه أن يعطى الناس قانونا كليا يستطيع حتى العرب المتمردين قبوله والإذعان له، وكان عليه أن يفرض الانضباط على مجتمع عاش على العنف القبلى والثأر الدموى لضروب من المظالم بعضها واقعى وبعضها متوهم. كان عليه أن يحلّ الإنسانية محل الوحشية، والنظام محل الفوضى، والعدالة محل القوة الخالصة» «2» . «عندما توفى محمد- صلّى الله عليه وسلم- عام 632 م كان فى نجاح الإسلام ما زكى إيمان زوجاته- رضى الله عنهن- بالوحى الذى تلقاه زوجهن، وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة فى سبيلها إلى القيام بفتح روحى ومادى لا يضارعه أى فتح فى التاريخ البشرى» «3» .   (1) نفسه، ص 33- 34. (2) نفسه، ص 34. (3) نفسه، ص 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 لايتنر «1» «بقدر ما أعرف من دينى اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد- صلّى الله عليه وسلم ليس اقتباسا بل قد أوحى إليه به ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحى من لدن عزيز عليم. وإنى بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتى، وأمانة المقصد، والإيمان القلبى الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد- صلّى الله عليه وسلم- وأنه قد أوحى إليه» «2» . «إن الديانة النصرانية التى ودّ محمد- صلّى الله عليه وسلم- إعادتها لأصلها النقى كما يشر بها المسيح- عليه السّلام- تخالف التعاليم السّرية التى أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التى أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد- صلّى الله عليه وسلم- وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم- عليه السّلام- لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى فى التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الأخاء المعمول به فى دين الإسلام» «3» . «.. لما بلغ- صلّى الله عليه وسلم- السنة الخامسة والعشرين من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عاما، وهذه تشابه امرأة عمرها خمسون عاما فى أوربا) ، وهى أول من آمن برسالته المقدسة.. وبقيت خديجة- رضى الله عنها- معه عشرين عاما لم يتزوج عليها قط حتى ماتت- رضى الله عنها- ولما بلغ من العمر خمسا وخمسين سنة صار   (1) لايتنر Lightner: باحث إنكليزى، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه فى الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها. (2) دين الإسلام، ص 4- 5. (3) نفسه، ص 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 يتزوج الواحدة بعد الآخرى. لكن ليس من الاستقامة والصدق أن ننسب ما لا يليق لرجل عظيم صرف كل ذلك العمر بالطهارة والعفاف فلا ريب أن لزواجه بسن الكبر أسبابا حقيقية غير التى يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص، وما هى تلك الأسباب يا ترى؟ ولا ريب هى شفقته على نساء أصحابه الذين قتلوا..» «1» . «.. مرة، أوحى الله تعالى إلى النبى- صلّى الله عليه وسلم- وحيا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلا غنيا من ذوى النفوذ، وقد نشر ذاك الوحى، فلو كان- صلّى الله عليه وسلم- كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك الوحى من وجود» «2» . «.. إنى لأجهر برجائى بمجىء اليوم الذى به يحترم النصارى المسيح- عليه السّلام- احتراما عظيما وذلك باحترامهم محمدا- صلّى الله عليه وسلم-، ولا ريب فى أن المسيح المعترف برسالة محمد- صلّى الله عليه وسلم- وبالحق الذى جاء به هو المسيحى الصادق» «3» .   (1) نفسه، ص 12- 13. (2) نفسه، ص 132- 133. (3) نفسه، ص 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 غوستاف لوبون «جمع محمد- صلّى الله عليه وسلم- قبل وفاته كلمة العرب، وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد، فكانت فى ذلك آيته الكبرى ... ومما لا ريب فيه أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- أصاب فى بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التى ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية ولذلك كان فضله على العرب عظيما..» «1» . «إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- من أعظم من عرفهم التاريخ، وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمدا- صلّى الله عليه وسلم- مع أن التعصب الدينى أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله..» «2» . «استطاع محمد- صلّى الله عليه وسلم- أن يبدع مثلا عاليا قويا للشعوب العربية التى لا عهد لها بالمثل العليا، وفى ذلك الإبداع تتجلى عظمة محمد- صلّى الله عليه وسلم- على الخصوص.. ولم يتردد أتباعه فى التضحية بأنفسهم فى سبيل هذا المثل الأعلى..» «3» . «.. لا شيء أصوب من جمع محمد- صلّى الله عليه وسلم- لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية فى يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن نقدر قيمة ذلك بنتائجه، فقد فتح العرب العالم فى قرن واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد- صلّى الله عليه وسلم-» «4» .   (1) دين الإسلام، ص 16. (2) حضارة العرب، ص 115. (3) نفسه، ص 116. (4) نفسه، ص 393- 394. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 لوقا «1» «.. ما كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- كاحاد الناس فى خلاله ومزاياه، وهو الذى اجتمعت له آلاء الرسل عليهم السلام، وهمة البطل، فكا حقا على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّى فيه الرجل» «2» . «لا تأليه ولا شبهة تأليه فى معنى النبوة الإسلامية.. وقد درجات شعوب الأرض على تأليه الملوك والأبطال والأجداد، فكان الرسل أيضا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية بسبب من الأسباب، فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا فى الرسول أو النبى أنه ليس بشرا كسائر البشر وأن له صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواترا مكررا فى آيات القرآن، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ (الكهف: 110) ، وفى تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة، والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى البشرية بحال من الأحوال. بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى فيما جاء بسورة الشورى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ (الشورى: 48) ، وظاهر فى هذه الآية تعمد تنبيه الرسول نفسه- صلّى الله عليه وسلم- إلى حقيقة مهمته، وحدود رسالته التى كلف بها، وليس له أن يعدوها، كما أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها» «3» .   (1) د. نظمى لوقا Dr.N.luka مسيحى من مصر. يتميز بنظرته الموضوعية وإخلاصه العميق للحق. ورغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان صبيا، فإنه كثيرا ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة الرسول- عليه السّلام-. بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره. ألف عددا من الكتب أبرزها «محمد الرسالة والرسول» ، و «محمد فى حياته الخاصة» . (2) محمد الرسالة والرسول، ص 28. (3) محمد الرسالة والرسول، ص 85- 86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 «.. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو فى سريرته، قبل أن يحاربه فى سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول- صلّى الله عليه وسلم- بما أنعم من الهدايا على الناس وما تم له من العزة والأيادى، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة، يطريه أصحابه بالحق الذى يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيما له، فينهاهم عن ذلك قائلا: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا» «1» . «ماذا بقى من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلا قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعا أو شبه متوقع لذلك الداعى إلى الله فى عاصمة الأوثان والأزلام.. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث آله، ولم يجعل لذريته وعشريته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحرم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس فى الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يمكن لنفسه ولا لذويه، وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض، أى قالة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذا المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة فى الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى ... وما ضلّ وما غوى.. وما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين..» «2» . «أى الناس أولى بنفى الكيد عن سيرته من (أبى القاسم) - صلّى الله عليه وسلم- الذى   (1) نفسه، ص 179- 180. (2) نفسه، ص 183- 186. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام؟» «1» . «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- يملك حيويته ولا تملكه حيويته. ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه. فهى قوة له تحسب فى مزاياه، وليست ضعفا يعد فى نقائصه، لم يكن- صلّى الله عليه وسلم- معطل النوازع ولكنها لم تكن نوازع تعصف به، لأنه يسخرها فى كيانه فى المستوى الذى يكرم به الإنسان حين يطلب ما هو جميل وجليل فى الصورة الجميلة الجليلة التى لا تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره. وبيان ذلك فى أمر بنائه بزوجاته التسع- رضى الله عنهن..» «2» .   (1) محمد فى حياته الخاصة، ص 12. (2) نفسه، ص 39- 40، ويمكن للقارئ أن يرجع للكتاب نفسه (محمد فى حياته الخاصة) ، فهو بمجمله يمكن أن يعدّ شهادة قيّمة على حياة الرسول- صلّى الله عليه وسلم- العائلية الخاصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ماسيه «1» «بفضل إصلاحات محمد- صلّى الله عليه وسلم- الدينية والسياسية، وهى إصلاحات موحدة بشكل أساسى، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا دخلوهم النهائى إلى تاريخ المدنية» «2» . «.. كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- هو المشرّع الملهم والمحرك الأول للوحدة الدينية بين جميع الأقوام، ... وكان بسيطا وحازما..» «3» .   (1) هنرى ماسيه H.Masse ولد عام 1886، عمل مديرا للمعهد الفرنسى بالقاهرة، وعين أستاذا فى جامعة الجزائر (1916- 1927) ، وعضوا فى مجمع الكتابات والآداب وفى المجمع العلمى العربى بدمشق، وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو فى لجنة المستشرقين. من آثاره: نشر كتابا عن الشاعر (سعدى) (1919) ، وصنف كتابا بعنوان: «الإسلام» (1957) ، كما ترجم وحقق العديد من النصوص العربية، ونشر العديد من الأبحاث فى المجلات الاستشراقية الشهيرة. (2) الإسلام، ص 55. (3) نفسه، ص 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مونته «1» «إن طبيعة محمد- صلّى الله عليه وسلم- الدينية تدهش كل باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص. فقد كان محمد مصلحا دينيا ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيرا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التى جعلته من أسطع الأنوار الإنسانية فى الدين. وهو فى قتاله الشرك والعادات القبيحة التى كانت عند أبناء زمنه كان فى بلاد العرب أشبه بنبى من أنبياء بنى إسرائيل الذين نراهم كبارا جدا فى تاريخ قومهم. ولقد جهل كثير من الناس محمدا- صلّى الله عليه وسلم- وبخسوه حقه وذلك لأنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائها» «2» . «كان محمد- صلّى الله عليه وسلم- كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هى صحة الحكم وصراحة اللفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله» «3» . «.. ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل محمد- صلّى الله عليه وسلم- وإن ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية» «4» . «لا مجال للشك فى إخلاص الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وحماسته الدينية التى تشبعت بها نفسه وفكره..» «5» .   (1) مونته Montet: (1927 -1856) أستاذ اللغات الشرقية فى جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن) ، وترجمة جيدة للقرآن، و (حاضر الإسلام ومستقبله) . (2) محمد والقرآن، ص 18 (عن دستودارد: حاضر العالم الإسلامى 1/ 32) . (3) نفسه، (عن ستودارد 1/ 32) . (4) حاضر الإسلام ومستقبله (عن محمد كرد على: الإسلام والحضارة العربية 1/ 67) . (5) نفسه، 1/ 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 نهرو «1» «.. لربما خامرت هؤلاء الملوك والحكام الذين تسلموا كتب الرسول- صلّى الله عليه وسلم- الدهشة من هذا الرجل البسيط الذى يدعوهم إلى الطاعة. ولكن إرسال هذه الكتب يعطينا صورة عن مقدار ثقة محمد- صلّى الله عليه وسلم- بنفسه ورسالته. وقد هيأ بهذه الثقة وهذا الإيمان لأمته أسباب القوة والعزّة والمنعة وحوّلهم من سكان صحراء إلى سادة يفتحون نصف العالم المعروف فى زمانهم.. وقد توفى محمد صلّى الله عليه وسلم- بعد أن جعل من القبائل العربية المتنافرة أمة واحدة تتقد غيرة وحماسا..» «2» .   (1) جواهر لال نهرو J.Lal Nahro: ولد فى عام 1889، فى مدينة (الله آباد) ، فى الهند، والتقى بغاندى فى أوائل عام 1919، اعتقل عدة مرات، وانتخب رئيسا لحزب المؤتمر الهندى الوطنى عدة مرات، دخل الوزارة، وتولى الشؤون الخارجية، وأصبح نائبا لرئيس المجلس التنفيذى، أول من تولى رئاسة الوزراء الهندية بعد استقلال الهند، له عدة مؤلفات فى التاريخ والسياسة والشؤون الهندية، توفى عام 1964 م. (2) لمحات من تاريخ العالم، ص 25- 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 هارث «1» «إن اختيارى لمحمد- صلّى الله عليه وسلم- ليكون رأس القائمة التى تضم الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمى فى مختلف المجالات، ربما أدهش كثيرا من القراء.. ولكن فى اعتقادى أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان الرجل الوحيد فى التاريخ الذى نجح بشكل أسمى وأبرز فى كلا المستويين الدينى والدنيوى» «2» . «لقد أسس محمد- صلّى الله عليه وسلم- ونشر أحد أعظم الأديان فى العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام. ففى هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويا وعارما..» «3» . «.. من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح- عليه السّلام-» «4» . «.. إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- يختلف عن المسيح بأنه كان زعيما دنيويا فضلا عن أنه زعيم دينى، وفى الحقيقة إذا أخذنا بعض الاعتبار للقوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- يصبح أعظم قائد سياسى على مدى الأجيال» «5» . «.. إن هذا الاتحاد الفريد لا نظير له للتأثير الدينى والدنيوى معا يخول محمدا- صلّى الله عليه وسلم- أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير فى تاريخ البشرية» «6» .   (1) الدكتور مايكل هارث Michael Hart أمريكى، حصل على عدة شهادات فى العلوم وعلى الدكتوراه فى الفلك من جامعة برنستون، عام 1972، عمل فى مراكز الأبحاث والمراصد، وهو أحد العلماء المعتمدين فى الفيزياء التطبيقية. (2) دراسة فى المائة الأوائل، ص 19. (3) نفسه، ص 19. (4) نفسه، ص 23. (5) نفسه، ص 24. (6) نفسه، ص 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 مونتغمرى (مونتجمرى) وات «منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى كتابه «الأبطال وعبادة البطل» أدرك الغرب أن هناك أسبابا وجيهة للاقتناع بصدق محمد. إذ أن عزيمته فى تحمل الاضطهاد من أجل عقيدته، والخلق السامى للرجال الذين آمنوا به، وكان لهم بمثابة القائد، وأخيرا عظمة عمله فى منجزاته الأخيرة، كل ذلك يشهد باستقامته التى لا تتزعزع. فاتهام محمد- صلّى الله عليه وسلم- بأنه دجال MI posteur -يثير من المشاكل أكثر مما يحلّ. ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة فى التاريخ حط من قدرها فى الغرب كمحمد- صلّى الله عليه وسلم-. فقد أظهر الكتاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ من الأمور عن محمد- صلّى الله عليه وسلم- وكلما ظهر أى تفسير نقدى لواقعة من الوقائع ممكنا قبوله. ولا يكفى، مع ذلك، فى ذكر فضائل أن نكتفى بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه. وإذا أردنا أن نصحح الأغلاط المكتسبة من الماضى بصدده فيجب علينا فى كل حالة من الحالات، لا يقوم الدليل القاطع على ضدها، أن نتمسك بصلابة بصدقه. ويجب علينا أن لا ننسى عندئذ أيضا أن الدليل القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنا وأنه فى مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه..» «1» . «هناك- على العكس- أسباب قوية تؤكد صدق محمد- صلّى الله عليه وسلم- ونستطيع فى مثل هذه الحالة الخاصة أن نبلغ درجة عالية من اليقين، لأن النقاش حول هذه المسألة.. يعتمد على وقائع ولا يمكن أن يتضمن خلافا فى التقدير حول الأخلاقية..» «2» . «.. ليس توسع العرب شيئا محتوما أو آليا وكذلك إنشاء الأمة الإسلامية. ولولا هذا المزيج الرائع من الصفات المختلفة التى نجدها عند محمد- صلّى الله عليه وسلم- لكان من غير الممكن أن يتم هذا التوسع، ولاستنفدت تلك القوى الجبارة فى غارات على سوريا والعراق دون أن تؤدى لنتائج دائمة. ونستطيع أن نميز ثلاث هبات مهمة أوتيها محمد- صلّى الله عليه وسلم- وكانت كل واحدة منها ضرورية لإتمام عمل   (1) محمد فى مكة، ص 94. (2) نفسه، ص 497- 498. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 محمد- صلّى الله عليه وسلم- بأكمله. لقد أوتى أولا موهبة خاصة على رؤية المستقبل. فكان للعالم العربى بفضله، أو بفضل الوحى الذى ينزل عليه حسب رأى المسلمين، أساس فكرى (إيديولوجى) حلت به الصعوبات الاجتماعية، وكان تكوين هذا الأساس الفكرى يتطلب فى نفسه الوقت حدسا ينظر فى الأسباب الأساسية للاضطراب الاجتماعى فى ذلك العصر، والعبقرية الضرورية للتعبير عن هذا الحديث فى صورة تستطيع إثارة العرب حتى أعمق كيانها.. وكان محمد- صلّى الله عليه وسلم ثانيا رجل دولة حكيما. ولم يكن هدف البناء الأساسى الذى نجده فى القرآن، سوى دعم للتدابير الملموسة والمؤسسات الواقعية. ولقد ألححنا خلال هذا الكتاب غالبا على استراتيجية محمد- صلّى الله عليه وسلم- السياسية البعيدة النظر على إصلاحاته الاجتماعية على الظروف المجاورة واستمرارها خلال أكثر من ثلاثة عشر قرنا. وكان محمد- صلّى الله عليه وسلم- ثالثا رجل إدارة بارعا، فكان ذا بصيرة رائعة فى اختيار الرجال الذين يندبهم للمسائل الإدارية. إذ لن يكن للمؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق خاطئا مترددا. وكانت الدولة التى أسسها محمد- صلّى الله عليه وسلم- عند وفاته، مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود فى وجه الصدمة التى أحدثها غياب مؤسسها، ثم إذا بها بعد فترة تتلاءم مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساعا رائعا «1» . «كلما فكرنا فى تاريخ محمد- صلّى الله عليه وسلم- وتاريخ أوائل الإسلام، تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل. ولا شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فرصا للنجاح لم تكن لتتاح لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف تماما. فلو لم يكن نبيا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلا، مهما فى تاريخ الإنسانية. ولى أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد- صلّى الله عليه وسلم- يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام، من جديد، برجل هو أعظم رجال أبناء آدم» «2» .   (1) نفسه، ص 510- 511. (2) نفسه، ص 512. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ولز «1» «.. هل تراك علمت قط أن رجلا على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقا؟ ذلك أن من عرفوا محمدا- صلّى الله عليه وسلم- أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانا به، وقد آمنت به خديجة- رضى الله عنها- كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر- رضي الله عنه- شاهد أفضل وهو لم يتردد قط فى إخلاصه. كان يؤمن بالنبى- صلّى الله عليه وسلم- ومن العسير على أى إنسان يقرأ تلك الأيام إلا أن يؤمن بأبى بكر- رضي الله عنه-، وكذلك على- رضي الله عنه- فإنه خاطر بحياته من أجل النبى- صلّى الله عليه وسلم- فى أحلك أيامه سوادا..» «2» . «حج محمد- صلّى الله عليه وسلم- حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجى المؤمن عدلا للخليفة.. إنها أسست فى العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ فى الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعى، عما فى أى جماعة أخرى سبقتها» «3» . «لقد منح (العرب) العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية فى العالم، أما الرجل الذى أشعل ذلك القبس العربى فهو محمد- صلّى الله عليه وسلم-» «4» .   (1) هربرت جورج ولز H.G.Wells (1946 -1866) الكاتب والأديب البريطانى المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذى يعتمد الخيال العلمى من مثل (آلة الزمن) و (الرجل الخفى) ، فضلا عن رواياته النفسية والاجتماعية من مثل (ميكافيللى الجديد) و (الزواج) . ولم يغافل ولز البحث فى التاريخ فأنجز عام 1920 (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه ب (موجز تاريخ العالم) . وكان آخر كتاب أصدره، هو (العقل فى أقصى توتراته) . ولولز فى السيرة الذاتية كتاب بعنوان: (تجربة فى كتابة السيرة الذاتية) . (2) معالم تاريخ الإنسانية، 3/ 641. (3) نفسه، 3/ 640- 641. (4) موجز تاريخ العالم، ص 200- 201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 4- شهادات متفرقة 1- المستشرق رينولد نيكلسون «لم تجد الحياة الدينية الإسلامية مثالا أعلى فى أى إنسان إلا فى شخصية النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم-. فإذا بحثنا فى الصلات التى يعتقد المسلمون بوجودها بين الله ورسوله من جهة وبين الرسول وأنفسهم من جهة أخرى فقد وصلنا إلى لب المسألة. فالقرآن يعلن بأن الله هو الحق وأنا ما يدعون من دونه باطل وأن كل شيء هالك إلا وجهه. وأن كل من على الأرض فان. ولا يبقى غير وجه الله. وأن الله نور السموات والأرض وأنه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.. فالحقيقة المحمدية. لا الصورة المحمدية الجسدية هى من مبدأ الحياة ومركزها فى العالم وهى الواسطة بين الله وعباده» . 2- الأستاذ: كارادى فو «إن محمدا كان هو النبى والملهم والمؤسس، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العليا. ومع ذلك فلم ينظر إلى نفسه كرجل من عنصر آخر أو من طبقة أخرى غير طبقات بقية المسلمين. إن شعور المساواة والإخاء الذى أسسه بين أعضاء الجماعة المسلمة كان يطبق تطبيقا عمليا حتى على النبى نفسه. 3- الأستاذ: جارسان دى تساى فى كتابه «الإسلام» «إن محمدا ولد فى حضن الوثنية. ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة. انزعاجا عظيما من الرذيلة وحبا حادا للفضيلة. وإخلاصا ونية حسنة غير عاديين إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه فى ذلك العهد اسم «الأمين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 4- المستشرق الفرنسى الأستاذ بلانشيه «إن النبى محمدا يعد من أبرز وأشهر رجال التاريخ فقد قام بثلاثة أعمال عظيمة دفعة واحدة وهى: أنه أحيا شعبا ... وأنشأ إمبراطورية.. وأسس دينا» . 5- المستشرق الإنجليزى المشهور: هـ. ج. ويلز إن من أرفع الأدلة على صدق «محمد» كون أهله وأقرب الناس إليه يؤمنون به فقد كانوا مطلعين على أسراره ولو شكوا فى صدقه لما آمنوا به. 6- لامارتين إن حياة مثل حياة «محمد» وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده. ووثبته على خرافات أمته وجاهلية شعبه. وبأسه فى لقاء ما لقيه من عبدة الأوثان وإيمانه بالظفر وإعلاء كلمته ورباطة جأشه لتثبيت أركان العقيدة الإسلامية. إن كل ذلك أدلة على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل. فهو فيلسوف. وخطيب.. ورسول.. ومشرع.. وهادى الإنسان. 7- طور اندريه، وجورج فارسين فى كتابهما «العالم الشرق- عن الرسول- صلّى الله عليه وسلم- كان شجاعا يخوض المعركة بنفسه ليرد الثبات إلى قلوب الذين يضعفون. وكان رحيما بالضعفاء يأوى فى بيته عددا كبيرا من المحتاجين. وكان مع احتفاظه بهيبته كاملة. لبسيط الحركات لا يتكلف شيئا. بشوشا. سهل المعاملة. دقيق الحاشية. 8- السير (وليام ميور) الإنجليزى: فى كتابه «حياة محمد» ومن صفاته الجديرة بالتنويه والإجلال الرقة والاحترام. اللتان كان يعامل بهما أتباعه حتى أقلهم شأنا. فالتواضع والرأفة والإنسانية وإنكار الذات والسماحة والإخاء تغلغلت فى نفسه ووثقت به محبة كل من حوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 9- إدوار جورج فى كتابه «الأديان العظمى» عن النبى محمد إن ايمانه الذى لا يتزعزع برسالته الإلهية. وصدق دعوته لقيمه مثلا مزيدا فريدا فى التاريخ وأن اعتقاده بالغيب الذى هو لباب الكثير من وحيه لهو اللحمة التى تنسج حوله بشارته وعظاته. 10- جورج برنارد شو عن محمد صلّى الله عليه وسلم يجب أن يسمّى منقذ الإنسانية. وإنى أعتقد لو أن شخصا مثله تولى الحكم المطلق للعالم المعاصر، لنجح فى حل مشاكله بطريقة تجلب له «1» ما هو فى أشد الحاجة إليه من سلام وسعادة. 11- مايكل هارت لكن محمدا كان هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى بلغ أعلى درجات النجاح على المستويين الدينى والدنيوى. وبسبب هذا الجمع الذى لا نظير له بين الدين والدنيا، أرى أن محمدا من حقه أن يعتبر أعظم الشخصيات البارزة أثرا فى تاريخ الإنسانية. 12- إدوارد جيبون إن الانطباع النقى الكامل الذى حفره محمد- صلّى الله عليه وسلم- فى الأذهان فى مكة والمدنية، لا يزال مصونا إلى اليوم بعد انقضاء اثنى عشر قرنا. 13- فولتير إن عقيدة محمد خالية من الشك أو الغموض، والقرآن شهادة مجيدة على وحدانية الله.   (1) أى للعالم المعاصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 14- جورج برناردشو أيضا لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولا فى أوربا الغد، كما أنه بدأ يكون مقبولا فى أوربا اليوم. 15- تولوستوى أنا واحد من المبهورين بالنبى محمد الذى اختاره الله الواحد ليكون آخر الرسالات على يديه وقلبه وعقله.. فقد جاء محمد ليستكمل بالإسلام البناء الاجتماعى للإنسان فى كل مكان. لم يضغط النبى محمد، بأى طريقة، على أصحاب الديانات الآخرى، ليدخلوا فى دينه.. تحمل النبى محمد، عذابات كثيرة فى سبيل أن تصل دعوته للجميع وذلك دون أن يشهر سيفا. على العكس، لاقى النبى محمد، اضطهادا حتى من الذين اعترف بأديانهم وأنبيائهم، بل كانوا على رأس أعدائه، ومع ذلك ثابر وصابر، واستطاع أن يتم رسالته كاملة. لا يوجد نبى حظى باحترام أعدائه، سوى النبى محمد، مما جعل الكثرة من الأعداء يدخلون الإسلام. الذى يدعو للغرابة أن الذين كانوا يناصبونه العداء كانوا يعرفون حق المعرفة أن محمدا على حق وأنه يدعو لدين حق وكانوا فى قرارة نفوسهم يحترمونه، لكنهم كتموا هذا الاحترام حتى لا يتهموا بالبعد عن معتقداتهم. 16- نهرو فاقت أخلاق نبى الإسلام كل الحدود ونحن نعتبره قدوة لكل مصلح يود أن يسير بالعالم إلى سلام حقيقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 كان رسول الإسلام ولا يزال هو المنارة التى تضىء للمسلمين فى كل مكان وسنظل نحترم هذه المنارة التى تعمل من أجل الإنسان. 17- الأمير الإيطالى: ليونى كاتيانى لا أخفى عليكم أن حبى الجارف للإسلام وتاريخه المشرق نابع من شدة حبى وإعجابى برسول الإسلام الذى أوقف حياته ليهدى البشرية بتعاليمه التى كان تأثيرها فى نفسى هو الدافع الحقيقى لى كى أساهم فى دعم هذه الدعوة الخالصة. 18- أومبرتو رتزتانو لو أن محمدا رسول الله وصحبه وسط هذا العالم الآن لغيروه إلى الإسلام وجعلوا المخططات الموضوعة لضربه ترتد إلى صدور أصحابها إلى أن يقتنعوا بالإسلام فيصبحوا بعد فترة وجيزة دعاة له بل من أشد دعاته. 19- المستشرق الإيطالى: فرانشيسكو جابريللى إن الأقاويل غير المسئولة من بعض المستشرقين بأن محمدا مؤلف القرآن أقاويل باطلة- لا صحة لها. وما افتراآت المستشرقين إلا محاولة فاشلة للنيل من هذا الدين ومن نبيه. 20- المستشرق الإيطالى: ميكلانجلو اغناطيوس جويدى لم يأت محمد بدين من عنده وإلا ما كان هذا الدين مستمرا إلى يومنا هذا وأرى أن العالم سيعرف هذا الدين ذات يوم قريب. والذى يريد أن يتعرف على الإسلام أدعوه ليتعرف على سيرة المصطفى الذى تم اختياره وتدريبه وتأديبه من السماء ليكون أهلا للرسالة التى تم صنعه من الله لها منذ الأزل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 21- كارلو الفونسو فللينو- إيطالى- كان رسول الإسلام لا يعرف القراءة ولا الكتابة، نزل عليه وحى السماء بما حمل من عند الله، وكان قرآنا عجبا، ولا غرابة فلا يستطيع بشر أن يأتى بمثله. 22- الدكتورة الألمانية: سيجريد هونكه كان رسول الإسلام يعرف أن المرأة ستجد طريقها بجوار الرجل ذات يوم. لذا آثر أن تكون المرأة متدينة. لها لباس معين، حتى تقى نفسها شر النظرات وشر كشف العورات. ورجل بهذه العبقرية لا أستطيع أن أقول إلا أنه قدم للمجتمع أسمى آيات المثالية وأرفعها وكان جديرا أن تظل الإنسانية مدينة لهذا الرجل الذى غير مجرى التاريخ برسالته العظيمة. 23- كارل بروكلمان «جعل رسول الإسلام الجزيرة العربية نقطة انطلاق لرسالته العظيمة التى حوربت كثيرا ومازالت لكن الانتصار دائما للحق وما جاء محمد إلا بالحق والحقيقة» . 24- جوته- ألمانى- كان رسول الإسلام متواضعا محبّا للخير وجاءته رسالة الخير فاستطاع بمحبته لرسالته أن يجعلها تمتد وتنتشر وتضرب جذورها فى أعماق النفس البشرية التواقة دائما للتعرف على النواحى الإيجابية فى الحياة. لم يكن محمد شاعرا تفنن فى القول بل إن محمدا نبى مرسل لغرض مقدر مرسوم اختارته لهذا الغرض العناية الإلهية. كان رسول الإسلام معدّا إعدادا ربانيّا انفرد به من بين سابقيه من الرسل والأنبياء على كثرتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 25- الكسندرويب- أمريكى- أسلم وسمى نفسه (محمد ويب) «لم أجد فى الأنبياء جميعا أعظم ولا أكمل من محمد- صلّى الله عليه وسلم- وتعالوا أناقشكم فى ذلك أو اقرأوا كل شيء عنه وعن دينه وقارنوا بينه وبين سابقيه وبين رسالته العظيمة ورسالاتهم» . «اقرأوا بفهم وحيدة ستجدونه أعظم رسول ستجدونه رسالته أعظم الرسالات جميعا» . 26- آينشتين «أعتقد أن محمدا استطاع بعقلية واعية مدركة لما يقوم به اليهود أن يحقق هدفه فى إبعادهم عن النيل المباشر من الإسلام الذى مازال حتى الآن هو القوة التى خلقت ليحل بها السلام» . 27- جاك بيرك (فرنسى) لا شك أن الإسلام الذى اختار الخالق له محمدا كان جديرا بمحمد وكان محمد جديرا به. 28- لويس ماسيلنيون (فرنسى) لقد استطاع محمد رسول الله أن يحطم الأصنام ويحول القلوب والعقول إلى دين الله بقوة إيمانه بما يدعو إليه بكل الصدق الذى تحمل به الرسالة. 29- كليمان هياد (فرنسى) لم يكن محمد نبيا عاديا بل استحق عن جدارة أن يكون خاتم الأنبياء ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة فى نشر الدعوة لأصبح العالم مسلما. 30- جان جاك روسو (فرنسى) لم ير العالم حتى اليوم رجلا استطاع أن يحول العقول والقلوب من عبادة الأصنام إلى عبادة الإله الواحد إلا محمدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 رسالة محمد قوية أعطته قوة راح ينشر بها الرسالة فوجدت صدى غير عادى ولو أن محمدا عاش مدة أطول مما عاش لأصبح الإسلام ورسوله سادة العالم. 31- إدوارد لين (إنجليزى) أسلم وسمى نفسه (منصور) النبى محمد جاء بالأخلاق، وهى أخلاق عاشت وستظل إلى يوم البعث قائمة ولن ينال المغرضون الكارهون لنبى الإسلام منه شيئا وسيظل الإسلام شامخا بقرآنه وبالنبى محمد رغم أنف الكارهين. 32- رينولد ألين نيكولسن (إنجليزى) لم يحمل التاريخ لنا حتى اليوم وربما بعد اليوم عقلية فذة استطاعت أن تغير المفاهيم السياسية فى العالم بقدر ما حظيت به عقلية رسول الإسلام. 33- إدوارد هنرى بالمر (إنجليزى) أسلم وسمى نفسه (عبد الله) لم يكن محمد رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فعلا إلا رسولا قد خلت من قبله الرسل، أدبه ربه واصطفاه لأشمل وأعظم الرسالات وكان بالفعل جديرا بتحمل مسئوليتها بالصدق الذى تربى عليه. لست أدرى كيف يغيب عن ذهن الإنسان أن بالعالم دينا هو الإسلام وأن كتابه هو القرآن وأن نبيّه هو خاتم الأنبياء محمدا. 34- الفيلسوف الفرنسى: أوجست كونت إننى أقر وأعترف، بأن محمدا أصغر من إله ولكنه على كل حال أسمى من البشر، نعم إنه من البشر ولكنه أسمى وأكمل من البشر» . 35- توماس كارليل كان محمد مثلا للإخلاص، والوقوف بجانب الحق والعدالة فى كل ما يفعل وكل ما يقول وكل ما يفكر فيه. لم يكن محبا لنفسه، بل كان محبا لغيره، أمينا فى أداء رسالته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 36- جونسون: فى كتابه «أديان الشرق» إن تعليمات محمد ومبادءه عن الإنسانية والمثل العليا فى الدين وتواضعه ولبساطة حياته تجعله بطلا وعظيما.. وإننا نعتقد أن محمدا قد قام بما لم يقم به أحد ممن سبقه من الرسل، ولن يستطيع أى زعيم أو بطل أو عظيم أن يفعل ما فعله محمد. لقد ترك محمد من المبادئ المثالية والمثل العليا والنظم الإنسانية ما لم يتركه أحد قبله. لقد ترك مبادئ روحية خالدة ومثلا خلقية سامية، ونظما تشريعية لا يستطيع أحد الإتيان بمثلها، فهى من عند الله كاملة، تصلح لكل زمان وكل مكان فى العالم أجمع، فهو زعيم الزعماء حقا وبطل الأبطال غير منازع والمثل الأسمى للعظمة الإنسانية. 37- ليونارد «ليس على الأرض إنسان عرف ربه معرفة حقة كما عرفه محمد. لقد وهب بنى الجزيرة العربية حياته كلها لعبادة الله بإيمان قوى وغرض نبيل وهذا أمر لا ريب فيه. إن محمدا أعظم البشرية قاطبة، وأصدق إنسان وجد على وجه الأرض منذ بدء الخليقة» . 38- جورج برناردشو أيضا كنت على الدوام أنزل ديانة محمد منزلة كبيرة من الإعزاز والإكبار لعظمته التى لا تنكر.. ولقد قرأت الكثير عن محمد ودرست ما يدعو إليه هذا الرجل العظيم فأعجبت به ومن الواجب أن يدعى محمد المنقذ للإنسانية. 39- كارليل من الخطأ أن نعد محمدا رجلا كاذبا متصنعا، متذرعا بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع.. وما الرسالة التى أداها إلا الصدق والحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 40- جوته إلى المهاجر الأعظم: فى ديوانه الرائع (الديوان الشرقى للشاعر الغربى) يخاطب شاعر الألمان جوته، أستاذه الروحى الشاعر حافظ شيرازى فيقول: «أى حافظ! إن أغانيك لتبعث السكون.. وإننى مهاجر إليك بأجناس البشرية المحطمة، لتحملنا فى طريق الهجرة إلى المهاجر الأعظم محمد بن عبد الله..» «1» . ويقول جوته: «إننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد «2» ... ، ولقد بحثت فى التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته فى النبى محمد ... وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذى أخضع العالم كله بكلمة التوحيد» «3» . 41- ليوتولستوى ويقول الأديب الروسى (ليوتولستوى) والذى حرمته الكنيسة بسبب آرائه الحرة الجرئية: «أنا واحد من المبهورين بالنبى محمد الذى اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء.. ويكفيه فخرا أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام، وفتح لها طريق الرقى والمدنية» . 42- لامارتين ويقول الشاعر الفرنسى الشهير (لامارتين) : «أعظم حدث فى حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة   (1) (الديوان الشرقى للشاعر الغربى) جوته ص (31) ويعتبر هذا الديوان أهم وصاياه للأجيال. (2) (آفاق جديدة للدعوة) العلامة أنور الجندى (81) . (3) (شمس الدين تسطع على الغرب) ألغريد هونكه (465) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وخلود، من ذا الذى يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟! ومن هو الرجل الذى ظهر أعظم منه، عند النظر إلى جميع المقاييس التى تقاس بها عظمة الإنسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه الذى كان مكرسا لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوى هذه كلها تدل على إيمان كامل مكنه من إرساء أركان العقيدة. إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الآخرى الذى أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو محمد، لقد هدم الرسول المعتقدات التى تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق» «1» . 43- جورج برناردشو ويقول الفيلسوف الإنجليزى جورج برناردشو: «لقد درست محمدا باعتباره رجلا مدهشا، فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيح، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية، وأوربة بدأت فى العصر الراهن تفهم عقيدة التوحيد، وربما ذهبت إلى أبعد من ذلك، فتعترف بقدرة هذه العقيدة على حل مشكلاتها بطريقة تجلب السلام والسعادة! فبهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتى» «2» . «إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر فى الناس، قلنا إن محمدا رسول المسلمين أعظم عظاماء التاريخ، فقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم دينا واضحا قويا، استطاع آن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم» «3» . «لم يسجل التاريخ أن رجلا واحدا سوى محمد، كان صاحب رسالة وبانى أمة، ومؤسس دولة.. هذه الثلاثة التى قام بها محمد، كانت وحدة متلاحمة، وكان الدين هو القوة التى توحدها على مدى التاريخ» «4» .   (1) (السفر إلى الشرق) ص (277) . (2) عن «موسوعة مقدمات المناهج والعلوم» العلامة أنور الجندى (مجلد 8/ 211) . (3) المؤرخ ول ديورانت فى موسوعته (قصة الحضارة) المجلد الحادى عشر. (4) المؤرخ فيليب حتى، عن «مقدمات العلوم والمناهج» أنور الجندى (8/ 214) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 44- فولتير ويقول الفيلسوف الفرنسى فولتير: «لقد قام الرسول بأعظم دور يمكن لإنسان أن يقوم به على الأرض ... إن أقل ما يقال عن محمد أنه قد جاد بكتاب وجاهد، والإسلام لم يتغير قط، أما أنتم ورجال دينكم فقد غيرتم دينكم عشرين مرة» «1» . 45- مايكل هارت ويقول مايكل هارت فى كتاب «المائة الأوائل: «كان محمد الرجل الوحيد فى التاريخ الذى نجح فى مهمته إلى أقصى حد، سواء على المستوى الدينى أم على المستوى الزمنى» «2» . 46- د. هانز كونج أما عالم اللاهوت السويسرى المعاصر د. هانز كونج والذى يعتقد أن المسيح إنسان ورسول فحسب اختاره الله، فيقول: «محمد نبى حقيقى بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمدا هو المرشد القائد على طريق النجاة» «3» . 47- أرنولد توينبى ومما يميز حياة الرسول الخاتم- صلّى الله عليه وسلم- أن حياته وسيرته وشمائله كلها قد حفظها لنا التاريخ، فليس ثمة غموض فى أى ناحية من حياته وسيرته. وقد اعترف بهذه الحقيقة كبار المؤرخين الغربيين. فالمؤرخ البريطانى الشهير (أرنولد توينبى) يقول: الذين يريدون أن يدرسوا السيرة النبوية العطرة يجدون أمامهم من الأسفار مما لا يتوافر مثله للباحثين فى حياة أى نبى من أنبياء الله الكرام «4» .   (1) نقلا عن «جوته والعالم العربى» كاتارينا مومزن (181 و 355) . (2) «المائة الأوائل» مايكل هارت (33) . (3) عن «الإسلام نهر يبحث عن مجرى» الدكتور شوقى أبو خليل (15) . (4) «مدخل تاريخى للدين» توينبى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 48- الكونت كاتيانى ويقول الكاتب كاتيانى فى كتابه «تاريخ الإسلام» : «أليس الرسول جديرا بأن تقدّم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التى جاء بها لينشر فى العالم الحب والسلام؟! وإن الوثائق الحقيقية التى بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها، فتاريخ عيسى وما ورد فى شأنه فى الإنجيل لا يشفى الغليل» . 49- المستشرق غوستاف لوبون ويقول المستشرق المعروف غوستاف لوبون: «نعرف ما فيه الكفاية عن حياة محمد، أما حياة المسيح فمجهولة تقريبا، وإنك لن تطمع أن تبحث عن حياته فى الأناجيل» «1» . 50- ر. ف. بودلى ويلح ّ ر. ف. بودلى على هذا المعنى فيقول: «لا نعرف إلا شذرات عن حياة المسيح، أما فى سيرة محمد فنعرف الشيء الكثير، ونجد التاريخ بدل الظلال والغموض» «2» . 51- المستشرق هيل ويقول المستشرق هيل فى كتابه «حضارة العرب» : «لقد أخرج محمد للوجود أمة، ومكن لعبادة الله فى الأرض، ووضع أسس العدالة والمساواة الاجتماعية، وأحل النظام والتناسق والطاعة والعزة فى أقوام لا تعرف غير الفوضى» .   (1) «حياة الحقائق» غوستاف لوبون ص (62) . (2) «حياة محمد» المستشرق بودلى ص (6) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 52- المستشرق جان ليك ويقول المستشرق الإسبانى جان ليك فى كتابه «العرب» : «لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ كان محمد رحمة حقيقية، وإنى أصلى عليه بلهفة وشوق» «1» . 53- المؤرخ كريستوفر دارسون ويقول المؤرخ كريستوفر دارسون فى كتابه «قواعد الحركة فى تاريخ العالم» : «إن الأوضاع العالمية تغيرت تغيرا مفاجئا فرد واحد ظهر فى التاريخ هو محمد» . 54- العلامة شيريل ويقول العلامة شيريل، عميد كلية الحقوق بفيينا: «إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها» «2» . 55- الباحث كليمان هوارت ويقول الباحث الفرنسى كليمان هوارت: «لم يكن محمد نبيا عاديا، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء، لأنه قابل كل الصعاب التى قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بنى قومه.. نبى ليس عاديا من يقسم أنه «لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها» ! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة فى نشر الدعوة لأصبح العالم مسلما» «3» .   (1) المستشرق الإسبانى جان ليك (العرب) (43) . (2) عن (هذا ديننا) محمد الغزالى (254) . (3) عن «محمد فى الآداب العالمية المنصفة» (142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 56- بوشكين ويقول الشاعر الروسى الشهير «بوشكين» : «شقّ الصدر، ونزع منه القلب الخافق.. غسلته الملائكة، ثم أثبت مكانه! قم أيها النبى وطف العالم ... وأشعل النور فى قلوب الناس» «1» . 57- مهاتما غاندى «أردت أن أعرف صفات الرجل الذى يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التى من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه فى الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة فى ربه وفى رسالته. هذه الصفات هى التى مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائى من قراءة الجزء الثانى من حياة الرسول وجدت نفسى آسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة» «2» . 58- راما كريشنا راو «لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما فى استطاعتى أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة، فهناك محمد النبى، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامى العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضى، كل هذه الأدوار الرائعة فى كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا» «3» .   (1) «قصائد شرقية» ألكسندر بوشكين ص (45) . (2) مهاتما غاندى فى حديث لجريدة «ينج إنديا» وتكلم فيه عن صفات سيدنا محمد- صلّى الله عليه وسلم-. (3) البروفسور راما كريشنا راو فى كتابه «محمد النبى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 59- ساروجنى ندو شاعرة الهند: «يعتبر الإسلام أول الأديان مناديا ومطبقا للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية فى المسجد خمس مرات فى اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروى والملك جنب لجنب اعترافا بأن الله أكبر.. ما أدهشنى هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتى جعلت من كل رجل بشكل تلقائى أخا للآخر» . 60- المفكر الفرنسى لامرتين «إذا كانت الضوابط التى تقيس بها عبقرية الإنسان هى سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذى يجرؤ أن يقارن أيا من عظاماء التاريخ الحديث بالنبى محمد صلّى الله عليه وسلم فى عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم. لكن هذا الرجل محمدا صلّى الله عليه وسلم لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان، والأفكار والمعتقدات الباطلة. لقد صبر النبى وتجلد حتى نال النصر (من الله) . كان طموح النبى صلّى الله عليه وسلم موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبى الدائمة ومناجاته لربه ووفاته- صلّى الله عليه وسلم- وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذى أعطى النبوة الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله «ألا وهى الوحدانية» ، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى «وهو المادية والمماثلة للحوادث» . لتحقيق الأول كان لابد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثانى فقط تطلب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 هذا هو محمد- صلّى الله عليه وسلم- الفيلسوف، الخطيب، النبى، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التى تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية فى الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد- صلّى الله عليه وسلم-. بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبى محمد- صلّى الله عليه وسلم- «1» . 61- مونتجومرى إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة فى شخصه. فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظاماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد «2» . 62- بوسورث سميث لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا فى آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها «3» .   (1) لامرتين من كتاب «تاريخ تركيا» ، باريس، 1854، الجزء الثانى، صفحة 276- 277. (2) مونتجومرى وات، من كتاب «محمد فى مكة» ، 1953، صفحة 52. (3) بوسورث سميث، من كتاب «محمد والمحمدية» ، لندن 1874، صفحة 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 63- جيبون أوكلى ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور، فما زال الانطباع الرائع الذى حفره محمد فى مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة فى نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثى العهد بالقرآن، رغم مرور اثنى عشر قرنا من الزمان. لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة فى مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» هى ببساطة شهادة الإسلام ... ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله- عز وجل- بوجود أى من الأشياء المنظورة التى كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبى وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه فى الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة فى نطاق العقل والدين «1» . 64- الدكتور زويمر إن محمدا كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضا بأنه كان مصلحا قديرا وبليغا فصيحا وجريئا مغوارا، ومفكرا عظيما، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافى هذه الصفات، وهذا قرآنه الذى جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء «2» . 65- سانت هيلر كان محمد رئيسا للدولة وساهرا على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك   (1) إدوارد جيبون وسيمون أوكلى، من كتاب «تاريخ إمبراطورية الشرق» ، لندن 1870، صفحة 54. (2) الدكتور زويمر الكندى مستشرق كندى ولد 1813- 1900 قال فى كتابه «الشرق وعاداته» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الجماعات الوحشية التى كان يعيش النبى بين ظهرانيها، فكان النبى داعيا إلى ديانة الإله الواحد وكان فى دعوته هذه لطيفا ورحيما حتى مع أعدائه، وإن فى شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التى تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة «1» . 66- إدوار مونته عرف محمد بخلوص النية والملاطفة وإنصافه فى الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين، وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظا على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم «2» . 67- برناردشو أيضا إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل فى تفكير محمد، هذا النبى الذى وضع دينه دائما موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالدا خلود الأبد، وإنى أرى كثيرا من بنى قومى قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح فى هذه القارة (يعنى أوروبا) . إن رجال الدين فى القرون الوسطى، ونتيجة للجهل أو التعصب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدوّا للمسيحية، لكننى اطلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوا للمسيحية، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية، وفى رأيى أنه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفق فى حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التى يرنو البشر إليها «3» .   (1) العلامة برتلى سانت هيلر الألمانى مستشرق ألمانى ولد فى درسدن 1793 توفى 1884 قاله فى كتابه «الشرقيون وعقائدهم» . (2) الفيلسوف إدوار مونته الفرنسى مستشرق فرنسى ولد فى بلدة لوكادا 1817- 1894 قاله فى آخر كتابه «العرب» . (3) برناردشو الإنجليزى ولد فى مدينة كانيا 1817- 1902 له مؤلف أسماه (محمد) ، وقد أحرقته السلطة البريطانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 68- السير موير إن محمدا نبى المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمدا أسمى من أن ينتهى إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر فى تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذى ترك محمدا فى طليعة الرسل ومفكرى العالم «1» . 69- سنرستن الآسوجى إننا لم ننصف محمدا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة فى وجه الجهل، مصرّا على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظاماء التاريخ «2» . 70- المسترسنكس ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة. إلى أن قال: إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقيّا كبيرا جدّا فى العالم، وخلّصت العقل الإنسانى من قيوده الثقيلة التى كانت تأسره حول الهياكل بين يدى الكهان. ولقد توصل محمد- بمحوه كل صورة فى المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق- إلى تخليص الفكر الإنسانى من عقيدة التجسيد الغليظة «3» .   (1) السير موير الإنجليزى فى كتابه «تاريخ محمد» . (2) العلامة سنرستن الآسوجى: مستشرق آسوجى ولد عام 1866، أستاذ اللغات السامية، ساهم فى دائرة المعارف، جمع المخطوطات الشرقية، محرر مجلة (العالم الشرقى) له عدة مؤلفات منها: «القرآن الإنجيل المحمدى» ومنها: «تاريخ حياة محمد» . (3) المستر سنكس الأمريكى: مستشرق أمريكى ولد فى بلدته بالاى عام 1831، توفى 1883 فى كتابه «ديانة العرب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 71- آن بيزيت من المستحيل لأى شخص يدرس حياة وشخصية نبى العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبى وكيف علّم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبى الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أننى سوف أعرض فيما أروى لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإننى أشعر فى كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربى العظيم. فلو نظرت إلى النساء اللاتى تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سببا إما فى الدخول فى تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التى تزوجها فى حاجة ماسة للحماية «1» . 72- مايكل هارت «2» إن اختيارى محمدا، ليكون الأول فى أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد فى التاريخ كله الذى نجح أعلى نجاح على المستويين: الدينى والدنيوى. فهناك رسل وأنبياء وحكماء بدؤا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح فى المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى فى اليهودية، ولكن محمدا هو الوحيد الذى أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها فى حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه فى هذا المجال الدنيوى أيضا، وحدّ القبائل فى شعب، والشعوب فى أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها فى موضع الانطلاق إلى العالم. أيضا فى حياته، فهو الذى بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها.   (1) آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر 1932. (2) مايكل هارت: فى كتابه مائة رجل من التاريخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 73- تولستوى يكفى محمد فخرا أنّه خلّص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرّقى والتقدم، وأنّ شريعة محمد، ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة «1» . 74- شيراك النمساوى إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ أنّه رغم أمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنا أن يأتى بتشريع، سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته. 75- شهادة الفيلسوف الإنجليزى توماس كارليل (أيضا) كل عاقل منصف لا يسعه إلا التصديق برسالة النبى- صلّى الله عليه وسلم- ذلك أن الأمارات الكثيرة شاهدة ناطقة بصدقه. ولا ريب أن شهادة المخالف لها مكانتها؛ فالفضل- كما قيل- ما شهدت به الأعداء. وفيما يلى شهادة للفيلسوف الإنجليزى الشهير «توماس كارليل» الحائز على جائزة نوبل، حيث قال فى كتابه «الأبطال» كلاما طويلا عن النبى- صلّى الله عليه وسلم- يخاطب به قومه النصارى، ومن ذلك قوله: «لقد أصبح من أكبر العار على أى فرد متحدث هذا العصر أن يصغى إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمدا خدّاع مزوّر. وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة؛ فإن الرسالة التى أدّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثنى عشر قرنا لنحو مائتى مليون من الناس، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التى عاش   (1) ليف تولستوى «1828- 1910» الأديب العالمى الذى يعد أدبه من أمتع ما كتب فى التراث الإنسانى قاطبة عن النفس البشرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة؟! أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأى أبدا، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم مثل هذا القبول، فما الناس إلا بلة مجانين، فوا آسفا! ما أسوأ هذا الزعم، وما أضعف أهله، وأحقهم بالرثاء والرحمة. وبعد، فعلى من أراد أن يبلغ منزلة ما فى علوم الكائنات ألا يصدق شيئا البتة من أقوال أولئك السفهاء؛ فإنها نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهى دليل على خبث القلوب، وفساد الضمائر، وموت الأرواح فى حياة الأبدان. ولعل العالم لم ير قط رأيا أكفر من هذا وألأم، وهل رأيتم قط معشر الإخوان، أن رجلا كاذبا يستطيع أن يوجد دينا وينشره علنا؟ والله إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يا بنى بيتا من الطوب؛ فهو إذا لم يكن عليما بخصائص الجير، والجص، والتراب، وما شاكال ذلك- فما ذلك الذى يبنيه ببيت، وإنما هو تل من الأنفاق، وكثيب من أخلاط المواد. نعم، وليس جديرا أن يبقى على دعائمه اثنى عشر قرنا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه، فينهدم؛ فكأنه لم يكن» . إلى أن قال: «وعلى ذلك، فلسنا نعدّ محمدا هذا قط رجلا كاذبا متصنعا، يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته، ويطمح إلى درجة ملك أو سلطان، أو إلى غير ذلك من الحقائر. وما الرسالة التى أدّاها إلا حق صراح، وما كلمته إلا قول صادق. كلا، ما محمد بالكاذب، ولا الملفّق، وهذه حقيقة تدفع كل باطل، وتدحض حجة القوم الكافرين. ثم لا ننسى شيئا آخر، وهو أنه لم يتلق دروسا على أستاذ أبدا، وكانت صناعة الخط حديثة العهد إذ ذاك فى بلاد العرب- وعجيب وايم الله أميّة العرب- ولم يقتبس محمد من نور أى إنسان آخر، ولم يغترف من مناهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 غيره، ولم يكن إلا كجميع أشباهه من الأنبياء والعظماء، أولئك الذين أشبّههم بالمصابيح الهادية فى ظلمات الدهور. وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم بعيدا، كريما برّا، رؤوفا، تقيا، فاضلا، حرا، رجلا، شديد الجد، مخلصا، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان- على العموم- تضىء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق؛ لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله» . إلى أن قال: «كان عادلا، صادق النية، كان ذكى اللب، شهم الفؤاد، لوذعيّا، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئا نورا، رجلا عظيما بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غنى عن ذلك. ويزعم المتعصبون من النصارى والملحدين أن محمدا لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية، ومفاخر الجاه والسلطان. كلا- وايم الله- لقد كان فى فؤاد ذلك الرجل ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرا وحكمة، وحجى- أفكار غير الطمع الدنيوى، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا، وتلك نفس صامدة كبيرة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين؛ فبينما ترى آخرين يرضون الاصطلاحات الكاذبة، ويسيرون طبق الاعتبارات الباطلة إذ ترى محمدا لم يرض أن يتلفّع بمألوف الأكاذيب، ويتوشح بمبتدع الأباطيل. لقد كان منفردا بنفسه العظيمة، وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سرّ الوجود يسطع لعينيه- كما قلت- بأهواله، ومخاوفه، وروانقه، ومباهره، ولم يكن هناك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكان لسان حال ذلك السر الهائل يناجيه: ها أنا ذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهى مقدس، فإذا تكلم هذا الرجل فكل الآذان برغمها صاغية، وكل القلوب واعية، وكل كلام ما عدا ذلك هباء، وكل قول جفاء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 إلى أن قال: «إذا فلنضرب صفحا عن مذهب الجائرين أن محمدا كاذب، ونعد موافقتهم عارا، وسبة، وسخافة، وحمقا؛ فلنربأ بأنفسنا عنه» . إلى أن قال: «وإن دينا آمن به أولئك العرب الوثنيون، وأمسكوه بقلوبهم النارية لجدير أن يكون حقا، وجدير أن يصدق به. وإنما أودع هذا الدين من القواعد هو الشيء الوحيد الذى للإنسان أن يؤمن به. وهذا الشيء هو روح جميع الأديان، وروح تلبس أثوابا مختلفة، وأثوابا متعددة، وهى فى الحقيقة شيء واحد. وباتباع هذه الروح يصبح الإنسان إماما كبيرا لهذا المعبد الأكبر- الكون- جاريا على قواعد الخالق، تابعا لقوانينه، لا مجادلا عبثا أن يقاومها ويدافعها. لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة، والنحل الباطلة، فابتلعها، وحق له أن يبتلعها؛ لأنه حقيقة، وما كان يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب، وجدليات النصرانية، وكل ما لم يكن بحق؛ فإنها حطب ميت» . إلى أن قال: «أيزعم الأفّاكون الجهلة أنه مشعوذ ومحتال؟ كلا، ثم كلا، ما كان قط ذلك القلب المحتدم الجائش كأنه تنور فكر يتأجج- ليكون قلب محتال ومشعوذ، لقد كانت حياته فى نظره حقّا، وهذا الكون حقيقة رائعة كبيرة» . إلى أن قال: «مثل هذه الأقوال، وهذه الأفعال ترينا فى محمد أخ الإنسانية الرحيم، أخانا جميعا الرؤوف الشفيق، وابن أمنا الأولى، وأبينا الأول. وإننى لأحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار رجلا مستقل الرأى، لا يقول إلا عن نفسه، ولا يدّعى ما ليس فيه، ولم يكن متكبرا، ولكنه لم يكن ذليلا ضارعا، يخاطب بقوله الحرّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة، وللحياة الآخرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وكان يعرف لنفسه قدرها، ولم تخل الحروب الشديدة التى وقعت له مع الأعراب مع مشاهد قوة، ولكنها كذلك لم تخل من دلائل رحمة وكرم وغفران، وكان محمد لا يعتذر من الأولى، ولا يفتخر بالثانية» . إلى أن قال: «وما كان محمد بعابث قط، ولا شاب شيئا من قوله شائبة لعب ولهو، بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسألة فناء وبقاء، ولم يكن منه بإزائها إلا الإخلاص الشديد، والجد المرير. فأما التلاعب بالأقوال، والقضايا المنطقية، والعبث بالحقائق- فما كان من شأنه قط، وذلك عندى أفظع الجرائم؛ إذ ليس هو إلا رقدة القلب، ووسن العين عن الحق، وعيشة المرء فى مظاهر كاذبة. وفى الإسلام خلّة أراها من أشرف الخلال وأجلها وهى التسوية بين الناس، وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأى؛ فنفس المؤمن رابطة بجميع دول الأرض، والناس فى الإسلام سواء» . إلى أن قال: «وسع نوره الأنحاء، وعمّ ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال بالجنوب، والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل فى الهند، ورجل فى الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقبا عديدة، ودهورا مديدة بنور الفضل والنبل، والمروءة، والبأس، والنجدة، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة» «1» .   (1) من إعداد محمود أحمد إسماعيل منقول من شبكة الإنترنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 الفصل الثالث كيف نواجه حملات تشويه صورة النبى ص فى الغرب؟ 1- من (يدافع) اليوم عن نبى الإسلام؟ تسابق الغرب بخيله ورجله من أجل إيذاء النبى محمد صلّى الله عليه وسلم وما يأذون إلا أنفسهم لو كانوا يعلمون وتفنن بكل ما أوتى من وسائل كى يضع الإسلام موضع المتهم حتى ينفر منه أهل الأرض جميعا ورب ضارة نافعة فإن الأحداث السابقة علمتنا أن أعدادا كثيرة من أمريكا وبلاد الغرب دخلت الإسلام بعد أن قرؤا عن الإسلام فى الكتب الدينية الإسلامية التى ازدادت مبيعاتها من ذى قبل أقصد قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر وكما قيل: إن الله تعالى لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ومن يدرى؟ ربما يتشوق أهل الغرب إلى معرفة سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم الذى يكال له السباب والشتائم فيعلمون خلقه العظيم فيدخلون فى دين الله أفواجا. صورشتى للإيذاء ازدادت الإهانات للإسلام والمسلمين حتى وصلت ذروتها فى الإساءة إلى شخص الرسول الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم ولا يكاد يمر عام إلا ونسمع عن إساءة من نوع ما، فقد أنتجت شركة للأحذية فى الصين نوعا من الأحذية طبع على أسفله لفظ الجلالة، وفى الصين أيضا أنتج مصنع للملابس الداخلية نوعا كتب عليه آيات من القرآن الكريم وفى أمريكا كتبت عبارات مسيئة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الإسلام على غلاف نوع من المشروبات الغازية أما فى هولندا فقد عرضوا صور لنساء عاريات كتبن على أجسادهن آيات من القرآن الكريم أما الفاجعة الأخيرة فقد كانت من الدانمارك حيث رسمت صور كاريكاتورية للرسول صلّى الله عليه وسلم فى صور قبيحة تم نشرها على صفحات «الإنترنت» وكل هذا غيض من فيض وكأننا أمام الجاهلية الأولى حينما كان المشركون يقولون عن النبى صلّى الله عليه وسلم إنه ساحر، كاهن، مجنون، شاعر وادعى ابن الحارث يومها أن حكاياته الساذجة التى ذهب وتعلمها فى بلاد الفرس أحسن مما يقوله محمد صلّى الله عليه وسلم وأحسن من الوحى الذى يتنزل عليه وألقوا على ظهره الشريف سلا الجذور (أحشاؤه) وهو يصلى وتفل ابو جهل فى وجهه الشريف ونهاه عن الصلاة فى الكعبة والطواف بها، وجميع هذه المواقف سجلها القرآن الكريم آيات تتلى إلى قيام الساعة. من يقف وراء هذه الهجمات؟ العجيب فى هذه الهجمات والحملات المسعورة أنها مدعومة من الحكومات الرسمية حيث تم تكريم كل من يسىء إلى الإسلام أو يشوه صورته ولا يشك عاقل لبيب أن اللوبى اليهودى يقف خلف هذه الحملات ويدعمها بالأموال الطائلة والدليل على ما نقول أنها لو كانت حرية فكر كما يدعون فلماذا لا تطول هذه الحرية عقيدة سوى الإسلام؟ ولا يجرؤ هؤلاء أن يسخروا مثلا من العقيدة اليهودية ولو بكلمة واحدة وقد قتل أحد المفكرين الغربيين لمجرد أنه أراد تصحيح عدد المقتولين من اليهود فى محرقة (الهولوكوست) المزعومة فاليهود لا يكلون أو يملون ابدا من الإساآت إلى الاسلام والرسول صلّى الله عليه وسلم وما «الفرقان الحق» الذى ادعوا- زورا وبهتانا- أنه القرآن الصحيح إلا نتاج بنات أفكار اليهود وإفكهم. محبتنا لديننا ولنبينا محمد صلّى الله عليه وسلم ليست كلاما إن محبتنا لديننا ونبينا محمد صلّى الله عليه وسلم ليست كلاما تنطقه الشفتان بل يجب أن يكون نصرة حقة له ولما جاء به فقد ورد فى صفات أتباع النبى صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (الحشر: 8) وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40) ومعنى نصره، أى نصر دينه ومنهجه ودعوته بكل وسيلة بالسيف والقلم والنفس والمال. قال الله تعالى إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفتح: 8- 9 ) وحينما اشتد الإيذاء بالمسلمين والنبى صلّى الله عليه وسلم ايقظ همم أصحابه ليردوا على هؤلاء فقال صلّى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم فى صحيحه: «من يردهم عنا وله الجنة؟» وعلى الفور تفانى الصحابة فى الدفاع عن النبى صلّى الله عليه وسلم وعن الإسلام، فقد روى البخارى فى صحيحه عن قيس بن أبى حازم رضي الله عنه قال: «رأيت يد طلحة أشلاء وقى بها النبى صلّى الله عليه وسلم يوم أحد» . ولعلنا نتذكر ما قاله أنس بن النضر رضي الله عنه يوم أحد حين كر المشركون على المسلمين وانكشف جيش المسلمين: اللهم إنى اعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعنى أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء- يعنى المشركين- ثم تقدم، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النظر إنى لأجد ريحها من دون أحد» . قال فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه» . رواه البخارى ومسلم وأحمد. وتترست أم عمارة تقيه السهام حتى بدا جسدها كالقنفذ من كثرة ما رشق فيه من سهام. وتسابق الطفلان معوذ ومعاذ من أجل قتل أبى جهل فرعون هذه الأمة لأنهما علما أنه سب النبى صلّى الله عليه وسلم وهذا سعد بن الربيع رضي الله عنه يقول وهو فى النزع الأخير فى غزوة أحد: «يا سعد بن معاذ، قل لقومى من الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، ثم فاضت روحه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 2- كيف نواجه هذه الحملات المغرضة؟ إن المسلمين يملكون آليات كثيرة للذب عن الإسلام ومواجهة هذه الحملات الغوغائية سواء أكان على المستوى الرسمى أو التمثيل الدبلوماسى وسفارات وقنصليات الدول المسلمة أو عن طريق المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان إلا إننا نؤكد على دور المنظمات الإسلامية التى يحب أن تتكاتف وتتعاون على الوقوف بكل حزم لهذه الهجمات فتعقد المؤتمرات والندوات القائمة على الحوار مع الآخر لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وشريعته. لذا يجب العمل على المشاركة الفاعلة فى وسائل الإعلام الغربية لبث برامج أو نشر صفحات فى جرائد مشهورة مدفوعة الأجر، كما لا ينبغى أن نغافل دور المؤسسات الثقافية ودور النشر والترجمة، فهى مطالبة بتوزيع الكتب والنشرات للتعريف بالإسلام بلغات هؤلاء الذين ضللهم الإعلام الغربى ولا نغافل عما قاله المفكرون المنصقون من الغرب من أمثال «جوستاف ليبون» و «برنارد شو» و «روجيه- رجاء- جارودى» وغيرهم فقد مدحوا شريعة الإسلام وقالوا فى نبى الإسلام محمد صلّى الله عليه وسلم قولا عادلا محقا فيا حبذا لو جمعت أقوال هؤلاء وترجمت ووصلت إلى العوام من أهل الغرب. إن كل ما ذكرناه من حلول وآليات لصد هذه الهجمات على الإسلام تتطلب الدعم المادى من الحكومات ومن أهل الخير للإنفاق على هذه المتطلبات ولا نتحجج بأنها تحتاج إلى مال كثير فلا شيء أغلى وأثمن عندنا من الإسلام ومن حبيبنا محمد صلّى الله عليه وسلم وإذا نجحنا فى التصدى لهم فلنستبشر بقول النبى صلّى الله عليه وسلم «من يردهم عنا وله الجنة؟» فهل نستطيع ردهم وإلجامهم حجرا؟ أم نتراخى ونتكاسل ونكتفى بالمشاهدة ومص الشفتين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 3- مائة وسيلة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إن أول ركن من أركان الإسلام العظيمة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وتحقيق الشطر (النصف) من الشهادتين وهو شهادة أن محمدا رسول الله تتم من خلال الأمور التالية: أولا: تصديق النبى صلّى الله عليه وسلم فى كل ما أخبر به، وأوله أنه رسول الله ومبعوثه إلى الجن والإنس «1» كافة لتبليغ وحيه تعالى بالقرآن والسنة المتضمنين لدين الإسلام الذى لا يقبل الله تعالى دينا سواه. ثانيا: طاعته والرضا بحكمه، والتسليم له التسليم الكامل، والانقياد لسنته والاقتداء بها، ونبذ ما سواها. ثالثا: محبته صلّى الله عليه وسلم فوق محبة الوالد والولد والنفس، مما يترتب عليه تعظيمه، وإجلاله، وتوقيره، ونصرته، والدفاع عنه، والتقيد بما جاء عنه. فعلى كل مسلم؛ أن يسعى لتحقيق هذا المعنى، ليصح إيمانه، وليحقق الشطر الثانى من كلمة التوحيد، ولتقبل شهادته بأن محمدا رسول الله، فإن المنافقين قالوا: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (المنافقون: 1) ، فلن تنفعهم شهادتهم، لأنهم لم يحققوا معناها. وإليك بعض الأمور التى يمكننا من خلالها العمل بمقتضى تلك المحبة، وواجب القيام بذلك الحق للنبى صلّى الله عليه وسلم تجاه هذه الهجمة الشرسة عليه أن نفديه بأولادنا ووالدينا وأنفسنا وأموالنا، كل على قدر إمكانياته، فالكل يتحمل مسؤوليته ومن خلال موقعه:   (1) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ والعالمين: عالم الإنس وعالم الجن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 على مستوى الفرد 1- التفكير فى دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلم القاطعة بأنه رسول رب العالمين، وأصلها القرآن الكريم، وما تضمنه من دلائل على صدق نبوته صلّى الله عليه وسلم. 2- تعلم الأدلة من القرآن والسنة والإجماع الدالة على وجوب طاعة النبى صلّى الله عليه وسلم، والأمر باتباعه، والاقتداء به صلّى الله عليه وسلم. 3- العلم والمعرفة بحفظ الله لسنة نبيه صلّى الله عليه وسلم، وذلك من خلال الجهود العظيمة التى قام بها أهل العلم على مر العصور المختلفة، فبينوا صحيحها من سقيمها، وجمعوها على أدق الأصول التى انفردت بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم السالفة. 4- استشعار محبته صلّى الله عليه وسلم فى القلوب بتذكر كريم صفته الخلقية والخلقية، وقراءة شمائله وسجاياه الشريفة، وأنه قد اجتمع فيه الكمال البشرى فى صورته وفى أخلاقه صلّى الله عليه وسلم. 5- استحضار عظيم فضله وإحسانه صلّى الله عليه وسلم على كل واحد منا، إذ أنه هو الذى بلغنا دين الله تعالى أحسن بلاغ وأتمه وأكمله، فقد بلغ صلّى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، ورسولا عن قومه. 6- عزو كل خير دنيوى وأخروى نوفق إليه ونتنعم به إليه صلّى الله عليه وسلم بعد فضل الله تعالى ومنته، إذ كان هو صلّى الله عليه وسلم سبيلنا وهادينا إليه، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيّا عن أمته. 7- استحضار أنه صلّى الله عليه وسلم أرأف وأرحم وأحرص على أمته. قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (الأحزاب: 6) . 8- التعرف على الآيات والأحاديث الدالة على عظيم منزلته صلّى الله عليه وسلم عند ربه، ورفع قدره عند خالقه، ومحبة الله عز وجل له، وتكريم الخالق سبحانه له غاية التكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 9- الالتزام بأمر الله تعالى لنا بحبه صلّى الله عليه وسلم، بل تقديم محبته صلّى الله عليه وسلم على النفس، لقوله صلّى الله عليه وسلم: (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) . 10- الالتزام بأمر الله تعالى لنا بالتأدب معه صلّى الله عليه وسلم ومع سنته لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (الحجرات: 3) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (الحجرات: 3) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (النور: 63) . 11- الانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عن النبى صلّى الله عليه وسلم ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به، أو نقص ينسب إليه، كما قال تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) . 12- استحضار النية الصادقة واستدامتها لنصرته، والذب عنه صلّى الله عليه وسلم. 13- استحضار الثواب الجزيل فى الآخرة لمن حقق محبة النبى صلّى الله عليه وسلم على الوجه الصحيح، بأن يكون رفيق المصطفى صلّى الله عليه وسلم فى الجنة، لقوله صلّى الله عليه وسلم لمن قال إنى أحب الله ورسوله: (أنت مع من أحببت) . 14- الحرص على الصلاة على النبى صلّى الله عليه وسلم كلما ذكر، وبعد الأذان، وفى يوم الجمعة، وفى كل وقت، لعظيم الأجر المترتب على ذلك، ولعظيم حقه صلّى الله عليه وسلم علينا. 15- قراءة سيرة النبى صلّى الله عليه وسلم الصحيحة، مع الوقوف على حوادثها موقف المستفيد من حكمها وعبرها، والاستفادة من الفوائد المستخلصة من كل حادث منها، ومحاولة ربطها بحياتنا وواقعنا. 16- تعلم سنته صلّى الله عليه وسلم، بقراءة ما صححه أهل العلم من الأحاديث المروية عنه صلّى الله عليه وسلم، مع محاولة فهم تلك الأحاديث، واستحضار ما تضمنته تلك التعاليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 النبوية من الحكم الجليلة والأخلاق الرفيعة والتعبد الكامل لله تعالى، والخضوع التام للخالق وحده. 17- اتباع سنته صلّى الله عليه وسلم كلها، مع تقديم الأوجب على غيره. 18- الحرص على الاقتداء به صلّى الله عليه وسلم فى المستحبات، ولو أن نفعل ذلك المستحب مرة واحدة فى عمرنا، حرصا على الاقتداء به فى كل شيء. 19- الحذر والبعد عن الاستهزاء بشيء من سنته صلّى الله عليه وسلم. 20- الفرح بظهور سنته صلّى الله عليه وسلم بين الناس. 21- الحزن لاختفاء بعض سنته صلّى الله عليه وسلم بين البعض من الناس. 22- بغض أى منتقد للنبى صلّى الله عليه وسلم أو سنته. 23- محبة آل بيته صلّى الله عليه وسلم من أزواجه وأقاربه المسلمين وذريته، والتقرب إلى الله تعالى بمحبتهم لقرابتهم من النبى صلّى الله عليه وسلم ولإسلامهم، ومن كان عاصيا منهم أن نحرص على هدايته لأن هدايته أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من هداية غيره، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (مهلا يا عباس لإسلامك يوم أسلمت كان أحب لى من إسلام الخطاب، ومالى إلا أنى قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب) . 24- العمل بوصية النبى صلّى الله عليه وسلم فى آل بيته، عندما قال: (أذكركم الله فى أهل بيتى) ثلاثا «1» . 25- محبة أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم وتوقيرهم واعتقاد فضلهم على من جاء بعدهم فى العلم والعمل والمكانة عند الله تعالى. 26- محبة العلماء وتقديرهم، لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة فالعلماء هم ورثة الأنبياء، فلهم حق المحبة والإجلال، وهو من حق النبى صلّى الله عليه وسلم على أمته.   (1) ذكر هذه الجملة ثلاث مرات للتوكيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 على مستوى الأسرة والمجتمع 27- تربية الأبناء على محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم. 28- تربية الأبناء على الاقتداء بالرسول صلّى الله عليه وسلم فى جميع أحواله. 29- اقتناء الكتب عن سيرته صلّى الله عليه وسلم. 30- اقتناء الأشرطة عن سيرته صلّى الله عليه وسلم. 31- انتقاء الأفلام الكرتونية ذات المنهج الواضح فى التربية. 32- تخصيص درس أو أكثر فى الأسبوع عن السيرة تجتمع عليه الأسرة. 33- اقتداء الزوج فى معاملة أهل بيته بالرسول صلّى الله عليه وسلم «1» . 34- تشجيع الأبناء على حفظ الأذكار النبوية وتطبيق ذلك. 35- تشجيع الأبناء على اقتطاع جزء من مصروفهم اليومى من أجل التطبيق العملى لبعض الأحاديث، مثل: كفالة اليتيم، إطعام الطعام، مساعدة المحتاج. 36- تعويد الأبناء على استخدام الأمثال النبوية فى الحديث مثل المؤمن كيّس فطن، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، يسروا ولا تعسروا. 37- وضع مسابقات أسرية عن سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم. 38- تعريف الأسرة المسلمة بحياة الرسول صلّى الله عليه وسلم من خلال تطبيق مشروع (يوم فى بيت الرسول) . على مستوى قطاع التعليم والعاملين فيه 39- زرع محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم فى نفوس الطلبة والطالبات من خلال إبراز حقه صلّى الله عليه وسلم على أمته. 40- الإكثار من عقد المحاضرات التى تغطى جوانب من حياة الرسول وشخصيته صلّى الله عليه وسلم.   (1) واقتداء النساء أيضا بنسائه رضى الله عنهن فى سيرتهن الطيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 41- حث مسئولى قطاعات التعليم إلى إضافة مادة السيرة النبوية إلى مناهج التعليم والدراسات الإسلامية فى التخصصات الإنسانية. 42- العمل على تمويل وضع كراس لدراسات السيرة النبوية فى الجامعات الغربية المشهورة. 43- تشجيع البحث العلمى فى السيرة النبوية وحث الباحثيين على تصنيف كتب السنة بتصانيف عدة مثل المغازى والشمائل. 44- العمل على إقامة المعارض المدرسية والجامعية التى تعرف بالرسول صلّى الله عليه وسلم مع مراعاة التمثيل الجغرافى لنشأة الإسلام. 45- تخصيص أركان خاصة فى المكتبات تحوى كل ماله علاقة بالرسول صلّى الله عليه وسلم وسيرته والاهتمام به وجعلها فى مكان بارز. 46- العمل على إعداد أعمال موسوعية أكاديمية غنية فى السيرة النبوية تصلح كأعمال مرجعية وترجمتها إلى اللغات العالمية. 47- إقامة مسابقة سنوية للطلبة والطالبات لأفضل بحث فى السيرة النبوية وتخصيص جوائز قيمة لها. 48- إقامة مخيمات شبابية تتضمن أنشطة تزرع محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم والتعلق بسنته. 49- دورات تدريبية متخصصة لإعداد القادة بالاقتداء بالمصطفى صلّى الله عليه وسلم. على مستوى الأئمة والدعاة وطلبة العلم 50- بيان خصائص دعوته ورسالته صلّى الله عليه وسلم وانه بعث بالحنيفية السمحة وأن الأصل فى دعوته هو حرصه على هداية الناس كافة إلى إفراد العبادة لرب الناس. 51- العمل على دعوة الناس وهدايتهم إلى هذا الدين؛ بجميع أجناسهم وقبائلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 52- بيان صفاته صلّى الله عليه وسلم الخلقية والخلقية قبل وبعد الرسالة. 53- بيان فضائله صلّى الله عليه وسلم وخصائص أمته بأسلوب ممتع. 54- بيان مواقفه صلّى الله عليه وسلم مع أهله وجيرانه وأصحابه رضوان الله عليهم. 55- بيان كيفية تعامله صلّى الله عليه وسلم مع أعدائه من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين. 56- بيان منهجه صلّى الله عليه وسلم فى حياته اليومية. 57- تخصيص الخطبة الثانية لبعض الجمع للتذكير بمشاهد من سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم فضلا عن تخصيص خطب كاملة عنه من وقت إلى آخر. 58- التعليق على الآيات التى تتكلم عن الرسول صلّى الله عليه وسلم. عند قراءتها فى الصلاة «1» ولمدة ثلاث إلى خمس دقائق. 59- إضافة حلقات لتحفيظ السنة النبوية إلى جوار حلقات تحفيظ القرآن الكريم فى المساجد. 60- تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى عامة الناس حول سنة المصطفى صلّى الله عليه وسلم والدعوة إلى التمسك بما صح عنه صلّى الله عليه وسلم بأسلوب بسيط واضح. 61- ذكر فتاوى علماء الأمة التى تبين حكم من تعرض لرسول الأمة صلّى الله عليه وسلم بشيء من الانتقاص ووجوب بغض من فعل ذلك والبراءة منه. 62- العمل على رد الناس إلى دينهم من خلال عرض مبسط لمواقف الرسول صلّى الله عليه وسلم الدعوية. 63- التحذير فى الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة من الغلو فيه صلّى الله عليه وسلم، وبيان الآيات التى تنهى عن الغلو كقوله (لا تغلوا فى دينكم) . والأحاديث الخاصة فى ذلك كما فى قوله صلّى الله عليه وسلم (لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن   (1) أيضا فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وعلى كل المستويات العلمية والتعليمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 مريم) ، وبيان أن المحبة الصادقة هى فى اتباعه صلّى الله عليه وسلم «1» . 64- حث الناس على قراءة سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم من مصادرها الأصلية وتبيين ذلك لهم. 65- دحض وتفنيد الشبهات والأباطيل التى تثار حول الرسول صلّى الله عليه وسلم وسيرته. على مستوى المثقفين والمفكرين والإعلاميين والصحفيين 66- إبراز شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم وخصائص أمته من خلال نشر ذلك والتحدث عنه فى المناسبات الإعلامية والثقافية. 67- عدم نشر أى موضوع ينتقص فيه من سنته صلّى الله عليه وسلم. 68- التصدى للإعلام الغربى واليهودى المضاد والرد على ما يثيرونه من شبهات وأباطيل عن ديننا ونبينا محمد صلّى الله عليه وسلم. 69- عقد اللقاآت الصحفية والإعلامية والثقافية مع المنصفين من غير المسلمين والتحدث عن النبى صلّى الله عليه وسلم ورسالته. 70- نشر ما ذكره المنصفون من غير المسلمين بشأنه صلّى الله عليه وسلم «2» . 71- عقد الندوات والمنتديات الثقافية لإبراز منهجه وسيرته وبيان مناسبة منهجه صلّى الله عليه وسلم لكل زمان ومكان. 72- إعداد المسابقات الإعلامية عن سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم وتخصيص الجوائز القيامة لها. 73- كتابة المقالات والقصص والكتيبات التى تتحدث عن الرسول صلّى الله عليه وسلم. 74- الاقتراح على رؤساء تحرير الصحف والمجلات لتخصيص زاوية تبين   (1) وذكر الحقائق يكفى ويزيد. (2) كما ذكر فى هذا الكتاب وغيره من مقالات وأحاديث وكتب تقول الحق عن الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فيها الآيات والأحاديث التى تدل على وجوب محبته صلّى الله عليه وسلم وأن محبته مقدمة على الولد والوالد والناس أجمعين بل ومقدمة على النفس وأن هذه المحبة تقتضى تعظيمه وتوقيره وإتباعه وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق. 75- الاقتراح على مدراء القنوات الفضائية لإعداد برامج خاصة فى سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم وكيفية تعامله مع زوجاته وأبنائه وأصحابه وأعدائه وغير ذلك من صفاته الخلقية والخلقية. 76- حث مؤسسات الإنتاج الإعلامى على القيام بإنتاج أشرطة فيديو تعرض سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم بطريقة احترافية شيقة. 77- حث المحطات التلفزيونية الأرضية والقنوات الفضائية على إنتاج وبث أفلام كرتونية للناشئة تحكى شمائل الرسول صلّى الله عليه وسلم وبعض القصص من السنة النبوية. على مستوى المؤسسات الخيرية والدعوية 78- إنشاء لجان أو أقسام تحمل لواء نصرة الرسول صلّى الله عليه وسلم. 79- تخصيص أماكن فى المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية التى تشارك بها المؤسسات لعرض الكتب والأشرطة المرئية والمسموعة التى تبرز خصائص الرسالة المحمدية. 80- تخصيص أماكن دائمة لتوزيع الأشرطة والكتب والمطويات التى تتحدث عن الرسول صلّى الله عليه وسلم. 81- تخصيص جائزة قيمة بمعايير متفق عليها سلفا لأفضل من خدم السنة والسيرة النبوية وإقامة حفل تكريم سنوى يدعى له كبار الشخصيات. 82- تبنى طباعة كتب السيرة النبوية باللغات الأجنبية وتوزيعها على مراكز الاستشراق والمكتبات العامة والجامعية حول العالم. 83- إصدار مجلة أو نشرة دورية تهتم بالسيرة النبوية المطهرة وتعاليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الدين الإسلامى وتبرز صفات هذه الأمة ومحاسن هذا الدين الذى جاء به نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم. 84- تخصيص صناديق تبرع لتمويل حملات نصرة الرسول صلّى الله عليه وسلم، والتأليف فى السيرة والترجمة وإنشاء المواقع على الشبكة العالمية. على مستوى العاملين فى الشبكة العنكبوتية وأصحاب المواقع 85- تكوين مجموعات تتولى إبراز محاسن هذا الدين ونظرة الإسلام لجميع الأنبياء بنفس الدرجة من المحبة وغيره من الموضوعات ذات العلاقة. 86- إنشاء مواقع أو منتديات أو تخصيص نوافذ فى المواقع القائمة تهتم بسيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم وتبرز رسالته العالمية. 87- المشاركة فى حوارات هادئة مع غير المسلمين ودعوتهم، لدراسة شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم والدين الذى جاء به. 88- تضمين أو تذييل الرسائل الإلكترونية التى ترسل إلى القوائم البريدية الخاصة ببعض الأحاديث والمواعظ النبوية. 89- إعداد نشره إلكترونية- من حين إلى آخر- عن شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم ودعوته وخاصة فى المناسبات والأحداث الطارئة. 90- الإعلان فى محركات البحث المشهورة عن بعض الكتب أو المحاضرات التى تتحدث عن الرسول صلّى الله عليه وسلم. على مستوى الأغنياء والحكومات الإسلامية 91- دعم النشاطات الدعوية المتعلقة بالسيرة النبوية الشريفة. 92- طباعة الملصقات التى تحمل بعض الأحاديث والمواعظ النبوية. 93- المساهمة فى إنشاء القنوات الفضائية والإذاعات والمجلات التى تتحدث عن الإسلام ونبى الإسلام صلّى الله عليه وسلم باللغات المختلفة وبالأخص اللغة الإنجليزية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 94- استئجار دقائق فى القنوات أو الإذاعات الأجنبية لعرض أطروحات عن الإسلام ونبى الإسلام صلّى الله عليه وسلم. 95- إنشاء مراكز متخصصة لبحوث ودراسات السيرة النبوية والترجمة إلى اللغات العالمية. 96- إنشاء متاحف ومكتبات متخصصة فى بالسيرة والتراث النبوى الشريف. 97- إنشاء مواقع على الإنترنت متخصصة فى السيرة والسنة النبوية الشريفة. 98- طباعة ونشر الكتب والأشرطة والبرامج الإعلامية التى تبرز محاسن الدين الذى جاء به النبى صلّى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله بعدة لغات وخاصة اللغة الإنجليزية. 99- المساهمة فى دعم المسابقات الدعوية التى تهتم بالسيرة النبوية ورصد مبالغ تشجيعية لها. الرقم 100 نتركة لك لتكمله أنت أخى المسلم أختى المسلمة.. إن الواجب علينا جميعا- كلّ حسب استطاعته- أن ننصر نبينا وأمامنا وحبيبنا محمدا صلّى الله عليه وسلم، فلنعمل جميعا على نشر ما ذكرناه ودعوة الأهل وعموم الناس من خلال المجالس العائلية، والمكالمات الهاتفية، ورسائل الجوال، على نصرة الرسول صلّى الله عليه وسلم «1» .   (1) عنوان الموقع WWW.icsfp.com البريد الإلكترونى in fo icsfp.com الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 4- لتتوحد أصواتنا ضد الإساءة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ بعث النبى صلّى الله عليه وسلم- وكشأن أى عظيم فى العالم- لابد من منافقين أو حاقدين أو معاندين، أو جاهلين. بيد أن وجود هؤلاء فى كل زمان ومكان، لا يعفى المسلمين- قادة وشعوبا وأفرادا ومؤسسات- من التصدى لبيان الحقائق للجاهلين، أو حوار المنافقين أو كبح جماع الحاقدين بإلقامهم حجرا يسد أفواههم فمحبة نبى الإسلام صلّى الله عليه وسلم، وكل رسل الله، فرض دينى لا يجوز الفتور فيه، أو التشاغل عنه. وبمقدار قوة المسلمين فى الحق. ينجعل المنافقون والحاقدون. فأين مصادر القوة هذه؟ قبل البحث عن مصادر القوة، واستخدامها المشروع، نبهنا القرآن الكريم ألا نسب الذين كفروا، كما حذرنا النبى صلّى الله عليه وسلم من أن يسب المرء أباه، وذلك بأن يسب آباء الآخرين فيسب الآخرون آباءنا وأمهاتنا وقبائلنا أجمع، وهذا للأسف واقع حال المسلمين اليوم، إن ما يمارسه بعض المنتسبين إلى الإسلام من جرائم إنسانية، قد وجد له فى العالم مؤسسات حاقدة على الإسلام ونبى الإسلام وحضارة الإسلام، فنفخت فى كيد الأحقاد الدفينة، فخرجت من الخفاء إلى العلن بكل فجاجة وتحد فى صور أفلام «هوليوودية» ومقالات صحفية ورسوم «كريكاتيرية» ساخرة، وبحوث ودراسات خالية من أى تحقيق علمى منصف ولكنه الحقد الأبدى والنفاق العالمى. فهل عجز المال الإسلامى، والإعلام الإسلامى أن يرد الصاع صاعين عبر تلك الصحف الغربية نفسها؟ ولقد ظهرت محاولات جادة من بعض المسلمين الغيورين على دينهم ونبيهم محمد صلّى الله عليه وسلم لمواجهة هذا الأمر الجلل وقد هبوا للدفاع عن خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلم بوسائل وطرق مختلفة. ففى الفضاء الإلكترونى شن إعلاميون سعوديون ومواقع إليكترونية وقنوات فضائية إسلامية حملة للدفاع عن النبى صلّى الله عليه وسلم ضد ما سموه الدانماركية بتوجيه آلاف الرسائل الى ووزير الثقافة الدانماركية للاحتجاج على الرسوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الكاريكاتيريه المسيئة للنبى صلّى الله عليه وسلم فى صحيفة دانماركية وشرح أسباب تحريم رسم صور للرسول عموما وتؤكد حملة لتوحيد أصواتنا على أن رسمه صلّى الله عليه وسلم بطريقة تهكمية وتصويره على أنه شخص يمثل قوى الشر ليس إلا عملا يهدف الى استفزاز المسلمين والإساءة لهم فى عقيدتهم وقلوبهم وعقولهم وأرواحهم ولا يمكن للمسلمين أن يتصوروا إساءة اكبر من ذلك مشير فى الوقت نفسه إلى أن رسم هيئة الرسول صلّى الله عليه وسلم أو تصويره فى أى عمل فنى حتى فى سياق مديح أو إعجاب ممنوع بتاتا وكشف عبد العزيز قاسم مدير تحرير صحيفة المدينة السعودية والمشرف على ملحق الرسالة الذى يقود الحملة عن أن بضعة آلاف من رسائل التأييد وصلتنا فى غضون يومين من بدء الحملة ونأمل فى الكثير منها ودعا المسؤولون عن الحملة كل غيور على الإسلام أن يرسل لهم تأييده واعتراضه على الإساءة الى نبى البشرية صلّى الله عليه وسلم بما لا يتجاوز الأربعة أسطر على ان يبعث هذا التأييد على عنوان الحملة كى يتم تضمينة فى الرسالة الموجهة إلى الحكومة الدانماركية. ووزير ثقافتها. وخصص المسؤولون وسائل عدة لتلقى رسائل التأييد هى الموقع الإلكترونى: www.aimadinapress.com أو العنوان الإلكترونى: reporters al- madina.com الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الفصل الرابع تعرف على نبيك محمد صلّى الله عليه وسلم 1- بعض المعلومات المهمة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نسبه الشريف. تاريخ ومكان ولادته. أسماؤه. أمهاته. نبوته. أزواجه أمهات المؤمنين رضى الله عنهن. أولاده الكرام. بعثته وهجرته. وفاته. 1- نسبه الشريف هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وينتهى نسبه الشريف إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. 2- تاريخ ومكان ولادته ولد عام الفيل صبيحة يوم الاثنين سنة 571 ميلادية فى مكة المكرمة وبقى فيها قرابة الثلاث والخمسين سنة ثم هاجر إلى المدينة وتوفى عن عمر يوافى ثلاثا وستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 3- أسماؤه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحى الذى يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى، وأنا العاقب الذى ليس بعده نبى» ، وقد سماه الله رؤوفا رحيما (متفق عليه) . كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسمى لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا المقفى، ونبى التوبة، ونبى الرحمة) ، (المقفى: آخر الأنبياء) » ، رواه مسلم. قال القاضى عياض: قد حمى الله هذين الاسمين (يعنى محمدا وأحمد) أن يتسمى بهما أحد قبل زمانه، أحمد الذى ذكر فى الكتب وبشر به عيسى عليه السّلام، فمنع الله بحكمته أن يتسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل اللبس ولا الشك فيه على ضعيف القلب، وأما محمد فلم يتسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلا حين شاع قبيل مولده أن نبيا ييبعث اسمه محمد، فسمى قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته. ومن تكريم الله تعالى له ولاسمه الشريف أنه صرف كفار قريش عن شتم اسمه، فكانوا يدعونه مذمّما وفى ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عنى شتم قريش، ولعنهم؟ يشتمون مذمّما، ويلعنون مذمّما وأنا محمد» . 4- أمّهاته آمنة بنت وهب: «أمه ولادة» ، كانت خير امرأة فى قريش نسبا وموضعا من أسرة تعتبر من أشرف القبائل العربية وأشرفها سلالة. حليمة السعدية: «أمه رضاعة» ، كانت فاضلة طيبة وحاضنة مرضعة، كسبت شرف أمومة رسول الله صلّى الله عليه وسلم برضاعته. بركة ثعلبة (أم أيمن) : «أمه حضانة» ، كانت من موالى عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 عبد المطلب، احتضنت النبى صلّى الله عليه وسلم عندها حتى شب وقد أحسنت حضانته وأخلصت إليه. وقد أعتقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد زواجه من السيدة خديجة وتزوجت وولدت أيمن رضي الله عنه الذى كان له شأن كبير فى الإسلام، فقد هاجر وجاهد مع رسول لله واستشهد يوم حنين. وأم أيمن كانت قد أعلنت إسلامها من بداية الدعوة وكانت من أوائل النسوة اللاتى هاجرن إلى الحبشة وإلى المدينة وبايعن الرسول صلّى الله عليه وسلم. ولقد كانت خلال هجرتها إلى المدينة المنورة، صائمة مهاجرة ماشية، ولم يكن معها شيء من الزاد أو الشراب ولما حانت ساعة الإفطار منحها الله تعالى كرامة عظيمة إذ دلى عليها من السماء دلو فيها ماء، فأخذتها وشربت منها حتى رويت فما عطشت بعدها أبدا. أسلمت روحها الطاهرة فى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ودفنت فى البقيع. فاطمة بنت أسد الهاشمية: «أمه تكريما» ، وهى زوجة عم الرسول صلّى الله عليه وسلم أبى طالب، وأم على بن أبى طالب كرم الله وجهه. وطالب وعقيل وجعفر وأم هانىء وجمانة وريطة أولاد أبى طالب أولاد عم الرسول عليه الصلاة والسلام. أولت النبى صلّى الله عليه وسلم رعاية خاصة وبذلت أقصى جهدها حتى لا تجعله يشعر بالغربة أو اليتم، حتى أنها كانت تفضله فى بعض الأوقات على أبنائها وبهذا أصبحت فاطمة بنت أسد رضى الله عنها من أقرب المقربات للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولقد حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث. 5- نبوّته فى الأربعين من عمره الشريف، نزل عليه أمين الوحى جبريل عليه السّلام وهو فى غار حراء حيث بلغه رسالة ربه عز وجل وكان ذلك فى رمضان سنة 13 قبل الهجرة الموافق تموز سنة 610 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 6- أزواجه أمهات المؤمنين رضى الله عنهن - ست توفاهن الله قبله وهن: 1- خديجة بنت خوليد رضى الله عنها: وهى أول نسائه تزوجها قبل النبوة وعمره خمس وعشرون سنة وهى أم أولاده ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية. لم يتزوج عليها حتى ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين وهى أول من آمن من النساء بالله وبرسوله وراحت تدعو إلى الإسلام بجانب زوجها عليه الصلاة والسلام بالقول والعمل ضاربة أروع النماذج وأصدقها فى الدعوة إلى الجهاد فى سبيله، فكانت بحق الزوجة الحكيمة التى تقدر الأمور حق قدرها وتبذل من العطاء ما فيه إرضاء لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلم، وبذلك استحقت أن يبلغها جبريل من ربها السلام ويبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (رواه البخارى) . كانت وفاتها رضى الله عنها، قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح ودفنها النبى رضي الله عنه بالحجون فى مكة. 2- زينب بنت خزيمة الهلالية: لم تلبث عند رسول الله رضي الله عنه إلا يسيرا- شهرين أو ثلاثة- حتى توفيت فى حياته. 3- سبا بنت الصّلت أو سناء بنت الصّلت: ماتت قبل أن يدخل بها. 4- أساف أو شراف أخت دحية الكلبى: ماتت قبل أن تصل إليه. 5- خولة بنت الهذيل: ماتت قبل أن يدخل بها وقد وهبت نفسها له. 6- خولة بنت حكيم السلمية: ماتت قبل أن يدخل بها، وقد وهبت نفسها للنبى عليه الصلاة والسلام وكانت تخدمه وكانت صالحة فاضلة. - نساؤه اللاتى مات عنهن: 1- عائشة بنت الصديق: تزوجها بعد موت خديجة بسنتين أو ثلاث بمكة وهى بنت ست أو سبع سنين كما ورد فى الصحيح. زفت إليه وهى بنت تسع سنين ومات عنها وهى بنت ثمان عشرة سنة وكان وفاتها سنة 57 من الهجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ولم يتزوج بكرا غيرها وكانت أحب نسائه إليه. ولعائشة بنت الصديق الأكبر، حبيبة حبيب رب العالمين من الفضائل ما لا يخفى على أحد. 2- سودة بنت زمعه: تزوجها بعد عائشة وهى أرملة، توفيت فى آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 3- حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما: تزوجها بالمدينة بعد سودة وكانت من المهاجرات ولدت قبل البعثة بخمس سنين وماتت يوم بايع الحسن معاوية وكان النبى صلّى الله عليه وسلم قد طلقها فقال له جبريل عليه السّلام: «راجع حفصة فإنها صوّامة قوّامة وإنها زوجتك فى الجنة» ، فراجعها. 4- أم حبيبة بنت أبى سفيان واسمها رملة: هاجرت مع زوجها الأول إلى أرض الحبشة ولكن زوجها افتتن وتنصر ومات نصرانيّا ولكن الله ثبتها على الإسلام. تزوجها النبى صلّى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة، ويذكر أن النبى صلّى الله عليه وسلم أوصى بحضانة ابنه إبراهيم لها. توفيت سنة أربع وأربعين فى خلاقة أخيها معاوية ابن أبى سفيان. 5- أم سلمة: هى هند بنت أبى أمية بن المغيرة المخزوميّة: تزوجها النبى صلّى الله عليه وسلم فى السنة الثانية من الهجرة بعد موقعة بدر. كانت رشيدة الرّأى فهى التى أشارت على النبى صلّى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن يخرج إلى هديه لينحره ثم يدعو الحلاق ليحلق رأسه فما كان من المسلمين لمّا رأوه إلا أن فعلوا مثلما فعل، بعد أن كان أمرهم بحلق رؤوسهم ونحر هداهم والتحلل من إحرامهم، غير أنهم لم يمتثلوا لأمره فى بادئ الأمر لأنهم شعروا بضيق شديد من المعاهدة التى عقدها النبى رضي الله عنه مع كفار قريش والتى عرفت (بصلح الحديبية) فهم كانوا يمنون أنفسهم بدخول مكة للعمرة بينما نصت المعاهدة فيما نصّت ألا يعتمروا فى ذاك العام وأن يرجعوا فى العام المقبل ليدخلوا مكة بعد أن تخرج قريش منها ويمكثوا فيها ثلاثة أيام فقط ليس معهم من السلاح إلا السيوف فى قرابها. توفيت أم سلمة فى أول خلافة يزيد بن معاوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 6- ميمونة بنت الحارث: بدأ به رضي الله عنه المرض فى بيتها، وقد قيل إنها من اللائى وهبن أنفسهن للنبى صلّى الله عليه وسلم وكانت آخر نسائه موتا. 7- صفية بنت حيىّ بن أخطب: من سبى بنى النضير، اصطفاها عليه الصلاة والسلام وأعتقها ثم تزوجها وكانت عاقلة حليمة فاضلة توفيت فى رمضان سنة خمسين هجرية فى زمن معاوية رضي الله عنه. 8- جويرية بنت الحارث من بنى المصطلق: كان اسمها برّة فسمّاها النبى رضي الله عنه جويرية، كانت أبرك امرأة على قومها لأنها عندما تزوجت النبى رضي الله عنه تسامع الناس بذلك فأطلق المسلمون ما فى أيديهم من السّبى وأعتقوهم قائلين: هم أصهار رسول الله رضي الله عنه، فعتق بسببها مائة من بنى المصطلق مما دفع العديد منهم للدخول فى الإسلام. 9- زينب بنت جحش: كانت ممن أسلم قديما وهاجرت مع رسول الله رضي الله عنه إلى المدينة، خطبها النبى لزيد بن حارثة فلم ترض به فنزلت الآية من سورة الأحزاب: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب: 36) ، فرضيت عندها وتزوجت منه. ولكن زيد طلقها ثم تزوجها النبى وكان ذلك لحكمة وهى إزالة آثار التبنى، توفيت سنة عشرين فى خلافة عمر بن الخطاب. 7- أولاده الكرام وكلهم من خديجة رضي الله تعالى عنها إلا إبراهيم من مارية القبطية. أما بناته عليه الصلاة والسلام فأربع: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله تعالى عنهن. وأما أبناؤه عليه الصلاة والسلام فثلاثة: القاسم وعبد الله وإبراهيم، رضى الله تعالى عنهم. 1- القاسم: هو أول ولد له عليه الصلاة والسلام قبل النبوة فى مكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 المكرمة وبه يكنّى وعاش حتى مشى. 2- زينب: هى أكبر بناته ولدت سنة ثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم وأدركت الإسلام. 3- رقية: ولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوفيت والنبى صلّى الله عليه وسلم ببدر فزوجه أم كلثوم وسمى بذى النورين. 4- فاطمة الزهراء: ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبى صلّى الله عليه وسلم وسمّيت فاطمة لأن الله تعالى قد فطمها وذريتها عن النار. وتزوجت بعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه، فى السنة الثانية للهجرة ولها من العمر خمس عشرة سنة وخمسة أشهو. وهى أفضل بناته وأحبهنّ إليه وكان يقول كما فى صحيح البخارى: «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى» ، وقال لها كما فى صحيح مسلم: «أو ما ترضين أن تكونى سيدة نساء المؤمنين» . توفيت بعده صلّى الله عليه وسلم بستة أشهر أى وهى فى الثالثة والعشرين من عمرها ولم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عقب (أى أحفاد) إلا من ابنته فاطمة. 5- عبد الله: قيل: إنه مات صغيرا بمكة واختلف هل مات قبل النبوة أو بعدها. 6- إبراهيم: من مارية القبطية، ولد فى ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفى صغيرا. 7- أم كلثوم: هى أصغر من فاطمة وليس لها اسم غير هذه الكنية، «1» فأسمها كنيتها. ولدت بعد البعثة وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة ثلاث من الهجرة بعد موت أختها رقية ولذا لقب بذى النورين، وتوفيت فى حياة النبى رضي الله عنه، فقال رضي الله عنه لعثمان: «لو كان عندنا ثالثة لزوجناكها» .   (1) الكنية ما بدأت بأب أو أم مثل أبى القاسم محمد صلّى الله عليه وسلم وأم الخير مثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 8- بعثته وهجرته بعث إليه فى الأربعين من عمره فى مكة وبقى فيها ثلاث عشرة سنة بعد البعثة ثم هاجر إلى المدينة المنورة فمكث فيها عشر سنوات تقريبا. 9- وفاته فى الثالث والستين من عمره توفاه الله تعالى وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وكان ذلك يوم الاثنين سنة 11 هجرية وكان وفاته وقبره الشريف فى المدينة المنورة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبى حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخيّر بين الدنيا والآخرة، قالت عائشة: فلما نزل به ورأسه على فخذى، غشى عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: «اللهم الرفيق الأعلى. قلت إذا لا يختارنا. قالت: عرفت أنه الحديث الذى كان يحدثنا به وهو صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 2- وصف أخلاق النبى صلّى الله عليه وسلم قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (سورة القلم: 4) عن عطاء رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو أخبرنى عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى التوراة قال أجل والله إنه لموصوف فى التوراة بصفته فى القرآن يا أيّها النّبىّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدى ورسولى، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا- رواه البخارى. عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان خلق رسول الله رضي الله عنه القرآن» - رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وزاد مسلم يغضب لغضبه ويرضى لرضاه. - دفع السيئة بالحسنة لما أراد الله هدى زيد بن سعية، قال زيد لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها فى وجه محمد صلّى الله عليه وسلم إلا اثنتين يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما. قال زيد فقلت يا محمد، هل لك أن تبيعنى ثمرا- معلوما لى- فباعنى فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب، فلما حل الأجل أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه وهو فى جنازة مع أصحابه ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت له يا محمد ألا تقضينى حقى؟ فو الله ما علمتكم بنى عبد المطلب إلا مطلا. ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران فى وجهه ثم رمانى ببصره وقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فلولا ما أحاذر لومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 لضربت بسيفى رأسك. ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر فى سكون وتؤدة، وقال أنا وهو كنا أحوج إلى غير ذلك منك يا عمر. أن تأمرنى بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزد عشرين صاعا من تمر مكان ما روعته. فذهب بى عمر فأعطانى حقى وزادنى عشرين صاعا، وقال لى ما دعاك إلى أن فعلت ما فعلت وقلت ما قلت؟ قلت يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا عرفته فى وجه النبى صلّى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وقد خبرتهما، فأشهدك يا عمر أنى قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وأشهدك أن شطر مالى صدقة على أمة محمد. ثم توفى فى غزوة تبوك مقبلا غير مدبر- رواه الطبرانى فى (المعجم الكبير) ورجاله ثقات، ورواه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقى ورواه أبو نعيم فى الدلائل. الرسول صلّى الله عليه وسلم يعتق من أرادوا قتله عن أنس رضي الله عنه قال إن ثمانين نزلوا على النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح، يريدون أن يقتلوه، فأخذوا فأعتقهم النبى صلّى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (سورة الفتح آية 24) - رواه مسلم والترمذى وأبو داود. كان أحسن الناس خلقا عن أنس رضي الله عنه قال «كان النبى صلّى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا» - الحديث رواه الشيخان (البخارى ومسلم) وأبو داود والترمذى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وعن صفية بنت حيى رضى الله عنها قالت «ما رأيت أحسن خلقا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم» - رواه الطبرانى فى الأوسط بإسناد حسن. لم يكن فاحشا ولا متفحشا عن عبد الله بن عمرو قال «لم يكن النبى صلّى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا» - رواه البخارى. من مكارم أخلاقه صلّى الله عليه وسلم فى المصافحة والمحادثة والمجالسة عن أنس رضي الله عنه قال «كان النبى صلّى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس له» - رواه أبو داود والترمذى بلفظه. وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال «كان صلّى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك» - رواه الطبرانى والترمذى. وروى مسلم «وما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قط فقال لا.» كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يدعو بحسن الخلق عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان صلّى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقى فأحسن خلقى» - رواه أحمد ورواته ثقات. وقال صلّى الله عليه وسلم «إن من خياركم أحسنكم أخلاقا» - رواه البخارى. وروى عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا استأذن على النبى صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه قال بئس أخو العشيرة أو بئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبى صلّى الله عليه وسلم فى وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت فى وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا عائشة متى عهدتنى فحاشا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس- أو ودعه الناس- اتقاء شره- رواه البخارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 كان صلّى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الأخلاق وينهى عن اللعن عن أبى هريرة رضي الله عنه قال كان صلّى الله عليه وسلم يدعو فيقول «اللهم إنى أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق» - رواه أبو داود والنسائى. وقال صلّى الله عليه وسلم «لا ينبغى لصدّيق أن يكون لعانا» - رواه مسلم. وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلّى الله عليه وسلم «إنى لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة» - رواه مسلم. أما من لعنه الرسول صلّى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان ذلك له زكاة وأجرا ورحمة؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم شارط ربه على ذلك كما فى الحديث «اللهم إنما أنا بشر، فأى المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا» رواه مسلم. فلما لا نكون على خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم «1» .   (1) زيادة من المعلومات عن صفاته الخلقية صلّى الله عليه وسلم اقرأ كتاب الترمذى (الشمائل المحمدية والخصائل المعطفوية) تحقيق الشيخ طه عبد الرؤف سعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 3- صفات النبى صلى الله عليه وسلم الخلقيّة صفة لونه صلّى الله عليه وسلم صفة عنقه صلّى الله عليه وسلم صفة ساقيه صلّى الله عليه وسلم صفة وجهه صلّى الله عليه وسلم صفة رقبته صلّى الله عليه وسلم صفة قدميه صلّى الله عليه وسلم صفة جبينه صلّى الله عليه وسلم صفة منكبيه صلّى الله عليه وسلم صفة قامته وطوله صلّى الله عليه وسلم صفة حاجبيه صلّى الله عليه وسلم صفة خاتم النبوة صلّى الله عليه وسلم صفة عرقه صلّى الله عليه وسلم صفة عينيه صلّى الله عليه وسلم صفة إبطيه صلّى الله عليه وسلم صفة رأسه صلّى الله عليه وسلم صفة أنفه صلّى الله عليه وسلم صفة ذراعيه صلّى الله عليه وسلم صفة شعره صلّى الله عليه وسلم صفة خديه صلّى الله عليه وسلم صفة كفيه صلّى الله عليه وسلم صفة سرته صلّى الله عليه وسلم صفة فمه وأسنانه صلّى الله عليه وسلم صفة أصابعه صلّى الله عليه وسلم صفة مفاصله صفة ريقه صلّى الله عليه وسلم صفة صدره صلّى الله عليه وسلم وركبته صلّى الله عليه وسلم صفة لحيته صلّى الله عليه وسلم صفة بطنه صلّى الله عليه وسلم صفة لونه صلّى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أزهر اللون، ليس بالأدهم ولا بالأبيض الأمهق (أى لم يكن شديد البياض كمن به برص) ، يتلألأ نورا» . صفة وجهه صلّى الله عليه وسلم كان رضي الله عنه أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديرا غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذى ذوق سليم. وكان وجهه مثل الشمس والقمر فى الإشراق والصفاء، مليحا كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه وكان صلّى الله عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه حتى كأنّ وجهه قطعة قمر. قال عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 البراء بن عازب: «كان أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا» . صفة جبينه صلّى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسيل الجبين» ، (الأسيل: هو المستوى) ، أخرجه عبد الرزاق والبيهقى وابن عساكر. وكان صلّى الله عليه وسلم واسع الجبين أى ممتد الجبين طولا وعرضا، والجبين هو غير الجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين. وسعة الجبين محمودة عند كل ذى ذوق سليم. وصفه ابن أبى خيثمة فقال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أجلى الجبين، إذا طلع جبينه بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ» . صفة حاجبيه صلّى الله عليه وسلم حاجباه قويان مقوّسان، متّصلان اتصالا خفيفا. لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافرا وذلك بسبب غبار السفر. صفة عينيه صلّى الله عليه وسلم كان صلّى الله عليه وسلم مشرب العينين بحمرة، وقوله مشرب العينين بحمرة: هى عروق حمر رقاق وهى من علاماته صلّى الله عليه وسلم التى فى الكتب السالفة. وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتى سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة (أى رموش العينين) ، ناصعتى البياض وكان صلّى الله عليه وسلم أشكل العينين، قال القسطلانى فى المواهب: الشكلة بضم الشين هى الحمرة تكون فى بياض العين وهو محبوب محمود. قال الزرقانى: قال الحافظ العراقى: هى إحدى علامات نبوته صلّى الله عليه وسلم، ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال: فى عينيه حمرة؟ فقال: ما تفارقه، قال الراهب: هو (شرح المواهب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وكان صلّى الله عليه وسلم «إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل» ، رواه الترمذى. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت عيناه صلّى الله عليه وسلم بخلاوين أدعجهما- والعين النجلاء الواسعة الحسنة والدعج: شدة سواد الحدقة، ولا يكون الدعج فى شيء إلا فى سواد الحدقة- وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها» ، أخرجه البيهقى فى الدلائل وابن عساكر فى تهذيب تاريخ دمشق. صفة أنفه: يحسبه من لم يتأمله أشمّا ولم يكن أشم وكان مستقيما، أقنى أى طويلا فى وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته (الأرنبة هى ما لان من الأنف) . صفة خدّيه صلّى الله عليه وسلم كان صلّى الله عليه وسلم صلب الخدين. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسلّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» ، أخرجه ابن ماجه وهذا حديث صحيح. صفة فمه وأسنانه صلّى الله عليه وسلم قال هند بن أبى هالة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أشنب مفلج الأسنان (الأشنب: هو الذى فى أسنانه رقة وتحديد) ، أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير والترمذى فى الشمائل وابن سعد فى الطبقات والبغوى فى شرح السنة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ضليع الفم (أى واسع الفم) جميله، وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم. وكان عليه الصلاة والسلام أشنب (أبيض الأسنان مفلج أى متفرق الأسنان، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات) ، أفلج الثنيتين (الثنايا جمع ثنية بالتشديد وهى الأسنان الأربع التى فى مقدم الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت، والفلج هو تباعد بين الأسنان) ، إذا تكلم رئى كالنور يخرج من بين ثناياه» ، (النور المرئى يحتمل أن يكون حسيّا كما يحتمل أن يكون معنويّا فيكون المقصود من التشبيه ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 يخرج من بين ثناياه من أحاديثه الشريفة وكلامه الجامع لأنواع الفصاحة والهداية) . صفة ريقه صلّى الله عليه وسلم لقد أعطى الله تعالى صلّى الله عليه وسلم خصائص كثيرة لريقه الشريف ومن ذلك أن ريقه صلّى الله عليه وسلم فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء ... فكم داوى صلّى الله عليه وسلم بريقه الشريف من مريض فبرئ من ساعته!. جاء فى الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يعطاها، فقال صلّى الله عليه وسلم: أين على بن أبى طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكى عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتى به وفى رواية مسلم: قال سلمة: فأرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى على، فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى عينيه، فبرئ كأنه لم يكن به وجع ... وروى الطبرانى وأبو نعيم أنّ عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخواتها دخلن على النبى صلّى الله عليه وسلم يبايعنه، وهن خمس، فوجدنه يأكل قديدا (لحم مجفف) ، فمضغ لهن قديدة، قالت عميرة: ثم ناولنى القديدة فقسمتها بينهن، فمضغت كل واحدة فلقين الله تعالى وما وجد لأفواههن خلوف، (أى تغيّر رائحة فم) . صفة لحيته صلّى الله عليه وسلم «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حسن اللحية» ، أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر. وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان صلّى الله عليه وسلم كث اللحية، (والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها) ، وكانت عنفقته بارزة، وحولها كبياض اللؤلؤ، فى أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منه» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 أخرجه أبو نعيم والبيهقى فى دلائل النبوة وابن عساكر فى تهذيب تاريخ دمشق وابن أبى خيثمة فى تاريخه. وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: «كان فى عنفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم شعرات بيض» ، أخرجه البخارى. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: «لم يختضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنما كان البياض فى عنفقته» أخرجه مسلم. كما كان صلّى الله عليه وسلم أسود كثّ اللحية، بمقدار قبضة اليد، يحسّنها ويطيّبها (أى يضع عليها الطيب) . وكان صلّى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات، أخرجه الترمذى فى الشمائل والبغوى فى شرح السنة. وكان من هديه عليه الصلاة والسلام حف الشارب وإعفاء اللحية. صفة رأسه صلّى الله عليه وسلم كان النبى صلّى الله عليه وسلم ذا رأس ضخم. صفة شعره صلّى الله عليه وسلم كان شديد السواد رجلا (أى ليس مسترسلا كشعر الروم ولا جعدا كشعر السودان وإنّما هو على هيئة المتمشّط) . يصل إلى أنصاف أذنيه حينا ويرسله أحيانا فيصل إلى شحمة أذنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يجمع بين الروايات الواردة فى هذا الشأن، حيث أخبر كل واحد من الرواة عمّا رآه فى حين من الأحيان. قال الإمام النووى: «هذا، ولم يحلق النبى صلّى الله عليه وسلم رأسه (أى بالكلية) فى سنى الهجرة إلا عام الحديبية ثم عام عمرة القضاء ثم عام حجة الوداع» . قال على ابن أبى طالب رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس راجله» ، أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح. ولم يكن فى رأس النبى صلّى الله عليه وسلم شيب إلا شعيرات فى مفرق رأسه، فقد أخبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 ابن سعد أنه ما كان فى لحية النبى صلّى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء وفى بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشر شعرات وكان عليه الصلاة والسلام إذا ادهن واراهن الدهن (أى أخفاهن) ، وكان يدّهن بالطيب والحنّاء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبى يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبى صلّى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد» ، أخرجه البخارى ومسلم. وكان رجل الشعر حسنا ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كما إذا مشطه كأنه حبك الرّمل، أو كأنه المتون التى تكون فى الغدر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضا، وتحلق حتى يكون متحلقا كالخواتم، لما كان أول مرة سدل ناصيته بين عينيه كما تسدل نواصى الخيل جاءه جبريل عليه السّلام بالفرق ففرق. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت إذا أردت أن أفرق رأس الله صدعت الفرق من نافوخه وأرسل ناصيته بين عينيه» ، أخرجه أبو داود وابن ماجه. وكان صلّى الله عليه وسلم يسدل شعره أى يرسله ثم ترك ذلك وصار يفرقه، فكان الفرق مستحبا، وهو آخر الأمرين منه صلّى الله عليه وسلم. وفرق شعر الرأس هو قسمته فى المفرق وهو وسط الرأس. وكان يبدأ فى ترجيل شعره من الجهة اليمنى، فكان يفرق رأسه ثم يمشّط الشق الأيمن ثم الشقّ الأيسر. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يترجّل غبا (أى يمشط شعره ويتعهّده من وقت إلى آخر) . وعن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب التيمن فى طهوره (أى الابتداء باليمين) إذا تطهر وفى ترجله إذا ترجل وفى انتعاله إذا انتعل، أخرجه البخارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 صفة عنقه ورقبته صلّى الله عليه وسلم رقبته فيها طول، أما عنقه فكأنه جيد دمية (الجيد: هو العنق. والدمية: هى الصورة التى بولغ فى تحسينها) . عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال: «كأن عنق رسول الله صلّى الله عليه وسلم إبريق فضة» ، أخرجه ابن سعد فى الطبقات والبيهقى. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أحسن عباد الله عنقا، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوبه ذهبا يتلألأ فى بياض الفضة وحمرة الذهب، وما غيب فى الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر» ، أخرجه البيهقى وابن عساكر. صفة منكبيه صلّى الله عليه وسلم كان عليه الصلاة والسلام أشعر المنكبين (أى عليهما شعر كثير) ، واسع ما بينهما، والمنكب هو مجمع العضد والكتف. والمراد بكونه بعيد ما بين المنكبين أنه عريض أعلى الظهر ويلزمه أنه عريض الصدر مع الإشارة إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن منافيا للاعتدال. وكان كتفاه عريضين عظيمين. صفة خاتم النبوة صلّى الله عليه وسلم وهو خاتم أسود اللون مثل الهلال وفى رواية أنه أخضر اللون، وفى رواية أنه كان أحمر، وفى رواية أخرى أنه كلون جسده. والحقيقة أنه لا يوجد تدافع بين هذه الروايات لأن لون الخاتم كان يتفاوت باختلاف الأوقات، فيكون تارة أحمر وتارة كلون جسده وهكذا بحسب الأوقات. ويبلغ حجم الخاتم قدر بيضة الحمامة، وورد أنه كان على أعلى كتف النبى صلّى الله عليه وسلم الأيسر. وقد عرف سلمان الفارسى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهذا الخاتم. وعن عبد الله بن سرجس قال: «رأيت النبى صلّى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال ثريدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فقيل له: استغفر لك النبى؟ قال: نعم ولك، ثم تلى هذه الآية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (محمد: 19) . قال: «ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى عليه خيلان كأمثال الثاليل» ، أخرجه مسلم. قال أبو زيد رضي الله عنه: «قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم اقترب منى، فاقتربت منه، فقال: أدخل يدك فامسح ظهرى، قال: فأدخلت يدى فى قميصه فمسحت ظهره فوقع خاتم النبوة بين أصابعى قال: فسئل عن خاتم النبوة فقال: «شعرات بين كتفيه» ، أخرجه أحمد والحاكم وقال (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبى. اللهم كما أكرمت أبا زيد رضي الله عنه بهذا فأكرمنا به يا ربنا يا إلهنا يا من تعطى السائلين من جودك وكرمك ولا تبالى. صفة إبطيه صلّى الله عليه وسلم كان عليه الصلاة والسلام أبيض الإبطين، وبياض الإبطين من علامة نبوّته إذ إن الإبط من جميع الناس يكون عادة متغييّر اللون. قال عبد الله بن مالك رضي الله عنه: «كان النبى صلّى الله عليه وسلم إذا سجد فرّج بين يديه (أى باعد) حتى نرى بياض إبطيه» ، أخرجه البخارى. وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه» ، أخرجه أحمد وقال الهيثمى فى المجمع رجال أحمد رجال الصحيح. صفة ذراعيه صلّى الله عليه وسلم كان عليه الصلاة والسلام أشعر، طويل الزندين (أى الذراعين) ، سبط القصب (القصب يريد به ساعديه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 صفة كفيه صلّى الله عليه وسلم كان صلّى الله عليه وسلم رحب الراحة (أى واسع الكف) كفه ممتلئة لحما، غير أنها مع غاية ضخامتها كانت ليّنة أى ناعمة. قال أنس رضي الله عنه: «ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم» . وأمّا ما ورد فى روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتهما، فهو محمول على ما إذا عمل فى الجهاد أو مهنة أهله، فإنّ كفه الشريفة تصير خشنة للعارض المذكور (أى العمل) وإذا ترك رجعت إلى النعومة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدى أحدهم واحدا واحدا. قال: وأما أنا فمسح خدى. قال: «فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جونة عطار» ، أخرجه مسلم. صفة أصابعه صلّى الله عليه وسلم قال هند بن أبى هالة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم سائل الأطواف، قوله (سائل الأطراف) ، (يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة) ، أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير والترمذى فى الشمائل وابن سعد فى الطبقات والحاكم مختصرا والبغوى فى شرح السنة والحافظ ابن حجر فى الإصابة. صفة صدره صلّى الله عليه وسلم عريض الصدر، ممتلئ لحما، ليس بالسمين ولا بالنحيل، سواء البطن والظهر. وكان صلّى الله عليه وسلم أشعر أعالى الصدر، عارى الثديين والبطن (أى لم يكن عليها شعر كثير) طويل المسربة وهو الشعر الدقيق. صفة بطنه صلّى الله عليه وسلم قالت أم معبد رضي الله عنها: «لم تعبه ثلجه» ، الثلجة» : كبر البطن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 صفة سرته صلّى الله عليه وسلم عن هند بن أبى هالة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم.. دقيق المسربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط، عارى الثديين والبطن مما سوى ذلك: حديث هند تقدم تخريجه. واللّبة المنحر وهو النقرة التى فوق الصدر. صفة مفاصله وركبتيه صلّى الله عليه وسلم كان صلّى الله عليه وسلم ضخم الأعضاء كالركبتين والمرفقين والمنكبين والأصابع، وكل ذلك من دلائل قوّته عليه الصلاة والسلام. صفة ساقيه صلّى الله عليه وسلم عن أبى جحيفة رضي الله عنه قال: « ... وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم كأنى أنظر إلى بيض ساقيه» . أخرجه البخارى فى صحيحه. صفة قدميه صلّى الله عليه وسلم قال هند بن أبى هالة رضي الله عنه: «كان النبى صلّى الله عليه وسلم خمصان الأخمصين مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء شسن الكفين والقدمين» .. قوله: خمصان الأخمصين: الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها، وهو الذى لا يلتصق بالأرض من القدمين، يريد أن ذلك منه مرتفع. مسيح القدمين: يريد أنهما ملساوان ليس فى ظهورهما تكسر لذا قال ينبو عنهما الماء يعنى أنه لا ثبات للماء عليهما وشسن الكفين والقدمين أى غليظ الأصابع والراحة رواه الترمذى فى الشمائل والطبرانى. وكان صلّى الله عليه وسلم أشبه النّاس بسيدنا إبراهيم عليه السّلام، وكانت قدماه الشّريفتان تشبهان قدمى سيدنا إبراهيم عليه السّلام كما هى آثارها فى مقام سيدنا إبراهيم عليه السّلام. صفة عقبيه صلّى الله عليه وسلم كان الرسول صلّى الله عليه وسلم منهوس العقبين أى لحمهما قليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 صفة قامته وطوله صلّى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ربعة من القوم» (أى مربوع القامة) ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب. وقد ورد عند البيهقى وابن عساكر أنه صلّى الله عليه وسلم لم يكن يماشى أحدا من الناس إلا طاله، ولربّما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب إلى الرّبعة، وكان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس. وبالجملة كان صلّى الله عليه وسلم حسن الجسم، معتدل الخلق ومتناسب الأعضاء. صفة عرقه صلّى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أزهر اللون كأنّ عرقه اللؤلؤ» (أى كان صافيا أبيض مثل اللؤلؤ) ... وقال أيضا: «ما شممت عنبرا قط ولا مسكا أطيب من ريح رسول الله صلّى الله عليه وسلم» ، أخرجه البخارى ومسلم واللفظ له. وعن أنس أيضا قال: «دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال (أى نام نومة القيلولة) عندنا، فعرق وجاءت أمى بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: يا أم سليم ما هذا الذى تصنعين؟ قالت: عرق نجعله فى طيبنا وهو أطيب» ، رواه مسلم، وفيه دليل أن الصحابة كانوا يتبرّكون باثار النبى صلّى الله عليه وسلم، وقد أقرّ الرسول عليه الصلاة والسلام أم سليم على ذلك. وكان صلّى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل وجد ريحه (أى تبقى رائحة النبى عليه الصلاة والسلام على يد الرجل الذى صافحه) ، وإذا وضع يده على رأس صبى، فيظل يومه يعرف من بين الصبيان بريحه على رأسه. ما جاء فى اعتدال خلقه صلّى الله عليه وسلم قال هند بن أبى هالة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر» ، أخرجه الطبرانى والترمذى فى الشمائل والبغوى فى شرح السنة وابن سعد وغيرهم. قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا» ، أخرجه البخارى ومسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الرسول المبارك صلّى الله عليه وسلم بوصف شامل يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما، خرجوا من مكة ومرّوا على خيمة امرأة عجوز تسمّى (أم معبد) ، كانت تجلس قرب الخيمة تسقى وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها شيئا. نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى شاة فى جانب الخيمة، وكان قد نفد زادهم وجاعوا. سأل النبى عليه الصلاة والسلام أم معبد: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ فاجابت أم معبد: شاة خلّفها الجهد والضعف عن الغنم. قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟. ردت أم معبد: بأبى أنت وأمى، إن رأيت بها حلبا فاحلبها!. فدعا النبى عليه الصلاة والسلام الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمّى الله جلّ تناؤه ثم دعا لأم معبد فى شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرّت. فدعا بإناء كبير، فحلب غبة حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا (أى شبعوا) ، ثم شرب آخرهم، ثم حلب فى الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها ... وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق أعنزا يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن!!. قال لزوجته: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب (أى لم تحمل ولم تلد) ولا حلوب فى البيت؟!!. أجابته: لا والله، إنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. فقال لها أبو معبد: صفيه لى يا أم معبد!!. أم معبد تصف رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أى مشرق الوجه) ، لم تعبه نحلة (أى نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بسمين) ، وسيم قسيم (أى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 حسن وضئ) ، فى عينيه دعج (أى سواد) ، وفى أشفاره وطف (طويل شعر العين) ، وفى صوته صحل (بحّة وحسن) ، وفى عنقه سطع (طول) ، وفى لحيته كثاثة (كثرة شعر) ، أزجّ أقرن (حاجباه طويلان ومقوّسان ومتّصلان) ، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر (كلامه بيّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير) ، كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن، ربعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) ، لا يعاب من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود (أى عنده جماعة من أصحابه يطيعونه) ، لا عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خال من الخرافة) . قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذى ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلّا خيمتى أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد حديث حسن قوى أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبى. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ليلة إضحيان، وعليه حلّة حمراء، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندى أحسن من القمر» . (إضحيان هى االليلة المقمرة من أولها إلى آخرها) . وما أحسن ما قيل فى وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: «وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل» (ثمال: مطعم، عصمة: مانع من ظلمهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ما جاء فى حسن النبى صلّى الله عليه وسلم لقد وصف بأنه كان مشربا حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر ... يعرف رضاه وغضبه وسروره فى وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضى أو سرّ استنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه ... » ، أخرجه ابن عساكر والأصبهانى فى الدلائل والديلمى فى مسند الفردوس كما فى الجامع الكبير للسيوطى. وفى ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم الخلقية التى هى أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى تمام الإيمان بالنبى صلّى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه الشريف فى غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمى مثله. ويرحم الله القائل: فهو الذى تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيبا بارئ النّسم فتنزه عن شريك فى محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم وقيل فى شأنه صلّى الله عليه وسلم أيضا: بلغ العلى بكماله ... كشف الدجى بجماله حسنت جميع خصاله ... صلوا عليه وآله ورحم الله ابن الفارض حيث قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وعلى تفنن واصفيه يفنى ... الزمان وفيه ما لم يوصف مسألة: من المعلوم أن النسوة قطعت أيديهن لما رأين يوسف عليه السّلام إذ أنه عليه السّلام أوتى شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبى صلّى الله عليه وسلم؟ هل يا ترى سبب ذلك أن يوسف عليه السّلام كان يفوق الرسول عليه الصلاة والسلام حسنا وجمالا؟ الجواب: صحيح أن يوسف عليه السّلام أوتى شطر الحسن ولكنه مع ذلك ما فاق جماله جمال وحسن النبى صلّى الله عليه وسلم. فلقد نال سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم صفات كمال البشر جميعا خلقا وخلقا، فهو أجمل الناس وأكرمهم وأشجعهم على الإطلاق وأذكاهم وأحلمهم وأعلمهم ... إلخ هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكما مر معنا سابقا أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يعلوه الوقار والهيبة من عظمة النور الذى كلّله الله تعالى به، فكان الصحابة إذا جلسوا مع النبى صلّى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهم الطير من الهيبة والإجلال فالطير تقف على الشيء الثابت الذى لا يتحرك. وما كان كبار الصحابة يستطيعون أن ينظروا فى وجهه ويصفوه لنا لشدة الهيبة والإجلال الذى كان يملأ قلوبهم وإنما وصفة لنا صغار الصحابة، ولهذا لم يحصل ذلك مع يوسف عليه السّلام. «1»   (1) لمعرفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بخلقه الظاهر وخلقه الباطن اقرأ للإمام الترمذى كتاب (الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية) تحقيق الشيخ طه عبد الرؤف سعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 4- من صفات النبى صلّى الله عليه وسلم الشاملة ونفرد هنا هذه الصفحات زيادة فى بيان صفاته صلى الله عليه وسلم صفة كلامه صلّى الله عليه وسلم صفة شرابه صلّى الله عليه وسلم أحاديث عن تواضعه صفة ضحكه صلّى الله عليه وسلم صفة شربه صلّى الله عليه وسلم رفقه عليه الصلاة والسلام صفة لباسه صلّى الله عليه وسلم صفة تكأته صلّى الله عليه وسلم الرحمة عند رسول الله صفة عمامته صلّى الله عليه وسلم صفة فراشه صلّى الله عليه وسلم سعة قلبه صلّى الله عليه وسلم صفة نعله صلّى الله عليه وسلم صفة نومه صلّى الله عليه وسلم حبه لأمته صلّى الله عليه وسلم صفة خاتمه صلّى الله عليه وسلم صفة عطاسه صلّى الله عليه وسلم صفة كرمه صلّى الله عليه وسلم صفة سيفه صلّى الله عليه وسلم صفة مشيته صلّى الله عليه وسلم جامع صفاته صلّى الله عليه وسلم صفة درعه صلّى الله عليه وسلم صفة دعائه صلّى الله عليه وسلم عراقة أصله صلّى الله عليه وسلم صفة عطره صلّى الله عليه وسلم صفة تسبيحه صلّى الله عليه وسلم تعظيم الصحابه له محبته من الإيمان من أخلاقه صلّى الله عليه وسلم علامة محبته صلّى الله عليه وسلم صفة كحله صلّى الله عليه وسلم العفو عند الخصام ثمرة محبة صلّى الله عليه وسلم صفة عيشه صلّى الله عليه وسلم صور من حب السلف للنبى صلّى الله عليه وسلم مائة خصلة انفرد بها الرسول صلّى الله عليه وسلم عن بقية الرسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 صفة كلامه صلّى الله عليه وسلم كان كلامه صلّى الله عليه وسلم بين فصل ظاهر يحفظه من جلس إليه. ورد فى حديث متفق عليه أنّه عليه الصلاة والسلام: «كان يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه» . «وكان صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه» . رواه البخارى. وروى أنه كان صلّى الله عليه وسلم يعرض عن كل كلام قبيح ويكنّى عن الأمور المستقبحة فى العرف إذا اضطره الكلام إلى ذكرها، وكان صلّى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى بين الخطوتين. صفة ضحكه وبكائه صلّى الله عليه وسلم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسّما، وكنت إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل» . حسن رواه الترمذى. وعن عبد الله بن الحارث قال: «ما رأيت أحدا أكثر تبسما من الرسول صلّى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يحدّث حديثا إلا تبسّم، وكان ضحك أصحابه صلّى الله عليه وسلم عنده التبسّم من غير صوت اقتداء به وتوقيرا له. وكان صلّى الله عليه وسلم إذا جرى به الضحك وضع يده على فمه، وكان صلّى الله عليه وسلم من أضحك الناس وأطيبهم نفسا» . وكان صلى الله عليه وسلم إذا ضحك بانت نواجذه أى أضراسه من غير أن يرفع صوته وكان الغالب من أحواله التّبسّم. وبكاؤه صلّى الله عليه وسلم كان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن تدمع عيناه حتى تنهملان ويسمع لصدره أزيز، ويبكى رحمة لميّت وخوفا على أمّته وشفقة من خشية الله تعالى وعند سماع القرآن وفى صلاة الليل. وعن عائشة قالت: «ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا، حتى أرى منه لهاته، (أى أقصى حلقه) » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 صفة لباسه صلّى الله عليه وسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «وكان أحب الثياب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم القميص (وهو اسم لما يلبس من المخيط) ، رواه الترمذى فى الشمائل وصححه الحاكم. ولقد كانت سيرته صلّى الله عليه وسلم فى ملبسه أتم وأنفع للبدن وأخف عليه، فلم تكن عمامته بالكبيرة التى يؤذيه حملها أو يضعفه أو يجعله عرضة الآفات، ولا بالصغيرة التى تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد وكذلك الأردية (جمع رداء) والأزر (جمع إزار) ويفضل من الثياب ما خف على البدن من غيرها. ولم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم نوع معين من الثياب، فقد لبس أنواعا كثيرة، وذلك أنه صلّى الله عليه وسلم كان يلبس ما يجده. وكان عليه الصلاة والسلام يلبس يوم الجمعة والعيد ثوبا خاصا، وإذا قدم عليه الوفد، لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بهديه فى ذلك. وعن أبى سعيد الخدرى قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه، (عمامة أو قميصا أو رداء) ثم يقول: اللهم لك الحمد كما كسوتنيه أسألك خير ما صنع له وأعوذ من شره وشر ما صنع له» ، رواه الترمذى فى الشمائل، والسنن فى اللباس، وأبو داود. كان أحب الثياب إليه البيضاء. وكان صلّى الله عليه وسلم لا يبدو منه إلا طيب، كان آية ذلك فى بدنه الشريف أنه لا يتسخ له ثوب أى كانت ثيابه لا يصيبها الوسخ من العرق ولا ما سوى ذلك وكان الذباب لا يقع على ثيابه. صفة عمامته صلّى الله عليه وسلم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء، والقلنسوة هى غشاء مبطن يستر الرأس، وكان صلّى الله عليه وسلم يلبس القلانس (جمع قلنسوة) أحيانا تحت العمائم وبغير العمائم، ويلبس العمائم بغير القلانس أحيانا. كان صلى الله عليه وسلم إذا اعتمّ (أى لبس العمامة) ، سدل عمامته بين كتفيه، وكان عليه الصلاة والسلام لا يولى واليا حتى يعمّمه ويرخى له عذبة من الجانب الأيمن نحو الأذن. ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 يكن صلّى الله عليه وسلم يطول العمامة أو يوسعها. قال ابن القيم: لم تكن عمامته صلّى الله عليه وسلم كبيرة يؤذى الرأس حملها ولا صغيرة تقصر عن وقاية الرأس بل كانت وسطا بين ذلك وخير الأمور الوسط. وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم يعتم بعمامة بيضاء وأحيانا خضراء أو غير ذلك. وعن جابر رضي الله عنه قال: «دخل النبى صلّى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء» . ولقد اعتم صلّى الله عليه وسلم بعد بدر حيث رأى الملائكة تلبسها. وصحة لبس المصطفى للسواد ونزول الملائكة يوم بدر بعمائم صفر لا يعارض عموم الخبر الصحيح الآمر بالبياض لأنه لمقاصد اقتضاها خصوص المقام كما بيّنه بعض الأعلام. صفة نعله وخفه صلّى الله عليه وسلم كان لنعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبالان مثنى (قبال) شراكهما أى لكل منهما قبالان، والقبال هو زمام يوضع بين الإصبع الوسطى والتى تليها ويسمى شسعا، وكان النبى صلّى الله عليه وسلم يضع أحد القبالين بين الإبهام والتى تليها والآخر بين الوسطى والتى تليها والشراك للسير (أى النعل) . وكان يلبس النعل ليس فيها شعر، كما رؤى بنعلين مخصوفتين أى مخروزتين مخاطتين ضم فيها طاق إلى طاق. وطول نعله شبر وإصبعان وعرضها مما يلى الكعبان سبع أصابع وبطن القدم خمس أصابع ورأسها محدد. وكان عليه الصلاة والسلام يقول موصيا الناس: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال» . صفة خاتمه صلّى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم، قيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه ختم، فاصطنع خاتما، فكأنى أنظر إلى بياضه فى كفه» . رواه الترمذى فى الشمائل والبخارى ومسلم. ولهذا الحديث فائدة أنه يندب معاشرة الناس بما يحبون وترك ما يكرهون واستئلاف العدو بما لا ضرر فيه ولا محذور شرعا والله أعلم. ولقد كان خاتم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من فضة وفصه (أى حجره) كذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وكان صلّى الله عليه وسلم يجعل فص خاتمه مما يلى كفه، نقش عليه من الأسفل إلى الأعلى «محمد رسول الله» ، وذلك لكى لا تكون كلمة «محمد» صلّى الله عليه وسلم فوق كلمة (الله) سبحانه وتعالى. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: «اتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاتما من ورق (أى من فضة) فكان فى يده، ثم كان فى يد أبى بكر ويد عمر، ثم كان فى يد عثمان، حتى وقع فى بئر أريس. نقشه «محمد رسول الله» ، رواه الترمذى فى الشمائل ومسلم وأبو داود، وأريس بفتح الهمزة وكسر الراء، هى بئر بحديقة من مسجد قباء. ولقد ورد فى بعض الروايات أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم فى يمينه وفى روايات أخرى أنه كان يلبسه بيساره ويجمع بين روايات اليمين وروايات اليسار بأن كلّا منهما وقع فى بعض الأحوال أو أنه صلّى الله عليه وسلم كان له خاتمان كل واحد فى يد وقد أحسن الحافظ العراقى حيث نظم ذلك فقال: يلبسه كما روى البخارى فى خنصر يمين أو يسار كلاهما فى مسلم ويجمع بأن ذا فى حالتين يقع أو خاتمين كل واحد بيد كما بفص حبشى قد ورد. ولكن الذى ورد فى الصحيحين هو تعيين الخنصر، فالسنّة جعل الخاتم فى الخنصر فقط، والخنصر هو أصغر أصابع اليد وحكمته أنه أبعد عن الامتهان فيما يتعاطاه الإنسان باليد وأنه لا يشغل اليد عمّا تزاوله من الأعمال بخلاف ما لو كان فى غير الخنصر. صفة سيفه صلّى الله عليه وسلم عن سعيد بن أبى الحسن البصرى قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من فضة» . والمراد بالسيف هنا، ذو الفقار وكان لا يكاد يفارقه ولقد دخل به مكة يوم الفتح. والقبيعة كالطبيعة «1» ما على طرف مقبض السيف يعتمد الكف عليها   (1) أى على وزنها أى عمى وزن فعيلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 لئلا يزلق. وفى رواية ابن سعد عن عامر قال: «أخرج إلينا على بن الحسين سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا قبيعته من فضة وحلقته من فضة» . وعن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان نعل سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى أسفله وحلقته وقبيعته من فضة. صفة درعه صلّى الله عليه وسلم عن الزبير بن العوام قال: «كان على النبى صلّى الله عليه وسلم يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع (أى فأسرع إلى الصخرة ليراه المسلمون فيعلمون أنه عليه الصلاة والسلام حى فيجتمعون عليه، فلم يقدر على الارتفاع على الصخرة قيل لما حصل من شج رأسه وجبينه الشريفين واستفراغ الدم الكثير منهما) فأقعد طلحة تحته (أى أجلسه فصار طلحة كالسلم) وصعد النبى صلّى الله عليه وسلم (أى وضع رجله فوقه وارتفع) حتى استوى على الصخرة (أى حتى استقر عليها) ، قال: سمعت النبى صلّى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحة (أى فعل فعلا أوجب لنفسه بسببه الجنة وهو إعانته له صلّى الله عليه وسلم على الارتفاع على الصخرة الذى ترتب عليه جمع شمل المسلمين وإدخال السرور على كل حزين ويحتمل أن ذلك الفعل هو جعله نفسه فداء له صلّى الله عليه وسلم ذلك اليوم حتى أصيب ببضع وثمانين طعنة وشلّت يده فى دفع الأعداء عنه) » . وقوله (كان عليه يوم أحد درعان) دليل على اهتمامه صلّى الله عليه وسلم بأمر الحرب وإشارة إلى أنه ينبغى أن يكون التوكل مقرونا بالتحصن لا مجردا عنه. ولقد ورد فى روايات أخرى أنه كان للنبى صلّى الله عليه وسلم أدرع. صفة طيبه (أى عطره) صلّى الله عليه وسلم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته وكان صلّى الله عليه وسلم لا يردّ الطيب، رواه البخارى. وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفى لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه» ، ورواه الترمذى فى الأدب باب ما جاء فى طيب الرجال والنساء، والنسائى فى الزينة باب الفصل بين طيب الرجال والنساء، وهو حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 صفة كحله صلّى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «اكتحلوا بالإثمد فإنّه يجلو البصر وينبت الشعر» ، وزعم أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة فى هذه وثلاثة فى هذه. قوله (اكتحلوا بالإثمد) المخاطب بذلك الأصحّاء أمّا العين المريضة فقد يضرّها الإثمد، والإثمد هو حجر الكحل المعدنى المعروف ومعدنه بالمشرق وهو أسود يضرب إلى حمرة. وقوله (فإنّه يجلو البصر) أى يقوّيه ويدفع المواد الرديئة المنحدرة إليه من الرأس لاسيما إذا أضيف إليه قليل من المسك. وأمّا قوله (ينبت الشعر) أى يقوى طبقات شعر العينين التى هى الأهداب وهذا إذا اكتحل به من اعتاده فإن اكتحل به من لم يعتده رمدت عينه. صفة عيشه صلّى الله عليه وسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: «ما شبع آل محمد صلّى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز برّ، حتى مضى لسبيله أى مات صلّى الله عليه وسلم» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» (أى ما يسدّ الجوع) متفق عليه. صفة شرابه صلّى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنا وخالد ابن الوليد على ميمونة فجاءتنا بإناء من لبن فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا على يمينه وخالد عن شماله فقال لى: الشّربة لك فإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت ما كنت لأوثر على سؤرك أحدا، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من أطعمه الله طعاما فليقل: «اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله عزّ وجلّ لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه» ، ثم قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 صفة شربه صلّى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلّى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يتنفس فى الإناء ثلاثا إذا شرب ويقول هو أمرأ وأروى، قوله (كان يتنفس فى الإناء ثلاثا) وفى رواية لمسلم (كان يتنفس فى الشراب ثلاثا) المراد منه أنه يشرب من الإناء ثم يزيله عن فيه (أى فمه) ويتنفس خارجه ثم يشرب وهكذا لا أنه كان يتنفس فى جوف الإناء أو الماء المشروب. وكان عليه الصلاة والسلام غالبا ما يشرب وهو قاعد «1» . صفة تكأته صلّى الله عليه وسلم عن جابر بن سمرة قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم متّكئا على وسادة على يساره» . وعن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ألا أحدّثكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، قال وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان متّكئا، قال وشهادة الزور أو قول الزور، قال فمازال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكررها حتى قلنا ليته سكت» . صفة فراشه صلّى الله عليه وسلم ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم فراش من أدم. (أى من جلد مدبوغ) محشو بالليف. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثر بجنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك يا عبد الله؟ قلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم كسرى وقيصر قد يطؤون على الخز والديباج والحرير وأنت نائم على هذا الحصير قد أثّر فى جنبك!. فقال: لا تبك يا عبد الله فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة» .   (1) أما شربه قائما فهو للجواز أو للحاجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 صفة نومه صلى الله عليه وسلم كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ينام أول الليل، ويحيى آخره. وكان إذا أوى إلى فراشه قال: (باسمك اللهم أموت وأحيا) ، وإذا استيقظ قال: (الحمد لله الذى أحيانا بعدما أماتنا وإليه النّشور) . عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه، وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن، وقال: «رب قنى عذابك يوم تبعث عبادك» ، رواه أحمد فى المسند والنسائى فى عمل اليوم والليلة وابن حبان وصححه الحافظ ابن حجر فى الفتح (فتح البارى) . وعن عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يصنع ذلك ثلاث مرات» ، رواه البخارى فى الطب والترمذى، والظاهر أنه كان يصنع ذلك فى الصحة والمرض وقال النووى فى الأذكار: «النفث نفخ لطيف بلا ريق» . ويستفاد من الحديث أهمية التعوذ والقراءة عند النوم لأن الإنسان يكون عرضة لتسلط الشياطين. وعن أبى قتادة أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا عرّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرّس قبيل الصبح، نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه، رواه أحمد فى المسند ومسلم فى الصحيح، كتاب المساجد باب قضاء الصلاة، والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة قاله فى النهاية لعل ذلك تعليما للأمة لئلا يثقل بهم النوم فتفوتهم الصبح فى أول وقتها. ويستفاد من الحديث أن من قارب وقت الصبح ينبغى أن يتجنب الاستغراق فى النوم وأن يستلقى على هيئة تقتضى سرعة انتباهه اقتداء بالمصطفى صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 صفة عطاسه صلّى الله عليه وسلم عن أبى هريرة صلّى الله عليه وسلم: «أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض بها صوته» ، رواه أبو داود والترمذى وصححه الحاكم وأقره الذهبى. صفة مشيته صلّى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلّى الله عليه وسلم كأن الشمس تجرى فى وجهه، وما رأيت أحدا أسرع من رسول الله صلّى الله عليه وسلم كأنّما الأرض تطوى له، إنّا لنجهد أنفسنا وإنّه غير مكترث» . وعن أنس رضي الله عنه أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا مشى تكفّأ (أى مال يمينا وشمالا ومال إلى قصد المشية) ويمشى الهوينا (أى يقارب الخطا) . وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا مشى، مشى مجتمعا ليس فيه كسل» ، (أى شديد الحركة، قوى الأعضاء غير مسترخ فى المشى) رواه أحمد. كان صلّى الله عليه وسلم إذا التفت التفت معا أى بجميع أجزائه فلا يلوى عنقه يمنة أو يسرة إذا نظر إلى الشيء لما فى ذلك من الخفة وعدم الصيانة وإنّما كان يقبل جميعا ويدبر جميعا لأن ذلك أليق بجلالته ومهابته هذا بالنسبة لالتفاته وراءه، أمّا لو التفت يمنة أو يسرة فالظاهر أنه كان يلتفت بعنقه الشريف. صفة دعائه صلّى الله عليه وسلم «كان النبى صلّى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك» ، حديث صحيح رواه أحمد. ومن دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلم فى الأخلاق: (اللهم اهدنى لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت، وقنى سىء الأعمال وسىء الأخلاق، لا يقى سيئها إلا أنت) ، أخرجه النسائى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 صفة تسبيحه صلّى الله عليه وسلم «كان يعقد التسبيح بيمينه» ، حديث صحيح رواه البخارى والترمذى وأبو داود (أى يسبح على عقد أصابع يده اليمنى) . من أخلاقه صلّى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد ما يكون عنه وما أنتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلم لنفسه فى شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها» . وعن عائشة أيضا قالت: «ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا بيده قط، ولا امرأة، ولا خادما إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما نيل من شيء قط، فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيئا من محارم الله، فينتقم لله» . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه (خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلم) قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، فأرسلنى يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفى نفسى أن أذهب لما أمرنى به نبى الله صلّى الله عليه وسلم. فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون فى السوق، فإذا برسول الله صلّى الله عليه وسلم بقفاى (من ورائى) ، فنظرت إليه وهو يضحك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا أتيس ذهبت حيث أمرتك، فقلت: أنا أذهب يا رسول الله!. قال أنس رضي الله عنه: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته، لو فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علىّ شيئا قط، والله ما قال لى أف قط» ، رواه مسلم. قلت فكم من مرة قلنا لوالدينا أفّ أما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فما قال لخادمه أفّ قط!!. وعن أبى هالة عن الحسن بن على قال ان النبى صلّى الله عليه وسلم كان خافض الطرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 (من الخفض ضد الرفع فكان إذا نظر لم ينظر إلى شيء يخفض بصره لأن هذا من شأن من يكون دائم الفكرة لاشتغال قلبه بربه) ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، وكان جل نظره الملاحظة (المراد أنه لم يكن نظره إلى الأشياء كنظر أهل الحرص والشره بل بقدر الحاجة) ، يسوق أصحابه أمامه (أى يقدمهم أمامه، ويمشى خلفهم تواضعا، أو إشارة إلى أنه كالمربى، فينظر فى أحوالهم وهيئتهم، أو رعاية للضعفاء وإغاثة للفقراء، أو تشريعا، وتعليما، وفى ذلك رد على أرباب الجاه وأصحاب التكبر والخيلاء) ، وكان صلّى الله عليه وسلم يبدر من لقى بالسلام. لقد كان النبى صلّى الله عليه وسلم من أكمل الناس شرفا وألطفهم طبعا وأعدلهم مزاجا وأسمحهم صلة وأنداهم يدا لأنه مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات. وقد أكد الرسول صلّى الله عليه وسلم على التواضع فى جملة فى الأحاديث منها: قوله صلّى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائه خلقا» . وقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» ، صحيح رواه أبو داود. العفو عند الخصام عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رجلا شتم أبا بكر والنبى صلّى الله عليه وسلم جالس يتعجب ويبتسم، فلما أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النبى صلّى الله عليه وسلم، فلحقه أبو بكر قائلا له: يا رسول الله كان يشتمنى وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت!!. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كان معك ملك يرد عليه، فلما رددت عليه وقع الشيطان (أى حضر) يا أبا بكر ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضى (أى يعفو) عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره وما فتح رجل باب عطيّة (أى باب صدقة يعطيها لغيره) يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة (أى يسأل الناس المال) يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلّة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 من تواضع الرسول صلّى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهيته لذلك» ، رواه أحمد والترمذى بسند صحيح. «كان يزور الأنصار، ويسلّم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم» ، حديث صحيح رواه النسائى. وكان عليه الصلاة والسلام يأتى ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويجيب دعوة العبد، كما كان يدعى إلى خبز الشعير فيجيب. عن أنس رضي الله عنه قال: «كانت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسسبق أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابى على قعود له (أى جمل) فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» ، رواه البخارى. من رفق الرسول صلّى الله عليه وسلم قال الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة: 128) عن أنس رضي الله عنه قال: «بينما نحن فى المجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابى فقام يبول فى المسجد فصاح به أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم: مه مه (أى أترك) !!. أو امتنع عن ذلك. قال النبى صلّى الله عليه وسلم: لا تزرموه، (لا تقطعوا بوله) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 فترك الصحابة الأعرابى يقضى بوله، ثم دعاه الرسول صلّى الله عليه وسلم وقال له: «إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هى لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» . ثم قال لأصحابه صلّى الله عليه وسلم: «إنّما بعثتم مبشرين، ولم تبعثوا معسرين، صبّوا عليه دلوا من الماء» . عندها قال الأعرابى: «اللهم ارحمنى ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا» . فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلم: «لقد تحجرت واسعا» ، (أى ضيّقت واسعا) ، فإن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء- متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها روت أنّ اليهود أتوا النبى صلّى الله عليه وسلم، فدار بينهم الحوار الآتى: اليهود: السّام عليك، (أى الموت عليك) . الرسول صلّى الله عليه وسلم: وعليكم. عائشة: السّام عليكم، ولعنكم الله وغضب عليكم!. الرسول صلّى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة! عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش. عائشة: أو لم تسمع ما قالوا؟!!. الرسول صلّى الله عليه وسلم: أولم تسمعى ما قلت، رددت عليهم، فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم فىّ. وفى رواية لمسلم: (لا تكونى فاحشة، فإن الله لا يحب الفحش ولا التّفحّش) . الرحمة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال «قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحسن بن علىّ، وعنده الأقرع بن حابس التيمى، فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم» ، متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 سعة قلبه منذ طفولته إلى لحظة وفاته صلّى الله عليه وسلم روى ابن إسحق وابن هشام أنّ حليمة لمّا جاءت كان على صدرها ولد لا يشبع من ثديها ولا من ناقتها، فناقتها عجفاء وثديها جاف. وراحت تبحث عن طفل ترضعه وتأخذ من المال من أهله ما تأكل به طعاما فيفيض حليبا. بحثت فى الأطفال فلم تر إلا اليتيم (محمدا صلّى الله عليه وسلم) ، فأعرضت عنه وسألت عن غيره فما جاءها غيره، فعادت إليه، فأخذته ومشت. تقول حليمة فيما رواه ابن إسحق: فلمّا وضعته على ثديى ما أقبل عليه، وقد شعرت أن ثديى قد امتلأ بالحليب، أعطيه الثدى لا يقبله، انتبهت إلى أن أخاه يبكى من الجوع فوضعته فأخذت أخاه فأرضعته، فشرب، فشبع، ثم حملت ابنى محمدا فوضعته على ثديى فأخذه» . ما أخذ ثديها وله أخ جائع وهو طفل صغير. إن الله تعالى جعله محبوبا من اللحظة الأولى، فما كان يقبل أن يأكل حتى يأكل أخاه، وما كان يقبل أن يأكل حتى يفيض الطعام. وما ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكل من إناء وانتهى الطعام الذى فيه أبدا. قال عنه عمه أبو طالب: كان إذا جاء الأولاد للطعام، امتنع حتى يأكل الأولاد جميعا، ولا يقترب حتى يأكلوا لأنه لا يريد أن يقلّل على أحد غذاءه، فهو يصبر ليشبع الآخرون، فما كان يوما يجاذب الدنيا أحدا، فهو يعلم أن الحب ينبع من إعراضك عن الدنيا، فإذا أحببت الدنيا أعرض الناس عنك وإذا أحببت الله أقبل الناس إليك. من منّا إذا دخلت عليه ابنته يقوم لها؟ كان إذا دخلت فاطمة قام لها وقال: «مرحبا بمن أشبهت خلقى وخلقى» . وتعالوا نرى كيف عبّر صلّى الله عليه وسلم عن حبه للزهراء، هل كان ذلك بمال أو بأثاث؟ أبدا ولكن بقربان إلى الله تعالى، فكانت كلما جاء جبريل عليه السّلام بكنز فيه قربة من الله، يقول صلّى الله عليه وسلم: «يا فاطمة، جاءنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 جبريل بكنز من أعمال المنزل، وطلبت منه خادمة، قال لها عليه الصلاة والسلام: ألا أعطيك ما هو خير من ذلك؟ قالت: نعم فقال لها: تقولى بعد كل فريضة، سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر ثلاثا وثلاثين وتمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير» . فهذا خير لها من الخادمة فى الدنيا والآخرة، فهو يعينها فى دنياها وينفعها فى آخرتها، وقد قبلت فاطمة ما أعطاها والدها وهى مسرورة فرحة ... حبه لأمّته صلّى الله عليه وسلم بعد أن عرج بالنبى صلّى الله عليه وسلم وكرّمه ربه، سأله رب العزة: «يا محمد، أبقى لك شيء؟ قال: نعم ربى. فقال سبحانه وتعالى: سل تعط. فقال: أمّتى، أمّتى» . لم يقل أبنائى، لم يقل أصحابى، لم يقل أهلى، قال أمّتى. وقد ورد فى بعض كتب التفسير عند قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (الضحى: 5) ، أنه لمّا نزلت عليه هذه الآية قال: «اللهم لا أرضى يوم القيامة وواحد من أمّتى فى النار» . لقد أرسل لنا عليه الصلاة والسلام نحن الذين نعيش فى هذا الزمن ولكل الذين عاشوا بعده: «بلّغوا السلام عنى من آمن بى إلى يوم القيامة» . سلّم علنينا قبل أن نكون شيئا مذكورا، وعرفنا قبل أن نعرفه، فكيف لا نكافئ هذا الحب بحب؟!!!. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرنا الغافلون. من كرم النبى صلّى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبى صلّى الله عليه وسلم فأعطاه غنما بين جبلين، فأتى قومه فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 «أى قوم، أسلموا، فإنّ محمدا يعطى عطاء ما يخاف الفاقة، فإنه كان الرجل ليجىء إلى رسول الله ما يريد إلا الدنيا، فما يمسى حتى يكون دينه أحبّ إليه وأعزّ عليه من الدنيا وما فيها» . ولقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم أجود الناس صدرا، أى أن جوده كان عن طيب قلب وانشراح صدر لا عن تكلف وتصنع. وورد فى رواية أخرى أنه عليه الصلاة والسلام كان أوسع الناس صدرا وهو كناية عن عدم الملل من الناس على اختلاف طباعهم وتباين أمزجتهم. جامع صفاته صلّى الله عليه وسلم عن إبراهيم بن محمد من ولد على بن أبى طالب قال: كان على رضي الله عنه إذا وصف النبى صلّى الله عليه وسلم قال: ... «أجود الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته (واصفه) لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى الله عليه وسلم» ، أخرجه الترمذى وابن سعد والبغوى فى شرح السنة والبيهقى فى شعب الإيمان. وما ألطف قول ابن الوردى رحمة الله تعالى: يا ألطف مرسل كريم ... ما ألطف هذه الشمائل عراقة أصله صلّى الله عليه وسلم هو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدى ملك الروم، فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيلته. وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام: 33) ويؤيد ذلك ما جاء على لسان أبى جهل عدو الله وعدو رسوله إذ قال للنبى صلّى الله عليه وسلم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 «قد نعلم يا محمد أنك تصل الرحم وتصدق الحديث ولا نكذبك ولكنّ نكذب الذى جئت به» أخرجه الحاكم فى مستدركه هذا صحيح على شرط الشيخين. فأنزل الله عز وجل: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام: 33) . ولهذا ورد أنهم عرضوا عليه الجاه والسيادة والملك وجمع الأموال والمغريات الآخرى مقابل ترك هذه الدعوة أو جزآ منها كحل وسط ولكنهم لم ينجحوا فيها لأن موقف الرسول صلّى الله عليه وسلم كان ثابتا. وعرض هذه الأمور عليه يدل على سمو مكانة النبى صلّى الله عليه وسلم من جهة النسب عند قومه قريش الذين كانوا يأنفون أن يخضعوا للوضيع مهما كان الأمر وخاصة إذا جاء بأمر يخالف عاداتهم وتقاليدهم مثل ما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الدين الحنيف والدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والأوثان وما كان سائدا فى مجتمع مكة من عادات وتقاليد جاهلية. عادة الصحابة فى تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله صلّى الله عليه وسلم عن ابن شماسة المهرىّ قال حضرنا عمرو بن العاص فذكر لنا حديثا طويلا فيه: «وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا أجلّ فى عينى منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنى لم أكن أملأ عينى منه» . وروى الترمذى عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يخرج على اصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويبتسمان إليه، ويبتسم لهما. ولما أذنت قريش لعثمان فى الطواف بالبيت حين وجهه النبى صلّى الله عليه وسلم إليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فى القضية (غزوة الحديبية) أبى وقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وروى أسامة بن شريك قال: «أتيت النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير» . وفى رواية أخرى: «إذا تكلم أطرق جلساؤه وكأنما على رؤوسهم الطير» . وقال عروة بن مسعود حين وجّهته قريش عام القضية إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوئه (ماء وضوئه) ، وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيما له، فلما رجع إلى قريش قال: «يا معشر قريش، إنى جئت كسرى فى ملكه، وقيصر فى ملكه، والنجاشى فى ملكه، وإنى والله ما رأيت ملكا فى قوم قط مثل محمد فى أصحابه، وقد رأيت قوما لا يسلمونه أبدا» . غض الصوت وقت مخاطبته صلّى الله عليه وسلم من المعلوم أن الرسول صلّى الله عليه وسلم هو المصدر الوحيد الذى يتلقى عنه المسلمون تعاليم الله سبحانه وتعالى سواء كان قرآنا أو سنة أو حديثا قدسيّا، لذلك يجب عليهم أن يتأدبوا معه صلّى الله عليه وسلم أثناء كلامه معهم أو كلامهم معه، وذلك بخفض الصوت وترك الجهر العالى كما يكون بين الإنسان وصديقه لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (الحجرات: 2) . يقول ابن كثير فى تفسير هذه الآية: «هذا أدب ثان أدّب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدى النبى صلّى الله عليه وسلم فوق صوته صلّى الله عليه وسلم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 والأدب هنا يحصل بمجانية أمرين اثنين: أولهما: رفع الصوت فوق صوته صلّى الله عليه وسلم أخذا من النهى الوارد فى قوله: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (الحجرات: 2) . ثانيهما: الجهر بالقول له صلّى الله عليه وسلم كالجهر بعضكم بعضا أخذا من النهى الوارد فى قوله تعالى: ... وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ .... وقد فرق المفسرون بين النهيين الواردين فى الآية حيث قالوا: إن الأول يتعلق برفع الصوت فوق صوته صلّى الله عليه وسلم أثناء كلامه معهم، وأما الثانى فيتعلق بالجهر له صلّى الله عليه وسلم وقت صمته. ومنهم من يقول: إن النهى الأول يتعلق وقت خطابه معهم أو خطابهم معه أو صمته، وأنّ الثانى يتعلق بندائه صلّى الله عليه وسلم باسمه المجرد أو بكنيته، مثل يا محمد أو يا أبا القاسم. وقد أجمل النيسابورى رحمه الله تعالى فى ما ورد فى التفريق بين هذين النهيين قائلا: والجمهور على أن بين النهيين فرقا ثم اختلفوا فقيل: الأول: فيما إذا نطق ونطقتم أو أنصت ونطقوا فى أثناء كلامه فنهوا أن يكون جهرهم باهر الجهر. والثانى: فيما إذا سكت ونطقوا ونهوا عن جهر مقيد بما اعتادوه بما بينهم وهو الخالى عن مراعاة أبهة النبوة. وقيل: النهى الأول أعم مما إذا نطق ونطقوا أو أنصت ونطقوا والمراد بالنهى الثانى أن لا ينادى وقت الخطاب باسمه أو كنيته كنداء بعضكم لبعض فلا يقال: يا أحمد يا محمد يا أبا القاسم، ولكن يا نبى الله يا رسول الله. والأدب الثانى هو أدبهم مع نبيهم فى الحديث والخطاب وتوقيرهم له فى قلوبهم توقيرا ينعكس على نبراتهم وأصواتهم، ويميز شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينهم، ويميز مجلسه فيهم، والله يدعوهم إلى ذلك النداء الحبيب ويحذرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 من مخالفة ذلك التحذير الرهيب. والتحذير الرهيب هو إحباط العمل الصالح بدون شعور صاحبه أخذا من قوله تعالى:.. أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. وأحسن ما قيل فى تأويل هذه الآية ما ذكره ابن المنير- رحمه الله حيث يقول: «والقاعدة المختارة أن إيذاءه صلّى الله عليه وسلم يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق، فورد النهى عما هو مظنة لأذى النبى صلّى الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى أو لا، حماية للذريعة وحسما للمادة. وهذا على عزار قوله تعالى فى قضية الإفك: ... وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. وقوله صلّى الله عليه وسلم «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها فى جهنم» ، صحيح البخارى. وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى عهده كما ورد فى الآثار: منها قول أبى بكر صلّى الله عليه وسلم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «والذى أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار حتى ألقى الله عز وجل» ، أورده الحاكم فى مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه ووافقه الذهبى. هكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب، وذلك التحذير الرهيب، وهكذا تأدبوا فى حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون وتداركوا أمرهم ولكن هذا المنزلق الخافى عليهم كان أخوف عليهم فخافوه واتقوه: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (الحجرات: 3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 هكذا كان الأمر فى حياته صلّى الله عليه وسلم وأما بعد مماته فكذلك يجب على المسلم أن يتأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحيث لا يرفع صوته عند سماع أحاديثه صلّى الله عليه وسلم لأن حرمته ميتا كحرمته حيّا سواء بسواء وأن أحاديثه تقوم مقامه. يقول ابن العربى رحمه الله تعالى: «حرمة النبى صلّى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيّا وكلامه المأثور بعد موته فى الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك فى مجلسه عند تلفظه به، وقد نبه الله تعالى على دواء الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ... (الأعراف: 204) . وكلام النبى صلّى الله عليه وسلم من الوحى وله الحرمة مثلما القرآن إلا معانى مستثناة بيانها فى كتب الفقه، والله أعلم. ويراعى هذا الأدب- وهو عدم رفع الصوت أيضا فى مسجده صلّى الله عليه وسلم، لما أخرجه البخارى بسنده عن السائب بن يزيد قال: «كنت قائما فى المسجد فحصبنى رجل، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتنى بهذين فجئته بهما، قال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» ، صحيح البخارى. كما أن هذا الأدب المستفاد من الآية يكون مع العلماء لأنهم ورثة الأنبياء وكذلك مع الأبوين وغيرهما لمن له فضل على الإنسان المسلم. فلا شك أنّ هؤلاء الأشخاص يأخذون هذا الحكم وينبغى التأدب معهم وتوقيرهم بالشكل اللائق بهم مع مراعاة الفرق بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأن مقامه أرفع من هؤلاء جميعا وهو صلى الله عليه وسلم المعنىّ بالآية أصلا وهؤلاء تبعا وليس الفرع كالأصل وإن اشتركا فى أمور، والله تعالى يقول: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (الأحزاب: 6) بل ينبغى أن يحترم العبد النبى صلّى الله عليه وسلم أكثر من سيده. وفى مجال التأدب مع الرسول صلّى الله عليه وسلم جاء التنبيه فى القرآن الكريم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ضرورة عدم مناداته بطريقة جافة ومزعجة بل لابد من مراعاة مقامه وقدره وبالأخص عندما يكون فى بيته مع نسائه وأولاده. يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الحجرات: 4- 5) . عن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أنه أتى النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد اخرج إلينا، فلم يجبه، فقال: يا محمد إن حمدى زين وإنّ ذمى شين» ، فقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وقد تضمنت الآية أمرين: أولهما: عدم إزعاج الرسول صلّى الله عليه وسلم فى وقت خلوته فى بيته مع نسائه بالنداء غير اللائق به. وثانيهما: الإرشاد إلى ما ينبغى أن يفعل فى هذه الحالة وهو الانتضار إلى أن يحين وقت خروجه. وفى ذلك قال الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (الحجرات: 5) أى: لكان فى ذلك الخير والمصلحة فى الدنيا والآخرة. وهذا لا يعنى أنه لا يجوز مناداته صلّى الله عليه وسلم بتاتا، وإنما المحظور مناداته فى وقت خلوته مع نسائه فى بيته كما فى هذه الحالة، وكذلك مناداته بصوت مرتفع خال من الاحترام والتقدير بل ينبغى أن ينادى بصوت منخفض وبصيغة معينة تتناسب مع قدره وعظمته ووقاره مثل: يا رسول الله، يا نبى الله، لا مجرد اسمه مثل: يا محمد، ويا أحمد، ويا أبا القاسم. كما ينادى الناس بعضهم بعضا. وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (النور: 63) . ومما تدل عليه هذه الآية أنه نهى لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 يجب على المسلم أن يدع هذه النداآت السوقية فى لفظها وكيفيتها مثل: يا محمد، ويا أحمد، أو كنيته مثل: يا أبا القاسم كما كانوا يفعلونه من قبل، وأن ينادوه صلّى الله عليه وسلم نداء يتناسب مع مقامه ومكانته مثل: يا رسول الله ويا نبى الله، اقتداء بما فى القرآن من نداء الله سبحانه وتعالى له صلّى الله عليه وسلم بحيث لم يناد رسوله فى القرآن بمجرد اسمه ولو مرة واحدة وإنما ناداه بصفة النبوة والرسالة وغيرها من الصفات الثابتة له فى القرآن الكريم. كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا (الأحزاب: 28) . ويا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ويا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ مع أنه سبحانه قد قال: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.. (البقرة: 35) . يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ... (هود: 46) . يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ... (هود: 76) . يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ.. (ص: 26) . لزوم محبته صلّى الله عليه وسلم قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. (التوبة: 24) فكفى بهذا حثّا وتنبيها ودلالة وحجّة على إلزام محبته، ووجوب فرضها وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلّى الله عليه وسلم، إذ قرّع الله تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ (التوبة: 24) . ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضلّ ولم يهده الله سبحانه وتعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وعن أنس رضي الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار» ، رواه مسلم والنسائى. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين» ، أخرجه البخارى ومسلم. حب الرسول صلى الله عليه وسلم من تمام الإيمان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين» ، أخرجه الشيخان وأحمد والنسائى. وفى الحديث جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقسام المحبة التى تكون بين الناس وهى ثلاثة: 1- محبة إجلال وإعظام كمحبة الولد والده. 2- محبة إشفاق ورحمة كمحبة الوالد ولده. 3- محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس. أما محبته صلّى الله عليه وسلم فهى هذا كله كما يفيد أفعل التفضيل فى قوله: «أحب إليه» . وفى حديث عمر: «أنت أحب إلىّ يا رسول الله من كل شيء إلا نفسى التى بين جنبى. فقال له عليه الصلاة والسلام: لا تكون مؤمنا حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: والذى أنزل عليك الكتاب، لأنت أحب إليّ من نفسى التى بين جنبى، فقال صلّى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر تم إيمانك» ، أخرجه البخارى. قال القاضى عياض: «اختلف الناس فى تفسير محبة الله ومحبة النبى صلّى الله عليه وسلم وكثرت عباراتهم فى ذلك وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال ولكنها اختلاف أحوال، فقال سفيان: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران: 31) وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 بعضهم: محبة الرسول اعتقاد نصرته والذب (الدفاع) عن سنته والانقياد لها وهيبة مخالفته، وقال بعضهم: دوام الذكر للمحبوب، وقال آخر إيثار المحبوب وقال بعضهم: المحبة الشوق إلى المحبوب، وقال بعضهم: المحبة مواطأة القلب لمراد الرب بحب ما أحب وبكره ما كره، وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له، ثم قال: وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها، وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان» . ويقول أبو عبد الله المحاسبى «والمحبة فى ثلاثة أشياء لا يسمى محبّا لله عز وجل إلا بها: 1- محبة المؤمنين فى الله عز وجل. 2- محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم فى الله عز وجل. 3- محبة الله عز وجل فى إيثار الطاعة على المعصية. «وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان وتكون موافقته إما لاستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها مما يميل كل طبع سليم إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معانى باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة فى آخرين ما يؤدى إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها» . ثم ذكر بعد ذلك أنّ هذه الأنواع المسببة للمحبة كلها مجتمعة فى شخصيته صلّى الله عليه وسلم أتم وجه حيث قال: «فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها فى حقه صلّى الله عليه وسلم فعلمت أنه جامع لهذه المعانى الثلاثة الموجبة للمحبة. فقد تميز بجمال الصورة والظاهر وكمال الأخلاق والباطن، كما تميز بإحسانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وإنعامه على أمته. وقد ذكر الله تعالى فى أوصافه رأفته بهم ورحمته لهم وهدايته إياهم وشفقته عليهم واستنقاذهم من النار وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ورحمة للعالمين ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه، ويتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهداهم إلى صراط مستقيم، فأى إحسان أجل قدرا وأعظم خطرا من إحسانه إلى جميع المؤمنين، وأى إفضال أعم منفعة وأكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين، إذ كان ذريعة إلى الهداية، ومنقذهم من العماية وداعيهم إلى الفلاح والكرامة، ووسيلتهم إلى ربهم وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم والموجب لهم البقاء الدائم والنعيم السرمدى فقد استبان لك أنه صلّى الله عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا.. إلى أن قال: فإذا كان الإنسان يحب من منحه فى دنياه مرة أو مرتين معروفا أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذى بها قليل منقطع فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ووقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب، وإذا كان يحب بالطبع ملكا لحسن سيرته أو حاكما لما يؤثر من قوام طريقته أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته فمن جمع هذه الخصال كلها على غاية مراتب الكمال أحق بالحب وأولى بالميل» . علامة محبته صلّى الله عليه وسلم إن من أحب شيئا آثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا فى حبه، وكان مدعيا، فالصادق فى حب النبى صلّى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بادابه فى عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران: 31) ، وإيثار ما شرعه، والحض عليه وتقديمه على هوى نفسه وموافقة شهوته. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر: 9) . قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا بنىّ إن قدرت أن تصبح وتمسى ليس فى قلبك غش لأحد فافعل» ، ثم قال لى: يا بنى وذلك من سنتى، ومن أحيا سنتى فقد أحبنى، ومن أحبنى كان معى فى الجنة» . فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ورسوله، ومن خالفها فى بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها. ومن علامات محبته صلّى الله عليه وسلم: الإيثار أى إيثاره صلّى الله عليه وسلم على النفس كما يدل عليه قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر: 9) . والآية وإن كانت عامة فى إيثار المهاجرين إلا أنه صلّى الله عليه وسلم هو رئيس المهاجرين وقائدهم، وهو المحبوب الأول من الخلق أساسا، وأما غيره فتبع له بحسب قربهم إليه صلّى الله عليه وسلم ومتابعتهم إياه. ومن علامات محبته صلّى الله عليه وسلم أيضا: بغض من أبغض الله ورسوله مهما كانت صلته ورتبته لقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (المجادلة: 22) . يقول ابن كثير فى تفسير هذه الآية: قيل فى قوله تعالى: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ: نزلت فى أبى عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، وأَوْ أَبْناءَهُمْ فى الصديق لابنه عبد الرحمن، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ: فى عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا..» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وهؤلاء قاموا بقتل أقرب أقربائهم فى معركة بدر لأن حب الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم يقتضى قتل من حادّ الله ورسوله وبغض من أبغض الله ورسوله. ومن العلامات كذلك: حب من أحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى عكس الصورة السابقة لقوله صلّى الله عليه وسلم: «الله الله فى أصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم ومن آذاهم فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» ، حديث حسن غريب. ثمرة محبته صلّى الله عليه وسلم من ثمرة محبته عليه الصلاة والسلام، مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لحديث عائشة رضى الله عنها: «جاء رجل إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: إنك لأحب إلى من نفسى وإنك لأحب إلى من ولدى وإنى لأكون فى البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتى فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتك عرفت إنك دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإنى إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فأنزل الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء: 69) ، (مجمع الزوائد) . وقال الهيثمى: ورواه الطبرانى فى الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران الغامدى وهو ثقة. عن أنس رضي الله عنه أن رجلا أتى النبى رضي الله عنه، فقال: «متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة، ولا صوم، ولا صدقة، ولكنى أحب الله ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت» ، أخرجه البخارى ومسلم. فهل من ثواب أرجى من أن يحشر المرء مع من أحب خاصة إذا كان المحبوب هو المصطفى صلّى الله عليه وسلم!. قال شهاب الدين الخفاجى رحمه الله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وحق المصطفى لى فيه حب ... إذا مرض الرجاء يكون طبّا ولا أرضى سوى الفردوس مأوى ... إذا كان الفتى مع من أحبّا صور من حب السلف للرسول صلّى الله عليه وسلم هناك صور متعددة من حب السلف للرسول صلّى الله عليه وسلم نذكر طرفا منها فى هذا المقام وخاصة ما روى فى حب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين للرسول صلّى الله عليه وسلم: من ذلك ما أخرجه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لما فرض عمر لأسامة بن زيد ثلاثة آلاف وفرض لى ألفين وخمسمائة قلت له: يا أبت لم تفرض لأسامة بن زيد وثلاثة آلاف وتفرض لى ألفين وخمسمائة والله ما شهد أسامة ما غبت عنه ولا شهد أبوه مشهدا غاب عنه أبى، فقال: صدقت يا بنى، ولكنى أشهد لأبوه كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أبيك ولهو أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منك» ، رواه الحاكم فى مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. ومنها ما روى أنه لما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان بن حرب: «أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك لضرب عنقه وإنك فى أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمدا الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة وإنى جالس فى أهلى، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا» . ومنها ما روى أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها فأخبروها بذلك فقالت: «ما فعل الله برسول الله؟ قالوا: بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظره، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل» . أى هينة. وقال صلّى الله عليه وسلم: «أشد أمتى لى حبّا قوم يكونون من بعدى، يود أحدهم أنه فقد أهله وماله وأنه رآنى» ، أخرجه أحمد بسند حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 5- مائة خصلة انفرد بها الرسول عن بقية الأنبياء ما أكرمه الله تعالى به لذاته فى الدنيا 1- أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء، صلّى الله عليه وسلم. 2- كان عند أهل الكتاب علم تام به صلّى الله عليه وسلم. 3- كان نبيا وآدم منجدل فى طينته صلّى الله عليه وسلم. 4- هو أول المسلمين صلّى الله عليه وسلم. 5- هو خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلم. 6- هو نبى الإسلام صلّى الله عليه وسلم. 7- هو أولى بالأنبياء من أممهم صلّى الله عليه وسلم. 8- هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم صلّى الله عليه وسلم. 9- كونه منة يمتن الله بها على عباده صلّى الله عليه وسلم. 10- كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم صلّى الله عليه وسلم. 11- طاعته ومبايعته هى عين طاعة الله ومبايعته صلّى الله عليه وسلم. 12- الإيمان به مقرون بالإيمان بالله تعالى صلّى الله عليه وسلم. 13- هو رحمة للعالمين صلّى الله عليه وسلم. 14- هو أمنة لأمته صلّى الله عليه وسلم. 15- عموم رسالته صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 16- تكفل المولى بحفظه وعصمته صلّى الله عليه وسلم. 17- التكفل بحفظ دينه صلّى الله عليه وسلم. 18- القسم بحياته صلّى الله عليه وسلم. 19- القسم ببلده صلّى الله عليه وسلم. 20- القسم له صلّى الله عليه وسلم. 21- لم يناده باسمه صلّى الله عليه وسلم. 22- ذكر فى أول من ذكر من الأنبياء صلّى الله عليه وسلم. 23- النهى عن مناداته باسمه صلّى الله عليه وسلم. 24- لا يرفع صوت فوق صوته صلّى الله عليه وسلم. 25- تقديم الصدقة بين يدى مناجاتهم له صلّى الله عليه وسلم (ثم نسخ ذلك) . 26- جعله الله نورا صلّى الله عليه وسلم. 27- فرض بعض شرعه فى السماء صلّى الله عليه وسلم. (الصلاة) . 28- تولى الإجابة عنه صلّى الله عليه وسلم. 29- استمرار الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم. 30- الإسراء والمعراج به صلّى الله عليه وسلم. 31- معجزاته صلّى الله عليه وسلم. 32- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلّى الله عليه وسلم. 33- تأخير دعوته المستجابة فعلا ليوم القيامة صلّى الله عليه وسلم. 34- أعطى جوامع الكلم صلّى الله عليه وسلم. 35- أعطى مفاتيح خزائن الأرض صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 36- إسلام قرينه من الجن صلّى الله عليه وسلم. 37- نصره بالرعب مسيرة شهر صلّى الله عليه وسلم. 38- شهادة الله وملائكته له صلّى الله عليه وسلم. 39- إمامته بالأنبياء فى بيت المقدس صلّى الله عليه وسلم. 40- قرنه خير قرون بنى آدم صلّى الله عليه وسلم. 41- ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة صلّى الله عليه وسلم. 42- أعطى انشقاق القمر صلّى الله عليه وسلم. 43- يرى من وراء ظهره صلّى الله عليه وسلم. 44- رؤيته فى المنام حق صلّى الله عليه وسلم. 45- عرض الأنبياء مع أممهم عليه صلّى الله عليه وسلم. 46- جعل خاتم النبوة بين كتفيه صلّى الله عليه وسلم. 47- اطلاعه على المغيبات صلّى الله عليه وسلم. ما أكرمه الله تعالى به فى الآخرة 48- وصفه بالشهادة صلّى الله عليه وسلم. 49- ما أعطى من الشفاعات صلّى الله عليه وسلم. 50- هو أول من يبعث صلّى الله عليه وسلم. 51- هو إمام الأنبياء وخطيبهم صلّى الله عليه وسلم. 52- كل الأنبياء تحت لوائه صلّى الله عليه وسلم. 53- هو أول من يجوز على الصراط صلّى الله عليه وسلم. 54- هو أول من يقرع باب الجنة صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 55- هو أول من يدخل الجنة صلّى الله عليه وسلم. 56- إعطاؤه الوسيلة والفضيلة صلّى الله عليه وسلم. (الوسيلة: أعلى منزلة فى الجنة) . 57- إعطاؤه المقام المحمود صلّى الله عليه وسلم. (وهى الشفاعة العظمى) . 58- إعطاؤه الكوثر صلّى الله عليه وسلم. (وهو نهر فى الجنة) . 59- إعطاؤه لواء الحمد صلّى الله عليه وسلم. 60- يكون له كرسى عن يمين العرش صلّى الله عليه وسلم. 61- هو أكثر الأنبياء تبعا صلّى الله عليه وسلم. 62- هو سيد الأولين والآخرين يوم القيامة صلّى الله عليه وسلم. 63- هو أول شافع ومشفع صلّى الله عليه وسلم. 64- هو مبشر الناس يوم يفزع إليه الأنبياء صلّى الله عليه وسلم. 65- ما يوحى إليه فى سجوده تحت العرش مما لم يفتح على غيره من قبل ومن بعد صلّى الله عليه وسلم. 66- منبره على حوضه صلّى الله عليه وسلم. ما أكرمه الله به فى أمته فى الدنيا 67- جعلت خير الأمم. 68- سماهم الله تعالى المسلمين، وخصهم بالإسلام. 69- أكمل الله لها الدين، وأتم عليها النعمة. 70- ما حطه الله لها عنها من الإصر والأغلال. 71- صلاة المسيح خلف إمام المسلمين. 72- أحلت لها الغنائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 73- جعلت صفوفها كصفوف الملائكة. 74- التيمم والصلاة على الأرض. 75- خصهم بيوم الجمعة. 76- خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة. 77- خصهم بليلة القدر. 78- هذه الأمة هى شهداء الله فى الأرض. 79- مثلها فى الكتب السابقة (ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل) . 80- لن تهلك بجوع، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستأصلها. 81- خصت بصلاة العشاء. 82- تؤمن بجميع الأنبياء. 83- حفظها من التنقص فى حق ربها عز وجل. 84- لا تزال طائفة منها على الحق منصورة. ما أكرمه الله تعالى به فى أمته فى الآخرة 85- هى شاهدة للأنبياء على أممهم. 86- هى أول من يجتاز الصراط. 87- هى أول من يدخل الجنة، وهى محرمة على الناس حتى تدخلها. 88- انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنة. 89- سيفديها بغيرها من الأمم. 90- تأتى غرا محجلين من آثار الوضوء. 91- هى أكثر أهل الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 92- سيرضى الله نبيه صلّى الله عليه وسلم فيها. 93- زيادة الثواب مع قلة العمل. 94- كلها تدخل الجنة إلا من أبى بمعصيته لله ورسوله للحديث الذى رواه البخارى. 95- كثرة الشفاعات فى أمته. 96- تمنى الكفار لو كانوا مسلمين. 97- هم الآخرون فى الدنيا السابقون يوم القيامة. 98- دخول العدد الكثير منها الجنة بغير حساب. 99- لها علامة تعرف بها ربها عز وجل وهو الساق. 100- فيها سادات أهل الجنة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المرجع كتاب/ تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلم المؤلف/ عبد الله بن جار الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وأخيرا نقول إن ما قدمه الغربيون عامة، والمستشرقون على وجه الخصوص، يتضمن الأبيض والأسود، سواء على مستوى المنهج أو الموضوع، فبعضهم ينظر إلى الإسلام ونبيه محمد- صلّى الله عليه وسلم- نظرة موضوعية بينما ينظر البعض الآخر نظرة يسودها التعصب ومجانبة الحقيقة، والرؤية العلمية الحيادية. ولقد قدمنا فى هذا الكتاب مجموعة من الشهادات الغربية المنصفة للرسول- صلّى الله عليه وسلم- صدرت عن أعلام معظمهم غير مسلمين، فيهم السياسى والأديب والشاعر والعالم، والعسكرى، والرجل، والمرأة. وهذه الشهادت تؤكد أن الدنيا لا تخلو من أحرار الفكر الذين يمكن أن يصلوا إلى الحق أو إلى جوانب منه، ويؤدوا حق الشهادة فى ذلك. وإذا كان هذا يشكل بالنسبة لنا مادة للفخر والسرور، فإنه يزيد اعتزازنا بهذا الدين ويلقى علينا مسئولية كبيرة، وهى أن ننهض بواجب الدفاع عن ديننا ومعتقداتنا ومقدساتنا، متوقعين أن نحقق مساحة من النجاح تتوازى مع إخلاصنا وجهدنا فى الدعوة الإسلامية. وتأتى هذه الشهادات لتؤكد أيضا على أن الدين الإسلامى هو الدين الحق، الدين الأخير الذى أنزل لكى يكون صالحا لكل زمان ومكان، وكذلك لترد على شبهات المشككين، وأباطيل المكذبين، وافتراآت المغرضين. ولكى تثبت أن القدوة الحسنة للرسول- صلّى الله عليه وسلم- ليست للمسلمين فحسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وإنما للإنسانية جمعاء. ومن أجل أن تبرز بعض جوانب العظمة الإنسانية لأعظم العظماء فى التاريخ الإنسانى كله وهو محمد- صلّى الله عليه وسلم-. وكل ذلك يفرض علينا أن نقتدى به فى تصوراتنا وسلوكياتنا وسائر شئون الحياة. وأن نذود عن منهجه وشريعته فى كل وقت، وأن ندافع عن رسالته ضد افتراآت الضالين، وأن نبلغ دينه فى شتى أنحاء المعمورة حتى يسود العدل والحق والخير لبنى الإنسان. والله من وراء القصد وهو يهدى إلى سواء السبيل، المؤلف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 خاتمة نرجو من الله تعالى حسن الخاتمة الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله الكريم المتعال. والصلاة والسلام عليك سيدى يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك وأزواجك وتابعيك وتابعيهم بإحسان ومن نهج نهجك وسار على سبيلك واتبع سنتك وسار على طريقتك إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله تعالى بقلب سليم. يوم يقول الحق جل فى علاه «لمن الملك اليوم..» فلا يجد من يجيبه ولا ما يجيبه حتى يجيب حضرته العظيمة الكريمة الجليلة: «لله الواحد القهار» . وبعد: فماذا يقول العلماء أو ينطق البلغاء أو يزيد ويعيد الأدباء الفصحاء فى سيرة وفضل خير الأنبياء وشمائل أفضل الرسل على الإطلاق ولو أنفدوا أحبار الأقلام وبيضوا بها وجه الأوراق كل الأوراق فى جميع الآفاق ومهما يقول المؤرخون ومهما يكتب الكاتبون ومهما يصف الواصفون فأنت أعز وأكرم وأشرف وأفضل. إنهم لن يستطيعوا أن يحلوك مكانا رفعك الله إليه بقوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وقولك صلى الله عليك وسلم: «أدبنى ربى فأحسن تأديبى» فعبدته حق عبادته وعرفته حق معرفته. رأيت نور وجهه فى المعراج فأنت أفضل من الملائكة حتى المقربين وأعطيت جميع معجزات الأنبياء المرسلين وأنت حى فى قبرك ترد سلام من يسلم عليك، ولا تقبل صلاة من لم يصلّ عليك وعلى آلك. أنزل الله تعالى عليك خير الكتب القرآن العظيم وأقسم فيه بحياتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. حتى إنه لم يتركك لتختار أصحابك وزوجاتك بل اختارهم لك. يقول صلّى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى اختارنى واختار لى أصحابى» . أراح قلبك من حر الهجران ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. شرح لك صدرك ورفع لك ذكرك أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ اختارك من البلد الأمين وحفظ جسمك الشريف فى خير بقعة من الأرض. فلتكف الأقلام ولتصمت الألسنة فلن توفيك الأقلام حقك ولن تستطيع الألسنة أن تقدرك حق قدرك ولكن الكل يكتب عنك بقدر ما وفقه الله وما أراد. أما من هجاك بلسانه القذر- قطعه الله من أصله- وصورك فى غير صورتك بقلمه أو ريشته قصفها الله تعالى وقصف رقبته فإنه إناء قذر ينضح بما فيه وأى خير تستخلصه من إناء قذر وأى صوت تسمعه من كلب نبح مهما كثرت الكلاب. لو كل كلب عوى ألقمته حجرا ... لأصبح الصخر قيراطا بدينار وأختم كلمتى بقوله تعالى وليس بعد قول الله قول: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (التوبة: 128، 129) ندعو الله أن يجعلنا من الذين يقولون فيفعلون ويفعلون فيخلصون ويخلصون فيقبلون. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. مراجع الكتاب ومدققه ومصححه طه عبد الرؤوف سعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 المصادر والمراجع 1- القرآن الكريم. 2- نعمات أحمد فؤاد: الإسلام فى رأى الشرق والغرب، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 1999. 3- رجب البنا: الغرب والإسلام، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 1998. 4- رجب البنا: صناعة العداء للإسلام، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 2004. 5- رجب البنا: المنصفون للإسلام فى الغرب، دار المعارف، القاهرة، 2005 6- زكريا هاشم زكريا: آراء فلاسفة وعباقرة الغرب فى الإسلام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مهرجان القراءة للجميع، 2000. 7- عبد الحليم محمود: أوروبا والإسلام، مطابع الأهرام التجارية، القاهرة، 1973. 8- عبد الحليم محمود: المسيحية نشأتها وتطورها، دار المعارف، القاهرة، 1975. 9- أحمد حامد: الإسلام ورسوله فى فكر هؤلاء، مطبوعات دار الشعب، القاهرة، 1991. 10- أحمد حامد: لماذا أسلم هؤلاء، مطبعة دار الشعب، القاهرة، 1976. 11- نجيب العقيقى: المستشرقون، ثلاثة أجزاء، دار المعارف، القاهرة. 12- د/ محمود حمدى زقزوق: الإسلام فى تصورات الغرب، مكتبة وهبة، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 13- لواء أحمد عبد الوهاب: الإسلام فى الفكر الغربى، مكتبة التراث الإسلامى، القاهرة، 1993. 14- محمد البهى: الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى، مكتبة وهبة، القاهرة. 15- مجلة منار الإسلام: تصدر فى دولة الإمارات العربية المتحدة، العدد 373، السنة 32، شهر محرم 1427 هـ- فبراير 2006. 16- عماد الدين خليل: قالوا عن الرسول- صلّى الله عليه وسلم-، موقع صيد الفوائد، عبر شبكة الإنترنت. 17- مواقع لبعض الشبكات الإسلامية على الإنترنت تتضمن مقالات ومعلومات عن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبى- صلّى الله عليه وسلم-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الفهرس آيات من القرآن الكريم 5 الإهداء 7 مقدمة 9 الفصل الأول الإساءة للرسول- صلّى الله عليه وسلم- هوس غربى قديم 17 1- تاريخ العدوان الفكرى الغربى على الإسلام وعلى نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم 17 2- مشكلة الفكر الغربى مع نبى الإسلام محمد- صلّى الله عليه وسلم- 45 3- الإساءة إلى الإسلام فى الغرب حرية تعبير أم وجدان صليبى 57 4- موسم التهجم على الذات النبوية الشريفة 62 5- اعترفات غربية 67 الفصل الثانى الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فى عيون غربية منصفة 95 1- عظاماء دافعوا عن الرسول- صلّى الله عليه وسلم- 95 2- النبى- صلّى الله عليه وسلم- كما تحدث عنه المنصفون العقلاء فى الغرب 100 3- شهادات غربية منصفة 108 4- شهادات متفرقة 165 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الفصل الثالث كيف نواجه حملات تشويه صورة النبى- صلّى الله عليه وسلم- فى الغرب 191 1- من يدافع اليوم عن نبى الإسلام؟ 191 2- كيف نواجه هذه الحملات المغرضة؟ 194 3- مائة وسيلة لنصرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم 195 4- لتتوحد أصواتنا ضد الإساءة إلى الرسول- صلّى الله عليه وسلم-. 206 الفصل الرابع تعرف على نبيك محمد صلّى الله عليه وسلم 209 1- بعض المعلومات المهمة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم 209 2- وصف أخلاق النبى صلّى الله عليه وسلم 217 3- صفات النبى- صلّى الله عليه وسلم- الخلقيّة 221 4- صفات النبى- صلّى الله عليه وسلم- الخلقيّة 236 5- مائة خصلة انفرد بها الرسول- صلّى الله عليه وسلم- عن باقى الأنبياء 266 وأخيرا نقول 272 خاتمة 274 المصادر والمراجع 276 فورإتش للكمبيوتر 6674335/ 010 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280