الكتاب: تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف: حسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (المتوفى: 966هـ) الناشر: دار صادر - بيروت الطبعة: - عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس الدِّيار بَكْري الكتاب: تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس المؤلف: حسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (المتوفى: 966هـ) الناشر: دار صادر - بيروت الطبعة: - عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء الاوّل من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس * (بسم الله الرحمن الرحيم) * ذكر ترتيب الكتاب على مقدّمة وثلاثة أركان وخاتمة الحمد لله الذى خلق نور نبيه قبل كل أوائل* ثم خلق منه كل شئ من الاعالى والاسافل* ثم أودعه فى الاصلاب الطيبة الجلائل* ورباه فى الارحام الطاهرة من الرذائل* فقلبه فى الآباء والامّهات الجزائل* حتى أظهره من أطهر بيت من خير الشعوب والقبائل* محمد المخصص بأبين السير وأحسن الشمائل* المؤيد بأثبت المعجزات وأوضح الدّلائل* صلى الله عليه وعلى اخوانه المصطفين أولى أكمل الفضائل* وعلى آله وأصحابه المقتدين ذوى أجمل الخصائل* (أما بعد) فيقول المستوهب من الله ذى المنن العبد الضعيف حسين بن محمد بن الحسن الديار بكرى غفر الله له ولو الديه* ونوّلهم كرامة لديه* هذه مجموعة فى سير سيد المرسلين وشمائل خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين* انتخبتها من الكتب المعتبرة تحفة للاخوان الكرام البررة وهى التفسير الكبير والكشاف وحاشيته للشريف الجرجانى والكشف والوسيط ومعالم التنزيل وأنوار التنزيل ومدارك التنزيل وتفسير القشيرى وبحر العلوم والنهر ولباب التأويل وتفسير الحدّادى وعمدة المعانى وزاد المسير لابن الجوزى وتفسير الينابيع وتبصير الرحمن وتفسير أبى الليث السمرقندى وصحيحا البخارى ومسلم وسنن الترمذى وشمائله وسنن أبى داود والنسائى وابن ماجه والمصابيح وشرح السنة والمشكاة وشرحها للطيبى ومشارق الانوار للصغانى والموطأ وشرحا صحيح البخارى لابن حجر والكرمانى ومسند الامام أحمد ومستدرك الحاكم وجامع الاصول لابن الاثير والنهاية له وأسد الغابة والكامل له والشفاء وشعب الايمان للبيهقى ودلائل النبوّة له واحياء العلوم والتلقيح لابن الجوزى وصفوة الصفوة له وشرف المصطفى له والحدائق له والوفاء له وخلاصة الوفا للسمهودى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وايضاح النووى والمنهاج له والاذكار له ورياض الصالحين له والنجم الوهاج ومعجم الطبرانى وذخائر العقبى للمحب الطبرى والسمط الثمين له وخلاصة السير له والرياض النضرة له والمتقى وشواهد النبوّة والمواهب اللدنية لاحمد القسطلانى وروضة الاحباب وأسماء الرجال ومزيل الخلفا وسيرة ابن هشام واكتفاء الكلاعى والاستيعاب لابن عبد البرّ وسيرة اليعمرى وسيرة الدمياطى وسيرة مغلطاى ومناسك الكرمانى والتذنيب للرافعى وهدى ابن القيم والتنبيه لابى الليث السمرقندى وفصل الخطاب والفتوحات المكية وربيع الابرار وحياة الحيوان وتلخيص المغازى وزين القصص وأمثال العسكرى وكتاب الاعلام للسهروردى وتاريخ مكة للازرقى وتاريخ اليافعى وشفاء الغرام للقاسى ودول الاسلام للذهبى وشرح المواقف للشريف الجرجانى وشرح المقاصد للتفتازانى وشرح العقائد العضدية للدوانى وتفسير قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ له وأنموذج العلوم له وعقائد الفيروزابادى وفصوص الحكم والعروة الوثقى وشرعة الاسلام والملل والنحل لمحمد الشهرستانى والهداية والمضمرات وكنز العباد والمهمات وتشويق المساجد والمختصر الجامع وصحاح الجوهرى والقاموس وسامى الاسامى ومورد اللطافة والاصل الاصيل للسخاوى والفوائد والانس الجليل وبهجة الانوار والعوارف ومعجم ما استعجم للبكرى وأنموذج اللبيب للسيوطى والكشف له والدرجة المنيفة له والعرائس للثعلبى وسح السحابة وأصول الصفار والبحر العميق وسر الادب والانسان الكامل* (وسميتها) * بالخميس فى أحوال أنفس نفيس* ورتبتها على مقدّمة وثلاثة أو كان وخاتمة* (أما المقدّمة) ففى الحوادث من أوّل خلق نوره الى زمان ولادته وظهوره وهى ثلاث طلائع (الطليعة الاولى) فى تعريف النبىّ صلى الله عليه وسلم والرسول وأولى العزم والخاتم والفرق بينهم وبين البشر والملك وبين النبى والولى والساحر وفى أوّل ما خلق الله وما بدأ من أنواره قبل وجوده الصورى وخلق طينته قبل طينة آدم وحديث صور الانبياء وذكر دلائل نبوّته وعلامات رسالته من بشائر الكتب القديمة والعلماء المتقدّمين وأخبار الجنّ والكهنة (الطليعة الثانية) فى ذكر خلق السماء والارض ومدّة خلقهما وخلق الملائكة والجان وذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة وابتداء خلق آدم وحوّاء وذكر الروح وذكر عيسى ومريم ويحيى وأخذ الميثاق وكيفية انتقاله من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة وبالعكس وبيان نسبه من الطرفين وذكر مولد ابراهيم وذكر القائه فى النار وذكر الشأم والارض المقدّسة وذكر أوّلية الكعبة وعدد بنائها ومن تولى بناءها وفيها ذكر ذى القرنين ويأجوج ومأجوج والدجال والخضر ودابة الارض وبدء ظهور زمزم فى زمن اسماعيل وانطماسها بعده وبقائها منطمسة الى زمن عبد المطلب وفيها ذكر يعقوب ويوسف وذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى وذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا (الطليعة الثالثة) فى ولادة عبد الله ونذر عبد المطلب ذبحه وعرض عبد الله عليه وتزوّجه آمنة وقصة الخثعمية ووقائع مدّة الحمل من وفاة عبد الله وقصة أصحاب الفيل (وأما الاركان الثلاثة فالركن الاوّل) فى الحوادث من عام ولادته الى زمان نبوّته وفيه ثلاثة أبواب (الباب الاوّل) فى الوقائع من عام ولادته الى السنة الحادية عشر من تاريخ ولادته وما وقع حين الولادة وذكر الختان وذكر أسمائه وألقابه وكناه وشمائله وصفاته وخصائصه ومعجزاته وارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة من شق الصدر وغيره وولادة أبى بكر الصدّيق وفقد حليمة النبى صلى الله عليه وسلم فى الطريق حين ردّته الى أمّه ووفاة أمّه وولادة عثمان بن عفان وكفالة عبد المطلب ورمده واستسقاء عبد المطلب وحديث سيف بن ذى يزن وذكر سليمان وبلقيس ووفاة عبد المطلب وكفالة أبى طالب وموت حاتم الطائى وموت كسرى أنو شروان وولاية ابنه هرمز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 السلطنة وخروج أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم الى الشأم وحرب الفجار الاوّل وشق الصدر على قول (الباب الثانى) فى الحوادث من السنة الثانية عشر من مولده الى السنة الرابعة والعشرين من ارتحال أبى طالب مع النبى صلى الله عليه وسلم الى الشام وذكر رعيه الغنم ومولد عمر بن الخطاب والفجار الثانى وعزم الزبير بن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن وخلع هرمز عن السلطنة وقتله وتولى كسرى برويز السلطنة وحرب الفجار الثانى عند البعض وتجارة الشأم مع أبى بكر وحلف الفضول وشكايته الى عمه من آت يأتيه منذ ليال وهدم الكعبة وبنائها فى قول بعض العلماء (الباب الثالث) فى الحوادث من السنة الخامسة والعشرين الى السنة الاربعين من مولده صلى الله عليه وسلم من خروجه الى الشأم مع ميسرة عبد خديجة وقصة نسطور الراهب وتزوّج خديجة ووليمته وذكر سائر أزواجه اجمالا وذكر سراريه وأولاده وتزويج بناته وأختانه وولادة علىّ بن أبى طالب وهدم الكعبة وبنائها وولادة فاطمة وموت زيد بن عمرو بن نفيل ورؤيته الضوء والنور وقتل كسرى برويز النعمان بن المنذر (الركن الثانى) فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته من صفة نزول الوحى ورمى الشياطين بالشهب وانقصام طاق كسرى وأوّل من أسلم واخفاء الدعوة ووفاة ورقة بن نوفل واظهار الدعوة وولادة عائشة وهجرة الحبشة وايذاء المشركين ووفاة سمية بنت حباط واسلام حمزة وعمر بن الخطاب ووقعة بغاث وتقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب ونزول سورة الروم وانشقاق القمر ووفاة أبى طالب وخديجة وذكر ثقيف ووفود الجنّ وتزوّج سودة وعائشة وبدء اسلام الانصار وذكر المعراج وفرض الصلوات الخمس وبيعة العقبة الاولى وبيعة العقبة الثانية وهجرة أبى بكر الى الحبشة وبدء هجرة الاصحاب الى المدينة ومشاورة قريش فى حبسه أو قتله أو اخراجه واخبار جبريل اياه بذلك واذنه له بالهجرة (الركن الثالث) فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته ووفاته وفيه أحد عشر موطنا (الموطن الأوّل) فى وقائع السنة الاولى من الهجرة وفيه فصلان (الفصل الاوّل) فى خروجه مع أبى بكر من مكة الى الغار ولبثهما فيه ثلاثة أيام وخروجهما من الغار وتوجههما الى المدينة وما وقع لهما فى الطريق من ادراك سراقة ومرورهما بخيمتى أمّ معيد ولقيهما بريدة بن الخصيب ولقيهما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام فى الطريق وموت البراء ابن معرور واستقبال أهل المدينة ونزولهما بقباء ولبثهما فى بنى عمرو بن عوف وتأسيسه مسجد قباء (الفصل الثانى) فى انتقاله من قباء الى باطن المدينة وأوّل جمعة صليت فى الاسلام قبل قدومه باطن المدينة ونزوله على أبى أيوب وسكناه بداره وبناء المسجد وموت كلثوم بن المهدم واسلام عبد الله بن سلام وموت أسعد بن زرارة وابتداء خدمة أنس والزيادة فى صلاة الحضر ووعك أبى بكر والصحابة واسلام سلمان والمواخاة بين المهاجرين والانصار وموادعة اليهود وموت العاص بن وائل من مشركى مكة وبعث زيد بن حارثة الى مكة للاتيان بعياله وولادة النعمان بن بشير وولادة عبد الله بن الزبير وذكر فاطمة بنت النعمان وتكلم الذئب وابتداء الغزوات وبعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وسرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ وبنائه بعائشة وبعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار وابتداء الاذان (الموطن الثانى) فى حوادث السنة الثانية من الهجرة من صوم عاشوراء وتزوّج علىّ بفاطمة وغزوة الابواء وودّان وغزوة بواط وغزوة العشيرة وتسكنية علىّ بأبى تراب وغزوة بدر الاولى وسرية عبد الله بن جحش وتحويل القبلة وتجديد مسجد قباء ونزول فرض رمضان وغزوة بدر الكبرى وغلبة الروم على فارس ووفاة رقية وقتل عمير بن عدى العصماء وصلاة الفطر وزكاته وفرض زكاة الاموال وغزوة قرقرة الكدر وسرية سالم بن عمير وغزوة بنى قينقاع وغزوة السويق وموت عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ابن مظعون وصلاة العيد والتضحبة وبناء علىّ بفاطمة وموت أمية بن أبى الصلت (الموطن الثالث) فى وقائع السنة الثالثة من الهجرة من سرية محمد بن سلمة لقتل كعب بن الاشرف وتزوّج عثمان أم كلثوم وغزوة غطفان وغزوة نجران وسرية زيد بن حارثة الى قردة وتزوّج حفصة وتزوّج زينب بنت خزيمة وذكر ميلاد الحسن وغزوة أحد ومقتل حمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر وثابت بن دحداح وحنظلة غسيل الملائكة وجحدر بن زياد وغزوة حمراء الاسد وسرقة طعمة بن الابيرق وعلوق فاطمة بالحسين (الموطن الرابع) فى وقائع السنة الرابعة من الهجرة من سرية أبى سلمة الى قطن ووفاته وسرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد وسرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة وسرية عاصم الى الرجيع وسرية عمرو بن أمية الضمرى الى مكة لقتل أبى سفيان وغزوة بنى النضير ووفاة زينب بنت خزيمة وغزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف فيها ووفاة عبد الله بن عثمان وولادة الحسين بن على وتعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود وغزوة بدر الصغرى الموعودة وتزوّج أم سلمة ورجم اليهوديين ووفاة فاطمة بنت أسد وتحريم الخمر عند البعض (الموطن الخامس) فى وقائع السنة الخامسة من الهجرة من فك سلمان من الرق وغزوة دومة الجندل ووفاة أم سعد بن عبادة وخسوف القمر وشدّة قريش ووفد بلال بن الحارث المزنى وقدوم ضمام بن ثعلبة وغزوة المريسيع وتسمى غزوة بنى المصطلق أيضا وتنازع جهجاه وقدوم مقبس بن حبابة ونزول آية التيمم وتزوّج جويرية وافك عائشة وغزوة الخندق وغزوة بنى قريظة وقصة أولاد جابر وتزوّج زينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وزلزلة المدينة وسقوطه عن الفرس ومسابقة الخيل ونزول فرض الحج والنهى عن ادّخار لحوم الاضاحى (الموطن السادس) فى وقائع السنة السادسة من الهجرة من سرية محمد بن مسلمة الى القرظان وقصة ثمامة وكسوف الشمس وغزوة بنى لحيان وبعث أبى بكر الى كراع الغميم وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمّه وغزوة الغابة وسرية عكاشة الى عمرو وسرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى مصارع أصحاب محمد بن مسلمة وسرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم وسرية زيد بن حارثة الى العيص وسرية زيد بن حارثة الى الطرف وسرية زيد بن حارثة الى حسمى وسرية كرز بن جابر الفهرى الى العرنيين وسرية زيد بن حارثة الى وادى القرى وبعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب وبعث علىّ بن أبى طالب الى بنى سعد وسرية زيد بن حارثة الى أم قرفة وسرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع والاستسقاء وسرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رازم اليهودى بخيبر وسرية زيد بن حارثة الى مدين وغزوة الحديبية وبيعة الرضوان ونزول حكم الظهار ووفاة أم رومان وتحريم الخمر وتزوّج أم حبيبة (الموطن السابع) فى وقائع السنة السابعة من الهجرة من اتخاذ الخاتم وارسال الرسل الى ملوك الاطراف وسحره صلى الله عليه وسلم وبعث أبان بن سعيد قبل نجد واسلام أبى هريرة وغزوة خيبر وسمه بها واستصفاء صفية وفتح فدك وطلوع الشمس بعد غروبها وفتح وادى القرى وليلة التعريس والبناء بأمّ حبيبة وسرية عمر بن الخطاب الى تربة وبعث أبى بكر الى بنى كلاب وبعث بشر بن سعد الى بنى مرّة وبعث غالب بن عبد الله الى الميفعة وبعث بشر ابن سعد الى يمن وجبار وبعث سرية قبل نجد وكتابه الى جبلة بن الايهم وقتل شيرويه أباه ووصول هدية المقوقس وعمرة القضاء وتزوّج ميمونة وسرية ابن أبى العوجاء الى بنى سليم (الموطن الثامن) فى وقائع السنة الثامنة من الهجرة من اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وتزوّج فاطمة بنت الضحاك وسرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوح وسرية غالب بن عبد الله الى مصاب اصحاب بشر بن سعد بفدك واتخاذ المنبر والقصاص وسرية شجاع بن وهب الى بنى عامر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 بالثنى وسرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات الهلاح وسرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى سيف البحر وسرية أبى قتادة الى خضرة وسرية أبى قتادة الى بطن اضم وسرية عبد الله بن أبى حدود الى الغابة وغزوة فتح مكة واسلام أبى سفيان بن حرب واسلام أبى قحافة واسلام حكيم بن حزام واسلام عكرمة بن ابى جهل وسرية خالد بن الوليد عقب فتح مكة الى العزى بنخلة وسرية عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل وسرية سعد بن زيد الاشهلى الى مناة صنم الاوس وسرية خالد بن الوليد الى بنى خزيمة وغزوة حنين وسرية أبى عامر الى أوطاس وسرية الطفيل ابن عمرو الدوسى الى ذى الكفين وغزوة الطائف واسلام صفوان بن أمية واسلام مالك بن عوف النضرى وبعث عمرو بن العاص الى عمان وبعث العلاء الحضرمى الى البحرين واسلام عروة بن مسعود الثقفى وبعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وتزوّج مليكة السكندية وطلاق سودة وولادة ابراهيم وابتداء لوفود ووفاة زينب (الموطن التاسع) فى وقائع السنة التاسعة من الهجرة من بعث عيينة بن حصن الفزارى الى بنى تميم وبعث الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق وسرية قطبة بن عامر الى خثعم وبعث الضحاك الى بنى كلاب وسرية علقمة الى الحبشة وبعث على بن أبى طالب الى الفلس صنم طى وسرية عكاشة الى الحباب واسلام كعب بن زهير وتتابع الوفود وقصة الايلاء وغزوة تبوك وسرية خالد بن الوليد الى اكيدر وكتابه الى هرقل وموت عبد الله ذى النجادين وهدم مسجد الضرار وقصة كعب بن مالك وصاحبيه وارجاء أمرهم وقصة اللعان واسلام ثقيف ومجئ كتاب ملوك حمير ورجم الغامدية ووفاة النجاشى ووفاة أم كلثوم وموت عبد الله بن أبىّ بن سلول وحج أبى بكر وقتل فارس ملكهم شهريار بن شيرويه وتمليكهم توران بنت كسرى (الموطن العاشر) فى وقائع السنة العاشرة من الهجرة من قدوم عدى بن حاتم وبعث أبى موسى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث خالد بن الوليد الى بنى الحارث بنجران وبعث على بن أبى طالب الى اليمن وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخلصة وبعث جرير الى ذى الكلاع وبعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى نجران وقصة بديل وتميم الدارى ووفاة ابراهيم وانكساف الشمس يوم مات ابراهيم وظهور جبريل فى مجلس النبى صلى الله عليه وسلم وقدوم فيروز الديلمى واسلام فروة بن عمرو الجذامى وحجة الوداع ومجىء صبى فى حجة الوداع وموت باذان ونزول آية الاستئذان وموت أبى عامر الراهب (الموطن الحادى عشر) فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة من قدوم وفد النخع والاستغفار لاهل البقيع وسرية أسامة بن زيد الى نبى وذكر الاسود العنسى وذكر مسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة وذكر ما وقع قبل مرضه وما وقع فى مرضه ومدّة مرضه وذكر سنه ووقت موته وذكر بيعة أبى بكر وذكر غسله وتكفينه والصلاة عليه وقبره ودفنه والندب عليه وميراثه وتركته وحكمه فيها ورؤيته فى المنام وذكر زيارته صلى الله عليه وسلم وسائر المزارات بالمدينة (وأما الخاتمة) ففيها فصلان (الفصل الاوّل) فى المتفرّقات من أرقائه وحرسه وخدمه ومن كان يضرب الاعناق بين يديه وذكر مواليه وأمرائه ورسله وكتابه ومؤذنيه وخطبائه وشعرائه وحداته وذكر خيله ولقاحه ودوابه وآلات حروبه ولباسه وذكر من وفد عليه (الفصل الثانى) فى ذكر الخلفاء الراشدين وذكر خلفاء بنى أمية والعباسيين. الطليعة الاولى فى تعريف النبىّ والرسول * (الطليعة الاولى من المقدّمة فى تعريف النبى والرسول واولى العزم والخاتم والفرق بينهم وبين البشر والملك وبين النبى والولى والساحر وفى أوّل ما خلق الله وما بدأ من أنواره قبل وجوده الصورى وخلق طينته قبل طينة آدم وحديث صور الانبياء وذكر دلائل نبوّته وعلامات رسالته من بشائر الكتب القديمة والعلماء المتقدّمين وأخبار الجنّ والكهنة) * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 قال فى شواهد النبوّة اعلم أن النبى عبارة عن انسان أنزل عليه شريعة من عند الله بطريق الوحى تتضمن تلك الشريعة بيان كيفية تعبده لله تعالى فاذا أمر بتبليغها الى الغير يسمى رسولا* وفى الفتوحات المكية النبى هو الذى يأتيه الملك بالوحى من عند الله يتضمن ذلك الوحى شريعة يتعبد بها فى نفسه فان بعث بها الى غيره كان رسولا* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى النبى انسان بعثه الله الى الخلق لتبليغ ما أوحاه الله اليه والرسول قد يستعمل مراد فاله وقد يختص بمن هو صاحب كتاب فيكون أخص من النبى* وفى أنوار التنزيل الرسول من بعثه الله تعالى بشريعة مجدّدة يدعو الناس اليها والنبى يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بنى اسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ولذلك شبه النبى صلى الله عليه وسلم علماء أمّته بهم حيث قال علماء أمّتى كأنبياء بنى اسرائيل فالنبى أعم من الرسول ويدل عليه أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قيل- كم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا* وقيل الرسول من جمع الى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبى غير الرسول من لا كتاب له وقيل الرسول من يأتيه الملك بالوحى والنبى يقال له ولمن يوحى اليه فى المنام* وفى العروة الوثقى كل من كان تصرفه فى ظواهر الخلق فهو سلطان وكل من كان تصرفه فى ظواهر الخلق وبواطن المؤمنين به مؤيدا من عند الله مستغنيا بنفسه فى التلقى من ربه عن بشر مثله فهو نبىّ فالنبى سلطان فى الظاهر ولىّ فى الباطن مستغن فى ارشاد الخلق عن بشر مثله فاذا اجتمعت السلطنة والولاية فى شخص واحد انتشر العدل فى الظاهر والباطن ويتم امر معاش الناس ومعادهم على نحو أكمل وأفضل والرسول عامّ يطلق على الملك والبشر والنبى خاص لا يطلق الا على البشر* وفى معالم التنزيل وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر كما مر والمذكور فى القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون نبيا* وفى الينابيع روى الكلبى عن كعب الاحبار أن عدد الانبياء ألفا ألف ومائتا ألف وخمسة وعشرون ألفا والرسل ثلثمائة وثلاثة عشر* وفى العمدة لم يبعث الله نبيا من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجنّ ويؤيده قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى وسيجىء الخلاف فى نبوّة النساء فى الباب السابع فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من النبوّة* وفى ربيع الابرار للزمخشرى عن فرقد السنجى لم يبعث نبىّ قط من مصر من الامصار وانما بعثوا من القرى لان أهل الامصار أهل السواد والريف وأهل القرى أرق وعن أبى ذرّ الغفارى قال قلت يا رسول الله من أوّل الانبياء قال آدم فقلت أنبىّ مرسل قال نعم ثم قال يا أباذرّ أربعة سريانيون آدم وشيث وأخنوخ وهو ادريس وهو أوّل من خط وخاط ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذرّ وأوّل أنبياء بنى اسرائيل موسى وآخرهم عيسى قلت كم أنزل الله من كتاب قال مائة صحيفة وأربعة كتب على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان ولم يذكر آدم فى هذه الرواية* وفى الينابيع وعلى آدم عشر صحائف ولم يذكر صحف موسى وقال وأنزل التوراة على موسى والزبور على داود والانجيل على عيسى والفرقان على نبيكم* وفى المدارك أنزل التوراة وهى سبعون وقر بعير لم يقرأها كلها الا أربعة موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم السلام* وفى بحر العلوم وعشرين صحيفة على ابراهيم والتوراة على موسى ألف سورة كل سورة ألف آية والانجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم* وفى الانسان الكامل الزبور لفظة سريانية وهى بمعنى الكتاب فاستعملها العرب حتى أنزل الله تعالى وكل شئ فعلوه فى الزبر أى فى الكتب وأنزل الزبور على داود آيات مفصلات ولكنه لم يخرجه الى قومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الاجملة واحدة بعد أن كمل الله نزوله عليه وكان داود ألطف الناس محاورة وأحسنهم شمائل وكان نحيف البدن قصير القامة ذا قوّة شديدة كثير الاطلاع على العلوم المستعملة فى زمانه مطلب نفيس فى نغمات داود * وفى العرائس قال وهب وكعب كان داود عليه السلام أحمر الوجه دقيق الساقين سبط الرأس قليل الشعر أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت وكان اذا تلا الزبور وقفت الحيوانات حوله من الوحوش والطيور وكان يهلك الناس فى مجلسه من صوته الحسن ونغمته اللذيذة والترجيع والالحان ولم يعط أحد من خلق الله مثل صوته وكان يقرأ الزبور تسعين لحنا لحنة منها يفيق المجنون والمغمى عليه وما صنعت المزامير والعيدان والبرابط وسائر أنواع الاوتار والملاهى الاعلى نغماته وأجناس صوته بتعليم ابليس وعفاريته انتهى كلام العرائس* وفى كتاب طهارة القلوب للشيخ العارف عبد العزيز الديرينى يروى أن داود عليه السلام كان اذا أراد أن ينوح على ذنبه مكث سبعة أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب ولا يقرب النساء ثم يخرج له منبرا الى البرية ثم يأمر سليمان عليه السلام أن ينادى بصوت عال من أراد أن يسمع نوح داود فليأت فتأتى الوحوش من البرارى والآكام وتأتى الهوام من الجبال والطير من الاوكار وتخرج العذارى من خدورهنّ وتجتمع الخلائق لذلك اليوم فيأتى داود فيرقى على المنبر فيحيط به بنو اسرائيل على طبقاتهم وكل صنف من الخلق على حدته وسليمان عليه السلام واقف على قدميه عنده فيأخذ داود فى الثناء على الله تعالى فيضجون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ فى ذكر الجنة والنار فيموت خلق كثير من الناس والوحوش والطيور والهوام ثم يأخذ فى أهوال القيامة وينوح على نفسه فيموت من كل صنف طائفة عظيمة فاذا رأى سليمان كثرة الموتى قال يا أبتاه مزقت المستمعين كل ممزق وماتت طائفة من بنى اسرائيل ومن الوحوش والطير والهوام ثم يأخذ فى الدعاء حتى يقع مغشيا عليه فيحمل الى منزله وتكثر الجنائز فى الناس فيقال هذا قتيل ذكر الله تعالى وهذا قتيل خوف الله وهذا قتيل ذكر الجنة وهذا قتيل ذكر النار ثم يدخل داود بيت عبادته ويغلق بابه ويقول يا اله داود أغضبان أنت على داود ولا يزال يناجى ربه حتى يأتى سليمان فيستأذن ويدخل ويقدّم اليه قرصا من شعير ويقول يا أبت تقوّ بهذا على ما تريد فيأكل منه ما شاء الله تعالى ثم يخرج الى بنى اسرائيل وقال يزيد الرقاشى خرج داود مرّة ينوح على نفسه ومعه أربعون ألفا فمات منهم ثلاثون ألفا فما رجع منهم الا عشرة آلاف وكان اذا جاءه الخوف سقط واضطرب حتى يقعد انسان على رجليه وآخر على صدره لئلا تتفرّق أعضاؤه ومفاصله* وفى الانسان الكامل أنزل الله الانجيل على عيسى باللغة السريانية وقرئ على سبعة عشر لغة وأوّل الانجيل دقبقة فى الاب والام والابن * باسم الاب والامّ والابن* كما أن أوّل القرآن* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وأخذ هذا الكلام قومه على ظاهره فظنوا أن الاب والامّ والابن عبارة عن الروح ومريم وعيسى فحينئذ قالوا ثالث ثلاثة ولم يعلموا أن المراد بالاب هو اسم الله وبالامّ كنه الذات المعبر عنها بماهية الحقائق وبالابن الكتاب وهو الوجود المطلق لانه فرع ونتيجة عن ماهية الكنه واليه أشار فى قوله تعالى وعنده امّ الكتاب* وفى أنوار التنزيل ان السبب فى وقوع النصارى فى هذه الضلالة أن أرباب الشرائع المتقدّمة كانوا يطلقون الاب على الله باعتبار أنه السبب الاوّل حتى قالوا ان الاب هو الرب الاصغر والله سبحانه هو الرب الاكبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدا ولذلك كفر قائله ومنع مطلقا حسما لمادّة الفساد* وعن وهب بن منبه قال ان صحف ابراهيم عليه السلام أنزلت فى أوّل ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة على موسى عليه الصلاة والسلام لست ليال خلون من شهر رمضان بعد صحف ابراهيم بسبعمائة عام وأنزل الزبور على داود عليه الصلاة والسلام لا ثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام وأنزل الانجيل على عيسى عليه الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 والسلام لثلاث عشر على ما فى الكشاف وقيل لثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام ومائتى عام وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم لاربع وعشرين أو سبع وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان بعد الانجيل بستمائة عام وعشرين عاما واختلف فى كيفية انزاله على ثلاثة أقوال أحدها أنه نزل جملة واحدة فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا وأملاه جبريل على السفرة ثم كان ينزل بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما فى عشرين سنة أو فى ثلاث وعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة على حسب الاختلاف فى مدّة اقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة فقيل عشر وقيل ثلاثة عشر وقيل خمسة عشر ولم يختلف فى مدّة اقامته بالمدينة انها عشر واختلفوا فى وقت ليلة القدر فأكثرهم على انها فى شهر رمضان فى العشر الاواخر فى أوتارها وأكثر الاقوال انها السابعة منها كذا فى الكشاف وهذا أى القول الاوّل أشهر وأصح واليه ذهب الاكثرون ويؤيده ما رواه الحاكم فى مستدركه عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة الى السماء الدنيا فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك فى عشرين سنة قال الحاكم صح على شرط الشيخين* وأخرج النسائى فى تفسيره من جهة حسان بن أبى الاشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فصل القرآن من الذكر أى أمّ الكتاب وهو اللوح الى بيت العزة فى السماء الدنيا جملة واحدة واسناده صحيح وحسان بن أبى الاشرس وثقه النسائى وغيره* والقول الثانى انه نزل الى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر من عشرين سنة وقيل فى ثلاث وعشرين ليلة قدر من ثلاث وعشرين سنة وقيل فى خمس وعشرين ليلة قدر من خمس وعشرين سنة نزل فى كل ليلة قدر انزاله فى كل سنة ثم ينزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول بعض العلماء كان ينزل من القرآن فى كل ليلة قدر من السنة الى السنة ما يكفيه الى مثلها من القابل وكان جبريل ينزل فى ليلة القدر من السماء السابعة الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم ينزل عليه من السماء الدنيا بحسب المصالح والوقائع الى ليلة القدر من قابل واذا كان ليلة القدر من قابل أنزل عليه مثل ما أنزل فى ليلة القدر التى قبلها وبهذا أى بالقول الثانى قال مقاتل والامام أبو عبد الله الحليمى فى المنهاج والماوردى فى تفسيره* والقول الثالث أنه ابتدئ انزاله فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة من سائر الاوقات وبهذا أى بالقول الثالث قال الشعبى وغيره* واعلم أنه اتفق أهل السنة على أن كلام الله منزل واختلفوا فى معنى الانزال فقيل معناه اظهار القرآن وقيل ان الله أفهم كلامه جبريل وهو فى السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته ثم جبريل أدّاه فى الارض وهو يهبط فى المكان وذكر النيسابورى فى تفسيره كلم الله جبريل بالقرآن فى ليلة واحدة وهى ليلة القدر فسمعه جبريل وحفظه بقلبه وجاء به الى السماء الدنيا الى الكتبة فكتبوه ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالنجوم أى الاوقات قال الزركشى فى البرهان فى التنزيل طريقان أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية الى صورة الملكية وأخذه من جبريل والثانى أن الملك انخلع الى البشرية حتى يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه والاوّل أصعب الحالين ونقل بعضهم عن السمرقندى حكاية ثلاثة أقوال فى أن المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم ما هو أحدها أنه اللفظ والمعنى وان جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به وذكر بعضهم أن احرف القرآن فى اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف وان تحت كل حرف معان لا يحيط بها الا الله وهذا معنى قول الغزالى ان هذه الاحرف سترة لمعانيه والثانى أنه انما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام بالمعانى خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعانى وعبر عنها بلغة العرب وانما تمسكوا بقوله تعالى نزل به الروح الامين على قلبك والقول الثالث أن جبريل عليه السلام انما ألقى عليه المعنى وانه عبر بهذه الالفاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 بلغة العرب وان أهل السماء يقرؤنه بالعربية ثم انه نزل به كذلك قيل السرّ فى انزاله حملة الى السماء الدنيا التفخيم لامره وأمر من نزل عليه وذلك باعلام سكان السموات السبع ان هذا آخر الكتب المنزلة منزل على خاتم الرسل لا شرف الامم ولقد صرفناه اليهم لينزله عليهم ولولا الحكمة الالهية اقتضت نزوله منجما بسبب الوقائع لاهبط الى الارض جملة فان قيل فى أى زمان نزل جملة الى السماء الدنيا بعد ظهور بنوّة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها قلت قال الشيخ أبو شامة الظاهر أنه قبلها وكلاهما محتمل قيل ان ليلة القدر مما منحه الله محمدا صلى الله عليه وسلم واختص به بعد ظهور نبوّته فكيف يمكن نزوله قبل ذلك* وفى بحر العلوم للشيخ نجم الدين عمر النسفى وكتاب البرهان لابى عبد الله محمد بن عبد الله الزركشى قال الامام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطا وانتهاء وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك وما اختلفوا فيه فقال بعضهم هو مكى وقال بعضهم هو مدنى وما نزل مرتين وما نزل بمكة وحكمه مدنى وما نزل بالمدينة وحكمه مكى وما نزل بمكة فى أهل المدينة وما نزل بالمدينة فى أهل مكة وما يشبه نزول المكى فى المدنية وما يشبه نزول المدنى فى المكية وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت المقدس وما نزل بالطائف وما نزل بالحديبية وما نزل ليلا وما نزل نهارا وما نزل شتاء وما نزل صيفا وما نزل مشيعا وما نزل مفردا والآيات المدنيات فى السور المكية والآيات المكيات فى السور المدنيات وما حمل من مكة الى المدينة وما حمل من المدينة الى مكة وما حمل من المدينة الى أرض الحبشة وما نزل مجملا وما نزل مفسرا وما نزل مرموزا وما هو ناسخ وما هو منسوخ فهذه ثلاثون وجها من لم يعرفها ولم يميز بينها لم يحل له أن يتكلم فى كتاب الله* (ذكر ترتيب ما نزل بمكة) * روى عن الحسين بن واقد أنه قال أوّل ما نزل من القرآن بمكة اقرأ باسم ربك وقيل أوّل ما نزل سورة الفاتحة كذا فى البرهان وهو ضعيف وفى رواية أورد نزول الفاتحة بعد يأيها المدّثر ثم ن والقلم ثم يأيها المزمّل ثم يأيها المدّثر ثم تبت يدا أبى لهب ثم اذا الشمس كوّرت ثم سبح اسم ربك الاعلى ثم والليل اذا يغشى ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم والعصر ثم والعاديات ثم انا أعطيناك الكوثر ثم ألها كم التكاثر ثم أرأيت الذى يكذب بالدين ثم قل يأيها الكافرون ثم سورة الفيل ثم الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو الله أحد ثم والنجم اذا هوى ثم عبس وتولى ثم انا أنزلناه ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين والزيتون ثم لا يلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم الهمزة ثم والمرسلات ثم ق والقرآن المجيد ثم لا أقسم بهذا البلد ثم الطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص والقرآن ثم الاعراف ثم الجنّ ثم يس ثم الفرقان ثم الملائكة ثم مريم ثم طه ثم الواقعة ثم الشعراء ثم النمل ثم القصص ثم بنو اسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الانعام ثم والصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم عسق ثم حم الزخرف ثم حم الدخان ثم حم الجاثية ثم حم الاحقاف ثم والذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم النحل ثم نوح ثم ابراهيم ثم الانبياء ثم المؤمنون ثم الم تنزيل السجدة ثم الطور ثم الملك ثم الحاقة ثم سأل سائل ثم عم يتساءلون ثم والنازعات ثم اذا السماء انفطرت ثم اذا السماء انشقت ثم الروم* واختلفوا فى آخر ما نزل بمكة قال ابن عباس العنكبوت وقال الضحاك وعطاء المؤمنون وقال مجاهد ويل للمطففين فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بمكة وعليه استقرّت الرواية من الثقات وهى خمس وثمانون سورة كذا فى بحر العلوم للنسفى والبرهان للزركشى* (ذكر ترتيب ما نزل بالمدينة) * وأوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثم الانفال ثم آل عمران ثم الاحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم اذا زلزلت ثم الحديد ثم سورة محمد صلى الله عليه وسلم ثم الرعد ثم الرحمن ثم هل أتى على الانسان ثم الطلاق ثم لم يكن ثم الحشر ثم اذا جاء نصر الله ثم النور ثم الحج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الصف ثم الجمعة ثم التغابن ثم الفتح ثم التوبة ثم المائدة ومنهم من يقدّم المائدة على التوبة وقرأ النبى صلى الله عليه وسلم سورة المائدة فى خطبته يوم حجة الوداع فقال أيها الناس ان آخر القرآن نزولا سورة المائدة فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها* (ذكر ما اختلفوا فيه) * اختلفوا فى ويل للمطففين قال ابن عباس هى مدنية وقال عطاء هى آخر ما نزل بمكة كما مرّ وقال قتادة سورة المزمّل مدنية وقال الباقون هى مكية واختلفوا فى الفاتحة وسيجىء بيانه فهذا ترتيب ما نزل بالمدينة وهى تسع وعشرون سورة فجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة كما مرّ وجميع ما نزل بالمدينة تسع وعشرون سورة على اختلاف الروايات وقال علقمة والحسن ما فى القرآن يأيها الناس فهو مكى وما فيه يأيها الذين آمنوا فهو مدنى وقال نجم الدين عمر النسفى فى بحر العلوم اختلفوا فى فاتحة الكتاب انها مكية أو مدنية أو مكية ومدنية معا على ثلاثة أقوال قال على وابن عباس وأبىّ بن كعب ومقاتل وقتادة فى جماعة آخرين انها مكية وقال مجاهد انها مدنية وذكر الحسين بن الفضل البجلى والثعالبى ان مجاهدا انفرد بالقول انها مدنية* (ذكر ما نزل مرّتين) قال بعضهم ان الفاتحة نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حوّلت القبلة وقد صح أنها مكية لقوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم وهو مكى كذا فى أنوار التنزيل ولتثنية نزولها سميت مثانى وهو نظير قوله تعالى أليس الله بكاف عبده وهو النبىّ صلى الله عليه وسلم وهذه الكفاية فى حقه انه دفع عنه مكر الكفار كما قال واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية ونزلت هذه الآية مرة أخرى فى شأن خالد بن الوليد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحريق الشجرة التى كانت العرب يزعمون أن فيها عزى فخوّفه الكفار منها وكانوا يقولون يا عزى خبليه وجننيه فجاء وقلعها وحرقها وخرجت عزى فقتلها وقال عليه السلام تلك العزى ولن تعبد أبدا* وأما ما نزل بمكة وحكمه مدنى فمنها قوله فى الحجرات يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية نزلت بمكة يوم فتحها وهى مدنية لانها نزلت بعد الهجرة ومنها قوله فى المائدة اليوم أكملت لكم دينكم الى قوله الخاسرين نزلت يوم الجمعة والناس وقوف بعرفات فبركت ناقته من هيبة القرآن وسورة المائدة مدنية لنزولها بعد الهجرة وهى عدّة آيات* وأما ما نزل بالمدينة وحكمه مكى فمنها قوله تعالى فى الممتحنة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء وهى قصة حاطب بن أبى بلتعة وسارة والكتاب الذى دفعه الى سارة يخاطب أهل مكة ومنها قوله تعالى فى سورة النحل والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا الى قوله ويفعلون ما يؤمرون* وفى البرهان الى آخر السورة مدنيات يخاطب بها أهل مكة ومنها سورة الرعد يخاطب بها أهل مكة وهى مدنية ومن أوّل براءة الى قوله انما المشركون نجس خطاب لمشركى مكة وهى مدنية فهذا الذى ذكرناه من كلا القسمين من جملة ما نزل بمكة فى أهل المدينة وحكمه مدنى وما نزل بالمدينة فى أهل مكة وحكمه مكى* وأما ما يشبه تنزيل المدنية فى السور المكية فمن ذلك قوله تعالى فى سورة النجم الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم كبائر الاثم يعنى كل ذنب عاقبته النار والفواحش يعنى كل ذنب فيه الحدّ الا اللمم وهو ما بين الحدّين من الذنوب نزلت فى تيهان والمرأة التى راودها عن نفسها فأبت واستقرّت الرواية بما قلنا والدليل على صحته أنه لم يكن بمكة حدّ ولا زجر ومنها قوله تعالى فى هود وأقم الصلاة طرفى النهار الآية نزلت فى أبى مقبل الحسين بن عمير بن قبيس والمرأة التى اشترت برّا فراودها* وأما ما يشبه تنزيل مكة فى السور المدنية فمن ذلك قوله تعالى فى الانبياء لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا نزلت فى نصارى نجران السيد والعاقب ومنها سورة والعاديات ضبحا فى رواية الحسين بن واقد ومنها قوله تعالى فى سورة الانفال واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق الآية* وأما ما نزل بالححفة فقوله تعالى فى سورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 القصص ان الذى فرض عليك القرآن لرادّك الى معاد نزلت بالجحفة فى طريق المدينة والنبىّ صلى الله عليه وسلم مهاجر* وأما ما نزل ببيت المقدس فقوله تعالى فى سورة الزخرف واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون نزلت ببيت المقدس فى ليلة أسرى به* وفى الكشاف قيل ان النبى صلى الله عليه وسلم جمع له الانبياء ليلة الاسراء فى بيت المقدس وأمّهم وقيل له سلهم فلم يشك ولم يسأل* وفى الينابيع سمع النبى صلى الله عليه وسلم آمن الرسول مع الآية التى بعدها ليلة المعراج من الحق تعالى بلا واسطة* وأما ما نزل بالطائف فقوله عز وجل فى الفرقان ألم تر الى ربك كيف مدّ الظل الآية وفى اذا السماء انشقت بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم يعنى كفار مكة* وأما ما نزل بالحديبية حين صالح النبى صلى الله عليه وسلم أهل مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو ما نعرف الرحمن ولو علمنا أنك رسول الله لتابعناك فأنزل الله تعالى وهم يكفرون بالرحمن الى قوله متاب* وفى الينابيع قوله بل الذين كفروا يكذبون الآية وقوله وهم يكفرون بالرحمن فى سورة الرعد نزلتا بالحديبية فى حق الصلح* وأما ما نزل ليلا فقوله فى أوّل سورة الحج يأيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم نزلت ليلا فى غزوة بنى المصطلق وهم حىّ من خزاعة والناس يسيرون فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ومنها قوله تعالى فى المائدة والله يعصمك من الناس وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحرسه أصحابه كل ليلة فى غزوة والنبى صلى الله عليه وسلم فى خيمة من أدم فبات على باب الخيمة حذيفة وسعد فى آخرين فلما أن كان بعد هزيع من الليل أنزل الله عليه الآية فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخيمة* وفى البرهان أخرج رأسه من الخيمة وقال يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله تعالى* ومنها قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت قالت عائشة رضى الله عنها نزلت هذه الآية وأنا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى اللحاف ومنها ما نزل ليلة المعراج وهو قوله تعالى آمن الرسول مع الآية التى بعدها سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كما مرّ من رواية الينابيع ونزل عليه أكثر القرآن نهارا* وأما ما نزل فى الشتاء وما نزل فى الصيف فقد ذكر العلماء ان آية الكلالة فى أوائل سورة النساء نزلت فى الشتاء وان الآية التى فى آخرها نزلت فى الصيف* وأما ما نزل مشيعا فالفاتحة نزلت ومعها ثمانون ألف ملك وفى رواية سبعمائة ألف ملك طبقوا ما بين السماء والارض لهم زجل بالتسبيح فقال النبى صلى الله عليه وسلم سبحان الله وخرّسا جدا ومنها سورة الانعام نزلت جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد وكذا فى الكشاف وزاد فى البرهان طبقوا ما بين السماء والارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله وخرّسا جدا* وقال الزركشى قد روى ما يخالفه فروى أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزل منها آيات بالمدينة اختلفوا فى عددها فقيل ثلاث وهى قوله تعالى قل تعالوا الى آخر الآيات الثلاث وقيل ست آيات وقيل غير ذلك وسائرها نزل بمكة ونزلت آية الكرسى ومعها ثلاثون ألف ملك ونزلت سورة يس ومعها ثلاثون ألف ملك ونزلت واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ومعها عشرون ألف ملك* وذكر الامام أحمد فى مسنده من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ورواه الطبرانى أيضا كذا فى البرهان وسائر القرآن نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام مفردا بلا تشييع* وأما الآيات المدنيات فى السور المكية فمنها سورة الانعام وهى كلها مكية خلاست آيات استقرّت بذلك الروايات وما قدروا الله حق قدره الآية نزلت فى مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم والثانية والثالثة ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أوحى الىّ ولم يوح اليه شىء* فى الكشاف هو مسيلمة الحنيفى الكذاب أو كذاب صنعاء الاسود العنسى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هو عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشى أخو عثمان من الرضاعة وثلاث آيات من أواخرها قل تعالوا الى قوله تتقون ومنها سورة الاعراف كلها مكية خلا ثمان آيات واسألهم عن القرية الى قوله واذنتقنا الجبل فوقهم الآية ومنها سورة ابراهيم مكية غير آيتين نزلتا فى قتلى بدر وهما قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الآيتين ومنها سورة النحل مكية الى قوله تعالى وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ والباقى مدنيات ومنها سورة بنى اسرائيل مكية غير قوله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعنى ثقيفا وغير قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الآية ومنها سورة الكهف مكية غير قوله تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ نزلت فى سلمان الفارسى ومنها سورة القصص مكية غير آية وهى قوله تعالى وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى الانجيل من قبله هم به يؤمنون يعنى بالفرقان نزلت فى أربعين رجلا من مؤمنى أهل الكتاب قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبى طالب فأسلموا ومنها سورة الزمر مكية غير قوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الآية ومنها الحواميم كلها مكيات غير قوله تعالى فى الاحقاف قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية نزلت فى عبد الله ابن سلام ومنها سورة النجم مكية الا قوله تعالى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى الآية ومنها سورة أرأيت الذى مكية غير قوله فويل للمصلين فانها مدنية كذا قال مقاتل بن سليمان وأما الآيات المكيات فى السور المدنية فمنها قوله تعالى فى الانفال وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يعنى أهل مكة حتى تخرج من بين أظهرهم ومنها سورة التوبة مدنية غير آيتين لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الى آخر السورة ومنها سورة الرعد مدنية غير قوله تعالى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الى جميعا ومنها سورة الحج مدنية غير أربع آيات مكيات وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ الى قوله عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ* وأما ما حمل من مكة الى المدينة فاوّل سورة حملت من مكة الى المدينة سورة يوسف انطلق بها عوف بن عفراء فى الثمانية الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلموا وهو أوّل من أسلم من الانصار ثم حمل بعدها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الى آخرها ثم حمل بعدها الآية التى فى الاعراف قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الى قوله يهتدون فأسلم عليها طوائف من أهل المدينة* وأما ما حمل من المدينة الى مكة فمن ذلك قوله فى البقرة يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه نزلت فى سرية عبد الله بن جحش وقتل ابن الحضرمى ثم حملت آية الربا من المدينة الى مكة فى حضور ثقيف وبنى المغيرة الى عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فقرأها عتاب عليهم وهى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذروا ما بقى من الربا فأقرّوا بتحريمه وتابوا وأخذروا رأس المال ثم حملت تسع آيات من سورة براءة من أوّلها قرأها علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يوم النحر على الناس ثم حملت من المدينة الى مكة الآية التى فى النساء وهى قوله الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الى قوله عفوّا غفورا* وأما ما حمل من المدينة الى أرض الحبشة فهى ست آيات بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جعفر بن أبى طالب فى خصومة الرهبان والقسيسين يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم فأسلم النجاشى وأسلموا* وأما المجمل فكقوله وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وافعلوا الخير وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً* وأما المفسر فكقوله واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ انطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أصحاب عيسى إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ناروض وماروض فكذبوهما فعززنا بثالث شمعون الصفاقصة اصحاب القرية ومثلهم مشتملة على المثلين المثل الثانى وهو قوله إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ الى آخره بيان وتفسير للاوّل وهو قوله إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ الى آخرها كذا فى الكشاف وقوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الآيات وقوله الله الصمد وفسره بما بعده وقوله خلق هلوعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وفسره بما بعده* وأما المرموز فكقوله طه يس وقالوا فى طه بأقاويل قيل خاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا طه وقيل معناه يا رجل وقيل يا بدر وقيل يا طامسا للاشرار يا هاجدا بالاسحار وياسين يا سيد المرسلين وقيل أى يسرنا لك ولامّتك الكتاب المبين وأثبتنا رسالتك بالشهادة واليمين قد كفى بالله شهيدا انك سيد المرسلين فيكن من الشاكرين وقل الحمد لله رب العالمين* وأما الناسخ والمنسوخ ففى أنوار التنزيل نسخ الآية بيان انتهاء التعبد بقراءتها أو الحكم المستفاد منها أو بهما جميعا فما نسخت تلاوته ما قال أنس أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد وهو بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه وفى رواية عنه وأرضانا ومما نسخت تلاوته وبقى حكمه فيعمل به اذ تلقته الامّة بالقبول ما روى أنه كان فى سورة النور الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم ولهذا قال عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر فى كتاب الله لكتبتها بيدى رواه البيهقى وأصله فى الصحيحين ومنه قراءة ابن مسعود فى كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات بزيادة متتابعات وقراءة ابن عباس فى السرقة فاقطعوا أيمانهما مكان أيديهما نسخت تلاوتهما فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم بصرف القلوب عن حفظهما الاقلوب ذينك الروايين أو بالانساء كذا قاله فخر الاسلام* ومما نسخ حكمه وبقيت تلاوته قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية نسخ حكمه وهو جواز الفطر مع اعطاء الفدية ومنه قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ومنه قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بعد فانه منسوخ بما روت عائشة رضى الله عنها أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أخبر أباها بأن الله تعالى أباح له من النساء ما شاء* وفى الكشاف عن عائشة رضى الله عنها ما مات النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء يعنى ان الآية قد نسخت ولا يخلو نسخها اما أن يكون بالسنة واما بقوله انا أحللنا لك أزواجك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف وقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فانه نسخ بقوله عليه الصلاة والسلام لا تقتلوا أهل الذمّة وهذان القسمان من قبيل نسخ الكتاب بالسنة كما سيجىء ومما نسخت تلاوته وحكمه معا ما نسخ فى حيات النبىّ صلى الله عليه وسلم بالانساء ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرّ من فنسخن بخمس معلومات* قال الشيخ جلال الدين الدوانى اختلف المسلمون فى جواز نسخ بعض آيات القرآن بعد اتفاقهم قاطبة على أنه لا يجوز نسخ جميع القرآن وذهب بعض الاصوليين كأبى مسلم الاصفهانى وجماعة من الصوفية الى أنه ليس فى شئ من آيات القرآن منسوخ أصلا وذهب آخرون الى أن النسخ واقع فى بعض آيات القرآن وجعلوا المنسوخ منها ثلاثة أقسام* الاوّل ما نسخ تلاوته وبقى حكمه ان كان له حكم والثانى عكسه والثالث ما نسخنا جميعا كما مرّ أمثلتها واعلم أن النسخ كما يكون فى الكتاب يكون فى السنة أيضا مثال نسخ السنة بالسنة قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألافزوروها وفى رواية فانها تذكر الموت ومثال نسخ السنة بالكتاب نسخ التوجه الى بيت المقدس فانه صلى الله عليه وسلم كان بمكة متوجها الى الكعبة ثم تحوّل بوجهه الى بيت المقدس بالمدينة ثم نسخ بقوله تعالى فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ومثال نسخ الكتاب بالسنة ما مرّ من رواية عائشة فى اباحة ما شاء من النساء ومن النهى عن قتل أهل الذمّة قال الشيخ جلال الدين الدوانى رأيت فى بعض التفاسير ان قوله وامسحوا برؤسكم وأرجلكم من هذا القبيل فانه نسخ بالسنة المتواترة فى وجوب الغسل فى الرجلين* وأوّل من تتبع القرآن وجمعه فى زمن أبى بكر رضى الله عنه زيد بن ثابت الانصارى تتبع القرآن وجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال حتى وجد آخر التوبة لقد جاءكم مع خزيمة الانصارى ذى الشهادتين لم يجدها مع أحد غيره فألحقها فى سورتها وكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى قبض ثم عند حفصة بنت عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 والعسب بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهى جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتسبون فى الطرف العريض وقيل العسب طرف الجريدة العريض الذى لم ينبت عليه الخوص والذى ينبت عليه الخوص السعف والرقاع جمع رقعة وقد يكون من جلد أورق أو كاغد وفى رواية وقطع الاديم واللخاف بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة وفى رواية واللخف بضمتين وآخره فاء قال أبو داود وهى الحجارة الرقاق قال الخطابى صفائح الحجارة الرقاق قال الاصمعى فيها عرض ورقة وفسره ابن حجر بالخزف بفتح المعجمة والزاى وهى الآنية التى تصنع من الطين المشوى وفى رواية قال زيد فقدنا آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها لم أجدها مع أحد الا مع خزيمة الانصارى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فألحقناها فى سورتها وخزيمة هو ذو الشهادتين روى البخارى فى صحيحه عن أنس أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشأم فى فتح ارمينية واذربيجان مع أهل العراق وأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة وقال لعثمان أدرك هذه الامّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان الى حفصة أن أرسلى الينا الصحف ننسخها فى المصاحف ثم نردّها اليك فأرسلت اليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف وقال عثمان لرهط القرشيين الثلاثة اذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانما نزل بلسانهم ففعلوا حتى اذا نسخوا الصحف فى المصاحف ردّ عثمان الصحف الى حفصة فأرسل فى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق* واعلم أنه قد اشتهر أن عثمان أوّل من جمع المصاحف وليس كذلك بل أوّل من جمعها فى مصحف واحد أبو بكر الصدّيق ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف فى القراءة بتحويله منها الى المصاحف هكذا نقله البيهقى كذا فى البرهان ذكر اللغات التى نزل بها كلام الله يقال اللغات التى نزل بها كلام الله العربية والعبرانية والسريانية القرآن نزل باللغة العربية والتوراة بالعبرانية والزبور والانجيل بالسريانية كذا فى الانسان الكامل يعنى ان الانجيل بالسريانية وفى صحيح البخارى فى قصة ورقة بن نوفل أنه تنصرفى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرانى يكتب من الانجيل بالعربية فيفهم منه أن الانجيل كان بالعبرانية وفى رواية الزبور باللغة العبرانية وهو مائة وخمسون سورة فاذا عبر عن كلام الله بالعربية يسمى قرآنا وان عبر بالعبرانية يسمى توراة واذا عبر بالسريانية يسمى زبورا وانجيلا وهذه العبارات جميعها كلام الله تعالى من غير خلاف بين العلماء لانها يفهم منها ما يفهم من كلام الله الذى هو قائم بالنفس وهو مدلول هذه العبارات فان العلماء أجمعوا على أن المحفوظ فى الصدور والمقروء بالالسن والمكتوب فى المصاحف يقال له كلام الله* مطلب أولو العزم وأما أولو العزم من الرسل فهم الذين كانوا مأمورين بقتال الكفار وجهاد الفجار بعد تبليغ الرسالة اليهم بخلاف النبوّة والرسالة فان الجهاد ليس بشرط فيهما كما كان فى أوائل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم حيث كان يوحى اليه تارة ان عليك الا البلاغ ووقتا يخاطب بقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وفى الاواخر صار مأمورا بالقتال والجهاد قال الله تعالى قاتلوا المشركين كافة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم* وفى الكشاف أولو العزم أولو الجدّ والثبات والصبر قيل هم نوح وابراهيم ويعقوب ويوسف وأيوب وموسى وداود وعيسى عليهم الصلاة والسلام* وفى المدارك المراد من أولى العزم ما ذكر فى الاحزاب واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم* وفى عمدة المعانى أولو العزم هم أصحاب الشرائع وقيل هم نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وقيل ثمانية عشر نبيا ذكروا فى الانعام فى ثلاث أو أربع آيات متواليات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 * وأما الخاتم فهو الذى جمع فيه معنى النبوّة والرسالة وأولو العزمية ولا يبعث بعده نبىّ ولا ينسخ دينه وشرعه بل يبقى مؤبدا مخلدا* وفى العروة الوثقى كل من كان من أولى العزم مرسل اليهم والخاتم الامىّ هو النبىّ المرسل اليهم سيد أولى العزم بحيث لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعه ويقتدى عيسى بعد نزوله بامام من أمّته* الفرق بين البشر والملك وأما الفرق بين البشر والملك فقد قال النسفى فى عقائده رسل البشر أفضل من رسل الملائكة ورسل الملائكة أفضل من عامّة البشر وعامّة البشر أفضل من عامّة الملائكة واتفق العلماء على أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من جميع البشر ولا يبلغ أحد من الاولياء والصدّيقين درجات الانبياء وان كانوا فى أعالى مراتبهم قال أبو يزيد البسطامى قدّس الله سرّه آخر نهايات الصدّيقين أوّل أحوال الانبياء وقال ابن عطاء الله أدنى مراتب المرسلين أعلى مراتب الانبياء وأدنى مراتب الانبياء أعلى مراتب الصدّيقين وأدنى مراتب الصدّيقين أعلى مراتب الشهداء وأدنى مراتب الشهداء أعلى مراتب الصالحين وأدنى مراتب الصالحين أعلى مراتب المؤمنين* مطلب نفيس في قولهم أن الولاية أفضل من النبوّة فما نقل عن بعض الاولياء من أن الولاية أفضل من النبوّة فمبنىّ على أن للنبىّ جهتين احداهما جهة الولاية التى هى باطن النبوّة وثانيتهما جهة النبوّة التى هى ظاهر الولاية فالنبىّ بجهة الولاية يأخذ الفيض والعلى من الله تعالى وبجهة النبوّة تبليغة للخلق ولا شك فى أن الوجه الذى الى الحق أشرف وأفضل من الوجه الذى الى الخلق فالمراد أن جهة ولاية نبىّ أفضل من جهة نبوّته وهو من حيث انه ولىّ أفضل من حيث انه نبىّ لا أن ولاية ولىّ تابع أفضل من نبوّة نبىّ متبوع حتى يلزم أن يكون الولىّ أفضل من النبىّ كما يتوهم القاصرون فان مرتبة الولاية حاصلة للنبىّ على وجه أكمل من ولاية الولىّ مع أمر زائد وهو مرتبة النبوّة فكل نبىّ ولىّ من غير عكس* وما وقع فى كلام محمد بن على الحكيم الترمذى وذهب اليه الشيخ سعد الدين الحموى أيضا من أن نهاية الانبياء بداية الاولياء فالمراد منه أن نهاية الانبياء فى الشرائع بداية الاولياء فيها ولما كانت شرائع الانبياء تتم وتكمل فى أواخر أحوالهم كما ان نبينا صلى الله عليه وسلم فى أواخر أمره قيل له اليوم أكملت لكم دينكم والولىّ ما لم يأخذ الشريعة بكمالها لم يكن له الشروع فى الولاية فان ما هو للنبىّ فى التشريع فى أواخر الامر للولىّ فى أوّله ولو أن أحدا مثلا سلك جميع الاحكام النازلة بمكة ولم يلتفت الى الاحكام النازلة بالمدينة لن ينال مرتبة الولاية بل لو أنكر لكفر فبداية الولاية أن يقبل الشريعة التى هى نهاية أمر النبىّ كذا فى شواهد النبوّة* وفى العروة الوثقى ولا بدّ فى كل حين من مرشد يرشد الخلق خلافة عن النبىّ ولا بدّ للمرشد من التأييد الالهى ليتمكن له تسخير المسترشدين وافادة المستفيدين وتعليم المتعلمين وهو العالم الولى الشيخ والى هذا السرّ أشار النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال الشيخ فى قومه كالنبىّ فى أمّته والشيخ ينبغى أن يكون وليا لله والولىّ لا بدّ أن يكون عالما لان الله ما اتخذ وليا جاهلا قط* الفرق بين النبىّ والولىّ والساحر وأما الفرق بين النبىّ والولىّ والساحر أن النبىّ يتحدّى الخلق بالمعجزة ويستعجزهم على الاتيان بمثلها ويخبرهم عن الله تعالى بخرق العادة بها لتصديقه ولو كان كاذبا لم تنخرق العادة على يديه ولو خرقها الله على يد كاذب لخرقها على أيدى المعارضين للانبياء وأما الولىّ والساحر فلا يتحدّيان الخلق ولا يستدلان على نبوّة ولو ادّعيا شيئا من ذلك لم تنخرق العادة لهما وأما الفرق بين الولىّ والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور اجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر الاعلى يد فاسق والكرامة لا تظهر الا على يدولىّ ولا تظهر على يد فاسق وبهذا جزم امام الحرمين وأبو سعيد المتولى وغيرهما والثانى أن السحر يكون ناشئا بفعل ومزج ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر الى ذلك وفى كثير من الاوقات يقع ذلك اتفاقا من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم* وفى التفسير الكبير للامام النّحرير فخر الدين الرازى اذا ظهر فعل خارق للعادة على يد انسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 فذلك اما أن يكون مقرونا بالدعوى أولا مع الدعوى والقسم الاوّل وهو أن يكون مقرونا بالدعوى فتلك الدعوى اما أن تكون دعوى الالهية أو دعوى النبوّة أو دعوى الولاية أو دعوى السحر وطاعة الشياطين فهذه أربعة أقسام (القسم الاوّل) وهو ادّعاء الالهية جوّز أصحابنا ظهور خوارق العادات على يده من غير معارضة كما نقل أن فرعون كان يدّعى الالهية وكانت تظهر على يده خوارق العادات وكما نقل أيضا فى حق الدجال قال أصحابنا وانما جاز ذلك لان شكله وخلقته تدل على كذبه فظهور الخوارق على يده لا يفضى الى التلبيس (والقسم الثانى) وهو ادّعاء النبوّة وهذا القسم يكون على قسمين لانه اما أن يكون ذلك المدّعى صادقا أو كاذبا فان كان صادقا وجب ظهور الخوارق على يده وهذا متفق عليه بين كل من أقرّ بصحة نبوّة الانبياء وان كان كاذبا لم يجز ظهور الخوارق على يده وبتقدير أن تظهر وجب حصول المعارضة (وأما القسم الثالث) وهو ادّعاء الولاية والقائلون بكرامات الاولياء اختلفوا فى أنه هل يجوز ادّعاء الكرامة ثم انها تحصل على وفق دعواه أم لا (والقسم الرابع) وهو ادّعاء السحر وطاعة الشيطان فعند أصحابنا يجوز ظهور خوارق العادات على يده وعند المعتزلة لا يجوز وأما القسم الثانى وهو أن تظهر خوارق العادات على يد انسان من غير شئ من الدعاوى فذلك الانسان اما أن يكون صالحا مرضيا عند الله واما أن يكون خبيثا مذنبا والاوّل هو القول بكرامات الاولياء وقد اتفق أصحابنا على جوازها وأنكرها المعتزلة الا أبا الحسين البصرى وصاحبه محمود الخوارزمى وأما القسم الثالث وهو أن تظهر خوارق العادات على يد بعض من كان مردودا عن طاعة الله فهذا هو المسمى بالاستدراج قال العلامة الدوانى فى انموذج العلوم ذهب أهل الملل الثلاث الى أن العالم وهو ما سوى الله تعالى وصفاته من الجواهر والاعراض حادث أى كائن بعد ان لم يكن بعدية حقيقية لا بالذات فقط بمعنى أنها فى حدّ ذاتها لا تستحق الوجود بل محتاجة الى الغير فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة ويسمونه الحدوث الذاتى ويقسمون كلا من الحدوث والقدم الى ذاتى وزمانى بل بالزمان أيضا بمعنى انها لم تكن فى زمان فوجدت بعد ما لم تكن فيه كما يقوله المتكلمون ويسمونه المحدّثون الحدوث الزمانى بل ليس الحدوث والقدم عندهم الا بهذا المعنى فقط فبعد ما لم يكن فى الاوّل شئ من الممكنات موجودا كما هو فى الحديث الصحيح كان الله ولم يكن معه شئ أوجد الله الموجودات على ما اقتضته حكمته* أوّل المخلوقات واختلفت الروايات فى أوّل المخلوقات* ففى رواية نور رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية العقل وفى رواية القلم وفى رواية اللوح ومنشأ الاختلاف ورود الاخبار المختلفة فى أوّل ما خلق الله ففى خبر أوّل ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم* وفى الانس الجليل ان الله خلق أوّلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العرش والكرسى واللوح والقلم والسماء والارض والجنة والنار بألف ألف وستمائة وسبعين ألف سنة* وفى خبر آخر أوّل ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال وعزتى وجلالى بك أعطى وبك أمنع وبك أثيب وبك أعاقب* وفى المشكاة عن أبى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما خلق الله العقل قال له قم فقام ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له اقعد فقعد ثم قال له ما خلقت خلقا هو خير منك ولا أفضل منك ولا أحسن منك بك آخذ وبك أعطى وبك أعرف وبك أعاقب وبك الثواب وعليك العقاب وقد تكلم فيه بعض العلماء رواه البيهقى فى شعب الايمان* وفى خبر آخر أوّل ما خلق الله القلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال رب ما أكتب قال اكتب مقادير كل شئ رواه أحمد والترمذى وصححه فجرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ولذلك قال النبىّ صلى الله عليه وسلم جف القلم على علم الله وفى رواية جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة وفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 خبر آخر أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ وعن ابن عباس أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ بحفظ الله بما كتب فيه ما كان ويكون لا يعلم ما فيه الا الله* مطلب اللوح والقلم وفى المدارك محفوظ من وصول الشيطان انتهى وهو من درّة بيضاء دفتاه ياقوتتان حمراوان وهو فى عظم لا يوصف وخلق الله له قلما من جوهرة طولها مسيرة خمسمائة عام مشقوق السنّ ينبع منه النور كما ينبع من أقلام أهل الدنيا المداد ثم نودى القلم أن اكتب فاضطرب من هول النداء حتى صار له ترجيع كترجيع الرعد ثم جرى فى اللوح بما هو كائن وما هو فاعله فى الوقت الذى يفعله الى يوم القيامة فامتلأ اللوح وجف القلم سعد من سعد وشقى من شقى وفى طوالع الانوار للبيضاوى القلم يشبه أن يكون العقل الاوّل لقوله عليه الصلاة والسلام أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال ما أكتب فقال القدر ما كان وما هو كائن الى الابد كما مرّ واللوح وهو الخلق الثانى يشبه أن يكون العرش أو يكون متصلا به لقوله عليه الصلاة والسلام ما من مخلوق الا وصورته تحت العرش* وفى أنوار التنزيل وقرئ فى لوح بضم اللام وهو الهواء أى ما فوق السماء السابعة الذى فيه اللوح* وفى المدارك اللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرؤنه وعن ابن عباس هو من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور وعن مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله فى حجر ملك عظيم* وفى المواهب اللدنية قد اختلف أهل العلم فى أوّل المخلوقات بعد النور المحمدى فقال الحافظ وأبو يعلى الهمدانى الاصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش والتقدير وقع عند أوّل خلق القلم لحديث عبادة بن الصامت كما سبق وروى أحمد وصححه أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش وروى السدّى بأسانيد متعدّدة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أوّلية القلم بالنسبة الى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش* قيل أوّل شىء كتبه القلم على اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم انى أنا الله لا اله الا أنا محمد عبدى ورسولى من استسلم لقضائى وصبر على بلائى وشكر على نعمائى ورضى بحكمى كتبته صدّيقا وبعثته يوم القيامة مع الصدّيقين ومن لم يستسلم لقضائى ولم يصبر على بلائى ولم يشكر على نعمائى ولم يرض بحكمى فليختر الها سواى وفى رواية لما أمر الله القلم أن يكتب ما كان وما يكون الى الابد كتب على سرادق العرش لا اله الا الله ثم كتب كل قطرة نازلة من السماء وكل ورق نابت على الاشجار وكل حبة نابتة فى الارض وكل حصاة على الارض وكل رزق مقدّر للخلائق وقال فى هذا المعنى شعرا جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرّك والسكون جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق فى غشاوته الجنين وفى هذا المعنى قيل سهل عليك فان الامر مقدور ... وكل مستأنف فى اللوح مسطور لا تكثرنّ فخير القول أصدقه ... ان الحريص على الدنيا لمغرور وجه الجمع بين الاحاديث المختلفة المذكورة على تقدير صحة الكل أن يقال الاوّل الحقيقى نور نبينا صلى الله عليه وسلم وأوّلية العقل والقلم اضافية يعنى أوّل مخلوق من المجرّدات العقل ومن الاجسام القلم أو يقال أوّل العقول العقل الذى لما خلقه الله تعالى أمره بالاقبال والادبار فأطاع ففاز من رب العزة بأنواع الاعزاز والاكرام وأوّل الاقلام القلم الذى أثبت بأمر الله تعالى تقديرات الاشياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فى اللوح المحفوظ وأوّل الانوار نور محمد صلى الله عليه وسلم وأهل التحقيق على أن المراد من هذه الاحاديث شىء واحد لكن باعتبار نسبه وحيثياته تعدّدت العبارات كما ان الاسود والمائع والبرّاق عبارة عن الحبر لكن باعتبار النسب* وفى شرح المواقف قال بعضهم ان المعلول الاوّل من حيث انه مجرّد تعقل ذاته ومبدؤه يسمى عقلا ومن حيث انه واسطة فى صدور سائر الموجودات ونقوش العلوم يسمى قلما ومن حيث توسطه فى افاضة أنوار النبوّة ومن حيث ان الكمالات المحمدية من أثر نور سيد الانبياء صلى الله عليه وسلم من حيث انه سبب لحياته يسمى روحه وسيجىء لهذا زيادة بيان* وفى شواهد النبوّة أن نبينا صلى الله عليه وسلم وان كان آخر الانبياء فى عالم الشهادة لكنه أوّلهم فى عالم الغيب قال عليه الصلاة والسلام كنت نبيا وآدم بين الماء والطين بيانه ان الله تعالى فى أزل الآزال كان الله ولا شئ معه فجميع الشؤن من غير امتياز من بعض وصورة معلومية ذلك الشان تسمى تعينا أوّل وحقيقة محمدية وحقائق سائر الموجودات كلها أجزاء وتفاصيل فتلك الحقيقة والتجليات التى وقّعت بصورها فى الغيب انما نشأت وانبعثت من التجلى بصور تلك الحقيقة والصورة الوجودية لتلك الحقيقة أوّلا فى مرتبة الارواح كانت جوهرا مجرّدا عبر عنه الشارع صلى الله عليه وسلم تارة بالعقل وتارة بالقلم وتارة بالنور وتارة بالروح حيث قال صلى الله عليه وسلم أوّل ما خلق الله العقل وأوّل ما خلق الله القلم وأوّل ما خلق الله روحى أو نورى ولا شك أن اختلاف العبارات رتبى اذ مرتبة الاوّلية حقيقة لا تصلح لغير شئ واحد والصورة الوجودية لتلك الحقيقة مرتبة بعد مرتبة حتى انتقلت الى الصورة الجسمانية العنصرية الانسانية التى أوّل افرادها آدم فهو وسائر الانبياء ما لم يظهروا لصورة جسمانية عنصرية فى الشهادة لم يوصفوا بالنبوّة بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم فانه لما وجد بوجود روحانى بشره وأعلمه بالنبوّة بالفعل وفى كل الشرائع أعطى الحكم له لكن بأيدى الانبياء والرسل الذين كانوا نوّابه كما ان عليا ومعاذ بن جبل فى عالم الشهادة ذهبا بنيابته الى اليمن وبلغا الاحكام فانّ ثبوت النبوّة ليس الا باعتبار شرع مقرّر من عند الله فجميع الشرائع شريعته الى الخلق بأيدى نوّابه ولما ظهر بالوجود الجسمانى العنصرى نسخ تلك الشرائع التى كان اقتضاها بحسب الباطن فان اختلاف الامم فى الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرائع* وفى فصوص الحكم وشرحه وما كان من نبىّ يأخذ شيئا من الكمالات الا من مشكاة خاتم النبيين وان تأخر عنهم وجود طينته اذ لا تعلق لمشكاته بوجوده الطينى فانه بحقيقته موجود قبلهم لانه أبو الارواح كما انّ آدم أبو الاشباح* وفى كيفية خلق نوره صلى الله عليه وسلم وردت روايات متعدّدة وحاصل الكل راجع الى أن الله تعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم قبل خلق السموات والارض والعرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة والانس والجنّ وسائر المخلوقات بكذا كذا ألف سنة وكان يرى ذلك النور فى فضاء عالم القدس فتارة يأمره بالسجود وتارة يأمره بالتسبيح والتقديس وخلق له حجبا وأقامه فى كل حجاب مدّة مديدة يسبح الله تعالى فيه بتسبيح خاص فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس فخلق من أنفاسه أرواح الانبياء والاولياء والصدّيقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة كما روى عن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوّل شئ خلقه الله قال هو نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شئ وحين خلقه أقامه قدّامه فى مقام القرب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم والكرسى من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسى من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الحب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع فى مقام الرجاء اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع فى مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة ثم نظر الله سبحانه اليه فترشح النور عرقا فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبىّ أو رسول ثمّ تنفّست أرواح الانبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الاولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين الى يوم القيامة فالعرش والكرسى من نورى والكروبيون من نورى والروحانيون من الملائكة من نورى وملائكة السموات السبع من نورى والجنة وما فيها من النعيم من نورى والشمس والقمر والكواكب من نورى والعقل والعلم والتوفيق من نورى وأرواح الانبياء والرسل من نورى والشهداء والصالحون من نتائج نورى ثم خلق سبحانه اثنى عشر حجابا فأقام النور وهو الجزء الرابع فى كل حجاب ألف سنة وهى مقامات العبودية وهى حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور فى كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله فى الارض وكان يضىء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج فى الليل المظلم ثم خلق الله آدم فى الارض وركب فيه النور فى جبينه ثم انتقل منه الى شيث ومنه الى يانش وهكذا كان ينتقل من طاهر الى طيب الى أن أوصله الله تعالى الى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه الى رحم آمنة ثم أخرجنى الى الدنيا فجعلنى سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغرّ المحجلين هكذا بدء خلق نبيك يا جابر ذكره البيهقى وأخرج مسلم فى صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ان الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ومن جملة ما كتب فى الذكر وهو أمّ الكتاب أن محمدا خاتم النبيين وعن العرباض بن سارية عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم بأوّل أمرى انى دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت حين وضعتنى وقد خرج منها نور أضاءت منه قصور الشأم رواه أحمد والبيهقى والحاكم وقال صحيح الاسناد كذا فى شرح السنة* قوله لمنجدل فى طينته* يعنى طريحا ملقى على الارض قبل نفخ الروح فيه عن ميسرة الضبى قال قلت يا رسول الله متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد هذا لفظ رواية الامام أحمد ورواه البخارى فى تاريخه وأبو نعيم فى الحلية وصححه الحاكم وأما ما اشتهر على الالسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فقال الشيخ الحافظ أبو الخير السخاوى فى كتابه المقاصد الحسنة لم نقف عليه بهذا اللفظ انتهى وقال الحافظ ابن رجب فى اللطائف وبعضهم برواية متى كتبت نبيا من الكتابة قال كتبت وآدم بين الروح والجسد فتحمل هذه الرواية مع رواية العرباض بن سارية على وجوب نبوّته وثبوتها وظهورها فى الخارج فان الكتابة تستعمل فيما هو واجب قال الله تعالى كتب عليكم الصيام وكتب الله لأغلبن أنا ورسلى وعن أبى هريرة أنهم قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوّة قال وآدم بين الروح والجسد رواه الترمذى وقال حديث حسن وروى فى جزء من أمالى ابن سهل القطان عن سهل بن صالح الهمدانى قال سألت أبا جعفر محمد بن على كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدّم الانبياء وهو آخر من بعث قال ان الله تعالى لما أخذ من بنى آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قال فان محمدا صلى الله عليه وسلم أوّل من قال بلى ولذلك صار مقدّم الانبياء وهو آخر من بعث فان قيل ان النبوّة وصف لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا وانما يكون بعد بلوغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الاربعين سنة فكيف بوصف به قبل وجوده وارساله أجاب الغزالى فى كتاب النفخ والتسوية عن هذا وعن قوله أنا أوّل الانبياء خلقا وآخرهم بعثا بأن المراد بالخلق هنا التقدير دون الايجاد فانه قبل أن ولدته أمّه لم يكن موجودا مخلوقا ولكن الغايات والكمالات سابقة فى التقدير لاحقة فى الوجود قال وهو معنى قولهم أوّل الفكرة آخر العمل وآخر العمل أوّل الفكرة وبيانه أن المهندس المقدّر للدار أوّل ما يمثل فى نفسه صورة الدار ثم يقدّر ما يمثل فيحصل فى تقديره دارا كاملة وآخر ما يوجد من أعماله هى الدار الكاملة فالدار الكاملة هى أوّل الاشياء فى حقه تقديرا وآخرها وجودا لان ما قبلها من ضرب اللبنات وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة الى غاية وكمال وهى الدار فالغاية هى الدار ولأجلها تقدّم الآلات والاعمال ثم قال وأما قوله كنت نبيا فاشارة الى ما ذكرناه وانه كان نبيا فى التقدير قبل تمام خلقة آدم عليه الصلاة والسلام لانه لم ينشئ خلق آدم الا لينتزع من ذرّيّته محمدا صلى الله عليه وسلم ويستصفيه تدريجا الى أن يبلغ كمال الصفا قال ولا تفهم هذه الحقيقة الا بأن يعلم أن للدار وجودين وجودا فى ذهن المهندس ودماغه وانه ينظر الى صورة الدار خارج الذهن فى الاعيان والوجود الذهنى سبب الوجود الخارجى العينى فهو سابق لا محالة وكذلك فاعلم أن الله تعالى يقدّر ثم يوجد على وفق التقدير ذكر هذا كله فى المواهب اللدنية* وعن كعب الاحبار قال لما أراد الله تعالى أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلم أمر جبريل فأتاه بالقبضة البيضاء التى هى موضع قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم فعجنت بماء التسنيم ثم غمست فى انهار الجنة وطيف بها فى السموات والارض فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم عليه السلام ثم عجنها بطينة آدم* عن ابن عباس عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت نورا بين يدى الله قبل أن بخلق الله عز وجل آدم بألفى عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور فى صلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهبطنى الله الى الارض فى صلب آدم وجعلنى فى صلب نوح فى السفنة وقذف بى فى النار فى صلب ابراهيم ثم لم يزل ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام الطاهرة حتى أخرجنى من أبوىّ لم يلتقيا على سفاح قط* وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى من أنفسكم قال نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح قال ابن الكلبى كتبت للنبىّ صلى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان عليه الجاهلية ذكر هذه الثلاثة فى الشفاء وفى الصفوة عن واثلة بن الاسقع أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من بنى اسماعيل كتانة واصطفى من كتانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم انفرد باخراجه مسلم* (حديث صور الانبياء) * عن هشام بن العاصى قال بعثنى أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه ورجلا من قريش الى هرقل صاحب الروم ندعوه الى الاسلام فلما وصلنا اليه أمر لنا بمنزل حسن ونزلنا فأقمنا ثلاثا فأرسل الينا فدخلنا عليه فدعا بشئ كالربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فاذا فيها صورة حمراء واذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه واذا ليس له لحية واذا له ظفيرتان أحسن ما خلق الله تعالى فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم عليه الصلاة والسلام واذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة بيضاء واذا رجل له شعر قطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلب الجبين طويل الخدّ شارع الانف أبيض اللحية كأنه يتبسم قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاذا فيه صورة بيضاء واذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفون هذا قلنا نعم انه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكينا قال والله يعلم انه هو ثم قام قائما ثم جلس وقال الله بدينكم انه لهو قلنا نعم انه هو كما ننظر اليه فأمسك ساعة ينظر الينا ثم قال أما انه كان آخر الصور هو ولكن عجلته لكم لا نظر ما عندكم ثم عاد ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة أدماء سحماء فاذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الاسنان مقلص الشفتين كأنه غضبان قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام والى جانبه صورة تشبهه الا أنه مدهان الرأس عريض الجبين فى عينيه قبل قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا هارون بن عمران عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض مشرب بحمرة أخفى خفيف العارضين حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسحاق عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة تشبه صورة اسحاق الا أن على شفته السفلى خالا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يعقوب عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الانف حسن القامة يعلو وجهه النور يعرف فى وجهه الخشوع يضرب الى الحمرة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسماعيل جدّ نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم كأن وجهه الشمس قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يوسف عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أحمر أحمس الساقين أخفس العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا داود عليه الصلاة والسلام ثم طواها فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب على فرس فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء واذا رجل شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قلنا من أين لك هذه الصور فانا نعلم أنها على ما صوّرت عليها الانبياء لانا رأينا صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثله فقال ان آدم سأل ربه عز وجل أن يريه الانبياء من ولده فأنزل الله صورهم وكانت فى خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعت الى دانيال فى خرقة من حرير فهذه بأعيانها الصور التى صوّرها دانيال ثم قال والله ان نفسى طابت وفى غير هذه الرواية لوددت الخروج عن ملكى وأن أكون عبد السرير ملكه حتى أموت ثم أجازنا وسرّحنا فلما قدمنا على أبى بكر رضى الله عنه حدّثناه بما رأيناه وبما قال لنا وبما أخبرنا فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم واليهود يجدون نعت النبىّ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل روى هذا الحديث أبو بكر القفال الشاشى عن الحسن صاحب الشافى عن ابراهيم بن الهيثم كذا فى المتقى* وعن كعب الاحبار أنه لما أدرك ابراهيم الوفاة جمع أولاده وهم يومئذ ستة ودعا بتابوت ففتحه وقال أيها الاولاد انظروا الى هذا التابوت فنظروا الى ذلك التابوت فرأوا بيوتا بعدد الانبياء كلهم وآخر بيوت الانبياء بيت محمد صلى الله عليه وسلم من ياقوتة حمراء فاذا هو قائم يصلى وعن يمينه الكهل المطيع أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه مكتوب على جبينه هذا أوّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 من يتبعه من أمّته وعن يساره الفاروق عمر بن الخطاب مكتوب على جبينه قرن من حديد أمين شديد لا تأخذه فى الله لومة لائم ومن ورائه ذو النورين عثمان بن عفان آخذ بحجزته مكتوب على جبينه ثالث الخلفاء ومن بين يديه علىّ بن أبى طالب شاهر سيفه على عاتقه مكتوب على جبينه هذا أخوه وابن عمه المؤيد بنصر الله* وفى المنتقى مكتوب على جبينه ليث كرّار غير فرّار يحب الله ورسوله وحوله عمومته والخلفاء والنقباء والكتيبة الخضراء التى أحدقت بها سلسلة وهم أنصار الله وأنصار رسوله يسطع نور من حوا فردوا بهم يوم القيامة مثل نور الشمس فى دار الدنيا رضى الله عنهم أجمعين* وفى فردوس الاخبار عن ابن مسعود رضى الله عنه يقول سمعت النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلى بابها لا تقولوا فى أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ الاخيرا ذكره فى فصل الخطاب* وفى بحر العلوم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى جبريل فقال يا محمد لما خلق الله آدم وأدخل الروح فى صدره أمرنى أن أخرج تفاحة من جنة عدن فأخرجتها وعصرتها فى حلق آدم فنقط خمس نقط فالنقطة الاولى خلقك منها والثانية أبا بكر والثالثة عمر والرابعة عثمان والخامسة عليا وهو قوله تعالى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا فالبشر أنت والنسب والصهر أبو بكر وعمر وعثمان وعلى* وفى الرياض النضرة عن علىّ رضى الله عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مثل من عيسى عليه السلام بغضته اليهود حتى بهتوا أمّه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التى ليس بها ثم قال يهلك فىّ رجلان محب مفرط بما ليس فىّ ومبغض يحمله شنآنى على أن يبهتنى أخرجه أحمد فى المسند وعنه قال ليحبنى أقوام حتى يدخلول النار فى حبى ويبغضنى أقوام حتى يدخلوا النار فى بغضى أخرجه فى المناقب وفى الحديث أرحمكم بأمّتى أبو بكر وأخوفكم فى دين الله عمر وأشدّكم حياء عثمان وأقضاكم علىّ ولكل نبىّ حوارى وحوارىّ طلحة والزبير ابن عمتى وحيث دار سعد بن أبى وقاص فالحق معه وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة أمين الله وأمين رسوله ذكره فى العمدة وزاد فى الرياض النضرة وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن* وفى بحر العلوم قال صلى الله عليه وسلم أرحمكم بأمّتى أبو بكر وأقواكم فى دين الله عمر وأشدّكم حياء عثمان وأقضاكم على وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ وأقرأكم لكتاب الله أنىّ وأفرضكم زيد وأشهدكم خزيمة بن ثابت وأعلمكم بالمنافقين حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة بن الجرّاح أمين الله وأمين رسوله ومن أراد أن ينظر الى عيسى ابن مريم فلينظر الى زيد بن أبى ذرّ ورضيت لامّتى ما رضى لها ابن أمّ عبد وان الجنة مشتاقة الى سلمان أشوق من سلمان الى الجنة وخالد سيف الله ورسوله وحمزة أسد الله وأسد رسوله وعباس بن عبد المطلب عمى وصنو أبى والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وجعفر بن أبى طالب يطير فى الجنة مع الملائكة حيث شاء وأوّل من يقرع باب الجنة بلال ابن حمامة وأوّل من يستقى من حوضى صهيب وأوّل من يصافح الملائكة فى معازة القيامة أبو الدرداء وأوّل من يأكل ثمرة الجنة أبو الدحداح وعبد الله بن عمر من وفد الرحمن وعمار بن ياسر من السابقين ولكل شئ فارس وفارس القرآن عبد الله بن عباس ولكل نبىّ خليل وخليلى سعد بن معاذ ولكل نبىّ حوارى وحوارىّ طلحة والزبير ولكل نبىّ خادم وخادمى أنس بن مالك ولكل أمّة حكيم وحكيم هذه الامّة أبو هريرة* وفى الاستيعاب وأبو هريرة وعاء للعلم وعند سلمان علم لا يدرك وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذى لهجة أصدق من أبى ذرّ انتهى وحسان بن ثابت مؤيد بروح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 القدس وصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة ثم قال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم* (ذكر دلائل نبوّته) * منها ما ألقى فى التوراة والانجيل مما قد جمعه العلماء وبينوه ونقله عنهم ثقات منهم عبد الله بن سلام وابنا شعبة ثعلبة وأسيد وابن أمين ومخيريق وكعب الاحبار وأشباههم ممن أسلم من علماء اليهود وبحيرا ونسطور الحكيم وصاحب بصرى وضفاطر وأسقف الشام والجارود وسلمان والنجاشى وأساقف نجران وغيرهم ممن أسلم من علماء النصارى وقد اعترف بذلك هرقل وصاحب رومة عالم النصارى ورؤساؤهم ومقوقس صاحب مصر والشيخ صاحبه وابن صوريا وابن أخطب وأخوه وكعب بن أسيد والزبير بن بابا وأبو رافع الاعور وكعب بن الاشرف ولبيد بن الاعصم وغيرهم من علماء اليهود ممن حمله الحسد والنفاسة على البقاء على الشقاء والاخبار فى هذا كثيرة لا تنحصر وما ترادفت به الاخبار عن الرهبان والاحبار وعلماء أهل الكتاب من صفته وصفة أمّته واسمه وعلاماته وذكر الخاتم الذى بين كتفيه وما وجد فى ذلك من أشعار الموحدين من المتقدّمين مثل شعر تبع والاوس بن حارثة وكعب بن لؤى وسفيان ابن مجاشع وقس بن ساعدة الايادى وما ذكر من سيف ذى يزن وغيرهم وما عرف به من أمر زيد بن عمرو ابن نفيل وورقة بن نوفل وعداس وغيلان الحميرى وشامول عالم اليهود صاحب تبع من صفته وخبره وما أنذر به الكهان مثل شافع بن كليب وشق وسطيح وسواد بن قارب وخنافر وأفعى نجران وجدل ابن حجل الكندى وابن خلصة الدوسى وسعدى بنت كرزين وفاطمة بنت النعمان ومن لا يعدّ كثرة وما ظهر على ألسنة الاصنام من نبوّته وحلول وقت رسالته وسمع من هواتف الجان ومن ذبائح النصب وأجواف الصور وما وجد من اسمه صلّى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا فى الحجارة والقبور بالخط القديم ما أكثره مشهور واسلام من أسلم بسبب ذلك معروف مذكور وسنذكر فى هذه الطليعة نبذا منها ان شاء الله تعالى* من البشائر ما روى عن كعب الاحبار أنه قال نجد مكتوبا يعنى فى التوراة محمد رسول الله عبد مختار لافظ ولا غليظ ولاصحاب فى الاسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمّته الحمادون يكبرون الله فى كل مجد ويحمدونه فى كل منزل رعاة للشمس يصلون الصلاة اذا جاء وقتها يأتزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادى فى جوّ السماء صفهم فى القتال وصفهم فى الصلاة سواء لهم دوىّ فى الليل كدوىّ النحل مولده بمكة ومهاجره بطابة وملكه بالشام كذا فى المصابيح وقد ورد الثناء على أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم فى الكتب السابقة نحو ما فى الانجيل أمّة محمد حلماء رحماء علماء كأنهم فى الفقه أنبياء الى غير ذلك كذا فى شرح التعرّف وعن عبد الله بن سلام أنه كان يقول انا لنجد صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعنى فى التوراة يا أيها النبىّ انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأمّيين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولاصحاب فى الاسواق ولا تدفع السيئة بالسيئة ولكن تعفو وتغفر ولن أقبضك حتى أقيم بك الملة لعوجاء بأن يقولوا لا اله الا الله وأفتح بك أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا كذا فى شواهد النبوّة* ومن البشائر ما روى عن عبد الله بن سلام أنه قال ان فى الجزء الآخر الذى تتم به التوراة آية من جملتها بالعربية هكذا جاء الله* وفى المواهب اللدنية تجلى الله من طور سيناء وأشرف من ساعير واستعلن من جبال فاران وهو اسم عبرانى وليست ألفه الاولى همزة وهى جبال بنى هاشم التى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتحنث فى أحدها وفيه فاتحة الوحى وهى ثلاث أجبل أحدها أبو قبيس والثانى قعيقعان والثالث حراء وهو شرقى فاران ومنفتحه الذى يلى قعيقعان الى بطن الوادى هو شعب بنى هاشم وفيه مولده صلّى الله عليه وسلم فى أحد الاقوال قال ابن قتيبة وليس فى هذا غموض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لانه أراد مجىء كتابه ونوره كما قال الله عز وجل فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أى أتاهم أمره والمعنى بذلك انزال التوراة على موسى بطور سيناء وسائر أرض الخليل من الشأم وكان عيسى يسكنها بقرية يقال لها ناصرة وبها سمى من تبعه نصارى* وفى أنوار التنزيل نصارى جمع نصرانى والياء فى نصرانى للمبالغة كما فى أحمرى سموا بذلك لانهم كانوا معه فى قرية يقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها انتهى والمراد انزاله الانجيل على عيسى وهو كناية عن ظهور أمر الانجيل وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف فى أن فاران هى مكة والمراد انزاله القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم وظهور أمره وشريعته والله أعلم* ومن البشائر ما قاله يعقوب عليه السلام جاء الله عز وجل بالبيان من فاران وامتلأت السموات من تسبيح أحمد وأمّته يحمل حبه فى البحر كما يحمله فى البرّ يأتينا بكتاب جديد يعرف بعد خراب بيت المقدس كذا فى شواهد النبوّة* ومن كلام شعياء رأيت راكبين أضاءت لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على حمل راكب الحمار عيسى وراكب الجمل نبينا صلّى الله عليه وسلم وأيضا فى كلامه يا قوم انى رأيت صورة مثل صورة القمر* وفى وصايا موسى عليه الصلاة والسلام لبنى اسرائيل سيأتيكم نبىّ من بنى اخوتكم أى أعمامكم فله صدّقوا ومنه فاسمعوا* ومن البشائر أن فى الجزء الثانى من السفر الخامس من التوراة السبعينية التى اتفق سبعون من أحبار اليهود على صحتها أنه يخاطب الله بها موسى وترجمتها بالعربية بهذه العبارة انى أقيم لهم نبيا من بنى اخوتهم مثلك وأجرى قولى فيه ويقول لهم ما آمره والرجل الذى لا يقبل قول النبىّ صلّى الله عليه وسلم الذى يتكلم باسمى فانى أنتقم منه فيفهم منه أنه يكون ذلك النبىّ من غير بنى اسرائيل من بنى اخوتهم أى أعمامهم. وأن يكون مثل موسى صاحب عز وشريعة وشوكة وما هو الانبينا صلّى الله عليه وسلم فان عيسى لم يكن صاحب شريعة وشوكة لما جاء فى الانجيل حكاية عن عيسى انى ما جئت لتبديل شرع موسى بل لتكميله كذا فى شواهد النبوّة* لكن فى أنوار التنزيل ما يدل على أن شرع عيسى ناسخ لشرع موسى حيث قال فى تفسير قوله تعالى ولأحل لكم بعض الذى حرّم عليكم فى شريعة موسى كالشحوم والسمك وكل ذى ظفر ولحوم الابل والعمل فى السبت وهو يدل على أن شرعه ناسخ لشرع موسى ولا يخل ذلك بكونه مصدّقا للتوراة كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتنافر وتكاذب فان النسخ فى الحقيقة بيان تخصيص فى الازمان* وفى الانسان الكامل ان عيسى نسخ دين موسى لانه أتى بما لم يأت به موسى وذلك أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى فى تسعة ألواح وأمره أن يبلغ سبعة منها ويترك لوحين لان العقول لا تكاد تقبل ما فى ذينك اللوحين فلو أنذر بهما موسى لا نتقض ما يطلبه وكان لا يؤمن به رجل واحد فهما مخصوصان بموسى عليه الصلاة والسلام من دون غيره من أهل ذلك الزمان* وكانت الالواح التى أمر بتبليغها فيها علوم الاوّلين والآخرين الاعلم محمد صلّى الله عليه وسلم وورثته وعلم ابراهيم وعلم عيسى عليهما الصلاة والسلام فانه لم تتضمنه التوراة خصوصية لمحمد صلّى الله عليه وسلم وكانت الالواح السبعة التى أمر بتليغها من حجر المزمر بخلاف اللوحين فانهما كانا من نور ولكون الالواح السبعة من الحجارة قست قلوبهم فلو أمر موسى بابلاغ اللوحين المختصين به لما كان مبعث عيسى من بعده لان عيسى بلغ سرّ ذينك اللوحين المرقومين فنسخ دين موسى لأنه أتى بما لم يأت به موسى لكنه لما أظهر حكم ذلك ضل قومه من بعد وتعبدوه وقالوا انه ثالث ثلاثة وهو الاب والامّ والابن وسموا ذلك بالاقانيم الثلاثة فافترق قومه على ثلاث فرق الملكائية أصحاب ملكا الذين ظهروا فى الروم واستولوا عليها والنسطورية أصحاب نسطور الحكيم الذين ظهروا فى زمن المأمون وتصرّف فى الانجيل بحكم رأيه واليعقوبية أصحاب يعقوب* ومما ترجموا من الانجيل أن عيسى قال اذا جاء الفار قليط فهو يشهد لى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وأنتم تشهدون لى أيضا لكينونتكم معى من أوّل أمرى قوله الفار قليط معناه الحكم السرّ يعرف السرّ والمراد به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقوله يشهد لى صريح بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم اذ لم يشهد للمسيح عليه السلام بالنبوّة والنزاهة عما افترى عليه وبأنه روح الله وكلمته وصفيه ورسوله كتاب سوى القرآن ولم تزل الامم تكذب المتبعين للمسيح واليهود يفترون فى أمره العظائم من البهتان حتى بعث محمد صلّى الله عليه وسلم فشهد للمسيح عليه الصلاة والسلام بمثل ما شهد به حواريه الذين كانوا معه من أوّل أمره والمهتدون من أمّته وقال يوحنا أحد الحواريين وهو أحب الخلق الى عيسى أخبرنى المسيح بدين محمد العربى وبشرنى أنه يكون بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به* وفى التوراة والانجيل دلائل كثيرة غير ما ذكرنا كذا فى شواهد النبوّة والمنتقى* ومما ترجم أهل الكتاب من أمر داود عليه الصلاة والسلام اللهم ابعث جاعل السنة يجىء يعلم الناس أنه بشر ففهم من هذا أن الله أطلع داود على ما سيقوله النصارى فى المسيح عليه الصلاة والسلام اذا أرسله من انه اله معبود فدعا الله سبحانه بأن يبعث محمدا صلّى الله عليه وسلم فيعلمهم أنه بشر ومما قاله داود اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة* وفى مزمور من مزامير داود عليه الصلاة والسلام ان الله أظهر من صهيون اكليلا محمودا* صهيون اسم مكة والاكليل ضرب المثل للرياسة والامامة ومحمود هو صلّى الله عليه وسلم ومما ترجموا فى كتاب شعياء عليه الصلاة والسلام عبدى الذى سرّت به نفسى أنزل عليه وحيى فيظهر فى الامم عدله يوصيهم بالوصايا لا يضحك ولا يسمع صوته فى الاصوات يفتح العيون العور والآذان الصم ويحيى القلوب الغلف وما أعطيه لا أعطى أحدا مشقح يحمد الله حمدا مديدا يأتى من أقصى الارض به تفرح البرية وسكانها يهللون الله على كل شرف ويكبرونه على كل راية لا يضعف ولا يغلب ولا يميل للهوى ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة بل يقوّى الصدّيقين وهو ركن المتواضعين وهو نور الله الذى لا يطفأ سلطانه على كتفه هذه ترجمة السريانية وترجمة العبرانية على كتفه علامة النبوّة فهذا كله صريح فى البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم مع ما فيه من ذكر دولة العرب بقوله تفرح البرية وسكانها وأما قوله مشقح فهو محمد صلّى الله عليه وسلم لان الشقح بلغتهم الحمد* ومن بشائر الكتب أنه جاء فى صحف آدم وابراهيم وغيرهما من الانبياء صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصفة أمّته* ومن بشائر الانبياء ما روى عن عبد الرحمن بن زيد قال قال آدم عليه الصلاة والسلام انى لسيد البشر يوم القيامة الا رجلا من ذرّيتى من الانبياء يقال له أحمد فضل علىّ باثنتين زوجته عاونته وكانت له عونا وكانت زوجتى عونا علىّ وان الله أعانه على شيطانه فأسلم وكفر شيطانى* وفى الشفاء حكى أبو محمد المكى وأبو الليث السمرقندى وغيرهما أن آدم عليه السلام عند معصيته قال اللهم بحق محمد اغفرلى خطيئتى ويروى وتقبل توبتى فقال له من أين عرفت محمدا صلّى الله عليه وسلم قال رأيت فى الجنة مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله ويروى عبدى ورسولى فعلمت أنه أكرم خلقك عليك فتاب الله عليه وفى رواية أخرى فقال آدم لما خلقتنى رفعت رأسى الى عرشك فاذا فيه مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله* صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله عز وجل اليه وعزتى وجلالى انه لآخر الانبياء من ذرّيتك ولولاه ما خلقتك قال وكان آدم يكنى بأبى محمد وقيل بأبى البشر فحص الله سبحانه وتعالى نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم بهذا الشرف وأخبر به وببعثته على ألسنة الرسل قبل وجوده بدهر طويل وألزم بذلك الحجة على عباده وقوّى بصائر من آمن به فلله الحمد على ذلك وقيل فى المعنى شعر بشرى لنا معشر الاسلام ان لنا ... من العناية ركنا غير منهدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرسل كنا أكرم الامم ومن البشائر ما روى عن أبىّ بن كعب لما قدم تبع المدينة ونزل بقباء بعث الى أحبار اليهود فقال انى مخرب هذا البلد حتى لا يقوم به يهودية ويرجع الامر الى دين العرب فقال شامول اليهودى وهو يومئذ أعلمهم أيها الملك ان هذا البلد يكون اليه مهاجر نبىّ من ولد اسماعيل مولده مكة واسمه أحمد وهذه دار هجرته ان منزلك الذى أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كثير فى أصحابه قال تبع فمن يقاتله وهو نبىّ كما تزعمون قال يسير اليه قوم فيقتلون هنا قال فأين يكون قبره قال بهذا البلد قال فان قوتل فلمن تكون الدائرة قال تكون عليه مرّة وله مرّة وبهذا المكان الذى أنت به غلبته فيقتل به أصحابه مقتلة ثم يقتلون فى مواطن ثم تكون العاقبة له فيظهر فلا ينازعه فى هذا الامر أحد قال وما صفته قال رجل ليس بالقصير ولا بالطويل فى عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالى من لاقى له أخ وابن عم أو عم حتى يظهر أمره قال تبع فمالى بهذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابه على يدىّ فخرج تبع الاوّل بن عمرو ذى الاذعار بن ابرهة ذى المنار بن الرايش* قال ابن اسحاق الرايش بن عدىّ بن صيفى بن سبأ الاصغر بن كعب بن زيد الجمهور بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع ابن العرفج حمير بن سبأ الاكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان* قال ابن هشام يشجب بن يعرب ابن قحطان* قال ابن اسحاق وتبان أسعد أبو كرب الذى قدم المدينة وساق الحبرين من اليهود الى اليمن وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن مضر* وفى الوفاء لما قدم المدينة تبع وأراد خرابها جاءه حبران من بنى قريظة يقال لهما سحبت ومنبه فقالا أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فانها محفوظة وانها مهاجر نبىّ من بنى اسماعيل اسمه أحمد يخرج فى آخر الزمان فأعجب مما سمع منهما وصدّقهما وكف عن أهل المدينة وستجىء القصة بتمامها* وفى أنوار التنزيل وهو الذى سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند وقيل هدمها وقيل لملوك اليمن التبابعة لانهم يتبعون كما قيل لهم الاقيال لانهم يتقيلون وفى الحديث ما أدرى كان تبع نبيا أو غير نبىّ* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وكان تبع قد جعل طريقه حين أقبل من المشرق على المدينة وكان قد مرّ بها فى بدائه فلم يهج أهلها فخلف بين أظهرهم ابناله فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لاخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها فجمع له هذا الحىّ من الانصار ورئيسهم عمرو بن طلحة أخو بنى النجار وطلحة أمّه وهى بنت عامر بن رزيق قال ابن اسحاق وقد كان رجل من بنى عدىّ بن النجار يقال له أحمر عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده فى عذق له بحدّة فضربه بمنجله فقتله وقال انما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا فزعم الانصار أنهم كانوا يقاتلونهم بالنهار ويقرونهم بالليل فيعجبه ذلك منهم فيقول والله ان نفرا فعلوا ذلك لكرام فبينما تبع على ذلك من حربهم اذ جاء حبران من أحبار اليهود من بنى قريظة والنضير والنخام وعمرو وهذيل بنو الخزرج بن الصريح بن التومان ابن الصيت بن اليسع بن الحبر بن النخام بن سحوم بن عاز بن عزرى بن هارون بن عمران بن يصهر ابن فاهت بن لاوى بن يعقوب وهو اسرائيل بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن عالمان راسخان حين سمعا بما يريد من اهلاك المدينة وأهلها فقالا له أيها الملك لا تفعل فانك ان أبيت الا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما ولم ذلك فقالا مهاجر نبىّ يخرج من هذا الحرم من قريش فى آخر الزمان تكون داره وقراره فانتهى تبع ورأى أن لهما علما وفهما وأعجبه ما سمع منهما فانصرف من المدينة واتبعهما على دينهما* قال ابن اسحاق وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فتوجه الى مكة وهى طريقة الى اليمن حتى اذا كان بين عسفان وأمج أتاه نفر من هذيل بن مدركة ابن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ فقالوا أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال بلى قالوا بيت مكة يعبده أهلها ويصلون عنده وانما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الى الجبرين وسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم الاهلاكك وهلاك جندك ما نعلم بيتا لله اتخذه لنفسه فى الارض غيره ولئن فعلت ما دعوك اليه لتهلكنّ وليهلكنّ من معك جميعا قال فماذا تأمر اننى أن أصنع به اذا أنا قدمت عليه قال تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتتذلل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قالا أما والله انه لبيت أبينا ابراهيم وانه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالاوثان التى نصبوها حوله وبالدماء التى يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك فعرف نصحهما وصدّق حديثهما فقرّب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل ورأى فى المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أراد أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل* وكان تبع فيما يزعمون أوّل من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وأن لا يقرّبوه دما ولاميتة ولا ميلغا وهى الحائض وجعل له بابا ومفتاحا ثم خرج متوجها الى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى اذا دخل اليمن دعا قومه الى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى تحاكموا الى النار التى كانت باليمن قال ابن اسحاق فيما يرفعه الى طلحة بن عبيد الله أنه يحدّث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال انه خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار قال نعم قال وكانت باليمن فيما يزعم أهلها نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقرّبون به فى دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما متقلدين بهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذى تخرج منه فخرجت اليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فردّهم من حضرهم من الناس وأمروا بالصبر لها حتى غشيتهم فأكلت الاوثان وما قرّبوها معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما النار فصفقت عند ذلك حمير عن دينها فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن قال ابن اسحاق وقد حدّثنى محدّث أن الحبرين ومن خرج من حمير انما تبعوا النار ليردّوها قالوا ومن ردّها فهو أولى بالحق فدنا منها رجال حمير بأوثانهم ليردّوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردّها ودنامنها الحبران بعد ذلك بمصاحفهما وجعلا يتلوان التوراة وتنكص حتى ردّاها الى مخرجها الذى خرجت منه فصفقت عند ذلك حمير عن دينها والله أعلم أىّ ذلك كان* قال ابن اسحاق وكان فى رئام بيت لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه اذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتسع انما هو شيطان يفتنهم فحل بيننا وبينه قال فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود وذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم فيما ذكر لى بها آثار الدماء التى كانت تهراق عنده* ذكر خبر أبي عامر الراهب ومن أخبار الجنّ ما روى أن أبا عامر الراهب كان وصافا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل ظهور أمره وكان قد رغب عن الشرك وطلب الحنيفية دين ابراهيم وسافر الى جهات شتى فسال أهل الكتاب عن الحنيفية فأخبره علماؤها بمبعث محمد صلّى الله عليه وسلم بملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام ونعتوه له فقال أبو عامر انه ذكر لى كاهن باليمن أنه يذكر الامور المتوقعة الحدوث فتوجهت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 اليه منفردا وسريت فى ليلة قراء فغشينى النوم فما أفقت الا وراحلتى تعسف بى مجهلا حزنا منكرا فراعنى ذلك وأوجست خوفا وتلغت فاذا نيران كالنجوم فنحوتها عسعا وخبطا حتى دنوت منها فاذا هى متقاربة قد حف بها مصطلون لا يشبهون البشر لهم لغط ولم أربيوتا ولا نعما فقفّ شعرى وقامت راحلتى فتغاجت ورجزت فالقيت نفسى عنها وانعطفت تلك الاشخاص زرافات نحوى فصرخت بأندى صوتى أنا عائذ بزعيم هذه الزرافات فأتانى أربعة منهم فحيونى وجلسوا الىّ فاذا صور مشوّهة ومناظر فظيعة فقال لى أحدهم ممن الانسى فقلت رجل من غسان من بنى قيلة قال أين نويت قلت ألست فى ذمّة جوار قال بلى فلا بأس عليك فأخبرتهم خبرى من فصه ثم قلت انا معشر الانس انما نعتمد الكهان لما يأخذونه عنكم من العلم فأخبرونى بطلبتى فأشار ثلاثة منهم الى الرابع وقالوا على الخبير سقطت فحصصته بالمسئلة فقال أبو من أنت فقلت أبو عامر فقال نعم يا أبا عامر ونعامة عين فدونك علما ليس بالمين يا أبا عامر أقسم بنا عش القفر الغامر بالقطر الهامر لتعملن العناسر الضوامر الى أكرم آمر وأنضح ذامر ولينزلن من السماء كلام آمر يحش العكص المغامر ويفحم عن السمر السامر يا أبا عامر ان الله قد أسفه هياع دغامر ومياع غوامر وكأن قد ندب هاصر أكاسر وقياصر وزافى غوايات أعاصر قال أبو عامر فقلت أملك هذا المندوب قال كلا بل نبى شراف كرام واف موطأ الاكناف من بنى هاشم بن عبد مناف فقال أبو عامر أراك تنسبه فهل تصفه لى قال أجل انه لأزهر وضاح ليس بالطويل الملواح ولا بالقصير الدحداح اذا نظررنا أولاح واذا أوذى أعرض وأشاح فى عينيه نجلة ولامره وشكلة غير ممغره وبين كتفيه امره وهو أمى لا يزبر السطره يأتى بالحنيفية الميسرة فيسعد من قاف أثره سمع أذنى من المجتحة السفره قال أبو عامر ثم نهض وامتتبع الثلاثة فتبعوه فلزمت مكانى سائر ليلتى فلما أصبحت عدت لطيتى* وأبو عامر هذا لم ينفعه الله تعالى بما علم من صفة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان يرتقب بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما بعث حسده فخذل الناس عنه ولم يؤمن به وهو الذى بنى مسجد الضرار وهو المشار اليه بقوله تعالى وارصادا لمن حارب الله ورسوله وكان أوّل من أنشب الحرب يوم أحد ودعا النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يميته الله طريدا وحيدا فاستجاب الله دعاءه فعاود عبادة الاصنام وأقام بمكة الى يوم الفتح ثم فرّ يوم الفتح ولحق بأرض الروم فتنصر ومات بها طريدا وحيدا فنعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع (ومن أخبار الكهنة) ما روى أن مرثد بن عبد كلال كان ملكا عظيما رأى فى منامه رؤيا أحافنه فى حال منامه فلما استيقظ أنسيها حتى ما تذكر منها شيئا وبقى ارتعاده فى قلبه واستقرّ خوفه فى نفسه فانقلب سروره حزنا فجمع الكهان واستخبرهم فما أخبره أحد برؤياه ولا بتأويلها الى أن خرج يوما الى الصيد فأوغل فى طلبه وانفرد عن أصحابه فرفعت له أبيات فى ذرى جبل وقد لفحه الهجير فعدل الى الابيات وقصد بيتا منها كان منفردا عنها فبرزت اليه منه عجوز فقالت له انزل بالرحب والسعة والامن والدعة والجفنة المدعدعة والعلبة المترعة فنزل عن جواده ودخل البيت فلما احتجب عن الشمس وخفقت عليه الارواح نام فلم يستيقظ حتى تصرّم الهجير فجلس يمسح عينيه فاذا بين يديه فتاة لم ير مثلها فى الجمال فقالت له أيها الملك الهمام هل لك فى الطعام فاشتدّ اشفاقه وخاف على نفسه لما رأى أنها قد عرفته فتصامم عن كلمتها فقالت له لا حذر فداك البشر فجدّك الاكبر وحظنا بك الاوفر ثم قرّبت اليه ثريدا وقديدا وحيسا وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لنا صريغا وضريبا فشرب ما شاء وجعل يتأمّلها مقبلة ومدبرة فلأت عينه جمالا وقلبه هوى فقال لها ما اسمك يا جارية قالت له اسمى عفيرا قال لها يا عفيراء من الذى دعوتيه الملك الهمام قالت مرثد عظيم الشان حاشر السكواهن والكهان لمعضلة بعل بها الجان قال الملك يا عفيرا أتعرفين ما تلك المعضلة قالت أجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أيها الملك الهمام انها رؤيا منام ليست بأضغاث أحلام قال أصبت يا عفيرا فما تلك الرؤيا قالت رأيت أعاصير زوابع بعضها لبعض تابع فيها لهب لامع ولها دخان ساطع يقفوها نهر متدافع وسمعت فيما أنت سامع دعاء ذى جرس صادع هلموا الى المشارع روى جارع وعذق كارع قال الملك أجل هذه رؤياى فما تأويلها يا عفيرا قالت الاعاصير الزوابع ملوك تتابع والنهر علم واسع والداعى نبىّ شافع والجارع ولىّ تابع والكارع عدوّله منازع قال الملك يا عفيرا أسلم هذا النبىّ أم حرب قالت أقسم برافع السماء ومنزل الماء من الغماء انه لمبطل الدماء ومنطق العقائل نطق الاماء قال الملك الى ماذا يدعو يا عفيرا قالت الى صلاة وصيام وصلة أرحام وكسر أصنام وتعطيل أزلام واجتناب آثام قال الملك يا عفيراء من قومه قالت مضر بن نزار ولهم منه نقع مثار يجلى عن ذبح وأسار قال يا عفيراء اذا ذبح قومه فمن أعضاده قالت أعضاده غطاريف يمانيون طائرهم به ميمون يغزوبهم فيغزون ويدمث بهم الحزون والى نصره يعزون* (ومن أخبار الكهنة) ما روى أن لهيبا بن مالك اللهبى قال حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الكهانة فقلت يا رسول الله نحن أوّل من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا الى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتى عليه من العمر مائة وثمانون سنة وكان من أعلم كهاننا فقلنا له يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التى يرمى بها فانا قد فزعنا لها وهالنا أمرها وخفنا سوء عاقبتها فقال ائتونى بسحر أخبركم الخبر بخير أم ضرر وأمن أم حذر قال لهيب فانصرفنا عنه يومنا ثم أتيناه من الغد فى وجه السحر فاذا هو قائم على قدميه شاخص الى السماء بعينيه فناديناه يا خطر فأومأ الينا أن اسكتوا فأمسكنا وانقض نجم عظيم من السماء فصرخ الكاهن قائلا أصابه اصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويله ما حاله بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله وغيرت أحواله ثم أمسك طويلا ثم قال يا معشر بنى قحطان أخبركم بالحق والبيان أقسمت بالكعبة والاركان والبلد المؤتمن السكان قد منع السمع عتاة الجان بثاقب يكف ذى سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن وبالهدى وفاصل الفرقان تبطل به عبادة الاوثان قال لهيب فقلنا له يا خطر انك لتذكر أمرا عجيبا فماذا ترى لقومك قال* أرى لقومى ما أرى لنفسى* أن يتبعوا خير نبىّ الانس* برهانه مثل شعاع الشمس* يبعث من مكة دار الحمس* بمحكم التنزيل غير اللبس* فقلنا له يا خطر وممن هو فقال والحياة والعيش انه لمن قريش ما فى حلمه طيش ولا فى خلقه هيش يكون فى جيش وأىّ جيش من آل قحطان وآل ايش فقلت له بين لنا من أىّ قريش هو قال والبيت ذى الدعائم والركن والاحائم انه لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم وقتل كل ظالم ثم قال هذا هو البيان أخبرنى به رئيس الجان ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع عن الجنّ الخبر ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق الا بعد ثلاث وقال لا اله الا الله* فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوّة وانه ليبعث يوم القيامة أمّة وحده والله تعالى أعلم * الطليعة الثانية من المقدّمة (الطليعة الثانية من المقدّمة فى ذكر خلق السموات والارض ومدّة خلقهما وخلق الملائكة والجان وذكر مدّة الدنيا ومدّة هذه الامّة وابتداء خلق آدم وحوّاء وأخذ الميثاق وكيفية انتقال نبينا صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة وبالعكس وبيان نسبه من الطرفين وذكر الشام والارض المقدّسة وكيفية ظهور زمزم أوّلا فى زمن ابراهيم واسماعيل وانطماسها بعدهما وبقائها منطمسة الى زمن عبد المطلب وفيها ذكر يعقوب ويوسف وذكر قتل شعيا وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى وذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا) * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 * (ذكر خلق السماء والارض) * روى عن الحسن خلق الله الارض فى موضع بيت المقدس كهيئة النهر عليها دخان أى جوهر ظلمانى ملتزق بها ثم أصعد منها الدخان وخلق منه السموات وأمسك النهر فى موضعه وبسط منه الارض* وفى المدارك وغيره بسط الارض من تحت الكعبة فذلك قوله تعالى كانتا رتقا وهو الالتزاق فخلق جرم الارض مقدّم على خلق السماء وأما دحوها وبسطها فتأخر لقوله تعالى والارض بعد ذلك دحاها كذا فى الكشاف وأنوار التنزيل وغيرهما* وفى عرائس الثعلبى قالت العلماء ثم لما أراد الله عز وجل أن يخلق السموات خلق جوهرة مثل السموات السبع والارضين السبع ثم نظر اليها نظر هيبة فصارت ماء ثم نظر الى الماء فعلا وارتفع له زبد ودخان فخلق من الزبد الارض ومن الدخان السماء لقوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ثم فتقها بعد ما كانت طبقة واحدة وصيرها سبعا وذلك قوله تعالى أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانتا رتقا ففتقناهما قال الربيع بن أنس سماء الدنيا موج مكفوف والثانية من صخرة والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من ياقوت* (ذكر مدّة خلقهما) * عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال ان الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وقال ابن عباس تلك الايام الستة مقدار ستة آلاف سنة انتهى قال الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من الاحد الى الجمعة وتفصيل ذلك فى سورة حم السجدة خلق الارض فى يومين الآيات وفى الحديث ان الله خلق الارض يوم الاحد والاثنين وخلق الجبال وفى رواية الحديد يوم الثلاثاء وخلق يوم الاربعاء الشجر والماء والعمران والخراب وأنواع النباتات والحيوانات وأقوات أهل الارض وأرزاقهم فتلك أربعة أيام وخلق سبع سموات فى يومين الآيات فخلق يوم الخميس السموات وخلق يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة وخلق آدم آخر ساعة من يوم الجمعة آخر الخلق فى الساعات قيل هى الساعة التى تقوم فيها القيامة وخلقهما بالمهملة تعليما للاناءة ولو أراد أن يخلقهما فى لحظة لفعل كذا فى أنوار التنزيل وغيره* وفى بحر العلوم والمشارق للعلامة مسلم عن أبى هريرة قال أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدى فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الاحد وخلق البحر وفى المشارق الشجر يوم الاثنين* وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة آخر الخلق فى آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر الى الليل* وفى صحيح مسلم فى آخر ساعة من النهار وفى البحر أيضا خلق الله آدم وزوّجه حوّاء يوم الجمعة وأسكنه الجنة وأهبطه منها وتوفاه وذلك كله يوم الجمعة* وفى العرائس روت الرواة أن الله تعالى ابتدأ خلق الاشياء يوم الاحد الى الخميس وخلق يوم الخميس ثلاثة أشياء السموات والملائكة والجنة الى ثلاث ساعات بقيت من يوم الجمعة فخلق فى الساعة الاولى الاوقات والآجال وفى الثانية الارزاق وفى الثالثة آدم عليه السلام وقال يحيى بن كثير خلق الله ألف أمّة فأسكن ستمائة البحر وأربعمائة البرّ كذا فى المختصر* (ذكر خلق الملائكة والجان) * فى أنوار التنزيل اختلف العقلاء فى حقيقة الملائكة بعد اتفاقهم على أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين الى أنها أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك وقالت طائفة من النصارى هى النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للابدان وزعم الحكماء أنها جواهر مجرّدة مخالفة للنفوس الناطقة فى الحقيقة منقسمة الى قسمين قسم شأنهم الاستغراق فى معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره كما وصفهم فى محكم تنزيله فقال يسبحون الليل والنهار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 لا يفترون وهم العلويون والملائكة المقرّبون وقسم يدبر الامر من السماء الى الارض على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الالهى لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرا فنهم سماوية ومنهم أرضية* وفى بحر العلوم روى عن ابن عباس أنه قال ان الله خلق الفلك وخلق تحته بحرا من نار لا دخان لها وخلق منها نوعين من الملائكة خلق من لهبها نوعا ومن جمرها نوعا فالذين خلقهم من لهبها سماهم الملائكة والذين خلقهم من جمرها سماهم جانا قال الله تعالى والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجان الارض فاختلف النوعان من ثلاثة أوجه أولئك سموا ملائكة وأولئك سموا جانا وأولئك كانوا من نور وهؤلاء من عينها وأولئك أسكنوا السماء وهؤلاء أسكنوا الارض وابليس كان منهم لقوله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ* وفى المدارك عن الحافظ أن الجنّ والملائكة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملك ومن خبث فهو شيطان ومن كان بين ذلك فهو جنّ* وفى ربيع الابرار أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة فجناحان يلفون بهما أجسادهم وجناحان يطيرون بهما فى الامر من أمور الله وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله* وفى أصول الامام الصفار سئل رضى الله عنه أتكون الملائكة فى الآخرة فى الجنة قال نعم لانهم يبلغون السلام من الله على المؤمنين كما قال الله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار* وسئل رضى الله عنه أن الملائكة هل يرون ربهم قال لا يرون ربهم سوى جبريل مرّة واحدة فقيل اذا كانوا موحدين لم لا يرون ربهم قال لان الرؤية فضل الله والله تعالى يؤتى الفضل من يشاء كما قال الله تعالى وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم* وسئل رضى الله عنه أن الجنّ هل يدخلون الجنة قال كفار الجنّ مع كفار الانس فى النار أبدا كما قال تعالى لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين وأما مؤمنو الجنّ قال أبو حنيفة رضى الله عنه لا يكونون فى الجنة ولا فى النار ولكن فى معلوم الله وعند صاحبيه يكونون فى الجنة ولكن لا يرون الله تعالى كما ذكرنا فى الملائكة* وفى أنوار التنزيل روى عن ابن عباس أن من الملائكة ضربا يتوالدون يقال لهم الجنّ ومنهم ابليس* وفى كتاب أبى المعين النسفى وقد جاء فى الخبر أن الشيطان اذا فرح على معصية بنى آدم يبيض بيضتين فيخرج منها الولد وهذا هو الصحيح وقد جاء فى الخبر أن فى احدى فخذيه فرجا وفى الاخرى ذكرا فيجامع نفسه فيخرج منه الولد وهذا غير صحيح والصحيح هو الاوّل* وفى أنوار التنزيل والمدارك الجان أبو الجنّ كما ان آدم أبو الانس وقيل الجان ابليس ويجوز أن يراد به جنس الجنّ خلقه من قبل خلق الانسان أو قبل خلق آدم قوله من نار السموم أى الحرّ الشديد النافذ فى المسام* قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التى خلق الله منها الجان وهو لا ينافى قوله تعالى وخلق الجانّ من مارج من نار المارج النار الصافية الخالصة من الدخان قوله من نار بيان للمارج فانه فى الاصل للمضطرب من مرج اذا اضطرب ولا يمتنع خلق الحياة فى الاجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها فى الجواهر المجرّدة فضلا عن الاجسام المؤلفة التى الغالب فيها الجزء النارى فانها أقبل لها من المؤلفة التى الغالب فيها الجزء الارضى وقوله من نار باعتبار الغالب كقوله تعالى خلقكم من تراب* وفى المشكاة الجنّ ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون فى الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون رواه فى شرح السنة* وفى بحر العلوم ان الله أسكن الجنّ الارض وركب فيهم الشهوة وكلفهم العبادة فأتى عليهم الزمار فتناسلوا وتنافسوا وتكاسلوا وتفاسدوا وتحاسدوا وتقاتلوا وتعاطوا الحرام وارتكبوا الآثام فبعث الله اليهم رسولا فعصوه فدعاهم فأبوا وكان فيهم عابد زاهد ففارقهم وصعد جبلا واتخذ صومعة وجعل يعبد الله تعالى ويقول لا طاقة لى بعذاب الله ولا قوّة لى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 على عقاب الله وكان اسمه يومئذ عزازيل لعزه بالطاعة فعبد الله زمانا وبالغ حتى أعجب ذلك ملائكة السماء الدنيا فسألوا الله أن يرفعه اليهم ليفرحوا برؤيته فقرح المطيعين بالمطيعين وانس المحبين بالمحبين وقالوا طاعات جميع الارض لوقو بلت بطاعة واحد من أهل السماء الدنيا لرجح عمل ذلك الواحد على عمل هؤلاء وطاعات أهل السماء الدنيا وأهل الارض لوقو بلت بطاعة واحد من ملائكة السماء الثانية لرجح ذلك على عمل هؤلاء وكذلك كل سماء على هذا الاعتبار الى العرش ثم هم يسرّون بعمل أهل الارض ويتقرّبون اليهم فرفعه الله الى السماء الدنيا فاجتهد فيهم وزاد فى الجهد فنظر اليه أهل السماء الثانية فأعجبهم فسألوا ما سأل أهل سماء الدنيا ثم كذلك الى أن رفعه الله الى العرش واختلط بحملة العرش والطائفين حوله واجتهد حتى أكرم بخزانة العرش ودفع اليه مفتاحها فكان يطوف حول السموات ومعه مفتاح الجنة وكانوا يتقرّبون اليه ويتنادون فيما بينهم يا خازن الجنة ومقدّم أهل العبادة فلا اغترار بالبرّ فتحت كل برّ شرّ ولا اعتماد بالطاعة ففى كل طاعة آفة* وفى رواية أخرى لهذه القصة قال أبىّ بن كعب وجدت فى التوراة ان الجنّ بنى الجان كانوا قبيلة من الملائكة أنزلهم الله تعالى الارض وركب فهم الشهوة فتناسلوا وكثروا فصار واسبعين ألف قبيلة كل قبيلة سبعون ألف كردوس كل كردوس سبعون ألف نفس كلهم كانوا مطيعين مصلحين حتى مضى على ذلك زمان فاتفق أن واحدا منهم مرّ بأرض نبت فيها نبات رائق فأعجبه ثم مرّ به بعد أيام فاذا هو قد طال ثم مرّ به بعد زمان فاذا هو قد أورق ثم مرّ به بعد زمان فاذا له عناقيد وهو زرحون أعناب وقد أينع فتناوله فاذا هو حلو فعصره وشرب من عصيره وجعل ما بقى فى ظرف فأوكأه ثم طلبه بعد زمان فاذا هو قد اشتدّ ورمى بالزبد وسكن وصار مسكرا فتناول شيئا منه فأخذته الحميا فزاد حتى سكر وبسط ثم غلبه السكر فوقع فلما صحا أخبر أصحابه بذلك فذهبوا الى تلك الزراجين وأخذوا تلك العناقيد واعتصروا واتخذوا الخمور وشربوا واعتادوا ذلك حتى كثر فيهم السكر ووقعوا بذلك فى الزنا واللواط والقتل وسائر المحرّمات وأفضى بهم ذلك الى الكفر وكان ذلك كله بسبب الخمر ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر أمّ الخبائث وكان فيهم الحارث وهو اسم ابليس فى الابتداء وقيل كان اسمه عزازيل فاعتزل هو وألف نفس معه عنهم واجتمعوا فى موضع يعبدون الله وكثر فساد أولئك حتى شكت الارض الى الله منهم وسألت اهلاكهم فقال الله أنا حليم ولا أعاحلهم بالعقوبة حتى ألزمهم الحجة وانما يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت والله تعالى يمهل ولا يهمل واذا أخذ فأخذه شديد وأمر الله تعالى عزازيل أن يرسل اليهم واحدا منهم ممن معه يدعوهم الى الايمان وترك العصيان فأرسل اليهم سهلوت بن بلاهت فأتاهم والى الاسلام دعاهم فغصوه وقتلوه فلم يزل يرسل واحدا بعد واحد من الالف وهم يقتلون حتى أرسل آخرهم وهو يوسف بن ياسف فقاسى منهم الشدّة فى طويل مدّة يدعوهم ويؤذونه ويداريهم ويخوّفونه حتى أغلواد هنا فى مرجل وألقوه فيه حتى هلك ولم يسلم أحد منهم ثم شكت الارض الى ربها وقالت نال عنادهم النهاية وبلغوا الغاية فاستحقوا العقاب واستوجبوا الاذهاب فبعث الله تعالى كردوسا من الملائكة بيد كل واحد منهم سيف أو حربة وكان يخرج من أفواههم النيران وأمّر عليهم الحارث فجاؤهم وقاتلوهم وكان الجنّ أولى قوّة وبأس شديد فقاتلوهم واشتدّ الحرب والطعن والضرب بينهم ثم ظفر الملائكة بهم وهزموهم الى المغرب وأرسل الله تعالى نارا فأحرقتهم وريحا فأذرتهم والى البحار فألقتهم هذا جزاء الكفر والكفران وعاقبة الذنب والطغيان* وفى معالم التنزيل ان الله خلق السموات والارض وخلق الملائكة والجنّ فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن فى الارض ويقال لهم بنو الجان فعبدوا الله دهرا طويلا فى الارض* وفى بحر العلوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 أيضا مضى ابليس وجنده فى طاعة الله وعبادته ثلثمائة سنة انتهى ثم ظهر فيهم الحسد والبغى فأفسدوا واقتتلوا فبعث الله جندا من الملائكة يقال لهم الجنّ وهم خزان الجنان اشتق لهم الاسم من الجنة رئيسهم ابليس وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعبرانية الحارث فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل له ابليس لانه أبلس من رحمة الله وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علما فهبطوا الى الارض وطردوا الجنّ الى شعوب الجبال وجزائر البحور وسكنوا الارض وخفف الله عنهم العبادة وأعطى ابليس ملك الارض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة فى الارض وتارة فى السماء وتارة فى الجنة فداخله العجب وقال فى نفسه ما أعطانى الله هذا الملك الالأنى أكرم الملائكة عليه فقال له ولجنده انى جاعل فى الارض خليفة وستجىء تتمته ان شاء الله تعالى* (ذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة) * ذكر الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالته الكشف عن مجاوزة هذه الامّة الالف أحاديث تدل على كمية مدّة الدنيا ومدّة هذه الامّة وهى هذه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة قال الله تعالى وانّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون وعن الضحاك بن رمل الجهنى أنه رأى فى الرؤيا منبرا فيه سبع درجات ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أعلاها فقصها عليه فقال صلّى الله عليه وسلم أما المنبر الذى رأيت فيه سبع درجات وأنا فى أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا فى آخرها ألفا أخرجه البيهقى فى الدلائل وأورده السهيلى فى الروض الانف وقال هذا الحديث وان كان ضعيف الاسناد فقد روى موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه قال الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى آخرها وصحح أبو جعفر الطبرى هذا الاصل وعضده بآثار وقوله فى هذا الحديث أنا فى آخرها ألفا أى معظم المسئلة فى الالف السابعة ليطابق ما سيأتى من أنه بعث فى أواخر الالف السادسة ولو كان بعث فى أوّل الالف السابعة كانت الاشراط الكبرى كالدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وجدت قبل اليوم بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الالف ولم يوجد شئ من ذلك فدل على أن الباقى من الالف السابعة أكثر من ثلثمائة سنة* وقال ابن أبى حاتم فى التفسير عن ابن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى منها ستة آلاف ومائة سنة وليأتين عليها مئين سنين وليس عليها موحد* وقال ابن أبى الدنيا فى كتاب ذمّ الامل حدّثنا علىّ بن سعيد حدّثنا ضمرة بن هشام قال قال سعيد بن جبير انما الدنيا جمعة من جمع الآخرة وقال عبد بن حميد فى تفسيره حدّثنا محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال ان الله تعالى خلق السموات والارض فى ستة أيام وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون وجعل أجل الدنيا ستة أيام وجعل الساعة فى اليوم السابع فقد مضت الستة أيام وأنتم فى اليوم السابع* وعن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون ان مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة انما نعذب بكل ألف من أيام الدنيا يوما واحدا فى النار وانما هى سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة الى قوله هم فيها خالدون أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمّتى ثم ماتوا عليها فهم فى الباب الاوّل من جهنم لا تسوّد وجوههم ولا تزرق أعينهم ولا يغلون بالاغلال ولا يقرّنون مع الشياطين ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون فى الأدراك منهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج وأطولهم مكثا فيها من يمكث فيها مثل الدنيا منذ خلقت الى يوم أفنيت وذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 سبعة آلاف سنة* دقيقة في اختصاص السبعة بأن تكون مدّة الدنيا قيل الحكمة فى اختصاص السبعة من بين الاعداد بأن تكون مدّة الدنيا هى انها عدد وترها شفع وشفعها وتر ومجموع عدد وترها وشفعها مثل نفسها كما يقال واحد وثلاثة وخمسة وسبعة وهى عدد وترها وهى شفع ويقال أيضا اثنان وأربعة وستة وهى عدد شفعها وهى وتر واذا جمع أجزاء الوتر والشفع يكون سبعة وليس فى الاعداد مثله الا أن يكون مضاعفا كمية مثل سبعين وسبعمائة وسبعة آلاف ولهذا الشرف كان عدد الافلاك والكواكب السيارة وطبقات الارض والاقاليم والبحار وأيام الاسبوع ومدّة الدنيا سبعة آلاف سنة والطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة ورمى الجمار وأبواب جهنم ودركاتها وامتحان يوسف فى السجن ورؤيا ملك مصر سبع بقرات والفاتحة سبع آيات وتركيب ابن آدم سبعة أعضاء وخلقته من سبعة أشياء قال تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الى قوله فتبارك الله أحسن الخالقين ورزق الانسان وغذاؤه من سبعة أشياء قوله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه الى قوله وفاكهة وأبا وأمرنا بالسجود على سبعة أعضاء الى غير ذلك قال وهب كادت الاشياء أن تكون سبعا كذا فى عرائس الثعلبى* وعن عبد الله ابن عمرو بن العاصى أنه قال ما كان منذ كانت الدنيا رأس مائة سنة الا كان عند رأس المائة أمر فاذا كان رأس مائة خرج الدجال ونزل عيسى ابن مريم فيقتله ويمكث الناس بعد الدجال أربعين سنة تعمر الاسواق وتغرس النخل أخرجه الطبرانى عن أبى هريرة وأخرج أحمد فى مسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخرج الدجال فينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم يمكث عيسى فى الارض أربعين سنة اماما عادلا وحكما مقسطا وأخرج الحاكم فى المستدرك عن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بين أذنى الدجال أربعون ذراعا فذكر الحديث الى أن قال ينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم يمكث فى الارض أربعين سنة فيمتعون لا يموت أحد ولا يمرض أحد ويقول لغنمه ودوابه اذهبن فارعين وتمرّ الماشية بين الزرع لا تأكل سنبلة والحيات والعقارب لا تؤذى أحدا والسبع على أبواب الدور لا يؤذى أحدا ويأخذ الرجل المدّ من القمح فيبذر بلا حرث فيجىء منه سبعمائة مدّ فيمكثون فى ذلك الى أن يكسر سدّ يأجوج ومأجوج فيخرجون ويفسدون فيبعث الله دابة من الارض فتدخل آذانهم فيصبحون موتى أجمعين وتنتن الارض منهم ويتأذى الناس من نتنهم ويستغيثون الى الله فيبعث الله عز وجل ريحا يمانية غبراء تنسف رممهم وتقذف بها الى البحر لا يلبثون الا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها* وقال ابن أبى شيبة يبلغه الى عبد الله بن عمرو قال يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين سنة ومائة وأخرج أبو نعيم بن حماد عن كعب قال اذا انصرف عيسى ابن مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا كهيئة الهرج والغبار فاذا هى ريح قد بعثها الله لقبض أرواح المؤمنين فتلك آخر عصابة تقبض من المؤمنين ويبقى الناس بعدهم مائة عام لا يعرفون دينا ولا سنة يتهارجون تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن عمرو قال يرسل الله بعد يأجوج ومأجوج ريحا طيبة فتقبض روح عيسى وأصحابه وكل مؤمن على وجه الارض ويبقى بقايا الكفار وهم شرار الناس مائة سنة وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن عمرو قال لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كانت تعبد آباؤها عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى ابن مريم وبعد الدجال قال الشيخ جلال الدين السيوطى ان هذه الاحاديث والآثار تدل على أن مدّة هذه الامّة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة خمسمائة سنة فما هو المشهور على ألسنة الناس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا يمكث فى قبره ألف سنة باطل لا أصل له وذلك لانه ورد من طرق متعدّدة أن مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعث فى آخر الالف السادسة كما ذكر وأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الدجال يخرج على رأس مائة سنة وينزل عيسى فيقتله ثم يمكث فى الارض أربعين سنة فيمتعون الى آخر الحديث المذكور وورد أن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة وان بين النفختين أربعين سنة كما أخرجه البخارى ومسلم عن أبى هريرة وأخرجه أبو داود وابن مردويه عن أبى هريرة وأخرج ابن المبارك عن الحسن قال ما بين النفختين أربعون سنة الاولى يميت الله بها كل حىّ والاخرى يحيى الله بها كل ميت فهذه مائتا سنة ولا بدّ منها والباقى الآن من الالف مائة سنة وسنتان والى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذى خروجه قبل طلوع الشمس بسنتين ولا ظهر المهدى الذى ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الاشراط التى وقوعها قبل ظهور المهدى ولا بقى ما يمكن خروج الدجال من قرن لانه انما يخرج عند رأس مائة وقبل خروج الدجال مقدّمات تكون فى سنين كثيرة فأقل ما يجوز أن يكون خروجه على رأس الالف ان لم يتأخر الى مائة بعدها فكيف يتوهم أحد أن الساعة تقوم قبل تمام الالف هذا شىء غير ممكن بل ان اتفق خروج الدجال على رأس الالف وهو الذى أبداه بعض العلماء احتمالا مكثت الدنيا بعده أكثر من مائة سنة وهى المائتان المشار اليهما والباقى ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ولا يدرى كم هو وان تأخر الدجال عن رأس الالف الى مائة أخرى كانت المدّة أكثر ولا يمكن أن تكون المدّة ألفا وخمسمائة أصلا* قال الشيخ جلال الدين السيوطى رأيت فى كتاب العلل للامام أحمد بن حنبل أنه قال حدّثنا اسماعيل بن عبد الكريم بن معقل عن منبه حدّثنا عبد الصمد أنه سمع وهبا يقول قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة انى لأعرف كل زمن منها ومن كان فيه من الملوك والانبياء وهذا يدل على أن مدّة هذه الامّة تزيد بنحو أربعمائة سنة تقريبا* (ذكر ابتداء خلق آدم) * قال فى معالم التنزيل لما أراد الله أن يخلق آدم قال لابليس وجنده انى جاعل فى الارض خليفة أى بدلا منكم ورافعكم الىّ فكرهوا ذلك لانهم كانوا أهون الملائكة عبادة والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه خليفة لانه خلف الجنّ أى جاء بعدهم والصحيح أنه خليفة الله فى أرضه لاقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك قال انى أعلم ما لا تعلمون* قال النسفى فى بحر العلوم عن وهب بن منبه لما أراه الله أن يخلق آدم أوحى الى الارض انى جاعل منك فى الارض خليفة فمنهم من يطيعنى ومنهم من يعصينى فمن أطاعنى أدخلته الجنة ومن عصانى أدخلته النار فقالت الارض منى تخلق خلقا يكون للنار قال نعم فبكت الارض فانفجرت منها العيون الى يوم القيامة* قال وهب بعث الله اليها جبريل ليأتيه منها بقبضة من زواياها الاربع من أسودها وأحمرها وطيبها وخبيثها وسهلها وحزنها فلما أتاها جبريل ليقبض منها قالت الارض انى أعوذ بعزة الله الذى أرسلك الىّ من أن تأخذ منى شيئا يكون منه نصيب للنار غدا فرجع جبريل الى مكانه ولم يأخذ من الارض شيئا فقال يا رب استعاذت بك الارض منى فكرهت أن أقدم عليها فقال الله تعالى لميكائيل انطلق فأتنى بقبضة منها من زواياها الاربع من أسودها وأحمرها وسهلها وحزنها وطيبها وخبيثها فلما انتهى اليها ميكائيل ليقبض منها قالت الارض له كما قالت لجبريل فرجع ميكائيل فقال كما قال جبريل فقال الله لاسرافيل كما قال لهما فانطلق ورجع وقال مثل ما قالاه من العذر ثم قال لملك الموت انطلق فأتنى بقبضة من الارض كالاوّل فلما أتاها ملك الموت قالت أعوذ بعزة الله الذى أرسلك الىّ من أن تقبض منى قبضة يكون للنار فيها نصيب غدا فقال ملك الموت وأنا أعوذ بعزته أن أعصى له أمرا فقبض منها قبضة من زواياها الاربع من أديمها الاربع* وفى الحديث ان الله خلق آدم من قبضة قبضها عزرائيل من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الارض منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الاحمر والابيض والاسود والاصفر وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب كذا فى المصابيح* وفى الوفا بعث الله عزرائيل فقبض منها قبضة وكان ابليس قد وطئ الارض بقدميه فصار بعض الارض بين قدميه وبعض الارض موضع أقدامه فخلقت النفس مما مس قدم ابليس فصارت مأوى الشرّ ومن التربة التى لم يصل اليها قدم ابليس أصل الانبياء والاولياء* قال فى العوارف فكانت درّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع نظر الله تعالى من قبضة عزرائيل لم يمسها قدم ابليس وقيل لما خاطب الله تعالى السموات والارض بقوله ائتيا طوعا أوكرها الآية أجاب من الارض موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها* وعن ابن عباس أصل طينة النبىّ صلّى الله عليه وسلم من سرّة الارض بمكة يعنى الكعبة وهو مشعر بأن ما أجاب من الارض درّته صلّى الله عليه وسلم ومن الكعبة دحيت الارض فصار النبىّ صلّى الله عليه وسلم هو الاصل فى التكوين* وقال فى العوارف عقبه وتربة الشخص مدفنه فكان مقتضى ذلك أن يكون مدفنه هناك لكن قيل لما تموّج الماء رمى الزبد الى النواحى فوقعت جوهرة النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى ما يحاذى تربته الشريفة بالمدينة فكان مكيا مدنيا فلمكة الفضل بالبداية وللمدينة بالاستقرار والنهاية انتهى قال فصعد عزرائيل بالقبضة الى السماء فأمره فجعلها طينا أربعين سنة حتى صار لازبا ثم حمأ مسنونا أربعين سنة ثم تركه حتى يبس وصار صلصالا أربعين سنة فجعله جسدا موضوعا على طريق مكة للملائكة الذين يصعدون من الارض الى السماء أربعين سنة فكلما مرّ عليه ملأ عجبوا من حسن صورته ولم يكونوا رأوا قبل ذلك على صورة آدم شيئا من الصور حتى مرّ به ابليس فقال الشىء مّا خلق الله هذا أجوف يأكل الطعام فقال لاصحابه انى لأرى صورة مخلوق سيكون له شأن أرأيتم هذا الذى لم تروا على صورته شيئا من الخلق ان فضل الله عليكم هذا ماذا أنتم صانعون قالوا نطيع ربنا ولا نعصى له أمرا فقال ابليس فى نفسه لئن فضل علىّ لا أطيعه ولئن فضلت عليه لأهلكنه هذا ما فى بحر العلوم* وفى المشكاة عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما صوّر الله آدم فى الجنة تركه ما شاء الله أن يترك فجعل ابليس يطوف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك رواه مسلم وعن ابن عباس أن ابليس مرّ على جسد آدم وهو ملقى بين الكعبة والطائف أى بوادى نعمان لا روح فيه فقال لامر ما خلق الله هذا ثم دخل من فيه وخرج من دبره وقال انه خلق لا يتمالك لانه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه أرأيتم ان فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون قالوا نطيع أمر ربنا قال ابليس فى نفسه والله لو سلطت عليه لاهلكنه ولئن سلط علىّ لأعصينه كذا فى معالم التنزيل* وقال محيى السنة أرى هذا الحديث مشكلا جدّا أى بين حديثى أنس تناف فقد ثبت بالكتاب والسنة أن آدم خلق من أجزاء الارض فدل على أنه أدخل الجنة وهو بشر حىّ وقال القاضى الاخبار متظاهرة على أن الله خلق آدم من تراب قبض من وجه الارض وخمر حتى صار طينا ثم تركه حتى صار صلصالا وكان ملقى بين مكة والطائف ببطن نعمان لكن لا ينافى ذلك تصويره فى الجنة لجواز أن تكون طينته لما خمرت فى الارض وتركت فيها حتى مضت عليها الاطوار واستعدّت لقبول الصورة الانسانية حملت الى الجنة فصوّرت ونفخ فيها الروح كذا ذكره الطيبى فى شرح المشكاة وكذا فى شرح المشارق* وقال وهب روى أن الله تعالى قال لعزرائيل أنت تصلح لقبض أولاده وسماه ملك الموت وسلطه على ذلك وكما جعله لقبض التراب الذى بدأ به خلقهم جعله لقبض أرواحهم وختم به عمرهم كذا فى بحر العلوم* روى أن عزرائيل لما قبض تلك القبضة من التراب خلط بعضها ببعض وجمعها بين مكة والطائف فطرت عليها قزعة أربعين سنة من بحر الاحزان وهو بحر تحت العرش يقال له بحر الاحزان ولذا قيل لا يمرّ على بنى آدم يوم بلا حزن* وفى بهجة النفوس فطرت عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الحزن تسعا وثلاثين سنة ثم مطرت عليها السرور سنة واحدة* وفى العرائس كان آدم جسدا ملقى على باب الجنة أربعين سنة وكان يمطر عليه الحزن ثم مطر عليه سنة واحدة السرور فلذلك كثرت الغموم فى أولاده وتصير عاقبتهم الى الفرح والراحة وفى هذا قيل أىّ شئ يكون أعجب من ذا ... لو تفكرت فى صروف الزمان حادثات السرور توزن وزنا ... والبلايا تكال بالقفزان وكان الله عز وجل يخمر طينته بيد القدرة من غير مشاركة الغير فجعل فى جبلته وطبيعته ما أراد وعن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله آدم يوم الجمعة من كل تربة من البلاد رأسه من بيت المقدس وصدره من العراق ومقعده من بابل ويده اليمنى من البيت العتيق ويده اليسرى من فارس ورجليه وقدميه من أرض الهند وأرض يأجوج ومأجوج فلذلك اختلفت ألوان بنى آدم وفى رواية ابن عباس فرجه من بابل ويديه من أرض الكعبة ورجليه من أرض الهند وكليتيه من أرض الصحراء وعظامه من الجبال وأمعاءه من الجزائر وكبده من أرض الموصل وطحاله من أرض الحجاز وفخذيه من أرض اليمن وبطنة من أرض الطائف وظهره من أرض الشام ووجهه من أرض الجنة وعينيه من أرض الكوثر وقلبه من نور العرش كذا فى بحر العلوم* وكان فى الاوّل ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث ما شاء الله فصار حمأ أى طينا تغير واسودّ من طول مجاورة الماء مسنونا منتنا فخلص فصار سلالة فصوّر فيبس فصار صلصالا أى طينا يابسا غير مطبوخ يصلصل أى يصوّت اذا نقر ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سوّاه ونفخ فيه من روحه كذا فى المدارك وأنوار التنزيل* غريبة من الفتوحات وفى الفتوحات المكية ان الله تعالى لما خلق آدم عليه الصلاة والسلام الذى هو أوّل جسم انسانى تكوّن وجعله أصلا لوجود الاجسام الانسانية فضلت من خمير طينته فضلة خلق منها النخلة فهى أخت لآدم عليه السلام وهى لناعمة وسماها الشرع لناعمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من الطينة بعد خلق النخلة قدر السمسمة فى الخلفاء فمدّ الله من تلك الفضلة أرضا واسعة الفضاء اذا جعل العرش وما حواه والكرسى والسموات والارضون وما تحت الثرى والجنات كلها والنار فى هذه الارض كان الجميع فيها كحلقة ملقاة فى فلاة من الارض وفيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره وفى كل نفس يخلق الله فيها عوالم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وفى هذه الارض ظهرت عظمة الله وعظمت عند المشاهد لها قدرته وكثير من المجالات العقلية التى قام الدليل الصحيح العقلى على احالتها موجود فى هذه الارض وهى مسرح عيون العارفين العلماء بالله تعالى وفيها يجولون وخلق الله من جملة عوالمها عالما على صورنا اذا أبصرهم العارف يشاهد نفسه فيهم وقد أشار الى مثل ذلك عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فيما روى عنه فى حديث هذه الكعبة بيت واحد من أربعة عشر بيتا وان فى كل أرض من السبع الارضين خلقا مثلنا حتى ان فيهم ابن عباس مثلى وصدقت هذه الرواية عند أهل الكشف* (ذكر الروح) * قال فى أنوار التنزيل ويسئلونك عن الروح أى الذى يحيى به بدن الانسان ويدبره قل الروح من أمر ربى أى من الابداعيات الكائنة بكن من غير مادّة وتولد من غير أصل كأعضاء جسده اذا وجد وجدت بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه وقيل مما استأثر الله تعالى بعلمه لما روى أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح فان أجاب عنها أو سبكت فليس بنبىّ وان أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبىّ فسألوه فبين لهم القصتين وأبهم لهم أمر الروح وهو مبهم فى التوراة وقيل جبريل وقيل خلق أعظم من الملك وقيل القرآن ومن أمر ربى معناه من وجيه* وفى المواهب اللدنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 قد اختلف فى المراد بالروح فى قوله ويسئلونك عن الروح والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والاخلاط وتركيبها فهى جوهر بسيط مجرّد لا يحدث الا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكان قال هى موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير فى افادة حياة الجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه* قال فى فتح البارى قد تنطع قوم وتباينت أقوالهم فقيل هى النفس الداخل الخارج وقيل جسم لطيف يحل فى جميع البدن وقيل هى الدم وقد بلغت الاقوال فيها المائة ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبىّ خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة وقال ابن العربى اختلفوا فى الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد* وعن وهب روى أنه لما تم تخمير طينة آدم وعدّلت أجزاؤه وسوّيت أعضاؤه أراد الله أن ينفخ فيه الروح فأمرها أن تدخل فيه فقالت الروح مدخل بعيد القعر مظلم فقال له ادخل ثانيا فقال كذلك فقال له ثالثا فقال كذلك فقال له رابعا ادخل كرها واخرج كرهأ كذا فى بحر العلوم* روى أن الروح أدخلت فى جسد آدم الفخارى من قبل رأسه فكل عضو تحل فيه الروح حلولا سريانيا يصير لحما ودما ولما بلغت دماغه عطس فانتشرت فيه فنزلت لسانه وصدره فألهمه الله قوله الحمد لله فقال الله يرحمك ربك يا آدم* قال جعفر بن محمد مكثت الروح فى رأس آدم مائة عام وفى صدره مائة عام وفى ساقيه وقدميه مائة عام كذا فى المواهب اللدنية* وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما بلغت الروح صدره ولم تتمكن فيه بعد أراد أن يقوم وفى رواية لما دخلت الروح فى عينيه نظر الى ثمار الجنة ولما وصلت جوفه اشتهى الطعام فأراد أن يقوم الى ثمار الجنة قبل أن تبلغ رجليه وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل وهذه الرواية تشعر بأن خلق آدم كان فى الجنة وقيل خلقه الله فى آخر النهار يوم الجمعة فأسرع فى خلقه قبل مغيب الشمس قال يا رب عجل خلقى قبل الليل فذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل* وفى المدارك وغيره العجل الطين بلغة حمير قال الشاعر فى الصخرة الصماء منبته ... والنخل تنبت بين الماء والعجل وفى بهجة الانوار دخلت الروح فى آدم من رجليه ويقال من دماغه فلما دخلت استدارت فيه مقدار مائتى عام ثم نزلت فى عينيه قيل الحكمة فيه ارادة الله تعالى أن ينظر آدم الى بدء خلقه وأصله حتى اذا تتابعت عليه الكرامات لا يدخله الزهو والعجب ثم نزلت الروح خياشيمه فعطس فقبل فراغ العطاس نزلت الى فمه ولسانه ولقنه بالحمد لله وذلك أوّل ما جرى على لسانه فأجابه ربه يرحمك الله يا آدم ثم نزلت الى صدره وشراسيفه فعجل بالقيام فلم يتمكن وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل فلما وصلت الى جوفه اشتهى الطعام فهو أوّل حرص دخل فى جسد آدم ثم انتشر الروح فى جسده كله فصار لحما ودما وعروقا وعصبا ثم كساه لباسا من ظفر يزداد كل يوم حسنا فلما قارف الذنب بدّل هذا الظفر وبقيت منه بقية فى أنامله ليتذكر بذلك أوّل حاله ولذلك اذا ضحك الانسان فنظر الى ظفره نسى الضحك فلما أتم الله خلق آدم ونفخ فيه الروح قرطقه وشنفه وسوّره وألبسه من لباس الجنة وزينه بأنواع الزينة فخرج من ثناياه نور كشعاع الشمس ونور محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جسده كالقمر ليلة البدر ثم رفعه على سرير وحمله على أكناف الملائكة وأدخله الجنة كما سيجىء* وفى بحر العلوم فلما نفخ الروح فى آدم صار فى رأسه وعينيه وأذنيه ولسانه ثم صار فى جسده كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذا فرجع ليخرج من منخريه فعطس فقال له ربه قل الحمد لله رب العالمين فقالها آدم فقال يرحمك الله ولذلك خلقتك فلما انتهى الى ركبتيه أراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغت قدميه وثب فقال الله تعالى وكان الانسان عجولا فصار بشرا ودما وعظما وعروقا وعصبا واحشاء* (ذكر عيسى ومريم ويحيى) يقال ان الله تعالى خلق من نفسين نفسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 من عطسة آدم عيسى ومن عطسة الاسد الهرّة روى أن آدم لما عطس أمر الله جبريل بأن يأخذها وفى رواية بكر بن قيس بفيه وأمره بحفظها الى زمان مريم حتى نفخ فيها فحملت بعيسى كذا فى بحر العلوم* وقصتها أنها لما حاضت اعتزلت مكانا شرقيا فى بيت المقدس أو شرقى دارها ولذلك اتخذ النصارى المشرق قبلة فاتخذت من دونهم حجابا وسترا وقعدت فى مشرقه للاغتسال من الحيض محجبة بشئ يسترها وكانت تتحوّل من المسجد الى بيت خالتها أو أختها اذا حاضت وتعود اليه اذا طهرت فبينما هى فى مغتسلها أتاها جبريل فى صورة شاب أمرد وضىء الوجه جعد الشعر سوىّ الخلق لتستأنس بكلامه ولعله لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها الى رحمها فدنا جبريل فنفخ فى جيب درعها فدخلت النفخة فى حوفها كذا فى أنوار التنزيل* قيل فى قوله لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها الى رحمها نظر* وفى المدارك فوصلت النفخة الى بطنها فحملت بعيسى وكانت مدّة حملها ستة أشهر وقيل تسعة أشهر كسائر النساء وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره وقيل كان الحمل ساعة واحدة فكما حملته نبذته قاله ابن عباس وقيل حملته فى ساعة وصوّر فى ساعة ووضعته فى ساعة* وفى لباب التأويل وضعته حين زالت الشمس من يومها انتهى وكان سنّ مريم حينئذ ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين وقيل عشرين سنة كذا فى أنوار التنزيل والمدارك وغيرهما* وفى الباب التأويل كان سنها ست عشرة سنة وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى* وفى معالم التنزيل قال أهل التاريخ حملت بعيسى وهى بنت ثلاث عشرة سنة وولدته ببيت لحم من الارض المقدّسة لمضىّ خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل وتكلم فى المهد وهو ابن أربعين يوما وليلة روى أنه اشار بسبابته وقال بصوت رفيع انى عبد الله كذا فى المدارك وفى الحديث لم يتكلّم فى المهد الا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج والصبىّ الذى رأت أمّه راكب دابة فارهة حسن الهيئة فقالت اللهم اجعل ابنى مثله فسمع الصبىّ وهو يرتضع فترك الثدى وقال اللهم لا تجعلنى مثله ورأت جارية وهم يضربونها ويقولون لها زنيت سرقت وهى تقول حسبى الله ونعم الوكيل فقالت أم الصبىّ اللهم لا تجعل ابنى مثلها فترك الصبى الرضاع وقال اللهم اجعلنى مثلها* وجاء فى الخبر أيضا شاهد يوسف والذى فى قصة أصحاب الاخدود أن صبيا يرتضع قال لامّه حين امتنعت عن النار يا أمّه اصبرى فانّك على الحق فالحصر الذى وقع فى الحديث فى الثلاثة الاول اما لصحة تكلمهم فى المهد وعدم الاختلاف فيهم ووجوده فيمن عداهم فقيل انهم كانوا كبارا بلغوا حدّ الكلام واما لان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم كان أخبر بما فى علمه مما أوحى الله اليه فى تلك الحالة ثم بعد ذلك أعلمه الله بما شاء من ذلك فأخبر به كذا فى شرح المشارق* وفى أنوار التنزيل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم تكلم أربعة صغار ابن ماشطة بنت فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم روى أن فرعون لما أمر بقتل ابن الماشطة وجزعت أمّه أنطقه الله تعالى فقال يا أمّه لا تجزعى وانظرى فوقك فنظرت فرأت الجنة فاطمأنت وأوحى الله تعالى الى عيسى ابن مريم عليه السلام على رأس ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى الملل والنحل للشهرستانى عيسى ابن مريم هو المبعوث حقا بعد موسى عليه السلام المبشر فى التوراة وكانت له آيات ظاهرة وبينات زاهرة مثل احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ونفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه وذلك حصوله من غير نطفة سابقة ونطقه من غير تعليم سالف وجميع الانبياء بلاغهم ووحيهم بعد أربعين سنة وقد أوحى الله اليه انطاقا فى المهد وأوحى اليه ابلاغا عند الثلاثين وكانت مدّة دعوته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام فلما رفع الى السماء اختلف الحواريون وغيرهم فيه* وفى المدارك عن بعض العلماء أنه مرّ بالروم فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 لهم لم تعبدون عيسى قالوا لانه لا أب له قال فآدم أولى لانه لا أبوين له قالوا كان يحيى الموتى قال فحزقيل أولى لان عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل أحيا ثمانية آلاف فقالوا كان يبرئ الاكمه والابرص قال فجر جيس أولى لانه طبخ وأحرق ثم قام سالما* وفى المدارك قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ينزل عيسى خليفة على أمّتى يدق الصليب ويقتل الخنزير ويلبث أربعين سنة ويتزوّج ويولد له ثم يتوفى وكيف تهلك أمّة وأنا فى أوّلها وعيسى فى آخرها والمهدى من أهل بيتى فى وسطها روى أنه قدم جذام وهم أهل مدين فقال النبىّ صلّى الله عليه سلم مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى لا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له* وفى ربيع الابرار عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا أهبط الله عيسى من السماء فانّه يعيش فى هذه الامّة ما شاء الله ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن الى جانب قبر عمر فطوبى لابى بكر وعمر فانهما يحشران بين نبيين كما سيجىء وعاشت أمّه مريم بعد رفعه ست سنين كذا فى معالم التنزيل* وفى أنوار التنزيل والمدارك فى نسب عيسى ابن مريم بنت عمران بن ماثان بن سليمان ابن داود بن ايشا من نسل يهوذا بن يعقوب ويحيى بن زكرياء أمّه سارة بنت عمران أخت مريم فعيسى ويحيى ابنا خالة وأما عمران أبو موسى وهارون فهو عمران بن يصهر بن فاهث بن عارى بن لاوى بن كعب بن يعقوب كذا فى كتاب الاعلام وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة وقيل كانت مريم من نسل هارون النبىّ أخى موسى عليهما السلام وبينهما ألف سنة وأمّ مريم حنة بنت فاقود امرأة عمران بن ماثان ولما ولدتها لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الاحبار ابناء هارون وهم فى بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم وكان بنو ماثان رؤس بنى اسرائيل وأحبارهم فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندى أختها قالوا لا حتى نقترع فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر فألقوا فيه أقلامهم وهى الاقلام التى كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبرّ كابها فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فكفلها زكرياء ولما رأى من حال مريم فى كرامتها على الله ومنزلتها عنده رغب أن يكون له من ايشاع أخت مريم ولد مثلها فى الكرامة على الله وان كانت عاقرا فقد كانت أمّ مريم كذلك وكان زكرياء حينئذ ابن خمس وسبعين سنة أو ثمانين سنة وفى رواية كان له تسع وتسعون سنة فبشره الله بيحيى مصدّقا بكلمة من الله أى بعيسى مؤمنا به فهو أوّل من آمن بعيسى وذلك لان أمّه كانت حاملا وقد حملت مريم بعيسى فقالت لها أمّ يحيى يا مريم أحامل أنت فقالت كيف تقولين ذلك قالت انى أرى ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك فذلك تصديقه له وايمانه به وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر وذلك أن مولد يحيى كان قبل مولد عيسى بستة أشهر ثم قتل يحيى قبل أن يرفع عيسى عليه السلام كذا فى عرائس الثعلبى وستجىء قصة يحيى عليه السلام ولم يرتكب يحيى سيئة قط وآتاه الله الحكم صبيا وهو فهم التوراة والفقه فى الدين وقبل النبوّة أحكم الله عقله فى صباه واستنبأه روى أن الصبيان دعوه الى اللعب وهو صبىّ فقال ما للعب خلقنا* وهذه القصة وقعت فى البين وفصلت اتصال الكلامين فلنرجع الى ما كنا فيه* يقال سمى آدم لانه خلق من أديم الارض ووجهها لان فى لونه أدمة وهى لون البرّ وقيل لان طينته مخلوقة من الماء والتراب من أدمت بين الشيئين اذا خلطتهما هذا على تقدير كونه عربيا كاشتقاق يعقوب من العقب وادريس من الدرس وابليس من الابلاس وأما على تقدير كونه أعجميا وهو الاقرب كآزر وشالخ بدليل منع الصرف فلا اشتقاق* وفى بحر العلوم للنسفى ان الكلبى ذكر عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم لما هبط الى جبل الهند كان رأسه يمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع وهو المشهور بين المؤرّخين وقالوا كان آدم يصعد الجبل فيسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تسبيح الملائكة فقصره الله تعالى حتى بلغ ستين ذراعا وهو مخالف لما رواه أبو هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا كذا فى حياة الحيوان* وزاد فى المشكاة فى سبعة أذرع عرضا وفى الصحيحين فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن كذا فى المشارق واختلف فى أن المراد ذراع آدم أو الذراع المتعارف بين الناس الآن* وفى حياة الحيوان فى قوله صلّى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته قال القاضى أبو بكر بن العربى المالكى العلامة يعنى على صفاته وليس لله خلق أحسن من الانسان فان الله عز وجل خلقه حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما وهذه صفات الرب تعالى وعن أبى أمامة أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنبيا كان آدم قال نعم قال كم بينه وبين نوح قال عشرة قرون صححه ابن حبان* وفى العمدة القرن مائة سنة لما روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وضع يده على رأس غلام وقال سيعيش هذا الغلام قرنا فقيل كم القرن قال مائة سنة فعاش مائة سنة وقيل القرن ثمانون سنة وقيل أربعون سنة* وفى المواهب اللدنية اختلفوا فى تحديد القرن كم مدّة من الزمان من عشرة أعوام الى مائة وعشرين لكن لم أر من صرّح بالتسعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل* وقال صاحب المحكم القرن هو المتوسط من أعمار أهل كل زمن وهذا أعدل الاقوال روى ان آدم لم يكن له لحية وانما كانت لبنيه وأوّل من شاب منهم ابراهيم عليه السلام وسيجىء كما ورد فى صفة أهل الجنة جرد مرد على صورة آدم عليه السلام وروى فى بعض الاخبار أن آدم لما كثر بكاؤه على فراق الجنة نبتت لحيته والاصح هو الاوّل كذا فى المتقى* نفيسة وفى الخبر سيد الصور صورة آدم عليه السلام وسيد الملائكة اسرافيل وسيد الانبياء محمد صلّى الله عليه وسلم وسيد الشهداء هابيل وسيد المؤذنين بلال وسيد الشهور رمضان وسيد الايام يوم الجمعة وسيد الليالى ليلة القدر وسيد المساجد المسجد الحرام وسيد البيوت الكعبة وسيد الجبال جبل موسى وسيد الانعام الثور وسيد الطيور النسر وسيد الوحوش الابل وسيد السباع الاسد كذا فى بحر العلوم* وفيه قال ابن عباس لما قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها الآية أراد الله أن يظهر فضل آدم عليه السلام فعلمه وأظهر فضله عليهم بعلمه ما لا يعلمونه ثم اختلف فى وجه تعليمه فقيل انه أرسل اليه ملكا من غير هؤلاء وأوحى اليه بذكر أسماء المخلوقات فسمعها وحفظها وقيل ألهمه فوقع فى قلبه فجرى لسانه بما فى قلبه بتسمية الاشياء من عنده* واختلف أيضا فى أنه جرى لسانه بتسميتها بلسان واحد أم بالالسنة كلها فقيل بلسان واحد ثم كل فريق تواضعوا على غير ذلك من الالسنة وقيل بالالسنة كلها التى يتكلم بها جميع الناس الى يوم القيامة* وعلم ذلك كله أولاده فلما تفرّقوا تكلم كل قوم منهم بلسان استسهلوه منها وألفوه ثم أنسوا غيره بعد تطاول الزمان وقيل أصبحوا وكل قوم منهم يتكلمون بلغة قد نسوا غيرها فى ليلة واحدة واختلفوا فى أنه كان تعليم الاسماء وحدها أو تعليمها بمعانيها ان هذا اسمه كذا ويستعمل فى كذا ونفعه كذا وضرّه كذا قال الربيع بن أنس وأبو العالية علمه أسماء الملائكة جبرائيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وكذا كل ملك* وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذرّيته من وقت آدم الى انقراض العالم وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك علمه اسم كل شىء حتى القصعة والقصيعة والمغرفة وقال ابن عباس فى رواية علمه اسم كل عين وكل فعل* وقال مقاتل خلق كل شئ من الحيوان والجماد وغيرهما ثم علم آدم أسماءها فقال له يا آدم هذا فرس وهذا بغل وهذا حمار حتى أتى الى آخرها وقال سعيد بن جبير اسم كل جنس البعير والبقرة والشاة ونحوها وقال أبو موسى الاشعرى علمه صنعة كل شىء وقال الضحاك عن ابن عباس علمه أسماء المدن وأسماء القرى وأسماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الطيور والشجر وأسماء ما كان وما يكون الى يوم القيامة وقيل أسماء المخلوقات كلها فى الارض وفى السماء من الحيوانات والجمادات والمطعومات والمشروبات وكل نعيم فى الجنة وقال عكرمة اسم الغراب والحمامة وقال حميد الشامى أسماء النجوم وقال الحسن البصرى علمه كل صنعة فعلمه صنعة الحديد الذى يعمل به فى الزرع عموما فحرث به وسقى حتى بلغ ثم حصده ثم داسه ثم ذرّاه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه* وقال الامام القشيرى عموم قوله الاسماء يقتضى الاستغراق واقتران قوله كلها يوجب الشمول والتحقيق فلما علمه أسماء المخلوقات كلها على ما قاله المفسرون علمه أسماء الحق لكى يظهر للملائكة محل تخصيصه بأسماء المخلوقات وبذلك القدر بان رجحانه عليهم وأما انفراده بأسمائه سبحانه وتعالى فذلك سرّ لا يطلع عليه ملك* ومن ليس له رتبة مساواة آدم فى معرفة أسماء المخلوقات فأى طمع له فى مساواته فى معرفة أسماء الحق ووقوفه على أسرار الغيب فاذا كان التخصيص بمعرفة أسماء المخلوقات يقتضى أن يصلح لسجود الملائكة فما الظنّ بالتخصيص بمعرفة أسماء الحق تعالى فى استحقاق مزيد الاعزاز والاكرام* ثم عرضهم على الملائكة أى عرض أصحاب الاسماء أى المسميات وهم الملائكة والناس والجنّ والشياطين وغيرهم فاجتمع فى ذلك من يعقل ومن لا يعقل فلذلك جمع بالهاء والميم تغليبا للعقلاء على غيرهم وهى قراءة العامّة وفى قراءة أبىّ ثم عرضها وهو يرجع الى الاسماء* قال قتادة لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام همست الملائكة فيما بينهم وقالت لله أن يخلق من الخلق ما يشاء ولكن لن يخلق خلقا أفضل وأعلم منا فأظهر الله تعالى عجزهم وعلم آدم الاسماء وأمر الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء أى أخبرونى بأسماء هؤلاء المسميات ان كنتم صادقين أنكم أعلم منه فلما عجزوا عن ذلك قالوا فى جوابه سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا قال وهب بن منيه ألهم الله آدم الاسماء فقال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فسمى كل أمّة باسمها من البهائم والبقاع والنبات وأمم البرّ على حدة وأمم البحر على حدة ثم فتح له السموات فسمى أهل كل سماء بأسمائهم فلما أنبأهم بذلك وعلموا فضله وعرفوا عجزهم قال الله لهم ألم أقل لكم انى أعلم غيب السموات والارض الآية ولما ظهر فضله عليهم بالعلم أمرهم بخدمته وهو قوله واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم* اختلف فى هذا فقيل هم ملائكة الارض الذين هم كانوا مع ابليس طهر الله بهم الارض ممن أفسد فيها من الجان وقيل هم ملائكة السموات السبع وقيل هم جميع الملائكة ولذا قال كلهم أجمعون وقيل انه خطاب للملائكة ولغير الملائكة من عالم زمانهم ليسجدوا له جميعا والملائكة لما كانوا أشرف العالم حينئذ كان من عداهم تبعا لهم ثم اختلفوا فى تفسير هذا السجود قيل هو استسخارهم لآدم وولده لان الله تعالى سخر الملائكة له ولهم فى انزال المطر عليهم وحفظ آثارهم وكتب أعمالهم والعروج بها الى السماء لان السجود فى اللغة الفتور والانكسار وقيل هو التواضع وقيل ان السجود المأمور به كان الايماء دون السجود المستوفى فى الصلاة كالذى يفعله الناس فى لقاء عظمائهم من الخضوع والتواضع لهم تشريفا وتعظيما وليس بسجود تامّ ونقل هذا عن أبىّ بن كعب وابن عباس حيث قالا كان ذلك انحناء ولم يكن خرورا وقيل وهو قول الاكثرين وهو الظاهر من السجود هو السجود المستوفى المأمور بمثله فى الصلاة وهو وضع الجبهة على الارض بدليل ما فى آية أخرى فقعوا له ساحدين فدل على أنه أراد به الانحناء التامّ بالخرور والسقوط على الارض واختلفوا أيضا فى أنه كان على الدوام أو مرّة فمن جعله للاستسخار فهو فيه وفى ولده الى قيام الساعة ومن جعله تواضعا له فهو له الى آخر عمره ومن جعله فعلا واحدا تحية له فهو مرّة واختلف أيضا فى قوله لآدم ان الفعل كيف كان فى حقه قيل معناه فعل أقيم له تعظيما له وتشريفا وبيانا لقدره وقيل هو عبادة أقيمت لله تعالى لانه كان بأمره وكان آدم قبلة لها وفيه بيان قدره وتخصيصه لانه أمر به تشريفا لشأنه وقيل كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الفعل تحية له لا عبادة له لانه لا عبادة الا لله تعالى وقال قتادة كان خدمة لله تعالى حرمة لآدم كصلاة الجنازة عبادة لله تعالى دعاء للميت وقيل معناه اسجدوا لاجل آدم أى شكرا لما خلق من خلق جديد وأصح ذلك كله أنه كان تحية لآدم على الخصوص ولو كان عبادة لله تعالى وآدم قبلة فى ذلك لما استكبر ابليس وانما كان تحية له وتعظيما له خاصة فلم ير له ابليس ذلك الاستحقاق فامتنع عنه واختلف أيضا فى أن الامر كان خطابا من الله للملائكة من غير واسطة أو كان بواسطة رسول من الله اليهم* واختلف فى أن هذا النوع من السجود الذى هو تحية وتعظيم لآدم هل كان مباحا لغير آدم بحال قيل ما كان مباحا لغيره كما لم يجب لغيره وقيل كان مباحا لغير آدم الى زمن يعقوب قال تعالى وخرّوا له سجدا وكان آخر من فعل له ذلك ثم نسخ وقيل بل بقى الى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى سجدت له الشجرة والجمل وقال له أصحابه نحن أحق بالسجود لك من هذه الاشياء فنعهم عن ذلك وقال لا ينبغى لمخلوق أن يسجد الا لله تعالى ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت الزوجة أن تسجد لزوجها* واختلف أيضا فى معنى الامر بذلك والحكمة فيه قيل هو لبيان فضيلة العلم واستحقاق العالم خدمة غيره له وقيل هو لبيان ضرر الطعن فى الغير وقيل هو لبيان استغنائه عن عبادتهم اياه وانكاره عليهم قولهم ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك فقال لهم لا حاجة لى الى عبادتكم فاخدموا عبدا من عبادى لم يعمل كثير عمل* قال وهب ابن منبه أوّل من سجد لآدم جبريل فأكرمه الله بانزال الوحى على النبيين خصوصا على سيد المرسلين ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة وقيل أوّل من سجد لآدم اسرافيل فرفع رأسه وقد ظهر القرآن كله مكتوبا على جبهته كرامة له على سبقته على الائتمار* وأما موضع السجود فقد قيل كان فى الارض وقيل كان فى السماء وأما الوقت فقد قيل كما نفخ فيه الروح سجدوا له لقوله تعالى فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين والفاء للتعقيب وقيل بل كان بعد انباء آدم للملائكة بالاسماء واظهار فضله عليهم وايجاب خدمتهم له بسبب العلم وظاهر نظم الآية فى سورة البقرة يدل عليه* وفى تفسير شفاء الصدور لابى بكر النقاش عن بعضهم أنه قال كان سجود الملائكة لآدم مرّتين مرّة كما خلق بدليل قوله فقعوا له ساجدين ومرّة بعد ظهور فضله عليهم بعد العلم بالاسماء بدليل ما فى سورة البقرة وهذا قول تفرّد به هذا القائل ولم يوافقه أحد من المفسرين وقالوا لم يكن ذلك الامرّة واحدة والاظهر هو السجود بعد الانباء بالاسماء فأما الفاء فقد تكون للتعقيب مع التراخى كما فى قوله تعالى فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما كان ذلك بعد مدّة وكذا قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه كان بعد مائتى سنة وأما مدّة السجود فقد قيل سجدوا فمكثوا فى سجودهم خمسمائة عام والسجود يتأدّى منا بالوضع وان قلّ وهذا التخفيف لاحد أمرين اما لضعفنا واما لعزنا قال الله تعالى خلق الانسان ضعيفا وقال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين فكأنه قال أنت ضعيف فلا أكلفك فوق طاقتك وأنت عزيز فلا أرضى مشقتك فلما رفعوا رؤسهم من السجود بعد خمسمائة سنة رأوا آدم أدخل الجنة فتعجبوا فسجدوا مرّة أخرى وهذه السجدة كانت لله فمكثوا فى سجودهم خمسمائة سنة أيضا فلما رفعوا رؤسهم ورأوا آدم قد أهبط الى الارض وتوفى ودفن فى لحده قالوا الهنا وسيدنا مات آدم مع عزه وكرامته فأجيبوا كل نفس ذائقة الموت ومن ذلك الوقت الى يومنا هذا قريب من سبعة آلاف سنة لم يرقأ لهم دمع* وفى ليلة المعراج وجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أهل السموات فى البكاء* قصة اباء ابليس وأما قصة اباء ابليس فلما أمر الله الملائكة بالسجود وسجدوا امتنع ابليس فلم يتوجه الى آدم بل أعرض عنه وولاه ظهره وانتصب هكذا الى أن سجدوا ووقفوا فى سجودهم مائة سنة وفى رواية خمسمائة سنة ورفعوا رؤسهم وهو قائم معرض لم يندم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 من الامتناع ولم يعزم على الاتباع ولما رأوه خذل ولم يسجد عادوا الى السجود ثانيا فكان هذا لله والاوّل لآدم وابليس يرى ذلك ولم يفعل ما فعلوه وهذا اباؤه* (ذكر أخذ الميثاق) * فى معالم التنزيل عن مقاتل وغيره من أهل التفسير لما خلق الله آدم مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذرّية بيضاء كهيئة الذرّ يتحرّكون ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرّية سوداء كهيئة الذرّ فقال يا آدم هؤلاء ذرّيتك ثم قال لهم ألست بربكم قالوا بلى فقال للبيض هؤلاء للجنة برحمتى وهم أصحاب اليمين وقال للسود هؤلاء للنار ولا أبالى وهم أصحاب الشمال ثم أعادهم جميعا فى صلبه وفى الحديث ردّها اليه الاروح عيسى فانه أمسكه الى وقت خلقه ذكره المقدسى فى تاج المعانى* وفى المشكاة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فجعل بين عينى كل انسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال أى رب من هؤلاء فقال ذرّيتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال أى رب من هذا قال داود قال كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب زده من عمرى أربعين سنة فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم أولم يبق من عمرى أربعون سنة قال أولم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت ذرّيته ونسى آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذرّيته وخطئ آدم فخطئت ذرّيته فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود رواه الترمذى* وفى المشكاة أيضا قال آدم أى رب فانى قد جعلت له من عمرى ستين سنة قال أنت وذاك ثم سكن آدم الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها وكان آدم يعدّ لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتب لى ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة* وفى عرائس الثعلبى قال يا رب كم عمره قال ستون سنة قال يا رب زده فى عمره قال لا الا أن تزيد أنت من عمرك فقد جف القلم بأعمار بنى آدم وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين سنة فكتب الله عليه كتابا بذلك وأشهد عليه الملائكة فلما مضى من عمره تسعمائة وستون سنة جاءه ملك الموت ليقبضه فقال آدم عجلت يا ملك الموت قال ما فعلت بك استوفيت أجلك فقال آدم قد بقى من عمرى أربعون سنة قال انك قد وهبتها لابنك داود قال ما بعت ولا وهبت له شيئا فأنزل الله الملائكة وأقام الملائكة شهودا ثم ان الله تعالى أكمل لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة* قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نسى آدم فنسيت ذرّيته وجحد آدم فجحدت ذرّيته فأمر الله تعالى بالكتاب والشهود من حينئذ وأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ عليه الميثاق* وفى بحر العلوم قوله مسح ظهر آدم بيده أى أمر به ملكا ففعل فخرجت ذرّيته كأمثال الذرّ حتى ملؤا العالم وهم كل مولود ولده ذكورهم واناثهم وأحرارهم وعبيدهم ومؤمنهم وكافرهم وأغنياؤهم وفقراؤهم وملوكهم ورعاياهم وعلماؤهم وعوامّهم ومن ولد ميتا ومن يموت طفلا ومن ينتهى الى الشيب ومن كان الى انقراض الدنيا فخرجوا كهيئة الذرّ وركب الله فيهم العقل والسمع والنطق وأخرج الطبقة الاولى عن يمين آدم وهم بيض يتلألؤن وقال هؤلاء أهل الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون وأخرج الثانية عن شمال آدم وقال هؤلاء أهل النار وبعمل أهل النار يعملون وهو تفسير للرواية الاخرى السابقة وهى هؤلاء للنار ولا أبالى وهؤلاء للجنة ولا أبالى* واختلفوا فى موضع أخذ الميثاق قال ابن عباس ببطن نعمان واد الى جنب عرفة وعنه بحراء وقال ابن جبير كان بنعمان السحاب وهو بقرب عرفات كذا فى بحر العلوم* وفى المشكاة بنعمان يعنى عرفة قال ابن الاثير نعمان بفتح النون* وفى معجم ما استعجم نعمان بفتح أوّله واسكان ثانيه وادى عرفة الى منى كثير الاراك* وفى شفاء الغرام موضع مشهور فوق عرفة على طريق الطائف من عرفة وفيه مزارع حسنة وفيه أخذ الله الميثاق على ذرّية آدم على ما قاله ابن عباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وروى ابن عباس أيضا بدهناء من أرض الهند وهو الموضع الذى هبط به آدم عليه السلام وقال الكلبى بين مكة والمدينة والطائف وقيل بعد ما عرج به الى السماء على سرير من ذهب على أكتاف الملائكة على باب الجنة فى صحراء أرضها مسيرة ثلاثين ألف سنة كذا فى بحر العلوم* وقال السدّى أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبط من السماء ثم مسح ظهره وأخرج منه ذرّيته* روى أن الله تعالى أخرجهم جميعا وصوّرهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون بها كملهم قبلا يعنى عيانا وقال ألست بربكم قال الزجاج جاز أن يكون الله جعل لامثال الذرّ فهما تعقل به كما قال تعالى قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم روى أن الله تعالى قال لهم اعلموا أنه لا اله غيرى وأنا ربكم لا رب لكم غيرى لا تشركوا بى شيئا فانى سأنتقم ممن أشرك بى ولم يؤمن بى وانى مرسل اليكم رسلا يذكرونكم عهدى وميثاقى ومنزل عليكم كتبا فتكلموا جميعا وقالوا شهدنا أنك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك فأخذ بذلك مواثيقهم ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم فلما قرّرهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعضهم أعادهم الى صلب آدم عليه السلام* وفى الكشاف وأنوار التنزيل وغيرهما فى تفسير قوله تعالى واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذرّيتهم أى أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن من ظهورهم بدل من بنى آدم بدل بعض وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم أى ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب فى عقولهم ما يدعوهم الى الاقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم ألست بربكم قالوا بلى فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منزلة الاشهاد والاعتراف على طريق التمثيل ويدل عليه قوله تعالى قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أى كراهة أن تقولوا انا كنا عن هذا غافلين* وفى بحر العلوم عن ابن عباس لما خلق الله آدم ظهر فى ظهره نور محمد صلّى الله عليه وسلم وكانت الملائكة خلفه ينظرون الى ذلك النور فقال آدم يا رب ما لهؤلاء ينظرون من خلفى الى ظهرى قال ينظرون الى نور محمد خاتم الانبياء الذى أخرجه من ظهرك قال يا رب اجعل نوره بحيث أراه فظهر فى سبابته فقال يا رب هل بقى فى ظهرى من هذا النور شئ قال نعم نور أصحابه قال يا رب اجعله فى بقية أصابعى فجعل نور أبى بكر فى الوسطى ونور عمر فى البنصر ونور عثمان فى الخنصر ونور علىّ فى الابهام وكان آدم ينظر الى تلك الانوار تتلألأ فى خلال أصابع يمينه الى أن أكل من الشجرة وعوتب بذلك فنقل ذلك كله الى ظهره* قال ابن عباس بعث الله تعالى الى آدم ملائكة من السماء معهم سرير من ذهب فحملوه على السرير حتى صعدوا به الى السماء فأدخلوه الجنة ضحوة الجمعة وقال محمد بن على الترمذى لما أكمل الله خلق آدم رفعه على أكتاف جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل والملائكة على سرير من ذهب ويقال من ياقوت أحمر له سبعمائة قائمة فقال لهم طوفوا به فى سمواتى ليرى عجائبها فيزداد يقينا فطافوا به مقدار مائة عام حتى وقفوا به على كل شئ من عجائبها ثم أمرهم أن يحوّلوا وجوههم من العرش اليه فيسجدوا له ففعلوا ولذلك تحمل جنازة أولاده بأربعة وسئل كعب كم طاف الملائكة بآدم فى السموات مكر ما قال ثلاث مرّات أوليها على سرير الكرم والثانية على أكتاف الملائكة والثالثة على الفرس الميمون وهو مخلوق من المسك الاذفر وله جناحان من الدرّ والياقوت والمرجان وجبريل آخذ بلجامها وميكائيل عن يمينه واسرافيل عن يساره فطافوا به السموات كلها وهو يسلم على الملائكة عن يمينه وعن شماله فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا ملائكة الله وهم يقولون وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال يا آدم هذه تحيتك وتحية ذرّيتك فيما بينهم الى يوم القيامة خلق حوّاء قال وهب وجماعة خلق الله حوّاء خارج الجنة ثم أمرها بدخول الجنة ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم خلقها فى الارض وآدم بين مكة والطائف ثم حملا على سرير الى الجنة وقال بعضهم خلق الله آدم وأمر بحمله على سرير الى سماء الدنيا فلما وصل الى باب الجنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وضع السرير وألقى عليه النعاس وخلقت حوّاء من ضلعه اليسرى ثم أمر بدخول الجنة وقال ابن عباس وابن مسعود وجماعة خلقها فى الجنة بعد دخول آدم فيها فالمرأة أصلها من الجنة ولهذا أبيح لها الحرير والذهب وهما لاهل الجنة ولهذا لا يمل الزوج من الزوجة الحسناء الصالحة كما لا يمل من نعيم الجنة* وفى تفسير الثعلبى ان آدم عليه السلام لما هبّ من نومه رآها عنده أو قال عند رأسه كأحسن ما خلق الله فقال لها من أنت قالت أنا زوجتك خلقنى الله لك تسكن الىّ وأسكن اليك فقالت الملائكة عند ذلك يا آدم ما هذه قال امرأة قالوا لم سميت بذلك قال لانها خلقت من المرء قالوا وما اسمها قال حوّاء قالوا لم سميت حوّاء قال لانهما خلقت من الحىّ قالوا تحبها قال نعم فقالوا الحوّاء تحبينه قالت لا وفى قلبها أضعاف ما فى قلبه قالوا فلو صدقت امرأة فى حبها لزوجها لصدقت حوّاء* قال ابن عباس ان الله تعالى خلق حوّاء من آدم فى الجنة من ضلعه اليسرى يقال لها القصيرى وكان بين النائم واليقظان ولو كان فى النوم لم يعلم أنها خلقت منه فلم يعطف عليها ولو كان يقظان لتألم بذلك فلم يعطف عليها قال الشاعر هى الضلعة العوجاء لست تقيمها ... ألا ان تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفا واقتدارا على الهوى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها * وفى بحر العلوم قال الله تعالى يا آدم هذه زوجتك خلقتها منك لاجلك أفترضى قال رضيت هذه لحمى ودمى وزوجتى وقرّة عينى* وفى المواهب اللدنية فلما استيقظ ورآها سكن اليها ومدّيده لها قالت الملائكة مه يا آدم قال ولم وقد خلقها الله لى فقالوا حتى تؤدّى مهرها قال وما مهرها قالوا تصلى على محمد ثلاث مرّات* وذكر ابن الجوزى فى كتاب سلوة الاحزان أنه لما رام القرب منها طلبت منه المهر فقال يا رب ماذا أعطيها قال يا آدم صلّ على حبيبى محمد بن عبد الله عشرين مرّة ففعل* وفى رواية قالت الملائكة مه يا آدم حتى تنكحها فعند ذلك زوّجها الله اياه خطبة نكاح آدم وحوّاء التي خطبها الله عز وجل وهذه خطبة نكاح آدم وحوّاء خطبها الله تعالى* الحمد ثنائى والعظمة ازارى والكبرياء ردائى والخلق كلهم عبيدى وامائى اشهدوا يا ملائكتى وحملة عرشى وسكان سمواتى انى زوّجت حوّاء أمتى عبدى آدم بديع فطرتى وصنع يدى على صداق تقديسى وتسبيحى وتهليلى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها الآية* وفى المواهب اللدنية ثم ان الله تعالى أباح لهما نعيم الجنة ونهاهما عن شجرة الحنطة وقيل شجرة العنب وقيل شجرة التين كما سيجىء* وقال الضحاك أدخل آدم الجنة عند الضحوة وزاد غيره يوم الجمعة وأخرج منها ما بين الصلاتين فمكث نصف يوم من أيام الآخرة وهى الايام التى كل يوم منها ألف سنة فنصف اليوم خمسمائة سنة وهذا قول ابن عباس والكلبى وفيه خلاف سيجىء* وعن وهب بن منبه قال الله تعالى لآدم عليه السلام يا آدم انطلق فانى قد نصبت لك فى بحبوحة الجنة سريرا لا ينبغى لاحد قبلك ولا بعدك أن يجلس على مثله طوله ما بين المشرق والمغرب سبع مرّات وله سبعمائة قائمة من قائمة الى قائمة مسيرة مائة عام وكان يجلس عليه آدم فى مقابلة شجرة الخلد وكان يولى وجهه عنها يتوقى أن يدخل عليه ما يسخط ربه وكانت حوّاء معه ولما أسكنهما جنة الخلد نهاهما عن أكل البرّ قال الله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين* وفى بحر العلوم اختلفوا فى هذه الشجرة قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظى والحسن البصرى وعطية وقتادة ومحارب بن دثار ومقاتل هى شجرة البرّ الذى جعله الله رزق أولاده فى الدنيا وقال السدّى وابن مسعود وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة هى الكرمة لافتتان أولاده بها وقال ابن جريج وحكاه عن بعض الصحابة انها التين وقال علىّ رضى الله عنه هى شجرة الكافور وقال الكلبى والدينورى هى شجرة العلم وهى علم الخير والشرّ من أكلها علم الاشياء وقيل علما بالاكل منها ظهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 عورتهما قال الله تعالى بدت لهما سوآتهما وقال محمد بن اسحاق هى شجرة الحنظل وقال أبو مالك هى شجرة النخلة وقال أبو جدعان هى شجرة الخلد التى كانت تتناول منها الملائكة وقال ابن عباس فى رواية هى شجرة الفردوس وكانت فى وسط الجنة فيها من ألوان الثمار كلها وقال الربيع بن أنس كانت شجرة من أكلها أحدث والجنة لم تكن موضع الحدث وقال أبو منصور لا تعرف ماهيتها الا بالوحى ولا وحى* صفة شجرة الحنطة وقال ابن عباس فى صفتها كانت شجرة الحنطة فيالها من شجرة ما أحسنها وأجملها خلقها الله على أحسن صورة فى الجنة كان من كل ذى لون فى ورقها لون ومن كل ذى طعم فى ثمرها طعم ومن كل ذى حسن فى صورتها حسن* وفى رواية عنه أوراقها من الحلل وأغصانها من الذهب وثمارها من نور العرش ألين من الزبد وأحلى من العسل وأشدّ بياضا من الثلج فاذا كان يوم القيامة يكون ممرّ المؤمنين عليها فيتعجبون من حسنها فتقول لهم الملائكة لا تمكثواها هنا فان الجبّار يريد أن يخلع عليكم خلع الزيادة فيتحيرون من حسنها فتناديهم الملائكة أنتم فى دار البقاء تعجبتم من هذه الشجرة مع وعد الرب اياكم الزيادة فكيف ملامتكم أباكم فحينئذ يقولون لا لوم على أبينا* وقال محمد بن علىّ الترمذى كان أصلها السنبلة وعليها من كل لون وثمر من التين والعنب وسائر الالوان كل حنطة ككلية البقر أحلى من العسل وألين من الزبد* وفى رواية الشجرة التى أكل منها آدم شجرة القمح لها سبعة أغصان على كل غصن سنبلة كل سنبلة ثلاثة أشبار فى كل سنبلة خمس حبات أخذ سنبلة وأخذ منها حبة أكلها آدم وحبة أكلتها حوّاء والثلاث نزل بها جبريل على آدم فى الدنيا وقطع كل حبة ستمائة قطعة فأصل قمح الدنيا منها يقال أوّل ما أكل آدم وحوّاء من نعيم الجنة العنب وآخر ما أكلا البرّ* روى أن ابليس لما رأى بعد ما صار ملعونا أن آدم وحوّاء فى طيب عيش ونعمة ورأى نفسه فى مذلة ونقمة حسدهما فهو أوّل من حسد وتكبر فأراد أن يدخل الجنة ليوسوس اليهما وذلك بعد ما أخرج منها فمنعه الخزنة فحلس على باب الجنة ثلثمائة سنة من سنى الدنيا وذلك ثلاث ساعات من ساعات الآخرة وابليس وان صار مطرودا من الجنة وممنوعا من دخولها لكن لم يمنع من السموات وكان يصعد الى السماء السابعة الى زمن ادريس فلما رفع ادريس الى السابعة منع منها ابليس وكان لا يمنع من السموات الاخر الى زمان عيسى ولما رفع عيسى الى السماء الرابعة منع منها ابليس ومما فوقها وكان يصعد الى الثالثة ولما أوحى الله الى محمد صلّى الله عليه وسلم منع من الثلاث الاخر أيضا فصار ممنوعا من السموات كلها* وفى كيفية دخوله الجنة اختلاف* قال فى معالم التنزيل وأنوار التنزيل اختلف فى أنه تمثل لهما فقاولهما بذلك أو ألقاه اليهما بطريق الوسوسة وانه كيف توصل اليهما بعد ما قيل له اخرج منها فانك رجيم فقيل انه منع من الدخول على وجه التكرمة كما كان يدخل مع الملائكة ولم يمنع من أن يدخل للوسوسة ابتلاء لآدم وحوّاء عليهما السلام وقيل قام عند الباب فناداهما وقيل تمثل بصورة دابة فدخل ولم تعرفه الخزنة وقيل أرسل بعض أتباعه فأزلهما وقيل دخل فى فم الحية حتى دخلت به والعلم عند الله* وعن وهب ابن منبه كان الطاوس مسكنه شجرة طوبى وكان اذا نشر جناحيه ظلل بهما سدرة المنتهى وكان يقول فى صياحه أنا الملك المتوّج الذى غمرت فى نعيم الجنة فلا أخرج منها أبدا وشجرة طوبى فى الجنة أصلها فى قصر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولها فى كل قصر غصن كالشمس فى الدنيا لها فى كل دار ضوء* وفى خبر عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان بطحاءها ياقوت أحمر وترابها مسك أذفر ووحلها عنبر أشهب وكثبانها كافور أبيض وبسرها زمرّد أخضر واقناؤها سندس واستبرق وزهرتها رياط صفر وورقها برود خضر وثمارها حلل حمر وصنوها زنجبيل وعسل وعشبها زعفران مرتفع يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والرحيق والمعين ولو سار راكب الجواد فى ظلها مائة عام لم يقطعها وكان الطاوس يسكنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ويطير ويخرج من باب الجنة كل يوم مرّة فخرج يوما فاذا شيخ قاعد وهو ابليس فقال له من أنت قال ابليس أنا من الملائكة الكروبيين من الصقح الاعلى ممن أعطى علم الغيب جئت أدخل الجنة فأنظر فيها وما أعدّ الله لاوليائه فيها* وفى العرائس وقف ابليس على باب الجنة وتعبد هناك ثلثمائة وستين سنة انتظارا لأن يخرج منها أحد يأتيه بخبر آدم وحوّاء فبينما هو جالس اذ خرج طائر موشى أى مزين يتبختر ويتمايل فى مشيته فلما رآه ابليس قال له أيها الخلق الكريم من أنت وما اسمك فما رأيت فيما رأيت من خلق الله عز وجل أحسن منك قال أنا طائر اسمى طاوس قال من أين قال من حديقة آدم وبستانه قال ما الخبر عن آدم قال هو فى أحسن الحال وأطيب العيش هيئت له الجنان ونحن من خدّامه فقال هل تستطيع أن تدخلنى عليه قال من أنت قال أنا من الكروبيين عندى لآدم نصيحة أريد أن أؤدّيها اليه قال مالك لا تذهب الى رضوان ليدخلك عليه قال منعنى من الدخول قال ان رضوان لا يمنع أحدا من النصيحة قال نعم ولكن أريد أن أحفيها عنه قال النصيحة لا تكون مخفية والمخفية لا تكون نصيحة قال نحن معاشر الكروبيين لا نقول الا سرّا ان فعلت ما أقول أعلمك دعاء لن تشيب بعده أبدا قال ما أقدر على ذلك ولكن أدلك على من يقدر عليه قال افعل فجاء الطاوس الى الحية صفة الحية وكانت يومئذ عظيمة مثل الابل البختى وكانت من أحسن حيوانات الجنة لها أربع قوائم كقوائم الابل من زبرجد أخضر وفيها من كل لون* وفى رواية من بين أحمر وأصفر وأخضر تتلألأ تلألؤ القمر رأسها من الياقوت وعيناها من الزبرجد ولسانها من الكافور وفى رواية من المسك الابيض واسنانها من الدرّ وفى رواية نظم اللؤلؤ وناباها من اللؤلؤ الرطب وفى رواية مثل نابى الابل من المسنك بيضاء الظهر صفراء البطن وفى رواية جسدها من نور ووبرها من زعفران وعنقها كالقضبان الملوّنة وذوائبها كذوائب الجوارى الابكار وعرفها كجناح الطير فقال لها الطاوس ياحية ان ملكا على باب الجنة يقول عندى نصحية لآدم من يذهب بى اليه أعلمه دعوة فخرجت الحية اليه وقالت لابليس انى أدخلك الجنة ولكن أتخوّف من لحوق البلاء بى قال ابليس أنت فى ذمّتى وجوارى لا يلحقك مكروه قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقتلوا الحية ولو كنتم فى الصلاة وانما أمرهم به ابطالا لذمّة ابليس فقالت الحية ان ابليس بسبب آدم أخرج من الجنة وأنا أخاف أن يصيبنى مثل ما أصابه قال ابليس أنا أعطيك جوهرة أينما تضعيها تكن لك جنة فأعطاها ابليس خرزة جعلتها فى فيها فما زالت تلك الخرزة فى قفاها فتخرج بالليل وتخرج تلك الخرزة من فيها وتضعها حيث شاءت فتستضىء بها* وفى العرائس قالت له الحية كيف أدخلك الجنة ورضوان اذا لا يمكننى من ذلك قال ابليس أنا أتحوّل ريحا فاجعلينى بين أنيابك فتدخلينى الجنة وهو لا يعلم قالت افعل فتحوّل ريحا ودخل فم الحية فأطبقت فاها فقال لها ابليس اذهبى بى الى شجرة البرّ فلما انتهت الحية الى حيث أمرها به ابليس جعل ابليس يتغنى بمزماره فلما سمع آدم وحوّاء صوت المزمار جاآ اليه يستمعانه فاذا هى الحية يخرج صوت التغنى من فيها فأعجبهما الصوت فتقدّما اليه شيئا فشيئا حتى وقفا عليه وهما يحسبان أن الحية هى التى تتغنى فقال لهما ابليس تقدما فقالا نهينا عن قرب هذه الشجرة فقال مانها كما ربكما عن هذه الشجرة الى آخره ولما لم يقبلا قول ابليس قاسمهما انى لكما لمن الناصحين قسما مؤكدا فهو أوّل من حلف كاذبا وأوّل من غش فلما سمعا اسم الله خدعا واغترا فدلاهما بغرور أكل آدم من الشجرة فسبقت الى الشجرة حوّاء وتناولت منها حبة فأكلتها وجاءت بها الى آدم وقالت انى أكلت منها وما ضرّتنى ولم يأكل آدم الى مائة سنة ولما لم ير ضررا ولا أثر اعلى حوّاء فبتأويل ظهر له وأمارة ثبتت عنده جعل حبة منها فى فيه فقبل أن يصل طعمها الى حلقه وجرمها الى جوفه بان عنه تاجه وطار من رأسه وتهافتت ثيابه التى كانت عليه من حرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 واستبرق وفى رواية كانت من نور وفى رواية كانت من جنس أظفاره ونودى فى الجنة عصى آدم ربه فغوى* وفى رواية لما دخل ابليس الجنة دنا من آدم وحوّاء يغنى بمزماره فسمعت حوّاء صوتا حسنا فجاءت ومعها آدم ينظران اليه وكان ابليس يتغنى بمزماره وينوح ويبكى نياحة وبكاء أحزنهما فهو أوّل من ناح فقالا له ما يبكيك قال أبكى عليكما لانكما تموتان وتفنيان وتفارقان ما أنتما عليه من النعمة والكرامة قالا وما الموت فنعت ابليس لهما الموت فقال تذهب الروح والقوّة وتعدم حركة الاعضاء ولا يبقى للعين رؤية ولا للاذن سماع وكذلك كل عضو يعطل عن عمله فوقع ذلك فى أنفسهما وأغتما فعند ذلك قال ابليس هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وأشار الى الشجرة المنهى عنها فقالا قد نهينا عنها قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وفى رواية حضر ابليس عند شجرة البرّ وأخذ حبة منها وجاء بها اليهما وقال انظرا الى هذه ليس فيها فاكهة ألطف وأطيب من هذه فكلا منها فقالا نهينا عنها فقال مانها كما ربكما الآية وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين وأيكما بادر الى أكلها فله الغلبة على صاحبه فسبقت اليها حوّاء وأخذت منها خمس حبات فأكلت واحدة وخبأت واحدة وأتت الى آدم بثلاثة فقالت له أنا أكلت منها وكانت طيبة الطعم وما أصابنى منها مضرّة فأخذ آدم الحبات الثلاث فأعطى حوّاء واحدة وأمسك حبتين* قيل لاخفاء حوّاء احدى الحبات من زوجها آدم صار خباء النساء عن أزواجهنّ بعض الاشياء عادة لهنّ ولامساك آدم لنفسه حبتين من ثلاث واعطاء حوّاء واحدة منها شرع للذكر مثل حظ الانثيين فى الميراث* ولما أكل آدم طار من رأسه تاجه المكلل بالدرّ والياقوت والجواهر بجناحيه كطائر يطير وهو ينادى يا آدم طالت حسرتك وندامتك وانتفض السرير وخرج من تحتهما وقال انى أستحيى من الله أن أكون سريرا لمن عصى الله وتساقط ما عليهما من السوار والدملوج والخلخال والمنطقة المرصعة ونزع عنهما لباسهما وتهافتت ثيابهما وكانت من جنس ظفرهما وكان على آدم سبعمائة حلة وكانت عورتهما قبل ذلك مستورة ولم يعلما أن لهما قبل ذلك عورة* قال العتابى لم يكونا رأيا عورتهما الى ذلك الوقت وكان على سوآتهما نور اذا نظرا اليها غلب ذلك النور على أبصارهما ومنعهما من ابصارهما اياها فذهب ذلك النور أيضا فبدت لهما سوآتهما فلما رآياها فزعا وحسبا أن غيرهما أيضا يراها قال الحضرمى بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الاغيار من مكافأة الجناية ما علما ولو بدا للاغيار لقال بدت منهما وقال القاسم لماذا قاتناثر لباسهما فلما أكلا بدت لهما سوآتهما وتغير عليهما كل شئ فى الجنة* وفى رواية عن وهب بن منبه أنه قال لما توسطت الحية الجنة قالت لابليس اخرج قال لا أخرج حتى ينطق لسانك بما أريد فأين هذان الخلقان اللذان أدخلا الجنة فان لى اليهما حاجة قالت هذه حوّاء زوجة آدم وأنا أنيستها ومخدمتها فنطق ابليس على لسان الحية فقال يا حوّاء لم نهاكما ربكما عن تلكما الشجرة قالت لئلا نزعج من الجنة أبدا قال هذه شجرة الخلد من أكل منها خلد قالت فانك أنيستى ومخدمتى اذا عرفت هذا فهلا أخبرتينى قالت الآن أخبرتك فقومى وكلى وأطعمى زوجك ليكون لك الفوز والعز عليه فانى أحلف انى لكما لمن الناصحين فقامت مسرعة الى الشجرة فتناولت سبع حبات وناولت آدم خمس حبات فقال آدم يا حوّاء فأين العهد الذى أخذه الله علينا قالت أو ليست هذه الحية تحلف لنا بالله فأكل آدم فلما أكل آدم طار تاجه يخفخف أى يصفق بجناحيه كطائر يطير وهو ينادى يا آدم طالت حسرتك وندامتك وانتقض السرير وقال انزل فانى أستحيى من الله أن أكون سريرا لمن عصاه كما سبق فولى آدم هاربا فلم يمرّ بشجر ولا نهر الا نادى عصى آدم ربه حتى انتهى الى سدرة المنتهى وهو يهرب فتعلقت به الشجرة وقالت أين من الله المهرب ومدّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 يده ليتناول ورقة من أوراقها ليستر بها عورته فارتفعت الورقة فبكى فما قصدا شجرة ليأخذا من أوراقها الا امتنعت عنهما وقالت ما كنت لأستر من كشفه الله ودعتهما شجرة التين الى نفسها ترحما على حالهما فأخذا من ورقها وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فيتخرّق ويتفرّق فبكيا ونودى من أعراه الله فلا ساتر له ومن تركه فلا ناصر له فتضرّعا وسألا الله أن يسترهما فلما أتياها ليأخذا الورق ثانيا اهتزت لآدم فسقط منها ثلاثة أوراق فجعلها آدم سترة له ثم اهتزت مرّة أخرى لحوّاء فتناثرت منها خمسة أوراق فجعلتها حوّاء سترة لها ولذلك شرعت الاكفان للرجال ثلاثة وللنساء خمسة وقال الله لشجرة التين لم أعطيتهما الورق فقالت يا رب انك لا تحرم من عصاك الرزق فما يكون لى أن أحرمه الورق فلذلك جعل الله شجرة التين بحيث لا يحمل عليها ولا يحرقها الناس ولا تأكل الحيوانات ورقها وقال الله تعالى لسائر الاشجار لم لا تدفعن الورق اليهما فقلن ما كنا لنكسو من أعريته فلذلك جعلها الله بحيث يحمل عليها وورقها يحرقه الناس وتأكل أوراقها الحيوانات فعاتب الله آدم وقال له لم أكلت من هذه الشجرة ألم أنهكما عن هذه الشجرة قال أطعمتنى حوّاء فقال لها لم أطعمته قالت دلتنى الحية فقال للحية لم فعلت قالت دلنى الطاوس فقال للطاوس لم فعلت قال أمرنى ابليس معاقبة إبليس فعاقب ابليس ولعنه وغير صفته وحالته وبدّل اسمه ومكانه وصورته فأوّل ما تغير منه صورته فقبح غاية القبح وكان له ستمائة ألف جناح مرصع بالجواهر ولباس من نور وكان مدّة ملك الارض ومدّة عالم الملائكة ومدّة خازن الجنان يطير من العرش الى الثرى وأهل السماء والارض ينظرون اليه* وكان بدء أمره أنه لما خلقه الله تعالى جعله تحت الارضين السبع على الثرى فعبد الله تعالى هناك ألف سنة فرفع الى الارض السابعة السفلى فعبد فيها ألفى سنة ثم الى التى فوقها وهى السادسة فعبد فيها ثلاثة آلاف سنة ثم فى الخامسة أربعة آلاف سنة ثم فى الرابعة خمسة آلاف سنة ثم فى الثالثة سنة آلاف سنة ثم فى الثانية سبعة آلاف سنة ثم فى الاولى ثمانية آلاف سنة ثم رفع الى السماء الدنيا فعبد فيها تسعة آلاف سنة ثم فى الثانية عشرة آلاف سنة ثم فى الثالثة احدى عشرة ألف سنة ثم فى الرابعة اثنتى عشرة ألف سنة ثم فى الخامسة ثلاث عشرة ألف سنة ثم فى السادسة أربع عشرة ألف سنة ثم فى السابعة خمس عشرة ألف سنة فذلك كله مائة وعشرون ألف سنة ثم قدّام العرش ضعف ذلك فذلك مائتان وأربعون ألف سنة لم يبق فى السموات والارض موضع شبر لم يسجد فيه ابليس فقال الهى هل بقى موضع لم أسجد فيه قال نعم هو فى الارض فاهبط فهبط فقال ما هو قال ذلك آدم فاسجد له فقال هل بقى موضع سوى آدم قال لا قال لم تأمرنى بسجوده وتفضله علىّ قال أنا المختار أفعل ما أشاء ولا أسأل عما أفعل فهابت الملائكة لما سمعوا ذلك وارتعدوا وارتعشوا وقيل رأى ابليس آدم طينا صوّر ووضع بين الطائف ومكة فعظم نفسه لزينته واحتقر آدم لطينته فزالت زينته وتبدّل اسمه وفسد حاله وسقطت منزلته وزال ايمانه وحبطت أعماله وبرئ منه ربه قال الله تعالى الا ابليس استكبر أى عدّ نفسه أكبر من أن يخدم غيره وقيل عدّ نفسه أكبر من أن يؤمر بهذا فانه عارض بقوله لم أكن لأسجد لبشر وبقوله أنا خير منه وقال أبو العالية لما ركب نوح السفينة اذا هو بابليس على كوثلها فقال له ويحك قد غرق الناس من أجلك قال فما تأمرنى قال تب قال سل ربك هل لى توبة فقيل له ان توبته أن يسجد لقبر آدم فقال تركته جيا وأسجد له ميتا وأما الطاوس فغضب الله عليه فعاقبه بمسخ رجليه وتغير صورته وأما الحية فغضب الله عليها فعاقبها بخمسة أشياء ألقى عنها القوائم وقال جعلت رزقك فى التراب وجعلتك تمشى على بطنك ولا يرحمك من يراك وفى رواية سيشدخ رأسك بالحجر من لقيك وجعلها تموت كل سنة فى الشتاء* وأما آدم فلما أكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 من الشجرة المنهىّ عنها ابتلاه الله بعشرة أشياء الاوّل معاتبته اياه بقوله ألم أنهكما عن تلكما الشجرة الآية الثانى الفضيحة فانه لما أصاب الذنب بدت سوأته وتهافت ما عليه من لباس الجنة الثالث أوهن جلده بعد ما كان كالظفر وأبقى من ذلك قدرا على أنامله ليتذكر بذلك أوّل حاله الرابع أخرجه من جواره ونودى انه لا ينبغى أن يجاورنى من عصانى الخامس الفرقة بينه وبين حوّاء السادس العداوة قال الله تعالى بعضكم لبعض عدوّ السابع النداء عليه بالنسيان قال الله تعالى فنسى ولم نجد له عزما الثامن تسليط العدوّ على أولاده وهو قوله تعالى وأجلب عليهم بخيلك ورجلك التاسع جعل الدنيا سجنا له ولا ولاده العاشر التعب والشقاء وهو قوله عز وجل ان هذا عدوّ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى فهو أوّل من عرق جبينه فى التعب الخصال التى ابتليت بها حوّاء وأما حوّاء فابتليت هى وبناتها بهذه العشرة وخمس عشرة خصلة سواهنّ الاولى الحيض يروى أنها لما تناولت الشجرة وادمتها قال الله تعالى ان لك علىّ أن أدميك وبناتك فى كل شهر مرّة كما أدميت هذه الشجرة وفى رواية قال أما أنت يا حوّاء فكما أدميت هذه الشجرة تدمين فى كل شهر* وفى المواهب اللدنية ولا دمينها فى الشهر مرّتين الثانية ثقل الحمل الثالثة الطلق وألم الوضع الرابعة نقصان دينها الخامسة نقصان عقلها السادسة أن ميراثها على النصف من ميراث الرجل قال الله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين السابعة تخصيصهنّ بالعدّة الثامنة جعلهنّ تحت أيدى الرجال قال الله تعالى الرجال قوّامون على النساء التاسعة ليس اليهنّ من الطلاق شئ وانما هو للرجال العاشرة حرمن من الجهاد الحادية عشر ليس منهنّ نبىّ قط الثانية عشر ليس منهنّ سلطان ولا حاكم الثالثة عشر لا تسافر احداهنّ الا مع المحرم الرابعة عشر لا تنعقد بهنّ الجمعة الخامسة عشر لاسلام عليهنّ* ولما دل الطاوس ابليس لم يظهر شئ من البلاء وحملته الحية لم تظهر عقوبة وبادرت حوّاء الى الشجرة وأكلت منها لم يتغير حالها فلما أكل آدم بعد مائة سنة ظهر البلاء فذهبت عن الطاوس النعمة وعن الحية الصورة وعن حوّاء الصفة وعن آدم الدولة وهذا كله بسبب أكل آدم حبة بالنسيان أو التأويل فما بال من يأكل طول عمره الحرام بالقصد من غير تأويل وذلك لان حوّاء وغيرها كانت تبعا وآدم أصلا فلم يؤاخذ التبع بالزلة والاصل ثابت على الطاعة فلما زل الاصل أوخذ الاصل والفرع فكذلك حال العامّة مع الخاصة وحال الاعضاء مع القلب* خروج آدم من الجنة ثم قال الله لآدم وحوّاء اخرجا من جوارى فتضرّع آدم واعتذر وقال أتخرجنى من الجنة بخطيئة واحدة فلم تسمع معذرته وقال الهى ان كنت أكلتها بطوعى فعذبنى وان لم أتعمدها فاغفرلى فلم يقبل منه وقال لا يجاورنى من عصانى أخرج فرفع آدم طرفه الى العرش فاذا مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله قال يا رب بحق محمد ابنى اغفرلى فقال يا آدم كيف عرفت محمدا من ذرّيتك قال رأيت اسما مكتوبا مع اسمك على سرادق العرش لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت أن هذا نبىّ كريم عليك قال قد غفرت لك ذنبك بحق محمد ولكن لا يجاورنى من عصانى وجاء آدم الى باب الجنة ولما أراد الخروج نظر فرأى طيب الجنة وبهجتها وشجرة طوبى وأغصان سدرة المنتهى وظل العرش ونور حضيرة العزة وجمال الحور وبهاء القصور فبكى وودّع كل واحد منها حتى بكت عليه أشجار الجنة كلها الا العود فقيل له لم لم تبك فقال لم أكن لأبكى على من عصى الله فنودى أن كما عظمت أمرنا عظمناك ولكن هيئناك للاحراق قال يا رب ان عززتنى فما هذا الاحراق وان تحرقنى فما هذا الاعزاز فنودى أنت عظمتنا فلذلك يعظمونك لكن لما لم يحترق قلبك على محبنا يحرقونك* وفى بهجة الانوار كان آدم يفرّ من شجرة الى شجرة فلم يقبله الاشجرة العود فنودى قد قبلت من عصانى فقال الهى رحمته لانى علمت أن هذا عتاب لا عقاب قال الله تعالى لما أقبلت عليه ورحمته لاجلى جعلتك عزيزا فيما بين أولاده حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 انهم يشترونك بوزن الدرهم ولكن لما قبلت بغير اذنى فبعزتى وجلالى لا جعلنك بحال لا يخرج منك طيب حتى تحرق بالنار ليكون ذلك الطيب مع الوجع فلما انتهى الى باب الجنة ووضع احدى رجليه خارج الباب قال بسم الله الرحمن الرحيم فقال له جبريل تكلمت بكلمة عظيمة فقف ساعة فربما يظهر من الغيب لطف فنودى جبريل أن دعه حتى يخرج فقال الهى دعاك رحيما فارحمه فقال ان أرحمه لا ينقص من رحمتى شئ وان يذهب لا يعاب عليه فخلّ عنه حتى يذهب ثم يرجع غدا فى مئات ألوف من أولاده عصاة حتى يشاهد فضلنا على أولاده ويعلم سعة رحمتنا قال الضحاك أدخل آدم الجنة عند الضحوة وأخرج منها ما بين الصلاتين كما مرّ وادخال آدم الجنة واخراجه منها وخلقه كان فى يوم الجمعة كذا فى المشكاة وفى مقدار مكثه فى الجنة خلاف قال ابن عباس مكث آدم فى الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة عام وهو قول الكلبى وقال الحسن البصرى لبث فى الجنة ساعة من نهار وهى مائة وثلاثون سنة من سنى الدنيا* وفى المختصر الجامع عن وهب بن منبه مكث آدم فى الجنة ست ساعات وقيل خمس ساعات وقيل ثلاث قيل الصحيح انه خلق لمضىّ احدى عشرة ساعة من يوم الجمعة وهو من الايام التى كل يوم منها ألف سنة من سنى الدنيا فبقى قدر أربعين عاما من أعوامنا ثمّ نفخ فيه الروح وبقى فى الجنة بقية الثانية عشر ساعة من يوم الجمعة ومقداره ثلاثة وأربعون عاما وأربعة أشهر من أعوامنا ثم هبط الى الارض هذا قول الطبرى فخرج آدم وحوّاء من الجنة عريانين حوعانين غريبين معزولين آخذا كل منهما بيد الآخر فجاء جبريل وقال لآدم خل يدها فان الملك يأمرك أن تفارقها فلما خلاها فقد كل منهما الآخر فضرب آدم بيده على فخذه ووضعت حوّاء يدها على هامتها فجعلا يبكيان هذا يقول وافرقتاه وهذه تقول واغربتاه فلذا اذا دهم الرجال أمر غمهم يضربون أيديهم على أفخاذهم واذا دهم النساء شئ همهنّ يضعن أيديهنّ على رؤسهنّ وهذا ميراث للاولاد عن الجدّ والجدّة* وفى الانس الجليل كان هبوط آدم وحوّاء وقت العصر وبين هبوط آدم والهجرة النبوية ستة آلاف سنة ومائتان وستة عشر سنة على حكم التوراة اليونانية وهى المعتمد عند المحققين من المؤرّخين وفى ذلك خلاف* وفى أنوار التنزيل قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ الخطاب لآدم وحوّاء لقوله تعالى اهبطا منها جميعا وجمع الضمير لانهما أصلا الانس فكأنهما الانس كلهم أولهما ولابليس خرج منها ثانيا بعد ما كان يدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من السماء وهو قول مجاهد وقال ابن عباس والسدّى الخطاب لآدم وحوّاء وابليس والحية وعن ابن عباس فى رواية أخرى الخطاب لهؤلاء الاربعة والطاوس معهم فصاروا خمسة وهذا الامر وان انتظم فى كلمة لكن ما كان هبوطهم جملة بل هبط ابليس حين لعن بدليل قوله تعالى فى حق ابليس فاهبط منها وقال فاخرج منها وهبوط آدم وحوّاء والحمية والطاوس كان بعده بكثير من الزمان وأما المهبط ففى حياة الحيوان قال كعب الاحبار أهبط الله الحية باصبهان وابليس بجدّة وحوّاء بعرفة* وفى معالم التنزيل هبط ابليس بأيلة وحوّاء بجدّة وهبط آدم بسر نديب من أرض الهند على جبل يقال له نود وهو بأعلا الهند نحو الصين جبل عال يراه البحريون من مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم مغموسة فى الحجر ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بدّ له فى كل يوم من مطر يغسل قدمى آدم ويقال ان الياقوت الاحمر يوجد على هذا الجبل تحدّره السيول والامطار الى الحضيض وبه يوجد الماس أيضا والعود* وفى عرائس الثعلبى قال ابن عباس أهبط الله آدم عليه السلام الى الارض على جبل وادى سرنديب وذلك أن ذروته أقرب ذرى جبال الارض الى السماء وكانت رجلاه فى الارض ورأسه فى السماء يسمع دعاء الملائكة وتسبيحهم وكان آدم يأنس بذلك فهابته الملائكة واشتكت نفسه الى الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فنقص الله قامته الى ستين ذراعا بذراع آدم وكان قبل ذلك يمس رأسه السحاب فصلع وأخذ ولده الصلع انتهى قال ابن اسحاق أهبط آدم وحوّاء على جبل بالهند يقال له واش عند واد يقال له نهبل عند الوهيج والمندل بلدان من أرض الهند وفى الترمذى فى حديث الدجال فيطرحهم بالنهبل وهو تصحيف والصواب بالميم كذا فى القاموس* وفى بحر العلوم روى أن آدم هبط بالهند وحوّاء بجدّة ساحل مكة وستجىء قصتهما وابليس بساحل بحر أيلة والحية باصبهان والطاوس ببيسان وفيه أيضا فى رواية قال أهبط آدم بالهند وحوّاء بالمزدلفة وابليس بكابل والحية بسجستان* وعن الحسن قال قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما هبط ابليس قال وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام الروح فيه قال الله تعالى وعزتى وجلالى لا أحجب عنه التوبة حتى يغرغر* وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان الشيطان قال وعزتك لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم فى أجسادهم قال الرب وعزتى وجلالى وكرمى وارتفاعى وفى رواية وارتفاع مكانى لا أزال أغفر لهم ما استغفرونى ذكرهما فى بحر العلوم وفيه كان مهبط آدم على جبل سريديب فى شرقى أرض الهند يقال له باشم ويقال له واشم ويقال نود وأنبّت الله على ذلك الجبل أشجارا وأنبع مائة عين عذبة وجعل ترابها دواء وعرضه مائة فرسخ فى مائة فرسخ وفيه غار فيه عبادهم وقال أيضا هبط آدم من الجنة ورأسه يناغى السماء وكان أوّل شىء رآه آدم من القذر فى الدنيا عطس عطسة فسال أنفه فلما نظر اليه بكى أربعين عاما للقذر* وفى بحر العلوم أيضا عن وهب بن منبه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خير الارض التى أهبط الله بها آدم وهى أرض الهند وفى رواية أطيب الارض قال وهب ان آدم عليه السلام كان خصف عليه من ورق الجنة وهى التين فانتفع بها ثم هبط الى الارض حين هبط وهى عليه فلما أصابها ضحى الارض وريحها يبست تلك الورقة فتخاتت عليه فذرتها الريح فى بلاد الهند فمن هنالك عبقت الهند وفشافيها أصل الطيب* وفى رواية كان على آدم وحوّاء من أوراق التين قد تسترا بها فتناثرت فى الارض فما أصاب الظبى من أوراق آدم صار مسكا وما أصاب بقر البحر صار عنبرا ومن ورق حوّاء ما أصاب دود القز صار حريرا وما أصاب النحل صار عسلا فبقيت هذه الاربعة منهما ميراثا لاولادهما الى يوم القيامة كذا فى بحر العلوم وفيه أيضا قال وهب لما أهبط الله آدم من الجنة كان على رأسه اكليل من ريحمان الجنة يظلله من الشمس وعلى عورته ورقة التين كما سيجىء قال ابن عباس يبس الاكليل حين أصابه حرّ الشمس وتساقط منه الورق وذلك بأرض الهند فنبت منه هذا العود وكل طيب فى الهند فأصله من ذلك الورق والريحان* وذكر الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم هبط الى جبل الهند وكان رأسه يمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع كما مرّ وكان يقرب منه دواب الوحش الى أن قتل قابيل هابيل وكانت يومئذ وحشيا وامتلأ طيبا ماثمة من شجر وجبل وواد من ريح الجنة فمن ثمة يجاء بالطيب من الهند وكان آدم قائما على الجبل يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة وأهبط الى الارض وحط الى ستين ذراعا فقال آدم يا رب كنت جارك فى دارك آكل منها رغدا فأهبطتنى على هذا الجبل المقدّس فكنت أسمع أصوات الملائكة وأجد ريح الجنة وأرى ملائكتك كيف يحفون بعرشك فأهبطتنى الى الارض الى ستين ذراعا وذهبت الريح فأجابه الله تعالى يا آدم بمعصيتك كان ذلك ان لى حرما بحيال عرشى فانطلق فابن لى فيه بيتا ثم حف به كما رأيت ملائكتى يحفون بعرشى فهنا لك أستجيب لك ولولدك من كان منهم فى طاعتى فقال يا رب كيف لى بذلك المكان ولا أهتدى فقيض الله له ملكا وهو جبريل فتوجه به نحوه وكان آدم وجبريل كلما نزلا مكانا صار قرية وعمرانا وكل مكان تعدّياه ولم ينزلاه صار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مفازة وقفارا فقدما مكة وفى رواية صار كل مفازة يقربها آدم خطوة وكان قد قبض له ما كان فى الارض من محاص أو نجد فجعله خطوة ولم يضع قدمه فى شىء من الارض الاصار عمر انا فطوى له المفازة كذا فى بحر العلوم* وفى روضة الاحباب قيل كان تطوى له الارض فى كل خطوة اثنين وخمسين فرسخا حتى بلغ مكة فى زمن قليل فكل موضع أصابه قدمه صار عمرانا وما بين قدميه بقى مفازة وقفارا* وفى العرائس عن ابن عباس ان خطوته مسيرة ثلاثة أيام* وفى رواية كان يمشى بين الجبال والمفازة فكل موضع أصابه قدمه صار قرية عظيمة وكل موضع استقرّ فيه صار مدينة وكل موضع صلّى فيه صار مسجدا جامعا عظيما وستجىء كيفية بناء آدم الكعبة وحجه* ولما مضى له فى الدنيا مقدار خمسمائة عام كثر ولده ولد ولده وأرسله الله اليهم يحكم فيهم بحكم الله حتى توفاه الموت وأنزل عليه خمسين صلاة فى اليوم والليلة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة وتحريم الميتة ولحم الخنزير وأنزل الله عليه الحروف المقطعة فى احدى وعشرين ورقة وهو كتاب آدم الذى يعلم بها ألف لسان بقدرة الله تعالى* قال وهب هبط آدم من الجنة ومعه بذر وغرس واجانة وعلى رأسه اكليل من ريحان الجنة يظلله من الشمس وعلى عورته ورقة التين وأعطى العلاة والكلبتين وثمانية أزواج من الابل والبقر والمعز والضأن وأعطى عصا موسى وقال الله تعالى له ولولده* لدوا للموت وابنوا للخراب* وفى المدارك قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والابرة وروى ومعه المرود والمسحاة* وفى بحر العلوم روى أن آدم أهبط ومعه خمسة أشياء أحدها العصا وهى من آس الجنة وسبب ذلك أنه كان يأكل من كل طعام فى الجنة فلا يصيبه شىء فلما أكل الحنطة بقيت فى أسنانه فاحتاج الى التخليل فأخذ عود آس فتخلل به فبقى معه فهبط وهو معه وتوارثته أبناؤه الى أن وصل الى موسى عليه الصلاة والسلام فصارت معجزة له وثانيها خاتم كان معه فلما سقطت عنه ثيابه وذهب تاجه أخذه فجعله فى فمه فخرج معه وتناقلته الذرّية الى أن وصل الى سليمان عليه السلام فصار قيد ملكه وثالثها الحجر الاسود وهو فى الاصل كان من جواهر الجنة قصده حين زلّ فأخذه وتمسك به فصار حجرا وهبط معه وصار من أركان الكعبة ورابعها قطعة من عود من شجر لم يبك عليه فعوتب وخوّف بالنار فاعتذر فجعل فيه الطيب وجعل معه قطعة منه وخامسها ورق التين وارى هو وحوّاء بذلك سوآتهما ولما تناثر ذلك وعريا فى الدنيا شكا آدم الى جبريل فجاءه بشاة من الجنة عظيمة لها صوف كثير وكانت قامة آدم الى قريب من السحاب وحوّاء مديدة أيضا لكن الشاة كانت كبيرة أيضا وقال لآدم قل لحوّاء تغزل من هذا الصوف وتنسج فمنه لباسك ولباسها فقالت حوّاء كيف وقع هذا العمل علىّ فاغتمت فجعلت نفقتها على آدم ولذلك لما كانت حوّاء سببا لاكل آدم من القمح وعريه جعل عليها أن تغزل وتكسوه ولما ثقل ذلك عليها جعلت نفقتها عليه ولما ثقل ذلك عليه جعل حظ الزوج فى الميراث ضعف حظ الزوجة فيه فغزلت حوّاء ذلك الصوف ونسجته واتخذت منه لنفسها درعا وخمارا ولآدم قيصا وازارا وكان ذلك أصل اللباس ثم توسع فيه الناس حيث شاؤا وزاد واما أرادوا* روى أن آدم أوّل ما هبط الى الدنيا قاسى الجوع مدّة ثم أكل الخبز من عمل نفسه وقاسى العرى مدّة ثم لبس الصوف من عمل حوّاء* اتخاذ آدم الديك لمعرفة الاوقات قال وهب لما قبل الله توبة آدم قال يا رب شغلت بطلب الرزق والمعيشة عن التسبيح والعبادة ولست أعرف مقدار ساعات التسبيح من أيام الدنيا فأهبط الله عليه ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح فهو أوّل داجن اتخذه آدم من الخلق وكان الديك اذا سمع التسبيح فى السماء سبح فى الارض فيسبح آدم بتسبيحه وقال الله يا آدم قل الحمد لله كثيرا على كل حال حمدا يوافى نعمه ويكافئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 مزيده فلك به مثل تسبيح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون* عن معاذ بن جبل أنه قال نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل الديك الابيض وقال الديك الابيض اذا صاح يقول اذكروا الله يا غافلين* وروى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال ان لله ديكا أبيض تحت العرش وفى رواية ان لله ديكا رجلاه تحت الارض السفلى ورأسه تحت العرش وله جناحان أبيضان اذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فاذا جاء وقت الصلاة نشر جناحيه وصرخ بالتسبيح سبحان الملك القدّوس سبحان الحىّ القيوم فيسبح الديك فى الارض ذلك التسبيح ولما هبط آدم الى الارض اشتبهت عليه أوقات الصلوات فشكا الى جبريل فجاءه بديك أبيض من الجنة وانه مرّ على ذلك الملك فعرفه فلما هبط كان يسمع صوت ذلك الملك فيضرخ فيعرفه آدم وقال عليه الصلاة والسلام عليكم بالديك الابيض فانه مؤذن وحارس وذلك كله فى بحر العلوم* وقال أبو سعيد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ديك أبيض كذا فى سيرة اليعمرى* وفى حياة الحيوان كما سيجىء فى الخاتمة قال ابن عباس بكا آدم وحوّاء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتى سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ولم يقرب آدم حوّاء مائة سنة وقال وهب بن منبه لما هبط آدم الى الارض مكث يبكى ثلثمائة سنة لا يرقأ له دمع* وقال المسعودى لو أن دموع أهل الارض جمعت لكانت دموع آدم أكثر منها حين أخرجه الله من الجنة ذكرها فى المواهب اللدنية* وعن علقمة بن مرثد وابن حبان قالا لو أن دموع أهل الارض جمعت لكان دموع داود أكثر منها حين أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الارض جمعت لكان دموع آدم أكثر منها حين أخرج من الجنة كذا فى بحر العلوم وقال مجاهد بكى آدم مائة عام لا يرفع رأسه الى السماء وأنبت الله من دموعه العود الرطب والزنجبيل والصندل وأنواع الطيب وبكت حوّاء حتى أنبت الله من دموعها القرنفل والافاوى كذا فى المواهب اللدنية* وقال شهر بن حوشب بلغنى أن آدم لما أهبط الى الارض مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه الى السماء حياء من الله تعالى* وفى بحر العلوم مكث آدم بالهند مائة سنة لا يرفع رأسه الى السماء يبكى على خطيئته وجلس جلسة الحزين مائة سنة* وفى عرائس الثعلبى قال الشعبى أنزل ابليس من السماء مشتمل الصماء عليه عمامة ليس تحت ذقنه منها شىء أعور فى احدى رجليه نعل* روى ابن المبارك عن خالد الحدّادىّ عن حميد بن هلال قال انما كره التخصر فى الصلاة والتخفف لان ابليس هبط متخصرا* (ذكر كيفية انتقاله صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة وبالعكس) * قال الله تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين قال بعض المفسرين منهم ابن عباس وعكرمة أراد حين تقوم بالنبوّة ويرى تقلبك فى الساجدين فى أصلاب الموحدين من نبىّ الى نبىّ حتى أخرجك نبيا فى هذه الامّة وبيانها أن آدم عليه السلام كان أوّل فرد من أفراد الانسان وكان سائر أفراده مندرجة فى صلبه بصور الذرّات كما ذكر فى قصة أخذ الميثاق فلما نفخ فيه الروح صار نور نسمة محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جبهته كالشمس المشرقة لاشتمال صلبه على الجزء الذرّى الذى هو مادّة للبدن العنصرى المحمدى* وفى معالم التنزيل كان آدم يسمع من تخطيط أسارير جبهته نشيشا كنشيش الذرّ فقال يا رب ما هذا فنودى يا آدم هذا تسبيح محمد ولدك مزج بمائك ليكون لك ولدا وأنت له أبا فنعم الوالد ونعم المولود ثم انتقل ذلك الجزء الذرّى من صلب آدم الى رحم حوّاء ومنها الى صلب شيث ومنه الى رحم مخوايله ومنها الى صلب أنوش وهكذا كان ينتقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات ومن أرحام الطاهرات الى أصلاب الطيبين وذلك النور أيضا كان ينتقل بتبعية ذلك الجزء الذرّى من جبهة الى جبهة وكان يؤخذ فى كل مرتبة عهد وميثاق على أن لا يوضع ذلك الجزء الا فى المطهرات فأوّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 من أخذ العهد آدم أخذه من شيث وشيث من أنوش وهو من قينان وهكذا الى أن وصلت النوبة الى عبد الله بن عبد المطلب فلما أودع ذلك الجزء فى صلبه لمع ذلك النور من جبهته فظهر له جمال وبهجة حتى كانت نساء قريش يرغبن فى نكاحه وستجىء قصة الخثعمية فى الطليعة الثالثة ان شاء الله تعالى وقد أسعد الله بتلك السعادة وشرّف بذلك الشرف آمنة بنت وهب فولد منها النبىّ صلّى الله عليه وسلم* (ذكر نسبة أبوى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم) * هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان رواه البخارى* قال ابن الاثير ذكر رزين أنه عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى سيرة مغلطاى الى هنا مجمع عليه وما فوق ذلك مختلف فيه كما سيجىء* (ذكر نسبة أمّ نبينا صلّى الله عليه وسلم) * هى آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة قرشية* وفى المنتقى زهرة هذه امرأة نسب اليها ولدها ولا يعرف أبوه فأقيمت فى التذكير مقام الاب* وفى المواهب اللدنية وأمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة هى عاتكة بنت الاوقص بن مرّة من بنى سليم ذكره ابن قتيبة وقال أبو عمرو يعرف أبوها أى أبو عاتكة بأبى كبشة وينسب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيقال ابن أبى كبشة وانما نسب اليه لانه كان يعبد الشعرى ولم يكن أحد من العرب يعبد الشعرى غيره خالف فى ذلك جميع العرب فلما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم بخلاف ما كان عليه العرب قالوا هذا ابن أبى كبشة وقيل بل نسب الى أبى أمّه وهب وكان يدعى بأبى كبشة وقيل ان أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدى زوج حليمة السعدية كان يدعى بأبى كبشة كذا فى ذخائر العقبى* وفى المنتقى وجز بن غالب بن الحارث هو أبو كبشة الذى كانت قريش تنسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليه لانه جدّه من قبل أمّه وهو أوّل من عبد الشعرى صفة الشعرى وكان يقول الشعرى تقطع السماء عرضا ولا أرى فى السماء شمسا ولا قمرا ولا نجما يقطع السماء عرضا غيرها والعرب تظنّ أن أحدا لا يعمل شيئا الا بعرق ينزعه شبهه فلما خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم دين قريش قال مشركو قريش نزعه أبو كبشة* وفى المتقى أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة أبى آمنة هى قيلة ويقال هند بنت أبى قيلة وقيل عمرة بنت وجز ابن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملكان وأمّها سلمى بنت لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك وأمّها مارية بنت كعب وأمّ وجز بن غالب السلافة بنت راهب بن بكير وأمّها بنت قيس بن ربيعة وأمّ عبد مناف ابن زهرة حمل بنت مالك وأمّ زهرة بن كلاب أمّ قصىّ وهى فاطمة بنت سعد بن سيل وأمّ آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب وأمّ برة هى أمّ حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصىّ بن كلاب قاله ابن قتيبة وقال أبو سعيد أمّ سفيان بنت أسد ابن عبد العزى بن قصىّ بن كلاب بن مرّة وأمّ حبيب هى برّة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدىّ ابن كعب بن لؤىّ وأمّ برّة بنت عوف هى قلابة بنت الحارث بن صعصعة بن عائذ بن لحيان من هذيل كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى أمّ برّة بنت عوف بن قلابة بن الحارث بن مالك بن حباشة انتهى وأمّ قلابة هى هند بنت يربوع من ثقيف قاله ابن قتيبة وقال سعد انها بنت مالك بن عثمان من بنى لحيان فالجدّة الاولى والثانية والثالثة من أمّهات أمّه صلّى الله عليه وسلم قرشيات وأمّ أبى آمنة سلمية والرابعة لحيانية هذلية والخامسة ثقيفية ففى كل قبيلة من قبائل العرب له علقة نسب كذا فى المواهب اللدنية وأما فى المنتقى فقال أمّ قلابة أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان وأمّها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تميم ابن سعد وأمّها عاتكة بنت عاضرة بن عطيط بن جشم بن ثقيف وأمّها ليلى بنت عوف قال محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ابن السائب كتبت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية كما مرّ منقولا عن الشفاء برواية ابن الكلبى فان بعض أهل الجاهلية كانوا اذا أرادوا النكاح يقولون عند الخطبة خطب ويقول أرباب المرأة نسكح وهو عندهم عبارة عن العقد ومن أمثالهم أسرع من نكاح أمّ خارجة* واعلم أن أقوال النسابين والمؤرّخين فى سلسلة نسب نبينا صلى الله عليه وسلم الى عدنان متفقة وفيما فوق عدنان خلاف كثير بحسب كمية الاعداد وكيفية الاسماء* قال ابن دحية أجمع العلماء والاجماع حجة على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما انتسب الى عدنان ولم يتجاوزه انتهى والله أعلم ولله درّ القائل ونسبة عز هاشم من أصولها ... ومحتدها المرضىّ أكرم محتد سمت رتبة علياء أعظم بقدرها ... ولم تسم الا بالنبىّ محمد ويرحم الله القائل ... وكم أب قد علا بابن ذرى شرف كما علت برسول الله عدنان وعن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وسلم كان اذا انتسب لم يتجاوز معدّ بن عدنان ثم يمسك ويقول كذب النسابون رواه فى مسند الفردوس لكن قال السهيلى الاصح فى هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود* وفى الاكتفاء عن ابن عباس كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا انتهى الى عدنان أمسك ثم يقول كذب النسابون قال الله تعالى وقرونا بين ذلك كثيرا* روى ابن مسعود أنه كان اذا قرأ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله قال كذب النسابون يعنى انهم يدّعون علم الانساب ونفى الله علمها عن العباد* وعن ابن عباس أنه قال بين اسماعيل وبين عدنان ثلاثون أبا لا يعرفون* وذكر أبو الحسن المسعودى وآخرون بين عدنان وابراهيم نحوا من أربعين أبا وهذا أقرب فان المدّة بينهما طويلة جدّا لكن فى لفظها وضبطها اختلاف كثير كذا فى الجواهر المضيئة* وفى المنتقى وعدّ بعضهم بين معدّ واسماعيل أربعين أبا وفى رواية ثلاثين قرنا لا يعلمهم الا الله* وفى مورد اللطافة قيل بين عدنان وبين اسماعيل تسعة آباء وقيل سبعة* وفى الاكتفاء الصحيح المجمع عليه فى نسبه الى عدنان وما فوق ذلك مختلف فيه ولا خلاف فى أن عدنان من ولد اسماعيل نبىّ الله ابن ابراهيم خليل الله عليهما السلام وانما الاختلاف فى عدد من بين عدنان واسماعيل من الآباء فقلل ومكثر وكذلك من ابراهيم الى آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته الا الله تعالى وكذلك الاختلاف فى أن عدنان من ولد ثابت بن اسماعيل أو من ولد قيدار بن اسماعيل وثابت يروى بالنون وبالثاء المثلثة روى أن مالك بن أنس كان يكره أن ينسب الانسان نفسه أبا أبا الى آدم وكذلك فى حق النبىّ صلّى الله عليه وسلم لانه لا يعلم أولئك الآباء الا الله تعالى كذا فى معالم التنزيل* وفى سيرة ابن هشام عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب* وفى سيرة مغلطاى وقيل يشجب ابن يعرب بن يشجب بن ثابت بن اسماعيل بن ابراهيم خليل الرحمن بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن ارغو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى صلّى الله عليه وسلم فيما يزعمون والله أعلم وكان أوّل من أعطى النبوّة وخط بالقلم من بنى آدم ابن يرد بن مهلايل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم صلّى الله عليه وسلم* قال أبو محمد عبد الملك بن هشام حدّثنا زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى بهذا الذى ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام وحدّثنى خلاد بن قرّة بن خلد السدوسى عن شيبان بن زهير بن شقيق ابن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال اسماعيل بن ابراهيم خليل الله ابن تارخ وهو آزر بن ناحور بن أسرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ابن ارغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم صلّى الله عليه وسلم وسردا الطبرى فى خلاصة السير النسب النبوى الابوى الى ابراهيم موافقا لما رواه ابن هشام عن البكائى* وفى الصفوة عدنان بن أدد بن الهميسع بن حمل بن نبت ابن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم وكذا فى المنتقى الا أن فيه قدّم نبتا على حمل وبعضهم يقول عدنان بن أدّ بن أدد كذا فى دلائل النبوّة* وابراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالخ* وفى بعض الكتب فالغ بن عابر وهو هود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن ادريس بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهما السلام* وفى حديث أمّ سلمة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم عدنان بن أدد بن زيد بن برى بن اعراق الثرا قالت أمّ سلمة فزيد هو الهميسع وبرى هو نبت واعراق الثرا هو اسماعيل وقيل اعراق الثرا ابراهيم لانهم لما رأوه لم يحترق بالنار قالوا ما هو الا اعراق الثرا وزيد بالياء وقيل بالنون كذا فى دلائل النبوّة* أولاد آدم الصلبية روى عن ابن عباس أنه قال لم يمت آدم حتى بلغ أولاده وأحفاده أربعين ألفا الصلبية منهم أربعون عشرون منهم ذكورا وعشرون اناثا وقيل الاناث تسع عشرة والذكور احد وعشرون روى أن حوّاء كانت تلد فى كل بطن توأمين غلاما وجارية الا فى نوبة شيث فان النور المحمدى لما انتقل من آدم الى حوّاء حملت بشيث وحده لشرف نورا لنبوّة وهو المشهور وقيل كانت لشيث أيضا توأمة* وفى معالم التنزيل كان جميع ما ولدته حوّاء أربعين ولدا فى عشرين بطنا أوّلهم قابيل وتوأمته اقليميا وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث* واختلفوا فى مولد قابيل وهابيل قال بعضهم غشى آدم حوّاء بعد مهبطهما الى الارض بمائة سنة فولدت له قابيل وتوأمته اقليميا فى بطن ثم هابيل وتوأمته لبودا فى بطن وكان بينهما سنتان* وفى المختصر يقال ان بعد مائة وعشرين سنة من هبوط آدم ولد له ولدان فى بطن واحد قابيل وهابيل فقتل هابيل قابيل على الرواية الصحيحة لان قابيل اشتق اسمه من قبول قربانه وهابيل من هبل* وهى مخالفة لما هو المشهور وقال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الاوّل ان آدم كان يغشى حوّاء فى الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت بقابيل وتوأمته فلم تجد عليهما وجعا ولا طلقا حين ولدتهما ولم تر معهما دما فلما هبطا الى الارض تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فوجدت عليهما الوجع والطلق والدم* وفى بحر العلوم أوّل ولد ولد لآدم الحارث ولا أخت معه فى البطن ثم قابيل ومعه أخته اقليميا ثم هابيل وأخته ابودا ثم اسوف وأخته ثم شيث ثم انثى بعده فى بطن فزوّجها منه اسمها حروث ثم اباد وأخته ثم جنان وأخته ثم كرس وأخته ثم هون وأخته ثم نحود وأخته ثم سندل وأخته ثم بارق وأخته ثم كذا ثم كذا الى تمام أربعين بطنا عند محمد بن اسحاق* وقال وهب بن منبه مائة وعشرون بطنا وقيل خمسمائة بطن لتمام ألف ولد وبقى فيهم وفى أولادهم ألف لسان من العربية والعبرية والسريانية والفارسية والتركية والرومية والهندية والسغدية والخوارزمية وغيرها* قتل قابيل هابيل وفى المدارك روى أنه أوحى الله الى آدم أن زوّج كل واحد من قابيل وهابيل توأمة الآخر وكانت توأمة قابيل أجمل فحسد عليها أخاه هابيل وسخط فقال لهما آدم قرّ باقر بانا فأيكما قبل قربانه يتزوّجها ففعلا فقبل قربان هابيل بأن نزلت عليه نار فأكلته فازداد قابيل حسد او سخطا فقتله فتكا على غفلة منه* روى أن قابيل لما قتل أخاه أتاه ابليس فقال له انما أكلت النار قربان أخيك لانه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك ففعل فقابيل أوّل من سنّ القتل وعبادة النار* وفى بحر العلوم قال وهب كان يولد لحوّاء فى كل بطن ذكر وأنثى فولد قابيل وأخته اقليميا ثم ولد هابيل وأخته لبودا فأمر آدم قابيل أن يتزوّج بأخت هابيل وأمر هابيل أن يتزوّج بأخت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قابيل فأبى قابيل وشح بأخته رغبة عن حكم الله تعالى وقال أنا أحق بأختى التى ولدت فى بطنى ونحن من أولاد الجنة وهابيل وأخته من أولاد الارض فغضب آدم غضبا شديدا وقال هذه معصية لله تعالى اذهبا فتحا كما الى الله تعالى وقرّ باقر بانا فأيكما تقبل قربانه فهو أحق باقليميا وكان هابيل صاحب غنم يرعاها فى الحرم وقابيل صاحب زرع يزرع خارجا من الحرم فقرب هابيل كبشا من أعظم غنمه وأسمنها وقرب قابيل سنبلا من أسمن زرعه وأطيبه فتقبل الله قربان هابيل وكانت تنزل نار من السماء فى سلسلة بيضاء ليس لها وهيج ولا دخان فتقبل قربان المحق وتدع قربان المبطل ولم يتقبل قربان قابيل فقال قابيل لهابيل ما بالك تقبل منك قربانك ولم يتقبل منى قال هابيل مالى بذلك من علم فامتلأ قابيل بذلك غيظا وحسدا لاخيه فقال هابيل انما يتقبل الله من المتقين فقال قابيل لاقتلنك فقال هابيل لم قال لان الله تعالى تقبل قربانك وردّ قربانى فأفلح حجتك وأدحض حجتى ويقول الناس بعد اليوم أنك خير منى قال هابيل لئن بسطت الىّ يدك لتقتلنى الآية* وفى العرائس أنكر جعفر الصادق أن يكون آدم زوّج ابنته من ابنه وقال لما أهبط آدم وحوّاء الى الارض وجمع بينهما ولدت حوّاء ابنة سماها عناق فبغت وهى أوّل من بغى على وجه الارض فسلط الله عليها من قتلها فولدت لآدم على اثرها قابيل ثم ولدت له هابيل فلما أدرك قابيل أظهر الله جنية من الجنّ يقال لها حمالة فى صورة انسية فأوحى الله تعالى الى آدم أن زوّجها من قابيل فزوّجها منه فلما أدرك هابيل أهبط الله حوراء فى صورة انسية وخلق لها رحما وكان اسمها بركة فلما نظر اليها هابيل وصفها فأوحى الله تعالى الى آدم أن زوّج بركة من هابيل ففعل فقال قابيل ألست بأكبر من أخى وأحق بما فعلت به منه فقال يا بنىّ ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فقال لا ولكنك آثرته بهواك فقال له آدم ان كنت تريد أن تعلم حقيقة ذلك فقرّبا قربانا الى آخر القصة وكان موضع القربان منى ومن أجل ذلك صار منى مذبح الناس فلما توجها راجعين وبلغا العقبة أراد قابيل أن يقتل هابيل فلم يدر كيف يقتله فعمد ابليس الى طائر فرضخ رأسه بحجر وقابيل ينظر اليه فعمد هو الى أخيه فدمغه بحجر فقتله فحين فعل ذلك أرعش جسده وسقط فى يده ولم يدر كيف يصنع وأصبح نادما وذلك كان أوّل من قتل وحمله على ظهره ثلاثة أيام وكان يطوف به حتى تروّح جسده وانتفخ بطنه وظهرت زهومته* وفى المدارك لما قتله قابيل تركه بالعراء لا يدرى ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله فى جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع فبعث الله غرابا فأقبل يهوى حتى قتل غرابا آخر وجعل يحفر الارض بمنقاره ويبحث برجليه ثم ألقاه فى الحفرة ثم أثار التراب عليه حتى واراه وابن آدم ينظر اليه فقال يا ويلتا أعجزت ان أكون الآية* وفى المدارك روى أنه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض فسأله آدم عليه السلام عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذا اسودّ جسدك فالسودان من ولده* وفى العرائس كان لهابيل يوم قتل عشرون سنة واختلفوا فى مصرعه وموضع قتله وقال ابن عباس على جبل ثور وقال بعضهم على عقبة حراء وقال جعفر الصادق رضى الله عنه بالبصرة فى موضع المسجد الاعظم* وفى بحر العلوم لما رجع آدم من حجه ولم يجد هابيل وسأل عنه وقالوا لا ندرى مكث سبعة أيام ولياليها لا ينام فرأى بعد ذلك فى منامه ولده ينادى يا أبتاه يا أبتاه فاستيقظ وصاح وخرّ مغشيا عليه فجاء جبريل فأخذ برأسه وعزاه بالمصيبة وقال انه كان يصيح عند ما قتل وكذا يخرج من قبره يوم القيامة فقال آدم أنا برئ من قابيل فقال الله تعالى وأنا برئ منه أيضا ودل جبريل آدم على موضع مواراته فأتاه فبحثه فرآه مشدوخا ملطخا بالدماء فنادى يا حسرتاه يا أسفاه يا ولداه فبكى أهل السماء لبكائه وقالوا الآن كان استراح هذا المسكين من بكائه فقال الله تعالى دعوه فالدنيا دار البكاء* وفى العرائس صار قابيل طريدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 شريدا فزعا مرعو بالا يأمن فأخذ بيد أخته اقليميا وهرب بها الى عدن من أرض اليمن* وفى بحر العلوم بعد ما دفن قابيل أخاه انطلق هاربا حتى أوى الى واد من أودية اليمن فى شرقى عدن فكمن فيه زمانا وبلغ آدم ما صنع قابيل فوجد آدم هابيل قتيلا ووجد الارض قد نشفت دمه فلعن الارض عند ذلك فمن أجل لعن آدم لا تنشف الارض دما بعد دم هابيل الى يوم القيامة وأنبتت الشوك ثم ان آدم احتمل ابنه على عنقه زمانا طويلا يد وربه فى البلاد ولا تجف دموعه ثم دفنه* وفى رواية لم يقتله حتى غاب آدم للحج ففعل ذلك ثم رجع آدم فلم يجد هابيل ووجد سائر أولاده ونوافله قد استقبلوه فقال أين هابيل فاعتل قابيل بشئ ثم ظهر له ذلك فلعن الارض بتنشيف دمه فأخرجت ما كانت نشفت وتزلزلت وهربت السباع الى الجبال وقالوا زال الامن من الناس فقد قتل الاخ أخاه وعق الولد أباه ودعا آدم على قابيل فأمر الله تعالى الارض بأن تخسفه فخسفته الى ركبتيه ثم كان من مناجاته يا رب أنت أرحم الراحمين لا تترك رحمتك لذنبى فأمر الله الارض أن تطلقه وأتاه ملك فكسر رجليه ويديه وقيده وغله وطاف به مجرورا على الارض فى الدنيا كلها سبع مرّات وكان يعذب فى هذه الطوفات فى الشتاء بجبال الثلج وفى الصيف بجبال النار ثم رماه بعض أولاده من نوافله بحجر فرضخه فقتله فصار الى النار فبئس القرار قال الله تعالى فى حاله فى جهنم وقول أهل النار ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجنّ والانس الآية* وفى حديث مقاتل باسناده عن علىّ كرّم الله وجهه لما أنكر قابيل قتل هابيل شهدت جوارحه وبعث الله ملكا فأخذه واستقبل به الشمس يدور معها حيث دارت يعذبه بالنار فى الصيف وبالزمهرير فى الشتاء ثمانين سنة ثم ألقاه الى الارض ثم أمر بخسفه فى الارض* قال العتابى سلط الله على قابيل الريح حتى ألقته الى أقرب موضع من الشمس وأشدّها حرّا فى الصيف حتى يحترق وفى الشتاء ألقته الى أبعد موضع من الشمس وأشدّها بردا وهكذا يحوّله ويعذبه الى يوم القيامة وهو قول مجاهد* وقيل ان قابيل كان من لقمة آدم التى نهى عنها فى الجنة فظهر ذلك فى ولده فصار اماما للكفرة والظلمة ويأجوج ومأجوج من نسله* وفى معالم التنزيل لما قتل قابيل هابيل وآدم حينئذ بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الاطعمة وحمضت الفواكه ومرّ الماء واغبرت الارض وعن علىّ رضى الله عنه اغبرّت الارض وانتقصت الاشياء كلها يومئذ طعوم الثمار وضوء الشمس ونور القمر وريح الرياحين والطيب وعذوبة الماء ونبت العوسج فقال آدم قد حدث فى الارض شئ فأتى الهند فاذا قابيل قد قتل هابيل فبكى آدم وحوّاء وامتنع من غشيانها وناح آدم وحوّاء عليه بهذه الابيات وهو أوّل من قال الشعر والله أعلم تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الارض مغبرّ قبيح تغير كل ذى طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه الصبيح فوا أسفا على هابيل ابنى ... قتيلا قد تضمنه الضريح وقابيل أذاق الموت هابيل ... فواجزنى لقد فقد المليح وجاءت شهلة ولها أنين ... لها بلها وقابلها تصيح لقتل ابن النبىّ بغير جرم ... فقلبى عند قتلته جريح وجاورنا عدوّ ليس يفنى ... لعين لا يموت فنستريح وقالت حوّاء رحمها الله تعالى دع الشكوى فقد هلكا جميعا ... يهلك ليس بالثمن الربيح وما يغنى البكاء عن البواكى ... اذا ما المرء غيب فى الضريح فبك النفس منك ودع هواها ... فلست مخلدا بعد الذبيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وقال لهما ابليس لعنه الله تعالى تنح عن البلاد وساكنيها ... فبى فى الخلد ضاق بك الفسيح وكنت بها وزوجك فى رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح فما زالت مكايدتى ومكرى ... الى أن فاتك الخلد الربيح فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح تابعه الثعلبى فى قول آدم وتفرّد فى قول حوّاء وابليس ونقل ابن الاثير أيضا فى كتاب كامل التاريخ وصاحب زين القصص وغيرهما شعر آدم لكن قال صاحب الكشاف اسناده الى آدم كذب محض وقال الامام فخر الدين الرازى صدق صاحب الكشاف* وفى معالم التنزيل بعد ما نقل الشعر المذكور روى ميمون بن مهران عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال من قال ان آدم عليه السلام قال شعرا فقد كذب على الله ورسوله فان محمدا والانبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام فى النهى عن الشعر سواء ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سريانى وقال لشيث يا بنىّ انك وصيى فاحفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينتقل الى أن وصل الى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أوّل من تكلم بالعربية وكان يقول الشعر وفى القاموس يعرب بن قحطان أبو اليمن وأوّل من تكلم بالعربية فنظر فى المرثية فردّ المقدّم الى المؤخر والمؤخر الى المقدّم فوزنه شعرا وزاد فيه أبياتا منها ومالى لا أجود بسكب دمعى ... وهابيل تضمنه الضريح أرى طول الحياة علىّ غما ... فهل أنا من حياتى مستريح وفى معالم التنزيل ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وفى البحر العميق مائتان وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حوّاء شيثا وفى المختصر تفسيره هبة الله يعنى انه خلف من هابيل وكذا فى العرائس عن جعفر الصادق* وفى البحر العميق وكان قيامه بالامر بعد آدم مائتين وثنتى عشرة سنة ومات وله تسعمائة واثنتا عشرة سنة واختلف فى نبوّته* وفى معالم التنزيل ان الله تعالى علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا فى البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة وعن محمد بن جرير أن أنساب جميع بنى آدم اليوم تنتهى الى شيث لان نسل سائر أولاده قد انقطع فى الطوفان * قصة عنق وابنها عوج وفى معالم التنزيل والعرائس وكانت احدى بنات آدم لصلبه عنق وكان مجلسها جريبا من الارض وفى العرائس وكان كل اصيع من أصابعها ثلاثة أذرع فى عرض ذراعين فى رأس كل اصبع منها ظفران حديدان مثل المنجلين وكان موضع جلوسها جريبا من الارض ويقال انها أوّل من بغى على وجه الارض فأرسل الله عليها أسودا كالفيلة وذئابا كالابل ونسورا كالحمر فسلطهم عليها فقتلوها وأكلوا لحمها وشربوا دمها انتهى فولد منها عوج وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع* وفى العرائس كان طول عوج بن عنق ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا بذراع زمانه وكان يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه اليها ثم يأكله* ويروى أن الماء طبق ما على الارض من جبل وفى موضع آخر منه علا الماء على رؤس الجبال بقدر أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا وما جاوز ركبتى عوج* وفى موضع آخر منه كان الماء الى حجزته كما سيجىء* وفى القاموس عوج بن عوق بضمهما رجل ولد فى منزل آدم فعاش الى زمن موسى عليه السلام وذكر من عظم خلقه شناعة* وفى القاموس أيضا عوق كنوح والدعوج الطويل ومن قال عوج بن عنق فقد أخطأ* وفى الانس الجليل عوج ابن عناق نسبة لامّه عناق بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 آدم وهى أوّل من بغى على وجه الارض وعمل الفجور والسحر وجاهرت بالمعاصى وولدت عوجا الجبار ولم يغرقه الطوفان ولم يبلغ بعض جسده وطلب السفينة ليغرقها* وفى معالم التنزيل عاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يد موسى وذلك ان الله وعد موسى عليه السلام أن يورثه وقومه الارض المقدّسة وهى الشام* وفى عمدة المعانى الارض المقدّسة أى المطهرة وهى دمشق وفلسطين وبعض الاردن وقيل الشام كلها وسيجىء أمرهم الله تعالى بالسير الى أريحاء من أرض الشام وهى الارض المقدّسة وكان لها ألف قرية وفى كل قرية ألف انسان وكان لا يحمل عنقودا من عنهم الا خمسة أنفس فى خشبة بينهم ويدخل فى شطر الرمانة اذا انزع حبها خمسة أنفس قال ابن عباس اريحاء قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق وقيل بلقاء* وفى معالم التنزيل سمى أولئك القوم جبارين لامتناعهم لطول قامتهم وقوّة أجسادهم وكانوا من العمالقة وبقية قوم عاد وقال الله يا موسى انى كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج اليها وجاهد من فيها من العدوّ فانى ناصرك عليهم وخذ من قومك اثنى عشر نقيبا من كل سبط نقيبا كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به فاختار موسى النقباء وسار ببنى اسرائيل حتى قربوا من أريحاء وبعث هؤلاء النقباء يتجسسون الاخبار ويعلمون علمها فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عنق وكان طول قامته وعمره ما ذكرنا وعلى رأسه خرمة حطب فأخذ النقباء الاثنى عشر وجعلهم فى حزمته وانطلق بهم الى امرأته وقال انظرى الى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يزيدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال لأطحننهم فقالت امر أنه بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم ففعل ذلك* وروى أنه جعلهم فى كمه وأتى بهم الى الملك فنثرهم بين يديه وقال الملك ارجعوا فأخبروا بما رأيتم ثم انه جاء وقوّر صخرة من الجبل على قدر معسكر موسى فرسخا فى فرسخ وحملها ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فقوّر الصخرة بمنقاره فوقعت فى عنقه فصرعته فأقبل موسى وهو مصروع فقتله* وفى الانس الجليل والعرائس فأرسل الله طيرا فنقر الصخرة فنزلت من رأسه الى عنقه ومنعته الحركة فوثب موسى وكانت وثبته عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع وطول عصاه مثل ذلك ولم يلحق الاعرقوبه وهو مصروع وضرب كعبه فقتله وتركه بموضعه وأردم عليه التراب والرمل فكان كالجبل العظيم فى صحراء مصر وجاءت جماعة كثيرة من بنى اسرائيل فقطعوا رأسه بعد جهد جهيد بالخناجر ووضعوا ضلعا من أضلاعه على نيل مصر فجسرهم سنة كذا فى العرائس* وروى أن كل واحد من وثبة موسى وطوله وطول عصاه أربعون ذراعا* وهذه القصة لغرابتها أوردت فى البين فلنرجع الى ما كنا بصدده* روى ان آدم عاش تسعمائة وستين سنة وقيل ألف سنة وفى حياة الحيوان كان طول آدم ستين ذراعا وعاش ألف سنة الاستين عاما وفى المختصر الاسبعين عاما* وفى الانس الجليل تسعمائة وثلاثين سنة وكان وصيه شيث ومدّة مرضه أحد عشر يوما وتوفى بمكة يوم الجمعة وصلّى عليه جبريل واقتدى به الملائكة وبنو آدم* وفى رواية صلّى عليه شيث بأمر جبريل ودفن بمكة فى قبر لحد له فى غار أبى قبيس وهو غار يقال له غار الكنز قاله وهب* وفى العرائس قال ابن اسحاق فى مشارق الفردوس عند قرية هى أوّل قرية كانت فى الارض وكسفت عليه الشمس والقمر تسعة أيام ولياليها* وفى بحر العلوم عن ابن عباس أنه قال لما فرغ آدم من الحج رجع الى الهند فمات على نود بالهند ودفن بها وعن ثابت البنانى حفروا لآدم ودفنوه بسر نديب من الهند فى الموضع الذى أهبط عليه وصححه الحافظ عماد الدين بن كثير فى تفسيره والزمخشرى فى الكشاف* وفى المدارك لما توفى آدم غسلته الملائكة وحنطته وكفنته فى وتر من الثياب وحفروا له قبرا ولحد او دفنوه بسر نديب من الهند وقالوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 لبنيه هذه سنتكم وقيل ان قبره فى مغارة بين بيت المقدس ومسجد ابراهيم وعن ابن عمر أنه قال رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل وتوفيت حوّاء بعد آدم بسنة وقيل بثلاثة أيام ودفنت الى جنب آدم فى ذلك الغار ولم يزل قبر آدم هناك الى زمان الطوفان ولما حدث الطوفان حمله نوح وقيل حملهما فى تابوت معه فى السفينة وجعله معترضا بين الرجال والنساء قاله مقاتل* ولما انقضى الطوفان دفنه فى مدفنه الاوّل* وفى رواية ابن عباس دفن ببيت المقدس وقيل عند مسجد الخيف حكاه الذهبى ومسجد الخيف حكاه عروة بن الزبير* وفى المختصر الجامع قيل ان سام بن نوح أخرجه من السفينة وحمله الى منى ودفنه عند منارة مسجد الخيف* وفى الانس الجليل نزل جبريل على آدم اثنتى عشرة مرّة وقام بالامر بعد آدم شيث ويقال شاث ومعناه هبة الله ويقال عطية الله كذا فى سيرة مغلطاى وكانت ولادة شيث بعد مضىّ مائة وعشرين سنة لآدم بعد قتل هابيل بخمس سنين كذا فى كامل التاريخ* وفى رواية كان مولده لمضىّ مائتى سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم وقيل غير ذلك وكان شيث أجمل أولاد آدم وأشبههم به وأحبهم اليه وأفضلهم* وقال ابن عباس كان معه توأم ولما حضرت آدم الوفاة عهد الى شيث وعلمه ساعات الليل والنهار وعلمه العبادات فى كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان وصارت الرياسة بعد آدم اليه وأنزل الله تعالى عليه خمسين صحيفة واليه تنتهى أنساب بنى آدم كلهم اليوم وزوّجه الله مخوايله البيضاء بيت آدم فى حياته وكانت جميلة كأمّها حوّاء وخطب جبريل وشهدت الملائكة وكان آدم وليها فولدت أنوش بن شيث ويقال يانش ومعناه الصادق وكانت مدّة عمر شيث تسعمائة واثنتى عشرة سنة ومات لمضىّ ألف ومائة واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم ودفن فى غار أبى قبيس الى جنب أبويه وانتقلت رياسة الخلوّ بوصيته الى ابنه يانش وقام مقام أبيه قريبا من ستمائة سنة وعاش تسعمائة وخمسين سنة وقيل كان جميع عمرة تسعمائة وخمس سنين وكان مولده بعد أن مضى من عمر أبيه شيث ستمائة وخمس سنين كذا فى كامل التاريخ وولد لا نوش قينن بالقاف ويقال قينان ومعناه المتولى ولد من أخت أبيه نعمة بنت شيث بعد مضى تسعين سنة من عمر أنوش كذا فى الكامل* وفى سيرة ابن هشام قاين وقام مقام أبيه قريبا من خمس وتسعين سنة وعاش تسعمائة واثنتى عشرة سنة كذا فى الكامل وقيل تسعمائة وثنتين وستين سنة وولد لقينان مهليل بن قينان ويقال مهلائيل ومعناه الممدّح وفى الكامل وغيره مهلائيل أوّل من بنى المدّن واستخرج المعادن وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد وبنى مدينة بابل بالعراق ومدينة السوس بخوزستان وكانتا أوّل ما بنى على وجه الارض وما بنيت قبلهما مدينة وكان مأوى بنى آدم فى المغارات والغيض كذا فى نظام التواريخ* وفى التوراة أن مهلائيل ولد بعد أن مضى من عمر آدم عليه السلام ثلثمائة وخمس وتسعون سنة وعاش ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة ونسابو الفرس قالوا مهلائيل بن قينان هو شنج الذى ملك الاقاليم السبعة كذا فى كامل التاريخ* وفى نظام التواريخ كثر الناس فى زمان مهلائيل وكان من كثرة الناس فى زحمة ففرّقهم مهلائيل فى أقطار الارض وجاء هو مع أولاد شيث الى أرض بابل* وفى كامل التاريخ مهلائيل هو أوّل من استنبط الحديد وعمل منه الادوات للصناعات وقدّر المياه فى مواضع المنافع وحض الناس على الزراعة واعتماد الاعمال وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش وبذبح البقر والغنم والوحش وأكل لحومها وانه بنى مدينة الرىّ وهو أوّل من استخدم الجوارى وأوّل من قطع الشجر وعملها فى البناء* ذكروا أنه نزل الهند وتنقل فى البلاد وعقد على رأسه تاجا وذكروا أنه قهر ابليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وتوعدهم على ذلك وقتل مردتهم فهربوا من خوفه الى المفاوز والجبال فلما مات عادوا وقبل انه سمى شرار الناس شياطين واستخدمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وملك الاقاليم كلها وانه كان بين مولد هو شنج وملكه وبين موت كيومرث مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة وقال أهل التوراة ان أوّل من اتخذ الملاهى من ولد قابيل رجل يقال له توبال اتخذها فى زمان مهلائيل ابن قينان واتخذ المزامير والطنابير والطبول والعيدان والمعازف فانهمك ولد قابيل فى اللهو وولد لمهلائيل يرد بمثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة وذال معجمة كذا فى الكامل ويقال يارد ويقال الرائذ ومعناه الضابط ولد بعد ما مضى من عمر آدم أربعمائة وستون سنة وكان هو القائم بوصية أبيه وعاش تسعمائة وثنتين وستين سنة وكل هؤلاء ولدوا فى حياة آدم * (ذكر ملوك الفرس متفرّقة ومشاهير الانبياء والحكماء الذين كانوا فى أيامهم) ** (ذكر كيومرث) * فى نظام التواريخ للشيخ ناصر الدين البيضاوى اتفق أهل التواريخ على أن أوّل الملوك كيومرث وزعم بعض المؤرّخين أن كيومرث هو آدم عليه السلام ولم يصدّقهم الآخرون وأورد الغزالى فى كتاب نصائح الملوك أن كيومرث أخو شيث وقال جماعة ان كيومرث من أولاد نوح وقيل هذا أظهر وعلى التقادير كلها ان كيومرث هو أوّل الملوك فى الارض ويقال ان كيومرث أوّل من بنى المدن ابتنى مدينتين احداهما اصطخر وكان أكثر مقامه بها والثانية دماوند وكان يقيم بها أحيانا وعاش ألف سنة وكان ملكه قريبا من أربعين سنة ووصى بملكه لابن ابنه هو شنج * (ذكر هوشنج) * وكان هو شنج صاحب علم وعدل وله كتاب فى الحكمة العملية ويدّعى الاعاجم أنه نبىّ ومن غاية عدله لقبوه بيشداد يعنى كثير العدل ووضع تاجا على رأسه واستخرج الحديد من الحجر وصنع منه آلات وزاد فى عمارة اصطخر التى هى دار ملكه وبنى مدينتين بابل وسوس ويقال ان بابل بناء الضحاك ويقال ان هو شنج كان مشتغلا بالعبادة فى الجبال حتى ان بعض الشياطين ضربوا رأسه بالحجر وهو فى السجود فأهلكوه وكان كيومرث يتضرّع الى الله حتى أخبر ليلة فى النوم عن حال هو شنج فقصد كيومرث تلك الجماعة من الشياطين فأهلكهم وبنى فى مقامهم مدينة بلخ من خراسان كذا فى نظام التواريخ* (ذكر طهمورث) * ولما توفى هو شنج قام مقامه سبطه طهمورث الذى هو ولىّ عهده وملك الاقاليم السبعة وعقد على رأسه تاجا وكان محمودا فى ملكه مشفقا فى رعيته وانه ابتنى شابور فى فارس وكهن فى مرو وبنى فى خطة اصفهان قمرين وساروية ونزلها وتنقل فى البلدان وانه وثب على ابليس حتى ركبه فطاف عليه فى أدانى الارض وأقاصيها وأفزعه ومردته حتى تفرّقوا وكان أوّل من اتخذ الصوف والشعر للبس والفرش وأوّل من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشى وغيرها وأخذ الجوارح للصيد وكتب بالفارسية وان موارسب ظهر فى أوّل سنة من ملكه ودعا الى ملة الصابئين كذا قال أبو جعفر وغيره من العلماء انه ركب ابليس وطاف عليه والعهدة عليهم وانما نحن نقلنا ما قالوا قال ابن الكلبى أوّل ملوك الارض من بابل طهمورث وكان لله مطيعا وكان ملكه أربعين سنة وهو أوّل من كتب بالفارسية وفى أيامه عبدت الاصنام وأوّل ما عرف الصوم فى ملكه وسببه أن قوما فقراء تعذر عليهم القوت فأمسكوا نهارا وأكلوا ليلا ما يمسك رمقهم واعتقدوا به تقرّبا الى الله تعالى وجاءت الشرائع به كذا فى الكامل* وفى نظام التواريخ وقع فى زمانه قحط فأمر الاغنياء أن يقنعوا بعشائهم ويعطوا غذاءهم للفقراء فوضع سنة الصوم ويقال ظهر فى زمانه فناء عظيم وكل من مات له حبّ صوّر صورته فبقى منه عبادة الاصنام ذكر ادريس عليه السلام وتزوّج يرد اغثوث وقيل بزوره فولدت له (اخنوخ) ابن يرد بهمزة وحذفها وحاء مهملة مفتوحة ونون وبعد الواو خاء معجمة وقيل بخاءين معجمتين ونون وواو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وفى آخره خاء معجمة كذا فى الكامل* وفى سيرة ابن هشام أهنخ ويقال أخنخ وهو ادريس سمى به لكثرة درسه الكتب فى صحف آدم وشيث كذا فى لباب التأويل والعرائس* واشتقاقه من الدرس على تقدير كونه عربيا ويمنعه منع صرفه* وفى الانس الجليل أدرك ادريس من حياة جدّه شيث عشرين سنة ويقال ان ولادته كانت فى زمن آدم قبل وفاته بمائة سنة وقيل حين توفى آدم كان قد مضى من عمر ادريس ثلثمائة وستون سنة* وفى المختصر ولد بعد وفاة آدم بمائة وستين سنة والجمهور على أن ادريس أوّل نبىّ بعث بعد آدم بمائتى سنة وما مضى من عمره فى النبوّة مائة وخمس سنين وأنزل عليه ثلاثون صحيفة ونزل عليه جبريل أربع مرّات كذا فى الانس الجليل وكان على شريعة آدم وكان خياطا وهو أوّل من خط بالقلم* قال أبو الحسين بن فارس فى كتابه فقه اللغة يروى أن أوّل من كتب الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلثمائة سنة كتبها فى طين وطبخه ولما أصاب الارض الغرق وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسماعيل الكتاب العربى وكان ابن عباس يقول أوّل من وضع الكتاب العربى اسماعيل كذا فى البرهان للزركشى وكان ادريس أوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وكان من قبله يلبسون الجلود وهو أوّل من نظر فى علم النجوم والحساب وحكماء اليونان ينسبون اليه فى علم الهيئة والنجوم والحساب ويسمونه هرمس الحكيم وهو عظيم عندهم كذا فى نظام التواريخ وهو أوّل أولى العزم وأوّل من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأوّل من اتخذ السبى والاسر وكان يسير الى حرب أولاد قابيل ويسبيهم ويستعبدهم وقيل ذلك كله كان فى حياة آدم* قال العلماء ان ادريس صعد الى السماء وعلم دور الافلاك وطبائع الكواكب وخواصها ثم نزل وكان ذلك معراجا له ولما مضى من عمر ادريس ثلثمائة سنة وثمان سنين توفى آدم وفى التوراة ان الله تعالى رفع ادريس بعد ثلثمائة سنة وخمس وستين سنة من عمره بعد أن مضى من عمر أبيه خمسمائة وسبعة وعشرون سنة وعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة وثنتين وستين سنة وعاش يرد بعد مولد ادريس ثمانمائة سنة كذا فى الكامل ويقال انه قبضت روحه فى السماء الرابعة وصلت عليه الملائكة وبدنه فى السماء الرابعة وتصلى عليه الملائكة كلما هبطت وقيل انه مات ثم أحياه الله وأدخله الجنة وهو فيها الآن وسيجىء وقال قوم انه نبئ بعد آدم بمائتى سنة ورفع وله أربعمائة وخمس وستون سنة والاوّل أشهر* وفى لباب التأويل والمدارك وكان سبب رفعه الى السماء الرابعة على ما قاله كعب الاحبار وغيره أنه سار ذات يوم فى حاجة فأصابه وهج الشمس فقال يا رب انى مشيت يوما فكيف من يحملها مسيرة خمسمائة عام فى يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرّها فلمّا أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرّها ما لا يعرفه فسأل الله عن سبب ذلك فقال ابن عبدى ادريس سألنى أن أخفف عنك حملها وحرّها فأجبته قال يا رب فاجمع بينى وبينه واجعل بينى وبينه خلة فأذن له حتى أتى ادريس فقال له ادريس اشفع لى عند ملك الموت ليؤخر أجلى فأزداد شكرا وعبادة فقال الملك لا يؤخر الله نفسا اذا جاء أجلها وأنا مكلمه فرفعه الى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ثم أتى ملك الموت وقال لى اليك حاجة صديق لى من بنى آدم يتشفع بى اليك لتؤخر أجله فقال ملك الموت ليس ذلك الىّ ولكن ان أحببت أعلمته أجله فيقدّم لنفسه قال نعم فنظر فى ديوانه فقال انك كلمتنى فى انسان ما أراه يموت أبدا قال وكيف ذلك قال لا أجده يموت الا عند مطلع الشمس قال أنا أتيتك وتركته هناك قال انطلق فما أراك تجده الا وقد مات فو الله ما بقى من أجل ادريس شئ فرجع الملك فوجده ميتا* قال وهب كان يرفع لادريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الارض فى زمانه فعجب مبنه الملائكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وحبب اليهم واشتاق اليه ملك الموت فاستأذن ربه فى زيارته فأذن له فقال لملك الموت أذقنى الموت يهن علىّ ففعل باذن الله فحيى بعد ساعة ثم رفعه الى السماء وقال أدخلنى النار فأزداد رهبة ففعل ثم قال أدخلنى الجنة فأزداد رغبة ففعل فقال له أخرج الى مقرّك فتعلق بشجرة وقال ما أخرج منها فبعث الله ملكا حكما بينهما قال له الملك مالك لا تخرج قال لان الله تعالى قال كل نفس ذائقة الموت وقد ذقته وقال وان منكم الا واردها وقد وردتها وقال وما هم منها بمخرجين فلست أخرج فأوحى الله الى ملك الموت باذنى دخل وبأمرى لا يخرج فهو حىّ هنالك* واختلفوا فى أنه حىّ فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت وقال قوم هو حىّ وقالوا أربعة من الانبياء فى الاحياء اثنان فى الارض وهما الخضر والياس واثنان فى السماء وهما عيسى وادريس* وفى فصوص الحكم الياس هو ادريس كان نبيا قبل نوح وقد رفعه الله مكانا عليا فهو فى قلب الافلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث الى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك اسم سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان ادريس الذى هو الياس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبانة وهى الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة ولم يبق له تعلق بما يتعلق به الاغراض النفسية* وفى الكشاف قيل الياس هو ادريس النبىّ وقراءة ابن مسعود وان ادريس لمن المرسلين فى موضع الياس وقرئ ادراس وقيل هو الياس بن ياسين من ولد هارون النبىّ أخى موسى وبعل علم لصنم كمناة وهبل وقيل كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء وكان الشيطان يدخل فى جوفه ويتكلم بشريعة الضلال والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشام وبه سميت مدينتهم بعلبك وقيل بعل الرب بلغة اليمن انتهى كلام الكشاف فلما رفع ادريس الى السماء وقع الاختلاف بين الناس وفتر الوحى الى زمان نوح * (ذكر ملك جمشيد) * وفى زمان اخنوخ ملك جمشيد والشيد عندهم الشعاع وجم القمر لقبوه بذلك لجماله وهو أخو طهمورث وقيل انه ملك الاقاليم السبعة وسخر له ما فيها من الجنّ والانس وعقد التاج على رأسه وأمر بعمل السيوف والدروع وسائر الاسلحة وآلة الصناع من الحديد وبعمل الابريسم وغزله والقطن والكتان وكلّ ما يساغ غزله وحياكته وصبغه ألوانا ولبسه وصنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة وطبقة فقهاء وطبقة كتابا وصناعا وحرّاثين واتخذ طبقة منهم خدما كذا فى الكامل* وفى نظام التواريخ زاد جمشيد فى عمارة مدينة اصطخر وعظمها حتى كان حدّها من حفرك الى آخر رامجرد مقدار اثنى عشر فرسخا فى الطول وعشرة فراسخ فى العرض واليوم ظللها وأساطينها باقية يقال لها چهل مناره أى ذات أربعين مناره ولم يخبر أحد بمثلها فى العالم ولما تم بناؤها سار اليها مع الملوك والعظماء وفى ساعة بلوغ الشمس نقطة الاعتدال الربيعى جلس على السرير ووعد الناس بالعدل والاحسان وسمى ذلك اليوم نوروز يعنى يوم جديد فمدّة ملكه بلغت الى قرب سبعمائة سنة وأبطره الملك والنعمة وغلبته الحماقة والتجبر فدعا الناس الى عبادته وصنع الاصنام على صورته وبعثها الى أطراف العالم ليعبدوها فسلط الله عليه شدّاد بن عاد حتى بعث اليه ابن أخيه ضحاك بن علوان حتى قلع جمشيد وقطعه قطعا قطعا ذكر متوشلخ وكان ادريس بن يرد قد تزوّج هدانة ويقال ادانة كذا فى الكامل ويقال تزوّج بروحا فولدت له (متوشلخ) بن اخنوخ بفتح الميم وبالتاء المعجمة باثنتين من فوق وبالشين المعجمة وبحاء مهملة وقيل بخاء معجمة كذا فى الكامل وكان لادريس حين تزوّج خمس وستون سنة وكان متوشلخ أوّل من ركب الفيل وانه سلك رسم أبيه اخنوخ فى الجهاد فعاش بعد ما ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 لمك سبعمائة سنة وكان مدّة عمر متوشلخ تسعمائة وسبعا وعشرين سنة وقيل غير ذلك فولد لمتوشلخ لمك ابن متوشلخ ويقال لامك بفتح الميم وكسرها وقيل كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابى وبه سميت الصابئون وكان لامك رجل أشقر أعطى قوّة وبطشا ونكح بأصح الروايتين شمخاء بنت أنوش وقيل قينوش ابنة مراكيل بن مخويل ويقال مراكيل بن مخاويل أو مخاويل بن اخنوخ وهو ابن مائة وسبع وثمانين سنة فولدت له (نوحا) ابن لمك عليه السلام وكان له يوم ولد نوح خمسمائة وخمس وتسعون سنة ذكر نوح عليه السلام وكان مولد نوح بعد موت آدم بمائة وست وعشرين سنة فبعث الله نوحا وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة فدعا قومه مائة وعشرين سنة ثم أمره الله تعالى بصنعة الفلك فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة ثلثمائة وخمسين سنة وروى عن جماعة من السلف انه كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على ملة الحق والكفر بالله حدث فى القرن الذى بعث اليهم فيه نوح فأرسله الله تعالى وهو أوّل نبىّ بعث بالانذار فى الدعاء الى التوحيد وهو قول ابن عباس وقتادة كذا فى الكامل* وفى معالم التنزيل وأنوار التنزيل كان لمك وشمخاء أبوا نوح مؤمنين قيل سمى نوحا لكثرة ما ناح على نفسه* وفى تفسير القشيرى فى الخبر أن نوحا عليه السلام كان اسمه يشكر ولكثرة ما كان يبكى أوحى الله اليه يا نوح كم تنوح فسموه نوحا وان ذنبه انه كان يوما مرّ بكلب فقال ما أوحشه فأوحى الله تعالى اليه أن اخلق أنت أحسن من هذا فكان يبكى معتذرا من مقالته تلك* وفى حياة الحيوان كان اسمه عبد الجبار وانما سمى نوحا لنوحه على ذنوب أمّته* وفى ربيع الابرار بكى نوح ثلثمائة سنة لقوله ان ابنى من أهلى* وفى الانس الجليل اسمه عبد الغفار وولد بعد مضىّ ألف وستمائة واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم وكان بعد رفع ادريس الى السماء بمائة وخمس وسبعين سنة* وفى العرائس أرسله الله الى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث وهو ابن خمسين سنة* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس أنه بعث بعد أربعين سنة ولبث فى قومه يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة فآمن به ثمانون نفسا من الرجال والنساء* قال عون بن شدّاد ان الله تعالى أرسل نوحا وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة كذا فى الكامل قال ابن عباس وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة وكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة والى هذا القول أشار الزمخشرى فى ربيع الابرار روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال ان نوحا كان يضرب ثم يلف فى لبد ثم يلقى فى بيته فيرون أنه قدمات ثم يخرج فيدعوهم حتى أيس من ايمان قومه فدعا عليهم فأجاب الله دعاءه وأمر أن يصنع الفلك صفة سفينة نوح قال نوح يا رب وما الفلك قال بيت من خشب يجرى على وجه الماء حتى أغرق أهل معصيتى وأريح أرضى منهم قال يا رب وأين الماء قال يا نوح انى على ما أشاء قدير قال يا رب وأين الخشب قال اغرس من الشجر فغرس وأتى على ذلك أربعون سنة وكف فى تلك المدّة عن الدعاء فلم يدعهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد فلما أدرك الشجر أمره الله أن يقطعه فقطعه وجففه وقال يا رب كيف أتخذ هذا البيت قال اجعله أزور على ثلاث صور رأسه كرأس الديك وجؤجؤه كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب الديك مائلا واجعلها مطبقة واجعل لها أبوابا فى جنبها واجعلها ثلاث طبقات واجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا قال قتادة وطولها فى السماء ثلاثون ذراعا والذراع الى المنكب كذا فى حياة الحيوان ومعالم التنزيل* وفى رواية أوحى الله تعالى الى نوح أن عجل بصنعة السفينة فقد اشتدّ غضبى على من عصانى فاستأجر نوح نجارين يعملون معه وأولاده حام وسام ويافث معه ينحتون السفينة فجعل طولها فى هذه الرواية ستمائة وستين ذراعا وعرضها ثلثمائة وثلاثين ذراعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وعلوّها فى السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا وهذا قول ابن عباس* وفى رواية الضحاك وطلاها بالقار من داخلها وخارجها وشدّها بالدسر وهى المسامير الحديد وفجر له عين القار يغلى غليانا حتى طلاها به هذا كله فى عرائس الثعلبى وعن زيد بن أسلم أنه قال مكث نوح مائة سنة يغرس الاشجار ويقطعها ومائة سنة يعمل الفلك وقيل غرس الشجر أربعين سنة وقطعة أربعين سنة كما مرّ وعن كعب الاحبار أن نوحا عمل السفينة فى ثلاثين سنة وفى رواية لمادنا هلاك قومه أتاه جبريل وقال ان ربك يأمرك أن تصنع الفلك قال وكيف أصنع ولست بنجار قال فان ربك يقول اصنع فانك بعينى* وفى الكشاف كان لله معه أعينا يكلؤه أن يزيغ فى صنعته عن الصواب وأن يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه فأخذ القدوم فجعل يصنع ولا يخطئ وقيل أوحى الله اليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر كما مرّ فلما أمره الله أن يصنع الفلك أقبل نوح على عمل الفلك ولها عن قومه وجعل بقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ ما يحتاج اليه الفلك من القار وغيره وجعل قومه يمرّون به وهو فى عمله فيسخرون منه ويقولون يا نوح صرت نجارا بعد النبوّة وروى أنهم كانوا يقولون يا نوح ماذا تصنع فيقول أصنع بيتا يمشى على وجه الماء فيضحكون منه استهزاء بعمل السفينة فانه كان يعملها فى برّية بمهمه فى أبعد موضع من الماء وفى وقت عز الماء عزة شديدة* وفى روضة الاحباب روى أن نوحا لما أمر باتخاذ السفينة جاء جبريل بشجر الساج وأمره بغرسه فغرسه فأدرك واستوى بعد عشرين سنة أو أربعين سنة ولما أدرك قطعه وتركه حتى يبس فجاء جبريل فعلمه صنعة السفينة فاشتغل هو وبنوه الثلاثة وأجير آخر بعمل السفينة* وفى حياة الحيوان أوّل من اتخذ الكلب للحرس نوح عليه السلام قال يا رب أمرتنى أن أصنع الفلك وأنا فى صناعته أصنع يوما فيجيئون بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لى ما أمرتنى به قد طال علىّ أمرى فأوحى الله اليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فاذا جاء قومه ليفسدوا بالليل هجمهم الكلب فينتبه نوح ويأخذ الهراوة ويثب لهم فينهزمون منه فالتأم له ما أراد* وفى بعض الكتب المنزلة لما أمر الله نوحا بقطع الاشجار وقلع الالواح قطعها وقلع منها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف لوح بعدد الانبياء عليهم السلام وكان على كل لوح اسم نبىّ من الانبياء أوّلهم آدم وآخرهم محمد صلّى الله عليه وسلم فكان على اللوح الاوّل اسم آدم وعلى الثانى اسم شيث وعلى الثالث اسم ادريس وعلى الرابع اسم نوح وعلى الخامس اسم هود وعلى السادس اسم صالح وعلى السابع اسم ابراهيم الى مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وكان كلما قلع لوحا يظهر عليه اسم نبىّ وأوحى الله الى نوح انه ناقص من سفينتك أربعة ألواح لا بدّ لها منها لتكمل وان نهر النيل شجرة فارسل اليها من يأتى بها فقال نوح لاولاده ذلك فلم يجبه أحد منهم فقيل لنوح أن قل ذلك لعوج بن عنق فانه عليه قوىّ ويقدر على السير اليه فقال نوح ذلك لعوج وشرط عليه أن يشبعه فذهب عوج اليها وجاء بها فقدّم اليه نوح ثلاثة أقراص من شعير فضحك عوج متعجبا وقال يا نوح كيف أشبع بهذا وأنا آكل كل يوم اثنى عشر ألف قرص وما أشبع قيل ان عوج لم يشبع من طعام قط ولم يسع فى لباس قط فقال نوح يا عوج قل بسم الله الرحمن الرحيم وكل فقال عوج بسم الله وأكل نصف قرص وشبع وبقى قرصان ونصف ثم ان نوحا قلع من تلك الشجرة أربعة ألواح وكمل بها السفينة وكان مكتوبا على اللوح الاوّل اسم أبى بكر وعلى الثانى اسم عمر وعلى الثالث اسم عثمان وعلى الرابع اسم علىّ رضى الله عنهم أجمعين فقال نوح يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء أصحاب محمد خاتم النبيين فكما ان سفينتك لم تكمل بدون هذه الالواح كذلك لم يكمل أمر أمة محمد بدون هؤلاء الاربعة قال ابن عباس اتخذ نوح السفينة فى سنتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وسمكها ثلاثين ذراعا وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون فحمل فى البطن الاسفل الوحوش والهوام وفى البطن الاوسط الدواب والانعام وركب هو ومن معه من ولد آدم فى البطن الاعلى وجعل الذرّ معه فى الطبقة العليا شفقة عليها لضعفها لئلا يصل اليها شئ وحمل معه ما يحتاج اليه من الزاد* وفى معالم التنزيل انها كانت ثلاث طبقات الطبقة السفلى للدواب والوحوش والطبقة الوسطى فيها الانس والطبقة العليا فيها الطير وروى عن الحسن أنه قال كان طولها ألفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع* وفى بعض الكتب كان عرضها أربعمائة ذراع ولها سبعة أطباق والمعروف أن طولها ثلثمائة ذراع واختلفوا فى التنور فى الآية قال عكرمة والزهرى قيل لنوح اذا رأيت الماء فار على وجه الارض فاركب السفينة فالمراد بالتنور فى الآية وجه الارض وروى عن علىّ رضى الله عنه أنه قال فار التنور أى طلع الفجّر الصبح وقيل فار التنور مثل كناية عن اشتداد الامر كقولهم حمى الوطيس أى اشتدّ الامر وقال الحسن ومجاهد والشعبى انه التنور الذى يخبر فيه ابتدأ منه النبوع على خرق العادة عن ابن عباس كان تنورا من حجارة وقيل من حديد كانت حوّاء تخبز فيه فصار الى نوح فقيل لنوح اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب السفينة أنت وأصحابك* وفى رواية قال نوح يا رب ما علامة الطوفان قال علامته أن يفور تنور امرأتك أو ابنتك وينبع الماء من بين النار ويرتفع كالقدر ويفور فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب* وفى المدارك أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ فى الانذار والاعتبار واختلفوا فى موضع التنور فقال مجاهد والشعبى كان فى ناحية الكوفة وقالا اتخذ نوح السفينة فى جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلى باب كندة وكان فوران الماء منه علما لنوح وانه من ذلك الموضع ركب السفينة وقال مقاتل كان ذلك تنور آدم وكان بالشام فى موضع يقال له عين وردة بقرب بعلبك* وفى انوار التنزيل كان بعين وردة من أرض الجزيرة وعن ابن عباس أنه كان بالهند وأدخل معه كل من آمن به واختلفوا فى عدد أصحاب السفينة قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظى لم يكن فى السفينة الاثمانية نوح وامرأته وثلاث بنين له سام وحام ويافث ونساؤهم فجميعهم ثمانية وقال الاعمش كانوا سبعة نوح وثلاث بنيه وثلاث كنائن له وقال ابن اسحاق كانوا عشرة نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعا وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم فجميعهم ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء وعن ابن عباس كان فى سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم وحمل نوح معه جسد آدم وجعله معترضا بين الرجال والنساء كما مرّ وأمر نوح أن لا يعلو ذكر على أنثى ما داموا فى السفينة فأصاب حام امرأته فى السفينة فدعا نوح عليه فغير الله نطفته فجاءت منه السودان ووثب الكلب على الكلبة فدعا نوح عليهم فقال اللهم اجعلهم عسرا كذا فى العرائس* وعن ابن عباس لما أمر نوح بالحمل فيها قال يا رب كيف أحمل فيها قال من كل زوجين اثنين فحشر الله اليه الوحوش والسباع والطير من البرّ والبحر والسهل والجبل ليحملها قال ابن عباس أرسل الله المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطيور الى نوح حين أصابها المطر وسخرت له فجعل يضرب بيديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والانثى فى يده اليسرى فيحملهما فى السفينة وعنه أوّل ما حمل نوح الذرّة* وفى العرائس أوّل ما حمل معه من الطيور الدرّة وآخره الحمار ودخل بصدره وتعلق ابليس بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينكص حتى قال نوح ويحك ادخل وان كان الشيطان معك كلمة زلت على لسانه فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه قال نوح ما أدخلك علىّ يا عدوّ الله قال ألم تقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ادخل وان كان الشيطان معك قال اخرج عنى يا عدوّ الله قال مالك بد أن تحملنى معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك* وفى تفسير القشيرى جاء فى القصة ان ابليس تعرّض له وقال احملنى معك فى السفينة فأبى نوح عليه السلام فقال يا شقى تطمع فى حملى اياك وأنت رأس الكفرة فقال ابليس يا نوح أما علمت أن الله أنظرنى الى يوم القيامة وليس ينجو اليوم أحد الا من فى هذه السفينة فأوحى الله الى نوح أن احمله وكان ابليس مع نوح فى السفينة* وفى تفسير القشيرى ان الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا احملنا فقال نوح لا أحملكما فانكما سبب البلاء والضرر فقالتا احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضرّ أحد اذكرك فمن قرأ حين خاف مضرّتهما سلام على نوح فى العالمين انا كذلك نجزى المحسنين انه من عبادنا المؤمنين ما ضرّتاه كذا فى حياة الحيوان* وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما حمل نوح فى السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف نطمئن أو تطمئن المواشى ومعنا الاسد فألقى الله عليه الحمى فكانت أوّل حمى نزلت الى الارض فهو لا يزال محموما وفى هذا المعنى قيل شعر وما الكلب محموما وان طال عمره ... ألا انما الحمى على الاسد الورد وعن وهب بن منبه لما أمر نوح أن يحمل من كل زوجين اثنين قال يا رب وكيف أصنع بالاسد والبقر وكيف أصنع بالعناق والذئب وكيف أصنع بالحمام والهرّة قال من ألقى بينهم العداوة قال أنت يا رب قال فانى أؤلف بينهم فلا يتضرّرون أوردهما فى حياة الحيوان* وفى أنوار التنزيل حمل فيها من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها وقال الحسن لم يحمل نوح الا ما يلد أو يبيض فأمّا ما يتولد من الطين من حشرات الارض كالبق والبعوض والذبات فلم يحمل منها شيئا فلما دخل وحمل معه من حمل تحرّكت ينابيع الغوط الاكبر وأمطرت السماء كأفواه القرب فجعل الماء ينزل من السماء وينبع من الارض حتى كثر واشتدّ وكان بين ارسال الماء واحتمال الماء الفلك أربعون يوما وليلة فعلا الماء رؤس الجبال بقدر أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا ولما كثر الماء فى السكك خشيت أمّ الصبىّ عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به الى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها ارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبىّ بيديها حتى ذهب الماء بها فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أمّ الصبىّ* قال الضحاك كان نوح اذا أراد أن يجرى السفينة قال بسم الله جرت واذا أراد أن ترسو قال بسم الله رست قال الله تعالى بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم* وفى العمدة من ركب البحر فأمانه من الغرق أن يقول بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون وكذا فى المعجم الكبير للطبرانى وعمل اليوم والليلة لابن السنى ومسند أبى يعلى الموصلى* وفى معالم التنزيل والعرائس فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى الى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فأكلاه فلما وقع الفأر جعل يفسد فى السفينة ويقرض الحبال لانه توالد فى السفينة فأوحى الله اليه أن اضرب بين عينى الاسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر* وفى حياة الحيوان شكوا الفأر فقال الفو يسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله تعالى الى الاسد فعطس وفى موضع آخر منها فمسح نوح عليه السلام على جبهة الاسد فعطس فخرجت الهرّة منه فتخبأت الفأرة منها* وفى روضة الاحباب روى أن السفينة كانت مطبقة وكانت ظلمة الهواء بحيث لا يتميز النهار من الليل قال ابن عباس خلق الله على حرف السفينة كهيئة خرزتين نيرتين تتحرّك احداهما كالشمس والاخرى مثل القمر ومن حركتهما يعلم الليل والنهار وأوقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الصلوات* وفى معالم التنزيل ان نوحا كان نجارا صنع السفينة وركبها لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرّت بالبيت وطافت به سبعا وقد رفعه الله من العرق وبقى موضعه وفى رواية انها طافت به سبعين مرّة وقد أعتقه الله من الغرق* وفى العرائس طافت السفينة بأهلها الارض كلها فى ستة أشهر لا تستقرّ على شىء حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم أسبوعا وقد رفع الله البيت الذى كان حجه آدم صيانة له من الغرق وهو البيت المعمور وخيأ جبريل الحجر الاسود فى جبل أبى قبيس فلما طافت السفينة بالحرم ذهبت فى الارض تسير بهم حتى انتهت الى الجودى وهو جبل بالجزيرة من أرض الموصل فاستقرّت عليه قال مجاهد تشامخت الجبال وتطاولت لئلا ينالها الماء قعلا فوقها خمسة عشر ذراعا وتواضع الجودى لامر ربه فلم يغرق ورست السفينة عليه* وفى الكشاف عن قتادة استقلت بهم السفينة فى رجب لعشر خلون منه وكانت فى الماء خمسين ومائة يوم واستقرّت على الجودى شهرا وهبط يوم عاشوراء* وفى معالم التنزيل قيل طافت بهم على تمام وجه الارض مرّتين حتى استوت على الجودى وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل وقيل بالشام وقيل بآمد روى أن نوحا بعث الغراب ليأتيه بخبر الارض ولينظر هل غرقت البلاد فوقع على جيفة طافية على وجه الماء فاشتغل بها فلم يرجع فدعا عليه نوح بالخوف فعلقت رجلاه وخوّف من الناس فلذلك لم يألف البيوت فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون فى منقارها ولطخت رجليها بالطين فعلم نوح أن الماء قد غيض والبلاد قد جفت فطوّقها بالخضرة التى فى عنقها ودعا لها بالانس وأن تكون فى أمان ومن ثمة تألف البيوت والآدميين* وفى حياة الحيوان ان ورشانا أخبر نوحا عليه السلام بنقص الماء لما كان فى السفينة* وفى معالم التنزيل قيل ما نجا من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء الى حجزته كما مرّ وكان سبب نجاته أن نوحا احتاج الى خشب الساج للسفينة ولم يمكنه نقلها فحملها عوج اليه من الشام وهو بالكوفة فنجاه الله من الغرق لذلك كما مرّ* وفى العرائس لما خرج نوح ومن معه من السفينة اتخذ بناحية باقور من أرض الجزيرة موضعا ابتنى هنا لك قرية سموها بسوق ثمانين لانه كان يبنى فيها بيتا لكل انسان ممن معه وهم ثمانون فهى الى اليوم تسمى سوق ثمانين* وفى العرائس قال أهل التاريخ أرسل الله الطوفان لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر آب من الشهور الرومية لمضىّ ستمائة سنة من عمر نوح ولتتمة ألفى سنة وفى رواية ثلاثة آلاف سنة ومائتين وستة وخمسين سنة* وفى المختصر واثنان وأربعون سنة بدل خمسين سنة من لدن أهبط الله آدم عليه السلام وركب نوح ومن معه فى السفينة لعشر خلون من رجب وخرجوا منها فى العاشر من المحرّم فلذلك سمى يوم عاشوراء وأقاموا فى الفلك ستة أشهر فلما هبط نوح ومن معه سالمين صام نوح وأمر جميع من معه من الانس والوحوش والدواب والطير فصاموا شكرا لله تعالى ويقال ان نوحا ومن معه كانت أظلمت أعينهم فى السفينة من دوام النظر فى الماء فأمر بالاكتحال يوم عاشوراء الذى خرجوا فيه من السفينة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من اكتحل بالاثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبدا* وفى الانس الجليل كان الطوفان بعد هبوط آدم بالفى سنة ومائتين واثنين وأربعين سنة وعمر نوح ألف وأربعمائة وخمسون سنة وهو الموافق للآية وفى المختصر ولد نوح فى السنة المائتين وسبع وثمانين من عمر لك وعاش نوح فى الدنيا تسعمائة وخمسين سنة وولد بعد وفاة آدم بتسعمائة سنة وثنتى عشرة سنة وكان الغرق فى سنة ستمائة من عمر نوح وكان بين الطوفان وهبوط آدم ألفان ومائتان واثنان وأربعون سنة* وفى العرائس عاش نوح بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة وكان جميع عمره ألف سنة الا خمسين عاما ثم قبضه الله اليه هذا قول أكثر العلماء وكذا هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فى التوراة وقال عون بن أبى شدّاد عاش نوح عليه السلام بعد الطوفان ألف سنة الا خمسين عاما وقبل الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة فعلى هذا القول كان مبلغ عمر نوح ألفا وثلثمائة سنة* وفى ربيع الابرار كان نوح فى بيت من شعر ألفا وأربعمائة سنة فكلما قيل له يا رسول الله لو اتخذت بيتا من طين تأوى اليه قال أنا ميت غدا فتاركه فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا ويروى أنه قيل لنوح حين حضرته الوفاة كيف رأيت الدنيا قال كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر* روى أنه لما كثر أولاد نوح وذراريهم وكانوا ساكنين بعد نوح بالموصل الى بابل سنين وكان كلام جميعهم بالسريانية فاقتضت الارادة الالهية تعمير البلاد بأصناف العباد فتغايرت ذات ليلة ألسنتهم وتناكرت أفئدتهم فأصبحوا يوما وقد تبلبلت ألسنتهم وتكلم كل واحد منهم باللسان الذى عليه أعقابهم اليوم فلم تعرف فرقة منهم كلام الاخرى فحرجوا من بابل كل فرقة بأهليهم يهيمون فى الارض فتفرّقوا فى البلاد والاقطار واتخذوا منها القرى والامصار فتوالدوا فيها وتكاثروا واشتهر كل مكان باسم ساكنيه* وفى الانس الجليل لما خرج نوح من السفينة قسم الارض بين أولاده الثلاثة سام ويافث وحام أعطى ساما الحجاز واليمن والشام والجزيرة وأعطى يافثا المشرق وأعطى حاما المغرب* وفى الوفاء عن ابن عباس لما خرج الناس من السفينة نزلوا طرف بابل وكانوا ثمانين نفسا فسمى الموضع سوق الثمانين كما مرّ وطول بابل مسيرة عشرة أيام واثنى عشر فرسخا فمكثوا بها حتى كثروا وصار ملكهم نمرود بن كنعان بن حام فلما كفروا تبلبلوا وتفرّقت ألسنتهم على اثنين وسبعين لسانا ففهم الله العربية منهم عمليق وطسم ابنى لاود بن سام بن نوح وعادا وعبيل ابنى عوص بن ارم بن سام وثمود وجديس ابنى جائر بن ارم بن سام وقنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام فنزلت عبيل يثرب ويثرب اسم عبيل ثم أخرجوا منها ونزلوا الجحفة فجاءهم سيل أجحفهم منه فسميت الجحفة وقال أبو القاسم الزجاج أوّل من سكن المدينة عند التفرّق يثرب بن فانية بن مهلائيل بن عوم بن عبيل بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وبه سميت يثرب* وروى عن ابن عباس ما يدل عليه وقال ياقوت كان أوّل من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمر بها الدور والآطام واتخذ بها الضياع العماليق وهم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح وكانت العماليق ممن انبسط فى البلاد فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز الى الشام ومصر وجبابرة الشام وفراعنة مصر منهم* وفى الوفاء الحجاز بالكسر مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها* وفى المختصر وكان أوّل من خرج منهم من بابل ولد يافث بن نوح وكانوا سبعة اخوة منهم الترك والخوز والصقالبة والتاريس ومنسك وكار والصين فسلكوا مطلع الشمس مما يلى المشرق وتسوقهم ريح الجنوب والصبا فتفرّقوا فى تلك الارض الى الشمال وتكلم كل واحد منهم بلسان عليه ولده الآن ثم من بعدهم ولد حام بن نوح وكانوا أيضا سبعة اخوة منهم السند والهند والحبش والقبط والبجه فسلكوا وايمنة عن مطلع الشمس مما يلى الغرب تسوقهم ريح الدبور حتى انتهوا الى بلدان يسمونها بهم اليوم وتكلموا باللسان الذى عليه أولادهم الآن وأقام سام بن نوح ببابل حتى تغيرت أحوالهم واختلفت أقوالهم وتفرّقت كلمتهم وله أولاد وبنون ذوو جمال وعقل منهم أكبرهم سنا وأكثرهم جمالا وعقلا وأفضلهم كلاما وكمالا عالم بن سام والنضر بن سام وكان أحرصهم عملا والاسود ابن سام وكان أعزهم نفسا ولهم أولاد كثيرة منهم عراق بن عالم وكرمان بن ايرج بن سام وخراسان ابن عالم وفارس بن أسود وروم بن الاسود وأرمن بن يوزخ بن سام وهيطل بن عالم فطلبوا منه هؤلاء البلاد التى عليها أعقابهم الى الآن فلم يبق فى مملكة بابل الا ولد أرفخشد بن سام بن نوح* وأما ولد ارم بن سام بن نوح احتقروا الناس بما أنعم الله عليهم من اللسان العربى والقوّة والبطش عند تبلبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الالسنة وكانوا سبعة اخوة وهم عاد وكان أعظمهم بطشا وأقواهم وثمود وصحار وطسم وجديس وجاشم ووبار وقد احتقروا الناس وملكوا على أنفسهم شديد بن عمليق بن عاد وأخاه عمليق العمالقة شدّاد بن عاد ولما وقع التخالف والتبلبل ببابل أوّل من رحل عاد بن ارم وولده وسار نحو المشرق فسمع مناديا فى الهواء يا عاد خذيمنة فلذلك سموا باليمن فسار أمام ولده فسبق الى أرض اليمن واستوطنها وفرّق ولده فيها ثمّ تبعه أخوه ثمود فى أهله وماله فسار حتى نزل بين الحجاز والشام وكان ذا ماء وشجر ثم تبعهما أخوهما طسم فى أهله وماله وولده وسار نحو عمان والبحرين وهو أمامهم حتى أتى عمان فرأى بلادا واسعة كثيرة الماء والكلا فنزلها وفرّق أولاده فيها ثم تبعهم أخوهم جديس فسار بأهله وولده حتى أتى اليمامة فرأى بلادا واسعة طيبة التربة قريبة الماء فنزل فيها وكان يسمى اذ ذاك جو فوجه بعض ولده الى هجر فاحتوى عليها فنزل بها ثم تبعهم أخوهم صحار فى ولده وماله وأهله ولزم السمت الذى سلكه أخوه عاد فسار حتى نزل تهامة والحجاز وأقام بها وفرّق أولاده فيما بين الطائف الى جبلى طى ثم تبعهم أخوهم جاشم وكان أجملهم وجها فسار أمام قومه يقفو آثار صحار حتى لحقه وقد استوطن تهامة والحجاز حتى أقام معه بها وتفرّق أولاده فيما بين الحرم الى حدّ سفوان ثم تبعهم أخوهم الاصغر وبار بأهله وسار الى رمل عالج على شاطئ بحر القلزم بحر كثير الخير فهؤلاء العرب السالفة الاولى الذين انقرضوا الى آخرهم وهؤلاء الذين احتقروا الناس لكثرتهم وتفرّقوا وملكوا عليهم شديد بن عمليق بن عاد وانه كان أشدّ رجل فى الجبابرة من ولد عاد وأعقلهم* وفى نظام التواريخ اعلم أن لارم أخى أرفخشد سبعة بنين عاد وثمود وصحار وطسم وجديس ووبار فسار عاد الى اليمن وثمود الى ما بين الحجاز والشام وصحار الى أراضى طى وطسم الى عمان والبحرين وجديس الى أرض يمامة وجاشم الى ما بين الحرم وسفوان ووبار الى أرض سميت به وكثر أولاد عاد حتى استولوا وكان كبيرهم عمليق بن عاد ولما توفى ملك شدّاد وشديد من أولاد عاد وغلبا فبعث الضحاك الى أرض بابل وفارس ليقهر جمشيد فنزل الضحاك هناك وشرع فى الظلم فأرسل الله تعالى هود بن خلد بن الخلود بن عيص بن عمليق فدعا عادا فلم يلتفت اليه شدّاد فأهلكهم الله تعالى بالريح العقيم وملك مرثد بن شدّاد وآمن بهود عليه السلام وكان معه بحضر موت حتى توفيا* قال وكان نوح نبيا مرسلا من أولى العزم وأوّل نبى نسخت شريعته شريعة من قبله فنسخت شريعة آدم وكان ادريس على شريعة آدم ويدعو الخلق اليها* وفى معالم التنزيل كان نوح أطول الانبياء عمرا وجعلت معجزته فى نفسه فانه عمر ألف سنة أو أكثر ولم ينقص له سنّ ولم تشب له شعرة ولم تنقص له قوّة ولم يصبر نبىّ على أذى قومه مثل ما صبر هو على أذى قومه على طول عمره* (ذكر الضحاك) * الفرس تقول له بيور اسب واژدرهايى والعرب تنقله وتعربه وتسميه الضحاك فى الكامل قال ابن هشام وابن الكلبى ملك الضحاك بعد جمشيد فيما يزعمون ألف سنة ونزل السواد فى قرية يقال لها برس فى ناحية طريق الكوفة وملك الارض كلها وسار بالجور والتعسف وبسط يده فى القتل وكان أوّل من سنّ الصلب والقطع وأوّل من وضع العشور وضرب الدراهم قال بلغنا أن الضحاك هو النمروذ وان ابراهيم الخليل ولد فى زمانه وانه صاحبه الذى أراد احراقه وتزعم الفرس أن الملك لم يكن الا للبطن الذى منه أو شهنج وجم وطهمورث وان الضحاك كان غاصبا وانه غصب أهل الارض بسحره وخبثه وكان ساحرا فاجرا ويهوّل عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه وقال كثير من أهل الكتب ان الذى كان على منكبيه كانا لحمتين طويلتين كل واحدة منهما كرأس الثعبان وكان يسترهما بالثياب ويذكر على طريق التهويل انهما حيتان تقتضيانه الطعام وكانتا تتحرّكان تحت ثوبه اذا جاعتا ولقى الناس منه جهدا شديدا وذبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الصبيان لان اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه كانتا تضربان فاذا طلاهما بدماغ انسان سكنا وكان يذبح كل يوم رجلين فلم يزل الناس كذلك حتى اذا أراد الله اهلاكه وثب رجل من العامّة من أهل اصفهان يقال له كابى الحدّاد بسبب ابنين له أخذهما أصحاب الضحاك بسبب اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه وأخذ كابى بيده عصا فعلق بطرفها جرابا كان معه ثم نصب ذلك العلم ودعا الناس الى مجاهدة الضحاك ومحاربته فأسرع الى اجابته خلق كثير لما كانوا فيه من البلاء وفنون الجور فلما غلب كابى تفاءل الناس بذلك العلم وعظموه وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الاكبر الذى يتبرّكون به وسموه درفش كابيان فسار كابى بمن اتبعه والتفت اليه فلما أشرف على الضحاك قذف فى قلب الضحاك منه الرعب فهرب من منازله وخلى مكانه فاجتمع الاعاجم الى كابى وكان افريدون بن القيان مستخفيا من الضحاك فواقى كابى ومن معه فاستبشروا بموافاته فملكوه وصار كابى والوجوه لافريدون أعوانا على أمره وبعض الفرس يزعم أن افريدون قتله يوم النيروز فقال العجم عند قتله امروز نوروز أى استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيدا فلما ملك افريدون وأحكم ما يحتاج اليه واحتوى على منازل الضحاك سار كابى أثره فأسره بدماوند فى جبالها وكان أمره يوم المهرجان فقال العجم آمد مهرجان لقتل من كان يذبح* (ذكر افريدون) * فى الكامل هو افريدون القيان وهو من ولد جمشيد وزعم بعض نسابة الفرس ان نوحا هو افريدون الذى قهر الضحاك وسلب ملكه وزعم بعضهم أن افريدون هو ذو القرنين صاحب ابراهيم الذى ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز وأما باقى نسابة الفرس فانهم ينسبون افريدون الى جمشيد الملك وان بينهما عشر آباء كلهم يسمون القيان خوفا من الضحاك وانما كانوا يميزون بألقاب لقبوها وكان يقال لاحدهم القيان صاحب البقر الحمر والقيان صاحب البقر البلق وأشباه ذلك وكان افريدون أوّل من ملك الفيلة وامتطاها ونتج البغال واتخذ الاوز والحمام وردّ المظالم وأمر الناس بعبادة الله تعالى والانصاف والاحسان وردّ على الناس ما كان الضحاك غصبها من الارضين وغيرها الا ما لم يوجد له صاحب فانه وقفه على المساكين وهو أوّل من نظر فى علم الطب وكان له ثلاثة بنين اسم الاكبر سلم والثانى طورج والثالث ايرج فخاف أن يختلفوا بعده فقسم ملكه بينهم أثلاثا وجعل ذلك فى سهام كتب أسماءهم عليها وأمر كل واحد منهم فأخذ سهما فصارت الروم وناحية العرب لسلم وصارت الترك والصين لطورج وصارت العراق والسند والهند والحجاز وغيرها لايرج وهو الثالث وكان يحبه وأعطاه التاج والسرير ومات افريدون ونشأت العداوة بين أولاده من بعده ولم يزل التحاسد ينمو بينهم الى أن وثب طورج وسلم على أخيهما ايرج فقتلاه وابنين كانا لايرج وملكا الارض بينهما ثلثمائة سنة وكان ملك افريدون خمسمائة سنة انتهى فتزوّج نوح عمورة وكانت من الصالحات القانتات فولدت له ساما الصحيح عند أهل الاخبار وأهل التوراة ان ساما وحاما ويافث ولدوا لنوح بعد أن مضى من عمره خمسمائة سنة وقال قتادة ووهب بن منبه ان الناس كلهم من ذرّية نوح ولذا يقال له آدم الثانى* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء الا أولاده ونساءهم ونزل جبريل عليه خمسين مرة وقبره بكرك نوح وكان لنوح أربعة بنين الاوّل سام ولد بسلمى قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة وهو بكر أبيه ووصيه وولىّ عهده كذا فى العرائس* وفى رواية كان سام الاوسط وكان يافث أسنّ منه وانما قدّم لان الانبياء من نسله وولد له ارم وأسود وأرفخشد وعويلم ولاود* وسام أبو العرب وفارس والروم وكان هو القيم بعد نوح فى الارض ومن ولده الانبياء كلهم عربهم وعجمهم وجعل فى ذرّيته النبوّة والكتاب واليمن كلها من ولده وعاد وثمود وطسم وجديس والفرس من ولده وقد مرت الاشارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 اليه ونزل بنوه سرّة الارض ووسطها وهو الحرم وما حوله من اليمن الى عمان وفيها بيت المقدس والنيل والفرات ودجلة وسيحون وهو الذى اختط مدينة القدس وأسس مسجدها وكان ملكا عليها ومات وعمره ستمائة سنة والثانى يافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج والخوز والصقالبة ومنازلهم شمالى الارض للروم والصقالبة وترخان والترك الى الصين ويأجوج ومأجوج والثالث حام وسكن هو وبنوه وذرّيته غربى النيل الى ما وراء وهو أبو السودان من الحبشة والزنج والنوبة* والفرنج والقبط من ولد قوط بن حام قيل كان نوح عليه السلام نائما وانكشفت عورته فمرّ به حام فضحك ولم يسترها فلذلك قطع الله النبوّة من نسله وجعله ونسله سودا* وفى بهجة الانوار غير الله لون حام ابن نوح اذ نظر الى عورة أبيه وكان أخبر نوح فدعا عليه وسوّده الله مثل الزنج والحبشة وقدمر أن حاما أصاب امرأته فى السفينة فدعا عليه نوح فغير الله نطفته فجاءت منه السودان كذا فى العرائس ثم مرّ به يافث فلم يسترها ولم يضحك ثم مرّ به سام فسترها ولم يضحك فلذلك جعل الله النبوّة فى نسله والرابع يام ويقال له كنعان وهو أيضا ابنه الصلبى عند الجمهور وقيل كان ربيبه وابن امرأته واغلة وكان هو وأمّه كافرين فغرقا فى الطوفان ولم يبق له نسل وتزوّج سام امرأة لم يوجد مثلها فى الجمال والعفاف فى زمانها فولدت له أرفخشد ويقال انفخشد ومعناه مصباح مضىء كذا فى سيرة مغلطاى وتسميه الفرس هوشنك وعاش أرفخشد أربعمائة وخمسا وستين سنة* وفى الكامل زعم أهل التوراة أن أرفخشد ولد لسام بعد أن مضى من عمره مائة سنة وسنتان وكان جميع عمر سام ستمائة سنة ثم ولد لارفخشد شالخ بعد أن مضى من عمر أرفخشد خمس وثلاثون سنة وكان عمر أرفخشد أربعمائة وثمانيا وثلاثين سنة ومن نسله قحطان وفالغ قيل العبريون من نسل فالغ والعرب من نسل قحطان وكان اسمه يرد* وفى لباب التأويل اسمه يقطن ولا طعامه الناس فى القحط قيل انه يقحط القحوط ويطردها بسخائه فاشتهر بقحطان فتزوّج ارفخشد مرجانة فولدت له شالخ ومعناه الرسول وعاش أربعمائة وستين سنة* وولد لشالخ عابر ويقال له عيبر بمهملة ومثناة ساكنة ثم موحدة مفتوحة بعد أن مضى من عمر شالخ ثلاثون سنة كاملة وكان عمر شالخ كله أربعمائة وثلاثا وثلاثين سنة كذا فى الكامل ويقال عاش أربعمائة وأربعا وستين سنة وكان ولد بعد مضى ستمائة وتسع وستين سنة من عمر نوح وعند البعض عابر هو هود النبىّ عليه السلام المبعوث الى عاد الاولى وهم عقب عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام سموا عادا باسم أبيهم كما سموا بنو هاشم باسمه وثمود وجديس ابنا عاد بن ارم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنولاود بن سام بن نوح عرب كلهم ذكر ارم كذا فى سيرة ابن هشام نقلا عن ابن اسحاق روى أنه كان لعاد ابنان شدّاد وشديد فلكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الامر لشدّاد فلك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فبنى ارم على مثالها فى بعض صحارى عدن فى ثلثمائة سنة وكان عمرة تسعمائة سنة وهى مدينة عظيمة لم يخلق مثلها فى البلاد وقصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الاشجار والانهار ولما تم بناؤها سار اليها بأهل مملكته فلما كان على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا* وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج فى طلب ابل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مماثمة وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث الى كعب الاحبار فسأله فقال هى ارم ذات العماد وسيد خلها رجل من المسلمين فى زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج فى طلب ابل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال والله هذا ذلك الرجل كذا فى الكشاف وغيره وهو مخالف لما ذكره ابن الجوزى فى الصفوة من أن كعب الاحبار مات سنة ثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان* روى أنه بعث الله هودا عليه السلام الى عاد وكانوا قوما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 زادهم الله فى الخلق بسطة أى طولا فى الاجسام وامتدادا فى القدود أقصرهم ستون ذراعا وأطولهم مائة ذراع وقد تبسطوا فى البلاد ما بين عمان وحضرموت* وفى أنوار التنزيل كانوا يسكنون بالاحقاف بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن* وفى العرائس الاحقاف هى رمال يقال لها عالج ودهناء ومدين بين عمان وحضرموت وكانت لهم أصنام يعبدونها صدا وصمودا ولهبا فقال لهم هود انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون فكذبوه وقالوا له ما هذا الذى جئت به الا كذب فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين وكان اذا نزل بهم بلاء طلبوا من الله الفرج عند بيته الحرام فأوفدوا اليه قيل ابن عبير ولقيم بن هذال وعبيل بن صدا بن عاد الاكبر ومرثد بن سعد وهو آمن بهود وكان يكستم ايمانه وأهل مكة اذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام وسيدهم معاوية بن بكير فنزلوا عليه بظاهر مكة فقال لهم مرثد لن تستقوا حتى تؤمنوا بهود فخلوا مرثدا وخرجوا فقال قيل اللهم اسق عادا كما كنت تسقيه فأنشأ الله ثلاث سحابات بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك فاختار السوداء على ظنّ أنها أكثر ماء فخرجت على عاد من واد لهم فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فجاء منها ريخ شديد وكانت دبورا لقوله عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت فى أيام نحسات وكان ابتداء العذاب يوم الاربعاء آخر الشهر الى الاربعاء الاخرى روى أنهم دخلوا فى الشعب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى* وفى أنوار التنزيل بل سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما وهى كانت أيام العجوز من صبيحة الاربعاء الى غروب الشمس من الاربعاء الاخرى وانما سميت عجوزا لانها عجز الشتاء أولان عجوزا من عاد تورات فى سرب فانتزعتها الريح فى الثامنة فأهلكتها* روى أن هودا لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين فى الحضيرة وجاءت الريح فأمالت الاحقاف وهى رمال مستطيلة مرتفعة فى انحناء على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم فى البحر ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا* وفى رواية عاش هود بعد هلاك قومه من الكفار خمسين سنة وكان عمره مائة وخمسين سنة ودفن بحضرموت وقيل بالحجر والله أعلم* وكان هود تزوّج ميشاصا فولدت له فالغ ويقال فالخ وأخاه قحطان وعاش فالغ ثلثمائة وتسعا وثلاثين سنة وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة وكان عمره أربعمائة وأربعا وسبعين سنة ثم ولد لفالغ راغو بعد ثلاثين سنة من عمر فالغ وكان عمره مائتين وثلاثين سنة كذا فى الكامل وقيل عاش أيضا ثلثمائة وتسعا وثلاثين سنة وعند مولد راغو تبلبلت الالسن وتقسمت الارض وتفرّق بنو نوح وذلك لمضىّ ستمائة وسبعين سنة من الطوفان ثم ولد لراغوشاروخ بعد ما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة وكان عمره مائتين وتسعا وثلاثين سنة ويقال شاروغ بالغين بدل الخاء واسمه فى التوراة سروعا وعاش ثلثمائة وثلاثين سنة ثم ولد لشاروخ ناحور بعد ثلاثين سنة من عمره وكان عمره كله مائتين وستين سنة وولد لناحور تارخ بالمثناة فوق وفتح الراء وهو آزر أبو ابراهيم بعد ما مضى من عمره سبع وعشرون سنة وكان عمره كله مائتين وخمسين سنة وولد له ابراهيم عليه السلام وأنزل الله على ابراهيم عشر صحف كانت كلها أمثالا وكان ما بين الطوفان ومولد ابراهيم ألف وتسع وتسعون سنة وقيل ألف ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة وولد لقحطان بن عابر يعرب وولد ليعرب يشجب وولد ليشجب سبأ وولد لسبأ حمير وكهلان وعمرو والاشعر وانمار ومر فولد لعمرو بن سبأ عدىّ ولخم وجذام كذا فى الكامل وعند جمهور المؤرّخين وأصحاب السير والانساب أن عدد الاشخاص بين ابراهيم ونوح تسعة ولكن اختلفوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فى كيفية النطق بالاسماء* وفى الكشاف ما كان بين ابراهيم ونوح الانبيان هود وصالح كان قومهما ممن طغى وبغى فأرسل الله تعالى اليهم رسولا فكذبوه فأهلكهم الله تعالى* وفى الكامل هذان الحيان من ولد ارم بن سام بن نوح أحدهما عاد والآخر ثمود فهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وهو عاد الاولى وكانت مساكنهم ما بين الشحر وعمان وحضرموت بالاحقاف وكانوا جبارين طوال القامة لم يكن مثلهم قال الله تعالى واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فأرسل الله هود بن عبيد بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص وكانوا أهل أوثان ثلاثة يقال لاحدهم صمام وللآخر صمود والثالث الهبا وأما عاد الاخيرة التى بقيت بعد عاد الاولى وكانوا بمكة وهم معاوية وعبيد وعمرو وعامر وعمير بنو التيم* وفى تاريخ الفرس ملك الروم مرثد بن شدّاد وآمن بهود وكان معه بحضرموت فتوفى هناك وأما ثمود فهم ولد ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن نوح وكانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشام وكانوا بعد عاد قد كثروا وكذبوا وعتوا فبعث الله تعالى اليهم صالح بن عبيد بن اسف بن مانح ابن جاور بن ثمود فلم يقبلوا فأتتهم صيحة من السماء فأهلكهم الله تعالى كذا فى الكامل* وفى بعض الكتب ولد لفالغ شالخ ولشالخ اشروع ولاشروع ارغو ولارغو ناحور ولناحور تارحّ وهو آزر فتزوّج نونان وفى رواية أدنا بنت نمروذ فولدت له ابراهيم روى انه كان لآزر ثلاثة بنين ابراهيم عليه السلام وستجىء ولادته وهاران أبو لوط وناحور جدّ لقمان فولد لنا حور باعورا ولباعورا لقمان وهو ابن أخت أيوب أو ابن خالته* وفى لباب التأويل قال وهب بن منبه كان أيوب رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن رازح بن روم ابن عيص بن اسحاق بن ابراهيم وكانت أمّه من ولد لوط* ذكر لقمان وفى العمدة لقمان بن باعورا بن ناحور بن آزر* وفى أنوار التنزيل ان لقمان كان من ولد آزر عاش ألف سنة حتى أدرك داود وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعث داود فلما بعث داود قطع الفتوى فقيل له فى ذلك فقال ألا اكتفى اذا كفيت وقيل كان لقمان خياطا وقيل كان نجارا وقيل راعيا وقيل كان قاضيا فى بنى اسرائيل* وقال عكرمة والشعبى كان نبيا والجمهور على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا وقيل خير بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة وهى الاصابة فى القول والعمل وقيل تلمذ لالف نبىّ وتلمذ له ألف نبىّ ومن حكمته أن داود قال له يوما كيف أصبحت قال أصبحت فى يد غيرى فتفكر داود فيه فصعق صعقة وانه أمره بأن يذبح شاة ويأتى بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام أمره بأن يأتى بأخبث مضغتين فيها فأتى بهما فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شىء اذا طابا وأخبث شىء اذا خبثا* واسم ابنه المذكور فى القرآن أنعم أو مشكم أو ماثان انتهى قيل ان لقمان جمع فى الحكمة أربعمائة ألف كلمة واختار منها أربع كلمات ثنتان منها مما يذكر ولا ينسى وهما الله والموت وثنتان مما ينسى ولا يذكروهما احسانك الى الخلق واساءة الخلق اليك والله تعالى أعلم بالصواب* (ذكر مولد ابراهيم عليه السلام) * روى أن ابراهيم عليه السّلام ولد فى زمن نمرود ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وكان مولده ليلة الجمعة ليلة عاشوراء لمضىّ ألف واحدى وثمانين سنة من الطوفان وكان الطوفان بعد هبوط آدم بألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة كما مرّ* وفى العرائس كان بين الطوفان وبين مولد ابراهيم ألف ومائتان واثنتان وأربعون سنة وقيل ألف ومائتان وثلاثون سنة وذلك بعد خلق آدم عليه السلام بثلاثة آلاف سنة وثمانمائة سنة وسبع وثلاثين سنة* وفى الكامل قال جماعة ان نمروذ بن كنعان ملك مشرق الارض ومغربها هذا قول يدفعه أهل العلم بالسير وأخبار الملوك الماضين وذلك أنهم لا ينكرون أن مولد ابراهيم عليه السلام كان أيام الضحاك الذى ذكرنا بعض أخباره فيما مضى وانه كان ملك شرق الارض وغربها وقول القائل ان الضحاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الذى ملك الارض هو نمروذ ليس بصحيح لان أهل العلم بالمتقدّمين يذكرون أن نسب نمروذ فى النبط معروف ونسب الضحاك فى الفرس مشهور وانما الضحاك استعمل نمروذ على السواد وما اتصل به يمنة ويسرة وجعله وولده عمالا على ذلك وكان هو ينتقل فى البلاد وكان وطنه ووطن أجداده دماوند من جبال طبرستان وهناك رمى به افريدون حين ظفر وكذلك بخت نصر ذكر بعضهم أنه ملك الارض جميعها وليس كذلك وانما كان اصهبد ما بين الاهواز الى أرض الروم من غربى دجلة من قبل لهراسب لان لهراسب كان مشتغلا بقتال الترك مقيما بازائهم ببلخ وهو بناها لتطاول مقامه هناك لحرب الترك ولم يملك أحد شبرا من الارض مستقلا برأسه فكيف الارض جميعها وانما تطاولت مدّة نمروذ بالسواد أربعمائة سنة ثم رجل من نسله بعد هلاكه يقال له نبط بن قعود مائة سنة ثم كداوص بن نبط مائة وعشرين سنة ثم النمروذ بن يابش سنة وشهرا أيام الضحاك فظنّ الناس فى نمروذ ما ذكرنا فلما ملك افريدون وقهر الازدهايى قتل نمروذ بن يابش وشرد النبط وقتل منهم مقتلة عظيمة انتهى كلام الكامل* وبين مولد ابراهيم وهجرة نبينا صلّى الله عليه وسلم ألفان وثمانمائة وثلاث وتسعون سنة على اختيار المؤرّخين والاختلاف فى ذلك كثير ولما سقط ابراهيم الى الارض نزل جبريل وقطع سرّته وأذن فى أذّنه وكساه ثوبا أبيض ويوم ولادته سمع نمروذ من تحت سريره الذى هو جالس عليه انتفاضا شديدا وسمع هاتفا يقول تعس من كفر باله ابراهيم فقال نمروذ لآزر أسمعت ما سمعت قال نعم قال فمن ابراهيم قال آزر لا أعرفه فأرسل الى السحرة والكهنة وسألهم عن ابراهيم فلم يجيبوه بشىء مع علمهم به ورأى نمروذ أن القمر قد طلع من ضلع آزر وبقى نوره كالعمود الممدود بين السماء والارض وسمع قائلا يقول جاء الحق وزهق الباطل ونظر الى الاصنام وهى متنكسة عن كراسيها فاستيقظ فزعا وقص رؤياه على آزر فخاف آزر على نفسه منه وقال انما ذلك لكثرة عبادتى لها وكان نمروذ بليدا جبانا فرضى بقول آزر وسكت واختلف فى مولد ابراهيم قيل بالسوس من أرض الاهواز وقيل ببابل* وفى العمدة هى بابل العراق وسميت بذلك لتبلبل الالسن بها عند سقوط صرح نمروذ وقيل ولد بكوثى بضم أوّله وبالثاء المثلثة مقصورا وهى بالعراق معلومة بسواد الكوفة وقيل ولد بكسكر* وفى القاموس كسكر كجعفر كورة قصبتها واسط وقيل ولد بحرّان ولكن أباه نقله الى بابل أرض نمروذ بن كنعان* وفى معالم التنزيل قال أهل التفسير ولد ابراهيم عليه السّلام فى زمن نمروذ بن كنعان وكان نمروذ أوّل من وضع التاج على رأسه وتجبر وطغى فى الارض ودعا الناس الى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له انه سيولد فى بلدك فى هذا العام غلام يغير دين أهل الارض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ويقال انهم وجدوا ذلك فى كتب الانبياء* وقال السدّى رأى نمروذ فى منامه كأن كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما نور ففزع من ذلك فزعا شديدا فدعا السحرة والكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا هو مولود يولد فى ناحيتك فى هذه السنة فيكون هلاكك وزوال ملكك وأهل بيتك على يديه فأمر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل عشرة رجلا فان حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها لانهم كانوا لا يجامعون فى الحيض فاذا طهرت حال بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها فحملت بابراهيم* وقال محمد بن اسحاق بعث نمروذ الى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها الا ما كان من أمّ ابراهيم فانه لم يعلم بحبلها لانها كانت جارية حديثة السنّ لم يعرف الحمل فى بطنها* وقال السدّى خرج نمروذ بالرجال الى المعسكر ونحاهم عن النساء تخوّفا من ذلك المولود أن يكون فمكث كذلك ما شاء الله ثم بدت له حاجة الى المدينة فلم يأتمن عليها أحدا من قومه الا آزر فبعث اليه ودعاه وقال له ان لى حاجة أحب أن أوصيك بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ولا أبعثك الا لثقتى بك فأقسم عليه أن لا يدنو من أهله فقال آزر أنا أشح على دينى من ذلك فأوصاه بحاجته فدخل المدينة وقضى حاجته ثم قال لو دخلت على أهلى فنظرت اليهم فلما نظر الى أمّ ابراهيم لم يتمالك حتى واقعها فحملت بابراهيم* قال ابن عباس لما حملت أمّ ابراهيم قالت الكهان لنمروذ ان الغلام الذى أخبرناك به قد حملت أمّه الليلة به فأمر نمروذ بذبح الغلمان فلما دنت ولادة أمّ ابراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطلع عليها فيقتل ولدها فوضعته فى نهر يابس ثم لفته فى خرقة ووضعته فى حلفاء ورجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت وان الولد فى موضع كذا فانطلق أبوه وأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر فواراه فيه وسدّ عليه بابه بصخرة مخافة السباع وكانت أمّه تختلف اليه فتزضعه وقال محمد بن اسحاق لما وجدت أمّ ابراهيم الطلق خرجت ليلا الى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها ابراهيم وأصلحت من شأنه ما يصنع للمولود ثم سدّت عليه فم المغارة ورجعت الى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حيا يمص فى ابهامه يقال ان تلك المغارة فى قرية برس من بلاد الكوفة* روى أن أمّ ابراهيم قالت ذات يوم لا نظرنّ الى أصابعه فوجدته يمص من اصبع ماء ومن اصبع لبنا ومن اصبع عسلا ومن اصبع تمرا ومن اصبع سمنا* وقال محمد بن اسحاق كان آزر قد سأل أمّ ابراهيم عن حملها ما فعل به قالت قد ولدت غلاما فمات فصدّقها وسكت عنها وكان اليوم على ابراهيم فى الشباب كالشهر والشهر كالسنة فلم يمكث ابراهيم فى المغارة الا خمسة عشر شهرا حتى قال لامّه أخرجينى فأخرجته عشاء فنظر وتفكر فى خلق السموات والارض وقال ان الذى خلقنى ورزقنى وأطعمنى وسقانى لربى الذى مالى اله غيره وكان أبوه وقومه يعبدون الاصنام والشمس والقمر والكواكب وفى رواية كانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويرون أن الامور كلها اليها ثم نظر الى السماء فرأى كوكبا فقال هذا ربى على وجه الاستفهام الانكارى بحذف أداته ثم أتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب فقال لا أحب الآفلين* وفى أنوار التنزيل رآه ابراهيم زمان مراهقته وأوّل أوان بلوغه ثم رأى القمر بازغا مبتدئا فى الطلوع فقال هذا ربى وأتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب ثم طلعت الشمس وهكذا الى آخره ثم رجع الى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرئ من دين قومه فأخبره أنه ابنه وأخبرته أمّ ابراهيم أنه ابنه وأخبرته بما كانت صنعت فى شأنه فسرّ آزر بذلك وفرح فرحا شديدا وقيل انه كان فى السرب سبع سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة قالوا فلما شب ابراهيم وهو فى السرب قال لامّه من ربى قالت أنا قال فمن ربك قالت أبوك قال فمن رب أبى قالت نمروذ قال فمن رب نمروذ قالت له اسكت فسكت ثم رجعت الى زوجها فقالت أرأيت الغلام الذى كنا نحدّث أنه يغير دين أهل الارض فانه ابنك ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه فقال له ابراهيم يا أبتاه من ربى قال أمّك قال فمن رب أمى قال أنا قال فمن ربك قال نمروذ قال فمن رب نمروذ فلطمه لطمة شديدة وقال له اسكت فلما جنّ عليه الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر كوكبا فقال هذا ربى ويقال انه قال لابويه أخرجانى فأخرجاه من السرب وانطلقا به حتى غابت الشمس فنظر ابراهيم الى الابل والخيل والغنم فسأل أباه ما هذه فقال ابل وخيل وغنم فقال ما لهذه بدّ من أن يكون لها رب وخالق ثم نظر الى المشترى وقد طلع ويقال الزهرة وكانت تلك الليلة فى آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فيها فرأى الكوكب قبل القمر ثم القمر ثم الشمس بعده فقال فى كلّ هذا ربى الى آخره ثم قال يا قوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين روى أنه لما رجع ابراهيم الى أبيه وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحين ضمه آزر الى نفسه وجعل آزر يصنع الاصنام ويعطيها ابراهيم ليبيعها فيذهب بها ابراهيم وينادى من يشترى ما يضرّه ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فاذا بات ذهب بها الى نهر فصوّب فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 رؤسها وقال اشربى استهزاء بقومه وبما هم فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها فى قومه وأهل قريته فحاجه قومه وجادلوه فى دينه قال أتحاجونى فى الله وقد هدان وخوّفوه من آلهتهم فقالوا له احذر الاصنام فانا نخاف أن تمسك بسوء من خبل أو جنون بعيبك اياها فقال لهم ولا أخاف ما تشركون به وقال لابيه وقومه ما هذه التماثيل والصور يعنى الاصنام التى أنتم لها عاكفون مقيمون على عبادتها قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين فاقتدينا بهم قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم فى ضلال مبين وخطائين بعبادتكم اياها قالوا له أجئتنا بالحق والجدّ أم أنت من اللاعبين الهازلين قال بل ربكم رب السموات والارض وخالقهنّ وتا لله لاكيدنّ أصنامكم ولا مكرنّ بها بعد أن تولوا مدبرين أى تدبروا منطلقين الى عيدكم* قال السدّى كان لهم فى كل سنة عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفرش ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم الى عيدهم يزعمون التبرّك عليهم واذا انصرفوا من عيدهم دخلوا على الاصنام فسجدوا لها وأكلوا الطعام ثم عادوا الى منازلهم فلما كانت الليلة التى من غدها عيدهم قالوا لابراهيم ألا تخرج معنا غدا الى عيدنا فنظر الى النجوم فقال انى سقيم* قال ابن عباس مطعون وكانوا يفرّون من الطاعون فرارا عظيما وكانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم فى أصنامهم ويلزمهم الحجة فى أنها غير معبودة فلما كان ذلك العيد من غد تلك الليلة قال أبو ابراهيم له يا ابراهيم لو خرجت معنا لى أعيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال انى سقيم قال ابن عباس أشتكى رجلىّ فتولوا عنه مدبرين الى عيدهم فلما مضوا نادى فى آخرهم وقد بقى فى ضعفة الناس تا لله لاكيدنّ أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع ابراهيم الى بيت الآلهة وهنّ فى بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم الى جنبه صنم أصغر منه والاصنام بعضها الى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه الى باب البهو واذاهم جعلوا طعاما ووضعوه بين أيدى الآلهة وقالوا اذا رجعنا وباركت الآلهة فى طعامنا أكلنا فلما نظر اليهم ابراهيم والى ما بين أيديهم قال لهم على طريق الاستهزاء ألا تأكلون فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون فجعل يضربهنّ ويكسرهنّ بفأس فى يده حتى جعلهم جذاذا وكسرهم قطعا فلما لم يبق الا الصنم الاكبر علق الفأس فى عنقه ثم خرج وكانت اثنتين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من رصاص ومن حديد ومن خشب وحجر وكان الصنم الاكبر من الذهب مكلل بالجواهر وفى عينيه ياقوتتان تتقدان ولما أخبر القوم صنيع ابراهيم بآلهتهم رجعوا من عيدهم وأقبلوا اليه مسرعين ليأخذوه فلما دخلوا بيت الآلهة ورأوا الاصنام جذاذا قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين المجرمين قال الذين سمعوا قول ابراهيم وتالله لاكيدنّ أصنامكم سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم* قال مجاهد وقتادة لم يسمع ذلك القول من ابراهيم الا واحد منهم فأفشاه عليه فقال أنا سمعت فتى يذكرهم بالسوء ويعيبهم يقال له ابراهيم أظنّ أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه قالوا فأتوا به وأحضروه على أعين الناس يعنى ظاهرا بمرأى منهم لعلهم يشهدون عليه بالذى فعل أو يحضرون عقابه وما يصنع به فلما أتوا به قالوا له أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهنّ وأراد بذلك ابراهيم اقامة الحجة عليهم والزامهم وقال لهم فاسألوهم ان كانوا ينطقون حتى يخبروا بمن فعل هذا فرجعوا الى أنفسهم وعقولهم وتفكروا بقلوبهم فأجرى الله الحق على لسانهم فقالوا ما نراه الا كما قال انكم أنتم الظالمون بعبادتكم من لا يتكلم ثم أدركتم الشقاوة فرجعوا الى حالتهم الاولى وقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لابراهيم قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ان عبدتموه ولا يضرّكم ان تركتم عبادته أليس لكم عقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 تعرفون به هذا فلما لزمت الحجة نمروذ وقومه وعجزوا عن الجواب اذ لقن الله ابراهيم وألهمه ما ألزمهم الحجة وغلبهم فى المحاجة مالوا الى المكر والمضارّة فأرادوا أن يحرّقوه فقالوا ابنوا له بنيانا فألقوه فى الجحيم أى فى النار الشديدة الوقود وحرّقوه وانصروا آلهتكم والذى أشار الى احراقه رجل من أكراد فارس اسمه هيزن فخسف الله به الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وقيل قاله نمروذ* (ذكر القاء ابراهيم فى النار) * روى أنهم حين هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا له بنيانا كالحضيرة وقيل بنوا أتونا بقرية يقال لها كوثى وهى قرية بأرض العراق من سواد الكوفة كما مرّ وقال مقاتل بنوا حائطا طوله فى السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وفى الحدائق طول جداره ستون ذراعا ثم جمعوا له من صلاب الحطب ومن أصناف الخشب مدّة حتى كان الرجل يمرض فيقول لوعا فانى الله لأجمعنّ حطبا لابراهيم وكانت المرأة تنذر فى بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم وكان الرجل يوصى بشراء الحطب والقائه فيها وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب له وتحتسب فيه قال ابن اسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا وفى الحدائق أربعين ليلة فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا فى كل ناحية من الحطب نارا فاشتعلت نار عظيمة شديدة حتى كادت الطير تحترق فى الجوّ* وفى الحدائق فارتفع لهبها وسطع دخانها حتى أظلمت عليهم المدينة حتى كان يسمع وهج النار من مسيرة ليلة* وفى رواية كانت الطير لتمرّ بها فتحترق من شدّة وهجها فأوقدوا عليها سبعة أيام روى أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء ابليس وعلمهم علم المنجنيق فعملوه* قيل ان نمروذ لما أخرج ابراهيم من السجن ليحرقه حاجه فى ربه فقال له من ربك الذى تدعو اليه قال ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيى الآخر فجعل ترك القتل احياء يريد أعفى عن القتل وأقتل وكان الاعتراض عتيدا ولكن ابراهيم لما سمع جوابه الاحمق لم يحاجه فيه بل انتقل الى حجة أخرى أوضح من الاولى وأتى بدليل لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أوّل شىء فقال فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت نمروذ كذا فى الكشاف ثم انهم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه الى رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه فى المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والارض ومن فيهما من الملائكة وجميع الخلق الا الثقلين صيحة واحدة أى رب ابراهيم خليلك يلقى فى النار وليس فى الارض أحد يعبدك غيره فأذن لنا فى نصرته فقال الله عز وجل انه خليلى ليس لى خليل غيره وانما أنا الهه وليس له اله غيرى فان استعان بشىء منكم أو دعاه لينصره فقد أذنت له فى ذلك وان لم يدع غيرى فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بينى وبين خليلى فلما أرادوا القاءه أتاه خازن المياه فقال ان أردت أخمدت النار وأتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء فقال ابراهيم لا حاجة بى اليكم حسبى الله ونعم الوكيل* وروى عن كعب أن ابراهيم حين أوثقوه ليلقوه فى النار قال لا اله الا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموه بالمنجنيق فى النار فاستقبله جبريل فقال يا ابراهيم هل لك حاجة قال أما اليك فلا قال جبرئيل فسل ربك قال ابراهيم حسبى من سؤالى علمه بحالى* وفى المدارك فرموه فيها وهو يقول حسبى الله ونعم الوكيل عن ابن عباس انما نجى ابراهيم بقوله حسبى الله ونعم الوكيل قال شعيب الجبائى ألقى ابراهيم فى النار وهو ابن ست عشرة سنة* وفى رواية ثلاثين سنة بعد أن حبسه ثلاث عشرة سنة قال كعب الاحبار جعل كل شئ يطفئ عنه النار الا الوزغ فانه ينفخ فى النار* فائدة فى قتل الوزغ وفى الصحيحين أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وقال كان ينفخ على ابراهيم النار* وفى سح السحابة فى افراد مسلم عن أبى هريرة من قتل وزغا فى أوّل ضربة كتب له مائة حسنة وفى الثانية دون ذلك وفى الثالثة دون ذلك وذكر صاحب الآثار أن الوزغ أصم قالوا السبب فى صممه أنه كان ينفخ فى نار ابراهيم عليه السلام فصم بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وبرص كذا فى حياة الحيوان* وفى نهاية ابن الاثير الوزغ جمع وزغة بالتحريك وهى التى يقال لها سام أبرص جمعها أوزاغ ووزغان* وفى حديث عائشة لما احترق بيت المقدس كانت الاوزاغ تنفخه ومن هاهنا يقال ان فساد الآباء يضرّ بالاولاد كالوزغ وان صلاح الآباء يسرى فى الاولاد وان كان من غير ذوى العقول كما فى حمام الحرم فان من آبائه ما حمى النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الغار فدعا لها وفرض جزاء قتلها قال فنادى جبريل يا ناركونى بردا وسلاما على ابراهيم فجعل الله ببركة قول ابراهيم عليه السلام حسبى الله ونعم الوكيل الحضيرة روضة* قال ابن عباس لو لم يقل وسلاما لمات ابراهيم من بردها وانقلاب النار هواء طيبا ليس بمحال الا انه على خلاف المعتاد فهو اذا من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكن الله دفع أذاها عنه كما يرى فى السمندل وخزنة النار* وفى المدارك أنّ الله نزع عنها طبعها الذى طبعها عليه من الحرّ والاحراق وأبقاها على الاضاءة والاشراق وهو على كل شىء قدير ومن المعروف فى الآثار أنه لم يبق يومئذ نار فى الارض الا طفئت فلم ينتفع فى ذلك اليوم بنار فى العالم* وفى الحدائق فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد أبدا فأخذت الملائكة بضبعى ابراهيم فأقعدوه على الارض فاذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس قال كعب الاحبار ما أحرقت النار من ابراهيم الاوثاقه قالوا وكان فى ذلك الموضع سبعة أيام قال ابراهيم ما كنت فى أيام قط أنعم من الايام التى كنت فى النار* قال ابن يسار وبعث الله ملك الظل فى صورة ابراهيم فقعد فيها الى جنب ابراهيم يؤنسه قال وبعث الله جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة فألبسه وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدّثه وقال جبريل يا ابراهيم ان ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تضرّ أحبابى ثم ان نمروذ أشرف على ابراهيم واطلع من صرح له ينظر اليه فرآه جالسا فى روضة ومعه جليس من الملائكة قاعدا الى جنبه وما حوله نار تحرق الحطب فناداه يا ابراهيم كبر الهك الذى بلغت قدرته أن حال بينك وبين ما أرى يا ابراهيم هل تستطيع أن تخرج منها قال نعم قال هل تخشى ان قمت أن تضرّك النار قال لا قال فقم واخرج منها فقام ابراهيم يمشى فيها حتى خرج اليه فقال له يا ابراهيم من الرجل الذى رأيته معك فى مثل صورتك قاعدا الى جنبك قال ذلك ملك الظل أرسله الىّ ربى ليونسنى فيها فقال نمروذ يا ابراهيم انى مقرّب الى الهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع معك حين أبيت الا عبادته وتوحيده انى ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال ابراهيم اذا لا يقبل الله منك ما كنت على دينك حتى تفارقه الى دينى فقال لا أستطيع ترك ملكى ولكن سوف أذبحها فذبحها نمروذ وكف عن ابراهيم* وجاء فى بعض الروايات انه كان لنمروذ بنت يقال لها رغضة استأذنت أباها أن تذهب وتنظر الى ابراهيم حين ألقى فى النار فقال لها نمروذ يا بنتاه ان ابراهيم قد صار رمادا فبالغت حتى أذن لها نمروذ فلما نظرت الى ابراهيم رأته فى أطيب عيش وأحسن حال فقالت يا ابراهيم ألا تحرقك النار قال من كان فى قلبه معرفة الله وعلى لسانه بسم الله الرحمن الرحيم لا تحرقه النار قالت أفتأذن لى أن أدخلها قال قولى لا اله الا الله ابراهيم خليل الله ثم ادخلى ولا تخافى فلما قالتها خمدت النار فدخلتها وأسلمت ثم رجعت الى أبيها وقد سمع أبوها قولها فنصحها فلم تقبل فعذبها بمسامير من حديد فأمر الله جبريل حتى رفعها من بين أطهرهم ثم جاء بها الى ابراهيم وذلك بعد ما هاجر من أرض نمروذ فزوّجها ابراهيم من ابنه مدين فحملت منه عشرين بطنا أكرمهم الله بالنبوّة ذكر صرح نمرود قال الثعلبى لما حاج ابراهيم نمروذ فى ربه قال نمروذ ان كان ما يقول ابراهيم حقا فلا أنتهى حتى أصعد الى السماء فأعلم ما فيها فبنى صرحا عظيما ببابل ورام الصعود الى السماء لينظر الى اله ابراهيم واختلف فى طول الصرح فى السماء فقيل خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان ثم عمد الى أربعة أفراخ من النسور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فرباها وأطعمها اللحم والخبز حتى شبت وكبرت* وفى الكامل لابن الاثير فرباهنّ بالخمر واللحم حتى كبرن واتخذ تابوتا من خشب وجعل له بابا من أعلا وبابا من أسفل ثم جوّع النسور ونصب خشبات أربع فى أطراف التابوت وجعل على رؤسها لحما أحمر فوق التابوت وقعد هو فى التابوت وأقعد معه رجلا آخر وحمل معه القوس والنشاب وأمر بالنسور فربطت فى أطراف التابوت من أسفل* وفى رواية وربط التابوت بأرجل النسور ثم خلى عن النسور فطرن وصعدن طمعا فى اللحم كلما رأين اللحم طرن اليه فطارت النسور يوما أجمع حتى أبعدن فى الهواء فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الاعلا فانظر الى السماء هل قربنا منها ففتح ونظر فقال ان السماء كهيئتها ثم قال له افتح الباب الاسفل فانظر الى الارض كيف تراها ففتح ونظر فقال أرى الارض مثل اللجة والجبال مثل الدخان قال فطارت النسور يوما آخر وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الاعلا ففتح فاذا السماء كهيئتها وفتح الباب الاسفل فاذا الارض سوداء مظلمة ونودى أيها الطاغى أين تريد فأمر عند ذلك صاحبه فرمى بسهم قال عكرمة وكان معه فى التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب فأخذ منه القوس فرمى بسهم فعاد اليه السهم ملطخا بالدم فقال كفيت شغل اله السماء واختلف فى ذلك السهم بأى شىء تلطخ فقيل بدم سمكة قذفت نفسها من بحر معلق فى الهواء فلذا رفع الذبح عن السمك وقيل بدم طائر أصابه السهم فتلطخ بدمه وذلك استدراج ومكر من الله تعالى ولما رجع اليه السهم ملطخا أمر نمروذ صاحبه أن يصوّب الخشبات المنصوبة فوق التابوت الى أسفل وينكس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال هفيف التابوت والنسور ففزعت وظنت أنه قد حدث حدث فى السماء وان الساعة قد قامت فكادت تزول عن أماكنها فذلك قوله تعالى وان كان مكرهم لتزول منه الجبال وحكى ذلك عن علىّ فى معنى الآية أى أنها نزلت فى نمروذ الجبار الذى حاج ابراهيم فى ربه كذا فى معالم التنزيل واستبعد بعض العلماء هذه الحكاية وقال لان الخطر فيه عظيم ولا يكاد عاقل أن يقدم على مثل هذا الامر العظيم وليس فيه خبر صحيح يعتمد عليه ولا مناسبة لهذه الحكاية بتأويل الآية كذا فى لباب التأويل* وكان طيرانهنّ من بيت المقدس ووقوعهنّ فى جبل الدخان فلمّا رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ فى بنيان الصرح ثم أرسل الله ريحا على صرح نمروذ فألقت رأسه فى البحر فانكفأت بيوتهم وأخذت الرجفة نمروذ وتبلبلت ألسن الناس حين سقط الصرح من الفزّع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل أى لتبلبل الالسن بها وكان لسان الناس قبل ذلك سريانيا كذا فى الكامل* وفى بحر العلوم لما ملك نمروذ كل الارض وطغى واتخذ النسور وصعد الهواء يطلب ملك السماء وعمل صرحا وزعم أنه يحارب اله السماء ورمى نزل جبريل وقال لابراهيم ان الله تعالى يقول لك اختر لمحاربتك ما شئت من الجيوش فانى معين لك على ما عنيت فاختار البعوض فأوحى الله تعالى الى ابراهيم لو لم تختر هذا لاهلكناه بشىء لا يزن سبعون من ذلك جناح بعوضة فعبى نمروذ جيشه أربعة فراسخ فى أربعة فراسخ فأمر الله ملك البعوض حتى أخرج جيش البعوض فخرجت بحيث ملأت الهواء وسترت السماء فوقعت فيهم فأكلت خناجرهم ودروعهم وأسلحتهم وشعورهم وجلودهم ولحومهم وعظامهم فهرب نمروذ ودخل صرحه فسلط الله عليه شق بعوضة فجعل يطير فى وجهه سبعة أيام وهو يقصد أخذها فلا يقدر عليها ثم جلست على شفته فعضتها فورمت ثم دخلت أنفه فاجتهدوا فى اخراجها بكل حيلة فلم يقدروا وكانت تأكل دماغه وهو يحتال بكل علاج فلا يقدر على الاخراج* وفى رواية كعب أنها بقيت فى دماغه أربعمائة سنة كذا فى العرائس وكان عمره قبل ذلك فى ملكه أربعمائة سنة ولو تاب لتاب الله عليه لكن تمادى فى العناد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وأصر على الفساد وما الله يريد ظلما للعباد* وكان أمر بمدقة فأحضرت فكان يضرب بها على رأسه بقوّة فتسكن البعوضة لذلك ساعة فيستريح به ثم تعود الى أن دخل عليه بعض من خواصه يوما فأمر بضربه فضربه بالمدقة وبالغ فشج رأسه ودمغ فزهق الملعوب وقيل ضجر الملعون فضرب رأسه بالجدار حتى انشقت هامته وقامت قيامته فأمر الله جبريل فخسف بصرحه وبما فيه الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة* وفى حياة الحيوان قال وهب بن منبه لما أرسل الله تعالى البعوض على نمروذ اجتمع منه فى عسكره ما لا يحصى عددا فلما عاين نمروذ ذلك انفرد عن جيشه ودخل بيته وأغلق الابواب وأرخى الستور ونام على قفاه متفكرا فدخلت بعوضة فى أنفه ومنخره وصعدت الى دماغه فتغذت بدماغه أربعين يوما الى أن كاد يضرب برأسه الارض وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقطت منه كالفرخ وهى تقول كذلك يسلط الله رسله على من يشاء من عباده ثم هلك حينئذ* قال ابن اسحاق ولما نجى الله ابراهيم من نمروذ الجبار واحراق النار استجاب له رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به من جعل النار عليه بردا وسلاما وأسلم خلق كثير على خوف من نمروذ وقومه وآمن له لوط وقيل هو أوّل من صدّقه وكان ابن أخيه هاران وهو لوط بن هاران بن تارخ وهاران أخو ابراهيم وكان له أخ ثالث يقال له ناحور وهو جدّ لقمان الحكيم كما مرّ وقيل أوّل من آمن بابراهيم بعد خروجه من النار سارة بنت هاران قالت يا ابراهيم آمنت باله جعل النار عليك بردا وسلاما فقالت أم ابراهيم ألا تخشين قتلك قالت كيف أخاف وقد آمنت برب ابراهيم ولما رجع ابراهيم الى منزله نكحها وكانت من أجمل نساء أهل زمانها قيل كان حسن يوسف ثلث حسن سارة واختلف المؤرّخون فى هاران أبى سارة فبعضهم على أنه ملك حرّان ونكح ابراهيم ابنته سارة حين هاجر من وطنه الى حرّان وقال بعضهم هو أخو ابراهيم وكان نكاح بنت الاخ جائزا فى شريعتهم وبعضهم على أنه هاران الاكبر عم ابراهيم وكان اسم عمه وأخيه متوافقين والله أعلم* وفى عرائس الثعلبى سارة بنت ناحور روى أن النمروذ بينما كانوا يأتمرون أن يكيدوا لابراهيم كيدا ويعذبوه بنوع آخر فأخبره بمكرهم ابن أخيه لوط بن هاران فخرج من كوثى أرض العراق مهاجرا الى ربه وسار بأهله سارة ومعه لوط يلتمس الفرار بدينه والامان على عبادة ربه وخرج معهم آزر أبو ابراهيم وكان مقيما على كفره ولما نزلوا حران مات بها آزر على كفره فمكث بها ابراهيم ما شاء الله ثم خرج منها بمن معه فنزل الرها ويقال بعلبك ثم خرج منها الى الشام فوجد بها الجوع فسار الى مصر فوجدوا فيها فرعونا من فراعنتها يقال له سنان بن علوان من أولاد سام بن نوح عليه السلام ثم خرجوا الى الشام فنزل ابراهيم السبع من أرض فلسطين وهى برية الشام ونزل لوط الاردن فأرسله الله نبيا الى أهل سدوم وما يليها وكانوا أهل كفر وفواحش وسيجىء بقية قصة لوط وقال مقاتل هاجر ابراهيم وهو ابن خمس وسبعين سنة* ذكر سارة روى أن ابراهيم لما هاجر من أرض بابل اتخذ تابوتا لسارة وكانت من أحسن النساء وجها تشبه حوّاء فى حسنها فأدخلها التابوت وحملها معه وكان ممرّه على عشار فعشر ماله حتى بلغ التابوت فقال افتحه حتى أقوّم ما فيه وأعشره قال ابراهيم لا يمكننى فتحه هب أن ما فيه كله ديباج وحرير فاعشره فأبى ذلك قال هب أنه دراهم ودنانير وجواهر فأعشرها فأبى الا الفتح ففتح ابراهيم باب التابوت فاذا فيه امرأة حسناء لم ير الناس مثلها فأخبر بها ملكه وكان يميل الى النساء قال السهيلى اسمه صاروف ملك الاردن وكانت هاجر له فسأل ابراهيم من أين لك هذه المرأة قال هى أخت لى وخاف أن لو قال امرأتى يقتله وأراد بالاخت الاخت فى الاسلام فأرسل اليها فأخذها منه عجبا منه لجمالها فأدخلها فى قصره وبقى ابراهيم خارج القصر متحيرا فجعل الله حيطان القصر شفافة كالزجاج حتى يرى ابراهيم باطنها من ظاهرها فلما دنا الملك منها رأى وجها لم يرسله قط قدّيده اليها ليضعمها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الى نفسه فيبست يده وجعل سقف البيت وجدر انه تتحرّك فخاف على نفسه فابتدر الى صحن الدار فانهدم البيت فسألها الملك فأخبرته أنها امرأة ابراهيم وانه رجل صالح فقال لها ادعى الله أن يعافينى ويبرئ يدى فدعت فشفيت ثم هم بهما فيبست يداه وقيل فصر مكانه وهكذا الى ثلاث مرّات ثم وهب لها جارية اسمها هاجر* ذكر هاجر قال ابن هشام تقول العرب هاجر وآجر فتبدل الالف من الهاء كما قالوا هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر من أهل أرض مصر* قال ابن لهيعة هاجر من أرض العرب من قرية كانت أمام القرى من أرض مصر كذا فى سيرة ابن هشام يقال ان هاجر كانت قبل الرق بنت ملك من ملوك القبط فأخدمها اياها وخلى سبيلها وقال هذه لك لما نظرت الى شعرك وكان ابراهيم يرى تلك الاحوال من وراء الجدار وكان لا يولد له من سارة ولد فوهبت هاجر له وقالت عسى الله أن يرزقك منها ولدا فحملت هاجر باسماعيل وولدته* وفى سيرة مغلطاى تفسيره مطيع الله وهو الذبيح ويلقب اعراق الثرى وأما لوط بن هاران بن تارخ فنزل المؤتفكة وبينها وبين السبع منزل ابراهيم مسيرة يوم وليلة* وفى أنوار التنزيل المؤتفكات قريات قوم لوط ائتفكت بهم أى انقلبت فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من سجيل* وفى ضبط أسمائها اختلاف ففى العمدة المؤتفكات مدائن قوم لوط وهى سادوما وداروما وعامورا وصبورا وسدوم قيل كانت فى أرض العجم فى مفازة بين سجستان وكرمان ولم يتحقق بل التحقيق أنها كانت فى أرض العرب وكانت خمس مدائن صنعه وصعوه وعمره وحزره وسدوم* وفى بعض التفاسير سدوما وهى أعظم مدائنهم وعامورا وداروما وصابورا وصعورا وكان فى كل مدينة ألف ألف انسان فبعث الله لوطا اليهم قال الله تعالى ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا فيها للعالمين يعنى الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الاشجار والاثمار والانهار يطيب فيها عيش الغنىّ والفقير وبعث الله أكثر الانبياء منها* عن أبىّ بن كعب انما سماها الله مباركة لانه ما من ماء عذب الا وينبع أصله من تحت صخرة بيت المقدس وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول انها ستكون هجرة بعد هجرة فحيار الناس الى مهاجر ابراهيم* وفى الحديث طوبى لاهل الشام قيل ولم ذلك قال لان ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه كذا فى العمدة* وفى الكشاف قيل كانت المؤتفكة خمس مدائن وقيل كانوا أربعة آلاف بين الشام والمدينة فأمطر الله عليهم الكبريت والنار وقيل خسف بالمقيمين وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم وقيل أمطرت عليهم ثم خسف بهم وروى أن تاجرا منهم كان فى الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه* وفى العرائس جاءه الحجر ليصيبه فمنعته ملائكة الحرم وردّوه وقالوا له ارجع فان الرجل فى حرم الله فحجز الحجر وبقى خارجا عن مكة أربعين يوما معلقا فى السماء فلما قضى الرجل حاجته وخرج من الحرم أصابه الحجر فقتله* وفى لباب التأويل قال ابن جريج كان فى قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف وفيه أيضا قرى قوم لوط خمس مدائن أكبرها سدوم وهى المؤتفكات ويقال كان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف* وفى العرائس كانت مدائن قوم لوط خمسا سادوما وعامورا وداروما وصبورا ثم سدوم كما مرّ من رواية العمدة وهى القرية العظمى وكان فى هذه القرية أربعون ألف فقير فلما أصبحوا أدخل جبريل جناحه تحت قراهم الاربع وفى كل قرية مائة ألف أو يزيدون ثم رفعها على خافقة من جناحه وفى رواية فاقتلع أرضهم من سبع أرضين فحملها حتى بلغ بها الى السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم وصراخ ديوكهم ولم يكفأ لهم اناء ولم ينتبه نائم ثم قلبها وجعل عاليها سافلها فلهذا سميت المؤتفكات أى المنقلبات وكان هؤلاء يأتون الذكران وما سبقهم بها أحد من العالمين وأما القرية الخامسة فانها نجت من العذاب لانها آمنت وكانت امرأة لوط موالية لاهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 سدوم وسمعت بالهدّة فالتفتت وقالت واقوماه فأتاها حجر فقتلها وقال خلف مسخت حجرا وكانت تسمى هلسفع وقيل واعلة وعن ابن عياش قال سألت أبا جعفر أعذب الله نساء قوم لوط بذنوب رجالهم قال ان الله تعالى أعدل من ذلك وانما استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فوجبت العقوبة عليهم جميعا وعن ابن سعيد قال انما فعل ذلك من قوم لوط نيف وثلاثون رجلا لا يبلغون الاربعين فأهلكهم الله تعالى جميعا وكان ذلك بعد ما مضى تسع وتسعون سنة من عمر ابراهيم عليه السلام* (ذكر الشام والارض المقدّسة والقدس والخليل) * فى الانس الجليل فى تاريخ القدس والخليل أن الاوائل قسموا الشام خمسة أقسام الشام الاولى فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام سميت بذلك لان أوّل من نزلها فلسطين من أولاد يونان بن يافث بن نوح وواسطة بلدها الرملة فهى أرض سهلة كثيرة الاشجار والنخيل وحولها مزارع ومغارس كثيرة وهى من جملة الثغور فان البحر المالح قريب منها نحو نصف بريد من جهة الغرب وكانت فى عهد بنى اسرائيل متسعة عظيمة البناء وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بجوار فلسطين* وفى أنوار التنزيل أن جالوت ومن معه من العمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فظهروا على بنى اسرائيل فأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم وأسروا من أولاد الملوك أربعمائة وأربعين وان يونس أقام بها ثم توجه الى بيت المقدس يعبد الله فيه وبظاهرها من جهة الشمال على مسافة قريبة منها لدّ وكان منزلا جميلا فيه ناس يعمرونه وكانت تنزل فيه القوافل الواصلة من مصر الى الشام وفى الحديث ان عيسى ابن مريم يقتل الدجال بباب لد وكان بلد كنيسة محكمة البناء وللنصارى بها اعتقاد وقد خربها الملك صلاح الدين وبظاهر لدّ من جهة المشرق مشهد يقال ان به قبر عبد الرحمن بن عوف الصحابى وأوّل حدود فلسطين من طريق مصرامج وهو العريش ثم يليها غزة ثم رملة ومن مدن فلسطين ايلياء بالمدّ ككبرياء وحكى فيها القصر وهى مدينة بيت المقدس ومن أسمائها شلم بالشين المعجمة وتشديد اللام ويروى بالمهملة وكسر اللام ويروى سلم معناه بالعبرانية دار السلام* وفى بعض الكتب دعيت بيت المقدس اورى سلم ودعيت الجنة دار السلام وصهيون بكسر الصاد كذا فى الانس الجليل وبينها وبين الرملة ستة فراسخ وهى ثمانية عشر ميلا صخار ووهاد ومن مدن فلسطين عسقلان ونابلس ومدينة ابراهيم الخليل ومسافة فلسطين من امج الى حدّ اللجون للراكب المجدّ يومان وأما سير الاثقال فأكثر من أربعة أيام وعرضها من يافا الى أريحاء مسافة يومين والله أعلم والشام الثانية الحوران ومدينته العظمى طبرية والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق والشام الرابعة حمص وتوابعها والشام الخامسة قنسرين ومدينته العظمى حلب وأما قسمة حدود الارض المقدّسة من الشام فحدّها القبلى أرض الحجاز يفصل بينهما جبال سورى وهى جبال منيعة بينها وبين أيلة نحو مرحلة وسطح أيلة هو أوّل حدود الحجاز وهى من تيه بنى اسرائيل وبينها وبين بيت المقدس نحو ثمانية أيام بسير الاثقال* وفى الكشاف بلاد التيه ما بين بيت المقدس الى قنسرين وهى اثنا عشر فرسخا فى ثمانية فراسخ وحدّها الشرقى من بعددومة الجندل برية السماوة وهى كبيرة ممتدّة الى العراق ينزلها عرب الشام ومسافتها عن بيت المقدس نحو مسافة أيلة وحدّها الشمالى مما يلى الشرق نهر الفرات على قول الحافظ الذهبى مؤرّخ الشام ومسافته عن بيت المقدس نحو عشرين يوما بسير الاثقال فيدخل فى هذا الحدّ المملكة الشامية بكمالها وحدّها الغربى بحر الروم وهو البحر المالح ومسافته من بيت المقدس من جهة فلسطين نحو يومين وحدّها الجنوبى رملة مصر والعريش ومسافته من بيت المقدس نحو خمسة أيام بسير الاثقال ثم يليه تيه بنى اسرائيل وطور سيناء ويمتدّ من تلك الجهة الى تبوك ثم الى دومة الجندل المتصلة بالحدّ الشرقى ومن الارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 المقدّسة أريحاء واذرعات وتيماء ونابلس وأريحاء مدينة الجبارين وهى شرقى بيت المقدس بقرب نهر الاردن وهو النهر المذكور فى القرآن فى قوله تعالى ان الله مبتليكم بنهر فى قصة طالوت وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد اجلى اليهود من المدينة فخرجوا الى الشام الى أذرعات وأريحاء وأجلى آخرهم عمر بن الخطاب من أرض الحجاز الى تيماء وأريحاء وقد صارت أريحاء قرية من قرى بيت المقدس ونابلس مدينة بالارض المقدّسة مقابل بيت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو يومين بسير الاثقال خرج منها كثير من العلماء وهى كثيرة الاعين والاشجار والفواكه معظم الاشجار فيها الزيتون وأما حدود بيت المقدس عرفا مما يطلق عليه عمل القدس ويسوغ لقضاة القدس الحكم فيه فمن جهة القبلة عمل بلد ابراهيم عليه السلام ويفصل بينهما قرية سبعين وما حاذاه من عمل القدس ومن جهة المشرق نهر الاردن المذكور فى قصة طالوت ومن جهة الشمال مدينة نابلس يفصل بينهما قريتا سنجل وعزرن وهما من أعمال القدس وتتمة الحدّ رأس وادى بنى زيد وهو من أعمال الرملة ومن جهة الغرب مما يلى الرملة قرية بيت نوبة وهى من أعمال القدس ومما يلى مدينة غزة قرية عجورا بالراء المهملة وهى من أعمال غزة وغزة من أحسن المدن المجاورة لبيت المقدس وفيها ولد سليمان ابن داود عليهما الصلاة والسلام والامام الشافعى محمد بن ادريس رضى الله عنه وهى من الثغور أيضا فان البحر المالح قريب منها وهى كثيرة الاشجار والنخيل والفواكه وعن ابن الزبير طوبى لمن سكن احدى العروسين عسقلان وغزة * (ذكر أولية البيت الحرام وركنه المستلم والمقام ومن تولى بناءه من الملائكة والانبياء الكرام ومن دونهم من سائر الامم والانام وبدء ظهور زمزم فى عهد اسماعيل عليه السلام) * قال الله تعالى ان أوّل بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين الآية* وفى الصحيح من حديث أبى ذرّ الغفارى أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى مسجد وضع فى الارض أوّل فقال له المسجد الحرام قال قلت ثم أى قال المسجد الاقصى قال قلت كم بينهما قال أربعون عاما وذكر الزبير بن بكار باسناده الى جعفر الصادق أن رجلا سأل أبا محمد الباقر بمكة فى ليالى العشر قبل التروية فى الحجر وكان السائل الخضر فقال له يا أبا جعفر أخبرنى عن بدء خلق هذا البيت كيف كان قال بدء خلق هذا البيت ان الله تعالى قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة فردّوا عليه أتجعل فيها من يفسد فيها الآية وغضب عليهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضى عنهم وقال لهم ابنوا لى فى الارض بيتا فيعوذ به من سخطت عليه من بنى آدم ويطوفون حوله كما فعلتم بعرشى فأرضى عنهم فبنوا له هذا البيت فهذا بدء خلق هذا البيت قال الازرقى فى تاريخه ان ذلك قبل خلق آدم لما روى عن زين العابدين على بن الحسين أن الله تعالى وضع بيتا تحت العرش وهو البيت المعمور وأمر الملائكة أن يطوفوا به ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الارض أن يبنوا فى الارض بيتا بحياله على قدره ومثاله فبنوا وأمر من فى الارض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور* وفى حديث جعفر الصادق المتقدّم فقال الرجل يا أبا جعفر فما بدء خلق هذا الركن فقال ان الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق قال لبنى آدم ألست بربكم قالوا بلى وأقروا وأجرى نهرا أحلى من العسل وألذ من الزبد ثم امر القلم فاستمدّ من ذلك النهر فكتب اقرارهم وما هو كائن الى يوم القيامة ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذى ترى انما هو بيعة على اقرارهم بالذى كانوا أقرّوا به* وقال جعفر بن محمد كان أبى اذا استلم الركن قال اللهم أمانتى أدّيتها وميثاقى وفيت به ليشهد لى عندك بالوفاء* وخرج الترمذى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 من حديث عبد الله بن عباس وصححه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نزل الحجر الاسود من الجنة وهو أشدّ بياضا من اللبن فسوّدته خطايا بنى آدم* وفى تاريخ الازرقى فاسودّ من لمس الحيض فى الجاهلية* ومن حديث عبد الله بن عمر موقوفا ومرفوعا قال الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما الاضاءا ما بين المشرق والمغرب* ومن حديث ابن عباس أيضا قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الحجر الاسود والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق* وفى الخبر الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة انزلا فوضعا على الصفا فأضاء نورهما لاهل الارض ما بين المشرق والمغرب كما يضىء المصباح فى الليل المظلم يؤمن الروعة ويستأنس بهما ويبعثان يوم القيامة وهما فى العظم مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالوفاء ورفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما فيه* وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى من حديث عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول ان آدم عليه السلام لما أهبط الى الارض فرأى سعتها ولم ير فيها أحدا غيره قال يا رب مالا رضك هذه عامر يسبح ويقدّس لك غيرى قال الله تعالى انى سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدى ويقدّسنى وسأجعل فيها بيوتا يرفع فيها ذكرى ويسبح فيها خلقى ويذكر فيها اسمى وسأجعل بيتا من تلك البيوت أخصه بكرامتى وأوثره باسمى وأسميه بيتى وعليه وضعت جلالى ثم انا مع ذلك فى كل شئ أجعل ذلك البيت حرما آمنا يتحرّم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه ومن حرمه بحرمتى استوجب بذلك كرامتى ومن أخاف أهله فقد أخفر ذمّتى وأباح حرمتى أجعله أوّل بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا يأتونه شعثا غبرا على كل ضامر من كل فج عميق يزجون بالتلبية زجيجا ويثجون بالبكاء ثجيجا ويعجون بالتكبير عجيجا فمن اعتمره لا يريد غيره فقد وفد الىّ وزارنى وضافنى وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلانجاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا ثم تعمره الامم والقرون من الانبياء من ولدك أمّة بعد أمّة وقرنا بعد قرن* وفى حديث ابن عباس بعد قوله ويسبح فيها خلقى وسأبوّئك منها بيتا أخصه بكرامتى وأحوزه لنفسى وأوثره على بيوت الارض كلها وأحرزه بحرمى وأجعله أحق بيوت الارض كلها عندى وأولى بكرامتى أضعه فى البقعة التى اخترت لنفسى فانى اخترت مكانه يوم خلقت السموات والارض* وعن عطاء وقتادة ان آدم عليه السلام لما أهبطه الله من الجنة وفقد ما كان يسمعه ويأنس اليه من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش حتى شكا ذلك الى الله تعالى فى دعائه وصلاته فوجهه الى مكة وأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة لها بابان من زمرّد أخضر باب شرقى وباب غربى فكانت على موضع البيت الآن وقال الله يا آدم انى أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول العرش وتصلى عنده كما يصلى عند عرشى فانطلق اليه آدم فطاف به هو ومن بعده من الانبياء الى أن كان الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى أمر الله ابراهيم عليه السلام ببناء البيت فبناه فذلك قوله تعالى واذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت الآية* وفى زبدة الاعمال مختصر تاريخ الازرقى عن عثمان بن ساج قال بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لكعب يا كعب أخبرنى عن البيت الحرام قال كعب أنزل الله تعالى من السماء ياقوتة مجوّفة مع آدم فقال يا آدم ان هذا بيتى أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف حول عرشى ويصلى حوله كما يصلى حول العرش ونزل معه الملائكة فرفعوا قواعده من الحجارة ثم وضع البيت عليها وكان آدم يطوف حوله كما يطاف حول العرش ويصلى عنده كما يصلى عند العرش فلما أغرق الله تعالى قوم نوح رفعه الله تعالى الى السماء وبقيت قواعده* وعن عثمان بن ساج عن وهب أنه وجد فى التوراة أن بيتا فى السماء بحيال الكعبة اسمه رضاض وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 اليه أبدا وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم البيت الذى فى السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه الى يوم القيامة* وعن ابن عباس ان الله تعالى أوحى الى آدم ان لى حرما بحيال عرشى فانطلق فابن لى بيتا فيه ثم جف به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشى فهنا لك استجيب لك ولولدك من كان منهم على طاعتى فقال آدم أى رب وكيف لى بذلك لست أقوى عليه ولا أهتدى لمكانه فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو مكة فكان آدم عليه السلام اذا مرّ بروضة أو مكان يعجبه قال للملك انزل بناها هنا فيقول له الملك أمامك حتى قدم مكة فبنى البيت من خمسة أجبل من طور سيناء وحراء وطور زيتاء ومن لبنان والجودى* وفى رواية وهب بن منبه وثبير وأحد بدل لبنان والجودى انتهى* وبنى قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملك الى عرفات فأراه المناسك كلها التى يفعلها الناس اليوم* وفى رواية قال ابن عباس انما سمى عرفات جمعا لانه اجتمع بها آدم وحوّاء* وفى أنوار التنزيل انما سمى الموقف عرفة لان آدم وحوّاء التقيا فيه فتعارفا أو لانه نعت لابراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لانّ جبريل كان يدور به فى المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لانّ الناس يتعارفون فيه* وعرفات للمبالغة فى ذلك وهى من الاسماء المرتجلة الا أن يجعل جمع عرفة فحج آدم وأقام المناسك قال وهب بن منبه تلقته الملائكة بالابطح فرحبت به وقالت يا آدم انا لننتظرك ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام ثم قدم به الملك مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم رجع الى أرض الهند فمات بها* وفى رواية عن ابن عباس حج آدم من الهند أربعين حجة قال أبو يحيى قلت لابن عباس أكان يركب آدم قال أى شىء يحمله فو الله ان خطوته مسيرة ثلاثة أيام كذا فى العرائس* وذكر الواقدىّ عن أبى بكر بن سليمان بن أبى خيثمة العدوى قال قلت لابى جهم بن حذيفة يا عمّ حدّثنى عن بناء البيت ونزول آدم عليه السلام الحرم قال يا ابن أخى سلنى على نشاط منى فانى أعلم ما لا يعلمه غيرى فمكثت شهرا أذكره المرّة بعد المرّة فيقول مثل قوله الاوّل وكان قد كبر ورق وضعف فدخلت عليه يوما وهو مسرور فقال اسمع حديثك الذى سألتنى عنه ان البيت حذاؤه حزم فى السماء السابعة وفى الارض السابعة يعنى ان ما يقابله حرم* روى النووى فى ايضاح المناسك عن مجاهد ان هذا البيت أربعة عشر بيتا فى كل سماء بيت وفى كل أرض بيت بعضهنّ مقابل بعض* وعن ليث بن معاذ قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا خامس عشر بيتا سبعة منها فى السماء الى العرش وسبعة منها الى تخوم الارض السفلى وأعلاها الذى فى العرش البيت المعمور ولكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض الى تخوم الارض السفلى ولكل بيت من أهل السماء وأهل الارض من يعمره كما يعمر هذا البيت ذكره فى زبدة الاعمال* قال أبو جهم وان آدم عليه السلام أمر بأساسه فبناه هو وحوّاء وأسساه بصخر أمثال الخلفات يعنى النوق التى فى بطونها أجنة واحدتها خلفة أذن الله للصخر أن يطيعهما ثم نزل البيت من السماء من ذهب أحمر ووكل به من الملائكة سبعون ألف ملك فوضعوه على أس آدم عليه السلام ونزل الركن وهو يومئذ درّة بيضاء فوضع موضعه اليوم من البيت وطاف به آدم وصلّى فيه فلما مات آدم عليه السلام وليه بعده ابنه شيث فكان كذلك حتى حجه نوح عليه السلام فلما كان الغرق يعنى الطوفان بعث الله تعالى سبعين ألف ملك فرفعوه الى السماء كى لا يصيبه الماء النجس وبقيت قواعده وجاءت السفينة فدارت به سبعا ثم دثر البيت فلم يحجه من بين نوح وبين ابراهيم أحد من الانبياء عليهم الصلاة والسلام* وفى شفاء الغرام عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث الله عز وجل جبريل الى آدم وحوّاء فقال لهما ابنيا لى بيتا فحط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحوّاء تنقل التراب حتى أصابه الماء نودى من تحته حسبك يا آدم فلما بناه أوحى الله تعالى اليه أن يطوف به وقيل له أنت أوّل الناس وهذا أوّل بيت تناسخته القرون* وفى تشويق الساجد فهبطت على آدم الملائكة فحفر حتى بلغ الارض السابعة فقذفت الملائكة فيه الصخر حتى أشرف على وجه الارض وهبط بياقوتة حمراء لها أربعة أركان بيض فوضعها على الاساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى* وفى تاريخ الازرقى عن مقاتل يرفع الحديث الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى حديث حدّثه به آدم قال أى رب انى أعرف شقوتى انى لا أرى شيئا من نورك فأنزل الله البيت المعمور على عرض البيت وموضعه من ياقوتة حمراء ولكن طولها كما بين السماء والارض وأمره أن يطوف بها وأذهب الله عنه الغم الذى كان يجده قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح عليه السلام كذا فى شفاء الغرام* وفى بحر العلوم أنزل الله خيمة من خيام الجنة فوضعها له بمكة موضع البيت قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب لها بابان شرقى وغربى من ذهب منظومان من درّ الجنة فيها نور يلتهب من الجنة ونزل معها الركن يومئذ وهو ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه* وفى بهجة الانوار ان الحجر الاسود كان فى الابتداء ملكا صالحا ولما خلق الله آدم زينه وأسكنه الجنة وأباح له الجنة كلها الا الشجرة التى نهاه الله عنها وشرط معه وأشهد على ذلك ملكا وذلك قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم حتى لا ينسى عهد ربه وكلما خطر بباله أن يأكل من الشجرة نهاه الملك فلما قدّر الله أن يأكل منها غاب عنه الملك فأكلا منها فطارت عنه الحلل وأخرج من الجنة فلما رجع الملك وجده قد نقض عهد ربه فنظر الله الى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا وذلك أن الله تعالى لم يرض عن الملك غيبته وقال له أنت هتكت ستر آدم وعزتى وجلالى لا جعلنك حجرا ألا ترى انه جاء فى الحديث ان الحجر الاسود يأتى يوم القيامة وله يد ولسان وأذن وعين لانه كان فى الابتداء ملكا* قال وهب ان آدم لما صار بمكة حرسه الله وحرس تلك الخيمة بالملائكة يحرسونه ويذودون عنه سكان الارض وسكانها يومئذ الجنّ والشياطين فلا ينبغى لهم أن ينظروا الى شىء من الجنة لانّ من ينظر الى شىء من الجنة وجبت له الجنة والارض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدماء ولم تعمل فيها الخطايا فمن أجل ذلك جعلها الله مستقرّ الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وكان موقفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرا محيطا بالحرم والحل كله من خلفهم والحرم كله دونهم* وقال ابن عباس ان للحرم حرمة البيت الى السموات ثم الى العرش والى الارض السفلى فلا يجوزها جنّ ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الله الحرم حتى اليوم ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة* وفى مناسك السروجى أوّل من حدّد الحرم آدم عليه السلام خوفا من الشياطين فخفت ملائكة على حدوده تمنع الشياطين ثم حدّده ابراهيم عليه السلام وجبريل يريه مواضعه ثم قضىّ ثم أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم كعب بن أسد بذلك ثم حدّده عمر ثم عثمان ثم معاوية رضى الله عنهم ثم عبد الملك بن مروان لما حج قال أبو جعفر الهندوانى مقدار الحرم من جانب المشرق ستة أميال ومن الجانب الثانى اثنا عشر ميلا قال صاحب المحيط وفيه نظر فان ذلك هو التنعيم قريب من ثلاثة أميال ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا وحدّه المحرّر من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون وبالفاء على ثلاثة أميال ومن طريق اليمن اضاة لبن فى ثنية لبن على وزن قناة ولبن بكسر اللام وبالباء الموحدة على سبعة أميال ومن طريق العراق على ثنية جبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 بالمنقطع على سبعة أميال ومن طريق الجعرّانة فى شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال بالتاء قبل السين ومن طريق جدّة منقطع الاعشاش جمع عش على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال هكذا ذكره الازرقى وجماعة غير أن الازرقى قال فى حدّه من طريق الطائف أحد عشر ميلا وأكثرهم قالوا سبعة أميال قال وان خيمة آدم لم تزل فى مكانها حتى قبض الله آدم ثم رفعها الله وبنى بنو آدم بعده فى موضعها بيتا من الطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن الطوفان فنسفه الغرق وقيل الذى عمرها من أولاده شيث فانطمس فى الطوفان ومكانها تل أحمر ولما غرق خفى مكانه حتى بعث الله خليله ابراهيم عليه السلام وطلب الاساس الذى وضعه بنو آدم فى موضع الخيمة فوجد فرفع القواعد وان حوّاء هبطت بجدّة وهى ساحل مكة وحرم الله عليها دخول الحرم والنظر الى خيمة آدم والى شىء من مكة من أجل خطيئتها التى أخطأتها ويقال أردت أن تدخل معه فمنعها آدم وقال اليك عنى حرمت الجنة بسببك فتريدين أن تحرمينى هذا وقال وهب كان آدم اذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فى الحل ولم تزل مكة دار آدم مذ نزلها الى أن توفاه الله تعالى* وفى الاكتفاء ان شيث بن آدم هو أوّل من بنى الكعبة وانها كانت قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم يأنس بها لانها أنزلت اليه من الجنة فرفعت وكان قد حج الى موضعها من الهند* وفى الخبر أن موضعها كان غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والارض فلما بدأ الله خلق الاشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء وقضاهنّ سبع سموات دحا الارض أى بسطها وانما دحاها من تحت الكعبة فلذلك سميت مكة أمّ القرى* وقال وهب بن منبه خلق الله الكعبة قبل سائر الارض بألفى عام وخلق الله الارض قبل آدم بألفى عام ودحيت الارض من تحت البيت المعمور من موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة ونشر السماء من فوقه وقد مرّ فى أوّل الكتاب مثله تزور الملائكة الكعبة كل يوم سبعون ألفا لا يعودون اليها أبدا وفى كل ليلة كذلك وكان ابتداء حجهم الكعبة قبل آدم بألفى عام كذا فى بحر العلوم* وذكر ابن هشام أن الماء لم يصل الكعبة حين الطوفان ولكن قام حولها وبقيت هى فى هواء الى السماء وان نوحا قال لاهل السفينة وهى تطوف بالبيت الكريم انكم فى حرم الله وحول بيته فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة وجعل بينهم وبين النساء حاجزا فتعدّى حام فدعا عليه بأن يسوّد الله ذرّيته فأجابه الله على وفق ما دعا واسودّ كوش بن حام وولده الى يوم القيامة وقد مرّ نحوه وقد قيل فى سبب دعوته غير هذا* ويروى أنه لما نضب ماء الطوفان بقى مكان البيت ربوة من مدرة فحج اليه بعد ذلك هود وصالح ومن آمن معهما وأن يعرب قال لهود عليه السلام ألا تبنيه قال انما يبنيه نبى كريم يأتى من بعدى يتخذه الرحمن خليلا قال أبو الجهم من حديث الواقدى حتى أراد الله بابراهيم ما أراد فولد له اسماعيل وهو ابن تسعين سنة فكان بكر أبيه* وقال أهل الاخبار ان هاجر كانت لسارة فوهبتها لابراهيم اذ لم يولد له ولد منها وقالت عسى الله أن يرزقك منها ولدا فحملت هاجر باسماعيل فلما ولدته كان نور محمد صلّى الله عليه وسلم لامعا من جبهته كما مرّ فغارت سارة وقيل ان ابراهيم أخبر سارة بأن الله وعده أن يرزقه ولدا طيبا وكانت ترجو أن يكون الولد منها فلما حملت هاجر باسماعيل وولدته وظهر نور محمد صلّى الله عليه وسلم فى وجهه اغتمت سارة وحزنت حزنا شديدا وغارت عليها غيرة ضاق بها صدرها فناشدت ابراهيم أن يخرجها من عندها وجوارها فأوحى الله تعالى الى ابراهيم أن يطيع سارة فى كل ما تقول وتأمر فى هاجر واسماعيل وحلفت سارة على أن تقطع ثلاثة من أعضاء هاجر فلما علمت به هاجر تمنطقت وتهيأت للفرار* قال ابن عباس أوّل من اتخذ من النساء المنطقة أمّ اسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 اتخذت منطقا ليعفى أثرها على سارة فأمر ابراهيم سارة ان تبرّ قسمها بثقب أذنيها وخفاضها ففعلت فصار ثقب الاذان والخفاض سنة فى النساء كذا فى شفاء الغرام* وفى الانس الجليل غارت منها سارة فحلفت أن تملأ يدها من دمها فقال ابراهيم خدنيها واختنيها لكى يكون سنة بعد كما وتتخلصين من يمينك ففعلت فكانت هاجر أوّل من اختتنت من النساء وابراهيم أوّل من اختتن من الرجال* وقال السهيلى هاجر أوّل امرأة ثقبت اذنها وأوّل من خفض من النساء وأوّل من جرّ ذيلها ومع ذلك لم يسكن جاش سارة ولم تزل تغير عليها وتغتم حتى آل الامر الى أن هاجر ابراهيم بهاجر واسماعيل الى الارض التى هى الآن حرم مكة* وفى العرائس قال العلماء من أهل الكتب حملت سارة باسحاق وقد كانت هاجر حملت باسماعيل فوضعتا معا ومشى الغلامان ينتضلان وكان ابراهيم قد سابق بينهما فسبق اسماعيل اسحاق فأخذه ابراهيم وقبله ووضعه على ركبته فقالت له سارة تجلس اسماعيل على ركبتك دون ولدى اسحاق ولى عليك أن لا تسوءنى ولا تغايرنى وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة فحلفت أن لا بدّ لها ما تغير خلقها ولتقطعنّ بضعة منها فلما سكن غضبها وثاب اليها عقلها ندمت على ما كان منها من اليمين وبقيت حائرة فى ذلك فقال لها ابراهيم اخفضيها واثقبى أذنيها ففعلت فصار ذلك سنة فى النساء قالوا ثم ان اسماعيل واسحاق اقتتلا ذات يوم كما يفعله الصبيان فغضبت سارة على هاجر وقالت لا تساكنينى بعد يومك هذا ثم أمرت ابراهيم أن يحوّلها ويغرّبها فأوحى الله الى ابراهيم أن ائت بهاجر وابنها الى مكة ففعل وسيأتى التصريح بأن اسماعيل أكبر من اسحاق* وفى الاكتفاء لما أراد الله عز وجل أن يبوّئ لابراهيم مكان البيت وأعلامه أوحى اليه يأمره بالمسير الى بلده الحرام فركب ابراهيم البراق وحمل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وقيل وهى ترضعه وهاجر خلفه ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم* وفى زبدة الاعمال عن عثمان بن ساج قال بلغنا والله أعلم أن ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام عرج به الى السماء فنظر الى الارض مشارقها ومغاربها وذلك قوله تعالى وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين فاختار موضع الكعبة فقالت له الملائكة يا خليل الرحمن اخترت حرم الله فى الارض قال فبناه من حجارة سبعة أجبل ويقال خمسة فكانت الملائكة تأتى بالحجارة الى ابراهيم عليه السلام من تلك الجبال* وفى تفسير القشيرى وحياة الحيوان وغيرهما أن ابراهيم لما هاجر بولده اسماعيل وأمّ ولده هاجر الى مكة مرّ على قوم من العمالقة فوهبوا لاسماعيل عشرة أعنز فجميع أعنز مكة من نسلها* وفى الاكتفاء كان لا يمرّ بقرية الا قال ابراهيم بهذه أمرت يا جبريل فيقول لا حتى قدم به مكة وهى اذ ذاك عضاه وسلم وسمر والعماليق يومئذ حول الحرم وهم أوّل من نزل مكة ويسكنون بعرفة وكانت المياه يومئذ قليلة وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة حمراء مدرة وهو مشرف على ما حوله فقال جبريل حين دخل من كداء وهو الجبل الذى يطلعك على الحجون والمقبرة بهذا أمرت قال ابراهيم بهذا أمرت قال نعم فانتهى الى موضع البيت فعمد ابراهيم الى موضع الحجر فآوى فيه هاجر واسماعيل وأمر هاجر أن تتخذ عريشا* وفى معالم التنزيل فوضعهما ابراهيم عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى أعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ولا عمارة ولا زراعة* وفى رواية وضعهما عند تل ستبنى الكعبة عليه* وفى الاكتفاء فلما أراد ابراهيم أن يخرج ورأت أمّ اسماعيل أنه ليس بحضرتها أحد من الناس ولا ماء ظاهر تركت ابنها فى مكانه وتبعت ابراهيم فقالت يا ابراهيم الى من تدعنا فسكت عنها حتى اذا دنا من كداء قال الى الله عز وجل أدعكم قالت فالله أمرك بهذا قال نعم قالت فحسبى تركتنا الى كاف وانصرفت هاجر الى ابنها وخرج ابراهيم حتى وقف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 كداء ولا بناء ولا ظل ولا شىء يحول دون ابنه فنظر اليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة لولده فقال ربنا انى أسكنت من ذرّيتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون* وفى رواية فانطلق ابراهيم حتى اذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه الى البيت بهذه الدعوات* وعن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم* وفى الكشاف قيل لو لم يقل من لازدحموا عليها حتى الروم والترك والهند* وفى أنوار التنزيل لحجت اليهود والنصارى والمجوس* وفى الاكتفاء ثم انصرف ابراهيم راجعا الى الشام ورجعت أمّ اسماعيل الى ابنها وعمدت هاجر فجعلت عريشا فى موضع الحجر من سمر وثمام ألقته عليه ومعها شنّ فيه ماء* وفى رواية وضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء* وفى الاكتفاء فلما نفد الماء عطش اسماعيل وعطشت أمّه فانقطع لبنها فأخذ اسماعيل كهيئة الموت فظنت أنه ميت فجزعت وخرجت جزعا أن تراه على تلك الحالة وقالت يموت وأنا غائبة عنه أهون علىّ وعسى الله أن يجعل لى فى ممشاى خيرا فانطلقت فنظرت الى جبل الصفا فأشرفت عليه تستغيث ربها وتدعوه ثم انحدرت الى المروة فلما كانت فى الوادى خبت حتى انتهت الى المروة* وفى رواية لما بلغت بطن الوادى غاب الولد عن عينها فرفعت طرف درعها ثم سعت سعى الانسان المجهود حتى جاوزت الوادى ثم أتت المروة فقامت عليها قال ابن عباس قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما يعنى صار ذلك من شعائر الحج* وفى الاكتفاء فعلت ذلك مرّات كلما أشرفت على الصفا نظرت الى ابنها فتراه على حاله واذا أشرفت على المروة فمثل ذلك وكان ذلك أوّل سعى بين الصفا والمروة وكان من قبلها يطوفون بالبيت ولا يسعون بين الصفا والمروة ولا يقفون المواقف حتى كان ابراهيم فلما كان الشوط السابع ويئست سمعت صوتا فاستمعت فلم تسمع الا الاوّل فظنت أنه شىء عرض لسمعها من الظمأ والجهد فنظرت الى ابنها فاذا هو يتحرّك فأقامت على المروة ثم سمعت الصوت الاوّل فقالت انى سمعت صوتك فأعجبنى فان كان عندك خير فأغثنى فانى قد هلكت وهلك ما عندى* وفى رواية قالت أيها الذى قد سمعت ان كان عندك غوث فأغثنى وكان الصائت جبريل انتهى فخرج الصوت يصوّت بين يديها وخرجت تتلوه قد قويت له نفسها حتى انتهى الصوت عند رأس اسماعيل ثم بدا لها جبريل فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم فضرب بعقبه مكان البئر فظهر الماء فوق الارض حين فحص بعقبه* وفى الحدائق فبحث بعقبه أو قال بجناحه على شك الراوى وفارت بالرواء وجعلت أمّ اسماعيل تحظر الماء بالتراب وتحوضه خشية أن يفوتها قبل أن تأتى بشنها فاستقت وبادرت الى ابنها فسقته* قال ابن عباس قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم يرحم الله أمّ اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا* وفى الاكتفاء فشربت فاذا ثدياها يتقطران لبنا فكان ذلك اللبن طعاما وشرابا لاسماعيل وكانت تجتزى بماء زمزم فقال الملك لا تخافى أن ينفد هذا الماء وأبشرى فان ابنك سيشب ويأتى أبوه من الشام فيبنون هاهنا بيتا يأتيه عباد الله من أقطار الارضين ملبين لله جل ثناؤه شعثا غبرا فيطوفون به ويكون هذا الماء شرا بالضيفان الله عز وجل الذين يزورون بيته فقالت فى جوابه بشرك الله بكل خير وطابت نفسها وحمدت الله تعالى وأقبل غلامان من العماليق يريد ان بعيرا لهما ما أخطأ هما وقد عطشا وأهلهما بعرفة فنظر الى طير تهوى قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا أنى يكون الطير على غير ماء فقال أحدهما لصاحبه أمهل حتى نبرد ثم نسلك فى مهوى الطير فأبردا ثم تروّحا فاذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبى قبيس فنظر الى الماء والى العريش فنزلا وكلما هاجر وسألاها متى نزلت فأخبرتهما وقالا لمن هذا الماء فقالت لى ولا بنى فقالا من حفره فقالت سقانا الله عز وجل فعرفا أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أحدا لا يقدر أن يحفر هناك ماء وعهدهما بما هناك قريب وليس به ماء فرجعا الى أهلهما من ليلتهما فأخبراهم فتحوّلوا حتى نزلوا معها على الماء فأنست بهم ومعهم الذرّية فنشأ اسماعيل مع ولد انهم وكان ابراهيم يزور هاجر فى كل شهر على براق يغدو غدوة فيأتى مكة ثم يرجع فيقيل فى منزله بالشام فزارها بعد ونظر الى من هناك من العماليق والى كثرتهم وغمارة الماء فسرّ بذلك ولما بلغ اسماعيل أن يسعى مع ابراهيم فى أشغاله ويعينه فى حوائجه وأعماله وذلك حين كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن سبع سنين وقيل أربع سنين رأى ابراهيم فى المنام أنه يذبحه* ذكر الاختلاف فى الذبيح واختلف علماء الاسلام فى هذا الغلام الذى أمر ابراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه اسحاق فقال قوم انه اسحاق واليه ذهب من الصحابة عمر وعلىّ وابن مسعود ومن التابعين وأتباعهم كعب وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهرى والسدّى وهو رواية عن ابن عباس وقالوا كانت هذه القصة بالشام* روى عن سعيد بن جبير أنه قال أرى ابراهيم ذبح اسحاق فى المنام فسار به مسيرة شهر فى غدوة واحدة حتى أتى به الى المنحر بمنى فلما أمر بذبح الكبش ذبحه وساربه مسيرة شهر فى روحة واحدة وطويت له الاودية والجبال وقال آخرون هو اسماعيل واليه ذهب عبد الله بن عمر وهو قول سعيد بن المسيب والشعبى والحسن البصرى ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلبى وهو رواية عن عطاء بن أبى رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفسدّى اسماعيل وكلا القولين يروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم* حجة من قال الذبيح اسحاق قوله تعالى فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعى أمر بذبح من بشربه وليس فى القرآن أنه بشر بولد سوى اسحاق كما قال فى سورة هود فبشرناها باسحاق وما روى فى الحديث يوسف بن يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله وما روى أن يعقوب لما بلغه أن بنيامين أخذ بمصر بعلة السرقة كتب الى العزيز الريان وهو يومئذ يوسف* بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله وسيجىء تمامه* وحجة من قال ان الذبيح هو اسماعيل أن الله ذكر البشارة باسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين فدل على أن المذبوح غيره وأيضا قال الله تعالى فى سورة هود فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب وكما بشر ابراهيم باسحاق بشر بابنه يعقوب فكيف يأمره بذبح اسحاق وقد وعد له نافلة منه* وفى أنوار التنزيل ولان البشارة باسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الامر بذبحه مراهقا ولان قرنى الكبش كانا منوطين بالكعبة فى أيدى بنى اسماعيل الى أن احترق البيت واحترق القرنان فى أيام ابن الزبير والحجاج ولم يكن اسحاق ثمة* قال الشعبى رأيت قرنى الكبش منوطين بالكعبة* وعن ابن عباس قال والذى نفسى بيده لقد كان أوّل الاسلام وان رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد وخش يعنى يبس وصار رديئا* قال الاصمعى سألت عمرو بن العلاء عن الذبيح اسحاق أو اسماعيل فقال يا أصيمع أين ذهب عقلك متى كان اسحاق بمكة وانما كان اسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه ولان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أنا ابن الذبيحين يعنى جدّه اسماعيل وأباه عبد الله حيث عرضه عبد المطلب على الذبح* قال ابن القيم ومما يدل على أن الذبيح اسماعيل أنه لا ريب أن الذبح كان بمكة ولذا جعل القرابين يوم النحر بها كما جعل السعى بين الصفا والمروة ورمى الجمرات بها تذكرة بشأن اسماعيل وأمّه واقامة لذكر الله تعالى ومعلوم أن اسماعيل وأمّه هما اللذان بمكة دون اسحاق وأمّه ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة وروى ما ذكره المعافى بن زكريا أن عمر بن عبد العزيز سأل رجلا أسلم من علماء اليهود أىّ ابنى ابراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أمر بذبحه فقال والله يا أمير المؤمنين ان اليهود ليعلمون أنه اسماعيل ولكنهم يحسدونكم معشر العرب أن يكون أبا لكم للفضل الذى ذكر عنه فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه اسحاق لان اسحاق أبوهم كذا فى المواهب اللدنية* قصة الذبح وأما قصة الذبح فقال السدّى لما دعا ابراهيم ربه فقال رب هب لى من الصالحين وبشر به قال هو اذا ذبيح الله فلما ولد وبلغ معه السعى قيل له أوف بنذرك هذا هو السبب فى أمر الله اياه بذبح ابنه فقال عند ذلك لاسماعيل انطلق نقرب قربانا لله عز وجل وأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال له الغلام يا أبت أين قربانك فقال يا بنىّ انى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر* قال ابن اسحاق كان ابراهيم اذا زار هاجر واسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى اذا بلغ اسماعيل معه السعى أمر فى المنام أن يذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كان قائلا يقول له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روّى فى نفسه أى فكر من الصباح الى الرواح أمن الله هذا الحلم أو من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما أمسى رأى فى المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فمن ثمة سمى يوم عرفة وقال مقاتل رأى فى المنام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه قال ابن اسحاق وغيره لما أمر ابراهيم بذلك قال لابنه خذ الحبل والمدية ننطلق الى هذا الشعب نحتطب فأخذهما فانطلقا حتى اذا كان ببعض الطريق عرض لهما الشيطان* وعن كعب الاحبار وابن اسحاق لما أمر ابراهيم بذبح ابنه قال الشيطان لئن لم أفتن عند هذا آل ابراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل رجلا وأتى أمّ الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب ابراهيم بابنك قالت ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به الا ليذبحه قالت كلا هو أرحم به وأشدّ حبا من ذلك قال انه يزعم أن الله أمره بذلك قالت فان كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشى على أثر أبيه فقال يا غلام هل تدرى أين يذهب بك أبوك قال نحتطب لاهلنا من هذا الشعب قال والله ما يريد الا أن يذبحك قال ولم قال زعم أن ربه أمره بذلك قال فليفعل ما أمره به ربه سمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل على ابراهيم فقال له أين تريد أيها الشيخ قال أريد هذا الشعب لحاجة لى فيه قال والله انى لأرى أن الشيطان قد جاءك فى منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه ابراهيم فقال اليك عنى يا عدوّ الله فو الله لأمضين أمر ربى فرجع ابليس بغيظه لم ينل من ابراهيم وآله شيئا مما أراد وقد امتنعوا منه بعون الله عز وجل* وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن ابراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه ابراهيم ثم ذهب الى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى ابراهيم لامر الله عز وجل فلما خلا بابنه فى شعب ثبير أخبره بما أمر به قال له ابنه يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى ان شاء الله من الصابرين فلما أسلما أى انقادا لامر الله تعالى وتله للجبين أى صرعه على الارض قال ابن عباس أضجعه على جبينه على الارض* وفى أنوار التنزيل صرعه على شقه فوقع جبينه على الارض وهو أحد جانبى الجبهة قالوا قال له ابنه الذى أراد ذبحه يا أبت أشد درباطى حتى لا أضطرب واكفف عنى ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى فينقص من أجرى وتراه أمى فتحزن واشحذ شفرتك وأسرع مر السكين على حلقى فانه أهون علىّ فان الموت شديد واذا أنيت أمى فاقرأ عليها السلام منى فان رأيت أن تردّ قميصى على أمى فانه عسى أن يكون أسلى لها قال له ابراهيم نعم العون أنت يا بنىّ على أمر الله ففعل ابراهيم ما وصاه به ابنه ثم أقبل ابراهيم عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكى والابن يبكى وقد فتحت أبواب السماء والملائكة ينظرون ويبكون ويقولون حق له أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 يتخذه الله خليلا ثم انه وضع السكين على حلقه فلم يحز السكين فشحذه بالحجر مرّتين أو ثلاثا حتى صار كشعلة النار وكل ذلك لم يقطع* وفى أنوار التنزيل روى أنه أمرّ السكين بقوّته على حلقه مرارا فلم يقطع* قال السدّى ضرب الله صفيحة من نحاس على حلقه فقال الابن عند ذلك يا أبت كبنى على وجهى لئلا ترى فىّ تغيرا فتدركك رقة فتحول بينك وبين أمر الله وأنا لا أنظر الى الشفرة فأجزع ففعل ذلك ابراهيم ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين وكان ذلك عند الصخرة بمنى أوفى الموضع المشرف على مسجده أو المنحر الذى ينحر فيه اليوم ونودى أن يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا فنظر ابراهيم فاذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبريل وكبر الكبش وكبر ابراهيم وكبر ابنه فأخذ ابراهيم الكبش وأتى به المنحر من منى فذبحه* قال أكثر المفسرين كان ذلك الكبش رعى فى الجنة أربعين خريفا وعن ابن عباس الكبش الذى ذبحه ابراهيم هو الذى قرّبه ابن آدم هابيل فتقبل منه قال الحسن ما فدى اسماعيل الابتيس من الاروى* وفى أنوار التنزيل وعلى أهبط عليه من ثبير وروى أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصار سنة* تزوّج اسماعيل وزيارة أبيه ابراهيم له وفى الاكتفاء ولما بلغ اسماعيل عليه السلام مبلغ الرجال تزوّج امرأة من العماليق فجاء ابراهيم زائرا لاسماعيل واسماعيل فى ماشيته يرعاها ويخرج متنكبا قوسه فيرمى الصيد مع رعيته فجاء ابراهيم عليه السلام الى منزله فقال السلام عليكم يا أهل البيت فسكتت فلم تردّ الا أن تكون ردّت فى نفسها فقال هل من منزل فقالت لا وهائم الله اذا قال فكيف طعامكم وشرابكم وشاؤكم فذكرت جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام وأما الشاة فانما نحلب الشاة بعد الشاة المصرّاة وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ قال فأين رب البيت قالت فى حاجته قال فاذا جاء فأقريه السلام وقولى له غير عتبة بيتك ثم رجع ابراهيم الى منزله وأقبل اسماعيل راجعا الى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل فلمّا انتهى الى منزله سأل امرأته هل جاءك أحد فأخبرته بابراهيم وقوله وما قالت له* وفى رواية قالت جاءنى شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه ففارقها وأقام ما شاء الله أن يقيم وكانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة فضيعوا حرمة الحرم واستحلوا منه أمورا عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون فقام فيهم رجل منهم يقال له عموق فقال يا قوم أبقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من هذه الامم فلا تفعلوا وتواصلوا ولا تستخفوا بحرم الله عز وجل وموضع بيته فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا فى هلكة أنفسهم ثم ان جرهما وقطورا وهما ابنا عم خرجوا سيارة من اليمن أجدبت البلاد عليهم فساروا بذراريهم وأموالهم فلما قدموا مكة رأوا فيها ماء معينا وشجرا ملتفا ونباتا كثيرا وسعة من البلاد ودفئا فى الشتاء فقالوا ان هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأعجبهم ونزلوا به وكان لا يخرج من اليمن قوم الا ولهم ملك يقيم أمرهم سنة فيهم جروا عليها واعتادوها ولو كانوا نفرا يسيرا فكان مضاض بن عمرو على قومه من جرهم وكان على قطورا السميدع بن هوثر فنزل مضاض بجرهم أعلا مكة وكان حوزهم وجه الكعبة الركن الاسود والمقام وموضع زمزم مصعدا يمينا وشمالا وقيقعان الى أعلا الوادى ونزل السميدع بقطورا أسفل مكة وأجيادا وكان حوزهم ظهر الكعبة والركن اليمانى والغربى والاجيادين والثنية الى الرمضة فلما جازوا ذهبت العماليق الى أن ينازعوهم أمرهم فعلت أيديهم على العماليق وأخرجوهم من الحرم كله فصاروا فى أطرافه لا يدخلونه وجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما فكثروا وأثروا فكان مضاض يعشر كل من دخل مكة من أعلاها والسميدع بعشر كل من دخل من أسفلها وكلّ على قومه لا يدخل أحدهما على صاحبه وكانوا عربا وكان اللسان عربيا ونشأ اسماعيل فيهم وأخذ بلسانهم وتعلم العربية منهم وكان أنفسهم وأعجبهم وكان ابراهيم يزور اسماعيل فلما نظر الى جرهم نظر الى لسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 عجيب واعراب وسمع كلاما حسنا فقول ابن عباس أوّل من تكلم بالعربية اسماعيل فالمراد منه أنه أوّل من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة اسماعيل ومع أنه تعلم أصل اللغة منهم فاقهم فى الفصاحة والبلاغة ونظر اسماعيل الى رعلة بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فحطبها الى أبيها فتزوّجها فجاء ابراهيم زائرا لاسماعيل فجاء الى بيت اسماعيل فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقامت اليه المرأة فردّت عليه ورحبت به فقال كيف عيشكم ولبنكم وماشيتكم فقالت خير عيش نحمد الله عز وجل نحن فى لبن كثير ولحم كثير وماء طيب قال هل من حب قالت يكون ان شاء الله ونحن فى نعم قال بارك الله لكم قال أبو الجهم فكان أبى يقول ليس أحد يخلى عن اللحم والماء بغير مكة الا اشتكى بطنه ولعمرى لو وجد عندها حبا لدعا فيه بالبركة فكانت أرض زرع ويقال ان ابراهيم قال لها ما طعامكم قالت اللحم واللبن قال فما شرابكم قالت اللبن والماء قال بارك الله لكم فى طعامكم وشرابكم فاللبن طعام وشراب قالت فانزل رحمك الله فاطعم واشرب قال انى لا أستطيع النزول قالت فانى أراك شعثا أفلا أغسل رأسك وأدهنه قال بلى ان شئت فجاءته بالمقام وهو يومئذ حجر رطب أبيض مثل المهاة ملقى فى بيت اسماعيل فوضع عليه قدمه اليمنى وقدّم اليها رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الايمن فلما فرغت حوّلت له المقام حتى وضع عليه قدمه اليسرى وقدّم اليها رأسه فغسلت بشق رأسه الايسر فالاثر الذى فى المقام من ذلك* قال أبو الجهم فقد رأيت موضع العقب والاصبع وعن الواقدى من غير حديث أبى الجهم أن أبا سعيد الخدرى سأل عبد الله بن سلام عن الاثر الذى فى المقام فقال كانت الحجارة على ما هى عليه اليوم الا أن الله جل ثناؤه أراد أن يجعل المقام آية من آياته قال أبو الجهم فلما فرغت يعنى المرأة من غسل رأس ابراهيم عليه السلام قال لها اذا جاء اسماعيل فقولى له أثبت عتبة بابك فان صلاح المنزل العتبة فلما جاء اسماعيل قال لها هل جاءك أحد بعدى فأخبرته بابراهيم وما صنعت به ثم قال هل قال لك أن تقولى شيئا قالت قال لى أثبت عتبة بابك فان صلاح المنزل العتبة ففرح اسماعيل وقال أتدرين من هو قالت لا قال هذا خليل الله ابراهيم أبى وأما قوله أثبت عتبة بابك فقد أمرنى أن أقرّك وقد كنت علىّ كريمة وقد ازددت علىّ كرامة فصاحت وبكت فقال مالك قالت أن لا أكون علمت من هو فأكرمه وأصنع به غير الذى صنعت فقال لها اسماعيل لا تبكى ولا تجزعى فقد أحسنت ولم تسكونى تقديرين أن تفعلى فوق الذى فعلت ولم يكن ليزيدك على الذى صنع بك فولدت لاسماعيل عشرة ذكور نابت أحدهم كذا فى الاكتفاء وشفاء الغرام* وفى سيرة ابن هشام عن محمد بن اسحاق قال ولد اسماعيل بن ابراهيم اثنا عشر رجلا وهم نابت وكان أكبرهم وقيدر واذبل ومنشى ومشمع وماشى وذما وأزد وطيما وأيطور ونبش وقيذما وأمّهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمى قال ابن هشام ويقال مضاض وجرهم من قحطان وقحطان أبو اليمن كلها واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وقال ابن اسحاق جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ وقحطان بن عيبر بن شالخ وقال ابن هشام العرب كلها من اسماعيل وقحطان وبعض اليمن يقول قحطان من ولد اسماعيل ويقول اسماعيل أبو العرب كلها بناء الكعبة فلما بلغ اسماعيل ثلاثين سنة وقيل عشرين وقيل ستا وعشرين وابراهيم يومئذ ابن مائة سنة وهو بالشام أوحى الله عز وجل اليه أن ابن لى بيتا قال ابراهيم رب أين أبنيه فأوحى الله اليه أن اتبع السكينة وهى ريح لها وجه وجناحان ومع ابراهيم الملك والصرد فانتهوا بابراهيم الى مكة فنزل اسماعيل الى الموضع الذى بوّأه الله عز وجل ابراهيم* وفى رواية بعث الله السكينة لتدله على موضع البيت وهى ريح خجوج لها رأسان شبه الحية يتبع أحدهما صاحبه وأمر ابراهيم أن يبنى حيث تستقرّ السكينة فتبعها ابراهيم حتى أتيا مكة فتطوّقت السكينة على موضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 البيت كتطوّق الحية فكنت ما حول البيت عن الاساس هذا قول علىّ* وفى حياة الحيوان قيل لما خرج ابراهيم من الشأم لبناء البيت كانت السكينة معه والصرد دليله على موضع البيت والسكينة بمقداره فلما صار الى الموضع وقفت السكينة على موضع البيت ونادت ابن يا ابراهيم على مقدار ظلّى* وقال ابن عباس بعث الله سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وابراهيم يمشى فى ظلها الى أن وافت مكة ووقفت على موضع البيت فنودى منها يا ابراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص كذا فى الكشاف* وفى رواية أن ابراهيم لما أمر بالبناء أقبل من أرمينية على البراق ومعه السكينة وهى ريح هفافة أى ساكنة طيبة لها وجه يتكلم ومعها ملك يدلها على موضع البيت حتى انتهى الى مكة وبها اسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين أو ثلاثين سنة وقد توفيت أمّه قبل ذلك ودفنت فى موضع الحجر* وفى زبدة الاعمال قال ابن جريج ماتت أمّ اسماعيل قبل أن يرفع البيت ابراهيم واسماعيل ودفنت فى موضع الحجر* وفى الاكتفاء وموضع البيت ربوة حمراء مدرة مشرفة على ما حولها فحفر ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وليس معهما غيرهما* وفى العمدة وقيل يعينه سبعة أملاك انتهى فحفرا أساس البيت يريدان أساس آدم الاوّل فحفرا عن ربض البيت يعنى حوله فوجدا صخارا عظاما كل صخرة لا يطيقها الا ثلاثون رجلا وحفرا حتى بلغا أساس آدم ثم بنيا عليه وحلقت السكينة أو قال طوّقت كأنها سحابة على موضع البيت فقالت ابن علىّ فلذلك لا يطوف بالبيت أحد أبدا نافر ولا جبار الا رؤيت عليه السكينة فكان ابراهيم يبنى واسماعيل ينقل الحجارة على رقبته ويناوله* وفى العرائس كان اسماعيل عربيا وابراهيم عبرانيا فعلم الله هذا لسان هذا فكان ابراهيم يقول لاسماعيل بالعبرانية هات لى كببا أى هات لى حجرا فيقول اسماعيل هاك فخذه فلما ارتفع البناء قرّب له المقام فكان ابراهيم يقوم عليه ويبنى ويحوّله اسماعيل فى نواحى البيت* وفى أنوار التنزيل واسماعيل كان يناوله الحجر لكنه لما كان له مدخل فى البناء عطف عليه فى الآية وهى واذ يرفع ابراهيم للقواعد من البيت واسماعيل وقيل كانا يبنيان فى الطرفين أو على التناوب قال ابن عباس انما بنى البيت من خمسة أجبل طور سيناء وطور زيتاء ولبنان وهو جبل بالشأم والجودى وهو جبل بالجزيرة وبنيا قواعده من حراء وهو جبل مكة كذا فى الكشاف الا أن فيه أسسه من حراء بدل وبنيا قواعده ويروى أنه أسس البيت من ستة أجبل أبى قبيس والطور والقدس وورقان ورضوى وأحد وقيل من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان والطور والجبل الاحمر والله أعلم* وفى الاكتفاء فبنى ابراهيم واسماعيل البيت فجعل طوله فى السماء تسعة أذرع وعرضه ثلاثين ذراعا وهو خلاف المتعارف وطوله فى الارض اثنين وعشرين ذراعا وأدخل الحجر وهو سبعة أذرع فى البيت وكان قبل ذلك زر بالغنم اسماعيل* وفى البحر العميق ويسمى الحجر حظيرة اسماعيل لان الحجر قبل بناء الكعبة كان زر بالغنم اسماعيل* قال أبو الوليد الازرقى جعل ابراهيم الخليل عليه السلام طول بناء الكعبة فى السماء تسعة أذرع وطولها فى الارض ثلاثين ذراعا وعرضها فى الارض ثلاثة وعشرين ذراعا وكانت غير مسقفة كذا فى ايضاح المناسك* وفى تشويق الساجد جعل ابراهيم واسماعيل طول بناء الكعبة فى السماء تسعة أذرع وطولها فى الارض من الركن الاسود الى الركن العراقى الذى عند الحجر من صوب المشرق ويسمى الركن الشامى أيضا اثنين وثلاثين ذراعا وجعل عرض ما بين الركن العراقى الى الركن الشامى الذى عند الحجر من جهة المغرب ويسمى الركن العراقى أيضا اثنين وعشرين ذراعا وجعل طول ظهرها أى من الركن الغربى الى الركن اليمانى أحدا وثلاثين ذراعا وجعل ما بين الركنين اليمانى والاسود عشرين ذراعا فلذلك سميت الكعبة لانها على خلقة الكعب وكذلك بنيان أساس ابراهيم وجعل بابها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ملصقا بالارض غير مبوّب وجعل الى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز وكان زر بالغنم اسماعيل* وفى الاكتفاء وانما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما أهدى للبيت* وفى البحر العميق قال ابن اسحاق ان البئر التى كانت فى جوف الكعبة كان على يمين من دخلها وكان عمقها ثلاثة أذرع حفرها ابراهيم واسماعيل ليكون فيها ما يهدى للكعبة وكان اسم البئر أخسف وفى رواية هو الجب الذى نصب عليه عمرو بن لحىّ هبل الصنم الذى كان قريش تعبده وتستقسم عنده بالازلام حين جاء به من الهيت أرض الجزيرة* قال ابن هشام حدّثنى بعض أهل العلم أن عمرو بن لحىّ بن قمعة بن الياس خرج من مكة الى الشام فى بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاود بن سام بن نوح رآهم يعبدون الاصنام فقال لهم ما هذه الاصنام التى أراكم تعبدون فقالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطوننى منها صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه* قال ابن اسحاق يرفعه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال رأيت عمرو بن لحىّ يجرّ قصبه فى النار انتهى وجعل ابراهيم الركن علما للناس فذهب اسماعيل الى الوادى يطلب حجرا ونزل جبريل بالحجر الاسود وكان قد رفع الى السماء حين غرقت الارض كما رفع البيت فوضعه ابراهيم موضع الركن وجاء اسماعيل بالحجر من الوادى فوجد ابراهيم قد وضع الحجر فقال من أين لك هذا ومن جاءك به قال ابراهيم من لم يكلنى اليك ولا الى حجرك* وفى رواية تمخض أبو قبيس فانشق عنه وقد خبئ فيه من أيام الطوفان وكان ياقوته حمراء وقيل ياقوتة بيضاء من الجنة فلما مسته الحيض فى الجاهلية اسودّ كذا فى الكشاف وقد مرّ مثله* وفى رواية وهو يومئذ يتلألأ تلألؤا من شدّة بياضه فأضاء نوره شرقا وغربا ويمينا وشمالا وكان نوره يضىء الى منتهى أنصاب الحرم من كل ناحية من نواحى الحرم* وفى حياة الحيوان عن عبد الله بن عمر قال نزل الركن الاسود فوضع على أبى قبيس كأنه مهاة بيضاء فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد ابراهيم وعن الواقدىّ أيضا عن ابن الزبير أنه يقول ان ابراهيم ابتغى الحجر فناداه من فوق أبى قبيس ألا أنا هذا وديعة فرقى ابراهيم اليه فأخذه فوضعه فى موضعه الذى هو فيه اليوم وكان الله جل ثناؤه لما غرقت الارض استودع أبا قبيس الركن وقال اذا رأيت خليلى يبنى لى بيتا فأعطه الركن وعن غير ابن الزبير أن أبا قبيس لذلك كان يسمى فى الجاهلية الامين لوفائه بما استودعه الله اياه ويروى أنه كان بين بنائه وبين أن يبعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف سنة* (ذكر ذى القرنين الاكبر) * يروى أن ذا القرنين قدم مكة وهما يبنيان فقال ما هذا فقالا نحن عبدان مأموران بالبناء قال فهاتا البينة على ما تدّعيان فقامت خمسة أكبش فقلن نشهد أن ابراهيم واسماعيل عبدان مأموران بالبناء فقال رضيت وسلمت ومضى* وفى كتاب القرى عن عطاء بن السائب أنه قال ان ابراهيم عليه السلام رأى رجلا يطوف بالبيت فأنكره فسأله ممن أنت قال من أصحاب ذى القرنين قال وأين هو قال بالابطح فتلقاه ابراهيم واعتنقه فقيل لذى الفرنين لم لا تركب قال ما كنت لأركب وهذا يمشى فحج ماشيا قاله الازرقى* وفى أنوار التنزيل والمدارك ذو القرنين هو الاسكندر الرومى الذى ملك الدنيا قيل ملك الدنيا مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمروذ وبخت نصر وقيل كان بعد نمروذ قاله مجاهد وقال ابن اسحاق لم يملك تمام الارض الا ثلاثة من الملوك نمروذ وذو القرنين وسليمان* وفى المدارك أن شدّاد بن عاد أيضا ملك الدنيا* وفى أنوار التنزيل ملك المعمورة* وفى المدارك قيل كان ذو القرنين عبدا صالحا ملكه الله الارض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فاذا صار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 يهديه النور من أمامه وتحوطه المظلمة من ورائه* وفى الينابيع كان له علمان أبيض وأسود وجعل الله معجزته فيهما فجعل ضوء النهار فى الابيض وظلمة الليل فى الاسود فاذا أراد الضوء والنهار فى الليلة المظلمة ينصب العلم الابيض فيصير الليل مثل النهار المضىء واذا أراد الظلمة والليل فى النهار ينصب العلم الاسود فيصير النهار مثل الليلة المظلمة واذا أراد فى وقت المحاربة أن يلقى الظلمة فى عسكر العدوّ يفعل فيكون النهار عليهم مظلما كالليل ويبقى الضياء والنهار فى عسكره فينهزم العدوّ واذا سار يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه كما مرّ لئلا يقدر على عسكره قاصد من ورائه* وفى المدارك قال عليه السلام بدء أمره أنه وجد فى الكتب أن أحدا من أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير فى طلبها والخضر وزيره وابن خالته وكان فى مقدّمته فظفر وشرب ولم يظفر ذو القرنين* وفى الينابيع قال له شيخ انى قرأت فى وصية آدم لابنه شيث عليهما السلام ان لله تعالى ظلمة على وجه الارض من جانب المغرب وفيها عين الحياة فقصد جانب المغرب* وفى المدارك قيل كان ذو القرنين نبيا وقيل ملكا من الملائكة وعن علىّ أنه قال ليس بملك ولا نبىّ ولكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الايمن فى طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الا يسر فمات فبعثه الله فسمى ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه والاصح الذى عليه الاكثرون أنه كان ملكا صالحا عادلا وانه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال وهذا هو القدر المعمور من الارض كذا فى لباب التأويل* وقال عليه السلام سمى ذا القرنين لانه طاف قرنى الدنيا يعنى جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أى ضفيرتان أو انقرض فى أيامه قرنان من الناس أو لانه ملك الروم وفارس أو الروم والترك أو كان لناجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأمّا* وفى أنوار التنزيل يحتمل أنه نعت بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه واختلف فى نبوّته مع الاتفاق على ايمانة وصلاحه* وفى الينابيع ذكر الثعالبى فى تفسيره عن وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الاسكندرية وكان ابن عجوزة ولم يكن من الاعيان لكن تربى فى الادب وبلغ الفضل وكان له الحلم والمروءة والعفة والاخلاق الحميدة رأى فى المنام أنه دنا من الشمس وأخذ بقرنيها أى جانبيها شرقها وغربها ولما قص رؤياه قالوا له ذو القرنين* وفى العمدة كان اسم ذى القرنين الاسكندر من ولد يونان بن تارخ بن يافث بن نوح* وفى معالم التنزيل اختلفوا فى اسم ذى القرنين قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليونانى من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل اسمه الاسكندر بن فيلقوس الرومى وكان ولد عجوزة ليس لها ولد غيره* ونقل الامام فخر الدين الرازى فى تفسيره عن أبى الريحان السرورى المنجم أنه من حمير واسمه أبو كرب شمس بن عمير بن أفرينس الحميرى قال أبو الريحان يشبه أن يكون هذا القول أقرب لان الاذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو أساميهم من ذى كذى المنار وذى نواس وذى النون وذى رعين وغيرهم واختلفوا فى زمانه قيل كان فى زمن ثمود وكان عمره ألفا وستمائة سنة وقال وهب هو كان فى فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام* وفى المختصر الجامع ان ذا القرنين اثنان أكبر وأصغر أما ذو القرنين الاكبر فهو المذكور فى القرآن هو من ولد سام بن نوح ولقى ابراهيم وكان فى زمنه وطاف البلاد والخضر على مقدّمته وبلغ معه نهر الحياة فشرب من ماء الحياة وهو لا يعلم فخلد وهو الآن حىّ وهو قول الطبرى وسدّ على يأجوج ومأجوج وبنى الاسكندرية وقال ابن عباس كان اسمه عبد الله بن الضحاك* ذكر ذى القرنين الاصغر وأما ذو القرنين الاصغر فهو الاسكندر اليونانى وهو الذى قتل دارا وسلب ملكه وتزوّج بابنته واجتمع له الروم وفارس ولهذا سمى ذا القرنين ويقال انه دخل الظلمات مما يلى القطب الشمالى وطلب عين الخلد وسار فيها ثمانية عشر يوما ثم رجع الى العراق* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى الاسكندر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الحكيم الرومى هو ذو القرنين الملك وليس هو المذكور فى القرآن لان تعظيم الله اياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل اليه بل هو ابن فيلقوس الملك وكان مولده فى السنة الثالثة عشر من ملك دارا الاكبر سلمه أبوه الى أرسطاطاليس الحكيم المقيم بمدينة ايثناش فأقام عنده خمس سنين يتعلم منه الحكمة والادب حتى بلغ أحسن المبالغ ونال من الفلسفة مثل سائر تلامذته فاستردّه والده حين استشعر من نفسه علة خاف منها فلما وصل اليه جدّد العهد له واستولت عليه العلة فتوفى منها واستقل الاسكندر بأعباء الملك وله حكم كثيرة* وفى لباب التأويل ذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله له انى باعثك الى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الارض احداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والاخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الارض احداهما فى القطر الايمن يقال لها هاويل والاخرى فى القطر الايسر يقال لها تأويل وأمم فى وسط الارض منهم الجنّ والانس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين بأىّ قوّة أكابرهم وبأىّ جمع أكاثرهم وباى لسان أناطقهم قال الله تعالى انى سأطوّقك وأبسط لسانك وأشدّ عضدك فلا يهولنك شىء وألبسك الهيبة فلا يرو عنك شىء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك فانطلق حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعددا لا يحصيه الا الله وهم ناسك فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم فى مكان واحد فدعاهم الى الله وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه فعمد الى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا فى دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظيما وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل ففعل بهم كفعله فى ناسك ثم مضى حتى أتى منسك ففعل بهم كفعله بالامّتين وجند منهم جندا ثم أخذ ناحية الارض اليسرى فأتى تاويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد الى الامم التى فى وسط الارض فلما كان مما يلى منقطع الترك مما يلى المشرق قالت له أمّة صالحة من الانس ياذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش كالسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذى روح خلق فى الارض وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا نشك أنهم سيملؤن الارض ويظهرون عليها فيفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا قال ما مكنى فيه ربى خير فأعدوا لى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد يبلغ الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخاليب وأضراس كالسباع ولهم هلب شعر يوارى أجسادهم ويتقون به من الحرّ والبرد ولكل واحد أذنان عظيمتان يفترش احداهما ويلتحف بالاخرى يصيف فى واحدة ويشتو فى أخرى يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف الى بين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الاساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* وفى أنوار التنزيل فسار حتى اذا بلغ مغرب الشمس أى منتهى العمارة من نحو المغرب وكذا المطلع وجدها تغرب فى عين حامئة أى حارّة أو حمئة من حمأت البئر اذا صارت فيها الحمأة أى فى ماء وطين لعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك اذ لم يكن فى مطمح بصره غير الماء وكذلك من كان فى البحر يرى فى مطمح بصره كأنها تغرب فى البحر وكذلك من كان فى البرّ أو الجبل لا أن جرم الشمس تغرب فى عين اذ جرم الشمس أكبر من أن يسعها عين ولا تتزايل عن فلكها ولذلك قال وجدها تغرب ولم يقل وكانت تغرب ووجد عند تلك العين قوما كفّارا عراة من الثياب لباسهم جلود الوحوش والصيد وطعامهم ما لفظه البحر فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل على كفرهم وبين أن يحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 اليهم بالارشاد وتعليم الشرائع ثم اتبع سببا أى ظريقا يوصله الى المشرق فسار حتى اذا بلغ مطلع الشمس أى الموضع الذى تطلع عليه الشمس أوّلا من معمورة الارض وجدها فى نظره تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا من اللباس أو البنيان فان أرضهم لا تمسك الابنية وانهم اتخذوا الاسراب بدل الابنية ذكر أبو الليث كانوا عراة عماة عن الحق فى مكان لا يستقرّ فيه البناء وليس فيه شجر ولا جبل* وقال قتادة هم الزنج كانوا فى مكان لا ينبت فيه النبات كذلك أى كان أمر ذى القرنين فى أهل المشرق كأمره فى أهل المغرب من التخيير والاختبار أو صفة هؤلاء القوم مثل ذلك القوم الذى تغرب عليهم الشمس من الكفر والحكم أو أمر ذى القرنين كما وصفناه فى رفعة المكان وبسطة الملك ثم اتبع طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا بين الجنوب والشمال فسار حتى اذا بلغ بين السدّين* سدّ الاسكندر فى أنوار التنزيل أى بين الجبلين المبنى بينهما سدّه وهما جبلا أرمينية واذربيجان وقيل جبلان فى آخر الشمال فى منقطع أرض الترك منيفان من ورائهما يأجوج ومأجوج* وفى المدارك وهذا المكان فى منقطع أرض الترك مما يلى المشرق* وفى الينابيع هما جبلان قبل المشرق رفيعان بحيث يعجز الخلق عن صعودهما وبلوغ قللهما وكان بينهما واد كبير ومن دونهما قوم لا يكادون يفقهون قولا فقال مترجمهم لذى القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* عن الكلبى كانا فيما يلى بنات نعش وقيل السدّ وراء بحر الروم وقيل بناحية أرمينية وقيل ارتفاعه مقدار مائتى ذراع وعرضه خمسون ذراعا* وفى المدارك بعد ما بينهما مائة فرسخ* وفى الينابيع جاء فى بعض الروايات طوله مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخا* وفى رواية فرسخ فى فرسخ* وفى لباب التأويل قيل ان عرضه خمسون ذراعا وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ* وفى أنوار التنزيل فحفر الاساس حتى بلغ الماء وجعل الاساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد أى القطع الكبار من الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلا الجبلين ثم وضع فيه المنافيخ فنفخوا فيه حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليها فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بناه من الصخر مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب فى تجاويفها كذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى الينابيع عن الكلبى حفروا حتى وصلوا الماء فوضعوا قطعة من حديد وقطعة من نحاس وقطعة من صفر بعضها فوق بعض يعنى سافا من حديد وسافا من نحاس وسافا من صفر بعضها فوق بعض ووضعوا الحجارة فى وسطها والحطب فى خلالها حتى ارتفع الى أعلا الجبل ثم وضعوا المنافيخ الكبار وكان يعمل فيه أربعون ألف عملة فصار بناء رفيعا لا يقدر الطير أن يطير من أعلاه ثم نفخوا فيه حتى صار مثل النار ثم صب عليه النحاس المذاب حتى سدّ التجاويف والثقب وجعلوه أملس حتى لا يقدر على تسوّره وتركوه حتى برد فظهر فيه خطوط خط أسود من الحديد وخط أحمر من النحاس وخط أصفر من الصفر* ذكر يأجوج ومأجوج وروى أن رجلا جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى رأيت ردم يأجوج ومأجوج يعنى السدّ قال صفه لى كيف هو أو قال كيف رأيته قال كالبرد المحبر المخطط طريقة سوداء وطريقة حمراء وفى رواية قال طريقة بيضاء وطريقة سوداء قال عليه السلام أجل رأيته* وفى أنوار التنزيل يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل* وقال السدّى الترك طائفة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السدّ فبقيت خارجة فسموا الترك بذلك لانهم تركوا خارجين وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا أخضر الا أكلوه ولا يابسا الا حملوه وقيل كانوا يأكلون الناس ولا يموت أحدهم حتى ينظر الى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرط الطول وقصار معرط القصر كذا فى المدارك وعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 علىّ أنه قال منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط قى الطول وأخفاه تسحبان فى الارض واذا نام يفترش احداهما ويلتحف بالاخرى* وفى ربيع الابرار عن ابن عباس يأجوج ومأجوج شبر وشبران وثلاثة أشبار وهم من ولد آدم وقال كعب هم نادرة فى بنى آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا مر جهة الاب دون الامّ كذا فى لباب التأويل وفيه نظر لما روى أن الانبياء لا يحتلمون* وعن ثوبان أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان يأجوج وماجوج أمّتان كل أمّة اربعة آلاف فوج قلت صفهم يا رسول الله كيف صفتهم قال هم ثلاثة أصناف صنف على مثال الابل وطول قامتهم كطول الارز والارز شجر بالشام يكون طوله مائة وعشرين ذراعا فى السماء وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرين ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم يفترش احدى أذنبه ويلتحف بالاخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير الا أكلوه ومن مات منهم أكلوه* وفى بعض الروايات على أبدانهم شعر كشعر البهائم ولهم مخاليب وأنياب كالسباع وأصواتهم كأصوات الذئاب وصورهم كصور الانسان وطعامهم حشرات الارض والثعبان والتمساح فيخرج كل سنة تمساح من البحر* وفى رواية أخرى تأتى اليهم حيات من البرّ فيأكلونها* وفى رواية يبعث الله عليهم كل سنة سحابة فتمطر فى أرضهم حية عظيمه يأكلون منها وتكفيهم الى الاخرى وأى سنة تأتيهم فيها واحدة تكون جدبا وغلاء عليهم وأى سنة تأتيهم اثنتان تكون وسطى وأى سنة تأتى ثلاثة تكون رخاء وسعة عليهم* وفى حياة الحيوان التنين ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها كنيته أبو مرداس وهو أيضا نوع من السمك* قال القزوينى فى عجائب المخلوقات انه شر من الكوسج فى فمه أنياب مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف برّاق العينين يبتلع كثيرا من الحيوان يحافه حيوان البرّ والبحر اذا تحرك تموّج البحر لشدّة قوّته فأوّل أمره يكون حية متمردة تأكل من دواب البرّ ما ترى فاذا كثر فسادها احملها ملك فالقاها فى البحر تفعل بدواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله ملكا يحملها ويلقيها الى يأجوج ومأجوج روى عن بعضهم أنه رأى تنينا طوله نحو من فرسخين ولونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس السمك بجناحين عظيمين على هيئة جناح السمك رأسه كرأس الانسان لكنه كالتل العظيم أذناه طويلتان وعيناه مدوّرتان تبرقان جدّا* وفى رواية طعام يأجوج ومأجوج شوك يابس يكون ببلاد العرب منه كثير يدقونه ويجعلون منه طعامهم ولا دين لهم ولا يعرفون الله وقبل أن يصل الاسكندر الى ذلك المكان بشهرين خرج بعضهم الى المسلمين وقتلوا بعضهم وأخذوا كل ما وجدوا منها الطعام وغيره* وعن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان يأجوج ومأجوج يحفرون الردم كل يوم حتى اذا كانوا يرون شعاع الشمس* وفى رواية أخرى يلعقون السدّ بألسنتهم فيجعلونه رقيقا كقشر البيض حتى اذا انتهى قال الذى عليهم ارجعوا فستغفرونه غدا فيعيده الله كما كان حتى اذا بلغ مدّته قال الذى عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا ان شاء الله تعالى فيعودون اليه فيجدونه كهيئته حين تركوه فيحفرون ويخرجون الى الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس فى حصونهم وينتشرون فى الارض ولم يسلطوا على أربعة مساجد مسجد المدينة والمسجد الحرام ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء وكثرتهم بحيث اذا خرجوا تكون مقدّمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون مياه المشرق ويمرّ أوائلهم على بحيرة طبرته فيشربون ما فيها ويمرّ أواخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء وخروجهم من أمارات تكون بين يدى الساعة كخروج الدجال ودابة الارض وغير ذلك وسيأتى ذكر دابة الارض والله أعلم* (ذكر خروج الدجال) * عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الدجال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يخرج من أرض بالعراق كثيرة السباخ يقال لها كوثى* وفى المشكاة عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدجال قال ان يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتى على كل مسلم وأقول انه شاب قطط عينه طافئه كأنى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف فانها حرز لكم من فتنته وانى لا خاله خارجا ما بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه فى الارض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذى كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم قال لا أقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما اسراعه فى الارض قال كالغيث استدبرته الريح فيأتى على قوم فيدعوهم فيؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والارض فتنبت فتروح عليهم سارختهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمدّه خواصر ثم يأتى القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ويمرّ بالخربة فيقول لها أخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه حزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك اذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهروذتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين اذا طأطأ رأسه قطر واذا رفع تحدر منه مثل الجمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجدريح نفسه الامات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله* وفى رواية فاذا رآه عدوّا لله ذاب كما يذوب الملح فى الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكنه يقتله بيده فيريهم دمه فى حربته أخرجه الامام الحافظ أبو عمرو الدانى فى مسنده وروى أن التسبيح والتهليل يجزى عن الطعام فى زمن الدجال ويعيش بالتسبيح والتكبير ويجزى ذلك مجزى الطعام* وفى صحيح مسلم يجزى المسلمين من الطعام التسبيح والتهليل فقيل يا رسول الله انا لنعجن عجينا فانخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمن يومئذ قال يجزيهم ما يجزى أهل السماء من التسبيح والتهليل قال ثم يأتى الى عيسى قوم قد عصمهم الله فيمسح عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم فى الجنة فبينما هو كذلك اذ أوحى الله الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لايدان لاحد يقاتلهم فحرز عبادى الى الطور فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقول لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من فى الارض هم فلنقتل من فى السماء فيرمون نشابهم الى السماء فيردّ الله نشابهم مخضوبة دماء ويحصر نبىّ الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لاحدهم خير من مائة دينار لاحدكم اليوم فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبىّ الله عيسى وأصحابه فلا يجدون فى الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم بالبهيل ويستوقد المسلمون فى قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ثم يرسل الله مطر الا يكنّ منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الارض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للارض أنبتى ثمرتك وردّى بركتك فيومئذ تأكل العصابة من رمانة ويستظلون بقحفها ويبارك الله فى الرسل حتى ان اللقحة من الابل لتكفى الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينماهم كذلك اذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم فتبقى شرار يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة رواه مسلم الا الرواية الثانية وهى قوله تطرحهم بالبهيل الى قوله سبع سنين رواه الترمذى وهذا وقع فى البين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فلنذكر بقية ما يتعلق بالاسكندر والخضر* آثار الاسكندر روى انّ من آثار الاسكندر الاسكندرية بالمغرب بقرب مصر وهى من عجائب البلدان وفيها بنيان عجيب ومنار على أربع أساطين طوله ثلثمائة ذراع وكان فى القديم على ذلك المنار مرآة كبيرة صنعها يليناس الحكيم تلميذ أرسطاطاليس الحكيم تلميذ أفلاطون يطلع بها على القسطنطينية وبلاد الروم والفرنج وفيها اسطوانة تستدير الدهر كله ومنها دمشق بالشام وهراة بخراسان وسمرقند بماوراء النهر وبرذع باذربيجان ولما دنت وفاته قسم الممالك لملوك الطوائف لا ينقاد بعضهم لبعض ولم يقدروا أن يحكموا على الروم التى هى مقام آبائه ومولده ومنشأه فبقيت سالمة عن الفتن* وفى المختصر الجامع بنى الاسكندر اثنتى عشرة مدينة وسماها كلها الاسكندرية ومات بناحية السواد فى موضع يقال له شهرزور وحمل فى تابوت من ذهب الى أمّه بالاسكندرية وقبره هناك وكان عمره ستلو ثلاثين سنة بالاتفاق ومدّة ملكه أربع عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة وقيل اثنتا عشرة سنة قيل كان قبل المسيح بثلثمائة وثلاث وستين سنة* (ذكر الخضر عليه السلام) * فى شواهد التوضيح فى شرح جامع الصحيح لابن الملقن الكلام عليه فى مواضع (أحدها) فى ضبطه وهو بفتح أوّله وكسر ثانيه ويجوز كسر أوّله واسكان ثانيه كما فى كبد (وثانيها) فى سبب تسميته بذلك قال البخارى لانه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهى تهتز من خلفه خضراء والفروة الارض اليابسة أو الحشيش اليابس قال ابن الفارسى الفروة كل نبات مجمع اذا يبس قال الخطابى الفروة وجه الارض اذا أنبتت واخضرّت بعد أن كانت جرداء وفيه قول آخر لانه اذا جلس اخضر ما حوله (وثالثها) فى اسمه وفيه أقوال فى قول أن اسمه بليا بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحتية ابن ملكان بفتح الميم وسكون اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح حكاه ابن قتيبة عن وهب ابن منبه وحكى ابن الجوزى عن ابن وهب أبليا بدل بليا وكان أبوه من الملوك* وفى أنوار التنزيل اسم الخضر بليان بن ملكان وقيل اليسع وقيل الياس وفى قول اسمه الخضر بن عاميل قاله كعب الاحبار وفى قول أرميا بن حزقيا قاله ابن اسحاق ووهاه الطبرى وقال أرميا كان فى زمن بخت نصر وبين عهد موسى وبخت نصر زمن طويل وفى قول الياس قاله يحيى بن سلام ووهاه ابن اسحاق وفى قول اليسع قاله مقاتل وسمى بذلك لان علمه وسع ست سموات وست أرضين ووهاه ابن الجوزى وقال اليسع اسم عجمى ليس بمشتق وفيه قول سادس اسمه أحمد حكاه القشيرى ووهاه ابن دحية فانه لم يسم أحد قبل نبينا صلّى الله عليه وسلم بذلك والسابع أن اسمه عامر حكاه ابن دحية فى كتاب مرج البحرين وفى قول انه خضرون ولد عيص حكاه ابن دحية وروى الكلبى عن أبى صالح أنه من ولد آدم* وفى لباب التأويل اسمه خضرون بن قابيل بن آدم وعن سعيد قال أمه رومية وأبوه فارسى وقيل انه أبو العباس (ورابعها) فى أىّ وقت كان روى الضحاك عن ابن عباس قال الخضر بن آدم لصلبه وقال الطبرى انه الرابع من أولاده وقيل انه من ابن قابيل سبط هارون وكذا قال ابن اسحاق وروى محمد بن أيوب عن ابن لهيعة أنه ابن فرعون موسى وفى القاموس فرعون والد الخضر أو ابنه فيما حكاه النقاش وتاج القرّاء فى تفسيريهما والعهدة عليهما وقال عبد الله بن سودون انه من ولد فارس وقيل كان فى أيام افريدون بن اينيان من ملوك فارس قبل موسى وكان على مقدمة ذى القرنين الاكبر وبقى الى زمان موسى عليه السلام كذا فى الكشاف وأنوار التنزيل وقيل كانت ولادته قبل ابراهيم ولكن أعطى النبوّة بعد يعقوب ويوسف والاسباط قال الطبرى كان فى أيام افريدون كما مر قال وقيل كان على مقدّمة ذى القرنين الاكبر الذى كان فى أيام الخليل عليه السلام وهو عند علماء الكتب ذو القرنين الاوّل حىّ الى الآن كذا فى الكامل وذو القرنين الاكبر عند قوم هو افريدون وقال أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الكتاب انه ابن خالة ذى القرنين ووزيره وانه شرب من عين الحياة وذكر الثعلبى أيضا اختلافا هل كان فى زمن الخليل أم كان بعده بقليل أو بكثير* وذكر بعضهم أنه كان فى زمن سليمان عليه السلام وانه المراد بقوله تعالى قال الذى عنده علم من الكتاب حكاه الداودى واختلف فيه هل كان نبيا أو وليا على قولين وبالثانى جزم القشيرى واختلف أيضا هل كان مرسلا أم لا على قولين وأغرب ما قيل انه من الملائكة والصحيح أنه نبىّ وجزم به جماعة وقال الثعلبى هو نبىّ على جميع الاقوال هو معمر محجوب عن الابصار وصححه ابن الجوزى أيضا لقوله تعالى حكاية عنه وما فعلته عن أمرى فدل على أنه نبى أوحى اليه وانه أعلم من موسى (وخامسها) فى حياته وقد أنكرها جماعة منهم البخارى وابراهيم الحربى وابن المنادى وأفردها ابن الجوزى فى تأليف له والمختار بقاؤها وقال ابن الصلاح هو حىّ عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك وانما أنكرها بعض المحدّثين وقيل انه لا يموت الا فى آخر الزمان حين يرفع القرآن* وفى صحيح مسلم فى حديث الدجال أنه يقتل رجلا ثم يحييه قال ابراهيم ابن سنين راوى كتاب مسلم انه الخضر وكذا قال معمر فى مسنده وذكر الشيخ علاء الدولة السمنانى فى العروة الوثقى كنيته ولقبه واسمه هكذا أبو العباس الخضر عليه السلام أعنى بليان بن ملكان ابن سمعان وأورد له فيها حديثين سمعهما عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلّى الله على محمد الانضر الله قلبه ونوّره والثانى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته* وفى كتاب القرّاء عن ابن عباس قال يلتقى الخضر والياس فى كل عام فى الموسم فيلحق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير الا الله ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوّة الا بالله قال فمن قالها حين يصبح وحين يمسى ثلاث مرّات عوفى من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب اخرجه أبو ذر* وفى العرائس عن ابن اسحاق الخضر من ولد فارس والياس من بنى اسرائيل* وفى زبدة الاعمال عن عبد الله رضى الله عنه سكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الاسباط وهو يصلى كل جمعة فى خمسة مساجد فى المسجد الحرام وفى مسجد المدينة وفى مسجد بيت المقدس وفى مسجد قباء ويصلى كل ليلة جمعة فى مسجد الطور ويأكل كل جمعة أكلتين من كماءة وكرفس ويشرب من زمزم ومن جب سليمان الذى ببيت المقدس ويغتسل من عين سلوان أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساكر* وفى ربيع الابرار من الانبياء أربعة أحياء اثنان فى السماء عيسى وادريس واثنان فى الارض الياس والخضر فالياس فى البرّ والخضر فى البحر وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذى القرنين يحرسانه ويحجان كل سنة ولا يراهما الا من شاء الله وأكلهما الكرفس والكماءة وهذه القصة وقعت فى البين وقطعت اتصال حديث ابراهيم عليه السلام فلنرجع الآن اليه* بقية اخبار ابراهيم عليه السلام وفى الاكتفاء قال أبو الجهم ولما فرغ ابراهيم من بناء البيت وأدخل الحجر فى البيت جعل المقام لا صقا بالبيت عن يمين الداخل فلما كان زمن قريش قصر الخشب عليهم فأخرجوا الحجر وقيل قصرت النفقة من الحلال كما سيجىء وكان ما أخرجوا منه سبعة أذرع وأمر ابراهيم بعد فراغه أن يؤذن فى الناس بالحج فقال يا رب وما يبلغ صوتى قال الله عز وجل أذن فمنك النداء وعلىّ البلاغ فارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع به المقام حتى كان كأطول الجبال فنادى وأدخل اصبعيه فى اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول أيها الناس كتب عليكم الحج الى البيت العتيق فأجيبوا ربكم فأجابه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب الى منقطع التراب من أطراف الارض كلها لبيك اللهم لبيك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 أفلا تراهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ الى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل وذلك قوله تعالى فيه آيات بينات مقام ابراهيم يعنى نداء ابراهيم على المقام بالحج فهى الآية* قال الواقدى وقد روى أن الآية هى أثر ابراهيم على المقام* وفى أنوار التنزيل وغيره روى أن ابراهيم صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم* وفى العرائس فعلا ثبير ونادى يا عباد الله الى آخره فأسمعه الله تعالى من فى أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق فى علمه أن يحج وكان بناء الكعبة بعد أن مضى مائة سنة من عمر ابراهيم عليه السلام ويكون بالتقريب بين بناء الكعبة وبين الهجرة النبوية ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الاذان ذهب به جبريل فأراه الصفا والمروة وأقامه على حدود الحرم وأمره أن ينصب عليها الحجارة ففعل ابراهيم ذلك وكان أوّل من أقام أنصاب الحرم ويريه اياها جبريل فلما كان اليوم السابع من ذى الحجة خطب ابراهيم عليه السلام بمكة حين زاغت الشمس قائما واسماعيل جالس ثم خرجا من الغد يمشيان على أقدامهما يلبيان محرمين مع كل واحد منهما أداوة يحملها وعصا يتوكأ عليها فسمى ذلك اليوم يوم التروية فأتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وكانا نزلا فى الجانب الايمن ثم أقاما حتى طلعت الشمس على ثبير ثم خرج يمشى هو واسماعيل حتى أتيا عرفة وجبريل معهما يريهما الاعلام حتى نزلا بنمرة وجعل يريه أعلام عرفات وكان ابراهيم قد عرفها قبل ذلك فقال ابراهيم قد عرفت فسميت عرفات فلما زاغت الشمس خرج بهما جبريل حتى انتهى بهما الى موضع المسجد اليوم فقام ابراهيم فتكلم بكلمات واسماعيل جالس ثم جمع بين الظهر والعصر ثم ارتفع بهما الى الهضبات فقاما على أرجلهما يدعو ان الى أن غابت الشمس وذهب الشعاع ثم دفعا من عرفة على أقدامهما حتى انتهيا الى جمع فنزلا فصلى ابراهيم المغرب والعشاء فى ذلك الموضع الذى يصلى فيه اليوم ثم باتا حتى اذا طلع الفجر وقفا على قزح فلما أسفرا قبل طلوع الشمس دفعا على أرجلهما حتى انتهيا الى محسر فأسرعا حتى قطعاه ثم عادا الى مشيهما الاوّل ثم رميا جمرة العقبة بسبع حصيات حملاها من جمع ثم نزلا من منى فى الجانب الايمن ثم ذبحا فى المنحر اليوم وحلقا رؤسهما ثم أقاما أيام منى يرميان الجمار حين تزيغ الشمس ماشيين ذاهبين راجعين وصدرا يوم الصدر فصليا الظهر بالابطح وكل هذا يريه جبريل عليه السلام* قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الحجّ انطلق الى منزله بالشام وكان يحج البيت كل عام وحجته سارة وحجه اسحاق ويعقوب والاسباط والانبياء وهلم جرّا وحجه موسى بن عمران عليه السلام روى الواقدى باسناد له الى ابن عباس قال مرّ موسى عليه السلام بصفاح الروحاء يلبى تجاوبه الجبال عليه عباءتان قطوانيتان من عباء الشام وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال حج هارون نبىّ الله البيت فمرّ بالمدينة يريد الشام فمرض بالمدينة فأوصى أن يدفن بأصل أحد ولا يعلم به اليهود مخافة أن ينبشوه فدفنوه فقبره هناك* وعن ابن عباس أن الحواريين كانوا اذا بلغوا الحرم نزلوا يمشون حتى يأتوا البيت* وعن ابن الزبير أن الحواريين خلعوا نعالهم حين دخلوا الحرم اعظاما أن ينتعلوا فيه ثم توفى ابراهيم خليل الله عليه السلام بعد أن وجه اليه ملك الموت فاستنظره ابراهيم ثم عاد اليه لما أراد الله قبضه فأخبره بما أمر به فسلم ابراهيم لامر الله عز وجل فقال ملك الموت يا خليل الله على أى حال تحب أن أقبضك فقال تقبضنى وأنا ساجد فقبضه وهو ساجد فصعد بروحه الى الله عز وجل ودفن ابراهيم عليه السلام بالشام وعاش اسماعيل بعد أبيه ما شاء الله وكانت ولاية البيت له ما دام فى حياته وتوفى بمكة ودفن داخل الحجر مما يلى باب الكعبة وهناك قبر أمه هاجر ودفن معها وكانت توفيت قبله* وفى البحر العميق سأل الفقيه اسماعيل الحضرمى الشيخ محب الدين الطبرى عن البلاطة الخضراء التى فى الحجر فأجاب الشيخ بأن البلاطة الخضراء قبر اسماعيل عليه السلام قال ويشبر من رأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 البلاطة الى ناحية الركن الغربى مما يلى باب بنى سهم وهو الذى يقال له اليوم باب العمرة ستة أشبار فعند انتهائها يكون رأس اسماعيل عليه السلام انتهى ثم ان العماليق بنوا الكعبة بعد ابراهيم عليه السلام وبعض المؤرّخين يقدمون بناء جرهم على بناء العمالقة والله أعلم* ولما توفى اسماعيل ولى البيت بعده ولده نابت وقام مقامه ما شاء الله أن يليه ولم يله أحد من ولده غيره وكان أكبرهم* ثم مات نابت فدفن فى الحجر مع أمه رعلة بنت مضاض فولى البيت بعده جدّه مضاض بن عمرو الجرهمى وضم بنى نابت وبنى اسماعيل اليه ولما مات مضاض بقيت ولاية البيت فى أيدى أخواله من جرهم فقاموا عليه فكانت جرهم ولاة البيت وحجابه وولاة الاحكام بمكة لغلبتهم واستيلائهم وكان البيت قد دخله السيل من أعلاه فانهدم فاعادته جرهم على بناء ابراهيم وكان طوله فى السماء تسعة أذرع قال بعض أهل العلم الذى بنى البيت الحرام لجرهم أبو الجدرة عمرو فسمى الجادر ويسمى بنوه الجدرة* وفى شفاء الغرام ذكر المسعودى ما يفضى الى أن الذى بنى الكعبة من جرهم هو الحارث بن مضاض الاصغر وجعلت جرهم للبيت مصراعين وقفلا ثم ان جرهم وقطورا بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها حتى شبت الحرب بينهم على الملك وبنو اسماعيل وبنو نابت يومئذ مع مضاض واليه ولاية الامر وولاية البيت دون السميدع فلم يزل البغى بينهم حتى سار بعضهم الى بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان فى كتيبته سائر الى السميدع ومع كتيبته عدّتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب تقعقع معه وقيل ما سمى قعيقعان الا لذلك وخرج السميدع بقطورا من أجياد ومعه الخيل الجياد والرجال وقيل ما سمى أجيادا الا لخروج الخيل الجياد مع السميدع منه* وغير ابن اسحاق يقول انما سمى أجيادا لان مضاضا ضرب فى ذلك المواضع أجياد مائة رجل من العمالقة وقيل بل أمر بعض الملوك غير مسمى بضرب رقاب فيه فكان يقول السيافه توسط الاجياد وهذا ونحوه أصح فى تسمية الموضع باجياد مما قال ابن اسحاق قال فالتقوا بفاضح فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وفضحت قطورا فيقال ما سمى فاضح فاضحا الا لذلك ثم ان القوم تداعوا الى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة يقال له شعب عبد الله بن عامر ابن كريز فنزلوا بذلك الشعب فاصطلحوا به وأسلموا الامر الى مضاض بن عمرو فلما جمع اليه أمر مكة وصار ملكها له دون السميدع نحر للناس وأطعمهم فأطبخ الناس وأكلوا فيقال ما سميت المطابخ المطابخ الا لذلك وقال ابن اسحاق وقد زعم بعض أهل العلم انها سميت بذلك لما كان تبع نحر بها وأطعم بها وكانت منزله قال وكان الذى كان بين مضاض والسميدع أوّل بغى كان بمكة فيما يزعمون فقال مضاض فى تلك الحرب يذكر السميدع وقتله وبغيه والتماسه ما ليس له ونحن قتلنا سيد الحىّ عنوة ... فأصبح فيها وهو حيران موجع وما كان يبغى أن يكون سوى انا ... لها ملك حتى أتانا السميدع فذاق وبالاحسين حاول ملكنا ... وعالج مناغصة تتجرّع فنحن عمرنا البيت كنا ولاته ... نحاول عنه من أتانا وندفع وما كان يبغى أن يلى ذاك غيرنا ... ولم يك حىّ قبلنا ثم يمنع وكنا ملوكا فى الدهور التى مضت ... ورثنا ملوكا لا ترام وتوضع قال ثم نشر الله بنى اسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم اذ ذاك ولاة البيت والحكام بمكة وكانوا كذلك بعد نابت بن اسماعيل فلما ضاقت عليهم مكة وكثروا بها انبسطوا فى الارض فابتغوا المعايش والتفسح فى الارض فلا يأتون قوما ولا ينزلون بلدا الا أظهرهم الله عز وجل عليهم بذنبهم فوطئوهم وغلبوهم حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم اياه بنو اسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم أن يكون به بغى أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرمة وارتكبوا أمورا عظاما وأحدثوا فيها احداثا لم تكن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث وهو مضاض الاصغر فيهم خطيبا فقال يا قوم احذروا البغى فانه لا بقاء لاهله قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فأخرجتموهم فتفرقوا فى البلاد فانكم ان فعلتم ذلك تخوّفت عليكم أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار فقال قائل منهم يقال له مجذع من الذى يخرجنا منه ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم يقصروا عن شئ مما كانوا يصنعون وكان للبيت خزانة بئر فى بطنها يلقى فيها الحلى والمتاع الذى يهدى له وهو يومئذ لا سقف له وتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله وسقط منكسا فهلك وفرّ الاربعة الاخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فى الحرم دخل منهم رجل وامرأة يقال لهما أساف بن بغى ونائلة بنت ديك البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا ويقال ان الرجل من جرهم والمرأة من قطورا ثم لم يزل أمرهما يندرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان وقال بعض أهل العلم انه لم يفجر بها فى البيت وانما قبلها وقيل ان عمرو بن لحىّ دعا الناس الى عبادتهما وقال انما نصبا هاهنا لان آباءكم ومن كان قبلكم كانوا يعبدونهما وانما ألقاه عليه ابليس وكان عمرو فيهم شريفا مطاعا متبعا وقد اختلف أهل العلم فى نسبهما والمشهور أن الرجل أساف بن سهيل والمرأة نائلة بنت عمرو بن ديك ولم يزالا يعبدان ويستملهما الطائف اذا فرغ حتى كان يوم الفتح فكسرا* وفى شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فيمن أخرج جرهما من مكة اختلافا يعسر التوفيق بينه قيل ان بنى بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مكة لبغيهم فيها كما سيجىء وقيل ان بنى عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مكة حين لم يترك جرهم بنى عمرو بن عامر أن يقيموا عندهم بمكة حتى يصل اليهم روّادهم وقيل ان عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو أخرج جرهما حين طلب حجابة البيت لسيادته وشرفه وقيل ان بنى اسماعيل أخرجوا جرهما من مكة بعد أن سلط الله على جرهم آفات من الرعاف والنمل الذى فنى به أكثر من أصابهم بمكة وقيل ان الله سلط على الذين يلون البيت من جرهم دواب شبيهة بالنغف فهلك منهم ثمانون كهلا فى ليلة واحدة سوى الشباب حتى جلوا من مكة الى أطم والقول الاوّل ذكره ابن اسحاق لانه قال ثم ان جرهما لما بغوا فى مكة واستحلوا حلالا من الحرمة وظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها فرّق أمرهم وكان ملكهم يومئذ عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى فلما رأت بنو بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم واخراجهم من مكة فآذنوهم بالحرب فاقتتلواهم واياهم فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة وكانت مكة فى الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما ولا بغيا لا يبغى فيها أحد الا أخرجته يقال ما سميت مكة بالناسة بالنون والسين المهملة الا أنها تنسّ من ألحد فيها اى تطرّده وتنفيه أو لقلة مائها والنس اليبس كذا قاله الماوردى ولا يريدها ملك يستحل حرمتها الا هلك ويقال ما سميت باسة بالباء الموحدة والسين المهملة الا لانها تبسّ من ألحد فيها أى تحطمه ومنه قوله تعالى وبست الجبال بسا كذا ذكرهما أى الروايتين بالنون والباء فى زبدة الاعمال* ويقال ما سميت ببكة الا لانها تبك أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فيها شيئا أى تدقها وما قصدها جبار الا قصمه الله تعالى أو من الازدحام أى ازدحام الناس فيها يبك بعضهم بعضا أى يدفع فى ازدحام الطواف وعن ابن عباس أنه قال مكة من الفج الى التنعيم وبكة من البيت الى البطحاء وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 عكرمة البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة وقيل بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة وقال الضحاك ان مكة وبكة اسمان مترادفان لهذا البلد والباء بدل من الميم وقيل بكة بالباء الموحدة موضع البيت وفى رواية اسم البيت وقيل مكة اسم المدينة أو قال القرية سميت بكة بمكة لانها تمك الذنوب أى تذيبها وقيل لانها يؤمّها الناس من كل ناحية وكل مكان فكأنها تجذبها وهذه الاقوال ترجع الى قول العرب امتك الفصيل ضرع أمّه اذا امتصه وجذب بفيه ما فيه هكذا فى زبدة الاعمال* وفى سيرة مغلطاى تسمى أيضا الرأس وصلاح وأمّ رحم وكوبا وأمّ القرى والحاطمة والعرش وطيبة قال ابن اسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغز الى الكعبة وبحجر الركن فدفنها فى زمزم وانطلق هو ومن معه من جرهم الى اليمن قال المسعودى فى أخبار الفرس وكانت الفرس تهدى الى الكعبة أموالا فى صدر الزمان وجواهر وقد كان ساسان بن بابك وقيل اسفنديار أهدى غزالين من ذهب وجوهر وسيوفا وذهبا كثيرا قد دفن فى زمزم قال فحزنت جرهم على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فى ذلك وليس بمضاض الاكبر شعر كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالى والحدود العوابر وكنا ولاة الامر من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر ونحن ولينا البيت من بعد نابت ... بعز فما يحظى لدينا المكاثر ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا ... وليس لحىّ غير ناثم فاخر فانكح جدى غير شخص علمته ... فأبناؤه منا ونحن الاصاهر * قال الفاسى فى شفاء الغرام أفاد المسعودى أمورا لم يفدها غيره فيما علمته منها كون السميدع وقومه من العماليق ومنها أنهم قدموا مكة قبل جرهم قيل يجوز أن تكون طائفة من العماليق ولوا مكة قبل جرهم وطائفة من العماليق غير الاوّلين ولوا مكة مع جرهم ومنها ما ذكره فى مدّة جرهم وأفاد فى تاريخه أن أوّل من ملك من ملوكهم بمكة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان مائة سنة ثم كانت ولاية البيت بعده لابنه عمرو بن مضاض مائة وعشرين سنة ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة وقيل دون ذلك ثم ملك بعده عمرو بن الحارث مائة سنة ثم ملك بعده مضاض الاصغر بن عمرو ابن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان أربعين سنة انتهى* وقيل كانت ولاية البيت بعد نابت بن اسماعيل فى جرهم ثلثمائة وقيل خمسمائة سنة وقيل ستمائة سنة* وفى شفاء الغرام ذكر ابن هشام أن جرهما هو ابن قحطان أبو اليمن واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن نوح وقيل ان جرهما ابن ملك من الملائكة قال ابن عباس كان الملك من الملائكة اذا أذنب ذنبا عظيما أهبط الى الارض ونزعت منه روحانية الملائكة وجعل فى خلق بنى آدم فأذنب ملك من الملائكة يقال له عذرا أو نحوها ذنبا فكان فى الهواء ثم هبط مكة فتزوّج امرأة من العماليق فولدت جرهما فذلك قول الحارث بن مضاض لا همّ ان جرهما عبادك ... والناس طرف وهم تلادك ثم بنى البيت قصى بن كلاب بعد ما انقرضت العمالقة وجرهم وخلفتهم فيها قريش واستولت على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة وكان قصى أوّل من جدّدها من قريش بعد ابراهيم وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل كذا فى شفاء الغرام ثم بعد قصى بن كلاب بنى البيت قريش وكان ذلك قبل المبعث بخمس سنين ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حضر هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 مولد فاطمة الزهراء تلك السنة كما سيجىء قال ابن اسحاق كانت الكعبة فى عهد قريش وضيمة فوق القامة ولم تكن مسقفة ويخالفه ما مرّ أن قصى بن كلاب بناها مسقفة بخشب الدوم وجريد النخل فهدمتها قريش وبنتها مسقفة وسبب ذلك أنه كان فى جوفها بئر يكون فيها أموال الكعبة فدخلها جماعة ليلا فسرقوها* وفى سيرة ابن هشام وكان الذى وجد عنده الكنز دويك مولى لبنى مليح بن عمرو من خزاعة ويقال كانت امرأة منهم جمرت الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها فتعلقت بثياب الكعبة فوهن البيت من ذلك فهابوا انهدامه وكان البحر قد ألقى سفينة الى جدّة لرجل من تجار الروم فتحطمت فاشترت قريش خشبها فأعدّوه لسقفها وكان بمكة رجل قبطى نجار فتهيأ لهم فى أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج كل يوم من بئر الكعبة التى كانت يطرح فيها ما يهدى لها فتشرف على جدار الكعبة وكانت مما يهابونها وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد الا تحرّكت ونشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها فبينما هى يوما تشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث الله اليها طيرا فاختطفها فذهب بها فقالت قريش انا لنرجو أن يكون الله قد رضى ما أردنا كذا فى سيرة ابن هشام* وفى رواية لما شرعوا فى نقض البناء وهدمها خرجت عليهم الحية التى كانت فى بطنها تجرسها سوداء الظهر بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدى فمنعتهم عن ذلك فلما راوا ذلك اعتزلوا عند مقام ابراهيم وكان يومئذ فى مكانه الذى هو فيه اليوم فتشاوروا فقال لهم الوليد بن المغيرة يا قوم ألستم تريدون بها الاصلاح قالوا بلى قال فان الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا فى عمارة بيت ربكم الا من طيب أموالكم وجنبوه الخبيث فان الله طيب لا يقبل الا طيبا* وفى أسد الغابة قال يا معشر قريش لا تدخلوا فى بنيانها من كسبكم الا طيبا لا تدخلوا فيها مهر بغى ولا ربا ولا مظلمة وقيل ان أبا وهب بن عمرو قال هذا ففعلوا ودعوا وقالوا اللهم ان كان لك فى هدمها رضى فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جوّ السماء كهيئة العقاب ظهره أسود وبطنه أبيض ورجلاه صفراوان والحية على جدار البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغرى قالت قريش انا لنرجو أن الله قد قبل عملكم ونفقتكم* وفى حياة الحيوان الثعبان الذى فى جوف الكعبة اختطفه العقاب حين أراد قريش بناء البيت الحرام وان الطائر حين اختطفها ألقاها بالحجون فالتقمتها الارض فهى الدابة التى تخرج عند الصفا تكلم الناس* (ذكر دابة الارض) * عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال تخرج دابة الارض حين يترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر* وفى لباب التأويل عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ان أوّل الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالاخرى على أثرها قريبا وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر بالخاتم حتى ان أهل الجوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر ويقول هذا يا كافر وهذا يا مؤمن أخرجه الترمذىّ وقال حديث حسن* وروى البغوى باسناد الثعلبى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال يكون للدابة ثلاث خروجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية ولا يدخل ذكرها القرية يعنى مكة ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها بالبادية ويدخل ذكرها القرية يعنى مكة ثم بينا الناس يوما فى أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله يعنى المسجد الحرام لم يرعهم الا وهى فى ناحية المسجد تدنو كذا وتدنو كذا قال عمرو ما بين الركن الاسود الى باب بنى مخزوم عن يمين الخارج فى وسط من ذلك فارفض الناس عنها ويثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فخرجت عليهم تنقض رأسها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرّية ثم ولت فى الارض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى ان الرجل ليقوم فيتعوّذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه وتقول يا فلان الآن تصلى فيقبل عليها بوجهه فتمسه فى وجهه فيتجاور الناس فى ديارهم ويصطحبون فى أسفارهم ويشتركون فى الاموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن ويقال للكافر يا كافر* وباسناد الثعلبى عن حذيفة بن اليمان ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدابة قلت يا رسول الله من أين تخرج قال من أعظم المساجد حرمة على الله* بينما عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون اذ تضطرب وتنشق الصفا مما يلى المسعى وتخرج الدابة من الصفا أوّل ما يبدو منها رأسها ملعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمنا وكافرا أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب درّىّ وتكتب بين عينيه مؤمن وأما الكافر فرفتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر* وروى عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال ان الدابة لتسمع قرع عصاى هذه* وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون الى منى* وعن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال بئس الشعب شعب أجياد مرّتين أو ثلاثا قيل ولم ذلك يا رسول الله قال تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين* وروى عن أبى الزبير أنه وصف الدابة فقال رأسها رأس الثور وعينها عين الخنزير واذنها اذن الفيل وقرنها قرن ايل بفتح الهمزة وكسر المثناة التحتية وفتحها الوعل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هرّ وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا* وعن عبد الله بن عمرو قال تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب ورجلاها فى الارض* وروى عن علىّ قال ليست الدابة لها ذنب ولكن لها لحية وقال وهب وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون* وفى العمدة فى الحديث دابة الارض طولها ستون ذراعا* وفى الينابيع عن عبد الله بن عمر قال انها تخرج بالطائف وكان عبد الله بن عمر بالطائف فضرب برجله الارض قال تخرج من هذه الارض* وفى رواية عنه قال تخرج من غار فى جبل صنعاء فتخرج حتى لوعدا الفرس السريع العدو ثلاثة أيام ولياليها لم يجاوز رأسها وما خرج بعد ثلثها من الارض وقيل لا تخرج الا رأسها ورأسها يبلغ عنان السماء وقال الضحاك الدابة تشبه البغل تدور حول الدنيا وبيدها عصا فتضرب الناس بها فاذا ضربت على رأس الكافر يظهر خط أسود مكتوب فيه هذا كافر بالله واذا ضربت على رأس المؤمن يظهر خط أخضر مكتوب فيه هذا مؤمن بالله* وفى رواية دابة الارض تقبل على الكافرين فتقول لهم أيها الكافرون مصيركم الى النار ثم تقبل على المؤمنين فتقول لهم مصيركم الى الجنة* قال السدّى تكلم الناس وتخبرهم ببطلان جميع الاديان الا دين الاسلام* وفى رواية طولها ستون ذراعا وانها تنكت فى وجه الكافر نكتة سوداء فتفشو فى وجهه حتى يسودّ وجهه وتنكت فى وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو فى وجهه حتى يبيض وجهه ويتبايعون فى الاسواق فيعرفون المؤمن من الكافر وروى عن مقاتل ان رأسها تخرج من الصفا حتى يرى أهل المشرق والمغرب رأسها وعنقها فلما رأوها تتوارى حيث خرجت فلما مضت من النهار ست ساعات تضطرب الارض اضطرابا عظيما فيبيت الناس تلك الليلة على تخوّف ولما أصبحوا يكثر صياح الناس ويفشو فيهم الخبر بأن الدجال قد خرج فيهرب الناس الى بيت المقدس ويتبعه ستون ألف يهودى عليهم طيالسة زرق على رؤسهم ويستوفى تمام الارض فى أربعين يوما وتطوى الارض تحت قدميه واذا أراد أن يدخل مكة فتضرب الملائكة وجهه وظهره وتمنعه عن دخولها وكذا تمنعه عن المدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وحين يصل بيت المقدس ينزل عيسى ابن مريم وبيده حربة فيضربه بها فيقتله فيقع قتال عظيم بين المسلمين وبين اليهود وتكون الغلبة للمسلمين حتى ان الحجر والشجر يخبر المؤمن بأن خلفه كافر ليقتله* وفى رواية لا يبقى شجر ولا حائط يتوارى به اليهود الا قال يا مؤمن اقتل هذا غير الغرقد فانه من شجرهم* وفى رواية ولا يبقى شىء مما خلق الله عز وجل يتوارى به اليهود لا حجر ولا شجر ولا حائط الا أنطق الله ذلك الشىء فقال يا عبد الله المسلم هذا يهودى فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود لا ينطق فبينما هم كذلك اذا جاء الخبر بأن الحبشة قد خرجت وقصدت الكعبة فيبعث عيسى الى مكة من يأتى بالخبر فقبل أن يأتى بالخبر يقبض عيسى ويصلى عليه رجل من هذه الامة اسمه المهدى* وفى ربيع الابرار بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام تكون هجرته اذا نزل من السماء الى المدينة فيستوطنها حتى يأتى أمر الله وفيه أيضا روى أبو هريرة عنه عليه السلام اذا أهبط الله عيسى ابن مريم من السماء فانه يعيش فى هذه الامة ما شاء الله ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن الى جانب قبر عمر فطوبى لابى بكر وعمر فانهما يحشران بين نبيين وبعد ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وتاويل وتاريس ومنسك ويغلبون الناس كلهم ثم تطلع الشمس والقمر من المغرب متكدرين كأنهما ثوران أسودان مقطوعا العنق ويرتفعان الى وسط السماء ثم رجعان ويغربان فيغلب يأجوج ومأجوج ويختبئ المسلمون فى المساجد فيميت الله يأجوج ومأجوج كما سبق فيخبر المسلمون بموتهم ولا يصدّقون حتى يروهم بأعينهم فيرسل الله الطير حتى تطرحهم حيث يشاء ثم يرسل الله ريحا طيبة حمراء من قبل اليمن فتقبض روح كل مسلم تصيبه ولا يبقى أحد فيمضى على ذلك مائة سنة أو أربعون سنة ثم تقوم الساعة* وفى خبر آخر عن حذيفة بن اليمان أن الاوّل خروج الدجال ثم نزول عيسى ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج دابة الارض وبعد ذلك لم تلبث الدنيا مقدار أن يلقح أحد رمكته ويركب فلوها* أشراط الساعة وقال بعضهم أشراط الساعة عشرة وقد مضى خمس منها وهى خروج النبىّ صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان واللزام والبطشة وكلاهما عذاب يوم بدر قال الله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى وقال الله تعالى ان عذابها كان غراما أى لزاما وبقى خمس وهى خروج يأجوج ومأجوج وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام وخروج دابة الارض وهو آخرها وهى رواية عبد الله بن مسعود كذا فى الينابيع وهذا الكلام وقع فى البين وقطع اتصال الكلام فى بناء الكعبة فلنرجع اليه* بقية أخبار بناء الكعبة روى أنه لما انكسرت السفينة فى نواحى جدّة خرج اليها الوليد ابن المغيرة فى نفر من قريش فاشتروا خشبها كما مرّ وكلموا رئيس السفينة وكان اسمه باقوم الرومى* وفى سيرة مغلطاى ان باقوم النجار النبطى الذى قيل انه هو الذى عمل منبره عليه السلام من طرفاء الغابة وقيل الذى عمل منبره عليه السلام اسمه مينا وقيل ابراهيم وقيل صباح وقيل باقول وقيل ميمون وقيل قبيصة فيما ذكره ابن بشكوال وكان بناء حاذقا فقالوا له لو بنينا بيت ربنا وقدم الباقوم معهم فأمروا بالحجارة فجمعت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة كما جزم به ابن اسحاق وغير واحد من العلماء وقيل ابن خمس وعشرين كما جزم به موسى بن عقبة فى مغازيه وابن جماعة فى منسكه وكان صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة وكانوا يضعون أزرهم على عواتقهم ويحملون الحجارة عليها ففعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقط على الارض من قيام فنودى عورتك وكان ذلك أوّل ما نودى فقال أبو طالب يا ابن أخى اجعل ازارك على رأسك فقال ما أصابنى الا فى تعرىّ فما رؤيت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عورة رواه البخارى* وفى سيرة ابن هشام قال ان قريشا تجزأت الكعبة واقترعوا عليها فكان شق الباب لبنى عبد مناف وبنى زهرة وكان ما بين الركن الاسود والركن اليمانى لبنى مخزوم وتيم وقبائل من قريش انضموا اليهم وكان ظهر الكعبة لبنى جمح وسهم ابنى عمرو بن هصيص بن كعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ابن لؤى وكان شق الحجر وهو الحطيم لبنى عبد الدار بن قصىّ ولبنى أسد بن عبد العزى بن قصى ولبنى عدى بن كعب بن لؤى* وفى سيرة ابن هشام ثم ان الناس هابوا هدمها وفزعوا منه فقال لهم الوليد بن المغيرة أنا أبدأكم فى هدمها فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول اللهم لم نرع ويقال لم نزغ اللهم لا نريد الا الخير ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة فقالوا ننظر فان أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وان لم يصبه شىء فقد رضى الله بما صنعنا هدمنا فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله فهدم وهدم الناس معه حتى انتهى الهدم بهم الى الاساس أساس ابراهيم فوصلوا الى حجارة خضر كالاسنمة آخذ بعضها بعضا* وفى رواية لما بلغوا الاساس الذى رفع عليه ابراهيم واسماعيل عليهما السلام القواعد من البيت فأبصروا الحجارة كأنها الابل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا وقد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين حجرين انفلقت منه فلقة فأخذها وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم ففرّت من يده حتى عادت مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف الابصار ورجفت مكة بأسرها* وفى رواية أدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين حجرين ليقلع بها أحدهما فلما تحرّك الحجر رجفت مكة بأسرها فلما رأوا ذلك أمسكوا عن أن ينظروا الى ما تحت ذلك* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وحدثت أن قريشا وجدوا فى الركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فاذا هو أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والارض وصوّرت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها مبارك لاهلها فى الماء واللبن وقال ابن اسحاق وحدثت أنهم وجدوا فى المقام كتابا فيه مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل لا يحلها رجل من أهلها* ثم قلت بهم النفقة فلم تبلغ عمارة البيت كله فتشاوروا فى ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا من قواعد ابراهيم ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته فى الحجر عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا فى بطن الكعبة أساسا يبنون عليه من شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت سبعة أذرع أو ستة وشبرا فبنوا على ذلك فلما وضعوا أيديهم فى بنائها قالوا ارفعوا بابها من الارض حتى لا تدخلها السيول ولا ترقى الا بسلم ولا يدخلها الا من أردتم وان كرهتم أحدا دفعتموه ففعلوا ذلك ويقال ان الذى قال لهم ذلك أبو حذيفة بن المغيرة* قال ابن اسحاق ثم ان قبائل قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة على حدة فبنوا سافا من حجر وسافا من خشب بين الحجارة فكان الخشب خمسة عشر مدماكا والحجارة ستة عشر مدماكا وجعلوا طولها فى السماء ثمانية عشر ذراعا* وفى سيرة ابن هشام كانت الكعبة على عهد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا فلما بلغوا موضع الركن الاسود اختصمت قريش فى أنّ أىّ القبائل يلى رفعه وكثر الكلام فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا فاقتضى الحال بينهم أن يحكموا أوّل من يطلع من هذا السفح* وفى المنتقى ثم اتفقوا على أن أوّل رجل يدخل من باب بنى شيبة يكون هو الذى يضعه موضعه فاذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد طلع فقالوا هذا الامين قد رضينا بحكمه ثم أخبروه الخبر فبسط رداءه ثم وضع الحجر الاسود فيه ثم أمر سيد كل قبيلة أن يأخذ طرفا من الثوب* وفى سيرة ابن هشام قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هلم الىّ ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوا جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه انتهى فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبىّ صلّى الله عليه وسلم حجرا يشدّ به الحجر الاسود فقال العباس بن عبد المطلب لا ونحاه وناول العباس رسول الله صلّى الله عليه وسلم حجرا فشدّ به الركن فغضب النجدى حين نحى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس يبنى معنا فى البيت الامنا ثم بنى حتى انتهوا الى موضع الخشب وسقفوا البيت وجعلوا فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ست دعائم فى صفين فى كل صف ثلاث دعائم من الشق الشامىّ الذى يلى الحجر الى الشق اليمانى وجعلوا درجة من خشب فى بطنها من الركن الشامى يصعد فيها الى ظهرها وزوّقوا سقفها وجدر انها من بطنها ودعائمها وجعلوا فى دعائمها صور الانبياء والملائكة والشجر ولما كان يوم الفتح أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بطمس تلك الصور فطمست وجعلوا لها بابا واحدا فكان يغلق ويفتح وكانوا قد أخرجوا ما كان فى البيت من حلى ومال وجعلوه عند أبى طلحة وأخرجوا هبلا ونصبوه عند المقام حتى فرغوا من بناء البيت وربطوا ذلك المال فى الجب ونصبوا هبلا مكانه كما كان قبل ذلك وكسوها حين فرغوا من بنائها خبرات يمانية* وفى سيرة ابن هشام وكانت الكعبة تكسى القباطى ثم كسيت البرود وأوّل من كساها الديباج الحجاج بن يوسف ثم بنى الكعبة بعد قريش عبد الله بن الزبير بعد أن هدمها كلها وسببه توهن الكعبة من حجارة المنجنيق التى اصابتها حين حوصر ابن الزبير بمكة اذ تحصن فى المسجد الحرام أوّل مرّة قبل حصار الحجاج حاصره الحصين بن نمير السكونى فى أوائل سنة أربع وستين من الهجرة بأمر يزيد بن معاوية كما سيجىء فى الموطن الثانى فى خلافة عبد الله بن الزبير روى أن أوّل حجر منها لما وقع على الكعبة سمع لها أنين كأنين الريض آه آه ومما أصابها من ذلك من الحريق بسبب النار التى أوقدها بعض أصحاب ابن الزبير فى خيمة له فصارت الرياح تلهب تلك النار فأحرقت كسوة الكعبة والساج الذى جعل فى سافات جدارها حين عمرتها قريش فضعفت جدران الكعبة حتى انها لتنقضّ من أعلاها الى أسفلها ويقع الحمام عليها فتتناثر حجارتها ولما زال الحصار عن ابن الزبير لأدبار الحصين بن نمير من مكة بعد أن بلغه خبر موت يزيد بن معاوية رأى ابن الزبير أن يهدم الكعبة ويبنيها فوافقه على ذلك نفر قليل منهم جابر بن عبد الله وجبير بن عمير وكره ذلك نفر كثير منهم عبد الله بن عباس ولما أجمع على هدمها خرج كثير من أهل مكة الى منى فأقاموا بها ثلاثا مخافة أن يصيبهم عذاب بسبب هدمها وأمر ابن الزبير جماعة من الحبشة فهدمتها رجاء أن يكون فيهم الذى أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه يهدمها فهدمت الكعبة أجمع حتى بلغت الارض وكان هدم ابن الزبير لها يوم السبت النصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين* وفى رواية لما أمر ابن الزبير بهدمها ما اجترأ على ذلك أحد فلما رأى ذلك علاها هو بنفسه وأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمى أحجارها فلما رأوا أنه لا يصيبه شىء اجترءوا فصعدوا وهدموا حتى بلغوا الاساس الاوّل فقال لهم زيدوا فقالوا قد رأينا صخورا معمولة أمثال الابل الخلف قال يزيد بن رومان شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر وقد رأيت أساس ابراهيم كأسنمة الابل فقال ابن الزبير زيدوا واحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار تلقاهم فقال ما لكم قالوا لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرا عظيما فقال لهم ابنوا عليه قال عطاء يرون أن ذلك الصخر من بناء آدم عليه السلام* وفى العرائس هدم عبد الله بن الزبير الكعبة حتى ساواها بالارض وكان الناس يطوفون بها من وراء الاساس ويصلون الى موضعها وجعل الحجر الاسود فى صندوق عنده وقفل عليه وكان قد تصدّع وانكسر بثلاث فرق من الحريق الذى أصاب الكعبة فانشطت منه شطية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر طويل فشدّه ابن الزبير بالفضة الا تلك الشطية من أعلاه بين موضعها فى أعلى الركن فلما بلغ البناء موضع الركن جاء ابن الزبير حتى وضعه بنفسه وقيل وضعه ابنه عياد وشدّه بالفضة وذكر الازرقى ان عبد الله بن الزبير أمر ابنه عبادا وجبير بن شيبة أن يجعلا الركن فى ثوب واحد ويخرجانه وهو يصلى بالناس فى صلاة الظهر فى يوم شديد الحرّ لئلا يعلم الناس بذلك فيتنا فسوا فى وضعه فيه ففعلا ذلك وقيل وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير بأمر أبيه* وفى تاريخ الازرقى كان ابن الزبير ربط الركن الاسود بالفضة لما أصابه من الحريق وكانت الفضة قد تزلزلت وتقلقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 حول الحجر حتى خافوا عليه أن ينقض فلما اعتمر هارون الرشيد وجاور فى سنة تسع وثمانين ومائة أمر بالحجارة التى هى بينها وبين الحجر الاسود فثقبت بالماس من فوقها ومن تحتها ثم أفرغ فيها الفضة كذا فى شفاء الغرام وجعل لها بابين شرقيا وغربيا يدخل من الشرقى ويخرج من الغربى وبناها على قواعد ابراهيم وأدخل فيها ما نقصته قريش من الحجر وزاد فى طولها فى السماء تسعه أذرع أخرى فضار ارتفاعها سبعا وعشرين ذراعا ولم تزل كذلك حتى قتل ابن الزبير ولما فرغ من بنائها خلقها من داخلها وخارجها ومن أعلاها الى أسفلها بالمسك والعنبر* وفى ايضاح المناسك أن ابن الزبير خلق حول الكعبة كله وعن عائشة لأن أطيب الكعبة أحب الىّ من أن أهدى لها ذهبا أو فضة وكساها القباطى والديباج وقال من كانت لى عليه طاعة فليخرج وليعتمر من التنعيم فمن قدر على أن ينحر بدنة فليفعل ومن لم يقدر فليذبح شاة ومن لم يقدر فليتصدّق بقدر قدرته وخرج ماشيا وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا من التنعيم شكرا لله تعالى ولم ير يوم أكثر عتيقا ولا أكثر بدنة منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة منه فى ذلك اليوم ونحر ابن الزبير مائة بدنة* وأما بناء الحجاج ابن يوسف الثقفى فما روى أنه بناها بأمر عبد الملك بن مروان حين أرسله الى حرب عبد الله بن الزبير فحاصره الحجاج بمكة وقتله وصلبه بالحجون سنة أربع وسبعين وولى الحجاج الحجاز من قبل عبد الملك بن مروان كذا فى العرائس وسيجىء فى الفصل الثانى من الموطن الاوّل وأن الحجاج بعد ما حاصر ابن الزبير وظفر به كتب الى عبد الملك بن مروان يخبره أن ابن الزبير زاد فى الكعبة ما ليس منها وأحدث فيها بابا آخر واستأذنه فى ردّ ذلك على ما كانت عليه فى الجاهلية فكتب اليه عبد الملك أن يسدّ بابها الغربى ويهدم ما زاد فيها ابن الزبير من الحجر ففعل ذلك الحجاج فبناؤه فى الكعبة الجدار الذى من جهة الحجر بسكون الجيم والباب الغربى المسدود فى ظهر الكعبة عند الركن اليمانى وما تحت عتبة الباب الشرقى وهو أربعة أذرع وشبر على ما ذكره الازرقى وترك بقية الكعبة على بناء ابن الزبير وكان ذلك فى سنة أربع وسبعين من الهجرة على ما ذكره ابن الاثير كذا فى شفاء الغرام* وفى العرائس فنقض الحجاج بنيان الكعبة الذى بناه ابن الزبير بأمر عبد الملك وأعادها الى بنائها الاوّل بمشهد من مشايخ قريش فهى اليوم على ما بناه الحجاج* عدّة بناء الكعبة وفى البحر العميق اعلم أن الكعبة بنيت سبع مرّات الاولى بناء الملائكة أو آدم على الخلاف الثانية بناء ابراهيم الثالثة بناء العمالقة الرابعة بناء جرهم الخامسة بناء قريش قبل الاسلام بخمسة أعوام وقد حضر النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا البناء السادسة بناء عبد الله بن الزبير السابعة بناء الحجاج بن يوسف الثقفى وهو الذى من ناحية حجر اسماعيل الذى هو موجود اليوم* وفى شفاء الغرام لا شك أن الكعبة بنيت مرارا وقد اختلف فى عدد بنائها ويتحصل من مجموع ما قيل فيه أنها بنيت عشر مرّات منها بناء الملائكة ومنها بناء آدم ومنها بناء أولاده ومنها بناء ابراهيم ومنها بناء العماليق ومنها بناء جرهم ومنها بناء قصىّ بن كلاب ومنها بناء قريش ومنها بناء ابن الزبير ومنها بناء الحجاج ووجدت بخط عبد الله بن عبد الملك المرجانى ان عبد المطلب جدّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنى الكعبة بعد قصىّ وقبل بناء قريش ولم أر ذلك لغيره وأخشى أن يكون ذلك وهما والله أعلم* وفى تشويق الساجد أن الحجاج هدم الكعبة وبناها ولم يغير طولها فى السماء ونقص طولها فى الارض مما يلى الحجر منها ستة أذرع وفى رواية سبعة أذرع تركها فى الحجر وبناها على أساس قريش فالدرجة التى فى بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما من عمل الحجاج قال واستمرّت الكعبة الى يومنا هذا على بناء الحجاج وسيبقى هذا البناء الى أن تخربها الحبشة وتقلعها حجرا حجرا كما ورد فى الحديث وفى خبر آخر تجىء الحبشة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ويخربونها خرابا لا تعمر بعده أبدا وهم الذين يستخرجون كنزه أخرجه الحاكم فى مستدركه* وفى المستدرك أيضا أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج قال العلماء لا يغير هذا البناء ويروى أن الخليفة هارون الرشيد وقيل أبوه المهدى وقيل جدّه المنصور أراد أن يغير ما صنعه الحجاج فى الكعبة وأن يردّها الى ما صنع ابن الزبير فهاه عن ذلك الامام مالك بن أنس وقال نشدتك الله يا أمير المؤمنين لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد منهم أن يغيره الا غيره أو قال الا نقضه وبناه فتذهب هيبته من قلوب الناس كذا فى شفاء الغرام* نقل الحجر الاسود وذكر أهل التاريخ أن عبد الله أبا طاهر القرمطى وهو منسوب الى رجل يقال له حمدان قرمط وهى احدى قرى واسط وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة المقتدر بالله وافى مكة فى سابع ذى الحجة وقيل فى ثامنه سنة سبع عشرة وثلاثمائة فى خلافة المقتدر بالله وفعل فيها هو وأصحابه أمورا منكرة منها أن بعضهم ضرب الحجر الاسود بدبوس فكسره ثم قلعه وقيل قلعه جعفر بن علاج البناء بأمر أبى طاهر يوم الاثنين بعد الصلاة لاربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة من السنة المذكورة وقلع الباب وأصعد رجلا من أصحابه ليقلع الميزاب فتردى ومات وأخذ اسلاب اهل مكة والحجاج وانصرف ومعه الحجر الاسود وعلقه على الاسطوانة السابعة من الجانب الغربى من جامع الكوفة ظنا منه أن الحج ينتقل الى الكوفة ثم حمل الى بلاد هجر وبقى عند القرامطة اثنين وعشرين سنة الا أربعة أيام كذا قال المسيحى وقيل الاشهرا وقيل ثمانية وعشرين سنة* وفى العرائس قلع القرمطى صاحب البحرين لعنه الله الحجر الاسود عام أوقع بالحجيج بمكة فذهب به مع أسرى من الحجاج الى البحرين وكان الامير يحكم التركى مدبرا للخلافة ببغداد بذل للقرمطى خمسين ألف دينار ليردّه فأبوا وقالوا أخذناه بأمر ولا نردّه الا بأمر* وقيل ان المطيع لله العباسى اشتراه بثلاثين ألف دينار من القرامطة كذا قال ابن جماعة فى منسكه وفيه نظر لان أبا طاهر مات قبل خلافة المطيع فى سنة اثنين وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره ابن الاثير وغيره وقيل ان أبا طاهر باعه من المقتدر بالله بثلاثين ألف دينار وأعيد الى موضعه من البيت فى خلافة المطيع لله لخمس خلون من ذى الحجة سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وبقى موضع الحجر الاسود من الكعبة خاليا مدّة بقائه عند القرامطة يضع الناس فيه أيديهم للتبرّك الى حين ردّ الى موضعه من الكعبة المعظمة وذلك فى يوم الثلاثا يوم النحر سنة تسع وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره المسيحى روى أنه لما أخذه القرمطى هلك تحته أربعون جملا ولما أعيد أنفذ على قعود أعجف فسمن تحته وزاد جسمه الى مكة وذكر المسيحى أن الذى وافى به مكة سنبر ابن الحسن القرمطى وان سنبر لما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر من سفط وعليه ضبات من فضة وقد عملت من طوله ومن عرضه تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه وأحضر معه جصا ليشدّ به فوضع سنبر الحجر بيده وشدّه الصانع بالجص وقال سنبر لما ردّه أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئة الله تعالى ونظر الناس الى الحجر فتنافسوه وقبلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى وكان ردّ الحجر الى موضعه قبل حضور الناس لزيارة الكعبة يوم النحر وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة المقتدر بالله وأما ما صنعه الحجبة بالحجر الاسود بأثر ردّ القرمطى له فذكر المسيحى أنه فى سنة أربعين وثلثمائة قلع الحجبة الحجر الاسود الذى نصبه سنبر وجعلوه فى الكعبة خوفا عليه وأحبوا أن يجعلوا له طوقا من فضة يشدّ به كما كان قديما حين عمله ابن الزبير فأخذ فى اصلاحه صانعان صادقان فعملا له طوقا من فضة وأحكماه ونقل المسيحى عن محمد بن نافع الخزاعى أن مبلغ ما على الحجر الاسود من الطوق وغيره ثلاثة آلاف وسبعمائة وتسعون درهما ونصف على ما قيل انتهى وهذه الحلية غير حلية الحجر الاسود الآن لان داود بن عيسى الحسنى أمير مكة أخذ طوق الحجر الاسود قبل عزله من مكة فى سنة خمس وثمانين وخمسمائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 على ما ذكره أبو شامة وغيره ولم أتحقق أن الحجر الاسود قلع من موضعه بعد ردّ القرامطة له الى يومنا هذا غير أن بعض الفقهاء المصريين أخبرنى أن الحجر قلع من موضعه سنة احدى وثمانين وسبعمائة وأما ما أصاب الحجر الاسود بعد فتنة القرامطة له من بعض الملاحدة مثلهم فذكر أبو عبد الله محمد بن على بن عبد الرحمن أنه فى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة يوم النفر الاوّل قام رجل فقصد الحجر الاسود فضربه ثلاث ضربات بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلك الضربات وتساقطت منه شطايا مثل الاظفار وخرج مكسره أسمر يضرب الى الصفرة محببا مثل الخشخاش فأقام الحجر على ذلك يومين ثم ان بنى شيبة جمعوا الفتات وعجنوها بالمسك واللك وحشوا الشقوق وطلوها بطلاء من ذلك وذكر ابن الاثير هذه الحادثة فى أخبار سنة أربع عشرة وأربعمائة ثم بعث الوليد بن عبد الملك الى واليه على مكة خالد بن عبد الله القشيرى بستة وثلاثين ألف دينار فضرب منها على باب الكعبة صفائح الذهب وعلى ميزاب الكعبة وعلى الاساطين التى فى بطنها وعلى الاركان التى فى جوفها فكل ما على الاركان والميزاب من الذهب فهو من عمل الوليد وهو أوّل من ذهب البيت فى الاسلام وأما ما كان على الباب من عمل الوليد فبقى كذلك الى أن رق وتفرّق فرفع ذلك للمعتصم محمد بن الرشيد فى خلافته فأرسل الى سالم بن الجرّاح عامله على مكة بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح على باب الكعبة فقلع ما كان على الباب من الصفائح وزاد عليه الثمانية عشر ألف دينار فضرب الصفائح التى عليه اليوم وحلقتا الباب والعتبة كلها من عمل أمير المؤمنين المعتصم محمد بن الرشيد فالذى على الباب من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف مثقال وعمل للوليد بن عبد الملك الرخام الاخضر والابيض والاحمر فى بطنها مؤزرا به جدرانها وفرشها بالرخام فجميع ما فى الكعبة من الرخام هو من عمل الوليد بن عبد الملك وهو أوّل من فرشها بالرخام وازربه جدرانها وهو أوّل من زخرف المساجد* أوّل من كسا الكعبة قال الازرقى قال ابن جريج كان تبع أوّل من كسا البيت كسوة كاملة أرى فى المنام أن يكسوها فكساها الايطاع ثم أرى أن يكسوها فكساها الوصائل وهى ثياب مخططة يمانية كذا فى الصحاح* وفى ايضاح النووى الوصائل ثياب حبرة من عصب اليمن* وفى الوفاء اسم تبع الذى كسا الكعبة أسعد* وفى شفاء الغرام كسيت الكعبة فى الجاهلية والاسلام أنواعا من الكساء منها الخصف والمغافر والملاء والوصائل والعصب كساها كلها تبع الحميرى وكان مؤمنا وقد سبق ذكره وكساها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثيابا يمانية وكساها أبو بكر وعمرو عثمان قباطى من مصر وكساها معاوية وابن الزبير رضى الله عنهم ومن بعدهم كذا روى الازرقى وكانت تكسى يوم عاشوراء ثم صار معاوية يكسوها فى السنة مرّتين ثم كان المأمون يكسوها ثلاث مرّات فيكسوها الديباج الاحمر يوم التروية والقباطى يوم هلال رجب والديباج الابيض يوم سبع وعشرين من رمضان وهذا الابيض ابتدأه المأمون سنة ست ومائتين حين قالوا له الديباج الاحمر يتخرّق قبل الكسوة الثانية فسأل عن أحسن ما تكون الكعبة فيه قيل الديباج الابيض ففعله وكان عبد الله بن الزبير يجمر الكعبة كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة برطلين وأجرى معاوية للكعبة الطيب لكل صلاة وأجرى الزيت لقناديل المسجد الحرام من بيت المال* ذرع الكعبة وفى تشويق الساجد أما ذرع الكعبة الشريفة وذرع ما بين الاركان وغيرهما فاعلم أن الذراع أربع وعشرون أصبعا مضمومة سوى الابهام بعدد حروف لا اله الا الله محمد رسول الله والاصبع ست شعيرات والشعيرة ست شعرات من شعر البغل وذرع الكعبة الشريفة اليوم ارتفاعها الى السماء سبعة وعشرون ذراعا وربع ذراع ومن الركن الاسود الى الركن العراقى ثلاثة وعشرون ذراعا وربع ذراع ومن الركن العراقى الى الركن الشامى اثنان وعشرون ذراعا ومن الركن الشامى الى الركن اليمانى أربعة وعشرون ذراعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وشبر والشبر اثنا عشر أصبعا ومن الركن اليمانى الى الركن الاسود أحد وعشرون ذراعا وشبر* وفى ايضاح النووى الكعبة اليوم طولها فى السماء سبعة وعشرون ذراعا وأما طولها فى الارض وهو ما بين الركن الاسود والركن العراقى الذى يلى باب الحجر الذى يلى المقام فخمسة وعشرون ذراعا وبين اليمانى والغربى كذلك وأما عرضها وهو ما بين الركنين اليمانى والاسود فعشرون ذراعا وبين الشامى والغربى أحد وعشرون ذراعا* قال العبد الضعيف حسين بن محمد الديار بكرى غفر الله لهما أنا لما ذرعت بين أركان الكعبة الشريفة وغيرها فى شوّال سنة احدى وثلاثين وتسعمائة وجدت بعضها مخالفا لما فى التشويق والايضاح فوجدت بين الركن الاسود والعراقى أربعة وعشرين ذراعا ونصف ذراع مخالفا لما فى الكتابين معا وبين العراقى والغربى أحدا وعشرين ذراعا موافقا لما فى الايضاح وبين الغربى واليمانى خمسة وعشرين ذراعا كما فى الايضاح أيضا وبين اليمانى والاسود أحدا وعشرين ذراعا وسبع أصابع مخالفا لما فى الكتابين معا* وفى تشويق الساجد وعرض جدار الكعبة ذراعان ولها سقفان أحدهما فوق الآخر وفيها ثلاثة أعمدة مصطفة على طولها كلها من خشب الساج وعرض الباب أربعة أذرع وارتفاع الباب وطوله الى السماء ستة أذرع وعشرة أصابع والباب فى الجدار الشرقى والباب من خشب الساج مضبب بصفائح من الفضة وعرض سطح الكعبة ثمانية عشر ذراعا فى خمسة عشر ذراعا والميزاب فى وسط الجدار الذى يلى الحجر وعرض الملتزم وهو ما بين الباب والحجر الاسود أربعة أذرع وارتفاع الحجر الاسود من الارض ثلاثة أذرع الاسبعة أصابع وعرض القدر الذى يرى منه شبر وأربعة أصابع مضمومة* قال حسين بن محمد أنا وجدت عرض الملتزم أربعة أذرع وستة أصابع وارتفاع ما تحت عتبة الباب من الارض أربعة أذرع وثلاثة أصابع وعرض المستجار وهو ما بين الركن اليمانى الى الباب المسدود فى ظهر الكعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع وخمسة أصابع ويسمى ذلك الموضع مستجارا من الذنوب وعرض الباب المسدود ثلاثة أذرع ونصف ذراع* وفى الايضاح وأما الحجر فهو محوط مدوّر على صورة نصف دائرة وهو خارج من جدار البيت فى صوب الشام وهو كله أو بعضه من البيت تركته قريش حين بنت البيت وأخرجته عن بناء ابراهيم وصار له جدار قصير وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها نذرت ان فتح الله تعالى مكة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم تصلى فى البيت ركعتين فلما فتحت مكة أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلّى هاهنا فان الحطيم من البيت الا أن قومك قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البيت ولولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة وأظهرت قواعد الخليل وأدخلت الحطيم فى البيت وألصقت العتبة بالارض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا ولئن عشت الى قابل لا فعلنّ ذلك ولم يعش ولم يفرغ لذلك الخلفاء الراشدون حتى كان فى زمن عبد الله بن الزبير وكان سمع الحديث من عائشة ففعل ذلك وأظهر قواعد الخليل بمحضر من الناس وأدخل الحطيم فى البيت فلما قتل كره الحجاج أن يكون بناء البيت على ما فعله ابن الزبير فنقض بناء البيت وأعاده على ما كان فى الجاهلية كذا فى شرح الوقاية* قال الازرقى فى تاريخ مكة الحجر ما بين الركن الشامى والغربى وأرضه مفروشة برخام وهو مستو بالشاذر وان الذى تحت ازار الكعبة وعرضه من جدار الكعبة الذى تحت الميزاب الى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وثمانية أصابع وذرع ما بين بابى الحجر عشرون ذراعا وذرع جداره من داخله فى السماء ذراع وأربعة عشر أصبعا وذرعه مما يلى الباب الذى يلى المقام ذراع وعشرون أصبعا وذرعه من خارجه مما يلى الركن الشامى ذراع وستة عشر أصبعا وطوله فى وسطه فى السماء ذراعان وثلاثة أصابع وعرض الجدار ذراعان الا أصبعين وذرع تدوير الحجر من داخله ثمانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وثلاثون ذراعا ومن خارجه أربعون ذراعا وستة أصابع وطول الشاذروان فى السماء ستة عشر أصبعا وعرضه ذراع وذرع طوفة واحدة حول الكعبة والحجر مائة ذراع وثلاثة وعشرون ذراعا واثنا عشر أصبعا أقول وما ذرعته مخالف لبعض هذا أيضا وسيجىء وأما الشاذر وان فهو الاحجار اللاصقة بجدار الكعبة عليها البناء المسنم القصير المرخم من جوانبها الثلاثة الشرقى والغربى واليمانى وبعض حجارة الجانب الشرقى لا بناء عليه وهو شاذر وان أيضا وأما الاحجار اللاصقة بجدار الكعبة التى تلى الحجر فليس بشاذر وان لان موضعها من الكعبة بلا ريب كذا فى شفاء الغرام* قال العبد الضعيف حسين بن محمد الديار بكرى أنا ذرعت ذلك فوجدت طول الشاذر وان فى السماء فى بعض المواضع ذراعا وستة أصابع وفى بعضها ذراعا وأربعة أصابع وعرضه فى بعض المواضع اثنين وعشرين اصبعا وفى بعضها ثمانية عشرا صبعا والشاذر وان ليس من الكعبة عند الائمة الحنفية بل هو عارض ملصق بأصل الجدار لاحكامه ومن البيت عند الائمة الشافعية وهو المقدار الذى ترك من عرض الاساس خارجا من الجدار خاليا عن البناء الطويل فان قريشا لما رفعت الاساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الارض نقصوا عرض الجدار عن الاساس وأما خبر عمارة الحجر فروى أن المنصور العباسى لما حج دعا زياد بن عبيد الله الحارثى أمين مكة فقال انى رأيت الحجر حجارته بادية فلا أصبحنّ حتى يصير جدار الحجر بالرخام فدعا زياد بالعمال فعملوا على السراج قبل أن يصبح وكان قبل ذلك مبنيا بحجارة بادية ليس عليه رخام وكان ذلك فى سنة احدى وأربعين ومائة ثم ان المهدى بعد ذلك فى سنة احدى وستين ومائة جدّد رخامه برخام حسن قال صاحب شفاء الغرام لم يذكر الازرقى السنة التى أمر فيها المنصور بعمل رخامه* قال العبد الضعيف مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى عفا الله عنه وعن أسلافه لما ذرعت وجدت عرض الحجر من تحت ازار الكعبة الى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر أصبعا وما بين بابى الحجر عشرين ذراعا وتسعة عشر أصبعا وعرض كل من بابى الحجر خمسة أذرع وأربعة عشر أصبعا ووجدت ارتفاع جدار الحجر من الارض ذراعين وثمانية أصابع وعرض جدار الحجر ذراعين وأحدا وعشرين أصبعا ووجدت ذرع تدوير جدار الحجر من داخله أربعة وثلاثين ذراعا وسبعة عشر أصبعا ومن خارجه أربعة وأربعين ذراعا وأربعة أصابع فذرع طوفة واحدة حول الكعبة والحجر على ما ذرعه مائة وسبعة وأربعون ذراعا وثلاثة أصابع* وفى شفاء الغرام من فضائل الحطيم أن فيه قبر تسعة وتسعين نبيا عن عبد الله بن ضمرة السلولى يقول ما بين الركن الى المقام الى زمزم قبر تسعة وتسعين نبيا جاء واحجاجا فقبضوا هناك* وعن محمد بن سائط عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الانبياء اذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى فيها حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام وقبورهم بين زمزم والحجر* وفى العمدة فى الحديث ما من نبىّ هرب من قومه الا هرب الى مكة فيعبد الله فيها حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب ذكر الازرقى خبرا يقتضى أن يكون فى الحطيم قبر تسعين نبيا قال مقاتل فى المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر تسعين نبيا منهم هود وصالح واسماعيل وقبر آدم وابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام فى بيت المقدس عن ابن اسحاق قال كان من حديث جرهم وبنى اسماعيل لما توفى اسماعيل دفن فى الحجر مع أمه وزعموا أنها فيه دفنت حين ماتت قال المسعودى قبض اسماعيل وله من العمر مائة وسبع وثلاثون سنة ودفن فى المسجد الحرام جيال الموضع الذى فيه الحجر الاسود كذا فى شفاء الغرام وطول الحفيرة المرخمة الملاصقة للكعبة فى المطاف من جهة الشرق ثمانية أشبار وسبعة أصابع مضمومة روى أنّ الفقيه اسماعيل الحضرمى لما حج الى مكة سأل الشيخ محب الدين الطبرى عن الحفيرة الملاصقة للكعبة فى المطاف فأجاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الشيخ محب الدين بأن الخفيرة مصلى جبريل بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم* وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الحفيرة الملاصقة للكعبة بين الباب والحجر هى المكان الذى صلّى فيه جبريل عليه السلام بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم الصلوات الخمس فى اليومين حين فرضها الله على أمته قال القاضى عز الدين ابن جماعة فى مناسكه الكبرى ولم أر ذلك لغيره وفيه بعد لان ذلك لو كان صحيحا لنبهوا عليه بالكتابة فى الحفيرة ولما اقتصروا على التنبيه على من أمر بعمل المطاف انتهى كلامه وليس هذا بلازم لانه يحتمل أن يكون الامر كما قال عز الدين بن عبد السلام ولا يلزم التنبيه بالكتابة عليه والشيخ عز الدين ناقل وهو حجة على من لم ينقل كذا فى البحر العميق وأما مقام ابراهيم عليه السلام فقال عز الدين بن جماعة وحرّرت لما كنت بمكة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة مقدار ارتفاع المقام من الارض فكان نصف ذراع وربع ذراع وثمن ذراع بالذراع المستعمل فى زماننا بمصر فى القماش وأعلى المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ذراع وموضع عرض القدمين فى المقام ملبس بفضة وعمقه من فوق الفضة سبعة قراريط ونصف قيراط من ذراع القماش والمقام يومئذ فى صندوق من حديد حوله شباك من حديد وعرض الشباك عن يمين المصلى ويساره خمسة أذرع وثمن ذراع وطوله الى جهة الكعبة خمسة أذرع الاقيراطين وخلف الشباك المصلى وهو محوز بعمودين من حجارة وحجرين من جانبى المصلى وطول المصلى خمسة أذرع وسدس ذراع ومن شباك الصندوق الذى هو داخل المقام الى شاذروان الكعبة عشرون ذراعا وثلثا ذراع وثمن ذراع كل ذلك بالذراع المتقدّم ذكره انتهى كلام ابن جماعة كذا فى البحر العميق ومن الحجر الاسود الى المقام سبعة وعشرون ذراعا وفى السروجى تسعة وعشرون ذراعا وبين المقام وبين الصفا مائة وأربع وستون ذراعا وذرع بئر زمزم من أعلاها الى أسفلها أعنى عمقها سبع وستون ذراعا وعرض رأس البئر أربعة أذرع ومن الكعبة الى بئر زمزم ثلاث وثلاثون ذراعا وما بين المقام الى بئر زمزم احد وعشرون ذراعا وأما عرض البلاط المفروش بالمطاف فمن صوب المشرق وباب السلام من شباك مقام ابراهيم الى شاذر وان الكعبة مقابلا له أربع وأربعون قدما ومن صوب الشمال والمقام الحنفى من طرف المطاف الى جوار الحجر مقابلا له ثمان وأربعون قدما ومن صوب المغرب والمقام المالكى من طرف المطاف الى شاذر وان الكعبة خمس وستون قدما وهو أبعد الجوانب من الكعبة ومن صوب الجنوب والمقام الحنبلى من طرف المطاف الى الشاذروان الذى تحت الحجر الاسود سبع وأربعون قدما* مقامات الائمة ومصلاهم وأما مقامات الائمة الاربعة ومصلاهم فمقام الشافعى من صوب المشرق مستقبلا الى وجه الكعبة خلف مقام ابراهيم وأما مقام الحنفى فمن جهة الشمال مستقبلا الى الميزاب وهو قبلة أهل المدينة وأما مقام المالكى فمن جهة المغرب وأما مقام الحنبلى فمن جهة الجنوب وأبى قبيس مستقبلا الى الحجر الاسود والمقامات الاربع المذكورة كلها وراء المطاف وخلف بئر زمزم قبة الفرّاشين والشموع وخلف قبة الفرّاشين قبة أخرى وهى سقاية العباس* وأما المسجد الحرام فكان فناء حول الكعبة للطائفين ولم يكن له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه جدار يحيط به وانما كانت الدور محدقة به وبين الدور أبواب يدخل الناس منها من كل ناحية فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وأدخلها فيه ثم أحاط عليه جدارا قصيرا دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه فكان عمر أوّل من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ثم لما استخلف عثمان ابتاع المنازل فى سنة ست وعشرين ووسع الحرم بها أيضا وبنى المسجد والاروقة فكان عثمان أوّل من اتخذ للمسجد الحرام الاروقة ثم ان عبد الله بن الزبير زاد فى المسجد زيادة كثيرة واشترى دورا من جملتها بعض دار الازرقى اشترى ذلك ببضع عشرة ألف دينار وأدخلها فيه ثم عمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بعده عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن رفع جدار المسجد وسقفه بالساج المزخرف وعمره عمارة حسنة ثم ان الوليد بن عبد الملك وسع المسجد وحمل اليه أعمدة الحجارة والرخام ثم ان المنصور زاد فى المسجد فى شقه الشامى وبناه وجعل فيه أعمدة الرخام ثم زاد المهدى بعده مرّتين احداهما بعد سنة ستين ومائة والثانية سنة سبع وستين ومائة الى سنة تسع وستين ومائة وفيها توفى المهدى واستقرّ بناؤه الى يومنا هذا وكانت الكعبة فى جانب من المسجد فأحب أن تكون فى الوسط فاشترى الدور من الناس ووسطها كذا ذكره النووى فى الايضاح وفى البحر العميق زيادة المهدى الزيادة التى تلى دار الندوة* وفى البحر العميق حج المهدى أمير المؤمنين سنة ستين ومائة وأمر بأساطين الرخام فنقلت فى السفن من الشام حتى أنزلت بجدّة ثم جرّت على العجل من جدّة الى مكة وجعلت أساطين* وفى البحر العميق عن أبى هريرة قال انا لنجد فى كتاب الله تعالى أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة الى المسعى* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أساس المسجد الحرام الذى وضعه ابراهيم عليه السلام من الحزورة الى المسعى الى مخرج سيل أجياد قال والمهدى وضع المسجد على المسعى* وعن عطاء بن أبى رباح المسجد الحرام الحرم كله وأما طول المسجد الحرام فهو من باب بنى شيبة المشهور بباب السلام فى الجدار الشرقى للمسجد الى باب العمرة فى الجدار الغربى فأربعمائة ذراع وأربعة أذرع كذا فى البحر العميق فذلك مائتان وثمانون خطوة وأما عرضه وهو من باب بنى مخزوم المشهور بباب الصفا فى الجدار الجنوبى للمسجد الى الجدار الاصلى له فى جهة الشمال الذى عند باب دار الندوة فثلثمائة ذراع وأربعة أذرع كذا فى البحر العميق فذلك مائتان وست خطوات وفى السروجى ثلثمائة ذراع وعشرة أذرع والله أعلم* (ذكر عدد أبواب المسجد الحرام) * فى البحر العميق عدد أبوابه اليوم تسعة عشر بتقديم التاء على السين تنفتح على ثمانية وثلاثين مدخلا فى جدرانه الاربع أما أبوابه فى جداره الشرقى فأربعة* الاوّل باب بنى شيبة ويقال له باب السلام وباب بنى عبد شمس بن عبد مناف وبه كان يعرف فى الجاهلية والاسلام عند أهل مكة وفيه ثلاثة مداخل قال الازرقى وهو الذى كان يدخل منه الخلفاء* النانى باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويعرف اليوم بباب الجنائز وانما قيل له باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم لان النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يخرج منه الى بيت خديجة رضى الله عنها وفيه مدخلان* الثالث باب العباس بن عبد المطلب وعنده علم المسعى من خارج وفيه ثلاثة مداخل وسماه صاحب النهاية وابن الحاج باب الجنائز ولعله كانت يصلى عليها فيه* الرابع باب على وفيه ثلاثة مداخل* وأما أبوابه فى جداره الجنوبى فسبعة* الاوّل باب بنى عائد ويقال له اليوم باب بازان وفيه مدخلان* الثانى باب بنى سفيان بن الاسد ويقال له اليوم باب البغلة وفيه مدخلان وسماه صاحب النهاية باب الحناطين* الثالث باب بنى مخزوم ويقال له اليوم باب الصفا وفيه خمسة مداخل* الرابع باب أجياد الصغير وفيه مدخلان* الخامس باب المجاهدية وفيه مدخلان ويقال له باب الرحمة وهو من أبواب بنى مخزوم وكذا باب أجياد الصغير كذا ذكره الازرقى فيهما* السادس باب مدرسة الشريف عجلان بن رميثة وفيه مدخلان ويقال له باب بنى تميم وسماه صاحب النهاية باب العلافين* السابع باب أمّ هانئ بنت أبى طالب وفيه مدخلان وهذا الباب مما يلى دور بنى عبد شمس وبنى مخزوم ويقال لهذا الباب باب الملاعبة ويقال له باب العرج على ما وجد بخط الاقشهرى وسماه صاحب النهاية باب أبى جهل* وأما أبوابه فى جداره الغربى فثلاثة الاوّل باب الحزورة وهو الذى يلى المنارة التى تلى أجياد الكبير سمى باب الحزورة باسم أمة لرجل يقال له وكيع بن سلمة وكان اليه أمر البيت فبنى فيه ضريحا جعل فيه أمة يقال لها حزورة كذا فى شفاء الغرام وسيجىء ذلك فى ذكر ظهور زمزم وعامة أهل مكة يسمونه باب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 عزورة بالعين وانما هى بالحاء المهملة وفيه مدخلان قال الازرقى ويقال له باب حكيم بن حزام وبنى الزبير بن العوّام والغالب عليه باب الحزامية* الثانى باب ابراهيم وكان فيه فى الزمن السابق مدخلان أحدهما كبير وأما اليوم فدخل واحد كبير وذكر أبو عبيدة البكرى أن ابراهيم المنسوب اليه هذا الباب هو خياط كان عنده على ما قيل ونسبه سعد الدين الاسفراينى فى كتاب زبدة الاعمال فقال ابراهيم الاصبهانى وبعضهم ينسبه الى ابراهيم الخليل عليه السلام ولا وجه لخصوصيته دون سائر الابواب والله أعلم قال الازرقى ويقال له باب الخياطين* الثالث باب بنى سهم ويعرف اليوم بباب العمرة وهو مدخل واحد وأما أبوابه فى جداره الشمالى فخمسة* الاوّل باب سدّة الوهوط ويقال له باب عمرو ابن العاص وهو مدخل واحد صغير* الثانى باب دار العجلة وهو مدخل واحد صغير* الثالث باب دار الندوة وهو مدخل واحد* الرابع باب زيادة دار الندوة قال الازرقى وهو باب دار شيبة بن عثمان يسلك منه الى السويقة وفيه مدخلان* الخامس باب الزريبة وهو مدخل واحد صغير كذا ذكره فى البحر العميق* (ذكر عدد الاساطين التى فى المسجد الحرام) * فى البحر العميق الاساطين التى حول المسجد الحرام غير ما فى الزيادتين أربعمائة اسطوانة وتسع وستون اسطوانة بتقديم التاء على السين وهى مصفوفة فى كل جانب من جوانبه الاربع ثلاثة صفوف وأما عدد أساطين زيادة باب ابراهيم فسبع وعشرون اسطوانة وأما عدد أساطين زيادة باب دار الندوة فست وستون اسطوانة وأما الاساطين التى حول المطاف لتعليق القناديل فثلاث وثلاثون اسطوانة منها اسطوانتان من حجارة وهما اللتان تليان مقام ابراهيم من جانبيه والبواقى وهى احدى وثلاثون اسطوانة من صفر والله أعلم* عدد منائر المسجد الحرام وأما منائر المسجد الحرام فست أربع منها فى زواياه الاربع وواحدة فى زيادة باب دار الندوة وواحدة فى مدرسة قايتباى المتصلة بجدار المسجد* فضيلة مكة وأما الفضيلة فاعلم أن العلماء اختلفوا فى أن مكة حرسها الله تعالى أفضل أم المدينة فعند أبى حنيفة والشافعى رحمهما الله أن مكة أفضل من المدينة سوى موضع قبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال مالك المدينة أفضل من مكة وأما المجاورة بمكة فقد اختلف علماء الدين فى ذلك فذهب أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعى من المحتاطين فى دين الله من أرباب القلوب الى أن المقام بها مكروه لقوله عليه السلام من فرغ من حجه فليعجل الرجوع الى أهله فانه أعظم لاجره ولان كثرة المشاهدة توجب التبرّم وتقلل الحرمة من حيث العادة ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم لابى هريرة يا أبا هريرة زرغبا تزدد حبا وقال عمر رضى الله عنه لما فرغ من نسك الحج يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم* وقد روى أن عمر رضى الله عنه همّ أن يمنع الناس عن كثرة الطواف وقال خشيت أن يأنس الناس هذا البيت فتزول هيبته من صدورهم وقال ابن عباس رضى الله عنه حين اختار المقام من مكة الى الطائف وحواليه لأن أذنب خمسين وفى ربيع الابرار سبعين ذنبا بركبة أحب الىّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة والركبة موضع بين مكة والطائف بقرب الطائف كثير العشب والماء* وقال ابن مسعود رضى الله عنه ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل الا مكة وتلاهذه الآية والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أى ومن يرد الميل عن الحق بمجرّد النية والارادة والالحاد الميل والباء فيه زائدة كما فى قوله تعالى تنبت بالدهن وقال ان السيئات تتضاعف كما تتضاعف الحسنات فيه لان الباء للمصاحبة وليست بزائدة* وقال أبو يوسف ومحمد وجماعة من أصحاب الشافعى وغيرهم من العلماء انه يجوز ذلك من غير كراهة لقوله تعالى وطهر بيتى للطائفين والقائمين مطلقا ولقوله صلّى الله عليه وسلم مكة والمدينة ينفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الحديد الا فمن صبر على حرّها ولأوائها وشدّتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة* ولما ورد فى الاحاديث أن المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة ثم بعض العلماء من المحتاطين فى الدين يكرهون أيضا المنع من الاقامة والمجاورة لانه منع من الطاعة والعبادة ويحتمل أن المجاور يفى بحقّ الكعبة وما يتعلق به من التعظيم والحرمة والحاصل أن من لم يقدر على الوفاء بحقه كما يجب فترك المقام والمجاورة أفضل له لما فيه من وجود التقصير والتبرّم والاخلال بحرمته وتعظيمه وتوقيره كما هو المشهور ومن قدر على المجاورة والمقام بها على وجه يتمكن من الوفاء بحقه وحرمته وتعظيمه على وجه تبقى تلك الحرمة فى عينه كما دخل فيها فهيهات هيهات فذلك الفوز الكبير والفضل الكثير الذى لا يوازيه شىء كما نطق به سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه النظر الى الكعبة عبادة ومن نظر الى البيت ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ومن نظر الى البيت من غير طواف ولا صلاة تطوّعا فذلك عند الله أفضل من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها وعن ابن عباس أنه قال لا أعلم على وجه الارض بلدة يكتب لمن نظر الى بعض بنيانها عبادة الدهر وصيام الدهر الا مكة* وقال صلّى الله عليه وسلم صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام فان صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة اذا صلاها وحده وان صلاها فى جماعة فان صلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة وصلاة الرجل فى المسجد الحرام كله اذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة فاذا صلاها فى جماعة فصلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة فذلك خمسة وعشرون مرّة مائة ألف صلاة وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة الرجل فى بيته بصلاة وصلاته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته فى المسجد الذى يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته فى المسجد الاقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته فى مسجدى بخمسين ألف صلاة وصلاته فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة رواه ابن ماجه ومن جلس مستقبل الكعبة ساعة واحدة ايمانا واحتسابا لله ورسوله وتعظيم القبلة كان له مثل أجر الحاجين والمعتمرين والمجاهدين والمرابطين فى سبيل الله وان الله ينظر الى خلقه فى كل يوم ثلثمائة وستين نظرة فأوّل من ينظر اليه منهم أهل حرمه وأمنه فمن رآه طائفا غفر له ومن رآه قائما غفر له ومن رآه جالسا مستقبل الكعبة غفر له فتقول الملائكة الهنا وسيدنا ما بقى الا النائمون فيقول ألحقوهم بهم فهم جيران بيتى ألا وان أهل مكة هم أهل الله وجيران بيته وحملة القرآن هم أهل الله وخاصته وقال صلّى الله عليه وسلم من اعتمر فى شهر رمضان عمرة فكأنما حج معى وعن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال عمرة فى رمضان تعدل حجة ومن صام شهر رمضان بمكة فصام كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغيرها وكان له بكل يوم مغفرة وشفاعة وبكل ليلة مغفرة وشفاعة وبكل يوم وليلة حملان فرس فى سبيل الله وفى رواية ابن ماجه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر له كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها وكتب له بكل يوم وليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس فى سبيل الله وفى كل يوم حسنة وفى كل ليلة حسنة* وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرة فى رمضان تقضى حجة أو حجة معى روياه وهذا لفظ مسلم* وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من طاف بالبيت وصلّى ركعتين كان كعتق رقبة رواه ابن ماجه وقال النساءى من طاف سبعا فهو كعدل رقبة وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال من طاف بالبيت سبعا لا يتكلم الا بسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة الا بالله العلىّ العظيم محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات ورفع له عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 درجات ومن طاف فتكلم وهو فى تلك الحال خاض فى الرحمة برجليه كخائض الماء برجليه رواه ابن ماجه وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من طاف بالبيت خمسين مرّة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه رواه الترمذى* وفى رسالة الحسن البصرى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دخل البيت دخل فى رحمة الله وفى حمى الله وفى أمن الله ومن خرج خرج مغفورا له وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دخل البيت دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له رواه البيهقى وغيره أوردهما فى البحر العميق وعن عبد الله بن عمير أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين فقلت يا أبا عبد الرحمن انك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزاحم عليه قال ان أفعل فانى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ان مسحهما كفارة للخطايا* وفى رواية النساءى يحبط الخطيئة وسمعته يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة وسمعته يقول لا يضع قدما ولا يرفع أخرى الا حط الله بها عنه خطيئة وكتب له بها حسنة رواه الترمذى* وعن ابن عباس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الطواف حول البيت مثل الصلاة الا انكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم الا بخير رواه الترمذى* وفى ربيع الابرار عن وهب ابن الورد كنت ليلة فى الحجر أصلى فسمعت كلا ما بين الكعبة والاستار الى الله أشكو ثم اليك يا جبريل ما ألقى من الطائفين حولى من تفكههم بالحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا لأنتفضنّ انتفاضة يرجع كل حجر منى الى الجبل الذى قلع منه وقال أبو غفار طفت مع أنس بن مالك فى مطر فلما قضينا الطواف أتينا المقام فصلينا ركعتين فقال لنا أنس ائتنفوا العمل فقد غفر لكم هكذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفنا معه فى مطر أخرجه ابن ماجه وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال وكل الله به سبعين ملكا يعنى الركن اليمانى فمن قال اللهم انى أسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من فاوضه يعنى الركن الاسود فانما يفاوض يد الرحمن رواه ابن ماجه وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما من يوم أكثر أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهى الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء رواه مسلم والنساءى زاد النساءى أو أمة يعنى عبدا أو أمة وعن عباس بن مرداس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا لامته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب انى قد غفرت لهم ما خلا الظالم فانى آخذ للمظلوم منه قال أى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل قال فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو قال تبسم فقال أبو بكر وعمر رضى الله عنهما بأبى أنت وأمى ان هذه الساعة ما كنت تضحك فيها فما الذى أضحكك أضحك الله سنك قال ان عدوّ الله ابليس لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائى وغفر لامّتى أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجه* وفى ربيع الابرار عن محمد بن قيس بن مخرمة يرفعه من مات فى أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة آمنا روى أن حجة غير مقبولة خير من الدنيا وما فيها ويقال الذى لا يقبل حجه منه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والذى يقبل الله منه فقد فاز* قال مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى فالطمع فى احراز هذه الفضائل جرّذيلى الى المجاورة بها مع اعترافى بأنى غير موف بحقها كما ينبغى رجع الى ذكر أحوال ابراهيم هذا فلنرجع الى أحوال ابراهيم عليه السلام* ففى الانس الجليل فى تاريخ القدس والخليل أقام ابراهيم عليه السلام بين الرملة وايليا بموضع يعرف بوادى السبع وهو شاب لا مال له وأقام فيه حتى كثر ماله وشاخ وضاق على أهل الموضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 موضعه من كثرة ماله ومواشيه فقالوا له ارحل عنا فقد آذيتنا بمالك أيها الشيخ الصالح وكانوا يسمونه بذلك فقال لهم نعم فلما همّ بالرحيل قال بعضهم لبعض جاءنا وهو فقير وقد جمع عندنا هذا المال كله فلو قلنا له أعطنا شطر مالك وخذ الشطر فقالوا له ذلك فقال لهم صدقتم جئت وكنت شابا فردّوا علىّ شبابى وخذوا ما شئتم من مالى فخصمهم ورحل فلما كان وقت ورود الغنم الماء جاءوا يستقون فاذا الآبار قد جفت فقال بعضهم لبعض الحقوا الشيخ الصالح واسألوه الرجوع الى موضعه فانه ان لم يرجع هلكنا وهلكت مواشينا فلحقوه فوجدوه بالموضع الذى يعرف بالمغارة وسألوه أن يرجع فقال انى لست براجع ودفع لهم سبع شياه من غنمه وقال اذهبوا بها معكم فانكم اذا أوردتموها البئر ظهر الماء حتى يكون عينا معينا ظاهرا كما كان واشربوا ولا تقربها امرأة حائض فرجعوا بالاعنز فلما وقفت على البئر ظهر الماء فكانوا يشربون منها وهى على تلك الحالة وأتت امرأة حائض واغترفت فغاض ماؤها ورحل ابراهيم عليه السلام ونزل اللجون فأقام بها ما شاء الله ثم أوحى الله اليه أن انزل ممرى فرحل ونزل عليه جبريل وميكائيل بممرى وهما يريدان قوم لوط فخرج ابراهيم ليذبح العجل فانفلت منه ولم يزل حتى دخل مغارة حبرون فنودى يا ابراهيم سلم على عظام أبيك آدم فوقع ذلك فى نفسه ثم ذبح العجل وقرّبه اليهم وكان شأنه ما قص الله عز وجل فى كتابه فمضى ابراهيم معهم الى قريب من ديار لوط فقالوا له اقعد ها هنا فقعد وسمع صوت الديك فى السماء فقال هو الحق اليقين فأيقن بهلاك القوم فسمى ذلك الموضع مسجد اليقين وهو على نحو فرسخ من بلد ابراهيم عليه السلام ثم رجع ابراهيم* أوّل من شاب ابراهيم قال أهل السير أوّل من شاب من بنى آدم ابراهيم عليه السلام ولما رأى الشيب فى لحيته قال يا رب ما هذا أجيب بأنه وقار قال رب زدنى وقارا وفى رواية قال الحمد لله الذى بيض القار وسماه الوقار* وفى كتاب المغازى لابن قتيبة لما ولد اسحاق من سارة تعجب الكنعانيون فقالوا ألا ترون هذا العجوز والعجوزة تبنيا لقيطا ولم يكونوا يصدّقون أن يولد لابراهيم ولد اذ عمره تجاوز المائة فجعل الله صورة اسحاق شبيهة بابراهيم بحيث لما التحى لم يفرق بين الاب والابن فجعل الله الشيب علامة لابراهيم يمتاز به عن اسحاق* وفى شفاء الغرام والعرائس عاشت سارة مائة وسبعا وعشرين سنة* وفى العرائس ماتت سارة بالشأم بقرية الجبابرة من أرض كنعان فى حبرون فدفنت بمزرعة اشتراها ابراهيم وكانت هاجر قد ماتت قبل سارة بمكة ودفنت فى الحجر* قيل عاش ابراهيم بعد سارة خمسين سنة* وفى الانس الجليل عن كعب الاحبار أوّل من دفن فى حبرون سارة وذلك لما ماتت خرج ابراهيم يطلب موضعا ليقبرها فيه رجاء أن يجد بقرب ممرى موضعا فمضى الى عفرون وكان ملك الموضع وكان مسكنه حبرى فقال له ابراهيم بعنى موضعا أقبر فيه من مات من أهلى فقال عفرون قد أبحتك ادفن حيث شئت من أرضى قال انى لا أحب الا بالثمن فقال له أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت من أرضى فأبى عليه وطلب منه المغارة فقال له أبيعكها بأربعمائة درهم وزن كل درهم خمسة دراهم وكل مائة درهم ضرب ملك وأراد بذلك التشديد عليه كيلا يجد فيرجع الى قوله وخرج ابراهيم من عنده فاذا جبريل فقال له ان الله قد سمع مقالة الجبار وهذه الدراهم ادفعها اليه فأخذها ابراهيم ودفعها الى الجبار فقال له من أين لك هذه الدراهم فقال له من عند الهى وخالقى ورازقى فأخذها منه وحمل ابراهيم سارة ودفنها فى المغارة فكانت أوّل من دفن فيها وتوفيت وهى بنت مائة وسبع عشرة سنة وقيل مائة وسبع وعشرين سنة وعاش ابراهيم مائتى سنة وعليه أكثر العلماء وقيل مائة وخمسا وتسعين سنة وقيل مائة وخمسا وسبعين سنة كذا فى الحدائق* (ذكر وفاة ابراهيم عليه السلام) * قال أهل السير لما أراد الله قبض روح ابراهيم أرسل اليه ملك الموت فى صورة شيخ هرم فأطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليضعها فى فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فيدخلها فى عينه وأذنه ثم يدخلها فاه وكان يسيل لعابه المخلوط بالطعام على لحيته وصدره فاذا دخل الطعام بطنه يخرج من دبره وكان ابراهيم قد سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذى يسأل الموت فقال للشيخ حين رأى حاله يا شيخ مالك تصنع هكذا قال يا ابراهيم الكبر قال ابن كم أنت قال فزاد على عمر ابراهيم سنتين قال ابراهيم أنا بينى وبينك سنتان فاذا بلغت ذلك صرت مثلك قال نعم فوقعت الكراهة فى نفس ابراهيم فقال ابراهيم اللهم اقبضنى اليك قبل ذلك فقام ذلك الشيخ وكان ملك الموت فقبض روحه كذا روى عن كعب الاحبار وحكى غير ذلك* وفى الحدائق عن وهب بن منبه قال له ملك الموت يا خليل الله على أىّ حال تحب أن أقبض روحك فقال اقبض روحى وأنا ساجد فقبض روحه وهو ساجد قيل مات من الانبياء فجأة ثلاثة ابراهيم وداود وسليمان عليهم السلام* وعن عائشة رضى الله عنها وابن مسعود رضى الله عنه موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة غضب أو أسف للكافر كذا فى النجم الوهاج* ولما توفى ابراهيم دفنه اسحاق بحذاء سارة من جهة الغرب ثم توفيت ربقة زوجة اسحاق فدفنت فيها بازاء سارة من جهة القبلة ثم توفى اسحاق فدفن بحيال زوجته من جهة الغرب ثم توفى يعقوب فدفن عند باب المغارة وهو بحيال قبر ابراهيم من جهة الشمال ثم توفيت لبقا زوجة يعقوب فدفنت بحياله من جهة المشرق بازاء كل نبىّ زوجته فاجتمع أولاد يعقوب والعيص واخوته وقالوا ندع باب المغارة مفتوحا وكل من مات منا دفناه بها فتشاجروا فرفع أحد اخوة العيص وفى رواية أحد أولاد يعقوب يده ولطم العيص لطمة فسقط رأسه فى المغارة فحملوا جثته ودفن بغير رأس وبقى الرأس فى المغارة وحوّطوا عليها وعملوا فيها علامات القبور فى كل موضع وكتبوا عليه هذا قبر ابراهيم هذا قبر سارة هذا قبر اسحاق هذا قبر ربقة هذا قبر يعقوب هذا قبر زوجته لبقا وخرجوا عنه وأطبقوا بابه وكل من جاء اليه يطوف به ولا يصل اليه حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا اليه وبنوا فيه كنيسة ثم أظهر الله الاسلام بعد ذلك وملك المسلمون تلك الديار وهدموا الكنيسة وبالقرب من مدينة ابراهيم قرية تسمى سيعير وهى الفاصلة بين عمل الخليل وعمل القدس وبها قبر بداخل مسجدها يقال انه قبر العيص عليه السلام وقد اشتهر ذلك عند الناس وصار يقصد للزيارة والله أعلم وعن وهب بن منبه أنه قال أصبت على قبر ابراهيم عليه السلام مكتوبا خلفه فى حجر رجز* غرّ جهولا أمله* يموت من جا أجله* لم تغن عنه حيله* صورة ما كتبه النبى صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى وأقطع النبىّ صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى الارض التى بها بلد ابراهيم وما حوله من الاراضى وكتب له ذلك فى قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه بخطه وقد وجدت فى صندوق تلك القطعة وقد صارت رثة وفيها أثر الكتابة ومعها ورقة مكتوبة بخط أمير المؤمنين المستنجد بالله العباسى صورته هكذا الحمد لله هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كتبه لتميم الدارى واخوته فى سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك فى قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علىّ بخطه نسخته كهيئته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنطا محمد رسول الله لتميم الدارى واخوته حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت ابراهيم وما فيهنّ نطية بت بينهم ونفذت وسلمت ذلك لهم ولا عقابهم فمن آذاهم آذاه الله فمن آذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبى قحافة وعمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علىّ بن أبى طالب وشهد* وقد نسخت ذلك من خط المستنجد بالله كهيئته ولعل هذا أصح ما قيل فيه والله أعلم* وفى مزيل الخفاء أسلم تميم الدارى سنة تسع من الهجرة وكان نصرانيا قبل ذلك روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقطع قرية ابراهيم وهى حبرون بأسرها لتميم الدارى قبل أن يفتح الله على المسلمين الشام وكتب له بذلك كتابا وجاء الى أبى بكر وأجاز له كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكذا جاء الى عمر فأجاز له بعد الفتوح ما أجاز له رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 القرية تعرف الآن بالخليل اسم ثاويها عليه السلام وهى قبلى بيت المقدس مستديرة حول المسجد من الجهات الاربع وبناؤها محدث بعد بناء السور السليمانى الذى هو المسجد بزمان طويل فان المغارة فى زمن ابراهيم كانت فى صحراء ولم يكن هناك بناء وكان ابراهيم مقيما بممرى فى مخيمه وهى بالقرب من بلد ابراهيم من جهة الشمال وهى أرض بها عين ماء وكروم واستمرّ الحال على ذلك بعد وفاة ابراهيم الى أن بنى سليمان السور على القبور الشريفة* روى أنه أمر الجنّ فبنوه بغير باب ومخرج ولما تم السور أمر الريح حتى رفعته من فوق السور وألقته الى الخارج فبقى السور كذلك من غير مدخل الى أن ثقب الروم أحجاره بالنار والخل وجعلوا له بابا ثم اختطت المدينة بعد ذلك وأوّل من اختط البناء حول السور رجل من الرامة من ذوى الاموال من بنى اسرائيل اسمه يوسف الرامى أدرك زمن عيسى عليه السلام وآمن به فبنى بالقرب من السور السليمانى بيوتا للسكنى تبرّكا بقبور الانبياء عليهم السلام ثم تتابع البناء قليلا قليلا فصارت هناك مدينة وهى محيطة بالمسجد من الجهات الاربع فبعضها مرتفع على رأس جبل وهو شرقى المسجد يسمى بيلون وبعضها منخفض فى واد هو غربى المسجد أما بناء السور السليمانى فانه بنى عقب بناء بيت المقدس وأما بناء مدينة ابراهيم فانه بعد زمن عيسى ومن رفع عيسى الى السماء الى آخر سنة تسعمائة وخمس وثلاثين من الهجرة ألف وخمسمائة سنة وثلاث وثلاثون سنة وأما حدود بلد ابراهيم المنسوبة اليه عرفا فمن جهة القبلة منزلة الملح على درب الحجاز وقباب الشاورية وهى قرية منسوبة الى بنى شاور من أمراء عرب جرم ومن جهة المشرق عين جدى من عمل بلد ابراهيم وبحرة لوط وهذا الحدّ هو الفاصل بين عمل بلد ابراهيم وعمل مدينة الكرك ومن جهة الشمال عمل القدس يفصل بينهما قرية ساعير وما حاذاها ومن جهة الغرب مما يلى الرملة وما يحاذيها قرية زكريا وهى من أعمال الخليل ومن جملة وقفه ومما يلى غزوة وما يحاذيها قرية سيسمح المجاورة لقرية السكرية وبلاد بنى عبد وهى من أعمال الخليل وأما المسافة بين مدينة ابراهيم وبين بيت المقدس فهى قريبة من بريدين بينهما بيت لحم وهى قرية على نحو ربع بريد من القدس من جهة القبلة وغالب سكان هذه القرية فى عصرنا نصارى وبها كنيسة محكمة البناء فيها ثلاثة محاريب مرتفعة أحدها موجه الى جهة القبلة والثانى الى جهة المشرق والثالث الى جهة الصخرة وسقفها خشب مرتفعة على خمسين عمودا من الصخر الاصفر الصلب غير السوارى المبنية بالاحجار وأرضها مفروشة بالرخام وعلى ظاهر سطحها رصاص فى غاية الاحكام وهى من بناء هيلانة أمّ قسطنطين وفى داخلها مولد عيسى عليه السلام فى مغارة بين المحاريب الثلاثة وللنصارى بها اعتناء يأتون اليها من بلاد الفرنج وغيرها بالاموال للرهابين المقيمين بالدير المجاورين للكنيسة وأما قبر مريم ففى بيت المقدس فى كنيسة فى ذيل جبل طور زيتاء تسمى الجيسمانية خارج باب الاسباط وهو مكان يقصده الناس للزيارة من المسلمين والنصارى وهذه الكنيسة من بناء هيلانة وبين بيت المقدس وبيت لحم قبر راحيل أمّ يوسف عليه السلام الى جنب الطريق فى قبة موجهة الى جهة صخرة بيت المقدس والله أعلم* (ذكر ختن ابراهيم عليه السلام) * فى الانس الجليل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال اختتن ابراهيم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم بالتخفيف والتشديد* وفى العرائس اختتن ابراهيم بقدوم فى موضع يقال له قدوم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وروى عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال ربط ابراهيم عليه السلام غرلته وجمعها اليه ومدّها قدّامه وضرب قدومه بعود كان معه فندرت بين يديه بلا ألم ولادم وختن اسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة وختن اسحاق وهو ابن سبعة أيام وعن عكرمة اختتن ابراهيم وهو ابن ثمانين سنة فأوحى الله تعالى اليه انك أكملت ايمانك الا بضعة من جسدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فألقها فختن نفسه بالفأس وسبب اختتانه أنه أمر بقتال العمالقة فقاتلهم فقتل خلق كثير من الفريقين فلم يعرف ابراهيم أصحابه ليدفنهم فأمر بالختان ليكون علامة للمسلم وختن نفسه بالقدوم* وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال أوّل من سمانا مسلمين ابراهيم عليه الصلاة والسلام وهو أوّل من ضرب بالسيف من الانبياء وقيل أوّل من ضرب بالسيف ادريس كما مرّ وكسر الاصنام واختتن ولبس السراويل والنعلين ورفع يديه فى الصلاة فى كل خفض ورفع وصلّى أوّل النهار أربع ركعات وجعلهنّ على نفسه فسماه الله وفيا وهو أوّل من أضاف الضيف وثرد الثريد وفرق الشعر واستنجى بالماء وقلم الظفر وقص الشارب ونتف الابط وأوّل من استاك وتمضمض واستنشق وحلق العانة وأوّل من صافح وعانق وقبل بين العينين موضع السجود وأوّل من شاب فقال ما هذا فقال الله وقار فقال رب زدنى وقارا فما برح حتى ابيضت لحيته* (ذكر أولاد ابراهيم عليه السلام) * فى معالم التنزيل ولد لابراهيم ثمانية بنين اسماعيل سمى به لان ابراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولد او يقول اسمع يا ايل وايل هو الله ولما رزق ولدا سماه به وأمّه هاجر القبطية أم ولد واسحاق وأمّه سارة حملت به ليلة خسف الله بقوم لوط وولدته ولها تسعون سنة ومن ولده الروم واليونان والارمن ومن يجرى مجراهم وبنو اسرائيل ومدين ومدان ونيشان وزمران ويشبق ويشرخ وهؤلاء الستة أمهم قطورا بنت يقطن الكنعانية* وفى الانس الجليل والعرائس تزوّجها ابراهيم بعد موت سارة ثم تزوّج امرأة أخرى من العرب اسمها حجور بنت أهيب فولدت له خمسة بنين كيسان وسروح وأميم ولوطا وياسن فكان جميع أولاد ابراهيم ثلاثة عشر مع اسماعيل واسحاق وكان اسماعيل أكبر أولاده فأنزله أرض الحجاز واسحاق أرض الشام وفرّق سائر أولاده فى البلاد* وفى أنوار التنزيل وبنو ابراهيم كانوا أربعة اسماعيل واسحاق ومدين ومدان وقيل ثمانية وقيل أربعة عشر قال ابن عباس ولد اسماعيل لابراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وقيل ست وثمانين سنة وولد اسحاق له وهو ابن مائة واثنتى عشرة سنة قال سعيد بن جبير بشر ابراهيم باسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة* وفى شفاء الغرام ان اسماعيل أكبر من اسحاق بأربعة عشر سنة وكذا ذكره السخاوى فى الاصل الاصيل فى تحريم النقل من التوراة والانجيل* وفى الانس الجليل لم يمت ابراهيم حتى بعث الله اسحاق الى أرض الشام وبعث يعقوب الى أرض كنعان واسماعيل الى جرهم وقبائل اليمن والى العماليق ولوطا الى سدوم وكانوا أنبياء على عهد ابراهيم* وفى معالم التنزيل يقال ان الله لم يبعث نبيا بعد ابراهيم الا من نسله وفيه أيضا قال ابن عباس كل الانبياء من بنى اسرائيل الا عشرة وهم نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ومحمد صلّى الله عليه وسلم قيل وآدم وشيث وادريس واسرائيل هو يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم ولما مضى من عمر اسحاق ستون سنة ولد له عيص ويعقوب وهما توأمان أما عيص فهو أبو أيوب النبىّ عليه السلام وكان ذاقوّة ويحب القنص وأما يعقوب فأعطى النبوّة قيل سمى به لانه خرج من بطن أمه عقب عيص وقيل لكثرة عقبه كذا فى العمدة هذا على تقدير كونه عربيا واما على تقدير كونه أعجميا وهو الاصح لعدم صرفه فلا اشتقاق له كما مرّ فى آدم* وفى عرائس الثعلبى وأما اسحاق عليه السلام فانه نكح ربقة بنت سويل فولدت له عيصا ويعقوب فى بطن واحد وكان لهما قصة عجيبة على ما ذكر قال حملت ربقة امرأة اسحاق بغلامين فى بطن واحد فلما أرادت أن تضع اقتتلا فى بطنها وأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلى لا تحرّكنّ فى بطنها فأقتلها فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله فسمى عيصا لانه عصى وخرج قبل يعقوب وسمى يعقوب لانه خرج ماسكا بعقب عيص وكان يعقوب أكبرهما فى البطن فلما كبر الغلامان كان عيص أحب الى أبيه ويعقوب أحب الى أمه وكان عيص صاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 صيد فلما كبر اسحاق وعمى قال لابنه عيص يا بنىّ أطعمنى لحم صيد وادن منى أدع لك بدعاء دعا لى به أبى ابراهيم وكان عيص أشعر ويعقوب أجرد فخرج عيص فى طلب الصيد وسمعت أمهما الكلام فأتت يعقوب فقالت له يا بنىّ اذهب الى الغنم واذبح سخلة ثم اشوها وقدّمها لابيك وقل يا أبتاه كل من لحم الصيد الذى طلبت وقل انى ابنك عيص ففعل يعقوب ذلك وقدّم الشاة بين يديه وقال يا أبتاه كل من لحم الصيد الذى طلبت فقال له من أنت قال ابنك عيص فادع لى قال قدّم طعامك فقدّمه فأكل منه فقال ادن منى فدنا منه فدعا له بأن يكون من ذريته الانبياء والملوك وقام يعقوب وأتى عيص فقال يا أبتاه قد أتيتك بالصيد الذى أردت قال يا بنىّ انه قد سبقك أخوك يعقوب فاشتدّ غيظه وقال لاقتلنّ يعقوب فقال يا بنىّ لا تحزن قد بقيت لى دعوة فادن منى لادعو لك بها فدنا منه فدعا له بأن تكون ذريته بعدد التراب ولم يملكهم أحد قالوا وخافت أم يعقوب عليه من أخيه عيص فقالت له يا بنىّ الحق بخالك وكن عنده فانطلق يعقوب الى خاله يسرى بالليل ويكمن بالنهار فلهذا سمى اسرائيل أى لانه سرى وقيل غير ذلك فأتى يعقوب خاله وكان اسحاق قد أوصى يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأمره أن يتزوّج من بنات خاله ليان بن ناهد فلما استقرّ يعقوب عند خاله خطب ابنته فقال له خاله هل لك من مال أزوّجك عليه قال لا ولكنى أخدمك حتى تستوفى صداق ابنتك قال صداقها أن تخدمنى سبع حجج قال يعقوب نعم ولكن شرطى معك أن تزوّجنى راحيل قال له خاله ذلك بينى وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فلما وفاه شرطه زوّجه ابنته الكبرى غير راحيل وكان اسمها ليا فلما أصبح يعقوب وجد غير ما شرط له فأتى خاله وهو فى نادى قومه وقال يا خال خدعتنى وغررتنى واستحللت عملى وأدخلت علىّ غير امرأتى فقال له خاله يا ابن اختى ألست منى وأنا منك أردت أن تدخل علىّ العار أرأيت أحدا زوّج ابنته الصغرى قبل الكبرى ولكن اخد منى سبع سنين أخرى وأنا ازوّجك ابنتى الاخرى وكان الناس يجمعون بين الاختين الى أن بعث الله نبيه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة* وفى الكشاف تزوّج يعقوب راحيل بعد موت اختها ليا قالوا فرعى يعقوب لخاله سبع سنين اخرى وزوّجه ابنته الاخرى وهى راحيل فولدت له ليا أربعة أسباط روبيل ويهوذا وشمعون ولاوى وولدت راحيل يوسف وبنيامين وهو بالعبرانية المشكل وكان ليان دفع الى ابنتيه حين زوّجهما بيعقوب جاريتين اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة فوهبتا له الجاريتين وولدت كل واحدة منهما ثلاثة أسباط فولدت زلفة دان وبفتالى وريالون وولدت بلها جاد ويسحر ودنبه* وفى الكشاف وغيره غير هذا وسيجىء فكان عدّة بنى يعقوب اثنى عشر ولدا وهم الاسباط سموا بذلك لان كل واحد منهم والد قبيلة والسبط بكلام العرب الشجرة الملتفة الكثيرة الاغصان والاوراق فالاسباط من بنى اسرائيل والشعوب من العجم والقبائل من العرب* قالوا ثم ان يعقوب فارق خاله ليان ومعه امرأتاه وجاريتاه المذكورتان الى منزل أبيه من فلسطين خوفا من أخيه عيص فلم يرمنه الاخيرا فتألفه ونازله وتلطف له حتى نزل له وتنقل الى السواحل ثم عبر الروم فاستوطنها فصار ذلك له ولولده من بعده* قال ابن اسحاق تزوّج عيص ابنة عمه نسيمة بنت اسماعيل عليه السلام فولدت له فى بلاد الروم ولد اسماه الاصفر وتناسل منه الروم فالروم كلهم من بنى الاصفر قالوا وعاش اسحاق بعد ما ولد له عيص ويعقوب مائة سنة وتوفى وله من العمر مائة وستون سنة ودفن بالارض المقدّسة عند قبر ابراهيم عليه السلام فى مزرعة حبرون وهى التى اشتراها ابراهيم عليه السلام كذا روى عن عبد الله بن سلام وكذلك العيص ويعقوب دفنا فى تلك المزرعة عند قبر ابراهيم عليه السلام وأما قبر يوسف عليه السلام فهو خارج المغارة فى بطن الوادى* (ذكر نبذة من قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام) * روى أنه لما بلغ عمر يعقوب ثلاثا وسبعين سنة ولد له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 من راحيل يوسف ولما بلغ يعقوب تسعين سنة فقد عنه يوسف وكان فى فراقه أربعين سنة أو ثمانين سنة قال الثعلبى كان يوسف أبيض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين وكان أهداب عينيه مثل قوادم النسور مستوى الخلق غليظ الساقين والساعدين والعضدين خميص البطن صغير السرّة أقنى الانف بخدّه الايمن خال أسود وبين عينيه شامة وكان اذا تبسم رؤى النور فى ضواحكه* وفى المدارك كان فضل يوسف على الناس فى الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان اذا سار فى أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران كما يتلألأ نور الشمس وضوء القمر على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدّته سارة وكانت قد أعطيت سدس الحسن* وفى العرائس قيل انه ورثه من جدّه اسحاق واسحاق ورث الحسن من سارة وسارة ورثت الحسن من حوّاء عليهم السلام وفى الحديث أعطى يوسف شطر الحسن* وفى رواية قسم الله ليوسف من الحسن والجمال ثلثى حسن الخلق وقسم بين سائر الخلق الثلث قال وهب بن منبه الحسن عشرة أجزاء تسعة منه ليوسف وواحد منه بين الناس ولما بلغ يوسف ثنتى عشرة سنة رأى فى المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين كذا فى تفسير الحدادى* وقيل كان ابن سبع عشرة سنة وقيل ابن سبع سنين كذا فى لباب التأويل والكشاف والعرائس* روى جابر أن يهود يا سأل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن النجوم التى رآها يوسف فقال جريان وكذا فى كتاب الاعلام ولباب التأويل والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين فقال اليهودى اى والله انها لا سماؤها فأسلم كذا فى الكشاف* وأما أسماء أولاد يعقوب فهى روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوى ويهوذا وريالون ويشجر ودينه وأمّ هؤلاء السبعة ليابنت ليان وهى ابنة خال يعقوب وولد له من سرّيتين زلفة وبلهه أربعة بنين دان ويفتالى وجاد وآشر ثم توفيت ليا فتزوّج اختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وماتت راحيل من نفاس بنيامين وقيل جمع بين الاختين ولم يكن الجمع حينئذ محرما الى زمان موسى ونزول التوراة كذا فى العرائس وقد مرّ فعلى ما فى الكشاف يكون جملة أولاد يعقوب ثلاثة عشر لا اثنى عشر كما لا يخفى بخلاف ما فى العرائس فانه اثنا عشر كما مرّ* وفى أنوار التنزيل ذكر أسامى أولاد يعقوب هكذا روبين بالنون وشمعون ولاوى ويهودا ويشنوخون وزبولون ودونى ولقنونى وكؤدى وأوشير وبنيامين ويوسف وكان يعقوب شديد الحبّ ليوسف فحسدوه عليه وزادهم حسدا بلوغهم خبر رؤياه وقالوا ما رضى أن تسجد له اخوته حتى يسجد له أبواه فأجمعوا أن يكيدوا له كيدا فسألوا أباهم أن يرسله معهم ليرتعوا ويلعبوا فتعلل يعقوب بالخوف عليه من أكل الذئب فألحوا وبالغوا حتى أرسله معهم فذهبوا مجمعين على القائه فى الجب أى البئر واختلفوا فى مكان الجب* قال وهب ومقاتل هو فى أرض ليزد على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب وكان معروفا يرد عليه المسافرون وقال قتادة هو بئر بيت المقدس* وفى العرائس كان ذلك الجب بين القدس وطبرية على قارعة الطريق وكان جبا وحشا مظلما ضيق الفم واسع السفل يهلك من طرح فيه وكان ماؤه مالحا وكان الجب من حفر سام بن نوح ويسمى جب الاخيار قال ولما برزوا الى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهودا فلما أراد والقاءه فى الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يديه فتعلق بشفيرا لبئر فربطوا يديه الى عنقه بعد أن نزعوا عنه قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه فى البئر فلما توسط البئر قطعوا الحبل حتى يسقط ويموت فأخرج الله له على وجه الماء صخرة ململمة لينة كالعجين فسقط عليها كذا فى العرائس* وفى رواية كان فى البئر ماء فسقط فيه ثم أوى الى صخرة فقام عليها وهو يبكى وعن ابن عباس كان يوسف يوم ألقى فى الجب ابن سبع سنين قاله ابن السائب وقال الحسن ابن اثنتى عشرة سنة وقيل ثمانى عشرة سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وقد مرّ ومكث فى الجب ثلاثة أيام وكان اخوته يرعون حول البئر وكان يهودا يأتيه بالطعام خفية ويروى أن ابراهيم حين ألقى فى النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه اياه فدفعه ابراهيم الى اسحاق واسحاق الى يعقوب فجعله يعقوب فى تميمة وعلقها فى عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه اياه روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوا قيصه بدمها وزلّ عنهم أن يمزقوه* وروى أن يعقوب لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال أين القميص فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من ذئب أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه قال بل سوّلت لكم أى زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا عظيما ارتكبتموه فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وجاءت سيارة رفقة تسير من قبل مدين الى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من القاء يوسف فى الجب فأخطؤا الطريق هائمين فنزلوا قريبا من الجب فى قفر بعيد من العمران وكان ماء الجب ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف فأرسلوا واردهم الذى يرد الماء ليستقى للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعى من العرب العرباء ولم يكن له ولد فسأل يوسف أن يدعو له بالولد فدعا له فرزق اثنى عشر ولدا أعقب كل واحد قبيلة كذا فى كتاب الاعلام فأدّلى دلوه ليملأها فتشبث يوسف بالدلو فنزعه فجاء اخوة يوسف وقالوا هذا الغلام لناقد أبق فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه فباعوه بثمن بخس أى مبخوس ناقص عن القيمة نقصا ظاهرا دراهم معدودة اشارة الى القلة وكانت عادتهم أنهم لا يزنون الا ما بلغ أوقية وهى أربعون درهما وقال ابن عباس كانت الدراهم المعدودة أربعين درهما كذا فى لباب التأويل ويروى أن اخوته اتبعوهم وقالوا لهم استوثقوا منه لا يأبق ولما ذهبوا الى مصر اشتراه العزيز الذى كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو اطفير* وفى لباب التأويل قال ابن عباس لما دخلوا مصر لقى قطفير مالك بن ذعر فاشترى يوسف منه بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين* وقال وهب بن منبه قدمت السيارة بيوسف مصر ودخلوا به السوق يعرّضونه للبيع فترافع الناس فى ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا ووزنه حريرا وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره حينئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفير بهذا الثمن انتهى والملك يومئذ الريان بن الوليد العمليقى يعنى من أولاد عمليق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح قد آمن بيوسف ومات فى حياته وقيل كان الملك فى أيام يوسف فرعون موسى وهو مصعب بن ريان أو ابنه وليد بن مصعب عاش أربعمائة سنة وبقى الى زمان موسى بدليل قوله ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات والمشهور أن فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف من بقايا عاد والآية من قبيل خطاب الابناء بأحوال الآباء* وفى كتاب الاعلام كل من ولى مصر والقبط فهو فرعون قال المسعودى لا يعرف تفسير فرعون بالعربية وكنيته أبو مرّة وأخوه قابوس بن مصعب هو الذى كان بعد الريان ولما هلك فرعون وقومه فى اليمّ ملكت مصر امرأة يقال لها دلوكة ولها فيها آثار عجيبة وكان فرعون موسى أحمر قصيرا أزرق كما ان أشقى ثمود عاقر ناقة صالح قداربن سالف كان كذلك* عجائب فرعون وفى لباب التأويل كان لفرعون أربع عجائب كانت لحيته خضراء ثمانية أشبار وقامته سبعة أشبار ولحيته أطول منه بشبر وعمره اربعمائة سنة وكان له فرس اذا صعد الجبل قصرت يداه وطالت رجلاه واذا انحدر يكون على ضدّ ذلك وكان يجرى النيل بأمره كما قال وهذه الانهار تجرى من تحتى ولاجل هذه الاربعة ادّعى الربوبية انتهى وكان فرعون طاغيا عاتيا ادّعى الالوهية وقال أنا ربكم الاعلى وقال يأيها الملأ ما علمت لكم من اله غيرى* وفى الكشاف كان بين القولين أربعون سنة وكان له وزير يقال له هامان فقال له أوقد لى يا هامان على الطين واطبخ الآجر قيل انه أوّل من اتخذ الآجر وبنى به فاجعل لى صرحا قصرا عاليا لعلى أطلع الى اله موسى أنظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 اليه وأقف على حاله وانى لأظنه يعنى موسى من الكاذبين فى زعمه ان للارض والخلق الها غيرى وانه رسوله* وفى معالم التنزيل قال أهل التفسير لما أمر فرعون وزيره ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الاتباع والاجراء ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله عز وجلّ أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردّت اليه وهى متلطخة دما فقال قد قتلت اله موسى وكان فرعون يصعد على البراذين قيل كانت تقصر يد البراذين حين يصعد وتطول رجلاه وقت الهبوط على عكس ذلك كما مرّ فتنة من الله واستدراجا فبعث الله عز وجلّ جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ووقعت قطعة فى البحر وقطعة فى الغرب ولم يبق أحد ممن عمل فيه شيئا الا هلك وفرعون لقب ملك العمالقة والقبط ككسرى وقيصر والنجاشى لملوك الفرس والروم والحبشة* وفى المدارك يقال لملوك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس أكاسرة واسم فرعون قابوس أو الوليد بن مصعب بن ريان* وفى العمدة اسم فرعون قابوس وقيل كيكاوس وقيل حقيق أى جدير انتهى* وفى زمانه بعث شعيب النبىّ عليه السلام الى أولاد مدين بن اسماعيل بن ابراهيم وبعث موسى وهارون عليهما السلام الى فرعون وكان اسمه الوليد بن مصعب وكان من أولاد عاد وكان شدّاد أرسله حاكما الى مصر* روى أن يوسف لما اشتراه العزيز كان ابن سبع عشرة سنة وقال الذى اشتراه من مصر يعنى قطفير من أهل مصر لامرأته وكان اسمها راغيل وقيل زليخا اكرمى مثواه منزله ومقامه عندك قال ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة العزيز فى يوسف حيث قال أكرمى مثواه الى آخره وابنة شعيب فى موسى حيث قالت يا أبت استأجره الى آخره وأبو بكر فى عمر حيث استخلفه بعده كذا فى لباب التأويل وأقام يوسف فى منزله فى بيت امرأته زليخا ثلاث عشرة سنة كما مرّ وهى كانت بنت خمس عشرة سنة وعشقت يوسف وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه أى طلبت منه المواقعة وتمحلت له من راد يرود اذا جاء وذهب وغلقت الابواب قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمبالغة فى ايثاق الابواب وقالت هيت لك أى أقبل وبادر أو تهيأت لك هيت اسم فعل بنى على الفتح كبناء أين واللام للتبيين أى لك أقول كما تقول هلمّ لك قال معاذ الله انه أى الشأن والحديث ربى وسيدى ومالكى يريد قطفير أحسن مثواى مقامى فلا أخونه فى أهله ولقد همت به وهمّ بها قصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهمّ بالشىء قصده والعزم عليه ومنه الهمام وهو الذى اذا همّ بشئ أمضاه ولم ينكل عنه* وفى أنوار التنزيل المراد بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لشبق ألغلمة لا الميل الاختيارى وذلك مما لا يدخل تحت التكليف والحقيق بالمدح والاجر الجزيل من الله سبحانه وتعالى من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم الاختيارى أو المراد بهمه مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله لولا أن رأى برهان ربه فى قبح الزنا وسوء عاقبته ولا يجوز أن يجعل وهمّ بها جواب لولا فانها فى حكم أدوات الشرط وللشرط صدر الكلام فلا يتقدّم عليها جوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وهم بها كقولك هممت بقتله لولا انى خفت الله معناه انى لولا خفت الله لقتلته* وفى الكشاف وقد فسرهم يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع وبأنه حلّ تكة سراويله وقعد بين شعبها الاربع وهى مستلقية على قفاها وفسر البرهان بأنه سمع صوتا اياك واياها فلم يكترث له فسمع ثانيا فلم يعمل به فسمع ثالثا أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته وقيل ضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله* وقيل ولد لكلّ من ولد يعقوب اثناعشر ولدا الا يوسف فانه ولد له احد عشر ولدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 من أجل ما نقص من شهوته حين همّ وقيل صيح به يا يوسف لا تكن كطائر كان له ريش فلما زنا أى سفد غير أنثاه قعد لا ريش له وقيل بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم مكتوب فيها وانّ عليكم لحافظين كراما كاتبين فلم ينصرفه ثم رأى فيها ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا فلم ينته ثم رأى فيها واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله فلم ينجع فيه فقال الله لجبريل أذرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل وهو يقول يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب فى ديوان الانبياء وقيل رأى تمثال العزيز قطفير وقيل قامت المرأة الى صنم كان هناك فترته وقالت أستحيى أن يرانا فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر ولا أستحيى من السميع البصير العليم بذات الصدور وهذا ونحوه مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت الله وأنبيائه وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بسبيل ولو صدرت من يوسف أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره كما نعيت على آدم عليه السلام زلته وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذى النون وذكرت توبتهم واستغفارهم كيف وقد أثنى الله عليه وسماه مخلصا انتهى واستبقا الباب أى ابتدرا اليه يفرّ منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج أراد بالباب الباب البرّانى الذى هو المخرج من الدار والمخلص فلا يرد أن يقال كيف وجد الباب مفتوحا وقد جمعه فى قوله وغلقت الابواب* روى كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الابواب وقدّت قميصه من دبر اجتذبته فانقدّ أى انشق طولا حتى هرب منها الى الباب وتبعته تمنعه وألفيا سيدها أى وجدا زوجها وبعلها وهو قطفير لدى الباب تقول المرأة لبعلها سيدى وانما لم يقل وجدا سيدهما لان ملك يوسف لم يصح فلم يكن سيدا له على الحقيقة وقيل ألفياه مقبلا يريد أن يدخل فنزهت نفسها وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوأ زنا الا أن يسجن أى يحبس أو عذاب أليم مؤلم بأن يضرب قال يوسف متبرّئا هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها ابن عمّ لها* روى أنه كان فى المهد وعن النبىّ صلّى الله عليه وسلم تكلم فى المهد أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى وقال نسوة فى المدينة مصر أى قال جماعة من النساء وكنّ خمسا امرأة الساقى وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب امرأة العزيز تراود فتاها عبدها عن نفسه قد شغفها حبا تمييز* فى الكشاف شغفها خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل الى الفؤاد والشغاف حجاب القلب وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب فلما سمعت بمكرهنّ بغيبتهنّ وسوء مقالتهنّ وقولهنّ امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى أرسلت اليهنّ دعتهنّ* قيل دعت أربعين امرأة فيهنّ الخمس المذكورات وأعتدت أعدّت وهيأت لهنّ متكأ ما يتكئن عليه من نمارق وعن مجاهد متكأ طعاما يحزّ حزا وقرئ متكا بغير همز وهو الاترج* وقال وهب أترجا وموزا وبطيخا وآتت أعطت كل واحدة منهنّ سكينا وقالت ليوسف اخرج عليهنّ فلما رأينه أكبرنه أعظمنه وقطعن جرحن أيديهنّ بالسكاكين ولم يشعرن بالالم لشغل قلبهنّ بيوسف وقلن حاش لله تنزيها له اللام للتبيين نحو قولك سقيا لك ما هذا أى يوسف بشرا ان هذا ما هذا الا ملك كريم قالت امرأة العزيز لما رأت ما حلّ بهنّ فذلكنّ الذى لمتننى فيه فى حبه بيان لعذرها ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فامتنع ولئن لم يفعل ما آمره أى ما آمر به فحذف الجار والضمير للموصول أو أمرى اياه اى موجب أمرى ومقتضاه على أن ما مصدرية ليسجننّ وليكونا من الصاغرين من الذليلين قلن له أطع مولاتك ولم يطعها فسجن بسببها سبع سنين على قول الجمهور ودخل معه السجن فتيان عبدان للملك شرابيه وخبازه بتهمة السم* وفى كتاب الاعلام اسم أحدهما شرهم والآخر برهم فتحا لما فقال الشرابىّ انى رأيت كأنى فى بستان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فاذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عنا قيد من عنب فقطفتها وعصرتها فى كأس الملك وسقيته وقال الخباز رأيت كان فوق رأسى ثلاث سلال فيها أنواع الاطعمة فاذا سباع الطير تنهش منها فقالا له نبئنا بتأويله فأوّل يوسف رؤيا الشرابى بأنه يعود الى عمله ويسقى سيده خمرا وأوّل رؤيا الخباز بأنه يقتل* روى أنه قال للاوّل ما رأيت من الكرمة هو الملك وحسن حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فانها ثلاثة أيام تمضى فى السجن ثم تخرج وتعود الى ما كنت عليه من عملك اذكرنى وصفنى عند الملك بصفتى وقص عليه قصتى لعله يرحمنى ويخلصنى من هذه الورطة وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا وقال للثانى ما رأيت من السلال الثلاث ثلاثة أيام ثم تخرج وتقتل وكان أمرهما كما قال* ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابص وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها الملك وقال يأيها الملأ أفتونى فى رؤياى فلم يجد فى قومه من يحسن عبارتها وقالوا أضغاث أحلام أى تخاليط منامات باطلة وليس لنابها علم ولما استفتى الملك فى رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها وعجزوا عنها تذكر الناجى بعد مدّة طويلة يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه اليه أن يذكره عند الملك فقال أنا اخبركم بمن عنده تأويلها فأرسلوه فانطلق الى يوسف وقص عليه رؤيا الملك واستعبره فقال أيها الصدّيق أفتنا فى سبع بقرات سمان الى آخر ما رآه الملك فتأوّل يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجىء مباركا كثيرا لخير غزير النعم وذلك بعد أربع عشرة سنة من وقت استفتاء الرؤيا* قيل كان ابتداء بلاء يوسف فى الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضا الرؤيا فلما رجع المستعبر الى الملك بخبر يوسف وتأويله الرؤيا قال ائتونى به استخلصه لنفسى فجاءه الرسول ليخرجه من السجن وكان معه سبعون حاجبا وسبعون مركبا وبعث الملك اليه لباس الملوك فقال أجب الملك فخرج من السجن ودعا لاهله فقال اللهم أعطف عليهم قلوب الاخيار ولا تعمّ عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فى الواقعات وكتب على باب السجن هذه منازل البلوى وقبور الاحياء وشماتة الاعداء وتجربة الاصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم انى اسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شرّه ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائى وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال أيها الصدّيق انى أحب أن اسمع رؤياى منك قال رأيت بقرات فوصف لونهنّ وأحوالهنّ ومكان خروجهنّ ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التى رآها الملك وقال من حقك أن تجمع الطعام بالاهراء فيأتيك الخلق من النواحى ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك قال الملك ومن لى بهذا الامر ومن يجمعه قال يوسف اجعلنى على خزائن الارض أى ولنى خزائن أرضك يعنى مصر* وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الارض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة* روى أن الملك توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدرّ والياقوت فقال له أما السرير فاشدد به ملكك وأما الخاتم فدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسى ولا من لباس آبائى فاستوزره الريان وهو ابن ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين سنة قيل توفى جدّه اسحاق حينئذ وعمره مائة وثمانون سنة وكان ضريرا ودفن عند قبر أبيه وأوتى يوسف الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى تفسير الحدّادى فى قوله تعالى ولما بلغ أشدّه قال ابن عباس ولما بلغ ثمانى عشرة سنة آتيناه النبوّة ولما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 استوزر دانت له الملوك وفوّض اليه الامر وكان الملك كالتابع له يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه فى كل ما رأى وعزل قطفير ثم مات قطغير بعده فزوّجه الملك امرأته زليخا فلما دخل عليها قال لها أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء وكان العزيز عنينا فولدت ليوسف ولدين افراثيم وميشا وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى وأقام يوسف العدل بمصر وأحبه الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر فى سنى القحط الطعام بالدراهم والدنانير فى السنة الاولى حتى لم يبق معهم شئ منها ثم بالحلى والجواهر فى السنة الثانية ثم بالدواب فى الثالثة ثم بالعبيد والاماء فى الرابعة ثم بالدور والعقار فى الخامسة ثم بأولادهم فى السادسة ثم برقابهم فى السابعة حتى استرقهم جميعا ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم وردّ عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لاحد من الممتارين أكثر من حمل بعير وأصاب أهل كنعان ما أصاب أهل مصر من الجهد فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا منها فجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون لتبدّل الزىّ أو لانه كان وراء حجاب أو لطول المدّة وهى أربعون سنة* روى أنه لما رآهم تكلموا بالعبرانية قال لهم أخبرونى من أنتم وما شأنكم قالوا نحن قوم رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادى قالوا معاذ الله نحن بنو نبى حزين لفقد ابن كان أحبنا اليه وقد أمسك اخاله من أمه يستأنس به فقال ائتونى به ان صدقتم وقال ومن يشهد لكم انكم لستم بعيون وان الذى تقولون حق قالوا اننا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد قال فدعوا بعضكم عندى رهينة وائتونى بأخ لكم من أبيكم وهو يحمل رسالة ابيكم حتى أصدّقكم فاقترعوا عودا فيهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف فخلفوه عنده وجهزهم وأعطى كل واحد حمل بعير وقال ائتونى بأخ لكم من أبيكم قالوا سنراود عنه أباه أى سنخادعه ونحتال عليه حتى ننزعه من يده فلما رجعوا الى أبيهم بالطعام وأخبروه بما فعل يوسف قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل واناله لحافظون عن ان يناله مكروه قال هل آمنكم عليه الا كما أمنتكم على أخيه من قبل وقال لن ارسله معكم حتى تؤتونى موثقا عهدا من الله بأن تحلفوا لى بالله لتأتننى به الا أن يحاط بكم وتغلبوا فلم تطيقوا به فلما آتوه موثقهم وحلفوا بالله رب محمد دفع بنيامين اليهم وقال الله على ما نقول وكيل وقال فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين* قال كعب لما قال فالله خير حفظا قال الله بعزتى وجلالى لاردّن عليك كليهما ووصاهم أن لا يدخلوا من باب واحد بل يدخلوا من أبواب متفرّقة الجمهور على أنه خاف عليهم العين لجمالهم وجلالة أمرهم فالعين حق وجوده بأن يحدث الله عند النظر الى الشىء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا* وقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة فلما دخلوا على يوسف قالوا له هذا أخونا قد جئنا به قال أحسنتم وآوى وضم اليه أخاه بنيامين فأنزلهم وأحسن مثواهم وأضافهم وأكرم نزلهم ومقراهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخى يوسف حيالا جلسنى معه فقال يوسف بقى أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يواكله وقال أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه وقال انى أنا أخوك يوسف فلا تبتئس ولا تحزن بما كانوا يعملون بنا فيما مضى فان الله قد أحسن الينا وجمعنا على خير ولا تعلّمهم بما أعلمتك* روى أن بنيامين قال ليوسف فأنا لا أفارقك قال يوسف قد علمت اغتمام والدى بى فاذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل الى ذلك الا أن أنسبك الى ما لا يجمل قال لا أبالى افعل ما بدالك قال فانى أدس صاعى فى رحلك ثم أنادى عليك بأنك سرقته ليتهيألى ردّك بعد تسريحك معهم قال افعل فلما جهزهم بجهازهم وهيأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 أسبابهم وأوفى الكيل لهم جعل السقاية يعنى مشربة يسقى بها وهى الصواع قيل كان يسقى بها الملك ثم جعلت صاعا يكال بها العزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فى رحل بنيامين* روى أنهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم نادى مناد أيتها العير وهى الابل التى عليها الاحمال لانها تعير أى تذهب وتجىء والمراد أصحاب العير انكم لسارقون كناية عن سرقتهم اياه من أبيه قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير قال المؤذن وأنا به زعيم يريد أنا بحمل البعير كفيل أؤدّيه الى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب مما نسب اليهم ما جئنا لنفسد فى الارض* روى أنهم حين دخلوا كان أفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق وما كنا سارقين قالوا فما جزاء الصواع أى سرقته ان كنتم كاذبين فى جحودكم وادعائكم البراءة منها قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترق سنة فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين لنفى التهمة حتى بلغ وعاء فقال ما أظنّ هذا أخذ شيئا فقالوا والله لا يترك حتى تنظر فى رحله فانه أطيب لنفسك وأنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخيه قالوا ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان فى المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لابراهيم يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينتزعه منها فعمدت الى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة على يوسف فقالت انه لى سلم أفعل به ما شئت فحلاه يعقوب عندها حتى ماتت يقال فلان سلم فى أيدى بنى فلان أى أسير* وروى أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنيامين نكس اخوته رؤسهم حياء وأقبلوا عليه فقالوا له فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع فقال بنو راحيل لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخى فأهلكتموه فأسرّ يوسف فى نفسه مقالتهم قد سرق أخ له من قبل وتغافل عنها كأن لم يسمعها ولما أخذ بنيامين بعلة السرقة قالوا له يأيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه أى بدله فأبى وقال معاذ الله أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استيأسوا من يوسف واجابته انفردوا عن الناس متناجين فى تدبير أمرهم على أىّ صفة يذهبون وماذا يقولون لابيهم فى شأن اخيهم قال كبيرهم فى السنّ وهو روبيل أو فى العقل وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرّطتم وقصرتم فى شأن يوسف فلن أبرح الارض أى لن أفارق أرض مصر حتى يأذن لى أبى فى الانصراف اليه أو يحكم الله لى فى الخروج منها او بالموت او بقتالهم ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا عليه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته وما كنا للغيب حافظين أى ما علمنا انه سيسرق حين أعطيناك المواثيق واسأل اهل مصر عن كنه القصة واصحاب العير وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب وانا لصادقون فى قولنا فرجعوا الى ابيهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال يعقوب بل سوّلت وسهلت لكم أنفسكم أمرا أردتموه والا فمن أدرى ذلك الرجل ان السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا أى بيوسف واخيه وكبيرهم وتولى وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وقال يا اسفا على يوسف الاسف اشدّ الحزن والحسرة والالف بدل عن ياء الاضافة وابيضت عيناه من الحزن أى اذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الى بياض كدر قيل قد عمى بصره وقيل يدرك ادراكا ضعيفا قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الى حين لقائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ثمانين سنة أو أربعين سنة كذا فى المدارك* وفى الكشاف عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم انه سأل جبريل ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف قال وجد سبعين ثكلى قال فما كان له من الاجر قال اجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط* وفى الكشاف عن الحسن انه بكى على ولده او غيره فقيل له فى ذلك فقال ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب ويجوز للنبىّ ان يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لان الانسان مجبول على ان لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ولده ابراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون وانما المذموم الصياح والنياح ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب* قيل ان يعقوب اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت وروى انه رأى ملك الموت فى منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حىّ فاطلبه وعلمه هذا الدعاء* يا ذا المعروف الدائم الذى لا ينقطع معروفه ابدا ولا يحصيه غيره فرّج عنى* فقال يا بنىّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله أى لا تقنطوا من رحمة الله فخرجوا من عند أبيهم راجعين الى مصر فلما دخلوا على يوسف قالوا يأيها العزيز مسنا واهلنا الضرّ الهزال من شدّة الجوع وجئنا ببضاعة مزجاة حقيرة يدفعها كل تاجر رآها رغبة عنها واحتقارا لها قيل كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ الا بوضيعة وقيل كانت صوفا وسمنا فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا ولما قالوا مسنا واهلنا الضرّ وتضرّعوا اليه وطلبوا أن يتصدّق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرّفهم نفسه حيث قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ أنتم جاهلون وقيل أدّوا اليه كتاب يعقوب من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى عزيز مصر أما بعد فانا أهل بيت موكل بنا البلاء فأما جدّى فشدّت يداه ورجلاه ورمى به فى النار ليحرق فنحاه الله وجعلت النار بردا وسلاما وأما أبى فوضع السكين فى قفاه ليقتل ففداه الله وأما أنا فكان لى ابن وكان أحب اولادى فذهب به اخوته الى البرية ثم أتوا بقميصه ملطخا بالدم وقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناى من بكائى عليه ثم كان لى ابن وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا انه سرق وانك حبسته وانا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فان رددته علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام* فلما قرأ يوسف الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه* وروى أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا* وفى رواية مكتوب يعقوب أخصر مما ذكر كتب بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى العزيز ريان أما بعد فانا أهل بيت مولع بنا البلاء أما جدّى ابراهيم خليل الله ابتلى بالنار فأنجاه الله واما أبى اسحاق ابتلى بالذبح ففداه الله وأما أنا فكان لى قرّة عين من أولادى ابتليت بفراقه حتى عميت وكان له أخ كلما هاج بى شوقى ضممته الى صدرى والآن محبوس عندك بعلة السرقة واعلم انى لا أكون سارقا ولا ألد سارقا فان تفضلت بردّه فلك فى ذلك الاجر والثواب يوم الحساب وكتب يوسف فى جوابه بعبارة أطول مما ذكر قيل كان باملاء جبريل كتب بسم الله الرحمن الرحيم كتابى هذا الى يعقوب اسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله من العزيز ريان أما بعد فقد وصل الىّ كتابه بما وصف من حال آبائه وبلائه وابتلائه بفراق اولاده فوقفت عليه فعليه بالصبر الجميل أما جدّك ابراهيم ابتلى بالنار صبر فظفر وأما أبوك اسحاق ابتلى بالذبح صبر فظفر وأنت ابن الصابرين فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا والسلام على من اتبع الهدى ومعنى فعلهم بأخى يوسف تعريضهم اياه للغم بافراده عن أخيه لابيه وأمه وايذائهم اياه بأنواع الاذى قال اخوة يوسف أئنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد منّ الله علينا الآن بالالفة بعد الفرقة قالوا تالله لقد آثرك الله علينا أى اختارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وفضلك علينا بالعلم والتقوى والصبر والحسن وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين* روى ان اخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا اليه انك تدعونا الى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحيى منك لما فرط منافيك فقال يوسف ان اهل مصر وان ملكت فيهم فانهم ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس أنى من حفدة ابراهيم اذهبوا بقميصى هذا قيل هو القميص المتوارث الذى كان فى تعويذ يوسف وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله الى ابيه فان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم الاعوفى قال فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا أى يأت الىّ وهو بصير قال يهوذا أنا احمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء قيل حمله وهو خاف حاسر من مصر الى كنعان وبينهما ثمانون فرسخا وقال لهم يوسف ائتونى بأهلكم اجمعين لينعموا بآثار ملكى كما اغتموا بأخبار هلكى ولما فصلت العير وخرجت من عريش مصر قال ابوهم وهو فى كنعان لولد ولده ومن حوله من قومه انى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون أوجد الله ريح القميص حين اقبل من مسيرة ثمانية ايام فلما أن جاء البشير وهو يهوذا ألقى القميص على وجهه فارتدّ بصيرا* وروى أن يعقوب سأل البشير كيف يوسف فقال هو ملك مصر قال ما أصنع بالملك على أىّ دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة ثم ان يوسف وجه الى ابيه جهازا ومائتى راحلة ليتجهز هو ومن معه فلما بلغ قريبا من مصر خرج يوسف والملك فى أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشى ويتوكأ على يهوذا فلما دخلوا على يوسف وذلك قبل دخولهم مصر حين استقبلهم نزل بهم فى مضرب أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه آوى اليه ابويه أى ضمهما واعتنقهما اليه قيل كانت أمه باقية وقيل كانت أمه ماتت وتزوّج يعقوب خالته والخالة امّ كما ان العمّ أب* روى انه لما لقيه يعقوب قال السلام عليك يا مذهب الاحزان قال له يوسف بعد ردّ السلام عليه يا ابت بكيت علىّ حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا فقال بلى ولكن خشيت ان يسلب دينك فيحال بينى وبينك* قيل ان يعقوب وولده دخلوا مصروهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرّية والهرمى وكانت الذرّية ألف ألف ومائتى ألف ولما دخلوا مصر وجلس يوسف فى مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا اليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخرّوا له سجدا يعنى الاخوة الاحد عشر والابوين* ذكر المفسرون ان الله أحيا امّ يوسف تحقيقا لرؤياه والله على كل شىء قدير وكانت السجدة عندهم جائزة جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليدين قال الزجاج كانت سنة التعظيم فى ذلك الوقت أن يسجد للمعظم وقيل كانت الانحناء دون تعفير الجبهة وخرورهم سجدا يأباه وقيل خرّوا لاجل يوسف سجدا لله شكرا وفيه أيضا نبوة واختلف فى استنبائهم وقال يوسف يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل أربعون سنة وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين أو ثمانون سنة وهو قول الحسن البصرى وسيجىء وقيل ست وثلاثون وقيل اثنتان وعشرون سنة* قال مجاهد أخرج يوسف من عند يعقوب وهو ابن ست سنين وجمع بينهما وهو ابن أربعين سنة* وعن الحسن قال ألقى يوسف فى الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة وكان فى العبودية ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثمانية وعشرين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة كاذا فى العرائس* قال وأقام يعقوب مع يوسف أربعا وعشرين سنة بأغبط حال واهنأ عيش وأتم سرور وقيل سبع عشرة سنة ثم حضرته الوفاة وأوصى يوسف أن يحمله الى الشام ويدفنه فى الارض المقدّسة عند أبيه وجده ففعل ذلك وجعله فى تابوت من ساج وحمله الى بيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 المقدس وخرج معه يوسف وعظماء أهل مصر ووافق يوم موته يوم موت أخيه عيص فدفنا فى قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعة وأربعين سنة وكانا توأمين ولدا فى يوم واحد وماتا فى يوم واحد وقبرا فى قبر واحد ثم عاد يوسف الى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة كما مرّ قاله الثعلبى فى العرائس والقاضى البيضاوى فى أنوار التنزيل وكذا فى المدارك فلما تم أمر يوسف طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت قيل ما تمناه نبىّ قبله ولا بعده فقال رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين فلما حضرته الوفاة جمع قومه من بنى اسرائيل وعرّفهم بحضور أجله وكانوا ثمانين رجلا فقالوا له يا نبىّ الله انا نحب أن تعلمنا بما يؤول اليه أمرنا بعد خروجك من بين أظهرنا فى أمر ديننا وملتنا قال لهم يوسف ان اموركم لم تزل مستقيمة على ما أنتم عليه من أمر دينكم حتى يظهر عليكم رجل جبار من القبط يدّعى الربوبية فيقهركم ويغلبكم ويذبح أبناءكم ويستحيى نساءكم ويسومكم سوء العذاب وتمدّ أيامه أياما مديدة ثم يخرج من بنى اسرائيل من ولد أخى لاوى رجل اسمه موسى بن عمران رجل جعد الشعر آدم اللون فينجيكم الله تعالى به من أيدى القبط قال فجعل كل رجل من بنى اسرائيل يسمى ولده عمران رجاء أن يكون ذلك النبىّ منه ديك يوسف قالوا وكان ليوسف ديك قد عمر خمسمائة سنة فقال لهم يوسف يستقيم أمركم ما دام هذا الديك يصرخ فيكم فاذا ولد هذا الجبار سكت فلا يصرخ مدّة ولايته حتى اذا انقضت أيامه وأذن بمولد هذا النبىّ صرخ كما كان يصرخ أوّلا فذلك علامة انقضاء ملكه وظهور نبىّ الله فى الارض قال فلم يزالوا على ما هم عليه الى أن سكت صراخ الديك فوجموا واكتأبوا وانهدمت أركان دينهم وطلع ما أعلمهم به يوسف من ولادة الجبار وظهوره فاعتزلوا الديك واجمعين الى أن عاد الديك الى صراخه فاستبشروا وفرحوا وتصدّقوا وأيقنوا بالفرج وكان يوسف عليه السلام قد أوصى قبل موته أخاه يهوذا واستخلفه على بنى اسرائيل ولما توفاه الله طيبا طاهرا بروح وريحان تخاصم فيه أهل مصر وتشاحوا فى دفنه كلّ يحب أن يدفن فى محلتهم حتى هموا بالقتال فاجتمع رأيهم على أن يعملوا له صندوقا من مرمر ويجعلوه فيه ويدفنوه فى النيل بمكان يمرّ عليه الماء ثم يصل الى مصر ليكونوا سواء فى الانتفاع ببركته ففعلوا وقد توارثت الفراعنة من العماليق بعد يوسف ولم تزل بنو اسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه ولم يزل يوسف مدفونا فى النيل حتى استخرجه موسى وبينهما أربعمائة سنة وحمله الى الشام حين خرج ببنى اسرائيل من مصر ودفنه بأرض كنعان خارج الحصن حيث هو اليوم فلذلك تنقل اليهود موتاهم الى الشام كذا فى عرائس الثعلبى* وسبب استخراجه أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام ان يسرى ببنى اسرائيل ليلا فأمر موسى قومه أن يسرجوا فى بيوتهم السرج حتى الصبح وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم فاشتغلوا بدفنهم حين أصبحوا حتى طلعت الشمس وخرج موسى فى ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدّون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستين لكبره* وعن ابن مسعود رضى الله عنه كان أصحاب موسى ستمائة ألف مقاتل وسبعين ألفا وعن عمرو بن ميمون قال كانوا ستمائة ألف مقاتل وكان يعقوب وأهل بيته يوم دخول مصر سبعين نفسا وبين دخول يعقوب وأهله مصر وبين خروج بنى اسرائيل منها على ما قيل أربعمائة سنة وست وثلاثون سنة فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون* نقل صندوق يوسف وفى العرائس لما خرجوا من مصر أظلمت عليهم الارض وتاهوا وضلوا عن الطريق فسأل موسى مشايخ بنى اسرائيل وعلماءهم عن ذلك فقالوا ان يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على اخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم* وفى العمدة أوصى أن لا يخرجوا حتى ينقلوا عظامه معهم قالوا فلذلك انسدّ عليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الطريق فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادى أنشدكم الله كل من يعلم قبر يوسف الا أخبرنى به ومن لم يعلم فصمت اذناه عن قولى فكان يمرّ بين الرجلين ينادى فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز يقال لها مريم بنت ما موسى فقالت أرأيتك ان دللتك على قبره أتعطينى كل ما سألتك فأبى عليها فقال حتى أسأل ربى فأمره الله بايتاء سؤلها فقالت انى عجوز كبيرة لا أستطيع المشى ما حملنى وأخرجنى من مصر هذا فى الدنيا وأما فى الآخرة فاسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة الا نزلتها معك قال نعم قالت انه فى جوف الماء فى النيل فادفع الله حتى يحسر عنه الماء فدعا الله فحسر عنه الماء ودعا أن يؤخر طلوع الفجر الى أن يفزغ من أمر يوسف فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه فى صندوق من مرمر وحمله حتى دفنه بالشام فلما أخرج التابوت ظهر الضوء وفتح لهم الطريق فاهتدوا وساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدّمتهم وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا فى طلب بنى اسرائيل حتى يصيح الديك فو الله ما صاح ديك تلك الليلة فخرج فرعون فى طلب بنى اسرائيل وعلى مقدّمته هامان فى ألف ألف وستمائة ألف وكان فيهم سبعون ألفا من دهم الخيل سوى سائر الشباب فكان فرعون يكون فى الدهم وقيل كان فرعون فى سبعة آلاف ألف وكان بين يديه مائة ألف ناشب ومائة ألف أصحاب حراب ومائة ألف أصحاب اعمدة فسارت بنو اسرائيل حتى وصلوا الى البحر والماء فى غاية الزيادة ونظروا فاذاهم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين وقالوا يا موسى كيف نصنع وأين ما وعدتنا هذا فرعون خلفنا ان أدركنا قتلنا والبحر أمامنا ان دخلناه غرقنا قال الله تعالى فلما تراآى الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون قال موسى كلا ان معى ربى سيهدين فأوحى الله اليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله اليه أن كنه فضربه وقال انفلق ابا خالد باذن الله فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فظهر فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبسا فخاضت بنو اسرائيل البحر كل سبط فى طريق وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضا فخافوا وقال كل سبط قد قتل اخواننا فأوحى الله عز وجل الى جبال الماء ان تشبكى فصار الماء شبكات كالطاقات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قوله تعالى واذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم من آل فرعون والغرق وأغرقنا آل فرعون وذلك ان فرعون لما وصل الى البحر ورآه منفلقا قال لقومه انظروا الى البحر انفلق من هيبتى حتى أدرك عبيدى الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه وقيل قالوا ان كنت ربا فادخل البحر كما دخل موسى وكان فرعون على حصان ادهم ولم يكن فى خيل فرعون فرس انثى فجاءه جبريل على فرس انثى ودفق فتقدّمهم وخاض البحر فلما شم ادهم فرعون ريحها اقتحم البحر فى اثرها ولم يملك فرعون من امره شيئا وهو لا يرى فرس جبريل واقتحمت الخيول خلفه البحر وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشدّهم ويسوقهم حتى لا يشذّ رجل منهم ويقول لهم الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر وخرج جبريل من البحر وهمّ أوّلهم بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وأغرقهم اجمعين وكان بين طرفى البحر أربع فراسخ وهو بحر قلزم طرف من بحر فارس قال قتادة هو بحر وراء مصر يقال له اساف* وفى انوار التنزيل والمدارك هو القلزم او النيل* وفى تفسير الحدّادى هذا البحر هو القلزم يسلك الناس فيه من اليمن الى مصر* وفى القاموس قلزم بلد بين مصر ومكة قرب جبل واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه وكان ذلك بمر أى من بنى اسرائيل ولما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو اسرائيل ما مات فرعون فأمر الله البحر فألقى فرعون فى الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو اسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل البحر ميتا أبدا* وفى انوار التنزيل قيل ان موسى لبث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فى القبط ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر سنين ثم عاد اليهم يدعوهم الى الله تعالى ثلاثين سنة ثم بقى بعد الغرق خمسين سنة فعلى هذا يكون عمره مائة وعشرين سنة وهارون كان اكبر من موسى بثلاث سنين وكذا فى الكشاف* وروى انه كانت النبوّة والملك متصلين بالشام ونواحيها لولد اسرائيل بن اسحاق الى أن زال عنهم بالفرس والروم بعد يحيى بن زكريا وبعد عيسى عليهم السلام* وفى الكامل نبئ موسى فى عهد منوجهر وكان ملك منوجهر بعد جدّه افريدون وكان منوجهر من ولد ايرج بن افريدون وكان مولده بدنياوند وقيل بالرىّ* وفى الكامل قيل موسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن لاوى بن يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم وأمّ موسى يوحانذ واسم امرأته صفورا ابنة شعيب النبىّ عليه السلام وكان فرعون مصر فى أيامه قابوس بن مصعب بن معاوية صاحب يوسف الثانى وكانت امرأته آسية ابنة مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد فرعون يوسف الاوّل* وكان من مولد موسى الى أن خرج بنو اسرائيل من مصر ثمانون سنة ثم صار الى التيه بعد ان مضى وعبر البحر وكان مقامهم هناك الى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة وكان ما بين مولد موسى الى وفاته فى التيه مائة وعشرين سنة وكان اسم فرعون موسى فيما ذكر الوليد بن مصعب* ذكر منوجهر سبط ايرج وفى نظام التواريخ للشيخ ناصر الدين البيضاوى ان منوجهر سبط ايرج بن افريدون لما توفى افريدون قام مقامه وولى عهده منوجهر وعين لكل بلاد حاكما ولكل قرية دهقانا وحفر الفرات وأجرى الماء الى العراق وعمل البساتين وغرس أنواع الاشجار واشتغل بعمارة الملك ولما بلغت مدّة ملكه ستين سنة قصده افراسياب بالعسكر العظيم فهرب منه منوجهر الى طبرستان ولم يتبعه افراسياب فوقع الصلح بينهما على أن يكون ماوراء جيحون وهو نهر بلخ لافراسياب فرجع وفى زمان منوجهر أرسل الله تعالى شعيبا الى أولاد مدين بن اسماعيل بن ابراهيم وبعث موسى وهارون الى فرعون وكان اسمه وليد بن مصعب وكان من أولاد عاد الذين بعثهم شدّاد لحكومة مصر وقصتهم معروفة مشهورة وبعد وفاة منوجهر سار أفراسياب الى فارس واشتغل بقتل العباد وتخريب البلاد ومدّة ملكه عشر سنين الى ان خرج زاب بن طهماسب من اسباط منوجهر وهرب منه افراسياب الى حدود بلاده واشتغل زاب باصلاح ما أفسده وخرّبه أفراسياب وأجرى نهر الماء الى العراق ويسمى ذلك زابين واشتغل بالعدل والانصاف ثلاثين سنة وفوّض ملكه الى ابن أخيه كرشاسف بن كشتاسف الذى كانت أمه بنت بنيامين بن يعقوب وكان ملكه عشر سنين وكان رستم المشهور بدلستان من نسله* وفى الكامل ولما هلك منوجهر ملك فارس أفراسياب من نسل رستم ملك على مملكة فارس وعظم ظلمه وخرب ما كان عامرا ودفن الانهار والقنا وقحط الناس سنة خمس من ملكه الى أن خرج من مملكة فارس ولم تزل الناس منه فى أعظم بلية الى أن ملك روذ بن طهماسب وطرد أفراسياب الترك عن مملكة فارس حتى ردّه الى الترك بعد حروب بينهما فكان أفراسياب على اقليم بابل ومملكة الفرس اثنتى عشرة سنة من لدن توفى منوجهر الى أن أخرج عنها رود وأمر باصلاح ما كان افراسياب أفسده من مملكتهم وبعمارة الحصون وأخرج المياه التى غوّر طرقها حتى عادت البلاد الى أحسن ما كانت ووضع عن الناس الخراج سبع سنين وعمرت البلاد فى ملكه* ثم ملك بعد رود كيقباد ابن زاع بن مبشر بن نود بن منوجهر وقدّر مياه الانهار والعيون لشرب الارض وسمى البلاد بأسمائها وحدّدها بحدودها وأخذ العشر من غلاتها لارزاق الجند وكان كيقباد حريصا على عمارة البلاد وجرت بينه وبين الترك حروب كثيرة وكان مقيما بقرب نهر بلخ وهو جيحون لمنع الترك عن طرق شتى من بلاده وكان ملكه مائة سنة* ومن الانبياء الذين كانوا فى زمان كيقباد حزقيل والياس واليسع وشمويل عليهم السلام ثم ملك بعد كيقباد ابن ابنه كيكاوس بن كبيسة بن كيقباد فلما ملك حمى بلاده وقتل جماعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وكان ملكه مائة وخمسين سنة ومن الانبياء والحكماء الذين كانوا فى زمان كيكاوس داود وسليمان ولقمان الحكيم ومن آثاره الرصد الذى ببابل* وملك بعد كيكاوس ابن ابنه كيخسرو وكان ملكه ستين سنة* ومن مشاهير الحكماء الذين كانوا فى عصر كيخسرو فيثاغورس الذى كان تلميذ داود ولقمان الحكيم روى أن كيخسرو لما حضرته الوفاة عهد الى ابن عمه كهراسب بن كرخى بن كيكاوس فهو ابن ابن كيكاوس فلما ملك اتخذ سريرا من ذهب فكاله بأنواع الجواهر وبنيت له بأرض خراسان مدينة بلخ وسماها الحسناء ودوّن الدواوين وقوّى ملكه باتخاذ الجنود وعمر الارض وجبى الخراج لارزاق الجند واشتدّت شوكة الجند فنزل مدينة بلح لقتالهم وكان محمودا عند أهل مملكته شديد القمع للملوك المجاورين له شديد التفقد لاصحابه بعيد الهمة عظيم البنيان ثم انه تنسك وفارق الملك واشتغل بالعبادة واستخلف ابنه كشتاسف فى الملك وكان ملك كهراسب مائة وعشرين سنة ومن الانبياء الذين كانوا فى عهد كهراسب أرميا وعزير عليهما السلام كذا فى نظام التواريخ* وملك بعده كشتاسب بن كهراسب وفى أيام كشتاسب ظهر زرادشت الذى ادّعى النبوّة وتبعه المجوس وكان زرادشت من أهل فلسطين يخدم لبعض تلامذة ارميا النبىّ خاصا به فخانه وكذب عليه فدعا الله تعالى عليه فبرص ولحق ببلاد أذربيجان وشرع بها دين المجوس وقيل انه كان من العجم وصنف كتابا وطاف به الارض فما عرف أحد معناه وزعم أنه لغة سمائية خوطب بها وسماه أمتا فسار الى اذربيجان الى فارس فلم يعرفوا ما فيه ولم يقبلوه فسار الى الهند وعرضه على ملوكها ثم أتى الصين والترك فلم يقبله احد وأخرجوه من بلادهم وقصد فرغانة وأراد ملكها أن يقتله فهرب منه وقصد كشتاسب بن كهراسب فأمر بحبسه فحبس مدّة وشرح زرادشت كتابه وسماه زند ومعناه النفيس ثم شرح النفيس بكتاب سماه بازند يعنى تفسير التفسير وفيه علوم مختلفة كالرياضات وأحكام النجوم والطب وغير ذلك من اخبار القرون الماضية وكتب الانبياء وفى كتابه تمسكوا بما جئتكم به الى أن يجيئكم صاحب الجمل الاحمر يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم وذلك على رأس ألف سنة وبسبب ذلك وقعت البغضاء بين المجوس والعرب ثم ان كشتاسف أحضر زرادشت وهو ببلخ فلما قدم عليه شرع له دينه فأعجبه واتبعه وقهر الناس على اتباعه وقتل منهم خلقا كثيرا حتى قبلوه وأما المجوس فيزعمون أن أصله من أذربيجان وانه نزل على هذا الملك من سقف ايوانه وبيده كبة من نار يلعب بها ولا تحرقه وكل من أخذها بيده لم تحرقه واتبعه الملك ودان بدينه وبنى بيوت النيران فى البلاد واشعل تلك النيران فى بيوتهم وأما المجوس فيزعمون أن النيران التى فى بيوت عبادتهم من تلك النار الى الآن وكذبوا فان النار التى للمجوس طفئت فى جميع البيوت لما بعث الله تعالى نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم وكان ظهور زرادشت بعد مضى ثلاثين سنة من ملك كشتاسب وأتاه بكتاب زعم انه وحى من الله تعالى فكتب فى جلد اثنتى عشرة ألف بقرة حفرا ونقشا بالذهب وجعله كشتاسب فى موضع باصطخر ومنع تعليمه للعامة وكان كشتاسب وآباؤه قبله يدينون بدين الصابئة* ومن الحكماء الذين كانوا فى زمان كشتاسب سقراط العابد تلميذ فيثاغورس وجاماسب المشهور فى علم النجوم كذا فى نظام التواريخ * (ذكر بخت نصر) * فى الكامل قد اختلف العلماء فى الوقت الذى أرسل فيه بخت نصر على بنى اسرائيل فقيل كان فى عهد ارميا ودانيال وحنينا وعزاريا ومسايل وقيل انما أرسله الله تعالى على بنى اسرائيل لما قتلوا يحيى بن زكريا والاوّل أكثر* وملك بهمن بن اسفنديار وكانت أمه من أولاد طالوت ولما ملك بهمن أمر على بابل ابرش من أسباط جاماسب بن كهراسب الذى كانت أمه بنت واحد من أنبياء بنى اسرائيل وأمره أن يبعث جميع بنى اسرائيل الى بيت المقدس ويعطى رياستهم من أرادوا فجمع ابرش بنى اسرائيل وأعطى رياستهم باتفاقهم دانيال وبعثهم الى مقامهم وأمر بعمارة بيت المقدس وكانت مدّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ملكه مائة واثنتى عشرة سنة وكان ذيمقراطيس الحكيم وبقراط الطبيب فى عصره* وملك دار ابن بهمن ابن اسفنديار وبنى مدينة بفارس سماها دارا بجرد وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة وكان أقلاطون الالهى تلميذ سقراط العابد فى زمان دارا* وملك بعده ابنه دارا بن داراوينى بأرض الجزيرة بقرب نصيبين مدينة مشهورة الى الآن وكان ملكه أربع عشرة سنة ومن حكماء عصره ارسطاطاليس تلميذ افلاطون* (ذكر الاسكندر الملقب بذى القرنين) * فى الكامل كان فيلقوس أبو الاسكندر اليونانى من أهل بلدة يقال لها مقدونية كان ملكا عليها وعلى بلاد اخرى فصالح دارا على خراج يحمله فيلقوس اليه كل سنة فلما هلك فيلقوس ملك بعده ابنه الاسكندر واستولى على بلاد الروم أجمع وقوى على دارا ولم يحمل اليه من الخراج شيئا وكان الذى يحمله بيضا من ذهب فسخط عليه دارا وكتب اليه يؤنبه بسوء صنيعه فى ترك حمل الخراج فوقعت المحاربة بينهما حتى قتل دارا وظفر الاسكندر ولما مات الاسكندر عرض الملك على ابنه الاسكندروس فأبى واختار العبادة وملك اليونان فيما قيل بطليموس ابن مرغوس وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة ثم ملك بعده بطليموس دميانوس أربعين سنة ثم ملك بعده بطليموس أو دايماطس أربعا وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس فيلا قطر احدى وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس افيغالس اثنتين وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس او دايماطس سبعا وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس من بناطر سبع عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس الاخشندر احدى عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس أخنعى ثمان سنين ثم ملكت بعده قالونطرى سبع عشرة سنة وهى من الحكماء وهؤلاء كلهم من اليونان وكل من كان بعد الاسكندر كان يدعى بطليموس كما كان يدعى ملوك الفرس أكاسرة وملوك الروم قياصرة* وقال بعض العلماء ان بطليموس صاحب المجسطى وغيره من الكتب لم يكن من هؤلاء الملوك وانما كان أيام ملوك الروم ثم ملك الشام فيما قيل بعد قالو نطرى ملك الروم وكان أوّل من ملك منهم جانوس بن مركوس خمسين سنة* ثم ملك بعده اغسطوس ستا وخمسين سنة ولما مضى من ملكه اثنتان وأربعون سنة ولد عيسى ابن مريم عليه السلام وقيل كان بين مولده وقيام الاسكندر ثلثمائة سنة وثلاث سنين كذا فى الكامل* وفى نظام التواريخ من الانبياء الكبار الذين كانوا فى أيام الملوك الاشكانيين جرجيس النبىّ فى الجزيرة وزكرياء ويحيى وعيسى عليهم السلام فى الشام* ومن الحوادث الكائنة فى أيامهم واقعة أصحاب الكهف وعيسى بعث فى أيام شابور ابن اشكان وهذا وقع فى البين وقطع اتصال الكلامين فلنرجع لما كنا فيه* بقية قصة اسماعيل عليه السلام روى ان اسماعيل كان ابن تسع وثمانين سنة حين توفى ابراهيم* وفى حياة الحيوان انّ أوّل من ركب الخيل اسماعيل عليه السلام ولذلك سميت العراب وكانت قبل ذلك وحشية كسائر الوحوش ولذلك قال نبينا صلّى الله عليه وسلم اركبوا الخيل فانها ميراث أبيكم اسماعيل وتزوّج اسماعيل فى حياة ابراهيم رعلة بنت عمرو فولدت له اثنى عشر ابنا أو عشرة وكان اكبرهم نابت* وفى المنتقى كان أحدهم قيدار وفى العرائس قال العلماء لما كبر اسماعيل وبلغ النكاح تزوّج امراة يقال لها السيدة بنت مضاض الجرهمية وهى التى قال لها ابراهيم اذا جاء زوجك قولى له قد أصلحت عتبة بابك وقد رضيتها لك فولدت لاسماعيل اثنى عشر ولدا منهم نابت وقيدار ومنهم العرب وقيل التى تزوّجها اسماعيل هالة بنت الحارث ابن عمرو الجرهمى* وروى ان الله بعث اسماعيل الى مارب من اليمن وحضرموت فدعاهم الى الاسلام خمسين سنة فآمن له قليل منهم وكان عمره مائة وسبعا وثلاثين سنة ولما حضرته الوفاة أوصى الى أخيه اسحاق أن يزوّج بنته نسيمة للعيص ففعل وتوفى اسماعيل بمكة ودفن فى الحجر مع امّه هاجر وتقول العرب هاجر وآجر فيبدلون الالف من الهاء كما قالوا هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 من أرض مصر قال ابن لهيعة أمّ اسماعيل هاجر من أمّ العرب قرية كانت أمام الغرما من أرض مصر وأمّ ابراهيم مارية سرية النبىّ صلّى الله عليه وسلم الّتى أهداها له المقوقس بن حقن من كورة أنصنا كذا فى سيرة ابن هشام وكان قيدار قد أعطى سبع خصال البأس والشدّة والصراع والرمى والقنص والفروسية واتيان النساء وكان صاحب ضفيرتين يخرج كل يوم الى قنصه وكان يسمع من قنصه ظبية كان أو طير الا تذبحنى حتى تسمى الله ولا تأكل مما لم يذكر اسم الله عليه وكان قد تزوّج مائة امرأة من بنات اسحاق فى سنة يظنّ ان المطهرات التى أمر بنكاحهنّ من ولد اسحاق طمعا أن يولد له منهنّ ولد ولم يحبلن فرجع يوما من قنصه وقد عيرته وحوش الجبال ونادته يا قيدار لو هممت بهذا النور الذى فى وجهك أن تضعه فى مستودعه لكان أفضل لك من اقتنائنا وقنصنا فاتق اله ابراهيم وقد آن لك أن يخرج نور أبى القاسم صلّى الله عليه وسلم من ظهرك فرجع قيدار الى أهله فزعا مرعوبا فحلف باله ابراهيم أن لا يأكل طيبا ولا يشرب باردا ولا يأتى أنثى حتى يأتيه بيان ما سمع من ألسن الوحوش فبينما هو قاعد مغموم اذ هبط عليه ملك من السماء فى صورة شاب فسلم عليه وقال يا قيدار قد ملكت الارض وقد أعطيت قوّة ابن عمك عيص وقد نقل اليك نور محمد صلّى الله عليه وسلم وانه كائن لك ولد من غير نسل اسحاق فلو قرّبت لاله ابراهيم قربانا يبين لك التزويج فقام قيدار فانطلق الى البقعة التى ربط فيها اسماعيل حين أريد ذبحه فقرب سبعمائة كبش وقال الهى ان كنت رازقى ولدا فتقبل قربانى وبين لى من أين أتزوّج وكان كلما ذبح كبشا نزلت نار من السماء فى سلسلة بيضاء فتحمل ذلك القربان الى السماء فلم يزل كذلك حتى نودى من السماء وقيل نودى من ورائه أن يكفيك يا قيدار قد استجيب دعاؤك وتقبل قربانك انطلق الى شجرة الوغد فنم فى أصلها وانته الى ما تؤمر به فى مناسك فانطلق قيدار فنام فى أصلها فهتف به هاتف فى منامه فقال له يا قيدار ان هذا النور الذى فى وجهك نور محمد صلّى الله عليه وسلم وهو النور الذى فتح الله به الانوار وخلق الدنيا لاجله وانه عربى لا ينبغى أن يجرى الا فى العربيات فابتغ لنفسك عربية وليكن اسمها الغاضرة فانتبه قيدار مسرورا ووجه فى شرق الارض وغربها من يطلبها له حتى وجد الغاضرة بنت ملك الجرهميين وكان من ولد ذهل بن عمرو بن يعرب بن قحطان الذى هو من نسل شيث فتزوّجها قيدار فولد له منها حمل وكانت ولادة حمل فى زمن يعقوب وانه قال انى لأجد فى صحف جدّى ابراهيم عليه السلام أنه يجرى نور هذا الحبيب المصطفى فى الرجال والنساء من نسل شيث لا يخالطه أحد من نسل قابيل كذا فى المنتقى* ولما ترعرع حمل أخذ قيدار بيده بعد ما أخذ عليه العهد والميثاق فى رعاية نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذهب به حتى اذا صار على جبل ثبير استقبله ملك الموت فى صورة رجل شاب وسلم عليه وقال له يا قيدار ناولنى أذنك لا سارّك فتقدّم اليه ليسارّه فقبض روحه من اذنه فخرّ ميتا فغضب ابنه حمل وقال يا هذا قتلت أبى قال له ملك الموت يا غلام انظر الى أبيك أميت هو فانكب لينظر الى أبيه فغاب ملك الموت عن عينه فالتفت حمل عن يمينه وشماله فلم ير احدا فعلم أنه ملك الموت وقيض الله له واحدا من أولاد اسرائيل فغسل أباه وكفنه وفى جبل ثبير دفنه وبقى حمل يتيما يكلأه الله ويرعاه حتى بلغ فتزوّج امرأة من قومه يقال لها سعيدة فولد له منها نبت وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ يسير بسيرة حسنة يحب القنص ويتبع آثار آبائه فولد له الهميسع ولهميسع أدد وانما سمى أدد لانه كان مديد الصوت طويل العز والشرف وقيل أوّل من تعلم بالقلم من ولد اسماعيل أدد فضل بالكتابة على اهل زمانه فولد له عدنان كذا فى سيرة مغلطاى وانما سمى عدنان لان أعين الجنّ والانس كانت اليه وأراد واقتله وقالوا لئن تركنا هذا الغلام حتى يدرك مدارك الرجال ليخرجنّ من ظهره من يسود الناس فوكل الله عز وجل به من يحفظه ولم تعلم ملته وكان فيه نور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء ومن عدنان تفرّقت القبائل من ولد اسماعيل فولد لعدنان ابنان معدّ بن عدنان وعك بن عدنان* وفى غيره تزوّج عدنان امرأة من قومه يقال لها الامينة فولدت له معدّا انتهى فصارعك فى دار اليمن لان عكا تزوّج فى الاشعريين منهم وأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والاشعريون هم بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو ابن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وقحطان عند جمهور العلماء بالنسب أبو اليمن كلها واليه يجتمع نسبها والعرب كلها عندهم من ولد اسماعيل وقحطان* قال ابن اسحاق وجماعة ان قحطان هو ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد اسماعيل واسماعيل أبو العرب كلها والله أعلم وأما معدّ بن عدنان ففيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعرف ملته وانما سمى معدّا لانه كان صاحب حروب وغارات على بنى اسرائيل ولم يحارب أحدا الارجع بالنصر والظفر* وفى الاكتفاء ذكر الزبير بن بكار أن بخت نصر لما أمر بغز وبلاد العرب وادخال الجنود عليهم فيها وقتل مقاتلتهم لانتهاكهم معاصى الله تعالى واستحلالهم محارمه وقتلهم أنبياء وردّهم رسالاتهم امر ارميا بن حلقيا وكان فيما ذكر نبىّ بنى اسرائيل فى ذلك الزمان أن ائت معد بن عدنان الذى من ولده محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاتم النبيين فأخرجه عن بلاده واحمله معك الى الشام وتول أمره قبلك ويقال بل المحمول عدنان والاوّل أكثر* وفى حديث ابن عباس ان الله بعث ملكين فاحتملا معدّا فلما أدبر الامر ردّاه فرجع الى موضعه من تهامة بعد ما رفع الله بأسه عن العرب فكان بمكة وناحيتها مع أخواله من جرهم وبها منهم بقية وهم ولاة البيت يومئذ فاختلط بهم وناكحهم فولد معد بن عدنان نفرا منهم قضاعة وكان بكره الذى به يكنى فيما يزعمون وقنص بضم القاف وفتحها وفتح النون كذا ضبطه الحافظ عبد الكريم ونزار واياد أما قضاعة فتيامنت الى حمير بن سبأ يروى انه واضع الخط العربى قال ابن هشام أوّل من كتب الخط العربى حمير بن سبأ علمه مناما قال ابن عبد البر عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أوّل من كتبه اسماعيل عليه السلام قال شارح القصيدة العقيلية للشاطبى هو الخط الكوفى استنبط منه نوع نسب الى ابن مقلة ثم آخر نسب الى علىّ بن البوّاب وعلى هذا استقرّ رأى الكتاب انتهى وانتمت قضاعة الى ابن حمير مالك بن حمير حتى قال قائلهم يفتخر بذلك نحن بنو الشيخ الهجان الازهر ... قضاعة بن مالك بن حمير والنسب المعروف غير المنكر وأنكر كثير من الناس منتماهم هذا وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم فيما زعموا وكان منهم النعمان بن المنذر ملك حمير وقد ذكر أيضا فى بنى معد الضحاك بن معد* ذكر الزبير باسناد له الى مكحول قال اغار الضحاك ابن معدّ على بنى اسرائيل فى أربعين رجلا من بنى معد عليهم دراريع الصوف خاطمى خيلهم بحبال الليف فقتلوا وسبوا وظفروا فقالت بنو اسرائيل يا موسى ان بنى معدا غاروا علينا وهم قليل فكيف لو كانوا كثيرا وأغاروا علينا وأنت بيننا فادع الله عليهم فتوضأ وصلّى وكان اذا أراد حاجة من الله صلّى ثم قال يا رب ان بنى معد أغاروا على بنى اسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا فسألونى ان أدعوك عليهم فقال الله لا تدع عليهم فانهم عبادى وانهم ينتهون عند أوّل أمرى وان فيهم نبيا أحبه وأحب أمته قال يا رب ما بلغ محبتك له قال اغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر قال يا رب ما بلغ محبتك لامته قال يستغفرنى مستغفرهم فاغفر له ويدعونى داعيهم فاستجيب له قال يا رب فاجعلهم من أمتى قال نبيهم منهم قال يا رب فاجعلنى منهم قال تقدّمت واستأخروا قال الزهرى وحدّثنى علىّ بن المغيرة قال لما بلغ بنو معدّ عشرين رجلا أغاروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 على عسكر موسى عليه السلام فدعا عليهم فلم يجب فيهم ثلاث مرّات فقال يا رب دعوتك على قوم فلم تجبنى فيهم بشىء فقال يا موسى دعوتنى على قوم منهم خيرتى فى آخر الزمان* وأما نزار بن معد فلم تدر ملته وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى نزارا بكسر النون من النزر وهو القليل لان معدا نظر الى نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجهه فقرّب له قربانا عظيما وقال لقد استقللت لك هذا القربان وانه نزر قليل فسمى نزار او خرج أجمل أهل زمانه وأكثرهم عقلا* وفى الوفاء يقال ان قبر نزار بن معد وقبر ابنه ربيعة بن نزار بذات الجيش قرب المدينة وتزوّج امرأة يقال لها عبيدة فولدت له مضر وكان مسلما على ملة ابراهيم وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى مضر لانه أخذ بالقلب ولم يكن يراه أحد الا أحبه يقال انه هو أوّل من سنّ الحداء للابل وكان من أحسن الناس صوتا وقيل بل أوّل من سنّ الحداء للابل عبد له ضرب مضر يده ضربا وجيعا فقال يا يداه يا يداه فشرع يحدو وكان حسن الحداء* وفى الاكتفاء ولد نزار بن معدّ أربعة بنين مضر وربيعة وأنمارا وايادا واليه دفع أبوه حجابة الكعبة فيما ذكره الزبير وأمهم سودة بنت عك بن عدنان وقيل هى أمّ مضر خاصة وأم اخوته الثلاثة اختها شقيقة بنت عك بن عدنان وقد قيل ان ايادا شقيق لمضر أمهما معا سودة فأنمار هو أبو بجيلة وخثعم وقد تيامنت بجيلة الا من كان منهم بالشام والمغرب فانهم على نسبهم الى أنمار بن نزار وجرير بن عبد الله صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيد من سادات بجيلة وله يقول القائل لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله وكذا تيامنت الدار أيضا بخثعم وهم بنو قيل بن أنمار وانما خثعم جبل تحالفوا عنده فسموا به وهم بالسراة على نسبهم الى أنمار ولذا لما كانت بين مضر واليمن فيما هنالك حرب كانت خثعم مع اليمن على مضر قصة الافعى الجرهمى ويروى أن نزارا لما خضرته الوفاة قسم ماله بين بنيه الاربعة مضر وربيعة واياد وانمار فقال هذه القبة لقبة كانت له حمراء من أدم وما أشبهها من المال لمضر وهذا الخباء الاسود وما أشبهه لربيعة وهذه الخادم وكانت شمطاء وما أشبهها لاياد وهذه البدرة والمجلس لانمار يجلس فيه وقال لهم ان أشكل عليكم الامر فى ذلك واختلفتم فى القسمة فعليكم بالافعى الجرهمى وكان بنجر ان فلما مات نزار اختلفوا بعده وأشكل أمر القسمة عليهم فتوجهوا الى الافعى فبينما هم فى مسيرهم اليه اذر أى مضر كلأ قدرعى فقال ان البعير الذى رعى هذا لأعور وقال ربيعة وهو أزور وقال اياد وهو أبتر وقال أنمار وهو شرود فلم يسيروا الا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مضر أهو أعور قال نعم قال ربيعة أهو أزور قال نعم قال اياد أهو أبتر قال نعم قال أنمار أهو شرود قال نعم هذه والله صفة بعيرى دلونى عليه فحلفوا له أنهم ما رأوه فلزمهم وقال كيف أصدّقكم وأنتم تصفون بعيرى بصفته فساروا حتى وصلوا نجران ونزلوا بالافعى الجرهمى فنادى صاحب البعير هؤلاء أصابوا بعيرى فانهم وصفوا لى صفته ثم قالوا لم نره أيها الملك فقال الافعى كيف وصفتموه ولم تروه فقال مضر رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعرفت انه أعور وقال ربيعة رأيت احدى يديه ثابتة الاثر والاخرى فاسدة الاثر فعلمت أنه أفسدها بشدّة وطئه لازوراره وقال اياد عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصع به وقال أنمار عرفت انه شرود لانه كان يثوى فى المكان الملتف نبته ثم يجوزه الى مكان أرق منه وأخبث قال الافعى للشيخ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم وقال تحتاجون الىّ وأنتم كما أرى ثم خرج عنهم وأرسل لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا فقال مضر لم أر كاليوم خمرا أجود لولا انها نبتت على قبر وقال ربيعة لم أر كاليوم لحما أطيب لولا انه ربى بلبن كلبة وقال اياد لم أر كاليوم خبزا اجود لولا ان التى عجنته حائض وقال أنمار لم أر كاليوم رجلا أسرى لولا انه ليس لابيه الذى يدعى له وكان الافعى وكل بهم من يسمع كلامهم فأعلمه بما سمع منهم فطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 صاحب شرابه وقال الخمر التى جئت بها ما قصتها قال هى من حبلة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب منها وسأل الراعى عن امر اللحم قال لحم شاة أرضعتها من لبن كلبة ولم يكن فى الغنم اسمن منها فدخل داره وسأل الامة التى عجنت العجين فأخبرته انها كانت حائضا فأتى أمه وسأل منها فأخبرته انهما كانت تحت ملك لا يولد له ذرّية فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطئها فأتت به فعجب من أمرهم ودس عليهم من يسألهم عما قالوا فقال مضر انما علمت انها من كرمة غرست على قبر لان الخمر اذا شربت أزالت الهمّ وهذه بخلاف ذلك لاننا لما شربناها دخل علينا الغم* وفى الاكتفاء قال مضر لانه أصابنا عطش شديد وقيل لان الكرم اذا نبت على قبور يكون انفعاله قليلا وقال ربيعة انما علمت انه لحم شاة رضعت من كلبة لان لحم الضأن وسائرا للحوم يكون شحمها فوق اللحم الا لحم الكلب فانه عكس ذلك فرأيته موافقا له فعلمت أنه لحم شاة رضعت من كلبة فاكتسب اللحم منها هذه الخاصية* وفى الاكتفاء قال ربيعة لان لحم الكلب يعلو شحمه وقيل لانى شممت منه رائحة الكلبة وقال اياد انما علمت أن الملك ليس لابيه الذى يدعى اليه لانه صنع طعاما ولم يأكل معنا فعرفت ذلك من طباعه لان أباه لم يكن كذلك وقال انمار انما علمت أن الخبز عجنته حائض لان الخبز اذافت انتفش فى الطعام وهو بخلاف ذلك فقال ما هؤلاء الا شياطين ثم أتاهم فقال لهم قصوا علىّ قصتكم فقصوا عليه ما أوصى به أبوهم وما كان من اختلافهم فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر فصارت اليه الدنانير والابل وهى حمر فسميت مضر الحمراء قال وما أشبه الخباء الاسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت له الخيل وهى دهم فسمى ربيعة الفرس قال وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال فيه بلق فهو لاياد فصارت له الماشية البلق وقضى لانمار بالدارهم والارض فساروا من عنده على ذلك* وكان يقال ربيعة ومضر هما الصريحان من ولد اسماعيل وروى ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا تنسبوا مضر وربيعة فانهما كانا من المسلمين وقال صلّى الله عليه وسلم فيما روى عنه اذا اختلف الناس فالحق مع مضر وسمع صلّى الله عليه وسلم قائلا يقول انى امرؤ حميرى حين تنسبنى ... لا من ربيعة آبائى ولا مضرا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك أبعد لك من الله تعالى ورسوله ومما يؤثر من حكم مضر بن نزار ووصاياه من يزرع شرّا يحصد ندامة وخير الخير أعجله فاحملوا أنفسكم على مكروهها فيما أصلحكم واصرفوا عن هواها فيما أفسدها وليس بين الاصلاح والافساد الاصبر فواق* وتزوّج مضر خزيمة فولدت له الياس بكسر الهمزة عند ابن الانبارى وبفتحها عند قاسم بن ثابت ضدّ الرجاء واللام فيه للتعريف والهمزة للوصل قال السهيلى هذا أصح كذا فى المواهب اللدنية واسم الياس حبيب كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى الياس لان مضر كان قد كبر ولم يولد له ولد فولد على الكبر واليأس فسماه الياس* وفى حياة الحيوان كان الياس مؤمنا وكان يسمع من صلبه تلبية النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالحج فيتعجب منه* وفى عبارة المنتقى وكان يسمع أحيانا من ظهره دوى تلبية رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تزل العرب تعظم الياس بن مضر تعظيم أهل الحكمة كلقمان وأشباهه وكان يدعى كبير قومه وسيد عشيرته ولا يقطع أمر ولا يقضى لهم دونه* وفى الاكتفاء فولد مضر بن نزار ابنين الياس بن مضر وغيلان بن مضر قال الزبير أمهما الخنفاء بنت اياد بن معد وقال ابن هشام أمهما جرهمة ولما أدرك الياس بن مضر أنكر على بنى اسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرهم وبان فضله عليهم وألان جانبه لهم حتى جمعهم وردّهم على سنن آبائهم وهو أوّل من أهدى البدن الى البيت أو فى زمانه وأوّل من وضع الركن للناس بعد هلاكه حين غرق البيت وانهدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 زمن نوح عليه السلام فكان أوّل من سقط عليه الياس أوفى زمانه فوضعه فى زاوية البيت للناس ومن الناس من يقول انما هلك الركن بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وهو الاشبه ان شاء الله تعالى فتزوّج الياس بن مضر امرأة يقال لهامخه* وفى حياة الحيوان خندف فولدت له مدركة وكان اسمه عامرا قال ابن اسحاق ويقال عمرو وانما سمى مدركة لانه أدرك كل عز كان فى آبائه وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء فولد الياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة وطابخة وقعة وأمهم خندف بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة واسمها ليلى واسم مدركة عامر واسم طابخة عمرو واسم قمعة عمير وانما حالت أسماؤهم الى الذى ذكرناه أوّلا عنهم فيما ذكروا أن أرنبا أنفرت ابل الياس بن مضر فصاح ببنيه هؤلاء أن يطلبوا الابل والارنب فأما عمير فاطلع من المظلة ثم قمع فسمى قمعة وخرج عامر وعمرو فى آثار الابل وخرجت أمهم ليلى تسعى خلفهم فقال لها زوجها الياس أين تخندفين أى تسعين فسميت خندف ومرّ عامر وعمرو بظبى فرماه عمرو فقتله ويقال بل رمى الارنب التى نفرت الابل فقال له عامر اطبخ صيدك وأنا أكفيك الابل فطبخ عمرو فسمى طابخة وأدرك الابل عامر فسمى مدركة واشتهر بنو خندف هؤلاء بأمهم خندف للذى سار من فعلها فى الناس وكانت وفاة الياس يوم الخميس فولد مدركة بن الياس نفرا منهم خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة وأمهما امرأة من قضاعة قيل هى سلمى بنت سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وقيل غير ذلك كذا فى الاكتفاء وقال فى غيره اسم أم خزيمة قزيمة وانما سمى خزيمة تصغير خزمة لانه خزم نور آبائه وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبقى سنين لا يدرى كيف يتزوّج حتى أرى فى منامه أن تزوّج برّة بنت طابخة فتزوّجها وكانت يومئذ سيدة قومها فى الحسن والجمال فولدت له كنانة* وفى الاكتفاء فولد خزيمة بن مدركة كنانة وأسدا وأسدة والهون وأم كنانة منهم عوانة بنت سعد بن قيس بن غيلان بن مضر وقيل هند بنت عمرو بن قيس ابن غيلان قرأته بخط أحمد بن يحيى بن جابر وأمّ سائر بنيه برة بنت مرّ أخت تميم بن مر بن أدبن طابخة وفى كنانة نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى كنانة لانه لم يزل فى كن من قومه فتزوّج كنانة ريحانة فولدت له النضر بن كنانة واسمه قيس كذا فى المنتقى والمواهب اللدنية وانما سمى النضر لنضارة وجهه وجماله* وفى ذخائر العقبى أم النضربرة بنت مرّ أخت تميم بن مر فهى مرية وثالثة عشر من الجدّات الابويات النبويات فتميم أخوال قريش لان قريشا من النضر تقرّشت* وفى المنتقى هو الذى اختاره الله تعالى بالبسط وسماه قريشا وكل من ولد من النضر فهو قرشى ومن لم يلده النضر فليس بقرشى* وفى أنوار التنزيل وقريش ولد النضر بن كنانة منقول من تصغير قرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن ولا تطاق الا بالتار فسموا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وتصغير الاسم للتعظيم وكذا عبارة المدارك بعينها الا أن فيها سموا بذلك لشدّتهم ومنعتهم تشبيها بها وعن ابن عباس وقد سئل عن سبب تسميتهم قريشا قال بدابة فى البحر من أحسن دوابه لا تدع شيئا من الغث والسمين الا أتت عليه يقال لها القرش وأنشد الجمحى وقريش هى التى تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا سلطت بالعلوّ فى لجة البحر ... على ساكنى البحور جيوشا تأكل الغث والسمين ولا ... تترك منهم لذى الجناحين ريشا هكذا فى البلاد حى قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا ولهم آخر الزمان نبىّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا تملأ الارض خيله ورجال ... يحشرون المطىّ حشر المليشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وقيل من القرش وهو الجمع والكسب لانهم كانوا كاسبين بتجاراتهم وضربهم فى البلاد* وفى ذخائر العقبى قريش هو فهر بن مالك وقيل النضر بن كنانة وهو قول ابن اسحاق* وفى المواهب اللدنية واسم فهر بن مالك قريش واليه تنسب قريش فما كان فوقه فكنانى لا قرشى وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة ومالك بن كنانة وعبد مناة بن كنانة وملكان ابن كنانة فأم النضر برّة بنت مرّ بن أدبن طابخة بن الياس بن مضر وسائر بنيه لامرأة أخرى قال ابن هشام امّ النضر ومالك وملكان برّة بنت مر وامّ عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أسد شنوءة سموا شنوءة لشنآن كان بينهم والشنآن البغض قال ابن هشام النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشى ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى* وفى الاكتفاء فولد كنانة بن خزيمة جماعة منهم النضر وبه كان يكنى ونضر ومالك وملكان وعمرو وعامر وأمهم برة بنت مر خلف عليها كنانة بعد أبيه خزيمة على ما كانت الجاهلية تفعله فى الجاهلية اذا مات الرجل خلف على زوجته أكبر بنيه من غيرها فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف ويقال ان برّة هذه أهديت أوّلا الى خزيمة بن مدركة قالت له انى رأيت فى المنام كأنى ولدت غلامين من خلاف بينهما سائبا فبينما أنا أتأمّلهما اذا أحدهما أسد يزأر والآخر قمر ينير فأتى خزيمة كاهنة بتهامة فقص عليها الرؤيا فقالت لئن صدقت فى رؤياها لتلدنّ منك غلاما يكون لولده قلوب باسلة ثم لتموتن عنها فيخلف عليها ابن لك فتلد منه غلاما يكون لولده عدل وعدد وقروم مجد وعز الى آخر الابد ثم توفى خزيمة فخلف عليها كنانة بعد أبيه فولدت له النضر واخوته وأتى أباه كنانة آت وهو نائم فى الحجر فقيل له تخير يا أبا النضر بين الصهيل والهدر وعمارة الجدر وعز الدهر فقال كل يا رب فصار هذا كله فى قريش* قال الشيخ تاج الدين عبد الباقى بن العمك اليمنى فى كتاب غريب الشفاء ولنذكر هنا فائدة جليلة وهى الذى عليه أكثر أهل السير أن كنانة خلف على برّة بعد أبيه خزيمة على عادة أهل الجاهلية فى أن أكبر ولد الرجل يخلف على زوجته اذا لم يكن منها وهو مشكل لان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول كلنا نكاح ليس فينا سفاح ما ولدت من سفاح أهل الجاهلية وذكر السهيلى وغيره أعذارا منها أن الله تعالى يقول ولا تنتكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف أى ما قد سلف تحليل ذلك قبل الاسلام وفائدة هذا الاستثناء أن لا يعاب نسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليعلم أنه ليس فى أجداده سفاح ألا ترى انه لم يقل فى شىء نهى عنه فى القرآن الا ما قد سلف الا فى هذه الآية وفى الجمع بين الاختين وما عدا ذلك فلا* وذكر الحافظ أبو عثمان عمرو بن بحر فى كتاب له سماه كتاب الاصنام قال وخلف كنانة بن خزيمة بن مدركة على زوجة أبيه بعد وفاته وهى برة بنت أدّبن طابخة بن الياس بن مضر وهى أمّ أسد بن الهون بن خزيمة ولم تلد لكنانة ولدا وكانت ابنة أخيها وهى برة بنت مرّ بن طابخة تحت كنانة بن خزيمة فولدت له النضر بن كنانة قال وانما غلط كثير من الناس لما سمعوا ان كنانة خلف على زوجة أبيه برّة لاتفاق اسمهما وتقارب نسبهما قال هذا الذى عليه مشايخنا من أهل العلم بالنسب قال ومعاذ الله أن يكون أصاب النبى صلّى الله عليه وسلم مقت نكاح وقال من اعتقد غير ذلك فقد أخطأ وشك فى الخبر ويؤيد ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم تنقلت فى الاصلاب الزكية الى الارحام الطاهرة* قلت ويؤيد ذلك ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى وتقلبك فى الساجدين أى من نبىّ الى نبىّ حتى أخرجتك نبيا انتهى فعلى هذا التقدير لم تكن رؤيا برة المذكورة سابقا من انها رأت فى المنام كأنها ولدت غلامين الى آخرها ثابتة صحيحة والنضر هو جماع قريش فى قول طائفة من أهل العلم بالنسب والاكثر على ان فهر بن مالك بن النضر هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 قريش فمن كان من ولده فهو قرشى ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى وذكر الزبير أن هذا هو رأى كل من أدرك من نساب قريش* وفى المنتقى والنضر هو الذى رأى فى منامه وهو نائم فى الحجر شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان بعدد الاوّلين والآخرين وقد ارتفع بعض أغصانها الى السماء وله نور فى نور الشمس وقد تعلق به قوم بيض الوجوه من لدن ظهره فلما انتبه أتى الكاهنة فأخبرها بذلك فقالت لئن صدقت رؤياك لقد صرف اليك العز وخصصت باسم ونسب لم يخص به من كان قبلك فتزوّج النضر ابن كنانة هند بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان فهى قيسية وثانية عشر من الجدات النبويات الابويات فولدت له مالكا وانما سمى مالكا لانه ملك العرب* وفى سيرة ابن هشام فولد النضر ابن كنانة رجلين مالك بن النضر ويخلد بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان ولا أدرى أهى أم يخلد أولا قال ابن هشام والصلت بن النضر فيما قال أبو عمرو الدانى أمهم جميعا بنت سعد ابن ظرب العدوانى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان* وفى الاكتفاء فولد النضر بن كنانة مالكا ويخلد والصلت انتهى وتزوّج مالك جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض الجرهمى فهى جرهمية وحادية عشرة من الجدّات النبويات فولدت له فهر بن مالك وهو جماع قريش عند الاكثر* قال الزبير قد أجمع النساب من قريش وغيرهم على أن قريشا انما تفرّقت عن فهر* وفى الاكتفاء ويقال ان قريشا هو اسمه الذى سمته به امّه ولقبته فهرا فتزوّج سلمى بنت سعد ابن هذيل فهى هذلية وعاشرة الجدّات النبويات فولدت له غالبا* وفى الاكتفاء فولد فهر بن مالك غالبا ومحاربا والحارث وأسدا وأختهم جندلة وأمهم جميعا ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركه فتزوّج غالب وحشية بنت مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن كنانة فهى كنانية وتاسعة الجدّات النبويات فولدت له لويا بالهمز تصغير اللأى وهو الثور* وفى الاكتفاء فولد غالب بن فهر لؤيا وتيما وهو الازرم كان منقوص الذقن ويقال لقومه بنو الازرم وأمهما فى قول ابن اسحاق سلمى بنت عمر والخزاعى وفى قول الزبير عاتكة بنت يخلد بن النضر* قال ابن هشام وقيس بن غالب وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعى فتزوّج لؤى بن فهر سلمى بنت محارب من فهم أو فهر الخط فى الاصل توهم فهى فهمية أو فهرية وثامنة الجدّات النبويات فولدت كعبا وكان يوم الجمعة يسمى يوم العروبة فكعب أوّل من سماه الجمعة لاجتماع قومه اليه فيه فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويعلمهم بأنه من ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد فى ذلك أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهد نجواء دعوته ... اذا قريش تبغى الحق خذلانا وفى الاكتفاء فولد لؤى بن غالب كعبا وعامر اوسامة وعوفا وسعدا وخزيمة* وفى سيرة ابن هشام فأم كعب وعامر وسامة ماوية بنت كعب بن القين بن جسر بن قضاعة* قال ابن هشام ويقال والحارث بن لؤى وهم جشم بن الحارث بن هزان بن ربيعة وامّ بنى لؤى كلهم الاعامر بن لؤى ماوية بنت كعب بن القين بن جسر وامّ عامر بن لؤى مخشبة بنت شيبان بن محارب بن فهر فدخل بنو خزيمة فى شيبان بن ثعلبة ويسمون فيهم بعائدة وهى امرأة من اليمن كانت أمّ بنى عبيد بن خزيمة بن لؤى فنسبوا اليها وكذلك دخل بنو سعد أيضا فى شيبان بن ثعلبة ويسمون فيهم ببنانة خاضنة كانت لهم من بنى القين من قضاعة وقيل بنت النمر بن قاسط من ربيعة فنسبوا اليها* قال ابن اسحاق وأما سامة بن لؤى فخرج الى عمان ويزعمون ان عامر بن لؤى أخرجه وذلك انه كان بينهما شىء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج الى عمان فيزعمون ان سامة بن لؤى بينما هو يسير على ناقته اذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها فهصرتها حتى وقعت النافة لشقها ثم نهشت سامة فى ساقة فقتلته* قال ابن اسحاق وأما عوف بن لؤى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فانه خرج فيما يزعمون فى ركب من قريش حتى اذا كان فى أرض غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان أبطأ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه فى نسب بنى ذبيان ثعلبة بن سعد ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان فحبسه والطاطه وآخاه وزوّجه فانتسب بتلك المؤاخاة الى سعد ابن ذبيان الى ثعلبة وثعلبة فيما يزعمون هو القائل احبس علىّ ابن لؤى جملك ... تركك القوم ولا منزل لك وأما كعب بن لؤى وعامر بن لؤى فهما أهل الحرم وصريح ولد لؤى وكان كعب منهما عظيم القدر فى العرب وأرّخوا بموته اعظاما له الى ان كان عام الفيل فأرّخوا به وكان بين موته والفيل فيما ذكروا خمسمائة سنة وعشرون سنة كذا فى الاكتفاء* وفى شواهد النبوّة بين موت كعب ومبعث نبينا صلّى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة وتزوّج كعب وحشية بنت شيبان بن محارب من فهم فهى فهمية أيضا وسابعة الجدّات النبويات فولدت له مرّة* وفى الاكتفاء فولد كعب بن لؤى مرّة وهصيصا وعديا وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهم بن مالك وقيل ان أمّ عدى وحده امرأة من فهم وهى حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن غيّلان بن مضر بن نزار فتزوّج مرّة نعمى بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة فهى كنانية وسادسة الجدّات النبويات الابويات فولدت له كلابا واسمه حكيم وقيل عروة كذا فى سيرة مغلطاى والمواهب اللدنية وهو اما منقول من المصدر الذى فى معنى المكالبة نحو كالبت العدوّ مكالبة وكلابا واما من الكلاب جمع كلب لانهم يريدون الكثرة كما يسمون بسباع* نفيسة فى تسمية العرب أولادها بشر الاسماء وسئل اعرابى لم تسمون أولادكم بشرّ الاسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الاسماء نحو مرزوق ورباح فقال انما نسمى أبناءنا لاعدائنا وعبيدنا لانفسنا يريدون ان الابناء عدّة للاعداء وسهام فى نحورهم فاختاروا لهم هذه الاسماء* وفى الاكتفاء فولد مرّة بن كعب كلابا وتيما ويقطة قال ابن اسحاق فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة بن خزيمة وأم يقطة البارقية امرأة من بارق الاسد من اليمن ويقال هى أم تيم ويقال تيم لهند بنت سرير بن كلاب كذا فى سيرة ابن هشام فتزوّج كلاب فاطمة بنت سعد من ازد السراة فهى أزدية وخامسة الجدّات النبويات* فولدت له قصيا واسمه زيد وقال الشافعى يزيد فيما حكاه أبو احمد كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى الاكتفاء فولد كلاب رجلين قصيا وزهرة وأمهما فاطمة بنت سعد ابن سيل أحد الجدرة من خثعمة الاسد من اليمن واسم سيل خير وانما سمى سيلا لطوله وسيل اسم جبل وهو خير بن حماله بن عوف بن غنم بن عامر الجادر بن عمرو بن خثعمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نضر بن الازد وسمى عامر الجادر لانه بنى جدار الكعبة كان وهى من سيل أتى أيام ولاية جرهم البيت وكان عامر تزوّج منهم بنت الحارث بن مضاض وقيل لولده الجدرة لذلك وذكر الشرقى بن القطامى أن الحاج كانوا يتمسحون بها ويأخذون من طينها وحجارتها تبرّكا بذلك فان عامرا هذا كان موكلا باصلاح ما شعث من جدرها فسمى الجادر والله أعلم وسعد بن سيل جدّ قصى بن كلاب هو أوّل من حلى السيف بالفضة والذهب وأهدى الى كلاب بن مرّة مع ابنته فاطمة سيفين محليين فجعلا فى خزانة الكعبة وقصى هو الذى جمع الله به قريشا وكان اسمه زيدا فسمى مجمعا لما جمع من أمرها قال الشاعر أبوكم قصىّ كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر وسمى قصيا تصغير قصى لتقصيه أى تبعده عن بلاد قومه فى بلاد قضاعة مع امه فاطمة بعد وفات أبيه كلاب بن مرّة وذلك انه لما هلك أبوه كلاب بن مرّة خلف ولديه زهرة وقصيا مع أمهما فاطمة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 سعد بن سيل بن عذره وزهرة حينئذ رجل وقصى فطيم فقدم مكة بعد مهلك كلاب حاج من قضاعة فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد كبير بن عذره فتزوّج فاطمة بنت سعد فاحتملها الى بلاده فاحتملت ابنها قصيا لصغره وأقام زهرة فى قومه فولدت فاطمة لربيعة رزاحا فكان أخا قصى لامه وكان لربيعة بنون ثلاثة من امرأة اخرى وهم حن ومحمود وجلهمة بنى ربيعة وأقام قصى مع امه فى أرض قضاعة لا ينسب الا الى ربيعة ابن حزام الى أن كبر وخرج فى حاج قضاعة فى الشهر الحرام حتى قدم مكة الى قومه وهذا سبب تسميته قصيا فخرج قصى شابا جميلا ورجلا جلد او عالم قريش وأقومها بالحق وأوّل من ولى سدانة البيت الكعبة من قريش* قال ابن اسحاق بعد اخراج جرهم وقطورا من مكة ثم ان غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة وكان الذى يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشانى وقريش اذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرّقون فى قومهم من بنى كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية على لفظ المنسوب الى حبشة قال ابن هشام ويقال حبشة يعنى بضم الحاء وسكون الباء الموحدة ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى* وفى الاكتفاء وخطب قصى الى حليل ابنته حبى فعرف حليل النسب ورغب فى الرجل فزوّجه وحليل يومئذ يلى أمر مكة والحكم فيها وحجابة البيت فأقام قصى معه بمكة وولدت له حبى أربعة بنين عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبدا فلما انتشر ولد قصى وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل ورأى قصى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وان قريشا فرع اسماعيل وابراهيم عليهما السلام وصريح ولده فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم الى اخراج خزاعة وبنى بكر من مكة فأجابوه الى ذلك فكتب عند ذلك قصى الى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة يدعوه الى نصرته والقيام معه فخرج رزاح ومعه اخوته لابيه حن ومحمود وجلهمة فيمن تبعهم من قضاعة فى حاج العرب وهم مجمعون لنصر قصى والقيام معه فلما اجتمع الناس بمكة وفرغوا من الحج ولم يبق الا أن يصدر الناس كان أوّل ما تعرض له قصى من المناسك أمر الاجازة للناس بالحج وكانت صوفة هى التى تلى ذلك مع الدفع بهم من عرفة ورمى الجمار وهم ولد غوث بن مرفولى غوث الاجازة بالناس وتحيز بهم اذا نفروا واذا كان يوم النفر أتوا لرمى الجمار ورجل من صوفة يرمى للناس لا يرمون حتى يرمى فاذا فرغوا من رمى الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة فحبسوا الناس وقالوا جيزى صوفة فلم يجز أحد حتى يمرّوا فاذا نفدت ومضت خلى سبيل الناس وانطلقوا بعدهم وكانت اجازة الافاضة من المزدلفة فى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان يتوارثون كابرا عن كابر حتى كان آخرهم الذى قام عليه الاسلام أبو السيارة عميله بن أعزل ذكروا أنه أجاز عليها أربعين سنة وعزم قصى على انتزاع ذلك من أيديهم فأتاهم بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لنحن أولى بهذا الامر منكم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصى على ما كان بأيديهم من ذلك وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وانه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة فلما انحازوا عنه ناواهم وأجمع لحربهم وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا بالابطح حتى كثرت القتلى فى الفريقين جميعا وفشت الجراحة فيهم وأكثرها فى خزاعة ثم انهم تداعوا الى الصلح والى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة فقضى بينهم ان قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وان كل دم أصابه قصى من خزاعة وبنى بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤدّاة وأن يخلى بين قصى وبين الكعبة ومكة فسمى يعمرو بن عوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها* قال ابن اسحاق فولى قصى البيت وأمر مكة وجمع قومه من منازلهم الى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه فكان قصى أوّل بنى كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت اليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله وقطع مكة أرباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التى أصبحوا عليها ويزعم الناس ان قريشا هابوا قطع الشجر من الحرم فى منازلهم فقطعها قصى بيده وأعوانه فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها وتيمنت بأمره فما نكحت امرأة ولا تزوّج رجل من قريش ولا يتشاورون فى أمر نزل بهم ولا يعقد لواء الحرب قوم غيرهم الا فى داره يعقده لهم بعض أولاده ولا يعذر غلام الا فى داره ولا تدّرع جارية من قريش الا فى بيته يشق عليها فيها درعها اذا بلغت ذلك ثم تدرعه ثم ينطلق بها الى أهلها ولا يخرج عير من قريش فيرحلون الا من داره ولا يقدمون الا نزلوا فى داره فكان أمره فى حياته وبعد موته كالدين المتبع لا يعمل بغيره واتخذ لنفسه دار الندوة قيل كانت فى جهة الحجر والميزاب عند المقام الحنفى اليوم وجعل بابها الى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضى امورها ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصى الا ابن أربعين سنة وكان يدخلها ولده كلهم وحلفاؤهم ولما فرغ قصى من حربه انصرف أخوه رزاح الى بلاده بمن معه من قومه* وعن محمد بن جبير بن مطعم ان قصى بن كلاب كان يعشر من يدخل مكة من غير أهلها فهذا حديث قصى فى ولاية البيت بعد حليل بن حبشية واخراج خزاعة عنه وخزاعة تزعم أن حليلا أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها وبأمر مكة من خزاعة فعند ذلك طلب قصى ما طلب* قال ابن اسحاق ولم يسمع ذلك من غيرهم والله أعلم وقد سمع فى سبب ولاية قصى وجه آخر وهو أنه قال أبو عبيدة زعم ناس من خزاعة كان حليل آخر من ولى البيت من خزاعة فلما ثقل جعل ولاية البيت الى ابنته حبى فقالت له قد علمت انى لا أقدر على فتح الباب واغلاقه قال انى أجعل الفتح والاغلاق الى رجل يقوم لك فجعله الى رجل خزاعى يقال له أبو غبشان بفتح الغين المعجمة وضمها وهو سليم بن عمرو بن لؤى بن ملكان وهو الذى ولى سدانة الكعبة قبل قريش فاجتمع مع قصى فى شرب بالطائف فأسكره قصى ثم اشترى مفاتيح بيت الله الحرام منه بزق خمر وفى رواية بزق خمر وكبش وفى رواية بزق خمر وقعود وأشهد عليه ودفع المفاتيح الى ابنه عبد الدار وطيره الى مكة فلما أفاق أبو غبشان ندم من المبيع أو ندّمه قومه وعابوا عليه فجحد البيع وقال انما رهنته بحقه فضرب به الامثال فى الحمق والندم وخسارة الصفقة فقالوا أخسر من صفقة أبى غبشان فذهب مثلا كذا فى القاموس ثم وقع الحرب بين قصى وابى غبشان وقومهما قريش وخزاعة فذلك قول الشاعر أبو غبشان أظلم من قصىّ ... وأظلم من بنى فهر خزاعه فلا تلحوا قصيا فى شراه ... ولوموا شيخكم ان كان باعه ونصر قصيا رجال من قومه قريش وبنى كنانة وقضاعة وبعد قتال شديد استقرّ الامر على قصى فتزوّج قصى عاتكة بنت فالخ بن مليك بن فالخ بن ذكوان من بنى سليم فولدت له عبد مناف* وقال أبو اليقظان أم عبد مناف حبى بنت حليل الخزاعى فأمّ عبد مناف سلمية وقيل خزاعية فهى رابعة الجدّات النبويات* وفى الاكتفاء فولد قصى بن كلاب أربعة بنين وبنتين عبد مناف واسمه المغيرة وعبد الدار وعبد العزى وعبد او تخمر وبرة وأمهم جميعا حبى بنت حليل بن حبشية قال ابن هشام ويقال حبشية بن سلول وفى سيرة ابن هشام سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى* قال الزبير بن بكار لما ولد لقصى أوّل ولده سماه عبد مناة ثم نظر فاذا هو موافق لاسم عبد مناف بن كنانة فأحاله الى عبد مناف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وساد عبد مناف فى حياة أبيه وكان مطاعا فى قريش وهو الذى يدعى القمر لجماله واسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس ومناة اسم صنم وذكر الزبير عن موسى بن عقبة انه وجد كتابا فى حجر فيه أنا المغيرة بن قصى آمر بتقوى الله وصلة الرحم واياه عنى القائل بقوله كانت قريش بيضة فتقلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف وعن الواقدى أنه قال مات قصى بمكة فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون وكان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وكان فى يده لواء نزار وقوس اسماعيل* وفى شفاء الغرام فلم تزل السقاية والرفادة والقيادة لعبد مناف بن قصى يقوم بها حتى توفى* قال ابن هشام هلك عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا وقد تزوّج عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان من بنى سليم فهى سلمية أيضا وثالثة الجدّات النبويات الابويات فولدت له هاشما واسمه عمرو* وفى الاكتفاء فولد عبد مناف أربعة نفر هاشما وعبد شمس والمطلب ونوفلا كلهم لعاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر الا نوفلا فليس منهم فانه لوافدة بنت عمرو المازنية مازن بن منصور بن عكرمة* قال ابن هشام وأبو عمرو وتماضر وقلابة وحبيبة وريطة وامّ الاخثم وامّ سفيان بنو عبد مناف فأم أبى عمرو وريطة امرأة من ثقيف وامّ سائر النساء عاتكة بنت مرّة بن هلال امّ هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن وامّ صفية بنت عائذ الله بن سعد العشيرة بن مذحج* وفى المنتقى كان لعبد مناف خمسة بنين وسبع بنات* وفى شفاء الغرام ولد عبد مناف بن قصى خمسة نفر عمرو وهاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل فعدّ عمرا وهاشما اثنين وفى غير شفاء الغرام عدّهما واحدا وسيجىء تحقيقه* وفى روضة الاحباب كان لعبد مناف أربعة بنين هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل كأنه عدّ عمرا وهاشما واحدا أما هاشم فهو جدّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم واسمه عمرو ويقال له عمرو العلا أيضا لعلوّ مرتبته ولقبه هاشم لانه كان يهشم الثريد لاهل مكة أيام القحط والهشم كسر الشىء اليابس كذا فى القاموس* ولما توفى عبد مناف ولى بعده هاشم السقاية والرفادة أما السقاية فحياض من أدم كانت على عهد قصى توضع بفناء الكعبة ويستقى فيها الماء العذب من الآبار ويسقاه الحاج وأما الرفادة فخرج كانت تخرجه قريش فى الجاهلية من أموالها فى كل موسم فتدفعه الى قصى فتصنع به طعاما للحاج ويأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد وكان عبد مناف يعمل به بعده وكان هاشم يعمل به بعد أبيه فيطعم الناس فى كل موسم ما يجتمع عنده من ترافد قريش فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس سنة جدب شديد فخرج هاشم الى الشام فاشترى بما اجتمع عنده من المال دقيقا وكعكا فقدم مكة فى الموسم فهشم الخبز والكعك ونحر الجزور وطبخ وجعله ثريدا وأطعم الناس وكانوا فى مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمى لذلك هاشما* وقال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضرّ ومجاعة شديدة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين يعنى فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم وقال الكلبى كان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل اليها الابل هاشم بن عبد مناف وفى ذلك يقول ابن الزبعرى السهمى قل للذى طلب السماحة والندى ... هلا مررت بآل عبد مناف هلا مررت بهم تريد قراهم ... منعوك من ضرّ ومن اتلاف الرائشين وليس يوجد رائش ... والقائلين هم للاضياف والخالطين فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكا فى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 والقائلين لكل وعد صادق ... والراحلين برحلة الايلاف سفرين سهما له ولقومه ... سفر الشتاء ورحلة الاصياف عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون حجاف وفى رواية عمرو العلا هشم الثريد لمعشر ... كانوا بمكة مسنتين عجاف وكان عبد المطلب بعد هاشم يلى الرفادة فلما توفى قام بذلك أبو طالب فى كل موسم حتى جاء الاسلام وهو على ذلك وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد أرسل بمال يعمل به الطعام مع أبى بكر حين حج بالناس سنة تسع من الهجرة ثم عمل به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى حجة الوداع سنة عشر ثم قام بذلك أبو بكر رضى الله عنه فى خلافته ثم عمر ثم عثمان ثم على وهلم جرّا وهو طعام الموسم الذى كان الخلفاء يطعمونه أيام الحج بمكة وبمنى حتى تنقضى أيام الموسم كذا فى شفاء الغرام* قال ابن اسحاق كان أوّل بنى عبد مناف هلاكا هاشم هلك بغزة من أرض الشام واختلف فى سنه حين مات فقيل عشرون سنة وقيل خمس وعشرون سنة وأما عبد شمس فهو الجدّ الاعلى لابى سفيان بن حرب بن أمية ابن عبد شمس وبه كان يكنى عبد مناف* وفى شفاء الغرام قيل ان هاشما وعبد شمس توأمان وان أحدهما ولد قبل الآخر قيل ان الاوّل هاشم وان اصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم* وفى روضة الاحباب كان جباههما متلاصقتين فكلما عالجوا فى فكهما لم يقدروا حتى فصلوهما بالسيف فبلغ الخبر بعض عقلاء العرب فقال كان ينبغى أن يفصلوهما بشىء آخر فاذ لم يفعلوا فلا تزال تكون العداوة والسيف فى أولادهما فكان كما قال ولما توفى عبد مناف ولى القيادة بعده من بنيه عبد شمس فمات عبد شمس بعد هاشم بمكة فولى القيادة بعده ابنه أمية ثم بعده حرب بن أمية فقاد الناس يوم عكاظ فى حرب قريش وقيس عيلان وفى الفجارين الاوّل والثانى وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف كأمير موضع بناحية يلملم ويوم نكيف معروف ونكيف موضع معروف كان به وقعة فهزمت قريش بنى كنانة انتهى والاحابيش يومئذ مع بنى بكر تحالفوا على جبل يقال له الحبشى على قريش فسموا الاحابيش بذلك* وفى كتاب القرى الحبشى بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين وتشديد الياء جبل قريب من مكة قاله ابن الاثير وقال الحافظ أبو عمرو على عشرة اميال من مكة وقال الصاغانى على ستة أميال وقال الجوهرى جبل بأسفل مكة وكان أبو سفيان بن حرب يقود قريشا بعد أبيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان أبو سفيان فى العير يقود الناس فلما كان يوم أحد قاد الناس أبو سفيان وقاد الناس يوم الاحزاب وكانت آخر وقعة لقريش حتى جاء الاسلام وفتح مكة فأسلم وأما المطلب فهو الجدّ الاعلى للامام الشافعى مات بعد عبد شمس بردمان من أرض اليمن وأما نوفل فهو جدّ جبير بن مطعم مات بعد المطلب بسلمان من ناحية العراق* وفى المنتقى كان هاشم أفخر قومه وأعلاهم وكانت مائدته منصوبة لا ترفع فى السرّاء والضرّاء وكان يحمل ابن السبيل ويؤوى الخائف وكان نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجهه يتوقد شعاعه ويتلألأ ضياؤه ولا يراه حبر من الاحباء الاقبل يديه ولا يمرّ بشىء الاسجد اليه تفد اليه قبائل العرب ووفود الاحبار يحملون بناتهم يعرضون عليه ليتزوّج بهنّ حتى بعث اليه هرقل ملك الروم وقال ان لى ابنتا لم تلد النساء أجمل منها ولا أبهى وجها فاقدم الىّ حتى أزوجكها فقد بلغنى جودك وكرمك وانما أراد بذلك نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم الموصوف عندهم فى الانجيل وكان هاشم يأبى وكان ينطلق الى جبل ثبير يسأل اله السماء ثم يرجع الى الاصنام وكان اذا أراد أن يدخل عليها يدركه جبريل فينزع نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ظهره فلم يزل هاشم كذلك حتى أرى فى منامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أن تزوّج سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار فهى نجارية وثانية الجدّات الابويات النبويات وكانت قبل هاشم تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة وهو أخو عبد المطلب لامه وكانت فى زمانها كخديجة فى زمانها لها عقل وحلم فولدت له عبد المطلب اسمه شيبة الحمد وقيل عامر كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة عبد المطلب وأسدا وهو أبو فاطمة امّ علىّ رضى الله عنه وأبا صيفى واسمه عمرو كذا فى الحدائق ونضلة والشفاء وخالدة وصفية ورقية وحمنة وامّ عبد المطلب منهم سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدىّ بن النجار واسم النجار تيم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وأمها عميرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار وامّ عميرة سلمى بنت عبد الاشهل النجارية وام أسد قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعى وأم أبى صيفى وحمنة هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة وأم خالدة وصفية واقدة بنت أبى عدى المازنية واسم عبد المطلب شيبة ويقال له أيضا شيبة الحمد سمى بها لانه كان حين ولد كان وسط رأسه أبيض وقيل اسمه عامر وهو قول ابن قتيبة وتابعه عليه المجد الشيرازى وانما سمى عبد المطلب لانه كان طفلا حين توفى أبوه فرباه عمه المطلب بن عبد مناف وكان من عادة العرب أن تقول ليتيم كان فى حجر واحد هو عبده وقيل لما دنت وفاة أبيه هاشم بمكة وكان عبد المطلب حينئذ بالمدينة قال لاخيه المطلب أدرك عبدك الذى بيثرب فسمى عبد المطلب* وفى المنتقى لانّ هاشما خرج الى الشام فى تجارة فمرّ بالمدينة فرأى سلمى بنت عمرو ويقال بنت زيد بن عمرو النجارى فأعجبته فحطبها الى أبيها فأنكحه اياها وشرط عليه أن لا تلد ولدا الا فى أهلها ثم مضى هاشم لوجهه قبل أن يبنى بها ثم انصرف راجعا من الشام فبنى بها فى أهلها بيثرب ثم ارتحل الى مكة وحملها معه فلما أثقلت ردّها الى أهلها ومضى الى الشام ومات بغزة فولدت له عبد المطلب فمكث بيثرب سبع سنين أو ثمان ثم ان رجلا من بنى الحارث ابن عبد مناف مرّ بيثرب فاذا بغلمان ينتضلون فجعل شيبة اذا خسق قال أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء فقال له الحارثى من أنت قال أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف فلما أتى الحارثى مكة أخبر بذلك المطلب فقال المطلب والله لا أرجع الى أهلى حتى آتى به فقال له الحارثى هذه راحلتى بالفناء فاركبها فركبها المطلب وورد يثرب عشاء حتى أتى عدى بن النجار فاذا غلمان يضربون كرة بين ظهرى مجلس فعرف ابن أخيه فقال للقوم أهذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخيك فان كنت تؤثر أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فانها ان علمت لم تدعك وحالت بينك وبينه فدعاه المطلب فقال يا ابن أخى أنا عمك وقد أردت الذهاب بك الى قومك واناخ راحلته فجلس على عجز الناقة فانطلق به ولم تعلم أمه حتى كان الليل فقامت تدعوه فأخبرت ان عمه ذهب به وقدم المطلب مكة* وفى سيرة ابن هشام خرج اليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقالت له أمه لست بمرسلة معك وقال شيبة لعمه المطلب فيما يزعمون لست بمفارقها الا أن تأذن لى فأذنت له ودفعته اليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش عبد المطلب ابتاعه فيها سمى شيبة عبد المطلب فقال المطلب ويحكم انما هو ابن أخى هاشم قدمت به من المدينة* وفى المنتقى لما قدم به المطلب من المدينة كان أردفه على راحلته وقد أثرت فيه الشمس وعليه اخلاق ثياب وقدم به مكة ضحوة والناس فى مجالسهم فجعلوا يقولون له من هذا وراءك فيقول عبدى وكره ان يقول ابن أخى وهو هيئة بذلة فاشتهر بعبد المطلب فلما أدخله وأحسن من حاله أظهر أنه ابن أخيه هذا ما قيل فى وجه تسميته بعبد المطلب* وفى سيرة ابن هشام هلك المطلب بردمان من اليمن قيل ليس اليوم على وجه الارض هاشمى الا من أولاد عبد المطلب اذ لم يبق من سائر أولاد هاشم نسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 قال السهيلى ان عبد المطلب أوّل من خضب بالسواد من العرب قال ابن الاثير هو أوّل من تحنث بحراء وكان اذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين وقال ابن قتيبة يرفع من مائدة عبد المطلب للوحوش والطيرفى رؤس الجبال فيقال له الفياض لجوده ومطعم طير السماء وكان مجاب الدعوة فتزوّج فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وأمهرها مائة ناقة كوماء وعشرة أواق من ذهب فهى مخزومية وجدة أولى للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكر ذلك ابن قتيبة فى كتاب المعارف فجملة نسوة تزوّجهنّ عبد المطلب خمس فولدن له اثنى عشرا بنا على ما فى الصفوة أو ثلاثة عشر على ما فى الذخائر للعقبى أو عشرة على ما فى سيرة ابن هشام والاكتفاء وست بنات باتفاق الكل* أما البنون ففى الصفوة قال ابن السائب هم اثنا عشر الحارث والزبير وأبو طالب وحمزة وأبو لهب والغيداقى والمقوّم وضرار والعباس وقثم وحجل واسمه المغيرة وعبد الله* وفى سيرة مغلطاى يقال حجل وغيداق واحد ويقال عبد الله والمقوّم واحد وقال غيره أحد عشر ولم يذكر قثما وقال اسم الغيداق حجل بتقديم الجيم وهو السقاء الضخم* وقال الدارقطنى بتقديم الجاء وكذا فى أسد الغابة وهو القيد والخلخال كذا فى المواهب اللدنية أعمامه صلّى الله عليه وسلم وفى ذخائر العقبى وكان له اثنا عشر عما بنو عبد المطّلب أبوه صلّى الله عليه وسلم ثالث عشرهم الحارث وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير ويكنى أبا الحارث وحمزة وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق والمقوّم وضرار والعباس وقثم وعبد الكعبة وحجل ويسمى المغيرة وقيل كانوا أحد عشر فأسقط المقوّم وقيل هو عبد الكعبة وقيل عشر فأسقط الغيداق وحجلا وقيل تسعة فأسقط قثم ولم يذكر ابن قتيبة وابن اسحاق وأبو سعيد غيره* وفى أسد الغابة عبد الكعبة درج صغيرا وضرار مات صغيرا وقثم هلك صغيرا والغيداق اسمه نوفل وامه ممنعة بنت عمرو بن مالك الخزاعية وفى رواية الغيداق لقب حجل لقب به لكثرة خيره قال ابن اسحاق عبد الله أصغر بنى عبد المطلب والصواب بنى أمه والا فحمزة والعباس أصغر منه كذا فى سيرة مغلطاى وأما البنات الست فعاتكة وأميمة والبيضاء وهى امّ حكيم وبرة وصفية وأروى وهؤلاء الاولاد لعبد المطلب من امهات شتى فحمزة والمقوّم وحجل وصفية لام وهى هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة والعباس وضرار وقثم لامّ وهى نتيلة بنت خباب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر والحارث من صفية بنت جندب من بنى عامر بن صعصعة وأبو لهب من لبنا بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب الخزاعى ولم يكن لهما اناثى وعبد الله أبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة والبيضاء واميمة وبرة وعاتكة لامّ وهى فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وامها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقطة بن مرّة بن كعب وامّ صخرة تخمر بنت عبد بن قصى بن كلاب ولم يعقب من الذكور الا خمسة الحارث والعباس وأبا طالب وأبا لهب وعبد الله وكان أكبرهم الحارث وبه كان يكنى عبد المطلب شهد معه حفر زمزم ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة وسيأتى ذكرهم ولم يدرك الاسلام من الذكور غير أربعة أبو طالب وأبو لهب وحمزة والعباس ولم يسلم غير حمزة والعباس ومن البنات لم تسلم الا صفية بلا خلاف واختلف فى أروى وعاتكة فى الصفوة قال محمد بن سعد أسلمتا وهاجرتا الى المدينة وقال غيره لم يسلم منهنّ الا صفية* وفى ذخائر العقبى فذهب أبو جعفر العقيلى الى اسلامهما وعدّهما فى الصحابة وذكر الدارقطنى عاتكة فى جملة الاخوة والاخوات ولم يذكرا روى وأما محمد بن اسحاق وغيره فذكروا أنه لم يسلم من عماته صلّى الله عليه وسلم غير صفية وقد صح أن جملة أولاد أعمامه الذكور من أسلم ومن لم يسلم خمسة وعشرون اثنان منهم لم يسلما طالب بن أبى طالب وعتيبة بن أبى لهب والباقون أسلموا ولهم صحبة تفصيلهم أربعة أولاد لابى طالب طالب ومات كافرا وعقيل وجعفر وعلى وعشرة للعباس الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وعبد الرحمن ومعبد وكثير والحارث وعون وتمام وخمسة للحارث أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد شمس وابن للزبير عبد الله وثلاثة لابى لهب عتبة وعتيبة مات كافرا ومعتب وابنان لحمزة عمارة ويعلى والاناث عشرة تفصيلهنّ ابنتان لابى طالب امّ هانى وجمانة وثلاث للعباس امّ حبيب وصفية وأمينة وبنت للحارث أروى وابنتان للزبير ضباعة وامّ حكيم وبنت لابى لهب درّة وبنت الحمزة امامة وقد صح أن جملة أولاد العمات أحد عشر رجلا وثلاث بنات عرفن أما الرجال فعامر بن البيضاء من كريز بن ربيعة وعبد الله وزهير ابنا عاتكة من أبى امية المخزومى وأبو سلمة بن برّة من عبد الاسد المخزومى وعبد الله وعبيد الله وأبو أحمد بنو أميمة من جحش وطليب بن أروى من عمير بن وهب والزبير والسائب وعبد الله بنو صفية من العوّام كلهم أسلموا وثبتوا على الاسلام الا عبيد الله بن جحش وأما الاناث فزينب وامّ حبيبة وحمنة بنات أميمة من جحش وذكرت لامّ حكيم بنات لم يذكر عددهنّ ولا اسلامهنّ ولا أساميهنّ وسيجىء ذكر أولاد الاعمام والعمات مفصلا* ذكر الذكور من أولاد عبد المطلب* أما عبد الله بن عبد المطلب أبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم فسيجىء ذكر ولادته وتزوّجه ووفاته وغير ذلك فى الطليعة الثالثة من المقدّمة فليطلب ثمة* ذكر الحارث بن عبد المطلب وأولاده* وهو أكبر أولاد عبد المطلب وبه كان يكنى وجملة أولاده ستة أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد شمس وأروى خمسة ذكورا أما أبو سفيان بن الحارث فهو ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية أياما قيل اسمه المغيرة ولم يذكر الدارقطنى غيره وقيل اسمه كنيته والمغيرة اخوه امّه غزية بنت قريش بن طريف من ولد فهر بن مالك وكان ترب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يألفه الفا شديدا قبل النبوّة فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعرا ذكره ابن اسحاق فلما كان عام الفتح ألقى الله فى قلبه الاسلام فخرج متنكرا وتصدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعرض عنه فتحوّل الى الجانب الآخر فأعرض عنه قال فقلت أنا مقتول قبل أن اصل اليه فأسلمت وذلك بطريق الابواء كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى أسلم أبو سفيان عام الفتح وحسن اسلامه ويقال انه ما رفع رأسه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم حياء منه وأسلم معه ولده جعفر لقيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالابواء وأسلما قبل دخوله مكة وقيل بل لقيه هو وعبد الله بن أمية بين السقيا والعرج فأعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهما فقالت أمّ سلمة لا يكن ابن عمك وأخو ابن عمتك أشقى الناس بك وقال له علىّ بن أبى طالب ائت رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا الخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحسد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين قال أبو سفيان وخرجت معه شهدت فتح مكة وحنينا فلما لقينا العدوّ بحنين اقتحمت عن فرسى وبيدى السيف صلتا والله يعلم انى أريد الموت دونه وهو ينظر الىّ فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فارض عنه فقال فعلت فغفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت الىّ وقال أخى لعمرى فقبلت رجله فى الركاب كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى كان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يفرّ ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو غرزه على اختلاف فى النقل حتى انصرف الناس وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال ان الذين كانوا يشبهون النبىّ صلّى الله عليه وسلم جعفر بن أبى طالب والحسن بن على وقثم بن العباس وأبو سفيان بن الحارث والسائب بن عبيد بن عبد بن نوفل بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف وعبد الله بن جعفر فهم ستة وقيل وعبد الله بن نوفل بن الحارث فهم سبعة وكان صلّى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وسلم يحب أبا سفيان بن الحارث وشهد له بالجنة وعن عروة عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أبو سفيان بن الحارث من شباب أهل الجنة أو سيد فتيان أهل الجنة رواه ابن عمرو عن أبى حية البدرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أبو سفيان خير أهلى أو من خير أهلى خرّجه أبو عمرو وذكر الدارقطنى انه صلّى الله عليه وسلم قاله يوم حنين كذا فى ذخائر العقبى وعن ابن اسحاق لما حضر أبا سفيان ابن الحارث الوفاة قال لاهله لا تبكوا علىّ فانى لم انتطف بخطيئة منذ أسلمت قال أهل السير مات أبو سفيان ابن الحارث بالمدينة بعد ان استخلف عمر بسنة وسبعة أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وقيل توفى بسنة خمس عشرة وصلّى عليه عمر ودفن بالبقيع قاله ابن قتيبة وقال أبو عمرو دفن فى دار عقيل بن أبى طالب وكان هو الذى حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام وسبب موته انه كان فى رأسه ثؤلول فحلقه الحلاق فقطعه فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج وكان له من الولد عبد الله بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب القرشى الهاشمى رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وروى عنه وكان معه مسلما بعد الفتح وجعفر بن أبى سفيان بن الحارث ذكر أهل بيته أنه شهد حنينا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكره ابن هشام وغيره وقطع به الدارقطنى وانه لم يزل مع أبيه ملازما لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قبض وتوفى جعفر فى خلافة معاوية وأبو الهياج بن أبى سفيان قيل اسمه عبد الله وقيل علىّ وعاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث تزوّجها معتب بن أبى لهب فولدت له وأما نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا الحارث وكان أسنّ من اخوته ومن جميع من أسلم من بنى هاشم حتى من حمزة والعباس أسر يوم بدر ففداه العباس وقيل بل فدى نفسه قيل أسلم وهاجر أيام الخندق وقيل أسلم يوم فدى نفسه وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال لما اسر نوفل بن الحارث ببدر قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم افد نفسك قال مالى شىء افتدى به قال افد نفسك برماحك التى بحدّة فقال والله ما علم أحد أن لى بحدّة رماحا غيرى بعد الله أشهد أنك رسول الله وفدى نفسه بها وكانت ألف رمح ذكره أبو عمرو وشهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف وكان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأعان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف رمح فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كأنى أرى رماحك تقصف أصلاب المشركين وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينه وبين العباس بن عبد المطلب وكانا شريكين فى الجاهلية متفاوضين فى المال متحابين توفى بالمدينة سنة خمس عشرة فى خلافة عمر وصلّى عليه عمر بعد أن شيعه الى البقيع ووقف على قبره حتى دفن وكان له من الولد الحارث وعبد الله وعبيد الله والمغيرة وسعيد وعبد الرحمن وربيعة بنو نوفل فأما الحارث بن نوفل فهو الذى كان يقال له ببه لأنّ أمه هند ابنة أبى سفيان بن حرب بن أمية كانت ترقصه وهو طفل وتقول لانكحنّ ببه* جارية خدبة* مكرمة محبة* تجبّ أهل الكعبة ببة لقب له وخدبة أى غليمة سمينة والخدب هو العظيم الجافى وكان قد اصطلح عليه أهل البصرة حين توفى يزيد بن معاوية وخرج مع ابن الاشعث فلما هزم هرب الى عمان ومات بها* قال الواقدى كان الحارث بن نوفل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلا فأسلم عند اسلام أبيه نوفل وولد له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولده عبد الله فأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحنكه ودعا له وكانت تحته درّة بنت أبى لهب بن عبد المطلب واستعمله النبىّ صلّى الله عليه وسلم على بعض أعماله بمكة واستعمله أبو بكر أيضا قاله الدارقطنى وقيل ان أبا بكر ولى الحارث بن نوفل مكة وانتقل الحارث من المدينة الى البصرة واختط بها دارا فى ولاية عبد الله بن عامر ومات بها فى آخر خلافة عثمان وأما المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا يحيى فولد له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بمكة قبل الهجرة وقيل بعدها ولم يدرك من حياة النبىّ صلّى الله عليه وسلم غير ست سنين وهو الذى تلقى عبد الرحمن بن ملجم المرادى حين ضرب عليا على هامته بسيفه فصرعه فلما هم الناس به حمل عليهم بسيفه ففرّجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله وضرب به الارض وقعد على صدره وانتزع سيفه عنه وكان ايدا ثم حمل ابن ملجم وحبس الى أن مات علىّ رضى الله عنه فقتل كما سيجىء فى الخاتمة والايد القوّة ومنه ذا الايد انه أوّاب وكان المغيرة هذا قاضيا فى زمن عثمان وشهد مع علىّ صفين وتزوّج امامة بنت أبى العاص بن الربيع بعد علىّ بن أبى طالب وولد يحيى منها وروى المغيرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقيل ان حديثه مرسل ولم يسمع من النبىّ صلّى الله عليه وسلم شيئا ومن ولده عبد الملك بن المغيرة بن نوفل روى عنه الزهرى وعبد الرحمن الاعرج وعمران ابن أبى أويس وأما عبد الله بن نوفل بن الحارث فكان جميلا وكان يشبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان أوّل من ولى القضاء بالمدينة فى خلافة معاوية وأما أخواه عبيد الله وسعيد فقد روى عنهما العلم وأما عبد الرحمن وربيعة ابنا نوفل فلا لقية لهما ولا رواية ذكر ذلك الدارقطنى فى كتاب رواية الاخوة والاخوات* وأما ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا أروى فكانت له صحبة وهو الذى قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ألا ان كل مأثرة كانت فى الجاهلية تحت قدمىّ ودماء الجاهلية موضوعة وان أوّل دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث وذلك انه قتل لربيعة ابن الحارث فى الجاهلية ولد يسمى آدم وقيل تمام فأبطل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الطلب به فى الاسلام ولم يجعل لربيعة فى ذلك تبعة وكان ربيعة هذا أسنّ من العباس فيما ذكر بسنتين ذكره أبو عمرو وغيره وقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر من شعره وشمر من ثوبه وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أطعمه مائة وسق من خيبر كل عام ذكره الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وكان شريك عثمان فى التجارة ذكره ابن قتيبة توفى سنة ثلاث وعشرين فى خلافة عمر وروى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أحاديث وله من الولد بنون وبنات فالبنون العباس بن ربيعة وعبد المطلب بن ربيعة وعبد الله بن ربيعة ذكر عبد الله هذا أبو عمرو فى باب عبد الله بن عباس فيمن شهد مع علىّ صفين وغيرها ولم يفرده بالذكر وذكره الدارقطنى فى باب الاخوة من ولد ربيعة بن الحارث وذكر من ولده أيضا الحارث وأمية وعبد شمس ومن ولده أيضا آدم بن ربيعة وهو الذى كان مسترضعا فى هذيل وكان العباس بن ربيعة ذا قدر وأقطعه عثمان دارا بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم وشهد صفين مع على وكان تحته أمّ فراس بنت حسان بن ثابت فولدت له أولادا وعقبه كثير ذكره ابن قتيبة وأما البنات فلم يذكر اسماء هنّ عند ذكرهنّ وذكر أبو عمرو فى باب هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب انها ولدت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر الدارقطنى أن اسمها أروى قال وقيل هند تزوّجها حبان ابن منقد الانصارى النجارى فولدت له واسعا ويحيى ابنى حبان ولم أظفر بأسماء باقيهنّ ولا بكنيتهنّ غير انهنّ ذكرن على سبيل الجمع كما قدّمنا كذا فى ذخائر العقبى* وأما عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلب وسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله فمات بالصفراء فى حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى قميصه وقال فى حقه سعيد أدركته السعادة قاله الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات والبغوى فى معجمه وليس له عقب وقال ابن قتيبة عقبه بالشام يقال لهم الموزة لقلتهم لانهم لا يكادون يزيدون على ثلاثة* وفى شرح الكرمانى عبيدة بن الحارث كان أسنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعشر سنين أسلم قبل دخوله دار الارقم شهد بدرا وجرح بها وتأخرت وفاته حتى وصل وادى الصفراء فدفن بها وهو ابن ثلاث وستين سنة وسيجىء فى غزوة بدر ان شاء الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وأما المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب فله صحبة وقد قيل ان أبا سفيان بن الحارث اسمه المغيرة والصحيح أنه أخوه وذكر الدارقطنى أمية بن الحارث مكان المغيرة بن الحارث وقال لا عقب له ولا رواية وأما أروى بنت الحارث فذكرها ابن قتيبة وأبو سعد فى ولده ولم يذكرها أبو عمرو فلعله لم يثبت عنده اسلامها وذكرها الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وذلك دليل اسلامها لانه لم يذكر فيه الا من أسلم قال وتزوّجها أبو وداعة بن صبرة السهمى فولدت له المطلب وأبا سفيان بن أبى وداعة* (ذكر أبى طالب وأولاده) * واسمه عبد مناف وجملة أولاده ستة أربعة ذكور طالب ومات كافرا فى غزوة بدر حين وجهه المشركون الى حرب المسلمين وهو أكبر ولده وبه كان يكنى وعقيل وجعفر وعلى وبنتان أمّ هانى وجمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكان علىّ أصغرهم وكان جعفر أسنّ منه بعشر سنين وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمرو وأما على فسيجىء ذكره فى الخاتمة فى ذكر الخلفاء وأما جعفر فقد تقدّم ذكر أمه ويكنى أبا عبد الله أسلم قديما وهاجر الى الحبشة الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس وولدت ثمة بنيه عبد الله ومحمدا وعونا فلم يزل هنا لك حتى قدم على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان وأما ذكر جواره فى أرض الحبشة وما جرى له مع النجاشى فسيجىء فى الركن الثانى فى حوادث السنة الخامسة من النبوّة وسيجىء ذكر وفاته وبعض أحواله فى الموطن الثامن فى سرية مؤتة ان شاء الله تعالى وأما عقيل بن أبى طالب فلم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عقيلا ويكنى أبا يزيد أمه فاطمة بنت أسد قال العذرى وكان عقيل قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر ففداه عمه العباس ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة ذكره أبو عمرو وروى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال له يا أبا يزيد انى أحبك حبين حبا لقرابتك منى وحبا لما كنت أعلم من حب عمى اياك خرجه أبو عمرو والبغوى وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا اليهم لانه كان يعدّ مسلويهم وكانت له قطيفة تفرش له فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلى عليها ويجتمع اليه فى علم النسب وأيام العرب وكان أسرع الناس جوابا وأحضرهم مراجعة فى القول وأبلغهم فى ذلك خرجه أبو عمرو وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا جاء الى علىّ بالعراق فسأله فقال له ان أحببت أن أكتب لك الى مالى بينبع فأعطيتك منه فقال عقيل لا ذهبن الى رجل هو أوصل لى منك فذهب الى معاوية فعرف ذلك له خرجه البغوى قال أبو عمرو وكان عقيل غاضب عليا وخرج الى معاوية واقام عنده فزعموا ان معاوية قال يوما بحضرته هذا أبو يزيد لولا علمه بأبى خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه فقال عقيل أخى خير لى فى دينى وأنت خير لى فى دنياى وقد آثرت دنياى وأسأل الله خاتمة خير وتوفى عقيل فى خلافة معاوية ولم يوقف على السنة التى مات فيها ذكره ابن الضحاك* وأما أم هانى فاسمها فاختة وقيل هند أسلمت يوم الفتح حكاه أبو عمرو وتزوّجها هبيرة بن أبى وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم وولدت له أولاد او هرب الى نجران ومات مشركا وهى التى صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بيتها عام الفتح الضحى ثمان ركعات فى ثوب واحد مخالفا بين طرفيه وقال لها قد أجرنا من أجرت يا أم هانى متفق عليه وعن ابن عباس دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أم هانى بنت أبى طالب يوم الفتح وكان جائعا فقالت يا رسول الله ان أصهار الى قد لجؤا الىّ وان علىّ بن أبى طالب لا تأخّذه فى الله لومة لائم وانى أخاف أن يعلم بهم فيقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانى آمنا حتى يسمع كلام الله فأمنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أجرنا من أجارت أم هانى فقال هل عندك من طعام نأكله فقالت ليست عندى الاكسر يابسة وانى لاستحيى ان أقدمها اليك قال هلميهنّ فكسرهنّ فى ماء وملح فقال هل من ادام فقالت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ما عندى يا رسول الله الا شىء من خل فقال هلميه فصبه على طعامه فأكل منه ثم حمد الله ثم قال نعم الادام الخل يا أم هانى لا يفقر بيت فيه خل خرجه بهذا السياق الطبرانى وجماعة* وأما جمانة فذكرها ابن قتيبة وأبو سعيد فى شرف النبوّة فى أولاد أبى طالب أمها فاطمة بنت أسد وأما أبو عمرو فلم يذكرها فلعله لم يثبت عنده اسلامها وذكرها الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات ولم يذكر فيه الا من أسلم فدل على أنه صح عنده اسلامها قال وتزوّجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وولدت له قال ولم يسند منها شىء وهذا القول دليل على صحة اسلامها اذ من لم يسلم لم يوصف بذلك اثباتا ولا نفيا* (ذكر الزبير وأولاده) * ويكنى أبا الحارث وكان من أشراف قريش وجملة أولاده ثلاثة عبد الله وابنتان امّ الحكيم ويقال امّ حكيم وضباعة أما عبد الله بن الزبير فأمه عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الاسلام وأسلم وثبت مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم حنين فيمن ثبت يومئذ ذكره الدارقطنى وقتل يوم أجنادين فى خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنته الجراحة فمات بها وذكر الواقدى ان أوّل قتيل قتل من الروم بطريق معلم برز ودعا الى البراز فبرز اليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب واختلفا ضربات ثم قتله عبد الله ولم يتعرّض لسلبه ثم برز آخر يدعو الى البراز فبرز اليه فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صارا الى السيفين فضربه عبد الله على عاتقه وهو يقول خذها وأنا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع فى منكبه ثم ولى الرومى منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز فقال عبد الله انى والله ما أجد لى صبرا فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضا وجد فى ربضة من الروم عشرة حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكان سنه نحوا من ثلاثين سنة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له ابن عمى وحبى ومنهم من يقول كان يقول ابن امى ولم يعقب قاله ابن قتيبة وأما بنتا الزبير بن عبد المطلب فضباعة بنت الزبير وهى التى أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالاشتراط فى الحج وكانت تحت المقداد بن الاسود وامّ الحكيم وكانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قاله ابن قتيبة ذكرهما ابو عمرو فى باب أخيهما عبد الله بن الزبير* (ذكر حمزة بن عبد المطلب) * وأمه هالة بنت وهب وقد تقدّم ذكرها وكان أخا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الاسد ثويبة بلبن ابنها مسروح وكانت ثويبة مولاة لابى لهب وقال ابن قتيبة امراة من أهل مكة ولا تضاد بين كونها مولاة وامرأة من أهل مكة وكان أسنّ من النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأربع سنين قال أبو عمرو وهذا يردّه ما تقدّم ذكره آنفا من تقييد رضاع ثويبة بلبن ابنها مسروح اذ لا رضاع الا فى حولين ولولا النقييد بذلك امكن حمل الرضاع على زمانين مختلفين قلت ويمكن أن تكون أرضعت حمزة فى آخر سنتيه فى اوّل رضاع ابنها وارضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى اوّل سنتيه فى آخر رضاع ابنها فيكون أكبر بأربع سنين وقيل كان اسنّ بسنتين ولم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام حمزة ويكنى ابا عمارة وابا يعلى كنيتان له بابنيه عمارة ويعلى وكان يدعى اسد الله واسد رسوله وعن يحيى ابن عبد الرحمن بن أبى لبيبة عن ابيه عن جدّه ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال والذى نفسى بيده انه لمكتوب عند الله عز وجل فى السماء السابعة حمزة اسد الله واسد رسوله خرجه البغوى فى معجمه وكان اسلامه فى السنة الثانية من المبعث وقيل فى السادسة بعد دخوله عليه السلام دار الارقم وقيل قبل اسلام عمر بثلاثة ايام وسيجىء فى الركن الثانى عن عبد الرحمن بن عابس عن ابيه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خير أعمامى حمزة خرجه الحافظ الدمشقى عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب ورجل قام الى امام جائر فأمره ونهاه فقتله خرّجه ابن السرّى وفى رواية حمزة خير الشهداء وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا انبئكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 بأفضل الشهداء عند الله بعد حمزة بن عبد المطلب قالوا بلى يا رسول الله قال رجل أتى أميرا جائرا فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فان هو لم يقتله لم يجر عليه ذنب ما كان حيا وان هو قتله كان من افضل الشهداء عند الله عز وجل بعد حمزة بن عبد المطلب خرجه الحلبى وذكر مقتله سيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة احد كان له من الولد عمارة امه خولة بنت قيس بن فهر بن مالك النجارى* ويعلى قال مصعب لم يعقب واحد من ولد حمزة وكان يعلى قد ولد له خمسة رجال وماتوا كلهم من غير عقب وتوفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما اعوام ولم تحفظ لواحد منهما رواية وكان له ابنة يقال لها امّ ابيها قاله ابن قتيبة وقال صاحب الصفوة اسمها أمامة امّها زينب بنت عميس الخثعمية وكانت تحت عمرو بن ابى سلمة المخزومى ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهى التى اختصم فى حضانتها علىّ وجعفر وزيد فقال على ابنة عمى وقال جعفر ابنة عمى وخالتها تحتى وقال زيد ابنة اخى فقضى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الامّ اخرجاه وفيه دلالة على ان من نكحت قريبا لا يسقط حقها من الحضانة وعن على رضى الله عنه قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا تتزوّج ابنة حمزة فانها احسن فتاة فى قريش فقال اليس قد علمت انها ابنة أخى من الرضاعة وان الله عز وجل قد حرم من الرضاعة ما حرّم من النسب خرجه البغوى فى معجمه* (ذكر العباس بن عبد المطلب وإسلامه) * أمه نتيلة ويقال لها نتلة وقد تقدّم ذكرها ويقال انها أوّل عربية كست البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة وذلك ابن العباس ضل وهو صبى فنذرت ان وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت ولم يزل اسمه العباس ويكنى ابا الفضل* ذكر صفته* وكان رضى الله عنه جميلا جسيما وسيما ابيض بضاله ضفيرتان معتدل القامة وقيل كان طوالا عن جابر أن الانصار لما ارادوا أن يكسوا العباس حين اسر يوم بدر فلم يصلح عليه قميص الا قميص عبد الله ابن ابىّ بن سلول فكساه اياه فلما مات عبد الله بن ابىّ بن سلول ألبسه النبىّ صلّى الله عليه وسلم قميصه وتفل عليه من ريقه قال سفيان فظنّ انه مكافأة لقميص العباس خرّجه ابن الضحاك وابو عمرو وكان مولده قبل الفيل بثلاث سنين وكان اسنّ من النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بثلاث* وعن أبى رزين قال قيل للعباس أيكما اكبر أنت أو النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال هو اكبر منى وانا ولدت قبله خرجه ابن الضحاك وهو اصغر أولاد عبد المطلب غير عبد الله كذا فى المواهب اللدنية* وعن ابن عمر مثله خرجه البغوى فى معجمه وغيره وكان العباس فى الجاهلية رئيسا فى قريش واليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبى طالب أما السقاية فمعروفة واما عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يشبب فيه ولا يقول فيه هجر او كانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك فكانوا له عونا عليه وأسلموا ذلك اليه ذكره الزبير ابن بكار وغيره من علماء النسب حكاه ابو عمرو والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء وكأنه أراد انشاد ذلك فى المسجد والهجر بالضم الهذيان والقول الباطل ويطلق على الكلام الفاحش وذكر شهوده بيعة العقبة سيجىء فى الركن الثانى* (ذكر اسلامه) * قال اهل العلم بالتاريخ كان اسلام العباس قديما وكان يكتم اسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من لقى العباس فلا يقتله فانه خرج مستكرها فأسره ابو اليسر كعب بن عمرو ففادى نفسه ورجع الى مكة ثم أقبل الى المدينة مهاجرا قاله ابو سعيد وقيل انه أسلم يوم بدر فاستقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح بالابواء وكان معه يوم فتح مكة وبه ختمت الهجرة وقال أبو عمرو أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم اسلامه ويسرّ بما يفتح الله على المسلمين وأظهر اسلامه يوم فتح مكة وشهد حنينا والطائف وتبوك ويقال ان اسلامه كان قبل بدر وكان يكتب بأخبار المشركين الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان المسلمون بمكة يثقون به وكان يحب القدوم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكتب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان مقامك بمكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 خير لك وعن شرحبيل بن سعد قال لما بشر أبو رافع رسول الله صلّى الله عليه وسلم باسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه خرجه أبو القاسم السهمى فى الفضائل* وفى المواهب اللدنية قال عليه الصلاة والسلام للعباس يا عم لا ترم منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيك فان لى فيكم حاجة فلما أتاهم اشتمل عليهم بملاءته ثم قال يا رب هذا عمى وصنو أبى وهؤلاء أهل بيتى فاسترهم من النار كسترى اياهم بملاءتى هذه قال فأمّنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت آمين آمين آمين رواه ابن غيلان وأبو القاسم حمزة والسهمى ورواه ابن السرى وفيه فما بقى فى البيت مدرة ولا باب الا أمّن* (ذكر وفاته) * توفى رضى الله عنه فى خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة وقيل لا ربع عشرة ليلة خلت من رجب ولم يذكر صاحب الصفوة غيره وقيل من رمضان سنة اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة وقيل سبع وثمانين سنة بعد أن كف بصره أدرك منها فى الاسلام اثنتين وثلاثين سنة وصلّى عليه عثمان ودفن بالبقيع ودخل فى قبره ابنه عبد الله* مروياته فى كتب الحديث خمسة وثلاثون حديثا* (ذكر ولده) * وكان له من الذكور تسعة وسيجىء فى رواية الزبير بن بكار انهم عشرة ومن الاناث ثلاث الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وأمّ حبيب أمّهم أم الفضل اسمها لبابة الكبرى بنت الحارث بن حرب الهلالية وتمام وكثيرا بنا العباس لامّ ولد والحارث أمه هذلية قاله الطبرانى وقال صاحب الصفوة أمه حجيلة بنت جندب وآمنة وأمّ كلثوم وصفية لامهات أولاد قاله هشام بن الكلبى وصبيح ومسهرا بنا العباس ولم يتابع على ذلك وقال ابراهيم المزنى ولبابة وأمينة ذكر ذلك كله الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وتابعه غيره على أكثره* ذكر الفضل بن عباس أما الفضل بن العباس فكان أكبر ولده وبه كان يكنى أمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة زوج النبى عليه السلام وقد روى أنها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة بمكة خرجه البغوى ولم يزل اسمه الفضل فى الجاهلية والاسلام ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وكان أجمل الناس وجها وعن جابر أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما دفع من المزدلفة الى منى أردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فمرت ظعن يجرين فجعل الفضل ينظر اليهنّ فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الى الشق الآخر ينظر فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر خرجه مسلم* وفى بعض الطرق فقال العباس لويت عنق ابن عمك يا رسول الله فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما قال أهل العلم بالتاريخ غزا الفضل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة وحنينا وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع وأردفه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلفه فيها على ما تقدّم وهو الذى كان يصب الماء فى غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلىّ يغسله* (ذكر وفاته) قال أبو عمرو اختلف فى وفاته فقيل أصيب بأجنادين فى خلافة أبى بكر سنة ثلاث عشرة* وفى ذخائر العقبى أجنادين بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالنون وفتح الدال المهملة وقد تكسر الموضع المعروف من نواحى دمشق وكانت بها الوقعة بين المسلمين والروم وكان الامير بها عمرو ابن العاص وأبو عبيدة ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة كل منهم على طائفة وقيل ان عمرا كان الامير عليهم كلهم وقيل انه قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أيضا وقيل مات بطاعون عمواس وهو أوّل طاعون كان فى الاسلام بالشام سنة ثمان عشرة فى خلافة عمرو قيل انه قتل يوم اليرموك فى خلافة أبى بكر ذكره الدارقطنى وغيره* (ذكر ولده) * توفى رضى الله عنه ولم يترك ولدا غير ابنة تزوّجها الحسن ابن على ثم فارقها فتزوّجها أبو موسى الاشعرى فولدت له موسى ومات عنها فتزوّجها عمر بن طلحة بن عبد الله وقيل ان الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يتبت ذكر ذلك جميعه الدارقطنى فى كتاب الاخوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 والاخوات ونابعه غيره على بعضه* ذكر عبد الله بن عباس وأما عبد الله بن عباس فهو الحبر ويكنى أبا العباس ولم يزل اسمه عبد الله أمه أمّ الفضل ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بنى هاشم منه* وذكر الطائى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له وقال اللهم بارك فيه وانشر منه وعلمه الحكمة وسماه ترجمان القرآن وكان يوم توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن ثلاث عشرة سنة روى ذلك عنه وروى عنه أيضا أنه قال توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم يعنى المفصل* وفى رواية وأنا ابن خمس عشرة وأنا ختين ولعله الاشبه اذ روى عنه أنه قال فى حجة الوداع وأنا قد ناهزت الاحتلام وصحح أبو عمرو القول الاوّل وهو ظاهر اختيار الدارقطنى* (ذكر صفته) * وكان طويلا أبيض مشربا بشقرة جسيما وسيما صبيح الوجه وكان يصفر لحيته وقيل كان يخضب بالحناء وكان له وفرة خرجه ابن الضحاك قال ابن اسحاق رأيت ابن عباس بمنى طويل الشعر فعرفت انه قصر ولم يحلق وعليه ازار وعليه رداء أصفر وكان يخضب بالسواد وهذا مغاير لما تقدّم من خضابه ولعله كان يفعل هذا مرّة وهذا اخرى فيروى كل ما بلغه* قال أبو عمرو شهد عبد الله بن عباس مع علىّ الجمل وصفين والنهروان وكان ممن شهد ذلك مع علىّ الحسن والحسين ومحمد بنوه وعقيل اخوه وعبيد الله وقثم ابنا عمه العباس وعبد الله ومحمد وعون بنو جعفر والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعبيد الله بن ربيعة بن عبد المطلب ذكره أبو عمرو فى ذكر عبد الله بن عباس رضى الله عنهم* عن عبد الله ابن عباس عن امّ الفضل قالت لما وضعته أتيت به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأذن فى أذنه اليمنى وأقام فى أذنه اليسرى ولته من ريقه وسماه عبد الله وقال فاذهبى بأبى الخلفاء أخرجه أبو القاسم السهمى فى الفضائل* (ذكر وفاته) * توفى رضى الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين أيام ابن الزبير وهو ابن سبعين وقيل احدى وسبعين وقيل أربع وسبعين وصلّى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه أربعا وقال اليوم مات ربانى هذه الامة وضرب على قبره فسطاطا ذكر ذلك أبو عمرو والبغوى فى معجمه وفى رواية عنه ربانى العلم* وعن سعيد بن جبير قال مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على مثل خلقته فدخل فى نعشه ولم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية يأيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضية الآية خرجه ابن عرفة العبدى وروى ابن الزبير مثله وعن غيلان بن عمرو بن أبى سويد قال شهدت جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه جاء طائر أبيض فدخل فى أكفانه ولم نره خرج خرجه البغوى فى معجمه ويروى أن طائرا أبيض خرج من قبره فتأوّلوه علمه خرج الى الناس وعن أبى بكر بن أبى عاصم ان ابن عباس مات بمكة خرجه ابن الضحاك والمشهور انه مات بالطائف ودفن بها وقبره معروف ثمة مروياته فى كتب الاحاديث ألف وستمائة وستون حديثا* (ذكر ولده) * كان له من الولد العباس وبه كان يكنى وعلىّ السجاد والفضل ومحمد وعبيد الله ولبابة وأسماء ذكر عبيد الله بن عباس (أما عبيد الله بن عباس) أمه أمّ الفضل وكان أصغر من أخيه عبد الله قيل انه رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسمع منه وحفظ عنه واستعمله على بن أبى طالب على اليمن وأمره على الموسم فحج بالناس سنة ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فلما كان سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضا على الموسم وبعث معاوية ذلك العام يزيد بن شجرة الرهاوى ليقيم الحج فاجتمعا فسأل كل واحد منهما صاحبه أن يسلم له فأبى واصطلحا على أن يصلى بالناس شيبة بن عثمان وروى أن معاوية بعث الى اليمن بشر بن أرطاة العامرى وعليها عبيد الله بن عباس من قبل علىّ فتنحى عبيد الله واستولى بشر عليها فبعث علىّ حارثة بن قثامة السعدى فهرب بشر ورجع عبيد الله بن عباس فلم يزل عليها حتى قتل على وكان عبيد الله أحد الاجواد وكان يقال من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العباس الجمال للفضل والفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 لعبد الله والسخاء لعبيد الله ومات عبيد الله بن عباس سنة ثمان وخمسين* وقال الواقدى والزبير توفى فى المدينة فى أيام يزيد بن معاوية وقال مصعب مات باليمن والاوّل أصح وقال الحسن مات سنة سبع وثمانين فى خلافة عبد الملك والله أعلم* ذكر قثم بن العباس وأما قثم بن العباس أمه أمّ الفضل أيضا وهو رضيع الحسن بن على وكان قثم يشبه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعن ابن عباس قال وأخذ العباس ابنا له يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول* حبى قثم شبيه ذى الانف الاشم بنى ذى النعم يرغم من رغم خرجه ابن الضحاك وعن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم وذلك انه كان آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه خرجه أبو عمرو وخرجه ابن الضحاك مختصر اوقد ادعى المغيرة ذلك فأنكر ذلك ابن عباس فقال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم بن العباس وروى عن علىّ مثل ذلك فى انه أنكر ما ادعاه المغيرة وقال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم بن العباس وولى علىّ ابن أبى طالب قثم مكة ولم يزل واليا عليها حتى قتل علىّ وكان ولاها قبله أبا قتادة الانصارى ثم عزله وولى قثم وقال الزبير استعمل علىّ قثم على المدينة رواه عنه أبو اسحاق السباعى وغيره واستشهد قثم بسمرقند وكان خرج اليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية ذكره الدارقطنى وأبو عمرو وقال الضحاك مات فى خلافة عثمان بن عفان وقبره خارج سور سمرقندى فى قبة عالية معروفة بمزار شاه زنده يعنى السلطان الحىّ* ذكر عبد الرحمن وكثير وتمام أولاد العباس وأما عبد الرحمن بن عباس فامّه أمّ الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتل هو وأخوه معبد بافريقية شهيدين فى خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن سعد بن ابى سرح قاله مصعب* وقال ابن الكلبى قتل عبد الرحمن بالشام وذكره الدارقطنى* وأما معبد بن عباس ويكنى أبا العباس فأمه أمّ الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه شيئا واستعمله علىّ رضى الله عنه على مكة وقتل بافريقية كما تقدّم ذكره آنفا ويقال ما من اخوة اشدّ تباعدا قبورا من بنى العباس من أمّ الفضل ذكره الدارقطنى* وأما كثير بن عباس أمه أمّ ولد رومية اسمها سبا وقيل أمه حميرية ويكنى أبا تمام ولد قبل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأشهر فى سنة عشر من الهجرة وكان فقيها ذكيا فاضلا روى عنه ابن شهاب وعبد الرحمن الاعرج ذكره أبو عمرو* وأما تمام بن عباس فأمه سبأ أمّ كثير المذكورة آنفا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وروى عنه قوله صلّى الله عليه وسلم لا تدخلوا علىّ قلحا استاكوا فلولا ان اشق على أمتى لامرتهم بالسواك عند كل صلاة خرجه البغوى فى معجمه وخرج أبو عمرو الى قوله استاكوا ولم يذكر ما بعده وكان تمام واليا لعلىّ على المدينة وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف حين توجه الى العراق ثم عزله واستجلبه لنفسه وولى تماما ثم عزله وولى أبا أيوب الانصارى ثم شخص أبو أيوب الى علىّ واستخلف رجلا من الانصار فلم يزل واليا الى أن قتل علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ذكر ذلك كله أبو عمرو* وقال الزبير بن بكار كان تمام أشدّ الناس بطشا وله عقب وقال الزبير كان للعباس عشرة بنين ستة منهم من أمّ الفضل أمامة بنت الحارث الهلالية وهذا يخالف ما سبق من ان اسم أمّ الفضل لبابة قال عبد الله بن يزيد الهلالى ما ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن أمّ الفضل أكرم بها من كهلة وكهل الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وسابعتهم أمّ حبيب شقيقتهم وعون بن عباس قال أبو عمرو ولم أقف على اسم أمه وتمام وكثير لامّ ولد والحارث أمه من هذيل فهؤلاء عشرة أولاد للعباس وكان تمام أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول تموا بتمام فصاروا عشرة ... يا رب فاجعلهم كراما بررة واجعل لهم ذكرا وأثم الشجرة ذكر ذلك أبو عمرو وهذا يضادّ ما تقدّم فى كثير لانه ذكر أن كثيرا ولد قبل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 بأشهر وذكر أن تماما روى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فيكون كثير أصغر منه قطعا الا أن يكون هذا من قول الزبير بن بكار وغيره يخالفه فيه وقد ذكر أبو عمرو عونا والحارث فى ولد العباس وذكر أن أم الحارث هذلية وقد تقدّم ذكر الدارقطنى ذلك فى فضل ولد العباس اجمالا* قال صاحب الصفوة واسمها حجيلة بنت جندب ولم يذكر ابن قتيبة عونا فى ولد العباس وذكر الحارث وقال أمه أمّ ولد وتابعه أبو سعيد فى شرف النبوّة* (ذكر الاناث من ولد العباس) * وهنّ أربع أم حبيب لبابة ويقال لها أمّ حبيبة أمها أمّ الفضل وقد روى من حديث أم الفضل ان النبىّ صلّى الله عليه قال لو بلغت أمّ حبيبة بنت العباس واناحى لتزوّجتها فتوفى قبل ان تبلغ فتزوّجها الاسود بن سفيان بن عبد الاسد بن هلال المخزومى ذكره أبو عمرو وروى الدارقطنى تزوّجها الاسود بن عبد الاسد أخو أبى سلمة فولدت له رزق بن الاسود ولبابة بنت الاسود وصفية وأمينة قاله الدارقطنى ذكره ابن قتيبة وأبو سعد وقالا تمام وكثير والحارث وصفية وأمينة لامهات أولا دشتى وأما أبو عمرو فلم يذكر انثى غير أمّ حبيبة وقال صاحب الصفوة تمام وكثير وصفية وأميمة أمهم أمّ ولد فجعل أمّ الاربعة واحدة وقال أميمة ولعله تصحيف من الناسخ وذكر الدارقطنى ان أمينة تزوّجها عياش بن عتبة بن أبى لهب فولدت له الفضل الشاعر قال ولا رواية لها ولا لصفية بنت العباس وأمّ حبيب وأمّ كلثوم روى عنهما محمد بن ابراهيم التيمى ذكر الدارقطنى فى مناقب العباس أمّ كلثوم كذا فى ذخائر العقبى* (ذكر أبى لهب) * بن عبد المطلب اسمه عبد العزى قيل كناه به أبوه لحسنه واشراق وجهه وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان النار كذا فى العمدة وجملة أولاده اربعة عتبة وعتيبة ومعتب ودرة* وفى حديث أبى هزيرة جاءت سبيعة بنت أبى لهب الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان الناس يقولون أنت بنت حطب النار الحديث فان كانت سبيعة ودرة واحدة فأولاده أربعة وان كانت غيرها فهم خمسة ثلاثة ذكور وبنتان أسلموا يوم الفتح ولهم صحبة وعتيبة قتله الاسد بالزرقاء كافرا وسيجىء ذكره فى مناقب أمّ كلثوم ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الباب الثالث فى السنة الخامسة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم وأما عتبة ومعتب فأمهما أمّ جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب أخت أبى سفيان أسلما يوم الفتح وكانا قد هربا من النبىّ صلّى الله عليه وسلم روى عبد الله بن عباس عن أبيه عباس بن عبد المطلب قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة فى عام الفتح قال لى يا عباس أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما قال قلت يا رسول الله تنحيا فيمن تنحى من مشركى قريش فقال اذهب اليهما فأتنى بهما قال العباس فركبت اليهما بعرفة فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعو كما فركبا معى فقد ما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاهما الى الاسلام فأسلما وبايعا قاله أبو موسى وفى رواية فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامهما ودعا لهما وقال أبو عمرو شهد معتب وعتبة حنينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفقئت عين معتب بحنين وكانا فيمن ثبت ولم ينهزم وشهدا معه الطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة ولهما عقب* قال الزبير بن بكار شهد عتبة وعتيبة ابنا أبى لهب حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانا فيمن ثبت وأقاما بمكة أخرجه أبو عمرو وأبو موسى ان ثبت وما أراه قول الزبير يرد عليه كذا فى أسد الغابة وسيجىء ذكر تزوّج عتبة وعتيبة بنتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم رقية وامّ كلثوم وفراقهما اياهما قبل الدخول واما درة بنت أبى لهب فأسلمت وكانت عند نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ولدت له عقبة والوليد وأبا سلمة وروت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم* عن أبى هريرة ان سبيعة بنت أبى لهب شكت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذى الناس لها وقولهم بنت حطب النار لعلى هذه اسمها وذاك لقب لها اذ لم يذكر أبو عمرو وغيره فى أولاده غير هؤلاء وذكر الدارقطنى فى كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الاخوة والاخوات فى أولاده عتبة ومعتبا ودرّة وخالدة وعزة بنو أبى لهب وقال ولا رواية لهما يعنى عزة وخالدة* (ذكر الاناث من أولاد عبد المطلب) * أما أم حكيم البيضاء فهى شقيقة عبد الله أبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبى طالب والزبير وعبد الكعبة وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ وقد تقدّم ذكرها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ولدت له عامر او بنات لم يذكر عددهنّ ولا أسماءهنّ ولا اسلامهنّ* فى أسد الغابة فولدت له أروى امّ عثمان وامّ عامر بن كريز أما غامر فأسلم يوم فتح مكة وبقى الى خلافة عثمان وهو والد عبد الله بن عامر بن كريز الذى ولاه عثمان العراق وخراسان وكان عمره اربعا وعشرين سنة ذكره ابو عمرو واما عاتكة المختلف فى اسلامها فأمها ايضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ فتكون شقيقة عبد الله ابى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وابى طالب وكانت تحت أبى امية بن المغيرة المخزومى فولدت له عبد الله وزهيرا ابنا أبى امية وكلاهما ابنا عمّ أبى جهل واخوا امّ سلمة زوج النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابيها هكذا ذكره ابو عمرو وذكر أن امّ امّ سلمة عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس وأن امّ عبد الله وزهير عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم واما ابو سعيد فذكر فى شرف النبوّة ان امّ سلمة بنت عمة النبىّ صلّى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب فتكون اخت عبد الله وزهير لابويهما والاوّل اثبت لان معه زيادة علم والثانى لعله اشتبه عليه فأما عبد الله فأسلم وكان قبل اسلامه شديد العداوة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم وللمسلمين وهو الذى قال لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا الى أو يكون لك بيت من زخرف ثم انه خرج مهاجرا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلقيه فى الطريق بين السقيا والعرج مريدا لمكة عام الفتح فتلقاه فأعرض النبىّ صلّى الله عليه وسلم عنه مرة بعد أخرى حتى دخل على اخته أمّ سلمة وسألها ان تشفع له فشفعت فشفعها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه وشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما وحنينا والطائف فرمى يوم الطائف بسهم فقتل ومات شهيدا وهو الذى قال له المخنث فى بيت أمّ سلمة يا عبد الله ان فتح عليكم الطائف غدا فانى أدلك على ابنة غيلان فانها تقبل باربع وتدبر بثمان وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم عندها فقال لا يدخلنّ هذا عليكم* وفى رواية من حديث عائشة رضى الله عنها قالت كان يدخل على ازواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولى الاربة فذكرت معنى ما تقدّم وزادت فقال صلّى الله عليه وسلم أرى هذا ما ههنا لا يدخل عليكم فحجبوه وقوله تقبل بأربع أى بأربع عكن فى بطنها وتدبر بثمان لان كل عكنة لها طرفان وسيجىء فى غزوة الطائف واما زهير بن ابى أمية فقد عدّ فى المؤلفة قلوبهم* واما برة بنت عبد المطلب فأمها فاطمة ايضا وكانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامرى فولدت له ابا سبرة ثم خلف عليها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومى فولدت له ابا سلمة بن عبد الاسد الذى كانت عنده امّ سلمة قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقيل كانت أوّلا عند عبد الاسد ثم خلف عليها أبورهم ولم يذكر أبو سعد غيره والوجهان ذكرهما أبو عمرو واسم أبى سلمة عبد الله اسلم وهاجر الى أرض الحبشة الهجرتين وهو أوّل من هاجر الى الحبشة ومعه زوجته أمّ سلمة ثم هاجر الى المدينة وهو أوّل من هاجر اليها وكانت هجرته قبل بيعة العقبة لما آذته قريش حين قدم من الحبشة وقد بلغه اسلام من أسلم من الانصار فخرج اليها مهاجرا وشهد بدرا وجرح يوم أحد جرحا اندمل ثم انتقض عليه فمات منه وتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده زوجته أمّ سلمة عن امّ سلمة قالت دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقال ان الروح اذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم الا بخير فان الملائكة تؤمّن على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لابى سلمة وارفع درجته فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الغابرين واغفر لنا وله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 يا رب العالمين اللهم افسح له فى قبره ونوّر له قبره اخرجاه وخرجه ابو حاتم وقال فى المقرّبين مكان المهديين* واما اميمة بنت عبد المطلب فأمها ايضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ وكانت تحت حجش بن رئاب اخى بنى تميم بن ذود بن اسد بن خزيمة فولدت له عبد الله وعبيد الله وابا احمد وزينب وأمّ حبيبة وحمنة اولاد حجش بن رئاب اسلموا كلهم وهاجر الذكور الثلاثة الى ارض الحبشة فأما عبيد الله فتنصر وبانت منه زوجته أمّ حبيبة بنت ابى سفيان بن حرب ومات عبيد الله على النصرانية بالحبشة وتزوّجها رسول الله واما ابو احمد واسمه عبد وقيل ثمامة والاوّل اصح كان سلفا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تحته الفارغة بنت ابى سفيان بن حرب اخت امّ حبيبة ومات بعد وفاة اخته زينب وكانت وفاته سنة عشرين واما عبد الله فهاجر الهجرتين عن الشعبى قال أوّل لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش* وقال ابن اسحاق بل لواء عبيدة بن الحارث* وقال المداينى بل لواء حمزة وعبد الله هذا أوّل من سنّ الخمس فى الغنيمة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم قبل أن يفرض ثم افترض بعد ذلك وانما كان قبل ذلك المرباع وشهد عبد الله بدرا وأحدا واستشهد بها وسيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة أحد* عن عبد الله بن مسعود قال استشار رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وأبا بكر وعمر رضى الله عنهم فى أسارى بدر* واما البنات فأسلمن كلهنّ ولهنّ صحبة وتزوّج صلّى الله عليه وسلم منهنّ زينب كما سيجىء وأما حمنة فكانت تحت مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدرى وكان من فضلاء الصحابة فلما قتل تزوّجها طلحة بن عبيد الله فولدت له محمدا وعمران وهى التى استحيضت وسألت النبىّ صلى الله عليه وسلم وحديثها فى باب الاستحاضة مشهور واما امّ حبيبة ويقال امّ حبيب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وكانت تستحاض أيضا وأهل السير يقولون المستحاضة حمنة والصحيح عند أهل الحديث انهما استحيضتا وقد قيل ان زينب أيضا كانت تستحاض* وأما أروى بنت عبد المطلب المختلف فى اسلامها فأمها صفية بنت جندب امّ الحارث بن عبد المطلب وهى شقيقته وكانت تحت عمير بن وهب ابن عبد بن قصى فولدت له طليبا ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى وأسلم طليب وكان سببا فى اسلام أمه* وذكر الواقدى أن طليبا أسلم فى دار الارقم ثم حرج فدخل على أمه أروى بنت عبد المطلب فقال تبعت محمدا وأسلمت لله عز وجلّ فقالت انّ أحق من واددت وعضدت ابن خالك والله لو قدرنا على ما قدرت عليه الرجال لمنعناه وذبينا عنه فقال لها طليب ما يمنعك أن تسلمى وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة فقالت انظر ما تصنع أخواتى ثم أكون من احداهنّ قال فقلت انى أسألك بالله الا أتيته فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا اله الا الله قالت فانى أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ثم كانت بعده تعضد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بلسانها وتحض على نصرته والقيام بأمره وهذا دليل قول من قال انها أسلمت وهاجر طليب الى أرض الحبشة وشهد بدرا فى قول ابن اسحاق والواقدى* قال الزبير بن بكار كان طليب من المهاجرين الاوّلين شهد بدرا وقتل باجنادين شهيدا ولا عقب له وقال مصعب قتل يوم اليرموك* وأما صفية بنت عبد المطلب فأسلمت باتفاق وشهدت الخندق وقتلت رجلا من اليهود وضرب لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسهم وروت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا رواه عنها ابنها الزبير بن العوام ذكر ذلك الدارقطنى أمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة شقيقة حمزة والمقوّم وحجل وكانت فى الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس ثم هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد اخو خديجة بنت خويلد زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة* ولما مات النبىّ صلّى الله عليه وسلم رثته بأبيات منها هذا البيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا برّا ولم تك جافيا وستجىء فى الموطن الحادى عشر فى وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتمامها روى هذه الابيات الحافظ السلفى بسنده عن هشام بن عروة وتوفيت صفية بالمدينة فى خلافة عمر سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون سنة ودفنت بالبقيع ويقال بفناء دار المغيرة بن شعبة* ذكر الزبير بن العوّام وأما ابنها الزبير فأسلم قديما وهو ابن ثمان سنين وقيل ابن ست عشرة سنة وهاجر الى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو أوّل من سل سيفا فى سبيل الله وكان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت* (ذكر صفته) * كان أبيض طويلا ويقال لم يكن بالطويل ولا بالقصير الى الخفة فى اللحم ما هو ويقال كان أسمر اللون أشعر خفيف العارضين* (ذكر أولاده) * كان له من الولد عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخديجة الكبرى وامّ الحسن وعائشة أمهم أسماء بنت أبى بكر وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند أمهم أمّ خالد وهى أمة الله بنت خالد بن سعيد بن العاص ومصعب وحمزة ورملة أمهم الرباب بنت أنيف بن عبيد وعبيدة وجعفر أمهما زينب أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس* وعن أبى الاسود قال أسلم الزبير ابن العوّام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمانى عشرة سنة وكان عمّ الزبير يجعل الزبير فى حصر ويدخن عليه بالنار وهو يقول له ارجع الى الكفر فيقول الزبير لا أكفر أبدا* وعن أبى الاسود محمد بن عبد الرحمن نوفل قال كان اسلام الزبير بعد أبى بكر رابعا أو خامسا* وعن عبد الله بن الزبير قال جمع لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد يقول فداك أبى وأمى أخرجاه فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب النبىّ صلّى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكل نبىّ حوارى وحوارىّ الزبير أخرجاه فى الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال أوّل من سل سيفا فى ذات الله الزبير بن العوّام بينما هو فى مكة اذ سمع نغمة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شىء فى يده السيف صلتا فتلقاه النبىّ صلّى الله عليه وسلم كفة كفة فقال له مالك يا زبير قال سمعت انك قد قتلت قال فما كنت صانعا قال أردت والله ان استعرض أهل مكة فدعا له النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وعن مصعب بن الزبير قال قاتل الزبير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتى عشرة سنة فكان يحمل على القوم* عن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدّون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم يقول يتصدّق بها* وفى رواية اخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم الى منزله وليس معه منها شىء وعن علىّ بن زيد قال أخبرنى من رأى الزبير وان فى صدره كأمثال العيون من الطعن والرمى* (ذكر مقتله) * قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين سنة ويقال ستين ويقال بضع وخمسين ويقال نيف وستين قتله ابن جرموز* وعن ذر قال استأذن ابن جرموز على علىّ وأنا عنده فقال على بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول لكل نبى حوارى وحوارىّ الزبير* وعن عبد الله بن الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصينى بدينه ويقول ان عجزت عن شىء منه فاستعن عليه بمولاى فقال فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال الله قال والله ما وقعت فى كربة من دينه الا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وانما كان دينه الذى عليه ان الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه اياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فانى أخشى عليه الضيعة قال فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفى ألف ومائتى ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما الا أرضين بعتها وقضيت دينه فقال بنو الزبير فاقسم بيننا ميراثنا قلت لا والله لا اقسم بينكم حتى أنادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادى بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف انفرد باخراج هذا الحديث البخارى كذا فى الصفوة* وأما السائب بن صفية فأسلم وشهد أحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتل يوم اليمامة شهيدا* وأما عبد الكعبة فذكره أبو عمرو فى أولاد صفية كذا فى ذخائر العقبى* (ذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى) * فى معالم التنزيل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان بنى اسرائيل لما اعتدوا وقتلوا الانبياء بعث الله عليهم ملك فارس بخت نصر وكان الله ملكه سبعمائة سنة فسار اليهم حتى حل بيت المقدس فحاصرها وفتحها وقتل على دم يحيى بن زكريا سبعين ألفا ثم سبى أهلها* وفى العمدة قتل مائتى ألف وسبعين ألفا وسبى مثل ذلك وأحرق التوراة وخرب بيت المقدس* وفى أنوار التنزيل وغيره ان الله تعالى أوحى الى بنى اسرائيل فى التوراة انكم لتفسدنّ فى الارض مرّتين افساد المرّة الاولى مخالفتهم أحكام التوراة وقتل شعيا وثانيتهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام* وفى المدارك أولاهما قتل زكريا وحبس أرميا عليهما السلام حين أنذرهم بسخط الله والاخيرة قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى عليهم السلام قيل وفى كون أولاهما قتل زكريا نظر وقيل رواية من روى أن بخت نصر غزا بنى اسرائيل عند قتل يحيى بن زكريا غلط عند أهل السير بل هم مجمعون على أن بخت نصر غزا بنى اسرائيل عند قتلهم شعيا فى عهد أرميا ومن وقت أرميا وتخريب بخت نصر بيت المقدس الى مولد يحيى بن زكريا اربعمائة واحدى وستون سنة وذلك انه من لدن تخريب بخت نصر الى حين عمرانه فى عهد كرش بن اخشورش اصهد بابل من قبل بهمن بن اسفنديار بن كشتاسف بن لهراسف سبعون سنة ثم بعد عمرانه الى ظهور الاسكندر على بيت المقدس ثمان وثمانون سنة ثم بعد مملكته الى مولد يحيى بن زكرياء ثلثمائة وثلاث وستون سنة والصحيح ما قاله محمد بن اسحاق من ان افسادهم فى المرّة الاولى قتل شعيا بن الشجرة وارتكابهم المعاصى وقوله تعالى بعثا عليكم عبادا لنا* قال ابن اسحاق هم بخت نصر البابلى وأصحابه وهو الاظهر والله أعلم* وفى أنوار التنزيل هم بخت نصر عامل لهراسب على بابل وجنوده وقيل جالوت الجزرى وقيل سنجاريب من أهل ينوى* وفى الكشاف سنحاريب يروى بالجيم وبالحاء المهملة* وفى لباب التأويل قال ابن اسحاق كانت بنو اسرائيل فيهم الاحداث والذنوب وكان الله فى ذلك متجاوزا عنهم محسنا اليهم وكان أوّل ما نزل بهم بسبب ذنوبهم أن ملكا منهم كان يدعى صديقة وكان الله تعالى اذا ملك عليهم ملكا بعث معه نبيا يسدّده ويرشده ولا ينزل عليه كتابا انما يؤمرون باتباع التوراة والاحكام التى فيها فلما ملك صديقة بعث الله معه شعيا بن أمضيا وذلك قبل مبعث زكرياء ويحيى وعيسى وشعيا هو الذى بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام فقال ابشر أو روى شلم وهو اسم بيت المقدس ألا انه يأتيك راكب الحمار وبعده صاحب البعير فملك ذلك الملك يعنى صديقة بنى اسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت الاحداث بينهم وكان معه شعيا فبعث الله سنجاريب ملك بابل ومعه ستمائة ألف راية فلم يزل سائرا حتى نزل حول بيت المقدس والملك صديقة مريض من قرحة كانت فى ساقه فجاء شعيا النبى اليه وقال يا ملك بنى اسرائيل ان سنجاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده وقدها بهم الناس وفرقوا منهم فكبر ذلك على الملك وقال يا نبىّ الله هل أتاك من الله وحى فيما حدث فتخبرنا به وكيف يفعل الله بنا وبسنجاريب وجنوده فقال شعيا لم يأتنى وحى فى ذلك وبينماهم على ذلك أوحى الله الى شعيا النبى ان ائت ملك بنى اسرائيل فمره أن يوصى وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته فأتى شعيا ملك بنى اسرائيل فقال ان ربك قد أوحى الىّ أن آمرك أن توصى وصيتك وتستخلف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 شئت من أهل بيتك على ملكك فانك ميت فلما قال ذلك شعيا لصديقة الملك أقبل على القبلة فصلى ودعا فقال وهو يبكى ويتضرّع الى الله يقلب مخلص اللهم رب الارباب واله الآلهة يا قدّوس المقدّس يا رحمن يا رحيم يا رؤف الذى لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرنى بعملى وفعلى وحسن قضائى على بنى اسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به منى سرّى وعلانيتى لك فاستجاب الله له وكان عبدا صالحا فأوحى الله الى شعيا أن يخبر صديقة ان ربه قد استجاب له ورحمه وأخر أجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوّه سنجاريب فأتاه شعيا فأخبره فلما قال له ذلك انقطع عنه الحزن وخرّ ساجدا وقال الهى واله آبائى لك سجدت وسبحت وكرّمت وعظمت أنت الذى تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة أنت الاوّل والآخر والظاهر والباطن وانت ترحم وتستجيب دعوة المضطرّين انت الذى اجبت دعوتى ورحمت تضرّعى فلما رفع رأسه اوحى الله الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ ففعل ذلك فشفى فقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدوّنا هذا قال الله لشعيا قل له انى قد كفيتك عدوّك وانجيتك منهم فانهم سيصبجون موتى كلهم الا سنجاريب وخمسة نفر من كتابه فلما أصبحوا جاء صارخ يصرخ على باب المدينة يا ملك بنى اسرائيل ان الله قد كفاك عدوّك فاخرج فان سنجاريب ومن معه هلكوا فخرج الملك والتمس سنجاريب فلم يوجد فى الموتى فبعث الملك فى طلبه فأدركه الطلب فى مغارة ومعه خمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم الملك فلما رآهم خرّ ساجدا لله تعالى من حين طلعت الشمس الى العصر ثم قال لسنجاريب كيف رأيت فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوّته ونحن وأنتم غافلون* فقال سنجاريب قد أتانى خبر ربكم ونصره اياكم ورحمته التى يرحمكم بها قبل ان أخرج من بلادى فلم أطع مرشدا ولم يلقنى فى الشقوة الا قلة عقلى فلو سمعت أو عقلت ما غزوتكم فقال الملك صديقة الحمد لله رب العالمين الذى كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك ومن معك للكرامة بك ولكنه انما أبقاك ومن معك لتزداد واشقوة فى الدنيا وعذابا فى الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم ولولا ذلك لقتلتك ومن معك ولد مك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت* ثم ان ملك بنى اسرائيل أمر أمير حرسه أن يقذف فى رقابهم الجوامع ففعل وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وايليا وكان يرزقهم فى كل يوم خبزتين من شعير فقال سنجاريب للملك صديقة القتل خير مما يفعل بنا فأمر بهم الى السجن فأوحى الله الى شعيا النبىّ ان قل لملك بنى اسرائيل يرسل سنجاريب ومن معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ ذلك شعيا للملك ففعل فخرج سنجاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمعوا الناس فأخبروهم كيف فعل الله تعالى بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحى الله الى نبيهم فلم تطعنا وهى أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم وكان أمر سنجاريب تخويفا لبنى اسرائيل ثم كفاهم الله تعالى ذلك تذكرة وعبرة ثم ان سنجاريب لبث بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف على ملكه ابن ابنه بخت نصر فعمل بعمله وقضى بقضائه فلبث سبع عشرة سنة* ثم قبض الله ملك بنى اسرائيل صديقة فخرج أمراء بنى اسرائيل فتنافسوا فى الملك حتى قتل بعضهم بعضا وشعيا نبيهم معهم لا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم فى قومك أوح على لسانك ولما قام أنطق الله لسانه بالوحى وألهمه فى الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية ووعظهم وناصحهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وبشر فيها بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وبين سيرته وسيرة أمته ولما فرغ من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فانغلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم اياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه فى وسطها ومثل هذا منقول فى قتل زكريا أيضا كما سيجىء واستخلف الله على بنى اسرائيل بعد ذلك رجلا يقال له ناشية بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا وكان من سبط هارون بن عمران وذكر ابن اسحاق انه الخضر واسمه ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهى تهتز خضراء فبعث الله أرميا الى ذلك الملك يسدّده ويرشده ثم عظمت الاحداث فى بنى اسرائيل وركبوا المعاصى واستحلوا المحارم فأوحى الله الى أرميا أن ائت قومك من بنى اسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتى وعرّفهم باحداثهم فقال أرميا انى ضعيف ان لم تقوّنى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى* قال الله تعالى أولم تعلم أن الامور كلها تصدر عن مشيئتى وان القلوب والالسنة بيدى أقلبها كيف شئت انى معك ولن يصل اليك شىء وانا معك فقام أرميا ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل فى الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال فى آخرها عن الله عز وجل وانى جلفت بعزتى لا قضين لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم* ثم أوحى الله الى أرميا انى مهلك بنى اسرائيل بيافث ويافث أهل بابل فسلط عليهم بخت نصر فخرج فى ستمائة ألف راية ودخل بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا حتى ملؤه ثم أمرهم أن يجمعوا من فى بلدان بيت المقدس كلهم فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بنى اسرائيل فاختار منهم سبعين ألف صبى فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمها فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بنى اسرائيل فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة وفرّق من بقى من بنى اسرائيل ثلاث فرق ثلثا أقرّ بالشام وثلثا سبى وثلثا قتل وذهب بابنه بيت المقدس وبالصبيان السبعين ألف حتى قدم بابل وكانت هذه الوقعة الاولى التى أنزل الله عز وجل ببنى اسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد يعنى بخت نصر وأصحابه* ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا عجيبة اذ رأى شيئا أصابه فأنساه الذى رأى وسألهم عنها فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائل وكانوا من ذرارى الانبياء وسألهم عنها فقالوا أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها ولئن لم تخبرونى بها وبتأويلها لانزعنّ أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرّعوا اليه فأعلمهم الله الذى سألهم عنه فجاؤه فقالوا رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد قال صدقتم قال فبينما تنظر اليه وقد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقته فهى التى أنستكها قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك أريت ملك الملوك بعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشدّ ملكا الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل والذهب أحسن من الفضة وأفضل ثم الحديد ملكك فهو أشدّ واعز مما كان قبله والصخرة التى رأيت أرسل الله من السماء فدقته نبى يبعثه الله من السماء فيدق ذلك اجمع ويصير الامر اليه ثم ان أهل بابل قالوا البخت نصر أرايت هؤلاء الغلمان من بنى اسرائيل الذى سألناك أن تعطيناهم ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد رأينا نساءنا انصرفت وجوههم عنا اليهم فأخرجهم من بين اظهرنا أو اقتلهم فقال شأنكم بهم فمن احب ان يقتل من كان فى يده فليفعل فلما قربوهم للقتل بكوا وتضرّعوا الى الله عز وجل وقالوا يا ربنا أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم ان يحييهم فقتلوا الا من كان منهم مع بخت نصر منهم دانيال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وحنانيا وعزاريا وميشائل* ثم لما أراد الله تعالى هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يديه من بنى اسرائيل أرأيتم هذا البيت الذى اخربت والناس الذين قتلت من هم وما هذا البيت قالوا هذا بيت الله وهؤلاء أهله كانوا من ذرارى الانبياء فظلموا وتعدّوا قسلطت عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السموات والارض ورب الخلائق كلهم يكرمهم ويعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم فاستكبر بخت نصر وتجبر وظنّ أنه بجبروته فعل ذلك ببنى اسرائيل* قال فأخبرونى كيف لى أن أطلع الى السماء العليا فأقتل من فيها واتخذها ملكا فانى قد فرغت من أهل الارض قالوا ما يقدر عليها أحد من الخلائق قال لتفعلنّ أولا قتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرّعوا الى الله عز وجل فبعث الله عز وجل بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى عضت امّ دماغه فما كان يقرّ ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على امّ دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على امّ رأسه ليرى الله العباد قدرته ونجى الله من بقى من بنى اسرائيل فى يده وردّهم الى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه ويزعمون ان الله تعالى احيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم من الله عهد كانت التوراة قد احترقت وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فلما رجع الى الشام جعل يبكى ليله ونهاره وخرج عن الناس فبينا هو كذلك اذ جاء رجل فقال له يا عزير ما يبكيك قال أبكى على كتاب الله وعهده الذى كان بين أظهرنا الذى لا يصلح ديننا وآخرتنا غيره قال افتحب أن يردّ اليك ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه ثم عمد الى المكان الذى وعده فجلس فيه فأتى ذلك الرجل باناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله اليه فسقاه الملك من ذلك الاناء فمثلت له التوراة فى صدره فرجع الى بنى اسرائيل فوضع لهم التوراة فأحبوه حبا لم يحبوا حبه شيئا قط* ثم قبضه الله تعالى فجعلت بنو اسرائيل بعد ذلك يحدثون الاحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر من بعث اليهم من انبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من بيت آل داود فزكريا مات وقيل قتل والمشهور انه نشر بالمنشار وقصدوا عيسى ليقتلوه فرفعه الله من بين أظهرهم وقتلوا يحيى وسيجىء كيفية قتله فلما فعلوا ذلك بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فصار اليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤساء جنوده يقال له بيور زاذان صاحب القتل فقال له انى كنت قد حلفت بالهى لئن أنا طفرت على أهل بيت المقدس لاقتلنهم حتى يسيل الدم فى وسط عسكرى فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم* ثم ان بيور زاذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة التى كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد دما يغلى فسألهم عنه فقال يا بنى اسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى أخبرونى خبره فقالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلى ولقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة فتقبل منا الا هذا فقال ما صدقتمونى فقالوا لو كان كأوّل زماننا لقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوّة والوحى فلذلك لم يقبل منا فذبح بيور زاذان منهم على ذلك الدم سبعمائة وسبعين روحا من رؤسهم فلم يهدأ الدم فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ* فلما رأى بيور زاذان ان الدم لا يهدأ قال لهم يا بنى اسرائيل ويلكم أصدقونى واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الارض تفعلون ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار من ذكر ولا انثى الا قتلته فلما رأوا الجهد وشدّته صدقوه الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط الله فلو كنا اطعناه كنا أرشدنا وكان يخبرنا عن امركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه قال لهم بيور زاذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الآن صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم* فلما رأى بيور زاذان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 انهم صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة وأخرجوا من كان ههنا من جيش خردوش وخلافى بنى اسرائيل ثم قال يا يحيى بن زكريا يا قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ باذن ربك قبل أن لا أبقى من قومك أحدا فهدأ الدم باذن الله تعالى ورفع بيور زاذان عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنو اسرائيل وأيقنت انه لا رب غيره وقال لبنى اسرائيل ان خردوش أمرنى أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره وانى لا أستطيع أن اعصيه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فخندقوا خندقا وأمرهم بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والابل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم فى العسكر وامر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتلوا من المواشى فلم يظنّ خردوش الا أن ما فى الخندق من دماء بنى اسرائيل فلما بلغ الدم عسكره ارسل الى بيور زاذان أن ارفع عنهم القتل ثم انصرف الى بابل وقد أفنى بنى اسرائيل أولاد وهى الوقعة الاخيرة التى انزل الله ببنى اسرائيل فى قوله لتفسدن فى الارض مرّتين فكانت الوقعة الاولى بخت نصر وجنوده والاخيرة خردوش وجنوده وكانت اعظم الوقعتين فلم يقم لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونانيين الا أن بقايا بنى اسرائيل كثير وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على وجه الملك وكانوا فى نعمة الى أن بدلوا وأحدثوا فسلط الله عليهم ططوس بن اسبيانوس الرومى فأخرب بلادهم وطردهم منها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلة فليسوا فى أمة الا وعليهم الصغار والجزية فبقى بيت المقدس خرابا الى خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره* روى أن زكريا بن برخيا وعمران بن ماثان كانا متزوّجين بأختين احداهما عند زكريا وهى أشاع بنت فاقوذ امّ يحيى والاخرى عند عمران وهى حنة بنت فاقوذ امّ مريم امّ عيسى* وفى العرائس والمختصر أن بنى اسرائيل اتهموا زكريا بمريم فهرب منهم فدخل من خوفه جوف شجرة فقطعوها بالمنشار وفلقوها به فلقتين طولا ويقال انه مات موتا وكان زكريا ابن برخيا من ولد سليمان بن داود عليهما السلام* وفى الكامل لما قتل يحيى عليه السلام وسمع أبوه بقتله فرّ هاربا فدخل بستانا عند بيت المقدس فيه اشجار فأرسل الملك فى طلبه فمرّ زكريا بشجرة فنادته الىّ يا نبىّ الله فلما أتاها انشقت فدخلها وانطبقت عليه فبقى فى وسطها فأتى عدوّ الله ابليس لعنه الله فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة ليصدّقوه اذا أخبرهم ثم لقى الطلب فقال لهم ما تريدون فقالوا نلتمس زكريا فقال انه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها فقالوا لا نصدّقك قال انى آتى بعلامة تصدّقونى بها وأراهم طرف ردائه فقطعوا الشجرّة وشقوها بالمنشار فمات زكريا فيها* سبب قتل يحيى عليه السلام وقيل فى سبب قتل يحيى عليه السلام ان ملك بنى اسرائيل كان يكرمه ويدنى مجلسه وان الملك هوى بنت امرأته وقال ابن عباس ابنة أخيه فسأل يحيى تزويجها فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى وعمدت حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلى وأرسلتها الى الملك وأمرتها أن تسقيه فان رادوها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته فاذا أعطاها ما سألت سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به فى طست ففعلت فلما راودها قالت لا أفعل حتى تعطينى ما أسألك قال فما تسألينى قالت رأس يحيى بن زكريا فى هذا الطست فقال ويحك سلينى غير هذا قالت ما اريد غير هذا فلما أبت عليه بعث فأتى برأسه حتى وضع بين يديه والرأس تتكلم تقول لا يحل لك فلما أصبح اذا دمه يغلى فأمر بتراب فألقى عليه فرقى الدم يغلى فلا زال يلقى عليه التراب وهو يغلى حتى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى ويرقى فسلط الله عليهم ملك بابل خردوش فخرب بيت المقدس وقتل سبعين ألفا حتى سكن هكذا ذكر فى لباب التأويل واما فى غيره فقد ذكر وجه آخر فى قتله وذكر بعض احواله وجاء فى الخبر ان الشمس بكت على يحيى عليه السلام اربعين صباحا وكان بكاؤها ان طلعت حمراء وغربت حمراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ويروى أن يحيى بن زكريا سيد الشهداء يوم القيامة وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة* وفى الفتوحات قال الشارع وهو الصادق صاحب العلم الصحيح والكشف الصريح ان الموت يجاء به يوم القيامة فى صورة كبش أملح يعرفه الناس ولا ينكره أحد فيذبح بين الجنة والنار وروى أن يحيى عليه السلام هو الذى يضجعه ويذبحه بشفرة تكون فى يده والناس ينظرون اليه* وفى معالم التنزيل ذكر وهب بن منبه ان الله مسخ بخت نصر نسرا فى الطير ثم مسخه ثورا فى الدواب ثم مسخه أسدا فى الوحوش وكان مسخه الله سبع سنين وقلبه فى ذلك قلب انسان ثم ردّ الله اليه ملكه فآمن فسئل وهب أكان بخت نصر مؤمنا قال وجدت أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مات مؤمنا ومنهم من قال احرق بيت المقدس وكتبه وقتل الانبياء فغضب الله عليه فلم يقبل توبته وذكر السدّى هلاك بخت نصر بوجه آخر غير ما ذكر من اهلاك البعوضة فقال لما رجع الى صورته بعد المسخ وردّ الله اليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس فحسدهم المجوس وقالوا لبخت نصر ان دانيال اذا شرب خمرا لم يملك نفسه أن يبول وكان ذلك عارا عندهم فجعل لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا وقال للبوّاب انظر أوّل من يخرج يبول فاضربه بالطير زين فان قال لك أنا بخت نصر فقل له كذبت بخت نصر أمرنى فكان أوّل من قام للبول بخت نصر فلما رآه البوّاب شدّ عليه فقال أنا بخت نصر فقال كذبت بخت نصر أمرنى فضربه فقتله* نقش خاتم دانيال وفى نهاية الكفاية فى شرح الهداية كان على خاتم دانيال صورة أسد ولبوة بوزن سمرة وهى انثى الاسد وبينهما صبى يلحسانه فلما نظر اليه عمر اغر ورقت عيناه أى دمعتا وأصل ذلك ان بخت نصر حيث استولى أخبر أن بعض ما يولد فى زمانك يقتلك فكان يتتبع قتل الصبيان فيقتلهم فلما ولد دانيال ألقته أمه فى غيضة رجاء أن ينجو من القتل فقيض الله تعالى له اسدا يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه فأراد دانيال بهذا النقش على خاتمه أن يحفظ منة الله عليه* وفى حياة الحيوان قالوا قبر دانيال بنهر السوس ووجده أبو موسى الاشعرى فأخرجه وكفنه وصلّى عليه ثم قبره بنهر السوس وأجرى عليه الماء* وعن أبى الزناد أنه قال رأيت فى يد أبى بردة بن أبى موسى الاشعرى خاتما نقش فصه أسدان بينهما رجل وهما يلحسانه قال أبو بردة هذا خاتم دانيال أخذه أبو موسى الاشعرى حين وجده يوم دفنه * (ذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا) * وكانت مدفونة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا يعرف مكانها كما يجىء* وفى سيرة مغلطاى سميت زمزم بذلك لانها زمت بالتراب أو لزمزمة الماء فيها* وفى سيرة ابن هشام وهى دفن بين صنمى قريش اساف ونائلة عند منحر قريش كانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة وهى بئر اسماعيل بن ابراهيم التى سقاه الله حين ظمئ وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت على الصفا تدعو الله وتستسقيه لاسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك وبعث الله جبريل فهمزها بعقبه فى الارض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافت عليه فأقبلت تشتدّ نحوه فوجدته يفحص بيديه عن الماء تحت خدّه ويشرب فجعلته حبسا كما مرّ فى ابتداء ظهور زمزم* وفى المواهب اللدنية أن الجرهمى عمرو بن الحارث لما أحدث قومه بحرم الله الحوادث قيض الله لهم من أخرجهم من مكة فعمد عمرو الى نفائس فجعلها فى زمزم وبالغ فى طمها وفرّ الى اليمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلك العهد مجهولة الى ان رفعت الحجب برؤيا منام رآها عبد المطلب دلته على حفرها بامارات عليها قال ابن هشام فى سيرته حدّثنا زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى قال بينما عبد المطلب بن هاشم نائم فى الحجر اذ أتى فأمر بحفر زمزم* وفى رواية ان زمزم بقيت منطمسة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا يعرف مكانها الى أن بلغت نوبة حكومة مكة ورياسة أهلها عبد المطلب وتعلقت ارادة الله القديمة باظهارها فأمر عبد المطلب فى المنام بحفرها* وفى سيرة ابن هشام كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أوّل ما بدأ به عبد المطلب من حفرها كما روى عن عبد الله بن زريق الغافقى أنه سمع علىّ بن أبى طالب يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها* قال قال عبد المطلب انى لنائم فى الحجر اذ أتانى آت فقال احفر طيبة قلت وما طيبة قال قال ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر برة قلت وما برة ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر المضنونة قلت وما المضنونة ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر زمزم قال قلت وما زمزم قال لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم وهى بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الاعصم عند قرية النمل وكذا أورده ابن الجورى فى الحقائق الا انه لم يذكر عند قرية النمل وزاد بعد نقرة الغراب الاعصم قوله وهى شرف لك ولولدك وكان غراب أعصم لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم* قال ابن اسحاق فلما بين له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فجعل يحفر ثلاثة أيام حتى بدا له كذا فى الحقائق فلما بدا لعبد المطلب الطى كبر وقال هذا لطوى اسماعيل فعرفت قريش انه قد أدرك حاجته فقاموا اليه فقالوا يا عبد المطلب انها بئرأ بينا اسماعيل وان لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها قال ما أنا بفاعل ان هذا الامر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا له فأنصفنا فانا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم اليه قالوا كاهنة بنى سعد بن هذيم قال نعم وكانت باشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بنى أمية من بنى عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر قال والارض اذ ذاك مفازة فخرجوا حتى اذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا انا بمفازة نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوّف على نفسه وأصحابه قال فماذا ترون قالوا ما رأينا الا تبع لرأيك فمرنا بما شئت قال فانى أرى أن يحفر كل رجل منكم حفيرة لنفسه بما بكم الآن من القوّة فكلما مات رجل دفنه أصحابه فى حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا واحدا فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا قالوا نعم ما أمرت به فقام كل رجل منهم فخفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ثم ان عبد المطلب قال لاصحابه والله ان القاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب فى الارض ونبتغى لا نفسنا لعجز فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى اذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون اليهم ما هم فاعلون تقدّم عبد المطلب الى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش وقال هلمّ الى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاؤا فشربوا واستقوا ثم قالوا قدو الله قضى لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك فى زمزم أبدا ان الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذى سقاك زمزم فارجع الى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا الى الكاهنة وخلوا بينه وبينها* قال ابن اسحاق فهذا الذى بلغنى من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه فى زمزم وقد سمعت من يحدّث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم ثم ادع بالماء الروا غير الكدر ... تسقى حجيج الله فى كل مبر ليس يخاف منه شىء ما عمر فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك الى قريش فقال تعلمون انى قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا فهل بين لك أين هى قال لا قالوا فارجع الى مضجعك الذى رأيت فيه ما رأيت فان يك حقا من الله يبين لك أين هى وان يكن من الشيطان فلن يعود اليك فرجع عبد المطلب الى مضجعه فنام فيه فأتى فقيل له احفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 زمزم فانك ان حفرتها لم تندم وهى تراث من أبيك الاعظم لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم مثل نعام حافل لم يقم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقدا محكم ليس كبعض ما قد تعلم وهى بين الفرث والدم* قال ابن هشام هذا الكلام والكلام الذى قبله فى حديث علىّ فى حفر زمزم من قوله لا تنزف أبدا ولا تذم الى قريه عند قرية النمل عندنا سجع وليس بشعر* قال ابن اسحاق فزعموا انه حين قيل له ذلك قال وأين هى قيل له عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا فالله أعلم أىّ ذلك كان* وفى بعض الكتب فرأى فى المنام يقال له زمزم وما زمزم هزمة جبريل برجله وسقيا اسماعيل وأهله زمزم البركات تروى الرماق الواردات شفاء سقام وخير طعام وأرى مرّة اخرى قيل له احفر تكتم بين الفرث والدم وعند نقر الغراب الاعصم وفى قرية النمل مستقبل الاصنام الحمر وفى القاموس تكتم على ما لم يسم فاعله اسم بئر زمزم كمكتوم وفى الحديث الغراب الاعصم الذى احدى رجليه بيضاء رواه ابن أبى شيبة وقيل أحمر المنقار والرجلين رواه الحاكم فى مستدركه وفى الاحياء الاعصم أبيض البطن وقال غيره أبيض الجناحين وقيل أبيض الرجلين كذا فى حياة الحيوان فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس فى المسجد ينتظر ما سمى له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة وهى بأسفل مكة سميت باسم أمة لرجل يقال له وكيع بن سلمة وكان اليه أمر البيت فبنى فيه ضريحا جعل فيه أمة يقال لها خرورة وجعل فيه سلما يرقاه ويقول بزعمه انه يناجى ربه كذا فى شفاء الغرام فبينما تنحر البقرة انفلتت منحورة عن جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت فى المسجد فى موضع زمزم فجزرت فى مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوى حتى وقع فى الفرث والدم فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب يحفر هناك فجاءت قريش فقالوا له لم تحفر فى مسجدنا فقال انى لحافر هذه البئر ومجاهد من صدّنى عنها فطفق يحفر هو وابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فسفه عليهما ناس من قريش ونازعوهما وقاتلوهما حتى اذا اشتدّ عليه الاذى نذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه وسهل الله له حفر زمزم لينحرنّ أحدهم لله عند الكعبة كذا فى أنوار التنزيل* وعبارة المواهب اللدنية فمنعته قريش من ذلك قالوا لم تحفر هنالك فآذاه من السفهاء من آذاه واشتدّ بذلك بلواه ومعه ولده الحارث ولم يكن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشر بنين وصاروا له أعوانا ليذبحنّ أحدهم لله قربانا فأعان الله عبد المطلب حتى غلب مع ابن واحد على سائر قريش فامتنعوا عنه* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين اساف ونائله اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت اليه قريش حين رأوا جدّه وقالوا والله لا نتركك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذدعنى حتى أحفر فو الله لا مضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر الا يسيرا حتى بداله الطى فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم فيها حين خرجت من مكة ووجدت فيها أسيافا قلعية وأدراعا فقالت له قريش يا عبد المطلب لنا معك فى هذا شرك وحق قال لا ولكن هلم الىّ أمر نصف بينى وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا وكيف تصنع قال أجعل للكعبة قد حين ولى قد حين ولكم قد حين فمن خرج قدحاه على شىء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شىء له قالوا أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقد حين أسودين لعبد المطلب وقد حين أبيضين لقريش ثم اعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها عند هبل وهبل صنم فى جوف الكعبة على بئر وكانت تلك البئر هى التى يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكان أعظم أصنامهم وهو الذى يعنى أبو سفيان بن حرب يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أحد حين قال اعل هبل أى ظهر دينك وقام عبد المطلب يدعو الله وضرب صاحب القداح فخرج الاصفران على الغزالين للكعبة وخرج الاسودان على الاسياف والادراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الاسياف بابا للكعبة وضرب فى الباب الغزالين من ذهب فكان أوّل ذهب حليته الكعبة فيما يزعمون* وفى شفاء الغرام أوّل من علق المعاليق بالكعبة فى الجاهلية على ما قيل عبد المطلب علقها بالغزالين من الذهب اللذين وجدهما فى زمزم حين حفرها وكانا معلقين مدّة حتى سرقوهما* سرقة الغزالين من الكعبة وقصته أن جماعة من قريش كانوا فى ليلة من الليالى يشربون الخمر وفيهم أبو لهب ومعهم القيان ولما فنيت أسباب طربهم عمدوا الى باب الكعبة وسرقوا الغزالين وباعوهما من تجار قدموا مكة بالخمر وغيرها واشتروا بثمنهما جميع ما فى العير من الخمر بالمرة واشتغلوا بالطرب واللهو شهرا ولم يدر من سرق حتى مرّ العباس بن عبد المطلب فى ليلة من الليالى بباب الدار التى تلك الجماعة فيها فسمع القيان يغتين بقصة سرقة الغزالين من باب الكعبة وبيعهما من أهل القافلة وأخبر بها العباس قريشا فأخذوهم وضربوهم وقطعوا أيدى بعضهم ثم ان عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج * (ذكر بئار قبائل قريش بمكة) * قال ابن هشام وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة فيما حدّثنى زياد بن عبد الله عن محمد بن اسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى وهى البئر التى بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف الثقفى وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهى البئر التى عند المستند حطم الخندمة وهى على فم شعب أبى طالب وزعموا أنه قال حين حفرها لأجعلنها بلاغا للناس قال ابن هشام وقال الشاعر سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جرابا وملكوما وبذر والغمرا قال ابن اسحاق وحفر سجلة وهى بئر المطعم بن عدىّ بن نوفل بن عبد مناف التى يسقون عليها اليوم تزعم بنو نوفل أن المطعم بن عدى ابتاعها من أسد بن هاشم وتزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلك الآبار وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه وحفرت بنو أسد بن عبد العزى شفية وهى بئر بنى أسد وحفرت بنو عبد الدار امّ احزاد وحفرت بنو جمح السنبلة وهى بئر خلف بن وهب وحفرت بنو سهم الغمر وهى بئر بنى سهم وكانت آبار حفائر خارجة من مكة قديمة من عهد مرّة بن كعب بن كلاب بن مرّة وكبراء قريش الاوائل منها يشربون وهى رم ورم بئر مرّة بن كعب وحم وخم بئر بنى كلاب بن مرّة والحفر* وقال حذيفة بن غانم أخو بنى عدى بن كعب بن لؤى قال ابن هشام وهو ابن أبى جهم بن حذيفة وقد ما غنينا قيل ذلك حقبة ... ولا نستقى الا بخم أو الحفر قال ابن اسحاق فعفت زمزم على البئار التى كانت قبلها يستقى عليها الحاج وانصرف الناس اليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه ولانها بئر اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب* وفى البحر العميق فلم يزل هاشم ابن عبد مناف يسقى الحاج حتى توفى فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة فكان منها شرب الحاج وكانت لعبد المطلب ابل كثيرة اذا كان الموسم جمعها ثم سقى لبنها بالعسل فى حوض من أدم عند زمزم ويشترى الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج ليكسر غلظ ماء زمزم وكانت اذ ذاك غليظة جدّا وكان للناس اذ ذاك فى بيوتهم أسقية فيها الماء من هذه الآبار ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لتكسر عنهم غلظ ماء آبار مكة وكان الماء العذب بمكة عزيزا لا يوجد الا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون خارج مكة فلبث عبد المطلب يسقى الناس حتى توفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل فى يده وكان للعباس كرم بالطائف وكان يحمل ربيبه اليها وكان يداين أهل الطائف ويقتضى منهم الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة ثم ردّهما عليهما وسيجىء فى الموطن الثامن فى فتح مكة ان شاء الله تعالى * (الطليعة الثالثة فى ولادة عبد الله ونذر عبد المطلب ذبحه وعرضه عليه وتزوّج آمنة) * وقصة الخثعمية ووقائع مدّة الحمل من وفاة عبد الله وقصة أصحاب الفيل) * * (ذكر ولادة عبد الله) قال أصحاب السير والتواريخ كانت ولادة عبد الله بن عبد المطلب لا ربع وعشرين سنة مضت من ملك كسرى أنو شروان وكان يوم ولد عبد الله علم بمولده جميع أحبار الشام وذلك انه كانت عندهم جبة صوف بيضاء وكانت الجبة مغموسة فى دم يحيى بن زكريا وكانوا قد وجدوا فى كتبهم اذا رأيتم الجبة البيضاء والدم يقطر منها فاعلموا أن أبا محمد المصطفى قد ولد تلك الليلة وقدموا بأجمعهم الى الحرم وأرادوا أن يغتالوا بعبد الله فصرف الله شرّهم عنه ورجعوا الى بلادهم ولم يكن يقدم عليهم أحد من الحرم الا سألوه عن عبد الله فيقولون تركنا نورا يتلألأ فى قريش فتقول الاحبار ليس ذلك النور لعبد الله انما ذلك النور لمحمد عليه السلام قال فخرج عبد الله أجمل قريش فشغفت به كل نساء قريش وكدن أن تذهل عقولهنّ فلقى عبد الله فى زمنه من النساء ما لقى يوسف فى زمنه من امرأة العزيز وكان عبد الله يخبر أباه بما يرى من العجائب يقول يا أبت انى اذا خرجت الى بطحاء مكة وصرت على جبل ثبير خرج من ظهرى نوران أخذ أحدهما شرق الارض والآخر غربها ثم ان ذينك النورين يستديران حتى يصيرا كالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فيدخلان فيها ثم يخرجان ثم يرجعان الىّ فى لمحة واحدة وانى لاجلس فى الموضع فأسمع فيه من تحتى سلام عليك أيها المستودع ظهره نور محمد صلّى الله عليه وسلم وانى لاجلس فى الموضع اليابس أو تحت الشجرة اليابسة فتخضرّ وتلقى علىّ أغصانها فاذا قمت وتركتها عادت الى ما كانت فقال له عبد المطلب ابشريا بنى فانى أرجو أن يخرج الله من ظهرك المستودع المكرم فانا قد وعدنا ذلك وانى رأيت قبلك رؤيا كلها تدل على انه يخرج من ظهرك أكرم العالمين وكان عبد الله أبو النبىّ كلما أصبح وذهب ليدخل على صنمهم الاكبر وهو اللات والعزى صاح كما تصيح الهرّة ونطق وهو يقول ما لنا ولك أيها المستودع ظهره نور محمد الذى يكون هلاكنا وهلاك أصنام الدنيا على يديه* (ذكر نذر عبد المطلب ذبح عبد الله وعرضه عليه) * قال ابن اسحاق وكان عبد المطلب نذر حين لقى من قريش ما لقى عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرنّ أحدهم لله عند الكعبة كما مرّ فلماتوا فى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم* وفى الحدائق روى قبيصة عن ذؤيب عن ابن عباس قال لما رأى عبد المطلب قلة أعوانه فى حفر زمزم نذر لئن أكمل الله له عشرة ذكور ليذبحنّ أحدهم فلما تكاملوا عشرة جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم الى الوفاء بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع قال ليأخذ كل واحد منكم قدحا وليكتب فيه اسمه ثم ليأتنى به ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم على هبل فى جوف الكعبة وكان هبل على البئر التى يجمع فيها ما يهدى الى الكعبة كما مرّ وقال لقيم الصنم وفى الحدائق قال للسادن اضرب بقداح هؤلاء فلما أخذ ليضرب قام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله ويقول اللهمّ انى نذرت لك نحر أحدهم وانى أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت ثم ضرب السادن القداح فخرج القدح على عبد الله وأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به الى اساف ونائلة فقامت اليه قريش من أنديتها وقالوا ما تريد أن تصنع قال أذبحه قالوا لا ندعك أن تذبحه حتى تعذر فيه الى ربك ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل بأتى بابنه فيذبحه ويكون سنة وقالوا له انطلق الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فلانة الكاهنة بالحجاز ذكر الحافظ عبد الغنى أن اسمها قطبة وذكر ابن اسحاق ان اسمها سجاح فقالوا لعلها أن تأمرك بأمر فيه فرج لك فانطلقوا حتى أتوها بخيبر فقص عليها عبد المطلب القصة فقالت لهم كم الدية فيكم قالوا عشرة من الابل قالت فارجعوا الى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقرّبوا عشرة من الابل ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا فى الابل ثم اضربوا أيضا وهكذا حتى يرضى ربكم فاذا خرجت على الابل فانحروها فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم فرجع القوم الى مكة فقرّبوا عبد الله وعشرة من الابل فخرجت على عبد الله فزادوا عشرة فخرجت على عبد الله فلم يزالوا يزيدون عشرا عشرا الى أن جعلوها مائة فخرجت على الابل فقالوا قد رضى ربكم فقال عبد المطلب لا والله حتى أضرب عليها وعليه ثلاث مرات ففعل فخرجت على الابل ففداه بمائة من الابل ولذلك صارت الدية مائة من الابل* وفى سيرة مغلطاى أوّل من سنّ الدية عبد المطلب وقيل القلمس وقيل أبو سيارة انتهى فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها انسان ولا طائر ولا سبع ثم انصرف عبد المطلب بابنه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابن الذبيحين كما ذكره الزمخشرى فى الكشاف وعند الحاكم فى المستدرك قال أعرابى يا رسول الله عد علىّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه والمراد بالذبيحين عبد الله واسماعيل اذ عرضا على الذبح* وذهب بعض العلماء الى أن الذبيح اسحاق فان صح هذا فالعرب تجعل العمّ أبا كذا فى المواهب اللدنية* وقد استشكل بعض الناس ان عبد المطلب نذر نحر أحد بنيه اذا بلغوا عشرا وقد كان تزوّج هالة أمّ ابنه حمزة بعد وفائه بنذره فحمزة والعباس انما ولدا بعد الوفاء بنذره وانما كان أولاده عشرة* قال السهيلى ولا اشكال فى هذا فان جماعة من العلماء قالوا كان أعمام النبىّ صلّى الله عليه وسلم اثنى عشر فان صح هذا فلا اشكال فى الخبر وان صح قول من قال كانوا عشرة لا يزيدون فالولد يقع على البنين وبينهم حقيقة لا مجازا وكان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده وولد ولده عشرة رجال حين وفى بنذره ويقع أيضا فى بعض السير أن عبد الله أصغر بنى أبيه عبد المطلب كذا قاله ابن اسحاق وهو غير معروف ولعل الرواية أصغر بنى أمه والا فحمزة كان أصغر من عبد الله والعباس أصغر من حمزة كذا فى سيرة مغلطاى* وروى عن العباس أنه قال أذكر مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها فجىء به حتى نظرت اليه وجعل النسوة يقلن لى قبل أخاك فقبلته فكيف يصح أن يكون عبد الله هو الاصغر ولكن رواه البكائى ولروايته وجه وهو أن يكون أصغر ولد أبيه حين أراد نحره ثم ولد له بعد ذلك حمزة والعباس انتهى وهذا أيضا على تقدير أن يكون أولاد عبد المطلب اثنى عشر* (ذكر تزوّج عبد الله آمنة) * روى أنه خرج عبد الله يوما الى قنصه وقد قدم عليه تسعون رجلا من أحبار يهود الشام معهم السيوف المسمومة يريدون أن يغتالوه ويقتلوه وكان وهب بن عبد مناف أبو آمنة صاحب قنص أيضا* قال فلما نظرت الى الاحبار قد أحدقوا بعبد الله وعبد الله يومئذ وحده تقدّمت اليه لاعينه عليهم فنظرت الى رجال لا يشهون رجال الدنيا على خيل شهب قد حملوا على الاحبار حتى هزموهم عن عبد الله فلما رآى ذلك وهب بن عبد مناف من عبد الله رغب فيه وقال لن يستقيم لا بنتى آمنة زوج غير هذا وقد كان خطبها اشراف قريش وكانت آمنة تأبى ذلك وتقول يا أبت لم يأن لى التزويج فرجع وهب الى أهله فأخبرها بما كان من عبد الله وقال انه أجمل قريش واوسطهم نسبا وانى لا أحب لا بنتى آمنة زوجا غيره فانطلقى اليه فأعرضى ابنتى عليه لعله يتزوّجها قال فانطلقت أمّ آمنة حتى دخلت على عبد المطلب فعرضت عليه ابنتها فقال عبد المطلب لم يعرض علىّ امرأة تستقيم لابنى غيرها فتزوّجها عبد الله فليلة بنى عبد الله بها لم تبق امرأة فى قريش الا مرضت قال عبد الله بن عباس عن أبيه عباس ان ليلة بنى عبد الله بآمنة أحصينا مائتى امرأة من بنى مخزوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وعبد شمس وعبد مناف متن وخرجن من الدنيا ولم يتزوّجن أسفا على ما فاتهنّ من عبد الله وكان عبد الله يوم تزوّجها ابن ثلاثين سنة وقيل ابن خمس وعشرين سنة وقيل سبع عشرة ولم يذكر القول الاخير فى الصفوة وذخائر العقبى* قال أبو عمرو وخرج أبوه عبد المطلب الى وهب بن عبد مناف فزوّجه آمنة ابنة وهب وقيل كانت آمنة فى حجر عمها وهيب بن مناف فأتاه عبد المطلب فخطب اليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب آمنة بنت وهب لابنه عبد الله فتزوّجاهما فى مجلس واحد فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلّى الله عليه وسلم وولدت هالة لعبد المطلب حمزة وصفية ولم يكن لآمنة أخ ولا اخت فلذلك لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خال ولا خالة وانما بنو زهرة يقولون نحن اخواله لان أمّه آمنة منهم ولم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غيره صلّى الله عليه وسلم فلذلك لم يكن له أخ ولا اخت لكن كان له ذلك من الرضاعة وسيأتى ذكرهم كذا فى ذخائر العقبى فأعطى الله آمنة من الجمال والكمال ما كانت تدعى به حكيمة قومها فبقيت مع عبد الله مدّة سنين لا يؤذن لنور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من عبد الله الى آمنة وقد طالت الفترة وانقطع أخبار السماء واندرس ذكر النبوّة فلا أمير ينتجب ولا رسول يصطفى برسالات ربه والارض مشوبة بالاصنام وقد نبذ الناس الطاعة واقتدوا بالظلم والجهالة منهمكين فى عبادة الاوثان* (ذكر قصة الخثعمية الكاهنة) * فى الصفوة جرت لعبد الله قصة الخثعمية قبل حمل آمنة برسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ابى الفياض الخثعمى قال مرّ عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مرّة وكانت من أجمل النساء واشبهها وأعفها وكانت قد قرأت الكتب فرأت نور النبوّة فى وجه عبد الله فقالت يا فتى من أنت فأخبرها فقالت هل لك ان تقع علىّ وأعطيك مائة من الابل فنظر اليها وقال أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه فكيف بالامر الذى تنوينه ... يحمى الكريم عرضه ودينه ثم مضى الى امرأته آمنة فكان معها ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل اليها فلم ير منها من الاقبال عليه آخرا كما رأى منها أوّلا فقال هل لك فيما قلت قالت* قد كان ذلك مرّة فاليوم لا* فذهبت مثلا قالت أى شىء صنعت بعدى قال وقعت على زوجتى آمنة بنت وهب قالت انى والله لست بصاحبة ريبة ولكنى رأيت نور النبوّة فى وجهك فأردت أن يكون ذلك فىّ وأبى الله الا أن يجعله حيث جعله* وفى سيرة مغلطاى تعرّضت لعبد الله امرأة من بنى أسد اسمها رقيقة ويقال قتيلة بنت نوفل تكنى أمّ قتال ويقال اسمها فاطمة بنت مرّة ويقال ليلى العدوية ويقال امرأة من تبالة ويقال من خثعم ويقال كانت يهودية قال أبو أحمد الحاكم كان سنّ عبد الله اذ ذاك ثلاثين سنة وفى المواهب اللدنية وعند أبى نعيم والخرائطى وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس لما خرج عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوّجه مرّ به على كاهنة من تبالة متهوّدة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مرّة الخثعمية الى آخر ما ذكر* عن أبى يزيد المدينى أن عبد الله لما مرّ بالخثعمية قالت له هل لك فىّ قال نعم حتى أرمى الجمرة فانطلق فرمى الجمرة ثم أتى امرأته آمنة ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت هل أتيت امرأة بعدى قال نعم آمنة قالت فلا حاجة لى فيك انك مررت وبين عينيك نور ساطع الى السماء فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها أنها قد حملت بخير أهل الارض* وفى المواهب اللدنية أيضا ولما انصرف عبد الله مع أبيه من نحر الابل حين وفى بنذره مرّ على المرأة من بنى اسد بن عبد العزى وبنى عبد الكعبة واسمها قتيلة بضم القاف وفتح المثناة الفوقية ويقال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل فقالت له حين نظرت الى وجهه وكان أحسن رجل فى قريش لك مثل الابل التى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 نحرت عنك وقع علىّ الآن لما رأت فى وجهه من نور النبوّة ورجت أن تحمل بهذا النبىّ الكريم صلّى الله عليه وسلم فقال لها أنا مع أبى ولا أستطيع خلافه ولا فراقه وقيل أجابها بقوله* أما الحرام فالممات دونه* والحلّ لا حلّ فاستبينه* فكيف بالامر الذى تبغينه* يحمى الكريم عرضه ودينه* كما مرّ* (ذكر حمل آمنة برسول الله صلّى الله عليه وسلم) * فلما كانت الليلة التى أذن الله عز وجل للنور المحمدى أن يخرج من عبد الله الى آمنة اهتزت الملائكة فرحا وذلك ليلة الجمعة فى شعب أبى طالب عند الجمرة الوسطى كذا فى المنتقى* وفى سيرة اليعمرى حملت به آمنة فى أيام التشريق عند الجمرة الوسطى انتهى وفى المواهب اللدنية زعموا أنه وقع عليها يوم الاثنين أيام منى فى شعب أبى طالب عند الجمرة الوسطى قال أبو أحمد الحاكم كان سنه اذ ذاك ثلاثين سنة وكذا فى سيرة مغلطاى فحملت برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمر الله خازن الجنة أن يفتح أبواب الجنان تعظيما لنور محمد صلّى الله عليه وسلم وهبط جبريل بلوائه الاخضر ونصبه على ظهر الكعبة* وفى المواهب اللدنية ولما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لحمله عجائب ووجد لايجاده غرائب فذكروا أنه لما استقرّت نطفته الزكية ودرّته المحمدية فى صدفة آمنة القرشية نودى فى الملكوت ومعالم الجبروت أن عطروا جوامع القدس الاسنى وبخروا جهات الشرف الاعلى وافرشوا سجادات العبادات فى صفف الصفاء لصوفية الملائكة المقرّبين أهل الصدق والوفاء فقد انتقل النور المكنون الى بطن آمنة ذات العقل الباهر والفخر المصون قد خصها الله تعالى القريب المجيب بهذا الصدر المصطفى الحبيب لانها أفضل قومها حسبا وأنجب وأزكاهم أصلا وفرعا وأطيب* وقال سهل بن عبد الله التسترى فيما رواه الخطيب البغدادى الحافظ لما أراد الله خلق محمد صلّى الله عليه وسلم فى بطن أمه آمنة ليلة رجب وكانت ليلة جمعة أمر الله تعالى تلك الليلة خازن الجنان أن يفتح الفردوس ونادى مناد فى السموات والارض ألا انّ النور المخزون الذى يكون منه النبىّ الهادى فى هذه الليلة يستقرّ فى بطن أمّه الذى فيه يتمّ خلقه ويخرج الى الناس بشيرا ونذيرا* وفى رواية كعب الاحبار أنه نودى تلك الليلة فى السماء وصفاحها والارض وبقاعها أن النور المكنون الذى منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستقرّ الليلة فى بطن أمه فيا طوبى لها ثم يا طوبى لها قوله طوبى الطيب والحسنى والخير والخيرة قاله فى القاموس* وقال غيره فرح وقرّة عين* وقال الضحاك عطية* وقال عكرمة نعم وفى الحديث طوبى لاهل الشام فان الملائكة باسطة أجنحتها عليها فالمراد بها هنا فعلى من الطيب وغيره مما ذكرنا لا الجنة ولا الشجرة ويحتمل أن يفسر بالجنة* فأصبحت يومئذ أصنام الدنيا منكوسة وكانت قريش فى جدب شديد وضيق عظيم فاخضرّت الارض وحملت الاشجار وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت تلك السنة التى حمل فيها برسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة الفتح والابتهاج وكان قد أذن الله تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لمحمد صلّى الله عليه وسلم وأصبح عرش ابليس لعنه الله منكوسا والملك على رأسه يغطسه فى مضيق البحار أربعين صباحا فانقلب أسود محترقا* وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس قال كان من دلالات حمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان كل دابة فى قريش نطقت تلك الليلة باذن الله عز اسمه وقالت حمل بمحمد* وفى رواية برسول الله صلّى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو أمان الارض وسراجها* وفى المواهب اللدنية وهو أمان الدنيا وسراج أهلها ولم تبق كاهنة فى قريش ولا فى قبيلة من قبائل العرب الا علمت بحمله ولم يبق سرير لملك من ملوك الارض الا أصبح منكوسا ومرّت وحوش المشرق الى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا وله فى كل شهر من شهور حمله نداء فى الارض ونداء فى السماء أن ابشروا فقد آن أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 يظهر أبو القاسم صلّى الله عليه وسلم ميمونا مباركا انتهى كلام المواهب اللدنية وكلت ألسنة الملوك حتى لم يقدروا فى ذلك اليوم على التكلم* وفى الصفوة روى عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تقول ما شعرت أنى حملت ولا وجدت له ثقلا ولا وحما كما تحد النساء الا انى أنكرت رفع حيضتى وأتانى آت وأنا بين النوم واليقظة أو قالت بين النائمة واليقظانة فقال هل شعرت بأنك حملت فكأنى أقول ما أدرى قال انك حملت بسيد هذه الامة ونبيها كذا ذكر ابن اسحاق فى كتاب المغازى* وفى رواية بسيد الانام قالت وذلك يوم الاثنين فكان ذلك مما يقن أو حقق عندى الحمل تم أمهلنى حتى اذا دنا وقت ولادتى أتانى ذلك الآتى فقال قولى أعيذه بالصمد الواحد من شرّ كل حاسد وفى المواهب اللدنية بغير لفظ الصمد ثم سميه محمدا قالت فكنت أقول ذلك فذكرت ذلك لنسائى فقلن لى تعلقى حديدا فى عضديك وفى عنقك قالت ففعلت فلم ينزل علىّ أياما فأجده قد قطع فكنت لا أتعلقه وعن أبى جعفر محمد بن علىّ قال أمرت آمنة وهى حامل برسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد* وفى رواية عن ابن اسحاق سميه محمدا وعلقى عليه هذه التميمة قالت فانتبهت وعند رأسى صحيفة من ذهب مكتوب فيها هذه النسخة أعيذه بالواحد من شرّ كل حاسد وكل خلق رائد من قائم وقاعد عن السبيل حائد على الفساد جاهد من نافث أو عاقد وكل خلق مارد يأخذ بالمراصد فى طرق الموارد قال الحافظ عبد الرحيم العراقى هكذا ذكر هذه الابيات بعض أهل السير وجعلها من حديث ابن عباس ولا أصل لها كذا فى المواهب اللدنية وفى رواية أبى نعيم من حديث ابن عباس قال كانت آمنة تحدّث وتقول أتانى آت حين مرّ من حملى ستة أشهر فى المنام وقال لى يا آمنة انك حملت بخير العالمين فاذا ولدتيه فسميه محمدا واكتمى شأنك فاذا وقع على الارض فقولى أعيذه بالواحد من شرّ كل حاسد فى كل برّ غامد وكل عبد رائد حتى أراه قد أتى المشاهد وان آية ذلك أن يخرج معه نور يتلألأ يملأ قصور بصرى من أرض الشام فاذا وقع فسميه محمدا وان اسمه فى التوراة والانجيل أحمد يحمده أهل السماء وأهل الارض واسمه فى القرآن محمد فسميه بذلك* وفى مورد اللطافة وسيرة مغلطاى ولما شاع قبل ولادته أن نبيا اسمه محمد هذا ابان ظهوره سمى جماعة زها خمسة عشر أبناءهم محمدا رجاء أن يكون هو منهم محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن احيحة بن الجلاح ومحمد بن حمران ومحمد بن مسلمة الانصارى وفيه نظر ومحمد بن براء البكرى ومحمد بن خزاعى السلمى ومحمد بن عدى ابن ربيعة بن سعد المنقرى ومحمد بن عثمان بن ربيعة السعدى وأظنهما واحدا ومحمد الاسدى ومحمد الفقيمى ومحمد بن عتوارة الليثى ومحمد بن حرمان العمرى ومحمد بن خولى الهمدانى ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن أسامة بن مالك فقالت أمه والله لقد رأيت فى النوم وهو فى بطنى أنه خرج منى نور أضاءت منه قصور الشام وقالت لقد علقت فما وجدت له مشقة حتى وضعته وفى المواهب اللدنية واختلف فى مدّة الحمل به فقيل تسعة أشهر وقيل عشرة وقيل ثمانية وقيل سبعة وقيل ستة* ومن وقائع مدّة حمله وفاة عبد الله أبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى اسد الغابة لابن الاثير توفى أبوه عبد الله وأمه حامل به وفى المواهب اللدنية ولما تم لها من حملها شهران وقيل قبل ولادته بشهرين كذا فى سيرة مغلطاى توفى عبد الله وقيل توفى وهو فى المهد قاله الدولابى وعن أبى خيثمة وهو ابن شهرين وقيل وهو ابن سبعة أشهر وقيل وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا وكذا فى سيرة اليعمرى والراجح المشهور هو الاوّل انتهى ويؤيد كونه فى المهد الرجز المنقول عن عبد المطلب حين توفى قال لابى طالب أوصيك يا عبد مناف بعدى ... بموتم وهو ضجيع المهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وذكر أهل السيران آمنة بنت وهب لم تحمل حملا ولا ولدت ولدا غيره وكذا أبوه عبد الله لم يبلغنا انه ولد له ولد غيره صلّى الله عليه وسلم وفى الصفوة قال محمد بن كعب خرج عبد الله بن عبد المطلب الى الشام فى تجارة مع جماعة من قريش فلما رجعوا مرّوا بالمدينة وعبد الله كان مريضا فتخلف بالمدينة عند أخواله بنى عدى بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه وقدموا مكة فأخبروا عبد المطلب فبعث اليه ولده الحارث أو الزبير على قول ابن الاثير فوجده قد توفى ودفن فى دار النابغة وهو رجل من بنى عدى* وفى المواهب اللدنية دفن بالابواء فرجع الحارث الى مكة فأخبر أباه فوجد عليه وجدا شديدا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ حمل وقيل بعثه عبد المطلب الى يثرب يمتار له تمرا منها فتوفى بها ولعبد الله يوم توفى خمس وعشرون سنة وقيل غير ذلك وقالت آمنة زوجته ترثيه عفا جانب البطحاء من آل هاشم ... وجاور لحدا خارجا فى الغماغم دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما تركت فى الناس مثل ابن هاشم عشية راحوا يحملون سريره ... تعاوره أصحابه فى التزاحم فان يك غالته المنايا وريبها ... فقد كان معطاء كثير التراحم ولما توفى عبد الله قالت الملائكة الهنا وسيدنا بقى نبيك يتيما فقال الله أناله حافظ ونصير* وفى بعض الكتب لما مات أبوه وصف فى السماء باليتيم وأعلى اليتم ما توفى الوالد والولد فى بطن الامّ فقالت الملائكة الهنا وسيدنا صار نبيك بلا أب فبقى من غير حافظ ومرب قال الله تعالى أنا وليه وحافظه وحاميه وربه وعونه ورازقه وكافيه فصلوا عليه وتبركوا باسمه وسيجىء وفاة أمّه فى الباب الاوّل من الركن الاوّل وترك عبد الله جارية يقال لها أم أيمن بركة الحبشية بنت ثعلب بن حصين بن مالك غلبت عليها كنيتها وكنيت باسم ابنها أيمن الحبشى ماتت فى خلافة عثمان وخمسة أجمال وقطيع غنم فورث ذلك النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكانت أمّ أيمن تحضنه* ومن حوادث مدّة حمله قصة أصحاب الفيل من بركة الحمل به وقرب أوان وضعه أهلك الله أصحاب الفيل وجعل كيدهم فى تضليل فيها دلالة ظاهرة على قدرة الله تعالى وعزة نبيه وشرف رسوله صلّى الله عليه وسلم فانها من الارهاصات اذروى أنها وقعت فى السنة التى ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسبحان من خصه بأعظم الفضائل وميزه عن خلقه بأكرم الخصائل وشرّفه ورفع قدره وكرمه وشرح صدره وجعل كل حال من أحواله آية باهرة وكل طور من أطواره معجزة ظاهرة صلوات الله تعالى وسلامه عليه وزاده فضلا وكرما وشرفا لديه* قال الامام فخر الدين الرازى مذهبنا أنه يجوز تقديم المعجزات على زمان البعثة تأسيسا وارهاصا ولذلك كانت الغمامة تظله عليه السلام يعنى قبل البعثة وخالفه السيد الشريف تبعا لغيره فاشترط فى المعجزة أن لا تتقدّم على الدعوى بل تكون مقارنة لها فما وقع من الخوارق قبل دعوى الرسالة فانها ليست بمعجزات انما هى كرامات ظهورها على الاولياء جائز والانبياء قبل نبوّتهم لا يقصرون عن درجة الاولياء فيجوز ظهورها عليهم أيضا وحينئذ تسمى ارهاصا أى تأسيسا للنبوّة صرّح به العلامة السيد الجرجانى فى شرح المواقف وغيره وهو مذهب جمهور أئمة الاصول وغيرهم (فان قلت) الحجاج خرب الكعبة ولم يحدث شىء مثل ما حدث لا برهة من البلاء (الجواب) أن ذلك وقع ارهاصا لامر نبينا صلّى الله عليه وسلم والارهاص انما يحتاج اليه قبل قدومه عليه السلام فلما ظهر وتأكدت نبوّته بالدلائل القطعية لا حاجة الى شىء من ذلك والله أعلم كذا فى المواهب اللدنية روى انه لما كان المحرّم سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذى القرنين وكان قد مضى من ملك كسرى أنوشروان اثنتان وأربعون سنة وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حملا فى بطن أمه حضر ابرهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ابن الصباح الاشرم يريد هدم الكعبة* قصة أصحاب الفيل وقصته أنه لما غلب على اليمن وملكها من قبل أصحمة النجاشى رأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحج فسأل أين تذهب الناس قالوا يحجون بيت الله بمكة قال ومم هو قيل من الحجارة قال والمسيح لأبنين لكم خيرا منه فبنى لهم كنيسة بصنعاء اليمن وسماها القليس عملها بالرخام الابيض والاحمر والاسود والاصفر وحلاها بالذهب والفضة وأنواع الجواهر* وفى حياة الحيوان سميت بقليس لارتفاع بنائها وكلفهم فيها أنواع السخر ونقل اليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب والفضة من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة ومنابر من العاج وغيره انتهى فلما أراد أن يصرف اليها الحاج كتب الى النجاشى انى بنيت كنيسة باسم الملك لم يكن مثلها قبلها واريد أن أصرف اليها حج العرب وأمنع الناس من الذهاب الى مكة* ولما اشتهر هذا الخبر بين العرب خرج رجل من كنانة متعصبا ففعد فيها فأغضبه ذلك وهو قول ابن عباس وقيل أججت رفقة من العرب نارا وكان فى عمارة القليس خشب مموّه فحملتها الريح اليها فأحرقتها فحلف ليهد منّ الكعبة وهو قول مقاتل وسيجىء وقيل كان نفيل الخثعمى يتعرّض لها بالمكروه فأمهل حتى كان ليلة من الليالى ولم ير أحدا يتحرّك فجاء بعذرة فلطخ بها قبلتها وجمع جيفا فألقاها فيها فأخبر أبرهة بذلك فغضب غضبا شديدا وقال انما فعلت هذه العرب تعصبا لبيتهم لا نقضنه حجرا حجرا وكتب الى النجاشى يخبره بذلك وسأله أن يبعث اليه بفيله محمود وكان فيلا أبيض عظيما قويا لم ير فى الارض مثله فلما قدم الفيل الى أبرهة خرج بالجيش العظيم ومعه اثنا عشر فيلا غيره وقيل عشرة وقيل ثمانية وقيل كانوا ألف فيل وقيل كان وحده* وفى تفسير النهر لابى حيان أصحاب الفيل أبرهة بن الصباح الحبشى ومن كان معه من جنوده والظاهر أنه فيل واحد وكان العسكر ستين ألفا لم يرجع أحد منهم الا أميرهم فى شرذمة قليلة فلما أخبروا بما رأوا هلكوا* وفى سيرة ابن هشام فسمعت العرب بخروج أبرهة لتخريب البيت فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام وكان يخرج اليه كل من كان له قوّة واستطاعة فى الحرب فخرج اليه رجل كان من أشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فى قومه ومن أجابه من سائر العرب ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ ذو نفر وأتى به أسيرا فأراد قتله ثم تركه وحبسه عنده فى وثاق وكان ابرهة رجلا حليما ثم مضى ابرهة فى وجهه حتى اذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمى فى قبيلتى خثعم شهران وناهش ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه ابرهة وأخذ نفيل أسيرا فلما همّ بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلنى فانى دليلك بأرض العرب فخلى سبيله وخرج به معه يدله حتى اذا مرّ بالطائف خرج اليه مسعود بن معتب بن مالك الثقفى فى رجال من ثقيف فقال له أيها الملك انما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا خلاف وليس بيتنا هذا البيت الذى تريد يعنون اللات انما تريد البيت الذى بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم واللات بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة فبعثوا معه أبارغال يدله على الطريق الى مكة فخرج ابرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس بفتح الميم الثانية وتشديدها وقيل بكسرها قيل هو على ثلثى فراسخ من مكة بطريق الطائف فمات هناك أبو رغال فدفن فيه فرجمت العرب قبره فهو القبر الذى يرحمه الناس بالمغمس الى اليوم ودفن معه غصنان من ذهب وذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرّ بالقبر فى غزوة الطائف فأمر باستخراج الغصنين منه فاستخرجا وسيجىء فى غزوة الطائف* وروى أبو علىّ بن السكن فى سننه الصحاح أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان اذا كان بمكة وأراد أن يقضى حاجة الانسان خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الى المغمس فلما نزل ابرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الاسود بن مقصود على خيل له وأمره بالغارة على الناس فمضى حتى انتهى الى مكة فساق اليه أموال أهل تهامة وغيرهم فأصاب فيها مائتى بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها وفى المواهب اللدنية فاستاق ابل قريش وغنمها وكان لعبد المطلب فيها اربعمائة ناقة فركب عبد المطلب فى قريش حتى طلع جبل ثبير فاستدارت دائرة غرّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم على جبينه كالهلال واشتدّ شعاعها على البيت الحرام مثل السراج فلما نظر عبد المطلب الى ذلك قال يا معشر قريش ارجعوا فقد كفيتم هذا الامر فو الله ما استدار هذا النور منى الا أن يكون الظفر لنا فرجعوا متفرّقين وهمّ أهل الحرم بقتاله ثم عرفوا ان لا طاقة لهم به فتركوه* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك وبعث ابرهة حناطة الحميرى الى مكة وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل له ان الملك يقول انى لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لى بدمائكم فان هو لم يرد حربى فأتنى به فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمر به ابرهة فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة فقال له حناطة فانطلق اليه فانه أمرنى أن آتيه بك* وفى المواهب اللدنية روى أن رسول ابرهة لما دخل الى مكة ونظر الى وجه عبد المطلب خضع وتلجلج لسانه وخرّ مغشيا عليه فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خرّ ساجدا لعبد المطلب وقال أشهد انك سيد قريش* قال ابن اسحاق ثم انطلق مع حناطة عبد المطلب ومعه بعض بنيه فكلم أنيس سائس الفيل ابرهة فقال أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عين مكة وهو يطعم الناس فى السهل والوحوش والطيور فى رؤس الجبال قال فأذن له ابرهة وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه ابرهة عظم فى عينه فأجله وأكرمه عن أن يجلس تحته وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريرة لمكه فنزل ابرهة عن سريره وجلس على بساطه وأجلسه معه الى جنبه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك فقال له ذلك الترجمان فقال حاجتى أن يردّ علىّ الملك مائتى بعير لى أصابها فلما قال له ذلك قال ابرهة لترجمانه قل له كنت أعجبتنى حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى أتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمنى فيه قال عبد المطلب أنا رب الابل وان للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع منى قال أنت وذاك وكان فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب الى ابرهة حين بعث اليه حناطة يعمر بن تبالة بن عدى بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد بنى بكر وخويلد بن واثلة الهذلى وهو يومئذ سيد هذيل فعرضوا على ابرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم فالله أعلم أكان ذلك أم لا* وفى المواهب اللدنية روى أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سائس فيله الابيض العظيم الذى كان لا يسجد للملك ابرهة كما تسجد سائر الفيلة أن يحضره بين يديه فلما نظر الفيل الى وجه عبد المطلب برك كما يبرك البعير وخرّ ساجدا وأنطق الله الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب فى ظاهر قوله فاستدارت غرة نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم على جبين عبد المطلب كالهلال الى آخره وقوله أنطق الله الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب نظر لان عبد الله حينئذ كان موجودا فيكون النور منتقلا اليه وفى سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق فردّ أبرهة على عبد المطلب الابل التى أصاب له فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب الى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز فى شعف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الجبال والشعاب تخوّفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على ابرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة الباب لا همّ ان العبد يمنع رحله فامنع حلالك* لا يغلبنّ صليبهم* ومحالهم عدوا محالك قال ابن هشام هذا ما صح لى منها وزاد غيره وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك* جروا جموع بلادهم* والفيل كى يسبوا عيالك عمدوا حماك بكيدهم* جهلا وما رقبوا جلالك* ان كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدالك غيره يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا ان عدوّ البيت من عاداكا ... فامنعهم أن يخربوا قراكا العرب تحذف الالف واللام من اللهم وتكتفى بما بقى والحلال متاع البيت وأراد به سكان الحرم والمحال الكيد والقوّة كذا فى حياة الحيوان* روى أنه لما التفت عبد المطلب وهو يدعو فاذا هو بطير من نحو اليمن فقال والله انها لطير غريبة ما هى بنجدية ولا تهامية* قال ابن اسحاق ثم أرسل حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش الى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة اذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسم الفيل محمودا وأبرهة مجمع لهدم الكعبة ثم الانصراف الى اليمن فلما وجهوا الفيل الى مكة أقبل نفيل بن حبيب قال السهيلى نفيل بن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك حتى قام الى جنب الفيل ثم أخذ باذنه فقال له ابرك محمودا وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام ثم أرسل اذنه فبرك الفيل وخرج نفيل ابن حبيب يشتدّ حتى أصعد فى الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم فى مراقه فنزغوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه الى مكة فبرك قال أمية ابن الصلت ان آيات ربنا بينات ... ما يمارى بهنّ الا الكفور حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظلّ يحبو كأنه معقور وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف قاله ابن اسحاق وقال ابن عباس كانت لهم خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة كانت لهم رؤس كرؤس السباع واختلفوا فى ألوانها على ثلاثة أقوال أحدها انها كانت خضرا قاله عكرمة وسعيد بن جبير والثانى سودا قاله عبيد بن عمير والثالث بيضا قاله قتادة كذا فى زاد المسير فى علم التفسير لابن الجوزى مع كل طائر منها ثلاثة أحجار تحملها حجر فى منقاره وحجران فى رجليه أمثال الحمص والعدس وفى أنوار التنزيل وغيره أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة* عن ابن عباس أنه رأى منها عند أم هانى نحو قفيز مخططة كالجزع الظفارى فرمتهم بها وكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره وان كان راكبا يخرج من أسفل مركبه فيهلكان جميعا فلا يصيب منهم أحدا الا هلك وعلى كل حجر اسم من يقع عليه وليس كلهم أصيب وخرجوا هاربين يتبدرون الطريق الذى منه جاؤا ويسألون نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق الى اليمن فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته أين المفرّ والاله الطالب ... والاشرم المغلوب ليس الغالب قوله ليس الغالب من غير رواية ابن اسحاق قال ابن اسحاق وقال نفيل أيضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ألا حييت عنا ياردينا ... نعمناكم مع الاصباح عينا أتانا قابس منكم عشاء ... فلم يقدر لقابسكم لدينا ردينة لو رأيت ولا تريه ... لدى جنب المحصب ما رأينا اذ العذرتنى وحمدت أمرى ... ولم تأس على ما فات بينا حمدت الله اذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا فكل القوم يسأل عن نفيل ... كأنّ علىّ للحبشان دينا فخرجوا بكل طريق يتساقطون ويهلكون على كل منهل وفى تفسير زاد المسير لابن الجوزى ثم ان عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس ينظر الى القوم فرجع يركض ويقول هلك القوم وخرج عبد المطلب وأصحابه فغنموا أموالهم انتهى وأصيب ابرهة فى جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة كلما سقطت منه أنملة اتبعتها منه مدّة تمت قيحا ودما* وفى المواهب اللدنية وأصيب أبرهة فى جسده بداء فتساقط أنامله أنملة أنملة وسال منه الصديد والقيح والدم وفى الكشاف ودوى أبرهة أى مرض فتساقطت أنامله وآرابه غضوا عضوا حتى قدموا به صنعا وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون وفى زاد المسير انصدع صدره قطعتين عن قلبه فهلك وعن عكرمة ما أصابته جدرية وهو أوّل جدرىّ ظهر قال ابن اسحاق وحدّثنى يعقوب بن عتبة انه حدث ان أوّل ما رؤيت الحصبة والجدرى بأرض العرب ذلك العام وانه أوّل ما رؤى بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام وفى الكشاف والمدارك وانفلت وزيره أبو يكسوم وفى سيرة ابن هشام كان أبرهة يكنى أبا يكسوم قاله ابن اسحاق وفى تفسير أبى الليث السمرقندى كنية أبرهة أبو يكسوم واسم الفيل محمود وكنيته أبو العباس وفى زاد المسير أبو يكسوم من كبراء أصحاب النجاشى قاله مقاتل وقيل كان أبرهة صاحب جيشه وقيل وزيره فسار أبو يكسوم وطائر يحلق فوق رأسه وهو لا يشعر به حتى بلغ النجاشى فأخبره بما أصابهم فلما أتمّ كلامه رماه الطائر فوقع عليه الحجر فخرّ ميتا فأرى النجاشى كيف كان هلاك أصحابه وفى معالم التنزيل وزعم مقاتل بن سليمان ان السبب الذى جرّ أصحاب الفيل ان فتية من قريش خرجوا تجارا الى أرض النجاشى فدنوا من ساحل البحر وثمة بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل فنزلوا فأججوا نارا فاشتووا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهاجت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى النجاشى فأسف غضبا للبيعة فبعث أبرهة لهدم الكعبة وقال فيه انه كان بمكة يومئذ أبو مسعود الثقفى وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الامور برأيه وكان خليلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد الى مائة من الابل فاجعلها لله فقلدها نعلا ثم ابثثها فى الحرم لعل بعض هذه السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فيأخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم الى تلك الابل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه فقد نزل تبع ملك اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه وأظلم عليه ثلاثة أيام فلما رأى تبع ذلك كساه القباطى البيض وعظمه ونحر له جزورا فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال أرى طيرا بيضا نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرك أين قرارها قال أراها تدارأت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما أعرفها وما هى بنجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدّها قال أشباه اليعاسيب فى سناقيرها حصى كأنها حصى الخذف قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضا أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أسود الرأس طويل العنق فجاءت حتى اذا حاذت معسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافت الرجال كلها أهالت الطير ما فى مناقيرها على من تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انصاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم يسمعا حسا فقال بات القوم سامدين فأصبحوا نياما فلما دنوا من عسكر القوم فاذاهم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والداية ويغيب الحجر فى الارض من شدّة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فوسهم فحفر حتى أعمق فى الارض فملأه من الذهب الاحمر والجواهر وحفر لصاحبه فلأه ثم قال لابى مسعود هات فاختران شئت حفرتى وان شئت حفرتك وان شئت فهما لك معا* فقال أبو مسعود اخترلى على نفسك فقال عبد المطلب انى لم أك اجعل أجود المتاع الا فى حفرتى فهو لك وجلس كل واحد منهما على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا وأعطته المقادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود فى أهليهما فى غنى من ذلك المال ودفع الله عن كعبته* واختلفوا فى تاريخ عام الفيل فقال مقاتل كان قبل مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأربعين سنة* وقال الكلبى بثلاث وعشرين سنة والاكثرون على انه كان فى العام الذى ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم انتهى كلام معالم التنزيل* وفى الكشاف ان أهل مكة احتووا على أموالهم والى هذه القصة أشار النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقوله ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين قيل كان أبرهة هذا جدّ النجاشى الذى كان فى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد هلاك أصحاب الفيل بخمسين يوما وقيل غير ذلك كما سيجىء فى تاريخ ولادته فى الركن الاوّل* وعن عائشة رضى الله عنها قالت رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان* روى أنه أرسل الله سيلا فذهب بهم الى البحر فلما هلك أبرهة ومزق الحبشة كل ممزق أقفر ما حول هذه الكنيسة وكثرت السباع حولها والحيات فلا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئا الى زمان أبى العباس السفاح فذكروا له أمرها فبعث اليها أبا العباس بن الربيع عامله على اليمن ومعه أهل الحزم والجلادة فخربها وحصلوا منها مالا كثيرا ثم بعد ذلك عفار سمها وانقطع خبرها كذا فى حياة الحيوان* مسير سيف بن ذى يزن الى قيصر وكسرى وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما هلك أبرهة ملك الحبشة بعده ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن فى الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة فلما طال البلاء على أهل اليمن خرج سيف بن ذى يزن الحميرى وكان يكنى بأبى مرّة حتى قدم على قيصر ملك الروم فشكى اليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث اليهم من شاء من الروم فيكون له ملك اليمن فلم يشكه فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق فشكى اليه أمر الحبشة فبعثه النعمان مع وفده الى كسرى فدخل عليه ثم قال أيها الملك غلبنا على بلادنا الاغربة قال كسرى أى الاغربة الحبشة أم السند قال بل الحبشة فجئتك لتنصرنى ويكون ملك بلادى لك* قال كسرى بعدت بلادك مع قلة خيرها فلم أكن لا ورط جيشا من فارس بأرض العرب لا حاجة لى بذلك ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة* فلما قبض ذلك سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال ان لهذا لشأنا ثم بعث اليه فقال له عمدت الى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا ما جبال أرضى التى جئت منها الا ذهبا وفضة يرغبه فيها فجمع كسرى مرازبته فقال ماذا ترون فى أمر هذا الرجل فقال قائل أيها الملك ان فى سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنك بعثتهم معه فان يهلكوا كان ذلك الذى أردت بهم وان يظفروا كان ملكا ازددته فبعث معه كسرى من كان فى سجونه وكانوا ثمانمائة رجل واستعمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 عليهم وهرز وكان ذا سنّ فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا فخرج فى ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل الى ساحل عدن ست سفائن* فجمع سيف الى وهرزمن استطاع من قومه وقال له رجلى مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا قال وهرز أنصفت وخرج اليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن وجمع اليه جنده فأرسل اليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز أرونى ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء قال نعم قالوا ذاك ملكهم قال اتركوه فوقفوا طويلا ثم قال علام هو قالوا تحوّل على الفرس قال اتركوه فوقفوا طويلا ثم قال علام هو قالوا على البغلة قال وهرز بنت الحمارة ذلّ وذلّ ملكه انى سأرميه فان رأيتم أصحابه لم يتحرّكوا فاثبتوا حتى أوذنكم فانى قد أخطأت الرجل وان رأيتم القوم قد استداروا ولا ثوابه فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدّتها فأمر بحاجبيه فعصبا له ثم رماه فصك الياقوتة التى بين عينيه فتغلغلت النشابة فى رأسه حتى خرجت من قفاه ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس وانهزموا فقتلوا وهربوا فى كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء حتى اذا أتى بابها فوجده قصير الا تدخله الراية مستقيمة قال لا تدخل رايتى منكسة أبدا اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته* قال ابن اسحاق فأقام وهرز والفرس باليمن فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الابناء الذين باليمن اليوم قال ابن هشام طاوس اليمانى من هؤلاء الابناء* سبب تملك الحبشة اليمن قال ابن اسحاق وكان ملك الحبشة باليمن بين أن دخلها أرباط الى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك أربعة أرباط ثم أبرهة ثم يكسوم بن ابرهة ثم مسروق بن أبرهة* قال ابن هشام ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ثم مات التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن ثم عزله وأمّر باذان فلم يزل عليها حتى بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسيجىء اسلام باذان فى الموطن الثالث* فى سيرة ابن هشام ذكر ابن اسحاق كيفية تملك أرباط اليمن أوّلا وسبب ملك الحبشة بها فقال روى أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الاوثان وكان فى قرية من قراها قريبة من نجران ونجران القرية العظمى التى اليها جماع تلك البلاد ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها قيميون ولم يسموه لى باسمه الذى سماه به وهب بن منبه قالوا رجل نزلها ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التى بها الساحر فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم الى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث اليه التامر ابنه عبد الله بن التامر مع غلمان أهل نجران فكان اذ امر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس اليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الاسلام حتى اذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الاعظم وكان يعلمه فكتمه اياه وقال له يا ابن أخى انك ان تحمله أخش ضعفك عنه والتامر أبو عبد الله لا يظنّ الا أن ابنه يختلف الى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه وتخوّف ضعفه فيه عمد الى قداح فجمعها ثم لم يبق لله اسما يعلمه الا كتبه فى قدح لكل اسم قدح حتى اذا أحصاها أوقد لها نارا ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا حنى اذا مرّ بالاسم الاعظم قذف فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها لم تضرّه النار شيئا فأخذه ثم أتى به صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الاعظم الذى كتمه قال وما هو قال هو كذا وكذا قال وكيف علمته فأخبره بما صنع فقال أى ابن أخى قد أصبته فأمسك على نفسك ما أظنّ أن تفعل فجعل عبد الله بن التامر اذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ الا قال له يا عبد الله أتوحد الله وتدخل معى فى دينى وأدعو الله فيعافيك مما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أنت فيه من البلاء فيقول نعم فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ الا أتاه فاتبعه على أمره فدعا له فعوفى فرفع شأنه الى ملك نجران فدعاه وقال أفسدت علىّ أهل قريتى وخالفت دينى ودين آبائى لا مثلنّ بك قال لا تقدر على ذلك قال فجعل يرسل به الى الجبل الطويل فيطرح عن رأسه فيقع الى الارض ليس به بأس وجعل يبعث به الى مياه نجران بحور لا يقع فيها شئ الا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس فلما غلبه قال له عبد الله بن التامر انك والله لا تقدر على قتلى حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فانك ان فعلت ذلك سلطت علىّ فتقتلنى قال فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن التامر ثم ضربه بعصى فى يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله وهلك الملك مكانه واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن التامر وكان على ما جاء به عيسى من الانجيل وحكمه ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الاحداث فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران* قال ابن اسحاق فهذا حديث محمد بن كعب القرظى وبعض أهل نجران عن عبد الله بن التامر والله أعلم* نادرة قال ابن اسحاق حدّثنى عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران فى زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خراب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن التامر تحت دفن منها قاعدا واضعا يده على ضربة فى رأسه ممسكا عليها بيده فاذا أخرت يده عنها تشعبت دما واذا أرسلت يده ردّها عليها فأمسك دمها فى يده خاتم مكتوب فيه ربى الله فكتب الى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب اليهم عمر أن أقرّوه على حاله وردّوا عليه الدفن الذى كان عليه ففعلوا* وفى أنوار التنزيل روى أن ملكا كان له ساحر فلما كبر ضم اليه غلاما ليعلمه السحر وكان فى طريق الغلام راهب فسمع منه ومال قلبه اليه فرأى فى طريقه ذات يوم حية قد حبست الناس فأخذ حجرا وقال اللهم ان كان الراهب أحب اليك من الساحر فاقتلها فقتلها وكان الغلام بعد ذلك يبرئ الاكمه والابرص ويشفى من الادواء وعمى جليس للملك فأبرأه فسأله الملك عمن أبرأه فقال ربى فغضب وعذبه فدلّ على الغلام فعذبه فدلّ على الراهب فلم يرجع الراهب عن دينه فقدّ بالمنشار فأتى بالغلام فأرسل الى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فهلكوا ونجا وأجلسه فى سفينة ليغرق وعبارة المدارك فذهبوا به الى قرقور فلججوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت السفينة بمن معه فغرقوا فنجا فقال للملك لست بقاتلى حتى تجمع الناس فى صعيد واحد وتصلبنى على جذع وتاخذ سهما من كنانتى وتقول بسم الله رب الغلام ثم ترمينى به فرماه فوقع فى صدغه فوضع يده عليه فمات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل للملك نزل بك ما كنت تحذر فأمر بأخاديد أوقدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبى فتقاعست فقال الصبى يا أماه اصبرى فانك على الحق فألقى الصبى وأمه فيها* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما تنصر أهل نجران سار اليهم ذو نواس اليهودى فدعاهم الى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخدّ لهم الاخدود وحرّقهم بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ففى ذى نواس وجنده ذلك أنزل الله قتل أصحاب الاخدود الى آخر الآية* قال ابن هشام الاخدود الحفر المستطيل فى الارض كالخندق والجدول ونحوه وجمعه أخاديد* قال ابن اسحاق وأفلت منهم رجل من سبأ يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر صاحب الروم فاستنصره على ذى نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادك منا ولكنى أكتب لك الى ملك الحبشة فانه على هذا الدين وهو أقرب الى بلادك فكتب اليه يأمره بنصره والطلب بثاره فقدم دوس على النجاشى بكتاب قيصر فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة وأمّر عليهم رجلا منهم يقال له ارياط ومعه فى جنده أبرهة الاشرم فركب ارياط البحر حتى نزل بساحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 اليمن ومعه دوس وسار اليه ذو نواس فى حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه فى البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به الى غمره فأدخله فيه فكان آخر العهد به ودخل ارياط اليمن فلكها* قال ابن اسحاق فأقام ارياط باليمن ستين فى سلطانه ذلك ثم نازعه فى أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشى حتى تفرّقت الحبشة عليهما فانحاز الى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما الى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة الى ارياط انك لا تصنع أن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا بعد شئ فابرز الىّ وأبرز اليك فأينا أصاب صاحبه انصرف اليه جنده فأرسل اليه ارياط أنصفت فخرج اليه أبرهة وكان رجلا لحيما قصيرا وكان ذادين فى النصرانية وخرج اليه ارياط وكان رجلا جميلا طويلا وفى يده حربة له وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة ويروى بعضهم عيودة بالياء يمنع ظهره فرفع ارياط الحربة فضرب بها أبرهة يريد بها نافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وانفه وعينه وشفته فبذلك سمى أبرهة الاشرم وحمل عتودة على ارياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند ارياط الى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى أبرهة ارياط فلما بلغ ذلك النجاشى غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميرى فقتله من غير أمرى ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن ثم بعث به الى النجاشى ثم كتب اليه أيها الملك انما كان ارياط عبدك وأنا عبدك اختلفنا فى أمرك وكل طاعته لك الا أنى كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه وقد حلقت رأسى كله حين بلغنى قسم الملك وبعثت اليه بجراب من تراب أرضى ليضعه تحت قدميه فتبرّ قسمه فىّ فلما انتهى ذلك الى النجاشى رضى عنه وكتب اليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمرى وأقام أبرهة باليمن* وفى تفسير أبى الليث السمرقندى فقال أبرهة لعتودة حين قتل ارياط يا عتودة احكم يعنى احكم علىّ بما شئت قال عتودة حكمى أن لا يدخل عروس من بيت أهل اليمن على زوجها حتى أصيبها قبله قال ذلك لك فقام أبرهة باليمن وغلامه عتودة يصنع باليمن ما كان أعطاه من حكمه حينا ثم عدا عليه رجل من حمير أو من خثعم فقتله فلما بلغ أبرهة قتله وكان رجلا حليما ورعا فى دينه من النصرانية فقال قد آن لكم يا أهل اليمن أن يكون منكم رجل حازم يأنف مما يأنف منه الرجال انى والله لو علمت حين حكمته أنه يسأل الذى سأل ما حكمته وأيم الله لا يؤخذ منكم فيه عقل ولا قود ثم بنى القليس بصنعاء كما ذكرنا والله أعلم * (الركن الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى زمان نبوّته وفيه ثلاثة أبواب الباب الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى السنة الحادية عشر من تاريخ ولادته وفيه ذكر خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان وما وقع ليلة ميلاده وما وقع حين الولادة وذكر الختان وذكر أسمائه والقابه وكناه وشمائله وصفاته وخصائصه ومعجزاته وارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة من شق الصدر وغيره وولادة أبى بكر وردّ حليمة الى أمه وفقده فى الطريق ووفاة أمه وكفالة عبد المطلب وحديث سيف بن ذى يزن ورمده واستسقاء عبد المطلب وذكر سليمان وبلقيس ووفاة عبد المطلب وكفالة أبى طالب وموت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان وولاية ابنه هرمز وخروج أبى طالب به الى الشام وحرب الفجار الاوّل وشق الصدر على قول) * * (ذكر تاريخ ولادته) فى المواهب اللدنية اختلف فى عام ولادته صلّى الله عليه وسلم فالاكثرون على أنه عام الفيل وبه قال ابن عباس* ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال وكل قول يخالفه فهو وهم وقال ابن الجوزى فى الصفوة اتفقوا على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولد بمكة يوم الاثنين فى شهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ربيع الاوّل عام الفيل وبعد ما اتفقوا على أن ولادته كانت فى عام الفيل اختلفوا فيما مضى من ذلك العام ففى المنتقى قال ابن عباس ولد يوم الفيل وكان قدوم الفيل يوم الاحد لخمس خلون من المحرّم كذا فى سيرة مغلطاى وهلاك أصحابه لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم وكان أوّل المحرم تلك السنة يوم الجمعة وذلك فى عهد كسرى أنوشروان بن قباد بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور لمضىّ اثنتين وأربعين سنة وفى أسد الغابة لاربعين سنة من ملكه وعاش كسرى بعد مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع سنين وثمانية أشهر وكان ملكه سبعا أو ثمانيا وأربعين سنة وثمانية أشهر كذا قاله ابن الاثير وفى المنتقى كانت وفاة عبد المطلب فى ملك هرمز بن أنوشروان ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ كان ابن ثمان سنين وقيل غير ذلك وفى شواهد النبوّة عاش كسرى أنوشروان بعد مولده صلّى الله عليه وسلم اثنتين وعشرين سنة والله أعلم وفى المواهب الدنية المشهور أنه ولد بعد الفيل بخمسين يوما واليه ذهب السهيلى فى جماعة وفى المنتقى أيضا قال بعضهم ولد بعد الفيل بخمسين يوما وكان بين الفيل والفجار عشرون سنة وكان بين بنيان الكعبة والفجار خمس عشرة سنة وفى المواهب اللدنية وقيل بعده بخمسة وخمسين يوما حكاه الدمياطى فى آخرين وفى المنتقى عن أبى جعفر محمد بن على قال ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الاوّل وكان قدوم الفيل للنصف من المحرم فبين الفيل وبين مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة* وفى المواهب اللدنية وقيل بعده بشهر وقيل بأربعين يوما وقيل بشهرين وعشرة أيام وقيل بعشرين سنة وقيل بثلاثين سنة وقيل بأربعين سنة وقيل بسبعين سنة وقيل غير ذلك كذا فى مورد اللطافة* وفى سيرة مغلطاى وقيل بخمسين يوما وقيل بشهرين وستة أيام وقيل لثنتى عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل وقيل بعد الفيل بعشر سنين ويروى هذا القول عن الزهرى ولا يصح وقيل قبل الفيل بخمس عشرة سنة وقيل غير ذلك والمشهور أنه بعد الفيل لان قصة الفيل كانت توطئة وارهاصا لنبوّته وتقدمة وأساسا لظهور بعثته والا فاصحاب الفيل كما قاله ابن القيم كانوا نصارى أهل كتاب وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة اذ ذاك لانهم كانوا عبدة الاوثان فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه ارهاصا وتقدمة للنبىّ الذى خرج من مكة وتعظيما للبلد الحرام واختلف أيضا فى الشهر الذى ولد فيه والمشهور أنه ولد فى شهر ربيع الاوّل وهو قول جمهور العلماء ونقل ابن الجوزى الاتفاق عليه كما مر وفيه نظر فقد قيل ولد يوم عاشوراء وقيل فى صفر وقيل فى ربيع الآخر وقيل فى رجب وقيل فى رمضان وروى عن ابن عمر باسناد لا يصح وهو موافق لمن قال ان آمنة حملت به فى أيام التشريق وأغرب من قال ولد يوم عاشوراء وكذا اختلف أيضا فى أىّ يوم من الشهر ولد فقيل انه غير معين وانما ولد يوم الاثنين من ربيع الاوّل من غير تعيين والجمهور على أنه يوم معين منه فقيل لليلتين خلتا منه وقيل لثمان خلت منه قال الشيخ قطب الدين القسطلانى وهو اختيار أكثر أهل الحديث ونقله عن ابن عباس وجبير بن مطعم وهو اختيار أكثر من له معرفة بهذا الشان واختاره الحميدى وشيخه ابن حزم وحكى القضاعى فى عيون المعارف اجماع أهل الزيج عليه ورواه الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم وكان عارفا بالنسب وأيام العرب أخذ ذلك عن أبيه جبير وقيل لعشر وقيل لاثنتى عشرة ليلة وعليه عمل أهل مكة فى زيارتهم موضع مولده فى هذا الوقت وقيل لسبع عشرة وقيل لثمان بقين منه وقيل ان هذين القولين غير صحيحين عمن حكيا عنه بالكلية والمشهور أنه ولد فى ثانى عشر ربيع الاوّل وهو قول ابن اسحاق وغيره وانما كان فى شهر ربيع الاوّل على الصحيح ولم يكن فى المحرم ولا فى رجب ولا فى رمضان ولا فى غيرها من الاشهر ذوات الشرف لانه صلّى الله عليه وسلم لا يتشرّف بالزمان وانما الزمان يتشرّف به كالا ما كن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فلو ولد فى شهر من الشهور المذكورة لتوهم أنه تشرّف بها فجعل الله مولده فى غيرها ليظهر عنايته به وكرامته عليه واذا كان يوم الجمعة الذى خلق الله فيه آدم عليه السلام خص بساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله خيرا الا أعطاه اياه فما ظنك بالساعة التى ولد فيها سيد المرسلين ولم يجعل الله تعالى فى يوم الاثنين يوم مولده عليه السلام من التكليف بالعبادات ما جعل فى يوم الجمعة المخلوق فيه آدم من الجمعة والخطبة وغير ذلك اكراما لنبيه صلّى الله عليه وسلم بالتخفيف عن أمته بسبب عنايته وجوده قال الله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ومن جملة ذلك عدم التكليف* واختلف أيضا فى الوقت الذى ولد فيه والمشهور أنه يوم الاثنين فعن قتادة الانصارى انه صلّى الله عليه وسلم سئل عن صيام الاثنين قال ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علىّ فيه النبوّة رواه مسلم وهذا يدل على أنه صلّى الله عليه وسلم ولد نهارا* ذكر يوم ولادته وفى المسند عن ابن عباس قال ولد صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين انتهى وكذا فتح مكة ونزول سورة المائدة يوم الاثنين* وقد روى ولد عند طلوع الفجر فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال كان بمرّ الظهران راهب من أهل الشام يسمى عيصى وكان يقول يوشك أن يولد منكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه فكان لا يولد مولود بمكة الا يسأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيصى فناداه فأشرف عليه فقال له عيصى كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدّثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم الاثنين قال ولدلى الليلة مع الصبح مولود قال فما سميته قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا المولود فيكم أهل هذا البيت بثلاث خصال نعرفه فقد أتى عليهنّ منها أنه طلع نجمه البارحة وانه ولد اليوم وان اسمه محمد رواه جعفر بن أبى شيبة وخرّجه أبو نعيم فى الدلائل بسند فيه ضعف وقيل كان وضعه صلّى الله عليه وسلم عند طلوع الغفر من منازل القمر وهى ثلاثة أنجم صغار ينزلها القمر وهو مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان وهو برج الحمل وكان لعشرين درجة مضت منه* ذكر طالع ولادته وفى روضة الاحباب نقل عن أبى معشر البلخى وهو من مهرة علماء النجوم أنه استخرج طالع النبىّ صلّى الله عليه وسلم عشرين درجة من الجدى حين كان زحل والمشترى فى ثلاث درج من العقرب مقترنين فى درجة وسط السماء والمرّيخ فى بيته فى الحمل والشمس أيضا فى الحمل فى الشرف والزهرة فى الحوت فى الشرف وعطارد أيضا فى الحوت والقمر فى أوّل الميزان والرأس فى الجوزاء فى الشرف والذنب فى القوس فى الشرف فى بيت الاعداد* وفى المواهب اللدنية وقيل ولد ليلا فعن عائشة كان بمكة يهودى يتجر فيها ولما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلمه قال انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم ولد الليلة بنى هذه الامة الاخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهنّ عرف فرس* وفى شواهد النبوّة ولا يشرب اللبن ليلتين متتابعتين لان عفريتا من الجنّ يجعل اصبعه فى فيه فيمنعه من شرب اللبن فتصدّع القوم من مجالسهم وهم يتعجبون من حديثه فلما صاروا فى منازلهم ذكروه لاهاليهم فقيل لبعضهم ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام سماه محمدا فأتوا اليهودى فى منزله فقالوا له أعلمت أنه ولد فينا مولود فقالوا اذهبوا بنا اليه فخرجوا باليهودى حتى أدخلوه على أمه فقالوا أخرجى لنا ابنك فأخرجته وكشفوا عن ظهره فرأى تلك السامة فوقع اليهودى مغشيا عليه فلما أفاق قالوا مالك ويلك قال ذهبت والله النبوّة من بنى اسرائيل رواه الحاكم وزاد فى المنتقى وخرج الكتاب من أيديهم وهذا مكتوب بقتلهم وتدمير أخيارهم فازت العرب بالنبوّة أفرحتم يا معشر قريش أما والله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ليسطونّ بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق الى المغرب* قال الشيخ الزركشى والصحيح ان ولادته صلّى الله عليه وسلم كانت نهارا قال وأما ما روى من تدلى النجوم فضعفه ابن دحية لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا قال وهذا لا يصح أن يكون تعليلا فان زمان النبوّة صالح للخوارق ويجوز أن تسقط النجوم نهارا انتهى فاذا قلنا أنه صلّى الله عليه وسلم ولد ليلا فليلة مولده أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة* أحدها أن ليلة المولد ليلة ظهوره صلّى الله عليه وسلم وليلة القدر معطاة له وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه ولا نزاع فى ذلك فكانت ليلة المولد بهذا الاعتبار أفضل* الثانى ان ليلة القدر تشرفت بنزول الملائكة فيها وليلة مولده تشرفت بظهوره فيها صلّى الله عليه وسلم ومن تشرّفت به ليلة المولد أفضل ممن تشرّفت به ليلة القدر على الاصح المرتضى فتكون ليلة المولد أفضل* والثالث ان ليلة القدر وقع فيها التفضل على أمة محمد صلّى الله عليه وسلم وليلة المولد الشريف وقع التفضل فيها على جميع الموجودات فهو الذى بعثه الله رحمة للعالمين فعمت به النعمة على جميع الخلائق فكانت ليلة المولد أعمّ نفعا فكانت أفضل فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعا وحسنه بديعا شعر يقول لنا لسان الحال منه ... وقول الحق يعذب للسميع فوجهى والزمان وشهر وضعى ... ربيع فى ربيع فى ربيع مكان ولادته واختلف أيضا فى مكان ولادته صلّى الله عليه وسلم قيل ولد بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف الثقفى أخى الحجاج ويقال بالشعب ويقال بالردم ويقال بعسفان كذا فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى وقال فى غيره وتلك الدار فى زقاق بمكة معروف بزقاق المولد فى شعب مشهور بشعب بنى هاشم من الطرف الشرقى لمكة تزار ويتبرك بها الى الآن وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورث تلك الدار فوهبها لعقيل بن أبى طالب زمن الهجرة فلم تزل فى يد عقيل حتى توفى وبعد وفاته باعها أولاده من محمد ابن يوسف الثقفى أخى الحجاج بن يوسف وأدخل ذلك البيت أى مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى داره التى يقال لها البيضاء ولم تزل كذلك حتى حجت خيزران جارية المهدى أم هارون الرشيد فأفرزت ذلك البيت عن تلك الدار وجعلته مسجدا يصلى فيه* بيان التواريخ قال صاحب جامع الاصول وغيره حين ولد النبىّ صلى الله عليه وسلم كان قد مضى من وفاة الاسكندر الرومى ثمانمائة واثنتان وثمانون سنة وفى المنتقى بين مولد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وبين آدم مدّة مختلف فيها فعلى ما روى الواقدى أربعة آلاف وستمائة سنة وقال قوم ستة آلاف سنة ومائة وثلاث عشرة سنة* وفى رواية أبى صالح عن ابن عباس خمسة آلاف وخمسمائة سنة* قال مؤلف المنتقى شاهدت فى كتب التفاسير ان من آدم الى نوح ألف سنة وقيل ألفا سنة ومن نوح الى ابراهيم ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة كما ذكره فى الكشاف ومن ابراهيم الى موسى ألف سنة ومن موسى الى عيسى ألفا سنة ومن عيسى الى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة أو ستمائة سنة فتكون الجملة ثمانية آلاف ومائتين وأربعين سنة* ونقل ابن الجوزى فى التلقيح عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق انه كانت من زمان عيسى الى مولد نبينا عليهما السلام ستمائة سنة وفى رواية خمسمائة وثمان وسبعون سنة مما رفع عيسى الى السماء ونقل ان ذلك بعد هبوط آدم بستة آلاف وثلاث وأربعين سنة* وفى شواهد النبوّة من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى زمن عيسى ستمائة وعشرون سنة ومن عيسى الى داود ألف ومائتا سنة ومن داود الى موسى خمسمائة سنة ومن موسى الى ابراهيم سبعمائة وسبعون سنة ومن ابراهيم الى نوح ألف وأربعمائة وعشرون سنة ومن الطوفان الى آدم ألف ومائتان وأربعون سنة فالجملة ستة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 آلاف وسبعمائة وخمس وستون سنة* وفى صحيح البخارى عن سلمان أنه قال فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ومن عيسى الى موسى ألفا سنة ومن موسى الى ابراهيم ألف سنة ومن ابراهيم الى نوح ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة ومن نوح الى آدم ألف سنة وقيل ألفا سنة وفى أنوار التنزيل ان بين عيسى وموسى ألفا سنة وسبعمائة سنة وألف نبى* وفى المشكاة عن أبى هريرة أنه قال ليس بين عيسى وبين نبينا صلّى الله عليه وسلم نبى وفى الكشاف وأنوار التنزيل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة أو خمسمائة وتسع وستون سنة وأربعة أنبياء ثلاثة من بنى اسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسى فكان ارسال نبينا صلّى الله عليه وسلم على فترة حين انطمست آثار الوحى* وفى حياة الحيوان وكان حنظلة بن صفوان فى زمن الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام * (ذكر خالد بن سنان العبسى وحنظلة بن صفوان) فأما خالد بن سنان فروى أنه كان فى عهد كسرى أنوشروان وكان يدعو الناس الى دين عيسى وكان بأرض بنى عبس وأطفأ النار التى كانت تخرج من بئر هناك وتحرق من لقيته من عابرى سبيل أو غيرهم* وفى المختصر خالد بن سنان العبسى كان نبيا من ولد اسماعيل وكان بعد المسيح بثلثمائة سنة وهى الفترة* روى عن ابن عباس أنه قال ظهرت نار بالبادية بين مكة والمدينة فى الفترة فسمتها العرب بد او كادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس وفى الكامل لابن الاثير كان فى الفترة خالد بن سنان العبسى قيل كان نبيا ومن معجزاته ان نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها وكادوا يتمجسون فأخذ خالد عصاه ودخلها حتى توسطها ففرّقها وهو يقول بدا بدا كل هدى مؤدّى الى الله الاعلى لا دخلنها وهى تلظى ولاخرجنّ منها وثيابى تندى ثم انها طفئت وهو فى وسطها* وفى الوفاء روى ابن أبى شيبة فى خبر من طرق ملخصة انه كان بأرض الحجاز نار يقال لها نار الحدثان فى حرّة بأرض بنى عبس تعشى الابل بضوئها من مسيرة ثمان ليال وربما خرج منها العنق وذهب فى الارض فلا يبقى شيئا الا أكله ثم يرجع حتى يعود الى مكانه وان الله تعالى أرسل اليها خالد بن سنان فقال لقومه يا قوم ان الله أمرنى أن أطفئ هذه النار التى قد أضرت بكم فليقم معى من كل بطن رجل فخرج بهم حتى انتهى الى النار فخط عليهم خطا ثم قال اياكم أن يخرج أحد منكم من هذا الخط فيحترق ولا ينوّهنّ باسمى فأهلك وجعل يضرب النار ويقول بدا بدا كل هدى لله مؤدّى حتى عادت من حيث جاءت وخرج يتبعها حتى ألجأها فى بئر فى وسط الحرة منها تخرج النار فانحدر فيها خالد وفى يده درة فاذا هو بكلاب تحتها فرضهنّ بالحجارة وضرب النار حتى أطفأها الله على يده ومعهم ابن عم لهم فجعل يقول هلك خالد فخرج وعليه بردان ينطفان من العرق وهو يقول كذب ابن راعية المعزى لأخرجنّ منها وثيابى تندى فسمى بنو ذلك الرجل ببنى راعية المعزى الى اليوم* وفى رواية ان قومه سالت عليهم نار من حرة النار فى ناحية خيبر والناس فى وسطها وهى تأتى من ناحيتين جميعا فحافها الناس خوفا شديدا* وفى رواية تخرج من شعب فى شق جبل من حرّة يقال لها حرة أشجع فقال لهم خالد بن سنان ابعثوا معى انسانا حتى أطفئها من أصلها فخرج معه راعى غنم هو ابن راعية المعزى حتى جاء غارا تخرج منه النار* وفى رواية انها كانت تخرج من بئر ثم قال خالد أمسك ثوبى ثم دخل فى الغار وفى رواية انطلق فى ناس من قومه حتى أتاها وقال لهم ان أبطأت عنكم فلا تدعونى باسمى فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه وهو يقول هديا هديا كل بهنّ مؤدّى زعم ابن راعية المعزى انى لا أخرج منها وثيابى تندى حتى دخل معها الشعب فأبطأ عليهم فقال بعصهم لو كان حيا لخرج اليكم فقالوا انه قد نهانا أن ندعوه باسمه قالوا ادعوه باسمه فو الله لو كان حيا لخرج اليكم بعد فدعوه باسمه فخرج وهو آخذ برأسه فقال ألم أنهكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 أن تدعونى باسمى فقد والله قتلتمونى احملونى ادفنونى فاذا مرّت بكم حمر معها حمار أبتر* وفى رواية فاذا دفنتمونى فأتى علىّ ثلاثة أيام وفى رواية حول فأتوا قبرى فارصدوه فاذا عرضت لكم عانة من حمر وحش وبين يديها عير فانبشونى وفى رواية فارموه واذبحوا على قبرى ثم انبشوا قبرى* وفى الكامل يقدمها غير أبتر فيضرب قبرى بحافره فاذا رأيتم ذلك فانبشوا قبرى فانى أقوم فأخبركم بجميع ما هو كائن الى يوم القيامة فلما مات دفنوه فأتوا القبر بعد ثلاثة أيام وسخت لهم الحمر قال فرموه وذبحوا على قبره وأرادوا نبشه فمنعهم قوم من أهل بيته وقالوا لا ندعكم تنبشون صاحبنا فنعير بذلك وندعى بنى المنبوش وفى رواية فتكون سنة علينا فتركوه وفى رواية لابن القعقاع بن خليد العبسى عن أبيه عن جدّه قال بعث الله خالد بن سنان نبيا الى بنى عبس فدعاهم الى الله فكذبوه فقال قيس بن زهير ان دعوت فأسلت علينا هذه الحرّة نارا اتبعناك فانك انما تخوّفنا بالنار وان لم تسل نارا كذبناك قال فذلك بينى وبينكم قالوا نعم قال فتوضا ثم قال اللهمّ انّ قومى كذبونى ولم يؤمنوا برسالتى الا أن تسيل عليهم هذه الحرّة نارا فأسلها عليهم نارا قال فطلع مثل رأس الحريش ثم عظمت حتى عرضت أكثر من ميل فسالت عليهم فقالوا يا خالد ارددها فانا مؤمنون بك فتناول عصا ثم استقبلها بعد ثلاث ليال فدخل فيها فضربها بالعصا فلم يزل يضربها حتى رجعت فقال فرأيتنا نعشى الابل على ضوئها ضلعا الربذة وبين ذلك ثلاث ليال* روى ان خالدا كان اذا أراد أن يستسقى يدخل رأسه فى جيبه فتمطر ولا يمسك المطر حتى يرفعه كذا فى الوفاء* ذكر حنظلة بن صفوان وأما حنظلة بن صفوان فقيل بعثه الله الى أصحاب الرس وهم قوم ابتلاهم الله بطير عظيم لها عنق طويل من أحسن الطير كان فيها من كل لون وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذى يقال له فتح أو دمخ مصعده فى السماء ميل وكانت تنقض على صبيانهم فتخطفهم اذا أعوزها الصيد ويقال لها عنقاء مغرب لانها تغرب بكل ما اختطفته وانقضت على جارية قد ترعرعت وضمتها الى جناحين لها صغيرين غير جناحيها الكبيرين ثم ذهبت بها فضربتها العرب مثلا فقالوا طارت به العنقاء فشكوا الى نبيهم حنظلة بن صفوان فدعا عليها فأصابتها الصاعقة فأهلكتها ثم انهم قتلوا حنظلة فأهلكوا وقيل أصحاب الرس قوم كانوا يعبدون الاصنام فبعث الله اليهم شعيبا فكذبوه فبينما هم حول الرس وهى البئر غير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث الله اليهم نبيا فقتلوه فهلكوا وقيل الاخدود وقيل بئر بانطاكية فقتلوا فيها حبيبا البحار وقيل قوم كذبوا بينهم ورسوه أى دسوه فى بئر ذكره فى أنوار التنزيل ببعض تغيير وفى العمدة الرس بئر بأذربيجان* وفى المختصر حنظلة بن صفوان كان نبيا بعد خالد بن سنان بمائة سنة ويقال انه من ولد اسماعيل وأرسل الى قبيلتين يقال لاحداهما قدمان وللاخرى رعويل فأرسله الله اليهم فعصوه وقتلوه وأنزل الله فيهم فلما أحسوا بأسنا اذاهم منها يركضون الآية* (ذكر ما وقع ليلة ميلاده عليه السلام) * فى ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم صارت الشياطين وكبيرهم ابليس محجوبة من السماء مرمية بالشهب الثواقب وكانت قبل تصعد فتسترق السمع قال الشيخ الزرندى فى كتاب الاعلام كان من أعظم الحوادث عند مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم انشقاق ايوان كسرى ثم بقاؤه كذلك الى زماننا سنة ست وأربعين وسبعمائة ثم الله أعلم الى أىّ زمان يبقى* روى مخزوم بن هانئ المخزومى عن أبيه وكانت له مائة وخمسون سنة قال لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى أنوشروان فسقطت منه أربع عشرة شرفة وكانت له اثنتان وعشرون شرفة وانشق بحيث سمع صوته وبقى كذلك آية وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة وغاضت بحيرة ساوة وهى بين همدان وقم وكانت أكثر من ستة فراسخ فى الطول والعرض وكانت يعبر عنها بالسفينة وبقيت كذلك ناشفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 يابسة على هؤلاء القوم حتى بنيت موضعها مدينة ساوة الباقية اليوم ورأى الموبدان كأنّ ابلاصعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس فلما أصبح تجلد كسرى وجلس على سرير ملكه ولبس تاجه وأرسل الى موبدان فقال يا موبدان انه سقط من ايوانى أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تحمد قبل اليوم بألف سنة فقال الموبذان وأنا أيها الملك قد رأيت كانّ ابلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس قال فما ترى ذلك يا موبذان وكان موبذان أعلمهم قال حدث يكون من جانب العرب* فكتب حينئذ من كسرى ملك الملوك الى النعمان بن المنذر أن ابعث الىّ رجلا من العرب يخبرنى عما أسأله عنه فبعث اليه عبد المسيح بن حيان بن عمرو الغسانى قيل كان له من العمر قريب من أربعمائة سنة فقال له كسرى يا عبد المسيح هل عندك علم بما أريد أن أسألك عنه فقال يسألنى الملك فان كان عندى منه علم أعلمته والا فأعلمته بمن علمه عنده فأخبره به فقال علمه عند خال لى يسكن مشارف الشام يقال له سطيح* وفى سيرة ابن هشام اسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مازن ابن مسعود بن ذئب بن عدى بن مازن بن غسان روى أن سطيحا الغسانى كاهن بنى ذئب كان كاهنا لم يكن مثله من بنى آدم وكان مخلوقا عجيبا* وفى كتاب الحسنى عن ابن عباس ان الله خلق سطيحا الغسانى كلحم على وضم ليس له عظم ولا عصب الا الجمجمة والكفين ولم يتحرّك منه الا اللسان قيل لكونه مخلوقا من ماء امرأتين ولم يقدر على القيام والقعود الا انه وقت غضبه يمتلئ من الريح فيجلس وكان وجهه فى صدره لم يكن له رأس وعنق وقد عمل له سرير من السعف والجريد والخوص فاذا أريد نقله الى مكان يطوى من رجليه الى ترقوته كما يطوى الثوب فيوضع على ذلك السرير فيذهب به الى حيث يشاء واذا أريد تكهنه واخباره عن المغيبات يحرّك كما يحرّك وطب المخيض فينتفخ ويمتلئ ويعلوه النفس فيخبر عن المغيبات وكان يسكن الجابية وهى مدينة من مشارف الشام* وفى حياة الحيوان روى انه ولد شق وسطيح فى اليوم الذى ماتت فيه ظريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر ودعت بسطيح قبل أن تموت فتفلت فى فيه وأخبرت انه سيخلفها فى علمها وكهانتها ودعت بشق ففعلت به مثل ذلك ثم ماتت وقبرها بالجحفة* وفى سيرة ابن هشام شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن انمار ابن نزار وانمار أبو بجيلة وخثعم وكان شق شق انسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة ذكر أن أبا الفرج بن خالد بن عبد الله القشيرى كان من ولد شق هذا قيل كانت ولادة سطيح فى أيام سيل العرم وخرج من المأرب مع رهط من الازد فى أيام تفرق الناس منها وعاش الى زمان ولادة النبىّ صلى الله عليه وسلم فكان له من العمر قريب من ستمائة سنة وفيه نظر* روى عن وهب بن منبه سئل سطيح من أين لك علم الكهانة قال ان لى قرينا من الجنّ كان قد استمع أخبار السماء فى زمان كلم الله موسى فى الطور فيقول لى من ذلك أشياء وأنا أقولها للناس انتهى* قال كسرى لعبد المسيح اذهب اليه فاسأله وأخبرنى بما يخبرك به فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح وهو مشرف على الموت فأنشد عبد المسيح رجزا فلما سمعه سطيح رفع رأسه اليه وقال عبد المسيح من بلد نزيح على جمل مشيح جاء الى سطيح وقد وافاه على ضريح بعثك ملك ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس يا عبد المسيح اذا ظهرت التلاوة وبعث صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادى سماوه وخمذت نيران فارس لم يكن بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات ثم يكون هنآت وكل ما هوآت آت ثم مات* وفى معجم ما استعجم السماوة بفتح أوّله وتخفيف الميم مفازة بين الكوفة والشام وقيل بين الموصل والشام وهى من أرض كلب* وقال أبو حاتم عن الاصمعى وغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 السماوة قليل العرض طويلة قيل سميت بذلك لعلوّها وارتفاعها انتهى فرجع عبد المسيح الى كسرى وأخبره بما قال سطيح قال كسرى الى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور قال فملك منهم عشرة فى أربع سنين وملك الباقون الى زمان خلافة عثمان كذا فى المنتقى* روى أن عبد المسيح هذا هو الذى صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان ذلك المال أوّل مال ورد على أبى بكر الصدّيق* وفى نظام التواريخ لما ملك كسرى أنوشروان عمل بوصايا أزدشير واستوزر بزرجمهر وشاور معه ومع سائر الوزراء فى أمر مزدك الملحد الذى أنشأ مذهب الاباحة وسماه مذهب العدل ورفع العبادة عن الخلق ورخص للناس فى أن يتصرّف بعضهم فى حرم بعض وأموالهم وخدع قباد بن فيروز حتى صار مطواعا له فلما شاور كسرى مع الوزراء استقرّ رأيهم على أن يرفعوه بالمكر والحيلة فقربه كسرى وعزه وعلم تفصيل اتباعه بلطائف الحيل وبعث الى نوّابه وأمرهم أن يقتلوا اتباعه يوم المهرجان فأحضروا يوم المهرجان مزدك وأتباعه وقتلهم وقتل كسرى بيده مزدك وفى أيامه استمدّه سيف بن ذى يزن من أبناء ملوك حمير فأمدّه على مسروق بن ابرهة الذى نزل فى شأن أبيه سورة الفيل واستخلص منهم اليمن وكانت مدّة كسرى سبعا وأربعين سنة وأربعة أشهر* ومن حوادث ليلة ميلاده ما وقع من زيادة حراسة السماء بالشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق السمع ولقد أحسن السقراطيسى حيث قال ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف فى الاشراق والطفل وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقض منكسر الارجاء ذاميل ونار فارس لم توقد وما خمدت ... مذالف عام ونهر القوم لم يسل خرّت لمبعثه الاوثان وانبعثت ... ثواقب الشهب ترمى الجنّ بالشعل ومن حوادث ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم ما نقل عن عبد المطلب أنه قال ليلة ميلاد محمد كنت فى الطواف فلما مضى نصف الليل رأيت الكعبة سجدت نحو مقام ابراهيم وسمعت صوت التكبير الله أكبر الله أكبر الآن طهرت من أنجاس المشركين وأرجاس الجاهلية ثم تساقطت الاصنام وأنا أنظر الى هبل الذى هو أكبر الاصنام فرأيته سقط منكسا على الحجر ونادى مناد ألا ان آمنة قد ولدت محمدا كذا فى شواهد النبوّة* (ذكر بعض ما وقع حين الولادة) * فى المواهب اللدنية روى عن آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم انها قالت كانت ولادتى يوم الاثنين ولما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد لا ذكر ولا أنثى وانى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه فسمعت وجبة عظيمة وصوت زلزلة شديدة وأمرا عظيما فأخذنى الرعب وهالنى ثم رأيت كانّ جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الروع وكل وجع كنت أجده ثم التفت واذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشى فشربتها فاذا هى أحلى من العسل فأضاء منى نور غالب* وفى رواية فأصابنى نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهنّ من بنات عبد مناف يحدقن بى وأنا أتعجب من ذلك وأقول وا غوثاه من اين علمن هؤلاء بى وفى غير هذه الرواية فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتدّ بى الامر وانا اسمع الوجبة فى كل ساعة اعظم واهول مما تقدّم فبينا انا كذلك اذا بديباج ابيض مدّ بين السماء والارض واذا بقائل يقول خذاه عن اعين الناس قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى الهواء بأيديهم اباريق من فضة ثم نظرت فاذا انا بقطعة من طير قد اقبلت حتى غطت حجرتى مناقرها من الزمرّد واجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الارض ومغاربها ورايت ثلاثة اعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 المخاض فوضعت محمدا صلّى الله عليه وسلم فنظرت اليه فاذا هو ساجد قد رفع اصبعيه الى السماء كالمتضرّع المبتهل ثم رايت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء حتى غشيته فغيبته عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا به مشارق الارض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا انه سمى فيها الماحى لا يبقى شىء من الشرك الا محى فى زمنه ثم تجلت عنه فى أسرع وقت الحديث وهو مما تكلم فيه* وروى الخطيب البغدادى بسنده أن آمنة قالت لما وضعته عليه السلام رأيت سحابة بيضاء عظيمة لها نور أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الاجنحة وكلام الرجال حتى غشيته وغيب عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم جميع الارض واعرضوه على كل روحانى من الجنّ والانس والملائكة والطيور والوحوش وأعطوه خلق آدم ومعرفة شيث وشجاعة نوح وخلة ابراهيم ولسان اسماعيل ورضا اسحاق وفصاحة صالح وحكمة لوط وبشرى يعقوب وشدّة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود وحب دانيال ووقار الياس وعصمة يحيى وزهد عيسى واغمسوه فى اخلاق النبيين قالت ثم انجلت عنى فاذا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طيا شديدا ينبع من تلك الحريرة ماء فاذا قائل يقول بخ بخ قبض محمد صلّى الله عليه وسلم على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها الا دخل طائعا فى قبضته* قالت ثم نظرت اليه فاذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الاذفر واذا بثلاثة نفر فى يد أحدهم ابريق من فضة وفى يد الثانى طست من زمرد أخضر وفى يد الثالث حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه فغسله من ذلك الابريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه فى الحرير ثم احتمله بين أجنحته ساعة ثم ردّه الىّ رواه أبو نعيم عن ابن عباس وفيه نكارة* وروى الحافظ أبو بكر بن عائذ فى كتاب المولد كما نقله الشيخ بدر الدين الزركشى فى شرح بردة المديح عن ابن عباس لما ولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال فى اذنه رضوان خازن الجنان ابشريا محمد فما بقى لنبىّ علم الا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا وروى الطبرانى انه لما وقع الى الارض وقع مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها* وفى شواهد النبوّة روى انه صلّى الله عليه وسلم لما وقع على الارض رفع رأسه وقال بلسان فصيح لا اله الا الله وانى رسول الله وعن فاطمة بنت عبد الله امّ عثمان بن أبى العاص قالت لما حضرت ولادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نورا ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت انها ستقع علىّ رواه البيهقى* وأخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية كما ذكر فى اوّل الكتاب ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمهات الانبياء يرين وان أمّ رسول الله رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام* قال الحافظ ابن حجر صححه ابن حبان والحاكم واخرج ابو نعيم عن بردة عن مرضعته فى بنى سعد أن آمنة قالت رأيت كأنه خرج من فرجى شهاب أضاءت له الارض حتى رأيت قصور الشام* وعن همام بن يحيى عن اسحاق بن عبد الله ان امّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت لما ولدته خرج من فرجى نور أضاء له قصور الشام فولدته نظيفا ما به قذر رواه ابن سعد* واخرج ابو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء قالت لما ولدت آمنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاءت لى ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت الى بعض قصور الروم قالت ثم ألبنته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال الى المشرق قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى بعثه الله فكنت فى أوّل الناس اسلاما ذكرهما فى المواهب اللدنية وذكر فى غيره عن أبى بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثيا على ركبتيه ينظر الى السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوى ساجدا وغطيت عليه اناء فوجدته قد تفلق الاناء عليه وهو يمص ابهامه تشخب لبنا* وفى المنتقى ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع جاثيا على ركبتيه وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الايل ببصرى رافعا رأسه الى السماء فحقق الله بذلك رؤيا أمه* وفى المواهب اللدنية قال فى اللطائف وخروج هذا النور عند وضعه اشارة الى ما يجىء به من النور الذى اهتدى به أهل الارض وزال به ظلمة الشرك كما قال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه* وأما اضاءة قصور بصرى بالنور الذى خرج معه فهو اشارة الى ما خص الشام من نور نبوّته فانها دار ملكه كما ذكر كعب ان فى الكتب السالفة محمد رسول الله مولده مكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام ولهذا اسرى به صلّى الله عليه وسلم الى الشام الى بيت المقدس كما هاجر قبله ابراهيم عليه السلام الى الشام وبها ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام وهى أرض المحشر والمنشر* وفى المنتقى كانت سنتهم فى المولود اذا ولد فى استقبال الليل كفأوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم فأصبحوا وقد انشق عنه القدر وهو شاخص ببصره الى السماء وفيه أيضا روى أنها لما ولدته صلّى الله عليه وسلم أرسلت الى عبد المطلب وجاءه البشير وهو جالس فى الحجر معه ولده ورجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلك عبد المطلب وقام هو ومن كان معه ودخل عليها فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله جوف الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكره بما أعطاه فقال يومئذ الحمد لله الذى أعطانى ... هذا الغلام الطيب الاردان قد ساد فى المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذى الاركان حتى أراه بالغ البيان ... أعيذه من شرّ ذى شنآن من حاسد مضطرب العينان روى أنه لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا* وفى بعض الكتب كان ذلك يوم سابعه يعنى عقيقته فلما فرغوا من أكله قالوا ما سميته قال سميته محمدا قالوا لم رغبت عن أسماء آبائه قال أردت أن يكون محمودا فى السماء لله وفى الارض لخلقه قيل بل سمته بذلك أمه لما رأته وقيل لها فى شأنه ويمكن أن يجمع بين القولين بأن يقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمية منه واذا كانت هى سببها يصح القول بأنها سمته به* (ذكر ختانه صلّى الله عليه وسلم) اختلف فى ختانه على ثلاثة أقوال وسيجىء* جمهور أهل السير والتواريخ على انه صلّى الله عليه وسلم ولد معذورا مسرورا أى مختونا مقطوع السرّ وسيجىء بيان الاعذار وأعجب ذلك عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لا بنى هذا شأن* وفى المواهب اللدنية روى من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابن عساكر وروى الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق عن أنس بن مالك أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى انى ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتى وصححه أيضا فى المختارة* وعن ابن عمر قال ولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسرورا مختونا رواه ابن عساكر قال الحاكم فى المستدرك تواترت الاخبار أنه صلّى الله عليه وسلم ولد مختونا انتهى وتعقبه الحافظ الذهبى فقال ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا* أجيب باحتمال أن يكون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها وكثرتها فى السير لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث ولكن قد حكى الحافظ زين الدين العراقى ان الكمال بن العديم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ضعف أحاديث كونه عليه السلام ولد مختونا وقال انه لا يثبت فى هذا شئ من ذلك وأقرّه عليه وبه صرّح ابن القيم ثم قال ليس هذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلم فان كثيرا من الناس ولد مختونا وحكى الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فى القمر فسخت قلفته أى اتسعت فيصير كالمختون وفى الوشاح لابن دريد قال ابن الكلبى بلغنا أن آدم خلق مختونا واثنى عشر نبيا بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد صلّى الله عليه وسلم شيث وادريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين* وذكر ابن الجوزى عن كعب الاحبار ان ثلاثة عشر من الانبياء خلقوا مختونين وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وذكر عيسى مكانه وقال محمد بن حبيب الهاشمى هم أربعة عشر وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وعيسى وذكر زكريا وحنظلة بن صفوان كذا فى مريل الخلفا* وفى المواهب اللدنية وفى هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع وهو غير موجود لان الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع وقد حصل من الاختلاف فى ختانه ثلاثة أقوال كما أشرنا اليه سابقا أحدها انه ولد مختونا كما تقدّم الثانى انه ختنه جدّه عبد المطلب يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا رواه الوليد بن مسلم بسنده الى ابن عباس وحكاه ابن عبد البرّ فى التمهيد وابن الاثير فى اسد الغابة الثالث انه ختن عند حليمة كذا ذكره ابن القيم والدمياطى ومغلطاى قالا ان جبريل ختنه حين طهر قلبه وكذا أخرجه الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم من حديث أبى بكرة وقال الذهبى وهذا منكر* واعلم أن الختان هو قطع القلفة التى تغطى الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التى فى أعلى الفرج من المرأة ويسمى ختان الرجل اعذارا بالعين المهملة والذال المعجمة والراء وختان المرأة خفضا بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة وفى القاموس خفاض كختان لفظا ومعنى* واختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أكثرهم الى أنه سنة وهو قول أبى حنيفة ومالك وبعض أصحاب الشافعى وذهب الشافعى الى وجوبه وهو مقتضى قول سحنون من المالكية وذهب بعض أصحاب الشافعى الى أنه واجب فى حق الرجال وسنة فى حق النساء واحتج من قال انه سنة بحديث أبى المليح بن اسامة عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه أحمد فى مسنده والبيهقى وأجاب من أوجبه بأنه ليس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب بل المراد به الطريقة واحتجوا على وجوبه بقوله تعالى أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا وثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اختتن ابراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وبما روى أبو داود من قوله عليه السلام للرجل الذى أسلم ألق عنك شعار الكفر واختتن واحتج القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة وتمنع صحة الصلاة فيجب وقال الامام فخر الدين الرازى الحكمة فى الختان أن الحشفة قوى الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوى اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشر بعتنا تقليلا للذة لا قطعا كما فعله المانوية فذلك افراط وابقاء القلفة تفريط فالعدل الختان* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى المانوية أصحاب مانى بن فاتك الحكيم الذى ظهر فى زمان سابور بن أزدشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أزدشير وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية وكان لا يقول بنبوّة عيسى ولا بنبوّة موسى عليهما السلام وحكى محمد بن هارون المعروف بأبى عيسى الورّاق وكان فى الاصل مجوسيا ارفا بمذاهب القوم ان الحكيم مانى زعم ان العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وانهما أزليان لم يزولا ولا يزالا وأنكر وجود شىء الا من أصل قديم انتهى وادا قلنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بوجوب الختان فحمل الوجوب بعد البلوغ على الصحيح من مذهب الشافعى لما روى البخارى فى صحيحه عن ابن عباس انه سئل مثل من أنت حين قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك قال بعض اصحاب الشافعى يجب على الولىّ أن يختن الصبى قبل البلوغ والله أعلم* أسماؤه صلّى الله عليه وسلم أما أسماؤه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة بعضها ورد فى القرآن المجيد وبعضها فى الاحاديث الصحيحة وبعضها فى كتب الانبياء أما ما فى القرآن فمنها محمد وأحمد والرسول والنبىّ والشاهد والبشير والنذير والمبشر والمنذر والداعى الى الله والسراج المنير والرؤف والرحيم والمصدّق والمذكر والمزمل والمدّثر وعبد الله والكريم والحق والمبين والنور وخاتم النبيين والرحمة والنعمة والهادى وطه ويس على قول بعض المفسرين وأما ما فى الاحاديث غير ما ذكرناه فمنها الماحى والحاشر والعاقب والمقفى ونبىّ الرحمة ونبىّ التوبة ونبىّ الملاحم ورحمة مهداة والقتال والمتوكل والفاتح والخاتم والمصطفى والامى والقثم أى جامع الخير قال ابن الجوزى هو مشتق من القثم وهو الاعطاء يقال قثم له من العطاء يقثم اذا أعطاه كذا فى المواهب اللدنية* وأماما فى كتب الانبياء فمنها الضحوك وحميالها أو حمطايا وأحيد وبارقليط وفارقليط وفارق ليطا وماذماذ والمشقح والمنحمنا والمختار وروح الحق ومقيم السنة والمقدّس وحرز الاميين ومعلوم أن أكثر الاسماء المذكورة صفات واطلاق الاسم عليها مجاز فى المواهب اللدنية قوله حمياطا بفتح الحاء المهملة ثم ميم ساكنة فمثناة تحتية فألف فطاء مهملة فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمى الحرم من الحرام ويوطئ الحلال فأما حمطايا فبفتح الحاء المهملة وسكون الميم قال الهروى أى حامى الحرم فأما أحيد فهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة قال القسطلانى كذا وجدته فى بعض نسخ الشفاء المعتمدة والمشهور ضبطه بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وبفتح المثناة التحتية وفى نسخة بفتح الهمزة وكسر الحاء وسكون المثناة فقال النووى فى كتاب تهذيب الاسماء واللغات عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسمى فى القرآن محمد وفى الانجيل أحمد وفى التوراة أحيد وانما سميت أحيد لانى أحيد عن أمتى نار جهنم* وأما بارقليط وفارقليط بالموحدة التحتية وبالفاء وفتح الراء والقاف وسكون الراء مع فتح القاف وبكسر الراء وسكون القاف وغير منصرف للعجمة والعلمية فوقع فى انجيل يوحنا ومعناه روح الحق وقال ثعلب معناه الذى يفرق بين الحق والباطل وانما قال فى انجيل يوحنا لان عيسى لم تظهر دعوته فى عصره وانما أخذ الانجيل عن أربعة من الحواريين متى ويوحنا ومرقس ولوقا* تكلم كل واحد من هؤلاء بعبارة عبرها للامة الذين تابعوه دعاهم بلغتهم نجلها أى ولدها مما سمع من المسيح عليه السلام ولذلك اختلفت الاناجيل الاربعة اختلافا شديدا كذا فى المنتقى* وفى نهاية ابن الاثير فى صفته عليه السلام ان اسمه مكتوب فى الكتب السالفة فارق ليطا أى يفرق بين الحق والباطل* وأما ماذماذ بميم ثم ألف ثم ذال معجمة منوّلة ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة قال القسطلانى كذا رأيته لبعض العلماء ونقل العلامة الحجازى فى حاشيته على الشفاء بضم الميم واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف ممدودا وقال نقلته عن رجل أسلم من علماء بنى اسرائيل وقال معناه طيب طيب ولا ريب أنه أطيب الطيبين وحسبك أنه كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به وأما المشفح فهو بضم الميم وبالشين المعجمة وبالفاء المشدّدة المفتوحتين ثم حاء مهملة وروى بالقاف بدل الفاء من الشفح والشقح وهما بالسريانية الحمد* وأما المنحمنا فهو بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة مقصورا وضبطه بعضهم بفتح الميمين فمعناه بالسريانية محمد* ذكر الحسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 ابن محمد الدامغانى فى كتاب شوق العروس وأنس النفوس نقلا عن كعب الاحبار أنه قال اسم النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم وعند أهل النار عبد الجبار وعند أهل العرش عبد الحميد وعند سائر الملائكة عبد المجيد وعند الانبياء عبد الوهاب وعند الشيطان عبد القهار وعند الجنّ عبد الرحيم وفى الجبال عبد الخالق وفى البرّ عبد القادر وفى البحر عبد المهيمن وعند الحيتان عبد القدّوس وعند الهوام عبد الغياث وعند الوحوش عبد الرزاق وعند السباع عبد السلام وعند البهائم عبد المؤمن وعند الطيور عبد الغفار وفى التوراة موذ موذ وفى الانجيل طاب طاب وفى الصحف عاقب وفى الزبور فاروق وعند الله طه ويس وعند المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم ذكر هذا كله القسطلانى فى المواهب اللدنية وذكر فيه من الاسماء والالقاب والكنى ما يزيد على أربعمائة* قال ابن دحية أسماؤه تقرب من الثلثمائة وانتهى بها بعض الصوفية الى ألف كذا فى سيرة مغلطاى* ألقابه صلّى الله عليه وسلم وأما ألقابه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة مثل صاحب البراق وصاحب التاج المراد به العمامة لان العمائم تيجان العرب وصاحب المعراج وصاحب الهراوة والنعلين وصاحب الخاتم والعلامة وصاحب البرهان والحجة وصاحب الحوض المورود والمقام المحمود وصاحب الوسيلة وصاحب الفضيلة وصاحب الدرجة الرفيعة وصاحب الشفاعة وسيد أولاد آدم وسيد المرسلين وامام المتقين وقائد الغرّ المحجلين وحبيب الله وخليل الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب ورسول رب العالمين والمصطفى والمجتبى والمزكى* وأما كنيته صلّى الله عليه وسلم المشهورة فأبو القاسم لانّ أكبر أولاده القاسم والعرب تكنى الشخص غالبا بأكبر أولاده* وقال صلّى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى فانما أنا قاسم أوفانى أبو القاسم أقسم بينكم وقال أبو هريرة لما ولد ابراهيم من مارية لقى جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له السلام عليك يا أبا ابراهيم رواه أحمد وروى هذا الحديث عن أنس أيضا تغيير يسير كما سيجىء فى مولد ابراهيم فى الموطن الثامن ويكنى بأبى الارامل فيما ذكره ابن دحية وبأبى المؤمنين فيما ذكره غيره والله أعلم* (ذكر شمائله وصفاته) * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا* وعن أنس كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالقصير ولا بالطويل البائن وفى رواية الذاهب وفى رواية علىّ لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردّد كان ربعة من القوم وفى رواية وهو الى الطول أقرب وفى رواية أطول من المربوع وأقصر من المشذب* وفى رواية مربوعا ومع ذلك لم يكن يماشيه أحد ينسب الى الطول الا طاله وفى رواية اذا جاء مع القوم غمرهم وكان فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أزهر اللون كانّ الشمس تجرى فى وجهه أبيض مشربا بياضه بحمرة* وفى رواية أزهر ليس بالابيض الامهق ولا بالادم وفى رواية أبيض مليح الوجه مليحا مقصدا وفى رواية حسن الوجه أسمر اللون عظيم الهامة وفى رواية ضخم الرأس وفى رواية على رضى الله عنه ليس بالمطهم ولا بالمكلثم وكان فى وجهه تدوير وفى رواية كانّ على وجهه مثل الشمس والقمر مستدير سهل الخدّين واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ من غير قرن وفى رواية أبلج بينهما عرق يدرّه الغضب أنجل وفى رواية عظيم العينين أدعج وفى رواية أسود الحدق أشكل العينين وفى رواية مشرب العينين حمرة أهدب الاشفار وكان يرى من خلفه كما يرى من قدّامه وفى رواية مسلم من أمامه* قال بعض العلماء وهو مختار بن محمود كان بين كتفيه عينان مثل سمّ الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب وقال بعضهم ان الله خلق له ادراكا فى قفاه يبصر به من وراءه ويرى فى الليل والظلمة كما يرى بالنهار والضوء رواه البيهقى والبخارى وانه رأى الله بعينه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الخلاف كذا فى المواهب اللدنية وكان يرى فى الثريا أحد عشر نجما قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء ان هذه الرؤية رؤية عين حقيقة وذهب بعضهم الى ردّها الى العلم والظواهر بخلافه ولا احالة فى ذلك وهى من خواص الانبياء كما روى عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم انه قال لما تجلى الله لموسى عليه السلام كان يبصر النملة على الصفاء فى الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا صلّى الله عليه وسلم بما ذكرناه من هذا الباب بعد الاسراء لما رأى من آيات ربه الكبرى كذا فى الشفاء* خافض الطرف نظره الى الارض أطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة وفى سيرة اليعمرى وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا للوحى وكذا فى البخارى واذا نام نفخ ولا يغط أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم ضليع الفم مفلج الاسنان أشنب اذا افتر ضاحكا افتر عن مثل حب الغمام أو مثل سنا البرق جل ضحكه التبسم وفى رواية أفلج الثنيتين اذا تكلم رؤى كالنور يخرج من ثناياه وقال شمر عظيم الاسنان وكان ريقه يعذب الماء الملح رواه أبو نعيم ويجزى الرضيع رواه البيهقى وما تثاءب قط كما رواه ابن أبى شيبة والبخارى فى تاريخه وأخرج الخطابى قال ما تثاءب نبىّ قط ويؤيد ذلك ان التثاؤب من الشيطان رواه البخارى طويل السكوت لا يتكلم فى غير حاجة ويتكلم بجوامع الكلم كلامه فصل لا فضول ولا تقصير* وفى رواية علىّ رضى الله عنه أسيل الخدّكث اللحية على شفته السفلى خال وفى رواية تملأ صدره عظيم الجمة الى شحمة أذنيه وفى رواية له شعر يضرب منكبيه وفى رواية بين أذنيه وعاتقه وفى رواية أنس رجل الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد القطط وفى رواية علىّ كان جعدا رجلا ذا أربع غدائر وفى رواية ذا ضفائر أربع وللترمذى كان شعره فوق الجمة ودون الوفرة ولابى داود فوق الوفرة ودون الجمة وليس فى رأسه ولحيته حين توفى عشرون شعرة بيضاء وفى رواية أنس ما عددت فى رأسه ولحيته الا أربع عشرة شعرة بيضاء* قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعمّ يتساءلون واذا الشمس كوّرت رواه الترمذى وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد شمط مقدّم رأسه ولحيته واذا ادّهن لم يتبين واذا شعث رأسه تبين وكان فى عنفقته شعرات بيض* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم لم يخضب وانما كان البياض فى عنفقته وفى الصدغين وفى الرأس يبدو وعنه رأيت شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مخضوبا وسئل أبو هريرة هل خضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال نعم* وفى رواية أخرجت أمّ سلمة شعرا من شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مخضوبا وفى رواية أرت شعره صلّى الله عليه وسلم أحمر ورأى ربيعة بن عبد الرحمن شعرا من شعره صلّى الله عليه وسلم أحمر فسأل فقيل احمرّ من الطيب وكان صلّى الله عليه وسلم يترجل غبا وفى رواية كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته وحلق صلّى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وفى رواية بمنى بعد ما نحر جانبه الايمن ثم الايسر ثم بقية الرأس كما سيجىء فى الموطن العاشر وقصر عن رأسه بمشقص وهو على المرأة وكان صلّى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه رواه الترمذى عن ابن عباس وعنده أيضا من حديث زيد بن أرقم قال صلّى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا وقال صلّى الله عليه وسلم الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط* وفى شرح السنة أنه صلّى الله عليه وسلم كان يقص شاربه ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح الى صلاة الجمعة* وفى الشرعة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يقص من لحيته من عرضها وطولها ويفعل ذلك فى الخميس والجمعة* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم كان لا يتنوّر فاذا كثر شعره حلقه وكان صلّى الله عليه وسلم أحسن الناس عنقا كانّ عنقه جيد دمية أو ابريق فضة فى صفاء فضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وفى رواية أبيض كأنما صيغ من فضة معتدل الخلق بادنا متماسك البدن كأنّ عرقه اللؤلؤ وكان يؤخذ من عرقه ليتطيب به واذا مرّ بسكة يبقى أثر الطيب فيها زمانا وثبت فى الصحيح أن ابطه كان نظيفا طيب الرائحة ولم تكن له رائحة كريهة وكان ضرب اللحم سواء البطن والصدر عريض الصدر وفى رواية واسع الصدر بعيد ما بين المنكبين وللنسائى عريض عظم المنكبين وللترمذى ضخم الكراديس وفى رواية ضخم العظام وفى رواية جليل المشاش والكتد بين كتفيه خاتم النبوّة مثل زرّ الحجلة كذا فى البخارى وفى مسلم جمع عليه خيلان كأنها الثآليل السود عند نغض كتفه وروى عند غضروف كتفه اليسرى وفى كتاب أبى نعيم الايمن وفى مسلم كبيضة الحمامة وفى صحيح الحاكم شعر مجتمع وفى البيهقى مثل السلعة وفى الشمائل بضعة ناشزة وفى حديث عمرو بن أخطب كشىء يختم به وفى تاريخ ابن عساكر مثل البندقة وفى الترمذى ودلائل البيهقى كالتفاحة* وفى الروض وسيرة ابن هشام وحياة الحيوان كأثر المحجمة القابضة على اللحم وفى تاريخ ابن خيثمة شامة خضراء محتفرة فى اللحم وفيه أيضا شامة سوداء تضرب الى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس وفى تاريخ القضاعى ثلاث شعرات مجتمعات وفى كتاب الترمذى الحكيم كبيضة الحمام مكتوب فى باطنها الله وحده لا شريك له وفى ظاهرها توجه حيث شئت فانك منصور وفى كتاب المولد لابن عائذ كان نورا يتلألأ* وفى سيرة ابن أبى عاصم عذرة كعذرة الحمام قال أبو أيوب يعنى قرطمة الحمام فى القاموس قرطمتا الحمام بكسر القاف نقطتان على أصل منقاره* وفى تاريخ نيسابور مثل البندقة من لحم مكتوب عليه باللحم محمد رسول الله وفى رواية عن صفية بنت عبد المطلب مكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله كذا فى حياة الحيوان نقلا عن دلائل النبوّة للبيهقى* وعن عائشة كتينة صغيرة تضرب الى الدهمة وكان مما يلى الفقار قالت فلمسته حين توفى فوجدته قد رفع حكى هذا كله الحافظ مغلطاى كذا فى المواهب اللدنية* وفى حياة الحيوان عن الواقدى عن شيوخه انهم قالوا لما شك فى موت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه وكان هذا الذى عرف به موت النبىّ صلّى الله عليه وسلم* قال فى فتح البارى ما ورد من أن الخاتم كان كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء مكتوب عليها محمد رسول الله أو سرفانك المنصور أو لا اله الا الله محمد رسول الله لم يثبت منها شىء قال لا تغترّ بما وقع فى صحيح ابن حبان فانه غفل حيث صحح ذلك وقال الهيتمى فى مورد الظمآن بعد أن أورد الحديث ولفظه مثل البندقة من اللحم مكتوب عليه محمد رسول الله مما اختلط على بعض الرواة خاتم النبوّة بالخاتم الذى كان يختم به وبخط الحافظ ابن حجر على الهامش البعض المذكور هو اسحاق بن راهويه قاضى سمرقند وهو ضعيف (قوله) زرّ الحجلة بالحاء المهملة والجيم قال النووى هو واحد الحجال وهو بيت كالقبة لها ازرار كبار وعرى هذا هو الصواب وقال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف وزرّها بيضها وأشار اليه الترمذى وأنكره عليه العلماء (قوله) جمع بضم الجيم واسكان الميم أى كجمع الكف وهو صورته بعد أن يجمع الاصابع ويضمها (قوله) الخيلان جمع خال وهو الشامة على الجسد (قوله) نغض بالنون والغين والضاد المعجمتين قال النووى النغض بضم النون وفتحها والناغض أعلا الكتف وقيل هو العظم الرقيق الذى على طرفه وقيل ما يظهر منه عند التحرّك سمى ناغضا التحرّكه (قوله) بضعة ناشزة بالمعجمة والزاى أى قطعة لحم مرتفعة على جسده وهذا الخاتم هو أثر الملكين بين كتفيه حين شقا صدره الشريف وخيط حتى التأم كما كان وختم بين كتفيه فبقى أثر الختم فى ظهره كما بقى أثر الخيط فى صدره* وفى دلائل أبى نعيم لما ولد ذكرت أمه أن الملك غمسه فى الماء الذى أنبعه ثلاث غمسات ثم أخرج صرة من حرير أبيض فاذا فيها خاتم فضرب على كتفه كالبيضة المكنونة تضىء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 كالزهرة وقيل ولد به والله أعلم ذكر ذلك كله فى المواهب اللدنية* وروى الحاكم فى مستدركه عن وهب ابن منبه أنه قال لم يبعث الله نبيا الا وقد كانت شامة النبوّة فى يده اليمنى الا أن يكون نبينا صلّى الله عليه وسلم فانّ شامة النبوّة بين كتفيه* وفى حياة الحيوان ان خاتم النبوّة لم يكن قبل شق الصدر وقد مرّ قال السهيلى الحكمة فى خاتم النبوّة على جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه صلّى الله عليه وسلم حكمة ويقينا ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درّا وأما وضعه عند نغض الكتف فلانه صلّى الله عليه وسلم معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع يوسوس لابن آدم لانه يحاذى قلبه وكان صلّى الله عليه وسلم عبل العضدين والذراعين والا سافل أنور المتجرّد أجرد ذا مسربة وفى رواية دقيق المسربة وفى رواية طويل المسربة موصول ما بين اللبة والسرّة بشعر يجرى كالخط وفى رواية كالقضيب لم يكن فى صدره ولا فى بطنه شعر غيرها عارى الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر طويل الزندين وفى رواية سبط القصب رحب الراحة شثن الكفين والقدمين أى غليظ أصابعهما رواه الترمذى وفى رواية ضخم اليدين والقدمين سبط أو بسط الكفين وفى رواية رحب الكفين طويل اصبع قدميه السبابة على سائر أصابعه قالت ميمونة بنت كردم رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة وهو على ناقته وأنا مع أبى فدنا منه أبى فأخذ بقدمه فاستقرّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى أمسك عن مسيره قالت فاستطولت أصبع قدميه السبابة على سائر أصابعه رواه أحمد والترمذى قال الحافظ ابن حجر انما ذلك فى أصابع رجليه فقط دون اليد* وعن جابر بن سمرة كانت خنصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من رجله متظاهرة رواه البيهقى كذا فى المواهب اللدنية وكان فى ساقه خموش منهوس العقب سائل أو شائل الاطراف خمصان الاخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ذريع المشية اذا مشى تقلع كأنما ينحط فى صبب وكان لا يؤثر فى الرمل نعله وتلين الصخرة تحت قدميه وكان لا ظل له فى شمس ولا قمر ولا يقع الذباب على جسده ولا ثيابه ولا يمص دمه البعوض كذا نقل الامام فخر الدين الرازى ولا يقمل ثوبه قط وقال ابن سبع فى الشفاء والسبتى فى أعذب الموارد وأطيب الموالد لم يكن القمل يؤذيه تعظيما له وتكريما لكن يشكل عليه بما رواه أحمد والترمذى فى الشمائل عن عائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفلى ثوبه ويحلب شاته كذا فى المواهب اللدنية* واذا أراد أن يتغوّط انشقت له الارض فابتلعت غائطه وبوله وفاحت لذلك رائحة طيبة كذا فى الشفاء وكان يتبرك ببوله ودمه وكان يسبق أصحابه فى المشى ويبدأ من لقيه بالسلام وكان متواصل الاحزان دائم الفكرة ليست له راحة دمثا ليس بالجافى ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم شيئا منها ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها واذا غضب أعرض وأشاح واذا فرح غض طرفه أجود الناس صدرا وفى رواية أرحب الناس صدرا وأصدقهم لهجة وأوفاهم ذمّة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة وأحلمهم وأشدّهم بأسا أشدّ حياء من العذراء فى خدرها لا يثبت بصره فى وجه أحد قالت عائشة ما أتى أحدا من نسائه الا متقنعا يرخى الثوب على رأسه ولم أرمنه ولا رآى منى كذا فى سيرة مغلطاى من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه روى أنه دخل عليه رجل فقام بين يديه فأخذته رعدة من هيبته فقال له هوّن عليك فانى لست بملك ولا جبار وانما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة فنطق الرجل بحاجته كذا فى المواهب اللدنية* مزاحه صلّى الله عليه وسلم وفى سيرة اليعمرى وكان يمزح ولا يقول الا الحق جاءته امرأة فقالت يا رسول الله احملنى على جمل قال انما أحملك على ولد الناقة قالت لا يطيقنى قال لا أحملك الا على ولد الناقة قالت لا يطيقنى فقال لها الناس وهل الجمل الا ولد الناقة وجاءت امرأة فقالت يا رسول الله ان زوجى مريض وهو يدعوك فقال لعل زوجك الذى فى عينه بياض فرجعت وفتحت عين زوجها فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 مالك فقالت أخبرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان فى عينك بياضا فقال وهل أحد الا وفى عينه بياض وقالت اخرى يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال يا أمّ فلان ان الجنة لا يدخلها عجوز فولت المرأة وهى تبكى فقال عليه السلام انها لا تدخلها وهى عجوز ان الله يقول انا أنشأنا هنّ انشاء فجعلنا هنّ أبكارا عربا أترابا* وفى سيرة اليعمرى وكان أرحم الناس يصغى الاناء للهرة فما يرفعه حتى تروى رحمة لها ويمسح وجه فرسه بكمه أو ردائه وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئا فقال لا ولا يبيت فى بيته درهم ولا دينار فان فضل شىء ولم يجد من يأخذه وجاء الليل لم يرجع الى منزله حتى يبرأ منه الى من يحتاج اليه لا يأخذ مما آتاه الله الا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما يحتاج قبل انقضاء العام وكان أعف الناس وأشدّهم اكراما لاصحابه لا يمدّ رجليه بينهم ويوسع عليهم اذا ضاق المكان ولم تكن ركبتاه تتقدّمان ركبة جليسه ويخدم من خدمه وله عبيد واماء لا يترفع عليهم فى مأكل ولا فى ملبس قال أنس خدمته نحوا من عشر سنين فو الله ما صحبته فى حضر ولا سفر لا خدمه الا كانت خدمته لى أكثر من خدمتى له* وفى المشكاة عن أنس قال خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثمان سنين خدمته عشر سنين فما لا منى على شىء قط أتى فيه على يدى فان لا منى لائم من أهله قال دعوه فانه لو قضى شىء كان هذا لفظ المصابيح ورواه البيهقى فى شعب الايمان مع تغيير يسير وكان صلّى الله عليه وسلم فى سفر فأمر باصلاح شاة فقال رجل يا رسول الله علىّ ذبحها وقال آخر علىّ سلخها وقال آخر علىّ طبخها فقال صلّى الله عليه وسلم وعلىّ جمع الحطب فقالوا يا رسول الله نحن نكفيك فقال قد علمت انكم تكفونى ولكنى أكره أن أتميز عنكم فان الله بكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه فقام فجمع الحطب وكان يحب الفأل ويكره التطير واذا جاء ما يحب قال الحمد لله رب العالمين واذا جاء ما يكره قال الحمد لله على كل حال* وفى الشفاء كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة ويستعملها كثيرا ويحض عليها ويقول حبب الىّ من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرّة عينى فى الصلاة* وفى سيرة اليعمرى وكان يحب الطيب ويكره الرائحة الكريهة ويقول ان الله جعل لذتى فى النساء والطيب وجعل قرّة عينى فى الصلاة وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه فى الساعة من الليل والنهار وهنّ احدى عشرة قال أنس وكنا نتحدّث أنه أعطى قوّة ثلاثين رجلا خرّجه النسائى وروى نحوه عن أبى رافع وعن طاوس أعطى عليه السلام قوّة أربعين رجلا ومثله عن صفوان بن سليم وعند الاسماعيلى عن معاذ قوّة أربعين زاد أبو نعيم عن مجاهد كل رجل من رجال أهل الجنة* وعن أنس مرفوعا يعطى المؤمن فى الجنة قوّة مائة قال الترمذى صحيح غريب فاذا ضربنا أربعين فى مائة بلغت أربعة آلاف مع قناعته صلى الله عليه وسلم فى الاكل كذا فى المواهب اللدنية* وقالت سلمى مولاته طاف النبىّ صلّى الله عليه وسلم على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة منهنّ قبل أن يأتى الاخرى وقد حفظه الله من الاحتلام فعن ابن عباس قال ما احتلم نبىّ قط وانما الاحتلام من الشيطان رواه الطبرانى وقد قال سليمان عليه السلام لا طوفنّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين امرأة وانه فعل ذلك* قال ابن عباس كان فى ظهر سليمان ماء مائة رجل وكانت له ثلثمائة امرأة وثلثمائة سرية وكان لداود عليه السلام على زهده وأكله من عمل يده تسع وتسعون امرأة وتمت بزوجة اورياء مائة كذا فى الشفاء* مصارعته عليه السلام وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوّة لم تقاوم روى أنه صارعه صلّى الله عليه وسلم جماعة منهم ركانة بن عبد زيد وهو أشدّ أهل وقته وكان دعاه الى الاسلام فصرعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأسلم يوم الفتح وتوفى سنة أربعين وصارع أباركانة فى الجاهلية وكان شديدا فعاوده ثلاث مرّات كل ذلك صرعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 كذا ذكره فى الشفاء وصارع أبا جهل ولا يصح وأبا الاشد واسمه الاسيد بن كلدة الجمحى قاله السهيلى وفى أنوار التنزيل يبسط تحت قدمه أديم عكاظى وفى المواهب اللدنية كان يجعل تحت قدميه جلد البقرة ويجذبه فوق عشرة فيتقطع ولا يزال قدماه ويزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد على الشك رواه البيهقى وأبو داود فى مراسيله كذا فى مزيل الخفاء وكان صلّى الله عليه وسلم أكثر الناس تبسما وأحسنهم بشرا وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع وآتاه الله تعالى مفاتيح خزائن الارض فلم يقبلها ولما شكى الاصحاب اليه الجوع يوم الخندق ورفعوا عن بطونهم عن حجر حجر رفع صلّى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين كما سيجىء وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الادم ويشرب قاعدا وربما شرب قائما ويتنفس ثلاثا مبينا للاناء وكان ينظر فى المرآة ويزجل جمته ويمتشط وربما نظر فى الماء ويسوّى فيه جمته فقيل له فى ذلك فقال ان الله يحب من عبده اذا خرج لاخوانه أن يتهيأ لهم كذا فى المنتقى وكان لا يجلس ولا يقوم الا على ذكر الله واذا انتهى الى القوم جلس حيث ينتهى به المجلس* وفى الشفاء عن أبى امامة قال خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما تقوم الاعاجم يعظم بعضهم بعضا انما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد واذا جلس فى المجلس احتبى بيديه وكذلك كان أكثر جلوسه محتبيا وعن جابر بن سمرة أنه تربع وربما جلس القرفصاء كذا فى الشفاء وكان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه وكان فيما ذكره المحققون مجبولا على الاخلاق الحميدة والآداب الشريفة من أصل خلقته وبدوّ فطرته ولم يحصل له باكتساب ولا رياضة الابجود الهى وخصوصية ربانية وكذا سائر الانبياء عليهم السلام وعن عائشة رضى الله عنها ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته الا قال لبيان أوردهما فى الشفاء وكان يفلى ثوبه ويخصف نعله* وفى سيرة اليعمرى وكان يلبس الصوف وينتعل المخصوف ويرقع ثوبه ويخدم نفسه ويحلب شاته ويوقد ناره ويكنس داره* وفى الشفاء يقمّ البيت ويكرم ضيفه ويحفظ جاره ويعقل ناقته أو بعيره* وفى سيرة اليعمرى وكان فى سفر ونزل للصلاة ثم كرّ راجعا فقيل يا رسول الله أين تريد فقال أعقل ناقتى قالوا نحن نعقلها قال لا يستعن أحدكم بالناس ولو فى قضمة سواك* وفى سيرة مغلطاى وكان لا يأكل متكئا ولا على خوان ولا فى سكرجة ولا خبز له مرقق أكل البطيخ بالرطب والقثاء بالرطب وقال يكسر حرّ هذا برد هذا وبرد هذا حرّ هذا وكان يحب الحلوى والعسل وأحب الشراب اليه الحلو البارد* وفى الشفاء ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق ويكون فى مهنة أهله ويقطع معهنّ اللحم ويركب الفرس والبغل والحمار ويردف خلفه عبده أو غيره وفى الشفاء وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه اكاف* لطيفة وفى سيرة اليعمرى ولا يدع أحدا يمشى معه وهو راكب حتى يحمله روى انه ركب يوما حمارا عريا الى قباء وأبو هريرة معه فقال يا أبا هريرة أحملك فقال ما شئت يا رسول الله فقال اركب وكان فى أبى هريرة ثقل فوثب ليركب فلم يقدر على ذلك فاستمسك برسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا أبا هريرة أحملك فقال ما شئت يا رسول الله فقال اركب فلم يقدر على ذلك فتعلق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقعا جميعا فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال يا أبا هريرة أحملك فقال لا والذى بعثك بالحق نبيا لاصرعتك ثالثا وذكره المحب الطبرى أيضا فى مختصر السيرة الا أن فيه لارميتك بدل لا صرعتك كذا فى المواهب اللدنية والكلام فى بسط شمائله وتعديد أخلاقه كثير وبحر خصائصه وأوصافه زاخر غزير لكن أتينا فيه بالمعروف من الصفات مما هو فى الصحيح والمشهور من المصنفات واقتصرنا فى ذلك بقلّ من كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 واكتفينا بغيض من فيض* (ذكر خصائصه عليه السلام) * قد جمع بعضها الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالة سماها انموذج اللبيب فى خصائص الحبيب وقال وهى منحصرة فى قسمين* (القسم الاوّل) فى الخصائص التى اختص بها عن جميع الانبياء ولم يؤتها نبىّ قبله وهى أربعة أنواع * (النوع الاوّل ما اختص به فى ذاته فى الدنيا) اختص صلّى الله عليه وسلم بأنه اوّل النبيين خلقا وبتقدّم نبوّته فكان نبيا وآدم منجدل فى طينته وتقدّم أخذ الميثاق عليه وانه أوّل من قال بلى يوم ألست بربكم وخلق آدم وجميع المخلوقات لاجله وكتابة اسمه الشريف على العرش وكل سماء والجنان وما فيها وسائر ما فى الملكوت وذكر الملائكة له فى كل ساعة وذكر اسمه فى الاذان فى عهد آدم وفى الملكوت الاعلى وأخذ الميثاق على النبيين آدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه والتبشير به فى الكتب السابقة ونعته فيها ونعت أصحابه وخلفائه وأمّته وحجب ابليس من السموات لمولده وشق صدره فى أحد القولين وهو الاصح وجعل خاتم النبوّة بظهره بازاء قلبه حيث يدخل الشيطان وسائر الانبياء كان الخاتم فى يمينهم وبأنّ له ألف اسم وباشتقاق اسمه من اسم الله وبأنه سمى من أسماء الله بنحو سبعين اسما وبأنه سمى أحمد ولم يستم به أحد قبله وقد عدّت هذه من الخصائص فى حديث مسلم وباظلال الملائكة فى سفره وبأنه أرجح الناس عقلا وبأنه أوتى كل الحسن ولم يؤت يوسف الا الشطر وبغطه ثلاثا عند ابتداء الوحى وبرؤيته جبريل فى صورته التى خلق عليها عدّ هذه البيهقى وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء من استراق السمع والرمى بالشهب عدّ هذه ابن سبع وباحياء أبويه له حتى آمنا به وقد مرّ فى ذكر نسبه وبوعده بالعصمة من الناس وبالاسراء وما تضمنه من اختراق السموات السبع والعلوّ الى قاب قوسين وبوطئه مكانا ما وطئه نبى مرسل ولا ملك مقرب واحياء الانبياء له وصلاته اماما بهم وبالملائكة وباطلاعه على الجنة والنار عدّ هذه البيهقى ورؤيته من آيات ربه الكبرى وحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى ورؤيته للبارى تعالى مرّتين وقتال الملائكة معه وسيرهم معه حيث سار يمشون خلف ظهره وبايتائه الكتاب وهو أمىّ لا يقرأ ولا يكتب وبأن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممرّ الدهور ومشتمل على ما اشتمل عليه جميع الكتب وزيادة وجامع لكل شىء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما وعلى سبعة أحرف من سبعة أبواب وبكل لغة عدّ هذه ابن النقيب وأعطى من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص بالبسملة والفاتحة وآية الكرسى وخواتيم سورة البقرة والسبع الطوال والمفصل وبأن معجزته مستمرة الى يوم القيامة وهو القرآن ومعجزات سائر الانبياء انقرضت لوقتها وبأنه أكثر الانبياء معجزات فقد قيل انها تبلغ ألفا وقيل ثلاثة آلاف سوى القرآن فان فيه ستين ألف معجزة تقريبا* قال الحليمى وفيها مع كثرتها معنى آخر وهو انه ليس فى شىء من معجزات غيره ما ينحو نحو اختراع الاجسام وانما ذلك فى معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم خاصة وبأنه جمع له كل ما أوتيه الانبياء من معجزات وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص كلّ بنوع وأوتى انشقاق القمر وتسليم الحجر وحنين الجذع ونبع الماء من بين الاصابع ولم يثبت لواحد من الانبياء مثل ذلك ذكره ابن عبد السلام وبأنه خاتم النبيين وآخرهم بعثا فلا نبى بعده وشرعه مؤيد الى يوم القيامة لا ينسخ وناسخ لجميع الشرائع قبله ولو أدركه الانبياء لوجب عليهم اتباعه وفى كتابه الناسخ والمنسوخ وبعموم الدعوة للناس كافة وانه أكثر الانبياء تابعا وأرسل الى الجنّ بالاجماع والى الملائكة فى أحد القولين ورجحه السبكى وبعثه رحمة للعالمين حتى للكافر بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الامم المكذبة وبأن الله أقسم بحياته وأقسم على رسالته وتولى الردّ على أعدائه عنه وخاطبه بألطف ما خاطب به الانبياء وقرن اسمه باسمه فى كتابه وفرض على العالم طاعته والتأسى به فرضا مطلقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 لا شرط فيه ولا استثناء ووصفه فى كتابه عضوا عضوا قلبه بقوله ما كذب الفؤاد ما رأى وقوله نزل به الروح الامين على قلبك ولسانه بقوله وما ينطق عن الهوى وقوله فانما يسرناه بلسانك وبصره بقوله ما زاغ البصر وما طغى ووجهه بقوله قد نرى تقلب وجهك فى السماء ويده وعنقه بقوله ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك وظهره وصدره بقوله ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك كذا فى المواهب اللدنية ولم يخاطبه فى القرآن باسمه بل يأيها النبىّ يأيها الرسول وحرّم على الامة نداءه باسمه وفرض على من ناجاه أن يقدّم بين يدى نجواه صدقة ثم نسخ ذلك ولم يره فى أمته شيئا يسوءه حتى قبضه بخلاف سائر الانبياء وانه حبيب الرحمن وجمع له بين المحبة والخلة وبين الكلام والرؤية وكلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل عدّ هذه ابن عبد السلام وجمع بين القبلتين والهجرتين وجمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للانبياء الا احداهما بدليل قصة موسى مع الخضر وقوله انى على علم لا ينبغى لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغى لى أن أعلمه ونصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه وأوتى جوامع الكلم وأوتى مفاتيح خزائن الارض ولقيه الخازن على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس وكلم بأصناف جميع الوحى عدّ هذه ابن عبد السلام وهبط اسرافيل عليه ولم يهبط على نبىّ قبله عدّ هذه ابن سبع وجمع له بين النبوّة والسلطنة ولم يجمع لنبىّ قبله عدّ هذه الغزالى فى الاحياء وأوتى علم كل شىء الا الخمس التى فى آية ان الله عنده علم الساعة وقيل انه أوتيها أيضا وأمر بكتمها والخلاف جار فى الروح أيضا وبين له فى أمر الدجال ما لم يبين لاحد ووعد بالمغفرة وهو يمشى حيا صحيحا ورفع ذكره فلا يذكر الله جل جلاله فى أذان ولا خطبة ولا تشهد الا ذكر معه وعرض عليه أمّته بأسرهم حتى رآهم وعرض عليه ما هو كائن فى أمته حتى تقوم الساعة وهو سيد ولد آدم وأكرم الخلق على الله فهو أفضل من المرسلين وجميع الملائكة المقرّبين وأيد بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبى بكر وعمر وأعطى من أصحابه أربعة عشر نجيبا وكل نبىّ أعطى سبعة وأسلم قرينه وكانت أزواجه عونا له وبناته وزوجاته أفضل نساء العالمين وثواب أزواجه وعقابهنّ مضاعف وأصحابه أفضل العالمين الا النبيين ومسجده أفضل المساجد وبلده أفضل البلاد بالاجماع ما عدا مكة وعلى أحد القولين فيها وهو المختار ويسأل عنه الميت فى قبره واستأذن ملك الموت عليه ولم يستأذن على نبىّ قبله وحرم نكاح أزواجه من بعده وأمة وطئها والبقعة التى دفن فيها أفضل من الكعبة ومن العرش ويحرم التكنى بكنيته ويجوز أن يقسم على الله به وليس ذلك لاحد ذكر هذه ابن عبد السلام ولم ترعورته قط ولورآها أحد طمست عيناه ولا يجوز عليه الخطأ عدّ هذه ابن أبى هريرة والماوردى قال قوم ولا النسيان حكاه النووى فى شرح مسلم* (النوع الثانى ما اختص به فى شرعه وأمته فى الدنيا) * اختص صلّى الله عليه وسلم باحلال الغنائم وجعل الارض كلها مسجدا ولم تكن الامم تصلى الا فى البيع والكنائس والتراب طهورا وهو التيمم وبالوضوء فى أحد القولين وهو الاصح فلم يكن الا للانبياء دون أممهم وبمجموع الصلوات الخمس ولم تجمع لاحد قبله وبالعشاء ولم يصلها أحد وبالاذان والاقامة وافتتاح الصلاة بالتكبير وبالتأمين وبالركوع فيما ذكره جماعة من المفسرين وبقول اللهم ربنا لك الحمد وباستقبال الكعبة وبالصف فى الصلاة كصفوف الملائكة وبالجماعة فى الصلاة كما يفهم من كلام ابن فرشته فى شرح المجمع وبتحية السلام وبالجمعة وبساعة الاجابة وبعيد الاضحى وبشهر رمضان وان الشياطين تصفد فيه وان الجنة تزين فيه وان خلوف فم الصائمين فيه أطيب عند الله تعالى من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويغفر لهم فى آخر ليلة منه وبالسحور وتعجيل الفطر واباحة الاكل والشرب والجماع ليلا الى الفجر وكان محرما على من قبلنا بعد النوم وكذا كان فى صدر الاسلام وبليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 القدر كما قاله النووى فى شرح المهذب وبجعل صوم عرفة كفارة سنتين لانه سنته وصوم عاشوراء كفارة سنة لانه سنة موسى وغسل اليدين بعد الطعام بحسنتين لانه شرعه وقبله بحسنة لانه شرع التوراة وبالاسترجاع عند المصيبة وبالحوقلة وباللحد ولاهل الكتاب الشق وبالنحر ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة وبالعذبة فى العمامة وهى سيماء الملائكة وبالاتزار فى الاوساط وان أمّته خير الامم وآخر الامم ففضحت الامم عندهم ولم يفضحوا واشتق لهم اسمان من أسماء الله المسلمون والمؤمنون وسمى دينهم الاسلام ولم يوصف بهذا الوصف الا الانبياء دون أممهم ورفع عنهم الاصر الذى كان على الامم قبلهم وأحل لهم كثير مما شدّد على من قبلهم ولم يجعل عليهم فى الدين من حرج ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وحديث النفس وان من همّ منهم بسيئة ولم يفعلها لم تكتب سيئة فان عملها كتبت سيئة واحدة ومن همّ بحسنة ولم يعملها تكتب حسنة فان عملها كتبت عشرا ووضع عنهم قتل النفس فى التوبة وقرض موضع النجاسة وربع المال فى الزكاة وشرع لهم نكاح أربع ورخص لهم فى نكاح غير ملتهم وفى نكاح الامة وفى مخالطة الحائض سوى الوطء وفى اتيان المزأة على أى شق شاء وشرع لهم التخيير بين القصاص والدية وحرّم عليهم كشف العورة والتصوير وشرب المسكر وعصموا من الاجتماع على ضلالة واجماعهم حجة واختلافهم رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا والطاعون لهم شهادة ورحمة وكان على الامم عذابا وما دعوا به استجيب لهم ويأكلون صدقاتهم فى بطونهم ويثابون عليها ويجعل لهم الثواب فى الدنيا مع ادّخاره فى الآخرة ويغفر لهم الذنوب بالاستغفار ووعدوا أن لا يهلكوا بجوع ولا بعدوّ من غيرهم يستأصلهم ولا بغرق ولا يعذبوا بعذاب عذب به من قبلهم واذا شهد الاثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة وكان الامم السالفة اذا شهد منهم مائة ردّهم وهم أقل الامم عملا وأكثرهم أجرا وأقصرهم أعمارا وأوتوا العلم الاوّل والعلم الآخر وفتح عليهم خزائن كل شىء حتى العلم وأوتوا الاسناد والانساب والاعراب وتصنيف الكتب ولا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتى أمر الله وفيهم أقطاب وأوتاد ونجباء وأبدال ومنهم من يصلى اما ما بعيسى ابن مريم ومنهم من يجرى مجرى الملائكة فى الاستغناء عن الطعام بالتسبيح ويقاتلون الدجال وعلماؤهم كأنبياء بنى اسرائيل وتسمع الملائكة فى السماء أذانهم وتلبيتهم وهم الحامدون لله على كل حال ويكبرون على كل شرف ويسبحون عند كل هبوط ويقولون عند ارادة الامر أفعل ان شاء الله واذا غضبوا هللوا واذا تنازعوا سبحوا ومصاحفهم فى صدورهم وسابقهم سابق ومقتصدهم ناج وظالمهم مغفور له وليس أحد منهم الامر حوما ويلبسون ألوان ثياب أهل الجنة ويراعون الشمس للصلاة وهم أمة وسط عدول بتزكية الله وتحضرهم الملائكة اذا قاتلوا وافترض عليهم ما افترض على الانبياء والرسل وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجمعة والجهاد وأعطوا من النوافل ما أعطى الانبياء وقال الله فى حق غيرهم ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقال فى حقهم وممن خلقنا أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون ونودوا فى القرآن بيأيها الذين آمنوا ونوديت الامم فى كتبهم بيا أيها المساكين وشتان ما بين الخطابين* (النوع الثالث فيما اختص به فى ذاته فى الآخرة) * اختص صلّى الله عليه وسلم بأنه أوّل من تنشق الارض عنه وأوّل من يفيق من الصعقة وبأنه يحشر فى سبعين ألف ملك ويحشر على البراق ويؤذن باسمه فى الموقف ويكسى فى الموقف أعظم الحلل من الجنة وبأنه يقوم عن يمين العرش وبالمقام المحمود وان بيده لواء الحمد وآدم ومن دونه تحت لوائه وانه امام النبيين يومئذ وقائدهم وخطيبهم وأوّل من يؤذن له بالسجود وأوّل من يرفع رأسه وأوّل من ينظر الى الله تعالى وأوّل شافع وأوّل مشفع وبالشفاعة العظمى فى فصل القضاء وبالشفاعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فى ادخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها وبالشفاعة فى رفع درجات ناس فى الجنة كما جوّز النووى اختصاص هذه والتى قبلها به ووردت الاحاديث به فى التى قبل وبالشفاعة فيمن خلد فى النار من الكفار أن يخفف عنهم العذاب وبالشفاعة فى أطفال المشركين أن لا يعذبوا وانه أوّل من يجيز على الصراط وان له فى كل شعرة من رأسه ووجهه نورا وليس للانبياء الا نوران ويؤمر أهل الجمع بغض أبصارهم حتى تمرّا بنته على الصراط وانه أوّل من يقرع أبواب الجنة وأوّل من يدخلها وبعده أمّته وبالكوثر والوسيلة وهى أعلى درجة فى الجنة وقوائم منبره رواتب الجنة ومنبره على ترعة من ترع الجنة وما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة ولا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الانبياء وكل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببه ونسبه فقيل معناه ان أمّته ينسبون اليه يوم القيامة وأمم سائر الانبياء لا ينسبون اليهم وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة اليه ولا ينتفع بسائر الانساب* (النوع الرابع ما اختص به فى أمّته فى الآخرة) * اختص صلّى الله عليه وسلم بأن أمّته أوّل من تنشق عنهم الارض من الامم ويأتون يوم القيامة غرّا محجلين من آثار الوضوء ويكونون فى الموقف على كوم عال ولهم نوران كالانبياء وليس لغيرهم الانور واحد ولهم سيماء فى وجوههم من أثر السجود ويسعى نورهم بين أيديهم ويؤتون كتبهم بايمانهم وعجل الله عذابها فى الدنيا وفى البرزخ لتوافى القيامة ممحصة الذنوب وتدخل قبورها بذنوبها وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها ولها ما سعت وما سعى لها وليس لمن قبلهم الا ما سعى قاله عكرمة ويقضى لهم قبل الخلائق ويغفر لهم المقحمات وهم أثقل الناس ميزانا ونزلوا منزلة العدول من الحكام فيشهدون على الناس ان رسلهم بلغتهم ويدخلون الجنة قبل سائر الامم ويدخل منهم الجنة سبعون ألفا بغير حساب وأطفالهم كلهم فى الجنة وليس ذلك لسائر الامم فى أحد احتمالين للسبكى فى تفسيره وذكر الامام فخر الدين الرازى ان من كانت معجزته أظهر يكون ثواب أمّته اقل قال السبكى الا هذه الامّة فان معجزات نبينا أظهر وثوابنا أكبر من سائر الامم* (القسم الثانى فى الخصائص التى اختص بها عن أمّته) * منها ما علم مشاركة الانبياء له فيها ومنها ما لم يعلم وهو أربعة أنواع* (النوع الاوّل ما اختص به من الواجبات والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات) * خص صلّى الله عليه وسلم بوجوب صلاة الضحى والوتر والتهجد أى صلاة الليل والسواك والاضحية والمشاورة على الاصح فى السنة وركعتى الفجر لحديث فى المستدرك وغيره وغسل الجمعة ورد فى حديث ضعيف وأربع عند الزوال ورد عن سعيد بن المسيب ومصابرة العدوّ وان كثر عددهم وزادوا على الضعف وتغيير المنكر ولا يسقط النهى عنه للخوف وقضاء دين من مات من المسلمين معسرا على الصحيح وقيل كان يفعله تكرّ مالا وجوبا كذا فى سيرة مغلطاى وتخيير نسائه فى فراقه واختياره على الصحيح وامساكهنّ بعد أن اخترنه فى أحد الوجهين وترك التزوّج عليهنّ والتبدّل بهنّ ثم نسخ ذلك لتكون المنة له صلّى الله عليه وسلم وأن يقول اذا رأى ما يعجبه لبيك ان العيش عيش الآخرة فى وجه حكاه فى الروضة وأصلها وان يؤدّى فرض الصلاة كاملة لا خلل فيها فيما ذكره الماوردى وغيره واتمام كل تطوّع شرع فيه حكاه فى الروضة وأصلها وان يدفع بالتى هى أحسن وكلف من العلم وحده ما كلف الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام ذكر الثلاثة ابن سبع وابن القاص فى تلخيصه وكان يؤخذ عن الدنيا حالة الوحى ولا يسقط عنه الصوم والصلاة وسائر الاحكام ذكره فى زوائد الروضة عن ابن القاص والقفال وجزم به ابن سبع وكان يغان على قلبه فيستغفر الله سبعين مرّة ذكره ابن القاص ونقله ابن الملقن فى الخصائص* (النوع الثانى ما اختص به من المحرّمات) * خص صلّى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة والصدقة عليه وفى صدقة التطوّع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 قولان كذا فى سيرة مغلطاى وتحريم الزكاة على آله قيل والصدقة أيضا وعليه المالكية وعلى موالى آله فى الاصح وتحريم كون آله عمالا على الزكاة فى الاصح وصرف النذر والكفارة اليهم وأكل ثمن أحد من ولد اسماعيل ورد به حديث فى المسند ولم أرمن تعرّض له وأكل ماله رائحة كريهة كالثوم والبصل والكرّاث وقيل مكروه واذا شرع فى تطوّع لزمه اتمامه كذا فى سيرة مغلطاى والاكل متكئا فى أحد الوجهين فيهما والاصح فى الروضة كراهيتهما وتحريم الكتابة والشعر* قال الماوردى وكذا روايته والقراءة فى الكتاب ونزع لامته اذا لبسها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين عدوّه وقيل مكروه وكذلك الانبياء والمنّ ليستكثر ومدّ العين الى ما متع به الناس وخائنة الاعين وهى الايماء الى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر وكذلك الانبياء وأن يخدع فى الحرب فيما ذكره ابن القاص وخالفه الجمهور والصلاة على من عليه دين ثم نسخ وامساك كارهته وتحرم عليه مؤيدا فى أحد الوجهين ونكاح من لم تهاجر فى أحد الوجهين ونكاح الكتابية قيل والتسرّى بها ونكاح الامة المسلمة ولو قدّر نكاحه أمة كان ولده منها حرّا ولا يلزم قيمته ولا يشترط فى حقه حينئذ خوف العنت ولا فقد الطول وله الزيادة على واحدة* قال امام الحرمين ولو قدر نكاح الغرور فى حقه لا يلزمه قيمة الولد قال ابن الرفعة وفى تصوّر ذلك فى حقه نظر وكان اذا خطب فردّ لم يعد كذا فى حديث مرسل فيحتمل التحريم والكراهة قياسا على امساكه كارهته ولم أرمن تعرّض له وعدّ ابن سبع من خصائصه تحريم الاغارة اذا سمع التكبير* (النوع الثالث ما اختص به من المباحات) * اختص صلّى الله عليه وسلم باباحة المكث فى المسجد جنبا وفيها خلاف وانه لا ينقض وضوءه بالنوم مضطجعا ولا باللمس أى بلمس المرأة والذكر فى أحد الوجهين وهو الاصح واباحة الصلاة بعد العصر وحمل الصغير فى الصلاة فيما ذكر بعضهم وبالصلاة على الغائب عند أبى حنيفة وبجواز صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه ذكره فى شرح المهذب وبالامامة جالسا فيما ذكره قوم والقبلة فى الصوم مع قوّة شهوته والوصال واباحة دخول مكة بغيرا حرام واستمرار الطيب فى الاحرام فيما ذكره المالكية وقهر من شاء على طعامه وشرابه ويجب على مالكهما البذل وان يفدى بمهجته مهجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم واباحة النظر الى الاجنبيات والخلوة بهنّ ونكاح أكثر من أربع نسوة وكذلك الانبياء والنكاح بلفظ الهبة وبلا مهر ابتداء وانتهاء وبلا ولى وبلا شهود وفى حال الاحرام وبغير رضا المرأة فلو رغب فى نكاح امرأة خلية لزمها الاجابة وحرم على غيره خطبتها أو مزوّجة وجب على زوجها طلاقها لينكحها وكان له تزويج المرأة ممن شاء بغير اذنها واذن وليها وتزوّجها لنفسه وتولى الطرفين بغير اذنها ولا اذن وليها وله اجبار الصغيرة من غير بناته وزوّج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس وقدّم على الاقرب وقال لامّ سلمة مرى ابنك أن يزوّجك فزوّجها وهو يومئذ صغير لم يبلغ وزوّجه الله بزينب فدخل عليها بتزويج الله بغير عقد من نفسه وعبر فى الروضة عن هذه بقوله وكانت المرأة تحل له بتحليل الله وله نكاح المعتدّة من غيره فى وجه حكاه الرافعى والجمع بين المرأة واختها وعمتها وخالتها فى أحد الوجهين وبين المرأة وابنتها فى وجه حكاه الرافعى وعتق أمته وجعل عتقها صداقها ونكاح من لم تبلغ فيما ذكره ابن شبرمة لكن الاجماع على خلافه وترك القسم بين أزواجه فى أحد الوجهين وهو المختار ولا يجب عليه نفقتهنّ فى وجه كالمهر وعلى الوجوب لا يتقدّر ولا ينحصر طلاقه فى الثلاث فى أحد الوجهين وعلى الحصر قيل تحل له من غير محلل وقيل لا تحل له أبدا ومرجع غالب هذه الخصائص الى أن النكاح فى حقه كالتسرّى فى حقنا وحرّم أمته فلم تحرم عليه ولم تلزمه كفارة وكان له أن يستثنى فى كلامه بعد حين منفصلا واصطفاء ما شاء من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها وخمس خمس الفىء والغنيمة وأربعة أخماس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الفىء وأن يحمى الموات لنفسه ولا ينقض ما حماه والقتال بمكة والقتل بها والقتل بعد الامان ولعن من شاء بغير سبب ويكون له رحمة والقضاء بعلمه وفى غيره خلاف ولنفسه ولولده وأن يشهد لنفسه ولولده وأن يقبل شهادة له ولولده وقبول الهدية بخلاف غيره من الحكام ولا تكره له الفتوى والقضاء فى حال الغضب ذكره النووى فى شرح مسلم وكان له أن يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة وليس لنا أن نصلى الاعلى نبىّ أو ملك وضحيك عن أمّته وليس لاحد أن يضحى عن الغير بغير اذنه وأكل من طعام الفجاة مع نهيه عنه ذكر هذه ابن القاص وأنكرها البيهقى وقال انه مباح للامة والنهى لم يثبت وله قتل من سبه وهجاه عدّ هذه ابن سبع وكان يقطع الاراضى قبل فتحها لان الله ملكه الارض كلها وأفتى الغزالى بكفر من عارض أولاد تميم الدارى فيما أقطعهم وقال انه صلّى الله عليه وسلم كان يقطع أرض الجنة فأرض الدنيا أولى * (النوع الرابع ما اختص به من الكرامات والفضائل) اختص صلّى الله عليه وسلم بمنصب الصلاة وبأنه لا يورث وكذلك الانبياء وبأن ماله باق بعد موته على ملكه ينفق منه على أهله فى أحد الوجهين وصححه امام الحرمين وانه لو قصده ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه حكاه فى زوائد الروضة عن جماعة من الاصحاب وتحريم رؤية أشخاص أزواجه فى الازر كما صرّح به القاضى عياض وغيره وكشف وجوههنّ وأكفهنّ لشهادة أو غيرها وسؤالهنّ مشافهة وانهنّ أمهات المؤمنين ووجوب جلوسهنّ بعده فى البيوت وتحريم خروجهنّ ولو لحج أو عمرة فى أحد القولين وأباح لهنّ وله الجلوس فى المسجد مع الحيض والجنابة وان تطوّعه فى الصلاة قاعدا كتطوّعه قائما وان عمله له نافلة ويخاطبه المصلى بقوله السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله ولا يخاطب غيره وكان يجب على من دعاه وهو فى الصلاة أن يجيبه ولا تبطل صلاته وكذلك الانبياء ومن تكلم وهو يخطب بطلت جمعته والنكاح فى حقه عبادة مطلقا كما قاله السبكى وهو فى حق غيره ليس بعبادة عند نابل من المباحات والعبادة عارضة والكذب عليه كبيرة ليس كالكذب على غيره* وقال الجوينى ردّة ومن كذب عليه لم تقبل روايته أبدا وان تاب فيما ذكره خلائق من أهل الحديث ويحرم التقدّم بين يديه ورفع الصوت فوق صوته والجهر له بالقول ونداؤه من وراء الحجرات والصياح به من بعيد وطهارة دمه وبوله وغائطه ويستشفى بها ولا خلاف فى طهارة شعره فى غيره خلاف والعصمة من كل ذنب ولو صغيرا أو سهوا وكذلك الانبياء وينزه عن فعل المكروه ومحبته فرض وتجب محبة أهل بيته وأصحابه ومن استهان به كفر أوزنا بحضرته ومن سبه قتل وكذلك الانبياء ولم تبغ امرأة نبىّ قط ومن قذف أزواجه فلا توبة له البتة كما قاله ابن عباس وغيره ويقتل كما نقله القاضى عياض وفى قول يختص القتل بمن سب عائشة ويحدّ فى غيرها حدّين وكذا من قذف أمّ أحد من أصحابه وأولاد بناته ينسبون اليه ولا يتزوّج على بناته ومن صاهره من الجانبين لم يدخل النار ولا يجتهد فى محراب صلّى اليه لا فى يمنة ولا يسرة ويختص صلاة الخوف بعهده فى قول أبى يوسف والمزنى ويجل منصبه عن الدعاء له بالرحمة فيما ذكره جماعة ويحرم النقش على نقش خاتمه ولا يقول فى الغضب والرضا الا حقا ورؤياه وحى وكذلك الانبياء ولا يجوز على الانبياء الجنون ولا الاغماء الطويل الزمن فيما ذكره الشيخ أبو حامد فى تعليقه وجزم به البلقينى فى حواشى الروضة ونبه السبكى على أن اغماءهم يخالف اغماء غيرهم كما خالف نومهم نوم غيرهم ولا العمى فيما ذكره السبكى ويخص من شاء بما شاء من الاحكام كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وترخيصه فى ارضاع سالم وهو كبير* عن عائشة ان سالما مولى أبى حذيفة كان مع أبى حذيفة وأهله فى بيتهم فأتت سهيلة بنت سهل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت ان سالما بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وانه يدخل علينا وانى أظنّ ان فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرضعيه تحرمى عليه ويذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ما فى نفس أبى حذيفة فرجعت اليه فقالت انى قد أرضعته فذهب الذى فى نفس أبى حذيفة كذا فى أسد الغابة وفى النياحة لتلك المرأة وفى تعجيل صدقة عامين للعباس وفى ترك الاحداد لاسماء بنت عميس وفى الجمع بين اسمه وكنيته للولد الذى يولد لعلى وفى الاضحية بالعناق لابى بردة بن نيار وفى نكاح ذلك الرجل بما معه من القرآن فيما ذكره جماعة وورد به حديث مرسل وأصام أطفال أهل بيته وهم رضعاء وكان يحرم على الصحابة اذا كانوا معه على أمر جامع أن يذهبوا حتى يستأذنوه وكانوا يقولون له بأبى أنت وأمى ولا يقال لغيره فيما ذكره بعضهم وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه ويرى بالليل وفى الظلمة كما يرى بالنهار والضوء وريقه يعذب الماء الملح ويجزئ الرضيع وابطه أبيض غير متغير اللون ولا شعر عليه ويبلغ صوته وسمعه مالا يبلغه غيره وتنام عينه ولا ينام قلبه وماتثاءب قط ولا احتلم قط وكذلك الانبياء فى الثلاثة وعرقه أطيب من المسك وكان اذا مشى مع الطويل طاله واذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين ولم يقع ظله على الارض ولا رؤى له ظل فى شمس ولا قمر ولا يقع على ثيابه ذباب قط ولا أذاه القمل ولم يكن لقدمه أخمص وكانت ختصر رجله متظاهرة وكانت الارض تطوى له اذا مشى وأوتى قوّة أربعين فى الجماع والبطش* وعن أنس قال فضلت على الناس بأربع بالسماحة والشجاعة وكثرة الجماع وشدّة البطش كذا فى سيرة مغلطاى ولم ير له أثر قضاء حاجة بل كانت الارض تبتلعه وكذلك الانبياء ولم يقع فى نسبه من لدن آدم سفاح ونكست الاصنام لمولده وولد مختونا ومقطوع السرّة ونظيفا ما به قذر ووقع الى الارض ساجدا رافعا اصبعه كالمتضرّع المبتهل ورأت أمه عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين وكان مهده يتحرّك بتحريك الملائكة ذكر هذه ابن سبع وكان القمر يناغيه فى مهده ويميل حيث أشار اليه وتكلم فى المهد وتظله الغمامة فى الحرّ وكان يميل اليه فىء الشجرة اذا سبق اليه وكان يبيت جائعا ويصبح طاعما يطعمه ربه ويسقيه من الجنة وكان يوعك كما يوعك رجلان لمضاعفة الاجر وردت اليه الروح بعد ما قبض ثم خير بين البقاء فى الدنيا والرجوع الى الله فاختار الرجوع اليه وكذلك الانبياء وأرسل اليه ربه جبريل ثلاثة أيام فى مرضه يسأله عن حاله وسمع صوت ملك الموت باكيا عليه ينادى وا محمداه وصلّى عليه ربه وصلّى عليه الناس أفواجا بغير امام وبغير دعاء الجنازة المعروف وترك بلا دفن ثلاثة أيام ودفن فى بيته حيث قبض وكذلك الانبياء وفرش له فى لحده قطيفة والامران فى حقنا مكروهان وأظلمت الارض يوم موته ولا يضغط فى قبره وكذلك الانبياء ولا يسلم من الضغطة لا صالح ولا غيره سواهم وتحرم الصلاة على قبره واتخاذه مسجدا ولا يبلى جسده وكذلك الانبياء لا تأكل لحومهم الارض ولا السباع ولا خلاف فى طهارة ميتتهم وفى غيرهم خلاف ولا يجرى فى أطفالهم التوقف الذى لبعضهم فى غيرهم ولا يجوز للمضطر أكل ميتة نبى وهو حى فى قبره يصلى فيه باذان واقامة وكذلك الانبياء ولهذا قيل لا عدة على أزواجه ووكل بقبره ملك يبلغه صلاة المصلين عليه وتعرض عليه أعمال أمته ويستغفر لهم والمصيبة بموته عامة لامّته الى يوم القيامة ومن رآه فى المنام فقد رآه حقا فان الشيطان لا يتمثل فى صورته ومن أمره بأمر فى المنام وجب عليه امتثاله فى أحد الوجهين واستحب فى الآخر وقراءة أحاديثه عبادة يثاب عليها كقراءة القرآن فى أحد الروايتين ولا تأكل النار شيئا مس وجهه وكذلك الانبياء والتسمى باسمه ميمون ونافع فى الدنيا والآخرة ويكره أن يحمل فى الخلاء ما كتب عليه اسمه ويستحب الغسل لقراءة حديثه والطيب ولا ترفع عنده الاصوات ويقرأ على مكان عال ويكره لقارئه أن يقوم لاحد وحملته لا تزال وجوههم نضرة واختصوا بالتلقيب بالحفاظ وامراء المؤمنين من بين سائر العلماء ويجعل كتبه على كرسى كالمصحف وتثبت الصحبة لمن اجتمع به صلّى الله عليه وسلم لحظة بخلاف التابعى مع الصحابة فلا تثبت الا بطول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الاجتماع معه على الاصح عند أهل الاصول والفرق عظم منصب النبوّة ونورها فبمجرّد ما يقع بصره على الاعرابى الجلف ينطق بالحكمة وأصحابه كلهم عدول فلا يبحث عن عدالة أحد منهم كما يبحث عن سائر الرواة ولا يكره للنساء زيارة قبره كما يكره لهنّ سائر القبور بل تستحب كما قاله العراقى فى نكته انه لا شك فيه والمصلى بمسجده لا يبصق عن يساره كما هو السنة فى سائر المساجد والله أعلم* وجدت مكتوبا أن جملة الخصائص أربعمائة وأربعون حديثا التى اختص بها عن الانبياء مائتان وأربعون والتى اختص بها عن الامّة مائتان ثم ألحقت بها زيادات بعد ذلك فقاربت الخمسمائة* (ذكر معجزاته صلّى الله عليه وسلم المذكورة فى هذا الباب مجموعة) * منها القرآن وهو أعظمها وأدومها وشق الصدر واخباره عن بيت المقدس وانشقاق القمر وسيجىء فى السنة التاسعة من المبعث وان الملأ من قريش تعاقدوا على قتله فخرج عليهم فحفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم فى صدورهم فأقبل حتى قام على رؤسهم فقبض قبضة من تراب وقال شاهت الوجوه وحصبهم فما أصاب رجلا منهم شىء من تلك الحصباء الا قتل يوم بدر ورمى يوم حنين بقبضة من تراب فى وجوه القوم فهزمهم الله تعالى ونسج العنكبوت على الغار وما كان من أمر سراقة بن مالك اذ تبعه فى الهجرة فساخت قوائم فرسه فى الارض الجلد ومسح على ظهر عناق لم ينز عليها الفحل فدرّت ودعوته لامّ معبد ودعوته لعمر ان الله يعز به الاسلام ودعوته لعلى أن يذهب عنه الحرّ والبرد وتفل فى عينيه يوم خيبر وهو أر مدفعو فى من ساعته ولم يرمد بعد ذلك وردّ عين قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خدّه فكانت أحسن عينيه وذلك يوم أحد كذا فى المستدرك وفى رواية يوم بدر* وقال الدمياطى بالخندق قال السهيلى فكانت لا ترمد الا اذا رمدت الاخرى وعند الدارقطنى حدقتاه واستغربه كذا فى سيرة مغلطاى* ودعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا ودعا لانس بطول العمر وكثرة المال والولد فمات وله من العمر مائة وثلاث سنين وقيل تسع وتسعون سنة قال ابن عبد البرّ وهو أصح يقال انه ولد له مائة ولد وقيل ثمانون منهم ثمانية وسبعون ذكرا واثنتان انثى وفى تمر جابر بالبركة فأوفى غرماءه وفضل ثلاثون وسقا واستسقى صلّى الله عليه وسلم فطروا أسبوعا ثم استصحى لهم فانجاب السحاب ودعا على عتبة أو عتيبة بن أبى لهب فأكله الاسد بالزرقاء من الشام وشهدت له الشجرة بالرسالة فى خبر الاعرابى الذى دعاه الى الاسلام فقال هل من شاهد على ما تقول فقال نعم هذه الشجرة ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت الى منبتها وأمر شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا وأمر انسانا أن ينطلق الى نخلات فيقول لهنّ أمركن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته خلفها أمره أن يأمرهنّ بالعود الى اما كنهنّ فعدن ونام فجاءت شجرة تشق الارض حتى قامت عليه فلما استيقظ ذكر له ذلك فقال هى شجرة استأذنت ربها فى أن تسلم علىّ فأذن لها وبينما هو يسير ليلا على راحلته بواد بقرب الطائف فى منصرفه عن غزوة الطائف اذ غشى سدرة فى سواد الليل وهو فى وسن النوم فانفرجت له السدرة نصفين فمرّ بين نصفها وبقيت منفرجة على حالها وسيجىء فى غزوة الطائف وسلم عليه الشجر والحجر ليالى بعث السلام عليك يا رسول الله وقال انى لاعرف حجرا كان يسلم علىّ بمكة قبل أن أبعث انى لا عرفه الآن خرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة وقد اختلف فى هذا الحجر فقيل هو الحجر الاسود وقيل حجر غيره بزقاق يعرف به بمكة والناس يتبركون بلمسه ويقولون انه الذى كان يسلم على النبىّ صلّى الله عليه وسلم متى اجتاز به* وحكى عن أبى جعفر الميانشى أنه قال أخبرنى كل من لقيته بمكة ان هذا الحجر يعنى المذكور هو الذى كلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى التفسير الكبير للامام النحرير فخر الدين الرازى روى أنه صلّى الله عليه وسلم كان على شط ماء وقعد عكرمة بن أبى جهل وقال ان كنت صادقا فادع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ذلك الحجر الذى فى الجانب الآخر فليسبح ولا يغرق فأشار اليه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فانقلع الحجر من مكانه وسبح حتى صار بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد له بالرسالة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم يكفيك هذا فقال حتى يرجع الى مكانه* قال القسطلانى ولم أره لغيره والله أعلم بحاله كذا فى المواهب اللدنية وحنّ اليه الجذع وسبح الحصى فى كفه وكذلك الطعام كان يسمع تسبيحه وهو يؤكل وأخبرته الشاة يسمها* وفى رواية أبى داود أكل من شاة لقمة ثم قال ان هذه تخبرنى انها أخذت بغير اذن أهلها فنظر فاذا هو كما قال كذا فى سيرة مغلطاى وشكا اليه البعير قلة العلف وكثرة العمل وسألته الظبية أن يخلصها من الحبل لترضع أولادها وتعود فخلصها فنطقت بالشهادتين وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد أحد منهم مصرعه وأخبر أن طائفة من أمّته يغزون فى البحر وان أمّ حزام بنت ملحان منهم فكان كذلك وقال لعثمان تصيبه بلوى شديدة فكانت وقتل وقال للانصار انكم ستلقون بعدى أثرة فكانت زمان معاوية وقال فى الحسن هذا سيد ولعلّ الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين وأخبر بقتل عبهلة ذى الخمار وهو الاسود العنسى الكذاب وهو بصنعاء اليمن ليلة قتل وبمن قتله* وقال لثابت ابن قيس تعيش حميدا وتقتل شهيدا فبلغه انه مات فقال ان الارض لا تقبله فكان كذلك وقال لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له لا استطعت فلم يطق أن يرفعها الى فيه بعد ودخل مكة عام الفتح والاصنام معلقة حول الكعبة وبيده قضيب فجعل يشير اليها ويقول جاء الحق وزهق الباطل وهى تتساقط وشهد الضب برسالته وشهد الذئب بنبوّته رواه أبو سعيد عن ابن حبان كذا فى سيرة مغلطاى وأطعم ألفا من صاع من شعير وبهيمة فى بيت جابر بالخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان وأطعمهم من تمر يسير وجمع فضل الازواد على النطع فدعا لها بالبركة ثم قسمها فى العسكر فقامت بهم وأتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهنّ فى يده وقال ادع الله لى فيهنّ بالبركة ففعل* قال أبو هريرة فأخرجت من ذلك التمر كذا كذا وسقا فى سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع فى زمن عثمان ودعا أهل الصفة لقصعة ثريد قال أبو هريرة فجعلت أتطلول ليدعونى حتى قام القوم وليس فى القصعة الا اليسير فى نواحيها فجمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه وقال كل بسم الله فو الذى نفسى بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت* ونبع الماء من بين أصابعه بالحديبية حتى شرب القوم وتوضأ واوهم ألف وأربعمائة وأتى بقدح فيه ماء فوضع أصابعه فى القدح فلم يسع فوضع أربعة منها وقال هلموا فتوضؤا كلهم وهم ما بين السبعين الى الثمانين ومرّة أخرى وهم ثلثمائة وحديث المزادتين اللتين لم ينقصا قال عمران شربنا منهما ونحن نحو الاربعين* وورد فى غزوة تبوك على ماء لا يروى واحدا والقوم عطاش فشكوا اليه فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرزه فيه ففار الماء وارتوى القوم وكانوا ثلاثين ألفا وشكى القوم ملوحة فى مائهم فجاء فى نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين وأتته امرأة بصبى لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره وذهب داؤه فسمع أهل اليمامة بذلك فأتت امرأة الى مسيلمة بصبى لها فمسح على رأسه فصلع وبقى الصلع فى نسله وانكسر سيف عكاشة فى يوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار فى يده سيفا ولم يزل بعد ذلك عنده وعرت كدية بالخندق وعسر أن يأخذها المعول فضربها فصارت كثيبا أهيل ومسح على رجل أبى رافع وقد انكسرت فكأنه لم يشكها قط* وفى البخارى أصيبت رجل عبد الله بن عتيك فبرأ بمسحته من حينها وجاء الطفيل بن عمرو الدوسى وكان شريفا فأسلم وقال يا رسول الله انى امرؤ مطاع فى قومى وأنا راجع اليهم وداعيهم الى الاسلام فادع الله أن يجعل لى آية تكون لى عونا عليهم فدعا له فطلع نور بين عينيه مثل المصباح حتى أشرف على قومه قال فقلت اللهمّ فى غير وجهى انى أخشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 أن يظنوا انها مثلة وقعت فى وجهى لفراقى دينهم فتحوّل النور فوقع فى رأس سوطى كالقنديل المعلق فأسلم على يده ناس* ومن معجزاته احياء الموتى باذن الله واسماع الاصم وردّ الشمس وقلب الاعيان والاطلاع على الغيب وظلّ الغمام وابراء الآلام كذا ذكره فى سيرة مغلطاى ومعجزاته صلّى الله عليه وسلم أكثر من ان يحصرها كاتب أو يجمعها ديوان كذا ذكره فى سيرة اليعمرى* (ذكر ارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة) * قال أهل السير أرضعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمّه آمنة ثلاثة أيام وقيل سبعة ثم أرضعته ثويبة الاسلمية جارية أبى لهب أياما قبل قدوم حليمة من قبيلتها ثم أرضعته حليمة* روى انها أرضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثمان نسوة غير آمنة ثويبة وحليمة وخولة بنت المنذر ذكرها أبو الفتح اليعمرى وأم أيمن ذكرها أبو الفتح عن بعضهم والمعروف انها من الحواضن وامرأة سعدية غير حليمة ذكرها ابن القيم فى الهدى وثلاث نسوة اسم كل واحدة منهنّ عاتكة نقله السهيلى عن بعضهم فى قوله صلّى الله عليه وسلم أنا ابن العواتك من سليم كذا فى مزيل الخفا* وفى حياة الحيوان العواتك ثلاث نسوة كنّ من أمّهات النبىّ صلّى الله عليه وسلم وفى نهاية ابن الاثير العواتك جمع عاتكة وأصل العاتكة المتضمخة بالطيب والعواتك ثلاث نسوة كنّ أمّهات النبىّ صلّى الله عليه وسلم احداهنّ عاتكة بنت هلال بن فالخ بن ذكوان وهى أم عبد مناف بن قصى والثانية عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ وهى أمّ هاشم بن عبد مناف* والثالثة عاتكة بنت الاوقص ابن مرّة بن هلال وهى أمّ وهب أبى آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم فالاولى من العواتك عمة الثانية والثانية عمة الثالثة وبنو سليم تفخر بهذه الولادة والمشهور انه أرضعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ظئران* الظئر الاولى ثويبة الاسلمية جارية أبى لهب وفى شواهد النبوّة عن ابن عباس أرضعته ثويبة بعد مضى ثلاثة أيام من مولده الى أن قدمت حليمة من قبيلتها بعد أربعة أشهر وكانت ثويبة قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومى* وفى المواهب اللدنية أرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة عتيقة أبى لهب أعتقها حين بشرته بولادته صلّى الله عليه وسلم وكانت تدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيكرمها أيضا وتكرمها خديجة وهى يومئذ أمّه* وفى الاستيعاب قال أحمد بن محمد أعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فأثابه الله على ذلك بأن سقاه الله ليلة كل اثنين فى مثل نقرة الابهام كذا فى سيرة مغلطاى والمنتقى وكان صلى الله عليه وسلم يبعث اليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر* وفى سيرة مغلطاى سنة سبع من الهجرة فبلغ وفاتها النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسأل عن قرابتها فقيل لم يبق منهم أحد ذكره أبو عمرو كذا فى ذخائر العقبى* قال أبو نعيم الاصفهانى انه قد اختلف فى اسلامها* وفى سيرة مغلطاى قال أبو نعيم لا أعلم أحدا أثبت اسلامها غير ابن مندة عن عروة لما مات أبو لهب رآه أخوه العباس فى المنام بعد سنة فقال له ماذا لقيت يا أبا لهب قال ما رأيت بعدكم روحا غير أنى سقيت من هذه يعنى من عتق ثويبة لأمر محمد وأشار الى ما بين الابهام والسبابة وفى رواية وأشار الى النقرة التى فى الابهام* وفى المواهب اللدنية وقد رؤى أبو لهب بعد موته فى النوم فقيل له ما حالك فقال فى النار الا أنه خفف عنى كل ليلة اثنين وأمص من بين اصبعىّ هاتين ماء وأشار برأس اصبعه وان ذلك باعتاقى ثويبة عند ما بشرتنى بولادة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبارضاعها له* وفى الاكتفاء قال ما لقيت بعدكم راحة الا ان العذاب يخفف عنى الى آخر ما ذكر قال ابن الجوزى فاذا كان هذا أبو لهب الكافر الذى أنزل القرآن بذمّه جوزى فى النار بفرحة ليلة مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمّته عليه السلام يسرّ بمولده ويبذل ما تصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 اليه قدرته فى محبته صلّى الله عليه وسلم لعمرى انما يكون جزاؤه من الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم ولا يزال أهل الاسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ويعملون الولائم ويتصدّقون فى لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون فى المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم* ومما جرّب من خواصه انه أمان فى ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام ولقد أطنب ابن الحاج فى المدخل فى الانكار على ما أحدثه الناس من البدع والاهواء والتغنى بالآلات المحرّمة عند عمل المولد الشريف فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل ويسلك بنا سبيل السنة فانه حسبنا ونعم الوكيل* الظئر الثانية أمّ كبشة حليمة بنت أبى ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر ابن رزام بن ناضرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان ابن مضر وهى التى أرضعته حتى أكملت رضاعه بلبن زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملآن بن ناضرة بن قصية بن عيلان بن مضر* وفى المواهب اللدنية لما ولد صلّى الله عليه وسلم قيل من يكفل هذه الدرّة اليتيمة التى لا يوجد لها مثل ولا قيمة قالت الطيور نحن نكفله ونغنم خدمته العظيمة وقالت الوحوش نحن أولى بذلك نثال شرفه وتعظيمه فنادى لسان القدرة أن يا جميع المخلوقات ان الله كتب فى سابق حكمته القديمة ان نبيه الكريم يكون رضيعا لحليمة الحليمة* روى عن مجاهد أنه قال قلت لابن عباس أوقد تنازعت الطيور فى ارضاع محمد صلّى الله عليه وسلم فقال اى والله وكل نساء الجنّ وذلك انه لما نادى الملك فى سماء الدنيا هذا محمد سيد الانبياء طوبى لثدى أرضعته تنافست الجنّ والطير فى ارضاعه فنوديت أن كفوا فقد أجرى الله ذلك على أيدى الانس فخص الله تعالى بتلك السعادة وشرف بذلك الشرف حليمة بنت أبى ذؤيب* روى انه كان من عادة أشراف قريش وديدن صناديدهم أن يدفعوا أولادهم الرضعاء الى المراضع ليتيسر اشتغال نسائهم بالازواج فى كل الحال بحضور القلب وفراغ البال ولازدياد النسل والاولاد وبقائهم مصونة عن مضرة الغيل والفساد ولنشوهم فى القبائل المعروفة بلادهم بطيب الهواء وقلة الرطوبة وعذوبة الماء اذ لها مدخل عظيم وتأثير بليغ فى فصاحة المولود ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم أنا أعربكم أنا من قريش واسترضعت فى بنى سعد بن بكر وكانت مشهورة بين العرب بكمال الجود وتمام الشرف وكانت نساء القبائل التى حوالى مكة ونواحي الحرم يأتينها فى كل عام مرّتين ربيعا وخريفا يلتمسن الرضعاء ويذهبن بهم الى بلادهنّ حتى تتمّ الرضاعة* وفى المواهب اللدنية قالت حليمة فيما رواه ابن اسحاق وابن راهويه وأبو يعلى والطبرانى والبيهقى وأبو نعيم قدمت مكة فى نسوة من بنى سعد بن بكر نلتمس الرضعاء فى سنة شهباء فقدمت على أتان لى ومعى صبى لى وشارف لنا والله ما تبض بقطرة لبن وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك لا يجد فى ثديى ما يغنيه ولا فى شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة الا وقد عرض عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتأباه اذا قيل يتيم فو الله ما بقى من صواحبى امرأة الا أخذت رضيعا غيرى فلم أجد غيره قلت لزوجى والله انى لاكره أن أرجع من بين صواحبى ليس معى رضيع لانطلقنّ الى ذلك اليتيم فلآخذنه فذهبت فاذا به مدرج فى ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه رائحة المسك وتحته حريرة خضراء وهو راقد على قفاه يغط فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله فدنوت منه رويدا فوضعت يدى على صدره فتبسم ضاحكا وفتح عينيه ينظر الىّ فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر اليه فقبلته بين عينيه وأعطيته ثديى الايمن فأقبل عليه بما شاء من اللبن فحوّلته الى الايسر فأبى وكانت تلك بعد عادته* قال العلماء فأعلمه الله ان له شريكا فألهمه العدل فروى وروى أخوه ثم أخذته فما هو الا أن جئت به رحلى فقام صاحبى تعنى زوجها الى شارفنا تلك فاذا انها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 لحافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى روينا ويتنا بخير ليلة فقال صاحبى يا حليمة والله انى لاراك أخذت نسمة مباركة ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه فلم يزل الله يزيدنا خيرا وفى رواية ذكرها ابن طغريك فى النطق المفهوم فلما نظر صاحبى الى هذا قال اسكتى واكتمى أمرك فن ليلة ولد هذا الغلام أصبحت الاحبار قوّاما على أقدامها لا يهنأ لها عيش النهار ولا نوم الليل* وفى شواهد النبوّة قالت حليمة فلما ذهبت بمحمد الى منزلى مكثنا بمكة ثلاث ليال انتهى قالت حليمة فودّعت النساء بعضهنّ بعضا وودّعت أنا أم النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم ركبت أتانى وأخذت محمدا صلّى الله عليه وسلم بين يدىّ قالت فنظرت الى الاتان وقد سجدت نحو الكعبة ثلاث سجدات ورفعت رأسها الى السماء ثم مشت حتى سبقت دواب الناس الذين كانوا معى وصار الناس يتعجبون منى وتقول النساء لى وهنّ ورائى يا بنت أبى ذؤيب أهذه أتانك التى كنت عليها وأنت جائية معنا تخفضك طور او ترفعك أخرى فأقول تالله انها هى فيتعجبن منها ويقلن ان لها لشأنا عظيما قالت فكنت أسمع أتانى تنطق وتقول والله ان لى لشأنا ثم شأنا بعثنى الله بعد موتى وردّلى سمنى بعد هزالى ويحكنّ يا نساء بنى سعد انكنّ لفى غفلة عظيمة وهل تدرين من على ظهرى على ظهرى خير النبيين وسيد المرسلين وخير الاوّلين والآخرين وحبيب رب العالمين* روى انه لما سلمته أمه الى حليمة السعدية لترضعه وقامت عكاطة انطلقت به حليمة الى عرّاف من هذيل يريه الناس صبيانهم فلما نظر اليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب فاجتمع الناس من أهل الموسم فقال اقتلوا هذا الصبى فانسلت به حليمة فجعل الناس يقولون أى صبىّ فيقول هذا الصبى فلا يرون شيئا قد انطلقت به أمه فيقال ما هو فيقول رأيت غلاما والله ليقتلنّ أهل دينكم وليكسرن آلهتكم وليظهرنّ أمره عليكم فطلب بعكاظة فلم يوجد ورجعت به حليمة الى منزلها فكانت بعد لا تعرض لعرّاف كذا فى المنتقى قالت حليمة فيما ذكر ابن اسحاق وغيره ثم قدمنا منازل بنى سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنيمتى تروح علىّ حين قدمنا به شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب انسان قطرة لبن ولا يجدها فى ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعاتهم ويلكم ما بال أغنام حليمة تحمل وتحلب وأغنامنا لا تحمل ولا تضع ولا تأتى بخير اسرحوا حيث يسرح راعى غنم بنت أبى ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح أغنامى شباعا لبنا حتى انا نتفضل على قومنا وكانوا يعيشون فى أكنافنا فلله درّها من بركة كثرت بها مواشى حليمة ونمت وارتفع قدرها به وسمت ولم تزل حليمة تتعرّف الخير والسعادة وتفوز منه بالحسنى وزيادة كما قيل لقد بلغت بالهاشمىّ حليمة ... مقاما علا فى ذروة العز والمجد وزادت مواشيها وأخصب ربعها ... وقد عمّ هذا السعد كل بنى سعد وقال ابن الطرمّاح رأيت فى كتاب الترقيص لأبى عبد الله بن المعلى الازدى أنّ من شعر حليمة مما كانت ترقص به النبىّ صلّى الله عليه وسلم يا رب اذ أعطيته فأبقه ... وأعله الى العلى وأرقه وادحض أباطيل العدى بحقه وعند غيره وكانت الشيماء أخته من الرضاعة تحضنه وترقصه وتقول هذا أخىّ لم تلده أمى* وليس من نسل أبى وعمى* فديته من مخول معمّ* فأنمه اللهم فيما تنمى وأخرج البيهقى فى المائتين والخطيب وابن عساكر فى تاريخهما وابن طغربك السياف فى النطق المفهوم عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله دعانى للدخول فى دينك أمارة لنبوّتك رأيتك فى المهد تناغى القمر وتشير اليه بأصبعك فحيث أشرت اليه مال قال انى كنت أحدّثه ويحدّثنى ويلهينى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش* قال البيهقى تفرّد به أحمد بن ابراهيم الجيلى وهو مجهول وقال الصابونى وهذا حديث غريب الاسناد والمتن فى المعجزات حسن والمناغاة المحادثة وفد ناغت الامّ صبيها لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة* وفى فتح البارى عن سيرة الواقدى أنه صلّى الله عليه وسلم تكلّم فى أوائل ما ولد وذكر ابن سبع فى الخصائص ان مهده كان يتحرّك بتحريك الملائكة كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى قالت حليمة ومن العجائب انى ما رأيت له بولا ولا غسلت له وضوء اقط وكانت له طهارة ونظافة وكان له فى كل يوم وقت واحد يتوضأ فيه ولا يعود حتى يكون وقته من الغد ولم يكن شىء أبغض اليه من ان يرى جسده مكشوفا فكنت اذا كشفت عن جسده يصيح حتى أستره عليه وكان لا يبكى قط ولم يسئ خلقه* وفى شواهد النبوّة روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما صار ابن شهرين كان يتزحلف مع الصبيان الى كل جانب وفى ثلاثة أشهر كان يقوم على قدميه وفى أربعة أشهر كان يمسك الجدار ويمشى وفى خمسة أشهر حصل له القدرة على المشى ولماتم له ستة أشهر كان يسرع فى المشى وفى سبعة أشهر كان يسعى ويعد والى كل جانب ولما مضى عليه ثمانية أشهر كان يتكلم بحيث يفهم كلامه وفى تسعة أشهر شرع يتكلم بكلام فصيح وفى عشرة أشهر كان يرمى السهام مع الصبيان وفى المواهب اللدنية أخرج البيهقى وابن عساكر عن ابن عباس قال كانت حليمة تحدّث انها أوّل ما فطمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكلم فقال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا* وفى المنتقى قالت وانتبهت ليلة من الليالى فسمعته يتكلم بكلام لم أسمع كلاما قط أحسن منه يقول لا اله الا الله قدّوسا قدّوسا نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم وهو أوّل ما تكلم به وكنت أتعجب من ذلك فلما بلغ المنطق لم يمس شيئا الا قال بسم الله ولم يتناول بيساره وكان يتناول بيمينه وكنت قد اجتنبت الزوج لا اغتسل منه هيبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى تمت له سنتان كاملتان فبينما هو قاعد فى حجرى ذات يوم اذ مرت به غنيماتى فأقبلت شاة من الغنم حتى سجدت له وقبلت رأسه فرجعت الى صواحبها وكان ينزل عليه كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلى عنه وفى المواهب اللدنية فلما ترعرع كان يخرج فينظر الى الصبيان يلعبون فيجتنبهم* وفى المنتقى وكان أخواه من الرضاعة يخرجان فيمرّان بالغلمان فيلعبان معهم فاذا رآهم محمد صلّى الله عليه وسلم اجتنبهم وأخذ بيدى أخويه وقال لهما انا لم نخلق لهذا* وفى المواهب اللدنية وقد روى ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال كانت حليمة لا تدعه يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشيماء فى الظهيرة الى البهم فخرجت حليمة تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت تخرجين به فى هذا الحر فقالت أخته يا أمه ما وجد أخى حرّا رأيت غمامة تظلّ عليه اذا وقف وقفت واذا سار سارت حتى انتهى الى هذا الموضع وكان صلّى الله عليه وسلم يشب شبابا لا يشبه الغلمان حتى كان غلاما جفرا فى سنتين* شق صدره عليه السلام وفى السنة الثالثة من مولده صلّى الله عليه وسلم وقع شق الصدر قالت حليمة فلما مضت سنتاه وفصلته قدمنا به على أمه ونحن أحرص شئ على مكثه فينا لما نرى من بركته وكلمنا أمّه وقلنا لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فانا نخشى عليه وباء مكة ولم نزل بها حتى ردّته معنا فرجعنا به فو الله انه لبعد مقدمنا بشهرين أو ثلاثة مع أخيه من الرضاعة لفى بهم لنا وقد بعدا قدر غلوّة سهم خلف بيوتنا اذ أتانا أخوه يشتدّ فى عدوه فقال ذاك أخى القرشى قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتدّ نحوه فوجدناه قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه وقال أى بنى ما شأنك قال جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى فشقا بطنى ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم ردّاه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابنى قد أصيب فانطلقى نردّه الى أهله قبل أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يظهر به ما نتخوّف قالت حليمة فاحتملناه حتى قدمنا به الى امّه فقالت ما ردّ كما به فقد كنتما حريصين عليه قلنا نخشى عليه الاتلاف والاحداث فقالت ما ذاك بكما فأصدقانى ما شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت أخشيتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وانه لكائن لا بنى هذا شأن فدعاه عنكما* وفى المواهب اللدنية وقد وقع شق صدره الشريف مرّة أخرى عند مجىء جبريل له بالوحى فى غار حرا ومرّة اخرى عند الاسراء وروى الشق أيضا وهو ابن عشر ونحوها وروى فى الخامسة ولا يثبت* رعيه عليه السلام للغنم وفى رواية عن حليمة أنها قالت لماتم له ثلاث سنين قال لى يوما يا امّه مالى لا أرى أخوىّ بالنهار قلت له يا بنىّ انهما يرعيان غنيمات لنا فى موضع كذا قال فمالى لا أخراج معهما قلت له تحب ذلك قال نعم فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت فى عنقه خيطا فيه جزع يمانية فنزعها ثم قال لى مهلا يا أمه فان معى من يحفظنى قالت ثم دعوت يا بنىّ فقلت لهما أوصيكما بمحمد خيرا لا تفارقاه وليكن نصب أعينكما فخرج مع أخويه فى الغنم حتى وصلا الى مكان الرعى فبينا هو قائم معهما اذ هبط جبريل وميكائيل* وفى المنتقى فبينما هم يترامون بالجلة يعنى البعر انتهى ومعهما طست من ذهب فيه ماء وثلج فاستخرجاه من الغنم والصبية وأضجعاه وشقا بطنه وشرحا صدره واستخرجا منه نكتة سوداء فغسلاه بذلك الماء والثلج وحشوا بطنه نورا ومسحا عليه وعاد كما كان قالت فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما اسمه ضمرة يعدو وقد علاه النفس وهو يقول يا أمّه أدركى أخى محمدا وما أراك تدركينه قالت فقلت وما ذاك قال أتاه رجلان عليهما ثياب خضر فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه قالت فخرجت أنا وأبوه ونسوة من الحىّ فاذا أنا به صلّى الله عليه وسلم قائما ينظر الى السماء كانّ الشمس تطلع من وجهه فالتزمه أبوه والله لكأنما غمس فى المسك غمسة وقال له أبوه يا بنى مالك قال خير يا أبت أتانى رجلان انقضا علىّ من السماء كما ينقض الطائر فأضجعانى وشقا بطنى وحشوا بشىء كان معهما ما رأيت ألين منه ولا أطيب ريحا ومسحا على بطنى فعدت كما كنت روى أنه بقى أثر الشق ما بين مفرق صدره الى منتهى عانته كأنه الشراك* قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره صلّى الله عليه وسلم دائما* وفى الشفاء ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمّته فوزننى فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من امّته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمّته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال دعه عنك فلو وزنته بامّته كلها لوزنها وطارا حتى دخلا فى السماء* وفى رواية قال أحدهما لصاحبه اجعله فى كفة واجعل ألفا من امّته فى كفة فاذا أنا أنظر الى الالف فوقى أشفقت أن يخرّ علىّ بعضهم فقالوا لو أنّ أمّته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا وتركانى* وفى رواية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ملكين جاآنى فى صورة كركيين معهما ثلج وبرد وماء بارد فشق أحدهما صدرى ومج الآخر بمنقاره فغسله* وفى حياة الحيوان عن أبى ذرّ أنه قال يا رسول الله كيف علمت انك نبىّ وبم علمت حتى استيقنت قال يا أباذرّ أتانى ملكان فوقع أحدهما بالارض وكان الآخر بين السماء والارض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو قال هو هو قال فوزننى برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزننى بعشرة فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزننى بمائة فرجحتهم ثم قال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطنى فأخرج قلبى فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم ثم قال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الاناء واغسل قلبه غسل الملا ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطنى وجعل الخاتم بين كتفىّ كما هو الآن ووليا عنى فكأنى أعاين الامر معاينة* وفى الحديث ان خاتم النبوّة لم يكن قبل ذلك انتهى قالت حليمة فحملناه الى خيم لنا فقال الناس اذهبوا به الى كاهن حتى ينظر اليه ويداويه فقال محمد صلّى الله عليه وسلم ما بى شىء مما تذكرون وانى أرى نفسى سليمة وفؤادى صحيحا بحمد الله قال الناس أصابه لمم أو طائف من الجنّ قالت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فغلبونى على رأيى حتى انطلقت به الى الكاهن فقصصت عليه قصته من أوّلها الى آخرها قال دعينى أنا أسمع من الغلام فان الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام قالت فقص ابنى محمد قصته من أوّلها الى آخرها فوثب الكاهن قائما على قدميه وضمه الى صدره ونادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل العرب من شرّ قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلونى معه فانكم ان تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهنّ أحلامكم وليبدلنّ أديانكم وليعونكم الى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه* قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت أنت أعته وأجنّ من ابنى ولو علمت ان هذا يكون منك ما أتيتك به اطلب لنفسك من يقتلك فانا لا نقتل محمدا فاحتملته فأتيت به منزلى فما بقى يومئذ بيت فى بنى سعد الّا وجد منه ريح المسك وكان ينقض عليه فى كل يوم طيران أبيضان يغيبان فى ثيابه ولا يظهران فلما رأى أبوه ذلك قال لى يا حليمة انا لا نأمن على هذا الغلام وخشيت عليه من تباع الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه عندنا شىء قالت فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا فى جوف الليل ينادى ذهب ربيع الخير وأمان بنى سعد هنيئا لبطحاء مكة اذا كان مثلك فيها يا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو يصيبها بؤس بدخولك اليها يا خير البشر قالت فلما أصبخت ركبت اتانى ووضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين يدى فلم أكن أقدر مما كنت انادى يمنة ويسرة حتى انتهيت الى الباب الاعظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعون فنزلت لا قضى حاجتى وأنزلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فغشيتنى كالسحابة البيضاء وسمعت صوتا شديدا ففرعت وجعلت ألتفت يمنة ويسرة ونظرت فلم أر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فصحت يا معشر قريش الغلام الغلام قالوا وما الغلام قلت محمد ابن آمنة فجعلت أبكى وأنادى وا محمداه فبينا أنا كذلك اذا أنا بشيخ كبير قد استقبلنى فقال لى مالك أيتها السعدية قلت ان لى لقصة عجيبة محمد ابن آمنة أرضعته ثلاث سنين لا افارقه ليله ولا نهاره فعيشنى الله به وأنضر وجهى وجئت لأؤدّى الى امّه الامانة ليخرج من عهدى وامانتى فاختلس منى اختلاسا قبل أن يمس قدمه الارض فقال الشيخ لا تبكى أيتها السعدية ادخلى على هبل فتضرّعى اليه فلعله يردّه عليك فانّه القوى على ذلك العالم بأمره فقلت أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولادة محمد ليلة ولد ما نزل باللات والعزى فقال لى أيتها السعدية انى أراك جزعة وأنا ادخل على هبل واذكر أمرك له فقد قطعت اكبادنا ببكائك مالا حد من الناس على هذا صبر قالت فقعدت مكانى متحيرة ودخل الشيخ على هبل وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويلا وطاف به اسبوعا ثم نادى يا عظيم المنّ يا قويا فى الاموران منتك على قريش كثيرة وهذه السعدية مرضعة محمد تبكى قد قطع بكاؤها الانياط فان رأيت ان تردّه عليها ان شئت* قالت فارتج والله الصنم وتنكس ومشى على رأسه وسمعت منه صوتا يقول أيها الشيخ أنت فى غرور مالى ولمحمد وانما يكون هلاكنا على يديه وان رب محمد لم يكن ليضيعه بل يحفظه أبلغ عبدة الاوثان ان معه الذبح الاكبر الا أن يدخلوا فى دينه قالت فخرج الشيخ فزعا مرعوبا تسمع لسنه قعقعة ولركبتيه اصطكاك قال لى يا حليمة ما رأيت من هبل مثل هذا قط فاطلبى ابنك انى لأرى ان يكون لهذا الغلام شأن عظيم قالت فقلت لنفسى كم تكتمين امره من عبد المطلب اخبريه الخبر قبل أن يأتيه من غيرك قالت فدخلت على عبد المطلب فلما نظر الىّ قال لى يا حليمة مالى اراك جزعة باكية ولا ارى معك محمدا قالت فقلت يا أبا الحارث جئت بمحمد وهو أسر ما كان فلما صرت على الباب الاعظم من ابواب مكة نزلت لاقضى حاجتى فاختلس منى اختلاسا قبل ان يمس قدمه الارض فقال لى اقعدى يا حليمة ثم علا الصفا فنادى يا آل غالب يعنى آل قريش فاجتمع اليه الرجال فقالوا له قل يا أبا الحارث فقد أجبناك قال لهم ان ابنى محمدا فقد قالوا له فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك قالت فركب عبد المطلب وركب الناس معه فأخذ أعلا مكة وانحدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 بأسفلها فلما لم ير شيئا ترك الناس واتزر بثوب وارتدى بآخر واقبل الى البيت الحرام فطاف به اسبوعا وانشأ يقول يا رب ردّ راكبى محمدا ... ردّ الىّ واتخذ عندى يدا انت الذى جعلته لى عضدا ... يا رب ان محمد لم يوجدا فجمع قومى كلهم تبدّدا قال فسمعنا مناديا ينادى من جوّ الهواء يا معشر الناس لا تضجوا فان لمحمد ربا لا يضيعه ولا يخذله قال عبد المطلب يا أيها الهاتف من لنا به واين هو قال بوادى تهامة فأقبل عبد المطلب راكبا متسلحا فلما صار فى بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعا يسيران فبيناهم كذلك اذا النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة* وفى رواية بينا ابو مسعود الثقفى وعمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما اذا هما برسول الله صلّى الله عليه وسلم قائما عند شجرة الطلحة وهى الموز يتناول من ورقها فأقبل اليه عمرو وهو لا يعرفه فقال له من انت يا غلام فقال انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاحتمله بين يديه على الراحلة حتى اتى به عبد المطلب* روى عن ابن عباس انه قال لما ردّ الله محمدا على عبد المطلب تصدّق بألف ناقة كوماء وخمسين رطلا من ذهب ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز* وفى هذه السنة الثالثة من مولده عليه السلام ولد أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه بمنى كذا فى زبدة الاعمال وسيجىء فى الخاتمة ذكر خلافته وما وقع فيها وذكر وفاته ان شاء الله تعالى* وفى السنة الرابعة من مولده صلّى الله عليه وسلم ايضا وقع شق الصدر قد ذكر أن شق الصدر كان فى السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم وقيل كان فى الرابعة على ما روى محمد بن سعد قال مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عندهم سنتين حتى فطم فقدموا به على امّه زائرين لها به وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته فقالت آمنة ارجعى بابنى فانى أخاف عليه وباء مكة فو الله ليكونن له شأن فرجعت به حليمة مرّة ثانية ومكث عندهم سنتين بعد الفطام أيضا فلما كان ابن أربع سنين أتاه ملكان فشقا بطنه وذكر قصة ذلك الى آخرها ثم نزلت به حليمة الى آمنة وأخبرتها ثم رجعت به مرّة ثالثة وكان عندها سنة اخرى ونحوها لا تدعه يذهب مكانا بعيد الا وهى تلخطه ثم رأت غمامة تظلله اذا وقف وقفت واذا سار سارت فأفزعها ذلك أيضا من أمره فقدمت به الى امّه لتردّه وهو ابن خمس سنين كذا فى الصفوة* وفى حياة الحيوان فأقام فى بنى سعد خمس سنين فاضلته فى الناس فالتمسته فلم تجده وذكر نحو ما تقدّم فى الاختلاس منها وفى رواية ان عبد المطلب بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى حاجة ففقد الطريق فقال اللهم أدركنى محمدا القصة كما مرّت* روى أن حليمة قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة بعد تزوّجه خديجة فشكت اليه جدب البلاد وهلاك المواشى فكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة فأعطتها بعيرا وأربعين شاة وانصرفت الى أهلها ثم قدمت عليه بعد الاسلام فأسلمت هى وزوجها وبايعهما* وفى ذخائر العقبى عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة بنت عبد الله أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الرضاعة اليه يوم حنين فقام اليها وبسط رداءه لها فجلست عليه* وفى المنتقى ورد فى الحديث استأذنت امرأة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال أمى أمى وعمد الى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه وروى أنها جاءت الى أبى بكر بعده فأكرمها والى عمر فأكرمها وروت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم روى عنها عبد الله بن جعفر خرجه أبو عمرو* وفى مزيل الخفاء صحح ابن حبان وغيره حديثا دل على اسلامها وقيل لم يثبت اسلامها* قال الحافظ الدمياطى حليمة لم تعرف لها صحبة واخوته من الرضاعة حمزة وأبو سلمة بن عبد الاسد أرضعتهما مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثويبة جارية أبى لهب بلبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ابنها مسروح كما تقدّم ومسروح بن ثويبة وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أرضعته ورسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية وعبيد الله وأنيسة وحذافة وتعرف بالشيماء أولاد حليمة السعدية ذكر ذلك أبو سعد وغيره* قال الطبرى لم أظفر بذكر ثويبة وابنها ولعلهما لم يسلما فلذلك لم يذكرهما أبو عمرو وكذلك لم يذكر من أولاد حليمة غير الشيماء واسمها حذاقة وانما غلب لقبها فلا تعرف فى قومها الا به وقد ذكر أنها كانت تحضن النبىّ صلّى الله عليه وسلم مع امّها قال وروى أن خيلا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أغاروا على هوازن فأخذوها فى جملة السبى فقالت لهم أنا اخت صاحبكم فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت له يا محمد أنا اختك وعرفته بعلامة عرفها فرحب بها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه وقال صلّى الله عليه وسلم ان أحببت فأقيمى عندى مكرمة محببة وان أحببت أن ترجعى الى قومك وصلتك قالت بل أرجع الى قومى فأسلمت وأعطاها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء كثيرا ذكره أبو عمرو وابن قتيبة كذا فى ذخائر العقبى* ومن وقائع السنة الخامسة من مولده صلّى الله عليه وسلم ما روى عن أبى حازم أنه قال قدم كاهن مكة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن خمس سنين وقدمت به ظئره الى عبد المطلب وكانت تأتيه به كل عام فنظر اليه الكاهن مع عبد المطلب فقال يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبى فانه يفرقكم ويقتلكم فهرب به عبد المطلب فلم تزل قريش تخشى من أمره ما كان حذرهم الكاهن* وفاة آمنة وفى السنة السادسة من مولده صلّى الله عليه وسلم وفاة آمنة* فى المواهب اللدنية لما بلغ صلّى الله عليه وسلم ست سنين وقيل أربع وقيل خمس وقيل سبع وقيل تسع وقيل اثنتى عشرة سنة وشهر او عشرة أيام ماتت أمّه بالابواء وقيل بشعب أبى دئب بالحجون* وفى القاموس ودار رابعة بمكة فيها مدفن آمنة أمّ النبى صلّى الله عليه وسلم وفى ذخائر العقبى قال ابن سعد دفنت أمّه صلّى الله عليه وسلم بمكة وان أهل مكة يزعمون ان قبرها فى مقابر أهل مكة من الشعب المعروف بشعب أبى ذئب رجل من سراة بنى عمرو وقيل قبرها فى دار رابعة فى المعلاة بثنية أذاخر عند حائط حلما* وفى المواهب اللدنية وأخرج ابن سعد عن ابن عباس وعن الزهرى وعن عاصم بن عمر ابن قتادة دخل حديث بعضهم فى بعض قالوا لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ست سنين خرجت به أمّه الى أخواله بنى عدى بن النجار بالمدينة تزورهم ومعها أمّ أيمن فنزلت به دار التابعة وهو رجل من بنى النجار وكان قبر عبد الله أبى النبى صلّى الله عليه وسلم فى تلك الدار فأقامت به شهرا عندهم وكان صلّى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت فى مقامه ذلك ونظر الى الدار فقال ههنا نزلت بى امى وأحسنت العوم فى بئر بنى عدى بن النجار وكان قوم من اليهود يختلفون علىّ ينظرون الىّ قالت أمّ أيمن فسمعت أحدهم يقول هو نبى هذه الامّة وهذه دار هجرته فوعيت ذلك كله من كلامهم ثم رجعت أمّه الى مكة فلما وصلوا الابواء وهو موضع بين مكة والمدينة توفيت* وروى أبو نعيم من طريق الزهرى عن اسماء بنت رهم عن أمّها قالت شهدت آمنة امّ النبى صلّى الله عليه وسلم فى علتها التى ماتت بها ومحمد صلّى الله عليه وسلم غلام يفع له خمس سنين فنظرت الى وجهه ثم قالت بارك فيك الله من غلام ... يا ابن الذى من حومة الحمام نجا بعون الملك العلام ... فودى غداة الضرب بالسهام بمائة من ابل سوام ... ان صح ما أبصرت فى المنام فأنت مبعوث الى الانام ... من عند ذى الجلال والاكرام تبعث فى الحل وفى الحرام ... تبعث فى التحقيق والاسلام دين أبيك البر ابراهام ... فالله انهاك عن الاصنام ان لا تواليها مع الاقوام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ثم قالت كل حىّ ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكرى باق وقد تركت خيرا وولدت طهرا ثم ماتت قالت فكنا نصمع نوح الجنّ عليها فحفظنا من ذلك هذه الابيات نبكى الفتاة البرّة الامينة ... ذات الجمال العفة الرزينة زوجة عبد الله والقرينة ... امّ نبى الله ذى السكينة وصاحب المنبر بالمدينة ... صارت لدى حفرتها رهينة احياء أبويه صلّى الله عليه وسلم وفى الحدائق لابن الجوزى لما مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالابواء في عمرة الحديبية وفى المنتقى وغيره فى غزوة بنى لحيان قال ان الله قد أذن لمحمد فى قبر أمّه فأتاه فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكائه فقيل له فى ذلك فقال أدركتنى رحمة رحمتها فبكيت وأخرج مسلم فى افراده من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال استأذنت ربى أن أستغفر لامى فلم يأذن لى واستأذنته ان أزور قبرها فأذن لى وسيجىء فى الموطن السادس* وفى الاستيعاب استرضع له صلّى الله عليه وسلم فى بنى سعد بن بكر حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية وردّته ظئره حليمة الى أمّه آمنة بنت وهب بعد خمس سنين ويومين من مولده وذلك سنة ست من عام الفيل فأخرجته أمّه الى أخوال أبيه بنى النجار تزورهم به بعد سبع سنين من عام الفيل وتوفيت أمّه بعد ذلك بشهر بالابواء ومعها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقدمت به أمّ أيمن مكة بعد موت أمّه بخمسة أيام روى أنها آمنت بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد موتها* قال الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالته المسماة بالدرجة المنيفة فى الآباء الشريفة وذهب جمع كثير من الائمة الاعلام الى ان أبوى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ناجيان محكوم لهما بالنجاة فى الآخرة وهم أعلم الناس بأقوال من خالفهم وقال بغير ذلك ولا يقصرون عنهم فى الدرجة ومن أحفظ الناس للاحاديث والآثار وانقد الناس بالادلة التى استدل بها أولئك فانهم جامعون لانواع العلوم ومتضلعون من الفنون خصوصا الاربعة التى استمدّ منها هذه المسألة فانها مبنية على ثلاث قواعد كلامية وأصولية وفقهية وقاعدة رابعة مشتركة بين الحديث واصول الفقه مع ما يحتاج اليه من سعة الحفظ فى الحديث وصحة النقل له وطول الباع فى الاطلاع على ما تقول الائمة وجمع متفرّقات كلامهم فلا يظنّ بهم انهم لم يقفوا على الاحاديث التى استدل بها أولئك معاذ الله بل وقفوا عليها وخاضوا غمرتها وأجابوا عنها بالاجوبة المرضية التى لا يردّها منصف وأقاموا لما ذهبوا اليه ادلة قاطعة كالجبال الرواسى والفريقان أئمة أكابر أجلاء* واختلف القائلون بالنجاة فى مدرك ذلك على ثلاث درجات الدرجة الاولى ان الله تعالى أحياهما له فآمنا به وذلك فى حجة الوداع لحديث فى ذلك ورد عن عائشة روى المحب الطبرى فى ذخائر العقبى بسنده عن عائشة رضى الله عنها انها قالت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبا حزينا فأقام به ما شاء الله ثم رجع مسرورا قال سألت ربى فأحيالى أمى فآمنت بى ثم ردّها ورواه أبو حفص بن شاهين فى كتاب الناسخ والمنسوخ له بلفظ قالت عائشة حج بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حجة الوداع فمرّ بى على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتمّ فبكيت لبكائه ثم انه نزل فقال يا حميراء استمسكى فاستندت الى جنب البعير فمكث مليا ثم عاد الىّ وهو متبسم فقال ذهبت لقبر أمى فسألت ربى أن يحيها فأحياها فآمنت بى وكذا روى من حديث عائشة أيضا أحيا الله أبويه حتى آمنا به أورده السهيلى فى شرح السيرة والخطيب فى السابق واللاحق وابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ والدارقطنى وابن عساكر كلاهما فى غرائب مالك والبغوى فى تفسيره والمحب الطبرى فى خلاصة السير وأورده البيهقى فى الروض الانف من وجه آخر بلفظ واسناده ضعيف وقد مال اليه ابن شاهين والطبرى والسهيلى وكذا القرطبى وابن المنذر ونقله ابن سيد الناس عن بعض أهل العلم وقال به الصلاح الصفدى فى نظم له والحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقى فى أبيات له وجعلوه ناسخا لما خالفه من الاحاديث لتأخره ولم يبالوا بضعفه لانّ الحديث الضعيف يعمل به فى الفضائل والمناقب وهذه منقبة وقد أيد بعضهم هذا الحديث بالقاعدة التى اتفق عليها الائمة انه ما أوتى نبى معجزة الا وأوتى نبينا صلّى الله عليه وسلم مثلها وقد أحيا الله لعيسى الموتى من قبورهم فلا بدّ أن يكون لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلم مثل ذلك ولم يرد من هذا النوع الا هذه القصة ولم يستبعد ثبوتها وان كان له من هذا النمط نطق الذراع وحنين الجذع الا أن هذه غير ما وقع لعيسى فهو أشبه بالمماثلة ولا شك أن من الطرق التى يعتضد بها الحديث الضعيف موافقته القواعد المقررة* قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقى حبا الله النبىّ مزيد فضل ... على فضل وكان به رؤفا فأحيا امّه وكذا أباه ... لايمان به فضلا لطيفا فسلم فالقديم بذاقدير ... وان كان الحديث به ضعيفا قال الشيخ أحمد القسطلانى فى المواهب اللدنيه قال السهيلى ان فى اسناده مجاهيل قال ابن كثير انه حديث منكر جدا وسنده مجهول* وقال ابن دحية هذا الحديث موضوع يردّه القرآن والاجماع انتهى وتعقبه عالم آخر بأنه لم ير احدا صرّح بأن الايمان بعد انقطاع العمل بالموت ينفع صاحبه فان ادّعى أحد الخصوصية فعليه الدليل وقد سبقه بذلك أبو الخطاب بن دحية وعبارته من مات كافرا لم ينفعه الايمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه ذلك فكيف بعد الاعادة انتهى وتعقبه القرطبى فى التذكرة بأن فضائله صلّى الله عليه وسلم وخصائصه لم تزل تتوالى وتتابع الى حين مماته فيكون هذا مما خصه الله به وأكرمه وليس احياؤهما وايمانهما ممتنعا عقلا ولا شرعا فقد ورد فى الكتاب العزيز احياء قتيل بنى اسرائيل واخباره بقاتله* وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى وكذلك نبينا صلّى الله عليه وسلم أحيا الله على يده جماعة من الموتى* وذكر المفسرون ان الله أحيا أمّ يوسف تحقيقا لرؤياه ورسول الله صلّى الله عليه وسلم أحق بذلك والله على كل شىء قدير والظنّ بالله جميل وليس تعجز قدرته عن ذلك* قال السهيلى والنبىّ صلّى الله عليه وسلم أهل لان يخصه الله تعالى بما شاء ومثل هذا ذكر ابن سيد الناس فى سيرته وأجاد واذا ثبت هذا فما يمتنع ايمانهما بعد احيائهما ويكون ذلك زيادة فى كرامته وفضيلته ثم قال وقوله من مات كافرا لم ينفعه الايمان بعد الرجعة الى آخره مردود بما روى فى الخبران الله ردّ الشمس على نبيه صلّى الله عليه وسلم بعد مغيبها ذكره الطحاوى وقال انه حديث ثابت فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وانه لا يتجدّد به الوقت لما ردّها عليه فكذلك يكون احياء أبوى النبىّ صلّى الله عليه وسلم نافعا لايمانهما وتصديقهما بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم انتهى وقد طعن بعضهم فى حديث ردّ الشمس* الدرجة الثانية قال السيوطى انهما لم يبلغا الدعوة لانهما كانا فى زمن فترة عم الجهل فيها المشرق والمغرب فلم يكن اذ ذاك أحد يبلغ الدعوة على وجهها ولا من يدرى شيئا من الشرائع مع ضميمة انهما قبضا فى حداثة السنّ ولم يبلغا سنا يحتمل الوقوف على الاخبار والتفحص عنها بالاسفار فان والده كما صحح الحافظ صلاح الدين العلائى انه عاش نحو ثمان عشرة سنة ووالدته عاشت نحو العشرين تقريبا مع زيادة انها مخدّرة مصونة محجوبة فى البيت لا تجتمع بالرجال ولا تجد من يخبرها واذا كان النساء اليوم مع فشو الاسلام والفقه شرقا وغربا لا يدرين غالب أحكام الشريعة لعدم مخالطتهنّ الفقهاء فما ظنك بزمان الجاهلية والفترة* وقد اختلف عبارة الاصحاب فيمن لم تبلغه الدعوة فأحسنها من قال فيها ناج وقال بعض الاصحاب مسلم وقال الغزالى التحقيق أن يقال فى معنى المسلم واستدلوا على ذلك بثمان آيات من القرآن قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبستة أحاديث منها ما أخرجه الامام أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 واسحاق بن راهويه فى مسنديهما والبيهقى فى الاعتقاد وصححه عن الاسود بن شرح* وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات فى فترة الى ان قال وأما الذى مات فى الفترة فيقول رب ما أتانى لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل اليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدحلها يسحب اليها وما أخرجه البزار فى مسنده عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يؤتى بالهالك فى الفترة والمعتوه والمولود فيقول الهالك فى الفترة لم يأتنى كتاب ولا رسول ويقول المعتوه أى رب لم تجعل لى عقلا أعقل به خيرا ولا شرّا ويقول المولود لم أدرك العمل فيرفع لهم نار فيقال لهم ردوها فيدخلها من كان فى علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان فى علم الله شقيا لو أدرك العمل فيقول تبارك وتعالى اياى عصيتم فكيف برسلى بالغيب وما أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم وابن المنذر فى تفاسيرهم بسند صحيح عن أبى هريرة قال اذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والاصم والابكم والشيوخ الذين لم يدركوا الاسلام ثم أرسل اليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسل ولا كتاب وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل اليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قال أبو هريرة اقرأوا ان شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وحديث رابع أخرجه الحاكم فى مستدركه من حديث ثوبان وقال صحيح على شرط الشيخين وأقرّه الذهبى وخامس أخرجه البزار وأبو يعلى من حديث أنس وسادس أخرجه أبو نعيم من حديث معاذ بن جبل* قال العلماء هذه الآيات والاحاديث ناسخة لكل ما خالفها من الاحاديث الثابتة فى البخارى ومسلم وغيرهما كما أن الاحاديث الواردة فى أطفال المشركين انهم فى النار منسوخة بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى والاحاديث الواردة بخلاف ذلك وقد مشى على هذا المدرك جماعة آخرهم امام الحفاظ فى زمانه قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر فقال الظنّ بآبائه صلّى الله عليه وسلم كلهم يعنى الذين ماتوا قبل البعثة انهم يطيعونه عند الامتحان لتقرّبهم عينه صلّى الله عليه وسلم انتهى ويدل له من الحديث ما أخرجه ابن جريز فى تفسيره عن ابن عباس فى قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى قال من رضا محمد صلّى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار وما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه صلّى الله عليه وسلم سئل عن أبويه فقال ما سألتهما ربى فيعطينى فيهما وانى لقائم يومئذ المقام المحمود فهذا يلوح بأنه يترجى الشفاعة عند الامتحان ولولا عدم بلوغ الدعوة لم تكن هذه الشفاعة لان الشفاعة لا تكون لمن بلغته الدعوة وعاند وقد صرّح بهذا التلويح فى حديث أخرجه البزار فى فوائده بسند ضعيف عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا كان يوم القيامة شفعت لابى وأمى وعمى أبى طالب وأخ لى فى الجاهلية* أورد المحب الطبرى وهو من الحفاظ والفقهاء فى كتاب ذخائر العقبى فى مناقب ذوى القربى وقال ان ثبت فهو مؤوّل فى أبى طالب على ما ورد فى الصحيح من تخفيف العذاب عنه بشفاعته انتهى فاحتاج الى تأويله فى أبى طالب لانه أدرك البعثة ولم يسلم وقد مرّ اختلاف عبارة الاصحاب فيمن لم تبلغه الدعوة حيث قال وأحسنها من قال فيها ناج وقال بعض الاصحاب مسلم وقال الغزالى التحقيق أن يقال فى معنى المسلم قال القسطلانى فى المواهب اللدنية وفى صحيح مسلم أن رجلا قال يا رسول الله أين أبى قال فى النار فلما قفاه دعاه وقال ان أبى وأباك فى النار* قال النووى فيه أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تنفعه قرابة المقربين وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الاوثان فهو فى النار وليس فى هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فان هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة ابراهيم وغيره من الانبياء وقال الامام فخر الدين الرازى من مات مشركا فهو فى النار وان مات قبل البعثة لان المشركين كانوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 قد عيروا الحنيفية دين ابراهيم واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه وليس معهم حجة من الله به ولم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من أوّلهم الى آخرهم قبح الشرك والوعيد عليه فى النار وأخبار عقوبات الله لاهله متداولة بين الامم قرنا بعد قرن فلله الحجة البالغة على المشركين فى كل وقت وحين ولو لم يكن الا ما فطر الله عباده عليه من توحيد ربوبيته لكفى فانه يستحيل فى كل فطرة وعقل أن يكون معه اله آخر وان كان الله سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل الى التوحيد فى الارض معلومة لاهلها فالمشرك مستحق للعذاب فى النار لمخالفته دعوى الرسل وهو مخلد فيها دائما كخلود أهل الجنة فى الجنة وقد تعقب العلامة أبو عبد الله الابوى من المالكية فيما وضعه على صحيح مسلم قول النووى وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الاوثان فى النار الى آخره بما معناه تأمّل ما فى كلامه من التنافى فان من بلغتهم الدعوة ليسوا من أهل الفترة لان أهل الفترة هم الامم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل اليهم الرسول الاوّل ولا أدركوا الثانى كالاعراب الذين لم يرسل اليهم عيسى عليه السلام ولا لحقوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم فالفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين كالفترة بين نوح وهود ولكن الفقهاء اذا تكلموا فى الفترة فانما يعنون التى بين عيسى ونبينا عليهما السلام وذكر البخارى عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين* فان قيل قد صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كحديث رأيت عمرو بن لحى يجرّ قصبه فى النار ورأيت صاحب المحجن فى النار وهو الذى كان يسرق الحاج بمحجنه فاذا أبصر به قال ليس كما تقولون وانما يتعلق بمحجنى* أجيب بأجوبة أحدها أنها اخبار آحاد فلا تعارض القطع* الثانى قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم بالسبب* الثالث قصر التعذيب المذكور فى هذه الاحاديث على من بدّل وغير من أهل الفترة بما لا يعذر به من الضلال كعبادة الاوثان وتغيير الشرائع فان أهل الفترة ثلاثة أقسام* الاوّل من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل فى شريعة كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل ومنهم من دخل فى شريعة حق قائمة الرسم كتبع وقومه من حمير وأهل نجران وورقة بن نوفل وعمه عثمان بن الحويرث* القسم الثانى من أهل الفترة وهم من بدل وغير فأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرّم وهم الاكثر كعمرو بن لحى أوّل من سنّ للعرب عبادة الاصنام وشرع الاحكام فبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحام وتبعته العرب فى ذلك وغيره مما يطول ذكره* وفى أنوار التنزيل اذ انتحت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا اذنها أى شقوها وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب* وفى المدارك ولا تطرد من ماء ولا مرعى واسمها البحيرة انتهى وكان الرجل منهم يقول ان شفيت وفى المدارك من مرضى أو قدمت من سفرى فناقتى سائبة ويجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها* وفى المدارك قيل كان الرجل اذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وفى الصحاح سيبت الدابة تركتها تسيب حيث شاءت أى تجرى والسائبة الناقة التى كانت تسيب فى الجاهلية لنذر ونحوه وقد قيل هى أم البحيرة كانت الناقة فى الجاهلية اذا ولدت عشرة أبطن كلهم اناث سيبت ولم تركب ولم يشرب لبنها الا ولدها والضيف حتى تموت فاذا ماتت أكلها الرجال والنساء جميعا وبحرت اذن بنتها الصغيرة فتسمى البحيرة وهى بمنزلة أمّها فى أنها سائبة وفى القاموس الناقة كانت تسيب فى الجاهلية لنذر ونحوه أو كانت اذا ولدت عشرة أبطن كلهم اناث سيبت أو كان الرجل اذا قدم من سفر بعيد أو نجت دابة من مشقة أو حرب قال هى سائبة أو كان ينزع من ظهرها فقارة أو عظما وكانت لا تمنع من ماء وكلأ ولا تركب* وفى أنوار التنزيل واذا ولدت الشاة انثى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدتهما وصلت الانثى أخاها فلا يذبح لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الذكر واذ انتحت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره ولم يمنعوه من ماء ولا مرعى وقالوا قد حمى ظهره* وفى المدارك وكانت الشاة اذا ولدت سبعة أبطن فان كان السابع ذكرا أكله الرجال وان كان انثى أرسلت فى الغنم وكذا ان كان ذكرا وانثى وقالوا وصلت أخاها فهى بمعنى الواصلة انتهى* (القسم الثالث من أهل الفترة) * وهم من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل فى شريعة نبى ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا بل بقى عمره على حال غفلة من هذا كله وفى الجاهلية من كان على ذلك واذا انقسم أهل الفترة الى الثلاثة الاقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثانى لكفرهم بما تعدّوا به من الخبائث والله تعالى سمى جميع هذا من القسم كفارا ومشركين فانا نجد القرآن كلما حكى حال أحد سجل عليهم بالكفر والشرك كقوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ثم قال ولكنّ الذين كفروا يفترون على الله الكذب* والقسم الثالث هم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين وأما أهل القسم الاوّل كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو فقد قال عليه السلام فى كل منهما انه يبعث أمّة وحده وأما عثمان بن الحويرث وتبع وقومه وأهل نجران فحكمهم حكم أهل الدين الذى دخلوا فيه ما لم يلحق أحد منهم الاسلام الناسخ لكل دين انتهى ملخصا* الدرجة الثالثة قال الشيخ جلال الدين السيوطى ان أبوى النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانا على التوحيد ودين ابراهيم كما كان كذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل وعمير بن حبيب الجهنى وعمرو بن عنبسة فى جماعة آخرين وهذه طائفة ذكرها الامام فخر الدين الرازى وزاد أن آباء النبىّ كلهم الى آدم على التوحيد لم يكن فيهم شرك قال مما يدل على أن آباء محمد صلّى الله عليه وسلم ما كانوا مشركين قوله عليه السلام لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات وقال تعالى انما المشركون نجس فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركا* قال ومن ذلك قوله تعالى الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين معناه انه كان ينقل نوره من ساجد الى ساجد قال وبهذا التقرير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلّى الله عليه وسلم كانوا مسلمين قال وحينئذ يجب القطع بأن والد ابراهيم ما كان من الكافرين وان آزر لم يكن والده وانما ذلك عمه أقصى ما فى الباب أن يحمل قوله وتقلبك فى الساجدين على وجوه اخرى فاذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينها وجب حمل الآية على الكل وبذلك ثبت أن والد ابراهيم ما كان من عبدة الاوثان وان آزر لم يكن والده بل كان عمه انتهى ملخصا ووافقه على الاستدلال بالآية الثانية بهذا المعنى الامام الماوردى صاحب الحاوى الكبير من أئمة أصحاب الشافعى وقد وجدت ما يعضد هذه المقالة من الادلة ما بين مجمل ومفصل فالمجمل دليله مركب من مقدّمتين* احداهما أن الاحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من اصوله صلّى الله عليه وسلم من آدم الى أبيه خير أهل زمانه* والثانية ان الاحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الارض من عهد نوح الى بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الارض ولو لاهم هلكت الارض ومن عليها* ومن أدلة المقدّمة الاولى حديث بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذى كنت فيه وفى سنن البيهقى ما افترق الناس فرقتين الا جعلنى الله فى خيرهما وأخرجت من بين أبوىّ فلم يصبنى شىء من عهد الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت الى أبى وأمى فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا ولا فخر* وحديث أبى نعيم وغيره لم يزل الله ينقلنى من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة مصفى مهذبا ما تتشعب شعبتان الا كنت فى خيرهما فى أحاديث كثيرة* ومن أدلة المقدمة الثانية ما أخرجه عبد الرزاق فى المصنف وابن المنذر فى تفسيره بسند صحيح على شرط الشيخين عن على ابن أبى طالب قال لم يزل على وجه الارض من يعبد الله عليها وأخرج الامام أحمد ابن حنبل فى الزهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 والجلال فى كرامات الاولياء بسند صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس قال ما خلت الارض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الارض فى آثار أخر واذا قرنت بين المقدمتين أنتج منهما قطعا ان آباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يكن فيهم مشرك لانه قد ثبت فى كل منهم أنه خير قرنه فان كان الناس الذين هم على الفطرة هم آباؤهم فهو المدّعى وان كانوا غيرهم وعلى الشرك لزم أحد أمرين اما أن يكون المشرك خيرا من المسلم وهو باطل بنص القرآن والاجماع واما أن يكون غيرهم خيرا منهم وهو باطل لمخالفته الاحاديث الصحيحة فوجب قطعا أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا خير أهل الارض كل فى قرنه هذا ما قاله السيوطى وقال القسطلانى فى المواهب اللدنية ويتعقب بأنه لا دلالة فى قوله تعالى وتقلبك فى الساجدين على ما ادّعاه لما ذكر البيضاوى فى تفسيره ان معنى الآية وتردّدك فى تصفح أحوال المجتهدين لما روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف عليه السلام تلك الليلة بيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما يسمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى وقد ورد النص بأن أبا ابراهيم عليه السلام مات على الكفر كما صرّح به البيضاوى وغيره قال الله تعالى فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرّ أمنه وأما قوله انه كان عمه فعدول عن الظاهر من غير دليل انتهى* ونقل الامام أبو حيان فى البحر عند تفسير وتقلبك فى الساجدين أن الرافضة هم القائلون بأن آباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين مستدلين بقوله تعالى وتقلبك فى الساجدين وبقوله صلّى الله عليه وسلم لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الحديث انتهى* وعن ابن جرير عن علقمة بن مرثد عن سليمان عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر فجلس اليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرا فقلنا يا رسول الله انا رأينا ما صنعت قال انى استأذنت ربى فى زيارة قبر أمى فأذن لى واستأذنته فى الاستغفار فلم يأذن لى فما رؤى باكيا أكثر من يومئذ* وروى ابن أبى حاتم فى تفسيره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى الى المقابر فاتبعناه فحاء حتى جلس الى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام اليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا فقال ما أبكاكم قلنا بكينا لبكائك فقال ان القبر الذى جلست عنده قبر آمنة وانى استأذنت ربى فى زيارتها فأذن لى واستأذنته فى الدعاء لها فلم يأذن لى وأنزل علىّ ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى فأخذنى ما يأخذ الولد عند الولد ورواه الطبرانى فى حديث ابن عباس* وفى مسلم استأذنت ربى أن أستغفر لامى فلم يأذن لى واستأذنته فى ان أزور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فانها تذكر الآخرة* قال القاضى عياض بكاؤه عليه السلام على ما فاتهما من ادراك أيامه والايمان به انتهى كلام القسطلانى* وقال السيوطى فى الدرجة المنيفة أخرج البزار فى مسنده وابن جرير وابن أبى حاتم وابن المنذر فى تفاسيرهم والحاكم فى المستدرك وصححه عن ابن عباس فى قوله تعالى كان الناس أمّة واحدة قال بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال ذكر لنا انه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم علماء بهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا وكان أوّل رسول أرسله الله الى أهل الارض* وفى التنزيل حكاية عن نوح عليه السلام انه قال رب اغفر لى ولوالدىّ ولمن دخل بيتى مؤمنا فثبت بهذا ايمان اجداده صلّى الله عليه وسلم من آدم الى نوح وولد نوح سام مؤمن بنص القرآن والاجماع لانه نجامع أبيه فى السفينة ولم ينج فيها الا مؤمن فى التنزيل وجعلنا ذرّيته هم الباقين بل ورد فى أثر أنه كان نبيا وولده أرفخشد نص على ايمانه فى أثر عن ابن عباس أخرجه ابن سعد فى الطبقات من طريق الكلبى وأما آزر فالارجح كما قال الرازى انه عمّ ابراهيم عليه السلام لا أبوه وقد سبقه الى ذلك جماعة من السلف* فروينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بالاسانيد عن ابن عباس ومجاهد وابن جرير والسدّى قالوا ليس آزر أبا ابراهيم انما هو ابراهيم بن تارخ ووقفت على أثر فى تفسير ابن المنذر صرّح فيه بأنه عمه فثبت بما قرّرناه ان الاجداد الشريفة من آدم الى ابراهيم منصوص على ايمانهم ومتفق عليهم الا الخلاف الذى فى آزر من حيثية كونه أبا أو عما فان كان أبا استثنى من الاجداد وان كان عما خرج منها وسلمت السلسلة فأما من بعد ابراهيم واسماعيل فقد اتفقت الاحاديث الصحيحة ونصوص العلماء على أن العرب من بعد ابراهيم كلهم على دينه لم يكفر منهم أحد قط ولم يعبد صنما الى عهد عمرو بن لحىّ الخزاعى فانه أوّل من غير دين ابراهيم عليه السلام وعبد الاصنام وسيب السوائب* وأخرج البخارى ومسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعى يجرّ قصبه فى النار كان أوّل من سيب السوائب وأخرج ابن جرير فى تفسيره عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه فى النار انه أوّل من غير دين ابراهيم عليه السلام* وأخرج أحمد فى مسنده عن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان أوّل من سيب السوائب وعبد الاصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وانى رأيته يجرّ قصبه فى النار* قال الشهرستانى فى الملل والنحل كان دين ابراهيم قائما والتوحيد فى صدر العرب شائعا وأوّل من غيره واتخذ عبادة الاصنام عمرو بن لحى* وقال الحافظ عماد الدين بن كثير كانت العرب على دين ابراهيم الى أن ولى عمرو بن عامر الخزاعى مكة وانتزع ولاية البيت من أجداد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأحدث عمرو المذكور عبادة الاوثان وشرع للعرب الضلالات وزاد فى التلبية بعد قوله لا شريك لك قوله الا شريكا هو لك تملكه وما ملك فهو أوّل من قال ذلك وتبعته العرب على الشرك فشابهوا بذلك قوم نوح يعنى فى احداث الكفر بعد ان كان سلفهم على الايمان وفيهم على ذلك بقايا على دين ابراهيم عليه السلام* وقد أخرج ابن حبيب فى تاريخه عن ابن عباس كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة ابراهيم فلا تذكروهم الا بخير وأخرج ابن سعد فى الطبقات من مرسل عبد الله بن خالد قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسبوا مضر فانه كان قد أسلم* وفى الروض الانف للسهيلى يذكره عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا تسبوا الياس فانه كان مؤمنا وذكر أنه كان يسمع فى صلبه تلبية النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالحج وفيه أيضا ان كعب بن لؤى أوّل من جمع يوم العروبة فكانت قريش تجتمع اليه فى هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد فى هذا أبياتا منها يا ليتنى شاهد نجواء دعوته ... اذا قريش تبغى الحق خذلانا قال السهيلى وقد ذكر الماوردى هذا الخبر عن كعب فى كتاب الاعلام له* قلت وأخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوّة فثبت بهذا التقرير أن أجداد النبىّ صلّى الله عليه وسلم من ابراهيم الى كعب بن لؤى وولده مرّة منصوص على ايمانهم ولم يختلف فيهم اثنان وبقى بين مرّة وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم كلاب وقصى وعبد مناف وهاشم ولم أظفر فيهم بنقل لا بهذا ولا بهذا وبقى ثلاثة أدلة متعلقة بعقب ابراهيم المنظومين فى سلسلة النسب الشريف* أحدها قوله تعالى واذ قال ابراهيم لابيه وقومه اننى براء مما تعبدون الا الذى فطرنى فانه سيهدين وجعلها كلمة باقية فى عقبه وخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى قوله تعالى وجعلها كلمة باقية فى عقبه قال شهادة ان لا اله الا الله والتوحيد لا يزال فى ذرّيته من يقولها من بعده* وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله تعالى وجعلها كلمة باقية فى عقبه قال فى عقب ابراهيم فلم يزل بعد من ذرّية ابراهيم من يقول لا اله الا الله* وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة فى قوله وجعلها كلمة باقية فى عقبه قال الاخلاص والتوحيد لا يزال فى ذرّيته من يوحد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ويعبده* وثانيها قوله تعالى رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذرّيتى أخرج المنذرى عن ابن جرير فى قوله تعالى رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذرّيتى قال فلن يزال من ذرّية ابراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله وثالثها قوله تعالى واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبنى وبنىّ أن نعبد الاصنام أخرج ابن جرير عن مجاهد فى هذه الآية قال فاستجاب الله لابراهيم دعوته فى ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما فقبل دعوته واستجاب الله له وجعل هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله اماما وجعل من ذرّيته من يقيم الصلاة* وأخرج ابن أبى حاتم عن سفيان بن عيينة انه سئل هل عبد أحد من ولد اسماعيل الاصنام قال لا ألم تسمع قوله تعالى واجنبنى وبنىّ أن نعبد الاصنام قيل كيف لم يدخل ولد اسحاق وسائر ولد ابراهيم قال لانه دعاء لاهل البلد خاصة أن لا يعبدوا اذا أسكنهم فقال اجعل هذا البلد أن يخص بذلك وقال واجنبنى وبنىّ أن نعبد الاصنام فيه فقد خص أهله دون غيره وما قررناه من الادلة والنقول مصداق ما قاله فخر الدين وما أحسن قول الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقى كما ذكرنا من قوله تنقل أحمد نورا عظيما ... تلألأ فى جباه الساجدينا تقلب فيهم قرنا فقرنا ... الى أن جاء خير المرسلينا ولم يبق بعد المذكورين الا عبد المطلب وفيه خلاف بين الناس والاحسن فى شأنه انه لم تبلغه الدعوة قال الشهرستانى ظهر نور النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أسارير عبد المطلب بعض الظهور وببركة ذلك النور ألهم النذر فى ذبح ولده وببركته قال لابرهة ان لهذا البيت ربا يحفظه ومنه قال وقد صعد أبا قبيس لا همّ ان المرء يمنع رحله فامنع رحالك ... لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم عدوا محالك ... فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك قال وببركة ذلك النور كان يأمر ولده بترك الظلم والبغى ويحثهم على مكارم الاخلاق وينهاهم عن ذيئات الامور وببركة ذلك النور كان يقول فى وصاياه انه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة الى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطلب فى ذلك ففكر وقال والله ان وراء هذه الدار دارا يجزى فيها المحسن باحسانه ويعاقب فيها المسىء باساءته فهذا يدل على أنه لم تبلغه الدعوة على وجهها ولم يجد من يعرفه حقيقة ما جاءت به الرسل فانه لو وجد من يخبره بأن الانبياء جاءت بالبعث لم يكن فى غفلة منه حتى وقعت هذه الواقعة فتفكر فيها فاستدل بها على أن ثمة دارا أخرى وفيه قول ساقط ان الله أحياه حتى آمن بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم حكاه ابن سيد الناس فى السيرة وغيره وهو مردود ولا أعرفه عن أحد من أئمة السنة انما يحكى عن بعض الشيعة وهو قول لا دليل عليه ولم يرد فيه قط حديث لا ضعيف ولا غيره وبهذا فارق قول الامام فخر الدين فان القائل بذلك يدّعى ان عبد المطلب أحيى وآمن بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم وصار على ملته والامام فخر الدين لا يقول بهذا بل يقول انه كان فى الاصل على ملة ابراهيم من غير أن يحصل له دخول فى هذه الملة ويعضد ذلك فى أمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوّة بسند ضعيف من طريق الزهرى عن امّ سماعة بنت أبى رهم عن أمّها قالت شهدت امّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى علتها التى ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت الى وجهه ثم قالت بارك فيك الله من غلام الى آخر ما سبق عند موتها من الابيات ومرثية الجنّ فأنت ترى هذا الكلام منها صريحا فى النهى عن موالاة الاصنام مع الاقوام والاعتراف بدين ابراهيم وببعث ولدها الى الانام من عند ذى الجلال والاكرام بالاسلام وهذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الالفاظ منافية للشرك انى استقريت أمّهات الانبياء فوجدت أكثرهنّ منصوصا على ايمانها ومن لم ينص عليها سكت عنها فلم ينقل فيها شىء البتة والظاهر ان شاء الله تعالى وكانّ السرّ فى ذلك ما يرينه من النور كما ورد فى الحديث أخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال انى عبد الله خاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمّهات النبيين يرين وان أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت قصور الشام منه* قلت ولا شك أن الذى رأته أمّ النبى صلى الله عليه وسلم فى حال حملها به وولادتها من الآيات أكثر وأعظم مما رآه أمّهات الانبياء* قال السيوطى نقلت من مجموع بخط الشيخ كمال الدين السبكى والد الشيخ الامام تقىّ الدين ما نصه سئل القاضى أبو بكر بن العربى عن رجل قال ان آباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى النار فأجاب بأنه ملعون لان الله تعالى قال ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابا مهينا ولا اذى أعظم من أن يقال عن أبيه فى النار انتهى بلفظه وأورد المحب الطبرى فى ذخائر العقبى عن أبى هريرة قال جاءت سفينة بنت أبى لهب الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان الناس يقولون لى أنت بنت حطب النار فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ما بال أقوام يؤذوننى فى قرابتى من آذى قرابتى فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله* وفى ربيع الابرار للزمخشرى لقى رجل من المهاجرين العباس بن عبد المطلب فقال يا أبا الفضل رأيت عبد المطلب بن هاشم والقيطلة كاهنة بنى سهم جمعهما الله فى النار فصفح عنه ثم قال له فصفح عنه فلما كانت الثالثة رفع يده فوجأ انفه فانطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ما هذا قال العباس فأرسل اليه وقال ما أردت برجل من المهاجرين فقص عليه القصة وقال ما ملكت نفسى وما اياه أردت ولكن أرادنى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما بال أحدكم يؤذى أخاه فى شىء وان كان حقا* وأخرج أبو نعيم فى الحلية من طريق عبد الله ابن يونس قال سمعت بعض شيوخنا يذكر أن عمر بن عبد العزيز أتى بكاتب يخط بين يديه وكان مسلما وكان أبوه كافرا فقال عمر للذى جاء به لو كنت جئت به من أبناء المهاجرين فقال الكاتب قد كان أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر كلمة اسقطتها انا فغضب عمرو قال لا تخط بين يدىّ بقلم أبدا وأخرج شيخ الاسلام الهروى فى كتاب ذم الكلام من طريق ابن أبى جميلة قال قال عمر بن عبد العزيز لسليمان ابن سعد بلغنى أن أباك عاملنا كان كذا وكذا وهو كافر قال كان أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر ما بعد الكلام وأسقطته أنا فغضب عمر غضبا شديدا وعزله عن الدواوين وذكر القاضى تاج الدين السبكى فى كتابه الترشيح قال قال الشافعى رضى الله عنه فى بعض نصوصه وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لها شرف فكلم فيها فقال لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها* قال ابن السبكى فانظر الى قوله فلانة ولم يبح باسم فاطمة تأدّبا معها ان يذكرها فى هذا المعرض وان كان أبوها صلّى الله عليه وسلم قد ذكرها لانه يحسن منه ما لا يحسن منا انتهى كلام السبكى وقد جرى على الادب الامام ابو داود صاحب السنن فانه يخرج فى سننه حديثا فى آخر شىء يتعلق بعبد المطلب فلما انتهى الى ذكره قال فذكر تشديد اولم يصرح بشىء والحديث مبهم فى مسند أحمد وسنن النسائى وهذا وأمثاله ارشاد من هؤلاء الائمة وتعليم لنا ان نسكت عن التلفظ بمثل ذلك تأدّبا انتهى كلام السيوطى قيل التوفيق بين دفن امّه بالابواء وكون قبرها بها وبين كون قبرها بمكة على تقدير صحة الحديثين ان يقال يحتمل أن تكون دفنت بالابواء أوّلا وكان قبرها هناك ثم نبشت ونقلت الى مكة والله أعلم* وفى السنة السادسة من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد عثمان بن عفان وفى الاستيعاب ولد عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ابن عفان فى السنة السادسة بعد الفيل وقيل غير ذلك* كفالة عبد المطلب له عليه السلام وفى السنة السابعة من مولده صلّى الله عليه وسلم كفالة عبد المطلب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم* روى نافع بن جبير أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان مع امّه آمنة بنت وهب فلما توفيت ضمه اليه جدّه عبد المطلب ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه منه ويدخل عليه اذا خلا واذا نام وكان يجلس على فراشه واولاده كانوا لا يجلسون عليه* قال ابن اسحاق حدّثنى العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض اهله قال كان يوضع لعبد المطلب فراش فى ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه احد من بنيه اجلالا له وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتى حتى يجلس عليه فتذهب أعمامه يؤخرونه فيقول عبد المطلب دعوا ابنى ويمسح على ظهره ويقول انّ لابنى هذا الشأنا كذا قال ابن الاثير فى أسد الغابة وقال قوم من بنى مدلج وهم مشهورون بالقيافة يا عبد المطلب احتفظ به فانا لم نر قد ما أشبه بالقدم التى فى مقام ابراهيم منه فقال عبد المطلب لابى طالب اسمع ما يقول هؤلاء فى ابن أخيك وقال لأمّ أيمن وكانت تحضنه لا تغفلى عن ابنى فان أهل الكتاب يزعمون انه نبى هذه الامّة وكان عبد المطلب لا يأكل طعاما الا قال عليّ با بنى فيؤتى به اليه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم* رمده عليه السلام ومن وقائع هذه السنة ما روى انه أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم رمد شديد فعولج بمكة فلم يغن عنه فقيل لعبد المطلب ان فى ناحية عكاظ راهبا يعالج الاعين فركب اليه فناداه وديره مغلق فكان لا يجيبه فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط عليه فخرج مبادرا وقال يا عبد المطلب ان هذا الغلام نبى هذه الامّة ولو لم أخرج اليك لخرّديرى وارجع به واحفظوه لا يغتاله بعض أهل الكتاب ثم عالج* استسقاء عبد المطلب وفى هذه السنة استسقى عبد المطلب مع قريش روى عن رقيقة بنت صيفى بن هاشم أنها قالت تتابعت على قريش سنون حتى يبست الضروع ودقت العظام فبينا أنا راقدة فاذا بهاتف صيت يصرخ بصوت ضخم يقول يا معشر قريش ان هذا النبىّ المبعوث منكم هذا ابان نجومه فحىّ هلا بالحيا والخصب ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما أبيض وضاء أشم العرنين سهل الخدّين له فخر يكظم عليه ويروى رجلا وسيطا عظاما جساما أوطف الاهداب ألا فليخلص هو وولده وليد لف اليه من كل بطن رجل ألا فليشنوا من الماء وليسموا من الطيب وليطوفوا بالبيت سبعا وفيهم الطيب الطاهر لذاته ألا فليستسق الرجل وليؤمّن القوم ألا فغثتم اذا ما شئتم قالت فأصبحت مذعورة قدقف جلدى ووله عقلى وقصصت رؤياى على أهل الحرم ان بقى أبطحى الا قال هذا شيبة الحمد وشيبة الحمد اسم عبد المطلب وتتاءمت عنده قريش وانقض اليه من كل بطن رجل فشنوا الماء ومسوا من الطيب وطافوا بالبيت سبعا ورفع ابنه محمدا صلّى الله عليه وسلم على عاتقه وهو يومئذ ابن سبع سنين وارتقوا أبا قبيس فدعا واستسقى وأمّن القوم قالت فما وصلوا البيت حتى انفجرت السماء بمائها وامتلأ الوادى قالت سمعت شيوخ العرب يقولون لعبد المطلب هنيئا لك يا أبا البطحاء وفى ذلك تقول رقيقة بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... لما فقدنا الحيا واجلوّذ المطر فجاء بالماء جوبى له سبل ... سحا فعاشت به الانعام والشجر كذا فى الحدائق لابن الجوزى قولها اجلوّذ المطر أى امتدّ وقت تأخره وانقطاعه والجوبة هى الحفيرة المستديرة الواسعة وكل منفتق بلا بناء جوبة كذا فى نهاية ابن الاثير* تبشير سيف الحميرى عبد المطلب وفى هذه السنة خروج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذى يزن الحميرى بالملك وتبشير سيف عبد المطلب بأنه سيظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من نسله* روى عن زرعة بن سيف بن ذى يزن الحميرى أنه قال لما ظهر جدّى سيف على الحبشة وذلك بعد مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتنهئته وأتاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وفود قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جذعان وأسد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف وقصى بن عبد الدار وهو فى رأس قصر يقال له غمدان* وفى القاموس غمدان كعثمان قصر باليمن بناه ليشرخ بن الحارث بن صيفى بن سبأ جدّ بلقيس بأربعة وجوه أحمر وأصفر وأبيض وأخضر وبنى داخله قصرا بسبعة سقوف بين كل سقف أربعون ذراعا وسيجىء ذكر سليمان وبلقيس وذكر الحصون الثلاثة فى آخر الباب وغمدان هو الذى يقول فيه أمية بن أبى الصلت الثقفى يمدح ابن ذى يزن الحميرى اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا ... فى رأس غمدان دارا منك مجلالا اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم فى برديك اسبالا تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا وكان الملك يومئذ فى أعظم هيئاته متضمخا بالعنبر ينطف وبيص المسك فى مفرق رأسه وعليه بردان من برود اليمن أخضر ان مرتد بأحدهما متزر بالآخر عن يمينه الملوك وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول فأخبر بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه فدنا عبد المطلب فاستأذنه فى الكلام فقال ان كنت ممن يتكلم بين يدى الملوك فقد أذناك فقال ان الله عز وجل أحلك أيها الملك محلا رفيعا باذخا شامخا منيعا وأنبتك نباتا طابت أرومته وعظمت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه فى أطيب موطن وأكرم معدن وأنت أبيت اللعن ملك العرب ونابها وربيعها الذى به تخصب وأنت أيها الملك ملك العرب وفى رواية رأس العرب الذى ينقاد وعمودها الذى عليه العماد ومعقلها الذى يلجأ اليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منه خير خلف فلن يهلك من أنت خلفه ولن يخمد ذكر من أنت سلفه نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا اليك الذى أبهجنا لكشفك الكرب الذى قدحنا فنحن وفد التهنية لا وفد التعزية* فقال له الملك من أنت أيها المتكلم فقال انا عبد المطلب ابن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا فأرسلها مثلا وكان أوّل من تكلم بها ومستناخا سهلا وملكا ربحلا يعطى عطاء جزلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم وأنتم أهل الليل والنهار لكم الكرامة ما أقمتم والحباء اذا ظعنتم انهضوا الى دار الضيافة والوفود وأجرى عليهم الانزال وأقاموا بعد ذلك شهرا لا يصلون اليه ولا يؤذن لهم بالانصراف ثم ان الملك انتبه لهم انتباهة فأرسل الى عبد المطلب فأدناه ثم قال له يا عبد المطلب انى مفوّض اليك من سر علمى أمرا لو غيرك يكون لم أبح له به ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعته فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله عز وجل فيه انى أجد فى الكتاب المكنون والعلم المخزون فليكن الدى أخرناه لا نفسنا واحتجبناه دون غيرنا خيرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة فقال عبد المطلب لقد أبت بخير ما آب أيها الملك بمثله وافد قوم ولولا هيبة الملك واجلاله واعظامه لسألته من سرّه اياه ما أزداد به سرورا فقال الملك هذا حينه الذى يولد فيه ولد اسمه محمد يموت أبوه وامّه ويكفله جدّه وعمه وقد ولدناه مرارا والله عز وجل باعثه جهارا وجاعل له منا انصارا يعزبهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ويضرب لهم الناس عن عرض ويستبيح بهم كرائم أهل الارض تخمد به النيران ويعبد به الرحمن ويزجر الشيطان وتكسر الاوثان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله* فقال عبد المطلب عز جارك ودام ملكك وعلا كعبك فهل الملك سارّى بافصاح فقد أوضح لى بعض الايضاح فقال له ابن ذى يزن والبيت ذى الحجب والعلامات على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 النصب انك جدّه يا عبد المطلب من غير كذب* قال فخرّ عبد المطلب ساجدا لاجل هذا الخبر فقال له ابن ذى يزن ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا كعبك فهل أحسست بشىء مما ذكرت لك قال نعم أيها الملك كان لى ابن وكنت به معجيا وعليه رفيقا وبه شفيقا وانى زوّجته كريمة من كرائم قومى آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وامّه وكفلته أنا وعمه فقال له الملك ان هذا الغلام هو الذى قلت لك عليه فاحفظ ابنك واحذر عليه من اليهود فانهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فانى لست آمن أن تدخلهم النفاسة فى أن تكون لك الرياسة فينصبون لك الحبائل ويبتغون لك الغوائل وهم فاعلون ذلك أو أبناؤهم من غير شك ولو انى أعلم ان الموت غير مجتاحى قبل مبعثه لسرت اليه بخيلى ورجلى حتى أجعل يثرب دار ملكى فانى أجد فى الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا انى أقيه الآفات وأحذر عليه العاهات لا علنت على حداثة سنه أمره ولا وطأت أسنان العرب كعبه ولكنى صارف ذلك اليك بمن معك ثم دعا بالقوم وأمر لكل واحد بعشرة أعبد سود وعشرا ماء سود وحلتين من حلل البرود وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوء عنبرا ومائة من الابل وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال اذا كان الحول فانبئنى بما يكون منه فمات سيف بن ذى يزن قبل ان يحول عليه الحول قال عبد الله اسناد هذا متصل مشهور من حديث اولاد سيف بحمص وعقبهم بها* (ذكر سليمان وبلقيس ملكة اليمن وسنبأ ونبذ من أخبارهما) * روى أنه كان لداود عليه السلام تسعة عشر ابنا وأوتى سليمان عليه السلام النبوّة والحكم والعلم دون سائر أولاده* ومن معجزاته انه علم منطق الطير وكان يفهم عنها كما يفهم بعضها عن بعض* وفى أنوار التنزيل النطق والمنطق فى المتعارف كل لفظ يعبر به عما فى الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التسبب أو التصوّت كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فان الاصوات الحيوانية من حيث انها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الاغراض بحيث يفهمها ما من جنسه ولعل سليمان عليه السلام مهما سمع صوت حيوان علم بقوّته القدسية التخيل الذى صوّته والغرض الذى توخاه به* ومن ذلك ما روى انه صاحت فاختة فأخبر أنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا ومر ببلبل يصوّت ويترقص فقال يقول اذا أنا اكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفا* وفى انوار التنزيل فلعله كان صياح الفاختة من مقاساة شدّة وتألم قلب وصوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال انه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال يقول استغفروا الله يا مذنبين وصاح خطاف فقال يقول قدّموا خيرا تجدوه وصاحت رخمة فقال تقول سبحان ربى الاعلى ملأ سمائه وارضه وصاح ورشان فقال يقول لدوا للموت وابنوا للخراب وصاح قمرى فأخبر انه يقول سبحان ربى الاعلى الوهاب وقال ان الحدأة تقول كل شىء هالك الا وجهه والقطاة تقول من سكت سلم والديك يقول اذكروا الله يا غافلين والنسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت آخرك للموت والعقاب يقول فى البعد من الناس انس والضفدع يقول سبحا ربى القدّوس* روى ان معسكر سليمان عليه السلام كان مائة فرسخ فى مائة فرسخ خمسة وعشرون للجنّ وخمسة وعشرون للانس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحوش وكان له بيت من قوارير مرتفع على الخشب فيه ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية وقد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب وابريسم فرسخ فى فرسخ وكان يوضع منبر فى وسطه وكراسى من ذهب وفضة فيقعد الانبياء على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس والجنّ والشياطين وتظلله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فتسير به مسيرة شهر بالغداة ومسيرة شهر بالعشىّ قال الله تعالى غدوّها شهر ورواحها شهر أى جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشىّ كذلك فكان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر فارس وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع ويروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل كان يتغدّى بالرى ويتعشى بسمرقند كذا فى المدارك ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله اليه وهو يسير بين السماء والارض انى قد زدت فى ملكك لا يتكلم أحد بشىء الا ألقته الريح فى سمعك وكانت الريح تحمله من مسافة ثلاثة اميال فيحكى أنه مرّ بحرّاث فقال لقد اوتى آل داود ملكا عظيما فألقته الريح فى اذنه فنزل ومشى الى الحراث وقال انما مشيت اليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ثم قال لتسبيحة واحدة يقبلها الله خير مما أوتى آل داود* وفى معالم التنزيل روى عن وهب بن منبه وعن كعب الاحبار قالا كان سليمان اذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه وقد اتخذ مطابخ ومخابز تحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام يسع كل قدر عشر جزائر وقد اتخذ ميادين الدواب أمامه فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وتجرى الدواب بين يديه بين السماء والارض والريح تهوى بهم* وفى المدارك وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والارض فسار من اصطخر الى اليمن فسلك مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم فقال هذه دار هجرة نبى يخرج فى آخر الزمان طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه ثم مضى سليمان حتى مرّ بوادى السرير وهو واد من الطائف فأتى على وادى النمل هكذا قال كعب قال انه واد بالطائف* وقال قتادة ومقاتل هو أرض بالشام وقيل واد كان تسكنه الجنّ وأولئك النمل مراكبهم* وقال أيوب الحموى كان نمل ذلك الوادى كأمثال الذئاب وقيل كالبخاتى والمشهور أنه النمل الصغير* وقال الشعبى كانت تلك النملة ذات جناحين وقيل كانت نملة عرجاء اسمها طاخية قاله الضحاك أو منذرة قاله فى المدارك* وقال مقاتل اسمها خرما ويقال شاهدة عن قتادة أنه دخل الكوفة فالتفت عليه الناس فقال سلوا ما شئتم فسأله أبو حنيفة وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم انثى فأفحم فقال أبو حنيفة كانت انثى فقيل له بم عرفت قال بقوله تعالى قالت نملة ولو كانت ذكرا لقال قال نملة وذلك ان النملة مثل الحمامة فى وقوعها على الذكر والانثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة انثى أو هو أوهى فقالت النملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم أى لا يكسرنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فألقت الريح قولها فى سمع سليمان من ثلاثة أميال فتبسم متعجبا من حذرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنمل روى ان النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم فى الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعر حتى دخلن مساكنهنّ روى أن سليمان لما أتى اليها قال لها حذرت أيها النملة ظلمى أما علمت أنى نبى عادل حيث قلت لا يحطمنكم سليمان وجنوده فقالت أما سمعت قولى وهم لا يشعرون مع انى لم أرد حطم النفوس وانما أردت حطم القلوب حيث يتمنين ما أعطيت فيشتغلن بالنظر اليك عن التسبيح فقال لها عظينى قالت هل علمت لم سمى أبوك داود قال لا قالت لانه داوى جرحه فزاد وهل تدرى لم سميت سليمان قال لا قالت لانك سليم الصدر وكنت بسلامة صدرك وآن لك أن تلحق بأبيك داود وهل تدرى لم سخر الله لك الريح قال لا قالت أخبرك الله ان الدنيا كلها ريح وهل تدرى لم جعل ملكك فى فص الخاتم قال لا قالت أعلمك الله ان الدنيا لا تساوى بقطعة حجر ثم قال لها سليمان يا نملة جندى أكثر أم جندك قالت جندى قال سليمان أرينى جندك فنادت جنسا واحدا من جندها فخرجوا سبعين يوما حتى امتلأت البرارى والجبال والاودية قال هل بقى من جندك شىء قالت يا سليمان ما خرج بعد جنس واحد وان لى مثل هذا سبعين جنسا* وفى معالم التنزيل ذكر العلماء ان سليمان لما فرغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 من بناء بيت المقدس عزم الى الخروج الى أرض الحرم فتجهز للمير واستصحب من الانس والجنّ والشياطين والطيور والوحوش ما يبلغ معسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح فوافى الحرم وحج وأقام به ما شاء الله وكان ينحر كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وقال لمن حضره من أشراف قومه هذا مكان يخرج منه نبى عربى صفته كذا وكذا يعطى النصرة على جميع من ناواه وتبلغ هيبته مسيرة شهر القريب والبعيد فى الحق عنده سواء لا تأخذه فى الله لومة لائم قال فقالوا فبأىّ دين يدين يا نبىّ الله فقال يدين بدين الحنيفية وطوبى لمن أدركه وآمن به فقالوا كم بين خروجه وبين زماننا يا نبىّ الله قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فانه سيد الانبياء وخاتم الرسل قال فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الظهيرة والزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأعجبته نزاهتها فأحب النزول ليصلى يتغدّى فنزل سليمان ودخل وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء فسأل الانس والجنّ والشياطين عن الماء فلم يعلموا فتفقد الهدهد وكان الهدهد رائده وقافيه لانه يحسن طلب الماء* قصة الهدهد عن ابن عباس الهدهد يرى الماء من تحت الارض كما يرى الماء فى الزجاجة ويعرف قربه وبعده فينقر الارض ثم تجىء الشياطين فيلجونه فيستخرجون الماء فتفقده لذلك* قال سعيد بن جبير فلما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الازرق يا وصاف انظر ما تقول ان الصبى منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب فيجىء الهدهد ولا ينظر الفخ حتى يقع فى عنقه فقال له ابن عباس ويحك ان القدر اذا جاء حال دون البصر* وفى رواية اذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمى البصر وكان الهدهد حين نزل سليمان قال ان سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع الى السماء وانظر الى طول الارض وعرضها فارتفع فنظر يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال الى الخضرة فوقع فيه فاذا بهدهد فهبط عنده وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبى سليمان ابن داود قال ومن سليمان قال ملك الجنّ والانس والشياطين والطير والوحوش والرياح فمن أين أنت قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها قال امرأة يقال لها بلقيس فان كان لصاحبك ملك عظيم فليس ملك بلقيس دونه فانها ملكة اليمن كلها وتحت يدها اثنا عشر قائدا تحت كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معى حتى تنظر الى ملكها قال أخاف أن يتفقدنى سليمان فى وقت الصلاة اذا احتاج الى الماء* قال الهدهد اليمانى ان صاحبك يسرّه أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق ونظر الى بلقيس وملكها وما رجع الى سليمان الا وقت العصر* وفى رواية كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه اخلاله بالنوبة وذلك ان سليمان كان اذا نزل منزلا يظله وجنده الطير من الشمس فأصابته الشمس من موضع الهدهد* وفى المدارك وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فرأى موضع الهدهد خاليا فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله فقال أصلح الله الملك ما أدرى أين هو وما أرسلته مكانا فغضب سليمان عند ذلك وقال لا عذبنه عذابا شديدا الآية* واختلفوا فى العذاب الذى أوعده به فأظهر الاقاويل بنتف ريشه وذنبه والقائه فى الشمس أو حيث النمل تأكله* وقال مقاتل بن حبان بتطليته بالقطران وتشميه وقيل بالتفريق بينه وبين الفه وقيل بالزامه خدمة أقرانه وقيل بالحبس مع أضداده وقيل أضيق السجون معاشرة الاضداد وقيل بايداعه القفص وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة ثم دعا سليمان العقاب سيد الطير فقال علىّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر الى الدنيا كالقصعة بين يدى أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فاذا هو بالهدهد مقبل من نحو اليمن فانقض العقاب نحوه يريده فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 فنا شده فقال بحق الذى قوّاك وأقدرك علىّ الا رحمتنى ولم تتعرّض لى بسوء فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك امّك ان نبىّ الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهيا الى المعسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له ويلك أين غبت فى يومك هذا فلقد توعدك نبىّ الله وأخبروه بما قال سليمان فقال الهدهد وما استثنى رسول الله قالوا بلى قال أو ليأتينى بسلطان مبين قال نجوت اذا ثم انطلق العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبىّ الله فلما قرب الهدهد منه طأطأ رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرّها على الارض تواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه اليه وقال أين كنت لا عذبنك عذابا شديدا قال له الهدهد يا نبىّ الله اذكر وقوفك بين يدى الله عز وجل فلما سمع سليمان ذلك ارتعد فرقا وعفا عنه ثم سأله فقال ما الذى أبطأك عنى فقال الهدهد أحطت بما لم تحط به أى علمت شيئا من جميع جهاته يعنى حال سبأ ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتى من فضل النبوّة والعلوم الجمة ابتلاء له فى علمه وفيه دليل على ابطال قول الرافضة ان الامام لا يخفى عليه شىء ولا يكون فى زمانه أعلم منه كذا فى المدارك* وفى أنوار التنزيل مخاطبته اياه بذلك تنبيه على أن فى أدنى خلق الله من أحاط علما بما لم يحط به أعلاه ليتحاقر اليه نفسه ويتصاغر لديه علمه قال وجئتك من سبأ بنبأ يقبن السبأ أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وفى أنوار التنزيل مواضع سكنى سبأ باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ولما قال الهدهد وجئتك من سبأ بنبأ يقين قال سليمان وما ذاك قال انى وجدت امرأة يعنى بلقيس بنت شرحبيل بن مالك ابن الريان كذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى لباب التأويل وتفسير الثعالبى من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملكا عظيم الشان قد ولد له أربعون ملكا هى آخرهم وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الاطراف ليس أحد منكم كفوالى وأبى أن يتزوّج فيهم فخطب الى الجنّ فزوّجوه امرأة منهم يقال لها ريحانة بنت السكن* قيل فى سبب وصوله الى الجنّ حين خطب اليهم أنه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجنّ وهم على صور الظباء فيخلى عنهم فظهر له ملك الجنّ وشكره على ذلك واتخذه صديقا فخطب ابنته فزوّجه اياها وقيل انه خرج متصيدا فرأى حيتين تقتتلان بيضاء وسوداء وقد ظهرت السوداء على البيضاء فقتل السوداء وحمل البيضاء وصب عليها الماء فأفاقت فأطلقها فلما رجع الى داره وجلس وحده فاذا معه شاب جميل فخاف منه فقال لا تخف انا الحية البيضاء التى أحيبتنى والاسود الذى قتلته هو عبد لنا تمرّد علينا وقتل عدّة منا وعرض عليه المال فقال المال لا حاجة لى فيه ولكن ان كان لك بنت فزوّجنيها فزوّجه ابنته فولدت له بلقيس وجاء فى الحديث ان أحد أبوى بلقيس كان جنيا فلما مات أبو بلقيس طمعت فى الملك ولم يكن له ولد غيرها فطلبت من قومها أن يبايعوها فاطاعها قوم وأبى آخرون وملكوا عليهم رجلا آخر يقال انه ابن أخى الملك وكان خبيثا أساء السيرة فى أهل مملكته حتى كان يمدّيده الى حرم رعيته ويفجر بهنّ فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة فأرسلت اليه تعرض نفسها فأجابها وقال ما منعنى أن أبتدئك بالخطبة الا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك لانك كفؤ كريم فاجمع رجال أهلى واخطبنى فجمعهم وخطبها فقالوا لا نرى تفعل فقال بلى انها قد رغبت فىّ فذكروا ذلك لها فقالت نعم فزوّجوها منه فلما زفت اليه خرجت فى أناس كثيرة من حشمها وخدمها ولما خلت سقته الخمر حتى سكر ثم قتلته وحزت رأسه وانصرفت الى منزلها من الليل فلما أصبحت أرسلت الى وزرائه وأحضرتهم وقرعتهم وقالت لهم أما كان فيكم من يأنف لكريمته أو كرائم عشيرته ثم أرتهم اياه قتيلا وقالت اختاروا رجلا تملكونه عليكم فقالوا لا نرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وخديعة منها* وعن أبى بكرة قال لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة* قصة ملك اليمن أبى بلقيس وسبب وصوله الى الجن ّ وفى الينابيع أورد فى قصة المهاجرين ان الملك خرج يوما الى القنص فرأى شابا جميلا واقفا على الطريق فقال للملك هل تعرفنى قال لا قال أنا الحية البيضاء الذى أنجيتنى والاسود الذى قتلته كان عبدا لنا تمرّد علينا فأنا أريد أن أكافئك بما فعلت قيل عرض على الملك تعليم علم الطب فأبى فقال أدلك على الدفائن والكنوز فلم يقبل فقال ان أبيت هذين فلى بنت جميلة لم يكن فى بنى آدم مثلها فى الجمال فان شئت أزوّجكها لكن بشرط أن لا تسألها عما تفعل هى فانك ان سألتها عما فعلت ثلاث مرّات غابت عنك ولم ترها بعد ذلك فقبل الملك الشرط فتزوّجها ورجع بها الى منزله فحملت منه ببنت ولما ولدتها ظهرت نار فقذفتها فيها فقال الملك لم فعلت هذا قالت أما شرطت أن لا تسألنى عما أفعل فهذه واحدة من الثلاث فاحفظها ثم ولدت له ابنا فجاء كلب فوضعته فى فيه فذهب به الكلب فصاح الملك وقال لم فعلت فقالت ألم نشترط أن لا تسألنى عما أفعل فهاتان ثنتان وكان فى ذلك الزمان ملك وفى غير الينابيع اسم هذا الملك ذو عوان واسم أبى بلقيس بو شرح وكان بينهما عداوة وشرّ ولم يظفر أحدهما على الآخر فاحتال ذوعوان واصطلح مع الملك بو شرح وصنع له طعاما فدعاه اليه فحضره بوشرح ومعه امرأته الجنية فلما وضع الطعام بين يدى الملك ألقت المرأة فيه الروث فرفع الملك يده عن الطعام وقال لم فعلت فقالت أما شرطت أن لا تسألنى عما أفعل فهذه الثالثة وسأخبرك بتأويل ما فعلت* أما النار والكلب اللذان رأيتهما فهما ظئران فسلمت اليهما الولدين لئلا يكون لى تعب فى تربيتهما فاذا كبرا يردّ انهما عليك وأما الروث الذى ألقيت فى طعامك ففعلته لئلا تأكل من ذلك الطعام المسموم فتهلك فانهم قد سموه فقالت ذلك تأويل ما فعلت وغابت يقال مات الابن عند ظئره والبنت لما ترعرعت ردّت الى أبيها وهى بلقيس* وذكر فى القصص هذه القصة بوجه آخر وقال اسم الملك يعنى أبا بلقيس بو شرح وكان له عدوّ من الملوك اسمه ذوعوان فقصد ملكه وتقدّم اليه مسافة عشرين منزلا فلم يكن للملك بوشرح بدّ من حربه فخرج اليه وسلك مفازة كانت مسيرة ستة أيام ولم يكن فيها ماء وكان سبب قصد ذى عوان مملكة بوشرح انه كان له وزير من أهل بلاد ذى عوان متفق معه كلمتهما واحدة فبعث الوزير اليه أن سر الى هذه البلاد حتى يخرج اليك الملك بو شرح فأسلمه اليك فتقتله فتكون بلاد اليونان خالصة لك من دونه فقبل ذوعوان قول الوزير وبعث اليه بقارورة من السم الناقع ليجعله فى طعام بوشرح وعسكره ومياههم حين سلكوا المفازة فيهلكوا ففعله الوزير فعلمت به المرأة الجنية ولم يطلع عليه غيرها فلما سلك بوشرح وعسكره الجبانة منزلا عمدت المرأة الى القرب فصبت المياه والى الدقيق فذرته فى الرياح والى سائر الازواد فضيعتها فغضب عليها الملك وقال لم فعلت هذا قالت أما شرطت أن لا تسألنى عما أفعل فهذه الثالثة فأخبرته بأنها كانت مسمومة وقالت فان شئت أن يظهر لك صدق ما قلته فاجمع شيئا مما بقى فى القرب ثم اسقه وزيرك ففعل فمات الوزير من ساعته ثم دعت المرأة بالبنت فأحضرت فدفعتها الى أبيها وكان الابن مات عند ظئرها ثم غابت المرأة وسمى الملك هذه البنت بلقيس واستخلفها على ملكه بعد موته* وفى الينابيع فنشأت بلقيس وصارت امرأة ذات جمال ورأى وتدبير فجلست على سرير الملك مكان أبيها فأطاعها الملوك فكانت تجلس من كل أسبوع يوما للحكومة وتحجب عن الناس ترخى ستورا رقيقة دون الناس بحيث تراهم ولا يرونها والناس وقوف فى حضرتها مطرقين رؤسهم من هيبتها واذا كان لاحد عندها حاجة يسجد لها أوّلا ثم يعرض حاجته فى حضرتها فتحكم بها بلقيس واذ فرغت من الحكومة وانصاف المظلوم من الظالم تدخل بيتها السابع وتغلق عليها الابواب وتحرسها ألوف من الحرس انتهى* وكانت بلقيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وقومها مجوسيين يعبدون الشمس ولها عرش أى سرير عظيم ضخم* قال ابن عباس كان ثلاثين ذراعا فى ثلاثين ذراعا عرضا وسمكا* وقال مقاتل ثمانين ذراعا فى ثمانين طولا وعرضا وطوله فى الهواء ثمانين ذراعا وقيل كان طوله ثمانين ذراعا وعرضه أربعين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا وكان من ذهب وفضة مرصعا بأنواع الجواهر بالدر والياقوت الاحمر والزبرجد الاخضر وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودرّ وزمرّد عليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق* بقية قصة الهدهد فلما فرغ الهدهد من كلامه قال له سليمان سننظر أصدقت فيما أخبرت أم كنت من الكاذبين ثم كتب سليمان كتابا صورته من عبد الله سليمان ابن داود الى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا علىّ وأتونى مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد اذهب بكتابى هذا فألقه الى بلقيس وقومها ثم تول وتنح عنهم الى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولون بمسمع منك ومرأى فأخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وطار به وكانت بلقيس بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة ايام فوافاها فى قصرها وقد غلقت الابواب وكانت اذا رقدت غلقت الابواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها فأتاها الهدهد وهى مستلقية على قفاها راقدة فدخل الهدهد عليها من كوّة وألقى الكتاب على نحرها بحيث لم تشعر به وتوارى فى الكوّة فانتبهت بلقيس فزعة هذا قول قتادة* وقال مقاتل حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب فى حجرها* وقال ابن منبه وابن زيد كانت لها كوّة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فاذا نظرت اليها سجدت لها فجاء الهدهد الكوّة فسدّها بجناحيه فارتفعت الشمس ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة اليها فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة فلما رأت الختم ارتعدت لان ملك سليمان كانت فى خاتمه وعرفت أن الذى أرسل الكتاب أعظم ملكا منها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد مائة ألف مقاتل* وعن ابن عباس قال كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف مقاتل والقيل الملك دون الملك الاعظم وقال قتادة ومقاتل كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف فجاؤا وأخذوا مجالسهم فقالت لهم بلقيس خاضعة خائفة يأيها الملأ انى القى الىّ كتاب كريم حسن مضمونه وما فيه أو مرسله أو لغرابة شأنه أو مختوم عن ابن عباس عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كرامة الكتاب ختمه وكذا قال عكرمة ولذا قيل من كتب الى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به أو مصدّر بالبسملة قالت يأيها الملأ أفتونى واشيروا علىّ فى أمرى قالوا نحن أولو قوّة وأولو بأس شديد والامر اليك فانظرى ماذا تأمرين قالت انى مرسلة اليهم بهدية فناظرة أى منتظرة بم يرجع المرسلون بقبولها أو ردّها لانها عرفت عادة الملوك وحسن مواقعة الهدايا عندهم فان كان ملكا قبلها وانصرف عنا وان كان نبيا ردّها ولم يرض منا الا أن نتبعه على دينه فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجوارى وزيهنّ وحليهنّ وجعلت فى سواعدهم أساور من ذهب وفى أعناقهم أطواقا من ذهب وفى آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر راكبى خيل برذون مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسرج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك فى زى الغلمان من الاقبية والمناطق وخمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت وأرسلت اليه المسك والعنبر والعود وحقة فيها درة ثمينة عذراء غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجة الثقب وبعثت رسلا من قومها أصحاب رأى وعقل وامرت عليهم رجلا من اشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وكتبت كتابا فيه نسخة الهدايا وقالت فيه ان كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما فى الحقة قبل أن تفتحها واثقب الدرة ثقبا مستويا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 واسلك فى الخرزة خيطا من غير علاج انس ولا جنّ* وامرت بلقيس الغلمان فقالت اذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء وامرت الجوارى ان يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ثم قالت للمنذر ان نظر اليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره وان رأيته بشاشا لطيفا فهو نبىّ فأقبل الهدهد مسرعا فأخبر سليمان الخبر كله وفى انوار التنزيل وقد سبق جبريل بالحال فأمر سليمان الجنّ فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوا فى ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ* وفى معالم التنزيل أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذى هو فيه الى تسعة فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة وأمر الشياطين فأتوا بأحسن الدواب فى البرّ والبحر فربطوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة وألقوا علوفتها فيها وأمر بأولاد الجنّ وهم خلق كثير فأقاموا عن اليمين وعن اليسار* ثم قعد سليمان فى مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسى عن يمينه ومثله عن يساره واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ والانس صفوفا فراسخ والوحوش والسباع والطير والهوام كذلك فلما دنا الرسل ووصلوا معسكره والميدان ورأوا عظمة شأن سليمان وملكه ورأوا الدواب التى لم ترعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة تقاصرت اليهم أنفسهم فرموا بما معهم من الهدايا وفى بعض الروايات ان سليمان لما أمر بفرش الميدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر اللبنات التى معهم فلما رأت الرسل موضع اللبنات خاليا وكل الارض مفروشة خافوا أن يتهموا بذلك فطرحوا كل ما معهم فى ذلك المكان فلما نظروا الى الشياطين رأوا منظرا عجيبا ففزعوا فقال لهم الشياطين جوزوا فلا بأس عليكم وكانوا يمرّون على كردوس من الجنّ والانس والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدى سليمان فنظر اليهم نظرا حسنا بوجه طلق فقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه ثم قال أين الحقة فأتى بها فحركها فجاء جبريل وأخبره بما فى الحقة فقال ان فيها درّة ثمينة غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط فى الخرزة فقال سليمان من لى بثقبها فسأل سليمان الانس والجنّ فلم يكن عندهم علم ذلك ثم سأل الشياطين فقالوا أرسل الى الارضة فجاءت الارضة فأخذت شعرة فى فيها ودخلت فيها ثم خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان ما حاجتك فقالت تصير رزقى فى الشجر فقال لك ذلك وروى أنه جاءت دودة تكون فى الصفصاف فقالت أنا أدخل الخيط فى الثقب على أن يكون رزقى فى الصفصاف فجعل لها ذلك فأخذت الخيط بفيها فدخلت الثقب وخرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذا الخرزة يسلكها فى الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط بفيها وثقبتها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان ما حاجتك قالت تجعل رزقى فى الفواكه قال لك ذلك ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء فى يدها وتجعله فى الاخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذ الماء يضرب به وجهه ثم ردّ الهدية وقال للمنذر ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولا طاقة ولنخرجنهم منها من سبأ أذلة بذهاب عزهم وهم صاغرون أسراء مهانون فلما رجع اليها رسولها بالهدايا وقص عليها القصة قالت هو نبى وما لنا به طاقة وبعثت الى سليمان انى قادمة اليك بملوك قومى لا نظر ما الذى تدعو اليه ثم جعلت عرشها فى آخر سبعة أبيات بعضها فى بعض فى آخر قصر من سبعة قصور لها ثم أغلقت دونه الابواب ووكلت به حرسا يحفظونه فشخصت اليه فى اثنى عشر ألف قيل تحت كل قيل الوف كثيرة حتى بلغت على رأس فراسخ قال ابن عباس كان سليمان عليه السلام رجلا مهيبا لا يبتدأ بشىء حتى يكون هو الذى سأل عنه فخرج يوما فجلس على سرير ملكه فرأى رهجا أى غبارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قريبا منه فقال ما هذا قالوا بلقيس نزلت منا بهذا المكان وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان* قال ابن عباس وكان بين الحيرة والكوفة فأقبل سليمان حينئذ على جنده فقال يأيها الملأ أيكم يأتبنى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين أراد بذلك أن يريها بعض العجائب الدالة على عظيم القدرة وصدقه فى دعوى النبوّة ويختبر عقلها بأن تنكر أو أراد أن يأخذه قبل أن تسلم فانها اذا أتت مسلمة لم يحل أخذه الا برضاها قال عفريت من الجنّ خبيث مارد قوى* قال وهب اسمه كوذى وقيل ذكوان وقيل هو صخر الجنى وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك مجلسك للحكومة وكان يجلس الى نصف النهار وانى على حمله لقوىّ أمين لا اختزل منه شيئا ولا أبد له فقال سليمان أريد أسرع من هذا قال الذى عنده علم من الكتاب أى ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله عند قول العفريت* وفى معالم التنزيل هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان أو جبريل أو الخضر أو سليمان نفسه أو آصف بن برخيا وزيره أو كاتبه هو الاصح وعليه الجمهور وكان صدّيقا يعلم الاسم الاعظم الذى اذا دعى به أجاب وهو يا حىّ يا قيوم قاله الكلبى أو ياذ الجلال والاكرام قاله مجاهد ومقاتل أويا الهنا واله كل شىء الها واحدا لا اله الا أنت ائتنى بعرشها وقوله أنا آتيك به قبل أن يرتدّ اليك طرفك أى انك ترسل طرفك الى شىء فقبل ان تردّه أحضر عرشها فتبصره بين يديك قال مجاهد يعنى ادامة النظر حتى يرتدّ الطرف خاسئا* يروى ان آصف قال لسليمان حين صلّى مدّ عينيك حتى ينتهى طرفك فمدّ سليمان عينيه فنظر نحو اليمن ودعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الارض يخدون خدّا حتى انخرقت الارض بالسرير بين يدى سليمان* قال الكلبى خرّ آصف ساجدا ودعا باسم الله الاعظم فغار عرشها فى مكانه تحت الارض ثم نبع عند كرسى سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتدّ طرفه قيل كانت المسافة مقدار شهرين كذا فى معالم التنزيل وقال محمد بن المنكدر لما قال عالم بنى اسرائيل الذى آتاه الله علما وفهما أنا آتيك به قبل أن يرتدّ اليك طرفك قال سليمان هات قال أنت النبىّ ابن النبىّ وليس أحد أوجه عند الله منك فان دعوت الله وطلبت اليه كان عندك قال صدقت ففعل ذلك فجىء بالعرش فى الوقت فلما رأى العرش مستقرّا عنده حاصلا بين يديه ثابتا لديه غير مضطرب قال هذا من فضل ربى أى التمكن من احضار العرش فى مدّة ارتداد الطرف من مأرب الى الشام كذا فى معالم التنزيل وقال فى أنوار التنزيل من مسيرة شهرين بنفسه أو بغيره ثم قال سليمان نكروا لها عرشها غيروا هيئته وشكله أى اجعلوا مقدّمه مؤخره وأعلاه أسفله واجعلوا مكان الجوهر الاحمر أخضر ومكان الاخضر أحمر ننظر أتهتدى الى معرفة عرشها وقد خلفته فى مأرب وراءها مغلقة عليه الابواب موكلة عليه الحراس أوالى الجواب الصواب اذا سئلت عنه أم لا* فلما جاءت بلقيس قيل لها أهكذا عرشك قالت كأنه هو فأجابت أحسن جواب ولم تقل هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها* وفى المدارك ولم تقل هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع فى المحتمل للامرين أو لما شبهوا عليها بقولهم أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها قيل لها ادخلى الصرح أى القصر أو صحن الدار فلما رأته ظنته ماء راكدا فكشفت عن ساقيها* روى أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى على طريقها قصر صحنه من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه حيوانات البحر من السمك وغيره وقيل اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع فكان الواحد اذا رآه ظنه ماء كذا فى معالم التنزيل ووضع سريره فى صدره فجلس عليه وعكف الطير عليه والجنّ والانس وانما فعل ذلك ليزيدها اعظاما لامره وتحقيقا لنبوّته وقيل ان الجنّ كرهوا أن يتزوّجها سليمان فتفشى اليه بأسرارهم لان أمّها كانت جنية وقيل خافوا أن يولد منها ولد فيجتمع له فطنة الجنّ والانس فيخرجوا من ملك سليمان الى ملك أشدّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 منه* وفى معالم التنزيل واذا ولدت له ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذرّيته من بعده فقالوا له ان فى عقلها شيئا وهى شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر سليمان عقلها بتنكيرا العرش كما فعلت هى بالوصفاء والوصائف واتخذ الصرح ليتعرّف ساقها ورجلها فكشف عنهما فاذا هى أحسن الناس ساقا وقدما الا أنها شعراء الساقين* ولما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها ثم قال لها ان ما تظنينه ماء صرح ممرّد مملس مستو من الزجاج ومنه الامرد فأراد سليمان أن يتزوّجها فكره شعرها فعملت له الشياطين النورة والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ كذا فى معالم التنزيل وعن أبى موسى أوّل من اتخذ الحمامات سليمان بن داود كذا قاله الثعلبى فلما تزوّجها سليمان أقرّها على ملكها وأمر الجنّ فابتنوا له بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير مثلها ارتفاعا وحسنا وهى بينون وسلحين وغمدان* فى معجم ما استعجم سلحين بكسر أوّله واسكان ثانيه بعده حاء مهملة مكسورة على وزن فعلين موضع باليمن وهو قصر سبأ بالمأرب ثم كان سليمان يزورها فى كل شهر مرّة بعد أن ردّها الى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام الى اليمن ومن اليمن الى الشام وولدت له فيما ذكر* وفى حياة الحيوان فولدت له غلاما سماه داود ومات فى حياته* وروى عن وهب أنه قال زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختارى رجلا من قومك أزوّجك اياه قالت ومثلى يا نبىّ الله ينكح الرجال وقد كان لى فى قومى من الملك والسلطان ما كان قال نعم انه لا يكون فى الاسلام الا ذلك ولا ينبغى لك أن تحرّمى ما أحل الله لك فقالت زوّجنى ان كان ولا بدّ من ذلك ذا تبع ملك همدان فزوّجه اياها ثم ردّها الى اليمن وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ودعا زوبعة أمير جنّ اليمن وقال اعمل لذى تبع ما استعملك فيه فلم يزل بها ملكا يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان فلما أن جاء الحول وتبينت الجنّ موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى اذا كان فى جوف اليمن صرخ بأعلى صوته يا معشر الجنّ ان الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرّقوا وانقضى ملك ذى تبع وملك بلقيس مع ملك سليمان* وفى أنوار التنزيل قد اختلف فى أنه تزوّجها أو زوّجها من ذى تبع ملك همدان والله أعلم* (حديث وفاة بلقيس) * قال وهب أقامت بلقيس سبع سنين وسبعة أشهر ثم توفيت فدفنت تحت حائط بمدينة تدمر من أرض الشام ولم يعلم أحد بموضع قبرها الى أيام الوليد ابن عبد الملك بن مروان قال أبو موسى بن نصر بعثت فى خلافته الى مدينة تدمر ومعى العباس بن الوليد ابن عبد الملك فجاء مطر عظيم فانهار بعض حائط بمدينة تدمر فانكشفت الارض عن تابوت طوله ستون ذراعا متخذ من حجر أصفر كأنه الزعفران مكتوب عليه هذا مدفن تابوت بلقيس الصالحة زوجة سليمان ابن داود أسلمت لسنة عشرين خلت من ملكه وتزوّج بها يوم عاشوراء وتوفيت يوم الاثنين من شهر ربيع سنة سبع وعشرين خلت من ملكه ودفنت ليلا تحت حائط بمدينة تدمر لم يطلع على دفنها انس ولا جان الا من دفنها قال فرفعنا غطاء التابوت واذا هى غضة كأنها دفنت فى ليلتها فكتبنا بذلك الى الوليد فأمر بتركه فى مكانه وأن يبنى عليه بالصخر والمرمر كذا فى كتاب قصص الانبياء تأليف الامام أبى الحسين محمد ابن عبد الله الكسائى* (ذكر صفة كرسى سليمان عليه السلام) * روى أن سليمان أمر الجنّ باتخاذ كرسى له ليجلس عليه للقضاء وأمر أن يعمل بديعا مهولا مهيبا بحيث لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتعد من الهيبة فعملوه له من أنياب الفيل وزينوه باليواقيت واللؤلؤ والزبرجد وحفوه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الاحمر والزبرجد الاخضر وعلى رأس نخلتين منها طاوسان من ذهب وعلى الاخر بين نسران من ذهب وجعلوا بين جنبى الكرسى فى أسفله أسدين من ذهب على رأس كل واحد منهما عمود من الزبرجد الاخضر وعقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الاحمر فاذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 أراد أن يصعد بسط الاسدان له ذراعيهما كذا فى أنوار التنزيل والمدارك واذا وضع رجله على الدرجة السفلى يستدير الكرسى بما فيه دوران الرحى وينشر النسران والطاوسان أجنحتهما ويبسط الاسدان ذراعيهما ويضربان الارض بأذنابهما وكذا يفعلان فى كل درجة يصعدها فاذا استوى بأعلاه أخذ النسران تاجه فوضعاه على رأسه واذا قعد أظله النسران بأجنحتهما ثم يستدير الكرسى بما فيه والنسران والطاوسان والاسدان ينضحان على رأسه المسك والعنبر ثم يتناول حمامة من ذهب فيه التوراة فيفتحها سليمان فيقرأها على الناس وكان التصوير مباحا حينئذ كذا فى المدارك ويجلس علماء بنى اسرائيل على كراسى الذهب وعظماء الجنّ على كراسى الفضة ويتقدّم الناس اليه للقضاء واذا دعا بالبينات وتقدّمت الشهود لاقامة الشهادات دار الكرسى بما فيه دوران الرحى والذى يدير الكرسى تنين عظيم من ذهب فاذا دار الكرسى بسط الاسدان أيديهما يضربان الارض بأذنابهما وينشر النسران والطاوسان أجنحتهما فتفزع الشهود فلا يشهدون الا بالحق* وهذا شأن كرسى سليمان وعجائبه وهو مما عمله صخر الجنى* وفى المدارك روى أن افريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الاسدان ساقه فكسراها فلم يجترئ أحد بعده أن يدنو منه* وفى رواية لما مات سليمان أخذ ذلك الكرسى بخت نصر فأراد أن يصعد عليه ولم يكن له علم بالصعود عليه فلما وضع قدمه على الدرجة رفع الا سديده اليمنى وضرب ساقه ودق قدمه فلم يزل يتوجع منها حتى مات وبقى الكرسى بانطاكية حتى غزا أكداس ابن كداس فهزم خليفة بخت نصر وردّ الكرسى الى بيت المقدس فلم يستطع أحد من الملوك الجلوس عليه والاستمتاع به فوضع تحت الصخرة وغاب فلا يعرف له خبر ولا أثر ولا يدرى أين هو* سبب سلب ملك سليمان وفى معالم التنزيل كان سبب سلب ملك سليمان ما ذكره محمد بن اسحاق وغيره عن وهب بن منبه أنه قال لما سمع سليمان بمدينة فى جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون بها ملك عظيم الشان لم يكن للناس اليه سبيل لمكانه فى البحر وكان الله قد آتى سليمان فى ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شىء فى برّ ولا بحر الا يركب اليه الريح فخرج الى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والانس فقتل ملكها واستأصل ما فيها وأصاب بنتا لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسنا ولا جمالا فاصطفاها لنفسه ودعاها الى الاسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة وفق وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فشق ذلك على سليمان فقال لها ويحك ما هذا الحزن الذى لا يذهب والدمع الذى لا يرقأ قالت انى أذكر أبى واذكر ملكه وأذكر ما كان فيه وما أصابنى فيحزننى ذلك فقال سليمان قد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه وسلطانا هو أعظم من سلطانه وهداك للاسلام وهو خير من ذلك كله قالت انه كذلك ولكنى اذا ذكرته أصابنى ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوّر واصورته فى دارى التى أنا فيها أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزنى وأن أتسلى برؤيته عن بعض ما أجد فى نفسى فأمر سليمان عليه السلام الشياطين فقال مثلوا لها صورة أبيها فى دارها حتى لا تنكر منه شيئا فمثلوها لها حتى نظرت الى أبيها بعينه الا انه لا روح فيه فعمدت اليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته بمثل ثيابه التى كان يلبس ثم كانت اذا خرج سليمان من دارها تغدو اليه فى ولائدها حتى تسجد له ويسجدون له كما كانت تصنع به فى ملكه وتروح كل عشية وصباح بمثل ذلك وسليمان لا يعلم بشىء من ذلك أربعين صباحا وبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صدّيقا وكان لا يردّ عن أبواب سليمان أىّ وقت أراد دخول بيت من بيوته دخل كان حاضرا سليمان أو كان غائبا فأتاه فقال يا نبىّ الله كبر سنى ودق عظمى ونفد عمرى وقد حان منى ذهاب أيامى وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه ما مضى من أنبياء الله واثنى عليهم بعلمى فيهم وأعلم الناس بما كانوا يجهلون من كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أمورهم فقال افعل فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله واثنى على كل نبىّ بما فيه وذكر ما فضله الله به حتى انتهى الى سليمان فقال ما كان أحلك وأورعك فى صغرك وأفضلك فى صغرك وأحكم أمرك فى صغرك وأبعدك عن كل ما يكره فى صغرك ثم انصرف فوجد سليمان فى نفسه من ذلك شيئا ملأه غضبا وغيظا فلما دخل سليمان داره أرسل اليه فقال يا آصف ذكرت من مضى من انبياء الله بما اثنيت عليهم خيرا فى كل زمان وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتنى جعلت تثنى علىّ خيرا فى صغرى وسكت عما سوى ذلك من أمرى فى كبرى فما الذى حدث فى آخر أمرى فقال ان غير الله ليعبد فى دارك منذ أربعين صباحا فى هوى امرأة فقال فى دارى قال فى دارك فقال انا لله وانا اليه راجعون لقد عرفت انك ما قلت الذى قلت الا عن شىء بلغك فرجع سليمان الى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها ثم أمر بثياب الطهارة فأتى بثياب لا يغزلها الا الابكار ولا ينسجها الا الابكار ولا يغسلها الا الابكار ولم تمسها امرأة قد رأت الدم فلبسها ثم خرج الى فلاة من الارض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل تائبا الى الله عز وجل حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله عز وجل وتضرعا اليه يبكى ويدعو الله ويستغفر مما كان فى داره فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ثم رجع الى داره وكانت له أمّ ولد يقال لها الامينة كان اذا دخل مذهبه أو أراد اصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر وكان لا يمس خاتمه الا وهو طاهر وكان ملكه فى خاتمه فوضعه يوما عندها ثم دخل مذهبه فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا فقال خاتمى يا أمينة فناولته اياه فجعله فى يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والجنّ والانس وخرج سليمان فأتى الامينة وقد غيرت حالته وهيئته عند كل من رآه فقال يا أمينة خاتمى قالت له من أنت قال أنا سليمان بن داود قالت كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه فعرف سليمان ان خطيئته قد أدركته فخرج وهو خائف وجعل يقف على الدار من دور بنى اسرائيل ويقول أنا سليمان بن داود فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون انظروا الى هذا المجنون أى شىء يقول يزعم انه سليمان فلما رأى سليمان ذلك عمد الى البحر فكان ينقل الحيتان لاصحاب البحر الى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فاذا أمسى باع احدى سمكتيه بأرغفة وشوى الاخرى فأكلها فمكث كذلك أربعين صباحا عدّة ما كان الوثن يعبد فى داره وانكر آصف وعظماء بنى اسرائيل حكم عدوّ الله الشيطان فى تلك الاربعين يوما فقال آصف يا معشر بنى اسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم نبىّ الله سليمان بن داود ما رأيت قالوا نعم قال أمهلونى حتى أدخل على نسائه فأسألهنّ هل انكرن شيئا منه من خاصة أمره ما أنكرنا فى عامة أمر الناس وعلانيته فدخل على نسائه فقال ويحكنّ هل أنكرتن من أمر ابن داود اليه راجعون ان هذا لهو البلاء المبين ثم خرج على بنى اسرائيل فقال ما فى الخاصة أكثر مما فى العامة فلما مضى أربعون صباحا طار ذلك الشيطان من مجلسه ثم مرّ بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة فأخذها بعض الصيادين وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك حتى اذا كان العشى أعطاه سمكتيه فأعطى السمكة التى بلعت الخاتم وخرج سليمان بسمكتيه فباع التى ليس فى بطنها الخاتم بالارغفة ثمّ عمد الى السمكة الاخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه فى جوفها فأخذه وجعله فى يده ووقع ساجد الله تعالى فعكفت عليه الطير والجنّ وأقبل عليه الناس وعرف الذى قد كان دخل عليه مما كان أحدث فى داره ورجع اليه ملكه وأظهر التوبة من ذنبه وأمر الشياطين فقال ائتونى بصخر فأتوه به فأخذه بعد أن جاؤا به اليه فجاب له صخرة فأدخله فيها ثم سدّ عليه بأخرى ثم أوثقه فيها بالحديد وسبك عليه بالرصاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ثم أمر به فقذف فى البحر* هذا خديث وهب بن منبه وقال الحسن ما كان الله ليسلط الشياطين على نساء الانبياء* وفى أنوار التنزيل نفذ حكمه فى كل شىء الا فيه وفى نسائه* وفى كتاب أبى المعين النسفى وما يروى أن سليمان زال ملكه أربعين يوما وان الشياطين تواصلوا الى نسائه وجواريه فتولد الاكراد الذين يسكنون الجبال فلما عاد اليه ملكه عزلهم عن نفسه قلنا غير صحيح والصحيح انه ماتوا صلوا الى نسائه وجواريه انتهى وكان سليمان يدور على البيوت ويتكفف الى آخر ما ذكر* قال السدّى كان سبب فتنة سليمان انه كانت له امرأة منهنّ يقال لها جرادة هى أبر نسائه وآمنهنّ عنده وكان يأتمنها على خاتمه اذا أتى الى حاجته فقالت له يوما ان أخى بينه وبين فلان خصومة وانا احب ان تقضى له اذا جاءك فقال نعم فلما تحاكما عنده أحب أن يكون الحق لاهل جرادة فابتلى بقوله فأعطاها خاتمه ودخل المخرج فجاء الشيطان فى صورته فأخذه وجلس على مجلس سليمان وخرج سليمان فسألها خاتمه قالت ألم تأخذه قال لا فخرج مكانه ومكث الشيطان يحكم بين الناس اربعين يوما فأنكر الناس حكمه فاجتمع قراء بنى اسرائيل وعلماؤهم حتى دخلوا على نسائه فقالوا انا قد انكرنا هذا فان كان سليمان فقد ذهب عقله فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا حتى أحدقوا به ونشروا التوراة فقرؤها فطار من بين ايديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ثم طار حتى ذهب الى البحر فوقع الخاتم منه فى البحر فابتلعه حوت واقبل سليمان حتى انتهى الى صياد فى البحر وهو جائع فاشتدّ جوعه فاستطعمه من صيده وقال انا سليمان فقام اليه بعضهم بعصا فضربه فشجه فجعل يغسل دمه على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذى ضربه وأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فشق بطنهما وجعل يغسلهما فوجد خاتمه فى بطن احداهما فلبسه فردّ الله عليه ملكه وبهاءه وحامت عليه الطير فعرف القوم انه سليمان فقاموا يعتذرون اليه مما صنعوا فقال ما احمدكم على عذركم ولا الومكم على ما كان منكم هذا امر كان لا بدّ منه ثم جاء حتى اتى ملكه وامر فأتى بالشيطان الذى اخذ خاتمه وجعله فى صندوق من حديد واطبق عليه واقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه وامر به فألقى فى البحر فهو حىّ كذلك حتى تقوم الساعة* وفى بعض الروايات ان سليمان عليه السلام لما افتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأخذه سليمان ليجعله فى يده فسقط فأيقن سليمان بالفتنة فبينما هو كذلك مفكر اذ دخل آصف فذكر له قصته فقال له آصف انك مفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك فى يدك أربعين يوما ففرّ الى الله تائبا فانى اقوم مقامك وأسير بسيرتك الى ان يتوب الله عليك ففرّ سليمان هاربا الى ربه واخذ آصف الخاتم فوضعه فى اصبعه فثبت فأقام آصف فى ملكه يسير بسيرته اربعين يوما الى أن ردّ الله على سليمان ملكه فجلس على كرسيه واعاد الخاتم فى يده فثبت* وفى انوار التنزيل خطيئة سليمان تغافله عن حال اهله لان اتخاذ التماثيل كان جائزا حينئذ وسجود الصورة بغير علمه لا يضرّه* وفى المدارك اما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن فى بيت سليمان فمن اباطيل اليهود* وفاة سليمان وروى ان داود ملك اربعين سنة وأسس بناء بيت المقدس فى موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات يوم السبت أواخر سنة وأسس بناء بيت المقدس فى موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات يوم السبت أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى قبل تمام بيت المقدس فوصى به سليمان فاستعمل الجنّ فى عمارته فلم يتم بعد اذ علم بدنوّ أجله* وفى معالم التنزيل كان لا يصبح سليمان يوما الا نبتت فى محرابه ببيت المقدس شجرة فسألها ما اسمك فتقول اسمى كذا فيقول لاىّ شىء انت فتقول لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع فان كانت نبتت لغرس غرسها وان كانت لدواء كتبت حتى نبتت الخرّوبة فقال لها ما انت قالت الخروبة قال لاى شىء نبت قالت لخراب مسجدك قال سليمان ما كان الله ليخربه وانا حىّ انت الذى على منبتك هلاكى وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها فى حائط له فأرادان يعمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 على الجنّ موته ليتموا المسجد فقال اللهم عمّ على الجنّ موتى حتى يعلم الانس ان الجنّ لا يعلمون الغيب وكانت الجنّ تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب اشياء ويعلمون ما فى غد ودعا الجنّ فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلى متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقى كذلك حتى اكلتها الارضة فخرّ ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة* ذكر أهل التاريخ أن سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ومدّة ملكه أربعون سنة* وفى المدارك قيل فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة وملك بعد وفاة أبيه داود وهو ابن ثلاث عشرة سنة وروى عمره اثنتا عشرة سنة وكان مولده بغزة وابتداؤه فى بناء بيت المقدس لا ربع مضين من ملكه وأقام فى عمارة بيت المقدس سبع سنين وفرغ منه فى السنة الحادية عشر من ملكه وهذا ينافى ما تقدّم آنفا من قوله فلم يتم بعد اذ علم بدنوّ أجله وكان من هبوط آدم الى الطوفان الفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة ومن الطوفان الى وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة ومن وفاة سام الى بناء سليمان بيت المقدس ألف وستمائة واثنتان وسبعون سنة فيكون من هبوط آدم الى ابتداء سليمان بناء بيت المقدس أربعة آلاف وأربعمائة وأربع عشرة سنة وبين عمارة بيت المقدس والهجرة النبوية ألف وثمانمائة وقريب من ستين سنة* وفاة عبد المطلب ومن وقائع السنة الثامنة وفاة عبد المطلب واختلف فى سن عبد المطلب حين مات فقال السهيلى ان عبد المطلب مات وعمره مائة وعشرون سنة* وقال ابن جبير عمره خمس وتسعون سنة وقيل مائة وعشر سنين وقيل مائة وأربعون سنة وقيل ثنتان وثمانون سنة ذكر هذه الاقاويل الاربعة الاخيرة مغلطاى فى سيرته وقد عمى قبل موته ودفن على ما ذكره ابن عساكر بالحجون كذا فى شفاء الغرام ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثمان سنين وشهر وعشرة أيام كذا فى نور العيون لليعمرى* وفى سيرة مغلطاى وقيل ثمان سنين وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال نعم انا يومئذ ابن ثمان سنين* وفى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى قيل كان ابن تسع سنين وقيل عشر وقيل ست وقيل ثلاث وفيه نظر قالت أمّ أيمن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبكى خلف جنازة عبد المطلب وفى المنتقى توفى عبد المطلب فى ملك كسرى هرمز بن أنوشروان* كفالة أبى طالب له صلّى الله عليه وسلم ومن وقائع السنة الثامنة كفالة أبى طالب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم روى أنه لما مات عبد المطلب كفل أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضمه اليه وذلك لان أبا طالب وعبد الله أبا النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانا من أمّ واحدة وهى فاطمة بنت عمرو وكان الزبير عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أيضا من أمّهما لكن كفالة أبى طالب اما بوصية عبد المطلب واما لانّ الزبير وأبا طالب اقترعا فخرجت القرعة لابى طالب واما لانّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اختار أبا طالب لكثرة مؤانسته وشفقته قيل بل كفله الزبير حتى مات ثم كفله أبو طالب وهذا غلط لان الزبير شهد حلف الفضول بعد موت عبد المطلب ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم نيف وعشرون سنة وأجمع العلماء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم شخص مع عمه أبى طالب الى الشام بعد موت عبد المطلب بأقل من خمس سنين فهذا يدل على أن أبا طالب كفله ذكره ابن الاثير فى أسد الغابة* وروى أن أبا طالب كان فقيرا وكان يحبه حبا شديدا وكان لا يحب أولاده كذلك وكان لا ينام الا الى جنسه ويخرج معه متى يخرج* وفى المواهب اللدنية وقد أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم فى قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادى وأجدب العيال وهلكت المواشى فهلم استسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجنّ تجلت عنه سحابة قتماء وما زال يسعى والغلام معه فلما صارا بازاء الكعبة وحوله اعيلمة فألصق الغلام ظهره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 بالكعبة ولا زال يشير بأصبعه وما فى السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر الوادى وأخصب النادى والبادى وفى ذلك يقول أبو طالب وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل الثمال بكسر المثلثة الملجأ والغياث وعصمة الارامل أى يمنعهم من الضياع والحاجة والارامل المساكين من الرجال والنساء ويقال لكل واحد من الفريقين على انفراده أرمل وهو بالنساء أخص وأكثر استعمالا والواحد أرمل وأرملة وهذا البيت من أبيات قصيدة لابى طالب ذكرها ابن اسحاق بطولها وهى أكثر من ثمانين بيتا انتهى* وانشأ أبو طالب فى مدح النبىّ صلّى الله عليه وسلم أبياتا منها هذا البيت وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا البيت فقال ألم تر أن الله أرسل عبده ... بآياته والله أعلى وأمجد أغر عليه للنبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الا له اسم النبىّ الى اسمه ... اذا قال فى الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد نبىّ أتانا بعد يأس وفترة ... من الدين والاوثان فى الارض تعبد وأرسله ضوأ منيرا وهاديا ... يلوح كما لاح الصقيل المهند وكان اذا أكل عيال أبى طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا واذا أكل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم شبعوا وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم صقيلا دهينا كحيلا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبغض حضور الاصنام والاعياد مع قومه* روى ان بوانة كانت صنما يحضره قريش فى كل سنة يوما ويعظمونه ويعبدونه ويجعلونه عيدا وتنسك له النسائك ويحلقون رؤسهم عنده ويعكفون عنده الى الليل وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فغضب أبو طالب وأعمامه عليه فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع اليهم مرعوبا فزعا فقالوا له ما الذى رأيت قال انى كل ما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل أبيض طويل يصيح بى وراءك يا محمد لا تمسه فاعاد الى عيدهم بعد ذلك وكان لم يأكل مما ذبح على النصب وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعبد الله وحده قبل أن يوحى اليه لانه كان من ورثة دعوة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام* قال العلامة الدوانى فى تفسير قل يأيها الكافرون اختلف الاصوليون فى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بشريعة من قبله أولا فقيل انه كان متعبدا بشريعة موسى وقيل بشريعة عيسى وقيل بشريعة ابراهيم وقيل بشريعة نوح عليهم السلام وقيل انه لم يكن متعبدا فالمختار انه كان متعبدا قبل البعث لما ثبت أنه كان متعبدا فى غار حراء والتعبد لا يكون الا بشريعة لان الحاكم هو الشرع عند أهل الحق وعلى مذهب المعتزلة القائلين بحكم العقل الامر أظهر اذ العبادة لا تتوقف على هذا التقدير على شريعة والحاصل انه كان يتحنث فى غار حراء أى يتعبد الليالى ذوات العدد فلا جرم تكون هذه العبادة لله تعالى لا غير اذ الانبياء معصومون عن الكفر قبل البعثة بالاتفاق* روى عن علىّ رضى الله عنه أنه قال قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يا رسول الله هل عبدت غير الله قال لا قيل فهل شربت خمرا قط قال لا ثم قال ما زلت أعرف ان الذى هم عليه كفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الايمان وكذلك سائر الانبياء اذ لم ينقل ناقل من المسلمين ولا من أهل الكتاب ان أحدا من الانبياء كان يعبد سوى الله تعالى قبل أن يوحى اليه* وورد فى تفسير قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى أى غير مهتد الى تفاصيل الملة الحنيفية وكان يسمع بأنها ملة أبيه ابراهيم الخليل فطفق يطلبها ولا يهتدى الى تفاصيلها فهداه الله منها الى سواء السبيل وكان موسى مؤمنا حين قتل القبطى باخبار الله ايانا فقال تعالى قال رب انى ظلمت نفسى فاغفرلى فغفر له وقال رب بما أنعمت علىّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم أخبر عنه قال فعلتها اذا وأنا من الضالين فعلمنا ان ضلاله كان من شرائع الاحكام الحلال والحرام والتكاليف التى لا تعرف الا بتوفيق وكان العلم بتفاصيل الشرائع قد درس فى عصر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يذهب بالتوحيد على جماعة منهم ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وأبو ذرّ الغفارى وكان منهم أمية بن أبى الصلت فارتدّ وعتبة بن ربيعة ثم ارتدّ وأبو عامر الراهب بن صيفى ثم ارتدّ حسدا للنبىّ صلّى الله عليه وسلم* موت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان ومن وقائع هذه السنة موت حاتم الطائى وهو حاتم بن عبد الله ابن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس وهو حاتم المشهور الذى يضرب به المثل فى الجود والكرم* ومن وقائع هذه السنة موت كسرى أنوشروان وولاية ابنه هرمز السلطنة* وفى نظام التواريخ كان هرمز بن أنوشروان ملكا ذا عدل ورأى ولكن كان يستحقر الناس ذوى الحسب والنسب ويولى الاراذل والدون وكان ملكه احدى عشرة سنة وأربعة أشهر وقيل قبر أنوشران بالجبل الاحمر* ومن وقائع السنة التاسعة من مولده صلّى الله عليه وسلم ما جاء فى بعض الروايات أن أبا طالب خرج برسول الله صلّى الله عليه وسلم الى بصرى من الشام وهو ابن تسع سنين* وفى معجم ما استعجم بصرى بضم أوّله واسكان ثانيه وفتح الراء المهملة مدينة حوران* ذكر حرب الفجار ومن وقائع السنة العاشرة من مولده صلّى الله عليه وسلم الفجار الاوّل وهو قتال بعكاظ وكان الحرب فيه ثلاثة أيام وفى دلائل النبوّة الفجار اثنان أما الفجار الاوّل فكانت وقعته ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم عشر سنين وكانت الحرب فيه ثلاث مرات أما المرّة الاولى فسببها ان بدر بن مغيث الغفارى ممن كان يفخر على الناس فبسط يوما رجله وقال أنا أعز العرب فمن زعم أنه أعز منى فليضربها بالسيف فوثب رجل من بنى نضر بن معاوية يقال له الاحمر بن مازن فضربه بالسيف على ركبته واندرها فاقتتلوا* وأما المرّة الثانية فكان سببها ان امرأة من بنى عامر كانت جالسة بسوق عكاظ فطاف بها شاب من قريش من بنى كنانة وكان معه وفقة فسألوها أن تكشف عن وجهها فأبت فقام أحدهم فجلس خلفها فعقد طرف درعها الى ما فوق عجزها بشوكة فلما قامت انكشف دبرها فضحكوا منها فقالوا منعتينا النظر الى وجهك وجدت لنا بالنظر الى دبرك وجاء مثلها فى سبب غزوة بنى قينقاع أيضا كما سيجىء فى الموطن الثانى فنادت المرأة يا آل عامر فثاروا بالسلاح واقتتلوا مع بنى كنانة فوقع بينهما دم فتوسطها حرب بن أمية وأرضى بنى كنانة من مثلة صاحبهم* وأما المرّة الثالثة فكان سببها انه كان لرجل من بنى جشم بن عامر دين على رجل من بنى كنانة فلواه به فجرت بينهما خصومة فاقتتل الحيان وحمل بن جدعان ذلك فى ماله وكان ذا مال وثروة وسنذكر سبب ثروته وهذه الايام لم يحضرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأما الفجار الآخر فحضر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعض أيامه كما سيجىء فى الباب الثانى فى حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلى الله عليه وسلم* سبب ثروة عبد الله بن جدعان وأما سبب ثروة عبد الله بن جدعان فانه كان فى ابتداء أمره صعلوكا ترب اليدين وكان مع ذلك شريرا فاتكا لا يزال يجنى الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته ونفاه أبوه وحلف أن لا يؤويه أبدا فخرج فى شعاب مكة حائرا مائرا يتمنى الموت أن ينزل به فرأى شقا فى جبل فظنّ أنّ فيه حية فتعرض للشق يرجو أن يكون فيه ما يقتله فيستريح فلم ير شيئا فدخل فيه فاذا فيه ثعبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 عظيم له عينان يتقد ان كالسراج فحمل عليه الثعبان فتقدّم فأفرج اليه فانساب اليه مستديرا بدارة عند بيت ثم خطا خطوة أخرى فصفر به الثعبان فأقبل اليه كالسهم فأفرج له فانساب عنه فوقف ينظر ويتفكر فى أمره فوقع فى نفسه انه مصنوع فأمسكه بيده فاذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فاذا جثث طوال على سرير لم ير مثلهم طولا ولا عظما وعند رؤسهم لوح من فضة فيه تاريخهم فاذاهم رجال من ملوك حمير وآخرهم موتا الحارث بن مضاض صاحب العذبة الطويلة فاذا عليهم ثياب من وشى لا يمس منها شىء الا انتثر كالهباء من طول الزمان مكتوب فى اللوح عظات* قال ابن هشام كان اللوح من رخام وكان فيه آنا نفيلة بن عبد المدان ابن حشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن فحطان بن نبىّ الله هود عشت خمسمائة عام وقطعت غور الارض باطنها وظاهرها فى طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك ينجينى من الموت واذا فى وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم الشق بعلامة وأغلق بابه بالحجارة وأرسل الى أبيه بالمال الذى خرج به منه يسترضيه ويستعطفه ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف وكانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير وسقط فيها صبى فغرق ومات* نفيسة وفى غريب الحديث لابن قتيبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال كنت استظل بجفنة عبد الله بن جدعان صكة عمى يعنى فى الهاجرة وسميت الهاجرة صكة عمى لخبر ذكره أبو حنيفة وهو أن عميا رجل من عدوان وقيل من اياد وكان فقيه العرب فى الجاهلية فقدم فى قوم معتمرا أو حاجا فلما كان على مرحلتين من مكة قال لقومه وهم فى وسط الظهيرة من أتى مكة غدا فى مثل هذا الوقت كان له أجر عمرتين فصكوا الابل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد وعمى تصغير أعمى على الترخيم وحذف الزائدة فسميت الظهيرة صكة عمى وعبد الله بن جدعان تيمى يكنى أبا زهير وهو ابن عمّ عائشة أمّ المؤمنين قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله انه كان يطعم الطعام ويقرى الضيف ويفعل المعروف هل ينفعه ذلك يوم القيامة قال صلّى الله عليه وسلم انه لم يقل يوما رب اغفرلى خطيئتى يوم الدين كذا قاله السهيلى فى الروض الانف* وفى كتاب رىّ العاطش وأنس الواحش لاحمد بن عمار أن ابن جدعان ممن حرّم الخمر فى الجاهلية بعد ان كان بها مغرى وذلك انه سكر ليلة فصار يمدّيده ويقبض على ضوء القمر ليأخذه فضحك منه جلساؤه فأخبر بذلك حين صحا فحلف أن لا يشربها أبدا فلما كبر وهرم أراد بنو تيم أن يمنعوه من تبذير ماله ولاموه فى العطاء فكان يدعو الرجل فيدنو فاذا دنا منه لطمه لطمة خفيفة ثم يقول له قم فانشد لطمتك واطلب ديتها فاذا فعل ذلك أعطته بنو تيم من مال ابن جدعان كذا فى حياة الحيوان* ومما يناسب صكة عمى رمى البعرة على رأس الحول عن أمّ سلمة تقول جاءت امرأة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان ابنتى توفى عنها زوجها وقد اشتكت عيها أفنكحلها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا مرّتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما هى أربعة أشهر وعشر وقد كانت احدا كنّ فى الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول قالت زينب كانت المرأة اذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شرى ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمرّ بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة فتقتض به فقلما تقتض بشىء الا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره الحفش بكسر الحاء وسكون الفاء البيت الصغير جدّا سئل مالك ما معنى تقتض قال تمسح به جلدها كذا فى صحيح البخارى* أول ما رأى عليه السلام من أمر النبوّة ومن وقائع السنة الحادية عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم ما روى عن أبى بن كعب ان أبا هريرة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جريا أن يسأل عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال يا رسول الله ما أوّل ما رأيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 من أمر النبوّة فاستوى جالسا وقال قد سألت يا أبا هريرة انى لفى صحراء ابن عشر سنين وأشهر واذا بكلام فوق رأسى فاذا برجل يقول لرجل هو هو فاستقبلانى بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها على خلق قط فأقبلا الىّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدى لا أجد لاحدهما مسا فقال أحدهما لصاحبه اضجعه فأضجعانى بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره فنجد أحدهما الى صدرى ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كرضة العلقة ثم نبذها فقال له أدخل الرأفة والرحمة فاذا مثل الذى اخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلى فقال اعد واسلم فرجعت أعدو رأفة على الصغير ورحمة على الكبير والله أعلم * (الباب الثانى فى الحوادث من السنة الثانية عشر الى السنة الرابعة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم من ارتحال أبى طالب معه الى الشام وذكر رعيه الغنم والفجار الثانى وعزم الزبير ابن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن وخلع هرمز من السلطنة وقتل هرمز وتولى كسرى برويز السلطنة والفجار الثانى عند البعض وولادة عمر بن الخطاب وصحبته صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر يريد ان الشام وحلف الفضول وشكايته الى عمه أبى طالب من آت يأتيه منذ ليال وهدم الكعبة وبنائها عند بعض العلماء) * * خروجه عليه السلام مع أبى طالب الى الشام ومن حوادث السنة الثانية عشر من مولده عليه السلام ارتحال أبى طالب معه الى الشام* فى حياة الحيوان خرج أبو طالب معه الى الشام وهو ابن اثنتى عشرة سنة* وفى المواهب اللدنية ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب الى الشام* وقال ابن الاثير فى أسد الغابة انّ أبا طالب سار الى الشام وأخذ معه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عمره اثنتى عشرة سنة وقيل تسع سنين والاوّل أكثر* وفى الصفوة قال أهل السير والتواريخ لما أتت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام* وفى سيرة مغلطاى وشهر وقيل لعشر خلون من ربيع الاوّل سنة ثلاث عشرة من الفيل ارتحل به أبو طالب الى الشام وكذا فى سيرة اليعمرى فيكون خروجه على هذا فى السنة الثالثة عشر وكان أبو طالب لم يرد أن يذهب به معه لكن لما تهيأ للرحيل وأجمع للسيرهب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال يا عم الى من تكلنى لا أب لى ولا أم فرق له أبو طالب فقال والله لأخرجن به معى ولا يفارقنى ولا أفارقه أبدا فخرج به معه وذلك فى المرة الاولى فسار الركب حتى نزلوا قرية من قرى الشام يقال لها كفر ومنها الى بصرى ستة أميال أو ثمانية وكان يسكنها راهب يقال له بحيرا بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره راء مقصورة قاله الذهبى رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به ذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة* وقال السهيلى وقع فى سيرة الزهرى انه كان حبرا من يهودتيما* وفى المسعودى انه كان من عبد القيس واسمه جرجيس ويكون فى صومعة له ولذا اشتهرت تلك القرية بدير بحيرا وكان ذا علم فى النصرانية ولم يزل فى تلك الصومعة راهب من علماء النصارى يصير اليه علمهم عن كتاب يدرسونه فيما يزعمون يتوارثونها كابرا عن كابر فلما نزلوا ببحير انزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا به ولا يكلمهم بحيرا حتى اذا كان ذلك العام ونزلوه صنع لهم طعاما ثم دعاهم وانما حمله على دعائهم انه رأى حين طلعوا على تلك الاماكن غمامة تظل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخصت أغصان تلك الشجرة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين استظل تحتها فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بالطعام فأرسل اليهم فقال صنعت لكم طعاما يا معشر قريش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا يتخلف منكم صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد فانّ هذا شىء تكرموننى به فقال رجل ان لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا قبل فما شأنك اليوم فقال انى أحببت أن أكرمكم فلكم حق علىّ فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم فى رحالهم تحت الشجرة لحداثة سنه اذ ليس فى القوم أصغر منه فلما نظر بحيرا الى القوم ولم ير الصفة التى يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة فوق الشجرة على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش فلا يتخلفن أحد منكم عن طعامى قالوا ما تخلف أحد الاغلام هو أحدث القوم سنا فى الرحال فقال ادعوه فليحضر طعامى فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد منكم مع انى أراه من أنفسكم فقال القوم هو والله من أوسطنا نسبا وهو ابن أخى هذا الرجل يعنون أبا طالب وهو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب فقال والله ان كان من اللؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم احتضنه الحارث وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر الى أشياء فى جسده قد كان يجدها عنده فى صفته فلما تفرّقوا عن الطعام قام اليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا أخبرتنى عما أسألك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسألنى باللات والعزى فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما قال بالله الا أخبرتنى عما أسألك عنه قال سلنى عما بدالك فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوّة بين كتفيه على الصفة التى عنده فقبل موضع الخاتم قالت قريش ان لمحمد عند الراهب لقدرا وجعل أبو طالب يخاف على ابن أخيه لما يرى من الراهب قال الراهب لابى طالب ما هذا الغلام منك قال ابنى قال ما هو ابنك وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال ابن أخى قال فما فعل أبوه قال هلك وأمّه حبلى قال فما فعلت أمّه قال توفيت قريبا قال صدقت ارجع بابن أخيك الى بلده واحذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده فى كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم انى قد أدّيت اليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا الى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهى وقال لهم أتجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم اليه سبيل فصدّقوه وتركوه ورجع أبو طالب الى مكة سالما فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه كذا فى المنتقى* وفى المشكاة عن أبى موسى قال خرج أبو طالب الى الشام وخرج معه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم وهبط اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرّون به فلا يخرج اليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه رحمة للعالمين فقال له أشياخ قريش ما علمك فقال انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر الا خرّ ساجدا ولا يسجدان الا لنبىّ وانى أعرفه بخاتم النبوّة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع وصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو فى رعية الابل فقال ارسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا الى فىء شجرة فلما جلس مال فىء الشجرة عليه فقال انظروا الى فىء الشجرة مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا ابو طالب فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوّده الراهب من الكعك والزيت رواه الترمذى* وفى حياة الحيوان قال الحافظ الدمياطى وفى الحديث وهم فى قوله بعث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 معه أبو بكر بلالا اذ لم يكونا معه ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبو بكر بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين ولم يملك أبو بكر بلالا الا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبى* قال ابن حجر رجال هذا الحديث ثقات وليس فيه منكر سوى قوله وبعث معه أبو بكر بلالا فيحمل على انه مدرج فيه مقتطعة من حدى آخر وهما من أحد رواته* وفى المواهب اللدنية قال الذهبى فى تجريد الصحابة انّ بحيرا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به وذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وهذا كما سبق يبتنى على تعريفهم الصحابة بمن رآه صلّى الله عليه وسلم وهل المراد حال النبوّة أو أعم من ذلك حتى يدخل فيه من رآه قبل النبوّة ومات قبلها على دين الحنيفية وهو محل نظر* (ذكر رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم) * فى الصفوة عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبيا الارعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة انفرد باخراجه البخارى وقد رواه سعيد بن أبى أحيحة فقال فيه كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط* قال سويد بن سعيد يعنى كل شاة بقيراط* وقال الجريرى القراريط موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة وذكر مغلطاى رعيه الغنم فى سيرته فى سنة عشرين وقال كان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط * ولادة عمر رضى الله عنه وفى السنة الثالثة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد عمر بن الخطاب وفى الاستيعاب ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة* وروى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال سمعت عمر يقول ولدت قبل الفجار الاعظم بأربع سنين* وفى بعض الكتب أورد ولادة عمر فى سنة احدى وعشرين من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكذا يفهم من كلام صاحب الصفوة* حرب الفجار الآخر ومن حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم الفجار الآخر* قال ابن هشام لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان وهو من أعظم أيام العرب وكان الذى أهاجها ان عروة الرحال بن عتيبة بن ربيعة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بنى ضمرة بن بكر بن عبد منات بن كنانة أتجيرها على كنانة قال نعم وعلى الخلق فخرج عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته حتى اذا كان بتيمن ذى ظلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام فلذلك سمى الفجار فأتى آت قريشا فقال انّ البراض قد قتل عروة وهو فى الشهر الحرام بعكاظ فارتحلوا وهوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما عديدة والقوم يتساندون وعلى كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم وشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعض أيامهم وهو يوم النخلة وهو من أعظم أيام الفجار وكذا فى أسد الغابة لابن الاثير أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنت أنبل على أعمامى يوم الفجار اى كنت أناولهم النبل وأردّ عليهم نبل عدوّهم اذا رموهم بها ويحفظ متاعهم وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ أربع عشرة سنة ويقال عشرين سنة كذا فى دلائل النبوّة* قال ابن اسحاق هاجت حرب الفجار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وقد حضره ورمى فيه مع أعمامه بأسهمهم وانما سمى حرب الفجار بما استحل هذان الحيان يعنى كنانة وقيس عيلان فيه من المحارم بينهم وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس فكان الظفر فى أوّل النهار لقيس على كنانة حتى اذا كان وسط النهار كانت الظفر لكنانة على قيس* قال ابن اسحاق كان الفجار الآخر بعد الفيل بعشرين سنة فلم يكن فى الحرب يوم أعظم ولا أذهب ذكرا فى الناس منه وقع بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قريش والفها من كنانة وبين قيس عيلان فالتقوا بعكاظ كذا فى شفاء الغرام وقيل انه شهد يوم شمطة أيضا وهو من أعظم أيام الفجار وكانت الهزيمة فيه على قريش وهذا ليس بشئ كذا فى أسد الغابة* وفى السنة الخامسة عشر من مولده عليه السلام ولد أبو طلحة الانصارى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة السادسة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم عزم الزبير بن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن للتجارة ولما تهيأ لذلك التمس من أبى طالب أن يبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم معه رجاء أن يناله من بركته فبعثه أبو طالب مع عمه الى اليمن ورأى منه فى الطريق كثيرا من الخوارق كذا فى روضة الاحباب* وفى السنة السابعة عشر ولد حاطب بن أبى بلتعة* ومن حوادث هذه السنة انه وثب العظماء والاشراف بالمدائن وخلعوا هرمز لظلمه وسملوا عينيه وتركوه* وفى السنة الثامنة عشر ولد خباب بن الارت ومحمد بن مسلمة الانصارى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة التاسعة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم قتل هرمز الظالم بن أنوشروان العادل بعد خلعه وكانت ولاية هرمز احدى عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام وقيل اثنتى عشرة سنة* ولاية كسرى برويز وفى هذه السنة تولى الملك كسرى برويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباد من الملوك الساسانية وهم أحد وثلاثون ملكا ومدّة ملكهم خمسمائة وسبع وعشرون سنة ومعنى برويز بالعربية المظفر والفرس يسمونه خسرو* ولما تقر ملكه قتل الذين قتلوا أباه هرمز والغرس بالغوا فى ملكه وسلطنته لكن الرواية المعتمد عليها مثل رواية حمزة الاصبهانى وغيره انها كانت له احدى عشرة ألف جوار من المطربة والخدمة وستة آلاف خادم وحارس وعشرين ألفا وخمسمائة من الافراس البراذن والعربية والزومية وبغال الركوب وتسعمائة وستين فيلافى حضرته سوى التى كانت فى البلاد والامصار وأطراف مملكته* وفى حياة الحيوان ان كسرى برويز كان له خمسون ألف دابة واثنا عشر ألف زوجة وقيل ثلاثة آلاف امرأة وحين يركب كان يمشى معه مائتا ألف انسان معهم المجامر والمعاطر يشم منها الروائح الطيبة والمشمومات العبقة وكان له ألف ممن يحملون الماء مع دوابهم معدين لرش الماء فى طرقه لاطفاء الغبار وكان رجلا حسن الوجه حسن الشمائل شجاعا ذا قوّة بدنية وشهوانية وكانت له قطعة ذهب لين قابل للتشكل بأشكال مختلفة كالشمعة يصنع منها ما يريد من الاشكال من غير مساس النار وكانت له قصعة اذا شرب ماؤها تمتلئ بنفسها من غير أن يملأها أحد وكانت عنده مثال يد وكف من عاج لها خمس أصابع منبسطة وحين ولادة مولود له يلقى ذلك العاج فى الماء فاذا ولد المولود تنقبض أصابع العاج فتعرف ولادته فيخرج المنجم طالع المولود ولا يحتاج الى أن يسأل عن ولادته أحدا قيل فى عهده ولد الفيل بخراسان ولم يكن هناك للفيل ولادة* روى انه أصاب كنزا أتى به الريح وقصته انها وقعت بين كسرى وقيصر مخالفة فقصد كسرى ملكه وسار اليه حتى نزل ساحل البحر فخاف قيصر وحمل خزائن آبائه وأجداده فى السفن فأدّتها الريح الى كسرى ولما مضى من ملكه تسع عشرة أو عشرون سنة نزل الوحى الى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم ولما مضى من النبوّة تسع عشرة سنة كتب اليه النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعاه الى الاسلام فأبى ومزق الكتاب فلما سمع النبىّ عليه السلام بذلك دعا عليه فقال مزق الله ملكه كما مزق كتابى فوقع فى ملكه تزلزل وفتنة فخرج عليه ابنه شيرويه وقتله ومدّة ملكه ثمان وثلاثون سنة وسيجىء فى الموطن السادس فى ارسال الرسل الى ملوك الاطراف* ومن حوادث سنة عشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم حرب الفجار الثانى عند بعض الرواة فى شوّال وقد سبق ذكره* صحبة أبى بكر للنبى فى تجارة الى الشام ومن وقائع هذه السنة ما روى عن ابن عباس ان أبا بكر رضى الله عنهما صحب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة والنبىّ صلّى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام فى تجارة حتى نزلوا منزلا فيه سدرة فجلس النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ظلها ومضى أبو بكر الى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شئ فقال من الرجل الذى فى ظل السدرة قال أبو بكر ذلك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال بحيرا هو والله نبىّ ما استظلّ تحتها بعد عيسى ابن مريم الا محمد فوقع فى قلب أبى بكر اليقين والتصديق قبل ما نبئ صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى هذا السفر هو الذى كان مع أبى طالب فان أبا بكر حينئذ كان معه* ذكر حلف الفضول وفى هذه السنة وقع حلف الفضول وذلك ان قريشا كانت تتظالم فى الحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبد المطلب فدعوا الناس الى التحالف على التناصر والاخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما وتحالفوا فى دار ابن جدعان وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهدت حلفا فى دار ابن جدعان ما أحب أنّ لى به حمر النعم ولو دعيت لاجبت فقال قوم من قريش هذا والله فضل من الحلف فسمى حلف الفضول* وقال آخرون تحالفوا على مثال حلف تحالف عليه قوم من جرهم فى هذا الامر أن لا يروا ظلما ببطن مكة الا غيروه وأسماؤهم الفضيل بن شراعة والفضل بن قضاعة والفضل بن بضاعة* قال ابن الجوزى وانما سمى حلف الفضول لانه كان رجال يردّون المظالم يقال لهم فضيل وفضال ومفضل وفضل فلذلك سمى حلف الفضول* وعن حكيم بن حزام أنه قال كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حينئذ ابن عشرين سنة وقيل كان الفجار فى شوّال هذه السنة وهذا الحلف فى ذى القعدة وكان أشرف حلف قط* شكواه عليه السلام الى عمه أبى طالب مما يأتيه ومن حوادث هذه السنة ما روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم شكى الى عمه أبى طالب وهو يومئذ ابن عشرين سنة فقال يا عمّ انى منذ ليال يأتينى آت معه صاحبان له فينظرون الىّ ويقولون هو هو ولم يأن له فقد هالنى ذلك فقال يا ابن أخى ليس بشئ حلمت ثم رجع اليه بعد ذلك فقال يا عمّ سطابى الرجل الذى ذكرت لك فأدخل يده فى جوفى حتى انى لأجد بردها فخرج به عمه أبو طالب الى رجل من أهل الكتاب يتطبب بمكة فحدّثه حديثه وقال عالجه فصوّب به الرجل وصعد وكشف عن قدميه ونظر بين كتفيه وقال يا عبد مناف ابنك هذا طيب للخير فيه علامات ان ظفرت به اليهود قتلته وليس المرئى من الشيطان ولكنه من النواميس الذى ينجسون القلوب للنبوّة فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورأى فى منامه أنّ رجلا وضع يده على منكبيه ثم أدخل يده وأخرج قلبه ثم قال طيب فى جسد طيب ثم ردّه فاستيقط* وقال صلّى الله عليه وسلم ثم رأيت وأنا نائم سقف البيت الذى أنا فيه نزعت منه خشبة وأدخل فيه سلم ونزل منه الىّ رجلان فجلس أحدهما جانبا والآخر الى جنبى ثم استخرج قلبى فقال نعم القلب قلبه قلب رجل صالح ونبىّ مبلغ ثم ردّا قلبى مكانه وضلعى فاستيقظت والسقف على حاله* وفى سنة اثنتين وعشرين من مولده عليه السلام ولد ابن مسعود وفى سنة ثلاث وعشرين ولد سعد بن أبى وقاص وفى سنة أربع وعشرين ولد الزبير فيما قاله العقبى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة الثالثة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناؤها فى قول بعض العلماء كما سيجىء * (الباب الثالث فى الحوادث من السنة الخامسة والعشرين الى السنة الاربعين من مولده صلّى الله عليه وسلم من خروجه الى الشام فى المرّة الثانية مع ميسرة عبد خديجة وقصة نسطور الراهب وتزوّج خديجة ووليمته وذكر سائر أزواجه اجمالا وذكر سراريه وأولاده* وتزويج بناته وأختانه وهدم قريش الكعبة وبنائها وولادة فاطمة وموت زيد بن عمرو بن نفيل ورؤيته الضوء والنور وقتل كسرى برويز النعمان بن المنذر) * * خروجه عليه السلام مع ميسرة الى الشام وفى السنة الخامسة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم خروجه الى الشام فى المرّة الثانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 مع ميسرة عبد خديجة لاربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة وتزوّجها بعد ذلك شهرين وخمسة وعشرين يوما فى عقب صفر سنة ست وعشرين* روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب أنا رجل معيل لا مال لى وقد اشتدّ الزمان وهذه عير قومك قد حضر خروجها الى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك فى تجارتها فلو ذهبت اليها وقلت لها فى ذلك لغلها تقبل وبلغ خديجة ذلك فأرسلت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ذلك وقالت أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك* وفى رواية أتاها أبو طالب فقال لها هل لك أن تستأجرى محمدا فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربع بكرات فقالت خديجة لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف وقد سألت لحبيب قريب فقال أبو طالب للنبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا رزق ساقه الله اليك فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة* وفى رواية كانت بين خزيمة بن حكيم السلمى ثم البهزى وبين خديجة قرابة فوجهته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغلام لها يقال له ميسرة فى تجارة الى بصرى من أرض الشأم فساروا حتى اذا كانوا بين الشام والحجاز أعيا على ميسرة بعيران لخديجة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أوّل الركب فخاف ميسرة على نفسه وعلى البعيرين فانطلق يسعى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى البعيرين فوضع يده على أخفافهما وعوّذهما فانطلق البعيران يسعيان فى أوّل الركب ولهما رغاء فلما رأى خزيمة ذلك علم أنّ له شأنا عظيما فحرص على ملازمته ومحافظته فلما دخلوا الشأم نزلوا بصرى عند صومعة بحيرا وكان فيها يومئذ راهب من رهبان الشأم يقال له نسطور فنزل الناس متفرّقين ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة يابسة نخر عودها ولما اطمأنّ تحتها اخضرت وأنورت واعشوشب ما حولها وأينع ثمرها وتدلت أغصانها فر فرفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان ذلك بعين الراهب فلم يتمالك أن انحدر من صومعته وقال له باللات والعزى ما اسمك فقال اليك عنى ثكلتك أمّك ما تكلمت العرب بكلمة أثقل علىّ من هذه الكلمة وكان ذلك مكرا من الراهب وكان معه حين نزل من صومعته رق أبيض فجعل ينظر فيه مرّة والى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أخرى ثم أكب ينظر فيه مليا فقال هو هو ومنزل الانجيل فلما سمع ذلك خزيمة ظنّ أنّ الراهب يريد بالنبىّ صلى الله عليه وسلم مكرا فأخذ بمقبض سيفه فانتزعه وجعل يصيح بأعلى صوته يا آل غالب يا آل غالب فأقبل الناس يهرعون اليه من كل ناحية يقولون ما الذى راعك ما الذى أفزعك فلما نظر الراهب الى ذلك أقبل يسعى الى صومعته فدخل فيها وأغلق عليه بابها ثم أشرف عليهم فقال يا قوم ما الذى راعكم منى فو الذى رفع السموات بغير عمد ما نزل بى ركب هو أحب الىّ منكم وانى لا جد فى هذه الصحيفة أنّ النازل تحت هذه الشجرة وأشار بيده الى الشجرة التى تحتها رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو رسول رب العالمين يبعثه الله بالسيف المسلول وبالذبح الاكبر وهو خاتم النبيين فمن أطاعه نجا ومن عصاه غوى ثم أقبل على خزيمة فقال ما تكون من هذا الرجل أرجلا من قومه قال لا ولكن خادم له وحدّثه بحديث البعيرين فقال له الراهب أيها الرجل انه النبىّ الذى يبعث فى آخر الزمان وانى أجد فى هذه الصحيفة أنه يظهر على البلاد وينصر على العباد ولا تردّ له راية ولا تدرك له غاية وانّ له أعداء أكثرهم اليهود أعداء الله فاحذرهم عليه فأسرّ خزيمة ذلك فى نفسه ثم أقبل الراهب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد انى لأرى فيك شيئا ما رأيته فى أحد من الناس انى لأحسبك النبىّ الذى يخرج من تهامة وانك لصريح فى ميلادك ولأمين فى أنفس قومك وانى لارى عليك محبة من الناس وانى مصدّقك فى قولك وناصرك على عدوّك فانطلق الركب يؤمّون الشأم ثم باع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 النبىّ صلّى الله عليه وسلم سلعته فوقع بينه وبين رجل نزاع فقال له الرجل احلف باللات والعزى فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط وانى لأمر فأعرض عنهما فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة هذا والله نبىّ تجده أحبارنا منعوتا فى كتبهم وكان ميسرة اذا كانت الهاجرة واشتدّ الحرّيرى ملكين يظلان رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الشمس وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة وكان كأنه عبد له فوعى ذلك كله ميسرة فباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون فلما رجعوا وكانوا بمرّ الظهران تقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل مكة فى وقت الظهيرة وخديجة فى علية لها فرأت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته النساء فعجبن لذلك ودخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرّت بذلك خديجة ثم قدم ميسرة ودخل عليها فأخبرته بما رأت فقال ميسرة قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشأم وأخبرها بالربح وبما شاهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبما قال الراهب نسطور وبما قال الآخر الذى حالفه فى البيع فأضعفت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له وكانت خديجة امرأة عاقلة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أفضلهم نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وقومها كانوا حراصا على نكاحها ولكن شرّفها الله بنكاح رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمّا خزيمة فرجع الى بلاده وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا سمعت بخروجك أتيتك ووفد على رسول الله مسلما بعد فتح مكة والله أعلم* (ذكر من خطب خديجة ومن تزوّجها قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم) * فى المنتقى* روى أنّ خديجة ذكرت أوّل ما ذكرت للازواج لورقة بن نوفل ولم يقض بينهما نكاح وفى السمط الثمين قال ابن شهاب تزوّجت خديجة قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم رجلين الاوّل منهما عتيق بن عائذ ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فولدت له جارية اسمها هند فأسلمت وتزوّجت* وفى سيرة مغلطاى ولدت له عبد الله وقيل عبد مناف ثم خلف عليها بعده أبو هالة النباش التميمى وهو من بنى أسد بن عمرو فولدت له رجلا يقال له هند وامرأة يقال لها هالة من النباش بن زرارة ويكنى أبا هالة ويقال له هند* وفى سيرة مغلطاى فولدت له هندا والحارث وزينب وكانت تكنى أمّ هند وتدعى الطاهرة* وفى المنتقى فولدت له هندا وهالة وهما ذكران قال محمد بن اسحاق تزوّجت وهى بكر عتيق بن عائذ ثم هلك عنها فتزوّجها أبو هالة النباش بن زرارة أحد بنى عامر بن تميم حليف بنى عبد الدار فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها* وقال الدار قطنى أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة وعن قتادة مثله وقال أبو هالة هند بن زرارة بن النباش فولدت له هند بن هند* وفى المنتقى اسم أبى هالة هند* وروى عن ابن شهاب أنه قال تزوّجها أوّلا أبو هالة ثم بعده عتيق ذكره الدولابى وأبو عمرو وصحح أبو عمرو قول ابن شهاب الثانى ولم يذكر ابن قتيبة غير الاوّل* (ذكر هند بن هند) * وهو ابن خديجة قال ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمرو عاش هند بن هند ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسلما الى أن قتل مع علىّ يوم الجمل قاله الزبير بن بكار* وقيل مات بالبصرة فى الطاعون فازدحم الناس على جنازته وتركوا جنائزهم وقالوا ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان فصيحا بليغا وصافا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن وأتقن وكان يقول أنا أكرم الناس أبا وأمّا وأخا وأختا ابى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمى خديجة وأخى القاسم وأختى فاطمة رضى الله عنهم أجمعين* وأمّا الجاريتان المذكورتان فى أولاد خديجة من قبل رسول الله فلم أظفر من أخبارهما بشىء والله أعلم* تزوّجه عليه السلام خديجة وفى هذه السنة الخامسة والعشرين بعد قدومه صلّى الله عليه وسلم من سفر الشأم بشهرين وخمسة وعشرين يوما تزوّج كما مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ابن كلاب القرشية الاسدية* قال الزبير بن بكار كانت تدعى فى الجاهلية الطاهرة وأمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن معيص بن لؤى قال ميسرة عبد خديجة* وفى الحدائق قالت نفيسة بنت منبه بدل ميسرة عبد خديجة أرسلتنى خديجة دسيسا الى محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من الشأم فقلت يا محمد ما يمنعك أن تتزوّج قال ما بيدى ما أتزوّج به قلت فان كفيت ذلك ودعيت الى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن هى قلت خديجة قال وكيف لى بذلك قلت علىّ قال افعلى فذهبت الى خديجة وأخبرتها فأرسلت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن ائت لساعة كذا وكذا فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتزوّجها وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وعليه الاكثر وقيل وشهرين وعشرة أيام وقيل احدى وعشرين ستة وقيل ثلاثين* وقال ابن جريج وله سبع وثلاثون سنة* وقال البراقى تسع وعشرون قد راهق الثلاثين كذا فى سيرة مغلطاى وخديجة بنت أربعين سنة وقيل خمس وأربعين وقيل ثلاثين وقيل ثمان وعشرين كذا فى سيرة مغلطاى وأقامت معه أربعا وعشرين سنة* قال ابن اسحاق زوّجه اياها أبوها خويلد بن أسد ويقال أخوها عمرو بن خويلد كذا فى السمط الثمين* وفى المنتقى زوّجها عمها عمرو بن أسد وسيجىء* روى ابن شهاب الزهرى أنه قيل لخويلد بن أسد بن عبد العزى وهو ثمل من الخمر هذا ابن أخيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة وقد رضيت فدعاه فسأله عن ذلك فخطب اليه فأنكحه فخلقت خديجة أباها وحلت عليه حلة ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بها فلما صحا الشيخ من سكرته قال ما هذا الخلوق وما هذه الحلة قالت ابنته أخت خديجة هذه حلة كساكها ابن أخيك محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب أنكحته خديجة ودخل عليها فأنكر ذلك الشيخ ثم صار الى أن سلم واستحيى* وفى المنتقى قال الواقدى هذا غلط والصحيح عندنا المحفوظ عند أهل العلم أنّ عمها عمرو بن أسد زوّجها وانّ أباها مات قبل الفجار* وعن ابن عباس قال انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكر لخديجة فصنعت طعاما وشرابا ودعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا فقالت خديجة لابيها انّ محمد ابن عبد الله يخطبنى فزوّجها اياه فخلقته وألبسته حلة وكذلك كانوا يصنعون اذا زوّجوا نساءهم خرجهما الدولابى* وعن جابر بن سمرة أو غيره قال كانت خديجة تبعث الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالشىء ليبعث به الى أبيها حتى يرغب فيه فيزوّجه خرجه ابن السرى كذا فى السمط الثمين* وقد روى ابن اسحاق فى قصة التزويج ما تقدّم وزاد فى طريق آخر وحضر أبو طالب ورؤساء مضر فخطب أبو طالب فقال الحمد لله الذى جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع اسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم انّ ابن أخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش الارجح وان كان فى المال قلّ فانّ المال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها ما آجله وعاجله من مالى كذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى فلما أتمّ أبو طالب خطبته تكلم ورقة بن نوفل فقال الحمد لله الذى جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يردّ أحد من الناس فخركم وشرفكم وقد رغبنا فى الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا علىّ معاشر قريش بأنى قد زوّجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على أربعمائة دينار ثم سكت ورقة وتكلم أبو طالب وقال قد أحببت أن يشركك عمها فقال عمها اشهدوا علىّ يا معشر قريش أنى قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد وشهد على ذلك صناديد قريش* وفى السمط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الثمين وأصدقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشرين بكرة ولا تضادّ بين هذا وبين ما يقال ان أبا طالب أصدقها اذ يجوز أن يكون أبو طالب أصدقها وزاد صلّى الله عليه وسلم ذلك فى صداقها فكان الكل صداقا وقد ذكر الدولابى وغيره أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصدق خديجة اثنتى عشرة أوقية ذهب وفى المنتقى الصداق أربعمائة دينار ويكون ذلك أيضا زيادة على ما تقدّم* (ذكر وليمته صلّى الله عليه وسلم) * ذكر الملا فى سيرته أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما تزوّج خديجة ذهب ليخرج فقالت له خديجة الى أين يا محمد اذهب وانحر جزورا أو جزورين وأطعم الناس ففعل ذلك صلّى الله عليه وسلم وهى أوّل وليمة أولها صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى فأمرت خديجة جواريها أن يرقصن ويضربن بالدفوف وقالت يا محمد مر عمك أبا طالب ينحر بكرة من بكراتك وأطعم الناس على الباب وهلمّ فقل مع أهلك فأطعم الناس ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال مع أهله خديجة فأقر الله عينه وفرح أبو طالب فرحا شديدا وقال الحمد لله الذى اذهب عنا الكروب ودفع عنا الهموم وعاشت خديجة بعد النكاح اربعا وعشرين سنة وخمسة اشهر وثمانية ايام وقيل خمس عشرة سنة قبل الوحى والباقية بعده وولدت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم أولاده كلهم الا ابراهيم فانه من مارية القبطية وستجىء وفاة خديجة فى الموطن الخامس من حوادث السنة العاشرة من النبوّة* (ذكر تزوّجه عليه السلام أمّهات المؤمنين وعددهنّ اجمالا وسيجىء تفضيل كل منهنّ فى محله ان شاء الله تعالى) * قال المحب الطبرى فى السمط الثمين فى مناقب أمّهات المؤمنين جملة المشهورات المتفق عليهنّ احدى عشرة امرأة ست من قريش وأربع عربيات وواحدة غير عربية من بنى اسرائيل من سبط هارون ابن عمران تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوّلا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصى بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤى القرشية الاسدية أمّها فاطمة بنت زائدة بن الاصم وهى سيدة النساء وأسبقها نكاحا واسلاما وقد سبق ذكر تزوّجها وصداقها قريبا ولا خلاف فى ان أوّل امرأة تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة ولم يتزوّج قبلها ولا عليها حتى ماتت واختلفوا فى ترتيب البواقى مع الاتفاق على نكاح جملتهنّ* وفى المواهب اللدنية وخرج الامام أحمد عن ابن عباس انه صلّى الله عليه وسلم قال أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون قال شيخ الاسلام زكريا الانصارى فى بهجة الحاوى وأفضلهنّ خديجة وعائشة وفى أفضلهما خلاف صحح ابن العماد تفضيل خديجة لما ثبت أنه صلّى الله عليه وسلم قال لعائشة حين قالت له قد رزقك الله خيرا منها لا والله ما رزقنى الله خيرا منها آمنت بى حين كذبنى الناس وأعطتنى مالها حين حرمنى الناس وسئل ابن داود أيهما أفضل فقال عائشة أقرأها النبىّ صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل وخديجة أقرأها جبريل من ربها السلام على لسان محمد فهى أفضل قيل له فمن أفضل خديجة أم فاطمة قال ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فاطمة بضعة منى فلا أعدل ببضعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحدا ويشهد له قوله صلّى الله عليه وسلم أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة الا مريم واحتج من فضل عائشة بأنها فى الآخرة مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الدرجة وفاطمة مع علىّ فيها وسئل السبكى عن ذلك قال الذى نختاره وندين الله به أن فاطمة بنت محمد أفضل ثم أمّها خديجة ثم عائشة وأما خبر الطبرانى خير نساء العالمين مريم ابنة عمران ثم خديجة بنت خويلد ثم فاطمة بنت محمد ثم آسية امرأة فرعون فأجاب عنه ابن العماد بأن خديجة انما فضلت فاطمة باعتبار الامومة لا باعتبار السيادة واختار السبكى ان مريم أفضل من خديجة لهذا الخبر وللاختلاف فى نبوّتها* قال القونوى فى شرح عقيدة الطحاوى لا بدّ وأن يكون الرسول ذكر اخلافا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 للاشعرى فانه يجوّز ذلك للنساء* قال ابن حجر ومن النساء من نبئ وهنّ ست حوّاء وسارة وهاجر ومريم وأمّ موسى وآسية امرأة فرعون* وفى قصيدة بدء الامالى* وما كانت نبيا قط انثى وفى شرحها وقد وقع الاختلاف فى نبوّة أربع نسوة مريم وآسية وسارة وهاجر والصحيح عدم نبوّتهنّ ومن قال ان مريم كانت نبيا فقد ردّ قوله* وفى أنوار التنزيل الاجماع على أنه لم تستنبأ امرأة لقوله تعالى وما أرسلنا من قبلك الا رجالا الآية انتهى* وقال أبو أمامة بن النقاش ان سبق خديجة وتأثيرها فى أوّل الاسلام وموازرتها ونصرتها وقيامها لله بمالها ونفسها لم يشركها فيه أحد لا عائشة ولا غيرها من أمّهات المؤمنين وتأثير عائشة فى آخر الاسلام وحمل الدين وتبليغه الى الامّة وادراكها من الامّة لم يشركها فيه أحد لا خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها* وتزوّج عائشة بنت أبى بكر ابن أبى قحافة القرشية بمكة وهى بنت ست سنين وقيل سبع ودخل بها فى المدينة وهى بنت تسع وقيل عشر سنين وكان مولدها سنة أربع من النبوّة قاله مغلطاى وغيره كذا فى المواهب اللدنية وأمّها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر وتكنى عائشة أمّ عبد الله بعبد الله بن الزبير ابن اختها أسماء بنت أبى بكر وهو الصحيح* ويروى أنها أسقطت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم سقطا ولم يثبت زوّجها منه أبوها وأصدقها أربعمائة درهم وكانت أحب نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت اذا هوت الشىء تابعها عليه وفقدها عليه السلام فى بعض أسفاره فقال واعروساه خرجه أحمد كذا فى المواهب اللدنية وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية أمّها شموس بنت قيس بن زيد زوّجه اياها سليط ابن عمرو ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس وأصدقها أربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له سكران بن عمرو تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد صلّى الله عليه وسلم على عائشة هذا قول قتادة وأبو عبيدة ولم يذكر ابن قتيبة غيره وقال عبد الله بن محمد بن عقيل تزوّجها بعد عائشة روى القولان عن ابن شهاب* وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل القرشية أمّها زينب بنت مظعون بن حبيب زوّجها أبوها وأصدقها أربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت حبيش بن حذافة السهمى فهاجرت معه الى المدينة فمات بها عنها بعد الهجرة عند مقدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم من بدر فخلف عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وزينب بنت خزيمة بن الحارث العربية الهلالية وكانت اخت ميمونة بنت الحارث لامّها زوّجه اياها قبيصة بن عمرو الهلالى وأصدقها أربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت عبد الله بن جحش قتل يوم أحد وقيل يوم بدر كما سيجىء* وامّ سلمة هند وقيل رملة والاوّل أصح بنت أبى أمية سهيل ويعرف بزاد الراكب القرشية امّها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس ومن قال عاتكة بنت عبد المطلب فجعلها بنت عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد أخطأ وانما هى بنت زوجها وأخواها لابيها عبد الله وزهيرا بنا عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت امّ سلمة من أجمل النساء خرجه أبو جهم العلاء الباهلى* وقال أبو عمرو تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم امّ سلمة سنة اثنتين بعد وقعة بدر عقد عليها فى شوّال وبنى بها فى شوّال والله أعلم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابى سلمة بن عبد الاسد وأمّه عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم برّة بنت عبد المطلب فولدت له سلمة وعمرا ورقية وزينب ذكره ابن اسحاق وسيجىء تفصيل نكاحها ووفاتها وذكر أولادها فى الموطن الرابع زوّجه اياها ابنها سلمة وأصدقها فراشا حشوه ليف وقدحا وصحفة ومجشة وذكر الملافى سيرته أن ابنها حال تزويجها كان غلاما لم يبلغ ولا أراه يصح والله تعالى أعلم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند أبى سلمة بن عبد الاسد* وزينب بنت جحش بن رباب العربية أمّها أميمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 بنت عبد المطلب كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوّجها من زيد بن حارثة فلما طلقها زيد تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة خمس من الهجرة وقيل سنة ثلاث زوّجه اياها أخوها ابو أحمد ابن جحش وأصدقها اربعمائة درهم* وجويرية بنت الحارث بن ابى ضرار الخزاعية المصطلقية العربية قال ابن هشام اشتراها صلّى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس واعتقها وتزوّجها وأصدقها أربعمائة درهم ويقال أسلم أبوها وزوّجه اياها وأصدقها أربعمائة درهم* وأمّ حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشية الاموية أمّها صفية بنت ابى العاص عمة عثمان بن مظعون زوّجه اياها خالد بن سعيد بن العاص بالحبشة وأصدقها النجاشى عنه أربعمائة دينار وهو الذى خطبها على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند عبيد الله بن جحش* وصفية بنت حيى بن اخطب الغير العربية من بنى اسرائيل من سبط هارون بن عمران من بنى النضير امّها برّة بنت شمول وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند سلام بن مشكم وكان شاعرا ثم خلف عليها كنانة ابن أبى الحقيق وكان شاعرا أيضا قتل يوم خيبر ثم تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سنة سبع من الهجرة وكانت من سبايا خيبرا صطفاها لنفسه وجعل عتقها صداقها* وميمونة بنت الحارث العربية الهلالية أمّها هند بنت عوف بن زهير كان اسمها برّة سماها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ميمونة وهى خالة ابن عباس وخالد بن الوليد واخواتها أمّ الفضل لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب أمّ عبد الله بن عباس ولبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومى أمّ خالد بن الوليد وعصماء بنت الحارث كانت تحت أبى بن خلف الجمحى فولدت له أبا أبى وعزة بنت الحارث كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلالى فهؤلاء اخواتها لابيها واخواتها لامّها اسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبى طالب فولدت له عبد الله ومحمدا وعونا ثم خلف عليها ابو بكر فولدت له محمدا ثم خلف عليها علىّ فولدت له يحيى وسلمى بنت عميس اخت اسماء كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له امة الله بنت حمزة ثم خلف عليها شدّاد بن اسامة بن الهادى الليثى فولدت له عبد الله وعبد الرحمن وسلامة بنت عميس اخت اسماء كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمى وزينب بنت خزيمة زوج النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكر جميعه ابو عمرو* وكان يقال اكرم عجوز فى الارض أصهارا هند بنت عوف أصهارها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابو بكر الصدّيق وحمزة والعباس ابنا عبد المطلب وجعفر وعلى ابنا أبى طالب وشدّاد بن الهادى ذكره ابو سعيد فى شرف النبوّة كذا فى السمط الثمين زوّجه اياها العباس بن عبد المطلب وأصدقها العباس عنه اربعمائة درهم* هذا ما نقله ابن اسحاق من انّ صداقه صلى الله عليه وسلم لاكثر نسائه اربعمائة درهم وقد روى مسلم عن عائشة قالت كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكثر نسائه اثنتى عشرة اوقية ونشا قالت اتدرى ما النش قلت لا قالت نصف اوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله صلّى الله عليه وسلم لازواجه وهذا اولى بالصحة لانه متفق على صحته ولان راويه معه زيادة علم كذا فى السمط الثمين* وماتت خديجة وزينب بنت خزيمة فى حياته وتوفى صلّى الله عليه وسلم عن التسع البواقى بلا خلاف وعن امّ ولد هى مارية بنت شمعون القبطية امّ ابراهيم وقد ذكر أنه صلّى الله عليه وسلم تزوّج نسوة غير من تقدّم ذكره وجملتهنّ اثنتا عشرة امرأة* الاولى الواهبة نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم واختلف من هى فقيل امّ شريك القرشية العامرية اسمها غزية بضم الغين المعجمة وفتح الزاى وتشديد المثناة التحيّة بنت داود كذا فى المواهب اللدنية* وفى بعض الكتب بنت دودان وقيل بنت جابر بن عوف من بنى عامر بن لؤى وكان ذلك بمكة وكانت قبله صلّى الله عليه وسلم تحت ابى العسكر بن تميم بن الحارث الازدى فولدت له شريكا وقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 كانت تحت الطفيل بن الحارث فولدت له شريكا والاوّل اصح وطلقها النبىّ صلّى الله عليه وسلم واختلف فى دخوله بها وقيل هى امّ شريك غزية الانصارية من بنى النجار* قال ابو عمرو الصواب غزيلة وقد عدّها احمد بن صالح المصرى فى ازواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا ما ذكره ابو عمرو وما خلا الطلاق فحكاه الفضائلى الرازى* وقال صاحب الصفوة هى امّ شريك غزية بنت جابر الدوسية قال والاكثرون على انها هى التى وهبيت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوّج حتى ماتت وعن ابن عباس وهبت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم بغير مهر فقبلها ودخل عليها خرجه فى الصفوة وذكر ابن قتيبة فى المعارف عن أبى اليقظان قال ابن الواهبة نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم السلمى ويجوز أن تكونا وهبتا انفسهما من غير تضادّ* عن عروة بن الزبير قال كانت خولة بنت حكيم من اللائى وهبن أنفسهنّ للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحيى المرأة ان تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهنّ وتؤوى اليك الآية قالت عائشة يا رسول الله ما أرى ربك الا يسارع فى هواك رواه الشيخان وهذه خولة هى زوجة عثمان بن مظعون ويجوز أن يكون وقع منها ذلك قبل عثمان وكذلك حكاه الفضائل الرازى قال فلما ارجأها النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّجها عثمان ويجوز أن يكون وقع ذلك منها بعد وفاته* وفى الكشاف وغيره من التفاسير اختلف فى انه هل اتفق أن تهب امرأة نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم تطلب مهرا أم لا عن ابن عباس لم يكن عنده أحد منهنّ* وآية وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ بيان حكم فى المستقبل والقائل باتفاق ذلك ذكر أربعا ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة الانصارية وامّ شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم* الثانية خولة بنت الهذيل بن هبيرة تزوّجها صلّى الله عليه وسلم فيما ذكره الجرجانى فى النسابة وهلكت فى الطريق قبل وصولها اليه ذكره أبو عمرو وأبو سعيد* الثالثة عمرة بنت يزيد ابن الجون بفتح الجيم الكلابية ثم الوحيدية وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية* قال أبو عمرو هذا اصح تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتعوّذت منه حين أدخلت عليه فقال لها لقد عذت بمعاذ فطلقها وأمر صلّى الله عليه وسلم اسامة بن زيد فمتعها بثلاثة أثواب* قال أبو عمرو هكذا روى عن عائشة رضى الله عنها وقال قتادة كان ذلك فى امرأة من بنى سليم وقال أبو عبيدة انما ذلك لاسماء بنت النعمان بن الجون وهكذا ذكره ابن قتيبة وسيأتى ان شاء الله تعالى وقال فى عمرة هذه ان أباها وصفها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم قال وأزيدك انها لم تمرض قط فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما لهذه عند الله من خير ثم طلقها* وفى المنتقى قال عمرة هذه بنت القرطا وقيل انه تزوّجها فقال أبوها ذلك فطلقها ولم يبن بها* الرابعة أسماء بنت النعمان بن الجون بفتح الجيم ابن شراحيل* وفى المنتقى وقيل أميمة بنت النعمان بن شراحيل وقيل بنت النعمان بن الاسود بن الحارث بن شراحيل من كندة وأجمعوا على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم تزوّجها واختلفوا فى قصة فراقه صلّى الله عليه وسلم لها فقال قتادة وأبو عبيدة انه صلّى الله عليه وسلم لما دعاها قالت تعال انت وأبت أن تجىء* وقال بعضهم قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله منى* وفى المنتقى أعذتك ألحقى باهلك وعن عائشة رضى الله عنها قال ان ابنة الجون لما دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم لقد عذت بعظيم ألحقى بأهلك أخرجه البخارى وقيل ان نساءه صلّى الله عليه وسلم علمنها ذلك فانها كانت من أجمل النساء فخفن أن تغلبهنّ عليه فقلن لها انه يحب اذا دنا منك أن تقولى أعوذ بالله منك فلما دنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم قد عذت بمعاذ وطلقها ثم سرحها الى أهلها وكانت تسمى نفسها الشقية* وقال الحرجانى قلن لها اذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أردت أن تحظى عنده تعوّذى بالله منه فقالت ذلك فصرف وجهه صلّى الله عليه وسلم عنها وقال لها ألحقى بأهلك فخلف عليها المهاجر بن أبى أمية المخزومى فأراد عمر رضى الله عنه أن يحدّها فقالت لم يدخل بى وأقامت له البينة على ذلك ثم خلف عليها قيس بن مكشوح المرادى* وقال أبو اليقظان فيما حكاه ابن قتيبة لما دخل عليها قال لها هبى لى نفسك قالت وهل تهب المليكة نفسها للسوقة فأهوى بيده ليضعها عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم لقد عذت بمعاذ ثم سرّحها ومتعها وقيل المتعوّذة امرأة غيرها* قال أبو عبيدة ويجوز أن تكونا تعوّذتا منه صلّى الله عليه وسلم وقال آخرون كان بأسماء وضح فقال ألحقى بأهلك* قال ابن شهاب فارق رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخت بنى الجون من أجل بياض كان بها* قال أبو عمرو والاختلاف فى الكندية كثير جدّا وقد قيل فى اسمها أمية ولم يذكر ابن قتيبة غيره وقيل أمامة والوجهان حكاهما أبو عمرو* الخامسة مليكة بنت كعب الليثية قال أبو سعيد ولما دخل صلّى الله عليه وسلم عليها قال لها هبى لى نفسك القصة المتقدّمة آنفا الى آخرها عن ابن قتيبة وحكاها أبو سعيد فى هذه والاصح أنها تعوّذت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففارقها قبل أن يدخل بها وقيل دخل بها وماتت عنده حكاه الفضائلى والاوّل أصح* السادسة فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابى تزوّجها صلّى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنته زينب وخيرها حين نزلت آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها صلّى الله عليه وسلم فكانت بعد ذلك تلتقط البعر وتقول هى الشقية اختارت الدنيا هكذا رواه ابن اسحاق* قال أبو عمرو وهذا عندنا غير صحيح لان ابن شهاب يروى عن عروة عن عائشة قالت ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين خيرت أزواجه بدأ بها فاختارت الله ورسوله وتابع أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم على ذلك* وقال قتادة وعكرمة كان عنده صلّى الله عليه وسلم عند التخيير تسع نسوة وهنّ اللواتى توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهنّ وقد قيل ان الضحاك بن سفيان عرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابنته وقال انها لم تصدع قط فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا حاجة لى بها وقيل انه صلّى الله عليه وسلم تزوّجها سنة ثمان ذكر ذلك كله أبو عمرو وأبو سعيد وبعضه عند ابن قتيبة* وفى المنتقى وقيل انها هى التى قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم قد عذت بمعاذ* السابعة غالية بنت ظبيان بن عمر بن عوف الكلابية تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت عنده ما شاء الله تعالى ثم طلقها وقلّ من ذكرها ذكر ذلك أبو عمرو وقال أبو سعيد طلقها صلّى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه* الثامنة قتيلة بضم القاف وفتح المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية بنت قيس بن معدى كرب الكندية اخت الاشعث بن قيس الكندى ويقال قيلة والصواب قتيلة زوّجه اياها أخوها فى سنة عشر ثم انصرف الى حضر موت فحملها وقبض صلّى الله عليه وسلم فى سنة احدى عشرة قبل قدومها عليه من بلدها حضر موت وقبل خروجها من اليمن وقبل دخوله بها قاله الجرجانى وقيل تزوّجها صلّى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهرين قال قائلون ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهرين أوصى بأن تخير فان شاءت ضرب عليها الحجاب فكانت من أمّهات المؤمنين وان شاءت الفراق فلتنكح من شاءت فاختارت النكاح فتزوّجها عكرمة بن أبى جهل بحضر موت فبلغ ذلك أبا بكر فقال هممت أن أحرق عليها بيتها فقال له عمر ما هى من أمّهات المؤمنين ما دخل بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا ضرب عليها الحجاب* وقال بعضهم لم يوص فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشىء ولكنها ارتدت حين ارتد أخوها وبذلك احتج عمر على أبى بكر انها ليست من امّهات المؤمنين بارتدادها ولم تلد لعكرمة وفيها اختلاف كثير ذكر ذلك كله أبو عمرو وبعضه أبو سعيد والفضائلى الرازى التاسعة سبأ بنت أبى الصلت السلمية تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ومات قبل أن يدخل بها* وقال ابن اسحاق طلقها صلّى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها حكاهما أبو عمرو ولم يحك أبو سعيد غير الاوّل العاشرة شراف بفتح الشين وتخفيف الراء وبالفاء بنت خليفة الكلبية اخت دحية الكلبى تزوّجها صلّى الله عليه وسلم فهلكت قبل دخوله بها ذكره أبو عمرو وغيره وفى المنتقى أساف مكان شراف الحادية عشر خولة بنت حكيم الانصارية الاوسية التى وهبت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكرها أحمد بن صالح المصرى فى أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم* قال أبو عمرو ولم يذكرها غيره فيما علمت* وقال أبو سعيد والفضائلى ليلى بنت خطيم الانصارية بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة أخت قيس تزوّجها النبى صلّى الله عليه وسلم وكانت غيورا فاستقالته صلى الله عليه وسلم فأقالها فأكلها الذئب وقيل هى التى وهبت نفسها له صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى ليلى بنت الخطيم الانصارية ضربت ظهره صلّى الله عليه وسلم فقال عليه السلام أكلك الاسد ثم تزوّجها فقالت أقلنى فأقالها فأكلها الذئب الثانية عشر امرأة من غفار تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى بكشحها بياضا فقال ألحقى بأهلك ولم يأخذ صلّى الله عليه وسلم مما آتاها شيئا خرجه أحمد* وفى المنتقى عمرة بنت يزيد رأى بها بياضا فقال دلستم علىّ فردّها فهؤلاء جملة من ذكر من أزواجه عليه السلام وفارقهنّ فى حياته بعضهنّ قبل الدخول وبعضهنّ بعده على ما قرّرناه فيكون جملة من عقد صلّى الله عليه وسلم عليهنّ ثلاثا وعشرين امرأة دخل صلّى الله عليه وسلم ببعضهنّ دون بعض مات عنده صلّى الله عليه وسلم منهنّ بعد الدخول خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة رضى الله عنهما وماتت منهنّ قبل الدخول اثنتان اخت دحية وبنت الهذيل باتفاق واختلف فى مليكة وسبأهل ماتتا أو طلقهما مع الاتفاق على انه صلّى الله عليه وسلم لم يدخل بهما وفارق صلّى الله عليه وسلم بعد الدخول باتفاق بنت الضحاك وبنت ظبيان وقبل الدخول باتفاق عمرة وأسماء الغفارية واختلف فى أمّ شريك هل دخل صلّى الله عليه وسلم بها مع الاتفاق على الفرقة والمستقيلة التى جهل حالها فالمفارقات باتفاق سبع واثنتان على خلف والميتات فى حياته باتفاق أربع ومات صلّى الله عليه وسلم عن عشر واحدة لم يدخل بها وذكر أبو سعيد فى شرف النبوّة ان جملة أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم احدى وعشرون امرأة طلق منهنّ ستا وماتت عنده خمس وتوفى عن عشر واحدة لم يدخل بها وكان يقسم لتسع فى الصحيحين عن ابن عباس انه عليه السلام كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة* قال عطاء هى صفية بنت حيى بن أخطب ولقوله تعالى ترجئ من تشاء منهنّ وتؤوى اليك من تشاء ترجئ بهمزة وبغير همزة تؤخر وتؤوى تضم يعنى تترك مضاجعة من تشاء وتضاجع من تشاء* روى انه أرجى منهنّ سودة وجويرية وصفية وميمونة وأمّ حبيبة وكان يقسم لهنّ ما شاء كما شاء وكانت ممن آوى اليه عائشة وحفصة وامّ سلمة وزينب أرجى خمسا وآوى أربعا كذا فى الكشاف وكذا ذكره المنذرى* (ذكر من خطب صلّى الله عليه وسلم من النساء ولم يعقد عليهنّ) * وقد روى أنه صلّى الله عليه وسلم خطب عدّة نسوة الاولى منهن امرأة من بنى مرّة بن عوف ابن سعد بن دينار* قال أبو اليقظان خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى أبيها فقال ان بها برصا وهو كاذب فرجع فوجدها برصاء ويقال ان ابنها شبيب بن البرصاء بن الحارث بن عوف المزنى ذكره ابن قتيبة كما قاله الطبرى وعند ابن الاثير فى جامع الاصول عمرة بنت الحارث بن عوف خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبوها ان بها سوأ ولم يكن بها سوء فرجع اليها أبوها وقد برصت ويقال هى امّ شبيب بن البرصاء الشاعر الثانية امرأة قرشية يقال لها سودة خطبها صلّى الله عليه وسلم وكانت مصبية فقالت أخاف ان تضغو صبيتى أى يصيحوا ويبكوا عند رأسك فدعا صلّى الله عليه وسلم لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وتركها الثالثة امراة تدعى صفية بنت بشامة بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة وكان صلّى الله عليه وسلم أصابها فى سبى فخيرها بين نفسه الكريمة وبين زوجها فاختارت زوجها الرابعة لم يذكر اسمها قيل انه صلّى الله عليه وسلم خطبها فقالت أستأمر أبى فلقيت أباها فأذن لها فعادت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال لها قد التحفنا غيرك الخامسة أمّ هانئ فاختة او هند على اختلاف فى اسمها بنت أبى طالب اخت علىّ خطبها النبى صلّى الله عليه وسلم فقالت انى امرأة مصبية واعتذرت اليه فعذرها صلّى الله عليه وسلم* وعن أبى صالح عن امّ هانئ بنت أبى طالب قالت خطبنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاعتذرت اليه فعذرنى فأنزل الله تعالى انا أحللنا لك ازواجك اللاتى آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ الآية قالت فلم أكن أحل له لانى لم أهاجر كنت من الطلقاء خرجه الترمذى* وفى رواية عند غيره عن ابى صالح عن امّ هانئ قالت نزلت هذه الآية فأراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان يتزوّجنى فنهى عنى لانى لم اهاجر السادسة ضباعة بالضاد المعجمة وتخفيف الموحدة وبالعين المهملة بنت عامر بن قرط بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة ابن سلمة خطبها صلّى الله عليه وسلم الى ابنها سلمة بن هاشم فقال حتى أستأمرها فقيل للنبىّ صلّى الله عليه وسلم انها قد كبرت فلما عاد وقد أذنت له سكت عنها صلّى الله عليه وسلم ولم ينكحها ذكر الخمس الفضائلى الرازى قال وعرض عليه صلّى الله عليه وسلم اثنتان فامتنع لقيام مانع وأمامة بنت حمزة وهى السابعة فقال صلّى الله عليه وسلم هى ابنة أخى من الرضاعة وعزة بنت أبى سفيان وهى الثامنة عرضتها اختها امّ حبيبة عليه صلّى الله عليه وسلم فقال لا تحل لى لمكان أختها أمّ حبيبة هذا يضادّ ما مرّ فى خصائصه صلّى الله عليه وسلم فى الفصل الثانى من الطليعة الثالثة من اختصاصه باباحة الجمع بين المرأة وأختها* وفى المواهب اللدنية وقيل تزوّج صلّى الله عليه وسلم الجندعية بضم الجيم وسكون النون وضم الدال وبالعين المهملة امرأة من جندع وهى ابنة جندب بن ضمرة ولم يدخل بها وأنكره بعض الرواة فهؤلاء النساء اللاتى ذكر انه صلّى الله عليه وسلم تزوّجهنّ أو خطبهنّ أو دخل بهنّ أو لم يدخل بهنّ أو عرضن عليه والله أعلم* (ذكر سراريه) * قال أبو عبيدة كان له صلّى الله عليه وسلم سرارى أربع مارية القبطية وريحانة وجارية أخرى وهبتها له صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وأخرى جميلة أصابها صلّى الله عليه وسلم فى بعض السبى فأما مارية القبطية بنت شمعون بالشين المعجمة فأهداها له صلّى الله عليه وسلم المقوقس القبطى صاحب الاسكندرية ومصر وهى من انصنا قرية من اعمال مصر ذكره فى فتوح مصر والمقوقس ملك انصنا* قال ابن لهيعة مارية من حفن من كورة انصنا كذا فى سيرة ابن هشام واهدى معها أختها سيرين بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الراء وبالياء الساكنة وبالنون آخرها وخصيا يقال له مأبور وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من قباطى مصر وبغلة شهباء وهى دلدل وحمارا أشهب وهو عفير ويقال يعفور وعسلا من عسل بنها فأعجب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعا فى عسل بنها بالبركة* قال ابن الاثير بنها بكسر الباء وسكون النون قرية من قرى مصر بارك النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى عسلها والناس اليوم يفتحون الباء كذا فى المواهب اللدنية فوهب صلّى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت وهى أمّ عبد الرحمن بن حسان وأما مارية فاستولدها صلّى الله عليه وسلم فولدت له ابراهيم فقال صلّى الله عليه وسلم أعتقها ولدها فتوفيت مارية فى خلافة عمر سنة ست عشرة ودفنت بالبقيع وكان عمر يحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها وصلّى عليها وأما ريحانة فهى ابنة شمعون بن زيد من بنى قريظة وقيل من بنى النضير والاوّل أظهر وماتت قبل وفاة النبىّ صلّى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 عليه وسلم مرجعه من حجة الوداع سنة عشر ودفنت بالبقيع وكان صلّى الله عليه وسلم سباها ووطئها بملك اليمين وقيل أعتقها وتزوّجها فى سنة ست ولم يذكر ابن الاثير غيره وكانت قبله تحت رجل من بنى قريظة فسباها وتزوّج بها وقال الزهرى استسرّها ثم أعتقها فلحقت بأهلها ذكر ذلك كله أبو عمرو وصاحب الصفوة الرازى وأما المسبية والموهوبة فذكرهما صاحب الصفوة والفضائلى ولم يذكرا من أخبارهما شيئا والله أعلم وفضلت زوجاته صلّى الله عليه وسلم على النساء وثوابهنّ وعقابهنّ مضاعفان ولا يحل سؤالهنّ الا من وراء حجاب وأزواجه أمّهات المؤمنين سواء من مات عنها أو ماتت عنه وهى تحته فى تحريم نكاحهنّ ووجوب احترامهنّ لا فى نظرة ولا فى خلوة ولا يقال بناتهنّ أخوات المؤمنين ولا آباؤهنّ ولا أمّهاتهنّ اجداد وجدّات ولا اخوتهنّ ولا أخواتهنّ أخوال وخالات كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة مغلطاى زوجاته اللاتى عقد عليهنّ أو خطبهنّ أو عرضن عليه ولم يدخل بهنّ أسماء بنت الصلت السلمية وأسماء بنت النعمان وقيل بنت الاسود الكندية وعمرة بنت الحارث المزنية وأمامة ويقال عمارة بنت حمزة وآمنة بنت الضحاك بن سفيان وأميمة بنت شراحيل وحبيبة بنت سهل وحمدة بنت الحارث وخولة بنت حكيم ويقال خويلة السلمية وخويلة بنت هذيل الثعلبية وسلمى بنت نجدة الليثية وسناء بنت سفيان الكلابية وسناء بنت الصلت السلمية* وفى تاريخ أمراء خراسان للسلامى سناء بنت أسماء السلمية عمة عبد الله ابن حازم أمير خراسان تزوّج بها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك ماتت فرحا انتهى وسودة القرشية وشرافة بنت خليفة الكلبية وصفية بنت بشارة بن نضلة وضباعة بنت عامر والغالية بنت ظبيان وعمرة بنت يزيد الكلابية وعمرة بنت معاوية الكندية وغزية بنت حكيم العامرية وفاختة بنت أبى طالب وفاطمة بنت شريح وفاطمة بنت الضحاك الكلابية وقيلة بنت قيس بن معدى كرب وقتيلة بنت الحارث الشاعرة وليلى بنت الخطيم وليلى بنت حكيم ومليكة بنت داود ومليكة بنت كعب* وقال الواقدى دخل بها وتوفيت عنده فى شهر رمضان سنة ثمان وهند بنت يزيد وأم حبيب ابنة عمة العباس ونعامة العنبرية وأمّ شريك الانصارية وأمّ شريك الغفارية* (ذكر أولاده صلّى الله عليه وسلم وكميتهم ومواليدهم وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه) * وجملة ما اتفق عليه ستة ابنان القاسم وابراهيم وأربع بنات زينب ورقية وأمّ كلثوم ولا يعرف لها اسم وانما تعرف بكنيتها وفاطمة وكلهنّ أدركن الاسلام وهاجرن معه واختلف فيما سوى هؤلاء قيل لم يكن له صلّى الله عليه وسلم سواهم حكاه أبو عمرو والمشهور خلافه* قال ابن اسحاق كان له صلّى الله عليه وسلم الطاهر والطيب أيضا فيكون على هذا جملتهم ثمانية أربعة ذكور وأربع اناث* وقال الزبير بن بكار كان له غير ابراهيم والقاسم عبد الله مات صغيرا بمكة ويقال له الطيب والطاهر ثلاثة أسماء وهو قول أكثر أهل النسب قاله أبو عمرو* وقال الدار قطنى وهو الاثبت وسمى بالطيب والطاهر لانه ولد بعد النبوّة فيكون على هذا جملتهم سبعة ثلاثة ذكور وكذا قاله ابن الجوزى فى الحدائق وقيل عبد الله غير الطيب والطاهر حكاه الدار قطنى وغيره فعلى هذا تكون جملتهم تسعة خمسة ذكور وأربعة اناث وقيل كان له صلّى الله عليه وسلم الطيب والمطيب ولدا فى بطن والطاهر والمطهر ولدا فى بطن ذكره صاحب الصفوة فيكونون على هذا احد عشر وقيل ولد له صلّى الله عليه وسلم ولد قبل المبعث يقال له عبد مناف فيكونون على هذا اثنى عشر وهذا القائل يقول أولاده كلهم سوى هذا ولدوا فى الاسلام بعد المبعث* وقال ابن اسحاق ولد أولاده كلهم غير ابراهيم قبل الاسلام وهلك البنون قبل الاسلام وهم يرضعون وقد تقدّم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوّة فلذلك سمى بالطيب والطاهر فيحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 من مجموع الاقوال على ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وابراهيم وستة مختلف فيهم عبد مناف وعبد الله والطبب والمطيب والطاهر والمطهر والاصح انهم ثلاثة ذكور وأربع بنات متفق عليهنّ وكلهم من خديجة بنت خويلد الا ابراهيم وعن هشام بن عروة عن أبيه ولدت خديجة للنبىّ عبد العزى وعبد مناف والقاسم قلت لهشام فأين الطيب والطاهر فقال هذا ما وضعتم أنتم يا أهل العراق فأما أشياخنا فقالوا عبد العزى وعبد مناف والقاسم ولا يجعل عبد العزى على هذه الرواية تاسعا لان رواتها تنفى ما سوى الثلاثة بخلاف ما تقدّم وهذا خرجه أبو الجهم الباهلى وكان أكبر ولده صلّى الله عليه وسلم القاسم وبه كان صلّى الله عليه وسلم يكنى وعاش حتى مشى وقيل عاش سنتين وقال مجاهد مكث سبع ليال ثم هلك ذكره ابن قتيبة وقيل بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيب ومات قبل البعث أو بعده على الخلاف المتقدّم وهو أوّل من مات من ولده ثم ولد له صلّى الله عليه وسلم زينب ثم عبد الله ثم أمّ كلثوم ثم فاطمة ثم رقية وقيل اوّل من ولد له صلّى الله عليه وسلم زينب ثم القاسم ثم أمّ كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله وقيل رقية اكبر من امّ كلثوم وهو الاشبه لان عثمان تزوّجها أوّلا فى اوّل اسلامه ثم امّ كلثوم بعدها بعد وقعة بدر والظاهر ان الكبيرة تزوّج اوّلا وان جاز خلافه والاكثر على أن فاطمة اصغرهنّ سنا ولا خلاف ان زينب اكبرهنّ سنا قاله ابو عمرو* (ذكر زينب رضى الله عنها) * قد تقدّم انها اكبر بناته صلّى الله عليه وسلم بلا خلاف الا ما لا يصح وانما الخلاف فيها وفى القاسم أيهما ولد أوّلا قال ابن اسحاق سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان يقول ولدت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنة ثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم وادركت الاسلام واسلمت وهاجرت وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم محبا لها* (ذكر من تزوّجها) * وكان تزوّجها ابن خالتها ابو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف فى الجاهلية واسمه لقيط وعليه الاكثر وقيل هشيم وقيل مهشم وفى المنتقى اسمه القاسم أمّه هالة بنت خويلد اخت خديجة لابيها وامّها قاله الدار قطنى فخديجة خالته وعن عائشة قالت كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة وأمانة فقالت خديجة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم زوّجه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه الوحى فزوّجه زينب فلما أكرم الله نبيه بنبوّته آمنت خديجة وبناته فلما نادى قريشا بأمر الله تعالى أتوا أبا العاص بن الربيع فقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوّجك بأى امرأة شئت من قريش فقال لا والله لا أفارق صاحبتى وما يسرّنى ان لى بامرأتى أفضل امرأة من قريش وعن عائشة قالت كان الاسلام فرق بين زينب وبين أبى العاص الا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يقدر أن يفرق بينهما وكان مغلوبا بمكة* (ذكر هجرتها) * عن عروة بن الزبير عن عائشة ان النبىّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة تريد المدينة فخرجوا فى اثرها فأدركها هبار بن الاسد فجعل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها فألقت ما فى بطنها وأهريقت دما وسيجىء فى غزوة بدر فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية فقالت بنو هاشم نحن أحق بها وقالت بنو أمية نحن أحق بها لكونها تحت ابن عمهم أبى العاص فكانت عند هند فكانت تقول لها هذا فى سبب أبيك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة ألا تنطلق فتجيئنى بزينب قال بلى يا رسول الله قال فخذ خاتمى فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقى راعيا فقال لمن ترعى قال لابى العاص فقال فلمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فسار معه شيئا ثم قال هل لك أن اعطيك شيئا تعطيها اياه ولا تذكره لاحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعى فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت فأين تركته قال مكان كذا وكذا فسكتت حتى اذا كان الليل خرجت اليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فلما جاءته قال لها زيد اركبى بين يدى على بعيرى قالت لا ولكن اركب أنت بين يدى فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة فكان عليه السلام يقول هى أفضل بناتى أصيبت فىّ فبلغ ذلك علىّ بن الحسين فانطلق الى عروة فقال ما حديث بلغنى عنك تحدثه نتتقص به حق فاطمة* قال عروة ما أحب ان لى ما بين المشرق والمغرب وانى انتقص فاطمة حقا هولها وأما بعد ذلك علىّ أنى لا أحدّث به أحدا خرجه الدولابى* وقد روى أن أبا العاص لما أسر يوم بدر وفدى نفسه فأطلق أخذ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم العهد ان ينفذها اليه اذا عاد الى مكة ففعل فجاءت مهاجرة الى المدينة خرجه الفضائلى ولعل الهجرة الاولى كانت بارسال أبى العاص فلما منعتها قريش خرج زيد وأتى بها ولا تضاد بينهما وسيجىء ذكر اسلام زوجها أبى العاص وحكم نكاحها بعد الاسلام* (ذكر وفاتها) * ماتت زينب فى حياة أبيها فى سنة ثمان من الهجرة وسيجىء فى الموطن الثامن وكان سبب وفاتها سقوطها من بعيرها لما طعنه هبار على ما تقدّم وسقطت على صخرة وأهريقت دما ولم تزل مريضة بذلك حتى ماتت قاله أبو عمرو* وعن ابن عمر زاد أنه لما دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابنته زينب جلس عند القبر فتربد وجهه ثم سرى عنه فسأله أصحابه عن ذلك فقال ذكرت ابنتى زينب وضعفها وعذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها وأيم الله لقد ضمت ضمة سمعها ما بين الخافقين خرجه سعيد ابن منصور فى سننه وكان زوجها أبو العاص محبا لها فقال وهو متوجه فى بعض اسفاره الى الشام ذكرت زينب لما وركت ارما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الكرما بنت الامين جزاها الله صالحة ... وكل بعل سينبى بالذى علما ثم تزوّج أبو العاص بنت سعيد بن العاص وهلك بالمدينة فى خلافة عثمان وأوصى الى الزبير بن العوّام* (ذكر ولدها) * قال أبو عمرو وغيره ولدت زينب من أبى العاص غلاما يقال له على توفى وقد ناهز الحلم وكان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح وجارية يقال لها امامة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحبها وكان يحملها فى الصلاة على عاتقه فاذا ركع وضعها واذا رفع رأسه من السجودا عادها وتزوّجها على بن أبى طالب بعد فاطمة وقيل ان فاطمة كانت أوصته بذلك ذكره الدار قطنى وزوّجها منه الزبير بن العوام وكان أبوها اوصى بها اليه فولدت له ولد اسماه محمدا وقيل قتل عنها ولم تلد له ذكره الدار قطنى فلما قتل علىّ تزوّجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وكان علىّ قد أمره بذلك بعده لانه خاف أن يتزوّجها معاوية فتزوّجها فولدت له يحيى وبه كان يكنى وماتت عنده قيل فى سنة خمسين من الهجرة* وروى أن عليا قال لها حين حضرته الوفاة انى لا آمن أن يخطبك يعنى معاوية فان كان لك فى الرجال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما انقضت عدّتها كتب معاوية الى مروان يأمره أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت الى المغيرة بن نوفل ان هذا أرسل يخطبنى فان كان لك بنا حاجة فأقبل فأقبل وخطبها الى الحسن بن علىّ فزوّجها منه خرج جميع ذلك أبو عمرو وذكر الدولابى أن عليا لما أصيب ولت أمرها المغيرة بن نوفل فقال المغيرة بن نوفل اشهدوا أنى قد تزوّجتها وأصدقتها كذا وكذا* (ذكر رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم) * ذكر الزبير بن بكار وغيره انها أكبر بناته صلّى الله عليه وسلم وصححه الجرجانى النسابة وقد تقدّم أن الاصح والذى عليه الاكثر أن زينب أكبرهنّ ولدت رقية ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون سنة* (ذكر من تزوّجها) * كانت رقية تحت عتبة بن أبى لهب واختها أمّ كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما نزلت تبت يدا أبى لهب وتب قال لهما رأسى من رأسكما حرام ان لم تفارقا ابنتى محمد ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوّج رقية عثمان ابن عفان بمكة وهاجر بها الهجرتين الى أرض الحبشة ثم الى المدينة وكانت ذات جمال رائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وفى حياة الحيوان لما هاجر بها الى ارض الحبشة كان فتيان أهل الحبشة يتعرّضون لها ويتعجبون من جمالها فأذاها ذلك فدعت عليهم فهلكوا جميعا ذكر الدولابى ان تزويج عثمان رقية كان فى الجاهلية وذكر غيره ما يدل على أن تزويجه اياها كان بعد اسلامه وعن عائشة رضى الله عنها أتت قريش عتبة بن أبى لهب فقالوا له طلق ابنة محمد ونحن نزوّجك أىّ امرأة شئت من قريش فقال ان زوّجتمونى ابنة أبان ابن سعيد بن العاص أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوّجوه ففارقها ولم يكن دخل بها فاخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له وخلف عليها عثمان بن عفان* (ذكر تزويج عثمان رقية) * كان بوحى من الله تعالى وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان الله أوحى الىّ أن ازوّج كريمتىّ عثمان بن عفان خرجه الطبرانى فى معجمه وخرج خيثمة بن سليمان عن عروة بن الزبير وزاد بعد قوله كريمتى يعنى رقية وامّ كلثوم* (ذكر هجرتها) * كانت رقية ممن هاجرت الهجرتين عن أنس قال أوّل من هاجر الى ارض الحبشة عثمان وخرج معه بابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأبطأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبرهما فجعل يتوكف الخبر فقدمت امرأة من قريش فسألها فقالت رأيتها فقال على أى حال رأيتها فقالت رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب وهو يسوقها فقال النبى صلّى الله عليه وسلم صحبهما الله ان كان عثمان لأوّل من هاجر الى الله عز وجل بعد لوط خرجه خيثمة بن سليمان والملا* (ذكر وفاتها) * عن ابن شهاب انها كانت اصابتها الحصبة فمرضت وتخلف عليها عثمان فلم يشهد بدرا وماتت بالمدينة وجاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر وعثمان قائم على قبر رقية خرجه أبو عمرو قال لا خلاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان بسهمه من بدر وأخرجه عن ابن عباس قال لما عزى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بابنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات خرجه الدولابى وكانت وفاتها لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوما من مقدمه صلّى الله عليه وسلم المدينة ذكره ابن قتيبة* (ذكر ولدها) * ولدت رقية لعثمان بالحبشة ولد اسماه عبد الله وكان يكنى به قال مصعب وبلغ الغلام ست سنين فنقر عينه ديك فتورّم وجهه ومرض ومات وقال غيره وصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونزل فى حفرته أبوه عثمان وذكر الدولابى انه مات وهو رضيع وقال قتادة لم تلد رقية لعثمان وهو غلط والاصح ما تقدّم وستجىء وفاة عبد الله بن عثمان فى الموطن الرابع* (ذكر أمّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) * وهى ممن عرف بكنيته ولم يعرف لها اسم وقد تقدّم ذكر الخلاف فى أيهما أكبر هى أم رقية وهى أكبر سنا من فاطمة* (ذكر من تزوّجها) * وقد تقدّم قبله أن عتيبة بن أبى لهب كان تزوّجها ثم فارقها قبل دخوله بها فخلف عليها عثمان بن عفان بعد موت اختها رقية وعن قتادة أن عتيبة فارق أمّ كلثوم ولم يبن بها ثم جاء الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال له كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبنى ولا أحبك ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج نحو الشأم تاجرا فقال له عليه السلام أما انى أسأل الله أن يسلط عليك كلبه فخرج فى تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشأم يقال له الرزقاء ليلا فأطاف بهم الاسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمى هو والله آكلى كما دعا علىّ محمد أقاتلى ابن أبى كبشه وهو بمكة وانا بالشأم فعدى عليه الاسد من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه وعن عروة بن الزبير أن عتيبة لما أراد الخروج الى الشام أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد هو يكفر بالذى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم تفل وردّ التفلة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وأبو طالب حاضر فوجم لها فقال ما كان أغناك عن دعوة ابن أخى ثم خرج الى الشام فنزلوا منزلا وأشرف عليهم راهب من الدير فقال أرض مسبعة فقال أبو لهب يا معشر قريش أعينونا هذه الليلة فانى اخاف دعوة محمد فجمعوا أحمالهم وفرشوا لعنيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فى اعلاها وباتوا حوله فجاء الاسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنا ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فحدشه فقال قتلنى ومات وروى أن الاسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه خرجه الدولابى وفيه قال حسان بن ثابت من يرجع العام الى أهله ... فما أكيل السبع بالراجع هذا هو المشهور من أن جملة أولاد أبى لهب أربعة عتبة وعتيبة ومعتب ودرّة أسلموا يوم الفتح ولهم صحبة وقد مرّ الكلام فى سبيعة بنت أبى لهب وعتيبة قتله الاسد كما ذكر وبعضهم عكس الامر وقال ان عتيبة المصغر هو الذى أسلم وعتبة المكبر هو الذى قتله الاسد وعلى هذا بنى القاضى عياض كلامه فى الشفاء كذا فى مزيل الخفاء* (ذكر كيفية تزويج أمّ كلثوم عثمان) * عن سعيد بن المسيب قال آم عثمان من رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآمت حفصة بنت عمر من زوجها فمرّ عمر بعثمان فقال له هل لك فى حفصة وكان عثمان قد سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكرها فلم يجبه فذكر ذلك عمر للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم هل لك فى خير من ذلك أتزوّج أنا حفصة وأزوّج عثمان خيرا منها أمّ كلثوم خرجه أبو عمرو وقال حديث صحيح وعن ربعى بن خراش عن عثمان انه خطب الى عمرا بنته فردّه فبلغ ذلك النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما راح اليه عمر قال يا عمر أدلك على خير لك من عثمان وأدل عثمان على خير له منك قال نعم يا نبىّ الله قال تزوّجنى ابنتك وأزوّج عثمان ابنتى خرجه الحجندى* (ذكر أن تزويجه اياها كان بوحى من الله تعالى وأمر منه) * تقدّم فى تزويج رقية طرف منه وعن عائشة قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتانى جبريل فأمرنى أن أزوّج عثمان ابنتى وقالت عائشة كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى عليه السلام خرج يلتمس نارا فرجع بالنبوّة خرجه الحافظ أبو نعيم البصرى وعن أبى هريرة قال لقى النبىّ صلّى الله عليه وسلم عثمان عند باب المسجد فقال يا عثمان هذا جبريل أخبرنى أن الله تعالى قد أمرنى أن أزوّجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها خرجه ابن ماجه القزوينى والحافظ أبو القاسم الدمشقى والامام أبو الخير القزوينى الحاكمى وعنه قال قال عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكيت بكاء شديدا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يبكيك قلت أبكى على انقطاع صهرى منك قال فهذا جبريل يأمرنى بأمر الله أن أزوّجك أختها وعن ابن عباس معناه وفيه والذى نفسى بيده لو أن عندى مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوّجتك أخرى حتى لا يبقى بعد المائة شىء هذا جبريل أخبرنى ان الله عز وجل يأمرنى أن أزوّجك اختها وأن أجعل صداقها مثل صداق اختها أخرجهما الفضائلى الرازى* (ذكر وفاة أمّ كلثوم) * ماتت أمّ كلثوم فى سنة تسع من الهجرة وصلّى عليها أبوها صلّى الله عليه وسلم ونزل فى حفرتها علىّ والفضل وأسامة بن زيد روى أن أبا طلحة الانصارى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أن ينزل معهم فأذن له ذكره أبو عمرو وعن أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا فقال انزل فى قبرها فنزل خرجه البخارى ولا تضادّ بين هذا وبين ما تقدّم بل يجوز أن يكون استأذن أوّلا فقال صلّى الله عليه وسلم ذلك ليثبت لابى طلحة موجب اختصاصه بالنزول وقد رويت هذه القصة فى رقية وهو وهم فان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يكن حال دفنها حاضرا بل كان فى غزوة بدر كما تقدّم وغسلتها اسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وشهدت أمّ عطية غسلها وروت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم اغسليها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ان رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن فى الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فاذا فرغتن آذننى فلما فرغنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 آذناه فألقى الينا حقوه وقال أشعريها اياه قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها وعنها أنه صلّى الله عليه وسلم قال ابد أن بميا منها ومواضع السجود منها اخرجاهما أى البخارى ومسلم وعن ليلى بنت قائف الثقفية قالت كنت ممن غسل أمّ كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكان أوّل ما اعطانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت فى الثوب الآخر قالت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس على الباب معه كفنها فنا ولنا ثوبا ثوبا خرجه الدولابى* (ذكر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم) * فى الصفوة ولدت فاطمة وقريش تبنى الكعبة قبل النبوّة بخمس سنين وهى اصغر بناته وفى ذخائر العقبى وكانت ولادتها قبل النبوّة بخمس سنين وقريش تبنى الكعبة وولدت الحسن ولها احدى عشرة سنة بعد الهجرة بثلاث سنين قال أبو عمرو ولدت فاطمة سنة احدى وأربعين من مولده عليه السلام وهو مغاير لما رواه ابن اسحاق انّ أولاده كلهم ولدوا قبل النبوّة الا ابراهيم* وعن أبى جعفر قال دخل العباس على علىّ وفاطمة وأحدهما يقول للآخر أينا أكبر فقال العباس ولدت يا على قبل بناء قريش البيت بسنوات وولدت انت وقريش تبنى البيت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة قبل النبوّة بخمس سنين خرجه الدولابى وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب فاطمة حبا شديدا وعن عائشة قالت قلت يا رسول الله مالك اذا قبلت فاطمة جعلت لسانك فى فيها فكأنك تريد أن تلعقها عسلا فقال صلّى الله عليه وسلم انه لما أسرى بى أدخلنى جبريل الجنة فناولنى تفاحة فأكلتها فصارت نطفة فى ظهرى فلما نزلت من السماء واقعت خديجة ففاطمة من تلك النطفة فكلما اشتقت الى تلك النطفة قبلتها خرجه أبو سعد فى شرف النبوّة وروى الملافى سيرته انّ النبى صلّى الله عليه وسلم قال أتانى جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها فواقعت خديجة فحملت بفاطمة وفى رواية قالت عائشة انك تكثر تقبيل فاطمة فقال صلّى الله عليه وسلم انّ جبريل ليلة أسرى بى أدخلنى الجنة فأطعمنى من جميع ثمارها فصار ماء فى صلبى فحملت خديجة بفاطمة فاذا اشتقت الى تلك الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التى أكلتها خرجه الفضل بن خيرون كذا فى ذخائر العقبى وهذه الروايات تقتضى كون ولادة فاطمة بعد البعثة لان الاسراء كان بعد البعثة وقد صرح أبو عمرو بأنّ ولادة فاطمة كانت سنة احدى وأربعين من مولده صلّى الله عليه وسلم كما نقلنا آنفا من سيرة مغلطاى* (ذكر وصيتها الى أسماء بنت عميس بما تصنعه بعد موتها) * عن أمّ جعفر أنّ فاطمة رضى الله عنها قالت لاسماء بنت عميس انى قد استقبحت ما يصنع بالنساء انه يطرح على المرأة الثوب فيصفها قالت أسماء يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل فاذا أنا مت فاغسلينى أنت وعلىّ ولا يدخل علىّ أحد غيرك فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلى فشكت الى أبى بكر فقالت انّ هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر رضى الله عنه فوقف وقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم يدخلن على بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتنى أن لا يدخل عليها أحد وأريتها هذا الذى صنعت وهى حية فأمرتنى أن أصنع ذلك لها* قال أبو بكر رضى الله عنه اصنعى ما أمرتك ثم انصرف وغسلها علىّ وأسماء خرجه أبو عمرو وخرج الدولابى معناه مختصرا وذكر أنها لما أرتها النعش تبسمت وما رؤيت متبسمة يعنى بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم الا يومئذ وعن أمّ سلمى قالت اشتكت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فرّضناها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيناها فى شكواها فخرج على بن أبى طالب لبعض حاجته قالت فاطمة اسكبى لى يا أمه غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل قالت ثم قالت يا أمه ناولينى ثيابى الجدد قالت فناولتها ثم جاءت الى البيت الذى كانت فيه فقالت قدّمى فراشى وسط البيت واضطجعت ووضعت يدها اليمنى تحت خدّها ثم استقبلت القبلة ثم قالت يا أمه انى مقبوضة الآن فلا يكشفنى أحد ولا يغسلنى أحد قالت فقبضت مكانها قالت ودخل علىّ فأخبرته بالذى قالت وبالذى أمرتنى فقال علىّ والله لا يكشفها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك ولم يكشفها ولا غسلها أحد خرجه أحمد فى المناقب والدولابى واللفظ له وهو مضادّ لخبر أسماء المتقدّم* قال أبو عمرو فاطمة أوّل من غطى نعشها من النساء فى الاسلام على الصفة المذكورة فى خبر أسماء المتقدّم ثم بعدها زينب بنت جحش صنع لها ذلك أيضا* (ذكر تاريخ وفاتها وسنها يوم ماتت) * فى الصفوة توفيت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بستة أشهر فى ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة احدى عشرة من الهجرة وهى بنت ثمان وعشرين سنة ونصف* وعن الزهرى ماتت فاطمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر* وعن عائشة قالت كان بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين فاطمة شهران والاوّل أصح* وفى ذخائر العقبى قيل توفيت بعده صلّى الله عليه وسلم بثمانية أشهر وقيل بمائة يوم وقيل بسبعين ذكره أبو عمرو* وفى الصفوة وهى يوم ماتت بنت ثمان وعشرين سنة ونصف سنة* وفى ذخائر العقبى وهى ابنة تسع وعشرين سنة قاله المداينى* وقال عبد الله بن حسن ابن على بن أبى طالب ابنة ثلاثين سنة* وقال الكلبى خمس وثلاثين حكاه أبو عمرو وقيل ثمان وعشرين حكاه الرازى وعلى الاقوال كلها سوى قول مغلطاى المتقدّم يكون مولدها قبل النبوّة* وذكر الامام أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع فى كتاب تاريخ مواليد أهل البيت أنها توفيت وهى ابنة ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعين يوما منها بمكة ثمان سنين والباقى بالمدينة وعاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما وفى رواية أربعين يوما* (ذكر من غسلها ومن صلّى عليها ومن دخل قبرها) * فى الصفوة غسلها علىّ وصلّى عليها وقالت عمرة صلّى عليها العباس ودفنت ليلا كذا فى ذخائر العقبى وفيه وخرج البصرى من حديث مالك بن أنس أنه صلّى عليها أبو بكر ودخل بها فى قبرها علىّ والفضل وكانت أشارت على علىّ أن يدفنها ليلا* وعن مالك بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه على بن الحسين قال ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء فحضرها أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف فلما وضعت ليصلى عليها قال علىّ تقدّم يا أبا بكر قال وأنت شاهد يا أبا الحسن قال نعم تقدّم فو الله لا يصلى عليها غيرك فصلى عليها أبو بكر رضى الله عنهم أجمعين ودفنت ليلا خرجه البصرى وخرجه ابن النعمان فى الموافقة وفى بعض طرقه فكبر عليها أربعا وهذا مغاير لما جاء فى الصحيح أنّ عليا لم يبايع أبا بكر حتى ماتت فاطمة وطريان هذا مع عدم البيعة يبعد فى الظاهر والغالب وان جاز أن يكونوا لما سمعوا بموتها حضروها فاتفق ذلك ثم بايع بعده كذا فى الرياض النضرة للمحب الطبرى* (ذكر موضع قبرها) * ذكر الحافظ أبو عمرو بن عبد البر أنّ الحسن لما توفى دفن الى جنب أمّه فاطمة وقبر الحسن معروف بجنب قبر العباس ولا يذكر لفاطمة ثمة قبر فتكون على هذا مع الحسن فى قبة العباس فينبغى أن يسلم عليها هناك* وروى أنّ أبا العباس المرسى كان اذا زار البقيع وقف أمام قبلة قبة العباس وسلم على فاطمة رضى الله عنها ويذكر أنه كشف له عن قبرها ثمة وعن عبد الله بن جعفر بن محمد انه كان يقول قبر فاطمة فى بيتها الذى أدخله عمر بن عبد العزيز فى المسجد مروياتها فى كتب الاحاديث ثمانية عشر حديثا المتفق عليه منها واحد والباقى فى سائر الكتب* (ذكر ولد فاطمة) * عن الليث بن سعد قال تزوّج علىّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فاطمة فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا وزينب وأمّ كلثوم ورقية فاتت رقية ولم تبلغ وقال غيره ولدت حسنا وحسينا ومحسنا فهلك محسن صغيرا وأمّ كلثوم وزينب ولم يذكر رقية ولم يتزوّج عليها حتى ماتت ولم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عقب الا من ابنته فاطمة رضى الله عنها وأعظم بها معجزة ذكره المحب الطبرى فى ذخائر العقبى* وسيجىء ذكر الحسن والحسين فى الموطن الثالث والرابع وذكر زينب وأمّ كلثوم بنتى فاطمة فى أولاد علىّ فى الخاتمة فى ذكر الخلفاء* وفى سنة ست وعشرين ولد طلحة ابن عبيد الله وفى سنة سبع وعشرين ولد سعيد بن زيد* وفى سنة تسع وعشرين ولد كعب بن عجرة كذا فى سيرة مغلطاى وفى السنة الثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد على بن أبى طالب رضى الله عنه فى الكعبة قال ابن اسحاق أوّل ذكر آمن بالله ورسوله على بن أبى طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين وعن أنس بن مالك استنبئ النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلّى علىّ يوم الثلاثاء ثانى مبعثه وكان الاستنباء على رأس أربعين سنة فتكون ولادة علىّ فى السنة الثلاثين من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا ذكره فى الاستيعاب وأسد الغابة* وفى شواهد النبوّة كانت ولادة على بمكة بعد عام الفيل بسبع سنين وقيل كانت ولادته فى الكعبة وفى وقت بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان ابن خمس عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة وقيل عشر سنين وقيل تسع سنين والاوّل أصح أى ولادته بعد عام الفيل بسبع سنين أصح انتهى كلام شواهد النبوّة* وهذه الاقوال كلها فى الاستيعاب وأسد الغابة وقيل الذى ولد فى الكعبة عند أهل التاريخ هو حكيم بن حزام أقول لا مانع من ولادة كليهما فى الكعبة المشرّفة وفى هذه السنة الثلاثين ولد شريح القاضى وفى سنة احدى وثلاثين ولد أبو هريرة وفى سنة اثنتين وثلاثين ولد بلال بن الحارث المزنى وفى سنة ثلاث وثلاثين ولد سعيد ابن عامر بن جذيم وفى سنة أربع وثلاثين ولد معاوية بن أبى سفيان ومعاذ بن جبل كذا فى سيرة مغلطاى وفى السنة الخامسة والثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم هدمت قريش الكعبة ثم بنتها كما سبق فى ذكر أوّلية الكعبة* وفى الدلائل لابى نعيم كان بين عام الفيل والفجار أربعون سنة وبين الفجار وبنيان الكعبة خمس عشرة سنة وفى تاريخ يعقوب كان بناؤها فى سنة خمس وعشرين من الفيل ووضع عليه السلام الركن اليمانى بيده يوم الاثنين كذا فى سيرة مغلطاى وفى هذه السنة الخامسة والثلاثين ولدت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد مرّ ذكرها فى السنة الخامسة والعشرين من مولده عليه السلام فى ذكر أولاده وفى هذه السنة مات زيد بن عمرو بن نفيل وفى سيرة مغلطاى أورد موت زيد بن عمرو فى السنة الرابعة روى عن عامر بن ربيعة أنه قال كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب الدين وكره النصرانية واليهودية وعبادة الاوثان والاحجار وأظهر خلاف قومه واعتزل آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم فلا يأكل ذبائحهم وهذان البيتان من أشعاره أربا واحدا أم ألف رب ... أدين اذا تقسمت الامور تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل البصير قال عامر قال لى زيد يا عامر انى خالفت قومى واتبعت ملة ابراهيم وما كان يعبده واسماعيل من بعده وكانوا يصلون الى هذه القبلة وأنا أنتظر نبيا من ولد اسماعيل يبعث لا أرانى أدركه وأنا أو من به وأصدّقه وأشهد أنه نبىّ فان طالت بك مدّة فرأيته فأقرئه منى السلام قال عامر فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وأخبرته بقول زيد وأقرأته منه السلام فردّ صلّى الله عليه وسلم عليه السلام وترحم عليه وقال لقد رأيته فى الجنة يسحب ذيولا* وفى سنة ست وثلاثين ولد عبد الله بن عمرو ابن العاص وجابر وأبو قتادة وأبو أسيد الساعدى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن وقائع السنة الثامنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 والثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم أنه رأى الضوء والنور وكان يسمع الصوت ولا يدرى ما هو* وفى السنة التاسعة والثلاثين ولد واثلة بن الاسقع ذكره العتقى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن وقائع السنة الاربعين من مولده صلّى الله عليه وسلم قتل كسرى برويز النعمان بن المنذر لغضب كان عليه قتله قبل المبعث بسبعة أشهر والله سبحانه وتعالى أعلم * (الركن الثانى فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته من صفة نزول الوحى ورمى الشياطين بالشهب وانفصام طاق كسرى وأوّل من أسلم واخفاء الدعوة ووفاة ورقة بن نوفل واظهار الدعوة وولادة عائشة وهجرة الحبشة وايذاء المشركين وولادة أسامة بن زيد ووفاة سمية بنت حباط واسلام حمزة وعمر بن الخطاب ووقعة بغاث وتقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب ونزول سورة الروم وانشقاق القمر ووفاة أبى طالب وخديجة وذكر ثقيف ووفود الجنّ وتزوّج سودة وعائشة وبدء اسلام الانصار وذكر المعراج وفرض الصلوات الخمس وبيعة العقبة الاولى وبيعة العقبة الثانية وهجرة أبى بكر الى الحبشة وابتداء هجرة الاصحاب الى المدينة ومشاورة قريش فى حبسه أو قتله أو اخراجه واخبار جبريل اياه بذلك واذنه له بالهجرة) * نزول الوحى وكيفيته من حوادث السنة الاولى من النبوّة نزول الوحى وكيفيته روى أنه لما تمّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعون سنة ودخل فى السنة الحادية والاربعين بيوم واحد أوحى الله تعالى اليه وذلك سنة عشرين من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان ملك الفرس كذا فى المنتقى وأسد الغابة* وفى المواهب اللدنية ولما بلغ أربعين سنة قيل وأربعين يوما وقيل وعشرة أيام وقيل وشهرين يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وقيل لسبع وقيل لاربع وعشرين ليلة وقال ابن عبد البرّ يوم الاثنين لثمان من ربيع الاوّل وكذا قاله أبو عمرو وزاد سنة احدى وأربعين من عام الفيل وفى تاريخ الفسوى على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وضعفه وعن مكحول بعد ثنتين وأربعين سنة كذا فى سيرة مغلطاى وقال ابن المسيب بعثه الله عز وجل وله ثلاث وأربعون سنة فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وقيل انه كتم أمره ثلاث سنين وكان يدعو مستخفيا الى أن أنزل الله تعالى وأنذر عشيرتك الاقربين فأظهر الدعوة كذا فى أسد الغابة وسيجىء زيادة على هذا وفى المواهب اللدنية كان ابتداء المبعث فى رجب وفى كتاب المنتقى نزل عليه القرآن وهو ابن خمس وأربعين لسبع وعشرين من رجب قاله الحسين وجمع بأنّ ذلك حين حمى الوحى وتتابع كذا فى سيرة مغلطاى وقال بعض علماء الحديث ابتداء الوحى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان فى المنام فى ربيع الاوّل فى السنة الحادية والاربعين وابتداء الوحى اليه فى اليقظة ونزول القرآن كان فى رمضان تلك السنة وعن أنس بن مالك أنه قال بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رأس أربعين والصحيح من الروايات أنّ أوّل ما بدئ به النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا الاجاءت مثل فلق الصبح كما سيجىء من حديث عائشة فانّ المدّة التى كان يوحى اليه فى المنام فيها ستة أشهر الى أن استعلن له جبريل فقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوّة معناه أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم حين بعث أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وأقام بالمدينة عشر سنين فذلك ثلاث وعشرون سنة كاملة فاذا قسمت مدّة الوحى اليه فى اليقظة وهى ثلاث وعشرون سنة الى مدّة الوحى اليه فى المنام وهى ستة أشهر وجدت مدّة بعثه الى حين وفاته على هذا ستة وأربعين جزأ فاتضح معنى الحديث وروى عن محمد بن أحمد بن عبد البر أنه قال بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم وله يومئذ أربعون سنة فأتاه جبريل ليلة السبت وليلة الاحد ثم ظهر له بالرسالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان بحراء وهو أوّل موضع نزل فيه القرآن نزل اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم الى هذا ثم بحث أى ضرب جبريل بعقبه فى الارض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلاة ركعتين وقيل ثم جاء جبريل فى يوم الثلاثاء ثانى مبعثه فوافاه بأعلامكة فهمز جبريل بعقبه ناحية الوادى فنبع عين ماء فتوضأ وأرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوضوء ثم قام جبريل فصلى به ركعتين وأراه الصلاة وفى ذلك اليوم فرض عليه الوضوء والصلاة ثم فارقه جبريل وعاد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى خديجة فأخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أخذ بيدها وأتى بها الى العين فتوضأ ليريها الوضوء فتوضأت ثم قام فصلى وصلت معه وكانت أوّل من آمن وأوّل من صلّى فكانت ذلك أوّل فرضها ركعتين ثم انّ الله تعالى أقرّها فى السفر كذلك وأتمها فى الحضر* وقال مقاتل كانت الصلاة أوّل فرضها ركعتين بالغدوة وركعتين بالعشىّ لقوله تعالى وسبح بالعشىّ والابكار* قال فى فتح البارى كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شىء من الصلاة أم لا فقيل انّ الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها والحجة عليه قوله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها انتهى* وقال النووى أوّل ما وجب الانذار والدعاء الى التوحيد ثم فرض الله من قيام الليل ما ذكر فى أوّل سورة المزمّل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلوات الخمس ليلة الاسراء كذا فى المواهب اللدنية* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك فقالت خديجة الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام وعن أبى هريرة قال أتى جبريل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها اناء فيه ادام أو طعام أو شراب فاذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لاصخب فيه ولا نصب رواه البخارى* وروى أبو قتادة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه واختلفوا فى أنّ نزول القرآن فى أى الاثانين كان على خمسة أقوال* أحدها لسبع خلت من رمضان وقد ذكرناه* والثانى لاربع وعشرين ليلة خلت من رمضان رواه قتادة* والثالث للثامنة عشرة ليلة خلت من رمضان رواه أبو أيوب عن أبى قلابة* والرابع انه كان فى رجب* روى عن أبى هريرة قال من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا وهذا اليوم الذى نزل فيه جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالرسالة أوّل يوم هبط فيه* والخامس انه الثانى من ربيع الاوّل* وعن عائشة أنها قالت أوّل ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة وكان لا يرى رؤيا الاجاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يأتى حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالى ذوات العدد ويتزوّد لذلك ثم يرجع الى خديجة فتزوّده لمثلها حتى اذا جاء الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فيه وقال اقرأ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ باسم ربك الذى خلق حتى بلغ ما لم يعلم فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زمّلونى زمّلونى فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فى حديث حدّثه حتى اذا كان شهر رمضان خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى اذا كانت الليلة التى أكرمه الله فيها بالرسالة ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله تعالى قال رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 صلى الله عليه وسلم فجاءنى وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال فقلت ما اقرأ قال فغتنى به بالتاء مكان الطاء فى الرواية السابقة حتى ظننت انه الموت ثم أرسلنى فقال اقرأ وهكذا الى ثلاث مرّات ثم قال له اقرأ باسم ربك الذى خلق الى قوله ما لم يعلم قال قرأتها ثم انتهى فانصرف عنى وهببت من نومى فكأنما كتب فى قلبى كتابا الى آخر الحديث* وفى المنتقى فقال يا خديجة مالى فأخبرها الخبر وقال خشيت علىّ فقالت له كلا ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقرئ الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر فى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربى* وفى رواية العبرانى يكتب بالعربية من الانجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة أى ابن عم اسمع من ابن أخيك وقيل انّ خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب الى ورقة بن نوفل كذا فى سيرة مغلطاى فقال ورقة يا ابن أخى ما ترى فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ورقة هذا الناموس الاكبر الذى أنزل الله تعالى على موسى يا ليتنى فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو مخرجىّ هم قال نعم لم يأت رجل قط بما جئت به الاعودى وان يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا فلم ينشب ورقة ان توفى وفتر الوحى فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا كى يتردّى من رؤس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد انك رسول الله فيسكن له جاشه وتقرّ عينه فيرجع فاذا طالت عليه فترة الوحى غد المثل ذلك فاذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك* وفى المواهب اللدنية فترة الوحى عبارة عن تأخره مدّة من الزمان وذلك ليذهب عنه ما كان يجده عليه السلام من الروع وليحصل له الشوق الى العود وكانت مدّة فترة الوحى ثلاث سنين كما جزم به ابن اسحاق* وفى تاريخ الامام أحمد ويعقوب بن سفيان عن الشعبى أنزل عليه النبوّة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوّته اسرافيل ثلاث سنين قبل جبريل فكان يعلمه الكلمة والشىء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة كذا رواه ابن سعد والبيهقى فقد تبين انّ نبوّته عليه السلام كانت متقدّمة على رسالته كما قال أبو عمرو وغيره كما حكاه أبو أمامة بن النقاش فكان فى نزول سورة اقرأ نبوّته وفى نزول سورة المدّثر رسالته بالنذارة والبشارة والتشريع وهذا قطعا متأخر عن الاوّل لانه لما كانت سورة اقرأ متضمنة لذكر أطوار الآدمى من الخلق والتعليم والافهام ناسب أن يكون أوّل سورة أنزلت وهذا هو الترتيب الطبيعى* وفى المواهب اللدنية أيضا قد ذكر ابن عادل فى تفسيره انّ جبريل عليه السلام نزل على النبىّ صلّى الله عليه وسلم أربعة وعشرين ألف مرّة ونزل على آدم اثنتى عشرة مرّة وعلى ادريس أربع مرّات وعلى نوح خمسين مرّة وعلى ابراهيم اثنتين وأربعين مرّة وعلى موسى أربعمائة وعلى عيسى عشر مرّات وزاد غيره ثلاث مرّات فى صغره وسبع مرّات فى كبره* وقال عليه السلام فى حديث فترة الوحى بينا أنا أمشى اذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى فاذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء والارض فرعبت منه فرجعت فقلت زمّلونى زمّلونى فأنزل الله تعالى يأيها المدّثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر فحمى الوحى وتتابع* وجاء فى التفاسير ان أبا ميسرة قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا برز سمع مناديا ينادى يا محمد فيمرّ هاربا فقال ورقة بن نوفل اذا سمعت فاثبت حتى تدرى ما يقال لك فبرز فنودى فقال لبيك فقيل له قل أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله فقالها فقيل له قل الحمد لله رب العالمين وقرأ سورة الحمد الى آخرها والمروى فى الصحيح الثابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 انّ اقرأ باسم ربك أوّل ما نزل من القرآن وان صح هذا الحديث عن أبى ميسرة فلعل الملك أسمعه ذلك قبل أن يظهر له بحراء ثم كان الذى بدئ به من الوحى بعد ظهور الملك وحصول العلم بأنه رسول الله اليه الآيات من أوّل سورة اقرأ* روى عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما تثبته فيما أكرمه الله به من نبوّته يا ابن عم أتستطيع أن تخبرنى بصاحيك هذا الذى يأتيك اذا جاءك قال نعم فجاء جبريل فقال يا خديجة هذا جبريل قد جاءنى قالت فقم فاجلس على فخذى اليسرى فقام فجلس فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل الى فخذى اليمنى فتحوّل فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل فاجلس فى حجرى فجلس قالت هل تراه قال نعم فألقت خمارها وقالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وابشر فو الله انه الملك وما هو بشيطان* وروى انه أوّل ما تراأى له جبريل أتاه من خلفه فضربه برجله فاستوى جالسا ونظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ثم أتاه فضربه برجله ثم قال قم يا محمد فاذا برجل يسير بين يديه والنبىّ صلى الله عليه وسلم تبعه ثم أخرجه من باب الصفا فلما كان بين الصفا والمروة أنشب رجله فى الارض ومد رأسه الى السماء ونشر جناحيه فملأ بهما ما بين المشرق والمغرب فاذا رجلاه مغموستان فى صفرة واذا جناحاه مغموستان فى خضرة عليه وشاحان من ياقوت أحمر أجلى الجبين واضح الجبهة براق الثنايا شعره كالمرجان شعر رأسه حبك مكتوب بين عينيه لا اله الا الله محمد رسول الله فلما نظر اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم رعب من عظم خلقه فقال له من أنت رحمك الله فانى لم أر شيئا قط أعظم منك خلقا ولا أحسن منك وجها قال أنا جبريل أنا الروح الامين الى جميع النبيين* وفى سيرة مغلطاى قال ابشر يا محمد أنا جبريل أرسلت اليك وأنت رسول هذه الامّة اقرأ يا محمد قال ما أقرأ ولم أقرأ قط فأخرج جبريل من تحت جناحه درنوكا من درانيك الجنة منسوجا بالدرّ والياقوت فوضعه على وجه محمد صلى الله عليه وسلم ثم غمه حتى كاد أن يغشى عليه ثم خلى عنه ثم قال اقرأ يا محمد قال وما أقرأ وما قرأت شيئا قط فعاد اليه بالدرنوك فصنع به ما صنع فى المرّة الاولى فلما أفاق قال اقرأ يا محمد فتمنى الموت مما صنع به وخاف أن يقول لا أقرأ فيعود عليه بالدرنوك قال اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق الى آخر السورة ثم قال لى انزل عن الجبل فنزلت معه الى قرار الارض فأجلسنى على درنوك وعليه ثوبان أخضران كذا فى سيرة مغلطاى ثم همز بعقبه الارض فنبعت عين ماء فتوضأ وتوضأ النبىّ صلى الله عليه وسلم وصلّى وصلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم معه يقتدى بصنعه فكان ذلك أوّل فرض الصلاة ركعتين ركعتين ثم انّ الله تعالى أقرّهما فى السفر وأتمها فى الحضر* قال مقاتل كانت الصلاة أوّل فرضها ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى كما مرّ فى سيرة مغلطاى ثم غاب عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لما غاب عنى انى شاعر أو مجنون ولم يكن شىء أبغض الىّ من شاعر أو مجنون فقلت لا صعدن الى قلة هذا الجبل فأرمى نفسى فأموت فاذا أنا بجبريل قد سدّ ما بين خافقى السماء وهو يقول أين تريد يا محمد أنا خليلك وأخوك جبريل فشغلنى ما رأيت من جبريل عليه السلام عما كنت هممت بنفسى فانحدرت من الجبل فأتيت باب خديجة فدققت الباب فوثبت خديجة الى الباب ففتحت لى الباب فلما أن نظرت الىّ استقبلتنى واعتنقتنى وقبلت ما بين عينىّ وقالت فداك أبى وأمى أرى لوجهك نورا لم أر مثله قط وأشم منك ريحا لم أشم مثلها قط فما الذى رأيت فأخبرها الخبر فقالت هذه كرامة الله اياك فأجلست رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تدعه يخرج وقالت يا محمد اذا اتاك فأخبرنى فلما أتاه جبريل قال أتانى قالت ههنا الىّ فأقعدته على فخذها اليسرى قالت هل تراه قال نعم ثم أقعدته على فخذها اليمنى قالت هل تراه قال نعم ثم أدخلته بين جلدها ودرعها وأخرجت رأسه من جيبها وألقت خمارها عن رأسها وتحسرت وقالت هل تراه قال لا قالت كما أنت يا محمد حتى آتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ورقة بن نوفل فأتته وقالت نعمت صباحا يا ابن عم وكانت هذه تحية الجاهلية بمنزلة السلام عليك قال لها أخديجة أنت وكان ورقة قد عمى من الكبر قالت نعم قال مالك يا سيدة نساء قريش قالت أخبرنى عن جبريل ما هو قال قدّوس قدّوس ما ذكر جبريل فى بلدة لا يعبدون فيها الله قالت انّ محمد بن عبد الله أخبرنى انه أتاه قال فان كان جبريل هبط الى هذه الارض لقد أنزل الله اليها خيرا عظيما هو الناموس الاكبر الذى أتى موسى وعيسى بالرسالة والوحى قالت فأخبرنى هل تجد فيما قرأت من التوراة والانجيل انّ الله يبعث نبيا فى هذا الزمان قال نعم يبعث الله نبيا فى هذا الزمان يكون يتيما فيؤويه الله وفقيرا فيغنيه الله تكفله امرأة من قريش أكثرهم حسبا فقال لها نعتها مثل نعتك يا خديجة قالت فهل تجد غيرها قال نعم انه يمشى على الماء كما مشى عيسى ابن مريم وتكلمه الموتى كما كلمت عيسى ابن مريم وتسلم عليه الحجارة وتشهد له الاشجار وأخبرها بنحو قول بحيرا ثم انصرفت عنه وأتت عداسا الراهب وكان شيخا كبير السن وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر فقالت أنعم صباحا يا عداس قال وكانّ هذا الكلام كلام خديجة سيدة نساء قريش قالت أجل قال هلموا الىّ العمامة لا رفع بها حاجبى لا نظر الى خديجة ففعلوا فقال ادنى منى فقد ثقل سمعى فدنت منه ثم قالت يا عداس أخبرنى عن جبريل ما هو وسألت بمثل ما سألت ورقة فأجابها بمثل ما أجابها ورقة وقال فى آخره ولكن يا خديجة ان الشيطان ربما عرض للعبد فأراه أمورا فخذى كتابى هذا فانطلقى به الى صاحبك فان كان مجنونا فانه سيذهب عنه وان كان من الله فلن يضرّه فانطلقت بالكتاب معها فلما دخلت منزلها اذا هى برسول الله صلّى الله عليه وسلم مع جبريل قاعد يقرئه هذه الآيات ن والقلم وما يسطرون* ما أنت بنعمة ربك بمجنون* وانّ لك لاجرا غير ممنون وانك لعلى خلق عظيم* فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون* أى المجنون فلما سمعت خديجة قراءته اهتزت فرحا ثم قالت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فداك أبى وأمى امض معى الى عداس فقام معها الى عداس فلما أن سلم عليه أدناه وكشف عن ظهره فاذا خاتم النبوّة يلوح بين كتفيه فلما نظر عداس اليه خرّ ساجدا يقول قدّوس قدّوس أنت والله النبىّ الذى بشر بك موسى وعيسى أما والله يا خديجة ليظهرن له أمر عظيم ونبأ كبير فو الله يا محمد ان عشت حتى تؤمر بالدعاء لا ضربن بين يديك بالسيف هل أمرت بشىء بعد قال لا قال ستؤمر ثم تؤمر ثم تكذب ثم يخرجك قومك فشق ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يا عداس وانهم ليخرجونى قال نعم ما جاء والله أحد بمثل ما جئت به الا أخرجه قومه وكان قومه أشدّ الناس عليه والله ينصرك وملائكته ثم انصرف عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم* (صفة نزول الوحى) * عن عائشة ان الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ علىّ فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا* وفى الحديث أنه صلّى الله عليه وسلم أوحى اليه وهو على ناقته فبركت ووضعت جرانها بالارض فما تستطيع أن تتحرّك وانّ عثمان رضى الله عنه كان كاتب الوحى يكتب للنبىّ صلّى الله عليه وسلم لا يستوى القاعدون الآية وفخذ النبىّ صلّى الله عليه وسلم على فخذ عثمان فجاء ابن أمّ مكتوم فقال يا رسول الله ان بى من العذر ما ترى فغشيه الوحى فثقلت فخذه على فخذ عثمان حتى قال خشيت أن يرضها وأنزل الله غير أولى الضرر* وروى أنه صلّى الله عليه وسلم كان اذا نزل عليه الوحى وجد منه ألما شديدا ويتصدّع رأسه* وفى هذه السنة كانت وقعة قار بين ربيعة والفرس وولد رافع بن خديج قاله العتقى كذا فى سيرة مغلطاى* رمى الشياطين بالشهب (ومن حوادث مبعثه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 صلى الله عليه وسلم رمى الشياطين بالشهب بعد عشرين يوما من المبعث) عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم دحر الشياطين ورموا بالكواكب وكانوا قبل يستمعون لكل قبيلة من الجن مقعد يستمعون فيه وقال ابليس هذا أمر حدث فى الارض ائتونى من كل أرض بتربة فكان يؤتى بالتربة فيشمها ويلقيها حتى أتى بتربة تهامة فشمها وقال هاهنا الحدث* وفى المنتقى أوّل من فزع لذلك أهل الطائف فجعلوا يذبحون لآلهتهم من كان له ابل أو غنم كل يوم حتى كادت أن تذهب أموالهم ثم تناهوا وقال بعضهم لبعض ألا ترون معالم السماء كما هى لا يذهب منها بشىء* وفى المدارك الجمهور على انّ ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلّى الله عليه وسلم وقيل كان فى الجاهلية ولكن الشياطين كانت تسترق فى بعض الاوقات فمنعوا من الاستراق أصلا بعد مبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسيجىء فى حوادث السنة العاشرة من النبوّة* انفصام طاق كسرى ومن حوادث مبعثه صلّى الله عليه وسلم ما روى انه لما بعث الله نبيه صلّى الله عليه وسلم أصبح كسرى برويز ذات غداة وقد انفصمت طاق ملكه من وسطها فلما رأى ذلك أحزنه وقال شاهى بشكست يقول الملك انكسر ثم دعا كهانة وسحرته ومنجميه وقال انظروا فى ذلك الامر فنظروا ثم قالوا ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق والمغرب وتخصب منه الارض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله* وفى دلائل النبوّة وشواهد النبوّة ان كسرى كان بنى على الدجلة بناء عظيما وأنفق فى عمارته مالا كثيرا فأصبح يوما فرأى ايوانه قد انصدع وخرب الماء البنيان وكان له ثلثمائة وستون رجلا من الحزاة العلماء ومن الكهنة والسحرة والمنجمين وكان فيهم رجل من العرب اسمه السائب بعث به اليه باذان من اليمن وكان يعتاف اعتياف العرب قلما تخطئ أحكامه فجمعهم كسرى وقال لهم انكسر ايوانى وخرب الماء بنيانى على دجلة من غير سبب ظاهر فانظروا فيه فخرجوا من عند كسرى لينظروا فى ذلك الامر فوجدوا طرق الكهانة والسحر والنجوم مسدودة عليهم فبات السائب فى ليلة ظلماء على ربوة من الارض يرمق برقا نشأ من أرض الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق فلما أصبح رأى ما تحت قدميه فاذا هى خضراء فقال فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب عنه الارض كأفضل ما أخصبت عن ملك كان قبله فلما اجتمع الحزاة قال بعضهم لبعض والله ما حال بينكم وبين علمكم الا أمر جاء من السماء وانه لنبى بعث أو هو سيبعث من الحجاز يسلب ملك كسرى ويبلغ سلطانه المشرق ولئن نعيتم الى كسرى ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمرا تقولونه فجاؤا كسرى فقالوا له انا قد نظرنا فى هذا فوجدنا حسابك الذين وضعت على حسابهم طاق ملكك قد أخطؤا فوضعوه على النحوس وانا سنحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا يزول قال فاحسبوا فحسبوا ثم قالوا له ابنه فبنى فعمل فى دجلة ثمانية أشهر وأنفق فيها من الاموال ما لا يدرى ما هو فلما تمّ البنيان قال لهم اجلس على سورها قالوا نعم فعمل مأدبة واجتمع أمراؤه وأركان دولته فأمر بالبسط والفرش والرياحين فوضعت عليها فبينما هم هناك انتسفت دجلة البنيان من تحته وغرق الناس وما فيه فلم يستخرج كسرى الا بآخر رمق فلما أخرج تغيظ لهم وغضب على الحزاة وقتل منهم قريبا من مائة وقال تلعبون بى وقال الباقون أيها الملك أخطأنا كما أخطأ الذين من قبلنا ولكن نحسب لك حسابا حتى تضعه على الوفاق من السعود قال انظروا فحسبوا له ثم قالو له ابنه فبنى وأنفق من الاموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر فلما تمّ قال لهم أخرج فاقعد قالوا نعم فركب برذونا وخرج فبينا هو يسير عليها اذ انتسفت دجلة البنيان فلم يدرك كسرى الا بآخر رمق فدعاهم فقال والله لامرن على آخركم ولا نزعن أكتافكم ولا طرحنكم بين أيدى الفيلة أو لتصدقنى ما هذا الامر الذى تلقون علىّ قالوا نكذبك أيها الملك حين خرجنا من عندك لننظر فى علمنا فوجدنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الارض قد أظلمت علينا بالاقطار وسدّت علينا طرق علمنا ولم يمض لعالم منا علمه فعرفنا انّ هذا الامر حدث من السماء وانه قد بعث نبىّ من الحجاز أو سيبعث فيكون سببا لزوال ملكك فلما سمع كسرى ذلك تركهم ولها عنهم وعن دجلة حين غلبته* روى عن الحسن البصرى أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله ما حجة الله على كسرى فيك قال بعث الله ملكا فأخرج يده من سور جدار بيته الذى هو فيه تلالأ نورا فلما رأى ذلك فزع فقال لا ترع يا كسرى انّ الله قد بعث رسولا وأنزل اليه كتابا فاتبعه تسلم دنياك وآخرتك قال سأنظر وسيجىء فى الموطن السابع مثل هذا وكيفية هلاك كسرى* (ذكر أوّل من أسلم) * وفيه اختلاف والمشهور انه أبو بكر وقيل علىّ ومن النساء خديجة ومن الموالى زيد ثم أسلم بلال وقيل أوّل من أسلم من الرجال أبو بكر ومن الصبيان علىّ ومن النساء خديجة ثم الزبير وعثمان وابن عوف وسعد وطلحة وقيل أوّل من أسلم بعد خديجة أبو بكر الصدّيق وهو قول العباس وابراهيم النخعى والشعبى كذا فى معالم التنزيل* وفى الاستيعاب وأسد الغابة عن الحسن وغيره أوّل من أسلم علىّ* وسئل محمد بن كعب القرظى عن أوّل من أسلم علىّ أو أبو بكر قال سبحان الله علىّ أوّلهما اسلاما وانما اشتبه على الناس لانّ عليا أخفى اسلامه عن أبى طالب وأبو بكر أسلم وأظهر اسلامه وقيل ينبغى أن يقال أوّل من آمن ورقة بن نوفل كذا فى مزيل الخفاء* وفى الكشاف آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم أى قيل النبوّة ورقة ابن نوفل وتبع الاكبر وحبيب بن شراجيل النجار وكان ينحت الاصنام وآمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة ولم يؤمن بنبى أحد الا بعد ظهوره قيل كان فى غار يعبد الله فلما بلغه خبر رسل عيسى أتاهم وأظهر دينه وقاول الكفرة فقالوا أو أنت تخالف ديننا فوثبوا عليه فقتلوه وقيل تواطؤه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقيل رجموه وهو يقول اللهمّ اهد قومى وقبره فى سوق انطاكية فلما قتل غضب الله عليهم فأهلكهم بصيحة جبريل عليه السلام* وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين على بن أبى طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون* وقال ابن اسحاق كان أوّل من تبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد زوجته ثم كان أوّل ذكر آمن به علىّ وهو يومئذ ابن عشر سنين* وفى الرياض النضرة بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم علىّ يوم الثلاثاء خرجه البغوى فى معجمه* وعن رافع قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعثت يوم الاثنين وصلت خديجة آخر يوم الاثنين وصلّى علىّ يوم الثلاثاء من الغد ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر وهو يومئذ ابن ثمان وثلاثين سنة كذا فى المدارك وقيل سبع وثلاثين فلما أسلم أبو بكر جعل يدعو الى الاسلام فأسلم على يديه الزبير بن العوّام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف كذا فى شرح المقاصد* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما دعوت أحدا الى الاسلام الا كانت عنده كبوة وتردّد الا أبا بكر ما أعتم حين ذكرته له وما تردّد فيه* وفى أسد الغابة عن خالد الجهنى عن عبد الله بن مسعود قال قال أبو بكر انه خرج الى اليمن قبل أن يبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم قال فنزلت على شيخ من الازد عالم قد قرأ الكتب وعلم من علم الناس كثيرا فلما رآنى قال أحسبك حرميا قال أبو بكر قلت نعم أنا من أهل الحرم قال وأحسبك قرشيا قال قلت نعم وأنا من قريش قال وأحسبك تيميا قال قلت نعم وأنا من تيم بن مرّة أنا عبد الله بن عثمان من ولد كعب ابن سعد بن تيم بن مرّة قال بقيت لى فيك واحدة قلت وما هى قال تكشف لى عن بطنك قلت لا أفعل أو تخبرنى لم ذاك قال أجد فى العلم الصحيح الصادق انّ نبيا يبعث فى الحرم يعاونه على أمره فتى وكهل أمّا الفتى فخوّاض غمرات ودفاع معضلات وأمّا الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 اليسرى علامة وما عليك أن ترينى ما سألتك فقد تكاملت لى فيك الصفة الا ما خفى علىّ* قال أبو بكر فكشفت له بطنى فرأى شامة سوداء فوق سرّتى فقال أنت هو ورب الكعبة وانى متقدّم اليك فى أمر فاحذره قال أبو بكر قلت وما هو قال اياك والميل عن الهدى وتمسك بالطريق الوسطى وخف الله فيما خوّلك وأعطاك قال أبو بكر فقضيت باليمن أربى ثم أتيت الشيخ لأودّعه فقال أحامل عنى أبياتا من الشعر قلتها فى ذلك النبىّ قليت نعم فذكر أبياتا قال أبو بكر فقدمت مكة وقد بعث صلى الله عليه وسلم فجاءنى عقبة بن أبى معيط وشيبة بن ربيعة وأبو جهل وأبو البخترى وصناديد قريش فقلت لهم هل نابتكم نائبة أو ظهر فيكم أمر قالوا يا أبا بكر أعظم الخطب يتيم أبى طالب يزعم انه نبىّ ولولا أنت ما انتظرنا به فاذقد جئت فأنت الغاية والكفاية* قال أبو بكر فصرفتهم على أحسن مس وسألت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقيل لى فى منزل خديجة فقرعت عليه الباب فخرج الىّ فقلت يا محمد فقدت من منازل أهلك وتركت دين آبائك وأجدادك قال يا أبا بكر انى رسول الله اليك والى الناس كلهم فآمن بالله قلت وما دليلك على ذلك قال الشيخ الذى لقيته باليمن قلت وكم من شيخ لقيت باليمن قال الشيخ الذى أفادك الابيات قلت ومن خبرك بهذا يا حبيبى قال الملك المعظم الذى يأتى الانبياء قبلى قلت مدّيدك فأنا أشهد أن لا اله الا الله وانك رسول الله قال ابو بكر فانصرفت وما بين لابتيها اشدّ سرورا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم باسلامى* وعن مجاهد قال اوّل من اظهر الاسلام سبعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية امّ عمار كذا فى الصفوة* وعن عائشة رضى الله عنها قالت خرج ابو بكر رضى الله عنه يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان له صديقا فى الجاهلية فلقيه قال يا ابا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأديانها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى رسول الله أدعو الى الله فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم ابو بكر فانصرف عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما بين الاخشبين اكثر منه سرورا باسلام ابى بكر فمضى ابو بكر فراح بعثمان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام وسعد بن ابى وقاص فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وابى عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وابى سلمة ابن عبد الاسد والارقم بن ابى الارقم فأسلموا كذا فى المنتقى* (ذكر ما وقع فى السنة الثانية والثالثة من النبوّة من اخفاء الدعوة) * روى انه كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستر النبوّة ويدعو الى الاسلام فى السرّ ثلاث سنين وكان ابو بكر ايضا يدعو من يثق به من قومه فلما مضت من النبوّة ثلاث سنين نزل قوله تعالى فاصدع بما تؤمر فأظهر الدعوة الى الاسلام* وروى عن عروة بن الزبير وغيره من اهل العلم انه كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حين انزل عليه اقرأ باسم ربك الى ان كلف الدعوة واظهارها وأنزل فاصدع بما تؤمر وأنذر عشيرتك الاقربين ثلاث سنين لا يظهر الدعوة فى تلك المدّة الا للمختصين ثم أعلن وصدع بما يأمر الله تعالى به نحو عشر سنين بمكة* وفى السنة الثانية أو الثالثة من النبوّة توفى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة فى حديث عائشة رضى الله عنها فى الصحيحين انّ الوحى تتابع فى حياة ورقة وانه آمن به* وقال الذهبى الاظهر انه مات بعد النبوّة وقبل الرسالة أى قبل اظهار الدعوة ونزول فاصدع بما تؤمر وأخواتها* وفى المنتقى أورد وفاة ورقة بن نوفل فى السنة الرابعة من النبوّة* وفى السنة الرابعة من النبوّة كان اظهار الدعوة وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا نعم وخص وقال يا بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد المطلب أنقذوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذى نفسك من النار فانى لا أملك لكم من الله شيئا غير ان لكم رحما سأبلها ببلالها ذكره المحب الطبرى فى ذخائر العقبى* وفى أنوار التنزيل لما نزلت وأنذر عشيرتك الاقربيين صعد الصفا وناداهم فخذا فخذا فاجتمعوا اليه فقال صلّى الله عليه وسلم لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقىّ قالوا نعم قال صلّى الله عليه وسلم فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد قال أبو لهب تبالك ألهذا دعوتنا وأخذ حجرا ليرميه فنزلت تبت يدا أبى لهب وكذا فى النهر الا أن فيه قال يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنكما من الله شيئا سلانى من مالى ما شئتم ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش يا فلان يا فلان* وفى رواية صاح بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمعوا اليه من كل وجه فقال لهم أرأيتم لو قلت لكم انى أنذركم خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقىّ الى آخر ما ذكر وفيه ألهذا جمعتنا فافترقوا عنه ولما سمعت أمّ جميل سورة تبت أتت أبا بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد وبيدها فهر وقالت بلغنى أنّ صاحبك هجانى ولا فعلن فأعمى الله بصرها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال لها أبو بكر هل ترين معى أحدا فقالت اتهز أبى لا أرى غيرك وان كان صاحبك شاعرا فأنا مثله أقول* مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا فسكت أبو بكر ومضت هى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد حجبنى عنها ملائكة فما رأتنى وكفانى الله شرّها وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها وابو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال وأمّ جميل بنت حرب اخت ابى سفيان امرأة ابى لهب كانت عوراء ويقال لها حمالة الحطب لانها كانت تحمل الحطب الذى هو الشوك لتؤذى بالقائه فى طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم واصحابه لتعقرهم فذمت بذلك وسميت حمالة الحطب وقيل حطب المشى بالنميمة* وعن الزهرى قال دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الاسلام سرّا وجهرا فاستجاب الله من أحداث الرجال وضعفاء الناس حتى كثر من آمن به وكفار قريش غير منكرين لما يقول فكانوا اذا مر عليهم فى مجالسهم يشيرون اليه ان غلام بنى عبد المطلب ليكلم من السماء وكان كذلك حتى عاب آلهتهم التى يعبدونها من دون الله وذكر هلاك آبائهم الذين كانوا على الكفر فشنعوا لرسول صلّى الله عليه وسلم عند ذلك وعادوه* وعن طارق بن عبد الله المحاربى قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسوق ذى المجاز وانا فى بياعة لى مرّ وعليه حلة حمراء وهو ينادى بأعلى صوته يا ايها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا ورجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول ايها الناس لا تطيعوه فانه كذاب قلت من هذا قالوا غلام بنى عبد المطلب قلت فمن هذا الذى يتبعه قالوا عمه عبد العزى* وفى السنة الخامسة أو الرابعة من النبوّة ولدت عائشة بنت ابى بكر بمكة وامّها امّ رومان كذا قاله الحافظ مغلطاى وغيره كذا فى المواهب اللدنية* هجرة الحبشة الاولى وفى هذه السنة وقعت هجرة الحبشة الاولى وذلك انه لما ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالنبوّة لم تنكر عليه قريش ولما سب آلهتهم وعابها قال العتقى وكان ذلك فى سنة اربع انكروا وبالغوا فى اذى المسلمين فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالخروج الى الحبشة وقال انّ بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فتحوزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه كذا فى الصفوة فخرج قوم وستر الباقون اسلامهم* وفى المواهب اللدنية خرج فى رجب سنة خمس من النبوّة مهاجرا ناس ذو عدد منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه وكانوا احد عشر رجلا واربع نسوة وقيل خمس نسوة وقيل وامرأتان واميرهم عثمان بن مظعون وانكر ذلك الزهرى وقال لم يكن لهم امير وخرجوا مشاة الى البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار انتهى* وفى المنتقى وكانت ارض الحبشة متجرا لقريش فخرجوا متسللين سرّا فصادف وصولهم الى البحر سفينتين للتجارة فحملوهم فيهما الى ارض الحبشة وكان مخرجهم فى رجب السنة الخامسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 من النبوّة وخرجت قريش فى آثارهم ففاتوهم* وفى المواهب اللدنية كان اوّل من خرج عثمان ابن عفان مع امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم واخرج سفيان بسند موصول الى انس قال أبطأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت قد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار قال انّ عثمان لاوّل من هاجر بأهله بعد لوط فلما رأت قريش استقرارهم بالحبشة وأمنهم أرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن ابى ربيعة بهدايا وتحف من بلادهم الى النجاشى واسمه اصحمة بن بحرى وقيل مكحول بن صصة* فائدة فى أسماء ملوك الجهات والنجاشى اسم لكل من ملك الحبشة وتسميه المتأخرون الابحرى وكذلك خاقان لمن ملك الترك وقيصر لمن ملك الروم وتبع لمن ملك اليمن وان ترشح للملك سمى قيلا وبطلميوس لمن ملك اليونان والقيطون لمن ملك اليهود هكذا قاله ابن خرداديه والمعروف مالخ ثم رأس الجالوت والنمرود لمن ملك الصابئة ودهمن ويعفور لمن ملك الهند وغانة لمن ملك الزنج وفرعون لمن ملك مصر والشأم فان اضيف اليهما الاسكندرية سمى العزيز ويقال المقوقس وكسرى لمن ملك العجم والاخشيد لمن ملك فرغانة والنعمان لمن ملك العرب من قبل العجم وجالوت لمن ملك البربر كذا فى سيرة مغلطاى* قال وكان معهما عمارة بن الوليد ليردّهم الى قومهم فأبى ذلك وردّهما خائبين بهديتهما وسيجىء تفصيله فأقاموا عند النجاشى آمنين فلما نزلت سورة والنجم سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى آخر السورة وسجد معه المشركون* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ ينادى قومه سورة والنجم فلما بلغ قوله تعالى ومناة الثالثة الاخرى سمعت تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجبى وكانت هذه المسموعة بادخال الشيطان فى اثناء قراءة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأن سكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند قوله ومناة الثالثة الاخرى فتكلم الشيطان بهذه الكلمات متصلا بقراءة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وخلط صوته بصوته محاكيا نغمة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فظنّ ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم هو الذى يتكلم بها فيكون هذا القاء من الشيطان فى قراءة النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى شرح المواقف والمدارك وانوار التنزيل وغيرها* قال القاضى عياض وهذا احسن وجوه التأويل فيه وكذا استحسن ابن العربى هذا التأويل وقد سبق الى ذلك الطبرى مع جلالة قدره وسعة علمه وشدّة ساعده فى النظر فصوّب على هذا المعنى كذا فى المواهب اللدنية فأنزل الله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبىّ الا اذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته اى فى تلاوته قال الشاعر تمنى كتاب الله اوّل ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل وكان الشيطان يبصر ويتكلم فيسمع كلامه فى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولما سجد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى آخر السورة سجد معه المشركون فبلغ ذلك أهل الحبشة فقالوا ان كانوا قد آمنوا فلنرجع الى عشائرنا وكانوا قد خرجوا فى رجب واقاموا بالحبشة شعبان ورمضان وقدموا فى شوّال فلقيهم ركب فسألوهم فقالوا ذكر محمد آلهتهم فتابعوه ثم عاد عن ذكرها فعادوا له بالشرّ فلم يدخل أحد منهم مكة الا بجوار الا ابن مسعود فانه مكث قليلا ثم رجع الى أرض الحبشة فسطت بهم عشائرهم فآذوهم فأذن لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الخروج مرّة أخرى الى أرض الحبشة فخرج خلق كثير* قال محمد بن اسحاق من لحق من المسلمين بأرض الحبشة سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا وولديها نيف وثلاثون رجلا ومن النساء احدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب فلما سمعوا بمهاجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا وثمان نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وشهد بدرا منهم اربعة وعشرون وفى الصفوة والمنتقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 عن أمّ سلمة أنها قالت انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما فتن أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة وقال انّ بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده كما مرّ فخرجنا ارسالا ولما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشى أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا الى النجاشى فينا رجلين جلدين من قريش وأن يهدوا الى النجاشى هدايا مما يستظرف من متاع مكة من الادم وغيره وكان الادم يعجب النجاشى أن يهدى اليه ففعلوا وجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى وعمرو بن العاص وقالوا لهما ادفعا الى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشى ثم قدّما الى النجاشى هداياه ثم سلاه أن يسلمهم اليكما قبل أن يكلمهم فخرجا ولما قدما دفعا الى كل بطريق هديته وقالا انه قد صبأ الى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك وجاؤا بدين مبتدع وقد بعثنا الى الملك فيهم أشراف قومهم ليردّ وهم اليهم فاذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم الينا ولا يكلمهم فقالوا نعم ثم قربا هداياهم الى النجاشى فقبلها منهم ثم كلماه فقالوا له أيها الملك انه قد صبا الى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم اليهم فقال بطارقته صدقوا أيها الملك فارددهم وأسلمهم اليهما فغضب النجاشى ثم قال لا والله لا أسلم اليكما قوما جاورونى ونزلوا بلادى ولجؤا الىّ واختارونى على من سواى حتى أدعوهم وأسألهم ما يقول هذان فى أمرهم فان كانوا كما يقولان سلمتهم اليهما وان كانوا غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاورونى فأرسل الى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاهم فلما أن جاء رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل اذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلّى الله عليه وسلم كائن فى ذلك ما هو كائن وأرسل النجاشى فجمع بطارقته وأساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فلما جاؤه سألهم فقال انّ هؤلاء يزعمون انكم فارقتم دينهم فأخبرونى ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا فى دينى ولا فى دين آخر من هذه الامم مكالمة جعفر مع النجاشى فتكلم جعفر بن أبى طالب فقال أيها الملك كنا أهل جاهلية لا نعرف الله ولا رسوله نعبد الاصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الارحام ونسىء الجوار يأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والصدقة وكل ما يعرف من الاخلاق الحسنة ونهانا عن الزنا والفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وكل ما يعرف من السيئات وتلى علينا تنزيلا لا يشبهه شىء فصدّقناه وآمنا به وعرفنا أنّ ما جاء به هو الحق من عند الله فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ففارقنا عند ذلك قومنا فعدا علينا قومنا فآذونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا الى عبادة الاوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا وبلغنا ما نكره ولم نقدر على الامتناع أمرنا نبينا صلّى الله عليه وسلم أن نخرج الى بلادك اختيارا لك على من سواك ورغبنا فى جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك فقال له النجاشى هل معكم مما جاءكم به عن الله عز وجل شىء فقال له جعفر نعم قال فاقرأه علىّ فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشى حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم ثم قال النجاشى والله انّ هذا الكلام والكلام الذى جاء به موسى ليخرجان من مشكاة واحدة ثم قال انطلقا والله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 لا أسلمهم اليكما أبدا ولا أخلى بينكما وبينهم فألحقا بشأنكما فخرجا من عنده مقبوحين مردودا أمرهما عليهما* وفى ذخائر العقبى عن جعفر قال فقال لهما النجاشى أعبيدهم لكم قالوا لا قال فلكم عليهم دين قالوا لا قال فخلوا سبيلهم انتهى قالت أمّ سلمة فلما خرجا قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا أعيبهم بما أستأصل به خضراءهم أو قال يقول أبيد به خضراءهم فقال عبد الله بن أبى ربيعة وهو أتقى الرجلين فينا لا تفعله فانّ لهم أرحاما* وفى المنتقى فانّ للقوم رحما وان كانوا قد خالفوا فما نحب أن يبلغ ذلك منهم فقال والله لاخبرنه أنهم يزعمون أنّ عيسى ابن مريم عبد فلما كان الغدغدا اليه ودخل عليه فقال له أيها الملك انهم يخالفونك ويقولون فى عيسى ابن مريم قولا عظيما يزعمون أنه عبد فارسل اليهم وأسألهم عما يقولون* وفى ذخائر العقبى قال النجاشى ان لم يقولوا فى عيسى مثل قولى لم أدعهم فى أرضى ساعة من نهار فأرسل الينا وكانت الدعوة الثانية أشدّ علينا من الاولى انتهى قالت أمّ سلمة فأرسل النجاشى اليهم قالت أمّ سلمة فما نزل بناقط مثلها فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض هل عرفتم أنّ عيسى الهه الذى يعبده وقد عرفتم أنّ نبيكم جاءكم بأنّه عبد وانّ ما يقولون هو الباطل فماذا تقولون قالوا نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاء به نبينا كائن فى ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون فى عيسى ابن مريم فقال له جعفر نقول فيه ما جاء به نبينا انه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول فضرب النجاشى بيده الى الارض فأخذ منها عودا فقال ما عدا عيسى ابن مريم ما تقولون مثل هذا العود فنخرت أساقفته أى تكلمت بلغتهم قال لهم النجاشى وان نخرتم ثم قال للمسلمين اذهبوا فأنتم سئوم بأرضى والسئوم الآمنون من سبكم غرم من سبكم غرم غرم ما أحب انى آذيت منكم رجلا وانّ لى دبرا من الذهب والدبر بلسانهم الجبل ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها فو الله ما أخذ الله منى رشوة حين ردّ علىّ ملكى وما أطاع فىّ الناس فأطيعهم فيه فردّوا عليهما هداياهما فخرجا خائبين* وفى رواية قال النجاشى للمسلمين مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وأنه الذى بشربه عيسى ولولا ما أنا فيه من الملك لآتينه حتى أقبل نعله* وفى ذخائر العقبى عن جعفر قال فقال النجاشى ادع لى فلانا القس وفلانا الراهب فأتاه أناس منهم قال فقال ما تقولون فى عيسى ابن مريم قالوا أنت أعلمنا بما نقول فقال النجاشى وأخذ شيئا من الارض ما عدا عيسى عليه السلام ما قال هؤلاء بمثل هذا قال لهم أيؤذيكم أحد قالوا نعم فأمر مناديا فنادى من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم قلنا لا قال فاضعفوها* قال فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخرج الى المدينة وظهر بها أتيناه فقلنا انّ صاحبنا قد خرج الى المدينة فظهر بها وقتل الذين كنا حدّثناك عنهم وقد أردنا الرحيل فزوّدنا فدفع الينا ما يحملنا وأحسن الينا ثم قال أخبر صاحبك بما صنعت اليكم وهذا صاحبى معكم وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله قال وقل له يستغفر لى* قال جعفر فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقانى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاعتنقنى ثم قال ما أدرى أنا أبفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر ووافق ذلك فتح خيبر ثم جلس فقام رسول النجاشى فقال هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال له نعيم فعل بنا وحملنا وزوّدنا وشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله وقال قل له يستغفر لى فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتوضأ ودعا ثلاث مرّات اللهمّ اغفر للنجاشى فقال المسلمون آمين* قال جعفر فقلت للرّسول وأخبر صاحبك بما قد رأيت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم خرجه المخلص الذهبى والبغوى فى معجمه عن أمّ سلمة* قصة تولية النجاشى معنى قول النجاشى ما أخذ الله منى رشوة حين ردّ علىّ ملكى فآخذ الرشوة وما أطاع الناس فىّ فأطيع الناس فيه انه لم يكن لابيه ولد غيره وكان أبوه ملك قومه وكان للنجاشى عمّ له من صلبه اثنا عشر رجلا وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة قالت الحبشة فيما بينها لو قتلنا أبا النجاشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ثم ملكنا أخاه فتوارث ملكه بنوه فانهم اثنا عشر رجلا لبقى ملك الحبشة زمانا فعدوا على أبى النجاشى فقتلوه ثم ملكوا أخاه ونشأ النجاشى مع عمه وكان لبيبا حاذقا فغلب على أمر عمه ونزل منه كل منزل فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وانا لنتخوّف أن يملكه علينا وان ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا قتلنا أباه فمشوا الى عمه فقالوا انا قتلنا أنا هذا الغلام وقد عرف انا قتلناه وملكناك علينا ونحن نتخوّفه على أنفسنا فاقتله أو أخرجه من بلادنا فقال ويحكم قتلتم أباه بالامس وأقتله اليوم اذهبوا فأخرجوه من بلادكم فبيعوه فى هذا السوق فأخرجوه الى السوق فأقاموه فيه فجاء تاجر فاشتراه بستمائة درهم فألقاه فى سفينته فانطلق حتى اذا كان العشىّ من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر فأصابته صاعقة فأهلكته فرجعوا الى بنيه فاذاهم ليس فيهم خير فقالت الحبشة بعضهم لبعض هلك والله ملككم تعلمون انّ ملككم الذى بعتموه فان كان لكم فى ملككم حاجة فأدركوه فخرجوا فى طلبه فأدركوا التاجر فأخذوه منه ثم جاؤا به فقعدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه فجاءهم التاجر الذى باعوه منه فقال أعطونى دراهمى كما أخذتم غلامى قالوا لا والله لا نفعل قال والله لا شكونّ منكم عند الملك فجاء فجلس بين يدى الملك فقال أيها الملك انى ابتعت غلاما ثم أتانى باعته فانتزعوه منى فسألتهم مالى فأبوا أن يعطونى فنظر النجاشى اليه فقال والله لتعطنه ماله أو ليضعن عبده يده فى يده فيذهب به حيث شاء فقالوا بل نعطيه ماله وكان هذا أوّل ما اختبر من صلابته وعدله وهذا قوله ما أخذ الله منى رشوة حين ردّ علىّ ملكى فآخذ الرشوة وما أطاع الناس فىّ فأطيع الناس فيه ذكره ابن اسحاق عن عائشة* وفى رواية بعث قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد* وفى معالم التنزيل بن أبى معيط بدل الوليد الى النجاشى فذكر نحو الحديث المتقدّم قال وكان عمرو رجلا فقيرا وعمارة رجلا جميلا فأقبلا فى البحر الى النجاشى فشربوا ومع عمرو امرأته فلما ثملوا من الخمر قال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقبلنى فقال له عمرو ألا تستحيى فأخذ عمارة عمرا يرمى به فى البحر فجعل عمرو يناشده حتى أدخله السفينة فحقد عمرو على عمارة ومكر به فقال يا عمارة انك لرجل جميل فاذهب الى امرأة النجاشى وتحدّث عندها اذا خرج زوجها فانّ ذلك عون لنا فى حاجتنا فراسلها عمارة حتى دخل عليها فانطلق عمرو الى النجاشى فقال انّ صاحبى هذا صاحب نساء وانه يريد أهلك فبعث النجاشى الى بيته فاذا عمارة عند أهله فأمر به فنفخ فى احليله أى سحره فطار مع الوحش* وفى رواية ثم ألقاه فى جزيرة من جزائر البحر فجنّ واستوحش مع الوحش كذا فى المنتقى* (ذكر بعض ما لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ايذاء المشركين) * ولما خرج المسلمون الى الحبشة ومنع الله تعالى نبيه بعمه أبى طالب ورأت قريش أن لا سبيل لهم عليه رموه بالكهانة والسحر والجنون والشعر ثم بالغوا فى أذاه فمن ايذائهم ما روى أن نبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينما هو بفناء الكعبة اذ أقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم* وروى عن عائشة أنها قالت عاد أبو بكر وقد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحيته وكان رجلا كثير الشعر* وفى معالم التنزيل لما بزق عقبة بن أبى معيط فى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاد بزاقه فى وجهه فاحترق خدّاه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت* وعن عبد الله أنه قال ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد فانه كان يصلى ورهط من قريش جلوس وسلا جزور قريب منه فقالوا من يأخذ هذا فيلقيه على ظهره فقال عقبة بن أبى معيط أنا فأخذه فألقاه على ظهره فلم يزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ساجدا حتى جاءت فاطمة فألقته عن ظهره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللهمّ عليك بالملأ من قريش اللهمّ عليك بعتبة بن ربيعة اللهمّ عليك بشيبة بن ربيعة اللهمّ عليك بأبى جهل بن هشام اللهمّ عليك بعقبة بن أبى معيط اللهمّ عليك بأبىّ بن خلف أو أمية بن خلف* قال عبد الله فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا الى القليب غير أمية فانه كان رجلا ضخما فتقطع ولما كثر أنواع الاذى من المشركين استتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع أصحابه فى دار الا رقم بن أبى الارقم بن أسد وأقاموا فى تلك الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا* وفى الصفوة أرقم بن أبى الارقم أسلم بعد ستة نفر وكان داره بمكة على الصفا فيها استتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودعا الناس فيها الى الاسلام وتصدّق بها الارقم على ولده فلم يزل المنصور يرغب ولده فى المال حتى باعه اياها ثم أعطاها المهدى الخيزران وقد يقال هى بأصل الصفا ويقال عند الصفا فالكل واحد وهى التى تسمى الآن بدار الخيزران* وفى كتاب الغزى كان صلّى الله عليه وسلم مستترا فيها فى بدء الاسلام وكان بها اجتماع من أسلم من الصحابة وبها أسلم عمر وحمزة وغيرهما ومنها ظهر الاسلام قاله العقبى* وفى هذه السنة ولد أسامة بن زيد وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة الثقيفى وأبو موسى الاشعرى وزيد بن خالد الجهنى وحبيب بن مسلمة الفهرى كذا فى سيرة مغلطاى* وفى هذه السنة توفيت سمية بنت حباط مولادة أبى حذيفة بن المغيرة وهى أمّ عمار بن ياسر أسلمت بمكة قديما وكانت ممن يعذب فى الله عز وجل لترجع عن دينها فلم ترجع فمرّ بها أبو جهل فطعنها فى قلبها فماتت وكانت عجوزا كبيره فهى أوّل شهيدة فى الاسلام وفى السنة السادسة من النبوّة أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب وقد قيل أسلما فى سنة خمس كذا فى المنتقى وكان اسلام حمزة قبل اسلام عمر بثلاثة أيام بعد دخول النبىّ صلّى الله عليه وسلم دار الارقم كذا فى الصفوة* (ذكر اسلام حمزة) * أما سبب اسلام حمزة فهو انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان جالسا عند الصفا فمرّ به أبو جهل فشتمه وأذاه وقال فيه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لامره فلم يكلمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم واذا مولاة لعبد الله بن جدعان فى مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف أبو جهل عنه فعمد الى نادى قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنصه وكان اذا رجع من قنصه لم يصل الى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان اذا فعل ذلك لم يمرّ على ناد من قريش الا وقف وسلم وتحدّث معهم فلما مرّ بالمولاة وقد رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفا من ابى الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا فأذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته وكان أعزفتى فى قريش واشدّها شكيمة فخرج يسعى لم يقف على احد معدا لابى جهل اذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر اليه جالسا فى القوم فأقبل نحوه حتى اذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة وقال اتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فاردد ذلك علىّ ان استطعت فقامت رجال من بنى مخزوم الى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فانى والله سبيت ابن أخيه سبا قبيحا وتم حمزة على اسلامه وعلى مبايعة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما أسلم حمزة عرفت قريش ان رسول الله قد عز وامتنع وان حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون من النبىّ صلّى الله عليه وسلم وفى المواهب اللدنية قال حمزة حين أسلم حمدت الله حين هدى فؤادى ... الى الاسلام والدين الحنيفى لدين جاء من رب عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف اذا تليت رسائله علينا ... تحدّر دمع ذى اللب الخصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 رسائل جاء أحمد من هداها ... بآيات مبينة الحروف وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغشوه بالقول العنيف فلا والله نسلّمه لقوم ... ولما نقض فيهم بالسيوف وعند غير ابن اسحاق ان كلام أبى جهل للنبى صلّى الله عليه وسلم كان عند الحجون وانه صب التراب على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووطئ برجله على عاتقه وان المرأة التى اخبرت حمزة سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب وانه قال لها انت رأيت هذا الذى تقولين قالت نعم فدخل سريعا فنظر الى الخلق لا يتكلم يعرف فى وجهه الغضب حتى وقف على أبى جهل فحمل عليه بالقوس فضربه ضربة أوضحت فى رأسه وذكر ما مضى بعده وقال قال حمزة أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والله لا انزع فامنعونى ان كنتم صادقين* وخرج صاحب الصفوة ذكر الايضاح بالقوس حين بلغه ما نال أبو جهل من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا غير وكان اسلامه فى السنة الثانية من المبعث وقيل كان اسلامه بعد دخول النبىّ صلّى الله عليه وسلم دار الا رقم فى السنة السادسة من المبعث ولم يذكر فى الصفوة غيره وذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقى ان اسلامه كان يوم ضرب ابو بكر حين ظهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم قبل اسلام عمر من دار الا رقم وروى ان ذلك كان قبل اسلام عمر بثلاثة ايام والتوفيق بين الاحاديث كلها ممكن كذا فى ذخائر العقبى وفى المنتقى وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر وذلك ان اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورضى عنهم لما اجتمعوا وكانوا تسعة وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الظهور فقال يا أبا بكر انا قليل فلم يزل يلح عليه حتى ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى نواحى المسجد وقام أبو بكر فى الناس خطيبا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس وكان أوّل خطيب دعا الى الله عز وجل والى رسوله صلّى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبى بكر وعلى المسلمين يضربونهم فى نواحى المسجد ضربا شديدا ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرّفهما بوجهه وأثر على وجه أبى بكر حتى ما يعرف أنفسه من وجهه وجاءت بنوتيم تتعادى فأجلوا المشركين عن ابى بكر وحملوا أبا بكر فى ثوب حتى أدخلوه بيته ولا يشكون فى موته ورجعت بنوتيم فدخلوا المسجد فقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلنّ عتبة ورجعوا الى أبى بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال ما فعل برسول الله صلّى الله عليه وسلم فمسوه بألسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لامّ الخير انظرى أن تطعميه شيئا أو تسقيه اياه فلما خلت به وألحت عليه جعل يقول ما فعل برسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت والله مالى علم بصاحبك قال فاذهبى الى أمّ جميل بنت الخطاب فأسألها عنه فخرجت حتى جاءت الى أم جميل فقالت ان أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله قالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وان تحبى أن أمضى معك الى ابنك فعلت قالت نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فرنت أم جميل وأعلنت بالضياح وقالت ان قوما نالوا منك هذا لاهل فسق وانى لارجو أن ينتقم الله لك قال فما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت هذه امّك تسمع قال فلا عين عليك منها قالت سالم صالح قال فأين هو قالت فى دار الا رقم قال فان لله تبارك وتعالى علىّ ألية أن لا أذوق طعاما أو شرابا أو آتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الصحاح الالية اليمين على وزن فعيلة والجمع ألا يا قال الشاعر قليل الا لا يا حافظ ليمينه ... وان سبقت منه الالية برّت فأمهلنا حتى هدأت الرجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ علينا حتى أدخلناه على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأكب عليه فقبله وأكب عليه المسلمون ورق رسول الله صلّى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 أبو بكر رضى الله عنه بأبى وأمى ليس بى الا ما نال الفاسق من وجهى هذه أمى بره بوالديها وأنت مبارك فادعها الى الله تعالى وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار فدعا لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم دعاها الى الله عز وجل فأسلمت فأقاموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا قال وكان أسلم حمزة يومئذ يوم ضرب أبو بكر كما مرّ* (ذكر اسلام عمر) * فى الاكتفاء قال ابن اسحاق كان اسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الحبشة وبعد حمزة بثلاثة أيام فيما قاله أبو نعيم كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سبب اسلام عمر أقوال أشهرها ما روى ان قريشا اجتمعت فتشاورت فى امر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالوا أى رحل يقتل محمدا فقال عمر بن الخطاب انالها فقالوا أنت لها يا عمر فخرج متقلدا السيف فى طلب النبى صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع أصحابه فى منزل حمزة فى الدار التى فى أصل الصفا فلما خرج عمر الى الصفالقيه سعد بن أبى وقاص الزهرى فقال أين تريد يا عمر فقال أريد أن أقتل محمدا قال أنت أحقر وأصغر من ذلك فكيف تأمن فى بنى هاشم وبنى زهرة وقد قتلت محمدا* وفى رواية قال له سعد أتريد أن تقتل محمدا ويدعك بنو عبد مناف أن تمشى على الارض فقال له عمر ما اراك الا قد صبأت وتركت الدين الذى انت عليه وفى رواية قال له عمر لعلك قد صبأت الى محمد فابدأ بك فأقتلك وعند ذلك قال سعدا علم انى آمنت بمحمد واشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فسلّ عمر سيفه وكشف سعد عن سيفه فشدّ كل واحد منهما على الآخر حتى كاد أن يختلطا فقال سعد مالك يا عمر لا تصنع هذا باختك آمنة بنت الخطاب وفى المواهب اللدنية فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل فقال أسلما قال نعم فتركه عمر وسار الى منزل آمنة وفى الصفوة قال سعد أفلا ادلك على العجب يا عمران اختك وختنك قد صبيا وتركا دينك الذى انت عليه فمشى عمر مسرعا حتى أتاهما وعندهما رجل من الانصار يقال له خباب بن الارت وهم يقرؤن سورة طه فلما سمع خباب حس عمر توارى فى البيت فدخل عمر عليهما فقال ما هذه الهينمة التى سمعتها عندكم فقالا ما عدا حديثا حدّثناه بيننا قال فلعلكما قد صبأتما فقال له ختنه أرأيت يا عمر ان كان الحق فى غير دينك فوثب عمر على ختنه سعيد وبطش بلحيته فتواثبا وكان عمر رجلا شديدا قويا فضرب بسعيد الارض وجلس على صدره فجاءت اخته فدفعته عن زوجها فلطمها عمر لطمة شج بها وجهها وفى الصفوة فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها فلما نظرت الى الدم على وجهها غضبت وقالت يا عدوّ الله اتضربنى على أن أوحد الله قال نعم أو قالت يا عمران كان الحق فى غير دينك أشهد أن لا اله الّا الله وان محمدا رسول الله لقد أسلمنا على رغم انفك فاصنع ما أنت صانع فلما سمعها عمر ندم وقام من صدر زوجها فقعد ناحية ثم قال اعرضوا علىّ الصحيفة التى كنتم تدرسونها* وفى الصفوة أعطونى هذا الكتاب الذى عندكم فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتب قالت اخته لا أفعل قال ويحك قد وقع فى قلبى ما قلت فأعطنيها انظر اليها وأعطيك من المواثيق ان لا اخونك حتى تحرزيها حيث شئت قالت له اخته انك رجس فانطلق فاغتسل أو توضأ فانه كتاب لا يمسه الا المطهرون فخرج عمر ليغتسل وخرج اليها خباب بن الارت فقال أتدفعين كتاب الله الى عمر وهو كافر قالت نعم انى أرجو أن يهدى الله أخى فدخل خباب البيت وجاء عمر فدفعت اليه الصحيفة فاذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى الى قوله اننى أنا الله لا اله الا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى فقال عمر عند هذه ينبغى لمن يقول هذا ان لا يعبد معه غيره فقال عمر دلونى على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال ابشر يا عمر فانى أرجو أن يكون قد سبقت فيك دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم البارحة قال اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 هشام* وفى سيرة مغلطاى اللهم أيد الاسلام بأبى جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب وفى كتاب الحاكم اللهم أيد الاسلام بعمر بن الخطاب ولم يذكر أبا جهل* ذكر الدار قطنى ان عائشة قالت انما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهم عز عمر بالاسلام لان الاسلام يعز ولا يعز فقال عمر يا خباب انطلق بنا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقام خباب وسعيد معه حتى أتوا منزل حمزة دار الا رقم التى بأصل الصفا فدقوا الباب فخرج بعض الاصحاب فنظر فى شق الباب فرجع الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذا عمر نعوذ بالله من شرّه فقال افتحوا له الباب فان جاء بخير قبلناه وان جاء بشرّ قتلناه وفى الصفوة فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر قال نعم هذا عمر فان يرد الله بعمر خيرا يسلم ويتبع النبىّ صلّى الله عليه وسلم وان يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال والنبىّ صلّى الله عليه وسلم داخل يوحى اليه ففتح لعمر الباب فدخل فاستقبله رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى صحن الدار فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وفى المنتقى أخذ ساعده وانتهزه فارتعد عمر هيبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وجلس فقال أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك ما أنزل بالوليد بن المغيرة يعنى الخزى والنكال اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب ققال عمر اشهد انك رسول الله وقال اخرج يا رسول الله وعن ابن عباس سئل عمر عن وجه تسميته الفاروق فأخبر أن حمزة أسلم قبله بثلاثة أيام ثم شرح الله صدره للاسلام فقال الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى فما فى الارض نسمة أحب اليه من نسمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لاخته أين رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت فى دار الا رقم عند الصفا فأتى عمر الدار وحمزة فى أصحابه جلوس فى الدار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى البيت فضرب عمر الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة ما لكم قالوا عمر بن الخطاب فخرج اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك عمران وقع على ركبتيه فقال ما أنت بمنته يا عمر فقال أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد فقال يا رسول الله ألسنا على الحق ان متناوان حيينا قال بلى والذى نفسى بيده انكم على الحق ان متم وان حييتم فقال ففيم الاخفاء* وفى المنتقى قال يا رسول الله علام نخفى ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل فقال يا عمر انا قليل فقد رأيت ما لقينا فقال عمر والذى بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر الا جلست فيه بالايمان ثم خرج فى صفين حمزة فى أحدهما وعمر فى الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد فنظر قريش الى عمر والى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق* وفى المنتقى ولما أسلم عمر قال يا رسول الله لا ينبغى أن نكتم هذا الدين أظهر دينك يا محمد فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه المسلمون وعمر امامهم ومعه سيفه ينادى لا اله الا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد الحرام فنظرت قريش فقالوا لقد أتاكم عمر مسرورا قالوا ما وراءك يا عمر قال ورائى لا اله الا الله محمد رسول الله فان تحرّك أحد منكم لا مكنن سيفى منه ثم تقدّم امام رسول الله صلّى الله عليه وسلم يطوف ويحميه حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من طوافه* وفى المواهب اللدنية قال عمر بعد ما أسلم ثم خرجت فذهبت الى رجل لم يكن يكتم السرّ فقلت له انى صبأت قال فرفع صوته بأعلاه ألا انّ ابن الخطاب قد صبأ فما زال الناس يضربونى وأضربهم فقال خالى ما هذا قيل ابن الخطاب فقام على الحجر وأشار بكمه فقال ألا انى قد أجرت ابن أختى فانكشف الناس عنى فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الاسلام* وفى الصفوة عن ابن عمر أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا لعمر فقال اللهم أعز الاسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 بأحب الرجلين اليك بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل بن هشام* وفى المنتقى كانت الدعوة يوم الاربعاء فسبقت فى عمر فأسلم يوم الخميس ثم خرج عمر وطاف بالبيت ثم مرّ بقريش وهى تنظره فقال أبو جهل ابن هشام زعم فلان انك صبأت فقال عمر أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله فوثب المشركون عليه فوثب عمر على عتبة بن ربيعة وبرك عليه وجعل يضربه وأدخل اصبعيه فى عينيه فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس عنه فقام عمر فجعل لا يدنو منه الا أحد شريف وجعل حمزة يكشف الناس عنه ويضرب فيهم حتى أحجم الناس عنه واتبع عمر المجالس التى كان يجلس فيها فأظهر الايمان غير هائب ولا خائف فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب رضى الله عنهما حتى طاف بالبيت وصلّى الظهر معلنا ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى دار الارقم* وفى الصفوة أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة بعد أربعين وفى العمدة قيل كان أسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر وقال سعيد بن المسيب بعد أربعين رجلا وعشر نسوة وقال عبد الله بن ثعلبة بعد خمسة وأربعين رجلا واحدى عشرة امرأة* وفى المواهب اللدنية وكان المسلمون اذ ذاك بضعة وأربعين رجلا واحدى عشرة امرأة* وعن داود ابن الحصين والزهرى قالا لما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد استبشر أهل السماء باسلام عمر رواه ابن ماجه كذا فى المواهب اللدنية الا أن فيه روى عن ابن عباس* وقال ابن مسعود مارلنا أعزة منذ أسلم عمر* وقال صهيب لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقا وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا* وفى المواهب اللدنية أسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة بثلاثة أيام فيما قاله أبو نعيم بدعوته صلّى الله عليه وسلم اللهمّ أعز الاسلام بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب* وقعة بعاث وفى السنة السابعة من النبوّة وقعت وقعة بعاث فى القاموس بعاث بالعين والغين موضع قرب المدينة ويومه معروف وفى شرح الكرمانى لصحيح البخارى بعاث بضم الموحدة وتخفيف المهملة وبالمثلثة اسيم بقعة بقرب المدينة وقع فيها حرب بين الأوس والخزرج وسببه قتل مجدر بن زياد سويد بن الصامت كما سيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة أحد قيل هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة بعد بعاث بست سنين وقيل بخمس * تقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب وفى السنة السابعة من النبوّة كما فى حياة الحيوان أو الثامنة منها على ما فى المنتقى تقاسمت قريش وتعاهدت على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب وفى الاستيعاب بعد المبعث بست سنين وقيل بخمس وفى المناسك للكرمانى وكان اجتماعهم وتحالفهم فى خيف بنى كنانة بالابطح ويسمى محصبا وهو بأعلا مكة عند المقابر* وفى المواهب اللدنية ولما رأت قريش عز النبىّ صلّى الله عليه وسلم بمن معه وعز أصحابه بالحبشة واسلام عمر وفشوّ الاسلام فى القبائل أجمعوا على أن يقتلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بنى هاشم وبنى المطلب وأدخلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه لذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا حتى يسلموا رسول الله صلّى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا فى صحيفة بخط منصور بن عكرمة بن هشام وقيل بغيض بن عامر فشلت يده وعلقوا الصحيفة فى جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوّة وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب الى أبى طالب ودخلوا معه شعبه الا أبا لهب فكان مع قريش وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا* وقال أبو سعد سنتين حتى جهدوا وكانت قريش قد قطعت عنهم الميرة والمادّة وكان لا يصل اليهم شىء الاسرّا وكانوا لا يخرجون الا من موسم الى موسم* وفى المواهب اللدنية ثم قام رجال فى نقض الصحيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 فأطلع الله نبيه على أمر الصحيفة على ان الارضة أكلت جميع ما فيها من القطيعة والظلم فلم تدع الا اسم الله فقط فأخبرهم أبو طالب بذلك فلما أنزلت لتمزق وجدت كما قال عليه السلام فأخرجوهم من الشعب وذلك فى السنة العاشرة* وأورد فى المنتقى تقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب فى السنة الثامنة من النبوّة* وفى سيرة اليعمرى حاصره أهل مكة فى الشعب فأقام محصورا دون ثلاث سنين هو وأهل بيته وخرج من الشعب وله تسع وأربعون سنة* وفى الاستيعاب حصرتهم قريش فى الشعب بعد المبعث بست سنين ومكثوا فى ذلك الحصار ثلاث سنين وخرجوا منه فى أوّل سنة خمسين من عام الفيل وتوفى أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام وقد قيل غير ذلك وولد عبد الله بن عباس فى الشعب قبل خروج بنى هاشم منه وقيل انه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم* نزول سورة الروم وفى السنة الثامنة من النبوّة نزلت الم غلبت الروم الآية روى انه بعث قيصر رجلا يسمى قطمة بجيش الروم وبعث كسرى برويز شهريزاد فالتقيا بأذرعات وبصرى وهى بأدنى الشام فغلب فارس على الروم فبلغ الخبر مكة فشق ذلك على المسلمين وكرهوه لان فارس مجوس لا كتاب لهم وكانوا يجحدون البعث ويعبدون الاصنام والروم أهل كتاب وفرح المشركون بذلك وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أمّيون وقد ظهر اخواننا من فارس على اخوانكم من الروم فان قاتلتمونا لنظهرنّ نحن عليكم فنزلت الم غلبت الروم فى أدنى الارض الى قوله فى بضع سنين فخرج بها أبو بكر الى المشركين وقال لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال أبى بن خلف كذبت فتراهنا على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الاجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك فقال زد فى الخطر وأبعد فى الاجل فجعلا مائة قلوص الى تسع سنين فلما خشى أبى أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه وقال انى أخاف أن تخرج من مكة فأقم لى كفيلا فكفل له ابنه عبد الرحمن بن أبى بكر فلما أراد أبى أن يخرج الى أحد أتاه عبد الرحمن بن أبى بكر فلزمه قال لا والله لا أدعك تخرج حتى تعطينى كفيلا فأعطاه كفيلا ثم خرج الى أحد فقتل بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى مات من جرح جرحه رسول الله صلّى الله عليه وسلم له فى أحد وغلبت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر مال الخطر من كفيل أبى وورثته وجاء به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال تصدق به وكان ذلك قبل تحريم القمار* وهذه آية بينة على صحة نبوّته صلّى الله عليه وسلم وعلى ان القرآن من عند الله تعالى لانها نبأ عن الغيب كذا ذكره فى المنتقى* انشقاق القمر وفى السنة التاسعة من المبعث كان انشقاق القمر* فى المواهب اللدنية ان انشقاق القمر كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين قال العلامة ابن السبكى فى شرحه لمختصر ابن الحاجب الصحيح عندى ان انشقاق القمر متواتر منصوص عليه فى القرآن مروى فى الصحيحين وغيرهما من طرق حديث شعبة بن سليمان عن ابراهيم عن أبى معمر عن ابن مسعود ثم قال وله طرق أخر شتى بحيث لا يمترى فى تواتره انتهى وجاءت أحاديث انشقاق القمر فى روايات صحيحة من جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وعلىّ وحذيفة بن جبير بن مطعم وابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم* وفى الصحيحين من حديث أنس ان أهل مكة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما قوله شقتتن بكسر الشين المعجمة أى نصفين وأنس وان لم يشاهد القصة لانه اذ ذاك كان ابن أربع سنين أو خمس بالمدينة لكن يجوز أن يكون حمل الحديث عمن شاهدها* ومن حديث ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشهدوا* وفى رواية الترمذى من حديث ابن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 فى قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر قال قد كان ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم انشق فلقتين فلقة دون الجبل وفلقة خلف الجبل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشهدوا* وقال مجاهد انشق القمر فبقيت فرقة وذهبت فرقة من وراء الجبل* وقال ابن زيد لما انشق القمر كان يرى نصفه على فعيفعان والنصف الآخر على أبى قبيس كذا فى دلائل النبوّة وعند الامام أحمد من حديث جبير بن مطعم فصار فرفتين فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقالوا سحرنا محمدا فقالوا ان كان سحرنا فانه لا يستطيع أن يسحر الناس* وعن عبد الله بن مسعود أنه قال فقال كفار قريش هذا سحر ابن أبى كبشة قال فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار فان محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال فجاء السفار فأخبروهم بذلك رواه أبو داود والطيالسى ورواه البيهقى بلفظ انشق القمر بمكة فقالوا أسحركم ابن أبى كبشة فسألوا السفار وقد قدموا من كل وجه فقالوا رأيناه وعند أبى نعيم عن ابن عباس قال لما اجتمع المشركون الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل ابن هشام والعاص بن وائل والاسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسأل ربه فانشق* وعند البخارى مختصرا من حديث ابن عباس بلفظ ان القمر انشق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عباس وان لم يشاهد القصة لانه لم يولد اذ ذاك ففى بعض طرقه انه حمل الحديث عن ابن مسعود وعند مسلم من حديث شعبة عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرّتين وكذا فى مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرّتين واتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين كما فى حديث جبير عند أحمد وفى حديث ابن عمر فلقتين باللام كما مرّ وفى لفظ فى حديث جبير فانشق باثنتين* وفى رواية عن ابن عباس عند أبى نعيم فى الدلائل فصار قمرين ووقع فى نظم السيرة للحافظ أبى الفضل العراقى وانشق مرّتين بالاجماع* قال الحافظ ابن حجر وأظنّ قوله بالاجماع يتعلق بالشق لا بمرّتين فانى لا أعلم من جزم من علماء الحديث بتعدّد الانشقاق فى زمنه صلّى الله عليه وسلم ولعلّ قائل مرّتين أراد فرقتين وقد وقع فى رواية البخارى من حديث ابن مسعود ونحن بمنى وهذا لا يعارض قول أنس ان ذلك كان بمكة لانه لم يصرّح بأنه عليه السلام كان ليلتئذ بمكة فالمراد ان الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا الى المدينة هذا ما وقع فى المواهب اللدنية* وفى شواهد النبوّة انشق القمر بحيث كانت فلقة منه على أبى قبيس وفلقة على الجبل الآخر* وفى المواهب اللدنية وما يذكره بعض القصاص ان القمر دخل فى جيب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وخرج من كمه فليس له أصل كما حكاه الشيخ بدر الدين الزركشى عن شيخه العماد بن كثير* وفاة أبى طالب وفى السنة العاشرة من النبوّة أوّل ذى القعدة وقيل للنصف من شوّال السنة الثامنة كذا فى الاستيعاب مات أبو طالب بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوما كذا فى سيرة اليعمرى* وفى حياة الحيوان مات أبو طالب وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابن تسع وأربعين سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما وأبو طالب ابن بضع وثمانين سنة* وفى المواهب اللدنية ابن سبع وثمانين سنة وقيل مات فى نصف شوّال من السنة العاشرة* وقال ابن الجوزى قبل هجرته عليه السلام بثلاث سنين انتهى* وروى عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه قال لما حضر أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوحد عنده عبد الله بن أمية وأبا جهل بن هشام فقال يا عم قل لا اله الا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال له أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول يا عم قل لا اله الا الله أشهد لك بها عند الله ويقولان له يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب حتى كان آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 كلمة تكلم بها أبو طالب أنا أموت على ملة عبد المطلب ثم مات* وفى المواهب اللدنية روى انه عليه السلام كان يقول له عند موته يا عم قل لا اله الا الله كلمة أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فلما رأى أبو طالب حرص رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له يا ابن أخى والله لولا مخافة قريش يقولون انى انما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها الا لأسرّك بها فلما تقارب من أبى طالب الموت نظر العباس اليه يحرّك شفتيه فأصغى اليه باذنه فقال يا ابن أخى والله لقد قال أخى الكلمة التى أمرته بها فقال صلى الله عليه وسلم انى لم أسمعه قال ولم يكن العباس حينئذ مسلما كذا فى رواية ابن اسحاق انه أسلم عند الموت ورواه البيهقى فى الدلائل من طريق يونس بن بكير عن ابن اسحاق وقال البيهقى انه منقطع والصحيح من الحديث قد أثبت لأبى طالب الوفاة على الكفر والشرك كما رويناه فى صحيح البخارى من حديث سعيد بن المسيب حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا اله الا الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنه فأنزل الله تعالى ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى وأنزل الله فى أبى طالب فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء* وأجيب أيضا بأنّ أبا طالب لو قال كلمة التوحيد لما نهى الله نبيه عن الاستغفار له* وفى أنوار التنزيل الجمهور على انّ قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء نزلت فى أبى طالب فانه لما احتضر جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال يا عم قل لا اله الا الله كلمة أحجاج لك بها عند الله قال يا ابن أخى لقد علمت انك لصادق ولكن أكره أن يقال جزع عند الموت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لاستغفرنّ لك ما لم أنه عنه فاستغفر له بعد موته حتى نزلت ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم اصحاب الجحيم وقيل اراد أن يستغفر لامّه فنهى عن ذلك كذا فى العمدة* وفى المواهب اللدنية وفى الصحيح عن ابن عباس انه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ابا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك قال نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته الى ضحضاح وفى رواية يونس عن ابن اسحاق زيادة قال يغلى منها دماغه حتى يسيل على قدميه انتهى* وعن ابى سعيد الخدرى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه ابو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح يبلغ كعبه ويغلى منه دماغه* وعن ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال اهون اهل النار عذابا ابو طالب وهو منتعل بنعلين يغلى منهما دماغه* روى الاحاديث الثلاثة مسلم وروى البخارى ايضا حديث الضحضاح ولفظه ما اغنيت عن عمك فانه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو فى ضحضاح من النار ولولا انا لكان فى الدرك الاسفل من النار قيل انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسح ابا طالب بعد موته وأنسى تحت قدميه ولذا ينتعل بنعلين من النار وصية أبى طالب وفى المواهب اللدنية* حكى عن هشام بن السائب الكلبى او ابنه انه قال لما حضر ابا طالب الوفاة جمع اليه وجوه قريش فأوصاهم فقال يا معشر قريش انتم صفوة الله من خلقه الى أن قال وانى اوصيكم بمحمد خيرا فانه الامين فى قريش والصدّيق فى العرب وهو الجامع لكل ما اوصيكم به وقد جاء بأمر قبله الجنان وانكره اللسان مخافة الشنآن وايم الله كأنى انظر الى صعاليك العرب واهل الوبر والاطراف والمستضعفين من الناس قد اجابوا دعوته وصدّقوا كلمته واعظموا امره فخاض بهم غمرات الموت وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا وانّ أعظمهم عليه أحوجهم اليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصفت له فؤادها وأعطته قيادها يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد سبيله الارشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ولا يأخذ أحد بهديه الاسعد ولو كان لنفسى مدّة ولا جلى تاخر لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهى ثم هلك* وروى عن علىّ انه قال لما مات أبو طالب أخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بموته فبكى ثم قال اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل جبريل بهذه الآية ما كان للنبىّ والذين آمنوا الآية وقال علىّ فأمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاغتسلت وكان علىّ اذا غسل الميت اغتسل* قال ابن عباس عارض رسول الله صلّى الله عليه وسلم جنازة أبى طالب وقال وصلتك رحم وجزاك الله خيرا يا عمّ* وفى معالم التنزيل الكفر على أربعة أنواع كفر الانكار وكفر الجحود وكفر النفاق وكفر العناد أمّا كفر الانكار فهو أن لا يعرف الله بالقلب ولا يعترف باللسان وأمّا كفر الجحود فهو أن يعرف الله بقلبه ولكن لا يقرّ بلسانه ككفر ابليس وكفر اليهود بمحمد صلّى الله عليه وسلم من هذا القبيل قال الله تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به أى جحودا وأمّا كفر النفاق فهو أن يقرّ باللسان ولم يعتقد بالقلب وأمّا كفر العناد فهو أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولكن لا يدين به ولا يكون منقادا ومطيعا له ككفر أبى طالب فانه قال ولقد علمت بأنّ دين محمد ... من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحا بذاك مبينا ودعوتنى وعرفت أنك ناصحى ... ولقد صدقت وكنت فيه أمينا وجميع الانواع الاربعة المذكورة سواء فى انّ الله تبارك وتعالى لا يغفر لاصحابها اذا ماتوا عليها نعوذ بالله منها* وفاة خديجة الكبرى وفى هذه السنة العاشرة من النبوّة كانت وفاة خديجة الكبرى رضى الله عنها* روى أنّ خديجة لما مرضت مرض الموت دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لها يا خديجة أما علمت انّ الله قد زوّجنى معك فى الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون قالت فعل ذلك يا رسول الله قال نعم قالت بالرفاء والبنين* قال أبو حاتم وأبو عمرو والدولابى ماتت خديجة بمكة قبل هجرة المصطفى الى المدينة بثلاث سنين* وفى سيرة مغلطاى بخمس سنين وقيل بأربع وقيل بعد الاسراء فكان عليه السلام يسمى ذلك العام عام الحزن انتهى وحكى أبو عمرو أنّ خديجة توفيت فى شهر رمضان ودفنت بالحجون وهى ابنة خمس وستين سنة وستة أشهر كذا فى الصفوة* وقال الطبرى فى السمط الثمين وهى ابنة أربع وستين سنة وستة أشهر وللنبىّ صلّى الله عليه وسلم عند وفاتها تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما* وقال صاحب الصفوة ونزل صلّى الله عليه وسلم فى حفرتها ولم يكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها* قال ابن اسحاق هلكت خديجة وأبو طالب فى عام واحد وكان هلاكهما بعد عشر سنين مضت من مبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وعن عروة ابن الزبير قال توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة وذكر الملا فى سيرته أنّ موت خديجة بعد موت أبى طالب بثلاثة أيام وكذا فى سيرة اليعمرى وحياة الحيوان والسمط الثمين وأسد الغابة وزاد فيه وقيل بعده بشهر وقيل كان بينهما شهر وخمسة أيام وقيل خمسون يوما وقيل انها ماتت قبل أبى طالب انتهى ما فى أسد الغابة وقيل بخمسة أشهر فى رمضان بعد المبعث بعشر سنين على الصحيح ماتت خديجة وكانت مدّة اقامتها معه صلّى الله عليه وسلم بعد ما تزوّجها خمسا وعشرين سنة على الصحيح كذا فى المواهب اللدنية أو قيل أربعا وعشرين سنة وستة أشهر وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف وقيل قبل الهجرة بسنة والله أعلم* وقال عروة ما ماتت خديجة الا بعد الاسراء وبعد أن صلت الفريصة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا فى أسد الغابة* وفى كتاب الغزى توفيت خديجة فى دارها التى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 تسمى دار خزيمة وكانت مسكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفيها ولدت خديجة أولادها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل النبىّ صلّى الله عليه وسلم مقيما فيها حتى هاجر فأخذها عقيل ثم اشتراها معاوية وهو خليفة فجعلها مسجدا يصلى فيه ويعرف اليوم بمولد فاطمة وهو أفضل موضع بمكة بعد المسجد الحرام* ثم بعد أيام من موت خديجة تزوّجه عليه السلام بسودة كذا فى المواهب اللدنية روى عن عبد الله بن ثعلبة قال لما توفى أبو طالب وخديجة وكان بينهما ثلاثة أيام كما مرّ وهو المشهور وقيل شهر وخمسة أيام اجتمعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مصيبتان فلزم بيته وقلّ الخروج ونالت قريش منه ما لم تسكن تنال فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال يا محمد امض لما أردت واصنع ما كنت صانعا حين كان أبو طالب حيا فقام أبو لهب بحمايته ومعونته ولم يتعرّض له أحد من خوف أبى لهب حتى جاء عقبة بن أبى معيط وأبو جهل الى أبى لهب فقالا له أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك فقال له أبو لهب يا محمد أين مدخل عبد المطلب قال مع قومه فخرج أبو لهب اليهما فقال سألته فقال مع قومه فقالا يزعم أنه فى النار فقال أبو لهب يا محمد أيدخل عبد المطلب النار فقال نعم ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب دخل النار فقال أبو لهب يا محمد والله لا برحت لك عدوّا أبدا وأنت تزعم أنّ عبد المطلب فى النار فاشتدّ عليه أبو لهب وسائر قريش لما عرفوا وظاهر قوله فقام أبو لهب بحمايته ومعاونته يخالف ما مرّ فى السنة الرابعة من النبوّة من قوله تبالك ألهذا دعوتنا الى آخره* خروجه عليه السلام الى الطائف والى ثقيف وفى هذه السنة خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الطائف والى ثقيف بعد ثلاثة أشهر من موت خديجة فى ليال يستنصرهم* وفى رواية لثلاث بقين من شوّال سنة عشر من النبوّة لما ناله من قريش بعد موت أبى طالب وخديجة وهو مكروب فلا جرم جعل الله الطائف متنفسا لاهل الاسلام ممن ضاق بمكة الى يوم القيامة فهى راحة الامّة ومتنفس كل ذى ضيق وغمة سنة الله فى الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا* وروى عن محمد بن جبير بن مطعم قال لما توفى أبو طالب بالغت قريش فى ايذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم حينئذ الى الطائف ومعه زيد بن حارثة وفى معالم التنزيل خرج وحده وذلك فى ليال بقين من شوّال السنة العاشرة من النبوّة فأقام بالطائف شهرا كذا فى حياة الحيوان* وقال ابن سعد عشرة أيام كذا فى المواهب اللدنية لا يدع أحدا من أشراف ثقيف الاجاءه وكلمه ودعاه الى الله فلم يجيبوه الى طلبته وقالوا يا محمدا خرج من بلدنا وألحق بمحابك من الارض قال محمد بن كعب القرظى لما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم اخوة ثلاثة عبد يا ليل بمثناة تحتية بعدها ألف ثم لام مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم لام ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير كذا فى المنتقى وفى المواهب اللدنية غير هذا وعند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح فجلس اليهم فدعاهم الى الله عز وجل وكلمهم بما جاءهم به من نصرته على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان الله أرسلك وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلملك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لانت أعظم خطرا من أن أردد عليك الكلام وان كنت تكذب ما ينبغى لى أن أكلمك فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من حير ثقيف فقال لهم اذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علىّ وكره رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه ذلك فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع الناس عليه فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى انّ رجليه لتدميان* وفى المواهب اللدنية قال موسى بن عقبة رجموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء وزاد غيره وكان اذا أذلقته الحجارة قعد الى الارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فيأخذونه بعضديه فيقيمونه فاذا مشى رجموه وهم يضحكون وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج فى رأسه شجاجا وألجأوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى حائط لعتبة وشيبة ابنى ربيعة ورجع عنه من كان يتبعه من سفهاء ثقيف وعمد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى ظل شجرة فجلس فيه محزونا وابنا ربيعة كانا فى الحائط ينظران اليه فلما رأيا ما لقيه من سفهاء ثقيف تحرّكت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل وقل له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده قال بسم الله الرحمن الرحيم ثم أكل فنظر عداس الى وجهه ثم قال انّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن أى البلاد أنت وما دينك قال أنا نصرانى وأنا رجل من أهل نينوى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك ما يونس بن متى قال ذلك أخى كان نبيا وأنا نبىّ فأكب عداس على رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه وأسلم وينظر اليه ابنا ربيعة فيقول أحدهما للآخر أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما فى الارض خير من هذا الرجل لقد أخبرنى بأمر لا يعلمه الا نبى ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الطائف حين يئس من خير ثقيف* ذكر وفود الجن ّ ولما نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة صرف اليه سبعة من جنّ نصيبين مدينة بالشام وقد قام فى جوف الليل يصلى وفى الصحيح انّ الذى آذنه صلّى الله عليه وسلم بالجنّ ليلة الجنّ شجرة كذا فى المواهب اللدنية وأقام بنخلة أياما ثم دخل مكة فى جوار مطعم بن عدىّ* وفى أسد الغابة ولما عاد من الطائف أرسل الى مطعم بن عدىّ يطلب منه أن يجيره فأجاره فدخل المسجد معه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يشكرها له وكان دخوله من الطائف لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذى القعدة* وفى هذه السنة جاءت وفود الجنّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* فى حياة الحيوان لما بلغ عمره خمسين سنة وفى سيرة اليعمرى خمسين سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جنّ نصيبين فأسلموا* وفى الاستيعاب كان رجوعه من الطائف الى مكة سنة احدى وخمسين من الفيل وفيها قدم عليه جنّ نصيبين بعد ثلاثة أشهر* وعن ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طائفة من أصحابه عامدين سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين الى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء الا شىء حدث فاضربوا مشارق الارض ومغاربها فانظروا ما هذا الذى حال بينكم وبين خبر السماء فنهض سبعة نفر من أشراف جنّ نصيبين أو نينوى منهم زوبعة أمير الجنّ فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا الى وادى نخلة فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر* وفى المدارك وهو قائم فى جوف الليل يصلى أو فى صلاة الفجر* وفى أنوار التنزيل روى أنهم وافوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوادى نخلة وهو موضع على ليلة من مكة عند منصرفه من الطائف يقرأ فى تهجده انتهى* فلما سمعوا القرآن استمعوا له وهو يقرأ سورة الجنّ كذا فى سيرة مغلطاى فأولئك حين رجعوا الى قومهم قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنزل الله على نبيه قل أوحى الىّ أنه استمع نفر من الجنّ كذا فى الصحيحين* وفى المواهب اللدنية قال الحافظ ابن كثير هذا صحيح لكن قوله انّ الجنّ كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر فانّ الجنّ كان استماعهم فى ابتداء الايحاء* وفى أنوار التنزيل فى سورة الاحقاف فى قوله تعالى قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى قيل انما قالوا ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 لانهم كانوا يهودا وما سمعوا بأمر عيسى وعن عائشة أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول انّ الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر الامر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه الى الكفار فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخارى* وعن ابن عباس قال كان الجنّ يستمعون الوحى فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا فيكون ما سمعوه حقا ومازادوه باطلا كذا قاله أحمد وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك فلما بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعدا الارمى بشهاب يحرق ما أصاب فشكوا ذلك الى ابليس فقال ما هذا الامن أمر حدث فبعث جنوده فاذاهم بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم يصلى بين جبلى نخلة فأتوه فأخبروه فقال ما هذا الحدث الذى حدث فى الارض كذا فى الصفوة* وفى معالم التنزيل روى أنهم لما رجموا بالشهب بعث ابليس سراياه ليعرف الخبر فكان أوّل بعث بعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجنّ وسادتهم وبعث الى تهامة يقال انهم كانوا من بنى الشيصبان وهم أكثر الجنّ عددا وهم عامّة جنود ابليس فلما رجعوا قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا* واختلفوا فى عدد أولئك النفر فقال ابن عباس كانوا سبعة من جنّ نصيبين فجعلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم رسلا الى قومهم* وفى العمدة ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين وقال قوم كانوا تسعة وكان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن وفى العمدة أيضا وهم تسعة من جنّ نصيبين استمعوا القرآن وأجابوا دعوة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأسماؤهم حسا وبسا وشاصرا وناصرا وأزد وأنين وأحتب وصخب وزوبعة* وفى الصفوة وهذا الحديث أى حديث رجم الشياطين بالشهب يدل على انّ النجوم ولم يرم بها الا لمبعث نبينا صلّى الله عليه وسلم وقد روى الزهرى أنه كان يرمى بها قبل ذلك ولكنها غلظت حين بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقد مرّ مثله فى هذا الركن الثانى فى مبعثه صلّى الله عليه وسلم* وفى المدارك عن سعيد ابن جبير ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم وانما كان يتلو فى صلاته فمرّوا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم وقيل بل أمر الله رسوله أن ينذرهم ويقرأ عليهم فصرف اليه نفرا منهم وقال انى أمرت أن أقرأ على الجنّ وكان ذلك بمكة بشعب الحجون الى آخر الحديث المروى عن عبد الله بن مسعود كما سيجىء الآن* وفى المنتقى قال العلماء انّ الجنّ أتوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم مرّتين احداهما بنخلة كما مرّ آنفا والثانية بمكة وهى ما روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر أن ينذر الجنّ ويدعوهم الى الله ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله اليه نفرا من الجنّ من نينوى وجمعوهم له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أمرت أن أقرأ على الجنّ الليلة فأيكم يتبعنى قالها ثلاثا فالصحابة أطرقوا فاتبعه عبد الله بن مسعود وقال عبد الله ولم يحضر معنا أحد فانطلقنا حتى اذا كنا بأعلا مكة دخل النبىّ صلّى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط لى خطا وقال لى لا تخرج عنه حتى أعود اليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت أرى مثل النسور تهوى وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بينى وبينه حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون كقطع السحاب ذاهبين ففرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع الفجر ثم انطلق الىّ وقال أنمت قلت لا يا رسول الله ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حين سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال ولو خرجت لم آمن عليك أن يختطفك بعضهم ثم قال هل رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجالا سودا مستثفرى ثياب بيض فقال أولئك جنّ نصيبين* وفى المدارك كانوا اثنى عشر ألفا والسورة التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك انتهى قال صلّى الله عليه وسلم سألونى المتاع والمتاع الزاد فمتعتهم بكل عظم حائل وورثة وبعرة فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس فنهى صلّى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وسلم أن يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول الله وما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ولاروثة الا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت يا رسول الله سمعت لغطا شديدا قال ان الجنّ تدارأت فى قتيل قتل بينهم فتحا كموا الىّ فقضيت بينهم بالحق ثم تبرّز رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم أتانى فقال هل معك ماء فقلت يا رسول الله ليس معى الا أداوة فيها شىء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ فقال تمرة طيبة وماء طهور كذا فى المنتقى وفى كتاب الغزى بأعلا مكة مسجد يقال له مسجد الجنّ ومسجد البيعة أيضا يقال ان الجنّ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك وفى مقابل مسجد الجنّ مسجد يقال له مسجد الشجرة يقال ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا شجرة كانت فى ذلك المسجد فأقبلت تخط الارض حتى وقفت بين يديه ثم أمرها فرجعت * تزوّجه صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة وفى شوّال هذه السنة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة فى أسد الغابة لابن الاثير تزوّج صلّى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت زمعة قال الزهرى تزوّجها قبل عائشة وهو بمكة وبنى بها بمكة أيضا وقال غيره تزوّج عائشة قبل سودة وانما ابتنى بسودة قبل عائشة لصغر عائشة وتزوّج عائشة بمكة وبنى بها بالمدينة سنة اثنتين* وفى المواهب اللدنية تزوّج سودة بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة هذا قول قتادة وأبى عبيدة ولم يذكر ابن قتيبة غيره ويقال تزوّجها بعد عائشة ويجمع بين القولين بأنه صلّى الله عليه وسلم عقد على عائشة قبل سودة ودخل بسودة قبل عائشة والتزويج يطلق على كل واحد من العقد والدخول وان كان المتبادر الى الفهم من التزويج العقد دون الدخول وفى سيرة اليعمرى تزوّج عائشة بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وهى بنت ست أو سبع وللبخارى توفيت خديجة قبل مخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهى بنت ست ثم بنى بها وهى بنت تسع سنين روى أنه لما ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت يا رسول الله الا تزوّج قال من قالت ان شئت بكرا وان شئت ثيبا قال فمن البكر قالت ابنة أحب خلق الله اليك بنت أبى بكر قال ومن الثيب قالت سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول قال فاذهبى فاذكريهما علىّ فدخلت بيت أبى بكر وقالت يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة قالت انتظرى أبا بكر حتى يأتى فجاء أبو بكر فقالت ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قال وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة قال وهل تصلح له انما هى ابنة أخيه فرجعت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك قال ارجعى اليه فقولى له أنا أخوك وأنت أخى فى الاسلام وابنتك تصلح لى فرجعت فذكرت ذلك له فقال انتظرى قالت أمّ رومان ان مطعم بن عدى قد كان ذكرها على ابنه فو الله ما وعد وعدا قط فاخلفه قط تعنى أبا بكر فدخل أبو بكر على مطعم بن عدى وعنده امرأته أمّ الفتى فقالت يا ابن أبى قحافة لعلك مصبئ صاحبنا تدخله فى دينك الذى أنت عليه ان تزوّج ابنه ابنتك فقال أبو بكر لمطعم بن عدى أقول هذه تقول قال انها تقول ذلك فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان فى نفسه من عدته التى وعده فرجع فقال لخولة ادعى لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعته فزوّجها اياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين كما مرّ ثم خرجت خولة فدخلت على سودة بنت زمعة فقالت ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطبك عليه قالت وددت أن يكون ذلك ادخلى على أبى واذكرى ذلك له وكان شيخا كبيرا وقد تخلف عن الحج فدخلت عليه فذكرت له ذلك قال كفؤ كريم فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فزوّجها اياه فجاء أخوها عبد الله بن زمعة من الحج فجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 يحثى فى رأسه التراب فقال بعد أن أسلم لعمرى انى سفيه يوم أحثى فى رأسى التراب أن تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة كذا فى المنتقى* روى ان سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس كانت قد أسلمت بمكة فى أوائل البعثة وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم زوجة ابن عمها سكران بن عمرو بن عبد شمس وولدت له ابنا اسمه عبد الرحمن قتل فى حرب جلولا وهو اسم قرية من قرى فارس وتلك الحرب وقعت هناك وسكران عدّ من الصحابة وكانت سودة هاجرت مع زوجها سكران الى الحبشة وبعد مدّة عادت الى مكة ورأت فى المنام ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاها ووضع رجله على رقبتها فلما انتبهت أخبرت زوجها قال ان صدقت فانا أموت ويتزوّجك محمد ثم رأت فى المنام انها اتكأت ووقع عليها القمر من السماء فأخبرت بها زوجها قال ان كنت صدقت فأنا أموت قريبا وتتزوجين زوجا آخر فمرض فى ذلك اليوم ومات بعد أيام ثم تزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى السنة العاشرة من النبوّة بعد وفاة خديجة مرويات سودة فى الكتب المتداولة خمس أحاديث واحد منها فى البخارى والباقية مروية فى السنن الاربع وتوفيت فى آخر خلافة عمر وقيل فى زمان معاوية والاوّل أشهر* ابتداء اسلام الانصار وبيعة العقبة الاولى وفى السنة الحادية عشر من النبوّة كان ابتداء اسلام الانصار روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يخرج ويتبع آثار الناس فى منازلهم بعكاظ ومجنة وذى المجاز فى الموسم ويقول من يؤوينى من ينصرنى حتى أبلغ رسالة ربى فله الجنة وفى سيرة مغلطاى فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى انه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة فيردّونه أقبح ردّ ويؤذونه ويقولون قومك أعلم بك وكان ممن سمى لنا من تلك القبائل بنو عامر بن صعصعة ومحارب بن حفصة وفزارة وغسان ومرّة وحنيفة وسلّم وعبس وبنو نضر والبكاء وكندة وكعب والحارث بن كعب وعذرة والحضارمة الى أن أراد الله اطهار دينه فساقه عليه الصلاة والسلام الى هذا الحى من الانصار وهو لقب اسلامى لنصرتهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وانما كانوا يسمون أولاد قيلة والاوس والخزرج فأسلم اثنان أسعد بن زرارة وقيس بن ذكوان انتهى كلام مغلطاى فخرج فى هذا الموسم يعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع فى كل موسم فبينا هو عند العقبة اذ لقى جماعة من الخزرج فقال من انتم قالوا من الخزرج قال أفلا تجلسون حتى أكملكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن وكان أولئك قد سمعوا من اليهود انه قد أظلنا زمان نبىّ يبعث* وفى المواهب اللدنية كان من صنع الله ان اليهود كانوا معهم فى بلادهم وكانوا أهل كتاب وكان الاوس والخزرج أكثر منهم فكانوا اذا كان بينهم شىء قالوا ان نبيا سيبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه فلما كلمهم قال بعضهم لبعض والله انه النبىّ الذى يعدكم به اليهود فلا يسبقنكم اليه فأسلم منهم ستة نفر كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى وجابر بن عبد الله بن ذئاب فقال لهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم تمنعون ظهرى حتى أبلغ رسالة ربى فقالوا يا رسول الله انما كانت بعاث العام الاوّل يوم من أيامنا اقتتلنا به وان تقدم ونحن كذلك لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى نرجع الى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا وندعوهم الى ما دعوتنا وموعدنا وموعدك الموسم العام القابل وانصرفوا الى بلادهم ويسمى هذا ابتداء اسلام الانصار ومقتضى ما سنذكره بعد المعراج أن تسمى هذه بيعة العقبة الاولى كذا فى الوفاء ولما قدموا المدينة على قومهم ذكروا لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودعوهم الى الاسلام حتى فشافيهم الاسلام فلم يبق دار من دور الانصار الا فيها ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم* ذكر قصة المعراج وفى السنة الثانية عشر من النبوّة وقع المعراج وما تضمنه وفرضت الصلوات الخمس فى الاسراء وستجىء كيفيتها وفى الاستيعاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وسيرة مغلطاى بعد سنة ونصف من حين رجوعه من الطائف قاله ابن قتيبة* وقال ابن شهاب عن ابن المسيب قبل خروجه الى المدينة بسنة* وفى المواهب اللدنية لما كان فى شهر ربيع الاوّل أسرى بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم عرج به من المسجد الاقصى الى فوق سبع سموات ورأى ربه بعين رأسه وأوحى اليه ما أوحى وفرض عليه الصلوات الخمس ثم انصرف فى ليلته الى مكة فأخبر بذلك فصدّقه الصدّيق وكل من آمن بالله وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس فمثله الله له فجعل ينظر اليه ويصفه وسيجىء تفصيل ذلك كله* اختلف العلماء فى الاسراء هل هو اسراء واحد فى ليلة واحدة يقظة أو مناما أو اسرا آن كل واحد فى ليلة مرّة بروحه وبدنه يقظة ومرّة مناما أو يقظة بروحه وجسده من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم مناما من المسجد الاقصى الى العرش أو هى أربع اسرا آت* وفى سيرة مغلطاى اختلف فى المعراج والاسراء هل كانا فى ليلة واحدة أم لا وهل كانا أو أحدهما يقظة أو مناما وهل كان المعراج مرّة أو مرّات والصحيح ان الاسراء كان فى اليقظة بجسده وانه مرّات متعدّدة وانه رأى ربه بعين رأسه صلّى الله عليه وسلم* واختلف فى تاريخ الاسراء فى أى سنة كان وفى أى شهر وفى أى يوم من الشهر وفى أى ليلة من الاسبوع فأما سنة الاسراء فقال الزهرى كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين حكاه القاضى عياض ورجحه القرطبى والنووى وقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن حزم وادّعى فيه الاجماع رواه ابن الاثير فى أسد الغابة عن ابن عباس وأنس وحكاه البغوى فى معالم التنزيل عن مقاتل وقيل قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر قاله السدّى وأخرجه من طريق الطبرى والبيهقى فعلى هذا يكون فى شوّال وفى أسد الغابة قال السدّى قبل الهجرة بستة أشهر وقيل كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر فعلى هذا يكون فى ذى الحجة وبه جزم ابن فارس وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ذكره ابن الاثير كذا فى المواهب اللدنية* وأما شهر الاسراء فقيل ربيع الاوّل قاله ابن الاثير والنووى فى شرح مسلم وقيل ربيع الآخر قاله الحربى والنووى فى فتاويه وقيل رجب حكاه ابن عبد البرّ وقبله ابن قتيية وبه جزم النووى فى الروضة وعن الواقدى رمضان وعن السدّى والماوردى شوّال وعن ابن فارس ذو الحجة كما مرّ وأما ان الاسراء فى أى يوم من الشهر كان فعن ابن الاثير ليلة سبع من ربيع الاوّل وعن الحربى فى ثالث عشرى ربيع الآخر وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر وعن الواقدى فى سابع عشر من رمضان وأما ليلة الاسراء فقيل ليلة الجمعة وقيل ليلة السبت وعن ابن الاثير ليلة الاثنين وقال ابن دحية ان شاء الله يكون ليلة الاثنين ليوافق المولد والمبعث والمعراج والهجرة والوفاة فان هذه أطوار الانتقالات وجودا ونبوّة ومعراجا وهجرة ووفاة كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة اليعمرى ولما بلغ احدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسرى به من بين زمزم والمقام وكذا فى حياة الحيوان وانما كان ليلا لتظهر الخصوصية بين جليس الملك ليلا وجليسه نهارا واختلف فى الموضع الذى أسرى به منه صلّى الله عليه وسلم فقيل أسرى به من بيته وقيل من بيت أمّ هانئ بنت أبى طالب لما روى أنه صلّى الله عليه وسلم كان نائما فى بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقص القصة عليها وقال مثل لى النبيون فصليت بهم وبيتها بين الصفا والمروة ومن قال هذين القولين قال الحرم كله مسجد والمراد بالمسجد الحرام فى الآية الحرم وعن ابن عباس الحرم كله مسجد وقيل أسرى به من المسجد الحرام والمراد بالمسجد فى الآية هو المسجد نفسه وهو ظاهر فقد قال صلّى الله عليه وسلم بينا انا فى المسجد الحرام فى الحجر عند البيت بين النائم واليقظان اذ أتانى جبريل بالبراق وقد عرج بى الى السماء فى تلك الليلة قيل الحكمة فى المعراج ان الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد صلّى الله عليه وسلم السموات كما شرف ببركاته الارضين فسرى به الى المعراج وسئل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أبو العباس الدينورى لم أسرى بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم الى البيت المقدس قبل ان عرج به الى السماء فقال لان الله تعالى كان يعلم ان كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السموات فأراد أن يخبرهم من الارض قد بلغوها وعاينوها وعلموا ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم ان يكذبوه فى أخبار السماء بعد أن صدّقوه فى أخبار الارض* واختلف السلف والعلماء فى أنه هل كان اسراء بروحه أو جسده على ثلاثة أقوال أحدها انه ذهبت طائفة الى انه اسراء بالروح وانه رؤيا منام مع اتفاقهم على أن رؤيا الانبياء وحى وحق والى هذا ذهب معاوية وحكى عن الحسن فى غير المشهور وحجتهم قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك الآية وما حكوا عن عائشة ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقوله صلّى الله عليه وسلم بينا أنا نائم وقول أنس وهو نائم فى المسجد الحرام وذكر القصة ثم قال فى آخرها فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام* وفى العروة الوثقى وحديث عائشة صحيح فى المعراج الذى اتفق للنبىّ صلّى الله عليه وسلم على فراشها فى المدينة وقالت ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقول ابن عباس أيضا صحيح فى المعراج المكى الذى أخبر به نص التنزيل بقوله سبحان الذى أسرى بعبده الآية لقوله تعالى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى* والثانى انه ذهب معظم السلف والمسلمين الى انه اسرى بروحه وجسده وفى اليقظة وهذا هو الحق وهو قول ابن عباس وجابر وانس وحذيفة وعمر وابى هريرة ومالك بن صعصعة وابى حبة البدرى وابن مسعود والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وابن المسيب وابن شهاب وابن زيد والحسن فى المشهور وابراهيم ومسروق ومجاهد وعكرمة وابن جريج وهو قول الطبرى وابن حنبل وجماعة عظيمة من المسلمين وهذا قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين والمفسرين* والثالث انه فى المنام قالت طائفة كان الاسراء بالجسد يقظة الى بيت المقدس والى السماء بالروح فى المنام قال القاضى عياض الحق والصحيح انه اسراء بالجسد والروح فى القصة كلها وعليه تدل الآية وصحيح الاخبار ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة الى التأويل الا عند الاستحالة وليس فى الاسراء بجسده وحال يقظته استحالة اذ لو كان منا ما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده وقوله ما زاع البصر وما طغى ولو كان منا ما لما كان فيه آية ولا معجزة ولما استبعده الكفار ولا كذبوه فيه ولا ارتدّ به ضعفاء من أسلم وافتبتنوا به اذ مثل هذا من المنامات لا ينكر بل لم يكن ذلك منهم الا وقد علموا ان خبره انما كان عن جسمه وحال يقظته الى ما ذكر فى الحديث من ذكر صلاته بالانبياء ببيت المقدس فى رواية انس أو فى السماء على ما روى غيره وذكر مجىء جبريل له بالبراق وخبر المعراج واستفتاح السماء فيقال من معك فيقول محمد ولقائه الانبياء فيها وخبرهم معه وترحيبهم به وشأنه فى فرض الصلاة ومراجعته مع موسى فى ذلك ووصوله الى سدرة المنتهى ودخوله الجنة ورؤيته فيها ما ذكره* قال ابن عباس هى رؤيا عين رآها النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا رؤيا منام* وعن الحسن بينا أنا جالس فى الحجر جاءنى جبريل فهمزنى بعقبه فقمت فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعى وذكر ذلك ثلاثا فقال فى الثالثة فأخذ بعضدى فجرّنى الى باب المسجد فاذا بدابة وذكر خبر البراق* وعن أم هانئ قالت ما أسرى برسول الله صلّى الله عليه وسلم الا وهو فى بيتى تلك الليلة صلّى العشاء الآخرة ونام فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلّى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادى ثم جئت بيت المقدس وصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترون فهذا كله بين فى انه بجسمه صلّى الله عليه وسلم* وعن أبى بكر من رواية شدّاد بن أوس عنه انه قال للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ليلة اسرى به طلبتك يا رسول الله البارحة فى مكانك فلم أجدك فأجابه ان جبريل حمله الى المسجد الاقصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وعن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم صليت ليلة أسرى بى مقدّم المسجد ثم دخلت الصخرة فاذا بملك قائم معه آنية ثلاث وذكر الحديث وهذه التصريحات ظاهرة غير مستحيلة فتحمل على ظواهرها وعن أبى ذر عنه صلّى الله عليه وسلم فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل فشرح صدرى ثم غسله بماء زمزم الى آخر القصة ثم أخذ بيدى فعرج بى قيل الحق ان المعراج مرّتان مرّة فى النوم وأخرى فى اليقظة قال محيى السنة وما أراه الله فى النوم قبل الوحى ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى بسنة تحقيقا لرؤياه كما انه رأى فتح مكة فى المنام سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان كذا فى شرح المشكاة للطيبى روى ان النبى صلّى الله عليه وسلم حدّث عن ليلة أسرى به قال بينا هو يصلى فى الحطيم أو فى الحجر مضطجعا اذ أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره الى شعر عانته فاستخرج قلبه ثم أتى بطست من ذهب مملوءة ايمانا فغسل قلبه ثم حشى ثم أعيد الى مكانه* قيل الحكمة فى شق الصدر مرّتين أما فى الصغر فليصير قلبه كقلوب الانبياء فى الانشراح وأما فى الاسراء فليصير حاله كحال الملائكة وقيل شرح الصدر فى صباه لاستخراج الهوى منه وفى الاسراء لاستدخال الايمان فيه ثم أتى بدابة طويلة بيضاء تسمى البراق وفى حياة الحيوان كان البراق أبيض وبغلته شهباء وهى التى أكثرها بياض اشارة الى تخصيصه بأشرف الالوان وسمى براقا لنصوع لونه وشدّة بريقه وقيل لسرعة حركته تشبيها ببرق السحاب* وقال القاضى غياض لكونها ذات لونين وفى الصحيح انه دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض بضع خطوه عند أقصى طرفه* قال صاحب المنتقى الحكمة فى كونه على هيئة بغل ولم يكن على هيئة فرس التنبيه على أن الركوب فى سلم وأمن لا فى حرب وخوف أو لاظهار الآية فى الاسراع العجيب فى دابة لا يوصف شكلها بالاسراع ويؤخذ من قوله يضع خطوه عند أقصى طرفه انه أخذ من الارض الى السماء فى خطوة واحدة والى السموات السبع فى سبع خطوات وبه يردّ على من استبعد من المتكلمين احضار عرش بلقيس فى لحظة واحدة وقال انه أعدم ثم أوجد وعلله بأن المسافة البعيدة لا يمكن قطعها فى هذه اللحظة وهذا أوضح دليل على الرد عليه وكانت مضطربة الاذنين وجهها كوجه الانسان وجسدها كجسد الفرس ناصيتها من ياقوت أحمر عيناها كالزهرة أذناها من زمرد أخضر* وفى رواية أذناها كاذن الفيل وعنقها كعنق البعير وصدرها كصدر البغل* وفى رواية وصدرها كأنه من ياقوت أحمر وظهرها كأنه صفرة البيضة يبرق من غاية صفائه لها جناحان كجناح النسر فيهما من كل لون نصفها الاوّل من كافور والآخر من مسك وقوائمها كقوائم الثور وفى رواية كقوائم الفرس وفى رواية كقوائم البعير وحوافرها كحوافر الثور وفى رواية أظلافها كظلف البقر وذنبها كذنب البقر وفى رواية كذنب البعير وفى رواية كذنب الغزال لا ذكر ولا أنثى عدوها كالريح وخطوها كالبرق لجامها وسرجها من در مضروب على سرجها حجلة من نور كأنها ياقوت أحمر وفى رواية عليها سرج من سروج الجنة وفى رواية وعلى فخذيها ريشتان يستران ساقيها* وفى زبدة الاعمال لها جناحان فى فخذيها قيل هى البراق التى ركبها جبريل والانبياء عليهم السلام يركبونها* وفى حياة الحيوان روى ان ابراهيم عليه السلام كان يزور ولده اسماعيل على البراق وانه ركب هو واسماعيل وهاجر حين أتى بهما الى البيت الحرام ومن غاية سرعته وخفة مشيه يضع قدميه أو خطوه عند أقصى طرفه وفى رواية يقع حافره عند أقصى طرفه وفى رواية عند منتهى طرفه وفى رواية خطوها عند منتهى البصر لا تمرّ بشىء ولا يجد ريحها شىء الا حيى ثم ان البراق وان كان يركبها الانبياء لكن لم تتصف بوضع الحافر عند منتهى طرفها الا عند ركوب النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى المنتقى* وفى رواية أتاه جبريل ومعه خمسون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بيت أمّ هانئ ومعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 ميكائيل فقال قم يا محمد فان الجبار يدعوك وأخذ جبريل بيده وأخرجه من المسجد الحرام فاذا هو بالبراق واقفا بين الصفا والمروة فقال له جبريل اركب يا محمد هذه براق ابراهيم التى كان يجئ عليها الى طواف الكعبة فأخذ جبريل ركابها وميكائيل عنانها فأراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يركبها وفى رواية فذهب يركبها فاستصعبت عليه قيل استصعابها لبعد العهد بالانبياء لطول الفترة بين عيسى ومحمد وهذا مبنى على أن الانبياء عليهم السلام ركبوها وفيه خلاف وقيل لانها لم تذلل قبل ذلك ولم يركبها أحد وقيل تيها وزهوا بركوب النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى مزيل الخفاء فقال لها جبريل اسكنى فو الله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد وفى رواية قال لها جبريل أبمحمد تفعلى هذا فارفض عرقا كذا فى الشفاء فركبها النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى حياة الحيوان اختلف الناس هل ركب جبريل معه عليه فقيل نعم كان رديفه صلّى الله عليه وسلم وقيل لا لان النبىّ صلّى الله عليه وسلم المخصوص بشرف الاسراء وانطلق به جبريل حتى أتى به بيت المقدس فربطها بالحلقة التى ربط بها الانبياء دوابهم ثم دخل المسجد الاقصى فصلى بهم ركعتين فانطلق به جبريل الى الصخرة فصعد به عليها فاذا معراج الى السماء لم ير مثله حسنا ومنه تعرج الملائكة وقيل تعرج منه الارواح اذا قبضت فليس شىء أحسن منه اذا رآه أرواح المؤمنين لم تتمالك أن تخرج وهو الذى يمدّ اليه ميتكم عينيه اذا احتضر كذا فى سيرة ابن هشام أصله وفى رواية أحد طرفيه على صخرة بيت المقدس وأعلاه ملصق وفى رواية والآخر ملصق بالسماء احدى جنبتيه ياقوتة حمراء والاخرى زبرجدة خضراء درجة له من فضة ودرجة من ذهب ودرجة من زمرّد مكال بالدرّ واليواقيت* وفى كيفية عروجه الى السماء اختلاف قيل عرج به الى السماء على البراق اظهارا لكرامته ولم يزل راكبا اظهارا لقدرته تعالى وقيل نزل أيضا راكبا على البراق كما روى عن حذيفة ما زايل ظهر البراق حتى رجع وقيل احتمله جبريل على جناحه ثم ارتفع به الى السماء من ذلك المعراج حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل اليه قال نعم قيل مرحبا فنعم المجىء جاء ففتح فلما دخل فاذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة اذا نظر قبل يمينه ضحك واذا نظر قبل يساره بكى فقال جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم فردّ عليه السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبىّ الصالح ثم قال جبريل هذا آدم وهذه الاسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين هم أهل الجنة والاسودة التى عن شماله أهل النار ثم صعد الى السماء الثانية وهكذا كان يستفتح جبريل فى كل سماء فيفتح فيدخل فيرى فيها نبيا ففى الثانية يحيى وعيسى وهما ابنا خالة وفى الثالثة يوسف وفى الرابعة ادريس وفى الخامسة هارون وفى السادسة موسى فلما اجتاز عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بكى قيل له ما يبكيك قال أبكى لان غلاما بعث بعدى يدخل الله الجنة من أمّته أكثر ممن يدخلها من أمّتى ثم صعد الى السماء السابعة فرأى فيها ابراهيم ثم رفعت له سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجر وورقها كاذان الفيلة فاذا أربعة انهار نهران باطنان ونهران ظاهران قال جبريل أما الباطنان فنهران فى الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات* وفى الكشاف سدرة المنتهى هى شجرة نبق فى السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيول تتبع من أصلها الانهار التى ذكرها الله فى كتابه يسير الراكب فى ظلها سبعين عاما لا يقطعها* وفى المدارك وجه تسميتها كأنها فى منتهى الجنة وآخرها وقيل لم يجاوزها أحد واليها ينتهى علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها وقيل تنتهى اليها أرواح الشهداء* وفى بعض الروايات انها فى السماء السادسة* قال القاضى عياض كونها فى السابعة هو الاصح وقال النووى يمكن الجمع بأن أصلها فى السادسة ومعظمها فى السابعة ثم رفع له البيت المعمور وهو بيت فى السماء السابعة محاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 للكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون اليه هكذا فى الصحيحين وغيرهما من كتب الاحاديث يذكر البيت المعمور بعد سدرة المنتهى وأما فى الكشاف وغيره من كتب التفاسير فالبيت المعمور الضراح فى السماء الرابعة حيال الكعبة وقيل فى الاولى وقيل فى السادسة ولمسلم فى صحيحه بعد صعوده الى السماء السابعة رأى فيها ابراهيم مسند اظهره الى البيت المعمور وسلم على كل منهم اذا رآه وهو يردّ ثم يقول مرحبا بالاخ الصالح والنبىّ الصالح الا آدم وابراهيم فانهما قالا بالابن الصالح كما مرّ فى السماء الدنيا* وفى رواية عن طريق ابن عباس ثم عرج به حتى ظهر مستوى يسمع فيه صريف الاقلام ثم أتى باناء من خمر واناء من عسل واناء من لبن فأخذ اللبن فقال جبريل هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك* وفى رواية بعد استصعاب البراق فركبها حتى أتى الحجاب الذى يلى الرحمن تعالى فبينا هو كذلك اذ خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا جبريل من هذا قال والذى بعثك بالحق انى لا قرب الخلق مكانا وان هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتى هذه ولما جاوز سدرة المنتهى قال له جبريل تقدّم يا محمد فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم تقدّم أنت يا جبريل أو كما قال قال جبريل يا محمد تقدّم فانك أكرم على الله منى فتقدّم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وجبريل على أثره حتى بلغه الى حجاب منسوج بالذهب فحركه جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معه قال محمد قال ملك من وراء الحجاب الله أكبر الله أكبر قيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أكبر أنا أكبر فقال ملك أشهد أن لا اله الا الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا الله لا اله الا أنا فقال ملك أشهد أن محمدا رسول الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أرسلت محمدا فقال ملك حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى دعا الىّ عبدى فأخرج ملك يده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبريل عنه هناك* وفى رواية فما زال يقطع مقاما بعد مقام وحجابا بعد حجاب حتى انتهى الى مقام تخلف عنه فيه جبريل فقال يا جبريل لم تخلفت عنى قال يا محمد وما منا الا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت وفى هذه الليلة بسبب احترامك وصلت الى هذا المقام والا فمقامى المعهود عند السدرة فمضى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وحده وكان يقطع الحجب الظلمانية حتى جاوز سبعين ألف حجاب غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة سنة وما بين كل حجاب أيضا مسيرة خمسمائة سنة فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف أخضر غلب نوره على نور الشمس فرفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم على ذلك الرفرف وذهب به الى قرب العرش* وفى رواية كان يقال له ادن منى ادن منى حتى قيل له فى تلك الليلة ألف مرة يا محمد ادن منى ففى كل مرة منها كان يترقى حتى بلغ مرتبة دنا ومنها ترقى الى مرتبة فتدلى ومنها ترقى حتى وصل الى منزله قاب قوسين أو أدنى كما قال تعالى ثم دنا أى دنا محمد الى ربه تعالى أى قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فانه تعالى منزه عنه وانما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة فتدلى أى سجد له تعالى لانه كان قد وجد تلك المرتبة بالخدمة فزاد فى الخدمة وفى السجدة عدة القرب ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجدا قال بعض أهل التحقيق ثم دنا اشارة الى مقام نفسه الزكية فتدلى اشارة الى مقام قلبه المطهر فكان قاب قوسين اشارة الى مقام روحه الطيب أو أدنى اشارة الى مقام سرّه المنوّر نفسه فى مقام الخدمة وقلبه فى مقام المحبة وروحه فى مقام القربة وسرّه فى مقام المشاهدة حياة نفسه بالخدمة وصفاء قلبه بالمحبة وبقاء روحه بالقربة وغذاء سرّه بالمشاهدة لو نظرت نفسه الى وجوده لبقيت بلا خدمة ولو نظر قلبه الى نفسه لبقى بلا محبة ولو نظرت روحه الى قلبه لبقى بلا قربة ولو نظر سرّه الى روحه لبقى بلا مشاهدة وسئل أبو الحسين النورى عن معنى هذه الآية أجاب بأنه لم يسعه جبريل فمن النورى ثم قال (دنا) فى الافهام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 القاصرة يقال اذا كان لشخص بعد عن شىء ولا بعد ثمة (فتدلى) يقال اذا كان مكان ولا مكان ثمة (فكان) عبارة عن الزمان ولا عبارة ولا زمان ثمة (قاب قوسين) اشارة الى المقدار ولا اشارة ولا مقدار ثمة (أو) كلمة شك ولا شك ثمة (أدنى) مبالغة فى أن قرب شخص أقرب من الآخر ولا أدنى معه ثمة فان العبارة والافهام قاصرة من ادراك تقرير ذلك ولم يعبر أهل المعرفة عن ذلك المقام الا بهذا المقدار دنا عبدا فتدلى فردا دنا مكيا فتدلى ملكيا دنا قرشيا فتدلى عرشيا دنا مجاهدا فتدلى مشاهدا دنا طالبا فتدلى واصلا دنا ومعه الرحمة فتدلى ومعه المرحمة دنا افتقارا فتدلى افتخارا دنا مناديا فتدلى مناجيا دنا مادحا فتدلى ممدوحا دنا شاكرا فتدلى مشكورا وقيل أحدهما صفة الله والاخرى صفة محمد صلّى الله عليه وسلم ومعناه كان هو يتقرّب الى الله والله يقربه وكان هو يتكلم والله يسمعه وكان هو يسأله والله يعطيه وكان هو يشفع والله يشفعه فكان قاب قوسين أو أدنى كناية عن تأكيد القرية وتقرير المحبة وبسبب التقريب الى الفهم أدّى فى صورة التمثيل وهذا مقام ليس فوقه مقام وللسالكين من الامّة المرحومة المحمدية من هذا المقام نصيب كما ورد بيانه فى الحديث القدسى لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولهذا كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا ضجر وضاق صدره عن الخلق يقول أرحنا يا بلال ويقول جعلت قرّة عينى فى الصلاة ولذا قيل الصلاة معراج المؤمن كذا فى روضة الاحباب* واختلف فى مناجاته تعالى وكلامه مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقوله تعالى فأوحى الى عبده ما أوحى الى ما تضمنته الاحاديث فأكثر المفسرين على أن الموحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد* وذكر عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال أوحى الله اليه بلا واسطة ونحوه عن الواسطى وعلى هذا ذهب بعض المتكلمين الى أن محمدا صلّى الله عليه وسلم كلم ربه فى الاسراء وحكى عن الاشعرى وعن ابن مسعود وذكر النقاش عن ابن عباس فى قصة الاسراء عنه صلّى الله عليه وسلم فى قوله دنا فتدلى قال فارقنى جبريل فانقطعت الاصوات عنى فسمعت كلام ربى وهو يقول ليهد أروعك يا محمد أدن أدن وفى قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الآية قالوا هى على ثلاثة أقسام من وراء حجاب كتكليم موسى وبارسال الملائكة كحال جميع الانبياء وأكثر أحوال نبينا عليه وعليهم السلام* الثالث قوله وخيا ولم يبق من أقسام الكلام الا المشافهة مع المشاهدة ثم انه تعالى أخفى من الخلق كل ما نسب اليه فى تلك الليلة اشارة الى أنه حبيبه الخاص فقال فى حال مشاهدته لسدرة المنتهى اذ يغشى السدرة ما يغشى وفى الآيات التى أراه لقد رأى من آيات ربه الكبرى وفى التكلم معه فأوحى الى عبده ما أوحى أى أوحى الى عبده محمد فى ذلك المقام* وللعلماء فى بيان ما أوحى خلاف قال بعضهم وهم أهل الاحتياط الاقرب الى الصواب أن لا يعين لانه لو كانت الحكمة والمصلحة فى اظهاره وتعيينه لما أبهمه وقال الآخرون لا بأس بذكر ما بلغنا فى خبر أو أثر أو من جهة الاستدلال والاستنباط ومن ذلك ما ورد فى حديث صحيح ثلاثة أشياء أحدها فريضة الصلوات الخمس وهذا دليل على أن أفضل الاعمال الصلوات الخمس لانها فرضت فى ليلة المعراج بغير واسطة جبريل والثانى خواتيم سورة البقرة والثالث أن يغفر لامّة محمد صلّى الله عليه وسلم كل الذنوب غير الشرك* وورد فى حديث آخر رأيت ربى فى أحسن صورة أى صفة فقال فيم يختصم الملأ الا على يا محمد قلت أنت أعلم أى رب فتجلى لى بالتجلى الخاص الذى عبر عنه صلّى الله عليه وسلم بهذه العبارة فوضع كفه بين كتفىّ فوجدت بردها بين ثديىّ فعلمت ما فى السماء والارض ثم قال فيم يختصم الملأ الاعلى يا محمد قلت فى الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشى على الاقدام الى الجماعات والجلوس فى المساجد خلف الصلوات وابلاغ الوضوء أما كنه فى المكاره من يفعل ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 يعش بخير ويمت بخير ويخرج من خطيئته كيوم ولدته أمّه ثم قيل له اذا صليت الصلاة قل اللهمّ انى اسألك الطيبات وترك المنكرات وفعل الخيرات وحب المساكين وان تغفر لى وترحمنى وتتوب على واذا اردت بقوم أو بعبادك فتنة فتوفنى أو فاقبضنى غير مفتون ثم قال وما الدرجات يا محمد قلت افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام وفى حديث آخر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما فاز بالقرب والكرامة فى تلك الليلة قيل يا محمد انا وانت وما سوى ذلك خلقتها لاجلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انت وانا وما سوى ذلك تركتها لاجلك وقيل اوحى الله اليه كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شىء واجعل صحبتك معى فان مرجعك الىّ ولا تجعل قلبك متعلقا بالدنيا فما خلقتك لها* وفى المدارك الذى أوحى اليه انّ الجنة محرّمة على الانبياء حتى تدخلها أنت وعلى الامم حتى تدخلها أمّتك* وفى رواية عنه صلّى الله عليه وسلم بعد ما تخلف عنه جبريل انه تجاوز ذلك المقام مقدار خمسمائة عام حتى سمع داعيا يقول تقدّم يا أكرم الخلق على الله فتقدّم حتى بلغ امام العرش ورأى عظمته فاعتراه خوف واستولى عليه رعب فسمع النداء يقول ادن يا محمد فدنا فقطرت عليه من العرش قطرة ما أخطأت فمه فوقعت على لسانه فكانت أحلى من كل شىء فأراه الله بها علم الاوّلين والآخرين فحصلت للسانه طلاقة بعد ما اعتراه عى وكلالة من مشاهدة عظمة الله وهيبته ثم سمع النداء يقول حىّ ربك فألهمه الله تعالى أن قال* التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله وفى رواية التحيات لله والصلوات والطيبات فسمع الله يقول السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله وبركاته قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقالت الملائكة أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله* وفى رواية وحده لا شريك له وأشهد انّ محمدا عبده ورسوله ثم أعطى خواتيم سورة البقرة ووقع له فى تلك الليلة كلمات ومقالات مع ربة تعالى يطول الكلام بذكرها فاقتصرنا على نبذ منها* وفى الشفاء عن أبى حمراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بى الى السماء اذا على العرش مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله أيدته بعلىّ ثم فرضت عليه وعلى أمّته فى كل يوم وليلة خمسين صلاة وستجىء كيفيتها* واختلف أيضا فى رؤية النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربه تعالى فأنكرتها عائشة* روى عن مسروق أنه قال لعائشة يا أمّ المؤمنين هل رأى محمد صلّى الله عليه وسلم ربه قالت لقد قف شعرى مما قلت ثم قرأت لا تدركه الابصار الآية وقال جماعة بقول عائشة وهو المشهور عن ابن مسعود ومثله عن أبى هريرة فى قوله ما كذب الفؤاد ما رأى انه رأى جبريل له ستمائة جناح ويؤيد ذلك ما قال أبو ذرّ سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال نور أنى أراه* وفى العروة الوثقى قال أبو ذرّ سألته عن رؤية ربه ليلة المعراج قال لابل نورا أرى* وفى معالم التنزيل والمدارك انّ جبريل كان يأتى النبىّ صلّى الله عليهما وسلم فى صورة الآدميين كما كان يأتى النبيين فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التى جبل عليها فأراه نفسه مرّتين مرّة فى الارض ومرّة فى السماء امّا ما فى الارض ففى الافق الاعلى والمراد بالاعلى جانب المشرق* وفى المشكاة برواية الترمذى ومرّة فى أجياد* وفى نهاية الجزرى الاجياد موضع بأسفل مكة معروف من شعابها انتهى وذلك أى بيان رؤيته فى الافق الاعلى انّ محمدا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق وله ستمائة حناح فسدّ الافق الى المغرب فخرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل فى صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وهو قوله ثم دنا فتدلى وأمّا ما فى السماء فعند سدرة المنتهى ولم يره أحد من الانبياء على تلك الصورة الا محمد صلّى الله عليه وسلم* وفى المدارك وذلك ليلة المعراج وقال بامتناع رؤيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فى الدنيا جماعة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين* وعن ابن عباس أنه رآه سبحانه بعين رأسه* وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه كذا ذكرهما فى المدارك* وعن أبى العالية أنه رآه بفؤاده مرّتين* وذكر ابن اسحاق أنّ ابن عمر أرسل الى ابن عباس يسأله هل رأى محمد ربه فقال نعم والاشهر عنه أنه رأى ربه بعينه* قال الماوردى قيل انّ الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد فرآه محمد مرّتين وكلمه موسى مرّتين* قال عبد الله بن الحارث اجتمع ابن عباس وكعب بعرفة فقال ابن عباس امّا نحن بنى هاشم فنقول انّ محمدا رأى ربه مرّتين فكبر كعب حتى جاوبته الجبال وقال انّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلمه موسى ورآه محمد بقلبه* وروى شريك عن أبى ذرّ فى تفسير الآية ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربه* وحكى السمرقندى عن محمد بن كعب القرظى وربيع بن أنس أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك قال رأيته بفؤادى ولم أره بعينى* وحكى عبد الرزاق أنّ الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه* وحكى ابن اسحاق أنّ مروان سأل أبا هريرة هل رأى محمد ربه فقال نعم* وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه رآه حتى انقطع نفسه يعنى نفس أحمد* وقال سعيد بن جبير لا أقول رآه ولا لم يره* وقال أبو الحسن على بن اسماعيل الاشعرى وجماعة من أصحابه أنه رأى الله ببصره وعينى رأسه ووقف بعض المشايخ فى هذا كما وقف ابن جبير وقال ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز* قال القاضى أبو الفضل والحق الذى لا امتراء فيه انّ رؤيته تعالى فى الدنيا جائزة عقلا اذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة وليس فى الشرع دليل قاطع على استحالتها ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذى لا يعلمه الا من علمه الله تعالى ثم بعد ما فرضت عليه خمسون صلاة أذن له بالرجوع فرجع من حيث جاء حتى بلغ منزل جبريل فقال له جبريل ابشر يا محمد فانك خير خلق الله ومصطفاه بلغك الليلة الى مرتبة لم يبلغها أحدا من خلقه قط لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا هنيئا لك هذه الكرامة ثم ذهب به جبريل الى الجنة والنار. وأراه منازلهما وما فى الجنة من الحور والقصور والغلمان والولدان والاشجار والاثمار والازهار والانهار والبساتين والرياحين والرياض والحياض والغرف والشرف وما فى النار من السلاسل والاغلال والانكال والحيات والعقارب والزفير والشهيق والغساق واليحموم وتفاصيلها تؤدّى الى التطويل* ثم رجع فمرّ بموسى فسأله بما أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم وليلة قال ان أمّتك لا تستطيع وانى والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشدّ المعالجة فارجع الى ربك فسله التخفيف لامّتك فرجع وقال يا رب خفف عن أمّتى فوضع عنه ربه عشرا فرجع الى موسى فقال مثله فرجع الى ربه فوضع عنه عشرا فلم يزل يرجع بين ربه وبين موسى حتى قال يا محمدا نهنّ خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم نكتب شيئا فان عملها كتبت سيئة واحدة* فرجع الى موسى فقال بم أمرت قال بخمس صلوات كل يوم قال ان أمّتك لا تستطيع خمس صلوات فارجع الى ربك فسله التخفيف قال سألت ربى حتى استحييت ولكنى أرضى وأسلم ولما جاوز عن موسى سمع مناديا ينادى فيقول أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى وهى خمس وهنّ خمسون ثم يقول يا محمد قد جعلت صلاتك وصلاة أمّتك قياما وركوعا وسجودا وتشهدا وقراءة وتسبيحا وتهليلا تشتمل عبادتهم على سائر عبادات الملائكة من لدن عرشى الى منتهى الثرى فيكون لهم بالقيام ثواب القائمين وبالركوع ثواب الراكعين وبالسجود ثواب الساجدين وبالتشهد ثواب المتشهدين ولهم بالقراءة والتسبيح ثواب المسبحين والقارئين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وبالتهليل ثواب المهللين ولدىّ مزيد كذا فى المنتقى* وروى أنه صلّى الله عليه وسلم لما رجع كان جبريل عليه السلام رفيقه حتى دخل بيت أمّ هانئ* وروى عمر بن الخطاب عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال ثم رجعت الى خديجة وما تحوّلت عن جانبها* وفى رواية عاد صلّى الله عليه وسلم الى بيت المقدس ومعه جبريل حتى أتى به مكة الى فراشه وبقيت من الليل ساعات* وفى زين القصص عن عمار كان زمان ذهابه ومجيئه ثلاث ساعات* وعن وهب بن منبه ومحمد بن اسحاق أربع ساعات والله اعلم* وعن عائشة انها قالت لما اسرى بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم اصبح يحدّث بذلك فارتدّ تاس ممن كان آمن به وضعف ايمانهم واليه اشار قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس وسبب ارتدادهم انهم كانوا يرون العير تذهب شهرا من مكة الى الشأم مدبرة وتجىء شهرا مقبلة فاستحالوا عند عقولهم القاصرة قطع تلك المسافة البعيدة فى زمان قليل ببعض الليل فارتدّوا والاستحالة مدفوعة لما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الارض مائة ونيفا وستين مرّة ثم انّ طرفها الاسفل يصل موضع طرفها الاعلى فى أقل من ثانية وقد برهن فى الكلام ان الاجسام متساوية فى قبول الاعراض والله تعالى قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة فى بدن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أو فيما يحمله والتعجب من لوازم المعجزات كذا فى أنوار التنزيل وأيضا قال أهل الهيئة ان الفلك الاعظم فى مقدار زمان يتلفظ الانسان بلفظة واحدة يقطع ألفا واثنين وثلاثين فرسخا* وروى أنه لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة أسرى به وكان بذى طوى قال يا جبريل ان قومى لا يصدّقونى قال يصدّقك أبو بكر وهو الصدّيق* وعن ابن عباس أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أصبح جلس فى الحجر معتزلا حزينا لما انه كان يعلم ان قومه يكذبونه فبينما هو جالس كذلك اذ مرّ به أبو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ يا محمد هل استفدت من شىء جديد قال نعم سافرت البارحة* وفى رواية أسرى بى الليلة الى بيت المقدس ومنه الى السموات قال أبو جهل سافرت الليلة الى بيت المقدس وأصبحت بين أظهرنا بمكة قال نعم فلم ير أبو جهل أنه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث قال أتحدّث قومك بما حدّثتنى قال نعم فصاح أبو جهل يا معشر بنى كعب بن لؤى هلموا فانتقضت المجالس فجاؤا حتى جلسوا اليهما قال فحدّث قومك بما حدّثتنى قال نعم أسرى بى الليلة قالوا الى أين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين أظهرنا قال نعم فوقعوا فى التعجب والاستغراب وقالوا ان هذا لشىء عجاب وبعضهم من كثرة انكارهم يصفقون وبعضهم من قلة اعتبارهم يضحكون وبعضهم يضعون أيديهم على رؤسهم تعجبا فان هذا الامر يرى عندهم محالا وعجبا وارتدّ ناس ممن كان قد آمن به وصدّقه* وعن عائشة رضى الله عنها سعى رجال من المشركين وهم أبو جهل وأتباعه الى أبى بكر فقالوا له هل لك فى صاحبك يزعم انه أسرى به الى بيت المقدس ومنه الى السموات فقال أو قال ذلك قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد صدق قالوا أتصدّقه أنه ذهب الى الشأم ورجع قبل أن يصبح قال نعم انى أصدّقه فيما هو أبعد من ذلك أصدّقه بخبر السماء فى غدوة وروحة* قال بعضهم فمن ذلك اليوم سمى أبو بكر صدّيقا* وعن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لى أنظر اليه فما يسألوننى عن شىء الا أنبأتهم ونحوه عن جابر كذا فى الشفاء* وعن عائشة قالوا يا محمد هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الاقصى فشرع ينعت حتى اذا التبس قال فجىء بالمسجد وأنا أنظر اليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وأنا أنظر اليه فقال القوم امّا النعت فو الله لقد أصاب فيه وهذا أبلغ فى المعجزة ولا استحالة فيه فقد أحضر عرش بلقيس فى طرفة عين فقالوا أخبرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 عن عيرنا فهى أهم الينا من ذلك هل لقيت منها شيئا قال نعم مررت على عير بنى فلان وهى بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم فى طلبه وفى رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته وشربته ثم وضعته فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا قالوا هذه آية* قال ومررت بعير بنى فلان وفلان راكبان قلوصا لهما* وفى رواية قعودا لهما بذى مر فنفر البعير منى فرمى بفلان فانكسرت يده فسلوهما عن ذلك فقالوا هذه آية أخرى قالوا أخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدّتها واجمالها وهيئتها فقال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثل لى بعدّتها واجمالها ومن كان فيها وكانوا بالجرورة قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخططتان يطلع عند طلوع الشمس* وفى المواهب اللدنية يقدمهم جمل ادم عليه مسح أسود وغرارتان سودا وان قالوا هذه آية أخرى ثم خرجوا نحو ثنية كداء حتى يكذبونه فاذا بقائل يقول هذه الشمس قد طلعت وقال الآخر هذه العير قد أقبلت كما قال محمد يقدمها فلان وفلان كذا فى المنتقى* وفى رواية البيهقى أشرف الناس ينتظرون حتى اذا كان قريب من نصف النهار أقبلت العير فلم يؤمنوا وقالوا ما سمعنا بمثل هذا قط ان هذا الاسحر مبين* وفى رواية سألوه أيضا عن عير الشأم ليستدل به على تكذيبه أو تصديقه فيما قال عليه السلام فوصفهم وقال يقدمون يوم الاربعاء فكان ذلك اليوم وما قدموا حتى كادت الشمس أن تغرب فدعا الله تعالى فحبسها حتى قدموا مكّة فعلموا صدقه ومع ذلك لم يصدّقوه فى الخبر وما آمنوا كذا فى سيرة مغلطاى* وفى حياة الحيوان حبست الشمس مرّتين لنبينا صلّى الله عليه وسلم احداهما يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردّها الله عليه كما رواه الطحاوى وغيره والثانية صبيحة الاسراء حين انتظروا العير التى أخبر بوصولها مع شروق الشمس ذكره القاضى عياض فى غير الشفاء وحبست ليوشع بن نون وحبست لداود ذكره الخطيب فى كتاب النجوم وضعف رواية وحبست لسليمان ذكره البغوى فى معالم التنزيل فى سورة ص كذا فى مزيل الخفاء* وفى سيرة مغلطاى ذكر الطحاوى ان الشمس ردّت له فى بيت أسماء بنت عميس حين شغل عن صلاة العصر* اعلم انه ليس لاحد من أهل القبلة اختلاف فى وقوع المعراج للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فمن أنكر المعراج يكفر لانه انكار لنص القرآن قال الله تعالى سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وأيضا ورد فيه الاحاديث الصريحة المشهورة القريبة من حدّ التواتر وأمّا منكر المعراج الى السموات فمبتدع ضال عند أئمة الدين* وفى هذه السنة فرضت الصلوات الخمس ليلة الاسراء وقد مرّ كيفيتها* ذكر بيعة العقبة الثانية وفى هذه السنة الثانية عشر وقعت بيعة العقبة الاولى ومقتضى ما قدّمناه قبل المعراج أن تكون هذه الثانية كذا فى الوفاء والمواهب اللدنية* ولما كان العام المقبل الموعد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم عامئذ الى الموسم فلقيه اثنا عشر رجلا* وفى الاكليل أحد عشر رجلا وهى العقبة الثانية فيهم خمسة من الستة المذكورة وهم أبو أمامة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك وقطبة ابن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى ولم يكن فيهم جابر بن عبد الله بن ذئاب لم يحضرها والسبعة تتمة الاثنى عشرهم معاذ بن الحارث ورفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور وذكوان بن عبد القيس الزرقى وقيل انه رحل الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى مكة فسكنها معه فهو مهاجرى أنصارى قتل يوم أحد وعبادة بن الصامت بن قيس وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوى والعباس بن عبادة بن نضلة وهؤلاء من الخزرج ومن الاوس رجلان أبو الهيثم بن التيهان من بنى عبد الاشهل وعويمر بن ساعدة فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء أى وفق بيعتهنّ التى نزلت بعد فتح مكة وهى أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ولا نعصيه فى معروف والسمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا وأن لا ننازع الامر أهله وأن نقول بالحق حيث كنا لا نخاف فى الله لومة لائم قال عليه السلام فان وفيتم فلكم الجنة ومن غشنى وفعل من ذلك شيئا كان أمره الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه ولم يفرض يومئذ القتال ثم انصرفوا الى المدينة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير الى المدينة يعلم أهلها الاحكام ويقرئ القرآن فنزل على أسعد بن زرارة وفى المواهب اللدنية أظهر الله الاسلام أى فى المدينة وكان أسعد بن زرارة يجتمع بالمدينة بمن أسلم وكتبت الاوس والخزرج الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابعث الينا من يقرئنا القرآن فبعث اليهم مصعب بن عمير فأسلم خلق كثير وفشا الاسلام فيهم وكتب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له فجمع بهم فى دار سعد بن خيثمة وكان أوّل من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قدم مصعب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع السبعين الذين وافوه كما سيجىء فى العقبة الثانية فأقام مصعب بمكة قليلا ثم قدم قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا فهو أوّل من قدمها والله أعلم* (ذكر صفة مصعب بن عمير) * كان رقيق البشرة ليس بالطويل ولا بالقصير قتل يوم أحد وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا كذا فى الصفوة وسيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة أحد* ذكر بيعة العقبة الكبرى وفى ذى الحجة من السنة الثالثة عشر من النبوّة قبل الهجرة بثلاثة أشهر وقعت بيعة العقبة الكبرى وبعضهم يسميها العقبة الثانية ومقتضى ما قدّمناه أن تسمى الثالثة كذا فى الوفاء وفى التاريخ الاوسط للبخارى انّ أهل مكة سمعوا هاتفا يهتف قبل اسلام سعد بن معاذ وهو يقول فان يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف وفى رواية من الأمن لا يخشى خلاف مخالف فقالت قريش لو علمنا من السعدان قال عند ذلك أيا سعد سعد الاوس ان كنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا الى داعى الهدى وتمنيا ... على الله فى الفردوس منية عارف قال أهل السير فى السنة الثالثة عشر من النبوّة قدم مكة فى موسم الحج قريب من خمسمائة نفر وفى رواية ثلثمائة نفر من الاوس والخزرج وخرج معهم مصعب بن عمير الى مكة واتفق منهم سبعون رجلا قال ابن سعد يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان نسيبة بنت كعب أمّ عمارة وأسماء بنت عمر وقال ابن اسحاق ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان وقال الحاكم خمس وسبعون نفسا لاقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فواعدهم أن يحضروا شعب العقبة فى الليلة الثالثة من ليالى التشريق للمبايعة* وفى الصفوة جاء قوم من أهل العقبة يطلبون رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقيل لهم هو فى بيت العباس فدخلوا عليه فقال لهم العباس انّ معكم من قومكم هو مخالف لكم فأخفوا أمركم حتى يتصدع هذا الحاج ونلتقى نحن وأنتم فنوضح لكم هذا الامر فتدخلون فيه على أمر بين فوعدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم الليلة التى فى صبيحتها النفر الآخر وفى رواية فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق والمعنى واحد أن يوافيهم أسفل العقبة وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا ولما فرغوا من الحج وكانت الليلة الموعودة خرج القوم بعد هدء الناس* وفى المنتقى باتوا تلك الليلة فى رحالهم حتى اذا مضى ثلث الليل خرجوا من رحالهم لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتسللون مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعوا فى الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ومعهم امرأتان أمّ عمارة بنت كعب احدى نساء بنى مازن وأسماء بنت عمرو بن عدىّ احدى نساء بنى سليم وقد سبقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه العباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وليس معه غيره وهو يومئذ على دين قومه الا أنه يحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويوثق له فلما جلس واجتمعوا له كان أوّل من تكلم العباس فقال يا معشر الخزرج وكانت الاوس والخزرج تدعى الخزرج قد دعوتم محمدا الى ما دعوتموه ومحمد من أعز الناس فى عشيرته يمنعه والله من كان على قوله ومن لم يكن كذلك منعه للحسب والشرف وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم* وفى وفاء الوفاء وقد أبى الا الانحياز اليكم فان كنتم أهل قوّة وجلد ونظر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة فانها سترميكم عن قوس واحدة فارتاؤا رأيكم وائتمروا أمركم فلا تفرّقوا الا عن اجتماع فانّ أحسن الحديث أصدقه وأخرى صفوا لى الحرب كيف تقاتلون عدوّكم فأسكت القوم وتكلم عبد الله بن عمرو بن حزام فقال نحن والله أهل الحرب غذينا بها ومرّينا وورثناها عن آبائنا كابرا عن كابر نرمى بالنسل حتى تفنى ثم نطاعن بالرماح حتى تكسر ثم نمشى بالسيوف فنضرب بها حتى يموت الاعجل منا أو من عدوّنا فقال العباس هل فيكم دروع قالوا نعم شاملة وقال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت والله لو كان فى أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكن نريد الوفاء والصدق ويذل المهج وأنفسنا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن الشعبى قال انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعباس الى السبعين عند العقبة تحت الشجرة فقال العباس ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة فانّ عليكم من المشركين عينا وان يعلموا بكم فيفضحوكم فقال قائلهم وهو أسعد يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك وأصحابك ما شئت ثم أخبرنا مالنا من الثواب على الله اذا فعلنا ذلك فقال أسألكم لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسى ولاصحابى أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا اذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا فلك ذلك* وفى المنتقى تكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا الى الله ورغب فى الاسلام ثم قال أبايعكم أو قال بايعونى قالوا على أىّ شىء نبايعك يا رسول الله قال بايعونى على السمع والطاعة فى النشاط والكسل والنفقة فى العسر واليسر وعلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وأن تقولوا فى الله ولا تخافوا لومة لائم وعلى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم وأزواجكم فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذى بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه العزيز فينا فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم والعباس آخذ بيد رسول الله يؤكد له البيعة على الانصار وقالوا فنحن والله أهل الحرب والحلقة ورثناها كابرا عن كابر فعرض فى الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله انّ بيننا وبين الناس يعنى اليهود حبالا وانا قاطعوها فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم وفى رواية المحيا محياكم والممات مماتكم أنتم منى وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقال أخرجوا منكم اثنى عشر رجلا نقيبا يكونون على قومهم فأخرجوا اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للنقباء أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء كفالة الحواريين لعيسى ابن مريم قالوا نعم روى عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال العباس ابن عبادة بن نضلة الانصارى يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل قالوا نعم قال انكم تبايعونه على حرب الاسود والاحمر من الناس فان كنتم ترون أنكم اذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن وهو والله خزى الدنيا والآخرة ان فعلتم وان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه على نهك الاموال وقتل الاشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا فانا نأخذه على مصيبة الاموال وقتل الاشراف فما لنا بذلك يا رسول الله ان نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 يدك فبسط يده فبايعوه قال عاصم بن عمرو والله ما قال العباس ذلك الا ليشدّ العقد لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أعناقهم وقال عبد الله بن أبى بكر والله ما قال العباس ذلك الا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبى بن سلول فيكون أقوى لامر القوم فالله أعلم أىّ ذلك كان فبنو النجار يزعمون أنّ أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أوّل من ضرب على يده وبنو عبد الاشهل يقولون بل ابو الهيثم ابن التيهان قال كعب بن مالك أوّل من ضرب على يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم تتابع القوم قال كعب فلما بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط يا أهل الجباجب هل لكم فى مذمم والصبأة معه قد جمعوا على حربكم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة وفى رواية ابن أزب العقبة لا فرغنّ لك أى عدوّ الله ارجعوا الى رحالكم نصركم الله فقال له العباس بن عبادة بن نضلة والذى بعثك بالحق لئن شئت لنميلنّ غدا على أهل منى بأسيافنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا الى رحالكم فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاؤنا فى منازلنا فقالوا يا معشر الخزرج انا قد بلغنا انكم جئتم الى صاحبنا هذا فتستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعون على حربنا والله ما من حىّ من العرب أبغض الينا ان تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم قال فانبعث من هناك من مشركى قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شىء وما علمناه وقد صدقوا لم يعلموا ثم انّ قريشا أتوا عبد الله بن أبى بن سلول فذكروا له ما قد سمعوا من أصحابه فقال وما كان قومى ليتفوّتوا علىّ بمثل هذا وما علمته ثم انهم قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أتخرج معنا قال ما أمرت به قال رزين وقد قيل وقع بين قريش والانصار كلام فى سبب خروج النبىّ صلّى الله عليه وسلم معهم ثم ألقى الرعب فى قلوب قريش فقالوا ليس يخرج معكم الا فى بعض أشهر السنة ولا تتحدّث العرب بأنكم غلبتمونا فقالت الانصار الامر فى ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن سامعون لامره فأنزل الله على رسوله وان يريدوا أن يخدعوك فانّ حسبك الله أى ان كان كفار قريش يريدون المكربك فسيمكر الله بهم فانصرفت الانصار الى المدينة* وفى سيرة ابن هشام قال ونفر الناس من منى فتفتش القوم الخبر فوجدوه قد كان قال ابن اسحاق وخرجوا فى طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمر وأخا بنى ساعدة ابن كعب بن الخزرج وكلاهما كان نقيبا وقيل انّ قريشا بدالهم فخرجوا فى آثارهم فأدركوا منهم رجلين كانا تخلفا فى أمر فردّوهما الى مكة المنذر والعباس بن عبادة فأدركهما جبير بن مطعم والحارث ابن أمية فخلصاهما فلحقا بأصحابهما وفى رواية انّ الرجلين هما المنذر وسعد بن عبادة فأمّا المنذر فأعجز القوم ونجا وأمّا سعد فأخذوه وربطوا يديه الى عنقه بشسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير ثم خلصه منهم جبير بن مطعم والحارث بن أمية لانه كان يجير لهما تجارتهما ويمنعهم أن يظلموا ببلده* هجرة أبى بكر الى الحبشة وفى هذه السنة هاجر أبو بكر الى الحبشة روى أنه لما ابتلى المسلمون وكثر ايذاء المشركين واضرارهم استأذن ابو بكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخرج نحو أرض الحبشة ولما بلغ برك الغماد لقى ابن الدغنة اسمه ربيعة وهو سيد القارة قال أبن تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجنى قومى فأريد أن أسيح فى الارض فأعبد ربى فقال ابن الدغنة فانّ مثلك يا أبا بكر لا يخرج فانك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع فاعبد ربك ببلدك فرجع أبو بكر فى جوار ابن الدغنة ومكث بمكة يعبد ربه فى داره ويصلى فيها ويقرأ ما يشاء ولا يستعلن بصلاة ولا يقرأ فى غير داره ثم بداله فبنى مسجدا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فتنقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون اليه وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه اذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين وخافوا أن تفتن نساؤهم وأبناؤهم فأرسلوا الى ابن الدغنة أن قل لابى بكر أن يقتصر على أن يعبد ربه فى داره ولا يعلن بالصلاة فانا قد خشينا أن تفتن نساؤنا وأبناؤنا فانهه فان قبل فعل وان أبى الا أن يعلن بذلك فسله أن يردّ اليك ذمّتك ولسنا مقرّين لابى بكر الاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر وقال له ما قال له المشركون قال أبو بكر انى أردّ اليك جوارك وأرضى بجوار الله تعالى والنبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ بمكة* (ذكر هجرة أصحابه الى المدينة) * قال أهل السير لما أبرم عقد المبايعة بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين أهل المدينة ولم يقدر أصحابه أن يقيموا بمكة من ايذاء المشركين ولم يصبروا على جفوتهم رخص لهم فى الهجرة الى المدينة* وفى الصحيحين قال عليه السلام رأيت انى مهاجر من مكة الى أرض بها نخل فذهب وهلى الى اليمامة أو هجر فاذا هى المدينة يثرب ووقع للبيهقى من حديث صهيب رأيت دار هجرتكم سبخة بين ظهرانى حرّتين فامّا أن تكون هجر أو يثرب ولم يذكر اليمامة* قال بعض العلماء أرى النبىّ صلّى الله عليه وسلم دار هجرته بصفة تجمع المدينة وغيرها ثم أرى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت ثم أذن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لاصحابه فى الهجرة الى المدينة وأقام بمكة ينتظر أن يؤذن له فى الخروج فتوجه بين العقبتين جماعة منهم ابن أمّ مكتوم ثم عمار بن ياسر ثم بلال وسعد ابن أبى وقاص ويقال انّ أوّل من هاجر الى المدينة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومى زوج أمّ سلمة وذلك انه أوذى لما رجع من الحبشة فعزم على الرجوع اليها ثم بلغه قصة الاثنى عشر من الانصار فتوجه الى المدينة فقدمها بكرة وقدم بعده عامر بن ربيعة عشية ثم توجه مصعب بن عمير ليفقه من أسلم من الانصار ثم توالى خروجهم بعد العقبة الاخيرة فخرجوا أرسالا منهم عمر بن الخطاب وأخوه زيد ابن الخطاب وطلحة بن عبيد الله وصهيب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام وعثمان بن عفان وغيرهم لم يبق معه صلّى الله عليه وسلم الا أبو بكر الصدّيق وعلى بن أبى طالب كذا قال ابن اسحاق وغيره* وفى بعض كتب السير أوّل من هاجر الى المدينة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومى قبل بيعة العقبة بسنة ثم قدم المدينة بعد أبى سلمة عامر ابن ربيعة مع امرأته ليلى ثم عبد الله بن جحش ثم أبو أحمد بن جحش ثم تتابع الاصحاب الى المدينة أرسالا* وفى سيرة مغلطاى عن ابن اسحاق ثم عمر بن الخطاب وأخوه زيد بن الخطاب وعباس بن أبى ربيعة وطلحة بن عبيد الله وصهيب وزيد بن حارثة وأبو مرثد كناز بن الحصين وابنه مرثد وأنسة وأبو كبيشة وعبيدة بن الحارث وأخوه الطفيل وحصين ومسطح بن أثاثة وسويبط وعبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوّام وأبو سبرة وأبو حذيفة بن عتبة وسالم مولاه وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان انتهى وبقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلىّ بمكة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له فى الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المسلمين الا أخذ وحبس أو فتن الا على بن أبى طالب وأبو بكر وابو بكر كثيرا ما كان يستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الهجرة فيقول له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تعجل لعلّ الله أن يجعل لك صاحبا فرجا أبو بكر أن يكون ذلك الصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى صحيح البخارى تجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رسلك فانى لارجو أن يؤذن لى فقال له أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبى أنت وأمى قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر لتسمنا وينتظر أنه صلّى الله عليه وسلم متى يؤمر بالهجرة الى المدينة روى انّ أبا بكر رأى فى المنام فى بعض تلك الايام انّ القمر نزل من السماء بطحاء مكة ودخل البلد الحرام فأضاءت منه أمّ القرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وما حولها ثم صعد الى السماء فنزل المدينة وأشرقت أرض يثرب بنوره وكثير من الكواكب تحرّكت موافقات له ثم انّ ذلك القمر مع تلك الكواكب الجمة صعدت الى الهواء وهبطت فى حرم مكة وأرض يثرب مضيئة بعد كما كانت الا ثلثمائة وستين بيتا وفى رواية أربعمائة بيت* ولما انتهى ذلك القمر الى البلد الحرام استنار ما حول الحرم أيضا ثم سار القمر نحو المدينة ودخل منزل عائشة فانشقت الارض وتوارى فيها فلما انتبه أبو بكر غلبة البكاء اذ كان ماهرا فى معرفة تعبير الرؤيا ومشهورا بين العرب بهذا الفنّ فنظر بنظر الاعتبار فى تعبير تلك الرؤيا فعلم ان ذلك القمر شمس فلك الرسالة وانّ تلك الكواكب اللوامع أصحابه وأقر باؤه الذين يختارون الغربة بموافقته ويهاجرون الى المدينة ورجوع ذلك القمر مع تلك الكواكب الى مكة دليل على ان فتح مكة سيحصل له ودخوله منزل عائشة علامة انها تشرف بشرف فراشه فى المدينة وانشقاق الارض وتوارى القمر فيها مشير الى أن وفاته صلّى الله عليه وسلم تكون بالمدينة ويدفن فى بيت عائشة فاعترى أبا بكر من هذه الرؤية غمان أحدهما غم الهجرة من دياره وترك وطنه المألوف والثانى غم مفارقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فتفكر فى نفسه فقال أمّا مفارقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأمر صعب وأمّا الغربة فلا أباليها اذا كنت معه صلّى الله عليه وسلم كما قيل لو ضمنى بيت نمل والحبيب به ... لكان ذلك لى روض وبستان وأطيب الارض ما للقلب فيه هوى ... سم الخياط مع المحبوب ميدان وقيل رحب الفلاة مع الاعداء ضيقة ... سم الخياط مع الاحباب ميدان فترصد رفاقته وانتظر صحبته صلّى الله عليه وسلم* ومن تعبيرات أبى بكر ما ذكر فى حياة الحيوان انّ عائشة رضى الله عنها رأت ثلاثة أقمار سقطن فى حجرها فقال لها أبو بكر ان صدقت رؤياك فانه يدفن فى بيتك ثلاثة من خيار أهل الارض فلما دفن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها والله أعلم* (ذكر مشاورة قريش فى اخراجه أو حبسه أو قتله واخبار جبريل بذلك اياه صلى الله عليه وسلم واذنه له بالهجرة) * قال أصحاب السير لما رأت قريش انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصابوا منعة وأصحابا بغير بلدهم ونزلوا دارا ووجدوا مهاجرا قريبا يهاجر اليه بقية أصحابه عرفوا انه قد عزم أن يلحق بهم وسيحميه المدنيون فخافوا خروجه اليهم وحذروا تفاقم أمره فاجتمعوا بدار الندوة للمشاورة وهى دار قصى بن كلاب وكانت قريش لا تقضى أمرا الا فيها وفيها يتشاورون وحجبوا الناس عن الدخول اليهم لئلا يدخل أحد من بنى هاشم فيطلع على حالهم فزعم ابن دريد فى الوشاح انهم كانوا خمسة عشر رجلا* وفى المولد لابن دحية كانوا مائة رجل ولما قعدوا للتشاور تبدى لهم ابليس فى صورة شيخ نجدى جليل فوقف على باب الدار فلما رأوه قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذى تواعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأى ونصح* وفى معالم التنزيل سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا قالوا ادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من كل قبيلة وفى رواية تبدى لهم الشيطان فى صورة شيخ نجدى لابس مرقع وجلس* وفى المواهب اللدنية تمثل لهم الشيطان فى صورة شيخ نجدى لانهم قالوا كما ذكره بعض أهل السير لا يدخلن فى المشاورة معكم أحد من أهل تهامة لانّ هواهم مع محمد فلذلك تمثل فى صورة شيخ نجدى قالوا من الشيخ ومن أدخلك فى خلوتنا هذه بغير اذننا قال أنا شيخ من قبيلة نجد وجدت وجوهكم مليحة ورائحتكم طيبة أردت أن أسمع كلامكم وأقتبس منه شيئا ولقد أعرف مقصودكم وان كنتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 تكرهون جلوسى معكم فاخرج قالت قريش بعضهم لبعض هذا رجل من نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم فشرعوا فى الكلام وقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم قد كان من أمره ما كان وانا والله لا نأمن منه الوثوب علينا بمن اتبعوه فأجمعوا فيه رأيا فقال أبو البخترى ابن هشام* وفى رواية قال هشام بن عمرو رأيى أن تحبسوه فى بيت وتشدّوا وثاقه وتسدّوا بابه غير كوّة تلقون اليه طعامه وشرابه منها وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه كما هلك من الشعراء من كان قبله كزهير والنابغة فصرخ عدوّ الله الشيخ النجدى فقال بئس الرأى رأيتم والله لو حبستموه لخرج أمره من وراء الباب الى أصحابه فوثبوا وانتزعوه من أيديكم قالوا صدق الشيخ* وقال هشام بن عمرو وفى رواية أبو البخترى رأيى أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضرّكم ما صنع واسترحتم فقال الشيخ النجدى والله ما هذا لكم برأى ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به فو الله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حىّ من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم يسير بهم حتى يطؤكم بهم فقالوا صدق والله الشيخ فقال أبو جهل والله انّ لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم فقال رأيى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطى كل فتى سيفا صار ما ثم يعمدون اليه فيضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه فنستريح منه فانهم اذا فعلوا ذلك تفرّق دمه فى القبائل كلها فلا تقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال الشيخ النجدى القول ما قال هذا الفتى هو أجودكم رأيا لا رأى لكم غيره* وفى خلاصة الوفاء وصوّب ابليس قول أبى جهل لما اختلفوا فيما يفعلون بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم أرى أن يعطى خمسة رجال من خمسة قبائل سيفا سيفا فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرّق دمه فى هذه البطون فلا يقدر لكم بنو هاشم على شئ فتفرّقوا على رأى أبى جهل مجمعين على قتله فأخبر جبريل بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وكان مما أنزل الله فى ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وقوله عز وجل أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قال ابن هشام المنون الموت وريب المنون ما يريب ويعرض منها قال أبو ذئب الهذلى أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع الاعتاب الارضاء * (الركن الثالث فى الوقائع من أول هجرته صلّى الله عليه وسلم الى وفاته وفيه أحد عشر موطنا) ** (الموطن الاوّل) * فى وقائع السنة الاولى من الهجرة وهى السنة التى فى الثامن والعشرين من صفرها أو فى غرّة ربيع الاوّل منها وقعت الهجرة الى المدينة وهى السنة الرابعة عشر من المبعث والرابعة والثلاثون من ملك كسرى برويز والتاسعة من ملك هرقل وأوّل هذه السنة المحرم وفيه فصلان) * * (الفصل الاوّل فى خروجه صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر من مكة الى الغار ولبثهما فيه ثلاثة أيام وخروجهما منه الى المدينة وما وقع لهم فى الطريق من لحوق سراقة اياهما ومرورهما بخيمتى أمّ معبد ولقيهم بريدة بن الحصيب ولقيهم طلحة أو الزبير فى الطريق وموت براء بن معرور واستقبال أهل المدينة ونزوله بقباء ولبثه فى بنى عمرو بن عوف وتأسيسه مسجد قباء) * قال أصحاب السير لما استقرّ رأى قريش بعد المشاورة على قتله صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل وأخبره بذلك وقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه وأذن الله له عند ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 بالخروج الى المدينة كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية قال له جبريل ان الله يأمرك بالهجرة* وفى شواهد النبوّة لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالهجرة سأل جبريل عمن يهاجر معه قال أبو بكر الصدّيق فمن ذلك اليوم سماه الله صديقا* وعن ابن عباس قال ان الله آذن نبيه فى الهجرة بهذه الآية وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا أخرجه الترمذى وصححه هو والحاكم كذا فى الوفاء والمواهب اللدنية* وفى العمدة أمر أن يقول له عند الهجرة وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وآذن الله تبارك وتعالى نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلم عند ذلك فى الهجرة وكان أبو بكر رجلا ذا مال فكان حين استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الهجرة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تعجل لعلّ الله أن يجعل لك صاحبا فطمع أبو بكر بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما يعنى نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فحبسهما فى داره يعلفهما اعدادا لذلك فحدّثنى من لا أتهم عن عروة بن الزبير عن عائشة أمّ المؤمنين أنها قالت كان لا يخطأ أن يأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيت أبى بكر أحد طرفى النهار امّا بكرة وامّا عشية حتى اذا كان اليوم الذى أذن الله تعالى فيه لرسوله فى الهجرة والخروج من مكة من بين ظهرانى قومه أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالهاجرة فى ساعة كان لا يأتى فيها قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى هذه الساعة الا لأمر حدث قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليه وليس عند أبى بكر الا أنا وأختى أسماء بنت أبى بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عنى من عندك فقال يا نبىّ الله انما هى ابنتاى وما ذاك فداك أبى وأمى قال انّ الله تعالى قد أذن لى فى الخروج والهجرة قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال نعم* وفى المنتقى قالت عائشة فبينا نحن جلوس فى بيت أبى بكر فى نحر الظهيرة قال قائل لابى بكر هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم متقنعا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبى وأمّى والله ما جاء به فى هذه الساعة الا أمر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال لابى بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر انما هم أهلك بأبى أنت وأمى يا رسول الله قال فانى قد أذن لى فى الخروج قال أبو بكر الصحبة بأبى أنت وأمّى يا رسول الله قال نعم* وفى رواية أذن له باذن الله أن يصحبه قالت عائشة رأيت أبا بكر يبكى من الفرح وما كنت أظنّ الى ذلك الوقت أن يبكى أحد من الفرح قال فخذ احدى راحلتىّ هاتين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالثمن* قال الواقدى ثمنها ثمانمائة درهم وان المأخوذة كانت هى القصوى وانها كانت من نعم بنى قشير كان اشتراها أبو بكر منهم وانها عاشت حتى ماتت فى خلافة ابى بكر الصدّيق وكانت مرسلة ترعى فى البقيع وكذا فى طبقات ابن سعد أن ثمنها كان ثمانمائة درهم كذا فى الوفاء* وفى رواية قال ابو بكر عندى ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبىّ احداهما وهى الجدعاء قاله ابن اسحاق وقال انها كانت من نعم بنى الحريش وكذا فى رواية ابن حبان انها الجدعاء كذا فى الوفاء قالت عائشة فجهزناهما احث الجهاز وصنعنا لهما سفرة فى جراب فقطعت اسماء بنت ابى بكر قطعة من نطاقها فربطت به فم الجراب فلذلك سميت ذات النطاقين هكذا رواية ابن عباس* وفى رواية عن أسماء قالت فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فقلت لابى بكر والله ما أجد شيئا أربط به الانطاقى قال فشقيه باثنتين فاربطى بواحدة السقاء وبالاخرى السفرة ففعلت فلذلك سميت ذات النطاقين رواه البخارى وسيجىء غير ذلك* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبى بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما اذا أمسى فى الغار بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر وكان يفعل ذلك وأمر عامر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ابن فهيرة مولى أبى بكر أن يرعى عليهما منحة لابى بكر ليشربا من لبنها واستأجر أبو بكر رجلا من بنى الدئل هاديا حريتا أى ماهرا بالهداية ليدلهما على الطريق يقال له عبد الله بن الاريقط الديلى الليثى* قال النووى لا نعلم له اسلاما وفى الرياض النضرة الليث بن عبد الله بن الاريقط* وفى الوفاء ذهب أبو بكر الى عبد الله بن أريقط قاله ابن عقبة* وفى تهذيب بن هشام عبد الله بن أرقد وفى رواية الاموى عن ابن اسحاق أريقد وفى العتبية رقيط من بنى الدئل بن بكر بن كنانة وأمّه امرأة من بنى سهم بن عمرو وكان مشركا أو قال على دين الكفار فأمنه ودفع اليه لراحلتين وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال* وفى سيرة ابن هشام بلفظ التثنية فى استأجرا ودفعا اليه راحلتيهما فكانتا عنده لميعادهما* وفى أنوار التنزيل الغار ثقب فى أعلا ثور وثور جبل بمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا* وفى القاموس يقال له ثور أطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه ذلك الجبل ذكر ابن جبير أن جبل ثور من مكة على ثلاثة أميال* وفى معجم ما استعجم انه من مكة على ميلين وارتفاعه نحو ميل وفى أعلاه الغار الذى دخله النبىّ صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر وهو المذكور فى القرآن والبحر يرى من أعلا هذا الجبل وفيه من كل نبات الحجاز وشجره وفيه شجرة البان وفيه شجرة من حمل منها شيئا لم تلدغه الهامة انتهى* ولما كانت العتمة اجتمع المشركون بمكة على باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم ترصدوه متى ينام فيثبون عليه فيهلكونه* وفى الوفاء اجتمعت قريش الى باب الدار فقال أبو جهل لا تقتلوه حتى تجتمعوا يعنى الخمسة من القبائل الخمس وجعل يقول لهم هذا محمد كان يزعم لكم انكم ان تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم ويكون لكم فى الآخرة جنات تأكلون منها وان لم تتابعوه يكون له فيكم ذبح فى الدنيا ويوم القيامة نار تحرقون فيها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعم والله كذا أقول وكذا يكون وأنت أحدهما فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكانهم واجتماعهم قال لعلىّ نم على فراشى واتشح ببردى الحضرمى الاخضر فانه لا يخلص اليك شئ تكرهه منهم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينام فى برده ذلك اذا نام* وفى خلاصة الوفاء فلن يخلص اليك منهم أمر فردّ هذه الودائع الى أهلها وكانت الودائع توضع عنده لصدقه وأمانته* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما بلغنى أخبر عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدّى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الودائع التى عنده وليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه الاوضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته فبات علىّ على فراش النبىّ صلّى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الغار ولما خرج قام على رؤسهم وقد ضرب الله على أبصارهم* وفى رواية أخذ الله أبصارهم عنه ونزل تلك الليلة أوّل سورة يس فأخذ قبضة من تراب وجعل ينثره على رؤسهم وهو يقرأ انا جعلنا فى أعناقهم أغلالا الى قوله فهم لا يبصرون وتلا واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ثم أتى منزل ابى بكر فخرجا من خوخة كانت له فى ظهر البيت وعمدا الى غار ثور* وفى الاستيعاب أذن الله له فى الهجرة الى المدينة يوم الاثنين وكانت هجرته فى ربيع الاوّل وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وقدم المدينة يوم الاثنين قريبا من نصف النهار فى الضحى الاعلى لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل هذا قول ابن اسحاق وكذا قال غيره الا أنه قال كان مخرجه الى المدينة لهلال ربيع الاوّل وقال أبو عمرو وقد يروى عن ابن شهاب أنه قدم المدينة لهلال ربيع الاوّل وقال عبد الرحمن ابن المغيرة قدم المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الاوّل* وقال الكلبى خرج من الغار ليلة الاثنين أوّل يوم من ربيع الاوّل وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه قال أبو عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وهو قول ابن اسحاق الا فى تسمية اليوم فان ابن اسحاق يقول يوم الاثنين والكلبى يقول يوم الجمعة واتفقا لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل وغيرهما يقول لثمان خلت منه فالاختلاف أيضا فى تاريخ قدومه المدينة كما ترى* وفى الصفوة قال يزيد بن حبيب خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة فى صفر وقدم المدينة فى ربيع الاوّل* وفى الوفاء ذكر موسى بن عقبة عن الزهرى أن الخروج كان فى بقية تلك الليلة وكان ذلك بعد العقبة بشهرين وليال وقال الحاكم بثلاثة أشهر أو قريبا منها ويرجح الاوّل ما جزم به ابن اسحاق من انه خرج أوّل يوم من ربيع الاوّل فيكون بعد العقبة بشهرين وبضعة عشر يوما وكذا جزم به الاموى فقال خرج لهلال ربيع الاوّل وقدم المدينة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه قال فى فتح البارى وعلى هذا كان خروجه يوم الخميس وهو الذى ذكره محمد بن موسى الخوارزمى لكن قال الحاكم تواترت الاخبار بأن الخروج كان يوم الاثنين والدخول يوم الاثنين وجمع الحافظ ابن حجر بينهما بأنّ خروجه من مكة كان يوم الخميس أىّ فى أثناء ليلته لما قدمناه وخروجه من الغار يعنى غار ثور ليلة الاثنين لانه أقام فيه ثلاث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الاحد وخرج فى أثناء ليلة الاثنين كذا فى المواهب اللدنية ومن روى لليلتين لعله لم يحسب أوّل ليلة وكانت مدّة اقامته صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة بضع عشرة سنة ويدل عليه قول صرمة ثوى فى قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو ألفى صديقا مؤاتيا وقال عروة عشرا وقال ابن عباس خمس عشرة سنة* وفى رواية عنه عشر سنين ولم يعلم بخروجه الا علىّ وآل أبى بكر* وفى سيرة اليعمرى ولما بلغ ثلاثا وخمسين سنة هاجر من مكة الى المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الاوّل وأقام المشركون ساعة فجعلوا يتحدّثون فأتاهم آت وقال ما تنتظرون قالوا ننتظر أن نصبح فنقتل محمدا قال قبحكم الله وخيبكم أو ليس قد خرج عليكم وجعل على رؤسكم التراب قال أبو جهل أو ليس ذاك مسجى ببرده والآن كلمنا فلما أصبحوا قام علىّ عن الفراش فقال أبو جهل صدقنا ذلك المخبر فاجتمعت قريش وأخذت الطرق وجعلت الجعائل لمن جاء به فانصرفت عيونهم ولم يجدوا شيئا وفى رواية لما قال القائل قد خرج ونثر على رؤسكم التراب فما ترون ما بكم وضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا فيه التراب ثم جعلوا يتطلعون وينظرون من شق الباب فيرون عليا على الفراش متسج ببرد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحسبونه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فيحرسونه ويقولون ان هذا المحمد تائم عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فوثبوا عليه فقام علىّ من الفراش فقالوا له أين صاحبك قال لا علم لى قيل انهم ضربوا عليا وحبسوه ساعة ثم تركوه واقتصوا أثر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم وروى أنه لم يبق أحد من الذين وضع على رؤسهم التراب الا قتل يوم بدر وأنشأ علىّ فى بيوتته فى بيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذه الابيات وقيت بنفسى خير من وطئ الثرى ... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر رسول اله خاف أن يمكروا به ... فنجاه ذو الطول الاله من المكر وبات رسول الله فى الغار آمنا ... موقى وفى حفظ الاله وفى ستر وبت أراعيهم وما يثبتوننى ... وقد وطنت نفسى على القتل والاسر قال الغزالى فى الاحياء ان ليلة بات علىّ بن أبى طالب على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى الى جبريل وميكائيل انى آخيت بينكما وجعلت عمر أحد كما أطول من عمر الاخر فأيكما يؤثر صاحبه بحياة فاختار كلاهما الحياة وأحباها فأوحى الله اليهما أفلا كنتما مثل علىّ بن أبى طالب آخيت بينه وبين محمد فبات علىّ على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا الى الارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فاحفظاه من عدوّه فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ينادى بخ بخ من مثلك يا ابن أبى طالب تباهى بك الملائكة فأنزل الله تعالى ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد* وفى عمدة المعانى الاية نزلت فى الزبير والمقداد وقيل فى صهيب وخباب وعمار ابن ياسر وقيل فى علىّ حين نام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة الغار* وروى أن أبا بكر حين خرج الى الغار احتمل ماله كله وكان ذا مال وهو خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه* وفى الاستيعاب روى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى سبيل الله وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما نفعنى مال الا مال أبى بكر* وفى معالم التنزيل ان أبا بكر حين انطلق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الغار جعل يمشى ساعة بين يديه وساعة خلفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يا أبا بكر قال أذكر الطلب فأمشى خلفك ثم أذكر الرصد فأمشى بين يديك وفى دلائل النبوّة فجعل مرّة يمشى أمامه ومرّة خلفه ومرّة عن يمينه ومرة عن يساره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك فقال يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد خلع نعليه فى طريق الغار وكان يمشى على أطراف أصابعه لئلا يظهر أثرهما على الارض حتى حفيت رجلاه فلما رآه أبو بكر وقد حفيت رجلاه حمله على كاهله وجعل يشتدّ حتى أتى الغار كذا فى دلائل النبوّة (قوله) حفيت رجلاه أى رقتا من كثرة المشى ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافيا والا فلا يحتمل بعد المكان ذلك أو لعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله فمشى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة الا تقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب كذا فى الرياض النضرة وأما ما وقع فى رواية ابن هشام عن عروة عند ابن حبان انهما ركبا حتى أتيا المغار فتواريا فلا ينافى مواعدتهما الدليل الديلى بأن يأتى بالراحلتين بعد ثلاث لاحتمال أن يكون ما ركبا غير راحلتيهما أو اياهما ثم ذهب بهما عامر بن فهيرة الى الدليل كذا فى الوفاء وأيضا لا ينافى ذلك ما ذكر من نقب القدم وحمل أبى بكر اياه لاحتمال أن يكون كل واحد منهم فى بعض الطريق وروى عن أبى بكر أنه قال لعائشة لو رأيتنى ورسول الله صلّى الله عليه وسلم اذ صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتفطرتا وأما قدماى فعادتا كأنهما صفوان قالت عائشة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يتعوّد الحفية ولا الرعية وروى عن أبى بكر أنه قال نظرت الى قدمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الغار وقد قطرتا دما فاستبكيت فعلمت أنه صلّى الله عليه وسلم لم يتعوّد الحفاء والجفوة قال ابن هشام وحدّثنى بعض أهل العلم أن الحسن البصرى قال انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر الى الغار ليلا فدخل أبو بكر الى الغار قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أوحية ليقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنفسه* وفى معالم التنزيل قال أبو بكر يا رسول الله مكانك حتى استبرئ الغار وكان ذلك الغار مشهورا بكونه مسكن الهوام والوحش قال ادخل فدخل فرأى غارا مظلما فجلس وجعل يلتمس بيده كلما وجد حجرا أدخل فيه اصبعه حتى انتهى الى حجر كبير فأدخل رجله الى فخذه فأخرجه* وفى رواية كلما وجد حجرا شق ثوبه فألقمه اياه حتى فعل ذلك بثوبه كله فبقى حجر فألقمه عقبه* وفى الرياض النضرة فجعل الحيات والافاعى يضربنه ويلسعنه انتهى وعلى كلا التقديرين لدغته الحية تلك الليلة قال أبو بكر فلما ألقمت عقبى الجحر لدغتنى الحية وان كانت اللدغة أحب الىّ من أن يلدغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 انتهى ثم قال أبو بكر ادخل يا رسول الله فانى سوّيت لك مكانا فدخل فاضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأما أبو بكر فكان متألما من لدغة الحية ولما أصبحا رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أبى بكر أثر الورم فسأل عنه فقال من لدغة الحية فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم هلا أخبرتنى قال كرهت أن أوقظك فسجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بيده فذهب ما به من الورم والالم ثم قال فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بما فعل فعند ذلك رفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم اجعل أبا بكر فى درجتى يوم القيامة فأوحى الله اليه قد استجاب لك كذا فى المنتقى خرجه الحافظ أبو الحسين بن بشر والملا فى سيرته عن ميمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوى* وعن ابن عباس قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحمك الله صدّقتنى حين كذبنى الناس ونصرتنى حين خذلنى الناس وآمنت بى حين كفر بى الناس وآنستنى فى وحشتى فأى منة لاحد علىّ مثلك خرجه فى فضائله ذكره فى الرياض النضرة* وفى معالم التنزيل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لابى بكر أنت صاحبى فى الغار وصاحبى على الحوض* قال الحسن بن الفضل من قال ان أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فهو كافر لانكاره نص القرآن وفى سائر الصحابة اذا أنكر يكون مبتدعا لا كافرا* وفى المشكاة عن عمر بن الخطاب أنه قال لما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الغار قال أبو بكر والله لا تدخله حتى أدخل قبلك فان كان فيه شىء أصابنى دونك فدخل فكسبه فوجد فى جانبه تقبا فشق ازاره فسدّها وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه ثم قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووضع رأسه فى حجر أبى بكر ونام فلدغ أبو بكر فى رجله من الحجر ولم يتحرّك مخافة أن ينتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فانتبه فقالى مالك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبى وأمى فتفل فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه وكان سبب موته رواه رزين وفى حديث الخجندى ثم قال أبو بكر بعد سدّ الحجر انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار من أعلاه كذا فى الرياض النضرة* وحكى الواقدى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما دخل الغار دعا بشجرة كانت أمام الغار فأقبلت حتى وقفت على باب الغار فحجبت أعين الكفار* وذكر ثابت بن قاسم فى الدلائل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما دخل الغار وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة قال هشام هى شجرة معروفة وهى أمّ غيلان فحجبت عن الغار أعين الكفار وعن أبى حنيفة أنها تكون مثل قامة الانسان لها خيطان وزهر أبيض يحشى به المخاد فيكون كالريش لخفته ولينه لانه كالقطن وخرج أبو بكر البزار فى مسنده من حديث أبى مصعب المكى قال أدركت زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك يحدّثون أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما كانت ليلة بات فى الغار أمر الله تبارك وتعالى شجرة أو قال الراءة فنبتت فى وجه الغار فسترت وجه النبى صلّى الله عليه وسلم وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجه الغار وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار فعششتا على بابه* قال السهيلى وحمام الحرم من نسلهما كذا فى سيرة مغلطاى* وفى معالم التنزيل حتى باضتافى أسفل النقب* وفى القصة أنبت الله ثمامة على فم الغار* وفى المواهب اللدنية أخرج أبو نعيم فى الحلية عن عطاء ابن ميسرة قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود حين كان طالوت يطلبه ومرّة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الغار انتهى قيل وكذا نسجت على الغار الذى دخله عبد الله بن أنيس لما بعثه النبىّ صلى الله عليه وسلم لقتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى بالعرنة فقتله ثم احتمل رأسه ودخل فى غار فنسجت عليه العنكبوت وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين* وفى تاريخ ابن عساكران العنكبوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 نسجت أيضا على عورة زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب لما صلب عريانا فى سنة احدى وعشرين ومائة وسيأتى فى الخاتمة أنه قتل بالكوفة فى المصاف وكان قد خرج وبايعه خلق فحاربه نائب العراق يوسف بن عمر وظفر به يوسف فقتله وصلبه عريانا وبقى جسده مصلوبا أربع سنين* روى أن المشركين كانوا يعلمون محبة النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابى بكر رضى الله عنه فذهبوا لطلبه فوقفوا على بابه وفيهم أبو جهل فخرجت اليهم أسماء بنت أبى بكر فقالوا لها أين أبوك قالت لا أدرى فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدّها لطمة خرج منها قرطها فسقط ثم انصرفوا فوقعوا فى طلبهما* وفى الاكتفاء ولما فقدت قريش رسول الله صلّى الله عليه وسلم طلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة يتبعون أثره فى كل وجه فوجد الذى ذهب قبل ثور أثره هناك فلم يزل يتبعه حتى انقطع لما انتهى الى ثور وشق على قريش خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجزعوا لذلك فطفقوا يطلبونه بأنفسهم فيما قرب منهم ويرسلون من يطلبه فيما بعد عنهم وجعلوا مائة بعير لمن ردّه عليهم ولما انتهوا الى فم الغار وقد كانت العنكبوت ضربت على بابه بعشاش بعضها على بعض بعد أن دخله رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف ما أربكم فى الغار ان عليه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد* وفى الشفاء وعليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه قبل أن يولد محمد قالوا فنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل العنكبوت وقال انها جند من جنود الله* وفى رواية أقبل فتيان من مشركى قريش من كل بطن رجل بعصيهم وسيوفهم ومعهم قائف من قافة بنى مدلج وهم المشهورون بالقيافة بين العرب فالتمسوا أثرهما فوجدوه وقصوه الى أن بلغ قرب جبل ثور ففقدوه هناك فقال القائف ما أدرى أين وضعا أقدامهما بعد هذا ولما دنوا من الغار قال القائف والله ما جاوز مطلوبكم من هذا الغار فعند ذلك حزن أبو بكر فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا قال يا رسول الله لو نظر فى موضع قدميه لرآنا* وفى رواية لا بصرنا تحت قدميه* وفى الرياض النضرة فيه دلالة على أن باب الغار كان من أعلاه فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما* وفى تفسير الكورانى قد روى أنه عليه السلام لما رآى بالصدّيق اضطرابا قال له انظر الى جانب الغار فنظر فرأى بحرا على ساحله سفينة* وفى معالم التنزيل لم يكن حزن أبى بكر جبنا منه وانما كان اشفاقا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان أقتل فأنا رجل واحد وان قتلت هلكت الامّة* وفى معالم التنزيل أيضا فجعل الطلب يضربون يمينا وشمالا حول الغار يقولون لو دخلا الغار انكسر بيضة الحمام وتفسخ بيت العنكبوت* وفى الشفاء وقعت حمامتان على فم الغار فقالت قريش لو كان فيه أحد لما كان هناك الحمام روى أن المشركين لما مرّوا على باب الغار طارت الحمامتان فلما رأوا بيضة الحمام ونسج العنكبوت قالوا ذلك فلما سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم حديثهم علم أن الله قد حمى حماهما بالحمام وصرف عنهما كيدهم بالعنكبوت وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكل طرف من الكفار عنه عمى فالصدق فى الغار والصدّيق لم يرما ... وهم يقولون ما بالغار من أرم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خيرا لبرية لم تنسج ولم تحم وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم ولله در القائل والعنكبوت أجادت حوك حلتها ... فما تخال خلال النسج من خلل وما أحسن قول النقيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ودود القزان نسجت حريرا ... يجمل لبسه فى كل شى فان العنكبوت أجل منها ... بما نسجت على رأس النبى ولقد حصل للعنكبوت الشرف بذلك كذا فى المواهب اللدنية* روى ابن وهب أن حمام مكة أظلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم فتحها فدعا لها بالبركة ونهى عن قتل العنكبوت وقال هى جند من جنود الله* وفى العمدة روى عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال لا أزال أحب العنكبوت منذ رايت النبىّ صلّى الله عليه وسلم أحبها ويقول جزى الله العنكبوت عنا خيرا فانها نسجت علىّ وعليك يا أبا بكر فى الغار حتى لم يرنا المشركون الا أن البيوت تطهر من نسجها لما روى عن علىّ أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيت يورث الفقر* وفى الاكتفاء وأتى المشركون من كل بطن حتى اذا كانوا من النبىّ صلّى الله عليه وسلم على قدر أربعين ذراعا معهم قسيهم وعصيهم تقدّم أحدهم فنظر فرآى حمامتين فرجع فقال لاصحابه ليس فى الغار شىء رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد فسمع قوله النبىّ صلّى الله عليه وسلم فعلم أن الله قد دارأ بهما عنه فأثنى عليهما وفرض جزاءهما وانحدرن فى حرم الله ففرّخن أحسبه قال فأضل كل حمام فى الحرم من فراخهما وفى حياة الحيوان ان حمام الحرم من نسل تلك الحمامتين* روى أيضا أن أبا بكر لما رآى القائف اشتدّ حزنه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال ان قتلت فانما أنا رجل واحد الى آخر ما سبق فعند ذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا يعنى بالنصرة فأنزل الله سكينته أى أمنه الذى يسكن عنده القلوب عليه أى على النبىّ صلّى الله عليه وسلم أو على أبى بكر وهو الاظهر لانه كان منزعجا وأيده يعنى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بجنود لم تروها يعنى الملائكة أنزلهم يحرسونه فى الغار وليصرفوا وليضربوا وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته وألقوا الرعب فى قلوبهم حتى انصرفوا خائبين كذا فى معالم التنزيل* أنظر لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حزن الصدّيق قد اشتدّ لكن لا على نفسه قوّى قلبه ببشارة لا تحزن ان الله معنا وكانت تحفة ثانى اثنين مدخرة له فهو الثانى فى الاسلام والثانى فى بذل النفس والعمر وسبب الموت ولما وقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بماله ونفسه جوزى بمواراته معه فى رمسه وقام مؤذن التشريف ينادى على منائر الامصار ثانى اثنين اذهما فى الغار ولقد أحسن حسان بن ثابت حيث قال وثانى اثنين فى الغار المنيف وقد ... طاف العدوّ به اذ صاعد الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا ... من الخلائق لم يعدل به بدلا وتأمّل فى قول موسى عليه السلام لبنى اسرائيل كلا ان معى ربى سيهدين وقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم للصدّيق ان الله معنا فموسى خص بشهود المعية ولم يتعدّ منه الى أتباعه ونبينا صلّى الله عليه وسلم تعدّى منه الى الصدّيق لم يقل معى لانه أمدّ أبا بكر بنوره فشهد سرّ المعية ومن ثم سرى سر السكينة الى أبى بكر والا لم يثبت تحت أعباء هذا التجلى والشهود وأين معية الربوبية فى قصة موسى عليه السلام من معية الالهية فى قصة نبينا صلّى الله عليه وسلم قاله العارف شمس الدين بن اللبان كذا فى المواهب اللدنية عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان أبو بكر مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الغار فعطش عطشا شديدا فشكى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال له النبى صلّى الله عليه وسلم اذهب الى صدر الغار فاشرب قال أبو بكر فانطلقت الى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك ثم عدت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال شربت فقلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال ان الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الفردوس الى صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم نعم وأفضل والذى بعثنى بالحق لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيا خرجه الملا فى سيرته كذا فى الرياض النضرة ثم أمر أبو جهل مناديا ينادى فى أعلا مكة وأسفلها من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير أو جاء بابن أبى قحافة أو دل عليه فله مائة بعير فلم يزل المشركون يطوفون على جبال مكة يطلبونهما وكان مكثهما فى الغار ثلاث ليال وقيل بضعة عشر يوما والاوّل هو المشهور كذا فى المواهب اللدنية وكان عبد الله بن أبى بكر وفى معالم التنزيل عبد الرحمن ابن أبى بكر وهو مخالف لرواية غيره شابا خفيفا ثقفا لقنا يختلف عليهما فيبيت عندهما بالغار ويدلج من عندهما بالسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكاد ان به الاوعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من مكة اذا أمست بما يصلحهما وكان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى عليهما منحة من غنم كانت لابى بكر فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان فى رسل وهو لبن المنحة فيرجع عنهما بغلس فيرعاها فلا يتفطن له أحد من الرعيان ففعل ذلك كل ليلة من الليالى الثلاث* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق كان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى فى رعيان أهل مكة فاذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا وذبحا فاذا غدا عبد الله بن أبى بكر من عندهما تبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفى عليه فخرج معهما حتى قدم المدينة فاستشهد يوم بئر معونة كما سيجىء فى الموطن الرابع* وفى الاستيعاب وأسد الغابة عامر بن فهيرة مولى أبى بكر كان مولدا من مولدى الازد أسود اللون مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة أخى عائشة لامّها وكان من السابقين الى الاسلام أسلم وهو مملوك وكان حسن الاسلام عذب فى الله اشتراه أبو بكر فأعتقه وكان يرعى فى ثور فى رعيان أهل مكة الى آخر ما ذكر فى رواية ابن هشام آنفا* فلما سار النبى صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر من الغار الى المدينة هاجر معه فأردفه أبو بكر خلفه وشهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة وهو ابن أربعين سنة قتله عامر بن الطفيل ذكر ذلك كله موسى بن عقبة وابن اسحاق عن ابن شهاب ويقال قتله جبار بن سلمى كما سيجىء فى الموطن الرابع فى سرية المنذر الى بئر معونة ان شاء الله تعالى* (ذكر خروجهما من الغار وتوجههما الى المدينة وما وقع لهما فى الطريق) * ولما مضت ثلاث ليال وسكن عنهما الناس جاء الدليل بالراحلتين صبح ثلاث بالسحر الى باب الغار كما وعده* قال أبو الحسن بن البراء خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الغار ليلة الاثنين لغرة شهر ربيع الاوّل* وذكر محمد بن سعد أنه خرج من الغار ليلة الاثنين لا ربع ليال خلون من ربيع الاوّل كما مرّ كذا فى سيرة مغلطاى ودلائل النبوّة* وفى سيرة ابن هشام أتاهما صاحبهما الذى استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بسفرتهما ونسيت أن تجعل لها عصا ما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فاذا ليس فيها عصام فحلت نطاقها فجعلته عصا ما علقتها به فكان يقال لاسماء بنت أبى بكر ذات النطاقين لذلك* قال ابن هشام سمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين وتفسيره انها لما أرادت تعليق السفرة شقت نطاقها باثنتين فعلقت السفرة بواحدة وانتطقت بالاخرى كما مرّ فى أوائل الفصل الاوّل وجاء عامر بن فهيرة ليخدمهما فى الطريق* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما قرب أبو بكر الراحلتين الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قدّم له أفضلهما ثم قال اركب فداك أبى وأمى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى لا أركب بعيرا ليس لى قال فهى لك يا رسول الله بأبى أنت وأمى قال لا ولكن بالثمن الذى ابتعتها به قال أخذتها بكذا وكذا قال قد أخذتها بذلك قال هى لك يا رسول الله وقد مرّ أن ثمنها ثمانمائة درهم* قيل الحكمة فيه انه صلّى الله عليه وسلم أحب أن لا تكون هجرته الا بمال نفسه فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 ليخدمهما فى الطريق* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ولما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقد وكان ماهرا بالطريق فسلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل من عسفان ثم سلك بهما على أسفل أمج* وفى رواية ثم عارض الطريق على أمج ثم نزل من قديد خيام أمّ معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية من بنى كعب* قال ابن اسحاق ثم اجتاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الحرار ثم سلك بهما ثنية المرة ثم سلك بهما لقفا* قال ابن هشام لفتا قال ابن اسحاق ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة مجاج ويقال لجاج فيما قال ابن هشام ثم سلك بهما مزجج مجاج ثم تبطن بهما مزجج من ذى العضوين بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة ويقال بسكون الصاد المهملة فيما قاله ابن هشام ثم بطن بهما ذى كشد ثم أخذ بهما على الجد اجد ثم على الاجرد ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة بعمين ثم على الغبا بيد قال ابن هشام ويقال الغبابيب ويقال العشبانة قال ابن هشام ثم أجاز بهما الفاجة ويقال الفاخة فيما قال ابن هشام ثم هبط بهما المعرج وقد أبطأ عليهم بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له أوس بن حجر على جمل وقيل يقال له ابن الرداة وفى نسخة ابن الرداح الى المدينة وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ثم خرج بهما دليلهما من المعرج فسلك بهما ثنية العائر عن يمين ركونة ويقال ثنية القاير فيما قال ابن هشام حتى هبط بهما على بطن ديم ثم قدم بهما قباء على بنى عمرو بن عوف لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل يوم الاثنين حين اشتدّ الضحى وكادت الشمس تعتدل كما سيجىء واتفق فى مسيرة قصة سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد ذكره ابن سعد كما سيجىء* قال أبو بكر فأدلجنا يعنى من الغار فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصرى هل أرى ظلا نأوى اليه فاذا أنا بصخرة فأهويت اليها فاذا بقبة ظلها مديد فدخلت اليها فسوّيته لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وفرشت فروة وقلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فاذا أنا براعى غنم لرجل من قريش كنت أعرفه فحلب شيئا من اللبن ثم أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشرب حتى رضيت* وفى المواهب اللدنية واجتاز صلّى الله عليه وسلم فى وجهه ذلك بعبد يرعى غنما فكان من شأنه ما رويناه من طريق البيهقى بسنده عن قيس بن النعمان قال فلما انطلق النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفين مرّا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال ما عندى شاة تحلب غير أن ههنا عناقا حملت أوّل وما بقى لها لبن فقال ادع بها فاعتقلها صلّى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت وجاء أبو بكر بمجن فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعى ثم حلب فشرب فقال الراعى بالله من أنت فو الله ما رأيت مثلك فقال أو تراك تكتم علىّ حتى أخبرك قال نعم قال فانى محمد رسول الله قال فأنت الذى تزعم قريش أنه صابئ قال انهم ليقولون ذلك قال فأشهد انك نبىّ وانّ ما جئت به حق وانه لا يفعل ما فعلت الا نبىّ وأنا متبعك قال انك لن تستطيع ذلك يومك فاذا بلغك انى قد ظهرت فأتنا أورد فى المواهب اللدنية قصة العبد الراعى بعد قصة أم معبد قال أبو بكر ثم قلت آن الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم الا سراقة بن مالك بن جعشم فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا قال لا تحزن ان الله معنا حتى اذا دنا منا وكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال لم تبكى قلت أما والله ما على نفسى أبكى ولكنى أبكى عليك فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه الى بطنها فى أرض صلد فوثب عنها وقال يا محمد قد علمت ان هذا عملك فادع الله أن ينجينى مما أنا فيه فو الله لا عمين على من ورائى من الطلب وهذه كنانتى فخذ منها سهما فانك ستمرّ بابلى وغنمى فى موضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا حاجة لى بها فأطلق فرجع الى أصحابه وجعل لا يلقى أحدا الا قال كفيتم ماههنا ولا يلقى أحد الا ردّه كذا فى المنتقى* وفى رواية دعا عليه فقال اللهم اصرعه فصرعت فرسه ثم قامت تحمحم وفى مزيل الخفاء اسم هذه الفرس العود وقيل كانت أنثى* وفى سيرة مغلطاى فلما راحوا من قديد تعرض لهما سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى* وفى المواهب اللدنية ثم تعرض لهما بقديد سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى وفى رواية عن سراقة أنه قال جاءنا رسل قريش انهم جعلوا فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر دية فى كل واحد منهما مائة ابل لمن قتله أو أسره فبينا أنا جالس فى مجلس من مجالس قومى أقبل رجل حتى قام علينا فقال يا سراقة انى قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أظنها محمدا وأصحابه* وفى سيرة ابن هشام قال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مرّوا علىّ آنفا انى لأراهم محمدا وأصحابه قال فأو مأت اليه بعينى أن اسكت انتهى قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت انهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت فى المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتى أن تخرج بفرسى وهى من وراء أكمة فتحبسها علىّ وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الارض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسى* وفى سيرة ابن هشام قال سراقة وكنت أرجو أن أردّه على قريش وآخذ المائة قال فركبتها فرفعتها تقرب بى حتى دنوت منهم فعثرت بى فخررت عنها فقمت فأهويت يدى الى كنانتى فاستخرجت منها الازلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذى أكره فركبت فرسى وعصيت الازلام ولم أزل أجدّ فى الطلب تقرب بى حتى سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر كثير الالتفات ساخت يدا فرسى فى الارض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة ظهر لاثر يديها غبار ساطع الى السماء مثل الدخان* وفى سيرة ابن هشام كالاعصار فاستقسمت بالازلام فخرج الذى أكره فناديت بالامان فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر محمدا صلّى الله عليه وسلم فقلت له ان قومك قد جعلوا فيك الدية فأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآنى ولم يسألانى شيئا الا أن قال أخف عنا فسألت أن يكتب لى كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب فى رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا فى المنتقى* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق قال سراقة عرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع منى وانه ظاهر قال فناديت القوم فقلت أنا سراقة بن جعشم أنظرونى أكلمكم فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم منى شىء تكرهونه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لابى بكر قل له ما تبتغى منا قال فقال لى ذلك أبو بكر فقلت تكتب لى كتابا يكون آية بينى وبينكم قال اكتب له يا أبا بكر قال فكتب لى كتابا فى عظم أو فى رقعة أو فى حزقة ثم ألقاه الىّ فأخذته فجعلته فى كنانتى ثم رجعت فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى اذا كان فتح مكة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف خرجت ومعى الكتاب لالقاه فلقيته بالجعرانة قال فدخلت فى كتيبة من خيل الانصار فجعلوا يقرعوننى بالرماح ويقولون اليك اليك ماذا تريد قال فدنوت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأنى أنظر الى ساقه فى غرزه فكأنما جمارة قال فرفعت يدى بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابك لى أنا سراقة ابن جعشم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم وفاء وبرّادن منى قال فدنوت منه وأسلمت وأورد فى المواهب اللدنية قصة سراقة بعد قصة أم معبد روى ان أبا جهل لما سمع قصة سراقة أنشأ هذين البيتين وبعث بهما اليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 بنى مدلج انى أخاف سفهيكم ... سراقة يستغوى بنصر محمد عليكم به أن لا يفرق جمعكم ... فيصبح شتى بعد عز وسودد وسراقة أيضا أنشأ هذين البيتين وبعث بهما الى أبى جهل أبا حكم واللات ان كنت شاهدا ... لامر جوادى اذ تسيح قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا ... نبى ببرهان فمن ذا يكاتمه معجزة وفى الاكتفاء وسراقة بن مالك هذا الذى أظهر الله فيه أثرا من الآثار الشاهدة له عليه الصلاة والسلام بأن الله أطلعه من الغيب فى حياته على ما ظهر مصداقه بعد وفاته وذلك انه روى سفيان بن عيينة عن أبى موسى عن الحسن ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك كيف بك اذا لبست سوارى كسرى قال فلما أتى عمر بسوارى كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه اياهما وكان سراقة رجلا ازب كثير شعر الساعدين فقال له ارفع يديك فقل الله أكبر الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز الذى كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم اعرابيا من بنى مدلج ورفع عمر بها صوته* قصة أم معبد ومما وقع لهم فى الطريق مرورهم بخيمتى أمّ معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية* وفى المشكاة ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا الى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبى بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله الليثى مروا على خيمتى أمّ معبد الخزاعية انتهى وكانت بقديد وفى معجم ما استعجم من قديد الى المشلل ثلاثة أميال بينهما خيمتى امّ معبد* وفى خلاصة الوفاء قديد كزبير قرية جامعة بطريق مكة كثيرة المياه وكانت أمّ معبد امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء الخيمة تسقى وتطعم فسألوها تمرا ولحما ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فقالت والله لو كان عندنا ما أعوزتكم القرى فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى شاة فى كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا امّ معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هى أجهد من ذلك قال اتأذنين لى أن أحلبها قالت نعم بأبى أنت وأمى ان رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمسح بيده المباركة ضرعها وسمى الله عز وجل ودعا لها فى شانها فتفاجت عليه ودرّت واجترت ودعا باناء يريض الرهط فحلب ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم آخرهم ثم أراضوا ثم حلب ثانيا بعد بدء حتى امتلأ الاناء ثم غادره عندها ثم بايعها وارتحلوا كذا ذكره البغوى فى شرح السنة وابن عبد البرّ فى الاستيعاب وقال ابن الجوزى فى الوفاء قال لها هات قدحا فجاءت بقدح فحلب فيه حتى امتلأ فأمر أبا بكر ان يشرب فقال ابو بكر بل أنت اشرب يا رسول الله قال ساقى القوم آخرهم شربا فشرب أبو بكر ثم حلب فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم حلب فشربت امّ معبد ثم حلب فقال ارفعى هذا لابى معبد اذا جاءك ثم ركبوا وساروا وقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هز الاضحى مخهنّ قليل فلما رأى ابو معبد اللبن عجب وقال من أين لك هذا اللبن يا امّ معبد والشاء عازب حيال لا حلوب بالبيت قالت لا والله الا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال صفيه لى يا امّ معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ابلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة وفى رواية نحلة ولم تزربه صعلة وفى رواية صقلة وسيم قسيم فى عينيه دعج وفى أشفاره عطف وفى صوته صحل وفى عنقه سطع وفى لحيته كثاثة أزج أقرن ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء أكمل الناس وابهاه من بعيد وأحسنه واعلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كانّ منطقه خرزات نظمن يتحدّرن ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 العين من قصر غصن بين غصنين وهو انضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفونه ان قال أنصتبوا لقوله وان أمر تبادروا لامره محفود محشود لا عابس ولا مفند* قال أبو معبد هذا والله صاحب قريش الذى ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولا فعلنّ ان وجدت الى ذلك سبيلا ثم هاجرت هى وزوجها فأسلما وكان أهلها يؤرّخون بيوم الرجل المبارك كذا فى شرح السنة لمحيى السنة* وفى خلاصة الوفاء فخرج أبو معبد فى أثرهم ليسلم فيقال أدركهم ببطن ريم فبايعه وانصرف* وفى الصفوة قال عبد الملك فبلغنا ان أمّ معبد هاجرت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأسلمت* قال رزين أقامت قريش أياما ما يدرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى أىّ جهة توجه وأىّ طريق سلك حتى سمعوا بعد ذهابهما من مكة بأيام فى صباح هاتفا أقبل من أسفل مكة بأبيات ويغنى بغناء العرب عاليا بين السماء والارض والناس يسمعون الصوت ويتبعونه ولا يدرون صاحبه حتى خرج من أعلا مكة وهو يقول جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتى أمّ معبد هما نزلا بالهدى ثم اهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمّة من محمد فيا لقصى ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسودد ليهن بنى كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا اختكم عن شاتها وانائها ... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرّة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها فى مصدر ثم مورد وقيل سمعوا هاتفا على أبى قبيس بصوت جهورى يقول هذه الابيات ولما سمع حسان بن ثابت قال فى جوابه هذه الابيات لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى اليه ويغتدى ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتد لقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبىّ يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله فى كل مشهد وان قال فى يوم مقالة غائب ... فتصديقها فى اليوم أو فى ضحى غد ليهن أبا بكر سعادة جدّه ... بصحبته من يسعد الله يسعد وفى رواية عن أمّ معبد أنها قالت طلعت علينا أربعة على راحلتين فنزلوا بى فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشاة اريد ذبحها فاذا هى ذات درّ فأذيتها منه فلمس ضرعها وقال لا تذبحيها فأرسلتها وجئت بأخرى فذبحتها وطبختها لهم فأكل هو وأصحابه وملأت سفرتهم منها ما وسعت وبقى عندنا لحمها أو أكثر وبقيت الشاة التى لمس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضرعها عندنا الى زمان عمر وهى السنة الثامنة عشر من الهجرة وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا وما فى الارض لبن* قصة العوسجة وروى الزمخشرى فى ربيع الابرار عن هند بنت الجون نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيمة خالتها أمّ معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج فى عوسجة الى جانب الخيمة فأصبحنا وهى كأعظم دوحة وجاءت بثمر كأعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 ما يكون فى لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع الاشبع ولا ظمآن الا روى ولا سقيم الا برئ ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة الا درّ لبنها فكنا نسميها المباركة وينتابنا من البوادى من يستشفى بها ويتزوّد منها حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها وصغر ورقها ففزعنا فما راعنا الا نعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم انها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها الى أعلاها وتساقط ثمرها وذهبت نضرتها فما شعرنا الا بقتل أمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه فما أثمرت بعد ذلك وكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا واذا بها قد نبع من ساقها دم غبيط وقد ذبل ورقها فبينا نحن فزعون مهمومون اذ أتانا خبر مقتل الحسين بن على ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما شهر أمر الشاة فى قصة هى أعلى القصص* ومما وقع لهم فى الطريق انه أقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة وهو مردف أبا بكر وهو شيخ يعرف والنبىّ صلّى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا بين يديك فيقول هذا الذى يهدينى السبيل فيحسب السائل أنه يعنى به الطريق وانما يعنى سبيل الخيبر وفى نهاية ابن الاثير لقيهما فى الهجرة رجل بكراع فقال من أنتم فقال أبو بكر باغ وهاد عرّض ببغاء الابل أى طلبه وهداية الطريق وهو يريد طلب الدين والهداية من الضلالة* ومما وقع لهم فى الطريق انه لقيهم بريدة بن الخصيب الاسلمى* وفى الوفاء روى ابن الجوزى فى شرف المصطفى من طريق البيهقى موصولا الى بريدة انه لما جعلت قريش مائة من الابل ان أخذ النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويردّه عليهم حين توجه الى المدينة سمع بريدة بذلك فحمله الطمع على الخروج لقصده صلّى الله عليه وسلم فركب فى سبعين من أهل بيته من بنى سهم فتلقى رسول الله وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يتطير وكان يتفاءل فقال من أنت فقال أنا بريدة بن الخصيب فالتفت النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى أبى بكر فقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن أنت قال من أسلم قال صلّى الله عليه وسلم سلمنا قال ممن قال من بنى سهم قال خرج سهمك يا أبا بكر فقال بريدة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم من أنت قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله فقال بريدة أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا قال بريدة الحمد لله أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين فلما أصبح قال بريدة يا رسول الله لا تدخل المدينة الا معك لواء فحل عمامته ثم شدّها فى رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة فقال يا نبىّ الله ننزل على من فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ناقتى هذه مأمورة أين تنزل كذا فى شرف المصطفى لابن الجوزى* خبر بريدة بن الحصيب وفى شواهد النبوّة أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنزوله بعده بخراسان بمدينة بناها ذو القرنين يقال لها مرو وبموته بها وبكونه يوم الحشر قائدا لاهل المشرق فكان كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل بريدة فى بعض الغزوات بمرو وتوفى بها بعد الهجرة بستين سنة وقبره هناك معروف قريب من قبر حكم بن عمرو الغفارى وهو أيضا من أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان حاكما وقاضيا بمرو وتوفى بها بعد الهجرة بخمسين سنة قال بعض أصحاب الحديث الاحاديث التى وردت فى شأن البلدان لم يتحقق صحتها الا حديث بريدة بن الخصيب* ومما وقع لهم فى الطريق ما روى عن عروة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقى طلحة بن عبيد الله والزبير فى الطريق فى ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشأم فكسا طلحة أو الزبير رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا* قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان كلامن طلحة والزبير أهدى لهما والذى فى السير هو طلحة والاولى الجمع وعند ابن أبى شيبة ما يؤيده والا فما فى الصحيح أصح كذا فى الوفاء* وفى هذه السنة قبل قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بشهر مات البراء بن معرور وهو أحد النقباء وأوّل من تكلم ليلة العقبة فلما قدم رسول الله انطلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 بأصحابه فصلى على قبره وقال اللهمّ اغفر له وارحمه وارض عنه وقد فعلت وهو أوّل من مات من النقباء وأوّل صلاة على الميت* (ذكر استقبال أهل المدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومكثه بقباء فى بنى عمرو بن عوف وتأسيس مسجد قباء) * عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت سمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة الى الحرّة فينتظرون حتى يردّهم حرّ الظهيرة* قال ابن اسحاق وذلك فى أيام حارّة فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم أو فى رجل من اليهود على أطم من الآطام لامر ينظر اليه فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب وفى رواية يا بنى قيلة يعنى الانصار هذا جدّكم يعنى حظكم* وفى رواية صاحبكم الذى تنتظرونه* وفى رواية بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى الانصار من يخبرهم بقدومه كما سيجىء فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين نحو قباء حتى نزل أعلا المدينة فى حىّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف وهم أهل قباء* وفى الوفاء قباء معدود من العالية وكانّ حكمته التفاؤل له ولدينه بالعلو وذلك يوم الاثنين من ربيع الاوّل نهارا عند الاكثر* وفى سيرة أبى محمد عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى قال قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين أشتدّ الضحى وكادت الشمس تعتدل لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الاوّل وهو التاريخ فيما قال ابن هشام قال ابن اسحاق ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة* وفى أسد الغابة كان مقامه بمكة عشر سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة والاكثر ثلاث عشرة سنة وقال ابن الكلبى خرج من الغار أوّل ربيع الاوّل وقدم المدينة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه يوم الجمعة* وفى المنتقى تنازع القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بنى النجار أخوال عبد المطلب لاكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر* وفى الوفاء روى رزين عن أنس قال كنت اذ قدم رسول الله المدينة ابن تسع سنين فأسمع الغلمان والولائد يقولون جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنذهب فلا نرى شيئا حتى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر فمكثا فى خرب فى طرف المدينة* وفى رواية فنزلا جانب الحرة فأرسلا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما الانصار فاستقبلهما زها خمسمائة من الانصار حتى انتهوا اليهما* وفى خلاصة الوفاء فنزل فى بنى عمرو بن عوف بقباء على كلثوم ابن الهدم وكان يومئذ مشركا وبه جزم ابن زبالة ولرزين نزل فى ظل نخلة ثم انتقل الى دار كلثوم أخى بنى عمرو بن عوف* وفى رواية نزل على سعد بن خيثمة وجه الجمع بين الروايتين أن يقال انه كان نزل على كلثوم بن الهدم ولكن عينوا له مسكنا فى دار سعد بن خيثمة يكون للناس فيه وذلك لان سعدا كان عزبالا أهل له ويسمى منزله منزل الغرباء* قال المطرى وبيت سعد بن خيثمة أحد الدور التى قبلى مسجد قباء وهى التى تلى المسجد فى قبلته يدخلها الناس اذا زاروا مسجد قباء ويصلون فيها وهناك أيضا دار كلثوم بن الهدم وفى تلك العرصة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم نازلا قبل خروجه الى المدينة وكذلك أهله وأهل أبى بكر حين قدموا بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة وهنّ سودة وعائشة وأمّها أمّ رومان واختها أسماء وهى حامل بعبد الله بن الزبير فولدته بقباء قبل نزولهم المدينة انتهى ونزل أبو بكر بالسنخ على حبيب بن أساف أحد بنى الحارث بن الخزرج وقيل على خارجة بن زيد بن أبى زهير روى مجمع بن يعقوب عن أبيه وعن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش عن عبد الرحمن بن زيد بن حارثة قالا نزل النبىّ صلّى الله عليه وسلم بظهر حرتنا ثم ركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فأناخ على عذق عند بئر غرس قبل أن تبزغ الشمس (قوله) عند بئر غرس الظاهر أنه تصحيف ولعله بئر غدق لبعد بئر غرس عن منزله صلّى الله عليه وسلم بقباء بخلاف بئر غدق قيل كان أوّل ما سمع من النبىّ صلى الله عليه وسلم أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الارحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وأكثر أهل السير على أن ذلك اليوم كان يوم الاثنين وشذ من قال يوم الجمعة من ربيع الاوّل فى الضحوة الكبرى قريبا من نصف النهار* وفى نسخة طاهر بن يحيى ان قدومه كان قبل أن تبزغ الشمس وما يعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أبى بكر عليهما ثياب بيض متشابهة فجعل الناس يقفون عليهم حتى بزغت الشمس من ناحية أطمهم الذى يقال له شنف فأمهل أبو بكر ساعة ثم قام فستر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بردائه فعرف القوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم* قال محمد بن معاذ قلت لمجمع بن يعقوب ان الناس يرون أنه جاء بعد ما ارتفع النهار وأحرقتهم الشمس قال مجمع هكذا أخبرنى أبى وسعيد بن عبد الرحمن يريد أنهما قالا ما بزغت الشمس الا وهو فى منزله صلّى الله عليه وسلم* وفى مسلم ان قدومهم كان ليلا والذى قاله الاكثرون نهارا* وفى الصفوة قال ابن اسحاق دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل كما مرّ فى قول ابن هشام حيث قال وهو التاريخ وفى الصحيح انهم لما قدموا جليس النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة صامتا وقام أبو بكر لامر الناس أى يتلقاهم فطفق من جاء من الانصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر ويرحبه يحسب أنه النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله* ذكر تاريخ الهجرة واختلفوا فى أن يوم نزوله أى يوم من الشهر فبعضهم على أنه أوّل الشهر على ما روى موسى بن عقبة عن ابن شهاب وقيل لليلتين خلتا من شهر ربيع الاوّل ونحوه عن أبى معشر لكن قال ليلة الاثنين ومثله عن ابن البرقى وثبت ذلك فى أواخر صحيح مسلم وقيل لاثنتى عشرة ليلة خلت منه حكاه ابن الجوزى فى شرف المصطفى عن الزهرى فقال قال الزهرى قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل وبه جزم النووى وكذا ابن النجار* وفى شرف المصطفى لابن الجوزى عن ابن عباس ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وخرج مهاجرا يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين* وفى روضة الاقشهرى قال ابن الكلبى خرج من الغار يوم الاثنين أوّل يوم من ربيع الاوّل وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه قال أبو عمر وهو قول ابن اسحاق الا فى تسمية اليوم وعن أبى بكر بن حزم لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل ويجمع بين هذا وبين الذى قبله بالحمل على الاختلاف فى رؤية الهلال ونقل ابن زبالة عن ابن شهاب ان نزوله على بنى عمرو بن عوف كان فى النصف من ربيع الاوّل وقيل كان قدومه فى سابعه ولما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعامر ابن فهيرة على كلثوم قال لمولى له يا نجيح اطعمنا رطبا فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسم نجيح التفت الى أبى بكر وقال أنجحت أو أنجحنا فأتوا بقنو من أمّ جردان فيه رطب منصف وفيه زهو فقال ما هذا فقال عذق أمّ جردان فقال صلّى الله عليه وسلم اللهمّ بارك فى أمّ جردان* واختلف فى أنه صلّى الله عليه وسلم كم يوما أقام فى بنى عمرو بن عوف فعن قوم من بنى عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين يوما حكاه ابن زبالة* وفى البخارى من حديث أنس أقام فيهم أربع عشرة ليلة وهو المراد بما فى رواية عائشة بقولها بضع عشرة ليلة* وقال موسى بن عقبة ثلاثا* وقال عروة ثلاث ليال الثلاثاء والاربعاء والخميس كما جزم به ابن حبان* وقال ابن اسحاق أقام فيهم خمسا* وفى ذخائر العقبى لم يقم بقباء الا ليلة أو ليلتين* قال الحافظ ابن حجر أنس ليس من بنى عمرو بن عوف فانه من الخزرج وقد جزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 بأربع عشرة ليلة فهو أولى بالقبول وأمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالتاريخ فكتب من حين الهجرة فى ربيع الاوّل رواه الحاكم فى الاكليل قال ابن الجزار وتعرف بعام الاذن وهو معضل والمشهور ان ذلك كان فى خلافة عمرو أن عمر قال الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخ بها وابتدأ من المحرم بعد اشارة على وعثمان بذلك وأفاد السهيلى انّ الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم* وفى الاستيعاب ومن مقدمه الى المدينة أرخ التاريخ فى زمان عمرو أقام علىّ بمكة بعد مخرجه عليه السلام ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى للناس ودائعهم التى كانت عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم وخلفه لردّها ثم خرج فلحق النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم وانما كانت اقامة علىّ بقباء مع النبىّ ليلة أو ليلتين* وفى روضة الاحباب وكان علىّ يسير بالليل ويختفى بالنهار وقد نقبت قدماه فمسحهما النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعا له بالشفاء فبرئتا فى الحال وما اشتكاهما بعد اليوم قط* وفى الوفاء وكان لكلثوم بن الهدم بقباء مربد والمربد الموضع الذى يبسط فيه التمر لييبس فأخذه منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسسه وبناه مسجدا كما رواه ابن زباله وغيره* وفى الصحيح عن عروة فلبث فى بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة واسس المسجد الذى أسس على التقوى* وفى رواية عبد الرزاق قال الذين بنى فيهم المسجد الذى أسس على التقوى هم بنو عمر بن عوف وكذا فى حديث ابن عباس عند ابن عائذ ولفظه ومكث فى بنى عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا وكان يصلى فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو المسجد الذى أسس على التقوى وروى ابن أبى شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنتين نعمر المساجد ونقيم الصلاة ولذا قيل المتقدّمون فى الهجرة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم والانصار بقباء قد بنوا مسجدا يصلون فيه يعنى هذا المسجد فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وورد قباء صلّى بهم فيه الى بيت المقدس ولم يحدث فيه شيئا أى فى مبدأ الامر لان ابن أبى شيبة روى ذلك ثم روى أنه صلّى الله عليه وسلم بنى مسجد قباء وقدّم القبلة الى موضعها اليوم وقال جبريل بؤم بى البيت* وقد اختلف فى المراد بقوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء ولا ينافيه قوله صلّى الله عليه وسلم لمسجد المدينة هو مسجدكم هذا اذ كل منهما أسس على التقوى* وفى الكبير عن جابر بن سمرة قال لما سأل أهل قباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان بينى لهم مسجدا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقم بعضكم فليركب الناقة فقام أبو بكر فركبها فحركها فلم تنبعث فرجع فقعد فقام عمر فركبها فلم تنبعث فرجع فقعد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقم بعضكم فيركب الناقة فقام علىّ فلما وضع رجله فى غرز الركاب وثبت به فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارخ زمامها وابتنوا على مدارها فانها مأمورة وروى الطبرى عن جابر قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة قال لاصحابه انطلقوا الى أهل قباء نسلم عليهم فرحبوا به ثم قال يا أهل قباء ائتونى بأحجار من الحرّة فجمعت عنده أحجار كثيرة ومعه عنزة فحط قبلتهم فأخذ حجرا فوضعه ثم قال يا أبا بكر خذ حجرا فضعه الى جنب حجرى ثم قال يا عمر خذ حجرا فضعه الى جنب حجر أبى بكر ثم قال يا عثمان خذ حجرا فضعه الى جنب حجر عمر كأنه أشار الى ترتيب الخلافة كما سيجىء فى بناء مسجد المدينة ثم التفت الى الناس فقال وضع رجل حجره حيث أحب على ذلك الخط وروى الترمذى عن أسيد بن ظهير عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الصلاة فى مسجد قباء كعمرة وعن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص قالت سمعت أبى يقول لأن أصلى فى مسجد قباء ركعتين أحب الىّ من أن آتى بيت المقدس مرّتين لو يعلمون ما فى قباء لضربوا اليه أكاد الابل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وورد فى الصحيحين عن ابن عمر أنه قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزور قباء أو يأتى قباء راكبار أو ماشيا وعن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من صلّى فيه كان كعدل عمرة* وعن سهل بن حنيف قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة أخرجه ابن ماجة وعن عمرو بن شيبة بسند جيد ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح الاسناد وللبخارى والنسائى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يأتى مسجد قباء كل سبت راكبا أو ماشيا وكان عبد الله يفعله وروى ابن زبالة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلى الى الاسطوانة الثالثة فى مسجد قباء التى فى الرحبة وعن سعيد بن عبد الرحمن قال كان المسجد فى موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فى رحبة المسجد* قال ابن رقيش حدّثنى نافع ان ابن عمر كان اذا جاء مسجد قباء صلّى الى الاسطوانة المخلفة يقصد بذلك مسجد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الاوّل* وروى ابن زبالة عن عبد الملك بن بكير عن ابن أبى ليلى عن أبيه أن رسول الله صلّى فى مسجد قباء الى الاسطوانة الثالثة فى الرحبة اذا دخلت من الباب الذى بفناء دار سعد بن أبى خيثمة* قلت الباب المذكور هو المسدود اليوم يظهر رسمه من خارج المسجد فى جهة المغرب وكان شارعا فى الرواق الذى يلى الرحبة من السقف القبلى فالاسطوانة الثالثة فى الرحبة هى الاسطوانة التى عندها اليوم محراب فى رحبة المسجد لانطباق الوصف المذكور عليها فهى المرادة بقول الواقدى كان المسجد فى موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فى رحبة المسجد وهى التى كان ابن عمر يصلى اليها ذكر ذلك كله فى الوفاء * (الفصل الثانى فى انتقاله من قباء الى باطن المدينة وأوّل جمعة صليت فى الاسلام قبل قدومه المدينة ونزوله على أبى أيوب وسكناه بداره وبناء المسجد وموت كلثوم بن الهدم واسلام عبد الله بن سلام وموت أسعد بن زرارة وابتداء خدمة أنس والزيادة فى صلاة الحضر ووعك أبى بكر والاصحاب واسلام سلمان والمواخاة بين المهاجرين والانصار وموادعته اليهود وموت العاص بن وائل من مشركى مكة وبعث زيد بن حارثة الى مكة للاتيان بعياله وولادة النعمان بن بشير وولادة عبد الله بن الزبير وذكر فاطمة بنت النعمان وتكلم الذئب وابتداء الغزوات وبعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وسرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ وبناء عائشة وبعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار وابتداء الاذان والاقامة) * فى الصحيح عن أنس بعد ما ذكر من اقامته ببنى عمرو بن عوف ثم أرسل الى بنى النجار فجاؤا متقلدين السيوف وكانوا اخواله يعنى أخوال جدّه عبد المطلب* وفى رواية فجاؤا فسلموا على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعلى أبى بكر وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب يوم الجمعة حتى نزل جانب دار أبى أيوب وسيجىء أنه صلّى الله عليه وسلم لما شخص أى خرج من قباء اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا أخرجت ملالا منا أم تريد دارا خيرا من دارنا قال انى أمرت بقرية تأكل القرى فخلوها أى ناقته فانها مأمورة حتى أدركته الجمعة فى بنى سالم فصلاها فى بطن الوادى وادى ذى صلت* أول خطبة فى الاسلام وفى سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق وادى رانونا وفى غيرها كانوا أربعين وقيل مائة وكانت هذه أوّل جمعة جمعها فى الاسلام حين قدم المدينة وخطب يومئذ خطبة بليغة وهى أوّل خطبة فى الاسلام وقيل انه كان يصلى الجمعة فى مسجد قباء فى اقامته هناك والله أعلم (ذكر تلك الخطبة) روى عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحى أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أوّل جمعة صلاها فى المدينة فى بنى سالم بن عوف* الحمد لله أحمده واستعينه واستغفره وأستهديه وأو من به ولا اكفره واعادى من يكفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى والنور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنوّ من الساعة وقرب من الاجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضلّ ضلالا بعيدا أوصيكم بتقوى الله فانّ خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وان يأمره بتقوى الله فاحذر واما حذركم الله من نفسه ولا افضل من ذلك ذكر وان تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذى بينه وبين الله من أمره فى السرّ والعلانية لا ينوى بذلك الا وجه الله يكن له ذكرا فى عاجل امره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء الى ما قدّم وما كان سوى ذلك يودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد والذى صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فانه يقول ما يبدّل القول لدىّ وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السرّ والعلانية فانه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وان تقوى الله توقى مقته وعقوبته وسخطه وتبيض الوجوه وترضى الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرّطوا فى جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فاحسنوا كما أحسن الله اليكم وعادوا اعداءه وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حىّ عن بينة ولا قوّة الا بالله واكثر واذكر الله واعلموا أنه خير من الدنيا وما فيها واعملوا لما بعد الموت فانه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضى الحق على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون عليه ولا قوّة الا بالله العلىّ العظيم* كذا أوردها فى المنتقى وفى خلاصة الوفاء وليحيى عن عمارة بن خزيمة أنه صلّى الله عليه وسلم دعا براحلته يوم الجمعة وحشد المسلمون ولبسوا السلاح وركب صلّى الله عليه وسلم ناقته القصوى والناس عن يمينه وشماله وخلفه منهم الماشى والراكب فاعترضت الانصار فما يمرّ بدار الا قالوا هلم الى العز والمنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويدعو ويقول انها مأمورة خلوا سبيلها فمر ببنى سالم فقام اليه عتبان بن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك العجلانى وهو آخذ بزمام راحلته يقول يا رسول الله انزل فينا فان فينا العدد والعدّة والحلقة ونحن أصحاب الفضاء والحدائق والدرك يا رسول الله كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفا فيلجأ الينا فنقول له قوقل حيث شئت فجعل يتبسم ويقول خلوا سبيلها فانها مأمورة وقام اليه عبادة ابن الصامت وعباس بن الصامت بن نضلة بن العجلان فجعلا يقولان يا رسول الله انزل فينا فيقول انها مأمورة ثم أخذ عن يمين الطريق حتى جاء بنى الحبلى وأراد أن ينزل على عبد الله بن أبى بن سلول فلما رآه وهو عند مزاحم أى الاطم محتبيا قال اذهب الى الذين دعوك فانزل عليهم فقال سعد بن عبادة لا تجد يا رسول الله فى نفسك من قوله فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملكه عليها ولكن هذه دارى فمرّ ببنى ساعدة فقال له سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة هلم يا رسول الله الى العز والثروة والقوّة والجلد وسعد يقول يا رسول الله ليس فى قومى أكثر عذقا ولا فم بئر منى مع الثروة والجلد والعدد والحلقة فيقول صلّى الله عليه وسلم بارك الله عليكم ويقول يا أبا ثابت خل سبيلها فانها مأمورة فمضى واعترضه سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وبشير بن سعد أى من بنى الحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول الله لا تجاوزنا فانا أهل عدد وثروة وحلقة فقال بارك الله فيكم خلوا سبيلها فانها مأمورة واعترضه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو أى من بنى بياضة يقولان يا رسول الله هلم الى المواساة والعز والثروة والعدد والقوّة نحن أهل الدرك فقال خلوا سبيلها فانها مأمورة ثم مرّ ببنى عدى بن النجار وهم اخواله فقام اليه أبو سليط وصرمة بن أبى انيس فى قومهما فقالا يا رسول الله نحن اخوالك هلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الى العدد والمنعة والقوّة مع القرابة لا تجاوزنا الى غيرنا ليس أحد من قومنا اولى بك منا لقرابتنا لك فقال خلوا سبيلها فانها مأمورة أو يقال أوّل الانصار اعترضه بنو بياضة ثم بنو سالم ثم مال الى ابن أبى ثم مرّ على بنى عدى بن النجار حتى انتهى الى بنى مالك بن النجار ولابن اسحاق اعترض بنى سالم أوّلا ثم وازت راحلته بنى بياضة واعترضوه ثم وازت دار الحارث كذلك ثم مرّت بدار بنى عدى وهم أخواله لانّ سلمى بنت عمرو احدى بنى عدى بن النجار كانت أمّ جدّة عبد المطلب وبنو مالك بن النجار اخوتهم ومنزله صلّى الله عليه وسلم بدار بنى غنم منهم وجاء فى رواية ان القوم لما تنازعوا أنه صلّى الله عليه وسلم على أيهم ينزل وكل منهم على أن يكون داره له المنزل قال انى أنزل على أخوال عبد المطلب وأكرمهم بذلك قيل يشبه أن يكون هذا فى أوّل قدومه من مكة قبل نزوله قباء لا فى قدومه باطن المدينة* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم قال دعوا الناقة فانها مأمورة فبركت على باب أبى أيوب* وفى سيرة مغلطاى نزل برحله على أبى أيوب لكونه من أحوال عبد المطلب وعند البعض ان الناقة استناخت به أوّلا فجاءه ناس فقالوا المنزل يا رسول الله فقال دعوها فانبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب فقال منزلى أقرب المنازل فائذن لى أن أنقل رحلك قال نعم فنقل رحله وأناخ الناقة فى منزله* وقال الواقدى أخذ أسعد بن زرارة بزمامها فكانت عنده* وعن مالك بن أنس أن الناقة لما أتت موضع المسجد بركت وهو عليها وأخذه صلى الله عليه وسلم الذى كان يأخذه عند الوحى ثم ثارت من غير أن تزجر وسارت غير بعيد ثم التفتت فعادت الى المكان الذى بركت فيه أوّل مرّة فبركت فيه فسرى عنه فأمر أن يحط رحله* وفى رواية كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ من بنى النجار حوله حتى ألقى بفناء أبى أيوب وهو موضع مسجده اليوم وهو يومئذ مربد للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار كانا فى حجر معاذ بن عفراء أو أبى أيوب أو أسعد بن زرارة والاخير هو الاصح اسمهما سهل وسهيل ابنا عمرو ابن عمارة* وفى رواية رافع بن عمرو فبركت عند باب المسجد فلم ينزل عنها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم انبعثت وسارت غير بعيد ورسول الله صلّى الله عليه وسلم مرخ لها زمامها ثم التفتت خلفها ثم رجعت الى مبركها الاوّل وبركت فيه ووضعت جرانها على الارض ونزل عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال هذا ان شاء الله المنزل فاحتمل أبو أيوب رحله ووضعه فى بيته بعد ما استأذنه صلّى الله عليه وسلم فدعته الانصار الى النزول عليهم فقال صلّى الله عليه وسلم المرء مع رحله* وفى الوفاء فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال أى الدور أقرب فقال أبو أيوب دارى هذا بابى وقد حططنا رحلك فيها فقال المرء مع رجله فمضت مثلا فنزل على أبى أيوب خالد بن زيد وسأل عن المربد فقال معاذ هو ليتيمين لى وسأرضيهما فاشتراه النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى شرف المصطفى لما بركت الناقة على باب أبى أيوب خرج جوار من بنى النجار يضربن بالدف ويقلن* نحن جوار من بنى النجار* يا حبذا محمد من جار* فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام أتحببننى قلن نعم يا رسول الله فقال والله وأنا أحبكن قالها ثلاثا وفى رواية يعلم الله انى أحبكن* وفى رواية الطبرى فى الصغير فقال عليه السلام الله يعلم ان قلبى يحبكن* وفى المواهب اللدنية فرح أهل المدينة بقدومه عليه الصلاة والسلام وأشرقت المدينة بحلوله فيها وسرى السرور الى القلوب* قال أنس بن مالك لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة أضاء منها كل شىء ولما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كل شىء رواه ابن ماجه قال رزين صعدت ذوات الخدور على الاجاجير يعنى السطوح عند قدومه صلّى الله عليه وسلم يقلن* وفى الرياض النضرة لما قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة جعل الصبيان والنساء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 والولائد يقولون * طلع البدر علينا* من ثنيات الوداع* وجب الشكر علينا* ما دعا لله داعى* وفى رواية* أيها المبعوث فينا* جئت بالامر المطاع* قال الطبرى تفرّق الغلمان والخدم فى الطرق ينادون جاء محمد جاء رسول الله* وفى الرياض النضرة خرج أهل المدينة حتى ان العواتق لفوق البيوت يقلن أيهم هو أيهم هو* وفى خلاصة الوفاء ثنية الوداع بفتح الواو معروف شامى المدينة خلف سوقها القديمة بين مسجد الراية ومشهد النفس الزكية قرب سلع* وقال عياض هى موضع بالمدينة بطريق مكة وقيل واد بمكة والاوّل أصح* وفى المواهب اللدنية أنشىء هذا الشعر عند قدومه رواه البيهقى فى الدلائل وأبو الحسن بن مقرى فى كتاب الشمائل له عن ابن عائشة وذكره الطبرى فى الرياض النضرة عن الفضل بن الجمحى قال سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه فذكر وقال خرجه الحلوانى على شرط الشيخين وسميت ثنية الوداع لانّ المسافر من المدينة كان يشيع اليها ويودّع عندها قديما* وصحح القاضى عياض هذا واستدل عليه بقول نساء الانصار حين قدم عليه الصلاة والسلام* طلع البدر علينا* من ثنيات الوداع* فدل على انه اسم قديم وقال شيخ الاسلام الولى ابن العراقى ففى صحيح البخارى وسنن أبى داود والترمذى عن السائب بن يزيد قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال وهذا صريح بأنها من جهة الشأم* وقال ابن القيم فى الهدى النبوى هذا وهم من بعض الرواة فان ثنية الوداع انما هى من جهة الشأم لا يراها القادم من مكة ولا يمرّ بها الا اذا توجه الى الشأم وانما وقع ذلك عند قدومه من تبوك انتهى لكن قال زين الدين العراقى يحتمل أن تكون الثنية التى من كل جهة يصل اليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع انتهى* قال مؤلف الكتاب يشبه أن يكون هذا هو الحق ويؤيده جمع الثنيات اذ لو كان المراد بها الموضع الذى هو من جهة الشأم لم يجمع ولا مانع من تعدّد وقوع هذا الشعر مرّة عند قدومه عليه الصلاة والسلام من مكة ومرّة عند قدومه من تبوك فلا ينافى ما فى صحيح البخارى وغيره ولا ما قاله ابن القيم عن جابر أنه كان لا يدخل أحد المدينة الا من ثنية الوداع فان لم يعشر بها مات قبل أن يخرج فاذا وقف على الثنية قيل قد ودّع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد فلم يعشر ثم دخل فقال يا معشر يهود ما لكم وللتعشير قالوا لا يدخلها أحد من غير أهلها فلم يعشر بها الا مات ولا يدخلها أحد من ثنية الوداع الا قتله الهزال فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية كذا فى الوفاء* وعن أنس لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بقدومه صلّى الله عليه وسلم ولابن اسحاق عن أبى أيوب الانصارى لما نزل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بيتى نزل فى السفل وأنا وأمّ أيوب فى العلو فقلت يا نبىّ الله بأبى أنت وأمّى انى أكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتى فاظهر أنت فكن فى العلو وننزل نحن ونكون فى السفل فقال يا أبا أيوب ان الارفق بنا وبمن يغشانا أن نكون فى سفل البيت قال فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سفله وكنا فوقه فى المسكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأمّ أيوب يقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوّفا أن يقطر على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم منه شىء فيؤذيه وذكر غيره ان أبا أيوب لم يزل يتضرع للنبىّ عليه الصلاة والسلام حتى تحوّل الى العلو وأبو أيوب فى السفل* وفى الصفوة عن أفلج مولى أبى أيوب انّ رسول الله عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه نزل أسفل وأبو أيوب فى العلو فانتبه ابو أيوب ذات ليلة فقال نمشى فوق رأس رسول الله عليه الصلاة والسلام فتحوّل فباتوا فى جانب فلما أصبح ذكر ذلك للنبىّ عليه الصلاة والسلام فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام الاسفل أرفق بى فقال أبو أيوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحوّل أبو أيوب فى السفل والنبىّ عليه الصلاة والسلام فى العلو وسيجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية وأفاد ابن سعد أن اقامته عليه الصلاة والسلام بهذه الدار سبعة أشهر بتقديم السين وقيل الى صفر من السنة الثانية* وقال الدولابى شهرا كذا فى سيرة مغلطاى وقد ابتاع داره هذه وبيته المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث من ابن ابى أفلح مولى أبى أيوب الانصارى بألف دينار فتصدّق بها وهو فى شرقى المسجد المقدّس ثم بيعت فاشتراها الملك المظفر شهاب الدين غازى ابن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شادى أى عرصة دار أبى أيوب هذه وبناها مدرسة للمذاهب الاربعة تعرف اليوم بالمدرسة الشهابية وفى ايوان قاعتها الصغرى الغربى خزانة صغيرة جدّا مما يلى القبلة فيها محراب يقال انها مبرك ناقته عليه الصلاة والسلام* قال ابن اسحاق ان هذا البيت بناه تبع الاوّل لما مرّ بالمدينة للنبىّ عليه الصلاة والسلام ينزله اذا قدم المدينة وترك فيها أربعمائة عالم وكتب كتابا للنبىّ عليه الصلاة والسلام ودفعه الى كبيرهم وسأله أن يدفعه للنبىّ عليه الصلاة والسلام فتداول البيت الملاك الى أن صار الى أبى أيوب وان أبا أيوب من ذرّية الحبر الذى أسلمة تبع كتابه* وفى رواية أرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام الى ملأ بنى النجار فقال يا بنى النجار ثامنونى بحائطكم قالوا والله لا نطلب ثمنه الا من الله عز وجل* وفى خلاصة الوفاء قال الغلامان بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير ذهبا ودفعها أبو بكر الصدّيق* وفى رواية أدّاها من مال أبى بكر وكان قد خرج من مكة بماله كله كذا فى المواهب اللدنية* وعن النوار بنت مالك أمّ زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلى بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم فى مسجد ابناه فى مربد سهل وسهيل ابنى رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار قالت فأنظر الى رسول الله عليه الصلاة والسلام لما قدم صلّى بهم فى ذلك المسجد وبناه فهو مسجده اليوم ونقل ابن سيد الناس عن ابن اسحاق ان الناقة بركت على باب مسجده عليه الصلاة والسلام وهو يومئذ ليتيمين من بنى مالك بن النجار فى حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابنى عمرو* وقال أحمد بن يحيى البلادرى فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام عند أبى أيوب ووهبت له الانصار كل فضل كان فى خططها وقالوا يا نبىّ الله ان شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا وكان أبو امامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه فى مسجد له فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلى بهم ثم انه سأل أسعد أن يبيع أرضا متصلة بذلك المسجد كانت فى يده ليتيمين فى حجره يقال لهما سهل وسهيل ابنا رافع* (ذكر بناء المسجد) * قال المجد ذكر البيهقى المسجد فقال كان جدارا مجدّر اليس عليه سقف وقبلته الى بيت المقدس وكان أسعد بن زرارة بناه وكان يصلى بأصحابه فيه ويجمع بهم فيه الجمعة قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالنخل التى فى الحديقة وبالغرقد أن يقطع وكان قبور جاهلية فأمر بها فنبشت وأمر بالعظام أن تغيب وكان فى المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب والمستنجل ممشى ماء المطر* وفى الصحيحين أن النبىّ عليه الصلاة والسلام لما أخذه كان موضع نخل وقبور للمشركين وخرب فأمر بالنخل فقطعت وبالقبور فتبشت وبالخرب فسويت وصفوا النخل قبلة المسجد أى جعلوها سوارى فى جهة القبلة ليسقف عليها وجعلوا عضادتيه حجارة وأسند ابن زبالة عن حسن بن محمد الثقفى قال بينا رسول الله عليه الصلاة والسلام يبنى أساس مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ فمرّ بهم رجل فقال يا رسول الله ما معك الا هؤلاء الرهط فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام هؤلاء ولاة الامر من بعدى وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة قالت لما أسس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه وجاء أبو بكر بحجر فوضعه وجاء عمر بحجر فوضعه وجاء عثمان بحجر فوضعه قالت فسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أمر الخلافة من بعدى وتقدّم فى تأسيس مسجد قباء نحوه من غير ذكر أمر الخلافة* وقال الاقشهرى فى روضته ان جبريل أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال يا محمد انّ الله يأمرك أن تبنى له بيتا وأن ترفع بنيانه بالرهص والحجارة والرهص الطين الذى يتخذ منه الجدار وفى القاموس الرهص بكسر الراء العرق الاسفل من الحائط والطين الذى يبنى به بعض على بعض فقال كم أرفعه يا جبريل قال سبعة أذرع وقيل خمسة أذرع ولما ابتدأ فى بنائه أمر بالحجارة فأخذ حجرا فوضعه بيده أوّلا ثم أمر أبا بكر فجاء بحجر فوضعه الى جنب حجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك ثم عليا روى البيهقى فى دلائل النبوّة عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما بنى النبى صلى الله عليه وسلم المسجد وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجره الى جنب حجرى ثم ليضع عمر حجره الى جنب حجر أبى بكر ثم ليضع عثمان حجره الى جنب حجر عمر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء من بعدى وفى الشفاء رفعت له الكعبة حين بنى مسجده وعن مكحول قال لما كثر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قالوا اجعل لنا مسجدا فقال وثمامات عريش كعريش أخى موسى صلوات الله عليه والامر أعجل من ذلك وفى الصحيح كان المسجد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه جريد وعمده خشب النخل فضرب اللبن وعجن الطين نقل المجد عن رواية محمد بن أسعد قال جاء رجل يحسن عمل الطين وكان من حضر موت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أحسن صنعته وقال له الزم أنت هذا الشغل فانى أراك تحسنه وفى كتاب يحيى من طريق ابن زبالة عن الزهرى كان رجل من أهل اليمامة يقال له طلق من بنى حنيفة يقول قدمت على النبىّ عليه الصلاة والسلام وهو يبنى مسجده والمسلمون يعملون فيه معه وكنت صاحب علاج وخلط طين فأخذت المسحاة أخلط الطين والنبىّ عليه الصلاة والسلام ينظر الىّ ويقول انّ هذا الحنفى لصاحب طين وروى أحمد عن طلق بن على قال بنيت المسجد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان يقول قربوا اليمامى من الطين فانه أحسنكم له مسكا وأشدّكم منكبا وعنه أيضا قال جئت الى النبىّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه يبنون المسجد قال فكأنه لم يعجبه عملهم قال فأخذت المسحاة فخلطت بها الطين فكانه أعجبه أخذى المسحاة وعملى فقال دعوا الحنفى فانه من أصنعكم للطين* وأسند ابن زبالة فى خبر ابن شهاب فى أخذ المربد قال فبناه مسجدا وضرب لبنه من بقيع الخبجبة بخاء معجمة وجيم وباءين تحت كل منهما نقطة واحدة موضع يسار بقيع الغرقد ناحية بئر أبى أيوب بالمناصع وهى مبرز النساء فى المدينة ليلا قبل اتخاذ الكنف والخبجبة شجرة تنبت هناك وبقيع الغرقد هو بقيع المقبرة قال الاصمعى قطعت غرقدات فى هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون فسمى بقيع الغرقد لهذا والغرقد شجرة وفى الوفاء بقيع الخبجبة ما كان الخارج من المدينة الى البقيع اذا مشى فى البقيع فجهة مشهد أمير المؤمنين عثمان وجعل مشهد ابراهيم ابن النبىّ عليه الصلاة والسلام على يمينه يكون على يساره طريق تمرّ بطرف الكومة تنتهى بعد رأس العطفة التى على يمينه الى حديقة تعرف قديما بأولاد الصيفى بها بئر ينزل اليها بدرج تعرف ببئر أيوب قديما وحديثا وقيل بقيع الخبجبة غير ما ذكر وعن أمّ سلمة قالت بنى رسول الله عليه الصلاة والسلام مسجده فقرب اللبن وما يحتاجون اليه فقام رسول الله عليه الصلاة والسلام فوضع رداءه فلما رأى ذلك المهاجرون الاوّلون والانصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 لئن قعدنا والنبىّ يعمل* ذاك اذا للعمل المضلل* وينقلون الصخرة ويحملون اللبنة والنبىّ عليه الصلاة والسلام معهم ينقل اللين ويقول* هذا الجمال لا جمال خيبر* هذا أبرّ ربنا وأطهر* ويقول اللهم ان الاجر أجر الآخرة* فارحم الانصار والمهاجرة* وفى رواية الصحيح فجعلوا ينقلون الصخرة وهم يرتجزون والنبىّ عليه الصلاة والسلام معهم يقول* اللهمّ لا خير الاخير الآخرة* فانصر الانصار والمهاجرة* ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة وعن الزهرى بلغنى ان الصحابة كانوا يرتجزون به وكان النبىّ عليه الصلاة والسلام ينقل معهم ويقول* اللهم لا خير الا خير الآخرة* فارحم المهاجرين والانصار* وكان لا يقيم الشعر قال الله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغى له وفعل ذلك احتسابا وترغيبا فى الخير ليعمل الناس كلهم ولا يرغب أحد بنفسه عن نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا وكان يحمل اللبنة فيجا فى بها عن ثوبه فاذا وضعها نفض كمه ونظر الى ثوبه فان أصابه شىء من التراب نفضه فنظر اليه على بن أبى طالب فأنشأ يقول لا يستوى من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن التراب حائدا فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها وهو لا يدرى من يعنى بها فمرّ بعثمان فقال يا ابن سمية بمن تعرّض ومعه جريدة فقال لتكفنّ أو لاعترضنّ بها وجهك فسمعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو جالس فى ظل بيت أمّ سلمة* وفى كتاب يحيى فى ظل بيته فغضب صلّى الله عليه وسلم ثم قال ان عمار بن ياسر جلدة ما بين عينى وأنفى فاذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ ووضع يده بين عينيه فكف الناس عن ذلك ثم قالوا لعمار انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا القرآن فقال أنا أرضيه كما غضب فقال يا رسول الله مالى ولاصحابك قال مالك ولهم قال يريدون قتلى يحملون لبنة لبنة ويحملون علىّ اللبنتين والثلاث فأخذ بيده فطاف فى المسجد وجعل يمسح وفرته بيده من التراب ويقول يا ابن سمية لا يقتلك أصحابى ولكن تقتلك الفئة الباغية وقد ذكر ابن اسحاق بنحوه كما فى تهذيب ابن هشام قال وسألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا أنّ علىّ بن أبى طالب ارتجز به فلا ندرى أهو قائله أم غيره وانما قال ذلك على مطايبة ومباسطة كما هو عادة الجماعة اذا اجتمعوا على عمل وليس ذلك طعنا وأخرج ابن أبى شيبة من مرسل أبى جعفر الخطمى قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبنى فى المسجد وعبد الله بن رواحة يقول* أفلح من يعمر المساجدا* فيقولها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيقول ابن رواحة* يتلو القران قائما وقاعدا* فيقولها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الصحيح فى ذكر بناء المسجد كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ويقول عمار أعوذ بالله من الفتن فقتل عمار فى حرب معاوية بصفين تحت راية علىّ كذا فى شرح المقاصد وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة علىّ* وفى خلاصة الوفاء روى يحيى فى خبر عن أسامة بن زيد عن أبيه قال كان الذين أسسوا المسجد جعلوا طوله مما يلى القبلة الى مؤخره مائة ذراع وفى الجانبين الآخرين أى العرض مثل ذلك فكان مربعا ويقال انه كان أقل من مائة ذراع* وفى كتاب رزين ما لفظه عن جعفر بن محمد عن أبيه قال كان بناء مسجد النبى صلّى الله عليه وسلم بالسميط لبنة لبنة ثم بالسعيدة لبنة ونصف أخرى ثم كثروا فقالوا يا رسول الله لو زيد فيه ففعل فبنى بالذكر والانثى وهما لبنتان مختلفتان وكانوا رفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة وجعلوا طوله مما يلى القبلة الى مؤخره مائة ذراع وكذا فى العرض وكان مربعا* وفى رواية جعفر ولم يسطح فشكوا الحرّ وجعلوا خشبه وسواريه جذوعا وظللوا بالجريد ثم بالخصف فلما وكف عليهم طينوه بالطين وجعلوا وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يظلل قامة وشيئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وذكر ابن زبالة ويحيى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يبنى مسجده بالسميط لبنة لبنة ثم ان المسلمين كثروا فبناه بالسعيدة فقالوا يا رسول الله لو أمرت من يزيد فيه قال نعم فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالانثى والذكر ثم اشتدّ عليهم الحرّ فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل قال نعم فأمر به فأقيمت فيه سوارى من جذوع النخل ثم طرحت عليها العوارض والخصف والاذخر فعاشوا فيه وأصابتهم الامطار فجعل المسجد يكف عليهم قالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لا عريش كعريش موسى وروى البيهقى عن الحسن فى بيان عريش موسى قال اذا رفع يده بلغ العريش يعنى السقف وأورد رزين قال ابنو الى عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والامر أعجل من ذلك قيل وما ظلة موسى قال اذا قام فيه أصاب رأسه السقف فلم يزل المسجد كذلك حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان جداره قبل أن يظلل قامة فكان اذا فاء الفىء ذراعا وهو قدمان يصلى الظهر فاذا كان ضعف ذلك صلّى العصر* وفى الاحياء لما أراد صلّى الله عليه وسلم أن يبنى مسجد المدينة أتاه جبريل فقال ابنه سبعة أذرع طولا فى السماء ولا تزخرفه ولا تنقشه وقد نقل الاقشهرى فى ارتفاعه سبعة أذرع وقيل خمسة وجعل قبلته الى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب باب فى مؤخره أى جهة القبلة اليوم ويدخل منه عامة أصحابه وباب يدعى باب عاتكة ويقال له باب الرحمة وباب يدخل منه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو باب آل عثمان اليوم أى المعروف اليوم بباب جبريل وهذان البابان لم يغيرا بعد صرف القبلة ولما صرفت سدّ الباب الذى كان خلفه وفتح هذا الباب حذاءه أى محاذاة المسدود خلف المسجد أى تجاهه فأقام عند أبى أيوب سبعة أشهر حتى أتمّ مسجده ومكنه ثم انتقل اليه* وفى خلاصة الوفاء روى يحيى عن خارجة بن زيد بن ثابت وهو أحد سبعة فقهاء المدينة وقد نظمهم البعض فى بيت واحد ألا كل من لا يقتدى بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه أنه قال بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبعين ذراعا فى ستين ذراعا ولبن لبنه من بقيع الخبجبة وجعل له جدارا وجعل سواريه شقة شقة وجعل وسطه رحبة وبنى بيتين لزوجتيه عائشة وسودة على نعت بناء المسجد من لبن وجريد النخل وكان باب عائشة مواجه الثنأم وكان بمصراع واحد من عرعر أوساج كذا ذكره ابن زبالة عن محمد بن هلال ولما تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم نساءه بنى لهنّ حجرا وهى تسعة أبيات قال أهل السير ضرب النبىّ صلّى الله عليه وسلم الحجرات ما بين بيت عائشة وبين القبلة والشرق الى الشأم ولم يضربها فى غربيه وكانت خارجة من المسجد مديرة به الا من الغرب وكانت أبوابها شارعة فى المسجد* وعن محمد بن هلال قال أدركت بيوت أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر مستطيرة الى القبلة والى الشرق والشأم ليس فى غربى المسجد شىء منها وفى دلائل النبوّة قال عطاء الخراسانى أدركت حجر أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود* وفى شرف المصطفى لابن الجوزى أن منازل أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت كلها فى الشق الايسر الى وجه الامام فى وجه المنبر أى الى جهة الشأم وفى دلائل النبوّة قال محمد بن عمر كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد حوله وكلما أحدث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهلا تحول له حارثة عن منزله حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ابن سعد أوصت سودة بيتها لعائشة وباع أولياء صفية بنت حيى بيتها من معاوية بمائة ألف وثمانين ألف درهم واشترى معاوية من عائشة منزلها بمائة ألف وثمانين ألفا وقيل ثمانية آلاف وشرطت سكناها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 حياتها وحمل اليها المال فما قامت من مجلسها حتى فرقته وقيل اشتراه ابن الزبير من عائشة وبعث اليها خمسة أجمال تحمل المال وشرط لها سكناها فى حياتها ففرقت المال فقيل لها لو خبأت منه درهما فقالت لو ذكرتمونى فعلت وتركت حفصة بيتها فورثه ابن عمر فلم يأخذ ثمنا فأدخل فى المسجد وأسند يحيى عن عيسى بن عبد الله عن أبيه أن بيت فاطمة رضى الله عنها فى الزور الذى فى المقبرة بينه وبين بيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم خوخة وذكر يحيى قال كان بيت فاطمة فى موضع مخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكانت فيه كوّة الى بيت عائشة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا قام الى المخزج اطلع من الكوّة الى فاطمة فعلم خبرهم وأن فاطمة قالت لعلىّ ان ابنىّ أمسيا عليلين فلو نظرت لنا اذ ما نستصبح به فخرج علىّ الى السوق فاشترى لهم أدما وجاء به الى فاطمة فاستصبحت به فدخلت عائشة المخرج فى جوف الليل فأبصرت المصباح عندهم فذكر الراوى كلاما وقع بينهما فلما أصبحوا سألت فاطمة النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يسدّ الكوّة فسدّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأسند يحيى عقب ذلك قالت عائشة يا رسول الله تدخل الكنيف فلا نرى شيئا من الاذى فقال الارض تبلع ما يخرج من الانبياء من الاذى فلا يرى منه شىء أفاد يحيى أن المراد من المخرج موضع الكنيف وأفهم ذلك أن المخرج المذكور كان خلف حجرة عائشة بينها وبين بيت فاطمة وذلك يقتضى أن يكون محله فى الزوراء أعنى الموضع المزور شبيه المثلث فى بناء عمر بن عبد العزيز فى جهة الشأم وكان بابه فى المربعة التى فى القبر وعن سليمان قال مسلم لا تنس حظك من الصلاة اليها فانه باب فاطمة الذى كان علىّ يدخل اليها منه قال ابن النجار وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة وفيه محراب وهو خلف حجرة النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال السيد السمهودى المقصورة اليوم دائرة على بيت فاطمة وعلى حجرة عائشة والمحراب الذى ذكره خلف حجرة عائشة من جهة الزوراء بينه وبين موضع يحترمه الناس ولا يدوسونه بأرجلهم يذكر أنه موضع قبر فاطمة رضى الله عنها على أحد الاقوال* وأما الصفة بضم الصاد وتشديد الفاء فظلة فى مؤخر مسجد النبىّ صلّى الله عليه وسلم يأوى اليها المساكين على أشهر الاقوال كذا قاله القاضى عياض وقال الحافظ الذهبى ان القبلة قبل أن تحوّل كانت فى شمالى المسجد فلما حولت القبلة بقى حائط المسجد الاوّل مكان أهل الصفة وقال الحافظ ابن حجر الصفة مكان فى مؤخر المسجد النبوى مظلل أعدّ لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوّج منهم أو يموت أو يسافر وقد سرد أسماءهم أبو نعيم فى الحلية فزادوا على المائة* وروى البيهقى عن عثمان بن اليمان قال لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة وكان يجالسهم ويؤانسهم وكان المسجد على هذه الهيئة فى عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يزد فيه أبو بكر شيئا ولما كان زمان خلافة عمر وكثر الناس وضاق المسجد عنهم وسعه عمر وزاد فيه ولم يغير فى جنس الآلة فبناه على ما بنى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا* وفى تاريخ اليافعى أن زيادته كانت فى سنة سبع عشرة وذكر غيره أنه زاد فى هذه السنة فى المسجد الحرام ولم يتعرّض لتاريخ زيادة فى مسجد المدينة روى أن عمر جعل له ستة أبواب ثم غير عثمان فيه ووسعه وزاد فيه زيادات كثيرة وكان أوّل عمله فى شهر ربيع الاوّل سنة تسع وعشرين وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال محرم سنة ثلاثين فكان مدّة عمله عشرة أشهر قال أهل السير جعل عثمان طول المسجد مائة وستين ذراعا وعرضه مائة وخمسين ذراعا وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والجص وجعل عمده من حجارة منقوشة وجعل سقفه من خشب الساج وجعل أبوابه ستة كما كانت فى زمن عمر ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان فى أيام خلافته وجعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 أوسع فجعل طوله مائتى ذراع وعرضه فى مقدّمه مائتين وفى مؤخره مائة وثمانين ذراعا وأدخل فيه بيوت أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم المتصلة بالمسجد* قالوا هدم المسجد نائب الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز سنة احدى وتسعين وبناه بالحجارة المنقوشة ومكث فى بنائه ثلاث سنين وقد فرغ منه سنة ثلاث وتسعين وهى السنة التى عزل فيها عمر عن المدينة ثم زاد فيه المهدى العباسى مائة دراع من جهة الشأم فقط دون الجهات الثلاث الأخر وكان ابتداء زيادته سنة احدى وستين ومائة* قال ابن زبالة ويحيى فرغ من بنيان المسجد سنة خمس وستين ومائة ثم جدّده المأمون وزاد فيه واتفق بنيانه أيضا فى سنة ثنتين ومائتين والى يومنا هذا ابناء المأمون وللمسجد اليوم أربعة أبواب باب جبريل وباب النساء وأوّل من أحدثه فى المسجد عمر بن الخطاب حين زاد فيه وباب الرحمة وباب السلام واذا عرفت حال المسجد والزيادات والتغييرات الواقعة فيه فينبغى أن تعتنى على محافظة الصلوات فيما كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الحديث الوارد فى فضيلة الصلاة فيه وهو صلاة فى مسجدى هذا أفضل أو خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام انما يتناول ما كان فى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لكن اذا صليت بالجماعة فالتقدّم الى الصف الاوّل ثم ما يليه أفضل كذا فى ايضاح المناسك للنووى وسيجىء قصة قصد الافرنج قبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الخاتمة فى خلافة المستنجد بالله فى سنة سبع وخمسين وخمسمائة ونذكر فى خلافة المستنجد بالله قصة قصد الروافض قبر صاحبيه لتناسب القصتين وان لم يذكر المحب الطبرى تاريخ الثانية ونذكر قصة احتراق المسجد النبوى مرّتين فى الخاتمة فى خلافة المعتصم بالله فى سنة أربع وخمسين وستماسة* موت كلثوم بن الهدم وفى هذه السنة مات كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بعد قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بزمان قليل قبل موت أسعد بن زرارة فهو أوّل من مات من الانصار بعد قدوم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان شريفا كبير السنّ كان أسلم قبل قدومه صلّى الله عليه وسلم وهاجر ولما هاجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة نزل عليه هو وجماعة منهم أبو عبيدة عامر بن الجراح والمنذرين الاسود والخباب بن الارت* اسلام عبد الله بن سلام وفى هذه السنة فى أوّل قدومه صلّى الله عليه وسلم المدينة أسلم عبد الله بن سلام ويكنى أبا يوسف وكان اسمه فى الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام* وفى البخارى من حديث عائشة التصريح بأنه جاء قبل دخوله صلّى الله عليه وسلم دار أبى أيوب لما سمع بقدومه صلّى الله عليه وسلم ثم رجع الى أهله ثم قال عليه السلام لابى أيوب اذهب فهيئ لنا مقيلا فقال قوما على بركة الله أى هو وأبو بكر قالت فلما جاء نبىّ الله صلّى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله فأسلم وسيجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية فى سنة ثلاث وأربعين* وفى الاكتفاء كان من حديث عبد الله بن سلام واسلامه وكان حبرا عالما انه قال لما سمعت برسول الله صلّى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذى كنا نتوكف له فكنت مسرّا لذلك صامتا عليه حتى قدم المدينة فلما نزل بقباء فى بنى عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا فى رأس نخلة لى أعمل فيها وعمتى خالدة بنت الحارث تحتى جالسة فلما سمعت بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم كبرت فقالت لى عمتى حين سمعت تكبيرتى خيبك الله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت فقلت لها أى عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به فقالت أى ابن أخى هو النبىّ الذى كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة فقلت لها نعم قالت فذاك اذا ثم رحت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت الى أهلى فأمرتهم فأسلموا وكتمت اسلامى من يهود الى آخر ما يجىء من الحديث* قال أنس لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة أخبر عبد الله بن سلام بقدومه وهو بأرض يخترف فأتاه فقال انى سائلك عن أشياء لا يعلمها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الا نبىّ فان أخبرتنى بها آمنت بك وان لم تعلمهنّ عرفت أنك لست بنبىّ قال وما هنّ فسأله عن الشبه وعن أوّل شىء يأكله أهل الجنة وعن أوّل شىء يحشر الناس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخبرنى بهنّ جبريل آنفا قال عبد الله ذاك عدوّ اليهود وسيجىء سبب عداوته فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أما الشبه فاذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه واذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه وأما أوّل شىء يأكله أهل الجنة فزائدة كبد الحوت وأما أوّل شىء يحشر الناس فنار تجىء من قبل المشرق فتحشرهم الى المغرب فأمسك عبد الله وقال أشهد أنك لرسول الله وانك قد جئت بالحق وقد علمت يهود أنى سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فسلهم عنى قبل أن يعلموا أنى أسلمت فانهم ان يعلموا أنى قد أسلمت قالوا فىّ ما ليس فىّ فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فو الذى لا اله الا هو انكم لتعلمون أنى رسول الله حقا وانى قد جئتكم بحق فأسلموا قالوا ما نعلمه قال فأىّ رجل فيكم عبد الله بن سلام وفى الاكتفاء قال عبد الله بن سلام فأدخلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه وسألوه ثم قال لهم أى رجل حصين بن سلام فيكم قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا* وفى المشكاة خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال أفرأيتم ان أسلم قالوا حاشا الله ما كان ليسلم وفى المشكاة أعاذه الله من ذلك قال أفرأيتم ان أسلم قالوا حاشا الله ما كان ليسلم كرّر عليهم ثلاثا فيقولون له ذلك قال يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فو الذى لا اله الا هو انكم لتعلمون انه لرسول الله وانه لجاء بحق فقالوا كذبت* وفى رواية قالوا هو شرّنا وابن شرنا فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال عبد الله هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وفى الاكتفاء قال فأظهرت اسلامى واسلام أهل بيتى وأسلمت عمتى خالدة فحسن اسلامها انتهى ونصبت أحبار اليهود العداوة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم بغيا وحسدا منهم حيى بن أخطب وأبو رافع الاعور وكعب بن الاشرف وعبد الله بن صوريا والزبير بن باطا وشمويل ولبيد بن الاعصم وغيرهم ودخل منهم جماعة فى الاسلام نفاقا وانضاف اليهم من الاوس والخزرج منافقون* وفى الكشاف روى أن عبد الله بن صوريا من أحبار فدك حاج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسأله عمن يهبط عليه بالوحى قال جبريل قال ذاك عدوّنا ولو كان غيره لآمنا بك وقد عادانا مرارا وأشدّها انه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخر به بخت نصر فبعثنا من يقتله وهو رجل من أقوياء بنى اسرائيل فلقيه ببابل غلاما مسكينا فدفعه عنه جبريل وقال ان كان ربكم أمره بهلاككم فانه لا يسلطكم عليه وان لم يكن اياه فعلى أى حق تقتلونه فصدّقه صاحبنا ورجع الينا وكبر بخت نصر وقوى وغزانا وحرق بيت المقدس وفى رواية قال أمره الله أن يجعل النبوّة فينا فجعلها فى غيرنا وفى رواية قال بعث جبريل الى أولاد اسرائيل فأدى الى أولاد اسماعيل* وفى القاموس عبد الله بن صوريا كبوريا من أحبار الشأم أسلم ثم كفر* وفى الحدائق عن أبى هريرة قال أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال أخرجوا الىّ أعلمكم فقام عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المنّ والسلوى وظللهم به من الغمام أتعلم انى رسول الله قال اللهم نعم وان القوم يعرفون ما أعرف فان صفتك ونعتك لمبين فى التوراة ولكنهم حسدوك قال فما يمنعك أنت قال أكره خلاف قومى وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم* موت أسعد بن زرارة وفى هذه السنة وقيل فى السنة الثانية مات أسعد بن زرارة بالذبحة وهو أحد النقباء الاثنى عشر فى ليلة العقبة وبيعتها مات قبل أن يفرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بناء مسجده ودفن بالبقيع والانصار يقولون هو أوّل من دفن بالبقيع والمهاجرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 يقولون أوّل من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون وكان عثمان رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم توفى فى شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة وقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم خدّه وسماه السلف الصالح وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهوميت قالت فرأيت دموع رسول الله صلّى الله عليه وسلم تسيل على خدّ عثمان بن مظعون كذا فى الصفوة ويمكن الجمع بأن أوّل من دفن بالبقيع من الانصار أسعد بن زرارة ومن المهاجرين عثمان بن مظعون* ابتداء خدمة أنس وفى هذه السنة كان ابتداء خدمة أنس لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الوفاء كانت الانصار يتقرّبون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدايا رجالهم ونساؤهم وكانت أمّ سليم تتأسف على ذلك وما كان لها شىء فجاءت بابنها أنس وقالت يخدمك أنس يا رسول الله قال نعم والذى فى الصحيح عن أنس قال قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم وأخذ أبو طلحة بيدى فانطلق بى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته عشر سنين الحديث وقد يجمع بأنّ أمّ سليم جاءت به أوّلا وانطلق به ابو طلحة ثانيا لانه وليه وعصبته وهذا غير مجيئه به لخدمته فى غزوة خيبر كما يفهمه لفظ الحديث* الزيادة فى صلاة الحضر وفى هذه السنة بعد شهر من مقدمه صلّى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل وفى سيرة مغلطاى من ربيع الآخر قال الدولابى يوم الثلاثاء وقال السهيلى بعد الهجرة بعام أو نحوه زيد فى صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها وصلاة المغرب لانها وتر النهار وأقرت صلاة السفر وتركت على الفريضة الاولى* وفى سيرة مغلطاى وكانت الصلاة قبل الاسراء صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها انتهى وقيل انما فرضت أربعا ثم خففت عن المسافر ويدل عليه حديث ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وقيل انما فرضت فى الحضر أربعا وفى السفر ركعتين وهو قول ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم فى الحضر أربعا وفى السفر ركعتين رواه مسلم وغيره كذا فى المواهب اللدنية وفى الوفاء الذى عليه الاكثرون ان الصلاة نزلت بتمامها من بدء الامر والله أعلم* وعك أبى بكر والصحابة وفى هذه السنة وعك ابو بكر وغيره من الصحابة* فى المواهب اللدنية أورد وعك أبى بكر قبل بناء المسجد روى ان هواء المدينة كان عفنا وخما يكون فيها الوباء وكانت مشهورة بالوباء فى الجاهلية فادا دخلها غريب فى الجاهلية يقال له ان أردت أن تسلم من الوعك والوباء فانهق نهق الحمار فادا فعل سلم فاستوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم فمرض كثير من الغرباء وضعفوا حتى لم يقدروا على الصلاة قياما وكان المشركون والمنافقون يقولون أضناهم حمى يثرب* وفى سنن النسائى وسيرة ابن هشام ان الصدّيق لما قدم المدينة أخذته الحمى وعامر بن فهيرة وبلالا قالت عائشة فدخلت عليهم وهم فى بيت واحد قبل أن يضرب علينا الحجاب فقلت يا أبت كيف أصبحت فقال* كل امرئ مصبح فى أهله* والموت أدنى من شراك نعله* ففلت انالله ان أبى ليهذى فقلت لعامر كيف تجدك فقال* لقد وجدت الموت قبل ذوقه* والمرء يأتى موته من فوقه* وفى رواية ان الجبان موته من فوقه* كل امرئ مجاهد بطوقه* كالثور يحمى أنفه بروقه* الطوق الطاقة والروق القرن قالت فقلت هذا والله لا يدرى ما يقول ثم قلت لبلال كيف أصبحت وكان بلال اذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بواد وحولى اذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لى شامة وطفيل ثم يقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا الى أرض الوباء المراد بالوادى وادى مكة وفى رواية بفخ بتشديد الخاء المعجمة واد بمكة ومجنة سوق بأسفل مكة وجليل نبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ضعيف وشامة وطفيل بكسر الفاء جبلان مشرفان على مجنة* وفى المواهب اللدنية شامة وطفيل عينان بقرب مكة قالت عائشة فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ حبا وصححها وبارك لنا فى صاعها ومدّها وانقل حماها الى مهيعة وهى الجحفة وفى هذا وقولها قبل أن يضرب علينا الحجاب اشعار بأن وعك أبى بكر وصاحبيه كان بعد بناء المسجد انتهى فأجاب الله لنبيه دعاءه فجعل هواءها صحيحا موافقا لامزجة الغرباء ونقل وباءها وحماها وعفونة هوائها الى جحفة وهى يومئذ كانت دار اليهود ولم يكن بها مسلم يقال كانت لا يدخلها أحد الاحمّ وفى الصفوة كان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى كذا فى الصحيحين ولهذا عدلوا الطريق الى رابغ* وعن عبد الله بن عمر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال رأيت امرأة وفى رواية كانّ امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت* وفى رواية حتى أقامت بمهيعة فأوّلتها ان وباء المدينة نقل الى مهيعة وهى الجحفة* وفى القاموس مهيعة كمرحلة ويقال مهيعة كمعيشة كلتاهما بالمثناة التحتية اسم للجحفة* وفى تشويق الساجد الجحفة بضم الجيم واسكان الحاء قرية خربة تسمى مهيعة على نحو خمس مراحل من مكة وهى ميقات أهل الشأم ومصر والمغرب وهى بقرب رابغ بالغين المعجمة ومحاذية له على يسار الذاهب الى مكة* وفى معجم ما استعجم بين الجحفة والبحر نحو ستة أميال وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق وهذا الغدير تصب فيه عين ماء وحوله شجر كثير ملتف وهى الغيضة التى تسمى خم وبغدير خم قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لعلىّ من كنت مولاه فعلىّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وكان ذلك منصرفه من حجة الوداع * اسلام سلمان الفارسى وفى هذه السنة أسلم سلمان الفارسى وفى رواية فى جمادى الاولى منها روى أن سلمان كان رجلا فارسيا من أهل أصفهان من قرية يقال لها خبى وكان أبوه مجوسيا دهقان قريته وكان يحبه وكان يحبسه فى بيته كما تحبس الجارية فى بيتها فوّض اليه أمرا يقاد النار وتعهدها وكانت لابيه ضيعة عظيمة فشغل يوما فى بنيان له عن أمر الضيعة وأرسل سلمان اليها فأمره فيها ببعض ما يريد فخرج سلمان يريد الضيعة فمرّ بكنيسة من كنائس النصارى فسمع أصواتهم فيها وهم يصلون فدخل عليهم ينظر ما يصنعون فلما رآهم أعجبته صلاتهم ورغب فى أمرهم فقال هذا والله خير من الذى نحن عليه فمكث عندهم حتى غربت الشمس وترك ضيعة أبيه فسألهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشأم ثم رجع الى أبيه فسأله أبوه أين كنت يا بنى قال مررت بقوم يصلون فى كنيسة لهم أعجبنى ما رأيته من دينهم قال أى بنى ليس ذاك الدين خيرا من دينك ودين آبائك قال كلا والله انه لخير من ديننا فخافه فجعل فى رجله قيدا ثم حبسه فى بيته فبعث سلمان دسيسا الى النصارى فقال لهم اذا قدم عليكم من الشام ركب تجار من النصارى فأخبرونى بهم فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروه بقدوم التجار وارادتهم الرجوع الى الشأم فألقى سلمان الحديد من رجله ثم خرج معهم حتى قدم الشأم وسأل من أفضل أهل هذا الدين فقالوا الأسقف فى الكنيسة فجاء فأقام عنده فخدمه حتى مات وكان رجل سوء فلما مات هو نصبوا مكانه رجلا آخر فأقام سلمان عنده فلما حضرته الوفاة أوصى به الى رجل بالموصل فلحق سلمان بصاحب الموصل فأقام عنده وخدمه ولما حضرته الوفاة أوصى به الى رجل من نصيبين فلحق سلمان بصاحب نصيبين وأقام عنده وخدمه ولما حضرته الوفاة أوصى به الى رجل بعمورية فلحق سلمان بصاحب عمورية وأقام عنده واكتسب بها فحصل له بقرات وغنيمات فلما حضرته الوفاة استوصاه سلمان فقال له يا بنى والله ما أعلم أحدا من الناس فيه خير ومعرفة بهذا الدين آمرك أن تأتيه ولكن أظلك زمان نبىّ هو مبعوث بدين ابراهيم عليه السلام يخرج بأرض العرب يهاجر الى أرض بين حرّتين بينهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 نخل به علامات ظاهرة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوّة فان استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات ومكث سلمان بعمورية ما شاء الله ثم مرّ به نفر من بنى بكر أو بنى كلب فقال لهم أتحملوننى الى أرض العرب أعطيكم بقراتى هذه وغنيماتى قالوا نعم فأعطاهم اياها فحملوه حتى اذا قدموا به وادى القرى باعوه من يهودى فأقام سلمان عنده ورأى بها النخل فرجا أن يكون البلد الذى وصف له صاحبه بعمورية فبينما هو عنده اذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بنى قريظة فاشتراه منه فاحتمله الى المدينة فقال سلمان فو الله لما رأيتها عرفتها بوصف صاحبى بعمورية فأقام بها سلمان فبعث الله رسوله بمكة فأقام بها ما أقام لم يسمع له سلمان ذكرا مع ما به من شغل سيده وخدمته ثم هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فبينما كان سلمان فى رأس نخل لسيده يعمل فيه بعض العمل وسيده جالس تحت النخل اذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بنى قيلة يعنى الانصار والله انهم الآن مجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون انه نبىّ قال سلمان فلما سمعتها أخذتنى العرواء أى الرعدة حتى ظننت انى ساقط على سيدى فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول فغضب سيدى فلكمنى لكمة شديدة ثم قال مالك ولهذا أقبل على عملك قلت لا شىء انما أردت أن استبثه عما قال وقد كان عند سلمان شىء من الرطب قد جمعه فلما أمسى اخذه ثم ذهب به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بقباء ثم دخل عليه فقال له انه قد بلغنى أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة وهذا شىء كان عندى للصدقة فرأيتكم احق به من غيركم فقرّبه منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل فقال سلمان فى نفسه هذه واحدة ثم انصرف عنه وجمع شيئا وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قباء الى المدينة فجاءه سلمان به فقال انى رأيتك لا تأكل صدقة وهذه هدية اكرمتك بها فأكل وأمر اصحابه فأكلوا منها فقال سلمان فى نفسه هاتان اثنتان ثم جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس فى أصحابه فسلم عليه ثم استدار خلفه ينظر الى ظهره هل يرى الخاتم الذى وصفه له صاحبه بعمورية فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم استدبر عرف انه يستثبت فى شىء وصف له فألقى رداءه عن ظهره فنظر الى الخاتم فانكب عليه يقبله ويبكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تحوّل فتحوّل فقص عليه قصته فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه فأسلم سلمان* وفى شواهد النبوّة لما جاء سلمان الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليسلم لم يفهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم كلامه فطلب ترجمانا فأتى بتاجر من اليهود كان يعلم الفارسية والعربية فمدح سلمان النبىّ صلّى الله عليه وسلم وذمّ اليهود فغضب اليهودى وحرّف الترجمة فقال ان سلمان يشتمك فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا الفارسى جاء ليؤذينا فنزل جبريل وترجم كلام سلمان فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذلك لليهودى فقال يا محمد اذا كنت تعرف الفارسية فما حاجتك الىّ قال ما كنت أعلمها قبل فالآن علمنى جبريل أو كما قال فقال اليهودى يا محمد قد كنت قبل هذا أتهمك فالآن تحقق عندى أنك رسول الله فقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك رسول الله ثم قال النبىّ لجبريل علم سلمان العربية قال قل له ليغمض عينيه وليفتح فاه ففعل سلمان فتفل جبريل فى فيه فشرع سلمان يتكلم بالعربى الفصيح* قال ثم شغل سلمان الرق حتى فاته بدر وأحد حتى عتق فى السنة الخامسة من الهجرة كما سيجىء فى الموطن الخامس* ذكر المواخاة بين المهاجرين والانصار وفى هذه السنة بعد قدوم النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وهو يبنى المسجد وقيل بعده وقيل قبله* وفى أسد الغابة بعد ثمانية أشهر آخى بين المهاجرين والانصار فقعدوا عقد المواخاة والمعاونة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 والمواساة وقيل كتبوا فيه كتابا وكان ذلك فى دار أنس* وفى رواية كان فى المسجد على ان يتوارثوا بعد الممات دون ذوى الارحام وكانوا تسعين رجلا خمسة وأربعون من المهاجرين وخمسة وأربعون من الانصار والتأم شمل الحيين الاوس والخزرج ببركة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد ما كان بينهما أمور عظام ومخالفات كثيرة وما وجدنا فى الكتب من أساميهم هذه أبو بكر بن أبى قحافة مع خارجة ابن زيد الانصارى اخى الحارث بن الخزرج وعمر بن الخطاب مع عتبان بن مالك الانصارى الخزرجى وعثمان بن عفان مع أوس بن ثابت الانصارى وابو عبيدة بن الجراح اسمه عامر بن عبد الله مع سعد بن معاذ سيد الاوس الانصارى الاشهلى والزبير بن العوام مع سلمة بن سلام الانصارى الاشهلى وطلحة ابن عبيد الله مع كعب بن مالك الانصارى اخى بنى سلمة وعبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع الانصارى اخى الحارث بن الخزرج وسلمان الفارسى مع ابى الدرداء عويمر بن ثعلبة الانصارى اخى بلحارث بن الخزرج* وقال ابن هشام عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل مع أبى بن كعب الانصارى أخى بنى النجار ومصعب بن عمير بن هاشم مع أبى أيوب خالد بن زيد الانصارى النجارى وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع عباد بن بشر الانصارى الاشهلى وعمار بن ياسر مع حذيفة بن النجار الانصارى اخى بنى عبس ويقال بل عمار بن ياسر مع ثابت بن قيس بن شماس الانصارى أخى بلحارث بن الخزرج وأبوذر وقد اختلف فى اسمه ونسبه اختلافا كثيرا فقيل جندب ابن جنادة ويقال بريد بن جندب ويقال برير ويقال بر بن جنادة كذا قاله ابن اسحاق وقيل بريد بن جندب أيضا عن ابن اسحاق ويقال جندب بن عبد الله ويقال جندب بن سكن ويقال غير ذلك والمشهور المحفوظ جندب بن جنادة الغفارى كذا فى الاستيعاب وأسد الغابة وقال ابن هشام سمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذرّ جندب بن جنادة انتهى مع المنذر بن عمرو الانصارى أخى بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج قاله ابن اسحاق وحاطب بن أبى بلتعة اللخمى حليف بنى أسد بن عبد العزى مع عويمر بن ساعدة أخى بنى عمرو بن عوف وجعفر بن أبى طالب مع معاذ بن جبل اخى بنى سلمة قاله ابن اسحاق وقال ابن هشام وكان جعفر بن أبى طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة وبلال المؤذن مولى أبى بكر مع أبى رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمى هذا هو المشهور بين المؤرّخين* ونقل الشيخ ابن حجر فى شرح صحيح البخارى عن ابن عبد البر أنه كانت المؤاخاة مرّتين الاولى قبل الهجرة بمكة بين المهاجرين خاصة روى الحاكم ابن عبد الله النيسابورى حديثا يدل على ما قاله ابن حجر وهو حديث أبى عمرو قال آخى النبىّ عليه الصلاة والسلام بين أبى بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وفى رواية بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة فقال على يا رسول الله آخيت بين أصحابك فمن أخى قال أنا أخوك وفى رواية أنت أخى فى الدنيا والآخرة وهؤلاء كلهم من المهاجرين والثانية ما تقدّم من المؤاخاة بين المهاجرين والانصار وكانت هذه المؤاخاة قبل وقعة بدر ولما وقعت وقعة بدر أنزل الله تعالى وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة فى الميراث ورجع كل انسان الى نسبه وورثه ذوو رحمه* ذكر موادعة اليهود وفى هذه السنة بعد ما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وادع اليهود وعاهدهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم أن لا يعينوا عليه أحدا وان دهمه بها عدوّ نصروه موت العاص بن وائل من مشركى مكة وفى هذه السنة مات من مشركى مكة بمكة العاص بن وائل السهمى والوليد بن المغيرة روى عن الشعبى لما احتضر الوليد بن المغيرة جزع فقال له أبو جهل يا عم ما يجزعك قال والله ما بى من جزع من الموت ولكنى أخاف أن يظهر دين ابن أبى كبشة بمكة قال أبو سفيان لا تخف أنا ضامن أن لا يظهر وفى هذه السنة ولد زياد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 أبية وقتل كسرى النعمان بن المنذر وتوفى أبو لهب وولد المسور بن مخرمة كذا فى سيرة مغلطاى بعت زيد بن حارثة الى مكة وفى هذه السنة بعث رسول الله زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهما خمسمائة درهم وبعيرين فقد ما عليه بفاطمة وأمّ كلثوم بنتيه وسودة زوجته وأمّ أيمن زوج زيد بن حارثة واسامة بن زيد وخرج عبد الله بن ابى بكر معهم بعيال ابى بكر وهم عائشة وامّها امّ رومان واختها اسماء زوج الزبير وهى حامل بعبد الله ابن الزبير فولدته بقباء قبل نزولهم المدينة فكان اوّل مولود ولد من المهاجرين بالمدينة كما سيجىء وقال رزين ان ابا بكر ارسل عبد الله بن اريقط مع زيد بن حارثة ليأتيه بعائشة وامّ رومان أمّها وعبد الرحمن وقال بعضهم ووجدوا طلحة بن عبيد الله على خروج فخرج معهم فقدموا كلهم فلما قدموا المدينة انزلهم فى بيت حارثة بن النعمان* ولادة النعمان بن بشير وعبد الله بن الزبير وفى هذه السنة ولد النعمان بن بشير وهو اوّل مولود ولد فى الاسلام من الانصار وفى هذه السنة ولد عبد الله بن الزبير* وفى الوفاء جاءت امّه اسماء بنت ابى بكر بعد الهجرة فنفست به بقباء فى شوّال فى السنة الاولى من الهجرة* وقال الذهيى تبعا للواقدى انه ولد فى شوّال سنة اثنتين كذا اورد فى المواهب اللدنية وتاريخ اليافعى* وفى اسد الغابة ولد عبد الله بن الزبير بالمدينة على رأس عشرين شهرا من الهجرة وقيل فى السنة الاولى وسيجىء قتله فى الخاتمة* وقال الحافظ ابن حجر المعتمد انه ولد فى السنة الاولى للحديث المتفق عليه* وفى بعض الكتب ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا وهو أوّل مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة أذن أبو بكر فى أذنه وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وكانوا قد تحدّثوا فيما بينهم بأنّ اليهود قد سحرتهم وقيل انّ اليهود قالت انا سحرناهم فلا يولد لهم مولود فكذبهم الله ففرح المسلمون بولادته وكان تكبيرهم حين الولادة للفرح* وفى الرياض النضرة ان أسماء لما هاجرت الى المدينة كانت حبلى به فنزلت بقباء فولدته هناك ثم خرجت حتى أتت به النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو جالس فوضعته فى حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل فى فيه ثم حنكه بها ودعا له بالبركة وكان أوّل ما دخل فى جوفه ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا فى المشكاة* وعن عائشة أنّ أمّه أسماء لما ولدته أتت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليحنكه فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلم منها فوضعه فى حجره قالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها يعنى تمرة قبل أن نجدها فمضغها ثم بصقها فى فيه فأوّل شىء دخل بطنه ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت أسماء ثم مسحه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسماه عبد الله ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا ثم بايعه أخرجه البخارى كذا فى الرياض النضرة* وفى حياة الحيوان روى السهيلى انه لما ولد عبد الله بن الزبير نظر اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال هو هو فلما سمعت بذلك أسماء أمسكت عن ارضاعه فقال لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرضعيه ولو بماء عينيك كبش بين الذئاب ذئاب عليها ثياب ليمنعن البيت أو ليقتلن دونه* وذكر الدار قطنى وغيره أعطى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابن الزبير وهو غلام دم محاجمه ليدفنه فشربه فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم من خالط دمه دمى لم تمسه النار ويل لك من الناس وويل للناس منك* أورده فى النجم الوهاج والقاضى عياض فى الشفاء* وفى المواهب اللدنية عن ابن الزبير قال احتجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اذهب فغيبه فذهبت به فشربته فأتيته فقال ما صنعت قلت غيبته قال لعلك شربته قلت نعم قال ويل لك من الناس وويل للناس منك وفيه دلالة على طهارة بوله ودمه صلّى الله عليه وسلم* وفى الرياض النضرة لا تمسك النار الاقسم اليمين وكان أطلس عديم اللحية ولا شعر فى وجهه وكان صوّاما قوّاما طويل الصلاة وصولا للرحم عظيم المجاهدة والشجاعة ومن مجاهدته المنقولة انه كان يحيى الدهر أجمع ليلة قائما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 حتى الصباح وليلة راكعا حتى الصباح وليلة ساجدا حتى الصباح وكان يواصل الصوم سبعا ويصوم يوم الجمعة فلا يفطر الا ليلة الجمعة الاخرى ويصوم بالمدينة ولا يفطر الا بمكة ويصوم بمكة ولا يفطر الا بالمدينة وبينهما مائتا ميل كذا فى معجم ما استعجم وكان أوّل ما يفطر عليه لبن لقحة بسمن بقر وصبر كذا فى الصفوة* شجاعة عبد الله بن الزبير ومن شجاعته المنقولة ما ذكره الذهبى فى دول الاسلام انّ عثمان فى خلافته لما عزل نائب مصر عمرو بن العاص واستعمل عليها عبد الله بن أبى سرح سار عبد الله بالجيوش الى المغرب فالتقى هو والكفار وهم نحو مائتى ألف وملكهم جرجير وكان المصاف بسيطلة بقرب مدينة القيروان فقتل جرجير ونزل النصر وكانت وقعة هائلة عظيمة بحيث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار من الغنيمة وكيفيتها ما قال مصعب بن الزبير حدّثنى أبى والزبير بن حبيب قالا قال عبد الله بن الزبير هجم علينا جرجير فى مائة وعشرين ألفا واختلف الجند على ابن أبى سرح وخافوا كثرة العدد وأحاط بنا العدوّ وكنا عشرين ألفا فرأيت أنا غرة من جرجير بصرت به خلف جيوشه على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس بينه وبين عسكره فلاة من الارض فأتيت أميرنا ابن أبى سرح فندب لى فرسانا فاخترت منهم ثلاثين وقلت لهم اثبتوا هنا وحملت على جرجير وقلت احمو الى ظهرى وخرجت الى جرجير وهو يظن انى رسول اليه فلما دنوت منه عرف الشر فوثب على برذونه وساق موليا فأدركته فطعنته فسقط ثم ضربته بالسيف ونصبت رأسه على رمحى وكبرت وقد كبر المسلمون فحملوا وركينا أكتاف العدوّ وتمزقوا وذلك بشجاعة عبد الله بن الزبير رضى الله عنه وسيجىء خلافته فى الخاتمة فى سنة أربع وستين وقتله فى سنة ثلاث وسبعين* قصة فاطمة بنت النعمان وفى هذه السنة ما روى انه كانت امرأة من بنى النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان كان لها تابع من الجنّ وكان يأتيها فأتاها بعد ما هاجر النبىّ عليه الصلاة والسلام الى المدينة فانقض على الحائط فقالت له ما لك لا تأتى كما كنت تأتى قال جاء النبىّ الذى يحرم الزنا والحرام* تكلم الذئب وفى هذه السنة تكلم ذئب خارج المدينة ينذر برسول الله عليه الصلاة والسلام* عن أبى هريرة أنه قال جاء ذئب الى غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعى حتى انتزعها منه فصعد الذئب على تل فاقعى واستنفر وقال عمدت الى رزق رزقنيه الله انتزعته منى فقال الرجل بالله ان رأيت كاليوم ذئب يتكلم قال الذئب أعجب من هذا رجل فى النخلات بين الحرّتين يخبركم بما مضى وما هو كائن عندكم وكان الراعى يهوديا فجاء الى النبىّ عليه الصلاة والسلام فأخبره خبره وصدّقه النبىّ عليه الصلاة والسلام وقال انها أمارة من أمارات بين يدى الساعة أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده* وفى حياة الحيوان قال ابن عبد البركام الذئب من الصحابة ثلاثة رافع بن عمير وسلمة بن الاكوع واهبان بن أوس* ابتداء الغزوات وفى هذه السنة ابتداء الغزوات* اعلم انه جرت عادة المحدّثين وأهل السير واصطلاحاتهم غالبا بأن يسموا كل عسكر حضره النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة غزوة وما لم يحضره بل أرسل بعضا من أصحابه الى العدوّ سرية وبعثا* وأفاد فى فتح البارى أن السرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية هى التى تخرج بالليل والسارية التى تخرج بالنهار وقيل سميت بذلك يعنى السرية لانها تخفى ذهابها وهذا يقتضى انها أخذت من السر ولا يصح لاختلاف المادّة وهى قطعة من الجيش تخرج منه وتعود اليه كذا فى المواهب اللدنية* وفى القاموس السرية من خمسة أنفس الى ثلثمائة أو أربعمائة* وفى المواهب اللدنية من مائة الى خمسمائة فما زاد على خمسمائة يقال له منسر بالنون ثم المهملة وفى السامى فى الاسامى المنسر والمقنب من الثلاثين الى الاربعين* وفى المواهب اللدنية فان زاد على ثمانمائة يسمى جيشا فان زاد على أربعة آلاف يسمى جحفلا والخميس الجيش العظيم الكثير وكذا المجر والمدهم والعرمرم كذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 فى سامى الاسامى وفى المواهب اللدنية وما افترق من السرية يسمى بعثا والكثيبة والفيلق ما اجتمع ولم ينتشر* وفى سر الادب فى ترتيب العساكر عن أبى بكر الخوارزمى عن ابن خالويه أقل العساكر الجريدة وهى قطعة جردت من سائرها لوجه مّا ثم السرية أكثر منها وهى من خمسين الى أربعمائة ثم الكثيبة وهى من مائة الى ألف ثم الجيش وهو من ألف الى أربعة آلاف وكذلك العريق والجحفل ثم الخميس وهو من أربعة آلاف الى اثنى عشر ألفا والعسكر يجمعها* وجملة غزواته التى غزاها عليه السلام بنفسه مختلف فيها ففى سيرة اليعمرى وابن هشام والاكتفاء والمواهب اللدنية سبع وعشرون كما قاله ابن اسحاق غزوة ودان وهى غزوة الابواء ثم غزوة بواط من ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع ثم غزوة بدر الصغرى الاولى بطلب كرز بن جابر ثم غزوة بدر الكبرى القتال ثم غزوة بنى سليم حتى بلغ الكدر ثم غزوة السويق لطلب أبى سفيان بن حرب ثم غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر ثم غزوة بحران معدان بالحجاز ثم غزوة أحد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بنى النضير ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الأخرى ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بنى قريظة ثم غزوة بنى لحيان من هذيل ثم غزوة ذى قرد ثم غزوة بنى المصطلق من خزاعة وهى غزوة المرييسع ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصدّه المشركون ثم غزوة خيبر ثم غزوة عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك قاتل صلّى الله عليه وسلم فى تسع غزوات منها بدر وأحد والخندق وبنى قريظة وبنى المصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف وهذا الترتيب عن ابن اسحاق وخالفه ابن عقبة فى بعضه كذا فى الاكتفاء وسيرة ابن هشام وسيجىء بالتفصيل ان شاء الله تعالى* وقيل جميع غزواته أربع وعشرون وقيل احدى وعشرون وقيل تسع عشرة غزوة* وفى خلاصة السير للمحب الطبرى وجملة المشهور منها اثنتان وعشرون غزوة* وقال ابن اسحاق وأبو معشر وموسى بن عقبة وغيرهم المشهور انه غزا خمسا وعشرين غزوة بنفسه* وفى عمدة المعانى وأسد الغابة وكانت جملة غزواته ستا وعشرين غزوة وقاتل فى تسع منها أوفى اثنتى عشرة وهى بدر وأحد والمريسيع والخندق وبنو قريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف هذا على قول من قال فتحت مكة عنوة* وفى سيرة اليعمرى قاتل منها فى سبع وعدّ ما عدا خيبر وفتح مكة* وفى الصفوة قاتل أيضا بوادى القرى وبنى النضير* وفى خلاصة الوفاء البعوث والسرايا خمسون أو نحوها وكذلك فى سيرة اليعمرى* وفى المواهب اللدنية وكانت سراياه التى بعث بها سبعا وأربعين سرية وفى موضع آخر منه فجميع سراياه وبعوثه نحو ستين ومغازيه سبع وعشرون* وفى الاكتفاء وسيرة ابن هشام وكانت بعوثه وسراياه ثمانية وثلاثين ما بين بعث وسرية* وفى أسد الغابة لابن الاثير خمسة وثلاثين واختلف أيضا فى أوّل الغزوات فمحمد بن اسحاق وجماعة على ان أوّلها غزوة الابواء ثم بواط ثم العشيرة* وروى البخارى أيضا فى صحيحه عن ابن اسحاق بهذا الترتيب ورجحه الحافظ ابن حجر فى فتح البارى شرح صحيح البخارى وقيل أوّل ما غزا العشيرة* بعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وفى رمضان هذه السنة على رأس سبعة أشهر من الهجرة وقيل فى ربيع الاوّل سنة ثنتين بعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وكان أوّل بعوثه عليه السلام قال ابن اسحاق بعث رسول الله حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر من ناحية العيص فى ثلاثين راكبا من المهاجرين قيل ومن الانصار وفيه نظر لانه لم يبعث من الانصار حتى غزابهم بدرا ليتعرّض عير قريش فلقى أبا جهل بالساحل فى ثلثمائة راكب من أهل مكة فلما تصافوا حجز بينهما مجدى بن عمرو الجهنى وكان موادعا للفريقين حليفا لهما ثم انصرفوا من غير قتال وكان حامل لواء حمزة أبو مرثد الغنوى* وفى المواهب اللدنية وكان عليه السلام قد عقد له لواء أبيض واللواء هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 العلم الذى يحمل فى الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه الى مقدم العسكر وقد صرّح جماعة من أهل اللغة بترادف اللواء والراية لكن روى أحمد والترمذى عن ابن عباس كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عن الطبرانى عن بريدة وعن ابن عدى عن أبى هريرة وزاد مكتوب فيه لا اله الا الله محمد رسول الله وهو ظاهر فى التغاير ولعل التفرقة بينهما عرفية* وذكر ابن اسحاق وكذا أبو الاسود عن عروة أنّ أوّل ما حدثت الرايات يوم خيبر وما كانوا يعرفون قبل ذلك الا الاولوية انتهى وهكذا قدم بعضهم سرية حمزة هذه على سرية عبيدة وقال لواء حمزة أوّل لواء عقد فى الاسلام* وقال المداينى أوّل سرية بعثها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سرية حمزة بن عبد المطلب فى ربيع الاوّل من سنة اثنتين الى سيف البحر من أرض جهينة خرجه أبو عمرو وصاحب الصفوة ولفظه أوّل لواء عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحمزة حين قدم المدينة* وقال ابن اسحاق ان ذلك لعبيدة بن الحارث واليه أشار ابن هشام فى سيرته وانما اشتبه ذلك على الناس لان بعثه وبعث عبيدة كانا معا والنبىّ صلّى الله عليه وسلم شيعهما جميعا فأشكل أمرهما فكل من قال ذلك فى واحد منهما فهو صادق كذا فى ذخائر العقبى وهذا يشكل بقوله ان بعث عبيدة كان على رأس ثمانية أشهر لكن يحتمل أن يكون صلّى الله عليه وسلم عقد رايتهما معا ثم تأخر خروج عبيدة الى رأس الثمانية لامر اقتضاه والله أعلم* وقال أبو عمرو ان أوّل راية عقدت لعبد الله بن جحش* وفى شوّال هذه السنة على رأس ثمانية أشهر كانت سرية عبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف بن قصى الى بطن رابغ بالغين المعجمة ويعرف بودّان* سرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ روى انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم عقد لواء أبيض لابن عم عبد المطلب عبيدة بن الحارث بن المطلب وأمره على ستين رجلا من المهاجرين ليس فيهم من الانصار واحد وقد مرّ الخلاف فى انه أوّل راية راية حمزة وكان حامل اللواء مسطح بن اثاثة ورمى فيها سعد بن أبى وقاص بسهم فكان أوّل سهم رمى به فى الاسلام وكان ذلك قبل غزوة الابواء على القول الراجح وأوردها ابن هشام فى سيرته والكلاعى فى الكتفاء بعد غزوة الابواء فى السنة الثانية فى ربيع الاوّل حيث قال ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى من غزوة الابواء الى المدينة فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الاوّل وبعث فى مقامه ذلك عبيدة ابن الحارث وقيل بعثه من الابواء وذكر أبو الاسود فى مغازيه عن عروة انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما وصل الى الابواء بعث عبيدة بن الحارث فى ستين رجلا وذكر القصة فيكون ذلك فى السنة الثانية وبه صرّح بعض أهل السير* وفى سيرة ابن هشام بعثه حين أقبل من غزوة الابواء قبل أن يصل الى المدينة فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرّة فلقى جمعا عظيما من قريش وكان أميرا على المشركين أبو سفيان بن حرب وقيل عكرمة بن أبى جهل وقيل مكرز بن حفص فترموا بالنبل وكان أوّل من رمى فى وجوه المشركين بسهم سعد بن أبى وقاص كما مرّ ولم يقع بينهم ضرب السيوف فظنّ المشركون ان للمسلمين مددا فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون فانحاز من المشركين الى المسلمين رجلان المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان المازنى وكانا مسلمين لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار الى المسلمين* بناؤه عليه السلام بعائشة وفى هذه السنة بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعائشة بنت أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهما وسنذكر تمام نسبها فى الخاتمة فى خلافة أبى بكر ان شاء الله تعالى وأمّها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر وكنيتها أمّ عبد الله كناها النبىّ صلّى الله عليه وسلم باسم ابن أختها عبد الله بن الزبير وكان البناء بها على رأس تسعة أشهر وقيل ثمانية عشر شهرا فى شوّال كذا فى المواهب اللدنية وتاريخ اليافعى وكذا فى الوفاء من غير لفظ شوّال* وفى أسد الغابة وبنى بها فى المدينة سنة اثنتين* وفى المشكاة عن عائشة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 أنها قالت تزوّجنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى شوّال وبنى بى فى شوّال فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى* وعن عائشة ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّجها وهى بنت سبع سنين وزفت اليه وهى بنت تسع سنين ولعبها معها ومات عنها وهى بنت ثمانى عشرة سنة وقيل البناء بها فى الثامن والعشرين من ذى الحجة وقيل زفافها وقع فى السنة الثانية والاوّل أصح وكان البناء بها يوم الاربعاء ضحى فى منزل أبى بكر بالسنخ* وخرج الشيخان عن عائشة أنها قالت تزوّجنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا فى بنى الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعرى فأتتنى أمى أم رومان وانى لفى أرجوحة مع صواحب لى فصرخت بى فأتيتها ما أدرى ما تريد منى فأخذت بيدى حتى أو قفتنى على باب الدار وأنا أنهج حتى سكن بعض نفسى ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ثم أدخلتنى الدار فاذا نسوة من الانصار فى البيت فقلن على الخير والبركة فأسلمتنى اليهنّ فأصلحن من شأنى فلم يرعنى الا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتنى اليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين كذا فى المواهب اللدنية* وفى المواهب اللدنية أيضا بنى بعائشة فى البيت الذى يليه شارعا الى المسجد وجعل سودة بنت زمعة فى البيت الآخر الذى يليه الى الباب الذى يلى آل عثمان ثم تحوّل عليه السلام من دار أبى أيوب الى مساكنه التى بناها* روى انه عليه السلام ما أولم على عائشة بشىء غير أن قدحا من لبن أهدى اليه من بيت سعد بن عبادة فشرب النبىّ صلى الله عليه وسلم بعضه وشربت عائشة منه* وروى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرى عائشة فى المنام مرتين أو ثلاثا فى سرقة من حرير يجىء بها الملك فيقول هذه امرأتك وللترمذى جاء جبريل بصورتها فى سرقة حرير خضراء فقال هذه زوجتك فى الدنيا والآخرة* وفى البخارى عن عائشة أنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أريتك فى المنام مرّتين اذا رجل يحملك فى سرقة حرير فيقول هذه امرأتك فاكشفها فاذا هى أنت فأقول ان يكن هذا من عند الله يمضه* وروى انه صلّى الله عليه وسلم قال يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته وكانت من خير مفتى الصحابة وفقهائهم وفصحائهم وبلغائهم حتى نقل عن بعض السلف ان ربع الاحكام الشرعية علم منها* وفى الاخبار خذوا ثلثى دينكم من هذه الحميراء* وروى عن عروة بن الزبير أنه قال ما رأيت أحدا أعلم بمعانى القرآن وبالفريضة وأحكام الحلال والحرام وشعر العرب وعلم النسب من عائشة وهذان البيتان من أشعارها قالتهما فى مدح النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلو سمعوا فى مصر أوصاف خدّه ... لما بذلوا فى سوم يوسف من نقد لوامى زليخا لو رأين جبينه ... لآثرن بالقطع القلوب على الايدى ومن كلماتها ينبغى للاخ أن يكون خيرا لاخيه منه لنفسه ألا ترى ان موسى سأل لهارون عليهما السلام النبوّة وروى ان رجلا سألها متى أعلم انى محسن قالت اذا علمت انك مسىء فقال متى أعلم انى مسىء قالت اذا علمت انك محسن وقالت أديموا قرع باب الملك يفتح لكم قيل كيف نديمه قالت بالجوع والظمأ ومن كلماتها النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع عتيقه وروى أنها كانت تقرأ القرآن فلما بلغت هذه الآية لقد أنزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون قالت والله أطلب ذكرى وصفتى فى القرآن فلم تزل تختم القرآن وتتفكر فى معانى الآيات حتى قالت انّ الله قد أطلعنى على ذكرى وصفتى فى القرآن قيل وما هو قالت هو وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ولم يتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بكرا غيرها فمكثت عنده تسع سنين ولم يولد منها ولد وما قيل انها أسقطت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم سقطا فسماه عبد الله وكناها بأم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 عبد الله فغير ثابت وتوفى النبىّ صلّى الله عليه وسلم عنها ولها ثمانى عشرة سنة وعاشت بعده سبعا وأربعين سنة قال الواقدى وتوفيت عائشة بالمدينة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين وقال غيره سبع وخمسين من الهجرة فى أيام معاوية وسيجىء ومدّة عمرها ثلاث وستون سنة وهو الصحيح وقيل ست وستون كذا فى الصفوة والمنتقى وحضر جنازتها أكثر أهل المدينة وصلّى عليها أبو هريرة وكان خليفة مروان بالمدينة* وفى شواهد النبوّة عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ائذن لى أن أدفن بعد وفاتك بجنبك فقال كيف تدفنين هناك وما فيه الا موضع قبرى وقبر أبى بكر وقبر عمر وقبر عيسى ابن مريم ودفنت بالبقيع مع صاحباتها بمقتضى وصيتها ودخل فى قبرها قاسم بن محمد بن أبى بكر وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر مروياتها فى الكتب المتداولة ألفان ومائتان وعشرة أحاديث المتفق عليها منها مائة وأربعة وستون حديثا وفرد البخارى أربعة وخمسون حديثا وفرد مسلم ثمانية وستون حديثا والباقية فى سائر الكتب* بعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار وفى ذى القعدة من هذه السنة على رأس سبعة أشهر بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن أبى وقاص فى عشرين رجلا الى الخرار بخاء معجمة وراءين مهملتين واد بالحجاز يصب فى الجحفة* وقال أبو عمرو وكانت بعد بدر* وقال ابن حزم نحوه كذا فى سيرة مغلطاى يعترض عيرا لقريش وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو فخرجوا على أقدامهم يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل حتى انتهوا اليه صبح خامسه فلم يجدوا شيئا وقد سبقتهم العير بيوم* وفى رواية قد مرّت بالامس فرجعوا الى المدينة* ابتداء الاذان وفى هذه السنة شرع الاذان قال ابن المنذر ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة الى أن هاجر الى المدينة وكان الناس بها كما فى السير وغيرها انما يجتمعون الى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة* وأخرج ابن سعدان بلالا كان ينادى للصلاة بقوله الصلاة جامعة وشاور النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه فيما يجمعهم للصلاة وكان ذلك فيما قيل فى السنة الثانية فأرى عبد الله بن ثعلبة بن عبد ربه الخزرجى الاذان والاقامة على الوجه المتعارف قال عبد الله لما أجمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة وهو له كاره لموافقته النصارى رأيت فى المنام رجلا عليه ثوبان أخضران وفى يده ناقوس يحمله قلت له يا عبد الله تبيع هذا الناقوس قال ما تصنع به قلت ندعو به للصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك فقلت بلى قال تقول الله أكبر الله أكبر الى آخره ثم استأخر غير بعيد فقال تقول اذا أقيمت الصلاة الله أكبر الله أكبر الى آخرها وزاد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرّتين فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال ان هذه لرؤيا حق ان شاء الله ثم أمر بالتأذين وكان بلال يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الصلاة فجاءه ذات غداة ودعا الى صلاة الفجر فقيل انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم نائم فصرخ بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم فأدخلت هذه الكلمة فى التأذين لصلاة الفجر* وفى رواية لما صرفت القبلة الى الكعبة أمر بالاذان وذلك ان الناس كانوا لا يدرون كيف يفعلون لتجتمع الناس للصلاة فذكر بعضهم البوق وبعضهم الناقوس وبعضهم النار فبيناهم على ذلك رأى عبد الله بن زيد الخزرجى فى المنام كيفية الاذان والاقامة على الوجه الذى ذكر فلما أصبح أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى فقال له قم مع بلال فألق عليه ما قيل لك فليؤذن بذلك ففعل وجاء عمر بن الخطاب فقال قد رأيت مثل الذى رأى عبد الله فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلله الحمد فعلى هذه الرواية يكون الاذان قد وقع فى السنة الثانية من الهجرة لانه قيل فيها لما صرفت القبلة وقد صح ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وأصحابه صلوا الى بيت المقدس ستة عشر شهرا* وذكر ابن شهاب عن عبيد بن عمير ان عمر بن الخطاب بينا هو يريد أن يشترى خشبتين للناقوس عند ما ائتمر به النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه اذ رأى فى المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا بالصلاة فذهب عمر الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليخبره بالذى رأى فما راعه الا بلال يؤذن وقد جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم الوحى بذلك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين أخبره سبقك بذلك الوحى كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية فان قلت هل أذن عليه السلام بنفسه قط أجاب السهيلى بأنه روى الترمذى ورفعه الى أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم أذن مرّة فى سفر وصلّى بهم على رواحلهم الحديث قال فنزع بعض الناس بهذا الحديث الى أنه عليه السلام أذن بنفسه وكذا جزم النووى بأنه أذن مرّة فى سفر والله أعلم * (الموطن الثانى فى حوادث السنة الثانية من الهجرة من صوم عاشوراء وتزوّج علىّ بفاطمة وغزوة ودّان وهى الابواء وغزوة بواط وغزوة العشيرة وتكنية علىّ بابى تراب وسرية عبد الله بن جحش الى بطن نخلة وتحويل القبلة وتجديد بناء مسجد قباء ونزول فرض رمضان وغزوة بدر وغلبة الروم على فارس ووفاة رقية وقتل عمير بن عدى العصماء وزكاة الفطر وصلاته وفرض زكاة الاموال وغزوة قرقرة الكدر وسرية سالم بن عمير وغزوة بنى قينقاع وغزوة السويق وموت عثمان بن مظعون وصلاة العيد والتضحبة وبناء علىّ بفاطمة وموت أمية ابن أبى الصلت صوم عاشوراء وفى هذه السنة صام رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه* روى عن ابن عباس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صائمين يوم عاشوراء فقال لهم ما هذا اليوم الذى تصومونه قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى باحياء سنة أخى موسى منكم فصامه وأمر بصيامه أخرجاه فى الصحيحين* وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهلية وكان يصومه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بمكة فلما قدم المدينة فرض صيام شهر رمضان فمن شاء صامه ومن شاء تركه كذا فى التنبيه لابى الليث السمرقندى* وعن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من صام يوم عاشوراء من المحرم أعطى ثواب عشرة آلاف ملك وعشرة آلاف حاج ومعتمر وعشرة آلاف شهيد ومن مسح بيده رأس يتيم فى يوم عاشوراء رفع الله له بكل شعرة درجة فى الجنة ومن فطر مؤمنا ليلة عاشوراء فكانما أفطر عنده جميع أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم وأشبع بطونهم قالوا يا رسول الله لقد فضل يوم عاشوراء على سائر الايام قال نعم. خلق الله السموات يوم عاشوراء وخلق الجبال يوم عاشوراء وخلق النجوم يوم عاشوراء وخلق القلم يوم عاشوراء وخلق اللوح يوم عاشوراء وخلق آدم يوم عاشوراء وخلق حوّاء يوم عاشوراء وأدخل آدم الجنة يوم عاشوراء وولد ابراهيم يوم عاشوراء وأنجاه الله من النار يوم عاشوراء وفدى ابنه الذبيح يوم عاشوراء وأغرق فرعون وفلق البحر لبنى اسرائيل يوم عاشوراء وكشف الله البلاء عن أيوب يوم عاشوراء وولد عيسى يوم عاشوراء وغفر ذنب داود يوم عاشوراء وردّ ملك سليمان يوم عاشوراء وتاب الله على آدم يوم عاشوراء ورفع الله عيسى يوم عاشوراء ويوم القيامة يوم عاشوراء* وعن ابراهيم بن محمد المنتشر بلغه أنّ من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه انعمة سائر السنة* قال سفيان بن عيينة جربناه ثلاثين سنة فوجدناه كذلك أورد هذه الثلاثة أبو الليث السمرقندى فى التنبيه وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان الله تعالى فرض على بنى اسرائيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 صوم يوم فى السنة وهو يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرّم فصوموا فيه ووسعوا على أهاليكم فيه فانه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم وكانت عاشوراء حينئذ يوم الجمعة وهو اليوم الذى رفع الله فيه ادريس وهو اليوم الذى أخرج فيه نوحا ومن معه من السفينة فصامه شكرا لله وهو اليوم الذى ردّ الله فيه على يعقوب بصره وهو اليوم الذى أخرج الله فيه يوسف من السجن وهو اليوم الذى كشف الله فيه العذاب عن قوم يونس وأخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وغفر الله فيه لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر وهاجر فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة والمشهور ان هجرته كانت فى ربيع الاوّل وفى رواية ابن مسعود وفيه ولد نوح وابراهيم وفى رواية عبد الله بن سلام واسماعيل واسحاق ويحيى ويونس وعيسى ومحمد عليهم السلام والمشهور ان ولادته كانت فى ربيع الاوّل انتهى وكذلك فاطمة والحسن والحسين وابتداء ابراهيم واسماعيل بناء الكعبة فيه وتاب الله فيه على اخوة يوسف وعلى داود وعلى قوم يونس وأهلك نمرود وخسف بقوم لوط وقتل داود جالوت وفى حديث غيره وهلك شدّاد ابن عاد وفرعون وهامان وقارون والعمالقة وعاد وثمود وقوم ابراهيم وفى حديث وهب بن منبه ولد موسى بن عمران يوم الاثنين يوم عاشوراء وخلق فيه العرش والكرسى واللوح والقلم والجنة وغرس شجرة طوبى والبحار والبراق وفيه تقوم الساعة وفى حديث ابن عباس فيه خلق جبريل وميكائيل والنجوم وفيه كانت شهادة الحسين بن علىّ وهى كرامة له وذلك كله فى بحر العلوم* وفى حديث انّ أوّل رحمة نزلت من السماء نزلت يوم عاشوراء لانّ جبريل نزل علىّ يوم عاشوراء وخلق الله السموات والارض يوم عاشوراء وخلق البراق والحور العين يوم عاشوراء وزوّج الله ابراهيم سارة يوم عاشوراء وأخرج الله سارة من يد ملك حران الطاغى وأعطاها هاجر يوم عاشوراء واتخذ الله ابراهيم خليلا يوم عاشوراء وتزوّج يوسف عليه السلام زليخا يوم عاشوراء وتزوّج محمد صلّى الله عليه وسلم خديجة يوم عاشوراء وكلم الله موسى يوم عاشوراء ووقع فى بطن أمّه ليلة عاشوراء* تزوّج على بفاطمة رضى الله عنها وفى هذه السنة تزوّج علىّ بفاطمة رضى الله عنها وفى الصفوة تزوّجها فى السنة الثانية من الهجرة فى رمضان وبنى بها فى ذى الحجة وفى الوفاء كان ذلك قبل بدر فى رجب على الاصح بعد مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر وقيل فى صفر* وفى ذخائر العقبى عن جعفر بن محمد قال تزوّج علىّ فاطمة فى ليال بقين منه وبنى بها فى ذى الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ قال أبو عمرو بعد وقعة أحد وقال غيره بعد بناء النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف وبنى بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر ونصف وتزوّجها علىّ وهى ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة أشهر ونصفا وقيل بنت ثمان عشرة سنة* وقال ابن الجوزى ولدت قبل النبوّة بخمس سنين أيام بناء البيت كذا فى سيرة مغلطاى وسنّ علىّ يومئذ احدى وعشرون سنة وخمسة أشهر ولم يتزوّج عليها حتى ماتت كذا فى المواهب اللدنية والذى كان لها من الجهاز بردان وعليها دملجان من فضة وكانت معها خميلة ووسادة أدم حشوها ليف ومنخل وقدح ورحى وسقاية وجرّتان* وفى ذخائر العقبى أمرهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يجهزوها فجعل لها سرير مشرط ووسادة من أدم حشوها ليف* روى أن أبا بكر خطب فاطمة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم يا أبا بكر أنتظر بها القضاء ثم خطبها عمر فقال له مثل ما قال لابى بكر ثم أهلّ علىّ فقالوا يا على اخطب فاطمة قال أخطب بعد أبى بكر وعمر وقد منعهما* وفى رواية قال كيف والنبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يعطها أشراف قريش فذكروا له قرابته من النبىّ صلى الله عليه وسلم فخطبها فزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أربعمائة وثمانين درهما فباع علىّ بعيرا له وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين درهما فأمره النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 ثلثيها فى الطيب وثلثها فى المتاع* وفى رواية جعل ثلثها فى الطيب وثلثيها فى الثياب* وروى انّ عليا خطب فاطمة فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان عليا يذكرك فسكتت فزوّجها اياه* وعن عكرمة ان عليا خطب فاطمة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم ما تصدقها قال ليس عندى ما أصدقها قال فأين درعك الحطمية قال لدىّ قال أصدقها اياه فأصدقها اياه فتزوّجها* وفى ذخائر العقبى عن علىّ قال وهل عندك من شىء تستحلها به قلت لا والله يا رسول الله فقال ما فعلت الدرع التى سلحتكها فقلت عندى والذى نفس علىّ بيده انها لحطمية ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد زوّجتكها فابعث بها فان كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرجه أبو اسحاق وخرجه الدولابى أيضا* وفى ذخائر العقبى قال سمرة فى تفسير الحطمية هى العريضة الثقيلة* وقال بعضهم هى التى تكسر السيوف ويقال هى منسوبة الى بطن من عبد القيس يقال له حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع* وقال ابن عيينة هى شرّ الدروع وهذا أمس بالحديث لان عليا ذكرها فى معرض الذم لها وتقليل ثمنها قيل انه باع الدرع باثنتى عشرة أوقية والا وقية أربعون درهما وكان ذلك مهر فاطمة من علىّ* وفى المواهب اللدنية عن أنس قال جاء أبو بكر ثم عمر يخطبان فاطمة الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فسكت ولم يرجع اليهما شيئا فانطلقا الى علىّ يأمر انه بطلب فاطمة قال علىّ فنبهانى لامر كنت عنه غافلا فقمت أجرّ ردائى حتى أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقلت تزوّجنى فاطمة قال أو عندك شىء قلت فرسى وبدنى قال امّا فرسك فلا بدّ لك منها وامّا بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما فجئته بها فوضعتها فى حجره فقبض منها قبضة فقال أى بلال ابتع لنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سرير مشرّط ووسادة من أدم حشوها ليف الى آخر ما سيجى فى زفافه* وفى بعض الروايات جعل صداقها درعه فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة وثمانين درهما ثم انّ عثمان ردّ الدرع الى علىّ فجاء علىّ بالدرع والدراهم الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات* روى بريدة قال أتى علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما حاجة ابن أبى طالب فقال ذكرت فاطمة فقال مرحبا وأهلا ثم لم يزد عليهما فخرج علىّ على رهط من الانصار فقالوا ما وراءك يا علىّ قال ما أدرى غير انه قال لى مرحبا وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم احداهما أعطاك الاهل وأعطاك الرحب فلما زوّجه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا على انه لا بدّ للعرس من وليمة فقال سعد عندى كبش وجمع له رهط من الانصار آصعا من ذرّة وكان ذلك وليمة عرسه* ذكر خطبة النبى فى نكاح فاطمة وروى أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم خطب حين النكاح هذه الخطبة* الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب اليه فيما عنده النافذ أمره فى سمائه وأرضه الذى خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته وأحكمهم بعزته وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ثم انّ الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لا حقا وأمرا مفترضا نسخ بها الآثام* وفى رواية أو شج بها الارحام وألزمها الانام فقال عز وجل وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا فأمر الله يجرى الى قضائه وقضاؤه يجرى الى قدره وقدره يجرى الى أجله فلكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ثم انّ الله تعالى أمرنى أن أزوّج فاطمة من على وقد زوّجته على أربعمائة مثقال فضة أرضيت يا على فقال على رضيت عن الله وعن رسوله فقال جمع الله شملكما وأسعد جدّكما وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا* وفى رواية لما أراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يزوّج علىّ بن أبى طالب فاطمة قال يا على اخطب لنفسك فقال علىّ* الحمد لله شكرا لانعمه وأياديه واشهد أن لا اله الا الله شهادة تبلغه وترضيه وصلّى الله على محمد صلاة تزلفه وترضيه والنكاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 مما أمر الله به ورضيه واجتماعنا مما قدّر الله وأذن فيه وقد زوّجنى رسول الله عليه الصلاة والسلام فاطمة ابنته على ثنتى عشرة أوقية فسلوه واشهدوا فلما تمّ النكاح دعا بطبق من بسر فوضعه بين يديه ثم قال انتهبوا وسيجىء الزفاف فى آخر هذه السنة فى ذى الحجة على القول الاصح ان شاء الله تعالى * غزوة الابواء وفى صفر هذه السنة وقعت غزوة الابواء وهو جبل بين مكة والمدينة ويقال له ودان كذا فى سيرة مغلطاى أى على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة كما ذكره ابن اسحاق وقيل لسنة وشهرين وعشرة أيام وقيل فى أواخر السنة الاولى* قال ابن اسحاق قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الاوّل فأقام بقية شهر ربيع الاوّل وربيع الآخر وجمادين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوّالا وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرّم ثم خرج غازيا فى صفر على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة وهى أوّل مغازيه كما ذكره ابن اسحاق وهى من ودّان على ستة أميال أو ثمانية مما يلى المدينة ولتقاربهما أطلق عليهما غزوة ودّان أيضا كذا فى الوفاء وودّان قرية من أمّهات القرى وقيل واد فى الطريق يقطعه المصعدون من حجاج المدينة روى أنه عليه الصلاة والسلام استخلف على المدينة سعد بن عبادة فيما قاله ابن هشام وخرج فى ستين رجلا من أصحابه يريد قريشا وبنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فلما بلغ الابواء تلقاه سيد بنى ضمرة مجشى بن عمرو الضمرى فصالحه ثم رجع الى المدينة* وفى الوفاء فانصرف بعد ما وادع مجدى بن عمرو الضمرى* وفى المواهب اللدنية فكانت الموادعة أى المصالحة على ان بنى ضمرة لا يغزونه ولا يكثرون عليه جمعا ولا يعينون عليه عدوّا ولم يلق كيدا أى حربا* قال ابن الاثير الكيد الاحتيال والاجتهاد وبه سمى الحرب كيدا* غزوة بواط وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بواط جبل لجهينة من ناحية رضوى بينه وبين المدينة أربعة برد فى ربيع الاوّل وقيل الآخر كذا فى سيرة مغلطاى* وفى المواهب اللدنية بواط بفتح الباء الموحدة وقد تضم وتخفيف الواو آخره طاء مهملة وهى الغزوة الثانية غزاها النبىّ عليه الصلاة والسلام فى شهر ربيع الاوّل على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة فسار حتى بلغ موضعا يقال له بواط من ناحية رضوى بفتح الواو وسكون المعجمة مقصورا* وفى مزيل الخفاء بواط جبل من جبال جهينة* وفى خلاصة الوفاء رضوى كسكرى جبل على يوم من ينبع وأربعة أيام من المدينة ذو شعاب وأودية وبه مياه وأشجار وهذا هو المعروف فى المسافة بينهما ومنه تقطع أحجار المسانّ قال عرام هو أوّل تهامة وذكر أنّ رضوى مما وقع بالمدينة من الجبل الذى تجلى الله سبحانه وتعالى له وصار لهيبته ستة أجبل وان رضوى من جبال الجنة* وفى رواية من الجبال التى بنى منها البيت وفى الحديث رضوى رضى الله عنه وقدس قدّسه الله وأحد جبل يحبنا ونحبه وتزعم الكيسانية ان محمد بن الحنفية مقيم برضوى حىّ يرزق* روى ان النبىّ عليه الصلاة والسلام عقد لواء أبيض ودفعه الى سعد بن أبى وقاص واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون قاله ابن هشام ويقال استخلف سعد بن معاذ وخرج فى مائتى رجل من أصحابه المهاجرين يعترض عيرا لقريش فيهم أمية ابن خلف الجمحى وكانوا زها مائتى رجل من قريش وكان فيها ألفان وخمسمائة تعير فسار النبىّ عليه الصلاة والسلام حتى بلغ بواط فلم يلق كيدا فرجع الى المدينة* غزوة العشيرة وفى جمادى الاولى من هذه السنة وقعت غزوة العشيرة بالشين المعجمة والتصغير وآخره هاء لم يختلف أهل المغازى فى ذلك وفى القاموس العشيرة موضع بناحية ينبع وكانت بعد بواط بأيام قلائل* وفى البخارى العشيرا والعسيرة بالتصغير والاولى بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء وأمّا غزوة العسرة بالمهملة بغير تصغير فهى غزوة تبوك وستأتى ونسبت هذه الغزوة الى المكان الذى وصلوا اليه وهو موضع لبنى مدلج بينبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وسببها انه سمع بخروج عير لقريش من مكة الى الشأم للتجارة وفيها أبو سفيان فى جمع من قريش فخرج اليها النبىّ عليه الصلاة والسلام فى جمادى الاولى وقيل فى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة فى خمسين ومائة رجل وقيل مائتين ومعه ثلاثون بعيرا يعتقبونها وجمل اللواء حمزة وكان لواء أبيض* قال ابن هشام واستعمل عليه الصلاة والسلام على المدينة أبا سلمة بن عبد الاسد فسلك على نقب بنى دينار ثم فيفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده عليه السلام وصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه فموضع أثافى البرمة معلومة هناك واستقى له من ماء يقال له المشرب ثم ارتحل رسول الله عليه الصلاة والسلام فترك الخلائق بيسار وسلك شعبة يقال لها شعبة عبد الله وذلك اسمها اليوم حتى هبط يليل فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة واستقى من بئر بالضبوعة ثم سلك فرش ملك حتى لقى الطريق بصخيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة ببطن ينبع فأقام بها جمادى الاولى وليالى من جمادى الآخرة ووادع فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا* تكنية علىّ بأبى تراب وفى تلك الغزوة كنى على بن أبى طالب بابى تراب* قال ابن اسحاق فحدّثنى يزيد بن محمد بن خيثم المحاربى عن محمد بن كعب القرظى عن محمد بن خيثم ابى يزيد عن عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلى بن أبى طالب رفيقين فى غزوة العشيرة فلما نزل بها رسول الله عليه الصلاة والسلام وأقام بها رأينا أناسا من بنى مدلج يعملون فى عين لهم ونخل فقال لى علىّ يا أبا اليقظان هل لك فى أن نأتى هؤلاء فننظر كيف يعملون قال قلت ان شئت قال فجئناهم فنظرنا الى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلى حتى اضطجعنا على صور من النخل وفى دقعاء من التراب فنمنا فو الله ما أهبنا الا رسول الله عليه الصلاة والسلام يحرّ كنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء التى نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلىّ بن أبى طالب مالك يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب ثم قال ألا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذى عقر الناقة والذى يضربك يا على على هذه ووضع يده على قرنه حتى تبل منها هذه وأخذ بلحيته خرجه أحمد كذا فى الرياض النضرة* وفى المدارك قال أشقى الاوّلين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك (قوله) الصور هو بفتح الصاد وتسكين الواو النخل المجتمع الصغار والدقعاء التراب ودقع بالكسر أى لصق بالتراب وأحيمر تصغير أحمر لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح عليه السلام كذا فى الرياض النضرة* قال ابن اسحاق وقد حدّثنى بعض أهل العلم ان رسول الله عليه الصلاة والسلام انما سمى عليا أبا تراب انه كان اذا عتب على فاطمة فى شىء لم يكلمها ولم يقل لها شيئا تكرهه الا انه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه قال فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام اذا رأى عليه التراب عرف انه عاتب على فاطمة فيقول مالك يا أبا تراب فالله أعلم أى ذلك كان* وفى الشفاء يدخل أولياءه يعنى عليا الجنة وأعداءه النار وكان ممن عاداه الخوارج والناصبية وطائفة ممن ينسب اليه من الروافض كفروه* وفى عقائد الفيروزابادى أخبر عليا بموته فقال له ابن ملجم يقتلك فكان علىّ اذا لقى ابن ملجم يقول متى تخضب هذه من هذه واذا دخل الحرب ولاقى الخصم يعلم ان ذلك الخصم لا يقتله* وفى رواية سهل بن سعد قال جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام بيت فاطمة فلم يجد عليا فى البيت فقال لها أين ابن عمك قالت كان بينى وبينه شىء فغاضبنى فخرج فلم يقل عندى فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام لانسان أنظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو فى المسجد راقد فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن ظهره وأصابه تراب فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسحه عنه ويقول قم يا أبا تراب أخرجه الشيخان كذا فى الرياض النضرة* قال ابن اسحاق وقد كان بعث رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 عليه الصلاة والسلام فيما بين ذلك من غزوة سعد بن أبى وقاص فى ثمانية رهط من المهاجرين فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز ثم رجع ولم يلق كيدا* قال ابن هشام وذكر بعض أهل العلم ان بعث سعد هذا كان بعد حمزة فى السنة الاولى كما مرّ* غزوة بدر الاولى وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الاولى قال ابن اسحاق ولما رجع رسول الله عليه الصلاة والسلام من غزوة العشيرة لم يقم بالمدينة الاليال قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهرى على سرح المدينة من شفر* وقال ابن حزم بعد العشيرة بعشرة أيام فخرج رسول الله عليه الصلاة والسلام فى طلبه واستعمل على المدينة زيد بن حارثة قاله ابن هشام* وفى خلاصة الوفاء شفر كزفر جمع شفير الوادى جبل بأصل جما أمّ خالد يهبط الى بطن العقيق وكان يرعى بها السرح ولما جاء الخبر الى النبىّ عليه الصلاة والسلام عقد لواء ودفعه الى على وسار حتى بلغ واديا يقال له سفوان بفتح المهملة والفاء* وفى خلاصة الوفاء سفوان بفتحات من ناحية بدر ولذا سميت هذه الغزوة بدر الاولى وفانه كرز بن جابر فلم يدركه فرجع الى المدينة وذكر فى الوفاء اغارة كرز قبل العشيرة وقال ذكر ذلك ابن اسحاق بعد العشيرة بليال والله أعلم* بعث عبد الله بن جحش الى بطن نخلة وفى رجب أو فى جمادى الآخرة من هذه السنة بعث عبد الله بن جحش بن رباب الاسدى قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة الى بطن نخلة على ليلة من مكة* وفى هذه السرية لقب عبد الله بأمير المؤمنين وفى معجم ما استعجم نخلة بلفظ واحدة النخل موضع على يوم وليلة من مكة وهى التى ينسب اليها بطن النخلة وهى التى ورد فيها حديث ليلة الجنّ قيل هما نخلتان نخلة شامية ونخلة يمانية فالشامة تنصب من الغمير واليمانية من بطن قرن المنازل وهى طريق اليمن الى مكة فاذا اجتمعا وكانا واحدا فهو المسدّ ثم يضمهما بطن مرو وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد وقيل اثنى عشر رجلا سعد بن أبى وقاص الزهرى وعكاشة بن محصن بن حرثان الاسندى وعتبة بن غزوان ابن جابر السلمى وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وسهيل بن بيضاء الحارثى وعامر بن ربيعة الوائلى العنزى وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمى وخالد بن بكير الليثى كل اثنين منهم يعتقبان بعيرا وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره به ولا يستكره أحدا من أصحابه على المسير معه فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب ونظر فيه فاذا فيه اذا نظرت فى كتابى هذا امض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم* وفى رواية فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منها بخبر فلما نظر فى الكتاب قال سمعا وطاعة ثم قال لاصحابه قد أمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن امضى الى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهانى أن استكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لامر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد وسلك على الحجاز حتى اذا كان بمكان فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة ابن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا فى طلبه وحبسهما ابتغاؤه ومضى عبد الله وبقية أصحابه* وفى الوفاء مضى العشرة حتى نزلوا نخلة فمرت بهم عير قريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيهم عمرو بن الحضرمى واسم الحضرمى عبد الله والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فقال عبد الله ابن جحش ان القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرّض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فلما رأوه أمنوا وقالوا قوم عمار لا بأس عليكم منهم وتشاور القوم فيهم وذلك فى آخر يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 من رجب فقالوا لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم فى الشهر الحرام* وفى سيرة مغلطاى فتشاور المسلمون وقالوا نحن فى آخر يوم من رجب فان نحن قاتلنا انتهكنا حرمة الشهر وان تركناهم الليلة دخلوا حرم مكة* وفى الكشاف وكان ذلك أوّل يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فتردّد القوم وهابوا الاقدام ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمى بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة وقد عزل عبد الله ابن جحش لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خمس تلك الغنيمة وقسم سائرها بين أصحابه وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من الغنائم فلما أحل الله الفئ بعد ذلك وأمر بقسمه وفرض الخمس فيه وقع على ما كان عبد الله صنع فى تلك العير فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام فوقف العير والاسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم شقط فى أيدى القوم وظنوا انهم قد هلكوا وعنفهم اخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الاموال وأسروا فيه الرجال* وفى رواية غير ابن اسحاق قالت قريش قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف وينتشر فيه الناس الى معائشهم وعير بذلك أهل مكة من بها من المسلمين وقالوا يا معشر الصاة قد استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وكتبوا فى ذلك تشنيعا وتعييرا قال ابن اسحاق فقال من يردّ عليهم من المسلمين ممن كان بمكة انما أصابوا ما أصابوا فى شعبان وقالت اليهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمى قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمى حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله عليهم ذلك لا لهم فلما أكثر الناس فى ذلك أنزل الله تعالى على رسوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّعن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل أى ان كنتم قتلتم فى الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام واخراجكم منه وانتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منه والفتنة أكبر من القتل أى قد كانوا يفتنون المسلم فى دينه حتى يردّوه الى الكفر بعد ايمانه فذلك أكبر عند الله من القتل فلما نزل القرآن بهذا من الامر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشقق قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم العير والاسيرين وبعثت اليه قريش فى فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعنى سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان فانا نخشاكم عليهما فان تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم فأما الحكم ابن كيسان فأسلم وحسن اسلامه وأقام عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا* وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات كافرا فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا فى الاجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم انّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء قال ابن هشام وهى أوّل غنيمة غنمها المسلمون وعمرو بن الحضرمى أوّل من قتله المسلمون وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أوّل من أسر المسلمون قال ابن اسحاق قال أبو بكر الصدّيق فى غزوة عبد الله بن جحش هذه الابيات وقال ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 هشام بل قالها عبد الله بن جحش تعدّون قتلى فى الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد صدودكم عنا بقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد واخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله فى البيت ساجد فانا وان عيرتمونا بقتله ... وأرجف بالاسلام باغ وحاسد سقينا من ابن الحضرمى رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد دما وابن عبد الله عثمان بيننا ... ينازعه غلّ من القدّ عاند تحويل القبلة وفى نصف شعبان هذه السنة يوم الثلاثاء كما قاله ابن حبيب الهاشمى حوّلت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة وقيل فى رجب وكان عليه السلام يصلى الى بيت المقدس بالمدينة ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر وقيل ثمانية عشر* وقال الحربى قدم عليه السلام المدينة فى ربيع الاوّل فصلى الى بيت المقدس الى تمام السنة وصلّى من سنة اثنتين ستة أشهر ثم حوّلت القبلة ثم فرض صوم رمضان بعد ما حوّلت القبلة الى الكعبة بشهر بل بنصف شهر روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة الى الكعبة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشىّ فلما عرج به الى السماء أمر بالصلوات الخمس فصارت ركعتين فى الاوقات غير المغرب للمسافر والمقيم وبعد ما هاجر الى المدينة زيد فى صلاة الحضر وأمر أن يصلى نحو بيت المقدس لئلا تكذبه اليهود لان نعته فى التوراة انه صاحب قبلتين وكانت الكعبة أحب القبلتين اليه فأمره الله تعالى أن يصلى الى الكعبة قال الله تعالى قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام كذا عن ابن عباس* وفى الكشاف وأنوار التنزيل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة الى الكعبة ثم أمر بالصلاة الى بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود* وعن ابن عباس كانت قبلته بمكة بيت المقدس الا انه كان يجعل الكعبة بينه وبيته انتهى وفى زبدة الاعمال أقام صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد نزول جبريل ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة وقيل عشرا والصحيح الاوّل وكان يصلى الى بيت المقدس مدّة اقامته بمكة ولا يستدبر الكعبة ويجعلها بين يديه وقال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى ظاهر حديث ابن عباس يدل على أن استقبال بيت المقدس انما وقع بعد الهجرة الى المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس وأخرج الطبرى أيضا من طريق ابن جريج انه أوّل ما صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى الكعبة ثم صرف الى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر وصلّى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله الى الكعبة وقوله فى حديث ابن عباس الاوّل أمره الله يردّ من قال انه صلّى الى بيت المقدس باجتهاد وعن أبى العالية انه صلّى الى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب وهذا لا ينفى أن يكون بتوقيف كذا فى المواهب اللدنية وعن محمد بن شهاب الزهرى قال لم يبعث الله عز وجل منذ هبط آدم الى الدنيا نبيا الاجعل قبلته صخرة بيت المقدس ولقد صلّى اليها نبينا عليه السلام ستة عشر شهرا* وأورد الغزالى فى الوسيط ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يستقبل الصخرة من بيت المقدس مدّة مقامه بمكة وهى قبلة الانبياء واياها كانت اليهود تستقبل وكان عليه السلام لا يؤثره بأن يستدبر الكعبة فلا يقف الابين الركنين اليمانيين ويستقبل جنوب الصخرة فلما هاجر الى المدينة لم يمكنه استقبالها الا باستدبار الكعبة فشق ذلك عليه فنزلت فولّ وجهك الآية فيكون بعد التحويل وجهه الى موضع الحجر لانه فى مقابل الجدار الذى فيه الركنان اليمانيان ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 القاضى البيضاوى فى حواشى أنوار التنزيل روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم زار بشر بن البراء ابن معرور فى بنى سلمة فتغدّى هو وأصحابه وجاءت الظهر فصلى بأصحابه فى مسجد القبلتين ركعتين من الظهر نحو الشأم ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع فى الركعة الثانية فاستدار الى الكعبة ودارت الصفوف خلفه ثم أتم الصلاة فسمى مسجد القبلتين* وفى المواهب اللدنية وقع عند النسائى انها الظهر وظاهر حديث البراء فى البخارى انها كانت صلاة العصر وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر الى صلاة الفجر من اليوم الثانى كما فى الصحيحين وفى هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدّم نزوله لانهم لم يؤمروا باعادة العصر والمغرب والعشاء والله أعلم قال الواقدىّ كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا وعن البراء على رأس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على اختلاف الاقوال* وفى الكشاف وأنوار التنزيل والاستيعاب روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه الى الكعبة فى رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين وقد صلّى بأصحابه فى مسجد بنى سلمة ركعتين من الظهر فتحوّل فى الصلاة واستقبل الميزاب وتبادل الرجال والنساء صفوفهم فسمى المسجد مسجد القبلتين وفى تبصير الرحمن نزلت الفاتحة بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة حين حوّلت القبلة لدلالتها على أنه رب الجهات كلها وقد اختار أفضلها فله الحمد* تجديد بناء مسجد قباء وفى هذه السنة كان تجديد بناء مسجد قباء روى عن أبى سعيد الخدرى قال لما صرفت القبلة الى الكعبة اتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد الى موضعه اليوم وأسسه بيده وحوّل قبلته الى جهة الكعبة وكانت الى جهة بيت المقدس ونقل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه الحجارة لبنائه وقد مرّت فضيلة لصلاة فيه فى أوّل مقدمه قباء* نزول فرض رمضان وفى شعبان هذه السنة نزلت فريضة رمضان* وفى معالم التنزيل ويقال انزل فرض شهر رمضان قبل رمضان بشهر وأيام على ما روى عن أبى سعيد الخدرى قال نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة الى الكعبة فى شعبان بشهر على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة فلما فرض رمضان لم يأمرهم بصيام عاشوراء ولانهاهم عنه* غزوة بدر الكبرى وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الكبرى فى معالم التنزيل وسيرة ابن هشام قال ابن اسحاق كانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة السابع عشر من رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة وقيل التاسع عشر من رمضان والاوّل أصبح وكذا فى المنتقى* وفى المواهب اللدنية بعد الهجرة بتسعة عشر شهرا وكان خروج المسلمين من المدينة لاثنتى عشرة ليلة مضت من رمضان وقال ابن هشام لثمان ليال خلون من رمضان وفى الاستيعاب وكانت غزوة بدر فى السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وليس فى غزواته ما يعدل بها فى الفضل ويقرب منها غزوة الحديبية حيث كان فيها بيعة الرضوان وذلك سنة ست وقال ابن اسحاق فى ليال مضت من رمضان وبدر بالفتح والسكون بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر بن قريش بن مخلد بن النضر بن كنانة وقيل بدر رجل من بنى ضمرة سكن ذلك الموضع فنسب اليه ثم غلب اسمه ويقال بدر اسم البئر التى بها سميت لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها وحكى الواقدىّ انكار ذلك كله من غير واحد من شيوخ بنى غفار قالوا انما هى ماؤنا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر وانما هى علم عليها كغيرها من البلاد* وفى معجم ما استعجم بدر ماء على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة فى طريق مكة وبدر مذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء* قال ابن كثير وهو يوم الفرقان الذى أمدّ الله فيه نبيه والمسلمين بالملائكة وفى الوفاء وهو يوم الفرقان الذى أعز الله فيه الاسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله هذا مع قلة عدد المسلمين وكثرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 العدوّ مع ما كانوا فيه من سوابغ الحديد والعدّة الكاملة والخيول المسوّمة والخيلاء الزائد فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأخزى الشيطان وجبله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة أى قليل عددكم فقد كانت هذه أعظم غزوات الاسلام اذ منها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره ومن حين وقوعها أذل الله الكفار وأعز من حضرها من المسلمين فهم عند الله من الابرار* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان بن حرب مقبلا من الشأم فى عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تحاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو اربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام* وقال غيره كانت العير زها ألف بعير وفى أحمالها من التمر والشعير والبرّ والزبيب وغير ذلك كذا فى الينابيع وهى العير التى كان فيها أبو سفيان بن حرب مع جمع من قريش خرجوا من مكة الى الشأم وكان صلّى الله عليه وسلم خرج اليها وسار الى العشيرة فلم يدركها فرجع الى المدينة فأخبر جبريل بقفول العير من الشأم فأخبر النبى صلّى الله عليه وسلم المسلمين فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأبى سفيان مقبلا من الشأم ندب المسلمين اليهم وقال هذه عير قريش فيها أموال فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها فانتدب المسلمون فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك انهم لم يظنوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان بن حرب حين دنا من الحجاز يتجسس الاخبار ويسأل من لقى من الركبان تخوّفا عن أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى فبعثه الى مكة وأمره أن يأتى قريشا فيستنفرهم الى أموالهم ويخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها فى أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا الى مكة قال ابن اسحاق وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث رؤيا أفزعتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخى والله لقد رأيت البارحة رؤيا أفزعتنى وتخوّفت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة فاكتم عنى ما أحدّثك وما رأيت فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لصارعكم فى ثلاث فأرى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم فى ثلاث ثم مثل به بعيره على أبى قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى اذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار الا دخلها منها فلقة قال العباس والله ان هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لاحد ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه اياها فذكرها الوليد لابيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدّثت به قريش قال العباس فغدوت لاطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام فى رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة فلما رآنى أبو جهل قال يا أبا الفضل اذا فرغت من طوافك فأقبل الينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست بينهم فقال لى أبو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال تلك الرؤيا التى رأت عاتكة قال قلت وما رأت فقال يا بنى عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة فى رؤياها انه قال انفروا لمصارعكم فى ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يك حقا ما تقول فسيكون وان تمض الثلاث ولم يكن شىء من ذلك نكتب عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت فى العرب قال ثم تفرّقنا فلما أمسينا لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع فى رجالكم ثم تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشئ مما سمعت قال قلت وايم الله لا تعرضنّ له فان عاد لا كفيكنه قال فغدوت فى اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب فدخلت المسجد فرأيته فو الله انى لا مشى نحوه لا تعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر اذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ قال فقلت فى نفسى ماله لعنه الله أكل هذا فرقا منى أن اشاتمه قال فاذا هو قد سمع ما لم أسمعه صوت ضمضم بن عمرو الغفارى وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحوّل رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه لا أرى ان تدركوها الغوث الغوث قال فشغلنى عنه وشغله عنى ما جاء من الامر* وفى رواية فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم وأموالكم ان أصابها محمد لن تفلحوا اذا أبدا فتجهز الناس سراعا وقالوا أيظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمى كلا والله ليعلمنّ غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج واما باعث مكانه رجلا وأرعبت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد الا ان أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة وكان قد لأط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزئ عنه فخرج عنه وتخلف ابو لهب قال ابن اسحاق وحدّثنى عبد الله بن ابى نجيح ان أمية بن خلف كان قد أجمع على القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن ابى معيط وهو جالس فى المسجد بين ظهرى قومه بمجمرة يحملها فيها نار حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا على استجمر فانما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس* وفى رواية كان أمية قد سمع من سعد بن معاذ أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال سأقتله فقال أمية والله ان محمد الا يكذب ولم يزل يخاف من ذلك فعزم للقعود فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان انك سيد أهل الوادى فسربنا يوما أو يومين فوسوس اليه حتى خرج وفى سيرة ابن هشام ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب والعداوة قالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا وكاد ذلك أن يثبطهم ويثنيهم فتبدّى لهم ابليس فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى وكان سراقة من أشراف بنى كنانة فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء تكرهونه فخرجوا سراعا* وفى رواية ولما التقى الجمعان كان ابليس فى صف المشركين على صورة سراقة بن مالك بن جعشم آخذا بيد الحارث بن هشام* وفى رواية بيد أبى جهل ورأى الملائكة نزلت من السماء ورأى جبريل معتجرا ببرد يمشى بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى يده اللجام يقود الفرس وما ركب بعد وعلم انه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه موليا هاربا فقال له الحارث الى أين أفرارا من غير قتال وحول بمكة أتخذ لنا فى هذه الحالة قال انى أرى ما لا ترون ودفع فى صدر الحارث فانطلق فانهزم الناس ولما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال بلغنى انكم تقولون انى هزمت الناس فو الله ما شعرت بمسيركم حتى بلغنى هزيمتكم فقالوا ما أتيتنا يوم كذا فحلف لهم فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء ذكر انهم كانوا يرونه فى كل منزل فى صورة سراقة لا ينكرونه حتى اذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم* روى عن السدّى والكلبى انهما قالا كان المشركون حين خرجوا الى النبى صلّى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهمّ انصر أهدى الفئتين وأعلى الجندين وأكرم الحزبين وأفضل الدين ففيه نزلت ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح فخرجت قريش من مكة سراعا معها القيان والدفوف* قال ابن اسحاق وخرج رسول الله صلّى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 عليه وسلم من المدينة لليال مضت من شهر رمضان فى أصحابه* وقال ابن هشام خرج يوم الاثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم ويقال اسمه عبد الله ابن أم مكتوم أخا بنى عامر بن لؤى على الصلاة بالناس ثم ردّ أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة وفى رواية خرج معه قوم من الانصار لطلب الغنيمة وقعد آخرون ولم تكن الانصار خرجت قبل ذلك الى عدوّ ولم يظنوا أنه عليه السلام يلقى عدوّا فلم يلهم لانه لم يخرج للقتال ولم يكن غزا بأحد قبلها وضرب عسكره على بئر أبى عنبة بلفظ واحد العنب على ميل من المدينة كذا فى الوفاء وعرض أصحابه وردّ من استصغره وكان ممن استصغره براء بن عازب وعبد الله بن عمرو كان الخيل فرسين فرس للمقداد وفرس لمرثد بن أبى مرثد* وفى رواية للزبير وفى المواهب اللدنية والوفاء معهم ثلاثة أفراس برجة فرس المقداد واليعسوب فرس الزبير وفرس لابى مرثد الغنوى يقال له السيل ولم يكن لهم يومئذ خيل غير هذه الثلاثة* وفى الكشاف وما كان معهم الا فرس واحد انتهى وكانت الدروع تسعا* وفى رواية ستا والسيف ثمانية والمسلمون ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدد أصحاب طالوت يوم جالوت الذين جاوزوا معه النهر وفى الحديث قال عليه السلام لاصحابه يوم بدر أنتم اليوم كعدد المرسلين وأصحاب طالوت يوم عبروا النهر كذا فى العمدة* منهم سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الانصار* وفى رواية منهم ثمانون من المهاجرين وباقيهم من الانصار ولابى داود والذين كانوا معه عليه السلام يوم بدر ثلثمائة وخمسة عشر رجلا وكذا فى شواهد النبوّة وفى صحيح البخارى والكشاف والوفاء ثلثمائة وبضعة عشر رجلا وقد ذكرهم الامام البخارى فى صحيحه وسيجىء ذكرهم فى هذا الكتاب بالتفصيل ان شاء الله تعالى* قال العلامة الدوانى فى شرح العقائد العضدية سمعنا من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم فى البخارى مستجاب وقد جرب ذلك* وفى المواهب اللدنية وكان عدّة من خرج ثلثمائة وخمسة ثمانية منهم لم يحضروها بعذر انما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم وكانوا كمن حضرها ثلاثة منهم من المهاجرين أحدهم عثمان بن عفان خلفه النبىّ صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية زوجة عثمان وكانت مريضة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان لك لاجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه رواه البخارى والثانى والثالث طلحة وسعيد عينا النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعثهما لتجسس العير فسارا حتى بلغا الخرار فكمنا هناك فمرت بهما العير فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر فخرج ورجعا يريد ان المدينة ولم يعلما بخروج النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقدما المدينة بخبر العير وقد كان صلّى الله عليه وسلم قبل مجيئهما خرج منها بقصد العير* وفى رواية فقد ما المدينة فى اليوم الذى لاقى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم المشركين فخرجا يعترضان رسول الله فلقياه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما وأجرهما فكانا كمن شهدها وخمسة من الانصار أحدهم أبو لبابة ردّه من الطريق لخلافة المدينة والثانى عاصم بن عدى العجلانى استعمله على أهل العوالى والثالث حارثة بن حاطب بعثه من الروحاء الى بنى عمرو بن عوف والرابع والخامس الحارث بن الصمة وخوات بن جبير سقطا من الابل فأصابهما بعض الكسر فردّهما من الطريق* وفى المواهب اللدنية كان عدد المشركين ألفا ويقال تسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس وسبعمائة بعير ولما نظر عليه السلام الى أصحابه ورأى قلة عددهم وعدتهم قال اللهم انهم حفاة فاحملهم اللهم انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فأشبعهم اللهم انهم عالة فأغنهم من فضلك فاستجيبت دعوته ففتح الله له ذلك وما من رجل منهم الا رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ودفع عليه السلام اللواء الى مصعب ابن عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام وكان أبيض وكان أمام رسول الله صلّى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 عليه وسلم رايتان سوداوان احداهما مع علىّ بن أبى طالب يقال لها العقاب والاخرى مع بعض الانصار وكانت ابل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلىّ بن أبى طالب ومرثد بن أبى مرثد يعتقبون بعيرا* وفى الكشاف يعتقب النفر منهم على البعير الواحد* وفى رواية كان زميلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ذلك السفر علىّ بن أبى طالب وأبو لبابة أوّلا وزيد بن حارثة آخرا* وفى الحديث اذا كان عقبة النبىّ صلّى الله عليه وسلم قالوا اركب يا رسول الله حتى نمشى عنك فيقول ما أنتما بأقوى على السير منى وما أنا بأغنى عن الاجر منكما* وقال ابن اسحاق وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا* قال ابن اسحاق وجعل على الساقة قيس بن أبى صعصعة أخا بنى مازن بن النجار وكانت راية الانصار مع سعد بن معاذ فيما قال ابن هشام قال ابن اسحاق فسلك طريقه من المدينة الى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذى الحليفة ثم على آلات الجيش قال ابن هشام ذات الجيش قال ابن اسحاق ثم مر على تربان ثم على ملل ثم على عميس الحمائم من مرتين ثم على صخيرات اليمام ثم على السيالة ثم على فج الروحاء ثم على شنوكة وهى الطريق المعتدلة حتى اذا كان بعرق الظبية قال ابن هشام عن غير ابن اسحاق لقوا رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أوفيكم رسول الله فقالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرنى عما فى بطن ناقتى هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقبل علىّ أنا أخبرك عن ذلك نزوت عليها ففى بطنها منك سخلة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم مه فحشت على الرجل ثم أعرض عن سلمة ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم سجسج وهى بئر الروحاء* وفى معالم التنزيل أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالروحاء عينا للقوم فأخبره بهم فبعث صلّى الله عليه وسلم عينا له من جهينة حليفا للانصار يدعى ابن الاريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم ارتحل من الروحاء حتى اذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا فسلك فى ناحية منها حتى جزع واديا يقال له رحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم علا المضيق ثم انصب به حتى اذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنى حليف بنى ساعدة وعدىّ بن أبى الزغباء الجهنى حليف بنى النجار الى بدر يتجسسان له الاخبار عن أبى سفيان وغيره* وفى خلاصة الوفاء الصفراء تأنيث الاصفر واد كثير العيون والنخل سلكه النبى صلّى الله عليه وسلم مرجعه من بدر الكبرى وقال محمد سلك غير مرّة فمضى العينان حتى نزلا بدرا فأناخا الى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء فسمع جاريتين من جوارى الحاضر وهما يتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما ترد العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذى لك فقال مجدى بن عمرو وكان على الماء صدقت ثم خلص بينهما فلما سمع بذلك عدى وبسبس جلسا على بعيريهما ثم انطلقا فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبراه ثم تقدّم أبو سفيان العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدى هل احسست أحدا قال ما رأيت أحدا أنكره الا انى قد رأيت راكبين أناخا الى هذا التل ثم استقيا فى شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فاذا فيه كسيرات النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع الى أصحابه سريعا فصرف وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار وانطلق حتى أسرع قال ابن اسحاق ثم ارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد قدّم العينين فلما استقبل الصفراء وهى قرية بين جبلين سأل عن جبليها ما أسماؤهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فقالوا لاحدهما هذا مسلح وللآخر هذا محزى وسأل عن أهلهما فقالوا بنو النار وبنو حراق بطنان من غفار فكرههما رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمرور بينهما وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما فتركهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم والصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له دفران وجزع فيه ثم نزل* وفى خلاصة الوفاء دفران واد معروف قبل الصفراء بيسير يصب سيله فيها من المغرب يسلكه الحاج المصرى فى رجوعه الى ينبع فيأخذ ذات اليمين كما فعله النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ذهابه الى غزوة بدر وبه مسجد يتبرّك به على يسار السالك الى ينبع وأظنه مسجد دفران* وفى القاموس دفران بكسر الفاء واد قرب الصفراء* قال ابن اسحاق ثم نزل دفران فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش* وفى الكشاف وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوادى دفران فنزل جبريل وقال يا محمد ان الله وعدك احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب اليكم أم النفير قالوا بل العير أحب الينا من لقاء العدوّ فتغير وجه رسول الله ثم ردّ عليهم فقال ان البعير قد مضت من ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل قالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدوّ فقام عند غضب النبىّ صلّى الله عليه وسلم أبو بكر فقال وأحسن ثم قام عمر فقال وأحسن ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فو الله لو سرت الى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الانصار* وفى معجم ما استعجم ابين بكسر أوّله واسكان ثانيه وبعده ياء معجمة باثنتين من تحتها مفتوحة ثم نون اسم رجل كان فى الزمن القديم وهذا الذى ينسب اليه عدن ابين من بلاد اليمن انتهى ثم قام مقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك فو الله ما نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دام مناعين نطرف نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك فو الذى بعثك بالحق لو سرّت بنا الى برك الغماد يعنى مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال له خيرا وفى رواية أشرق وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسر بذلك* وقال ابن هشام ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أشيروا علىّ انما يريد الانصار وذلك انهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله انا برآء من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فأنت فى ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتخوّف أن لا تكون الانصار ترى عليها نصرة الا ممن دهمه بالمدينة من عدوّه وان ليس عليهم أن يسير بهم الى عدوّ من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك مواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا انا لصبر فى الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقرّبه عينك فسربنا على بركة الله فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك وقال سيروا وأبشروا فان الله قد وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دفران فسلك على ثنايا يقال لها الاصافر ثم انحط منها الى بلد يقال لها الدبة فى الوفاء الدبة بفتح أوّله وتشديد الموحدة من تحت كدبة الدهن معناه مجتمع الرمل موضع بين أصافر وبدر اجتاز به النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد ارتحاله من دفران يريد بدرا* وفى القاموس الدبة بالضم موضع قرب بدر قال ابن اسحاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه قال ابن هشام الرجل أبو بكر الصدّيق قال ابن اسحاق حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبر كما حتى تخبرانى ممن أنتما فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا أخبرتنا أخبرناك قال أو ذاك بذاك قال نعم فقال الشيخ فانه قد بلغنى ان محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدقنى الذى أخبرنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبلغنى أن قريشا خرجوا من يوم كذا وكذا فان كان الذى أخبرنى صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ماء من ماء أمن ماء العراق* وفى المنتقى أراد صلى الله عليه وسلم أن يوهمه انه من العراق وكان العراق يسمى ماء لكثرة الماء فيه وانما أراد انه خلق من نطفة ماء* قال ابن هشام يقال الشيخ سفيان الضمرى قال ابن اسحاق ثم رجع رسول الله الى أصحابه فلما أمسى بعث علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوّام وسعد بن أبى وقاص فى نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر فأصابوا راوية لقريش فيها غلام اسود لبنى الحجاج اسمه أسلم وغلام لبنى العاص بن سعد اسمه عريض أبو يسار وفرّ الباقون وكانوا كثيرا وأوّل من بلغ مشركى قريش من الفرّار رجل اسمه عجير فبلغهم خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال يا آل غالب هذا ابن أبى كبشة مع أصحابه قد أخذوا راويتكم مع غلامين فوقع فى جيشهم انزعاج واضطراب وخوف فلما أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالغلامين سألوهما ورسول الله صلّى الله عليه وسلم قائم يصلى فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال اذا صدقاكم ضربتموهما واذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش أخبرانى عن قريش قالاهم والله وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال كم القوم فقالا كثير قال ما عدّتهم قالا لا ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البخترى بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدى بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبدودّ فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت اليكم أفلاذ كبدها قال ابن اسحاق ولما أقبلت قريش ونزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال انى أرى فيما يرى النائم وانى لبين النائم واليقظان اذ نظرت الى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدّ رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ثم رأيته ضرب فى لبة بعيره ثم أرسله فى العسكر فما بقى خباء من أخبية العسكر الا أصابه نضح من دمه فبلغت أبا جهل فقال وهذا أيضا نبى آخر من بنى المطلب سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا قال ابن اسحاق ولما رأى أبو سفيان انه قد أحرز عيره أرسل الى قريش انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق فى كل عام فنقيم عليه ثلاثا فنخر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 بنا العرب وبسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها فامضوا فوافوها فسقوا كؤس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة ابن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلونى جبنها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بأن تخرجوا فى ضيعة لا تسمعوا ما يقول هذا يعنى أبا جهل فرجعوا فلم يشهدها زهرى واحد وأطاعوه وكان فيهم مطاعا ولم يكن بقى من قريش بطن الا وقد نفر منهم ناس الا بنى عدى بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد* روى أن أبا سفيان صادفهم فقال يا بنى زهرة لا فى العير ولا فى النفير وهو أوّل من قال هذا قالوا أنت أرسلت الى قريش أن ترجع وفى بعض التفاسير قال أخنس بن شريق يا قوم اذا حصل مرادنا الذى هو نجاة أموالنا فلنرجع فقال له أبو جهل أخنس فرجع فى ثلثمائة من بنى زهرة فسمى أخنس لاختزاله من الحرب ولما بلغ أبا سفيان قول أبى جهل قال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يعنى أبا جهل روى ان أبا سفيان لما بلغ العير الى مكة رجع ولحق بجيش قريش فمضى معهم الى بدر فجرح يومئذ جراحات وأفلت هاربا ولحق بمكة راجلا قال ابن اسحاق ومضى القوم وكان بين طالب بن أبى طالب وكان فى القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد عرفنا يا بنى هاشم وان خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب الى مكة مع من رجع قال طالب بن أبى طالب لاهمّ اما يغنزونّ طالب ... فى عصبة محالف محارب فى مقنب من هذه المقانب ... فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب قال ابن اسحاق ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادى خلف العقنقل وبطن الوادى وهو يليل بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذى خلفه قريش والقليب ببدر فى العدوة الدنيا من بطن يليل الى المدينة وبعث الله السماء وكان الوادى دهسا فأصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبدلهم الارض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبادرهم الى الماء حتى اذا جاء أدنى ماء ببدر نزل به* وفى الكشاف وغيره من التفاسير مضت قريش حتى أناخت بالعدوة القصوى أى البعدى عن المدينة خلف العقنقل العدوة شط الوادى وكان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها للمشى فيها ونزل المسلمون بالعدوة الدنيا أى القربى الى جهة المدينة ولا ماء فيها وكانت كثيبا أعفر رخوا تسوخ فيه الاقدام وحوافر الدواب ولا يمشى فيها الّا بتعب وكانت الركب أى العير وقوّادها بمكان أسفل من مكان المسلمين بثلاثة أميال الى جهة وراء ظهر العدوّ يعنى الساحل وكذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى شواهد النبوّة روى أنه فى الليلة السابقة على يوم الحرب غلب النوم والامنة على المسلمين بحيث لم يقدروا أن يكونوا أيقاظا* وعن الزبير أنه قال سلط علىّ النوم بحيث كلما أردت أن أجلس لم أقدر فيلقينى النوم على الارض وكذا كان حال النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه* قال سعد بن أبى وقاص رأيتنى تقع ذقنى بين ثديىّ فلما أنتبه أسقط على جنبى قال رفاعة غلب علىّ النوم حتى احتلمت وتغسلت وكان مشركو قريش بقرب منهم وقد غلب عليهم الخوف فبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليهم عمار بن ياسر وابن مسعود فرجعا وقالا يا رسول الله غلب على المشركين الخوف حتى اذا صهل خيلهم يضربون وجوهها من شدّة الخوف* روى ان المسلمين ناموا فاحتلم أكثرهم وأجنوا وقد غلب المشركون على الماء فتمثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 لهم الشيطان فوسوس اليهم فقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وآية التيمم لم تنزل بعد وتزعمون انكم أولياء الله وفيكم رسوله فأشفقوا فأرسل الله عليهم السماء ليلا حتى سال منها الوادى فاتخذوا الحياض على عدوة الوادى وشربوا وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضأوا وملؤا الاسقية وانطفأ للغبار وتلبدت لهم الارض حتى تثبت عليها الاقدام ولم تمنعهم من المسير وزالت عنهم الوسوسة وطابت النفوس كما قال تعالى اذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام وقيل يثبت به الاقدام بالصبر وقوّة القلب فحصل بذلك للمسلمين اطمئنان وزال عنهم الخوف ولما كانت العدوة القصوى مناخ قريش أرضا سهلا لينا لم تبلغ أن تكون رملا وليس هو بتراب أصابهم ما لم يقدروا ان يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبادر الى الماء حتى اذا أتى أدنى ماء من بدر نزل به قال ابن اسحاق حدثت عن رجال من بنى سلمة انهم ذكروا ان الخباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأى والحرب والمكيدة قال بل الزأى والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فتنزل ثم نغوّر ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأى* وفى رواية فنزل جبريل فقال الرأى ما أشار اليه الخباب كذا فى المنتقى فنهض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين فسار حتى اذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغوّرت وبنى حوضا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية وكان نزوله بدرا عشاء ليلة الجمعة السابعة عشر من رمضان كما مرّ ولما نزل قام مع جماعة من أصحابه يسير فى عرصة بدر ويضع يده على الارض ويقول هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان يرى أصحابه مصارع صناديد قريش فو الله ما تجاوز أحد منهم عن الموضع الذى عين له بل قتل فيه* قال ابن اسحاق فحدثنى عبد الله بن أبى بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبىّ الله ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعدّ عندك ركائبك ثم نلقى عدوّنا فان أعزنا الله وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبىّ الله ما نحن لك بأشدّ حبا منهم ولو ظنوا انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عريش فكان فيه* وفى خلاصة الوفاء مسجد بدر كان العريش الذى بنى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم بدر عنده وهو معروف عند النخيل والعين قريبة منه وبقربه فى جهة القبلة مسجد آخر تسميه أهل بدر مسجد النصر ولم أقف فيه على شىء* قال ابن اسحاق وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذى جاؤا منه الى الوادى قال اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهمّ فنصرك الذى وعدتنى اللهمّ أحنهم الغداة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة فى القوم على جمل له أحمران يك فى أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمران يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاف ابن ايماء بن رحضة الغفارى أو أبوه ايماء بن رحضة الغفارى بعث الى قريش حين مروان ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال ان أحببتم ان نمدّكم بسلاح ورجال فعلنا قال فأرسلوا اليه ان وصلتك رسم وقد قضيت الذى عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم ولئن كنا انما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه يومئذ رجل الا قتل الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن اسلامه فكان اذا اجتهد فى يمينه قال والذى نجانى يوم بدر ولما اطمأنّ القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحى فقالوا احرز لنا أصحاب محمد فدار بفرسه حول العسكر ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه ولكن أمهلونى حتى أنظر للقوم كمين أو مدد فضرب فى الوادى حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع اليهم فقال ما رأيت شيئا ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا* وفى رواية الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع* وفى المنتقى السم الناقع أى القاتل قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل رجل منكم فاذا أصابوا منكم أعدادهم فلا خير فى العيش بعد ذلك فروا رأيكم* روى انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم رأى المشركين فى وقعة بدر فى المنام قليلا فأخبر بذلك أصحابه وكان تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوّهم ولو أراه اياهم كثيرا لفشلوا وجبنوا وهابوا الاقدام عليهم وتنازعوا فى أمر القتال وتردّدوا بين الثبات والفرار فقلل الله الكافرين فى أعين المؤمنين حتى قال ابن مسعود لمن الى جنبه أتراهم سبعين فقال أراهم مائة وكانوا ألفا تثبيتا وتصديقا لرؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليجترئوا عليهم وقلل المؤمنين فى أعين الكافرين قبل التحام القتال حتى قال أبو جهل انّ محمدا وأصحابه أكلة جزور ليجترئؤا عليهم ولئلا يرجعوا عن قتالهم ولئلا يستعدوا لهم ثم كثرهم فى أعينهم حتى يروهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة فان البصر وان كان قديرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا الى هذا الحد وانما يتصوّر ذلك بصدّ الله تعالى الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوى فى الشرط كذا فى أنوار التنزيل* فلما سمع حكيم بن حزام قول عمير تمشى فى الناس فأتى عتبة فقال يا أبا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى أن لا تزال تذكر منها بخير الى آخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى قال قد فعلت أنت علىّ بذلك انما هو حليفى فعلىّ عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية يعنى أبا جهل والحنظلية أم أبى جهل وهى أسماء بنت مخرمة أحد بنى نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة فانى لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره ثم قام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبتموهم لا يزال الرجل ينظر فى وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان أصابوه فذلك الذى أردتم وان كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى عتبة فى القوم على جمل له أحمر الى آخر الحديث كما مرّ قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيئها فقلت له يا أبا الحكم ان عتبة أرسلنى اليك بكذا وكذا الذى قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما يعتبة ما قال ولكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه قد تخوّفكم عليه يعنى أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم* وفى المنتقى قال عتبة فى جواب حكيم قد فعلت يعنى قال أنا أتحمل بدم حليفى فاذهب الى ابن الحنظلية يعنى أبا جهل فقل له هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فاذا هو فى جماعة من بين يديه ومن ورائه فاذا بابن الحضرمى واقف على رأسه وهو يقول قد فسخت عقدى من بنى عبد شمس وعقدى الى بنى مخزوم فقلت له يقول لك عتبة هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك قال أما وجد رسولا غيرك* قال حكيم فخرجت أبادر الى عتبة وهو متكىء على ايماء بن رحضة وقد أهدى الى المشركين عشر جزائر فطلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 أبو جهل والشرّ فى وجهه فقال لعتبة* انتفخ سحرك* وهذا الكلام تقوله العرب للجبان فقال له عتبة ستعلم غدا من انتفخ سحره أنا أم أنت* وفى رواية قال له عتبة اياى تعيريا صفرا سته انما قال هذا لانّ أبا جهل كان به برص فى ألبته وكان يردعها بالزعفران فغضب أبو جهل وسل سيفه وضرب به متن فرسه فقال له ايماء بن رحضة بئس الفأل* قال ابن هشام ثم بعث أبو جهل الى عامر بن الحضرمى فقال هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثارك بعينك فقم وانشد حفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف ثم صرخ واعمرواه وا عمرواه فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأى الذى دعاهم اليه عتبة ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها فى رأسه فما وجد فى الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له وعقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية وكان لواؤه الاعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الخباب بن المنذر ولواء الاوس مع سعد بن معاذ وجعل شعار المهاجرين يا بنى عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بنى عبد الله وشعار الاوس يا بنى عبيد الله وقيل كان شعار الكل يا منصور أمت وفى اكتفاء الكلاعى كان شعار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحد أحد وكان مع المشركين ثلاثة ألوية لواء مع عبد العزيز بن عمير ولواء مع النضر بن الحارث ولواء مع طلحة بن أبى طلحة كلهم من بنى عبد الدار وخرج الاسود بن عبد الاسد المخزومى وكان رجلا شرساسيئ الخلق فقال أعاهد الله لاشر بن من حوضهم أو لاهد منه أولا موتن دونه فخرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد بزعمه أن تبرّ يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله فى الحوض ثم خرج بعده عتبة ابن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى اذا فصل من الصف دعا الى المبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة وهم عوف ومعاذا بنا الحارث وأمهما عفراء ورجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الانصار قالوا ما لنا بكم من حاجة* قال ابن اسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ عتبة بن ربيعة قال للفتية من الانصار حين انتسبوا أكفاء كرام انما نريد قومنا قال فنادى مناديهم يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا على فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من أنتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علىّ علىّ قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علىّ الوليد بن عتبة فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله وأما علىّ فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكرّ حمزة وعلىّ بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه الى أصحابه* وقال موسى بن عقبة وقد صح ان قوله تعالى هذان خصمان اختصموا فى ربهم الآية نزل فى هؤلاء الستة* وفى رواية قتل علىّ الوليد ثم قام شيبة بن ربيعة فقام اليه عبيدة بن الحارث فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة فصرعه وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها أسفل من الركبتين وصرعا جميعا وقام عتبة فقام اليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فأهوى عبيدة بن الحارث وهو صريع فضرب عتبة فقطع ساقه فقام اليه حمزة فضربه حتى برد واحتمل علىّ وحمزة عبيدة فجاءا به الى أصحابه وقد قطعت رجله ومخ ساقه يسيل فلما أتوا بعبيدة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ألست شهيدا يا رسول الله قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم انى أحق منه حيث يقول ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وفى رواية أنشأ عبيدة هذين البيتين فان يقطعوا رجلى فانى مسلم ... وأرجوبه عيشا من الله عاليا فألبسنى الرحمن من فضل منه ... لباسا من الاسلام غطى المساويا ومات فدفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصفراء وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل عاش أياما ثم مات بالروحاء كذا فى المنتقى* وفى ذخائر العقبى قيل ان حمزة قتل يوم بدر عتبة بن ربيعة مبارزه قاله موسى بن عقبة وقيل بل قتل شيبة بن ربيعة مبارزه قاله ابن اسحاق وغيره وقتل يومئذ طعيمة بن عدى أخا مطعم بن عدى وقتل الاسود بن عبد الاسد المخزومى يومئذ فى الحوض وقتل سباعا الخزاعى وقيل بل قتله يوم أحد قبل أن يقتل* وفى اكتفاء الكلاعى ذكر ابن عقبة انه لما طلب القوم المبارزة فقام اليه ثلاثة نفر من الانصار استحيى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من ذلك لانه كان أوّل قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلّى الله عليه وسلم شاهد معهم فأحب النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبنى عمه فناداهم أن ارجعوا الى مصافكم وليقم اليهم بنو عمهم فعند ذلك قام حمزة وعلىّ وعبيدة* قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال ان كبتكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى العريش ومعه أبو بكر الصدّيق وعدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ صفوف أصحابه وفى يده قدح يعدّل به القوم فمرّ بسواد بن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مستنثل من الصف أى بارز فطعن فى بطنه بالقدح وقال استويا سواد فقال يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى فكشف رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم له بخير ثم عدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصفوف ورجع الى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر ليس معه فيه غيره ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد فى الارض أبدا وأبو بكر يقول يا نبىّ الله يكفيك بعض مناشدتك ربك فانّ الله منجز لك ما وعدك* روى النسائى والحاكم عن علىّ أنه قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى سجوده يا حىّ يا قيوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك* وفى المواهب اللدنية فى صحيح مسلم عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر دخل العريش فاستقبل القبلة ومدّيده وجعل يهتف بربه اللهم أنجزلى ما وعدتنى فما زال يهتف بربه مدّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبىّ الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم مرسل اليكم مددا لكم بألف من الملائكة مردفين متتابعين بعضهم فى اثر بعض وعلى قراءة فتح الدال معناه أردف الله المسلمين وجاءهم بهم مددا وفى الآية الاخرى بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فقيل فى معناه ان الالف أردفهم بثلاثة آلاف فكان الاكثر مدد اللاقل وكان الالف مردفين لمن وراءهم والالف هم الذين قاتلوا مع المؤمنين وهم الذين قال الله لهم فثبتوا الذين آمنوا وكانوا فى صورة الرجال ويقولون للمؤمنين اثبتوا فان عدوّكم قليل وانّ الله معكم* وقال الربيع ابن أنس أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف قال ابن اسحاق وقد خفق رسول الله خفقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وهو فى العريش ثم انتبه* وفى رواية البخارى أخذته صلّى الله عليه وسلم سنة من النوم ثم استيقظ متبسما فقال ابشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع يريد الغبار وقد رمى مهجع مولى عمر بسهم فقتل فكان أوّل قتيل من المسلمين ثم رمى حارثة بن سراقة أحد بنى عدى ابن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الناس وهو يثب فى الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر فحرّضهم ونفل كل امرئ ما أصاب وقال والذى نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبرا لا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام أخو بنى سلمة وفى يده تمرات يأكلهنّ بخ بخ فما بينى وبين أدخل الجنة الا أن يقتلنى هؤلاء فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول ركضا الى الله بغير الزاد ... الا التقى والعمل المفاد والصبر فى الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد غير التقى والبر والرشاد وفى المشكاة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قوموا الى جنة عرضها السموات والارض قال عمير ابن الحمام بخ بخ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله الارجاء أن أكون من أهلها قال فانك من أهلها فأخرج تمرات من كرزه أى جعبته فجعل يأكل منهنّ ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى انها الحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمرات ثم قاتلهم حتى قتل رواه مسلم قال والتقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهمّ من كان أقطعنا رحما فأتى بمالا يعرف فأحنه الغداة وكان هو المستفتح على نفسه وقال يومئذ عوف بن الحارث وهو ابن عفراء يا رسول الله ماذا يضحك الرب من عبده قال غمسة يده فى العدوّ حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل لطيفة انقلاب العصا سيفا وقاتل عكاشة بن محصن الاسدى حليف بنى عبد شمس يوم بدر بسيفه حتى انقطع فى يده فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه هزه فعاد فى يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده حتى قتل فى الردّة وهو عنده قتله طليحة الاسدى ثم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها ثم أمر أصحابه فقال شدوا فكانت الهزيمة وجعل الله تلك الحصباء عظيما شأنها لم تترك من المشركين رجلا الاملأت عينيه واستولى عليهم المسلمون معهم الله وملائكته يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم مكب على وجهه لا يدرى أين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه فقتل الله من قتل من صناديد قريش وأسر من أسر من أشرافهم* قال قتادة وابو زيد ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة فى ميمنة القوم وبحصاة فى ميسرة القوم وبحصاة فى أظهرهم وقال شاهت الوجوه فانهزموا فذلك قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى* وفى معالم التنزيل تناول كفا من حصى عليه تراب فرمى فى وجوه القوم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك الا دخل فى عينيه وفى فمه ومنخره منها شىء فانهزموا ورد فهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم* وقال حكيم بن حزام لما كان يوم بدر سمعنا صوتا من السماء الى الارض كأنه صوت حصاة وقعت فى طست حين رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك الحصيات فانهزمنا فذلك قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقال نوفل بن معاوية انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصاة فى الطساس فى أفئدتنا من خلفنا وكان ذلك أشدّ الرعب علينا فلما وضع القوم أيديهم يأسرون وسعد بن معاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 قائم على باب العريش الذى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم متوشحا السيف فى نفر من الانصار يحرسون رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدوّ رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أوّل وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان فى القتل أحب الىّ من استبقاء الرجال وقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ لاصحابه انى قد عرفت ان رجالا من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ولا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم أحدا من بنى هاشم فلا يقتله ومن لقى أبا البخترى بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله واسم أبى البخترى العاصى بن هشام ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلا يقتله فانه انما خرج مستكرها قال أبو حذيفة أنقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف فبلغت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص قال عمر والله انه لاوّل يوم كنانى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأبى حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعنى فلاضربن عنقه بالسيف فو الله لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التى قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا الا أن تكفرها عنى الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا وانما نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل أبى البخترى لانه كان أكف القوم عنه بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شىء يكرهه وكان ممن قام فى نقض الصحيفة التى كتبتها قريش على بنى هاشم وبنى المطلب فلقيه المجذر بن زياد البلوى حليف الانصار يوم بدر فقال له ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك ومع أبى البخترى زميل له خرج معه من مكة وهو رجل من بنى ليث اسمه جنادة بن مليحة بنت زهير قال وزميلى فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركى زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذا لا موتن أنا وهو جميعا لا تحدّث عنى نساء مكة أنى تركت زميلى حرصا على الحياة وقال يرتجز لن يسلم ابن حرة زميله ... حتى يموت أو يرى سبيله فاقتتلا فقتله المجذر ثم أتى المجذر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال والذى بعثك بالحق انى جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى الا أن يقاتلنى فقاتلته فقتلته* وقال موسى بن عقبة يزعم ناس ان أبا اليسر قتل أبا البخترى ويأبى معظم الناس الا أن المجذر هو الذى قتله ثم أضرب ابن عقبة عن القولين وقال بل قتله بغير شك أبو داود المازنى وسلبه سيفه فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض بنى أبى البخترى وكان المجذر قد ناشده أن يستأسر وأخبره بنهى النبى صلّى الله عليه وسلم عن قتله فأبى أبو البخترى أن يستأسر وشدّ عليه المجذر بالسيف وطعنه الانصارى يعنى أبا داود المازنى بين ثدييه فأجهز عليه فقتله كذا فى الاكتفاء* قال ابن هشام حدّثنى أبو عبيدة وغيره ان عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاصى انى أراك كانّ فى نفسك شيئا اراك تظنّ أنى قتلت أباك انى لو قتلته لم أعتذر اليك من قتله ولكنى قتلت خالى العاصى بن هشام بن المغيرة فأما أبوك فانى مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فجزت عنه وقصد له ابن عمه علىّ فقتله* وقال عبد الرحمن بن عوف كان أمية بن خلف لى صديقا بمكة وكان اسمى عبد عمرو فلما أسلمت تسميت عبد الرحمن فكان يلقانى فيقول لى يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبوك فأقول نعم فيقول فانى لا أعرف الرحمن فاجعل بينى وبينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبنى باسمك الاوّل وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف فقلت يا أبا علىّ اجعل ما شئت قال فأنت عبد الاله فقلت نعم حتى اذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علىّ بن أمية آخذا بيده ومعى أدراع لى قد استلبتها فأنا أحملها فلما رآنى قال يا عبد عمرو فلم أجبه فقال يا عبد الا له فقلت نعم فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 هل لك فىّ فأنا خير لك من هذه الا دراع التى معك قال قلت نعم فطرحت الا دراع من يدى وأخذت بيده ويد ابنه علىّ وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أمالكم حاجة فى اللبن يريد الفداء ثم خرجت أمشى بهما قال عبد الرحمن قال أمية فأنا بينه وبين ابنه علىّ آخذا بأيديهما فقال يا عبد الا له من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة فى صدره قلت ذلك حمزة بن عبد المطلب قال ذلك الذى فعل بنا الافاعيل* قال عبد الرحمن فو الله انى لاقودهما اذ رآه بلال وكان هو الذى يعذبه بمكة على ترك الاسلام فيخرجه الى رمضاء مكة اذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد فلما رآه بلال قال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت ان نجوت قال قلت أى بلال أبأسيرى قال لا نجوت ان نجا قلت أتسمع يا ابن السوداء قال لا نجوت ان نجا ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت ان نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا فى مثل الشبكة وأنا اذب عنه فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فقلت انج بنفسك ولا نجاء به فو الله ما أغنى عنك شيئا فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما فكان عبد الرحمن يقول رحم الله بلا لا ذهبت أدراعى وفجعنى بأسيرى* وقاتلت الملائكة يوم بدر قال ابن عباس ولم تقاتل فى يوم سواه وكانوا يكونون فيما سواه من الايام عددا ومددا لا يضربون وقيل لم تقاتل الملائكة لا فى يوم بدر ولا فى غيره وانما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين والا فملك واحد يكفى فى اهلاك أهل الدنيا فان جبريل أهلك بريشة واحدة من جناحه مدائن قوم لوط وأهلك ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة وكانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها فى ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا* وذكر ابن هشام عن علىّ فى سيماء الملائكة يوم بدر مثل ما قال ابن عباس الا جبريل فان فى حديث علىّ أنه كانت عليه عمامة صفراء* قال ابن عباس حدّثنى رجل من غفار قال أقبلت أنا وابن عمّ لى حتى أصعدنا فى جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر لمن تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب فبينا نحن فى الجبل اذ دتت مناسحابة فسمعنا منها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمى فانكشف قناع قبله فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت* وقال أبو سعيد الساعدى بعد أن ذهب بصره وكان شهد بدرا لو كنت اليوم ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى* وقال أبو داود المازنى انى لا تبع رجلا من المشركين يوم بدر لا ضربه اذ وقع رأسه قبل أن يصل اليه سيفى فعرفت انه قد قتله غيرى* روى انه جاءت يوم بدر ريح شديدة لم ير مثلها ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ثم ذهبت وجاءت ريح أخرى فكانت الاولى جبريل فى ألف من الملائكة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم والثانية ميكائيل فى ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم والثالثة اسرافيل فى ألف من الملائكة عن ميسرته* وفى الكشاف نزل جبريل فى خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر وميكائيل فى خمسمائة ملك على الميسرة وفيها علىّ بن أبى طالب قال الله تعالى انى ممدّكم بألف من الملائكة* وفى أنوار التنزيل قيل أمدّ الله يوم بدر أوّلا بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف وكانت سيماء الملائكة يوم بدر انهم على صورة الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم قد أرخوا أذنابها بين اكتافهم خضر وصفر وحمر وبيض* وفى الصفوة ان الزبير بن العوام كان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه* وفى الحديث ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم بدر تسوّموا فان الملائكة قد تسوّمت بالصوف الابيض فى قلانسهم ومغافرهم كذا فى معالم التنزيل والصوف فى خيلهم وكانت خيلا بلقا وكان المشركون يسمعون صهيل خيلهم ولا يرونها وقال قتادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 والضحاك كانت الملائكة قد أعلموا بالعهن فى نواصى الخيل وأذنابها* وفى خلاصة الوفاء عن حكيم بن حزام قال رأيت يوم بدر قد وقع بوادى خليص بجاد من السماء قد سدّ الافق فاد الوادى يسيل نملا فوقع فى نفسى أنه شىء من السماء أيد به محمد صلّى الله عليه وسلم فما كانت الا الهزيمة* وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال قال لى أبى يا بنى لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه الى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل اليه السيف* وقال عكرمة كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه ويندريد الرجل لا يدرى من ضربه روى ان رجلا من الانصار اتبع كافرا ليقتله فقبل أن يصل اليه سمع صوتا يقول أقدم حيزوم فرأى الكافر الذى قدّامه وقع صريعا وقد شق وجرح وجهه وانكسر أنفسه فجاء الانصارى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره بما رآه فقال عليه السلام صدقت فهو من مدد السماء* وفى المواهب اللدنية قال ابن الانبارى كانت الملائكة لا تعلم كيف تقتل الآدميون فعلمهم الله تعالى بقوله فاضربوا فوق الاعناق أى الرؤس واضربوا منهم كل بنان قال عطية كل مفصل وقال السهيلى جاء فى التفسير انه ما وقعت ضربة يوم بدر الا فى رأس أو مفصل وكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود فى الاعناق وفى البنان* وفى خلاصة الوفاء قال المرجانى شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدرا بسيفه الذى يدعى العضب وضربت طبلخانة النصر ببدر فهى تضرب الى يوم القيامة* لطيفة فى استماع الطبل ببدر كطبل الملوك قال القسطلانى فى المواهب اللدنية يقال انها تسمع ببدر كهيئة طبل ملوك الوقت ويرون ان ذلك لنصر أهل الايمان وقال أنا جرّبتها فسمعت صوت طبل سماعا محققا لا شك انه صوت طبل ثم نزلنا ببدر فظللت أسمع ذلك الصوت يومى أجمع المرّة بعد المرّة قال ولقد أخبرت أن ذلك الصوت لا يسمعه جميع الناس* وقال مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى عفا الله عنهما وأنا جرّبتها فى سنة ست وثلاثين وتسعمائة وقت اجتيازى ببدر قافلا من المدينة المشرّفة الى مكة المكرّمة فنزلنا بدرا وأقمنا فيه يوما ولما صليت الفجر يوم الاربعاء من أوائل شعبان ابتكرت نحو ذلك الصوت وكان يجىء من كثيب ضخم طويل مرتفع كالجبل شمالى بدر فطلعت على الكثيب ثم تتابع الناس لسماع ذلك الصوت وكانوازها مائة انسان من الرجال والنساء فى الشقادف وغيرها وما سمعت شيئا من أعلا الكثيب فنزلت أسفل فسمعت من سفح ذلك الكثيب صوتا كهيئة الطبل الكبير سماعا محققا بلا شك مرارا متعدّدة وكذلك سائر الناس كانوا يسمعونه مثل ما سمعت بلا شبهة ومكثنا فيه زمانا طويلا وكان الصوت يجىء تارة من تحتنا ثم ينقطع وتارة من خلفنا ثم ينقطع وتارة من قدّامنا وتارة عن يميننا وتارة عن شمالنا وعلى كل الهيئات كنا نسمع الصوت قائما وقاعدا ومتكئا سماعا محققا بلا شبهة وكان الوقت صحوا راكدا لا ريح فيه* قال ابن اسحاق وأقبل أبو جهل يوم بدر يرتجز وهو يقاتل ويقول ما تنقم الحرب العوان منى ... بازل عامين حديث سنّ لمثل هذا ولدتنى أمى وكان أوّل من لقيه فيما ذكر معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى سلمة قال سمعت القوم وأبو جهل فى مثل الحرجة يقولون أبو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها جعلته من شأنى فصمدت نحوه فلما أمكننى حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة حين نطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها وضربنى ابنه عكرمة على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جنبى وأجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومى وانى لا سحبها خلفى فلما آذتنى وضعت عليها قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها وعاش بعد ذلك معاذ هذا الى زمان عثمان كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ فيما ذكره القاضى عياض عن ابن وهب معاذ بن عمرو يحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 يده ضربه عكرمة عليها فتعلقت بجلدة فبصق صلّى الله عليه وسلم عليها فلصقت وهو مخالف لما قال طرحتها كما مرّ آنفا قال ابن اسحاق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مرّ بأبى جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمرّ عبد الله بن مسعود بأبى جهل حين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتماسه فى القتلى وقد قال صلّى الله عليه وسلم أنظروا ان خفى عليكم فى القتلى الى أثر جرح فى ركبته فانى ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحشته فى احداهما جحشا لم يزل أثره بها قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلى على عنقه قال وقد كان ضبث بى مرّة بمكة فآذانى ولكزنى ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدوّ الله قال بماذا أخزانى أعمد من رجل قتلتموه وفى الصحاح قال أبو جهل أعمد من سيد قتله قومه أى هل زاد على هذا قال ابن هشام ويقال أعار على رجل قتلتموه أخبرنى لمن الدبرة اليوم قلت لله ولرسوله قال ابن اسحاق وزعم رجال من بنى مخزوم ان ابن مسعود كان يقول قال لى لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقى صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدوّ الله أبى جهل فقال آلله الذى لا اله غيره وكانت يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلت نعم والله الذى لا اله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه فحمد الله وخرج مسلم فى صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف قال بينا أنا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى فاذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزنى أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك اليه يا ابن أخى قال أخبرت انه يسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الاعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزنى الآخر فقال مثلها قال فتعجبت لذلك فما سرّنى انى بين رجلين مكانهما فلم انشب ان نظرت الى أبى جهل يجول فى الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذى تسألانى عنه فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر فى السيفين فقال كلا كما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء متفق عليه كذا فى الاكتفاء والمشكاة* وفيه ذكر ابن عقبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقف يوم بدر على القتلى فالتمس أبا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك فى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اللهمّ لا يعجزن فرعون هذه الامة فسعى له الرجال حتى وجده عبد الله بن مسعود مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير مقنعا بالحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح ولا يستطيع أن يحرّك منه عضوا وهو مكب ينظر الى الارض فلما رآه ابن مسعود طاف حوله ليقتله وهو خائف ان ينوء اليه فلما دنا منه وأبصره لا يتحرك ظن انه مثبت جراحا فأراد أن يضربه بسيفه فخاف أن لا يغنى شيئا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبى جهل فاستله وهو مكب لا يتحرك ثم رفع سابغة البيضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه فلما نظر اليه فاذا هو ليس به جراح وأبصر فى عنقه جدرا وفى بدنه وكتفه مثل آثار السياط فأتى ابن مسعود النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره بقتله والذى رأى به فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذلك ضرب الملائكة* وفى المنتقى فى رواية عن عبد الله بن مسعود قال انتهيت الى أبى جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد لله الذى أخزاك يا عدوّ الله قال هل أنا الارجل قتله قومه فجعلت أتناوله بسيف لى غير طائل وأصبت يده فندر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم خرجت حتى أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم كأنما أقلّ من الارض فأخبرته فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الله الذى لا اله الا هو فردّدها قال قلت الله الذى لا اله الا هو قال فخرج يمشى معى حتى قام عليه فقال الحمد لله الذى أخزاك يا عدوّ الله هذا كان فرعون هذه الامة* وفى الينابيع بينما أبو جهل يجول على فرسه فى المعركة اذ أصابه رمح ملك فى صدره ويقال كان رمح ميكائيل فصرع عن فرسه فرآه عبد الله بن مسعود صريعا فبادر اليه وجلس على صدره ففتح أبو جهل عينه فرآه فقال يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا وقال لمن الدبرة أى الغلبة قال لله ولرسوله يا عدوّ الله قال أنت تقتلنى انما قتلنى الذى لم يصل سنانى سنبك دابته وان اجتهدت فسل عبد الله سيفه ليحتز به رأسه فلم يصنع شيئا وكان سيفا غير طائل فقال أبو جهل خذ سيفى هذا فاحتز به فأخذ سيفه فاجتهد فى سله فلم يقدر عليه فقال أبو جهل ناولنى مقبضه وامسك بجفنه ففعل فلما جرّ بقى الجفن فى يد عبد الله والسيف فى يد أبى جهل صلتا فأهوى به الى رجل عبد الله فجرحه وفى رواية لما قال أبو جهل ناولنى المقبض قال عبد الله يا عدوّ الله تريد بى المكر فناول أبا جهل الجفن وقبض هو بمقبضه فلما جرّد السيف قال له أبو جهل يا عبد الله اذا حززت رأسى فاحتز من أصل العنق ليرى عظيما مهيبا فى عين محمد وقل له ما زلت عدوّ الى سائر الدهر واليوم اشدّ عداوة فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله برأس أبى جهل وأخبره بما قاله أبو جهل قال صلى الله عليه وسلم كما انى أكرم النبيين على الله وأمّتى أكرم الامم عند الله كذلك فرعون هذه الامّة أشدّوا غلظ من فراعنة سائر الامم اذ فرعون موسى حين غرق قال آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وفرعون هذه الامّة ازداد عداوة وكفرا أو كما قال* وفى كنز العباد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى برأس أبى جهل يوم بدر وألقى بين يديه سجد لله عز وجل خمس سجدات شكر الله ولهذا قال الفقهاء يستحب للعبد أن يسجد للشكر اذا اندفعت عنه بلية أو أصابته نعمة وأيضا يعلم من هذا جواز تعدّد السجدة وفى كنز العباد أيضا روى أنه صلّى الله عليه وسلم قرأ آية السجدة فى سورة انشقت فسجد لله عز وجل عشر سجدات للشكر لما فيه من الخضوع والتعبد وعليه الفتوى* قال ابن هشام فى سيرته ونادى أبو بكر الصدّيق ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين أين مالى يا خبيث فقال عبد الرحمن عند ذلك لم يبق غير شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلال الشيب وفى الكشاف دعا أبو بكر ابنه يوم بدر الى البراز وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم دعنى أكن فى الرعلة الاولى قال متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا فى القليب فطرحوا فيه الا ما كان من أمية بن خلف فانه انتفخ فى درعه فملأها فذهبوا ليحرّكوه فتزايل لحمه وتقطعت أوصاله فأقرّوه فى مكانه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة ويقال لما ألقوهم فى القليب وقف عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا أهل القليب بئس عشيرة النبىّ كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدّقنى الناس وأخرجتمونى وآوانى الناس وقاتلتمونى ونصرنى الناس يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا قال له أصحابه يا رسول الله أتكلم أقواما موتى فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت لهم وانما قال رسول الله لقد علموا وفى حديث أنس ان المسلمين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حين نادى أهل القليب يا رسول الله أتنادى قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع منهم لما أقول ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبونى* وذكر ابن عقبة نحوا من ذلك عن نافع عن عبد الله بن عمر وفى المنتقى باسناد صاحبه الى البخارى أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فى طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان اذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه قالوا ما نراه ينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وفى رواية ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون متفق عليه وزاد البخارى قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ولله درّ العلامة ابن جابر لقد أحسن حيث قال بدا يوم بدر وهو كالبدر حوله ... كواكب فى أفق الكواكب تنجلى وجبريل فى جند الملائك دونه ... فلم تغن أعداد العدوّ المخذل رمى بالحصى فى أوجه القوم رمية ... فشرّدهم مثل النعام المجفل وجادلهم بالمشرفىّ فسلموا ... فجاد له بالنفس كل مجدّل عبيدة سل عنهم وحمزة فاستمع ... حديثهم فى ذلك اليوم من على هم عتبوا بالسيف عتبة اذ عدا ... فذاق الوليد الموت ليس له ولى وشيبة لما شاب خوفا تبادرت ... اليه العوالى بالخضاب المعجل وجال أبو جهل فحقق جهله ... غداة تردّى بالردى عن تذلل فأضحى قليبا فى القليب وقومه ... يؤمّونه فيها الى شرّ منهل وجاءهم خير الانام موبخا ... ففتح من أسماعهم كل مقفل وأخبر ما أنتم بأسمع منهم ... ولكنهم لا يهتدون لمقول سلا عنهم يوم السلا اذ تضاحكوا ... فعاد بكاء عاجلا لم يؤجل ألم يعلموا علم اليقين بصدقه ... ولكنهم لا يرجعون بمعقل فيا خير خلق الله جاهك ملجئى ... وحبك ذخرى فى الحساب وموئلى عليك صلاة يشمل الآل عرفها ... وأصحابك الاخيار أهل التفضل وفى الاكتفاء ولما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا فى القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب الى القليب فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجه أبى حذيفة بن عتبة فاذا هو كئيب قد تغير فقال يا أبا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شىء أو كما قال قال لا والله يا رسول الله ما شككت فى أبى ولا فى مصرعه ولكن كنت أعرف من أبى رأيا وعلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذى كنت أرجو له أحزننى ذلك فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال له خيرا وكان فى قريش فتية أسلموا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر الى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا بها جميعا فنزل فيهم من القرآن فيما ذكر ان الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأوام جهنم وساءت مصيرا وأولئك الفتية الحارث بن زمعة بن الاسود وأبو قيس بن الفاكه وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وعلىّ بن أمية بن خلف والعاصى بن منبه بن الحجاج ثم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بما فى العسكر مما جمع الناس فجمع* واختلف فيه المسلمون فقال من جمعه فهو لنا وقال الذين كانوا يقاتلون العدوّ ويطلبونه والله لولا نحن ما أصبتموه ولنحن شغلنا عنكم العدوّ حتى أصبتم ما أصبتم وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلّى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 عليه وسلم مخافة أن يخالف العدوّ اليه والله ما أنتم بأحق به منا لقد رأينا أن نقتل العدوّ اذ منحنا الله أكتافهم ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكنا خفنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم كرّة العدوّ فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا فكان عبادة بن الصامت اذا سئل عن الانفال قال فينا معاشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقسمه بيننا على بهاء يقول على السواء فكان فى ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله وصلاح ذات البين* وفى الكشاف روى أنه قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر عليك بالعير ليس دونها شىء فناداه العباس وهو فى وثاقه لا يصلح فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم قال لان الله تعالى وعدك احدى الطائفين وقد أعطاك ما وعدك* قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيرا الى أهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين وبعث زيد بن حارثة الى أهل السافلة* وفى المواهب اللدنية ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بدر فى آخر رمضان وأوّل يوم من شوّال بعث زيد بن حارثة بشيرا فوصل المدينة ضحى وقد نفضوا أيديهم من تراب رقية قال أسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوّينا التراب على رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلفنى عليها مع زوجها عثمان وان زيد بن حارثة قد قدم قال فجئته وهو واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل ابن هشام وزمعة بن الاسود وأبو البخترى بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قلت يا أبت أحق هذا قال نعم والله يا بنىّ ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة ومعه الاسارى من المشركين وهم أربعة وأربعون وفيهم عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث وجعل على النفل عبد الله ابن كعب من بنى مازن ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى اذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سيركجبل كذا فى القاموس فقسم هناك النفل الذى أفاء الله على المسلمين من المشركين على السوية وتنفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار وكان لمنبه بن الحجاج وغنم جمل أبى جهل وكان يغزو عليه وكان يضرب فى لقاحه حتى نحره بالحديبية وفى أنفه برة فضة كما سيجىء ثم ارتحل حتى اذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذى تهنوننا به فو الله ان لقينا الاعجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال أى ابن أخى أولئك الملأ وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علىّ بن أبى طالب ثم خرج حتى اذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبى معيط* قال ابن اسحاق والذى أسر عقبة عبد الله بن سلمة أحد بنى العجلان وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن أذيته انه وضع مشيمة جزور وسلاه بين كتفيه حين كان فى الصلاة كما مرّ وحين أمر بقتله قال فمن للصبية يا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبى الافلح فى قول ابن عقبة وابن اسحاق* وقال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب فيما ذكر ابن شهاب الزهرى وغيره قال ابن اسحاق ولقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضى بحميت مملوء حيسا وكان قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم كلها وهو كان حجام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما أبو هند امرؤ من الانصار فانكحوه وانكحوا اليه ففعلوا ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم وقد كان فرّقهم بين أصحابه قال استوصوا بالاسارى خيرا وكان أبو عزيز ابن عمير أخو مصعب بن عمير لابيه وأمه فى الاسارى قال وكنت فى رهط من الانصار حين أقبلوا بى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 من بدر فكانوا اذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصونى بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم اياهم بنا ما تقع فى يد رجل منهم كسرة من الخبز الا وقد نفحنى بها قال فأستحيى فأردّها عليه فيردّها علىّ ما يمسها قال ومرّ بى أخى مصعب بن عمير ورجل من الانصار يأسرنى فقال له شدّ يديك به فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال ابن هشام وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب لابى اليسر وهو الذى أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخى هذه وصايتك بى قال انه أخى دونك فسألت أمه عن أعلى ما فدى به قرشى فقيل لها أربعة آلاف درهم فبعثت أربعة آلاف درهم ففدته بها* وذكر قاسم بن ثابت فى دلائله ان قريشا لما توجهت الى بدر مرّ هاتف من الجنّ على مكة فى اليوم الذى وقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه يقول ازار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤى وأبرزت ... خرائد يضر بن الترائب حسرا فيا ويح من أمسى عدوّ محمد ... لقد حاد عن قصد الهدى وتحيرا فقال قائلهم من الحنيفيون فقال محمد وأصحابه يزعمون انهم على دين ابراهيم الحنيف ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين وكان أوّل من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعى فقالوا ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وزمعة بن الاسود ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البخترى بن هشام فلما جعل يعدّد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد فى الحجر والله ان يعقل هذا فسلوه عنى قالوا ما فعل صفوان بن أمية قال ها هو ذاك جالس فى الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا وقال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس ابن عبد المطلب وكان الاسلام قد دخلنا اهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم فكان يكتم اسلامه وكان ذا مال كثير متفرّق فى قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة كما مرّ فلما جاءه الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا فى أنفسنا قوّة وعزة وكنت أعمل الاقداح فى حجرة زمزم فو الله انى لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر اذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه بشرّ حتى جلس الى طنب الحجرة ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس اذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب قد قدم مكة فقال أبو لهب هلم الىّ فعندك لعمرى الخبر فجلس اليه والناس قيام عليه فقال يا ابن أخى اخبرنى كيف كان أمر الناس قال والله ما هو الا أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ويأسروننا كيف شاؤا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض والله ما تبقى شيئا ولا يقوم لها شىء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدى ثم قلت تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده وضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته فاحتملنى وضرب بى الارض ثم برك علىّ يضربنى وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة فلقت فى رأسه شجة منكرة وقالت أتستضعفه أن غاب عنه سيده فقام موليا فو الله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته* وذكر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه ان العدسة قرحة كانت العرب تتشاء بها ويرون انها تعدى أشدّ العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة فى تركه حفروا له ثم دفعوه فى حفرته بعود وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وقال ابن اسحاق فى رواية يونس بن بكير عنه انهم لم يحفروا له ولكن أسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه* وفى رواية بقى بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 موته ثلاثا لا يحوم حوله أحد حتى أنتن وبعد ذلك استأجروا حمالين سود حتى أخرجوه من مكة وألقوه فى مكان وقاموا يرمونه بالحجارة حتى ملؤه كذا فى المنتقى* ويروى انّ عائشة كانت اذا مرّت بموضعه ذلك غطت وجهها وخرج البخارى فى صحيحه انّ أبا لهب رآه بعض أهله فى المنام بشرخيبة أى حالة فقال ما لقيت بعدكم راحة غير انى سقيت فى مثل هذه وأشار الى النقرة بين السبابة والابهام بعتقى ثويبة وقد مرّ فى الركن الاوّل فى ارضاع ثويبة* فائدة روى عن الفقيه اسماعيل الحضرمى أنه لما حج الى مكة سأل الشيخ محب الدين الطبرى عن القبرين اللذين يرجمان فى أسفل مكة عند جبل البكاء فأجاب الشيخ محب الدين بأن القبرين المرجومين قصتهما أنه أصبح البيت يوما فى دولة بنى العباس ملطخا بالعذرة فرصدوا الفاعل لذلك فمسكوهما بعد أيام فبعث أمير مكة الى أمير المؤمنين فى شأنهما فأمر بصلبهما فصلبا فى هذا الموضع فصارا يرجمان الى الآن كذا فى البحر العميق فما هو المشهور عند أهل مكة من أنهم يقولون انه قبر أبى لهب ليس له أصل* قال ابن اسحاق ناحت قريش على قتلاهم شهرا ثم قالوا لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ولا تبعثوا فى أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه فى الفداء قال وكان الاسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة وعقيل ابناه والحارث بن زمعة وهو ابن ابنه وكان يحب أن يبكى عليهم فسمع نائحة من الليل فقال لغلام له وقد ذهب بصره انظر هل أحل النحب وهل بكت قريش على قتلاها لعلى أبكى على أبى حكيمة يعنى زمعة فان جوفى قد احترق فلما رجع اليه الغلام قال انما هى امرأة تبكى على بعير لها أضلته قال فذاك حين يقول الاسود أتبكى أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود فلا تبكى على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا على الاسود بن المطلب هذا بأن يعمى الله بصره ويثكله ولده فاستجيب له وفق دعائه سيق العمى الى بصره أوّلا ثم أصيب يوم بدر بمن سمى آنفا من ولده فتمت اجابة الله سبحانه رسوله فيه وكان فى الاسارى أبو وداعة بن صبيرة السهمى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال فكأنكم به قد جاء فى طلب فداء أبيه فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب بن ابى وداعة وهو الذى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنى صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم ثم بعثت قريش فى فداء الاسارى فقدم مكرز بن حفص بن الاحنف فى فداء سهيل بن عمرو وكان الذى أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم بن عوف فلما قاولهم فيه مكرز فانتهى الى رضاهم قالوا هات الذى لنا قال اجعلوا رجلى مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث اليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز امكانه عندهم وكان سهيل قد قام فى قريش خطيبا عند ما استنفرهم أبو سفيان فقال يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصبأة من أهل يثرب يأخذون عيرانكم وأموالكم من أراد مالا فهذا مالى ومن أراد قوّة فهذه قوّة فيروى أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أسر سهيل يوم بدر يا رسول الله انزع ثنيتى سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا فى موطن أبدا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا أمثل به فيمثل الله بى وان كنت نبيا وانه عسى أن يقوم مقاما لا نذمه فصدق الله رسوله وكان لسهيل بعد وفاته عليه السلام فى تثبيت أهل مكة على الايمان مقام وكان عمرو بن أبى سفيان بن حرب أسيرا فى يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أسارى بدر قال ابن هشام أسره على بن أبى طالب فقيل لابى سفيان بن حرب افد عمرا ابنك فقال أيجمع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 دمى ومالى قتلوا حنظلة وأفدى عمروا دعوه فى أيديهم يمسكونه ما بدا لهم فبينا هو كذلك محبوس فى المدينة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بنى عمرو بن عوف معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا مسلما فى غنم له بالبقيع فخرج من هناك معتمرا ولا يخشى الذى صنع به لم يظنّ أنه يحبس بمكة انما جاء معتمرا وقد كان فى عهد قريش لا يتعرّضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا الا بخير فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو ومشى بنو عمرو بن عوف الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبى سفيان فيفكوا به صاحبهم ففعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبعثوا به الى أبى سفيان فخلى سبيل سعد وكان فى الاسارى العباس ابن عبد المطلب أسره أبو اليسر كعب بن عمرو الانصارى وكان رجلا صغير الجثة وكان العباس رجلا عظيما جسيما قويا فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابى اليسر كيف أسرته قال أعاننى عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده فقال لقد أعانك عليه ملك كريم* وفى الصفوة لما كانت أسارى بدر كان فيهم العباس فسهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليلته فقال له بعض أصحابه ما يسهرك يا نبىّ الله قال أنين العباس فقام رجل من المقوم فأرخى من وثاقه فقال رسول الله ما بالى ما أسمع أنين العباس فقال رجل من القوم انى أرخيت من وثاقه شيئا قال فافعل ذلك بالاسارى كلهم* فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم للعباس افد نفسك وابنى أخيك عقيل بن أبى طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن جحدم فانك ذو مال قال انى كنت مسلما ولكن القوم استكرهونى قال الله أعلم باسلامك ان يك ما ذكرت حقا فالله يجزيك فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا وكان العباس أحد العشرة الذين ضمنوا اطعام أهل بدر ونحر كل منهم يوم نوبته عشرة من الابل وكان حمل معه عشر بن أوقية من الذهب ليطعم بها الناس وكان يوم بدر نوبته فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه فأخذت منه حين أخذ وأسر فى الحرب فكلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال أما شىء خرجت لتستعين به علينا فلا أتركه لك* وفى رواية لما قال العباس احسبها فى فدائى قال صلى الله عليه وسلم لا فان ذلك شىء أعطاناه الله منك وكلفه فداء ابنى أخيه وحليفه قال تركتنى أتكفف قريشا ما بقيت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأين الذهب الذى دفعته الى امّ الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى فى وجهى هذا فان حدث بى حدث فهذه لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل ولقثم يعنى بنيه فقال له العباس وما يدريك قال أخبرنى به ربى جل جلاله فقال له العباس أشهد أنك صادق وأن لا اله الا الله وانك عبده ورسوله كذا فى معالم التنزيل* وفى المنتقى لما كلفه عليه السلام بالفداء ولم يحسب الذهب المأخوذ منه قال العباس فليس لى مال قال فأين مالك الذى وضعته عند امّ الفضل بمكة حين خرجت وليس معكما أحد ثم قلت ان أصبت فى سفرى هذا فالفضل كذا وكذا ولعبد الله كذا وكذا ولقثم كذا وكذا ولعبيد الله كذا وكذا قال والذى بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيرى وغيرها وانى لاعلم انك رسول الله ففدى نفسه وابنى أخيه وحليفه وفى العباس نزلت يأيها النبىّ قل لمن فى أيديكم من الاسرى ان يعلم الله فى قلوبكم خيرا أى ايمانا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم من الفداء ويغفر لكم والله غفور رحيم قال العباس فأبدلنى الله عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية وأعطانى زمزم وما أحب أن لى بها جميع أموال مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربى* وفى المواهب اللدنية ذكر موسى ابن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهب وعند أبى نعيم فى الدلائل باسناد حسن من حديث ابن عباس أنه جعل على العباس مائة أوقية وعلى عقيل ثمانين اوقية فقال له العباس أللقرابة صنعت هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 فأنزل الله تعالى يأيها النبىّ قل لمن فى أيديكم من الاسرى الآية قال العباس وددت ان كنت أخذ منى اضعافها لقوله يؤتكم خيرا مما اخذ منكم وكان فى الاسارى أيضا أبو العاصى بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ختن رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوج ابنته زينب وكان عليه السلام يثنى عليه فى صهره خيرا وكان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة وهو ابن اخت خديجة هالة بنت خويلد وخديجة سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحى أن يزوّجه وكان لا يخالفها فزوّجه وكانت تعده بمنزلة ولدها فلما أكرم الله رسوله صلّى الله عليه وسلم بنبوّته آمنت به خديجة وبناته فصدّقنه ودنّ بدينه وشهدن ان الذى جاء به هو الحق وثبت أبو العاصى على شركه فلما بادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا بأمر الله وبالعداوة قالوا انكم قد فرّغتم محمدا من همه فردوا عليه بناته فاشغلوه بهنّ فمشوا الى أبى العاصى فقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوجك أية امرأة من قريش شئت قال لاها الله اذا لا أفارق صاحبتى وما أحب ان لى بها امرأة من قريش ثم مشوا الى عتبة بن أبى لهب وكان رسول الله قد زوّجه رقية أو امّ كلثوم كذا فى سيرة ابن هشام واكتفاء الكلاعى وهو مخالف لما فى ذخائر العقبى للطبرى وغير ذلك من كتب السير من أن رقية كانت عند عتبة وامّ كلثوم كانت عند عتيبة ابنى أبى لهب فقالوا لعتبة طلق ابنة محمد ونحن ننكحك أية امرأة من قريش شئت فقال ان زوّجتمونى ابنة أبان بن سعيد بن العاصى أو ابنة سعيد بن العاصى فارقتها ففعلوا وفعل ولم يكن دخل بها فأخرجها الله من يده كرامة لها وهو اناله وخلف عليها عثمان بن عفان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوبا على أمره وكان الاسلام قد فرق بين زينب ابنته وبين أبى العاصى الا أنه كان لا يقدر ان يفرّق بينهما فأقامت معه على اسلامها وهو على شركه حتى هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما سارت قريش الى بدر سار فيهم أبو العاصى فاصيب فى الاسارى فكان فى المدينة عمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما بعث أهل مكة فى فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى فداء أبى العاصى بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاصى حين بنى بها فلما رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال ان رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذى لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردّوا عليها مالها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلى سبيل زينب اليه أو وعده أبو العاصى بذلك أو شرطه عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى اطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيعلم ما هو الا انه لما خرج أبو العاصى الى مكة وخلى سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه زيد بن حارثة ورجلا من الانصار فقال كونا ببطن يأجج حتى تمرّ بكما زينب فتصحباها حتى تأتيانى بها فخرجا وذلك بعد بدر بشهر أو سبعة فلما قدم أبو العاصى أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز حالها قالت زينب بينا أنا أتجهز بمكة لقيتنى هند ابنة عتبة فقالت يا ابنة محمد ألم يبلغنى انك تريدين اللحوق بأبيك قلت ما أردت ذلك قالت أى ابنة عمّ لا تفعلى ان كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك فى سفرك أو بمال تتبلغين به الى أبيك فان عندى حاجتك فلا تخفين منى فانه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال قالت زينب فو الله ما أراها قالت ذلك الا لتفعل ولكنى خفتها فأنكرت أن أكون اريد ذلك ولما فرغت بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم من جهازها قدّم اليها حموها كنانة ابن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها وهى فى هودج لها وتحدث بذلك رجال قريش فخرجوا فى طلبها حتى أدركوها بذى طوى فكان أوّل من سبق اليها هبار بن الاسود بن المطلب الفهرى فروّعها هبار بالرمح وهى فى هودجها وكانت حاملا فلمّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 ريعت طرحت ما فى بطنها* وفى شفاء الغزام الحويرث بن نقيد هو الذى نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدركها هو وهبار بن الاسود وقد مرّ فى الباب السابع فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من المولد وبرك حموها كنانة ونثر كنانته ثم قال والله لا يدنو منى رجل الا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان بن حرب فى جلة من قريش فقال ايها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال انك لم تصب خرجت بالمرأة نهارا على رؤس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد فيظنّ الناس اذا أخرجت اليه ابنته علانية على رؤس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن ذلّ أصابنا عن مصيبتنا التى كانت وان ذلك منا ضعف ووهن ولعمرى مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ومالنا فى ذلك من ثورة ولكن ارجع المرأة حتى اذا هدأت الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرّا وألحقها بأبيها ففعل فأقامت ليالى حتى اذا هدأت الاصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولما انصرف الذين خرجوا الى زينب لقيتهم هند بنت عتبة فقالت لهم عند ذلك أفى السلم أنما رجفاء وغلظة ... وفى الحرب أشباه النساء العوارك وعن أبى هريرة أنه قال بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سرية انا فيها فقال لنا ان ظفرتم بهبار بن الاسود أو الرجل الذى سبق معه الى زينب قال ابن هشام وقد سمى ابن اسحاق الرجل فى حديثه فقال هو نافع بن عبد قيس فحرقوهما بالنار فلما كان الغد بعث الينا فقال انى قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين ان أخذتموهما ثم رأيت انه لا ينبغى لاحد أن يعذب بالنار الا الله فان ظفرتم بهما فاقتلوهما فأقام أبو العاصى بمكة وأقامت زينب عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين فرق بينهما الاسلام حتى اذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاصى تاجرا الى الشأم وكان رجلا مأمونا بمال له وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاصى تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله فاستجار بها فأجارته وجاء فى طلب ماله فلما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الصبح فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس انى قد أجرت أبا العاصى بن الربيع فلما سلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذى نفس محمد بيده ما علمت بشىء حتى سمعت ما سمعتم انه يجير على المسلمين ادناهم ثم انصرف فدخل على ابنته فقال اى بنية اكرمى مثواه ولا يخلصنّ اليك فانك لا تحلين له وبعث الى السرية الذين أصابوا مال ابى العاصى فقال لهم ان هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فان تحسنوا وتردّوا عليه الذى له فانا نحب ذلك وان أبيتم فهو فىء الله الذى أفاء عليكم فأنتم احق به قالوا يا رسول الله بل نردّه عليه فردّوه عليه حتى ان الرجل ليأتى بالدلو ويأتى الرجل بالشنة والا داوة وحتى ان الرجل ليأتى بالشظاظ حتى ردّوا عليه ماله بأسره لم يفقد منه شىء ثم احتمل الى مكة فأدّى الى كل ذى مال من قريش ماله ثم قال يا معشر قريش هل بقى لاحد منكم عندى مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال فانى اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله والله ما منعنى من الاسلام عنده الاخوف أن تظنوا انى انما اردت ان آكل اموالكم فلما ادّاها الله اليكم وفرغت منها اسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم زينب على النكاح الاوّل لم يحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 شيئا بعد ست سنين فى رواية ابن عباس* وفى الوفاء لما قدم مسلما ردّها عليه بالنكاح الاوّل على الصحيح وذلك بعد صلح الحديبية والله اعلم وقيل ردّها عليه بنكاح جديد* وحكى عن ابن هشام عن ابى عبيدة ان ابا العاصى لما قدم من الشأم ومعه اموال المشركين قيل له هل لك ان تسلم وتأخذ هذه الاموال فانها للمشركين فقال بئس ما أبد أبه اسلامى أن اخون امانتى روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم اتى يوم بدر بسبعين اسيرا فيهم العباس وعقيل فاستشار فيهم اصحابه أنأخذ منهم الفداء ونخلى سبيلهم او نقتلهم فقال ابو بكر قومك واهلك استبقهم لعل الله ان يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك أو قال تكون لنا قوّة على الكفار وقال عمر اضرب أعناقهم فانهم أئمة الكفر كذبوك وأخرجوك وان الله أغناك عن الفداء مكنى من فلان لنسيب له ومكن عليا وحمزة من أخويهما عقيل والعباس فلنضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظروا ديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارا وقال له العباس قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم ثم دخل فقال ناس يأخذ بقول أبى بكر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال انّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وانّ الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل ابراهيم قال فمن تبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم وانّ مثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم وان مثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ومثلك يا عمر مثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منهم اليوم الا بفداء أو بضرب عنق* قال عبد الله بن مسعود الا سهيل بن بيضاء فانى سمعته يذكر الاسلام فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال عبد الله فما رأيتنى فى يوم أخوف أن تقع علىّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا سهيل بن بيضاء* قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب فهوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فاذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان قلت يا رسول الله أخبرنى من أى شئ تبكى أنت وصاحبك فان وجدت بكاء بكيت وان لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه* قال العلامة ابن حجر فى شرح صحيح البخارى ان الترمذى والنسائى وابن حبان والحاكم رووا باسناد صحيح عن علىّ قال جاء جبريل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال انّ الله قد كره ما صنع قومك من أخذ الفداء من الاسارى وقد أمر أن تخيرهم بين أن يقدّموهم ويضربوا أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدّتهم فذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم للناس فقال ان شئتم قتلتموهم وان شئتم فاديتموهم ويستشهد منكم عدّتهم قالوا يا رسول الله عشائرنا واخواننا بل نأخذ منهم فداءهم فنتقوى به على قتال عدوّنا ويستشهد منا عدّتهم فقتل منهم يوم أحد سبعون عدد أسارى بدر فهذا معنى قوله قل هو من عند أنفسكم يعنى بأخذكم الفداء واختياركم القتل ولما أخذوا الفداء نزل جبريل بقوله تعالى ما كان لنبىّ أن تكون له أسرى حتى يثخن فى الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق أى لولا سبق حكم من الله وقضاؤه فى اللوح المحفوظ لمسكم أى لنا لكم وأصابكم فيما أخذتم فى أخذ فدية هؤلاء الاسرى عذاب عظيم قيل هذا دليل على أنّ الاجتهاد جائز للانبياء وعلى ان اجتهادهم يجوز أن يقع خطأ ولكن لا يتركون فيه بل ينبهون على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الصواب وللمفسرين اختلاف فى ان المراد من هذا الحكم ماذا* فى معالم التنزيل يعنى لولا قضاء الله سبق فى اللوح المحفوظ بأنه يحلّ لكم الغنائم* وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق انه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وقال ابن جريج لولا كتاب من الله سبق انه لا يضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وانه لا يأخذ قوما فعلوا شيئا بجهالة* وفى روضة الاحباب قيل المراد ان المخطئ فى اجتهاده لا يعاقب وقيل لا يعذب قوما بسبب أمر ما لم ينهوا عنه نهيا صريحا وقيل المراد ان الفدية التى أخذوها ستحل لهم روى انه صلّى الله عليه وسلم قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ لقوله كان الاثخان فى القتلى أحب الىّ من استبقاء الرجال* وفى معالم التنزيل روى انه لما نزلت الآية الاولى كف أصحاب رسول الله أيديهم مما أخذوا من الفداء فنزلت فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا* وعن جابر ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى* وعن أبى هريرة لم تحل الغنائم لاحد من قبلنا وذلك بأنّ الله تعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا* قال ابن عباس كانت الغنائم حراما على الانبياء والامم وكانوا اذا أصابوا شيئا من الغنائم كان للقربان وكانت نار تنزل من السماء وتأكله* وفى المنتقى ولما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفدية فأصابتهم مصيبة ونالتهم هزيمة وقتل منهم سبعون عدد أسارى يوم بدر وفرّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه وأنزل الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم يعنى بأخذكم الفداء يوم بدر* وفى الاكتفاء منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الاسارى من قريش بغير فداء منهم من بنى عبد شمس بن عبد مناة أبو العاصى بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس منّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أن بعثت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بفدائه وقد مرّ ومن بنى مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث ابن عبد بن عمرو بن مخزوم كان لبعض بنى الحارث بن الخزرج فترك فى أيديهم حتى خلوا سبيله فلحق بقومه* قال ابن هشام أسره خالد بن زيد أبو أيوب أخو بنى النجار وصيفى بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله ابن عمرو بن مخزوم ترك فى أيدى أصحابه فلما لم يأت أحد بفدائه أخذوا عليه ليبعثن اليهم بفدائه فخلوا سبيله ولم يف لهم بشئ وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحى كان محتاجا ذا بنات فقال يا رسول الله لقد عرفت مالى من مال وانى لذو حاجة وذو عيال فامنن علىّ فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا فقال أبو عزة فى ذلك يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويذكر فضله فى قومه ومن مبلغ عنى الرسول محمدا ... بأنك حق والمليك حميد وأنت امرؤ تدعو الى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيد وأنت امرؤ بوّأت فينا مباءة ... لها درجات سهلة وصعود فانك من حاربته لمحارب ... شقى ومن سالمته لسعيد ولكن اذا ذكرت بدرا وأهله ... تأوب مابى حسرة وفقود وفى حياة الحيوان فرجع الى مكة ومسح عارضيه وقال خدعت محمدا وما وقع فى شعره ومحاورته رسول الله صلّى الله عليه وسلم من التصريح برسالته فلم يعلم له مخرج ان صح الا أن يكون ذلك من جملة ما قصد به أن يخدع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعاد على عدوّ الله ضرره ولم يخدع الا نفسه وما شعر وذلك انه نقض العهد وخرج يسير فى تهامة ويدعو بنى كنانة ويقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 أيا بنى عبد مناة الرزام ... أنتم حماة وأبوكم حام لا تعبدونى نصركم بعد العام ... لا تسلمونى لا يحل اسلام فخرج الى حرب المسلمين وحضر أحدا ثم لما رجع المشركون عن أحد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى آثارهم مرهبا لهم حتى انتهى الى حمراء الاسد فأخذ أبو عزة فقال يا رسول الله أقلنى فقال رسول الله ألا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمدا مرّتين انّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين فضرب عنقه كما سيجىء فى غزوة حمراء الاسد* ذكر اعتناء الصحابة بتعلم الخط والكتابة وفى بعض الكتب لما تقرّر أمر الاسارى على الفداء وكان بعضهم فقراء لا يحصل منهم شئ منّ عليهم وأطلقهم وأخذ عليهم العهد أن لا يعودوا الى حرب المسلمين منهم أبو عزة الشاعر الجمحى وكان بعض من فقرائهم يعلمون الخط والكتابة فقرّر عليهم أن يعلم كل واحد منهم عشرة من غلمان الانصار الخط فاذا حذقوا فهو فداؤه وكان زيد بن ثابت ممن علم ووضع على الاغنياء منهم الفداء بقدر قدرتهم وغنائهم ولا يكون فداء أحد منهم أقل من ألف درهم ولا أكثر من أربعة آلاف درهم وفى معالم التنزيل كان الفداء لكل أسير أربعين أوقية والاوقية أربعون درهما وفى سيرة ابن هشام كان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم بالرجل الى ألف درهم الا من لا شئ له منّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأطلقه وكان عمير بن وهب الجمحى شيطانا من شياطين قريش وكان يؤذى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه بمكة ويلقون منه عنتا وكان ابنه وهب بن عمير فى أسارى بدر فجلس عمير مع صفوان بن أمية فى الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان فو الله ليس فى العيش خير بعدهم فقال له عمير صدقت والله اما والله لولا دين علىّ ليس له عندى قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت الى محمد حتى أقتله فانّ لى فيهم علة ابنى أسير فى أيديهم فاغتنمها صفوان فقال علىّ دينك أنا أقضيه عنك وعبالك مع عيالى أواسيهم ما بقوا ثم ان عميرا أمر بسيفه فشحذو سمّ ثم انطلق حتى قدم المدينة فرآه عمر قد أناخ البعير على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا عدوّ الله عمير ما جاء الا بشرّ وهو الذى حرش بيننا وحزرنا للقوم ببدر ثم دخل عمر على رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال يا نبىّ الله هذا عدوّ الله عمير قد جاء متوشحا سيفه قال أدخله علىّ فأقبل عمر حتى أخذ بحمائل سيفه فى عنقه فلببه بها وقال لرجال من الانصار ادخلوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام فاجلسوا عنده واحذروا هذا الخبيث عليه فانه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله عليه الصلاة والسلام فلما رآه وعمر آخذ بحمالة سيفه فى عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال انعموا صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم ثم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتكم يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذى فى أيديكم فأحسنوا فيه قال فما بال السيف فى عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا قال أصدقنى بالذى جئت له قال ما جئت الا لذلك فقال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علىّ ولولا عيالى لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى والله حائل بينى وبينك فقال عمير أشهد انك رسول الله قد كنا نكذبك وهذا أمر لم يحضره الا أنا وصفوان فو الله انى لأعلم ما أتاك به الا الله فالحمد لله الذى هدانى للاسلام وساقنى هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام فقهوا أخاكم فى دينه وعلموه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا ثم قال يا رسول الله انى كنت جاهدا فى اطفاء نور الله شديد الاذى لمن كان على دين الله وانى أحبّ أن تأذن لى فاقدم مكة فأدعوهم الى الله والى الاسلام لعلّ الله أن يهديهم والا آذيتهم كما كنت أوذى اصحابك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 فى دينهم فأذن له ولحق بمكة وكان صفوان حين خرج عمير من مكة يقول لقريش ابشروا بوقعة تأتيكم الآن فى أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل الركبان عنه حتى قدم راكب فأخبره باسلامه فحلف صفوان أن لا يكلمه ابدا ولا ينفعه بنفع ابدا فلما قدم مكة اقام بها يدعو الى الاسلام ويؤذى من خالفه فأسلم على يده ناس كثير وعمير هذا أو الحارث بن هشام يشك ابن اسحاق هو الذى رأى ابليس حين نكص على عقبيه يوم بدر فقال الى أين أى سراقة فضربه عدوّ الله وذهب* روى ان قريشا رأوا سراقة المدلجى بمكة بعد وقعة بدر وهو الذى تمثل لهم ابليس فى صورته كما تقدّم فقالوا له يا سراقة خرقت الصف وأوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت بشىء من امركم حتى كانت هزيمتكم وما شهدت معكم فما صدّقوه حتى أسلموا وسمعوا ما انزل الله فى ذلك فعلموا انه كان ابليس تمثل لهم كما تقدّم ولما انقضى امر بدر أنزل الله تعالى فيه من القرآن الانفال بأسرها* قال ابن اسحاق وكان المطعمون من قريش من بنى هاشم العباس بن عبد المطلب ومن بنى عبد شمس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ومن بنى نوفل الحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدى بن نوفل يعتقبان ذلك ومن بنى أسد أبا البخترى ابن هشام بن الحارث بن أسد وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد يعتقبان ذلك ومن بنى عبد الدار ابن قصى النضر بن الحارث ومن بنى مخزوم بن يقظة أبا جهل بن هشام بن المغيرة ومن بنى جمح بن عمرو أمية بن خلف بن وهب ومن بنى سهم بن عمرو نبيها ومنبها ابنى الحجاج بن عامر يعتقبان ذلك ومن بنى عامر بن لؤى سهيل بن عمرو بن عبد شمس* (تسمية من شهد بدرا من المسلمين) * وكان جميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة رجل وأربعة عشر رجلا فمن قريش ثم من بنى هاشم بن عبد مناف وبنى المطلب بن عبد مناف ثم من المهاجرين* محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم* وحمزة بن عبد المطلب ابن هاشم وعلى بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم* وزيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبى وأنيسة الحبشى مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو كبشة الفارسى مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو مرثد كناز بن حصن أو حصين وابنه مرثد بن أبى مرثد حليفا لحمزة بن عبد المطلب وعبيدة ابن الحارث بن عبد المطلب وأخواه الطفيل بن الحارث والحصين بن الحارث* ومسطح واسمه عوف بن اثاثة بن عباد بن المطلب اثنى عشر رجلا ومن بنى عبد شمس* عثمان بن عفان بن أبى العاص ابن أمية بن عبد شمس تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه قال وأجرى يا رسول الله قال وأجرك* وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس* وسالم مولى أبى حذيفة واسم أبى حذيفة مهشم* قال ابن هشام وسالم كان لبثينة بنت يعار ابن زيد سيبته فانقطع الى أبى حذيفة فتبناه ويقال كانت بثينة بنت يعار تحت أبى حذيفة بن عتبة فأعتقت سالما فقيل سالم مولى أبى حذيفة* قال ابن اسحاق وزعموا ان صبيحا مولى أبى العاص ابن أمية تجهز للخروج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم مرض فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الاسد ثم شهد صبيح بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد بدرا من حلفاء بنى عبد شمس عبد الله بن جحش بن ذئاب الاسدى وعكاشة بن محصن بن حرثان الاسدى وشجاع بن وهب الاسدى وأخوه عقبة بن وهب ويزيد بن رقيش بن ذئاب الاسدى وأبو سنان بن محصن بن حرثان أخو عكاشة ابن محصن وابنه سنان بن أبى سنان ومحرز بن نضلة الاسدى وربيعة بن أكتم بن سخبرة الاسدى ومن حلفاء بنى كبير بن غنم الاسدى ثقف بن عمرو وأخواه مالك بن عمرو ومدلج بن عمرو* قال ابن هشام مدلاج بن عمرو وقال ابن اسحاق وهم من بنى حجز آل بنى سليم وأبو مخشى حليف لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ستة عشر رجلا* قال ابن هشام أبو مخشى طائى واسمه سويد بن مخشى ومن بنى نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر وخباب مولى عتبة بن غزوان رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد وحاطب بن ابى يلتعة واسم ابى بلتعة عمرو اللخمى وسعد الكلبى مولى حاطب ثلاثة نفر ومن بنى عبد الدار بن قصى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى وسويبط بن سعد بن حرملة رجلان ومن بنى زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة وسعد بن ابى وقاص وابو وقاص مالك بن اهيب الزهرى وأخوه عمير بن ابى وقاص ومن حلفائهم المقداد بن عمرو بن بلتعة وعبد الله بن مسعود بن الحارث ومسعود بن ربيعة بن عمرو من القارة والقارة لقب وكانوا رماة وذو الشمالين بن عبد عمرو انما قيل له ذو الشمالين لانه كان أعسرو واسمه عمير* وخباب بن الارت من بنى تميم ويقال من خزاعة كذا فى سيرة ابن هشام ثمانية نفر ومن بنى تميم بن مرّة أبو بكر الصدّيق* واسمه عتيق بن عثمان بن عامر ابن كعب بن سعد بن تيم* قال ابن هشام اسم أبى بكر عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه وبلال مولى أبى بكر وبلال مولد من مولدى بنى جمح اشتراه أبو بكر من أمية بن خلف وهو بلال بن رباح وعامر ابن فهيرة مولد اسود من مولدى الاسد اشتراه أبو بكر منهم قاله ابن هشام* وصهيب بن سنان النمر بن قاسط ويقال صهيب مولى عبد الله بن جدعان بن عمرو يقال انه رومى فقال بعض من ذكر انه من النمر ابن قاسط انما كان أسيرا فى الروم اشترى منهم* وجاء فى الحديث صهيب سابق الروم وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم كان بالشأم فقدم بعد ان رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه قال واجرى يا رسول الله قال وأجرك خمسة نفر ومن بنى مخزوم ابن يقظة بن مرّة أبو سلمة بن عبد الاسد واسم أبى سلمة عبد الله* وشماس بن عثمان بن الشريد قال ابن هشام واسم شماس عثمان بن عثمان وانما سمى شماسا لجماله وحسنه* والارقم بن أبى الارقم واسم أبى الارقم عبد بن عبد مناف بن أسد* وعمار بن ياسر عبسى من مذحج* ومعتب بن عوف بن عامر حليف لهم من خزاعة خمسة نفر* ومن بنى عدى بن كعب عمر بن الخطاب بن نوفل بن عبد العزى بن عبد الله ابن قرط بن رباح بن رزاح بن عدى وأخوه زيد بن الخطاب* ومهجع مولى عمر بن الخطاب من أهل اليمن وكان أوّل قتيل من المسلمين بين الصفين رمى بسهم* قال ابن هشام مهجع من عك* وعمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس وأخوه عبد الله بن سراقة* وواقد بن عبد الله بن عبد مناف حليف لهم وخولى بن أبى خولى* ومالك بن أبى خولى حليفان لهم وابو خولى من بنى عجل وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب من عنز بن وائل وعامر بن البكير بن عبد ياليل وعاقل بن البكير وخالد بن البكير واياس بن البكير حلفاء بنى عدى بن كعب* وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قدم من الشأم بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه قال وأجرى يا رسول الله قال وأجرك أربعة عشر رجلا ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب* عثمان بن مظعون بن حبيب وابنه السائب بن عثمان وأخواه قدامة بن مظعون وعبد الله بن مظعون* ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب خمسة نفر ومن بنى سهم بن عمرو* خنيس بن حذافة بن قيس ومن بنى عامر بن لؤى ثم من بنى مالك بن حسل بن عامر أبو سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قيس* وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس كان خرج مع أبيه سهيل بن عمرو فلما نزل الناس بدرا فرّ الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشهدها معه وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو* وسعد ابن خولة من اليمن حليف لهم خمسة نفر* ومن بنى الحارث بن فهر أبو عبيدة وهو عامر بن عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الجراح وعمرو بن الحارث بن زهير وسهيل بن وهب بن ربيعة وأخوه صفوان بن وهب وهما ابنا بيضاء وعمرو بن أبى سرح بن ربيعة خمسة نفر فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ومن ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهمه وأجره ثلاثة وثمانون رجلا قال ابن هشام وكثير من أهل العلم غير ابن اسحاق يذكرون فى المهاجرين ببدر فى بنى عامر بن لؤى بن غالب وهب بن سعد بن أبى سرح وحاطب بن أبى عمرو وفى بنى الحارث بن فهر عياض بن أبى زهير قال ابن اسحاق وشهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المسلمين ثم من الانصار ثم من الاوس بن الحارث سعد بن معاذ ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وعمرو بن معاذ بن النعمان والحارث بن أوس ابن معاذ بن النعمان والحارث بن انس بن رافع بن امرئ القيس ومن بنى عبيد بن كعب بن عبد الاشهل سعد بن زيد بن مالك بن عبيد ومن بنى زعور بن عبد الاشهل ويقال زعوراء سلمة بن سلامة ابن وقش بن زعبة بن زعوراء وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعوراء والحارث ابن خزمة بن عدى حليف لهم من بنى عوف بن الخزرج ومحمد بن مسلمة بن خالد بن عدى حليف لهم من بنى حارثة بن الحارث ومسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى حليف لهم من بنى حارثة بن الحارث وأبو الهيثم ابن التيهان وعبيد بن التيهان ويقال عتيك بن التيهان وعبد الله بن سهل أخو بنى زعوراء ويقال من غسان خمسة عشر رجلا* ومن بنى ظفر ثم من بنى سواد بن كعب قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد رجلان* قال ابن هشام عبيد بن أوس هو الذى يقال له مقرن لانه قرن أربعة أسرى فى يوم بدر وهو الذى أسر عقيل بن أبى طالب يومئذ رجلان* ومن بنى عبد بن رزاح بن كعب نضر بن الحارث بن عبد ومعتب بن عبد ومن حلفائهم من بلى عبد الله بن طارق ثلاثة نفر ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج مسعود بن سعد بن عامر بن عدى* قال ابن هشام ويقال مسعود ابن عبد سعد أبو عبس بن جبير بن عمرو ومن حلفائهم ثم من بلى أبو بردة بن نيار واسمه هانئ بن نيار بن عمرو ثلاثة نفر* ومن بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس ثم من بنى ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف عاصم بن ثابت بن قيس وقيس أبو الافلح بن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليك بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وأبو مليك بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وعمرو بن معبد بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة* قال ابن هشام عمير بن معبد وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم خمسة نفر ومن بنى أمية بن زيد بن مالك مبشر بن عبد المنذر بن زنير بن زيد بن أمية ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس وعويمر بن ساعدة ورافع بن عنجدة وعنجدة أمّه فيما قاله ابن هشام وعبيد بن أبى عبيد وثعلبة بن حاطب وزعموا ان أبا لبابة بشير بن عبد المنذر والحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد خرجا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرجعهما* قال ابن هشام ردّهما من الروحاء وأمّر أبا لبالبة على المدينة فضرب لهما بسهميهما مع أصحاب بدر تسعة نفر* ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد ومن حلفائهم من بلى معن بن عدى بن الجد بن العجلان بن ضبيعة وثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان وعبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدى بن العجلان وزيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان وربعى بن رافع بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان وخرج عاصم ابن عدى بن الجد بن العجلان فردّه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر سبعة نفر* ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية وعاصم بن عمرو قال ابن هشام عاصم بن قيس بن ثابت بن النعمان وأبو صباح بن ثابت بن النعمان وأبو حنة وهو أخو أبى صباح ويقال أبو حبة ويقال امرؤ القيس البرك بن ثعلبة وسالم بن عمير بن ثابت بن النعمان ويقال ثابت بن عمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ثعلبة والحارث بن النعمان بن أمية وخوّات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر* ومن بنى حججبا بن كلفة بن عوف منذر بن محمد بن عقبة بن أحبحة بن الجلاح* ومن حلفائهم من بنى أنيف أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة رجلان ومن بنى غنم بن أسلم بن امرئ القيس بن مالك بن أوس سعد بن خيثمة بن الحارث ومنذر بن قدامة ومالك بن قدامة بن عرفجة والحارث ابن عرفجة وتميم مولى بنى غنم خمسة نفر* قال ابن هشام وتميم مولى سعد بن خيثمة ومن بنى معاوية بن مالك بن عوف جبير بن عتيك بن الحارث بن قيس ومالك بن نميلة حليف لهم من مزينة والنعمان بن عسر حليف لهم من بلى ثلاثة نفر فجميع من شهد بدرا من الاوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن ضرب له بسهمه وأجره أحد وستون رجلا* (وشهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المسلمين من الانصار ثم من بنى الخزرج بن حارثة بن ثعلبة) * خارجة بن زيد بن ابى زهير بن مالك بن امرئ القيس وسعد بن ربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس وعبد الله ابن رواحة بن امرئ القيس وخلاد بن سويد بن ثعلبة ابن عمرو بن حارثة ابن امرئ القيس أربعة نفر ومن بنى زيد بن مالك بن ثعلبة بشير بن سعد بن ثعلبة وأخوه سماك بن سعد بن ثعلبة رجلان* ومن بنى عدى بن كعب بن الخزرج سبيع بن قيس بن عبسه وعباد بن قيس بن عبسه أخوه وعبد الله بن عبس ثلاثة نفر* ومن بنى أحمر بن حارثة بن ثعلبة يزيد بن الحارث بن قيس رجل ومن بنى جشم بن الحارث بن الخزرج وزيد بن الحارث بن الخزرج وهما التوأمان خبيب بن أساف بن عتبة بن عمرو وعبد الله بن زيد بن ثعلبة وأخوه حريث بن زيد وسفيان بن بشر أربعة نفر* قال ابن هشام سفيان بن بشر ومن بنى جدارة بن عوف تميم بن يعار بن قيس بن عدى وعبد الله بن عمير من بنى حارثة قال ابن هشام ويقال عبد الله بن عمير بن عدى بن أمية بن جداره وزيد بن المزين بن قيس بن عدى قال ابن هشام وزيد بن المزين وعبد الله بن عرفطة بن أمية بن جدارة أربعة نفر* ومن بنى الابجر وهم بنو خدرة بن الحارث بن الخزرج عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الابجر رجل ومن بنى عوف بن الخزرج ثم من بنى عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج وهم بنو الحبلى والحبلى سالم بن غنم بن عوف وانما سمى الحبلى لعظم بطنه عبد الله بن عبد الله بن أبى بن مالك ابن الحارث بن عبيد المشهور بابن سلول وانما سلول امرأة وهى أمّ أبى وأوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث بن عبيد رجلان ومن بنى جزى بن عدى بن مالك زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزى وعقبة بن وهب ابن كلدة حليف لهم من بنى عبد الله بن غطفان ورفاعة بن عمرو بن زيد وعامر بن سلمة بن عامر حليف لهم من اليمن قال ابن هشام ويقال عمرو بن سلمة وهو من بلى من قضاعة وأبو خميصة معبد بن عباد ابن قشير وعامر بن البكير حليف لهم ستة نفر* قال ابن هشام عامر بن العكير ويقال عاصم بن العكير ومن بنى سالم بن عوف بن عمرو نوفل بن عبد الله بن نضلة رجل ومن بنى أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم سالم بن عوف قال ابن هشام هذا غنم بن عوف أخو سالم بن عوف وغنم بن سالم الذى قبله على ما قال ابن اسحاق عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأخوه أوس بن الصامت رجلان ومن بنى دعد ابن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالك بن ثعلبة وهو النعمان الذى يقال له قوقل رجل ومن بنى قربوش بالشين المعجمة والمهملة بن غنم بن أمية أو ابن ثابت رجل ومن بنى مرضخة بن غنم مالك بن الدخشم بن مرضخة رجل ومن بنى لود بن سالم ربيع بن اياس بن عمرو بن غنم وأخوه ورقة بن اياس وعمرو بن اياس حليف لهم من أهل اليمن ثلاثة نفر قال ابن هشام ويقال عمرو بن اياس أخو ربيع وورقة ومن حلفائهم من بلى ثم من بنى غصينة قال ابن هشام غصينة أمّهم وأبوهم عمرو بن عمارة المجدر اسمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 عبد الله بن زياد بن عمرو بن زمزمة وعباد بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة ونجاب بن ثعلبة بن خزمة ويقال نحاب بن ثعلبة وعبد الله بن ثعلبة بن خزمة وزعموا أن عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية حليف لهم من بهراء قد شهد بدرا خمسة نفر* ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج ثم من بنى ثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة أبو دجانة سماك بن خرشة قال ابن هشام أبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة والمنذر بن عمرو ابن خنيس رجلان قال ابن هشام ويقال عمرو بن خنيش ومن بنى البدى بن عامر بن عوف أبو أسيد مالك بن ربيعة ابن البدى ومالك بن مسعود وهو أبو البدى رجلان* قال ابن هشام ما روى مسعود بن البدى فيما ذكر لى بعض أهل العلم* ومن بنى طريف بن الخزرج بن ساعدة عبد ربه بن حق ابن أوس بن وقش رجل ومن حلفائهم من جهينة كعب بن حماد بن ثعلبة قال ابن هشام ويقال كعب ابن حماز وهو من غبشان* وضمرة وزياد وبسبس بنو عمرو* قال ابن هشام ويقال ضنمرة وزياد ابنا بشر وعبد الله بن عامر من بلى خمسة نفر ومن بنى جشم بن الخزرج ثم من بنى سلمة بن سعد بن على خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح والحباب بن المنذر بن الجموح وعمير بن الحمام بن الجموح وتميم مولى خراش بن الصمة وعبد الله بن عمرو بن حزام ومعاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عمرو بن الجموح وخلاد بن عمرو بن الجموح وعقبة بن عامر بن نابى وحبيب بن الاسود مولى لهم وثابت بن ثعلبة بن زيد وثعلبة الذى يقال له الجدع وعمير بن الحارث بن ثعلبة اثنا عشر رجلا* قال ابن هشام عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة ومن بنى عبيدة بن عدى بن غنم بن كعب بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء والطفيل بن مالك بن خنساء والطفيل بن النعمان بن خنساء وسنان بن صيفى ابن صخر بن خنساء وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء وخارجة بن حمير وعبد الله ابن حمير حليفان لهم من أشجع من بنى دهمان تسعة نفر ومن بنى خناس بن سنان بن عبيد يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس وعبد الله بن النعمان بن بلدمة* قال ابن هشام ويقال بلدمة وبلذمة والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة وسواد بن رزيق بن ثعلبة قال ابن هشام ويقال سواد بن رزم بن زيد بن ثعلبة ومعبد بن قيس بن صخر بن حزام ويقال معبد بن قيس بن صيفى بن صخر بن حزام فيما قاله ابن هشام وعبد الله بن صخر بن حزام ومن بنى النعمان بن سنان بن عبيد عبد الله بن عبد مناف بن النعمان وجابر بن عبد الله بن رباب بن النعمان وخليدة بن قيس بن النعمان والنعمان بن سنان مولى لهم أربعة نفر ومن بنى سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثم من بنى حديدة عمرو بن غنم بن سواد* قال ابن هشام عمرو بن سواد ليس لسواد ابن يقال له غنم وأبو المنذر وهو يزيد بن عامر ابن حديدة وسليم بن عمرو بن حديدة وقطبة بن عامر بن حديدة وعنترة مولى سليم بن عمرو اربعة نفر قال ابن هشام عنترة من بنى سليم بن منصور ثم من بنى ذكوان ومن بنى عدى بن نابى بن عمرو بن سواد بن غنم عبس بن عامر بن عدى وثعلبة بن غنمة بن عدى وأبو اليسر وهو كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ابن سواد وسهل بن قيس بن أبىّ بن كعب بن القين بن كعب بن سواد وعمرو بن طلق بن زيد بن أمية ومعاذ ابن جبل بن عمرو بن أوس ستة نفر* قال ابن هشام وانما نسب ابن اسحاق معاذ بن جبل فى بنى سواد وليس منهم لانه فيهم قال ابن اسحاق والذين كسروا آلهة بنى سلمة معاذ بن جبل وعبد الله بن أنيس وثعلبة بن غنمة ومن بنى رزيق بن عامر قيس بن محصن بن خالد بن مخلد ويقال قيس بن حصن وأبو خالد وهو الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد وجبير بن اياس بن خالد بن مخلد وأبو غادة وهو سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد وأخوه عقبة بن عثمان بن خلدة بن مخلد وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ومسعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ابن خلدة بن عامر بن مخلد سبعة نفر ومن بنى خالد بن عامر بن رزيق عباد بن قيس بن عامر بن خالد رجل ومن بنى خلدة بن عامر بن رزيق أسعد بن يزيد بن الفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة* قال ابن هشام بشر بن الفاكه ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وأخوه عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ومسعود بن سعد بن خلدة خمسة نفر* ومن بنى العجلان بن عمرو بن عامر بن رزيق رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان واخوه خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان ثلاثة نفر* ومن بنى بياضة ابن عامر بن رزيق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان وفروة بن عمرو بن ودقة ويقال ورقة وخالد بن قيس ابن مالك بن العجلان ورحيلة بن ثعلبة بن خالد* قال ابن هشام رخيلة وعطية بن نويرة بن عامر وخليفة ابن عدى بن عمرو ستة نفر* قال ابن هشام ويقال عليقة ومن بنى حبيب بن عبد حارثة بن مالك رافع ابن المعلى بن لوذان بن حارثة رجل* ومن بنى النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ثم من بنى غنم بن مالك بن النجار ثم من بنى ثعلبة بن عبد عوف بن غنم أبو ايوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة رجل ومن بنى عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة رجل* قال ابن هشام ويقال عشيرة ومن بنى عمرو بن عبد بن عوف بن غنم عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان ابن عمرو وسراقة بن كعب بن عبد العزى رجلان ومن بنى عبيد بن ثعلبة بن غنم حارثة بن النعمان ابن زيد بن عبيد وسليم بن قيس بن فهد رجلان* قال ابن هشام حارثة بن النعمان بن نفع بن يزيد ومن بنى عائذ بن ثعلبة بن غنم ويقال عائد فيما قاله ابن هشام سهيل بن رافع بن أبى عمرو بن عائذ وعدى بن أبى الزغباء حليف لهم ومن جهينة رجلان ومن بنى زيد بن ثعلبة بن غنم مسعود بن أوس بن زيد وأبو خزيمة بن أوس بن زيد بن اصرم بن زيد ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد ثلاثة نفر ومن بنى سواد ابن مالك بن غنم عوف ومعوذ ومعاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد وهم بنو عفراء* قال ابن هشام عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ويقال رفاعة بن الحارث بن سواد فيما قاله ابن هشام والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد ويقال نعيمان فيما قاله ابن هشام وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد وعبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد وعصيمة حليف لهم من أشجع ووديعة بن عمرو حليف لهم من جهينة وثابت بن زيد بن عمرو بن عدى بن سواد وزعموا أن أبا الحمراء مولى الحارث بن عفراء قد شهد بدرا عشرة نفر قال ابن هشام أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة ومن بنى عامر بن مالك بن النجار وعامر بن مبذول ثم من بنى عتيك بن عمرو بن مبذول ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك وسهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك كسر به بالروحاء فضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهمه ثلاثة نفر ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة ثم من بنى قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار* قال ابن هشام حديلة بنت مالك بن زيد الله بن حبيب وهى أم معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار فبنو معاوية ينسبون اليها أبىّ بن كعب بن قيس وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس رجلان ومن بنى عدى بن عمرو بن مالك بن النجار* قال ابن هشام وهم بنو مغالة بنت عوف بن عبد مناة بن عمرو ويقال انها من بنى زريق وهى أم عدى بن عمرو بن مالك بن النجار فبنو عدى ينسبون اليها أوس بن ثابت بن المنذر بن حزام وأبو شيخ بن أبىّ بن ثابت بن المنذر بن حزام قال ابن هشام أبو شيخ ابن ثابت أخو حسان بن ثابت وأبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الاسود بن حزام ثلاثة نفر ومن بنى عدى ابن النجار ثم من بنى عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدى بن مالك بن عدىّ بن عامر وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدى بن عامر وهو أبو حكيم وسليط بن قيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 ابن عمرو بن عتيك وأبو سليط وهو أسيرة بن عمرو وعمرو أبو خارجة بن قيس بن مالك وثابت بن خنساء ابن عمرو بن مالك وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس ومحرز بن عامر بن مالك بن عدى وسواد بن غزية بن أهيب حليف لهم من بلى ثمانية نفر* قال ابن هشام ويقال سواد ومن بنى حزام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار أبو يزيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء بن حزام وأبو الاعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حزام* قال ابن هشام ويقال أبو الاعور الحارث بن ظالم وسليم بن ملحان وحزام بن ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حزام أربعة نفر* ومن بنى مازن بن النجار ثم من بنى عوف بن مبذول قيس بن أبى صعصعة واسم أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف وعصيمة حليف لهم من بنى أسد بن خزيمة ثلاثة نفر* ومن بنى خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء رجلان ومن بنى ثعلبة بن مازن بن النجار قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب رجل ومن بنى دينار بن النجار ثم من بنى مسعود بن عبد الاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود والضحاك ابن عبد عمرو بن مسعود وسليم بن الحارث بن ثعلبة وهو أخو الضحاك بن عبد عمرو والنعمان ابنى عبد عمرو لامّهما وجابر بن خالد بن عبد الاشهل خمسة نفر* ومن بنى قيس بن مالك بن كعب بن حارثة ابن دينار بن النجار كعب بن زيد بن قيس وبجير بن أبى بجير حليف لهم رجلان* قال ابن هشام وبجير من عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ثم من بنى جذيمة بن رواحة* قال ابن اسحاق فجميع من شهد بدرا من الخزرج مائة وسبعون رجلا* وقال ابن هشام وأكثر أهل العلم يذكر فى الخزرج ببدر فى بنى العجلان بن زيد بن غنم عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان ومليل بن وبرة بن خالد بن العجلان وعصمة ابن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان ومن بنى حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج وهم فى بنى رزيق هلال بن المعلى بن لوذان بن حارثة* عدّة أهل بدر قال ابن اسحاق فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها منهم ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة وأربعة عشر رجلا من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ومن الاوس أحد وستون رجلا ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا وقد ذكرنا أن الدعاء عند ذكرهم فى البخارى مستجاب وقد جرّب ذلك* عدّة شهداء بدر واستشهد من المسلمين يوم بدر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلا وكذا فى الكشاف ستة من المهاجرين من قريش ثم من بنى المطلب بن عبد مناف عبيدة بن الحارث بن المطلب قتله عتبة بن ربيعة قطع رجله فمات فى الصفراء رجل* ومن بنى زهرة بن كلاب عمير بن أبى وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة حليف لهم من خزاعة ثم من بنى غبشان رجلان ومن بنى عدى بن كعب بن لؤى عاقل بن البكير حليف لهم من بنى سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ومهجع مولى عمر بن الخطاب رجلان ومن بنى الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء رجل فهؤلاء ستة نفر من المهاجرين ومن الانصار ثمانية خمسة من الاوس من بنى عمرو بن عوف سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر بن زبير رجلان ومن بنى الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث وهو الذى يقال له قسحم رجل ومن بنى سلمة ثم من بنى حرام بن كعب بن سلمة عمير بن الحمام رجل ثم من بنى حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عضب ابن جشم رافع بن المعلى رجل وثلاثة من الخزرج من بنى النجار حارثة بن سراقة بن الحارث رجل ومن بنى غنم بن مالك بن النجار عوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد وهما ابنا عفراء رجلان ثمانية نفر* وفى خلاصة الوفاء استشهد بوقعة بدر ثلاثة عشر رجلا غير عبيدة بن الحارث تأخرت وفاته حتى وصل وادى الصفراء فدفن فيها* وفى الوفاء يظهر من كلام أهل السير أن بقيتهم دفنوا ببدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وأما قتلى المشركين يوم بدر فسيجىء الخلاف فيهم فعلى قول ابن اسحاق ان جميع من أحصى له خمسون وقال ابن هشام عن أبى عبيدة ان القتلى سبعون والاسرى كذلك سبعون* عدّة قتلى المشركين يوم بدر قال ابن اسحاق وقتل من المشركين يوم بدر من قريش ثم من بنى عبد شمس بن عبد مناف حنظلة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس قتله زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما قاله ابن هشام ويقال اشترك فيه حمزة وعلى وزيد فيما قاله ابن هشام والحارث بن الحضرمى وعامر بن الحضرمى حليفان لهم قتل عامرا عمار بن ياسر وقتل الحارث النعمان بن عسر حليف الاوس فيما قاله ابن هشام وعبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس قتله الزبير بن العوّام والعاصى بن سعيد بن العاص بن أمية قتله علىّ بن أبى طالب وعقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس قتله عاصم بن ثابت بن أبى الافلح أخو بنى عمرو بن عوف صبرا* قال ابن هشام ويقال علىّ بن أبى طالب قتله وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس قتله عبيدة بن الحارث بن المطلب قال ابن هشام اشترك فيه هو وحمزة وعلى وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس قتله حمزة بن عبد المطلب والوليد بن عتبة بن ربيعة قتله علىّ بن أبى طالب وعامر بن عبد الله حليف لهم من بنى أنمار من بغيض قتله علىّ بن ابى طالب اثنى عشر رجلا ومن بنى نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل قتله فيما يذكرون خبيب بن اساف أخو بنى الحارث بن الخزرج وطعيمة بن عدى بن نوفل قتله علىّ بن أبى طالب ويقال حمزة بن عبد المطلب رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى زمعة ابن الاسود بن المطلب* قال ابن هشام قتله ثابت بن الجذع أخو بنى حرام ويقال اشترك فيه حمزة وعلىّ ابن أبى طالب وثابت والحارث بن زمعة قتله عمار بن ياسر وعقيل بن الاسود بن المطلب قتله حمزة وعلىّ اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام وأبو البخترى وهو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد قال ابن هشام أبو البخترى العاصى بن هاشم قتله المجدر بن زياد البلوى ونوفل بن خويلد بن أسد وهو ابن العدوية عدى خزاعة وهو الذى قرن أبا بكر وطلحة بن عبيد الله حين أسلما فى حبل فكانا يسميان القرينين لذلك وكان من شياطين قريش قتله علىّ بن أبى طالب خمسة نفر ومن بنى عبد الدار بن قصى النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار قتله على بن أبى طالب صبرا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصفراء فيما يذكرون* قال ابن هشام بالاثيل وزيد بن مليص مولى عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار رجلان* قال ابن هشام قتل زيد بن مليص بلال بن رباح مولى أبى بكر وزيد حليف لبنى عبد الدار من بنى مازن ويقال قتله المقداد بن عمرو ومن بنى تيم بن مرّة عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم* قال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب ويقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان ابن مالك بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن عمرو قتله ضريب بن سنان رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة ابن مرّة أبو جهل بن هشام واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله وضرب ابنه يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يلتمس فى القتلى والعاصى بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتله عمر بن الخطاب ويزيد ابن عبد الله حليف لهم من بنى تميم* قال ابن هشام ثم أحد بنى عمرو بن تميم وكان شجاعا قتله عمار بن ياسر وأبو مسافع الاشعرى حليف لهم قتله أبو دجانة الساعدى فيما قال ابن هشام وحرملة بن عمرو حليف لهم* قال ابن هشام قتله خارجة بن زيد بن أبى زهير أخو بلحارث بن الخزرج فيما قال ابن هشام ويقال بل علىّ بن أبى طالب وحرملة بن الاسد ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن الوليد بن المغيرة قتله حمزة بن عبد المطلب فيما قاله ابن هشام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ويقال علىّ بن أبى طالب ويقال عمار بن ياسر فيما قاله ابن هشام ورفاعة بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتله سعد بن الربيع أخو بلحارث بن الخزرج فيما قاله ابن هشام والمنذر بن أبى رفاعة بن عائذ قتله معن بن العدى بن الجد بن العجلان حليف بنى عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف فيما قاله ابن هشام وعبد الله بن المنذر بن أبى رفاعة بن عائذ قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام والسائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم* قال ابن هشام السائب بن أبى السائب شريك رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذى جاء فيه الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعم الشريك السائب لا يشارى ولا يمارى كان أسلم فحسن اسلامه فيما بلغنا والله أعلم* وذكر ابن شهاب الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن السائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ممن بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قريش وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين* وذكر غير ابن اسحاق أن الذى قتله الزبير بن العوّام والاسود بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب وحاجب بن السائب ابن عويمر بن عمرو ويقال حاجز بن السائب والذى قتل حاجب بن السائب علىّ بن أبى طالب وعويمر بن السائب بن عمير قتله النعمان بن مالك القوقلى مبارزة فيما قاله ابن هشام وعمرو بن سفيان وجابر بن سفيان حليفان لهم من طى قتل عمرا يزيد بن رقيش وقتل جابرا أبو بردة بن نيار فيما قال ابن هشام سبعة عشر رجلا ومن بنى سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سعد بن سهم قتله أبو اليسر أخو بنى سلمة وابنه العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام ونبيه بن الحجاج بن عامر قتله حمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبى وقاص اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام وأبو العاصى بن قيس بن عدى بن سعيد بن سهم قال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب ويقال النعمان بن مالك القوقلى ويقال أبو دجانة وعاصم بن أبى عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم قتله أبو اليسر أخو بنى سلمة فيما قاله ابن هشام خمسة نفر ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رجل من الانصار من بنى مازن فيما قاله ابن هشام ويقال بل قتله معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وحبيب بن اساف اشتركوا فيه وابنه علىّ بن أمية بن خلف قتله عمار بن ياسر وأوس بن مغير بن لوذان بن سعد بن جمح قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام ثلاثة نفر ويقال قتله الحصين بن الحارث ابن المطلب وعثمان بن مظعون اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام ومن بنى عامر بن لؤى معاوية بن عامر حليف لهم من عبد القيس قتله علىّ بن أبى طالب ويقال عكاشة بن محصن فيما قاله ابن هشام ومعبد ابن وهب حليف لهم من بنى كلب بن عوف بن كعب قتل معبدا خالد واياس ابنا البكير ويقال أبو دجانة فيما قاله ابن هشام رجلان* قال ابن اسحاق فجميع من أحصى لنا من قتلى قريش يوم بدر خمسون رجلا* قال ابن هشام حدّثنى أبو عبيدة عن أبى عمرو أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا والاسرى كذلك وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وفى كتاب الله تبارك وتعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يقوله لاصحاب أحد وكان من استشهد منهم سبعين رجلا يقول قد أصبتم يوم بدر مثلى من استشهد منكم يوم أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا* قال ابن هشام وممن لم يذكر ابن اسحاق من هؤلاء السبعين القتلى من بنى عبد شمس بن عبد مناف وهب بن الحارث من بنى انمار بن بغيض حليف لهم وعامر بن زيد حليف لهم من اليمن رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى عقبة بن زيد حليف لهم من اليمن وعمير مولى لهم رجلان ومن بنى عبد الدار بن قصى نبيه بن زيد بن مليص وعبيد بن سليط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 حليف لهم من قيس رجلان ومن بنى تيم بن مرّة مالك بن عبيد الله بن عثمان أسر فمات فى الاسارى فعدّ فى القتلى ويقال وعمرو بن عبد الله بن جدعان رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة حذيفة بن أبى حذيفة بن المغيرة قتله أبو أسيد مالك بن ربيعة والسائب بن أبى رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف وعائذ بن السائب ابن عويمر أسر ثم افتدى فمات فى الطريق من جراحة جرحه اياها حمزة بن عبد المطلب وعمير حليف لهم من طى وخيار حليف لهم من القارة سبعة نفر ومن بنى جمح بن عمرو سيرة بن مالك حليف لهم رجل ومن بنى سهم بن عمرو الحارث بن منبه بن الحجاج قتله صهيب بن سنان وعامر بن أبى عوف بن صبيرة أخو عاصم قتله عبد الله بن سلمة العجلانى ويقال أبو دجانة رجلان* (ذكر الاسارى من المشركين) ** قال ابن اسحاق وأسر من المشركين يوم بدر من قريش ثم من بنى هاشم بن عبد مناف عقيل بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ومن بنى المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ونعمان بن عمرو بن علقمة بن المطلب رجلان ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف عمرو بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس والحارث بن أبى وجرة بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس ويقال ابن أبى وجرة فيما قاله ابن هشام وأبو العاصى بن الربيع ابن عبد العزى بن عبد شمس وأبو العاصى بن نوفل بن عبد شمس ومن حلفائهم أبو ريشة بن أبى عمرو وعمرو بن الازرق وعقبة بن عبد الحارث بن الحضرمى سبعة نفر ومن بنى نوفل بن عبد مناف عدى ابن الخيار بن عدى بن نوفل وعثمان بن عبد شمس بن غزوان بن جابر حليف لهم من بنى مازن بن منصور وأبو نوفل حليف لهم ثلاثة نفر ومن بنى عبد الدار بن قصى أبو عزيز بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار والاسود بن عامر حليف لهم ويقولون نحن بنو الاسود بن عامر بن الحارث بن السباق رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى السائب بن أبى حبيش بن المطلب بن أسد والحويرث بن عباد بن عثمان بن أسد وسالم بن شماخ حليف لهم ثلاثة نفر ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرّة خالد بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وأمية بن أبى حذيفة بن المغيرة والوليد ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وصيفى بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله وأبو المنذر بن أبى رفاعة بن عائذ وأبو عطاء عبد الله بن أبى السائب بن عائذ والمطلب بن الحنطب بن الحارث بن عبيد وخالد بن الاعلم حليف لهم وهو كان فيما يذكرون أوّل من ولى فارّا منهزما وهو الذى يقول ولسنا على الادبار تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم تسعة نفر قال ابن هشام* ويروى ولسنا على الاعقاب وخالد بن الاعلم من خزاعة ويقال عقيلى ومن بنى سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب أبو وداعة بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم كان أوّل أسير افتدى من أسرى بدر افتداه ابنه المطلب بن أبى وداعة وفروة بن قيس بن عدى بن حذافة بن سعد بن سهم وحنظلة بن قبيصة بن حذافة بن سعد بن سهم والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعيد بن سعد ابن سهم أربعة نفر ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص عبد الله بن أبى بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح والفاكه مولى أمية بن خلف ادّعاه بعد ذلك رباح بن المغترف وهو يزعم انه من بنى شماخ بن فهر ويقال ابن الفاكه بن جرول بن جذيم بن عوف ووهب بن عمير بن وهب بن خلف وربيعة بن دراج بن العنبس بن اهبان خمسة نفر ومن بنى عامر بن لؤى سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم بن عوف وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس وعبد الرحمن بن مشنوء بن وقدان بن قيس بن عبد شمس ثلاثة نفر ومن بنى الحارث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ابن فهر الطفيل بن أبى قنيع وعتبة بن جحدم حليف العباس بن عبد المطلب رجلان* قال ابن اسحاق فجميع من حفظ لنا من الاسارى ثلاثة وأربعون رجلا* قال ابن هشام وقع من جملة العدّة رجل لم أذكر اسمه وممن لم يذكر ابن اسحاق من الاسارى من بنى هاشم بن عبد مناف عتبة حليف لهم من بنى فهر رجل ومن بنى المطلب بن عبد مناف عقيل بن عمرو حليف لهم وأخوه تميم بن عمرو وابنه ثلاثة نفر ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف خالد بن أسيد بن أبى العيص وأبو العريض يسار مولى العاص بن أمية رجلان ومن بنى نوفل بن عبد مناف نبهان مولى لهم رجل ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث رجل ومن بنى عبد الدار بن قصى عقيل حليف لهم من اليمن رجل ومن بنى تيم بن مرّة مسافع بن عياض بن صخر بن عامر وجابر بن الزبير حليف لهم رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة قيس بن السائب رجل ومن بنى جمح بن عمرو عمرو بن أبى بن خلف وأبو رهم بن عبد الله حليف لهم وحليف لهم ذهب عنى اسمه وموليان لامية بن خلف أحدهما نسطاس وأبو رافع غلام أمية بن خلف ستة نفر ومن بنى سهم بن عمرو أسلم مولى نبيه بن الحجاج رجل ومن بنى عامر بن لؤى حبيب بن جابر والسائب بن مالك رجلان ومن بنى الحارث بن فهر شافع وشفيع حليفان لهم من اليمن رجلان* أقول ومن جملة أسارى بدر عباس بن عبد المطلب ولم يذكر فيما ذكر* قال ابن اسحاق وكان فراغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بدر فى عقب شهر رمضان أو فى شوّال* وفى هذه السنة غلبت الروم على فارس* روى انه لما التقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمشركين يوم بدر فنصر عليهم وافق ذلك اليوم التقاء الروم بفارس فنصرت الروم ففرح المسلمون بالفتحين وانما فرحوا لانّ الروم أهل كتاب وفارس مجوس لا كتاب لهم* وفاة رقية بنته عليه السلام وفى هذه السنة توفيت رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوجة عثمان وكان تزوّجها بمكة فى الجاهلية وهاجر معها الى الحبشة فتوفيت يوم جاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر جاء وعثمان واقفا على قبرها يدفنها كما مرّ وكان تمريضها منعه عن شهود بدر وضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهمه من غنيمتها* روى انه صلّى الله عليه وسلم لما عزى فى ابنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات رواه العسكرى فى الامثال وفى رواية من المكرمات دفن البنات* قال النووى توفيت رقية فى ذى الحجة من هذه السنة لكن ذكر أهل السير أن وفاة رقية كانت فى رمضان حين كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى غزوة بدر كما مرّ * سرية عمير بن عدى لقتل العصماء اليهودية وفى هذه السنة كانت سرية عمير بن عدى الخطمى لقتل العصماء بنت مروان اليهودى امرأة من الانصار وهى زوجة يزيد الخطمى لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة قال ابن سعد كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة مغلطاى ذكر سيرة عمير بعد قرقرة الكدر* وفى الوفاء قدّم قتل أبى عفك على قتل العصماء وكانت تعيب المسلمين وتؤنب الانصار فى اتباعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتقول الشعر فى هجوه فجاءها ليلا عمير ابن عدى وكان أعمى فدخل عليها بيتها وحولها نفر من أولادها نيام منهم من ترضعه فى صدرها فجها بيده فنحى الصبىّ عنها ووضع ذبابة سيفه فى صدرها حتى أنفذها من ظهرها ثم صلّى الصبح مع النبىّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقتلت ابنة مروان قال نعم قال لا ينتطح فيها عنزان أى لا يعارض فيها معارض ولا يسأل عنها فانها هدر وكانت هذه الكلمة اوّل ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهذا من الكلام الموجز البديع الذى لم يسبق اليه* نبذة من جوامع كلمه عليه السلام كحمى الوطيس ومات حتف أنفه ولا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين ويا خيل الله اركبى والولد للفراش وللعاهر الحجر وكل الصيد فى جوف الفرا والحرب خدعة واياكم وخضراء الدمن وان مما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلم والانصار كرشى وعيبتى ولا يجنى على المرء الايده والشديد من غلب نفسه وليس الخبر كالمعاينة والمجالس بالامانة واليد العليا خير من اليد السفلى والبلاء موكل بالمنطق والناس كأسنان المشط وترك الشر صدقة وأى داء أدوأ من البخل والاعمال بالنيات والحياء خير كله واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع وسيد القوم خادمهم وفضل العلم خير من فضل العبادة والخيل فى نواصيها الخير وعدة المؤمن كأخذ باليد وأعجل الاشياء عقوبة البغى وانّ من الشعر لحكمة والصحة والفراغ نعمتان ونية المؤمن خير من عمله واستعينوا على الحاجات بالكتمان وان كل ذى نعمة محسود والمكر والخديعة فى النار ومن غشنا ليس منا والمستشار مؤتمن والندم توبة والدال على الخير كفاعله وحبك الشىء يعمى ويصم والعارية مؤدّاة والايمان قيد الفتك وسبقك بها عكاشة وعجب ربكم من كذا وقتل صبرا وليس المسؤل بأعلم من السائل ولا ترفع عصاك عن أهلك ولا تضحى شرقاء الى غير ذلك مما يطول ذكره وكذا فى سيرة مغلطاى* وفى الوفاء ان العصماء هذه تأففت لما قتل أبو عفك بالفاء واهمال أوّله وقالت شعرا تعيب به الاسلام وأهله وان عميرا رجع الى قومه بعد قتلها وهم يومئذ كثير يوبخهم فى شأنها ولها بنون خمسة رجال فقال يا بنى خطمة أنا قتلت بنت مروان يعنى العصماء فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون فذلك اليوم أوّل ما عز الاسلام فى دار بنى خطمة وكان يستخفى باسلامه فيهم من أسلم ويومئذ أسلم رجال منهم لما رأوا من عز الاسلام* وفى شواهد النبوّة كانت العصماء بنت مروان من بنى أمية بن زيد وكانت تؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعيب الاسلام فحين كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوة بدر قالت فى ذم الاسلام وأهله أبياتا فسمعها عمير بن عدى وكان ضرير البصر قاله ابن سعد وسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم البصير وكان قد تخلف بالمدينة عن غزوة بدر لعماه وقيل كان أوّل من أسلم من بنى خطمة وكان امام قومه وقارئهم وكان يدعى القارئ فنذر لئن ردّ الله عز وجل رسوله من بدر سالما ليقتلنها ففى ليلة قدم فيها النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة من بدر سل عمير سيفه ودخل عليها فى جوف الليل وقتلها وصلّى الصبح بالمدينة مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولما رآه قال أقتلت ابنة مروان قال نعم فأقبل على الناس وقال من أحب منكم أن ينظر الى رجل كان فى نصرة الله ورسوله فلينظر الى عمير بن عدى فقال عمر الى هذا الاعمى بات فى طاعة الله ورسوله قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم مه يا عمر فانه بصير أو كما قال* فرض زكاة الفطر وفى هذه السنة فرضت زكاة الفطر وكان ذلك قبل العيد بيومين كذا فى أسد الغابة فخطب الناس قبل الفطر بيومين يعلمهم زكاة الفطر وكان ذلك قبل أن ت فرض زكاة الاموال كما سيجىء* وفى أوّل شوّال هذه السنة خرج الى المصلى وحملت العنزة بين يديه وغرزت فى المصلى وصلّى اليها صلاة الفطر وهذه الحربة كانت للنجاشى فوهبها للزبير بن العوّام وكانت تحمل بين يديه عليه السلام فى الاعياد وأمر بأن تخرج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والانثى نصف صاع من برّ أوصاع من شعير أوصاع من زبيب وكان يأمر باخراجها قبل أن يغد والى المصلى* فرض زكاة الاموال وفى هذه السنة فرضت زكاة الاموال وقيل فى السنة الثالثة وقيل فى الرابعة وقيل قبل الهجرة وثبتت بعدها والله أعلم* غزوة قرقرة الكدر وفى شوّال هذه السنة أيضا وقيل بعد بدر بسبعة أيام وقيل فى نصف المحرم سنة ثلاث وقعت غزوة قرقرة الكدر ويقال نجران كذا فى سيرة مغلطاى وذكرها ابن سعد بعد غزوة السويق وقرقرة الكدر بفتح القافين أرض ملساء* وقال البكرى هى بضم القاف واسكان الراء وبعدهما مثلهما والمعروف فى ضبطها الفتح وهى ناحية بأرض سليم على ثمانية برد من المدينة كذا فى حياة الحيوان* وفى المواهب اللدنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الكدر طير فى ألوانها كدرة عرف بها ذلك الموضع* وفى خلاصة الوفاء كدر بالضم جمع أكدر يضاف اليه قرقرة الكدر بناحية معدن بنى سليم وراء سدّ معاوية وقال عرام فى حرم بنى عوال مياه وآبار منها بئر الكدر* وفى الاكتفاء كانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة من شهر رمضان وكان فراغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم منها فى عقبه أو فى شوّال بعده فلما قدم المدينة لم يقم بها الاسبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بنى سليم فبلغ ماء من مياههم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا* وفى بعض الكتب أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأن جماعة من بنى سليم وغطفان تجمعوا بماء يقال له الكدر ويعرف بغزوة قرقرة الكدر فعقد النبىّ صلّى الله عليه وسلم لواء ودفعه الى علىّ بن أبى طالب واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى وقيل ابن أمّ مكتوم وخرج منها فى مائتى رجل من أصحابه وسار الى أن بلغ قرقرة الكدر فلم يرفيها أحدا فبعث بعضا من أصحابه الى أعالى الوادى وسار هو فى بطن الوادى وأقام عليه الصلاة والسلام بها ثلاثا وقيل عشرا فلم يلق كيدا فلقى رعاة الابل فيهم غلام اسمه يسار فسألهم عن بنى سليم وغطفان قالوا لا ندرى فساقوا الابل مع الرعاة الى المدينة فلما بلغ صرارا بالصاد المهملة وهو موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال وفى خلاصة الوفاء صرار ماء قرب المدينة محتفر جاهلى أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم باخراج الخمس وقسم الباقى على أصحاب الغزوة فأصاب كل واحد بعيران وكان جملة الابل خمسمائة ووقع يسار فى سهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأعتقه حين رآه يصلى وكانت مدّة غيبته فى تلك الغزوة خمس عشرة ليلة* وفى خلاصة السير أورد هذه الغزوة بعد غزوة السويق وقال هذه الاربع يعنى غزوة بنى قينقاع وغزوة السويق وغزوة قرقرة الكدر وغزوة ذى أمر فى بقية السنة الثانية* وفى حياة الحيوان روى ابن هشام وغيره أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم غزا قرقرة الكدر فى النصف من المحرّم على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره والله أعلم* وفى المواهب اللدنية ذكر غزوة قرقرة الكدر فى أوّل شوّال السنة الثانية قبل سرية سالم بن عمير وقال ذكرها ابن سعد بعد غزوة السويق * سرية سالم بن عمير الى قتل أبى عفك وفى شوّال هذه السنة على رأس عشرين شهرا من الهجرة كما فى المواهب اللدنية كانت سرية سالم بن عمير أحد البكائين وممن شهد بدرا الى قتل أبى عفك اليهودى وكان أبو عفك من بنى عمرو بن عوف شيخا كبيرا قد بلغ عشرين ومائة سنة وكان يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويقول فيه الشعر فقال سالم بن عمير علىّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه فقتله ووضع سيفه على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش فى الفراش فصاح عدوّ الله أبو عفك فثار اليه ناس ممن هو على قوله فأدخلوه منزله فقتل كذا فى المواهب اللدنية* وفى الوفاء قدّم قتل أبى عفك على قتل العصماء* غزوة بنى قينقاع وفى نصف شوّال هذه السنة يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة وقعت غزوة بنى قينقاع بفتح القاف وتثليث النون والضم أشهر حى من اليهود كانوا بالمدينة كذا فى القاموس* وفى الوفاء منازلهم عند جسر بطحان مما يلى العالية* وفى صحيح البخارى عن ابن عمر أن بنى قينقاع هم رهط عبد الله بن سلام* وقال الحافظ ابن حجر وهم من ذرّية يوسف الصدّيق عليه السلام* وفى الاكتفاء لما رجع من قرقرة الكدر الى المدينة أقام بقية شوّال وذا القعدة وأفدى فى اقامته تلك جل الاسارى من قريش أى أسارى بدر* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع اليهود على أن لا يعينوا عليه أحدا وان دهمه بها عدوّ نصروه فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغى وقالوا لم يلق محمد من يحسن القتال ولو لقينا لاقى عندنا قتالا لا يشبه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد كذا فى المنتقى* وفى خلاصة السير اليهود يرجعون الى ثلاث طوائف بنى قينقاع والنضير وقريظة فنقض الثلاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 العهد طائفة بعد طائفة فأوّل من نقض العهد منهم بنو قينقاع قتلوا رجلا من المسلمين وحاربوا فيما بين بدر وأحد* وقال مغلطاى قال الحاكم غزوة بنى قينقاع وبنى النضير واحدة فربما اشتبهتا على من لا يتأمّل* وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر انهم أوّل من نقض العهد فغزاهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم بنى النضير وأغرب الحاكم فزعم ان اجلاء بنى قينقاع واجلاء بنى النضير كان فى زمن واحد ولم يوافق على ذلك لانّ اجلاء بنى النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدّة طويلة على قول ابن اسحاق* وذكر الواقدى ان اجلاء بنى قينقاع كان فى شوّال سنة اثنتين يعنى بعد بدر بشهر ويؤيده رواية ابن اسحاق عن ابن عباس ان غزوة بنى قينقاع بعد بدر* وفى الوفاء حاربهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد بدر فى شوّال فألقى الله الرعب فى قلوبهم فنزلوا على حكمه فأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبى وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة الى أذرعات* وفى الاكتفاء منشأ أمرهم فى نقض العهد أن امرأة من العرب قدمت بحلب لها فباعته بسوق بنى قينقاع وجلست الى صائغ بها فجعلوا يرادونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الى طرف ثوبها من خلفها بحيث لا تعلم فعقده الى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهود يا فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع فلما أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بذلك جمع أشراف يهود بنى قينقاع فقال لهم يا معشر اليهود احذروا من الله أن يوقع بكم ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فانكم قد عرفتم انى نبىّ مرسل تجدون ذلك فى كتابكم وعهد الله اليكم قالوا يا محمد انك ترى أنا قومك لا يغرّنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس* وفى الوفاء قالوا انهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فأنزل الله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم الى قوله أولى الابصار فخرج صلّى الله عليه وسلم اليهم للنصف من شوّال سنة اثنتين بعد بدر بشهر ودفع لواءه يومئذ الى حمزة وكان أبيض* قال ابن هشام واستعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة فى محاصرته اياهم بشر بن عبد المنذر فتحصنت اليهود فى حصنهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة الى هلال ذى القعدة حتى جهدهم الحصار فنزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر منذر بن قدامة السلمى أن يكتفهم فكتفوا وهو يريد قتلهم فمرّ بهم عبد الله بن أبى بن سلول فأراد أن يطلقهم وهم حلفاؤه قال له المنذر أتطلق قوما أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بربطهم والله لا يفعله أحد الا أضرب عنقه* وفى سيرة ابن هشام فقام اليه عبد الله بن أبى بن سلول حين أمكن الله نبيه منهم فقال يا محمد أحسن فى موالىّ فأعرض عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأعاد ابن أبى كلامه فسكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يجبه بشئ فأدخل ابن أبىّ يده فى جيب درع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يقال لها ذات الفضول فيما قاله ابن هشام وقال يا رسول الله أحسن فى حلفائى وألح عليه من أجلهم فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال ويحك أرسلنى قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن فى موالىّ أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد كانوا منعونى من الاحمر والاسود تحصدهم فى غداة واحدة وانى والله امرؤ أخشى الدوائر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك فأمر أن يجلوا وتركهم من القتل* وفى رواية قال حلوهم لعنهم الله ولعن من معهم فتجاوز عن دمائهم ولكن أمر باجلائهم* قال ابن اسحاق حدّثنى أبى اسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلّى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبى وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وكان أحد بنى عوف لهم من حلفه مثل الذى لهم من عبد الله بن أبى فخلعهم عبادة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ الى الله والى رسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم قال ففيه وفى عبد الله بن أبى نزلت القصة من المائدة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم انّ الله لا يهدى القوم الظالمين فترى الذين فى قلوبهم مرض كعبد الله بن أبى يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة الى قوله فى أنفسهم نادمين ولما سمعوا خبر الاجلاء اغتموا وأتى عبد الله بن أبى برؤسائهم ليشفع لهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أمر الاجلاء أيضا وكان عويمر بن ساعدة العمروى واقفا على الباب فأراد ابن أبى أن يدخل فمنعه عويمر فدفعه ابن أبى وأراد أن يدخل بالعنف فغضب عويمر فدفعه دفعا أصابت منه جبهته الجدار فدميت فلما رأت اليهود ذلك قالوا لابن أبى يا أبا الخباب نحن لا نسكن فى بلد يفعل فيها مثل هذا ولا نقدر على دفعه فرجعوا خائبين فأمر صلّى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت باخراجهم فاستمهلوه ثلاثة أيام بامر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم أخرجهم عن منازلهم وبلغهم الى ذى ناب فذهبوا الى أذرعات من الشام فهلكوا بعد زمان فليل وصارت أموالهم وأسلحتهم غنيمة للمسلمين واصطفى عليه السلام لنفسه صفى المغنم ثلاث قسى يقال لاحداها الكتوم انكسرت يوم احد وللثانية الروحاء وللثالثة البيضاء ودرعين يسمى أحدهما فضة والاخرى السغدية بالسين المهملة والغين المعجمة* قال بعض الحفاظ كانت السغدية درع داود عليه السلام التى لبسها حين قتل جالوت والله أعلم وثلاثة أسياف سيف يقال له قلعى وسيف يدعى البتار وسيف يسمى الحتف وثلاثة ارماح ثم أمر بعزل الخمس وهو أوّل خمس فى الاسلام بعد بدر ووهب منها درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ يدعى سحك وقسم الباقى على أصحابه ثم انصرف الى المدينة * غزوة السويق وفى ذى الحجة من هذه السنة يوم الاحد لخمس خلون منها على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة كانت غزوة السويق* وقال ابن اسحاق فى صفر كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ولما رجع من قرقرة الكدر الى المدينة أقام بها بقية شوّال وذا القعدة وفدى فى اقامته تلك جل الاسارى من قريش ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق فى ذى الحجة وكان أبو سفيان حين رجع الى مكة ورجع فلّ قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا فخرج من مكة فى مائتى راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل صدر قناة الى جبل يقال له تيب من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت الليل فأتى حيى بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه وخافه فانصرف عنه الى سلام بن مشكم وكان سيد بنى النضير فى زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم رجع فى عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض على ثلاثة أميال من المدينة فخرقوا فى صور من نخلب بها ووجدوا رجلا من الانصار وحليفا له فى حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين وانذر بهم الناس فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى طلبهم يوم الاحد لخمس خلون من ذى الحجة واستعمل على المدينة أبا لبابة بشر بن عبد المنذر فجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون للهرب والنجاة فيلقون جرب السويق وكانت عامة أزوادهم السويق* قال ابن هشام انما سميت غزوة السويق فيما حدّثنى أبو عبيدة ان أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق فهجم المسلمون على سويق كثير فسميت غزوة السويق فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أن بلغ قرقرة الكدر ففاته أبو سفيان وأصحابه فانصرف راجعا الى المدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة قال نعم وكانت مدّة غيبته فى هذه الغزوة خمسة أيام وعند بعض أصحاب السير هذه الغزوة كانت فى أوّل السنة الثالثة من الهجرة والله أعلم* وفى سيرة ابن هشام والاكتفاء أورد غزوة السويق قبل غزوة بنى قينقاع* موت عثمان بن مظعون وفى هذه السنة مات عثمان بن مظعون فى ذى الحجة فهو أوّل من مات من المهاجرين بالمدينة ودفن بالبقيع وهو رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقبله صلّى الله عليه وسلم بعد موته كذا فى الوفاء* وفى هذه السنة فى ذى الحجة خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم عيد الاضحى الى المصلى وصلّى صلاة العيد فيه وضحى هو بكبش والاغنياء من أصحابه وهو أوّل عبد أضحى رآه المسلمون* بناء على بفاطمة رضى الله عنهما وفى ذى الحجة من هذه السنة بنى علىّ بفاطمة كما قاله الحافظ مغلطاى وقد كان عقد النكاح فى رجب منها على الاصح وقيل فى رمضان* وقال الطبرى تزوّجها فى صفر فى السنة الثانية وبنى بها فى ذى الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ* وقال أبو عمرو بعد وقعة أحد وقال غيره بعد بنائه صلّى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف وبنى بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر ونصف ولما كان ليلة البناء قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلىّ لا تحدث شيئا حتى تلقانى فدعا صلّى الله عليه وسلم باناء فتوضأ فيه ثم أفرغه على علىّ ثم قال اللهمّ بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما فى شملهما* وفى رواية عن علىّ انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين زوّجه دعا بماء فمجه ثم صبه فى فيه ثم رشه فى جنبيه وبين كتفيه وعوّذه بقل هو الله أحد والمعوّذتين ثم قال انى أزوجتك خير أهل بيتى كذا فى المنتقى* وفى ذخائر العقبى قال لعلىّ اذا أتتك لا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت فاطمة مع أمّ أيمن حتى قعدت فى جانب البيت وعلىّ فى جانب وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال هاهنا أخى قالت أمّ أيمن أخوك وقد زوّجته ابنتك قال نعم ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لفاطمة ائتينى بماء فقامت الى قعب فى البيت فأتت فيه بماء فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدّمى فتقدّمت فتضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهمّ انى أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ثم قال لها أدبرى فادبرت فصب بين كتفيها وقال اللهمّ انى أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ائتونى بماء فقال علىّ فعلمت الذى يريد فقمت فملأت القعب ماء فأتيته فأخذه فمج فيه وصنع بعلىّ كما صنع بفاطمة ودعا له بما دعا به لها ثم قال ادخل بأهلك بسم الله والبركة خرجه أبو حاتم وخرج أحمد فى المناقب وفى رواية بتقديم علىّ على فاطمة فى النضح والدعاء وقال ثم دعا فاطمة فقامت تعثر فى ثوبها وربما قال فى مرطها من الحياء* وعن جابر قال حضرنا عرس علىّ وفاطمة فما رأينا عرسا كان أحسن منه حسنا هيأ لنا رسول الله زيتا وتمرا فأكلنا وكان فراشهما ليلة عرسهما اهاب كبش* وفى رواية انه بنى بها بعد تسع وعشرين ليلة من النكاح وكان جهازها فى هذه الرواية فراشين من خيوش أحدهما محشو بليف والآخر بحذو الحذائين وأربع وسائد وسادتين من ليف وثنتين من صوف* وروى عن الحسن البصرى قال كان لعلىّ وفاطمة رضى الله عنهما قطيفة اذا لبساها بالطول انكشفت ظهورهما واذا لبساها بالعرض انكشفت رؤسهما* وأخرج الدولابى عن أسماء قالت لقد أولم علىّ على فاطمة فما كانت وليمة فى ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودى بشطر شعير وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر وحيس والحيس التمر والاقط وأخرج أحمد فى المناقب عن على كان جهاز فاطمة خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف كذا فى المواهب اللدنية* وروى عن أنس قال لما تزوّج علىّ بفاطمة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لاسماء بنت عميس اذهبى فهيئى منزلها فجاءت أسماء الى البيت فعملت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 فراشا من رمل والثانى من ادم حشوها ليف ومرقعة من ادم حشوها ليف فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم العشاء الآخرة انصرف الى بيت فاطمة فنظر اليها ودعا لها بالبركة فانصرف فبعث بفاطمة الى على فى ذلك البيت* وفى رواية قال لعلىّ دونك اهلك ثم خرج فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلم اربعا لا يدخل عليهما حتى اذا كان اليوم الرابع دخل عليهما فى غداة باردة وهما فى لحاف واحد فقال كما انتما وجلس عند رأسهما ثم ادخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ علىّ احداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة الاخرى فوضعتها على صدرها وبطنها لتدفئها وطلبت خادما فأمرها بالتسبيح والتحميد والتكبير* وروى عن علىّ قال لهما النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا اربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم كذا فى الصحيحين وعن انس قال جاءت فاطمة يوما الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى وابن عمى ما لنا فراش الا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار فقال يا بنية اصبرى فانّ موسى بن عمران أقام مع امرأته عشر سنين ليس لهم فراش الاعباء قطوانية وولد الحسن فى منتصف رمضان السنة الثالثة من الهجرة والحسين فى السنة الرابعة وكان بين ولادة الحسن والعلوق بالحسين خمسون ليلة وولد الحسين لليال خلون من شعبان السنة الرابعة من الهجرة كما سيجىء غضب النبى حين خطب على بنت أبى جهل عن مسور بن مخرمة انّ علىّ بن ابى طالب خطب بنت ابى جهل وعنده فاطمة بنت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت له ان قومك يتحدّثون انك لا تغضب لبناتك وهذا علىّ ناكح ابنة ابى جهل فخطب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال انى لست أحرم حلالا ولا احلّ حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد وفى رواية مكانا واحدا ابدا* وفى رواية عنه انه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول ان بنى هشام ابن المغيرة استأذنونى فى ان ينكحوا ابنتهم علىّ بن ابى طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن لهم الا أن يحب ابن ابى طالب ان يطلق ابنتى وينكح ابنتهم فانما ابنتى بضعة منى يريبنى ما رابها ويؤذينى ما آذاها اخرجه الشيخان والترمذى واسم بنت ابى جهل جويرية أسلمت وبايعت وتزوّجها عتاب ابن اسيد ثم ابان بن سعيد بن العاص* وفاة أمية بن الصلت وفى هذه السنة مات امية بن ابى الصلت واسم ابى الصلت عبد الله بن ربيعة وكان امية قد قرأ الكتب المتقدّمة ورغب عن عبادة الاوثان واخبر ان نبيا يخرج قد اظل زمانه وكان يؤمّل ان يكون ذلك النبىّ فلما بلغه خبر خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم كفر به حسدا ولما انشد لرسول الله صلّى الله عليه وسلم شعر أمية قال عليه السلام آمن لسانه وكفر قلبه * (الموطن الثالث فى وقائع السنة الثالثة من الهجرة من سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف وتزوّج عثمان امّ كلثوم وغزوة غطفان وغزوة نجران وسرية زيد بن حارثة الى قردة وتزوّج حفصة وتزوّج زينب بنت خزيمة وذكر ميلاد الحسن وغزوة احد وغزوة حمراء الاسد وسرقة طعمة وعلوق فاطمة بالحسين) * * سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف وفى هذه السنة كانت سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف من يهود بنى النضير لاربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة كذا فى المواهب اللدنية ويفهم من المدارك فى تفسير سورة الحشر أن قتله بعد احد* وفى الوفاء كان اصل كعب بن الاشرف عربيا من طى ثم أحد بنى نبهان وامّه من بنى النضير على ما قاله ابن اسحاق اتى ابوه المدينة فحالف بنى النضير فشرف فيهم وتزوّج بنت ابى الحقيق فولدت له كعبا وكان جسيما شاعرا وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج الى مكة وأنشدهم الاشعار وبكى على اصحاب القليب من قريش قال ابن اسحاق ولما اصيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة الى اهل السافلة وعبد الله بن رواحة الى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عليه وقتل من قتل من المشركين قال كعب بن الاشرف حين بلغه الخبر أحق هذا أترون أنّ محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان يعنى زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة فهؤلا أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد قد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير لى من ظهرها فلما تيقن عدوّ الله الخبر خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبى وداعة بن صبيرة السهمى وعنده عاتكة بنت أبى العيص بن امية فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وينشد الاشعار ويبكى على أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر فهجا حسان المطلب بن أبى وداعة وهجا امرأته عاتكة فطردته فرجع الى المدينة وشبب بنساء المسلمين وكان يهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويحرّض عليه كفار قريش وقيل صنع طعاما وواطأ يهود أن يدعو النبىّ صلّى الله عليه وسلم فاذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاءه فأعلمه جبريل فقام منصرفا ثم قال من الكعب بن الاشرف* وفى رواية من لى أولنا بابن الاشرف فانه قد أذى الله ورسوله اى من ينتدب لقتله فقد استعلن بعد اوتنا وهجائنا وقد خرج الى قريش فجمعهم لقتالنا وقد أخبرنى الله بذلك ثم قرأ ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا الى آخر الآية* وفى الاكليل فقد أذانا بشعره وقوّى المشركين كذا فى المواهب اللدنية فانتدب اليه محمد بن مسلمة أخو بنى عبد الاشهل فى نفر وقال أناله يا رسول الله* وفى رواية أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل ان قدرت على ذلك وقيل أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه والله أعلم* روى أن محمد بن مسلمة بعد ما قال أنا له رجع فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله قلت لك قولا ما أدرى هل أفى لك به أم لا فقال انما عليك الجهد قال يا رسول الله انه لا بدّلنا من أن نقول فيك قال قولوا ما بدا لكم فأنتم فى حل من ذلك فاجتمع فى قتل كعب محمد بن مسلمة ومكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بنى عبد الاشهل أخا لكعب بن الاشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الاشهل والحارث بن أوس بن معاذ أحد بنى عبد الاشهل وأبو عبس بن جبر أخو بنى حارثة وهؤلاء الخمسة من الاوس ثم قدّموا ملكان ابن سلامة وكان أخاه من الرضاعة فجاءه فتحدّث معه ساعة وتناشد الشعر وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الاشرف انى قد جئتك لحاجة أريد أذكرها لك فاكتمها عنى قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الانفس فقال كعب بن الاشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة ان الامر سيصير الا ما أقول فقال أبو نائلة ان معى أصحابا لى على مثل رأيى وقد أردنا أن تبيعنا طعامك ونرهنك ونوثق لك وتحسن فى ذلك قال اترهنونى نساءكم قال كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب وأشب أهل يثرب وأعطرهم ولا نأمنك وأية امرأة تمننع منك لجمالك قال أترهنونى أبناءكم قالوا أردت أن تفضحنا انا نستحيى أن يسب ابن أحدنا ويعير فيقال هذا رهن وسق شعير وهذا رهن وسقين ولكنا نرهنك من الحلقة يعنى السلاح ما فيه وفاء وقد علمت حاجتنا الى السلاح وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح ادارآه وجاؤا بها قال ان الحلقة لوفاء فواعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة الى أصحابه وأخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويجتمعوا اليه فاجتمعوا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمشى معهم صلّى الله عليه وسلم الى بقيع الغرقد فى ليلة مقمرة ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع الى بيته فأقبلوا حتى انتهوا الى حصنه ليلا فهتف أبو نائلة وكان كعب حديث عهد بعرس فوثب فى ملحفته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 فأخذت امرأته بناحيتها وقالت انك امرؤ محارب وان أصحاب الحرب لا ينزلون فى مثل هذه الساعة كلمه من فوق الحصن قال انه أبو نائلة رضيعى فانه لو وجدنى نائما ما أيقظنى قالت والله انى لا عرف فى صوته الشرّ فانى أسمع صوتا يقطر منه الدم فقال كعب لو يدعى الفتى لطعنة لاجاب* وفى رواية قال ان الكريم اذ ادعى الى طعنة بليل لاجاب فنزل اليهم متوشحا وينفح منه ريح الطيب قتحدّث معهم ساعة قالوا له هل لك أن نتماشى الى شعب العجوز فتتحدّث فيه بقية ليلتنا هذه قال ان شئتم فخرجوا يتماشون وكان أبو نائلة قال لاصحابه انى فاتل شعره لأشمه فاذا رأيتمونى استمكنت من رأسه فدونكم عدوّ الله فاضربوه ثم انه شام يده فى فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليل طيب عروس أعطر قط قال انه طيب أم فلان يعنى امرأته ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها جتى اطمأنّ ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه حتى استمكن منه ثم قال اضربوا عدوّ الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فتذكرت معولا كان فى سيفى حين رأيت أسيافنا لا تغنى شيئا فأخذته وقد صاح عدوّ الله صيحة لم يبق حولنا حصن الا أوقدت عليه نار قال فوضعته فى ثنته* وفى رواية فى سرّته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدوّ الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح فى رجله أو رأسه أصابه بعض أسيافنا فخرجنا حتى أسندنا فى حرّة العريض وقد أبطأ علينا الحارث بن أوس لجرحه ونزفه الدم فوقفنا له ساعة حتى أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلى فسلمنا عليه فخرج الينا فأخبرناه بقتل عدوّ الله كعب وجئنا برأسه اليه وتفل على جرح صاحبنا فبرأ فى الحال ولم يؤذه بعد فرجعنا الى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدوّ الله فليس بها يهودى الا وهو يخاف على نفسه* وفى روضة الاحباب حملوا رأسه الى المدينة فخرج أهل الحصن فى آثارهم وسلكوا طريقا آخر ففاتوهم ولما بلغ محمد بن مسلمة وأصحابه بقيع الغرقد كبروا وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يصلى فسمع صوت تكبيرهم فعلم أنهم قتلوه فلما انتهوا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أفلحت الوجوه قالوا ووجهك يا رسول الله وأتوا برأس عدوّ الله فحمد الله تعالى وأثنى عليه* وفى شرف المصطفى ان الذين قتلوه حملوا رأسه فى مخلاة الى المدينة فقيل انه أوّل رأس حمل فى الاسلام كذا فى المواهب اللدنية* روى أن رهط كعب بن الاشرف جاؤا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة من غير جناية وسبب قال انه كان يهجونا ويؤذى المسلمين ويحرض المشركين علينا فخافوا وسكتوا ورجعوا* قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على سبيبة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود أخو محيصة اذ ذاك لم يسلم وكان أسنّ من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول أى عدوّ الله قتلته أما والله لرب شحم فى بطنك من ماله قال له محيصة والله لو أمرنى بقتلك من أمرنى بقتله لضربت عنقك قال آلله لو أمرك محمد بقتلى لتقتلنى قال نعم قال له والله ان دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة كذا فى معالم التنزيل* تزوّج عثمان بن عفان بأمّ كلثوم وفى هذه السنة تزوّج عثمان بن عفان أمّ كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تلد ولدا وقيل ولدت ولم يعش منها ولا من أختها وفى بعض الكتب تزوّجها عثمان فى ربيع الاوّل وأدخلت عليه فى جمادى الآخرة والله أعلم وسيجىء وفاتها فى السنة التاسعة ان شاء الله تعالى* غزوة غطفان وفى هذه السنة لثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الاوّل على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة وقعت غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر بفتح الهمزة وسماها الحاكم غزوة أنمار وهى بناحية نجد وهى التى صلّى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم على راحلته متطوّعا متوجها قبل المشرق* وفى سيرة ابن هشام لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذى الحجة أو قريبا منها ثم غزا نجدا يريد غطفان وهى غزوة ذى أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قال ابن اسحاق فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ثم رجع الى المدينة وسببها انه أخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم بأن جمعا من بنى ثعلبة وبنى محارب وبنى أنمار تجمعوا فى ذى أمر يريدون الاغارة وحاملهم على ذلك رجل اسمه دعثور بن الحارث الغطفانى كذا قاله الذهبى* هجوم دعثور على الرسول وسقوط سيفه من بده وفى المواهب اللدنية المحاربى وسماه الخطيب غورث وغيره غورك وكان شجاعا فتهيأ النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج منها فى أربعمائة وخمسين فارسا فلما سمعوا بمهبطه صلى الله عليه وسلم هربوا فى رؤس الجبال فسار عليه السلام الى أن بلغ ذى أمر فأصابوا رجلا منهم من بنى ثعلبة اسمه خيار فأدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاه الى الاسلام فأسلم وضمه الى بلال ولم يقع فى تلك الغزوة قتال ولكن كانوا يرونهم من بعيد متحصنين بقلل الجبال وأقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم بذى أمر ثلاثة أيام وفى اليوم الرابع خرج من بين العسكر لحاجة له وكانت السماء ترش فأصابه مطر ونزع ثوبيه ونشرهما على شجرة للجفاف واضطجع تحتها وهم ينظرون فقالوا لدعثور وهو سيدهم وأشجعهم قد انفرد محمد فعليك به فان استطعت ان تفتك به فافعل فأخذ دعثور سيفه ونزل اليه حتى قام عليه فلم ينتبه صلّى الله عليه وسلم الا وهو قائم والسيف فى يده صلتا فقال من يعصمك منى الآن قال الله فدفعه جبريل فى نحره فسقط السيف من يده فأخذه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقام عليه وقال من يمنعك منى الآن قال لا أحد وقال كن خير آخذ فتركه وعفا عنه فقال أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله والله لا أجمع الناس لحربك أبدا فدفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليه سيفه فقال دعثور والله انك لخير منى ورجع الى قومه فقالوا له أين ما كنت تقول وقد مكنك الله منه فقال انى نظرت الى رجل أبيض طويل دفع فى صدرى فوقعت لظهرى فسقط السيف فعرفت انه ملك وأن محمدا رسول الله فأسلم دعثور ودعا قومه الى الاسلام وقيل ان قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذهمّ قوم الآية نزلت فى تلك القصة* وفى رواية الخطابى ان غويرث بن الحارث المحاربى أراد أن يفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى معالم التنزيل غويرث بن الحارث المحاربى وفيه انه عليه السلام غزا محاربا وبنى أنمار فنزلوا ولا يرون من العدوّ أحدا فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادى والسماء ترش فحال السيل بيته وبين أصحابه فجلس فى ظل شجرة فبصر به غويرث بن الحارث فقال قتلنى الله ان لم أقتله ثم انحدر من الجبل ومعه السيف ولم يشعر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم الا وهو قائم على رأسه منتضيا سيفه فقال يا محمد من يعصمك منى الآن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله ثم قال اللهم اكفنى غويرث بن الحارث بما شئت ثم أهوى بالسيف الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليضربه فانكب لوجهه لزلخة زلخها بين كتفيه وندر السيف من يده وفى القاموس الزلخة كفترة وجع الظهر فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذه ثم قال يا غويرث من يمنعك منى الآن قال لا أحد قال اشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك قال لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوّا فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيفه فقال غويرث والله لانت خير منى قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أجل أنا أحق بذلك منك فرجع غويرث الى أصحابه فقالوا ويلك ما منعك منه قال لقد أهويت اليه بالسيف لا ضربه فو الله ما أدرى من زلخة بين كتفى فخررت وذكر حاله قال وسكن الوادى فقطع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوادى الى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم ما نزل عليه وهو قوله تعالى ولا جناح عليكم ان كان بكم أذى من مطر الآية وكذا فى الشفاء القصة بحالها الا انه قال فيه ونزلت يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذهمّ قوم الآية* وفى صحيح البخارى عن جابر انه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقفل فأدركته القائلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 فى واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة فاذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعونا فاذا عنده اعرابى وقال ان هذا اخترط علىّ سيفى وأنا نائم فاستيقظت وهو فى يده صلتا فقال ما يمنعك منى قلت الله فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه وفى رواية عن أبى هريرة أن الاعرابى سلّ سيفه وقال من يمنعك منى يا محمد قال الله فرعدت يد الاعرابى وسقط السيف من يده ويضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه كذا فى معالم التنزيل* ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة وكانت غيبته فى تلك الغزوة احدى عشرة ليلة ويقال كانت قصة الاعرابى فى ذات الرقاع ولا مانع من تعدّد ذلك وكانّ أبا حاتم رأى اتحادهما فلم يذكر ذات الرقاع وعند بعضهم هى بنخل فلذلك لم يذكرها أيضا والله أعلم* غزوة بحران وفى هذه السنة كانت غزوة بحران وتسمى غزوة بنى سليم من ناحية الفرع بفتح الفاء والراء كما قيده السهيلى* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما رجع صلّى الله عليه وسلم من غزوة غطفان الى المدينة لبث بها شهر ربيع الاوّل كله الا قليلا منه ثم غزا يريد قريشا واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قاله ابن هشام حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع فأقام به شهر ربيع الآخر وجمادى الاولى ثم رجع الى المدينة وسببها انه بلغه عليه السلام أن بها جمعا كثيرا من بنى سليم فخرج فى ثلثمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا فى مياههم فرجع ولم يلق كيدا وكان قد استعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم وكانت غيبته عشر ليال * سرية زيد بن حارثة الى قردة وفى هذه السنة لهلال جمادى الآخرة كانت سرية زيد بن حارثة الى قردة بالقاف كشجرة ماء بنجد كذا فى خلاصة الوفاء وقيل بالفاء وكسر الراء كما ضبطه ابن الفرات اسم ماء من مياه نجد كذا فى المواهب اللدنية وسببها على ما قاله ابن اسحاق ان قريشا بعد ما وقعت وقعة بدر خافوا سلوك طريقهم التى كانوا يسلكونها الى الشام قبل أعنى طريق الحجاز فعدلوا عنها وسلكوا طريق العراق وكان فى هذه العير أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن أبى ربيعة وكانت معهم فضة كثيرة هى معظم تجارتهم فبعث اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فى خمسمائة راكب وهى أوّل سرية أمر فيها زيد فساروا حتى أدركوها بالقردة فهرب رؤساء القوم وأسروا فرات بن حيان وساقوا العير والاموال الى المدينة فبلغ الخمس من تلك الغنيمة عشرين ألفا وفيها قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خير أمراء السرايا زيد بن حارثة أعدلهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وعند ابن سعد بعثه صلى الله عليه وسلم لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة فى مائة راكب يعترض عيرا لقريش فيها صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى ومعهم مال كثير وآنية فضة فأصابوها فقدموا بالعير على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخمسها فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم وعند مغلطاى خمسة وعشرين ألف درهم وذكرها ابن اسحاق قبل قتل ابن الاشرف كذ فى المواهب اللدنية* سرية زيد بن حارثة الى قردة وفى شعبان هذه السنة على الاصح وقيل فى السنة التى قبلها كذا فى الوفاء على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد كذا فى المنتقى وقيل فى أربعة وعشرين من رمضان هذه السنة على ما فى تاريخ اليافعى تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله تحت حبيش بن حذافة السهمى وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد بدرا وتوفى عنها بالمدينة فلما قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم من بدر عرضها عمر على أبى بكر فلم يجبه بشىء ثم عرض بها على عثمان فلم يجبه بشىء فشكى عمر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عرضت على عثمان حفصة فأعرض عنى قال عليه السلام فان الله قد زوّج عثمان خيرا من ابنتك وزوّج ابنتك خيرا من عثمان فكان كذلك فزوّج عثمان أمّ كلثوم بعد رقية وتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم حفصة ثم طلقها فأتاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 خالاها قدامة وعثمان فبكت وقالت والله ما طلقنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ملل روى انه لما بلغ عمر خبر طلاقها حتى على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمرو ابنته بعد هذا فنزل جبريل من الغد وقال للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ان الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل عليها فقال ان جبريل أتانى فقال راجع حفصة فانها صوّامة قوّامة وهى زوجتك فى الجنة* وفى رواية انه صلّى الله عليه وسلم هم بطلاقها وما طلقها* وروى عن عمر أنه قال لما تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلت لابى بكر ما حملك على ما صنعت قال ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان قد ذكرها فمن أجل ذلك سكت كذا فى المنتقى وكانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريبا من ثمان سنين قال الواقدى توفيت حفصة فى شعبان سنة خمس وأربعين فى خلافة معاوية وهى ابنة ستين سنة كما سيجىء وفى الصفوة فى خلافة عثمان بالمدينة مروياتها فى الكتب المتداولة ستون حديثا المتفق عليه منها أربعة أحاديث وفرد مسلم ستة أحاديث والخمسون الباقية فى سائر الكتب* تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة وفى هذه السنة تزوّج رسول الى صلّى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف ابن هلال وكانت تسمى فى الجاهلية أمّ المساكين للين قلبها وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش قاله ابن شهاب* وقال قتادة وأبو الحسن النسابة الجرجانى عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب فطلقها فتزوّجها أخوه عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيدا فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى رمضان هذه السنة* وفى رواية على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة وأصدقها اثنتى عشرة أوقية ونشا فمكثت عنده ثمانية أشهر ذكره الفضائلى وقيل شهرين أو ثلاثا وتوفيت ودفنت بالبقيع * (ذكر ميلاد الحسن) * وسيجىء ميلاد الحسين فى الموطن الرابع فى السنة الرابعة من الهجرة* وفى منتصف رمضان هذه السنة سنة ثلاث من الهجرة ولد الحسن بن علىّ بن أبى طالب كذا فى الصفوة قال أبو عمرو وهذا أصح ما قيل فيه وقيل ولد للنصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة وقيل ولد بعد أحد بسنة وقيل بسنتين وكان بين أحد والهجرة سنتان وستة أشهر ونصف كذا فى أسد الغابة لابن الاثير ويكنى أبا محمد ويلقب بالتقى* وقال الدولابى ولد لاربع سنين وستة أشهر من الهجرة وحكى الاوّل الليث بن سعد* ذكر ميلاد الحسين قال الواقدى وحملت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة وولدته لخمس خلون من شعبان سنة أربع* وقال الزبير بن بكار فى مولده مثل ذلك وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لم يكن بين الحسن والحسين الاطهر واحد* وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من الهجرة* وقال ابن الدراع فى مواليد أهل البيت لم يكن بينهما الا مدّة حمل البطن وكان مدّة حمل البطن ستة أشهر وقال لم يولد مولود قط لستة أشهر فعاش الا الحسين وعيسى ابن مريم* وفى رواية الا الحسين ويحيى بن زكرياء* روى عن علىّ بن الحسين قال لما حان وقت ولادة فاطمة بعث اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس وأمّ أيمن حتى قرأتا عليها آية الكرسى والمعوّذتين وعن أسماء بنت عميس قالت قبلت فاطمة بالحسن فلم أر لها دما فقلت يا رسول الله انى لم أر لفاطمة دما فى حيض ولا نفاس فقال عليه السلام أما علمت أن ابنتى طاهرة مطهرة لا يرى لها دم فى طمس ولا ولادة خرحه الامام علىّ بن موسى الرضا ذكره فى ذخائر العقبى* (ذكر عقه صلّى الله عليه وسلم عنهما وأمره بحلق رؤسهما) * عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا خرجه أبو داود وخرجه النسائى وقال كبشين كبشين* وعن علىّ عق رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الحسن وقال يا فاطمة احلقى رأسه وتصدّقى بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم خرجه الترمذى وقد روى عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 فاطمة انها عقت عنهما واعطت القابلة فخذ شاة ودينارا واحدا أخرجه الامام علىّ بن موسى الرضا عن أسماء بنت عميس قالت عق النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين وأعطى القابلة الفخذ وحلق رأسه وتصدّق بزنة الشعر ثم طلى رأسه بيده المباركة بالخلوف ثم قال يا أسماء الدم من فعل الجاهلية فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففعل مثل الاوّل قالت وجعلته فى حجره فبكى عليه السلام قلت فداك أبى وأمى مم بكاؤك فقال ابنى هذا يا اسماء انه ستقتله الفئة الباغية من امّتى لا أنا لهم الله شفاعتى يا أسماء لا تخبرى فاطمة فانها قريبة عهد بولادة خرجه الامام علىّ بن موسى الرضا* (ذكر ختانهما لسابعهما) * عن جابر ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام* (ذكر تسميتهما يوم سابعهما) * عن علىّ رضى الله عنه قال لما ولد الحسن سميته حربا فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال أرونى ابنى ما سميتموه قلنا حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال أرونى ابنى ما سميتموه قلنا سميناه حربا قال بل هو حسين فلما ولد الثالث سميته حربا فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال أرونى ابنى ما سميتموه قلنا سميناه حربا فقال بل هو محسن ثم قال انما سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر خرجه أحمد وأبو حاتم* وفى القاموس شبر كبقم وشبير كقمير ومشبر كمحدّث أبناء هارون عليه السلام* وعن عمران بن سليمان قال الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا فى الجاهلية خرجه الدولابى* وفى أسد الغابة لابن الاثير قال أبو أحمد العسكرى سمى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الحسن وكناه أبا محمد فلم يكن يعرف هذا الاسم فى الجاهلية* وروى عن ابن الاعرابى عن المفضل قال ان الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى بهما النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابنيه الحسن والحسين قال فاللذين باليمن هما حسن ساكن السين وحسين بفتح الحاء وكسر السين ولا يعرف قبلهما الا اسم رملة فى بلاد ضبة وعندها قتل بسطام بن قيس الشيبانى* وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم اشتق اسم حسن وحسين من حسن وسمى حسنا وحسينا يوم سابعهما خرّجه الدولابى وخرج البغوى نحوه* (ذكر تسميتهما الحسن والحسين كان بأمر الله وتأذينه صلّى الله عليه وسلم فى اذنهما) * عن علىّ قال لما ولد الحسن سماه حمزة فلما ولد الحسين سماه باسم عمه جعفر قال فدعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انى أمرت أن أغير اسم هذين فقلت الله ورسوله أعلم فسماهما حسنا وحسينا* وعن اسماء بنت عميس قالت قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا اسماء هلمى ابنى فدفعته اليه فى خرقة صفراء فألقاها عنه قائلا ألم اعهد اليكنّ أن لا تلفوا مولودا فى خرقة صفراء فلفيته بخرقة بيضاء فأخذه وأذن فى أذنه اليمنى واقام فى اليسرى ثم قال لعلىّ أى شىء سميت ابنى قال ما كنت لا سبقك بذلك فقال ولا أنا سابق ربى به فهبط جبريل فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول لك علىّ منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبىّ بعدك فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون فقال وما كان اسم ابن هارون يا جبريل قال شبر فقال صلّى الله عليه وسلم ان لسانى عربى فقال سمه الحسن ففعل صلّى الله عليه وسلم فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم وذكرت مثل الاوّل وساقت قصة التسمية مثل الاوّل وان جبريل أمره ان يسميه باسم ولد هارون شبير فقال له النبىّ مثل الاوّل فقال سمه حسينا خرجه الامام علىّ بن موسى الرضا* وعن ابى رافع قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم أذن فى أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة خرجه ابو داود والترمذى وصححه* (ذكر ارضاع أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب الحسن بلبن ابنها قثم) * عن قابوس بن المخارق ان امّ الفضل قالت يا رسول الله رأيت كانّ عضوا من أعضائك فى بيتى فقال خيرا رأيتيه تلد فاطمة غلاما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فترضعيه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم خرجه الدولابى والبغوى فى معجمه قالت فجئت به الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فوضعته فى حجره فبال فضربت كتفه فقال عليه السلام أوجعت ابنى رحمك الله* وفى الصفوة عن علىّ قال الحسن أشبه الناس بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما بين الصدر الى الرأس والحسين أشبه الناس بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك* وفى ذخائر العقبى مثل ذلك عن أبى هريرة قال لا ازال أحب هذا الرجل يعنى الحسن بن علىّ بعد ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع قال رأيت الحسن فى حجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه فى لحية النبىّ صلّى الله عليه وسلم والنبىّ صلّى الله عليه وسلم يدخل لسانه فى فيه ثم يقول اللهم انى أحبه كذا فى ذخائر العقبى * (ذكر صفته) * فى ذخائر العقبى كان أبيض مشربا حمرة ادعج العينين سهل الخدّين كث اللحية ذا وفرة كانّ عنقه ابريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير من أحس الناس وجها وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر حسن البدن ذكره الدولابى وغيره* وعن زادان بن منصور قال رأيت الحسن بن على يخضب بالحناء والكتم وعن عبد الرحمن بن روح عن أنس قال كان الحسن والحسين يخضبان بالسواد الا أن الحسن ترك عنفقته بيضاء خرجه ابن الضحاك وخرجه أيضا عن أبى بكر بن أبى شيبة ان الحسن كان يخضب بالحناء والكتم وخرج عن أنس ان الحسين كان يخضب بالوشمة* فى الصفوة عن محمد بن علىّ قال الحسن انى لاستحيى من ربى عز وجل أن ألقاه ولم امش الى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه* وعن علىّ بن زيد قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشيا وان النجائب لتقاد معه وخرج من ماله مرّتين وعاش بعد أبيه ثمان سنين واربعة أشهر وخمسة عشر يوما وستجىء خلافته ووفاته وبعض احواله وذكر اولاده فى الخاتمة* غزوة أحد وفى هذه السنة وقعت غزوة أحد وهو جبل مشهور بالمدينة على اقل من فرسخ منها وسمى بذلك لتوحده واتقطاعه عن جبال أخر هناك ويقال له ذوعينين قال فى القاموس بكسر العين وفتحها مثنى جبل بأحد انتهى وهو الذى قال فيه صلّى الله عليه وسلم أحد جبل يحبنا ونحبه قيل وفيه قبر هارون أخى موسى عليهما السلام وكانت عنده الوقعة المشهورة يوم السبت فى شوّال سنة ثلاث بالاتفاق كذا فى المواهب اللدنية وشذ من قال سنة اربع وقال ابن اسحاق لاحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل لسبع ليال وقيل لثمان وقيل لتسع وقيل فى نصفه وعن مالك بعد بدر بسنة وعنه ايضا كانت على رأس احدى وثلاثين شهرا من الهجرة كذا فى الوفاء وكان سببها كما ذكره ابن اسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وابو الاسود عن عروة وابن سعد لما قتل الله من قتل من كفار قريش يوم بدر ورجع الى مكة من بقى ممن حضر بدرا من فلهم وجدوا العير التى قدم بها أبو سفيان من الشأم سالمة موقوفة فى دار الندوة فمشت اشراف قريش مثل عبد الله بن ربيعة وصفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل فى جماعة ممن اصيب آباؤهم واخوانهم وأبناؤهم يوم بدر الى أبى سفيان فقالوا نحن طيبو الانفس بأن نجهز بربح هذه العير جيشا الى محمد وهو قد وترنا وقتل خيارنا فنتعاون بهذا المال على حرب محمد لعلنا ان ندرك منه ثارا فقال أبو سفيان أنا اوّل من اجاب الى ذلك وبنو عبد المطلب معى* وفى الوفاء فكلموا ابا سفيان ومن كان له فى العير مال فى الاستعانة بها على حرب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففعلوا وكانت الف بعير والمال خمسين الف دينار فلم الى اهل العير رؤس اموالهم وعزلت الارباح وكانوا يربحون فى تجارتهم الدينار دينارا وجهزوا الجيش بذلك وفيهم نزلت ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون فبعثوا الرسل الى القبائل يستنصرونهم وحركوا من أطاعهم من قبائل بنى كنانة وأهل تهامة فخرجت قريش بحدها وجدها وأحابيشها ومن تابعها من بنى كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 بالظعن لئلا يفرّوا وليذكرنهم قتلى بدر ويغنين ويضر بن بالدفوف ليكون أجد لهم فى القتال فخرج أبو سفيان وكان قائدهم بهند بنت عتبة وخرج عكرمة بن أبى جهل بأمّ حكيم بنت الحارث وخرج الحارث ابن هشام بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة وخرج صفوان بن امية ببرزة بنت مسعود الثقفية ويقال رقية وخرج عمرو بن العاص بريطة ببنت منبه بن الحجاج وهى امّ عبد الله بن عمرو وخرج طلحة بن ابى طلحة واسم ابى طلحة عبد الله بن عبد العزى بسلافة بنت سعد بن شهيد الانصارية وهى أم بنى طلحة مسافع والحارث والجلاس وكلاب قتلوا يومئذهم وابوهم طلحة وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب احدى نساء بنى الحارث وكذلك سائر اشرافهم خرجوا بنسائهم وكان جبير بن مطعم أمر غلامه وحشيا الحبشى بالخروج مع الناس وقال له ان قتلت حمزة عم محمد بعمى طعيمة بن عدى فأنت عتيق وكانت هند بنت عتبة كلما مرّت بوحشى فى المسير أو مرّ بها قالت ويهايا أباد سمة اشف واشتف وكان وحشى يكنى بأبى دسمة فكتب العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ بمكة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره بمسير قريش الى حربه وبكيفية أحوالهم وكمية اعدادهم وختم الكتاب واستأجر رجلا من بنى غفار وبعثه الى المدينة وشرط ان يأتيها فى ثلاثة ايام ولياليها فقدم الغفارى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان بقباء فذهب اليه فلقيه بباب المسجد حين يريد أن يركب فأعطاه الكتاب ففتح عليه السلام ختمه وأعطاه ابىّ بن كعب فقرأه عليه فاذا فيه مسير قريش الى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأوصاه بكتمانه وذهب الى منزل سعد بن الربيع فأخبره الخبر فقال سعد خيرا فانصرف النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة واستكتمه الخبر فدخلت امرأة سعد وقالت انى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فاسترجع سعد وأخذ المرأة ثم خرج بها يسرع حتى أدركا النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الطريق وقد علاها النفس فقال يا رسول الله هذه تقول سمعت ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخاف أن يفشو فتحسب انى أفشيت قال أرسلها فوقعت الاراجيف فى المدينة فقالت اليهود والمنافقون ان هذا الرجل الذى جاء من مكة ما جاء بخبر يسرّ محمدا ففشا الخبر بأن المشركين قد خرجوا من مكة بقصد المدينة ولحق بهم ابو عامر الراهب مع خمسين رجلا من قومه وفى جيشهم ثلاثة آلاف رجل منها سبعمائة دارع ومائتا فرس وألف بعير وخمسة عشر هودجا وخرج فيها جميع اشراف قريش مثل أبى سفيان والاسود بن المطلب وجبير بن مطعم وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام وعبد الله بن ربيعة وحويطب بن عبد العزى وخالد ابن الوليد وأبو عزة الشاعر واسمه عمرو بن عبد الله الجمحى وامثالهم واستقرّ قيادة الجيش ورياستها على أبى سفيان بن حرب وكان ابو عزة الشاعر قد أسر يوم بدر فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأطلقه لفقره وعياله وأخذ عليه العهد أنه لا يكثر على المسلمين ولا يعود انى حربهم وقد مرّ فى غزوة بدر فلما خرج المشركون الى أحد تخلف عنهم بمكة وأقام بها فمشى اليه صفوان ابن أمية وقال له يا ابا عزة انك شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا فقال ان محمدا قد منّ علىّ فلا أريد أن أمية وقال له يا ابا عزة انك شاعر فأعنا بنفسك فلك علىّ ان رجعت أن أغنيك وان أصبت أن أجعل بناتك مع بناتى يصيبهنّ ما أصابهنّ من عسر ويسر فخرج ابو عزة يسير فى تهامة يدعو الناس الى الحرب* وفى الوفاء أقبل المشركون حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادى مقابل المدينة قاله ابن اسحاق* ووادى قناة خلف عينين بينه وبين أحد فنزلوا أمام عينين مما يلى المدينة وفى غربيه لجهة بئر رومة* وقال المطرى ان أبا سفيان سار بجمعه حتى طلعوا من بين الجماوين ثم نزلوا ببطن الوادى الذى قبل أحد فنزلوا برومة من وادى العقيق وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 نزولهم يوم الجمعة وقال ابن اسحاق يوم الاربعاء* وفى روضة الاحباب فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين انسا ومؤنسا ابنى فضالة فرجعا اليه وأخبراه بافساد المشركين وسرحهم الظهر فى زروع عريض* وفى معجم ما استعجم وسرّحوا الظهر فى زروع كانت للمسلمين* وفى خلاصة الوفاء عريض تصغير عرض واد عريض شرقى الحرة الشرقية قرب قناة* وفى معجم ما استعجم عريض موضع من أرجاء المدينة فيه أصول نخل* وفى القاموس عريض كزبير واد بالمدينة به أموال لاهلها ثم بعث اليهم حباب بن المنذر عينا فدخل فى جيشهم وحزرهم ثم رجع وأخبر بكميتهم وكيفيتهم موافقا لما كتبه العباس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل بك أصول وبك أحول* وفى الكشاف ومعالم التنزيل عن ابن اسحاق والسدى ان المشركين نزلوا بأحد يوم الاربعاء الثانى عشر من شوّال سنة ثلاث من الهجرة وأقاموا بها الاربعاء والخميس والجمعة وبات ليلة الجمعة التى فى سبتها وقعت الحرب سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير مع جماعة من شجعان الصحابة مسلحين فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبابه يحرسون وحرست المدينة تلك الليلة ورأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى تلك الليلة ليلة الجمعة رؤيا فلما أصبح قال انى والله قد رأيت خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت فى ذباب سيفى ثلما ورأيت انى أدخلت يدى فى درع حصينة فأوّلتها المدينة فأما البقر فناس من أصحابى يقتلون واما الثلم الذى رأيت فى ذباب سيفى فهو رجل من أهل بيتى يقتل* وقال ابن عقبة وتقول رجال كان الذى فى سيفه ما قد أصاب وجهه فان العدوّ أصابوا وجهه الشريف يومئذ وكسروا رباعيته وجرحوا شفته كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء قال رأيت البارحة فى منامى بقرا تذبح ورأيت سيفى ذا الفقار انقصم من عند ضبته أو قال به فلول فكرهته وهما والله مصيبتان ورأيت انى فى درع حصينة وانى مردف كبشا قالوا وما أوّلتها قال اوّلت البقر بقرا يكون فينا واوّلت الكبش كبش الكتيبة واوّلت الدرع الحصينة المدينة فامكثوا فان دخل القوم الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم وكان رأيه ان لا يخرج من المدينة فاستشار فى ذلك أصحابه وكان ذلك رأى اكابر الصحابة من المهاجرين والانصار ودعا عبد الله بن ابىّ ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبيد الله بن أبىّ واكثر الصحابة يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج اليهم فو الله ما خرجنا منها الى عدوّ قط الا أصاب منا ولا دخل علينا الا واصبنا منه كيف وأنت فينا فدعهم يا رسول الله فان اقاموا أقاموا بشرّ محبس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماهم النّساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وان رجعوا رجعوا خائبين فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيه لكن طلب فتيان أحداث السنّ فاتهم يوم بدر واكرمهم الله بالشهادة يوم أحد أن يخرجوا حرصا على الشهادة فقالوا يا نبىّ الله كنا نتمنى هذا اليوم اخرج بنا الى اعدائنا لا يرون انا جبنا عنهم وأبى كثير من الناس الا الخروج فغلبوا على الامر حتى مال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الخروج وهوله كاره* روى انه صلّى الله عليه وسلم صلّى الجمعة وخطب الناس ووعظهم وأمرهم بالجدّ والجهاد واعداد الجيش والتأهب للقتال وقد مات فى ذلك اليوم رجل من الانصار يقال له مالك بن عمرو أحد بنى النجار فصلى عليه ثم صلّى العصر ودخل البيت ومعه أبو بكر وعمر فعمماه ولبساه وصف له الناس ينتظرون خروجه فخرج مسلحا قد لبس لأمته وهى بالهمز وقد يترك تخفيفا الدرع وشدّ وسطه بمنطقة من الاديم واعتم وتقلد سيفه وألقى الترس وراء ظهره وأخذ قناته بيده ثم أذن بالخروج فلما رأوه ندم ذو الرأى منهم على ما صنعوا وقالوا بئس ما صنعنا نشير على رسول الله صلّى الله عليه وسلم والوحى يأتيه فقاموا واعتذروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 اليه فقالوا يا رسول الله ما كان لنا ان نخالفك فاصنع ما بدا لك* وفى الوفاء امكث كما امرتنا فقال ما ينبغى لنبى اذا اخذ لأمة الحرب ان يرجع حتى يقاتل* وفى رواية أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل أو قال يحكم الله بينه وبين اعدائه فامضوا على اسم الله فلكم النصران صبرتم فدعا بثلاثة ارماح فعقد ثلاثة ألوية فدفع لواء الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى حباب بن المنذر بن الجموح وقيل الى سعد بن عبادة ولواء المهاجرين الى علىّ بن ابى طالب وفى رواية الى مصعب بن عمير واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم للصلاة كذا فى سيرة ابن هشام وقيل ابن أبى مكرز ثم ركب فرسه السكب وتوجه الى أحد* وفى الوفاء فخرج بهم وهم الف رجل ويقال تسعمائة ليس معهم فرس* وفى الوفاء أيضا عن الاقشهرى مع النبى صلّى الله عليه وسلم فرسه وفرس لابى بردة بن نيار وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة كما مر* وقال المطرى خرج النبى صلّى الله عليه وسلم مع الناس على الحرة الشرقية حرة واقم وبات بالشيخين موضع بين المدينة وأحد على الطريق الشرقى مع الحرة الى جبل أحد وغد اصبح يوم السبت الى أحد* وفى خلاصة الوفاء شيخان بلفظ تثنية شيخ أطمان بجهة الوالج سميا بشيخ وشيخة كانا هناك بفضائها مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلّى به فى مسيره لاحد وعسكر هناك تلك الليلة* ويؤخذ مما نقل ابن سيد الناس عن ابن اسحاق ومما رواه الطبرى أنهم خرجوا من ثنية الوداع شامى المدينة* وفى الوفاء روى الطبرانى فى الكبير والاوسط برجال ثقات عن ابى حميد الساعدى ان النبى صلّى الله عليه وسلم خرج يوم احد حتى اذا جاوز ثنية الوداع فاذا هو بكتيبة خشناء فقال من هؤلاء قالوا عبد الله بن أبىّ ابن سلول فى ستمائة من مواليه اليهود فقال وقد أسلموا قالوا لا يا رسول الله قال مروهم فليرجعوا فانا لا نستعين بالمشركين على المشركين* وفى الكشاف ومعالم التنزيل خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الف وقيل فى تسعمائة وخمسين وفيهم مائة دارع وخرج السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة مسلحين أمامه يعدوان والناس عن يمينه وعن يساره فمضى حتى اذا كان بالشيخين وهما أطمان التفت فنظر الى كتيبة خشنة لها زجل فقال ما هذه قالوا حلفاء ابن ابىّ من يهود فقال عليه السلام لا تستنصروا بأهل الشرك وفى ذلك الموضع أى بالشيخين عرض عسكره وردّ من استصغره مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت واسامة بن زيد وزيد بن الارقم والبراء بن عازب وعمرو بن حزم واسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وابى سعيد الخدرى اسمه سعد بن مالك بن سنان الخدرى وسمرة بن جندب ورافع بن خديج ردّهم يوم أحدوهم أبناء اربع عشرة سنة ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة ولما امر بردّ هؤلاء الى المدينة لصغر سنهم قال خديج يا رسول الله ان ابنى رافعا رام وكان رافع يومئذ يتطاول من الشغف على الخروج فأذن له فيه فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مرّة بن سنان أذن لرافع وردّنى وانا أصرعه فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمصارعة فصرع سمرة رافعا فأذن له أيضا فى الخروج ولما غربت الشمس أذن بلال المغرب فصلوها بالجماعة وباتوا ليلتئذ بالشيخين وعين لحراسة الجيش تلك الليلة محمد بن مسلمة فى خمسين رجلا يطوفون بالجيش وعين المشركون لحراسة جيشهم عكرمة بن ابى جهل فى جماعة يحرسونهم* روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ما صلّى العشاء قال من يحرسنا الليلة فقام رجل وقال أنا يا رسول الله قال من أنت قال ذكوان قال اجلس فجلس ثم قال من يحرسنا الليلة فقام رجل وقال أنا يا رسول الله قال من أنت قال أبو سبع قال اجلس فجلس ثم قال من يحرسنا الليلة فقام الرجل وقال أنا يا رسول الله فقال له من أنت قال ابن عبد القيس قال اجلس فجلس فمكث غير بعيد حتى أمر بقيام هؤلاء الثلاثة فقام ذكوان وحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 فسأله عن صاحبيه فقال يا رسول الله أنا كنت المجيب فى كل مرة قال اذهب حفظك الله فلبس ذكوان لأمته واخذ قوسه وحمل سلاحه وترسه فكان يطوف بالعسكر ويحرس خيمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولما كان السحر استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال من رجل يخرج بنا على القوم من كثب أى من قرب ومن طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بنى حارثة أنا يا رسول الله فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه فأدلج فى السحر وسلك فى حرة بنى حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلب سيف فاستله ويقال كلاب سيف فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يحب الفال ولا يعتاف يا صاحب السيف شم سيفك فانى أرى السيوف ستسل اليوم ثم نفذ به دليله أبو خيثمة فى حرة بنى حارثة وبين اموالهم حتى سلك فى مال لمربع بن قبطى وكان منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه قام يحثى فى وجوهم التراب ويقول ان كنت رسول الله فانى لا أحل لك حائطى* وذكر انه أخذ حفنة من تراب ثم قال والله لو أعلم انى لا اصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدر اليه القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الاعمى أعمى القلب واعمى البصر ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الكشاف ولما بلغ الشوط اختزل ابن أبىّ فى ثلثمائة من أهل النفاق* وفى رواية أمرهم بالانصراف لكفرهم بمكان يقال له الشوط* وفى رواية اعتزل ابن أبى من الشيخين ورجع فقال محمد عصانى وأطاع الولدان ما ندرى علام نقتل أنفسناها هنا أيها الناس ارجعوا فرجع بمن تبعه من قومه من أهل النفاق والريب* وفى معالم التنزيل اعتزل بثلث الناس وقال علام نقتل أنفسنا واولادنا* وفى سيرة ابن هشام وتبعهم عمرو بن حزم الانصارى أحد بنى سلمة وقال أنشدكم الله فى نبيكم وأنفسكم فقال ابن أبىّ لو نعلم قتالا لا تبعناكم ولو أطعتنا لرجعت معنا* وفى سيرة ابن هشام يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوّهم قالوا لو نعلم انكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا الا الانصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم نبيه فبقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سبعمائة من أصحابه* وفى الوفاء فلما رجع عبد الله بن أبىّ سقط فى أيدى طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة قال الله تعالى اذهمت طائفتان منكم أن تفشلا الآية* وفى الكشاف وأصبح بشعب أحد يوم السبت ونزل فى عدوة الوادى وفى معالم التنزيل للنصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة* وفى الوفاء لما انتهى صلّى الله عليه وسلم الى موضع القنطرة حانت الصلاة فصلى بهم الصبح صفوفا عليهم سلاحهم* قال مجاهد والكلبى والواقدى غدا رسول الله من منزل عائشة على رجليه الى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوّم القدح* وفى الاكتفاء مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره الى أحد وقال لا يقاتلن أحد حتى نأمر بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع فى زروع كانت للمسلمين فقال رجل من الانصار أترعى زروع بنى قيلة ولما نضارب* وتعبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم للقتال وهو فى سبعمائة رجل فجعل عكاشة بن محصن الاسدى على الميمنة وأبا سلمة بن عبد الاسد على الميسرة وأبا عبيدة عامر بن الجرّاح وسعد بن أبى وقاص على المقدّمة ومقداد بن عمرو على الساقة فجعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين وهو جبل على شفير قناة قبلى مشهد حمزة عن يساره وكانت فيه ثغرة فأقام عليها خمسين رجلا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف وهو معلم بثياب بيض فقال انضح الخيل عنا لا يأتونا من خلفنا ان كانت لنا أو علينا فاثبت فى مكانك لا نؤتين من قبلك* وفى رواية قال لهم ان رأيتمونا تختطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل اليكم وان رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل اليكم كذا فى البخارى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 من حديث البراء* وفى حديث ابن عباس عند الطبرانى والحاكم انه صلّى الله عليه وسلم أقامهم فى موضع ثم قال احموا ظهورنا فان رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وظاهر رسول الله بين درعين ودفع اللواء الى مصعب بن عمير من بنى عبد الدار وكان شعار رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد أمت أمت فيما قاله ابن هشام وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبى جهل وأمروا على الخيل صفوان بن أمية وعمرو بن العاص وعلى الرماة عبد الله بن ربيعة وكانوا مائة رام ودفعوا اللواء الى طلحة ابن أبى طلحة وكان معه يوم بدر وجعلوا شعارهم يالعزى يالهبل ونقل الاقشهرى أن ابا سفيان بن حرب قال يومئذ لبنى عبد الدار انكم ضيعتم اللواء يوم بدر فأصابنا ما رأيتم فادفعوا اللواء الينا نكفكم وانما أراد تحريضهم على القتال والثبات فغضبوا وأغلظوا له* وفى الاكتفاء قال لهم يا بنى عبد الدار انكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم اذا زالت زالوا فاما أن تكفونا لواءنا واما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوا وقالوا أنحن نسلم اليك لواءنا ستعلم غدا اذا التقينا كيف نصنع وذلك ما أراد أبو سفيان* وفى المواهب اللدنية ثم صف المسلمون بأصل احد وصف المشركون بالسبخة قاله ابن عقبة فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمن يحمل لواء المشركين قيل عبد الدار قال نحن احق بالوفاء منهم أين مصعب بن عمير فقال ها أنا قال خذ اللواء فأخذه وكان يمشى أمام رسول الله* وفى معالم التنزيل فجاءت قريش وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبى جهل ومعهم النساء يضر بن بالدفوف والاكبار ويحرّضن ويرتجزن ويقلن نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق مشى القطا النوانق ... الدرّ فى المخانق والمسك فى المفارق ... ان تقبلوا نعانق ونفرش النمارق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة فى النسوة اللاتى معها وأخذن الدفؤف يضر بن بها خلف الرجال ويحرّضنهم فقالت هند فيما تقول ويها بنى عبد الدار ... ويها حماة الادبار ضربا بكل بتار وتقول ان تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق وفى المنتقى وكان اوّل من أنشب الحرب ورمى بالسهم فى وجوه المسلمين ابو عامر الراهب طلع فى خمسين رجلا من قومه فنادى أنا أبو عامر فقال المسلمون لامر حبابك ولا أهلا يا فاسق فتراموا حتى ولى مدبرا* وفى الوفاء كان أبو عامر الراهب من الاوس خرج عن قومه الى مكة مباعدا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يعد قريشا أن لو لقى قومه لم يختلف عليه منهم رجلان فلما التقى الناس كان اوّل من لقيهم هو فى الاحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الاوس أنا ابو عامر قالوا فلا انعم الله بك عينا يا فاسق وبذلك سماه رسول الله وكان يسمى فى الجاهلية الراهب فلما سمع ردّهم عليه قال لقد أصاب قومى بعدى شرّ ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة* وفى الاكتفاء فاقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بنى ساعدة حتى أمعن فى الناس وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخذ سيفا بيده وكان مكتوبا فى احدى صفحتيه فى الجبن عار وفى الاقبال مكرمة ... والمرء بالجبن لا ينجو من القدر وقال من يأخذ هذا السيف بحقه فطلبه ناس فلم يعطهم اياه* وفى الينابيع طلبه أبو بكر وعمر وعلى فلم يعطهم اياه فقال أبو دجانة ما حقه يا رسول الله قال أن تضرب به فى العدوّ حتى ينحنى فقال أنا آخذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 بحقه فأخذه ثم أهوى الى ساق حفه فأخرج منها عصابة حمراء وعصب بها رأسه وكان مكتوبا فى أحد طرفيها نصر من الله وفتح قريب وفى طرفها الآخر الجبانة فى الحرب عار ومن فرّ لم ينج من النار وفى الاكتفاء قام اليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام اليه أبو دجانة سماك بن خرشة الانصارى وقال ما حقه يا رسول الله قال ان تضرب به فى العدوّ حتى تثخن* وفى رواية ينحنى قال يا رسول الله أنا آخذه بحقه فأعطاه اياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكان اذا علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس انه سيقاتل فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه وجعل يتبختر بين الصفين فقال رسول الله حين رآه يتبختر انها المشية يبغضها الله الا فى مثل هذا الموطن وكان الزبير بن العوام قد سأل رسول الله ذلك السيف مع من سأله ومنعه اياه قال وجدت فى نفسى حين سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه ابا دجانة وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت اليه وسألته اياه قبله فأعطاه اياه وتركنى والله لا نظرن ما يصنع أبو دجانة فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه فقالت الانصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت وهكذا كانت تقول له اذا تعصب بها فخرج وهو يقول أنا الذى عاهدنى خليلى ... ونحن بالسفح لدى النخيل أن لا اقوم الدهر فى الكبول ... اضرب بسيف الله والرسول الكيول بفتح الكاف وتشديد المثناة التحتية مؤخر الصفوف وهو فيعول من كال الزند كيلا اذا كبا ولم يخرج نارا فشبه مؤخر الصفوف به لان من فيه لا يقاتل قال أبو عبيدة لم يسمع الا فى هذا الحديث فجعل لا يلقى أحدا من المشركين الا قتله* وفى سح السحابة وقاتل به حتى انقطع فى يده انتهى وكان فى المشركين رجل لا يدع جريجا الا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتفاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها قال الزبير قلت الله أعلم ورسوله قال أبو دجانة رأيت انسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت اليه فلما حملت عليه السيف ولول فاذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان اضرب به امرأة* وفى الوفاء عن الزبير بن العوّام أنه قال خرج أبو دجانة بعد ما أخذ السيف فاتبعته فجعل لا يمرّ بشىء الا أفراه وهتكه حتى أتى لنسوة فى سفح الجبل ومعهنّ هند وهى تقول نحن بنات طارق الى آخر ما ذكرنا تغنى وتحرّض المشركين بذلك فحمل عليها فنادت بالصحرات فلم يجبها أحد فانصرف عنها قال الزبير فقلت له كلّ سيفك رأيته فأعجبنى غير انك لم تقتل المرأة قال فانها نادت فلم يجبها أحد فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها قال وغلب رماة المسلمين على المشركين ورشقوا خيلهم بالنبل حتى ولوا هاربين من خيلهم فصاح طلحة بن أبى طلحة وهو صاحب لواء قريش فقال من يبارزنى فبرز له على بن أبى طالب فلما التقيا بين الصفين ضربه علىّ بالسيف على هامته ففلقها الى المخ* وفى رواية قتله مصعب بن عمير وهو كبش الكتيبة فسر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم شدّوا على المشركين فحمل لواءهم أخو طلحة عثمان بن أبى طلحة فضربه حمزة بالسيف على عاتقه فقطع يده وكتفه حتى انتهى الى مؤتزره فرجع حمزة وهو يقول أنا ابن ساقى الحجيج* وفى سيرة ابن هشام وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاه بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مرّ به سباع ابن عبد العزى الغبشانى وكان يكنى بأبى نيار فقال له حمزة هلم الىّ يا ابن مقطعة البظور وكانت أمّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 أمّ انمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفى ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله قال وحشى غلام جبير بن مطعم والله انى لا نظر الى حمزة يهد الناس بسيف ما يبقى شيئا مثل الجمل الاورق اذ تقدّمنى اليه سباع فقال حمزة هلم الىّ يا ابن مقطعة البظور فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتى حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فى ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوى فغلب فوقع فأمهلته حتى اذا مات جئت فأخذت حربتى ثم تنحيت الى العسكر ولم يكن لى بشىء حاجة غيره* وفى الاكتفاء وكان جبير بن مطعم قد وعد غلامه وحشيا بالعتق ان قتل حمزة بعمه طعيمة بن عدى المقتول يوم بدر وكان وحشى يحسن قذف الحربة قذف الحبشة وقلما يخطئ بها شيئا واستتر يومئذ وحشى بشجرة أو حجر حتى مرّ عليه حمزة بعد قتله سباع بن عبد العزى الخزاعى الغبشانى فرماه وحشى بالحربة فقتله وتركه حتى مات ثم أتاه وأخذ حربته وشق بطنه وأخرج كبده وذهب بها الى هند بنت عتبة وقال لها هذه كبد حمزة قاتل أبيك فأخذتها ومضغتها فلم تقدر أن تسيغها فلفظتها وأعطته ثوبها وحليها ووعدته عشرة دنانير بمكة ثم قالت له أرنى مصرعه فأراها اياه فمثلت به وقطعت مذاكيره وذهبت بها الى مكة فلما قدم وحشى مكة عتق ثم أقام بمكة حتى اذا افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة هرب الى الطائف فكان بها فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله ليسلموا تغيبت عليه المذاهب فقال له رجل ويحك انه والله لا يقتل أحدا من الناس دخل دينه فخرج مع وفدهم حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة فشهد شهادة الحق فلما رآه قال أوحشى قال نعم يا رسول الله قال اقعد فحدّثتى كيف قتلت حمزة فحدّثه فلما فرغ قال ويحك غيب عنى وجهك فكان عليه السلام يتنكبه حيث كان لئلا يراه حتى قبضه الله فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب خرج معهم قال وأخذت حربتى التى قتلت بها حمزة فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما فى يده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الانصار من الناحية الاخرى كلانا نريده فهززت حربتى حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه فشدّ عليه الانصارى فضربه بالسيف فالله أعلم أينا قتله فان كنت قتلته وقد قتلت خير الناس بعد رسول الله فقد قتلت شرّ الناس* ذكر ابن اسحاق باسناده الى عبد الله بن عمر وكان شهد اليمامة قال سمعت يومئذ صارخا يقول قتله العبد الاسود* قال ابن اسحاق فبلغنى ان وحشيا لم يزل يحد فى الخمر حتى خلع عن الديوان فكان عمر بن الخطاب يقول قد علمت انّ الله لم يكن ليدع قاتل حمزة* وعن الزهرى عن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة انّ طلحة بن عثمان أخا شيبة أيضا قتل فى أحد كذا فى معالم التنزيل* وفى الوفاء قال ابن عقبة وكان صاحب لواء المسلمين مصعب بن عمير أخو بنى عبد الدار فبارز طلحة بن عثمان من بنى عبد الدار فقتله* قال ابن اسحاق وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذى قتله ابن قمئة الليثى وهو يظنّ انه رسول الله* وفى الكشاف أقبل ابن قمئة يريد قتل رسول الله فذب عنه مصعب بن عمير فقتله ابن قمئة* وفى المنتقى كان لواء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الاعظم لواء المهاجرين معه يوم بدر ويوم أحد أيضا ولما جال المسلمون أقبل ابن قمئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعها ابن قمئة فحنى على اللواء وضمه بعضديه الى صدره وهو يقول وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل وما كانت هذه الآية نازلة بعد فنزلت ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه فاندق الرمح ووقع مصعب صريعا فابتدر اليه رجلان من بنى عبد الدار سويبط ابن سعد وأبو الروم بن عمير أخو مصعب فأخذه أبو الروم فلم يزل فى يده حتى دخل المدينة* وفى رواية لما قتل مصعب أخذ اللواء ملك فى صورة مصعب فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له فى آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 النهار تقدم يا مصعب فالتفت اليه الملك وقال لست بمصعب فعرف رسول الله انه ملك أيد به فوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على مصعب فقرأ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وقتل مصعب وهو ابن أربعين سنة* وفى سيرة ابن هشام قال محمد ابن اسحاق لما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللواء على بن أبى طالب وقاتل علىّ فى رجال من المسلمين* وقال ابن هشام حدّثنى سلمة بن علقمة المازنى قال لما اشتدّ القتال يوم أحد جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت راية الانصار وأرسل الى علىّ بن أبى طالب ان قدّم الراية فتقدّم علىّ فقال أنا أبو القصم ويقال الفصم بالقاف والفاء فيما قاله ابن هشام فناداه ابو سعيد بن أبى طلحة وهو صاحب لواء المشركين ان هل لك يا أبا القصم فى البراز من حاجة فقال نعم فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه علىّ فصرعه ثم انصرف ولم يجهز عليه فقال له أصحابه أفلا أجهزت عليه قال انه استقبلنى بعورته فعطفتنى عليه الرحم فعرفت انّ الله قتله ويقال ان ابا سعيد خرج من بين الصفين وطلب من يبارزه مرارا فلم يخرج اليه أحد فقال يا أصحاب محمد زعمتم ان قتلاكم فى الجنة وقتلانا فى النار كذبتم واللات لو تعلمون ذلك حقا لخرج الىّ بعضكم فخرج اليه علىّ فاختلفا ضربتين فقتله علىّ* قال ابن اسحاق ان سعد بن أبى وقاص هو الذى قتل أبا سعيد هذا كذا فى سيرة ابن هشام والاكتفاء والمنتقى وفى بعض الكتب كيفية قتله ان سعد بن ابى وقاص رماه بسهم فلم يخطئ حنجرته حتى خرج لسانه فمات ثم حمل لواءهم مسافع بن أبى طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبى الافلح فقتله وأخاه الجلاس بن طلحة كلاهما يشعره سهما وأرثت مسافع الى أمّه سلافة بنت سعد وكانت فى العسكر فوضع رأسه فى حجرها فقالت يا بنىّ من اصابك قال لا أدرى الا أنى سمعت رجلا يقول حين رمانى خذها وأنا ابن أبى الافلح فنذرت ان أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب الخمر فى قحفه وجعلت لمن يأتيها برأسه مائة ناقة وكان عاصم قد عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك أبدا فتمم الله له ذلك حيا وميتا كما سيجىء ثم حمل لواءهم الحارث بن ابى طلحة فرماه عاصم أيضا فقتله كذا فى المنتقى* وفى سيرة ابن هشام انّ عاصم بن ثابت قتل مسافعا وأخاه الجلاس كما سبق* وفى المنتقى قتل الجلاس طلحة بن عبيد الله ثم حمل لواءهم كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوّام ثم حمل اللواء أرطاه بن شرحبيل بن هاشم ابن عبد مناف فقتله حمزة وقيل علىّ ثم حمل اللواء شريح بن فارض فقتله بعض المسلمين ثم حمل اللواء صواب غلام حبشى لبنى طلحة فقتله سعد بن أبى وقاص وقيل علىّ بن أبى طالب وقيل قزمان وهو أثبت الاقوال* وفى رواية حملت اللواء عمرة بنت علقمة كما سيجىء* قال ابن اسحاق قتل اصحاب لواء المشركين وهم سبعة يأخذه واحد بعد واحد وقال غيره وهم أحد عشر آخرهم غلام حبشى لبنى طلحة اسمه صواب قال ابن اسحاق والتقى يومئذ حنظلة بن ابى عامر غسيل الملائكة وابو سفيان بن حرب فلما استعلاه حنظلة رآه شدّاد بن الاسود بن شعوب قد علا أبا سفيان فضربه شدّاد فقتله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان صاحبكم يعنى حنظلة لتغسله الملائكة فسلوا اهله ما شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حسين سمع الهائعة فقال رسول الله لذلك غسلته الملائكة* وفى الصفوة ان حنظلة ابن ابى عامر الراهب كان من خيار المسلمين استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقتل أباه فنهاه عن قتله وتزوّج جميلة بنت عبد الله بن ابى بن سلول فأدخلت عليه فى الليلة التى فى صبيحتها كان قتال أحد وكان قد استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له فلما صلّى الصبح غدا يريد النبىّ بأحد ثم مال الى جميلة فأجنب منها وكانت قد ارسلت الى اربعة من قومها فأشهدتهم انه قد دخل بها فقيل لها فى ذلك فقالت رأيت كأن السماء فرجت له فدخل فيها ثم اطبقت فقلت هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الشهادة وقد علقت بعبد الله بن حنظلة فأخذ حنظلة سلاحه فلحق بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يسوّى الصفوف فلما انكشف المسلمون اعترض حنظلة ابا سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فوقع ابو سفيان ثم تحمل رجل منهم على حنظلة قأنفذه بالرمح فقال رسول الله رأيت الملائكة تغسل حنظلة ابن ابى عامر بين السماء والارض بماء المزن فى صحاف الفضة* قال ابو سعيد الساعدى فذهبنا اليه فنظرنا فاذا رأسه يقطر ماء فرجعت الى رسول الله فأخبرته انه خرج وهو جنب فأعجله الحال عن الغسل فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة* وفى رواية قالت كان جنبا فلما غسل أحد شقيه سمع الهيعة وأعجله الحال عن الغسل فخرج ولم يغسل الشق الآخر قال رسول الله هو ذاك فانى رأيته قد غسلته الملائكة فسمى غسيل الملائكة وبذلك تمسك من قال من العلماء ان الشهيد يغسل اذا كان جنبا كذا فى المواهب اللدنية فلما قتل اصحاب اللواء وانتكست رايتهم انكشف المشركون وانهزموا* قال ابن اسحاق ثم انزل الله نصره على المؤمنين واصدقهم وعده فحسوا الكفار بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها* وفى المواهب اللدنية فولى الكفار لا يلوون على شىء ونساؤهم يدعون بالويل والثبور وتبعهم المسلمون حتى أجهضوهم ووقعوا يتهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم* وفى الكشاف فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربون بالسيف حتى انهزموا وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح وصرخت نساؤهم يدعون بالويل والثبور وألقين الدفوف ويشتددن الى الجبل رافعات ثيابهنّ وقد بدت خلاخلهنّ وسوقهنّ ولما نظر الرماة الى المشركين قد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينتهبون ويأخذون الغنائم قالوا الغنيمة يا قوم الغنيمة قد ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا انا والله لنأتينهم فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم وأقبلوا منهزمين كذا رواه البخارى عن البراء بن عازب* وفى الكشاف اختلف الرماة حين انهزم المشركون قال بعضهم قد انهزم القوم فما موقفنا وأقبلوا على الغنيمة* وقال بعضهم لا نخالف أمر رسول الله* وفى معالم التنزيل تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر فتركوا المركز ووقعوا فى الغنائم ثم قال لهم النبىّ ألم أعهد اليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى قالوا تركنا بقية اخواننا وقوفا فقال النبىّ بل ظننتم انا نغل فلا نقسم لكم فأنزل الله تعالى وما كان لنبىّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ الآية ولما ترك الرماة مركزهم ثبت أميرهم عبد الله بن جبير فى مكانه فى نفر يسير دون العشرة فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة وخلاء الجبل واشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح فى خيله من المشركين فكربهم وتبعه عكرمة بن أبى جهل فى جماعة من المشركين فحملوا على من بقى من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبد الله بن جبير ثم حملوا على المسلمين من خلفهم وحالت الريح دبورا بعد ما كانت صبا* وفى الاكتفاء كشف المسلمون المشركين عن العسكر ونهكوهم قتلا وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرّات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة فلما أبصر الرماة الخمسون انّ الله قد فتح لاخوانهم قالوا والله ما نجلس هناك لشىء قد أهلك الله العدوّ واخواننا فى عسكر المشركين فتركوا منازلهم التى عهد اليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن لا يتركوها وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلا ولم يكن نبل ينضحها ووجدت مدخلا عليهم فكان ذلك سبب الهزيمة على المسلمين* وفى سيرة ابن هشام قال الزبير بن العوّام والله لقد رأيتنى أنظر الى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات منكشفات هوارب ما دون أخذهنّ قليل ولا كثير اذ مالت الرماة الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل وأوتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد ان أصبنا اصحاب اللواء حتى ما يدنو منه احد من القوم* قال ابن هشام والصارخ أزب العقبة* قال ابن اسحاق حدّثنى بعض أهل العلم انّ اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلا ثوابه وكان اللواء مع صواب غلام حبشى لبنى طلحة وكان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم هل أعذرت يعنى أعذرت* وفى الينابيع وكانت فى المشركين امرأة كافرة اسمها عفراء فأخذت لواء قريش ورفعتها فلما رأى المشركون لواءهم مرفوعا كروا راجعين فجعلوا يضربون المسلمين من قدامهم ومن خلفهم حتى قتلوا منهم سبعين وجرحوا سبعين وكسروا يد علىّ وجرحوا أبا بكر وعمر وانهزم عثمان مع جماعة* قال ابن اسحاق وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدوّ وصرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل وفى رواية تصوّر الشيطان بصورة جعال بن سراقة الضمرى وصرخ ان محمدا قد قتل وقال قائل أى عباد الله أخراكم أى احترزوا من جهة أخراكم فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون كذا فى المواهب اللدنية* ووثب الناس على جعال بن سراقة ليقتلوه لانّ الشيطان تمثل بصورته وصاح بخبر القتل فشهد خوات بن جبير وأبو بردة بن نيار بأنّ الصارخ غير جعال وجعال كان عندهما وبجنبهما حين صرخ ذلك الصارخ وجرح أسيد بن حضير يومئذ جراحتين من أيدى المسلمين احداهما من ضربة أبى بردة بن نيار وجرح أبو بردة أيضا من يد أنصارى ولم يعرفه* وفى الصحيح عن عائشة قالت كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة فصاح ابليس أى عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت مع اخراهم فنظر حذيفة فاذا هو بأبيه اليمان فنادى أى عباد الله أبى أبى قالت فو الله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وعند أحمد والحاكم عن ابن عباس انهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا فوقع القتل فى المسلمين بعضهم من بعض* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى أحد رفع حسبل بن جابر وهو اليمان ابو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش فى الآطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لك ما تنتظر فو الله ان بقى لواحد منا من عمر الاظمئ حمار انما نحن هامة اليوم أو غدا أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا فى الناس ولم يعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسبل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبى قالوا والله ان عرفناه وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله أن يديه فتصدّق بديته على المسلمين فزاده عند رسول الله خيرا* قال ابن اسحاق وكان يوم احد يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدوّ الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وكلمت شفته وشج فى وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل صلّى الله عليه وسلم يمسحه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون ورواه احمد والترمذى والنسائى من طريق حميد الطويل عن انس وقيل همّ أن يدعو عليهم فنهاه الله تعالى لعلمه بأنّ فيهم من يؤمن* وفى المواهب اللدنية قيل كان سبب الهزيمة ان ابن قميئة الحارثى قتل مصعب بن عمير وكان مصعب اذا لبس لأمنه يشبه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما قتله ظنه رسول الله فرجع الى قريش وقال قد قتلت محمدا فازداد واجراءة وصاح ابليس من العقبة قتل محمد فلما سمع المسلمون ذلك وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 متفرّقون كانت الهزيمة فلم يلو أحد على احد والصواب ان السبب مخالفة الرماة لامر النبىّ صلّى الله عليه وسلم والاصل فى ذلك مع ما أراده الله ما اتفق ببدر من اخذ الفداء فقد خرج الترمذى والنسائى عن علىّ ان جبريل هبط فقال خيرهم فى اسارى بدر القتل والفداء على أن يقتل منهم فى القابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا مثلهم قال الترمذى حديث حسن وذكر غيره له شواهد تقوّيه ولهذا جاء فى الصحيح انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم واصحابه اصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة قتلوا سبعين وأسروا سبعين وفيه ايضا ان المشركين اصابوا يوم احد من المسلمين سبعين ووقع عند مسلم من طريق ابن عباس عن عمر فى قصة بدر قال فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية النبىّ صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا والمراد بكسر الرباعية وهى السن التى بين الثنية والناب انها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها وقوله فروا أى بعضهم أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم والواقع بهم انهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا فى الهزيمة الى قرب المدينة فما رجعوا حتى انقضى القتال وهم قليل وهم الذين نزل فيهم انّ الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان الآية وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا انّ النبىّ قتل فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه ويستمرّ فى القتال الى أن يقتل وهم أكثرهم وفرقة بقيت مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم تراجع اليهم الفرقة الثانية شيئا فشيئا لما عرفوا انه حى وما ورد فى الاختلاف فى العدد فمحمول على تعدّد المواطن فى القصة* ووقع عند أبى يعلى فى حديث عمر المتقدّم فلما كان عام أحد عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون* قال ابن هشام فى سيرته عن أبى سعيد الخدرى ان عتبة بن أبى وقاص رمى النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته السفلى وجرح شفته السفلى وانّ عبد الله بن شهاب الزهرى شجه فى جبهته وانّ ابن قميئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فى وجنته ووقع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى حفرة من الحفر التى عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ علىّ بن أبى طالب بيد رسول الله ورفعه طلحة حتى استوى قائما* وفى الاكتفاء فقال صلّى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة* قال ابن هشام ومص مالك بن سنان والد أبى سعيد الخدرى الدم عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مس دمه دمى لم تصبه النار* وفى الرياض النضرة لم تمسه النار أخرجه ابن اسحاق وفى رواية غيره من أحب أن ينظر الى من خالط دمه دمى فلينظر الى مالك بن سنان* وعن عائشة عن أبى بكر الصدّيق ان أبا عبيدة بن الجراح نزع احدى الحلقتين من وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم نزع الاخرى فسقطت ثنيته الاخرى فكان ساقط الثنيتين* وفى الصفوة نزع بفيه الحلقتين اللتين دخلتا فى وجنته من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه وكان أحسن الناس هتما وفى رواية ولذلك يقال له الاهتم* وفى المواهب اللدنية وهشموا البيضة على رأسه أى كسروا الخودة ورموه بالحجارة حتى سقط لشقه فى حفرة من الحفر التى حفرها أبو عامر فأخذ علىّ بيده واحتضنه طلحة ابن عبيد الله ورفعه حتى استوى قائما ونشبت حلقتان من المغفر فى وجهه فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدّة غوصهما فى وجهه* وفى الاكتفاء وكان الذى كسر رباعيته وجرح شفته عتبة بن أبى وقاص أخو سعد بن أبى وقاص وكذا قاله السهيلى وغيره ومن ثمة لم يولد من نسله ولد فبلغ الحنث الا وهو ابحر واهتم أى عطشان لا يروى وساقط مقدم أسنانه يعرف ذلك فى عقبه* وفى القاموس البحر العطش فلا يروى من الماء ويقال أهتم فاه ألقى مقدّم أسنانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وروى ابن الجوزى عن محمد بن يوسف الغريانى قال بلغنى ان الذين كسروا رباعية النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبى فنبتت له رباعية* وفى الاكتفاء وكان سعد بن أبى وقاص يقول والله ما حرصت على قتل رجل قط حرصى على قتل عتبة بن أبى وقاص وهو أخوه وان كان ما علمت لسيئ الخلق مبغضا فى قومه ولقد كفانى منه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله* وفى مستدرك الحاكم لما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن أبى بلتعة فقال يا رسول الله من فعل هذا بك فأشار الى عتبة فتبعه حاطب حتى قتله وجاء بفرسه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قيل قد اختلف فى اسلامه والصحيح انه لم يسلم* وفى المنتقى فى الذى كسر رباعيته وكلمه فى وجهه قولان* أحدهما نه عتبة بن أبى وقاص كما سبق والثانى انه ابن قميئة فانه علا رسول الله بالسيف فضربه على الايمن فاتقاه طلحة بيده وردّ بسيفه عنه فشلت يده ويبست وأصيبت ختصره حين رمى مالك بن زهير الجشمى رسول الله بسهم وكان لا يخطئ سهمه فجعل طلحة يده وقاية له فأصاب خنصره وضرب رجل من المشركين على رأس طلحة بالسيف ضربتين فنزف الدم على وجهه فخرّ مغشيا عليه* وروى عن أبى بكر الصدّيق أنه قال أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد بالماء فقال اذهب به الى طلحة فذهبت به اليه فرأيته قد وقع صريعا وينزف الدم من جراحاته فرششت عليه من الماء حتى حصل له بعض الافاقة فقال ما فعل برسول الله قلت هو بالعافية وهو أرسلنى اليك قال الحمد لله فكل مصيبة بعده هين* وفى الصفوة عن أبى بكر الصدّيق قال كنت أوّل من جاء يوم أحد فقال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولابى عبيدة بن الجراح عليكما به يريد طلحة وقد نزف دمه يعنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصلحنا من شأنه ثم أتينا طلحة فوجدناه فى بعض تلك الحفار فاذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من بين طعنة وضربة ورمية فاذا قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه* وأخرج أبو حاتم معناه ولفظه قال قال أبو بكر لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله كنت أوّل من جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجعلت انظر الى رجل خلفى بين يديه يقاتل عنه ويحميه فجعلت أقول كن طلحة فداك أبى وأمى مرّتين قال ونظرت الى رجل خلفى كأنه طائر فلم أنشب ان أدركنى فاذا هو أبو عبيدة بن الجراح فاندفعنا الى النبىّ فاذا طلحة بين يديه صريعا فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم دونكم أخاكم فقد أوجب قال وقد رمى فى جبهة رسول الله ووجنته فأهويت الى السهم لا نزعه فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر الا تركتنى قال فتركته فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه ويكره أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استله بفيه ثم أهويت الى السهم الذى فى وجنته لانزعه فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر الا تركتنى فأخذ السهم بفيه وجعل ينصنصه ويكره أن يؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم استله وكان طلحة أشدّ نهكة من رسول الله وكان رسول الله أشدّ نهكة منه وكان قد أصاب طلحة بضعة وثلاثون ما بين طعنة وضربة ورمية* قوله ينضنضه بالصاد والضاد يحركه* قوله أشدّ نهكة أى جراحة وجهدا وألما وكان أبو عبيدة أثرم الثنيتين من انتزاع السهمين* ويروى ان المنتزع حلقتى الدرع أبو بكر ويجوز أن يكون السهمان أثبتا حلقتى الدرع فانتزع الجميع فسقطتا لذلك* وعن أبى هريرة ان طلحة لما جرح يوم أحد مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده على جسده وقال اللهمّ اشفه وقوّه فقام صحيحا ورجع الى مبارزة العدوّ أخرجه الملاذكر ذلك كله فى الرياض النضرة* وعن قيس قال رأيت طلحة يده شلاء وقى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد انفرد به البخارى* وفى الصفوة شهد طلحة أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووقاه بيده فشلت أصبعاه وجرح يومئذ اربعا وعشرين جراحة قال وكانت فيه خمس وسبعون ما بين طعنة وضربة ورمية سماه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 رسول الله يوم أحد طلحة الخير ويوم غزوة ذات العشيرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجود وسيجىء موته فى الخانمة فى خلافة علىّ بن ابى طالب* قال السدى رضى الله عنهما ابن قميئة هو الذى رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشج فى وجهه* وقال ابو بشير المازنى حضرت يوم أحد وأنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله بالسيف فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقع على كتفه فى حفرة أمامه حتى توارى فجعلت أصيح وأنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا اليه فانظر الى طلحة بن عبيد الله آخذ يحضنه حتى قام* وفى الينابيع غلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضعف من الجراحات حتى وقع عن فرسه وجرحت ركبتاه وكسرت جبهته* وفى الطبرانى من حديث ابى أمامة قال لما رمى عبد الله بن قميئة يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته قال خذها وأنا ابن قميئة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه مالك أقأك الله وفى رواية وأذلك فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة* وعند ابن عائذ من طريق الاوزاعى بلغنا انه لما جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد اخذ شيئا فجعل ينشف به دمه وقال لو وقع منه شىء على الارض لنزل عليهم العذاب من السماء ثم قال اللهمّ اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وفى الينابيع وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ قطرات الدم ويرمى بها الى السماء ولم يقع شىء منها على الارض ويقول لو وقع شىء منها على الارض لم ينبت عليها نبات وفى الينابيع أيضا لما كسرت جبهته وانخضب وجهه ولحيته جعل سالم مولى ابى حذيفة يسلت الدم عن وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وفى شمائل الترمذى عن جندب بن سفيان البجلى قال اصاب حجرا صبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدميت فقال هل أنت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت وكان ذلك فى غزوة أحد وروى انّ عبد الله ابن حميد الاسدى لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد جرح جعل يركض فرسه ويقول أرونى محمدا والله انى لا قتله فاعترضه ابو دجانة فضربه بالسيف فقتله فقال رسول الله اللهمّ ارض عن ابن خرشة كما أنا عنه راض وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى قال ضرب وجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله من شرّها كلها قال فى فتح البارى وهذا مرسل قوى ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة* قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشرى لنا نفسه فقام زياد بن السكن فى خمسة نفر من الانصار وبعض الناس يقولون انما هو عمارة بن زياد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم جاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله ادنوه منى فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخدّه على قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقاتلت امّ عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يومئذ فيما قاله ابن هشام قالت خرجت أوّل النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعى سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو فى اصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وارمى عن القوس حتى خلصت الجراحة الىّ قالت امّ سعد بنت سعد بن الربيع فرأيت على عاتقها جرحا اجوف له غور فقلت من أصابك بهذا قالت ابن قميئة اقماه الله لما ولى الناس عن رسول الله اقبل يقول دلونى على محمد فلا نجوت ان نجا فاعترضته انا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضربنى هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدوّ الله عليه درعان* وتترس دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابو دجانة بنفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 تقع النبل فى ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل وفى المواهب اللدنية وهو لا يتحرّك وفى المنتقى كانت النبل تتابع فى ظهره وهو منحن عليه ورمى سعد بن ابى وقاص دون رسول الله قال سعد فلقد رأيته يناولنى النبل وهو يقول ارم فداك ابى وامى حتى انه ليناولنى السهم بلا نصل فيقول ارم به وفى رواية ورمى سعد بن ابى وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له النبىّ صلّى الله عليه وسلم كنانته فقال له ارم فداك أبى وامى وفى المشكاة عن علىّ قال ما سمعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم جمع ابويه لاحد الا لسعد بن مالك فانى سمعته يقول يوم أحد يا سعد ارم فداك ابى وامى متفق عليه* وروى ان بعض المشركين يوم احد كانوا يرمون بالنبل فى وجوه المسلمين منهم حبان بن قيس بن عرفة اخو بنى عامر وابو أسامة الجشمى فأمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم سعد بن ابى وقاص أن يرمى فى وجوههم فيقول ارم يا سعد فداك ابى وامى فرمى ابن عرفة فأصاب ذيل امّ ايمن وكانت فى العسكر فانكشف ذيلها فضحك ابن عرفة ضحكا شديدا فثقل ذلك على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فناول سعد اسهما وامره أن يرميه فرماه سعد فلم يخطئ ثغرة نحره فوقع لظهره وانكشفت عورته فضحك النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال استعاض لها سعد ودعا لسعد فقال اللهم سدّد رميته وأجب دعوته رواه فى شرح السنة فصار سعد مجاب الدعوة حتى يتبرّك بدعائه وظاهر هذا مخالف لما سيجىء فى غزوة الخندق فى الموطن الخامس من ان حبان بن عرفة هو الذى رمى سعد بن معاذ فى أكحله* وعن أنس أنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو طلحة كان قائما بين يديه يترس معه بترس واحد وكان أبو طلحة راميا شديد الرمى والنزع فكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر بجعبته من النبل فيقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم انثرها لابى طلحة وكان اذا رمى يشرف النبى لينظر الى موضع نبله فيقول أبو طلحة بأبى أنت وأمى يا رسول الله لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم نحرى دون نحرك* معجزة فى انقلاب العود سهما والعصا سيفا وفى الصفوة وكان رسول الله يرفع رأسه من خلفه ينظر الى مواقع نبله فتطاول أبو طلحة بصدره يقى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله نحرى دون نحرك انتهى وكان قد جعل نفسه وقاية له ونثر سهامه كلها على الارض وكان رجلا شديد النزع صيتا وكان فى كنانته يومئذ خمسون سهما وكان كلما رمى بسهم يصيح ويقول يا رسول الله نفسى دون نفسك جعلنى الله فداك والنبىّ صلّى الله عليه وسلم واقف خلف ظهره ينظر الى مواقع نبله حتى فنيت سهامه فيناوله العود ويقول ارم يا أبا طلحة فأى عود يضعه فى كبد القوس يعود سهما جيدا يرمى به فى وجوه المشركين ويصيح فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة كذا فى الصفوة وكان رسول الله لا يزال يرمى عن قوسه حتى صارت شظايا* قال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمر عن قتادة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان وكانت عنده وكان يرمى بالحجارة* وفى الشفاء رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قوسه يوم أحد حتى اندقت سيتها ويقال اسم هذه القوس كتوم وانقطع يومئذ سيف عبد الله بن جحش فأعطاه عليه السلام عرجونا فعاد فى يده سيفا فقاتل به وكان ذلك السيف يسمى العرجون ولم يزل يتوارث حتى بيع من بغا التركى من أمراء المعتصم بالله فى بغداد بمائتى دينار وهذا نحو حديث عكاشة السابق فى غزوة بدر الا ان سيف عكاشة يسمى العون ورمى كلثوم بن الحصين بسهم فى نحره رماه أبورهم الغفارى فبصق عليه صلّى الله عليه وسلم فبرأ* وعن أبى طلحة انه قال غشينا النعاس يوم أحد ونحن فى مصافنا فجعل سيفى يسقط من يدى فآخذه ويسقط فآخذه* وعنه أنه قال رفعت رأسى يوم أحد فجعلت ما أرى أحدا من القوم الا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وذلك قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاسا الآية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 واصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته فردّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما كذا فى سيرة ابن هشام* وفى الوفاء فأتى بها الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذها رسول الله بيده وردّها الى موضعها وقال اللهمّ اكسها جمالا فكانت أحسن عينيه وأحدّهما نظرا رواه الدار قطنى بنحوه* وفى الصفوة عن عدى قال أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد يقال أصابها رمح حتى وقعت على وجنته فأتى بها النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهى فى يده قال ما هذه يا قتادة قال هذا ما ترى يا رسول الله قال ان شئت صبرت ولك الجنة وان شئت رددتها ودعوت الله لك فلم تفقد منها شيئا فقال يا رسول الله ان الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل ولكنى رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردننى ولكن تردّها الىّ وتسأل الله لى الجنة فقال أفعل يا قتادة ثم أخذها رسول الله بيده وأعادها الى موضعها فكانت أحسن عينيه الى ان مات ودعا له بالجنة وسيجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة عمر وروى أنه دخل ابن قتادة على عمر بن عبد العزيز فقال له من أنت يافتى فقال أنا ابن الذى سالت على الخدّ عينه ... فردّت بكف المصطفى أيمارد فعادت كما كانت لا حسن حالها ... فيا حسن ما عين ويا طيب مارد فقال عمر بمثل هذا فليتوسل الينا المتوسلون ثم قال تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا وفى الرياض النضرة عن علىّ قال كسرت يده يوم أحد فسقط اللواء من يده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعوه فى يده اليسرى فانه صاحب لوائى فى الدنيا والآخرة أخرجه الحضرمى* وفى الاكتفاء وأصيب فم عبد الرحمن بن عوف فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر وأصابه بعضها فى رجله فعرج* وفى شواهد النبوّة عن الحارث بن الصمة قال رأيت عبد الرحمن بن عوف يوم أحد بين سبعة قتلى من المشركين فقلت هنيئا لك أنت قتلت هؤلاء كلهم فأشار الى قتيلين وقال هذان قتلتهما وأما الآخرون فقتلهم من لم أره* قال ابن اسحاق حدّثنى القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بنى عدى بن النجار قال انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك الى عمر بن الخطاب وطلحة ابن عبيد الله فى رجال من المهاجرين والانصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يحبسكم قالوا قتل رسول الله قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل* وعن أنس بن مالك قال لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة وقد مثلوا به فما عرفه الا اخته عرفته بينانه كذا فى سيرة ابن هشام* وفى المنتقى عن أنس بن مالك ان عمه أنس بن النضر غاب عن بدر قال غبت عن أوّل قتال قاتله رسول الله ولئن أشهدنى الله مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليرين ما أفعل فلقى يوم أحد فهزم الناس فقال اللهم انى أعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعنى المسلمين وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين فتقدّم بسيفه فلقى سعد بن معاذ فقال أين يا سعدانى أجد ريح الجنة دون أحد فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته اخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من بين طعنة وضربة ورمية بسهم* وفى رواية لما صرخ صارخ وفشا فى الناس ان محمدا قد قتل قال بعض المسلمين ليت لنا رسولا الى عبد الله بن أبى فيأخذ لنا أمانا من أبى سفيان وبعضهم جلسوا وألقوا بأيديهم وقال ناس من المنافقين لو كان نبيا لما قتل ارجعوا الى اخوانكم والى دينكم الاوّل فقال أنس بن النضر يا قوم ان كان قتل محمد فان رب محمد حى لا يموت ما تصنعون بالحياة بعد رسول الله فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه ثم قال اللهم انى أعتذر اليك مما يقول هؤلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 يعنى المسلمين وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعنى المنافقين ثم قاتل حتى قتل الى آخر ما ذكر* وفى المنتقى لما فشافى الناس خبر قتل رسول الله صاح ثابت بن الدحداح وقال يا معشر الانصار ان كان محمد قد قتل فان الله حى لا يموت فقاتلوا عن دينكم فهض اليه نفر من الانصار وقد وقعت له كثيبة خشناء فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبى جهل فحمل عليه خالد بالرمح فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه وقيل انه برأ من جراحاته ومات على فراشه من جرح كان أصابه ثم انتقض عليه ومات مرجع النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الحديبية كذا فى الصفوة وان رسول الله تبع جنازته وقتل عبد الله بن عمر وأبو جابر يوم أحد فما عرف الا ببنانه أى أصابعه وقيل أطرافها واحدتها بنانة* وفى المواهب اللدنية ثبت رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين انكشفوا عنه وثبت معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصدّيق وسبعة من الانصار* وفى معالم التنزيل ثلاثة عشر رجلا ستة من المهاجرين وهم أبو بكر وعمر وعلى وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص والباقى من الانصار وفى البخارى لم يبق معه عليه السلام الا اثنا عشر* روى أن الملائكة حضرت يوم أحد لكن فى قتالهم خلاف وروى احمد بن سعد بن ابى وقاص انه قال رأيت عن يمير رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن يساره يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشدّ القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد وقد أخرجه الشيخان* وفى رواية مسلم يعنى جبريل وميكائيل كذا فى الوفاء* وعن على بن أبى طالب لما غلب المشركون واختلط الناس غاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن نظرى فذهبت أطلبه فى القتلى فما وجدته فقلت فى نفسى ان رسول الله لا يفرّ فى القتال وليس فهو فى القتلى فما أظنّ الا ان الله تعالى قد غضب علينا بسوء فعلنا فرفع نبيه من بيننا فالاولى أن اقاتل المشركين حتى أقتل فسللت سيفى وحملت على جماعة من المشركين فانكشفوا فاذا برسول الله صلّى الله عليه وسلم حيا سويا فعرفت ان الله تعالى حفظه بملائكته الكرام* قال ابن اسحاق لما كان يوم أحد انجلى القوم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبقى سعد بن مالك يرمى وفتى شاب ينبل له فلما فنى النبل أتاه به فنثره فقال ارم أبا اسحاق ارم أبا اسحاق مرّتين فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الفتى فلم يعرف فقول مجاهد لم تقاتل الملائكة فى معركة لا فى أحد ولا فى غيره الا فى بدر وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون وانما يكونون عددا ومددا قال البيهقى أراد أنهم لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به* وعن عروة بن الزبير كان الله تعالى وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وكان قد فعل فلما عصوا ما أمر الرسول وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهده اليهم وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة وأنزل الله ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم باذنه فصدق الله وعده وأراهم الفتح فلما عصوا عقبهم البلاء كذا فى الوفاء وقيل معنى لم تقاتل الملائكة انها لم تقاتل على سبيل العموم أى غير جبريل وميكائيل وأماهما فكانا على صورة رجلين عليهما ثياب بيض عن يمين رسول الله وعن يساره يحفظانه ويقاتلان الكفار قال ابن اسحاق وكان أوّل من عرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وتحدّث الناس بقتله كعب بن مالك الانصارى قال عرفت عينيه تزهران تحت المغفر فناديت بأعلى صوتى يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله* وفى رواية مسلم حيا سالما سويا فأشار الىّ أن انصت فلما عرف المسلمون رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين فلما أسند رسول الله فى الشعب أدركه أبى ابن خلف وهو يقول أين محمد لا نجوت ان نجا فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه رجل منا قال دعوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 فلما دنا تناول رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة يقول بعض القوم فلما أخذها رسول الله انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء من ظهر البعير اذا انتفض بها ثم استقبله فطعته فى عتقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا وكان أبى بن خلف يلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة فيقول يا محمد ان عندى العود فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنا أقتلك ان شاء الله تعالى فلما رجع الى قريش وقد خدشه فى عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال قتلنى والله محمد قالوا له ذهب والله فؤادك والله ان بك من بأس قال انه قد كان قال لى بمكة أنا أقتلك فو الله لو بصق علىّ لقتلنى فمات عدوّ الله بسرف وهم قافلون به الى مكة رواه البيهقى وأبو نعيم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما قاله يومئذ اشتدّ غضب الله على رجل قتله رسول الله فسحقا لاصحاب السعير وفى رواية أو قتل رسول الله قال الواقدى وكان عبد الله بن عمر يقول مات أبى بن خلف ببطن رابغ فانى لا سير ببطن رابغ بعد هوى من الليل اذ نار تأجج لى فهبتها فاذا رجل يخرج منها فى سلسلة يجتذبها يصيح العطش فاذا رجل يقول لا تسقه فان هذا قتيل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبى بن خلف رواه البيهقى* وفى الشفاء لما طلع أبى بن خلف اعترضه رجال من المسلمين قال النبىّ هكذا خلوا سبيله وفى رواية اشتدّ عليه الزبير ومعه حربة قال صلّى الله عليه وسلم دعه فلما دنا منه أخذ الحربة من الزبير وفى رواية من طلحة بن عبيد الله وفى رواية من سهل بن حنيف وشدّ عليه فطعنه بها فدق ترقوته وخرّ صريعا وأدركه المشركون وارتثوه وفى رواية رماه بها وضرب تحت ابطه وكسر ضلعا من اضلاعه فرجع الى قريش يركض فرسه حتى بلغ قومه وهو يخور كخوار الثور ويقول قتلنى محمد ويقول أصحابه ليس عليك بأس قال بلى لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم* وفى رواية لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم* وفى رواية قال له أبو سفيان ويلك ما بك الاخدشة قال ويلك يا ابن حرب ما تعلم من ضربها أما ضربها محمد وانه قد قال لى سأقتلك فعلمت انه قاتلى ولا أنجو منه ولو بصق علىّ بعد تلك المقالة لقتلنى وانى لاجد من هذه الطعنة ألما واللات والعزى لو قسم على جميع أهل الحجاز لهلكوا وكان يصرخ ويخور حتى مات بسرف أو بمر الظهران على أميال من مكة كذا فى الشفاء ومعالم التنزيل وفى الينابيع ولما نادى ابليس ثلاث مرّات ألا ان محمدا قد قتل سمعوا صوته فى جوانب العسكر فبلغ الصوت أبا بكر وعمرو عليا فنسوا ما بهم من جراحاتهم وبكوا حتى أتاهم رجل فرآهم جلوسا محزونين فقال لهم ما لكم قالوا سمعنا خبر قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتحيرنا فقال الرجل انى مررت الآن على القتلى فنظرت اليهم فرأيت النبى فى موضع كذا حيا سالما يتهلل وجهه كالقمر ليلة البدر فقاموا اليه مع الجراحات واجتمعوا لديه ورفعوه من مكانه فاعتنق عليا ووضع يده على منكبه حتى ركبوه على فرسه مرّة اخرى فلما رأى المشركون انه حىّ حملوا عليه فاعترضهم سماك بن خرشة وحمل عليهم حتى هزمهم وفرّقهم* وفى صح السحابة أفرد النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم أحد فى سبعة من الانصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من يردّهم عنا وله الجنة أو هو رفيقى فى الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضا فقال من يردّهم عنا وله الجنة أو هو رفيقى فى الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل فلم يزالوا كذلك حتى قتل سبعة فقال رسول الله لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا* قوله أفرد أى أفرز وعزل ونحى عن الجمع وقوله رهقوه أى دنوا منه وكان سلمان جعل نفسه وقاية له من وراء ظهره من سهام الكفار وأذاهم ويقول نفسى فداء لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والعباس بن عبد المطلب ممسك بعنان فرسه يقوده وعلى بن أبى طالب مع انه مجروح مكسور اليد حمل على الكفار فهزمهم فجاء جبريل وقال يا محمد من ذا الذى بارز الكفار آنفا فان الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 باهى به الملائكة قال هو علىّ فانحازوا به الى أحد فلم يقدر أن يصعده بالفرس فحوّل رجله الى الجانب الآخر واعتمد على منكب علىّ فنزل عن الفرس وصعد الجبل فجلس وجلس أصحابه حوله وكان صلى الله عليه وسلم يلتفت الى الجوانب فقالوا من تريد يا رسول الله فأقبل على علىّ وقال هل عندك خبر من عمك فأخبره علىّ بما وقع فبكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والاصحاب هذا ما فى الينابيع وفيه بعض المخالفة لما هو المشهور* قال ابن اسحاق فلما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى فم الشعب خرج علىّ بن أبى طالب حتى ملأ درقته من المهراس* فى المواهب اللدنية المهراس صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء وقيل هو اسم ماء بأحد* وفى خلاصة الوفاء هو ماء بأقصى شعب أحد يجتمع من المطر فى نقرة هناك فجاء به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه نبيه فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الشعب معه أولئك النفر من أصحابه اذ علت عالية من قريش الجبل* قال ابن هشام كان على تلك الخيل خالد بن الوليد فقال رسول الله اللهمّ انه لا ينبغى لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ونهض رسول الله الى صخرة من الجبل ليعلوها فلم يستطع وقد كان بدن وظاهر يومئذ بين درعين فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال صلّى الله عليه وسلم أوجب طلحة كذا رواه الترمذى وأورده فى الرياض النضرة بتغيير يسير عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم احد عليه درعان فذهب لينهض على صخرة فلم يستطع فبرك طلحة بن عبيد الله تحته وصعد رسول الله على ظهره حتى صعد فى الصخرة قال الزبير سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة أخرجه احمد والترمذى وقال حسن صحيح كذا قاله أبو حاتم واللفظ للترمذى عن عائشة بنت طلحة قالت لما كان يوم أحد كسرت رباعية النبىّ صلّى الله عليه وسلم وشج وجهه وعلاه الغشى فجعل طلحة يحمله ويرجع القهقرى وكلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده الى الشعب أخرجه الفضائلى وفى رواية قيل وما أوجب قال الجنة* قال ابن هشام وبلغنى عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة النبية من الشعب وصلّى رسول الله الظهر يومئذ قاعدا من الجراح التى أصابته وصلّى المسلمون خلفه قعودا* وفى معالم التنزيل ولما انتهى صلّى الله عليه وسلم الى أصحاب الصخرة فرأوه وضع رجل من أصحابه سهما فى قوسه وأراد أن يرميه فقال أنا رسول الله فلما سمعوا ذلك فرحوا به وفرح بهم حين رأى فى أصحابه من يمتنع به واجتمعوا حوله وتراجع الناس فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فأقبل أبو سفيان وأصحابه حتى وقفوا بباب الشعب فلما نظر المسلمون اليهم همهم ذلك فظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده وقال اللهم ليس لهم أن يعلونا اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد فى الارض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم وفى رواية قذف الله فى قلوبهم الرعب حتى وقفوا مكانهم* قال ابن اسحاق وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم الى المنقى دون الاعوص وقال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة أن رجلا منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع وكان له ابن يقال له يزيد بن حاطب أصابته جراحة يوم أحد فأتى به الى دار قومه وهو بالموت فاجتمع اليه أهل الدار فجعل المسلمون من الرجال والنساء يقولون ابشريا ابن حاطب بالجنة وكان أبوه حاطب شيخا قد عاش فى الجاهلية فنجم يومئذ نفاقه فقال بأى شىء تبشرون يزيد لقد غررتم والله هذا الغلام من نفسه* وقال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة قال كان فينا رجل لا ندرى ممن هو يقال له قزمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وكان رسول الله يقول اذا ذكر انه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل الى دار بنى ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فابشر قال بماذا أبشر فو الله ان قاتلت الا عن أحساب قومى ولولا ذلك لما قاتلت فلما اشتدّت عليه جراحته أخرج سهما من كنانته فقتل به نفسه وقال ابن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق من أحبار يهود وكان أحد بنى ثعلبة بن الطيفون قال لما كان يوم أحد قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق قالوا ان اليوم يوم السبت قال لا سبت فأخذ سيفه وعدته وقال ان أصبت فما لى لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا الى رسول الله فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم مخيريق خير يهود* وقال ابن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد المجدر بن زياد البلوى قتله الحارث بن سويد بن صامت بن عطية* وفى المنتقى روى محمد بن سعد عن أشياخه قالوا كان سويد بن الصامت قد قتل زيادا أبا المجدر فى وقعة التقوا فيها فلما كان بعد ذلك لقى المجدر سويدا خاليا فى مكان وهو سكران ولا سلاح معه فقال له قد أمكننى الله منك قال وما تريد قال قتلك فقتله فهيج قتله وقعة بعاث وذلك قبل الاسلام فلما قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد ومجدر ابن زياد فجعل الحارث يطلب مجدرا ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه فلما كان يوم أحد وجال الناس تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه فلما رجع النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل فأخبره أن الحارث قتل مجدرا غيلة وأمره أن يقتله به فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى قباء ذلك اليوم فى يوم حارّ فدخل مسجد قباء فصلى فيه وسمعت به الانصار فجاءت تسلم عليه وأنكروا اتيانه فى تلك الساعة حتى طلع الحارث بن سويد فى ملحفة مورسة فلما رآه رسول الله دعا عويمر بن ساعدة فقال قدّم الحارث بن سويد الى باب المسجد فاضرب عنقه بمجدر بن زياد فانه قتله غيلة فقال الحارث قد والله قتلته وما كان قتلى اياه رجوعا عن الاسلام ولا ارتيابا فيه ولكنه حمية الشيطان وأمر وكلت فيه الى نفسى وأتوب الى الله والى رسوله وجعل يمسك بركاب رسول الله ورجل رسول الله فيه ورجل فى الارض وبنو مجدر حضور ولا يقول لهم رسول الله شيئا فلما استوعب كلامه قال قدّمه يا عويمر فاضرب عنقه وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقدّمه عويمر وضرب عنقه* وكان عمرو بن ثابت بن وقش أصيرم بنى عبد الاشهل يأبى الاسلام على قومه فلما كان يوم أحد بدا له فى الاسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل فى عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة فبينا رجال من بنى عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم فى المعركة اذا هم به فقالوا والله ان هذا للاصيرم ما جاء به لقد تركناه وانه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاءك يا عمرو أحرب على قومك أم رغبة فى الاسلام قال بل رغبة فى الاسلام آمنت بالله ورسوله وأسلمت ثم أخذت سيفى فغدوت مع رسول الله ثم قاتلت حتى أصابنى ما أصابنى ثم لم يلبث أن مات فى أيديهم فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال انه لمن أهل الجنة وكان أبو هريرة يحدّث عن رجل دخل الجنة لم يصل قطوهو أصيرم بنى عبد الاشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال ابن اسحاق ان عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الاسد يشهدون مع رسول الله المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له ان الله قد عذرك فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أى نبىّ الله ان بنىّ يريدون أن يحبسونى عن هذا الوجه والخروج معك فيه فو الله انى لا رجو أن أطأبعر حتى هذه فى الجنة فقال رسول الله أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة فخرج معه فقتل يوم أحد * تمثيل النسوة بقتلى أحد ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتى معها يمثلن بالقتلى من المسلمين يجد عن الآذان والانوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطيها وحشيا قاتل حمزة وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فضرخت بأعلى صوتها فقالت نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان من عتبة لى من صبر ... ولا أخى وعمه وبكر شفيت نفسى وقضيت نذرى ... شفيت وحشىّ غليل صدرى فشكر وحشىّ علىّ عمرى ... حتى ترم أعظمى فى قبرى فأجابتها هند بنت اثاثة بنت عباد بن المطلب فقالت خزيت فى بدر وبعد بدر ... يا بنت وقاع عظيم الكفر صبحك الله غداة الفجر ... بالهاشميين الطوال الزهر بكل قطاع حسام يفرى ... حمزة ليثى وعلىّ صقرى اذرام شيب وأبوك غدرى ... فخضبا منه ضواحى النحر ونذرك الشر فشر نذر وقالت هند بنت عتبة أيضا شفيت من حمزة نفسى بأحد ... حين بقرت بطنه عن الكبد أذهب عنى ذاك ما كنت أجد ... من لوعة الحزن الشديد المتقد والحرب تعلوكم بشؤبوب برد ... تقدم اقداما عليكم كالاسد وقالت هند بنت عتبة حين انصرف المشركون عن أحد رجعت وفى نفسى بلا بل جمة ... وقد فاتنى بعض الذى كان مطلبى من اصحاب بدر من قريش وغيرهم ... بنى هاشم منهم ومن آل يثرب ولكننى قد نلت شيئا ولم يكن ... كما كنت أرجو فى مسيرى ومركبى وهند هذه أمّ معاوية بن أبى سفيان وكانت امرأة فيها مكارة وذكورة ولها نفس آنفة وكان المسلمون قد أصابوا يوم بدر أباها عتبة وعمها شيبة وأخاها الوليد فأصابها من ذلك ما يصيب النفوس الشهمة والقلوب الكافرة فخرجت الى أحد مع زوجها ابى سفيان تبغى الانتصار وتطلب الاوتار فهذا قولها يرحمها الله والوتر يقلقها والكفر يخنقها والحزن يحرقها والشيطان ينطقها ثم انّ الله سبحانه هداها الى الاسلام وعبادة الله وترك الاصنام وأخذ بحجزتها عن سواء النار ودلها على دار السلام فصلحت حالها وتبدّلت أقوالها حتى قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فبما قالت والله يا رسول الله ما كان على وجه الارض أهل خباء أحب الىّ أن يذلوا من أهل خبائك وما أصبح اليوم على الارض اهل خباء احب الىّ ان يعزوا من أهل خبائك أو نحو هذا من القول* فالحمد لله الذى هدانا برسوله اجمعين واياه نسأل أن يميتنا على خير ما هدانا اليه لا مبدّلين ولا مغيرين هذا كله فى الاكتفاء* قال ابن اسحاق وقد كان الجليس بن زيان أخو بنى الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الاجابيش قد مر بأبى سفيان وهو يضرب فى شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الجليس يا بنى كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال ويحك اكتمها عنى فانها كانت زلة ثم ان أبا سفيان حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت فعال ان الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل أى أظهر دينك كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية وكان أبو سفيان حين أراد الخروج من مكة الى أحد كتب على سهم نعم وعلى الآخر لا وأجالهما عند هبل فخرج سهم نعم فخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الى أحد فلما قال أعل هبل أى زد علوّا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قم يا عمر فأجبه فقل الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان انعمت فعال أى اترك ذكرها فقد صدقت فى فتواها وأنعمت أى أجابت ينعم فقال عمر لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار* وفى الصحيح من حديث البراء ان أبا سفيان قال ان لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم وفى الصحيح أيضا ان أبا سفيان أشرف يوم أحد فقال أفى القوم محمد ثلاث مرّات فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يجيبوه فقال أفى القوم ابن أبى قحافة ثلاث مرّات قال لا تجيبوه فقال أفى القوم ابن الخطاب ثلاث مرّات فنهاهم أن يجيبوه فلما لم يجبه أحد رجع الى أصحابه فقال أما ان هؤلاء قد قتلوا وقد كفيتموهم ولو كانوا أحياء لاجابوا فعند ذلك لم يملك عمر نفسه فقال كذبت يا عدوّ الله ان الذين عددتهم لاحياء كلهم وقد أبقى الله لك ما يخزيك وفى المنتقى ما يسوءك* قال ابن اسحاق فلما اجاب عمر أبا سفيان قال له هلم الىّ يا عمر فقال رسول الله لعمرائته فانظر ما شأنه فجاء فقال له أبو سفيان أنشدك بالله يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا وانه ليسمع كلامك الآن قال أنت أصدق عندى من ابن قميئة وأبرّ لقول ابن قميئة لهم انى قتلت محمدا ثم نادى أبو سفيان انه قد كان فى قتلاكم مثل والله ما رضيت وما سخطت وما أمرت وما نهيت ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى ان موعدكم بدر العام القابل فقال رسول الله لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينكم موعد وفى المنتقى هو بيننا ميعاد وفى الكشاف روى أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل ان شئت فقال صلّى الله عليه وسلم ان شاء الله وفى الكشاف قذف الله فى قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا الى مكة من غير سبب ولهم القوّة والغلبة ثم بعث رسول الله علىّ بن أبى طالب قال اخرج فى آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فان كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل فهم يريدون مكة وان ركبوا الخيل وساقوا الابل فهم يريدون المدينة والذى نفسى بيده لئن أرادوها لاسيرن اليهم فيها ثم لأناجزنهم فيها فخرج علىّ فرآهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا الى مكة* وفى رواية تخوف المسلمون أن تكون قريش تذهب الى المدينة للغارة فبعث عليا أو سعد بن أبى وقاص أو هما وباقى الحديث على حاله* وفى الينابيع ثم بعث عليا الى المدينة يخبر أهلها ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حىّ سالم وفزع الناس الى قتلاهم وانتشروا يبغونهم فلم يجدوا قتيلا الا وقد مثلوا به الا حنظلة بن أبى عامر فان أباه كان مع المشركين فتركوه له وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره بقدمه وقال قد تقدّمت اليك فى مصرعك ولعمر الله ان كنت لو اصلا للرحم برّا بالوالدة وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من رجل ينظر لى ما فعل سعد بن الربيع أفى الاحياء هو أم فى الاموات* وفى الصفوة وأرسل عليه الصلاة والسلام محمد بن مسلمة كما ذكره الواقدى ينادى فى القتلى يا سعد بن الربيع مرّة بعد أخرى فلم يجبه حتى قال ان رسول الله أرسلنى أنظر ماذا صنعت فأجاب بصوت ضعيف فوجده صريعا فى القتلى وبه رمق فقال أبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنى السلام وقل له يقول لك سعد بن الربيع جزاك الله عنا خير ما جزى به نبيا عن أمّته وأبلغ قومك عنى السلام وقل لهم ان سعد بن الربيع يقول لكم انه لا عذر لكم عند الله أن يخلص الى نبيكم وفيكم عين تطرف ثم مات عن جراحاته* وفى الاكتفاء قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته خبره* وذكر الطبرانى انه لما انصرف المشركون خرج النساء الى الصحابة يعنهم* وفى المواهب اللدنية خرجت أربع عشرة امرأة من أهل البيت وغيرها وخرجت عائشة وفاطمة* وفى البخارى روى أن عائشة بنت أبى بكر وأمّ سليم لمشمرتان يرى خدم سوقهما ينقلان القرب على متونهما يفرغان فى أفواه القوم ثم ترجعان وتملآنها ثم تجيئان وتفرغان فى أفواه القوم وفى البخارى عن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ابن الخطاب ان امّ سليط وهى من نساء الانصار بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تزفر لنا القرب يوم أحد وكانت فاطمة فيمن خرج فلما لقيت النبىّ اعتنقته وزاد فى رواية وبكت ورق النبى صلّى الله عليه وسلم رقة شديدة وجعل علىّ يجىء بالماء من المهراس فى درقته وفاطمة تغسل جراحاته فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير أحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية أخرى فحشى به رواهما البخارى وكان صلّى الله عليه وسلم يداوى جراحه بالعظام الرميم حتى لم يبق أثر* وروى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم سأل عن حمزة يوم أحد فذهب الحارث بن الضمة ثم علىّ بن أبى طالب يلتمسانه فوجداه قد بقر بطنه وأخذ كبده ومثل به فرجعا وأخبراه بذلك قال ابن اسحاق وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه فقال رسول الله حين رأى ما رأى لولا ان تحزن صفية وتكون سنة من بعدى لتركته حتى يكون فى بطون السباع وحواصل الطير* وفى الصفوة لسرّنى أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى ولئن أظهرنى الله على قريش يوما من الدهر فى موطن من المواطن لا مثلنّ بثلاثين رجلا منهم فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا والله لئن أظهرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب* وفى الصفوة فنظر الى شىء لم ينظر الى شىء قط أوجع لقلبه منه* وفى الاكتفاء لما وقف على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفا قط أغيظ لى من هذا* وفى ذخائر العقبى عن جابر بن عبد الله قال لما رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم حمزة قتيلا بكى ولما رأى ما مثل به شهق انتهى وكان يحبه حبا شديدا لانّ حمزة كان عمه وأخاه من الرضاعة فقال رحمة الله عليك لقد كنت فعولا للخير وصولا للرحم أم والله لامثلن بسبعين منهم مكانك وكذا فى المواهب اللدنية فنزل جبريل والنبى صلّى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم سورة النحل* وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فعفا رسول الله وصبر* وفى رواية قال أصبر ونهى عن المثلة* وفى رواية وكفر عن يمينه واستغفر لحمزة سبعين مرّة عوضا عنها قال ابن اسحاق ثم قال صلّى الله عليه وسلم جاءنى جبريل فأخبرنى ان حمزة مكتوب فى أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ثم أمر به رسول الله فسجى ببرد وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر الى حمزة وكان أخاها لابيها وأمّها فقال صلّى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوّام القها فارجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها يا أمه ان رسول الله يأمرك أن ترجعى قالت ولم وقد بلغنى أن قد مثل بأخى وذلك فى الله قليل فما أرضانا بما كان من ذلك لاحتسبن ولا صبرنّ ان شاء الله فلما أخبر الزبير بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له خل سبيلها قأتته فنظرت اليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له كذا فى الاكتفاء* وفى الصفوة عن عروة بن الزبير عن الزبير قال لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى اذا كادت تشرف على القتلى قال فكره النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن تراه فقال المرأة المرأة قال الزبير فتوسمت أنها أمى صفية فخرجت أسعى اليها فأدركتها قبل أن تنتهى الى القتلى قال فلدمت فى صدرى وكانت امرأة جلدة وقالت اليك لا أرض لك فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عزم عليك فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت هذان جئت بهما لاخى حمزة فقد بلغنى مقتله فكفنوه بهما فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فاذا الى جنبه رجل من الانصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة فى ثوبين والانصارى لا كفن له فقلنا لحمزة ثوب وللانصارى ثوب فقدّرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقر عنا بينهما فكفنا كل واحد منهما فى الثوب الذى طار له* وفى ذخائر العقبى فأصاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الانصارى واسمه سهيل أكبر الثوبين فكفن رسول الله حمزة بالصغير وكان اذا مدّه على وجهه خرجت قدماه واذا مدّه على قدميه خرج وجهه فغطى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وجهه ولف على قدميه ليفا واذ خرا ووضعه فى القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشغ من البكاء يقول يا حمزة يا عم رسول الله وأسد الله وأسد رسوله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب عن وجه رسول الله قال فطال بكاؤه* والانتحاب رفع الصوت بالبكاء والنشغ الشهيق حتى يبلغ به الغشى* قتل حمزة رضى الله عنه على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وكان يوم قتل له تسع وخمسون سنة ثم صلّى عليه سبع تكبيرات ثم يؤتى بالقتلى يوضعون الى جنب حمزة فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلّى عليه ثنتين وسبعين صلاة كذا فى الطيبى* دعاء عبد الله بن جحش وسعد بن أبى وقاص وفى الاكتفاء ثم أمر به رسول الله فدفن وزعم آل عبد الله بن جحش ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم دفن عبد الله بن جحش مع حمزة فى قبره قاله الواقدى وعبد الله بن اخته أميمة بنت عبد المطلب وكان قد مثل به كما مثل بخاله حمزة الا انه لم يبقر عن كبده وجدع أنفه وأذناه فلذلك يقال له المجدع فى الله وكان أوّل النهار قد لقى سعد بن أبى وقاص فقال له عبد الله هلم يا سعد فلندع الله وليذكر كل واحد منا حاجته فى دعائه وليؤمّن الآخر فخلوا فى ناحية فقال سعد يا رب اذا لقيت العدوّ غدا فلقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلنى ثم ارزقنى الظفر عليه حتى أقتله وأسلبه أو قال آخذ سلبه فأمّن عبد الله بن جحش على دعائه ثم قال اللهم ارزقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلنى فيقتلنى ثم يجدع أنفى وأذنى فاذا لقيتك غدا قلت لى يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذناك فأقول فيك يا رب وفى رسولك فتقول لى صدقت فأمّن سعد على دعوته قال سعد كانت دعوة عبد الله خيرا من دعوتى لقد رأيته آخر النهار وان أذنيه وأنفه معلقان فى خيط ولقيت انا فلانا من المشركين فقتلته وأخذت سلبه قال الواقدى قتل عبد الله بن جحش يوم احد قتله ابو الحكم بن الاخنس ابن شريق وكان له يوم قتل بضع وأربعون سنة وولى رسول الله تركته وأخذ منها سيفه العرجون فاشترى لولده مالا بخيبر قال أجمع العلماء على ان شهداء أحد لم يغلوا وقال عليه السلام زملوهم بثيابهم ودمائهم فانه ليس من يكلم كلمة فى الله الا وهو يأتى يوم القيامة يسيل منها الدم اللون لون الدم والريح ريح المسك* وفى المواهب اللدنية ولما أشرف عليه السلام على القتلى قال أنا شهيد على هؤلاء وما من جريح يجرح فى الله الا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون الدم والريح ريح المسك* وروى عن بعض أئمة الحديث أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد والائمة الشافعية اخذوا بهذه الرواية وعن بعض ائمة الحديث انه صلّى الله عليه وسلم صلّى على شهداء احد وعن ابن عباس انه صلّى الله عليه وسلم جعل يضع تسعة وحمزة ويصلى عليهم وعلى حمزة فترفع التسعة ويترك حمزة وهكذا حتى فرغ منهم وعن ابن مسعود وضع حمزة فصلى عليه وجىء برجل من الشهداء فوضع الى جنبه فصلى عليهما فرفع ذلك الرجل وترك حمزة حتى صلّى عليه سبعين أو اثنتين وسبعين صلاة كما سبق والائمة الحنفية أخذوا بهذه الرواية* قال ابن اسحاق وقد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم الى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا كذا فى الاكتفاء* وفى المشكاة عن جابر قال لما كان يوم أحد جاءت عمتى بأبى لتدفنه فى مقابرنا فنادى منادى رسول الله ردّوا القتلى الى مضاجعهم رواه أحمد والترمذى وأبو داود والنسائى والدارمى ولفظه للترمذى* وفى المنتقى انّ الناس حملوا قتلاهم الى المدينة ودفنوهم بها فنادى منادى رسول الله ردّوا القتلى الى مضاجعهم فأدرك المنادى رجلا لم يكن دفن فردّ وهو شماس بن عثمان المخزومى* وفى المشكاة ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال يوم أحد احفروا وأوسعوا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة فى قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا رواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 أحمد والترمذى وأبو داود والنسائى رواه ابن ماجه الى قوله وأحسنوا* وفى الاكتفاء وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة فى القبر الواحد فدفنوا حمزة وعبد الله بن جحش فى قبر كما مرّ ونزل فى قبرهما أبو بكر وعمرو على والزبير ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس على حفرته ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع فى قبر واحد ودفن نعمان بن مالك وعبد الله بن جحاش ومجدر بن زياد الثلاثة فى قبر واحد قال ابن اسحاق ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام فانهما كانا متصافيين فى الدنيا فاجعلوهما فى قبر واحد* كرامة فى عدم تغير أجساد الشهداء وذكر مالك بن أنس فى موطائه ان السيل حفر قبرهما بعد زمان فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنما مانا بالامس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جراحته فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين يوم احد وبين يوم حفر عنهما ست واربعون سنة* غريبة فى أمر معاوية بنبش قبور الشهداء بأحد وفى الصفوة عن جابر بن عبد الله الانصارى قال لما أراد معاوية ان يجرى عينه التى بأحد كتب الى عامله بالمدينة بذلك فكتبوا اليه انا لا نستطيع أن نخرجها الاعلى قبور الشهداء فكتب معاوية ابشوهم قال جابر فلقد رأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة فانبعثت دما وفى المنتقى مثله* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما اصيب اخوانكم يوم أحد جعل الله عز وجل أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح من الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب فى ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت اخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب قال الله تبارك وتعالى فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله هذه الآيات ولا تحسبنّ الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا الى آخرها رواه أحمد* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الشهداء على بارق نهر بباب الجنة فى قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا وفى حديث ابن مسعود فى شهداء أحد قال فيطلع الله عليهم اطلاعة فيقول يا عبادى ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث نشاء ثم بطلع عليهم اطلاعة فيقول يا عبادى ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث نشاء ثم يطلع عليهم اطلاعة فيقول يا عبادى ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث نشاء الا أنا نحب أن تردّ أرواحنا فى أجسادنا ثم نردّ الى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل مرّة أخرى وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله ألا أبشرك يا جابر قال بلى يا نبىّ الله قال ان أباك حيث اصيب بأحد احياه الله ثم قال ما تحب يا عبد الله بن عمر وأن أفعل بك قال أى رب أحب أن تردّنى الى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرّة أخرى وفى رواية ابى بكر بن مردويه يا جابر الا اخبرك ما كلم الله احدا قط الا من وراء حجاب وانه كلم أباك كفاحا قال فسلنى أعطك قال اسألك أن اردّ الى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل انه سبق منى انهم لا يرجعون الى الدنيا قال اى رب فأبلغ من ورائى فأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا الآية كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء قال رسول الله والذى نفسى بيده ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع اليها ساعة من النهار وان له الدنيا وما فيها الا الشهيد فانه يحب أن يردّ الى الدنيا فيقاتل فى الله فيقتل مرّة أخرى قال ابن اسحاق ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا الى المدينة* وفى رواية فى آخر النهار فلقيته حمنة بنت جحش فلما لقيت الناس نعى لها أخوها عبد الله ابن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت قال رسول الله ان زوج المرأة منها لبمكان لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 رأى من تنبتها عند اخيها وخالها وصياحها على زوجها ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدور من دور الانصار من بنى عبد الاشهل فاستقبلته كبشة بنت رافع أمّ سعد بن معاذ وكان على فرسه وسعد ممسك بعنانه فقال يا رسول الله هذه أمى أقبلت اليك قال مرحبا بها فجاءت حتى نظرت الى وجهه الكريم قالت بأبى انت وأمى يا رسول الله هانت علىّ كل مصيبة اذ سلمت فعزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بابنها عمرو بن معاذ ودعا لبنى عبد الاشهل فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم وأجرهم فى مصيبتهم وامر أن يأوى كل جريح منزله فنادى سعد لا يتبع رسول الله جريح من بنى عبد الاشهل وكان فيهم زها ثلاثين جريحا قال ابن اسحاق ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدور من دور الانصار من بنى عبد الاشهل وبنى ظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله ثم قال لكن حمزة لابواكى له فلما رجع سعد وأسيد بن حضير الى دار بنى عبد الاشهل امر نساءهم ان يتحز من ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكاء هنّ على حمزة خرج عليهنّ وهنّ على باب مسجده يبكين عليه فقال ارجعن رحمكنّ الله فقد واسيتن بأنفسكنّ قال ابن هشام ونهى يومئذ عن النوح وحدّثنا أبو عبيدة ان رسول الله لما سمع بكاء هنّ قال رحم الله الانصار فان المواساة منهم ما علمت لقديمة مروهنّ فلينصرفن* وفى رواية لما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكن حمزة لابواكى له اليوم سمعه قوم من الانصار فأتوا نساءهم فأقسموا عليهنّ بالله لا يبكين أنصار يا الليلة حتى يأتين نبىّ الله فيبكين عنده ففعلن فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صياح النساء فى دار حمزة فسأل ما هذا فأخبر بالذى فعلت الانصار بنسائهم فقال لهم معروفا ونهى يومئذ عن النوح فبكرت اليه نساء الانصار وقلن بلغنا يا رسول الله انك نهيت عن النوح وانما هو شىء نندب به موتانا ونجد بعض الراحة فائذن لنا فيه فقال صلّى الله عليه وسلم ان فعلتن فلا تلطمن ولا تخمشن ولا تحلقن شعرا ولا تسلقن ولا تشققن جيبا كذا فى المنتقى قال ابن اسحاق مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بامرأة من الانصار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد فلما نعوا اليها قالت ما فعل رسول الله قالوا خيرا يا أمّ فلان وهو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر اليه فأشير لها اليه حتى اذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة وعبارة المنتقى عن أنس خرجت امرأة من الانصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وابنها وزوجها أمواتا قالت من هؤلاء قالوا أخوك وأبوك وابنك وزوجك قالت ما فعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فيقولون امامك فمشت حتى ذهبت الى رسول الله فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبى أنت وأمى يا رسول الله لا أبالى اذ سلمت من عطب* ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون المدينة ممسين وليس فيها دار الا وفيها باكية قال ابن اسحاق لما انتهى رسول الله الى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلى عن هذا دمه يا بنية فو الله لقد صدقنى اليوم وناولها علىّ بن أبى طالب سيفه فقال وهذا اغسلى عنه دمه فو الله لقد صدقنى اليوم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة* وفى سح السحابة روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى عليا عند رجوعه من أحد يعطى سيفه فاطمة ويقول خذيه حميدا فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لئن كان سيفك حميدا فسيف أبى دجانة غير ذميم وان صدقت القتال فقد صدق معك أبو دجانة قال ابن هشام وكان يقال لسيف رسول الله ذو الفقار* وقال بعض أهل العلم ان ابن أبى نجيح قال نادى مناد يوم أحد لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علىّ* وفى روضة الاحباب هكذا أورد هذا الحديث بعض المحدّثين وأهل السير فى كتبهم لكن الذهبى وهو محك الرجال ضعف راويه وكذبه فى كتاب ميزان الاعتدال قال ابن هشام وحدّثنى بعض أهل العلم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لعلىّ بن أبى طالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا وبات جماعة من الصحابة تلك الليلة على باب مسجد رسول الله خوفا من رجوع قريش ومكرهم ولما بكى المسلمون على قتلاهم سرّ بذلك المنافقون وظهر غش اليهود* وذكر القاضى عياض فى الشفاء عن القاضى أبى عبد الله بن المرابط من المالكية أنه قال من قال انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم هزم يستتاب فان تاب والا قتل لانه تنقيص اذ لا يجوز ذلك عليه فى خاصته اذ هو على بصيرة من أمره ويقين من عصمته كذا فى المواهب اللدنية * بيان الحكم الربانية فى ابتلاء المسلمين قال ابن اسحاق وكان يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الاسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر فى قلبه ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته وقد كان فى قصة أحد وما أصيب به المسلمون من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهى لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذى أمرهم رسول الله أن لا يبرحوا منه* ومنها ان عادة الرسل تبتلى وتكون لهم العاقبة والحكمة فى ذلك لو انتصروا دائما لدخل فى المسلمين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين ليتميز الصادق من الكاذب وذلك ان نفاق المنافقين كان مخفيا على المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من القول والفعل عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون انّ لهم عدوّا فى دورهم وبين أظهرهم واستعدّوا لهم وتحرزوا عنهم* ومنها انّ فى تأخير النصر فى بعض المواطن هضما للنفس وكسر الشماختها فلما ابتلى المسلمون صبروا وجزع المنافقون* ومنها انّ الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل فى دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا اليها* ومنها انّ الشهادة من أعلى مراتب الاولياء فساقهم اليها بين يدى الرسول ليكون شهيدا عليهم* ومنها انه أراد اهلاك أعدائه فقيض لهم الاسباب التى يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم فى أذى أوليائه فمحص ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين* قال ابن اسحاق وفى شأن أحد أنزل الله تعالى ستين آية من آل عمران* وعن عبد الرحمن بن عوف أنزل الله فى شأن يوم أحد عشرين ومائة آية من آل عمران واذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال الى قوله أمنة نعاسا* (ذكر شهداء أحد) * قال ابن اسحاق استشهد يوم أحد من المسلمين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المهاجرين ثم من بنى هاشم بن عبد مناف* حمزة ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف قتله وحشى غلام جبير بن مطعم ومن بنى أمية بن عبد شمس* عبد الله بن جحش حليف لهم من بنى أسد بن خزيمة ومن بنى عبد الدار بن قصى مصعب بن عمير قتله عبد الله بن قميئة الليثى ومن بنى مخزوم بن يقظة شماس بن عثمان أربعة نفر* ومن الانصار من بنى عبد الاشهل عمرو بن معاذ بن النعمان والحارث بن أنس بن رافع وعمارة بن زياد بن السكن وسلمة ابن ثابت بن وقش وعمرو بن ثابت بن وقش وقد زعم عاصم بن عمرو بن قتادة ان أباهما ثابتا قتل يومئذ ورفاعة بن وقش وحسبل بن جابر أبو حذيفة وهو اليمان أصابه المسلمون فى المعركة ولا يدرون فتصدّق حذيفة بدينه على من أصابه وصيفى بن قيظى وخباب بن قيظى وعباد بن سهل والحارث بن أوس بن معاذ اثنا عشر رجلا* ومن أهل رابح اياس بن أوس بن عتيك الاشهلى وعبيد بن التيهان قال ابن هشام ويقال عتيك بن التيهان وحبيب بن زيد بن تيم ثلاثة نفر* ومن بنى ظفر يزيد بن حاطب ابن أمية بن رافع رجل ومن بنى عمرو بن عوف ثم من بنى ضبيعة بن زيد أبو سفيان بن الحارث بن وقشر بن زيد وحنظلة بن أبى عامر بن صيفى بن نعمان وهو غسيل الملائكة قتله شدّاد بن الاسود بن شعوب اللبثى رجلان ومن بنى عبيد بن زيد أنيس بن قتادة رجل ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 أبو حبة وهو أخو سعد بن خيثمة لامه قال ابن هشام أبو حبة بن عمرو بن ثابت قال ابن اسحاق وعبد الله بن جبير بن النعمان وهو أمير الرماة رجلان ومن بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك بن أوس خيثمة بن سعد بن خيثمة رجل ومن حلفائهم من بنى العجلان عبد الله بن سلمة رجل ومن بنى معاوية ابن مالك سبيع بن حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة رجل* ومن بنى النجار ثم من بنى سواد ابن مالك بن غنم عمرو بن قيس وابنه قيس بن عمرو* وثابت بن عمرو بن زيد* وعامر بن مخلد أربعة نفر* ومن بنى مبذول أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالك بن مبذول* وعمرو بن مطرف بن علقمة رجلان ومن بنى عمرو بن مالك* أوس بن ثابت بن المنذر رجل وهو أخو حسان بن ثابت* ومن بنى عدى بن النجار أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد النجارى رجل* ومن بنى مازن بن النجار* قيس بن مخلد وكيسان عبد لهم رجلان* ومن بنى مازن بن النجار أيضا سليم بن الحارث ونعمان بن عبد عمرو رجلان* ومن بنى الحارث بن الخزرج خارجة بن زيد بن أبى زهير وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير دفنا فى قبر واحد وأوس بن الارقم بن زيد بن قيس ثلاثة نفر* ومن بنى الابجر وهم بنو خدرة مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الابجر وهو والد أبى سعيد الخدرى قال ابن هشام اسم أبى سعيد سنان ويقال سعد قال ابن اسحاق وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الابجر وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية ثلاثة نفر* ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد بن مالك الساعدى وثقف بن فروة بن اليدى رجلان ومن بنى ظريف رهط سعد بن عبادة عبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة وضمرة حليف لهم من جهينة رجلان ومن بنى عمرو بن عوف بن الخزرج ثم من بنى سالم ثم من بنى مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم نوفل بن عبد الله وعامر بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان ونعمان بن مالك بن ثعلبة بن فهر والمجدر بن زياد حليف لهم من بلى وعبادة بن الحسحاس* دفن نعان بن مالك والمجدر وعبادة فى قبر واحد خمسة نفر* ومن بنى الحبلى زفاعة بن عمرو رجل ومن بنى سلمة ثم من بنى حرام عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام دفنا فى قبر واحد وخلاد بن عمرو بن الجموح وأبو أيمن مولى عمرو بن الجموح أربعة نفر ومن بنى سواد بن غنم سليم بن عمرو بن حديدة ومولاه عنترة وسهل بن قيس بن أبى بن كعب ابن القين ثلاثة نفر ومن بنى زريق بن عامر ذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان رجلان قال ابن هشام عبيد بن المعلى من بنى حبيب* عدّة الشهداء بأحد قال ابن اسحاق فجميع من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المهاجرين والانصار خمسة وستون رجلا وفى المشكاة عن أنس قتل من الانصار يوم أحد سبعون ويوم بئر معونة سبعون ويوم اليمامة على عهد أبى بكر سبعون رواه البخارى وفى المواهب اللدنية قد استشهد يوم أحد من المسلمين سبعون فيما قاله مغلطاى وغيره وقيل خمسة وستون أربعة من المهاجرين وروى ابن منده من حديث أبى بن كعب قال استشهد من الانصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وصححه ابن حبان وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا وقتل النبىّ صلّى الله عليه وسلم بيده أبى بن خلف قال ابن هشام وممن لم يذكر ابن اسحاق من السبعين الشهداء الذين ذكرنا من الاوس ثم من بنى معاوية بن مالك مالك بن نميلة حليف لهم من مزينة ومن بنى خطمة واسم خطمة عبد الله بن جشم بن مالك بن الاوس الحارث ابن عدى بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة ومن بنى الخزرج ثم من بنى سواد بن مالك مالك بن اياس ومن بنى عمرو بن النجار اياس بن عدى ومن بنى سالم بن عوف عمرو بن اياس* قال ابن اسحاق وقتل من المشركين يوم أحد من قريش ثم من بنى عبد الدار بن قصى بن أصحاب اللواء طلحة بن أبى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 طلحة واسم أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتله على بن أبى طالب قال ابن اسحاق وعثمان بن أبى طلحة قتله حمزة وأبو سعيد بن أبى طلحة قتله علىّ وقيل سعد بن أبى وقاص ومسافع بن طلحة والجلاس بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت بن أبى الافلح وكلاب بن طلحة والحارث بن طلحة قتلهما قزمان حليف لبنى ظفر قال ابن هشام ويقال قتل كلابا عبد الرحمن بن عوف* قال ابن اسحاق وأرطاه بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله حمزة بن عبد المطلب وأبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان وشريح بن فارض قتله بعض المسلمين كذا فى المنتقى وصواب غلام لهم حبشى قتله قزمان* قال ابن هشام ويقال قتله على بن أبى طالب ويقال سعد بن أبى وقاص ويقال أبو دجانة قال ابن اسحاق والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان أحد عشر رجلا ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد قتله على بن أبى طالب وسباع بن عبد العزى بن نضلة الخزاعى حليف لهم قتله حمزة بن عبد المطلب رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة هشام بن أبى أمية بن المغيرة قتله قزمان والوليد بن العاص بن هشام ابن المغيرة قتله قزمان أربعة نفر ومن بنى جمح بن عمرو عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح وهو أبو عزة الشاعر قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم صبرا وأبى بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلان ومن بنى عامر بن لؤى عبيدة بن جابر وشيبة بن مالك بن المضرب قتلهما قزمان رجلان قال ابن هشام ويقال قتل عبيدة بن جابر عبد الله بن مسعود* قال ابن اسحاق فجميع من قتله الله تعالى يوم أحد من المشركين اثنان وعشرون رجلا* وفى المواهب اللدنية ثلاثة وعشرون رجلا* غزوة حمراء الاسد وفى هذه السنة وقعت غزوة حمراء الاسد قال ابن اسحاق كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوّال السنة الثالثة من الهجرة فلما كان يوم الاحد من الغد من يوم أحد لست عشرة ليلة مضت من شوّال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حمراء الاسد وهو موضع على ثمانية أميال من المدينة كذا فى سيرة ابن هشام وقيل عشرة* وفى معجم ما استعجم هى على يسار الطريق اذا أردت ذا الحليفة واليها انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثانى من أحد لما بلغه ان قريشا منصرفون الى المدينة* قال أهل السير لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من قتال أحد وبلغوا الروحاء بالفتح ثم السكون ثم حاء مهملة أكثر ما قيل فى المسافة بينها وبين المدينة اثنان وأربعون ميلا* وفى صحيح مسلم ست وثلاثون وفى القاموس على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا بئس ما صنعتم لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى اذا لم يبق منهم الا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوّة وشوكة* وفى الكشاف ولما عزموا على الرجوع ألقى الله الرعب فى قلوبهم فامسكوا وفى رواية منعهم صفوان بن أمية ويقول لا تفعلوا فانّ القوم قد حربوا وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذى كان فارجعوا فرجعوا وفى المنتقى قال يا قوم لا ترجعوا فانّ محمدا وأصحابه الآن فى حنق شديد مما أصابهم فو الله ما أمنت ان رجعتم أن يجتمع جميع من كان تخلف عن أحد من الاوس والخزرج ويطؤكم ويغلبوا عليكم والآن لكم الغلبة فلا يكون الا أن ينعكس الامر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقذف فى قلوبهم الرعب ويريهم من نفسه وأصحابه قوّة وانّ الذى أصابهم لم يوهنهم من عدوّهم فندب أصحابه للخروج فى طلب أبى سفيان وأصحابه فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجراح والقرح الذى أصابهم يوم أحد ففى اليوم الثانى من وقعة أحد نادى منادى رسول الله بالخروج فى طلب العدوّ وأن لا يخرجنّ معنا أحد الا من حضر يومنا بالامس فكلمه جابر بن عبد الله ابن عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 فقال يا رسول الله انّ أبى كان قد خلفنى على أخوات لى سبع وقال يا بنى انه لا ينبغى لى ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهنّ ولست بالذى أو ثرك بالجهاد مع رسول الله على نفسى فتخلف على اخوتك فتخلفت عليهنّ فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج معه ولم يخرج ممن لم يشهد قتال أحد غيره فلما سمعوا النداء تسارعوا الى الخروج ولم يشتغلوا بالتداوى فخرجوا مع الجراحات المتعدّدة واستعمل النبىّ صلّى الله عليه وسلم على المدينة ابن أمّ مكتوم فيما قاله ابن هشام وخرج وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية مكلوم الشفة متوهن المنكب الايمن من ضرب ابن قميئة وفى المنتقى وشفته العليا قد كلمت من باطنها وخرج لابسا سلاحه ووقف على الطريق راكبا حتى لحق به أصحابه فأنزل فيهم الذين استجابو الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ودفع لواءه وهو معقود لم يحلّ بعد الى على بن أبى طالب وقيل الى أبى بكر الصدّيق ونزل اليه أهل العوالى وقدّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم كما مرّ فبصروا بالرجلين فرجعوا اليهما فقتلوهما ومضى رسول الله وأصحابه حتى نزلوا بحمراء الاسد وعسكروا هناك ودفنوا الرجلين فى قبر واحد فأقام بها الاثنين والثلاثاء والاربعاء وأمر حتى أوقدوا تلك الليالى خمسمائة نار فذهب صيت عسكرهم ونارهم الى كل جانب فكبت الله بذلك عدوّهم فمرّ برسول الله معبد بن أبى معبد الخزاعى بحمراء الاسد وهو يريد مكة وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ كان مشركا فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك فى أصحابك ولوددنا انّ الله عافاك فيهم ثم خرج ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بحمراء الاسد حتى لقى أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا أحدّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّن على بقيتهم فلنفرغن منهم فمنعهم صفوان ابن أمية عن ذلك فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال محمد قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم أر مثله قط يتحرّفون عليكم تحرّفا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وندموا على ما صنعوا وفيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصى الخيل قال فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل قال فانى أنهاك عن ذلك والله لقد حملنى ما رأيت ان قلت فيه أبياتا من شعر قال وما قلت قال قلت كادت تهد من الاصوات راحلتى ... اذ سالت الارض بالجرد الابابيل وذكر أبياتا فتر ذلك أبا سفيان ومن معه فقذف الله فى قلوبهم الرعب والتزلزل حتى رجعوا عما هموا به فارتحلوا سراعا وذلك قوله تعالى سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب* ومرّ به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة أرسلكم بها اليه وأحمل لكم بهذه غدا زبيبا بعكاظ اذا وافيتمونا قالوا نعم قال فاذا وافيتموه فأخبروه انا قد أجمعنا الرجعة والسير اليه والى أصحابه لنستأصل بقيتهم فبعث معبد الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من يخبره بما وقع من استخبار أبى سفيان عنه وجوابه ومنع صفوان اياه عن الرجعة واندفاعهم الى مكة فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان برشيد وقال صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد حين بلغه انهم هموا بالرجعة والذى نفسى بيده لقد سوّمت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب كذا فى سيرة ابن هشام والاكتفاء* فمرّ الركب برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد فأخبروه بالذى قال أبو سفيان وأصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 حسبنا الله ونعم الوكيل هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة نزلت هذه الآية فى غزوة بدر الصغرى الموعد وستجىء وأخذ رسول الله فى وجهه ذلك قبل رجوعه الى المدينة رجلين أحدهما معاوية بن المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس جدّ عبد الملك بن مروان أبو أمّه عائشة بنت معاوية والثانى أبو عزة الجمحى اسمه عمرو بن عبد الله بن عثمان وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسره يبدر ثم منّ عليه وأطلقه لبناته الخمس وأخذ عليه العهد أن لا يعود الى حرب المسلمين وأن لا يظاهر عليهم أحدا وقد نقض العهد وحضر أحدا كما مرّ فى غزوة أحد فلما جىء به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله أقلنى فقال رسول الله والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها تقول خدعت محمدا مرّتين اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه كذا فى سيرة ابن هشام وفى رواية لا تمسح لحيتك بمكة تجلس فى الحجر وتقول خدعت محمدا مرّتين* قال ابن هشام وبلغنى عن سعيد بن المسيب أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انّ المؤمن لا يلدغ من حجر مرّتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه وانصرف عليه السلام الى المدينة ودخلها يوم الجمعة وكانت غيبته خمس ليال وأمّا معاوية بن المغيرة فاستأمن له عثمان بن عفان رسول الله فأمّنه على انه ان وجده بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر وقال انكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه* سرقة طعمة وفى هذه السنة سرق طعمة بن أبيريق من بنى ظفر بن الحارث بفتح الفاء بطن من الانصار درعا لقتادة بن النعمان وهو جار له وكانت الدرع فى جراب فيه دقيق ينتثر من خرق فى الجراب حتى انتهى الى دار طعمة ثم خبأها عند يهودى يقال له زيد السمين فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف والله ما أخذها ولا له بها من علم فقال أصحاب الدرع لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق فانتهوا الى منزل اليهودى فأخذوها فقال دفعها الىّ طعمة فقال قوم طعمة وهم بنو ظفر انطلقوا الى رسول الله ليجادل عن صاحبنا وأخبروه بخلاف الحق قالوا ان لم نفعل افتضح صاحبنا وبرئ اليهودى ففعلوا وصدّقهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهمّ أن يعاقب اليهودى فأنزل الله تعالى انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما فلما ظهرت السرقة على طعمة خاف على نفسه من قطع اليد وهرب الى مكة وارتدّ عن الدين فنزل على رجل من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط من بنى سليم فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع أن يدخل ولا أن يخرج حتى أصبح فأخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ اليكم فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشأم فنزل منزلا فسرق بعض متاعهم فطلبوه فأخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره تلك الحجارة وقيل انه ركب سفينة الى جدّة فسرق فيها كبسا فيه دنانير فألقى فى البحر وقيل انه نزل حرة بنى سليم وكان يعبد صنما لهم الى أن مات فأنزل الله انّ الله لا يغفر أن يشرك به الآية* وفى ذى القعدة من هذه السنة علقت فاطمة بالحسين وكان بين ولادة الحسن وعلوقها بالحسين خمسون ليلة وستجىء ولادة الحسين فى الموطن الرابع * (الموطن الرابع فى حوادث السنة الرابعة من الهجرة من سرية أبى سلمة الى قطن ووفاته وسرية عبد الله بن أنيس الى عرنة لقتل سفيان بن خالد وسرية المنذر الى بئر معونة وسرية عاصم وقصة الرجيع وسرية عمرو بن أمية الضمرى الى مكة لقتل أبى سفيان وغزوة بنى النضير ووفاة زينب بنت خزيمة وغزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف فيها ووفاة عبد الله بن عثمان وولادة الحسين بن علىّ وتعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود وغزوة بدر الصغرى الموعد وتزوّج أمّ سلمة ورجم اليهوديين ووفاة فاطمة بنت أسد أمّ علىّ وتحريم الخمر عند البعض) * الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 * سرية أبى سلمة الى قطن وفى هذه السنة لهلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة كانت سرية أبى سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم معه مائة وخمسون رجلا من المهاجرين والانصار لطلب طليحة وسلمة ابنى خويلد الاسديين الى قطن بفتح أوّله وثانيه جبل بناحية فيد كذا فى المواهب اللدنية وفى غيره ببلاد بنى أسد على يمينك اذا فارقت الحجاز وأنت صادر من النقرة* قال ابن اسحاق قطن ماء من مياه بنى أسد بنجد بعث اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الاسد فى سرية فقتل مسعود بن عروة كذا فى معجم ما استعجم روى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى آخر السنة الثالثة أو فى أوّل السنة الرابعة بعث أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومى الى بنى أسد وسببه انه أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم انّ طليحة وسلمة ابنى خويلد يحرضان جماة من قومهما ومن تبعهما على قتال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويريدان اغارة المواشى من أرجاء المدينة وفى رواية جمعوا وتوجهوا الى المدينة ثم بدا لهم الرجوع فرجعوا الى منازلهم فدعا النبىّ أبا سلمة وعقد له لواء وأمّره على مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار منهم أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص وأسيد ابن حضير وأبو نائلة وأبو سبرة بن أبى رهم الغفارى وعبد الله بن سهل وأرقم بن أبى الارقم وأمر أبا سلمة بالمسير اليهم والاغارة عليهم بغتة قبل أن يعلموا ويجمعوا الجيش فخرج أبو سلمة من المدينة ودليله الوليد ابن الزبير الطائى ويسير معتسفا الى أن وصل الى قطن وأغار على سرحهم ودوابهم وأصابوا ثلاثة أعبد كانوا رعاة وهرب الباقون ولحقوا بقومهم وأخبروهم بمجىء أبى سلمة وكثرة جيشه فخافوا وهربوا عن منازلهم ثم نزلها أبو سلمة وأغاروا وجمعوا ما قدروا عليه من الاموال ورجعوا الى المدينة وأعطى الدليل الطائى ما رضى به من الاموال وعزل من الغنيمة عبد اللنبى صلّى الله عليه وسلم صفى المغنم ثم خمسها وقسم الباقى على أهل السرية فبلغ سهم كل واحد منهم سبعة أبعرة وأغناما ومدّة غيبته فى تلك السرية عشرة أيام وفى هذه السنة توفى أبو سلمة* وفى المواهب اللدنية مات أبو سلمة سنة أربع وقيل سنة ثلاث من الهجرة انتهى وكان أسلم قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلم دار الارقم وهاجر الى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أمّ سلمة* قال سهل بن حنيف أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبو سلمة وكذا أورد فى المنتقى وانه توفى فى السنة الرابعة من الهجرة* وقال فى الصفوة شهد بدرا وجرح بأحد فمكث شهرا يداوى جراحه ثم بعثه رسول الله فى سرية فلما قدم انتقض جرحه ثم توفى سنة ثلاث من الهجرة فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأغمضه بيده* سرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد وفى هذه السنة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس وحده الى قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى اللحيانى وفى الاكتفاء خالد بن سفيان ببطن عرنة وادى عرفة وفى القاموس بطن عرنة كهمزة بعرفات وليس من الموقف* وفى الاكتفاء وهو بنخلة أو بعرنة يجمع لحرب رسول الله الناس قال عبد الله بن أنيس دعانى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال انه قد بلغنى ان سفيان بن نبيح الهذلى يجمع لى الناس قال انك اذا رأيته أدركك الشيطان وآية ما بينك وبينه انك اذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفى حتى دفعت اليه وهو فى ظعن يرتاد لهنّ منزلا وكان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بينى وبينه مجادلة تشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومئ برأسى فلما انتهيت اليه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لذلك قال أجل أنا فى ذلك قال فمشيت معه شيئا حتى اذا أمكننى حملت عليه بالسيف فقتلته ثم خرجت وتركت ظعائنه مكيات عليه فلما قدمت على رسول الله صلّى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وسلم فرآنى قال أفلح الوجه قلت قد قتلته يا رسول الله قال صدقت ثم قام بى وأدخلنى بيته وأعطانى عصا فقال امسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس قال فخرجت بها على الناس فقالوا ما هذه العصا قلت أعطانيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمرنى أن أمسكها عندى قالوا أفلا ترجع اليه فتسأله لم ذلك فرجعت فقلت يا رسول الله لم أعطيتنى هذه العصا قال آية بينى وبينك يوم القيامة ان أقل الناس المتخصرون يومئذ فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه فلم تزل معه حتى مات ثم أمر بها فضمت فى كفنه ثم دفنا جميعا* وفى المواهب اللدنية أوردها فى السنة الرابعة وأوردها فى الوفاء فى السنة الخامسة بعد غزوة بنى قريظة وأوردها بعض أهل السير بعد سرية عاصم بن ثابت قال انه يعنى سفيان بن خالد كان سببا لقصة الرجيع وقتل عاصم وأصحابه فتكون سرية عبد الله بن أنيس بعد الرجيع* وفى بعض السير فلما قتله أخذ رأسه وكان يسير بالليل ويتوارى بالنهار فدخل غارا فبعث الله العنكبوت حتى نسجت على فم الغار وأخبر قومه فخرحوا فى طلبه فلم يجدوا فرجعوا فخرج عبد الله حتى قدم المدينة يوم السبت لسبع بقين من المحرم كذا فى المواهب اللدنية والوفاء فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أفلح الوجه قال أفلح الله وجهك يا رسول الله ووضع رأسه بين يديه وكانت مدة غيبته ثمانية عشر يوما روى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه مخصرة وقال تخصر بهذه فى الجنة وكانت المخصرة عنده الى وقت وفاته فلما دنا موته وصى بها أهله حتى لفوها فى كفنه ودفنوها معه وفى القاموس وذو المخصرة عبد الله بن أنيس لانّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه مخصرة وقال تلقانى بها فى الجنة والمخصرة كالمكنسة ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه وما يأخذه الملك بيده يشير به اذا خاطب والخطيب اذا خطب* سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة وفى هذه السنة كانت سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة أوّلها فى المحرم كذا قاله فى الوفاء وقدّمها على سرية الرجيع كما فى المنتقى وأمّا فى المواهب اللدنية فقدّم سرية الرجيع على بئر معونة كما قاله ابن اسحاق والله أعلم وأورد كلتاهما فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد* وفي المواهب اللدنية بئر معونة بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو بعدها نون موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان وفى معجم ما استعجم ماء لبنى عامر بن صعصعة وفى الاكتفاء وهى بين أرض بنى عامر وحرّة بنى سليم كلا البلدين منها قريب وهى الى حرّة بنى سليم أقرب* وفى الوفاء فى الصحيح من رواية أنس قال انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاه رعل فزعموا انهم قد أسلموا واستمدّوه على قومهم فأمدّهم النبىّ بسبعين من الانصار قال أنس كنا نسميهم القراء وبعث معهم المطلب السلمى ليدلهم على الطريق فانطلقوا بهم حتى اذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبنى لحيان* رعل بكسر الراء وسكون المهملة بطن من سليم ينسبون الى رعل بن عوف بن مالك وذكوان بطن من سليم أيضا ينسبون الى ذكوان بن ثعلبة فنسبت اليها الغزوة وهذه الغزوة تعرف بسرية القراء وفى رواية لما أخبره جبريل وجد وجدا شديدا فقنت شهرا وقيل أربعين يوما فى صلاة الغداة وذلك بدء القنوت يدعو على رعل وذكوان وعصية وسائر القبائل فيقول اللهمّ اشدد وطأتك على مضروا جعل عليهم ستين كسنى يوسف اللهم عليك ببنى لحيان ورعل وذكوان وعصية فانهم عصوا الله ورسوله اللهم عليك ببنى لحيان وعضل والقارة وفى بعض الروايات ما يقتضى انّ الذين استمدّوا لم يظهروا الاسلام بل كان بينهم وبين النبىّ عهد وانهم غير الذين قتلوا القراء لكنهم من قومهم وهو الذى فى كتب السير وقد بين ابن اسحاق فى المغازى وكذلك موسى ابن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين وانّ أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك ابن جعفر المعروف بملاعب الا سنة والطائفة الاخرى من بنى سليم وان عامر بن أخى ملاعب الاسنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 أراد الغدر بأصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم فدعا بنى عامر الى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمّة أبى براء فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بنى سليم فأطاعوه وقتلوهم قالوا ومات أبو براء بعد ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل بن أخيه وقيل أسلم أبو براء عند ذلك وقاتل حتى قتل وعاش عامر بن الطفيل حتى مات كافرا بدعاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصابته غدّة كغدّة البعير ولم يكن القراء المذكورون كلهم من الانصار بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصدّيق ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى وغيرهما* وفى بعض كتب السير قصة بئر معونة أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر المشهور بملاعب الا سنة وكان سيد بنى عامر بن صعصعة من أهل نجد قدم على رسول الله المدينة وأهدى له هدية فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال لا أقبل هدية مشرك وعرض عليه الاسلام وأخبر بماله فيه وما وعد الله المؤمنين وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد انّ الذى تدعو اليه حسن جميل ولو بعثت رجالا من أصحابك الى أهل نجد فيدعوهم الى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أخشى عليهم أهل نجد قال أبو براء أنالهم جاران تعرّض لهم أحد فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك فبعث سبعين رجلا على الرواية الاكثرية الصحيحة وأربعين رجلا على رواية البعض وثلاثين راكبا على رواية الآخرين يقال لهم قراء الصحابة وكان أكثرهم من الانصار وأربعة من المهاجرين المنذر ابن عمر والساعدى وحرام وسليم ابنا ملحان وحارث بن الصمة وعامر بن فهيرة والحكم بن كيسان وسهل بن عامر وطفيل بن أسعد وأنس بن معاوية ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى وعروة بن أسماء بن الصلت السلمى وعطية بن عبد عمرو ومالك بن ثابت وسفيان بن ثابت وعمرو بن أمية الضمرى وكعب بن زيد والمنذر بن محمد بن عقبة بن الجلاح فى رجال مسمين من خيار المسلمين كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وأمر عليهم فى صفر المنذر بن عمرو أخا بنى ساعدة وهو أحد نقباء ليلة العقبة وكتب كتابا الى رؤساء نجد وبنى عامر ودفعه اليهم فساوا حتى نزلوا بئر معونة وبعثوا رواحلهم الى المرعى مع عمرو بن أمية الضمرى ورجل آخر من الانصار أحد بنى عمرو بن عوف* وفى رواية حارث ابن الصمة بدل الانصارى* وقال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بكتاب رسول الله الى عامر بن الطفيل وكان على ذلك الماء فلما أتاهم حرام وقال أتؤمنونى أن أبلغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم ينظر عامر بن الطفيل فى كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال حرام بن ملحان يا أهل ماء بئر معونة انى رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج اليه رجل من كسر البيت فطعنه بالرمح فى حنبه حتى خرج من الشق الآخر* وفى رواية فأومؤا الى رجل حتى أتاه من خلفه فطعنه بالرمح حتى أنفذ فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة وقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم استصرخ عامر بن الطفيل بنى عامر على المسلمين فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمّة أبى براء عمك وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم عصية ورعلا وذكوان من سليم فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم وأحاطوا بهم فى رحالهم فلما رآهم المسلمون أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم الا كعب بن زيد أخا بنى دينار بن النجار فانهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق* وفى رواية لما استبطأ المسلمون حراما أقبلوا فى أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم وكاثروهم فقال المسلمون اللهمّ انا لم نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك فاقرئه منا السلام فبلغ جبريل رسول الله سلامهم فقال وعليهم السلام وكان فى سرح القوم عمرو بن أمية الضمرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 ورجل آخر من الانصار من بنى عمرو بن عوف وقيل انه المنذر بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح فلم ينبههما بمصاب أصحابهما الا الطير تحوم على العسكر فقالا والله انّ لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فاذا القوم فى دمائهم والخيل التى أصابتهم واقفة فقال الانصارى لعمرو بن أمية الضمرى ماذا ترى قال أرى أن نلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال الانصارى لكنى ما كنت أرغب بنفسى عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو الساعدى ثم قاتل القوم* وفى رواية قتل أربعة من المشركين حتى قتل وأسر عمرو بن أمية فأتى به الى عامر بن الطفيل فقام ودخل به فى القتلى يستبرئهم ويسأل عن اسم كل واحد ونسبه ثم قال هل من أصحابك من ليس فيهم قال نعم ما رأيت فيهم عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصدّيق وكان قد قتله رجل من بنى كلاب قال أى رجل هو فيكم قال من أفضلنا وأوّل المسلمين من أصحاب رسول الله قال لما قتل رأيته رفع الى السماء* وعن عروة انّ عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل وفى أسد الغابة قال عامر بن الطفيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لما قدم عليه من الرجل الذى لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء دونه قال هو عامر بن فهيرة كذا فى معالم التنزيل* وفى شرح صحيح البخارى للكرمانى قال عروة طلب عامر يومئذ فى القتلى فلم يوجد قال ويرون أن الملائكة دفنته أو رفعته* وروى عن جبار بن سلمى قاتل عامر بن فهيرة أنه قال لما طعنته بالرمح وأنفذته سمعته قال فزت والله ورأيته رفع الى السماء* وفى معجم ما استعجم أنه أخذ من رمحى وصعد به فانطلقت الى ضحاك بن سفيان الكلابى وحكيت له قول عامر بن فهيرة فزت والله قال ضحاك ان مقصوده انك فزت بالجنة فعرض ضحاك علىّ الاسلام فأسلمت وكان ما رأيته سببا لاسلامى* وفى الاكتفاء وكان جبار بن سلمى يقول انّ مما دعانى الى الاسلام انى طعنت رجلا منهم بالرمح بين كتفيه فنظرت الى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول فزت والله فقلت فى نفسى ما فاز ألست قد قتلت الرجل حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز لعمر الله* ونقل انّ الضحاك بن سفيان كتب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره باسلام جبار وبما رآه من رفع عامر ابن فهيرة الى السماء قال دفنته ملائكة الجنة ورفع روحه الى عليين* وفى صحيح مسلم عن أنس دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا وفى المنتقى أربعين يدعو على رعل وذكوان وبنى لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله* قال أنس أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد أى نسخت تلاوته وهو بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه* وفى رواية عنه وأرضانا انتهى كذا وقع فى هذه الرواية وهو يوهم ان بنى لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس كذلك وانما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم وأمّا بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع وانما أتى الخبر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهم كلهم فى وقت واحد فدعا على الذين أصابوا أصحابه فى الموضعين دعاء واحدا والله أعلم كذا فى المواهب اللدنية* روى انهم لما أسروا عمرو بن أمية وأتوا به الى عامر بن الطفيل وأخبر انه من ضمرة أطلقه وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم انها كانت على أمّه فقدم عمرو على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال هذا عمل أبى براء قد كنت لهذا كارها متخوّفا* روى ان ربيعة بن أبى براء بعد موت أبيه طعن عامر بن الطفيل فقتله كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية طعنه فى نادى قومه حتى أشرف على الهلاك فقال ان عشت فلا أبالى بذلك وان مت فدمى لعمى فعاش بعد ذلك حتى ابتلى بغدة كغدة البعير ومات كافرا ويجىء فى الموطن العاشر* وفى معالم التنزيل قتل المنذر بن عمرو وأصحابه الا ثلاثة نفر كانوا فى طلب ضالة لهم أحدهم عمرو بن أمية الضمرى فلم يرعهم الا الطير تحوم فى السماء يسقط من بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 خراطيمها علق الدم فقال أحد النفر الثلاثة قتل أصحابنا ثم تولى يشتد حتى لقى رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة رفع طرفه الى السماء وفتح عينيه وقال الله أكبر الجنة ورب العالمين ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بنى سليم وكان بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة فانتسبا الى بنى عامر فقتلاهما* وفى الاكتفاء فخرج عمرو بن أمية حتى اذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر حتى نزلا معه فى ظلّ هو فيه فسألهما ممن أنتما فقالا من بنى عامر فأمهلهما حتى اذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى انه قد أصاب بهما ثؤرة من بنى عامر فيما أصابوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجوار ولم يعلم به عمرو بن أمية ولما قدم المدينة وأخبر النبىّ خبر أصحابه وخبر قتل الرجلين لامه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال قتلت قتيلين كان لهما منى جوار لأدينهما فقدم الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم قومهما فى ديتهما فخرج فيها الى بنى النضير وستجىء غزوة بنى النضير بعد وقعة الرجيع* سرية عاصم بن ثابت الى الرجيع وفى صفر هذه السنة وقعت وقعة الرجيع وهى سرية عاصم بن ثابت* الرجيع بفتح الراء وكسر الجيم ماء لهذيل ولبنى لحيان ببلاد هذيل بين مكة وعسفان بناحية الحجاز على سبعة أميال من الهدة كانت الوقعة بقرب منه فسميت به كذا فى المواهب اللدنية* وفى الصفوة كان يوم الرجيع على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة وذكرها فى الوفاء فى السنة الرابعة بعد بئر معونة كما فى هذا الكتاب وقال ثم كانت غزوة الرجيع فى صفر وكانت بئر معونة أوّلها فى المحرم على ما ذكرو الله أعلم* (ذكر عضل والقارة) * عضل بفتح المهملة والمعجمة بعدها لام بطن من بنى الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ينسبون الى عضل بن الديش والقارة بالقاف وتخفيف الراء بطن من الهون أيضا ينسبون الى الديش المذكور* قال ابن دريد القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها كذا فى المواهب اللدنية وقصة عضل والقارة كانت فى بعث الرجيع لا فى سرية بئر معونة وقد فصل بينهما ابن اسحاق فذكر بعث الرجيع فى أواخر سنة ثلاث وبئر معونة فى أوائل سنة أربع* وذكر الواقدى ان خبر بئر معونة وخبر اصحاب الرجيع جاء الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ليلة واحدة وسياق ترجمة البخارى يوهم ان بعث الرجيع وبئر معونة شئ واحد وليس كذلك لانّ بعث الرجيع كان سرية عاصم وخبيب واصحابهما وهى مع عضل والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء وهى مع رعل وذكوان وكانّ البخارى أدمجها معها لقربها منها ويدل على قربها منها ما فى حديث أنس من تشريك النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين بنى لحيان وبين بنى عصية وغيرهم فى الدعاء ولم يرد البخارى انهما قصة واحدة ولم يقع ذكر عضل والقارة عنده صريحا وانما وقع ذلك عند ابن اسحاق فانه بعد أن استوفى قصة أحد قال ذكر يوم الرجيع حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة قال قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله انّ فينا اسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من اصحابه* وفى رواية بعث معهم عشرة من اصحابه أسامى سبعة منهم معلومة فى كتب الاحاديث والسير وهم عاصم بن ثابت ومرثد بن ابى مرثد الغنوى وخبيب بن عدى وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق وخالد بن أبى البكير ومعتب بن عبيد وأمّا الثلاثة الاخر فكأنهم لم يكونوا من مشاهير القوم وأعيانهم وأصولهم ولذا لم يكن الاهتمام بضبط أسمائهم وأمر عليهم مرثد بن أبى مرثد الغنوى كذا فى بعض كتب السير* وفى الصحيح وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو اصح فخرجوا مع القوم حتى اذا اتوا على الرجيع ماء لهذيل غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم فى رحالهم الا الرجال بأيديهم السيوف وقد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم فقالوا لهم انا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وميثاقه أن لا نقتلكم فأبوا وأمّا مرثد وخالد وعاصم بن ثابت فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا وقاتلوا حتى قتلوا* وفى البخارى وأمر عليهم عاصم بن ثابت حتى اذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة يقال منها الى عسفان سبعة أميال ذكروا لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائتى رجل وعند بعضهم فتبعوا لهم بقريب من مائة رام والجمع بينهما واضح وهو أن تكون المائة الاخرى غير رماة* وفى رواية ابى معشر فى مغازيه فنزلوا بالرجيع سحرا فاكلوا تمر عجوة فسقط نواه بالارض وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النوى فأنكرت صغرهنّ وقالت هذا تمر يثرب فصاحت فى قومها أتيتم فجاؤا فى طلبهم فوجدوهم كمنوا فى الجبل فاتبعوا آثارهم حتى لحقوهم* وفى رواية ابن سعد فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤا الى فدفد بفاءين مفتوحتين ومهملتين الاولى ساكنة وهى الرابية المشرفة فأحاط بهم القوم فقالوا لكم العهد والميثاق ان نزلتم الينا أن لا نقتل منكم رجلا فقال عاصم بن ثابت أيها القوم امّا أنا فلا أنزل فى ذمّة كافر ولا أقبل جوار مشرك ولا أضع يدى فى يد مشرك نذرت بذلك وأشهدت الله عليه ثم قال اللهمّ أخبر عنا رسولك فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسوله خبرهم يوم أصيبوا فرماهم بالنبل وجعل يقاتل ويقول ما علتى وأنا جلدنا بل ... والقوس فيها وترعنا بل تزل عن صفحتها المعابل ... ان لم أقاتلكم فأمى هابل الموت حق والحياة باطل ... وكل ما حمّ الاله نازل بالمرء والمرء اليه آيل فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله* كرامة عاصم فى حفظ جثته بعد استشهاده وفى رواية نثر عاصم كنانته فيها سبعة أسهم فقتل بكل سهم رجلا من عظماء المشركين ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه ثم سل سيفه وقال اللهمّ انى حميت دينك صدر النهار فاحم لحمى آخره* وفى الصفوة فجرح رجلين وقتل واحدا وقتلوه بالنبل فقالوا هذا الذى آلت فيه المكية وهى سلافة فأرادوا أن يحتزوا رأسه ليذهبوا به اليها فبعث الله مثل الظلة من الدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة أى الزنابير فحمته فلم يستطيعوا أن يحتزوا رأسه فقالوا أمهلوه حتى يمسى فتذهب عنه فلما أمسى أرسل الله سيلا فحمله الى حيث أراد الله فسمى حمى الدبر وذلك يوم الرجيع* وفى معالم التنزيل فاحتمل السيل عاصما فذهب به الى الجنة وحمل خمسين من المشركين الى النار* وفى حياة الحيوان ان المشركين لما قتلوه أرادوا أن يمثلوا به فحماه الله بالدبر فارتدعوا عنه حتى أخذه المسلمون فدفنوه* وعن عمر بن الخطاب قال ان عاصما نذر أن لا يمس مشركا فلما وفى بنذره عصمه الله تعالى عن مساس المشركين اياه فصار عاصم معصوما* روى ان قريشا بعثت الى عاصم ليؤتوا بشىء من جسده يعرفونه فلم يظفروا منه على شىء وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر ولعلّ العظيم المذكور عقبة بن أبى معيط فانّ عاصما قتله صبرا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ان انصرفوا من بدر ووقع عند ابن اسحاق وكذا فى رواية يزيد بن أبى سفيان انّ عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعيد وهى أمّ مسافع وجلاس ابنى طلحة العبدرى وكان عاصم قتلهما يوم أحد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر فى قحفه* قال الطيرى وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة فمنعه الدبر أى الزنابير فلم يقدروا منه على شىء وكان عاصم قد أعطى الله العهد أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا وكان عمر لما بلغه خبره يقول يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه فى حياته وانما استجاب الله له فى حماية لحمه من المشركين ولم يمنعه من قتله لما أراد الله من اكرامه بالشهادة ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمة* وأمّا الستة الاخر فاقتدوا بعاصم فقاتلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 حتى قتلوا بالنبل ونزل ثلاثة منهم على العهد والميثاق ولم يف الكفار بعهدهم وهم خبيب بن عدى وعبد الله بن طارق وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتح النون المشدّدة فأسروا فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها* قال عبد الله هذا أوّل الغدر والله لاصبحتكم انّ لى بهؤلاء أسوة يعنى القتلى فجروه وعالحوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه كذا فى الصفوة والمنتقى* وفى رواية خرجوا بالنفر الثلاثة حتى اذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله يده من رباطه وأخذ سيفه وجعل يشتدّ فيهم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران كذا ذكره فى الصفوة فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة أمّا خبيب فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نفيل بمائة ابل وقيل اشتروه بأمة سوداء وقيل فادوا به أسيرين من هذيل كانا بمكة وكان خبيب قتل الحارث يوم بدر* وفى المنتقى اشترى خبيبا حجير بن أبى اهاب لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله بأبيه* وأمّا زيد بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين رأسا ليقتله بأبيه وكان قتل يوم بدر وقيل اشترك جماعة فى ابتياعه وقيل حين أتوابهما الى مكة كان ذا القعدة فحبسوا كل واحد منهما فى مكان على حدة حتى تخرج الاشهر الحرم فيقتلوهما فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله وتخرج الاشهر الحرم فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّبها يعنى يحلق عانته فأعارته فدرج بنى لها وهى غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه* وفى رواية فغفلت عن ابن لها صغير فأقبل اليه الصبىّ فأجلسه عنده والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لا فعل ذلك قالت والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب فى يده مثل رأس الرحل وانه لموثق بالحديد وما بمكة ثمرة وما كان الارزق رزقه الله خبيبا وهذه كرامة جعلها الله تعالى لخبيب وآية على الكفار وبرهان لنبيه لتصحيح رسالته* دقيقة فى أنّ الكرامة ثابتة للاولياء والكرامة للاولياء ثابتة مطلقا عند أهل السنة ولكن استثنى بعض المحققين منهم كالعالم الربانى أبى القاسم القشيرى ما وقع به التحدى لبعض الانبياء قال ولا يصلون الى مثل ايجاد ولد من غير أب ونحو ذلك وهذا أعدل المذاهب فى ذلك وان اجابة الدعوة فى الحال وتكثير الطعام والمكاشفة بما يغيب عن العين والاخبار بما سيأتى ونحو ذلك قد كثر جدّا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب الى الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فى نحو ما قاله القشيرى وتعين تقييد ما أطلق بان كل معجزة وجدت لنبىّ تجوز أن تقع كرامة لولى ووراء ذلك ان الذى استقرّ عند العامّة ان خرق العادة يدل على ان من وقع له ذلك يكون من أولياء الله وهو غلط فانّ الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدلّ بذلك على ولاية أولياء الله الى فارق وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له فان كان متمسكا بالاوامر الشرعية والنواهى كان علامة على ولايته ومن لا فلا والله أعلم وقد مرّ نحوه فى أوائل الكتاب* ولما انسلخ الاشهر الحرم أخرجوا خبييا وزيدا من الحرم الى التنعيم ليقتلوهما فى الحل ونصبوا خشبة وحضر أكثر أهل مكة واجتمع خبيب وزيد فى الطريق فتواصوا بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره قال لهم خبيب دعونى أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع لزدت وعند موسى بن عقبة انه صلاهما فى موضع مسجد التنعيم وقال اللهمّ أحصهم عددا واقتلهم بددا يعنى متفرّقين ولا تبق منهم أحدا فلم يحل الحول ومنهم أحد حىّ كذا فى المواهب اللدنية* قال معاوية بن أبى سفيان كنت فيمن حضر قتل خبيب ولقد رأيت أبا سفيان حين دعا خبيب اللهمّ أحصهم عددا يلقينى الى الارض فرقا من دعوته وكانوا يقولون ان الرجل اذا دعا عليه أحد فاضطجع زلت عنه الدعوة* وقال حويطب بن عبد العزى جعلت اصبعى فى أذنى وهربت من ذلك المكان* وقال حكيم بن حزام تخبأت وراء شجرة أو قال بأصل شجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وعن ابن اسحاق أنه قال أكثر الذين حضروا قتل خبيب ابتلوا ببلاء وكان ممن حضره يومئذ سعد بن عامر بن جذيم الجمحى ثم اسلم واستعمله عمر بن الخطاب على بعض الشأم ويروى على حمص وكان تصيبه غشية بين ظهرى القوم فذكر ذلك لعمر وقيل ان الرجل مصاب فسأله عمر فى قدمة قدمها عليه فقال يا سعد ما هذا الذى يصيبك قال والله يا امير المؤمنين ما بى من بأس ولكننى كنت فيمن حضر خبيب بن عدى حين قتل وسمعت دعوته فو الله ما خطرت على قلبى وأنا فى مجلس قط الا وغشى علىّ فزادته عند عمر خيرا* وفى رواية بريدة بن سفيان قال خبيب اللهم انى لا اجد من يبلغ رسولك منى السلام فبلغه* وفى رواية أبى الاسود عن عروة جاء جبريل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره بذلك الحديث ثم أنشأ خبيب يقول فلست أبالى حين اقتل مسلما ... على اىّ شق كان لله مصرعى وذلك فى ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع الى الله أشكو غربتى بعد كربتى ... وما أرصد الاحزاب لى عند مصرعى وساق ابن اسحاق هذه الابيات ثلاثة عشر بيتا قال ابن هشام ومن الناس من ينكرها لخبيب والاوصال جمع وصل وهو العضو والشلو بكسر المعجمة الجسد ويطلق على العضو لكن المراد به هاهنا الجسد كذا فى المواهب اللدنية قال أبو هريرة كان خبيب أوّل من سنّ الركعتين عند القتل لكل مسلم قتل صبرا لانه فعله فى حياته صلّى الله عليه وسلم فاستحسن ذلك من فعله وقررها واستحسن المسلمون فبقى سنة والصلاة خير ما ختم به عمل العبد دعاء زيد بن حارثة واستجابته وقد صلّى هاتين الركعتين زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذلك فى حياته عليه السلام كما روى السهيلى بسنده الى الليث بن سعد قال بلغنى أن زيد ابن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف اشترط عليه المكرى أن ينزله حيث شاء قال فمال به الى خربة فقال له انزل فنزل فاذا فى الخربة قتلى كثيرة قال فلما أراد أن يقتله قال له دعنى أصلّ ركعتين قال صلّ فقد صلّى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا قال فلما صليت أتانى ليقتلنى فقلت يا ارحم الراحمين قال فسمعت صوتا لا تقتله فهاب ذلك فخرج يطلب فلم ير شيئا فرجع الىّ فناديت يا ارحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا فاذا بفارس على فرس فى يده حربة من حديد وفى رأسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذ من ظهره فوقع ميتا ثم قال لما دعوت المرّة الاولى يا أرحم الراحمين كنت فى السماء السابعة فلما دعوت الثانية يا ارحم الراحمين كنت فى السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة أتيتك انتهى* وفى سيرة مغلطاى ذكر بعضهم ان هذه القصة وقعت لاسامة بن زيد والصواب زيد بن حارثة والد أسامة ووقع فى رواية أبى الاسود عن عروة فلما وضعوا السلاح فى خبيب وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب ان محمدا مكانك قال لا والله ما احب أن يفدينى بشوكة فى قدمه وسيجىء مثل هذا لزيد بن الدثنة ولا مانع من التعدّد قال سعيد بن عامر بن جذيم قد بضعت قريش لحم خبيب ثم حملوه على جذعة بحيث كان وجهه الى المدينة قال لا يضرّنى صرف وجهى عن الكعبة فان الله تعالى قال فأينما تولوا فثمّ وجه الله فقالوا له ارجع عن دين محمد فقال لا ارجع أبدا قالوا واللات والعزى ان لم ترجع نقتلك قال ان قتلى فى الله لقليل ثم قال اللهم انك تعلم انه ليس أحد حوالىّ أن يبلغ رسولك سلامى فابلغه سلامى قال زيد بن أسلم كنت فى جماعة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذ ظهر عليه أثر الوحى فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ان قريشا قتلوا خبيبا وهذا جبريل أتى بسلامه* وفى الاكتفاء زعموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال وهو جالس فى ذلك اليوم الذى قتلا فيه وعليكما أو وعليك السلام خبيب قتلته قريش لا ندرى أذكر ابن الدثنة معه أم لا ثم ان قريشا طلبوا جماعة ممن قتل آباؤهم وأقرباؤهم ببدر فاجتمع اربعون منهم بأيديهم الرماح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 والحراب وقالوا لهم ان هذا الرجل قتل آباءكم فطعنوه بالحراب والرماح فتحرّك خبيب على الخشبة فانقلب وجهه الى الكعبة فقال الحمد لله الذى جعل وجهى نحو قبلته التى رضى لنفسه ولنبيه وللمؤمنين* وفى الكشاف صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه الى المدينة فقال اللهم ان كان لى عندك خير فحوّل وجهى نحو قبلتك فحوّل الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوّله فقام اليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فطعنه فى صدره حتى أنفذ من ظهره فعاش ساعة وبه رمق فأقر فيها بالتوحيد وبنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ثم مات رضى الله عنه وله كرامات كثيرة يطول الكتاب بذكرها ثم أسلم أبو سروعة وروى الحديث وله فى صحيح البخارى ثلاثة أحاديث ثم أتى بزيد بن الدثنة الى الخشبة فاقتدى بخبيب فصلى ركعتين فحملوه على الخشبة وقالوا له مثل ما قالوا لخبيب من الرجوع عن الدين والتخويف بالقتل فأجابهم بمثل ما أجابهم خبيب* وفى الصفوة وحضر نفر من قريش فيهم أبو سفيان فقال قائل يا زيد أنشدك الله أتحب أنك الآن فى أهلك ومالك وأن محمدا عندنا مكانك ويقال ان الذى قال ذلك لزيد أبو سفيان قال والله ما أحب أن محمدا يشاك فى مكانه شوكة تؤذيه وأنا جالس فى أهلى فقال ابو سفيان والله ما رأيت من قوم قط أشدّ حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له* وفى رواية قال ابو سفيان ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا فقتله نسطاس بكسر النون عبد صفوان بن أمية وقد مرّ مثل هذا الخبيب* روى ان اللحيانيين ذهبوا الى سلافة بنت سعيد لطلب الابل المائة التى جعلتها على قتل عاصم فأبت وقالت جعلتها لمن يأتينى برأسه أو رأس واحد ممن قتل ابنى وما أتيتم به فرجعوا خائبين خاسرين وروى أن المشركين تركوا خبيبا على الخشبة ليراه الوارد والصادر فيذهب بخبره الى الاطراف ولما بلغ النبى صلّى الله عليه وسلم الخبر قال أيكم يختزل خبيبا عن خشبته وله الجنة قال الزبير بن العوّام أنا يا رسول الله وصاحبى المقداد بن الاسود فخرجا من المدينة يمشيان ويسيران بالليل ويكمنان بالنهار حتى أتيا التنعيم ليلا واذا حول الخشبة أربعون من المشركين نيام نشاوى فأنزلاه فاذا هو رطب يتثنى لم يتغير منه شئ بعد أربعين يوما ويده على جراحته وهى تبض دما اللون لون الدم والريح ريح المسك فحمله الزبير على فرسه وسارا فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيبا فأخبروا قريشا فركب منهم سبعون رجلا فلما لحقوا بهما قذف الزبير خبيبا فابتلعته الارض فسمى بليع الارض فقال الزبير ما جرّأكم علينا يا معشر قريش ثم رفع العمامة عن رأسه فقال أنا الزبير بن العوام وأمى صفية بنت عبد المطلب وصاحبى المقداد بن الاسود أسدان رابضان حاميان حافظان يدفعان عن شبلهما فان شئتم ناضلتكم وان شئتم نازلتكم وان شئتم انصرفتم فانصرفوا الى مكة وقدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجبريل عنده فقال يا محمد ان الملائكة تباهى بهذين من أصحابك فنزل فيهما ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله الآية وقيل نزلت فى علىّ حين نام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة الغار كما مرّ فى معالم التنزيل* وقال الاكثرون نزلت فى صهيب بن سنان الرومى أخذه المشركون فى رهط من المؤمنين يعذبونه فقال لهم صهيب انى شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أو من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالى وتذرونى ودينى ففعلوا* وفى الصفوة عن عمرو بن امية الضمرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا الى قريش قال فجئت الى خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع الى الارض فانتبذت عنه بعيدا ثم التفت فلم أرخبيبا ولكأنما ابتلعته الارض فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة* بعث عمرو بن أمية الى أبى سفيان بن حرب وفى هذه السنة كان بعث عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان بن حرب بمكة* فى الاكتفاء بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى بعد مقتل خبيب وأصحابه الى مكة وأورد فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى بعث عمرو بن أمية فى السنة السادسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 بعد سرية كرز بن جابر وقبل الحديبية كما سيجىء وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب وبعث معه جبار ابن صخر الانصارى أو سلمة بن أسلم فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ثم دخلا مكة ليلا فقال جبار لعمر ولو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين فقال عمرو ان القوم اذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم فقال كلاهما ان شاء الله قال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان فو الله انا لنمشى بمكة اذ نظر الىّ رجل من أهل مكة فعرفنى فقال عمرو بن أمية والله ان قدومهما الا لشرّ فقلت لصاحبى النجاء فخرجنا نشتدّ حتى صعدنا فى الجبل وخرجوا فى طلبنا حتى اذا علونا الجبل يئسوا منا فرجعوا فدخلنا كهفا فى الجبل فبتنا وقد أخذنا حجارة فرضمنا هادوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يسوق فرسا ويخلى عليها فغشينا ونحن فى الغار فقلت ان رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا قال ومعى خنجر أعددته لابى سفيان فخرجت اليه فضربته على ثديه فصاح صيحة أسمع أهل مكة ورجعت ودخلت مكانى وجاءه الناس يشتدّون وهو بآخر رمق فقالوا من ضربك فقال عمرو بن أمية الضمرى وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا فاحتملوه فقلت لصاحبى لما أمسينا النجاء فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدى فقال أحدهم والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو ابن أمية الضمرى لولا انه بالمدينة لقلت انه عمرو بن أمية فلما حاذى عمرو الخشبة شدّ عليها فاحتملها وخرج هو وصاحبه يشتدّان وخرجوا وراءه حتى أتى جرفا بمهبط ياجج فرمى بالخشبة فغيبه الله عنهم فلم يقدروا عليه قال عمرو بن امية وقلت لصاحبى النجاء حتى تأتى بعيرك فتقعد عليه فانى شاغل عنك القوم وكان الانصارى لا راحلة له قال ومضيت حتى خرجت على صجنان ثم أويت الى جبل فدخلت كهفا فبينا أنا فيه دخل علىّ شيخ من بنى الديل أعور فى غنيمة فقال من الرجل قلت من بنى بكر فمن أنت قال من بنى بكر قلت مرحبا فاضطجع ثم رفع عقيرته فقال ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولا دان لدين المسلمينا فقلت فى نفسى ستعلم فأمهلته حتى اذا نام أخذت قوسى فجعلت سيتها فى عينه الصحيحة ثم تحاملت علميه حتى بلغت العظم ثم خرجت النجاء حتى جئت العرج ثم سلكت ركونة حتى اذا هبطت البقيع اذا رجلان من قريش من المشركين كانت قريش بعثتهما عينا الى المدينة ينظران ويتجسسان فقلت استأسرا فأبيا فرميت أحدهما بسهم فقتلته واستأسرت الآخر فأوثقته رباطا وقدمت به المدينة هذا ما فى الاكتفاء* وقد مرّ أن القسطلانى أورد فى المواهب اللدنية بعث عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان فى السنة السادسة بعد سرية كرز بن جابر وقبل الحديبية وقال بعد ذكر سرية كرز بن جابر ثم سرية عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان بن حرب بمكة لانه أرسل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من يقتله من العرب غدرا فأقبل الرجل ومعه خنجر ليغتاله فلما رآه النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان هذا ليريد غدرا فلما دنا قال أين ابن عبد المطلب قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب فأقبل اليه كأنه يسارّه فجذبه أسيد بن حضير بداخلة ازاره فاذا بالخنجر فسقط فى يده فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصدقنى ما أنت قال وأنا آمن قال نعم فأخبره بخبره فخلى عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأسلم الرجل وأقام بالمدينة أياما ثم استأذن وذهب الى بلاده ولم يعرف بعد ذلك خبره وبعث رسول الله عمرو بن أمية ومعه سلمة بن أسلم ويقال جبار بن صخر الى أبى سفيان وقال ان أصبتما منه غرة فاقتلاه فمضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن أبى سفيان فأحبر قريشا بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا فى الجاهلية فحشد له أهل مكة وتجمعوا فهرب عمرو وسلمة فلقى عمرو عبيد الله بن مالك التيمى فقتله وقتل آخر ولقى رسولين لقريش بعثتهما يتجسسان الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر فقدم به المدينة فجعل عمر ويخبر رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 خبره وهو صلّى الله عليه وسلم يضحك* غزوة بنى النضير وفى هذه السنة وقعت غزوة بنى النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة قبيلة كبيرة من اليهود فى ربيع الاوّل سنة أربع وذكر ابن اسحاق هناك* قال السهيلى وكان ينبغى أن يذكرها بعد بدر لما روى عقيل بن خالد وغيره عن الزهرى قال كانت غزوة بنى النضير على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد ورجح الداودى ما قاله ابن اسحاق من أن غزوة بنى النضير بعد بئر معونة كذا فى المواهب اللدنية وكانت منازلهم بناحية الفرع وما يقربها بقرية يقال لها زهرة وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه* ولما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير والله انه النبىّ الذى وجدنا نعته فى التوراة لا تردّ له راية فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين ونقضوا العهد الذى كان بينهم وبين رسول الله وركب كعب بن الاشرف فى أربعين من اليهود فأتوا قريشا* ودخل أبو سفيان المسجد الحرام فى أربعين من قريش وكعب فى أربعين من اليهود وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الاستار والكعبة ثم رجع كعب وأصحابه الى المدينة فنزل جبريل وأخبر النبىّ بما عاقد عليه كعب وأبو سفيان فأمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الاشرف فقتله محمد بن مسلمة* وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانة حين اتاهم يستعينهم فى دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى فى منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه الله وأخبره بذلك جبريل كما سيجىء الآن كذا فى المدارك ومعالم التنزيل واللفظ له* وفى المنتقى ثم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج يوم السبت وصلّى فى مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه منهم أبو بكر وعمرو على والزبير وطلحة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ثم أتى منازل بنى النضير وكلمهم فى دية الرجلين من بنى سليم اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى ويستعينهم فى عقلهما وكانوا قد عاهدوا النبى صلّى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه فى الديات كما مرّ وكان لهم حلف مع بنى عامر قالوا نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذى تسألنا فجلس رسول الله الى حدار يهودى وجلس أصحابه فهمّ اليهودى بالغدر فخلا بعض الى بعض قالوا انكم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت ويطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقال عمرو بن جحاش انا قيل كان ذلك باشارة من حيى بن أخطب فقال سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به فجاء عمرو بن جحاش الى رحى عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله يده وعصمه وجاء جبريل فأخبره فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا الى المدينة ثم دعا عليا وقال لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابى فسألك عنى فقل توجه الى المدينة ففعل ذلك علىّ حتى انصبوا اليه ثم تبعوه ولحقوا به كذا فى المنتقى* وفى الاكتفاء خرج راجعا الى المدينة وترك أصحابه فى مجلسهم فلما استلبث النبى أصحابه قاموا فى طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال لقيته داخلا المدينة فأقبلوا حتى انتهوا اليه فقالوا قمت ولم تشعرنا يا رسول الله فقال همت يهود بالغدر فأخبرنى الله بذلك فقمت* وبعث اليهم رسول الله محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدتى ولا تساكنونى وقد هممتم بما هممتم به وقد أجلتكم عشرا فمن رؤى منكم بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا أياما يتجهزون وتكاروا من اناس ابلا وأرسل اليهم عبد الله بن أبىّ ابن سلول لا تخرجوا وأقيموا فان معى ألفين من قومى وغيرهم يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم معكم وتمدّكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حيى بن أخطب فيما قاله ابن أبىّ ابن سلول فأرسلوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم انا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 يهود فسار اليهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أصحابه فصلوا العصر بفضاء بنى النضير* وروى أيضا من طريق عكرمة ان غزوتهم كانت صبيحة قتل كعب بن الاشرف كذا فى الوفاء* وفى المدارك مشى المسلمون اليهم على أرجلهم لانه على ميلين من المدينة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على حمار فحسب وعلىّ رضى الله عنه يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم* وفى معالم التنزيل فلما صار اليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الاشرف وقالوا يا محمد واعية على اثر واعية وباكية على اثر باكية قال نعم قالوا ذرنا نبك على شجونا ثم نأتمر أمرك فقال النبىّ اخرجوا من المدينة* وفى المنتقى ولما رأوا رسول الله قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة وخفر لهم ابن أبىّ وحلفاؤهم من غطفان وحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خمسة عشر يوما* وفى الوفاء وسيرة ابن هشام حاصرهم ست ليال وفى معالم التنزيل ولما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنى النضير وكانوا أهل حصون وعقار ونخل كثيرة وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم واحراقها فلما رأى أعداء الله ان المسلمين يقطعونها شق عليهم فجزعوا عند ذلك وقالوا يا محمد زعمت انك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل وهل وجدت فيما زعمت انه انزل عليك الفساد فى الارض وقالوا للمؤمنين انكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون دعوا أصول النخل فانما هى لمن غلب عليها فوجد المسلمون فى أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا فاختلفوا فى ذلك فقال بعضهم لا تقطعوا فانه ما أفاء الله علينا* وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعها فأخبر الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله واختلفوا فى اللينة فقال قوم النخل كلها لينة ما خلا العجوة وهو قول عكرمة وقتادة* وفى رواية بازان عن ابن عباس قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أمر بقطع نخلهم الا العجوة وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر الالوان واحدها لون ولينة* وقال الزهرى هى ألوان النخل كلها الا العجوة* وقال مجاهد وعطية هى النخل كلها من غير استثناء* وقال العوفى عن ابن عباس هى لون من النخل* وقال سفيان هى كرام النخل* وقال مقاتل هى ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهى شديدة الصفرة يرى نواها من خارج تغيب فيها الاصراس وكانت من أجود تمرهم وأحبها اليهم وكانت النخلة الواحدة منها ثمن وصيف وأحب اليهم من وصيف فلما رأوهم بقطعونها شق عليهم وقيل قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة وقيل كان جميع ما قطعوا وأحرقوا ست نخلات* وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم حرق نخل بنى النضير ولها يقول حسان بن ثابت وهان على سراة بنى لؤىّ ... حريق بالبويرة مستطير وأجاب سفيان ولم يكن أسلم حينئذ أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق فى نواحيها السعير ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أى أرضينا نضير وفى روضة الاحباب أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أمر أبا ليلى المازنى وعبد الله بن سلام بقطع نخيلهم أما أبو ليلى فكان يقطع أجود أنواع التمر وهى العجوة ويقول قطع العجوة أشدّ عليهم وأما عبد الله بن سلام فكان يقطع أردأ أنواع التمر وهو تمر يقال له اللون ويقول انى أعلم ان الله سيجعلها للمسلمين فأترك الاجود لهم فأنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله وليخزى الفاسقين فلم يغث بنى النضير أحد ولم يقدر ابن أبى أن يصنع شيئا فجهدهم الحصار وضاقت عليهم الاحوال وقذف الله فى قلوبهم الرعب حتى أرسلوا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم انا نخرج من بلادك فقال لهم رسول الله اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الابل الا الحلقة وولى اخراجهم محمد بن مسلمة فاحتملوا أبواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم ويهدمونها ويحملون ما يوافقهم من أخشابها كذا فى الوفاء* وفى معالم التنزيل قال الزهرى لما صالحهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الابل وأيسوا من منازلهم وتيقنوا بخروجهم منها كانوا ينظرون الى منازلهم فيهدمونها وينزعون منها الخشب ما يستحسنونها فيحملونها على ابلهم ويخرب المؤمنون بواقيها وذلك قوله تعالى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين قال ابن زيد كانوا يقلعون العمد وينقضون السقف وينقبون الجدر وينزعون الخشب حتى الاوتاد ويخربونها حتى لا يسكنها المؤمنون حسدا وبغضا* وفى رواية لما أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم يأمرهم بالخروج من بلدته قالوا الموت أقرب الينا من ذلك فتنادوا بالحرب ودس اليهم المنافقون عبد الله بن أبىّ بن سلول وأصحابه أن لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجنّ معكم فدربوا على الازقة وحصنوها ثم انهم أجمعوا الغدر فأرسلوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن اخرج فى ثلاثين من أصحابك ويخرج منا ثلاثون حتى نلتقى فى فضاء فيستمعون منك ان صدّقوك وآمنوا بك آمنا كلنا ففعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فخرج اليه ثلاثون حبرا من اليهود فأرسلوا اليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج فى ثلاثة من أصحابك ونخرج اليك ثلاثة من أصحابنا فيسمعون منك فخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا المكر برسول الله صلّى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بنى النضير الى أخيها وهو رجل مسلم من الانصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبى صلّى الله عليه وسلم فسارّه بمكرهم قبل أن يصل النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليهم فرجع فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعسكر فحاصرهم احدى وعشرين ليلة فقذف الله فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا الصلح فأبى عليهم الا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من أموالهم الا السلاح* وقال ابن عباس على ان يحمل أهل كل ثلاثة أبيات على بعير واحد ما شاؤا من متاعهم وللنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما بقى* وقال الضحاك أعطى كل ثلاثة نفر بعيرا وسقاء فتجهزوا وتجملوا وتحملوا على ستمائة بعير وحملوا النساء والابناء والاموال فخرجوا معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم ويظهرون الجلادة فعبروا من سوق المدينة وتفرّقوا فى البلاد فذهب بعضهم الى الشأم الى أذرعات وأريحاء ولحق أهل بيتين وهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب بخيبر* قال ابن اسحاق كان اجلاء بنى النضير حين رجع النبىّ صلّى الله عليه وسلم من أحد وفتح بنى قريظة مرجعه من الاحزاب وبينهما سنتان أكثر الروايات على انه كان أموال بنى النضير وعقارهم فيئا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة له خصه الله بها حبسا لنوائبه لم يخمسها ولم يسهم منها لاحد كما هو مذهب الامام أبى حنيفة رحمه الله* وورد فى بعض الروايات أنه خمسها وذهب اليه الامام الشافعى رحمه الله وأعطى منها ما أراد لمن أراد ووهب العقار للناس وكان يعطى من محصول البعض أهله وعياله نفقة سنة ويجعل ما بقى حيث يجعل مال الله* وفى المهمات المال المأخوذ من الكفار ينقسم الى ما يحصل من غير قتال وايجاف خيل وركاب والى حاصل بذلك ويسمى الاوّل فيئا والثانى غنيمة* وفى المدارك أن ما خوّل الله رسوله من أموال بنى النضير شىء لم يحصلوه بالقتال والغلبة ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما فى أيديهم فالامر فيه مفوّض اليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة التى قوتل عليها وأخذت عنوة قهرا فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة منهم لفقرهم أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة وكذا فى معالم التنزيل ولابى داود أعطى أكثر المهاجرين وقسمها بينهم وأعطى رجلين من الانصار ذوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 حاجة لم يعط غيرهما منهم وبقى منها صدقته التى فى أيدى بنى فاطمة وقيل أعطى سعد بن معاذ سيف أبى الحقيق وكان مشهورا بالجودة* وفى روضة الاحباب قد ثبت أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والانصار كما مرّ فى وقائع السنة الاولى من الهجرة فذهب كل واحد من الانصار برجل من المهاجرين الى منزله وكفاه مؤنة ما يحتاج اليه وهكذا كان الانصار يعملون بالمهاجرين ثم تنافسوا فيهم حتى آل أمرهم الى القرعة فيقترعون فيما بينهم فأى أنصارى تخرج القرعة باسمه يذهب بالمهاجرى فبلغت مواساتهم ومعاونتهم الى المرتبة القصوى حتى قال سعد بن الربيع الانصارى لاخيه عبد الرحمن بن عوف المهاجرى هلم أقسم مالى بينى وبينك نصفين أو شطرين ولى امرأتان انظر أعجبهما اليك فسمها لى أطلقها أو قال أنزل عنها فاذا انقضت عدّتها فتزوّجها قال له عبد الرحمن بارك الله فى أهلك ومالك وهكذا كان ديدن الانصار فى مواساتهم الى أن جعل الله أموال بنى النضير فيئا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فجمع الانصار ثم حمد الله وأثنى على الانصار وذكر اعانتهم وامدادهم واحسانهم واسعادهم للمهاجرين ثم قال يا معشر الانصار ان الله تبارك وتعالى أعطانا أموال بنى النضير ان شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم فى هذه القسمة وان شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شىء من هذه الاموال* قال السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يا رسول الله بل نحب أن نقسم ديارنا وأموالنا على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وعشائرهم وخرجوا حبا لله ولرسوله ونؤثرهم بالقسمة ولا نشاركهم فيها* وفى الوفاء روى ابن أبى شيبة عن الكلبى قال لما ظهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أموال بنى النضير قال للانصار ان اخوانكم من المهاجرين ليست لهم أموال فان شئتم قسمت هذه الاموال بيتكم وبينهم جميعا وان شئتم أمسكتم أموالكم فقسمت هذه فيهم قالوا بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت انتهى فلما قال السعدان ذلك اقتدى بهما سائر الانصار فقالوا مثل ذلك ففرح النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار فأنزل الله فيهم ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أى يقدّمون اخوانهم من المهاجرين ويختارونهم بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم ولو كان بهم فاقة وحاجة الى ما يؤثرون كذا فى معالم التنزيل فقسم أموال بنى النضير على المهاجرين حسبما اقتضته المصلحة فعين لابى بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وصهيب وأبى سلمة بن عبد الاسد المخزومى ضياعا معروفة ومن الانصار أعطى سهل بن حنيف وأبا دجانة شيئا لفقرهما وحاجتهما كذا قاله ابن اسحاق * وفاة زينب بنت خزيمة وفى ربيع الآخر من هذه السنة توفيت زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية وكانت تدعى فى الجاهلية أم المساكين ذكره أبو عمرو وكان صلّى الله عليه وسلم تزوّجها فى سنة ثلاث ولبثت عنده شهرين أو ثمانية كما مرّ ودفنت بالبقيع ذكره الفضائلى* غزوة ذات الرقاع وفى هذه السنة كانت غزوة ذات الرقاع وأوردها مغلطاى فى سيرته بعد غزوة بدر الصغرى اختلف فيها متى كانت ففى خلاصة الوفاء بعد غزوة بنى النضير بشهرين وعشرين يوما وفى المواهب اللدنية عند ابن اسحاق بعد بنى النضير سنة أربع فى شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الاولى وعند ابن سعد وابن حبان فى المحرّم سنة خمس كذا فى المنتقى وجزم أبو معشر بأنها بعد بنى قريظة فى ذى القعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع فى آخر هذه السنة وأوّل التى تليها* قال فى فتح البارى قد جنح البخارى الى أنها كانت بعد خيبر واستدل لذلك بأمور ومع ذلك ذكرها قبل خيبر فلا أدرى هل تعمد ذلك تسليما لاهل المغازى انها كانت قبلها أو انّ ذلك من الرواة عنه أو اشارة الى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين احداهما قبل خيبر والاخرى بعدها كما أشار اليه البيهقى على أن أصحاب المغازى مع جزمهم بأنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 كانت قبل خيبر مختلفون فى زمانها انتهى والذى جزم به ابن عقبة تقدّمها لكن تردد فى وقتها فقال لا ندرى كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها كذا فى المواهب اللدنية وأوردها مغلطاى فى سيرته بعد غزوة بدر الصغرى وهى غزوة كانت بأرض غطفان من نجد سميت ذات الرقاع لان الظهر كان قليلا واقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق وهى الرقاع هذا هو الصحيح فى تسميتها وقد ثبت هذا فى الصحيح عن أبى موسى الاشعرى وقيل سميت به بجبل هناك يقال له الرقاع لان فيه بياضا وحمرة وسوادا وقيل سميت بشجرة هناك يقال لها ذات الرقاع وقيل لان المسلمين رقعوا راياتهم ويحتمل أن تكون هذه الامور كلها وجدت فيها وشرعت صلاة الخوف فى غزوة ذات الرقاع وقيل فى غزوة بنى النضير كذا فى شرح مسلم للنووى وفى أسد الغابة لابن الاثير وقيل ان فيها قصرت الصلاة وفيها نزلت آية التميم وسببها أن قادما قدم المدينة فأخبر بأن أنمارا وثعلبة وغطفان قد جمعوا جموعا بقصد المسلمين فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم فى أربعمائة رحل وقيل فى سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع وهو جبل فلم يجد الانسوة فأخذهنّ وفيهنّ جارية وضيئة وهربت الاعراب الى رؤس الجبال ولم يكن قتال وأخاف المسلمون بعضهم بعضا من غير أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخوف* وفى رواية بطائفة ركعتين وبالاخرى أخرتين وكان أوّل ما صلاها ورجع الى المدينة واشترى فى الطريق من جابر جملا بأوقية وشرط له ظهره الى المدينة واستغفر لجابر فى تلك الليلة خمسا وعشرين مرّة* وفى الترمذى سبعين مرّة وكانت غيبته فى تلك الغزوة خمس عشرة ليلة* وعن جابر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه صلاة الخوف فى الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع* قال ابن عباس صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذى قرد* اعلم أنه ورد فى صحيح البخارى أن النبى صلّى الله عليه وسلم نام فى غزوة ذات الرقاع فى ظل شجرة فجاء أعرابى فاخترط سيفه صلّى الله عليه وسلم وقام عليه فاستيقظ والسيف فى يده صلتا فقال من يمنعك منى قال الله فقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجلس الاعرابى فحفظ الله نبيه من شرّه ووقع مثل هذه القصة أيضا فى السنة الثالثة من الهجرة ففى ظاهر هاتين القصتين خلاف فلا بدّ من أحد الامرين اما أن ترجح رواية الصحيح أو يقال بتعدّد الواقعة والله أعلم* وفاة عبد الله بن عثمان وفى جمادى الاولى من هذه السنة توفى عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله ولد فى الاسلام فى الحبشة وبه كان يكنى عثمان فبلغ ست سنين فنقره ديك فى عينه فمرض فمات كما مرّ فى الباب الثالث فى تزويج بناته ونزل فى حفرته عثمان* ولادة الحسين بن على رضى الله عنهما وفى شعبان هذه السنة ولد الحسين بن علىّ كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى لخمس خلون من شعبان سنة أربع* وفى المنتقى لثلاث ليال خلون من شعبانها* وفى الاستيعاب ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع وقيل سنة ثلاث هذا قول الواقدى وطائفة معه* وفى شواهد النبوّة كانت ولادته بالمدينة يوم الثلاثاء رابع شعبان السنة الرابعة من الهجرة* وفى الوفاء المشهور فى ولادتها انها فى الثالثة وكان علوق فاطمة بالحسين فى ذى القعدة وكان بين ولادة الحسن وعلوقها بالحسين خمسون ليلة* وفى الاستيعاب روى جعفر بن محمد عن أبيه قال لم يكن بين الحسن والحسين الاطهر واحد* وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن بستة عشرة شهر الخمس سنين وستة أشهر من التاريخ وبعض أحواله من التسمية والختان والعقيقة وغير ذلك ذكر فى الموطن الثالث فى ميلاد الحسن فليطلب ثمة وسيجىء ذكر مقتله فى الخاتمة فى سنة احدى وستين فى خلافة يزيد بن معاوية * تعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود وفى هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بتعليم السريانية معللا ذلك بأنه لا يأمن اليهود على كتابه* عن زيد بن ثابت قال أتى بى النبىّ صلّى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فعجب بى فقيل له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 هذا الغلام من بنى النجار قد قرأ مما أنزل الله اليك بضع عشرة سورة فاستقر أنى فقرأت ق فقال لى تعلم كتاب يهود فانى ما آمن يهود على كتابى فتعلمته فى نصف شهر حتى كتبت الى يهود وكنت أقرأ له اذا كتبوا له كذا رواه ابن أبى الزناد وأحمد ويونس عند أبى داود وداود بن عمرو الضبى وسعيد بن سليمان الواسطى وسليمان ابن داود الهاشمى وعبد الله بن وهب وعلى بن حجر وحديثه عند الترمذى كذا ذكره السخاوى فى الاصل الاصيل* غزوة بدر الصغرى الموعد وفى شعبان هذه السنة بعد ذات الرقاع وقعت غزوة بدر الصغرى الموعد وهى بدر الثالثة* قال ابن اسحاق لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها جمادى الاولى الى آخر رجب ثم خرج فى شعبان الى بدر لميعاد أبى سفيان كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى كانت فى هلال ذى القعدة وذلك ان أبا سفيان لما أراد أن ينصرف من أحد نادى يا محمد الموعد بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى لقابل ان شئت نلتقى بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر قل نعم ان شاء الله فافترق الناس على ذلك فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مرّ الظهران ويقال عفان ثم ألقى الله الرعب فى قلبه فبدا له فى الرجوع فلقى نعيم بن مسعود الاشجعى وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان يا نعيم انى قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى بموسم بدر الصغرى وان هذا عام جدب ولا يصلحنا لا عام خصب نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لى أن لا أخرج اليها واكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة فلأن يكون الخلف من قبلهم أحبّ الىّ من أن يكون من قبلى فالحق بالمدينة وثبطهم وأعلمهم أنا فى جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندى عشرة من الابل أضعها على يد سهيل بن عمرو يضمنها لك وجاء سهيل بن عمرو فقال له نعيم يا أبا يزيد أتضمن لى هذه الفرائض وأنطلق الى محمد وأثبطه قال نعم فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبى سفيان فقال أين تريدون فقالوا واعدنا أبو سفيان لموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها فقال بئس الرأى رأيتم أتوكم فى دياركم وقراركم فلم يفلت منكم الا الشريد فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لا خرجنّ ولو وحدى وفى رواية وان لم يخرج معى أحد فأما الجبان فانه رجع وأما الشجاع فانه تأهب للقتال وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل* واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه على بن أبى طالب فخرج صلّى الله عليه وسلم ومعه ألف وخمسمائة رجل والخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع لهم وتجارات فجعلوا يلقون المشركين ويسألون عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون أن يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى بلغوا بدرا* قال مجاهد وعكرمة فى هذه الغزوة نزلت هذه الآية الذين استجابوا الله والرسول وعند أكثر المفسرين نزلت هذه الآية فى غزوة حمراء الاسد كما مرّ وكانت بدر الصغرى موضع سوق للعرب فى الجاهلية يجتمعون اليها فى كل عام ثمانية أيام لهلال ذى القعدة الى ثمان تخلو منه ثم يتفرّقون الى بلادهم ونزلت النبىّ صلى الله عليه وسلم بدر اليلة هلال ذى القعدة وأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة الى مكة وقال لا يصلحنا الاعام خصب وهذا عام جدب فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون خرجوا يشربون السويق ولم يلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أحدا من المشركين وافوا السوق وكانت معهم تجارات ونفقات فباعوها وآصابوا بالدرهم درهمين وقد سمع الناس بمسيرهم وذهب صيت جيشهم الى كل جانب فكبت الله بذلك عدوّهم وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين فذلك قوله تعالى الذين استجابوا الله والرسول الآية كذا فى معالم التنزيل فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 صفوان بن أمية لابى سفيان نهيتك أن تعد القوم ولم تسمع كلامى قد اجترؤا علينا ورأوا اناقد أخلفناهم ثم أخذوا فى الكيد والتهيؤ لغزوة الخندق* تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بأم سلمة وفى هذه السنة أو السنة الثالثة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم امّ سلمة هندا وقيل رملة بنت أبى أمية عبد الله بن مخزوم بن يقظة ابن مرّة بن كعب بن لؤى واسم أبى أمية سهيل ويقال له زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله* وقال أبو عمرو تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة اثنتين بعد بدر فى شوّال وبنى بها فى شوّال كذا فى السمط الثمين* وفى المواهب اللدنية تزوّجها فى ليال بقين من شوّال من السنة التى مات فيها أبو سلمة* وفى المنتقى أورد تزوّجها فى السنة الرابعة وكانت قبل رسول الله عند أبى سلمة بن عبد الاسد هاجرت مع زوجها الى الحبشة ثم هاجرت الى المدينة كذا فى الوفاء وولدت له سلمة وعمرا وزينب كما سيجىء ومات أبو سلمة بالمدينة فى سنة ثلاث من الهجرة كما هو فى الصفوة فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى سيرة مغلطاى مات ابو سلمة لثمان خلون من جمادى الآخرة زوجها من النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابنها عمرو وقيل سلمة ويقال تزوّجها سنة اثنتين بعد بدر ويقال قبل بدر روى ان أبا سلمة جاء الى امّ سلمة وقال لقد سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثا أحب الىّ من كذا وكذا سمعته يقول لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول اللهم عندك أحتسب مصيبتى هذه اللهم اخلفنى فيها خيرا منها الا أعطاه الله عز وجل ذلك قالت امّ سلمة فلما أصبت يأبى سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتى ولم تطب نفسى أن اقول اللهم اخلفنى فيها خيرا منها ثم قلت من خير من أبى سلمة أليس أليس ثم قلت ذلك قال لما انقضت عدّتها أرسل اليها أبو بكر يخطبها فأبت ثم أرسل اليها عمر ابن الخطاب يخطبها فأبت ثم أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطبها فقالت مرحبا برسول الله ان فىّ خلالا ثلاثا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا امرأة ليس لى ههنا أحد من أوليائى فيزوّجنى فغضب عمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أشدّ مما غضب لنفسه حين ردّته فأتاها عمر فقال أنت التى تردّين رسول الله بما تردّينه فقالت يا ابن الخطاب فىّ كذا وكذا فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أما ما ذكرت من غيرتك فأنا أدعو الله عز وجل ان يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فالله عز وجلّ سيكفيكهم وأما ما ذكرت انه ليس من اوليائك أحد شاهد فليس من اوليائك أحد شاهد ولا غائب يكرهنى فقالت لابنها سلمة زوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى السمط الثمين أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبها له انتهى فقال رسول الله اما انى لم انقصك عما اعطيت فلانة فقيل لامّ سلمة ما اعطى فلانة قالت أعطا هاجرتين تضع فيهما حاجتها ورحى ووسادة من أدم حشوها ليف ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأقبل يأتيها فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها فى حجرها فلما رأى انصرف ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتيها فوضعتها فى حجرها فأقبل عمار مسرعا بين يدى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها وقال هاتى هذه المشقوحة التى منعت رسول الله فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يرها فى حجرها قال أين زناب قالت أخذها عمار فدخل رسول الله على أهله وكانت امّ سلمة فى النساء كأنها لم تكن فيهنّ لا تجد ما يجدن من الغيرة* وقال أنس ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّج امّ سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم وروى انه لما تزوّجها رسول الله نقلها الى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها فدخلت فرأت جرّة فيها شعير ورحى وبرمة فطحنته ثم عصدته فى البرمة وأدمته باهالة وكان ذلك طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وطعام آهله ليلة عرسه* وفى القاموس الاهالة الشحم وما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثا ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه فقال ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعة عندك وسبعة عندهنّ وان شئت ثلاثا عندك ودرت قالت ثلاث وروى عن هند بنت الفراسية قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان لعائشة منى شعبة ما نزلها منى أحد فلما تزوّج امّ سلمة سئل فقيل يا رسول الله ما فعلت الشعبة فسكت فعرف ان امّ سلمة قد نزلت عنده وروى عن عائشة أنها قالت لما تزوّج رسول الله امّ سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكروا لى من جمالها فتلطفت حتى رأيتها والله اضعاف ما وصفت لى فى الحسن والجمال فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يدا واحدة فقالت لا والله ان هذا الا الغيرة ما هى كما يقولون فتلطفت بها حفصة حتى رأتها فقالت قد رأيتها لا والله ما هى كما تقولين ولا قريب منه وانها لجميلة قالت فرأيتها بعد وكانت كما قالت حفصة ولكنى كنت غيرى وكانت امّ سلمة عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع سنين وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة وتوفيت فى أوّل خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين وقيل سنة تسع وخمسين وقيل ثنتين وستين فى شهر رمضان أو شوّال وقبرت بالبقيع وهى بنت أربع وثمانين سنة وصلّى عليها أبو هريرة قيل كانت الصلاة بوصيتها ودخل قبرها عمرو وسلمة ابنا ابى سلمة وعبد الله بن أبى اسامة وعبد الله بن زمعة ذكره أبو عمرو صاحب الصفوة قيل أوّل من هلك من أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده زينب بنت جحش هلكت فى خلافة عمرو آخر من هلك منهنّ امّ سلمة هلكت فى زمن يزيد بن معاوية وقيل آخر من هلك منهنّ ميمونة كما سيجىء مروياتها فى الكتب المتداولة ثلثمائة وثمانية وسبعون حديثا منها المتفق عليه ثلاثة عشر وفرد البخارى ثلاثة وفرد مسلم ثلاثة عشروا الباقية فى سائر الكتب* (ذكر أولاد أم سلمة) * وكان لها ثلاثة أولاد سلمة وهو أكبرهم وعمرو وزينب وهى أصغرهم ربيبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم وزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلمة أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب وعاش الى خلافة عبد الملك بن مروان ولم تحفظ له رواية وأما عمرو فله رواية وتوفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وله تسع سنين وكان مولده بالحبشة فى السنة الثانية من الهجرة واستعمله علىّ على فارس والبحرين وكان يوم الجمل مع علىّ وتوفى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين فى خلافة عبد الملك وله عقب بالمدينة وأما زينب فولدت أيضا فى الحبشة وقدمت بها أمّها وكانت اسمها برّة فسماها رسول الله زينب وروى أنها دخلت على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح فى وجهها الماء فلم يزل ماء الشباب فى وجهها حتى كبرت وعجزت وتزوّجها عبد الله بن زمعة بن الاسود الاسدى فولدت له وكانت من أفقه نساء زمانها ذكره أبو عمرو* رجم اليهوديين وفى ذى القعدة من هذه السنة رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهودى واليهودية بالزنا ونزل قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون* وعن ابن عمر قال أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيهودى ويهودية قد أحدثا فقال لهم ما تجدون فى كتابكم قالوا أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتحبية قال عبد الله بن سلام ادعهم يا رسول الله يأتوا بالتوراة فأتوا بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فاذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرجما عند البلاط فرأيت اليهودى أحنى عليها رواه البخارى قوله أحدثا أى زنيا التحبية أن يجلد ويحمل على دابة بعد تحميم الوجه البلاط موضع بالمدينة بين المسجد والسوق يفرش فيه البلاط وهو ضرب من الحجارة يفرش كذا فى القاموس احنى عليها أى أكب ومال عليها ليقيها الحجارة كذا فى نهاية ابن الاثير* وفاة فاطمة أم على بن أبى طالب وفى هذه السنة توفيت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم على ابن أبى طالب* وفى الرياض النضرة قال أبو عمرو وغيره وهى أوّل هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وتوفيت مسلمة بالمدينة وشهدها النبىّ صلّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 الله عليه وسلم وتولى دفنها وألبسها قميصه واضطجع فى قبرها ذكره الخجندى وذكر الطائى فى الاربعين انه صلّى الله عليه وسلم نزع قميصه وألبسها اياه وتولى دفنها واضطجع فى قبرها فلما سوّى عليها التراب سئل عن ذلك قال ألبستها لتلبس من ثياب الجنة واضطجعت معها فى قبرها لا خفف عنها ضغطة القبر انها كانت أحسن خلق الله صنعا بى بعد أبى طالب* وذكر السلفى انه صلّى الله عليه وسلم صلّى عليها وتمرّغ فى قبرها وبكى وقال جزاك الله من أمّ خيرا لقد كنت خير أم قال وكانت ربت النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال وولدت لابى طالب طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا وأم هانى واسمها فاختة وحمانة قال ابن قتيبة وأبو عمرو وكان علىّ أصغر من طالب بعشر سنين* وفى كتب الاحاديث قال علىّ قلت لامى فاطمة بنت أسدا كفى فاطمة بنت رسول الله سقاية الماء والذهاب فى الحاجة وتكفيك خدمة الداخل والطحن والعجن* وفى هذه السنة حرمت الخمر على قول ابن اسحاق وسيجىء فى الموطن السادس تمامه والله أعلم * (الموطن الخامس فى وقائع السنة الخامسة من الهجرة من فك سلمان عن الرق و غزوة دومة الجندل ووفاة أم سعد وخسوف القمر وشدّة قريش ووفد بلال بن الحارث المزنى وقدوم ضمام بن ثعلبة وغزوة المريسيع وتنازع جهجاه وقدوم مقيس بن ضبابة ونزول آية التيمم وتزوّج جويرية وافك عائشة رضى الله عنها وغزوة الخندق وغزوة بنى قريظة وقصة أولاد جابر وتزوّج زينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وزلزلة المدينة وسقوطه عن فرسه ومسابقة الخيل ونزول فرض الحج والنهى عن ادّخار لحوم الاضاحى) * * فك سلمان عن الرق وفى هذه السنة فك رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلمان عن الرق قد مرّ ان سلمان أسلم فى السنة الاولى من الهجرة ثم شغله الرق حتى قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتب سيده على ثلثمائة نخلة يجبها له وأربعين أوقية من ذهب فأعانه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى اجتمعت عنده ثلثمائة نخلة فغرسها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فحملت من عامها الا نخلة غرسها عمر فانتزعها النبىّ وغرسها بيده فحملت فأتى النبى صلّى الله عليه وسلم بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض الغزوات فقال ما فعل الفارسى المكاتب فدعى سلمان له فقال خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان قال وأين تقع هذه يا رسول الله مما علىّ ولما قال سلمان ذلك أخذها رسول الله فقلبها على لسانه ثم أعطاها سلمان فأخذها فأوفى منها حقهم كله أربعين أوقية* وفى الشفاء نقلا عن كتاب البزار أعطاه مثل بيضة دجاجة بعد أن ردّها على لسانه فوزن منها لمواليه أربعين أوقية وبقى عنده مثل ما أعطاهم انتهى وعتق وشهد الخندق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم لم يفته معه مشهد* وفى بعض الروايات قال سلمان اشترتنى امرأة يقال لها خليسة بنت فلان حليف بنى النجار بثلثمائة درهم فمكثت معها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة فبلغنى ذلك بعد خمسة أيام وأنا فى أقصى المدينة فى زمن الخلال بالضم يعنى البلح* قال ابن الاثير فى النهاية البلح أوّل ما يرطب من البسر واحدها بلحة وفى الصحاح البلح قبل البسر لانّ أوّل التمر طلع ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر قال فالتقطت شيئا من الخلال فجعلت فى ثوبى فأقبلت أسأل عنه حتى بلغت دار أبى أيوب ورسول الله داخل وأبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهم لا يكف أى لا يقطر على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ما تصنع يا أبا أيوب قال وقع حب لنا فانكسر فانصب الماء فخشيت أن تكون نائما أو فى الصلاة فكيف عليك فيؤذيك فقال رسول الله لك ولزوجك الجنة* قال سلمان فقلت هذا والله محمد رسول الله فدنوت منه فسلمت عليه ثم أخذت ذلك الخلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 فوضعته بين يديه وذكر قصة الصدقة والهدية وخاتم النبوّة فأسلم سلمان وأخبر بقصة خليسة قال سلمان فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقال اذهب الى خليسة فقل لها يقول لك محمد امّا أن تعتقى هذا وامّا أن أعتقه فانّ الحكمة تحرّمه عليك فقلت يا رسول الله انها لم تسلم فقال يا سلمان ما تدرى ما حدث بعدك دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الاسلام فأسلمت وذكر أنها أعتقته بأمر رسول الله وكافأها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأن غرس لها ثلثمائة فسيلة وهى صغار النخل كالودى* وفى بعض الروايات انّ سلمان كان يرعى الغنم لسيده وفى بعضها اشتراه أبو بكر فأعتقه وفى بعضها انّ سلمان أسلم بمكة روى أنه قال تداولنى بضعة عشر سيدا من رب الى رب* وروى انه كان من المعمرين أدرك وصى عيسى ابن مريم وعاش ثلثمائة وخمسين سنة وأمّا عيشه مائتين وخمسين فلا يشكون فيه قيل انّ اسمه كان ما هويه وقيل مايه وقيل بهبوذ بن بدخشان من ولد منوجهر الملك توفى بالمدائن فى خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين وقيل انّ اسلامه كان فى جمادى الاولى من السنة الاولى من الهجرة وانّ مولاه الذى باعه عثمان بن أشهل اليهودى القرظى وقيل انه عاد الى أصفهان فى زمان عمر وقيل كان له أخ بشير ازله نسل ثمة وله ثلاث بنات بنت بأصفهان لها نسل وبنتان بمصر وقيل كان له ابن يقال له كثير* غزوة دومة الجندل وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة دومة الجندل بضم الدال من دومة وفتحها وهى مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة قاله ابن سعد* وفى الصحاح الدوم شجر المقل والجندل الحجارة ودومة الجندل اسم حصن وأهل اللغة يقولونه بضم الدال وأصحاب الحديث يفتحونها* قال البكرى سميت بدومى بن اسماعيل كان نزلها وكانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرين وأربعة أيام وسببها انه سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان الاعراب تجمعوا بكثرة فى دومة الجندل يظلمون من مرّ بهم فاستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الاوّل فى ألف من أصحابه فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار* قال سعد غزاها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ونزل بساحة أهلها فلم يجد الا النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب فى كل وجه وجاء الخبر أهل دومة فتفرّقوا ونزل عليه السلام بساحتهم فلم يلق بها أحدا فأقام بها أياما وبث السرايا وفرّقها فرجعوا ولم يصب منهم أحدا فرجع ودخل المدينة فى العشرين من ربيع الآخر كذا فى المواهب اللدنية* وقال ابن هشام انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم رجع قبل أن يصلها* وفى الوفاء قيل كان منزل أكيدر أوّلا دومة الحيرة وكان يزور أخواله من كلب فخرج معهم للصيد فرفعت له مدينة متهدّمة لم يبق الا حيطانها مبنية بالجندل فأعاد بناءها وغرسوا الزيتون وغيره فيها وسموه دومة الجندل تفرقة بينها وبين دومة الحيرة وكان أكيدر يتردّد بينهما وزعم بعضهم ان تحكيم الحكمين كان بدومة الجندل* نفيسة وفى كتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال مررت مع أبى موسى بدومة الجندل فقال حدّثنى حبيبى صلّى الله عليه وسلم انه حكم فى بنى اسرائيل فى هذا الموضع حكمان بالجور وانه يحكم فى أمّتى حكمان بالجور فى هذا الموضع قال فما ذهبت الايام حتى حكم هو وعمرو بن العاص فيما حكماه قال فلقيته فقلت يا أبا موسى قد حدّثنى عن رسول الله فقال والله المستعان كذا أورده المجد* وفاة أم سعد وفى مدّة غيبته هذه فى الغزوة ماتت أمّ سعد بن عبادة عمرة بنت مسعود من المبايعات ولما قدم المدينة صلّى على قبرها وقال سعد يا رسول الله انّ أمى افتلتت وأظنها لو تكلمت لتصدّقت أتصدّق عنها قال نعم قال أى الصدقة أفضل قال الماء فحفر بئرا وقال هذه لأمّ سعد* خسوف القمر وفى هذه السنة انخسف القمر فى جمادى الآخرة وجعل اليهود يضربون بالطساس ويقولون سحر القمر فصلى بهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخسوف حتى انجلى القمر رواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 ابن حبان* وفى هذه السنة أصابت قريشا شدّة فبعث اليهم بفضة يتألفهم بها* وفد بلال بن الحارث وفى هذه السنة جاء بلال بن الحارث فى أربعة عشر رجلا من مزينة فأسلموا وكان أوّل وافد مسلم بالمدينة فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارجعوا فأينما تكونوا فأنتم من المهاجرين فرجعوا الى بلادهم * وفد ضمام بن ثعلبة وفى هذه السنة قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضمام بن ثعلبة من بنى سعد بن بكر وعليه جمع كثير من أكابر أهل السير لكن الحافظ ابن حجر قال فى فتح البارى انّ قدوم ضمام كان فى السنة التاسعة كما ذهب اليه محمد بن اسحاق وسيجىء فى الخاتمة* غزوة المريسيع وفى شعبان هذه السنة وفى سيرة ابن هشام فى شعبان سنة ست وقعت غزوة المريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة آخره عين مهملة وهو ماء لبنى خزاعة بيته وبين الفرع يومان وبين الفرع والمدينة ثمانية برد كذا فى سيرة مغلطاى وتسمى غزوة بنى المصطلق بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المشالة المهملة وكسر اللام بعدها قاف وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بطن من خزاعة وكانت يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس* وقال موسى بن عقبة سنة أربع انتهى قالوا وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع والذى فى مغازى موسى بن عقبة من عدّة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابورى والبيهقى فى الدلائل وغيرهم سنة خمس كذا فى المواهب اللدنية* وفى الوفاء ذكر كثير من أهل السير أنّ غزوة المريسيع كانت فى سنة ست ونقل البخارى عن ابن اسحاق انها فى سنة ست وكذا فى الاكتفاء وأسد الغابة لكن الاصح انّ المريسيع والمصطلق واحدة كلاهما فى سنة خمس بعد غزوة دومة الجندل بخمسة أشهر وثلاثة أيام وهى التى قال فيها أهل الافك ما قالوا وسبب هذه الغزوة انّ بنى المصطلق كانوا ينزلون على بئر يقال لها المريسيع من ناحية قديد الى الساحل وكان سيدهم الحارث بن أبى ضرار دعا قومه ومن قدر عليه على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجابوه وتجمعوا وتهيؤا للحرب والمسير معه فبلغ الخبر رسول الله فأرسل بريدة بن الخصيب الاسلمى ليتحقق ذلك فأتاهم ولقى الحارث وكلمه ورجع الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاخبره بأنهم يريدون الحرب فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس اليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسا عشرة منها للمهاجرين وعشرون للانصار وخرجت معه عائشة وأمّ سلمة وخرج معهم جماعة من المنافقين واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وجعل عمر بن الخطاب على مقدمة الجيش وبلغ الحارث ومن معه خبر مسير رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم وأنه قتل عين الحارث الذى كان يأتى بخبر رسول الله فسىء بذلك هو ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق الاعراب الذين كانوا معه وانتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المريسيع وضربت عليه قبة وتهيؤا للقتال وصف رسول الله أصحابه ودفع راية المهاجرين الى أبى بكر وراية الانصار الى سعد بن عبادة وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت كذا فى الاكتفاء فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا على الكفار حملة واحدة فقتل منهم عشرة وأسر الباقون وسبوا الرجال والنساء والذرارى وأخذوا النعم والشاء ولم يقتل من المسلمين الا رجل واحد وكانت الابل ألفى بعير والشاء خمسة آلاف والسبى مائتى أهل بيت وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائى الى المدينة بشيرا بفتح المريسيع ولما رجع المسلمون بالسبى قدم أهاليهم فافتدوهم كذا ذكره ابن اسحاق والذى فى صحيح البخارى أغار على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وهم على الماء فأصاب يومئذ رجل من الانصار من رهط عبادة بن الصامت رجلا من المسلمين من بنى كلب بن عوف بن عامر بن أمية بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 ليث بن بكر يقال له هشام بن ضبابة وهو يرى انه من العدوّ فقتله خطأ كذا فى الاكتفاء* وفى هذه الغزوة وقع التنازع بين جهجاه وسنان بالمريسيع على الماء بعد انقضاء الحرب والفراغ من بنى المصطلق ونزلت سورة المنافقين* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين لقى بنى المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم وقتلهم كما مرّ ازدحم على الماء جهجاه بن سعد الغفارى وهو كان أجير العمر بن الخطاب يقود له فرسه وسنان بن وبر الجهنى حليف عمرو بن عوف من الخزرج* وفى المدارك كان حليفا لابن أبى فاقتتلا فأعان جهجاها رجل من فقراء المهاجرين يقال له جعال ولطم وجه سنان فاستغاث سنان يا للانصار يا للخزرج واستغاث جهجاه يالكنانة يالقريش فتسارع اليهما القوم وعمدوا الى السلاح فمشى جماعة من المهاجرين الى سنان فقالوا له اعف عن جهجاه ففعل فسكنت الفتنة وانطفأت نائرة الحرب* وفى القاموس جهجاه ممن خرج على عثمان وكسر عصا النبىّ صلّى الله عليه وسلم بركبته فوقعت الاكلة فيها* وفى الشفاء وأخذ جهجاه الغفارى القضيب من يد عثمان ليكسره على ركبته فصاح الناس فأخذته فيها الأكلة فقطعها فمات قبل الحول قال فسمع عبد الله بن أبى بن سلول التنازع فغضب وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ذو الأذن الواعية وهو غلام حديث السن وقال يعنى ابن أبى أفعلوها قد نافرونا وكاثر ونافى بلادنا وقال ما صحبنا محمدا الا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال سمن كلبك يا كلك اما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الاعز منها الاذل يعنى بالاعز نفسه وبالأذل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحوّلوا الى غير بلادكم* عبارة الاكتفاء لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال له زيد بن أرقم أنت والله الذليل القليل المبغض فى قومك ومحمد فى عز من الرحمن وقوّة من المسلمين قال له عبد الله بن أبى اسكت فانما كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال دعنى أضرب عنقه يا رسول الله فقال اذا ترعد آنف كثيرة يثرب فقال ان كرهت أن يقتله مهاجرى فأمر به أنصاريا* وفى الاكتفاء قال عمر فمر به عباد بن بشر فليقتله فقال كيف يا عمر اذا تحدّث الناس انّ محمدا يقتل أصحابه ولكن أذن بالرحيل وذلك فى ساعة لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى عبد الله بن أبى فأتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذى بلغنى فقال عبد الله والذى أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وانّ زيدا لكاذب* وفى الاكتفاء وقد مشى عبد الله بن ابى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين بلغه انّ زيدا بلغه ما سمعه منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبى فى قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الانصار من أصحابه يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدّق عليه كلام غلام عسى أن يكون الغلام وهم فى حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى الكشاف روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لزيد لعلك غضبت عليه قال لا قال فلعله أخطأ سمعك قال لا قال فلعله شبه عليك قال لا وفشت الملامة فى الانصار لزيد وكذبوه وكان زيد يساير النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يقرب منه بعد ذلك استحياء فلما استقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوّة وسلم عليه ثم قال يا رسول الله رحت فى ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبى قال وما قال قال زعم انه ان رجع الى المدينة أخرج الاعز منها الاذل فقال أسيد بن حضير فأنت والله يا رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك وانّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه فانه ليرى أنك قد استلبته ملكا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبى ما كان من أبيه فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه بلغنى انك تريد قتل عبد الله بن أبى لما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرنى به فأنا أحمل اليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه منى وانى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى أن أنظر الى قاتل عبد الله بن أبى يمشى فى الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر وأدخل النار فقال رسول الله نرفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا* وفى الاكتفاء ثم مشى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ولياتهم حتى أصبح وسار يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا ان وجدوا مس الارض فوقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل عن الحديث الذى كان بالامس وفى غير الاكتفاء ثم سار رسول الله صلّى الله عليه وسلم رائحا بالناس حتى نزل على ماء فويق النقيع يقال له نقعاء فهاحت ريح شديدة آذتهم وتخوّفوها وضلت ناقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم القصوى وذلك ليلا فقال رسول الله لا تخافوا انما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفى بالمدينة قيل من هو قال رفاعة بن زيد بن التابوت فقال رجل من المنافقين وهو زيد بن اللصيت أحد بنى قينقاع كيف يزعم انه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ألا يخبره الذى يأتيه بالوحى فأتاه جبريل وأخبر بقول المنافق ومكان ناقته وأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما أزعم أنى أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله أخبرنى بقول المنافق ومكان ناقتى هى فى الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فاذا هى كما قال فجاؤا بها وآمن ذلك المنافق فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قدمات وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين* وفى المنتقى أوردهما فى السنة التاسعة من الهجرة وذكر فقدان الناقة حين توجهه الى تبوك وهبوب الريح بتبوك وسيجىء فى الموطن التاسع* ولما دنوا من المدينة وفى الوفاء ولما كان بينهم وبين المدينة يوم تعجل عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول حتى أناخ على مجامع طرق المدينة* فلما جاء عبد الله بن أبى قال له ابنه وراءك قال مالك ويلك قال لا والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعلم اليوم من الاعز ومن الاذل فقال له أنت من بين الناس فقال نعم أنا من بين الناس فانصرف عبد الله حتى لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشكى اليه ما صنع ابنه فأرسل صلّى الله عليه وسلم الى ابنه أن خل عنه فدخل المدينة رواه ابن شيبة* وفى المنتقى فتقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبى حتى وقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تقرّ أنك الذليل وأنّ محمدا العزيز فمرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال دعه فلعمرى لنحسنن صحبته مادام بين أظهرنا* وفى الكشاف ولما أراد عبد الله أن يدخل المدينة اعترضه ابنه حباب وهو عبد الله بن عبد الله غير رسول الله اسمه وقال ان حبابا اسم شيطان وكان مخلصا وقال وراءك والله لا تدخلها حتى تقول رسول الله الاعز وأنا الاذل فلم يزل حبيسا فى يده حتى أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتخلية* وروى أنه قال لئن لم تقرّ لله ورسوله بالعزة لأضربن عنقك فقال ويحك أفاعل أنت قال نعم فلما رأى منه الجدّ قال أشهد أنّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا فلما وافى رسول الله المدينة أنزل الله تعالى سورة اذا جاءك المنافقون فى تصديق زيد وتكذيب عبد الله فلما نزل أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأذن زيد وقال ان الله صدّقك وأوفى بأدنك* وفى الاكتفاء قال هذا الذى أوفى الله بأذنه* وفى الكشاف فلما نزل لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك أذنه وقال وفت أدنك يا غلام ان الله صدّقك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وكذب المنافقين* وفى معالم التنزيل ولما نزلت هذه الآية وبان كذب عبد الله بن أبىّ قيل له يا أبا حباب انه قد نزل فيك آى شداد فاذهب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمر تمونى أن أومن فآمنت وأمر تمونى أن أعطى زكاة مالى فقد أعطيت فما بقى الا أن أسجد لمحمد فأنزل الله واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤسهم الآية ولم يلبث ابن أبى الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات هكذا فى معالم التنزيل والمدارك وأما فى المنتقى فأورد موت عبد الله بن أبى فى السنة التاسعة من الهجرة وسيجىء فى الموطن التاسع وكانت غيبته عليه السلام فى هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما هكذا فى المواهب اللدنية وقدم المدينة لهلال رمضان* وفى هذه السنة قدم مقيس بن حبابة من مكة متظاهرا بالاسلام فقال يا رسول الله جئتك مسلما وجئتك أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر له رسول الله بدية أخيه هشام بن حبابة فأقام عند رسول الله غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم رجع الى مكة مرتدّا* نزول آية التيمم وفى هذه السنة نزلت آية التيمم فى الصحيحين من حديث عائشة خرجنا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره فذكرت حديث التيمم قال فى فتح البارى قولها فى بعض أسفاره قال ابن عبد البرّ فى التمهيد يقال انه كان فى غزوة بنى المصطلق وجزم بذلك فى الاستدراك وسبقه الى ذلك ابن سعد وابن حبان وغزوة بنى المصطلق هى غزوة المريسيع وفيها كانت قصة الافك لعائشة وكان ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا فان كان ما جزموا ثابتا حمل على انه سقط منها فى تلك السفرة مرّتين لاختلاف القصتين كما هو بين فى سياقهما قال واستبعد بعض شيوخنا ذلك لان المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها فى الحديث حتى اذا كتابا لبيداء أو ذات الجيش وهما بين مكة وخيبر كما جزم به النووى قال وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فانه قال البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة وذات الجيش وراء ذى الحليفة* وقال أبو عبيدة البكرى فى معجمه أدنى الى مكة من ذى الحليفة ثم ساق حديث عائشة هذا ثم قال وذات الجيش من المدينة على بريد قال وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر فاستقام ما قاله ابن التين وقد قال قوم بتعدّد ضياع العقد ومنهم محمد بن حبيب الاخبارى فقال سقط عقد عائشة فى غزوة ذات الرقاع وفى غزوة بنى المصطلق وقد اختلف أهل المغازى فى أى هاتين الغزوتين كانت* قال الداودى كانت قصة التيمم فى غزوة الفتح ثم تردّد فى ذلك* وروى ابن أبى شيبة من حديث ابى هريرة قال لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بنى المصطلق لان اسلام أبى هريرة كان فى السنة السابعة وهى بعدها بلا خلاف وكانّ البخارى يرى ان غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبى موسى وقدومه كان وقت اسلام أبى هريرة* ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الافك ما رواه الطبرانى من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدى ما كان وقال أهل الافك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوة أخرى وسقط أيضا عقدى حتى حبس الناس على التماسه فقال لى أبو بكر يا بنية فى كل سفرة تكونين بلاء وعناء على الناس فأنزل الله الرخصة فى التميم فقال أبو بكر انك لمباركة وفى اسناده محمد بن حميد الرازى وفيه مقال وفى سياقه من الفوائد بيان عتاب ابى بكر الذى أبهم فى حديث الصحيحين والتصريح بأن ضياع العقد كان مرّتين فى غزوتين كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى نزلت آية التيمم بقرب المدينة فى موضع يقال له ذات الجيش أو البيداء* وفى خلاصة الوفاء ذات الجيش هى على ستة أميال من ذى الحليفة وقيل عشرة وقيل ميلان وهى أحد المنازل النبوية الى بدر انتهى* وفى القاموس ذات الجيش أو أولات الجيش واد قرب المدينة وفيه انقطع عقد عائشة قالت عائشة خرجنا مع رسول الله فى بعض أسفاره حتى اذا كنا بالبيداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 أو ذات الجيش انقطع عقدى فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء وجاء أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذى قد نام فقال حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة فعاتبنى أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده فى خاصرتى ولا يمنعنى من التحرّك الامكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على فخذى فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلم على غير ماء فأنزل الله عز وجل آية التيمم فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء ليلة العقبة ما هذا بأوّل بركتكم يا آل أبى بكر* وفى الصفوة عن ابن عباس سقطت قلادتها يوم الابواء فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين يصبح فى المنزل وأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا قالت فبعثنا البعير الذى كنت أركب عليه فوجدنا العقد تحته* تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بجويرية وفى شعبان هذه السنة وقيل فى السادسة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية ثم المصطلقية روى ان جويرية بنت الحارث كانت من جملة سبايا بنى المصطلق ووقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عمه فكاتبته فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى اعانة كتابتها فأدّى عنها وتزوّجها وهى ابنة عشرين سنة وكان اسمها برّة فحوّله رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى جويرية كره أن يقال خرج من عند برّة كذا فى المشكاة بعضه وقد ذكر مثل ذلك فى ميمونة وزينب بنت جحش وزينب بنت أبى سلمة وكان اسم كل واحدة منهنّ برّة فحوّله رسول الله الى هذه وكانت قبل النبى صلّى الله عليه وسلم زوجة ابن عمها عبد الله كذا فى السمط الثمين وفى غيره اسمه ذو الشفر بن مسافع وقيل فى غزوة المريسيع وتزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى المراجعة فى أثناء الطريق فى شعبان للسنة الخامسة وقيل فى السادسة من الهجرة وعن عائشة كانت جويرية امرأة ملاحة تأخذها العين فجاءت تسأل رسول الله فى كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله سيرى منها مثل الذى رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وكان من أمرى ما لا يخفى عليك ووقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس وانى كاتبته على نفسى فجئت أسألك فى كتابتى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فهل لك فيما هو خير فقالت وما هو يا رسول الله قال أؤدّى عنك كتابتك وأتزوّجك قالت قد فعلت قالت فتسامع الناس يعنى ان رسول الله قد تزوّج جويرية فأرسلوا ما فى أيديهم من السبى فأعتقوهم وقالوا أصهار رسول الله لا ينبغى أن تسترق قالت فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وأعتق بسببها مائة أهل بيت من بنى المصطلق خرجه بهذا السياق أبو داود وسيجىء فى آخر الموطن التاسع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث اليهم بعد اسلامهم الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى آخر القصة* قال ابن هشام ويقال اشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس وأعتقها وتزوّجها وأصدقها أربعمائة درهم قال ابن هشام ويقال لما انصرف رسول الله من غزوة بنى المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث فكان بذات الجيش دفع جويرية لرجل من الانصار وأمره بالاحتفاظ بها وقدم رسول الله فأقبل أبوها الحارث بن أبى ضرار بفداء ابنته فلما كان بالعقيق نظر الى الابل التى جاء بها للفداء فرغب فى بعيرين منها فغيبهما فى شعب من شعاب العقيق ثم أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد أصبت ابنتى وهذا فداؤها فقال رسول الله فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق فى شعب كذا وكذا قال الحارث أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنك رسول الله فو الله ما اطلع على ذلك الا الله تعالى فأسلم الحارث وأسلم معه ابنان له وناس من قومه وأرسل الى البعيرين فجاء بهما فدفع الابل الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ودفعت اليه ابنته جويرية وأسلمت فحسن اسلامها فخطبها النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى أبيها فزوّجه اياها وأصدقها اربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابن عمّ لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 يقال له عبد الله كما مر* وعن ابن شهاب قال سبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث يوم المريسيع فحجبها وقسم لها قال أبو عبيدة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم جويرية سنة خمس من الهجرة خرج جميعه أبو عمرو صاحب الصفوة وكانت جويرية عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم خمس سنين وعاشت بعده خمسا وأربعين سنة وتوفيت بالمدينة سنة خمسين* وفى رواية ست وخمسين وهى بنت خمس وستين سنة وصلّى عليها مروان بن الحكم وكان حاكما على المدينة من قبل معاوية مروياتها فى الكتب المتداولة سبعة أحاديث منها فى البخارى حديث وفى مسلم حديثان والباقية فى سائر الكتب* قصة الافك وفى غزوة المريسيع وقعت قصة افك عائشة* وفى الاكتفاء وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سفره ذلك يعنى بنى المصطلق حتى اذا كان قريبا من المدينة قال أهل الافك فى الصدّيقة المبرّأة المطهرة عائشة رضى الله عنها ما قالوا* روى عن عائشة انها قالت كان رسول الله اذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه قأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بيننا فى غزوة غزاها فخرج فيها سهمى فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل فى هودج وأنزل فيه فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسنى ابتغاؤه فأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب عليه وهم يحسبون انى فيه وكان النساء اذ ذاك خفافا لم يغشهنّ اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدى بعد ما استمرّ الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فيمت منزلى الذى كنت فيه فظننت انهم سيفقدوننى فيرجعون الىّ فبينا أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت* وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى تخلف من وراء الجيش وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم جعله فى الساقة بالتماسه وكان يصلى حين يرحل الناس ويسير خلف الجيش ويتفقد أشياء الناس من اللقطة والمنسى ويبلغهما الى أصحابهما قالت فأصبح عند منزلى فرأى سواد انسان نائم فعرفنى حين رآنى وكان رآنى قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابى والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته ووطئ يدها فقمت اليها فركبتها فانطلق يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش فى نحر الظهيرة وهم نزول فهلك من هلك من أهل الافك وهم عصبة أى جماعة من العشرة الى الاربعين وهم عبد الله ابن أبى بن سلول رأس المنافقين وحسان بن ثابت الشاعر ومسطح بن أثاثة ابن خالة أبى بكر وزيد بن رفاعة وجمنة بنت جحش أخت زينب ومن ساعدهم* والذى تولى كبر الافك اما عبد الله بن أبى بن سلول قال عروة أخبرت انه كان يشاع ويتحدّث به عنده فيقرّه ويستمعه ويستوشيه قالت عائشة مررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم أن ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبى رئيسهم من هذه قالوا عائشة وصفوان قال والله ما نجت منه ولا نجا منها وقال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها واما حسان ومسطح وحمنة بنت جحش فانهم شايعوه بالتصريح به والذى بمعنى الذين قوله له عذاب عظيم أى لكل خائض فى حديث الافك نصيب من الاثم على مقدار خوضه والعذاب العظيم اما فى الآخرة فهو لعبد الله لان معظم الشرّ كان منه ويدل عليه افراد الموصول أو فى الدنيا بالحدّ وغيره فهو له ولغيره ولقد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى وحسانا ومسطحا وصار ابن أبى مطرودا مشهورا بالنفاق وحسان أعمى أشلّ اليدين ومسطح مكفوف البصر كذا فى أنوار التنزيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 والكشاف* وفى الكشاف وقعد صفوان لحسان فضربه بالسيف فكف بصره كما سيجىء* وفى صحيح مسلم قال مسروق قلت لعائشة لم تأذنين لحسان يدخل عليك وقد قال الله تعالى والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم قالت فأى عذاب أشدّ من العمى وقالت انه كان ينافح أو يهاجى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى السمط الثمين روى أن حسان بن ثابت استأذن على عائشة وقد كف بصره فأذنت له فدخل عليها فأكرمته فلما خرج عنها قيل لها اما هذا من القوم قالت انه الذى يقول فانّ أبى ووالدتى وعرضى ... لعرض محمد منكم فداء بهذا البيت يغفر الله له كل ذنب خرجه أبو عمرو* وقالت عائشة رضى الله عنها فقد منا المدينة فاشتكيت شهرا والناس يخوضون فى قول أصحاب الافك وأنا لا أشعر بشىء من ذلك ويريبنى فى وجعى انى لا أرى من رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللطف الذى كنت أرى منه حين أمرض وانما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح خالة أبى بكر قبل المناصع وكانت متبرزنا لا نخرج الا ليلا الى ليل وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الاول فى البرية فقالت انطلقت أنا وأم مسطح فعثرت فى مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت أى هنتاه أو لم تسمعى ما قال قلت وما قال فأخبرتنى بقول أهل الافك قالت فازددت مرضا على مرضى فلما رجعت الى بيتى دخل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال كيف تيكم فقلت له أتأذن لى أن آتى أبوىّ وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لى رسول الله فقلت لامى يا أماه ماذا يتحدّث الناس فقالت يا بنية هوّنى عليك الامر فو الله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد تحدّث بها فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحى يسألهما ويستشيرهما فى فراق أهله فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله بالذى يعلم من براءة أهله وبالذى يعلم لهم فى نفسه من الودّ فقال أسامة أهلك يا رسول الله وما نعلم منهم الاخيرا وزاد فى الاكتفاء وهذا الكذب والباطل* وأما علىّ فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بريرة فقال أى بريرة هل رأيت من شىء يريبك قالت له بريرة والذى بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله* وفى الاكتفاء وأما علىّ فقال يا رسول الله ان النساء لكثيرة وانك لتقدر أن تستخلف وسل الجارية فانها ستصدقك فدعا رسول الله بريرة ليسألها فقام اليها علىّ فضربها ضربا شديدا ويقول أصدقى رسول الله فتقول والله ما أعلم الاخيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا الا انى كنت أعجن عجينى فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتى الشاة فتأكله قالت عائشة وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش عن أمرى فقال يا زينب ماذا رأيت أو ما علمت فقالت يا رسول الله أحمى سمعى وبصرى والله ما علمت عليها الاخيرا قالت عائشة وهى التى تسامينى من أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع فطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك* كلام عمر وعثمان وعلى فى حق الافك وروى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى تلك الايام كان أكثر أوقاته فى البيت فدخل عليه عمر فاستشاره فى تلك الواقعة فقال عمر يا رسول الله أحمى سمعى وبصرى والله أنا قاطع بكذب المنافقين لان الله عصمك عن وقوع الذباب على جلدك لانه يقع على النجاسات فيتلطخ بها فلما عصمك الله تعالى عن ذلك القدر من القذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة فاستحسن صلّى الله عليه وسلم كلامه* وقال عثمان ان الله ما أوقع ظلك على الارض لئلا يضع انسان قدمه على ذلك الظل أو تكون تلك الارض نجسا فلما لم يمكن أحدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك وقال علىّ يا رسول الله كنا نصلى خلفك فجعلت نعليك فى أثناء الصلاة فخلعنا نعالنا فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع فقلنا الموافقة فقلت أمرنى جبريل باخراجهما لعدم طهارتهما فلما أخبرك أن على نعلك قذرا وأمرك باخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك باخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشىء من الفواحش* وفى المشكاة عن أبى سعيد الخدرى مثله وروى أن أبا أيوب الانصارى قال لامرأته أم أيوب ألا ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظنّ بحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم سوأ قال لا قالت ولو كنت انا بدل عائشة ما خنت رسول الله فعائشة خير منى وصفوان خير منك ثم وبخ الله الخائضين فى الافك بقوله ولولا اذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا أى عفافا وصلاحا كما روى آنفا عن عمر وعثمان وعلى وأم أيوب* قيل انما جاز أن تكون امرأة النبىّ كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لان النبىّ مبعوث الى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم وأما الفاحشة فمن أعظم المنفرات* قالت عائشة فبينا نحن على ذلك اذ دخل رسول الله علينا فسلم ثم جلس ولم يجلس عندى مذ قيل لى ما قيل قبلها ولقد لبث شهرا ما يوحى اليه فى شأنى بشىء فتشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه قد بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله وتوبى اليه فان العبد اذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة فقلت لابى أجب عنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدرى ما أقول لرسول الله فقلت لأمى أجيبى عنى رسول الله فيما قال قالت والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم* قالت عائشة وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت انى والله لقد علمت انكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر فى أنفسكم وصدّقتم به فلئن قلت لكم انى بريئة والله يعلم انى لبريئة لا تصدّقوننى بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم انى منه بريئة لتصدّقننى والله لا أجد لى ولكم مثلا الا أبا يوسف حين قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحوّلت واضطجعت على فراشى وأنا أرجو أن يبرئنى الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل فى شأنى وحيا يتلى ولأنا أحقر فى نفسى من أن يتكلم الله بالقرآن فى أمرى ولكنى كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى النوم رؤيا يبرئنى الله بها فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلم مجلسه ولاخرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه الوحى فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى انه ليتحدر منه العرق مثل الجمان وهو فى يوم شات من ثقل القول الذى أنزل عليه فسرى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يضحك وكانت أوّل كلمة تكلم بها أن قال لى يا عائشة احمدى الله فقد برأك الله* وفى رواية أبشرى يا حميراء فقد أنزل الله براءتك قلت بحمد الله لا بحمدك قالت فقالت لى أمى قومى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت لا والله لا أقوم اليه ولا أحمد الا الله فأنزل الله عز وجل ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم العشر آيات كذا فى الصحيحين* وفى الكشاف وغيره من التفاسير انه نزل ثمانى عشرة آية وفى رواية سبع عشرة آية* وفى العروة الوثقى وقد برأ الله عائشة أم المؤمنين فى كتابه الكريم فى عدّة آيات أوّلها ان الذين جاؤا بالافك الى قوله أولئك مبرّؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم فلما أنزل فى براءتها هذا قال أبو بكر الصدّيق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره وكان من فقراء المهاجرين والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذى قال لعائشة ما قال فأنزل الله ولا يأتل أولو الفضل منكم الى قوله غفور رحيم* روى أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 صلى الله عليه وسلم قرأها على أبى بكر فقال بلى أحب أن يغفر الله لى فرجع الى مسطح النفقة التى كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا* وروى عن عائشة انها قالت والله ان الرجل الذى قيل له ما قيل تعنى صفوان ليقول سبحان الله فو الذى نفسى بيده ما كشفت من كنف أنثى قط قالت ثم قتل بعد ذلك فى سبيل الله* ولقد برّأ الله أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بلسان الشاهد وشهد شاهد من أهلها وبرأ موسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذى ذهب بثوبه وبرّأ مريم بانطاق ولدها حين نادى من حجرها انى عبد الله الآية وبرّأ عائشة بهذه الآيات العظام فى كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظركم بينها وبين تبرئة أولئك وما ذاك الالاظهار علوّ منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنبيه على انافة سيد ولد آدم وخير الاوّلين والآخرين وحجة رب العالمين* روى انه دخل ابن عباس على عائشة فى مرضها وهى خائفة من القدوم على الله فقال لا تخافى فانك ما تقدمين الا على مغفرة ورزق كريم وتلا الخبيثات للخبيثين الى قوله لهم مغفرة ورزق كريم فغشى عليها فرحا بما تلا* وعن عائشة أنها قالت لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهنّ امرأة لقد نزل جبريل بصورتى فى راحته حين أمر رسول الله أن يتزوّجنى ولقد تزوّجنى بكرا وما تزوّج بكرا غيرى ولقد توفى وان رأسه لفى حجرى ولقد قبر فى بيتى وان الوحى ينزل فى أهله فيتفرقون عنه وان كان لينزل عليه وأنا معه فى لحاف واحد وانى ابنة خليفته وصديقه ولقد نزل عذرى من السماء ولقد خلقت طيبة عند طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما* وكان مسروق اذا روى عن عائشة قال حدّثتنى الصدّيقة ابنة الصدّيق حبيبة رسول الله المبرّأة من السماء كذا فى معالم التنزيل* اعطاء الرسول بئر بيرحا لحسان بن ثابت وذكر ابن اسحاق أن حسان بن ثابت مع ما كان منه فى صفوان بن المعطل من القول السيئ قال مع ذلك شعرا يعرّض فيه بصفوان ومن أسلم من مضر يقول فيه أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد فلما بلغ ذلك ابن المعطل اعترض حسان بن ثابت فضربه بالسيف ثم قال تلق ذباب السيف عنى فاننى ... غلام اذا هو جيت لست بشاعر فوثب عند ذلك ثابت بن قيس بن شماس على صفوان فجمع يديه الى عنقه بحبل ثم انطلق به الى دار بنى الحارث بن الخزرج فلقيه عبد الله بن رواحة فقال ما هذا قال أما أعجبك ضرب حسان بالسيف والله ما أراه الا قد قتله فقال له ابن رواحة هل علم رسول الله بشىء مما صنعت قال لا والله قال لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فدعا حسان وصفوان فقال صفوان يا رسول الله آذانى وهجانى فاحتملنى الغضب فضربته فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحسان يا حسان أشوّهت على قومى أن هداهم الله للاسلام ثم قال يا حسان أحسن فى الذى أصابك قال هى لك فأعطاه رسول الله عوضا منها بيرحا بالحاء المهملة بعدها ألف مقصورة من غير مدّ وروى فيها الاعراب بالحركات على الراء فى الاحوال الثلاث مع الاضافة الى حاء وأنكره أبو ذرّ وقال انما هى بفتح الراء فى كل حال* قال الباجى عليه أدركت أهل العلم بالمشرق وكذا عند القاضى عياض كذا فى البحر العميق* وهى قصر بنى جديلة اليوم بالمدينة ثم باعها حسان من معاوية بمال عظيم كانت مالا لابى طلحة بن سهل فتصدّق بها الى رسول الله ليضعها حيث يشاء فأعطاها حسان فى ضربته وأعطاه سيرين أمة قبطية ولدت له ابنه عبد الرحمن كذا فى سيرة ابن هشام* وقد روى من وجوه أن اعطاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم اياه سيرين انما كان لذبه بلسانه عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فالله تعالى أعلم* وقال بعد ذلك حسان يمدح عائشة ويعتذر من الذى كان من شأنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 حصان رزان لا تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حليلة خير الناس دينا ومنصبا ... نبىّ الهدى والمكرمات الفواضل عقيلة حىّ من لؤىّ بن غالب ... كرام المساعى مجدها غير زائل مهذبة قد طيب الله جيبها ... وطهرها من كل سوء وباطل فان كان ما قد قيل عنى قلته ... فلا رفعت سوطى الىّ أناملى وان الذى قد قيل ليس بلائط ... بها الدهر بل قول امرئ بى ماحل فكيف وودّى ما حييت ونصرتى ... لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس كلهم ... تقاصر عنه سورة المتطاول رأيتك وليغفر لك الله حرة ... من المحصنات غير ذات غوائل ولما بلغ قوله وتصبح غرثى من لحوم الغوافل قالت عائشة عند ذلك لكنك لست كذلك رواه مسلم ولما نزلت ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم الآية جلد رسول الله بعد تنازع بين الاصحاب أربعة عبد الله بن أبىّ وحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش أخت زينب التى عصمها الله بالورع جلدهم ثمانين ثمانين* وفى رواية وجلد زيد بن رفاعة خامس الاربعة المذكورة كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء قال قائل من المسلمين فى ضرب حسان وصاحبيه فى فريتهم على عائشة رضى الله عنها لقد ذاق حسان الذى كان أهله ... وحمنة اذ قالوا هجيرا ومسطح تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذى العرش الكريم فأترحوا وآذوا رسول الله فيها فجللوا ... مخازى تبقى عمموها وفضحوا وصبت عليهم محصدات كأنها ... شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح وقد ذكر أبو عمرو بن عبد البرّ الحافظ أن قوما أنكروا أن يكون حسان خاض فى الافك أو جلد فيه روى عن عائشة أنها برّأته من ذلك ثم ذكر عن الزبير بن بكار وغيره ان عائشة كانت فى الطواف مع أمّ حكيم بنت خالد بن العاصى وابنة عبد الله بن أبى ربيعة فتداكرن حسانا فابتدرتاه بالسب فقالت لهما عائشة ابن الفريعة تسبان انى لارجو أن يدخله الله الجنة بذبه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بلسانه أليس القائل هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء فان أبى ووالدتى وعرضى ... لعرض محمد منكم وقاء فقالتها لها أليس ممن لعنه الله فى الدنيا والآخرة بما قال فيك قالت لم يقل شيئا ولكنه القائل حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فان كان ما قد قيل عنى قلته ... فلا رفعت سوطى الىّ أناملى وفى السمط الثمين قال أبو عمرو هذا عندى أصح لانه لم يشتهر جلد عبد الله ولا جلد من اشتهر من الجميع * غزوة الخندق وفى شوّال هذه السنة وقعت غزوة الخندق سميت بالخندق لحفر النبىّ صلّى الله عليه وسلم الخندق باشارة سلمان الفارسى وسميت بالاحزاب جمع حزب أى طائفة لاجتماع طوائف المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن معهم وهم الذين سماهم الله تعالى بالاحزاب وأنزل الله تعالى فى ذلك صدر سورة الاحزاب كذا فى المواهب اللدنية والوفاء* واختلف فى تاريخها فقال موسى بن عقبة كانت فى شوّال سنة أربع وفى نسخة لعشرة أشهر وخمسة أيام وصححه النووى فى الروضة مع قوله بأن غزوة بنى قريظة فى الخامسة وهو عجيب لما سيأتى من انها كانت عقيب الخندق* وقال ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 اسحاق غزوة الخندق فى شوّال سنة خمس وبهذا جزم غيره من أهل المغازى وأما البخارى فمال الى قول موسى بن عقبة وقوّاه بقول ابن عمر ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه فيكون بينهما سنة واحدة وأحد كانت سنة ثلاث فتكون الخندق سنة أربع ولا حجة فيه بينهما اذا ثبت لنا انها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر فى أحد كان أوّل ما طعن فى الرابعة عشر وكان في الاحزاب استكمل الخمس عشرة وبهذا أجاب البيهقى* وقال الشيخ ولىّ الدين العراقى المشهور انها فى السنة الرابعة من الهجرة كذا فى المواهب اللدنية* قال أصحاب السير ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أجلى يهود بنى النضير من حوالى المدينة تفرّقوا فى البلاد وسكن كل قوم منهم فى ناحية وبعض منهم وهم حيى بن أخطب وأبو رافع غلام بن أبى الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق النضريون ومن تابعهم استوطنوا خيبر فخرج نفر من أشرافهم مثل حيى بن أخطب وكنانة بن الربيع وسلام بن أبى الحقيق النضريين وأبى عامر الفاسق وهوذة بن قيس الوائليين فى رهط من بنى النضير ورهط من بنى وائل قريب من عشرين رجلا وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قدموا مكة على قريش فاستغووهم واستنصروهم ودعوهم على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت لهم قريش يا معشر اليهود انكم أهل الكتاب والعلم بما كنا نختلف فيه نحن ومحمد فأخبرونا أديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله فيهم ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا الى قوله وكفى بجهنم سعيرا فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم ما قالوا وطابت قلوبهم ونشطوا لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجابوهم وأجمعوا على ذلك واستعدّوا له ثم خرجت أولئك اليهود من مكة حتى جاؤا غطفان من قيس غيلان بفتح الغين المعجمة اسم قبيلة سميت باسم جدّهم* وفى القاموس قيس عيلان بالفتح أبو قبيلة واسمه الناس بن مضر انتهى فدعوهم الى حرب رسول الله وأخبروهم بأنهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد تابعوهم على ذلك وأجمعوا عليه واجتمعوا معهم وجعلت يهود لغطفان تحريضا على الخروج نصف تمر خيبر كل عام فزعموا أن الحارث ابن عوف أخا بنى مرّة قال لعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ولقومه من غطفان يا قوم أطيعونى ودعوا قتال هذا الرجل وخلوا بينه وبين عدوّه من العرب فغلب عليهم الشيطان وقطع أعناقهم الطمع ونفذوا لامر عيينة على قتال رسول الله وكتبوا الى حلفائهم من بنى أسد فأقبل طليحة الاسدى فيمن تبعه من بنى أسد وهما الحليفان أسد وغطفان وكتب قريش الى رجال من بنى سليم بينهم وبينهم أرحام استمدادا لهم فأقبل أبو الاعور بمن تبعه من سليم مدد القريش ثم كتب اليهود الى حلفائهم من بنى سعد أن يأتوا الى امدادهم فجمع أبو سفيان جيش قريش أربعة آلاف رجل وفيهم ثلثمائة فرس وألف بعير وعقد والواء ودفعوه الى عثمان بن طلحة بن أبى طلحة من بنى عبد الدار فخرج أبو سفيان بقريش ونزلوا مرّ الظهران ولحق بهم من أجابهم من القبائل من بنى سليم وأسلم وأشجع وبنى مرّة وكنانة وفزارة وغطفان فصاروا فى جمع كبير حتى تحزبت وتجمعت عشرة آلاف رجل على ما ذكره ابن اسحاق بأسانيده ولهذا سمى هذه الغزوة غزوة الاحزاب وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان المسلمون ألفا والمشركون أربعة آلاف* وذكر ابن سعد انه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا كذا فى المواهب اللدنية فسارت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب وسارت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فى فزارة والحارث بن عوف بن أبى حارثة المرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 فى بنى مرّة ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن شحمة بن عبد الله بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه فى قومه من أشجع وتكامل لهم ولمن استمدّوه فأمدّهم جمع عظيم هم الذين سماهم الله الاحزاب فلما سمع بهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق على المدينة وكان الذى أشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالخندق سلمان الفارسى وكان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول الله وهو يومئذ حرّ قال يا رسول الله انا كنا بفارس اذا حوصرنا خندقنا علينا فعبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جيشه واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم ودفع لواء المهاجرين الى زيد بن حارثة ولواء الانصار الى سعد بن عبادة فخرج من المدينة فى ثلاثة آلاف رجل وعرض أصحابه وردّ الى المدينة من استصغره من أولاد الصحابة وأذن لبعضهم فى الخروج مثل عبد الله ابن عمر وزيد بن ثابت وأبى سعيد الخدرى والبراء بن عازب وهم يومئذ أبناء خمس عشرة سنة فطلب النبىّ صلّى الله عليه وسلم موضعا صالحا للخندق* وفى خلاصة الوفاء كان أحد جانبى المدينة عورة وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدوّ منها فاختار ذلك الجانب المكشوف للخندق وجعل معسكره تحت جبل سلع وجعل المسلمون ظهورهم الى جبل سلع وضربت له صلّى الله عليه وسلم قبة من أديم أحمر على القرن فى موضع مسجد الفتح والخندق بينه وبين المشركين فخط أوّلا موضع الخندق ثم قسمه فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا* وفى رواية لكل عشرة رجال عشرة أذرع فاستعار من يهود بنى قريظة لحفر الخندق المعاول والفؤس والمكاتل والقدوم والمرو المسحاة وغير ذلك وكانت يومئذ بينهم وبين النبىّ صلّى الله عليه وسلم مهادنة ومعاهدة وهم يكرهون مسير قريش الى المدينة* وفى خلاصة الوفاء وعمل فيه جميع المسلمين وهم يومئذ ثلاثة آلاف* قال الطبرى وأتباعه حفر النبىّ صلى الله عليه وسلم الخندق طولا من أعلا وادى بطحان غربى الوادى مع الحرة الى غربى مصلى العيد ثم الى مسجد الفتح ثم الى الجبلين الصغيرين اللذين فى غربى الوادى ومأخذه قول ابن النجار والخندق باق فيه قناة تأتى من عين قباء الى النخل الذى بالسنح حوالى مسجد الفتح وفى الخندق نخل أيضا وقد انطم أكثره وتهدّمت حيطانه* الحاصل ان الخندق كان شامى المدينة من طرف الحرّة الشرقية الى طرف الغربية* وعن أنس قال جعل المهاجرون والانصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يعمل فيه مع أصحابه* وعن سهل بن سعد قال كنا مع رسول الله وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتافنا* وفى رواية كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ينقل التراب حتى وارى التراب جلدة بطنه* وفى رواية بعض بطنه* وفى رواية شعر صدره وكان كثير الشعر* وفى رواية ينقل التراب يوم الخندق حتى اغمر أو اغبر بطنه وهو يقول أو يرتجز بكلمات ابن رواحة والله لولا الله ما اهتدينا* وفى رواية* لا همّ لولا أنت ما اهتدينا* ولا تصدّقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا* وثبت الاقدام ان لاقينا* ان الاولى قد رغبوا علينا** وفى رواية* ان الذين قد بغوا علينا ... اذا أرادوا فتنة أبينا ورفع بها صوته أبينا أبينا رواه الشيخان* وفى حديث سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى أنه صلّى الله عليه وسلم حين ضرب فى الخندق قال* بسم الله وبه بدينا* ولو عبدنا غيره شقينا* حبذاربا وحبذا دينا* قال فى النهاية يقال بديت بالشىء بكسر الدال أى بدأت به فلما خفف الهمزة كسر الدال فانقلبت الهمزة ياء وليس من باب الياء* وعن أبى قتادة انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لعمار حين يحفر الخندق فجعل يمسح رأسه ويقول بؤس ابن سمية تقتلك الفئة الباغية رواه مسلم* وروى ان حفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 الخندق كان فى زمان عسرة وعام مجاعة حتى انّ الاصحاب كانوا يشدّون فى بطونهم الحجر من الجهد والضعف الذى بهم من الجوع ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا* وعن أبى طليحة شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين ذكره الترمذى فى الشمائل ولهذا أشار صاحب البردة بقوله وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الادم قيل الحجر يدفع الجوع* وعن أنس خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الخندق فاذا المهاجرون والانصار يحفرون الخندق فى غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال اللهمّ لا خير الاخير الآخرة فبارك فى الانصار والمهاجرة* وفى رواية فاكرم الانصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا * وفى رواية ما حيينا أبدا فحفروا الخندق وفرغوا منه بعد ستة أيام* وفى المواهب اللدنية قد وقع عند موسى بن عقبة أنهم أقاموا فى عمل الخندق قريبا من عشرين يوما وعند الواقدى أربعا وعشرين* وفى الروضة للنووى خمسة عشر يوما* وفى الهدى النبوى لابن القيم أقاموا شهرا* روى أنه صلى الله عليه وسلم كان عين للمهاجرين أن يحفروا من موضع كذا الى موضع كذا وعين للانصار أن يحفروا من موضع كذا الى موضع كذا وتحاجّ الفريقان فى سلمان الفارسى وكل فريق قالوا سلمان منا ونحن أحق به وكان سلمان رجلا قويا يحسن حفر الخندق فلما سمع النبىّ مقالة الفريقين قال سلمان منا أهل البيت* روى انه كان يعمل فى حفر الخندق عمل الرجلين* وفى رواية كان يحفر كل يوم خمسة أذرع من الخندق وعمقها أيضا خمسة أذرع فعانه قيس بن صعصعة فصرع وتعطل من العمل فأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه فى ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفأ الاناء خلف ظهره ففعل فنشط فى الحال كما ينشط البعير من العقال* وروى انه كان عمرو بن عوف وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزنى وستة من الانصار فى أربعين ذراعا فحفروا حتى اذا كانوا تحت ذباب عرضت لهم* ذباب كغراب وكتاب لغتان* قال البكرى ذباب جبل بجبانة المدينة وهو الجبل الذى عليه مسجد الراية واسمه ذو ناب أيضا* وفى رواية أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء* وفى المواهب اللدنية كدية شديدة وهى بضم الكاف وتقديم الدال المهملة على المثناة التحتية القطعة الصلبة* وفى رواية مرو عظيمة كسرت حديدهم فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك وهو ضارب عليه قبة تركية فهبط مع سلمان الخندق وبطنه معصوب بحجر ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا كما مرّ والتسعة على شفير الخندق فأخذ المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء منها ما بين لابتيها يعنى المدينة حتى لكانّ مصباحا فى بيت مظلم فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر رسول الله تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون فأخذ بيد سلمان ورقى قال سلمان بأبى أنت وأمى يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى القوم فقال أرأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال ضربت ضربتى الأولى فبرق الذى رأيتم أضاءت لى منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أتياب الكلاب وأخبرنى جبريل ان أمّتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتى الثانية فبرق الذى رأيتم أضاءت لى منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب فأخبرنى جبريل ان أمّتى ظاهرة عليها ثم ضربتها ضربتى الثالثة فبرق الذى رأيتم أضاءت لى قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرنى جبريل انّ أمّتى ظاهرة عليها فابشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن واذ يقول المنافقون والدين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا وأنزل الله فى هذه القصة قل اللهمّ مالك الملك الآية ووقع عند أحمد والنسائى أخذ المعول وقال بسم الله ثم ضرب ضربة فبشر ثلثها فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله انى لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس وانى والله لأبصر قصور المدائن البيض الآن ثم ضرب الثالثة فقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله انى لأبصر أبواب صنعاء اليمن من مكانى هذا الساعة كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء اشتدّ عليهم فى بعض الخندق كدية فشكوها الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعا باناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضر فو الذى بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما تردّ مسحاة ولا فأسا* ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السيول من رومة بين الجرف ورباعة فى عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بنى كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن حتى نزلوا بذنب نعمى الى جانب أحد* وفى خلاصة الوفاء عن ابن اسحاق ان عيينة بن حصن فى غطفان نزلوا الى جانب أحد بباب نعمان* وفى تهذيب ابن هشام عند نزولهم بنعمى ونعمان بالضم وعين مهملة واد بجانب أحد يصب هو ونعمى فى الغابة وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ثلاثة آلاف رجل من المسلمين يوم الاثنين لثمان ليال مضين من ذى القعدة حتى جعلوا ظهورهم الى سلع فضرب هناك عسكره والخندق بينهم وبين المشركين وكان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الانصار بيد سعد بن عبادة وكان شعار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة حم لا ينصرون كذا فى سيرة ابن هشام وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبعث الحرس الى المدينة خوفا على الذرارى من بنى قريظة كذا فى المواهب اللدنية وأمر رسول الله بالنساء والذرارى حتى رفعوا فى الآطام وخرج عدوّ الله حيى بن أخطب النضرى بالتماس من أبى سفيان حتى أتى كعب بن أسد القرظى صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان كعب قد وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على قومه وعاهدهم على ذلك فلما سمع كعب بحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه حيى فأبى كعب أن يفتح له فناداه حيى ويحك يا كعب افتح لى فقال كعب ويحك يا حيى انك أمرؤ مشؤم وانى قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أرمنه الا وفاء وصدقا قال ويحك افتح لى أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله ما أغلقت الباب الا لخشيتك أن آكل معك فاغضب الرجل ففتح له فقال يا كعب ويحك جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى الى جانب أحد قد عاهدونى وعاقدونى أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب بن أسد جئتنى بذل الدهر بجهام هراق ماءه وبرعد وببرق ليس فيه شىء فدعنى ومحمدا وما أنا عليه فلم أر من محمد الا وقاء وصدقا فلم يزل حيى ابن أخطب بكعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 يفتل فى الذروة والغارب حتى سمح له على ان أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا ان أدخل معك فى حصنك حتى يصيبنى ما أصابك فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله حسبنا الله ونعم الوكيل وبعث صلّى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بنى عبد الاشهل وهو يومئذ سيد الاوس وسعد بن عبادة أحد بنى ساعدة وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحارث وخوّات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف ليعرفوا الخبر فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على اخبث ما بلغهم عنهم قالوا من رسول الله تبرؤا من عقده وعهده وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا فيه حدّة فقال له سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بينهم وبيننا أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومن معهما الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبروه وقالوا عضل والقارة أى كغدرهما بأصحاب الرجيع فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين ولما فشا بين المسلمين خبر نقض عهد بنى قريظة اشتدّ الخوف وعظم عند ذلك البلاء فبينماهم على ذلك اذ جاءتهم جنود يعنى الاحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوازها اثنى عشر ألفا كذا فى أنوار التنزيل فجاء بنو أسد وغطفان وفزارة واليهود من فوقهم من جهة المدينة وقائدهم حارث بن عوف وعبينة بن حصن الفزارى وجاء قريش وكنانة من جانب أسفل الوادى وقائدهم أبو سفيان بن حرب* وقال ابن عباس كان الذين جاؤهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان كذا فى الوفاء ومن هيبة كثرتهم وشدّة شوكتهم رعبت قلوب ضعفاء أهل الاسلام وزاغت أبصارهم* وفى الاكتفاء حتى ظنّ المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين وحتى قال قائل منهم كان محمد يعدنا أن نملك كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط كما قال الله تعالى اذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا فلما بلغت الاحزاب وجنود الاعراب شفير الخندق ورأوه تعجبوا منه اذ لم يكن أمر الخندق متعارفا بين العرب فأقاموا بظاهر المدينة على الخندق وحاصروا المسلمين عشرين أو أربعة وعشرين أو سبعة وعشرين يوما* وفى الاكتفاء وأقام عليه المشركون قريبا من شهر ولم يكن بينهم حرب الا الرمى بالنبل والحصار واستعان بنو قريظة من قريش ليبيتوا المدينة فعلم به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فبعث سلمة بن الاسلم فى مائتى رجل وزيد بن حارثة فى ثلثمائة رجل حتى حرسوا حصون المدينة ومحلاتها وكان جماعة من المنافقين مثل أوس القيظى ومتابعيه ينفرون جيش الاسلام ويقولون ارجعوا الى منازلكم واعتلوا بأنّ منازلكم عورة خالية عن المحافظة فانها خارج المدينة ونحن نخاف أن يظفر بها جيش العدوّ كما أخبر عنه قوله تعالى واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبىّ يقولون انّ بيوتنا عورة وما هى بعورة ان يريدون الا فرارا* روى انه كان عباد بن بشر مع جمع من الصحابة فى أيام المحاصرة يحرسون خيمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم كل ليلة وكان المشركون يتناوبون الحرب لكن الله تعالى لم يمكنهم من عبور الخندق فان شجعان الصحابة كانوا يمنعونهم بالنبال والاحجار وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنفسه فى الليالى يحرس بعض مواضع الخندق* روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان فى الخندق موضع لم يحسنوا ضبطه اذ أعجلهم الحال وكان يخاف عليه عبور الاعداء منه وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يختلف ويحرسه بنفسه ويقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 لا أخاف أن يعبر المشركون من موضع الا من هذا الموضع وكان يختلف عليه ورجع مرّة من الخندق فكنت أستد فئة فقال ليت رجلا صالحا يحرس الليلة هذا الموضع اذ سمع قعقعة السلاح فقال من هذا قال سعد بن أبى وقاص فأمره أن يحرس الليلة هذا الموضع فذهب سعد يحرسه فنام النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى نفخ وكان اذا نام نفخ* وعن أمّ سلمة أنها قالت كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة من ليالى الخندق يصلى فى خيمته فخرج منها فنظر فسمعته يقول هؤلاء ركب المشركين يحومون حول الخندق فأمر عباد بن بشر ومن معه أن يحوموا حول الخندق ثم قال اللهمّ ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم فذهب عباد وأصحابه حتى انتهوا الى شفير الخندق فرأوا أبا سفيان مع جمع من المشركين قد اقتحموا بمضيق من الخندق وقوم من المسلمين يرمونهم بالنبل والحجر فاعانهم عباد وأصحابه ورموا المشركين حتى ولوا هاربين فرجع عباد وأصحابه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يصلى فلما فرغ أخبروه بذلك قالت فنام رسول الله حتى نفخ وما استيقظ حتى أذن بلال الفجر فخرج وصلّى الفجر مع الجماعة* وعن أم سلمة كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم نائما فى خيمته ذات ليلة فلما كان نصف الليل كثر الصياح وارتفعت الاصوات وسمعت قائلا يقول يا خيل الله اركبوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شعار المهاجرين فى تلك الغزوة يا خيل الله اركبى* وفى رواية كان صلى الله عليه وسلم قال لهم ان بيتكم العدوّ فليكن شعاركم حم لا ينصرون فوجه الجمع أن يقال ان هذا كان شعار الانصار والله أعلم* وفى سيرة ابن هشام كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة حم لا ينصرون* فانتبه صلّى الله عليه وسلم وخرج من خيمته وسأل الحرس ما شأن الناس وما هذا الصياح قال عباد هذا صوت عمرو بن عبدودّ العامرى والليلة نوبته فبعثه النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليه فذهب عباد والنبىّ صلّى الله عليه وسلم واقف خارج الخيمة ينتظر الخبر فرجع وقال يا رسول الله هذا عمرو بن ودّ فى جمع من المشركين يرمون المسلمين بالنبل والحجارة فدخل النبىّ صلّى الله عليه وسلم خيمته ولبس سلاحه فخرج وركب فرسه وناس بين يديه حتى بلغوا ذلك الموضع ثم رجعوا مع جراحات كثيرة قد أصابتهم فرقد النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى سمعته ينفخ ثم سمعت صياحا فاستيقظ النبىّ صلّى الله عليه وسلم فبعث اليه عباد بن بشر فرجع فقال هذا ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهرى فى جمع من المشركين يقاتلون المسلمين ويرمونهم بالنبال والاحجار فلبس النبىّ صلّى الله عليه وسلم سلاحه وتوجه الى ذلك الموضع واشتغل بقتالهم حتى الصباح ثم رجع وقال هربوا مع جراحات كثيرة قالت أم سلمة قد كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوات عديدة مثل المريسيع وخيبر والحديبية وفتح مكة وحنين والطائف ولم تكن غزوة من تلك الغزوات شديدة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم مثل الخندق لقد أصابه تعب ومشقة كثيرة وأصاب المسلمين جراحات كثيرة وكان الزمان زمان برد وعسرة* روى أنه لما اشتدّ البلاء رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يعطى غطفان وفزارة ثلث ثمار المدينة حتى يرجعا عنه ويخذلا قريشا فبعث الى عيينة بن حصن الفزارى والحارث بن عوف وهما قائدا فزارة وغطفان وشرط لهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما المراوضة فى الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح* وفى رواية ان عيينة وحارثا مع نفر من قومهما أتيا النبىّ صلّى الله عليه وسلم لامر المصالحة فجرى بينه وبينهم الصلح فأمر النبى عثمان بن عفان حتى كتب كتاب الصلح ولم يقع الاشهاد ولما أرادوا أن يكتبوا الشهادة جاء اسيد بن حضير فرأى عيينة ابن حصن الفزارى قد مدّ رجله بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلم ما جاء له فأقبل الى عيينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وقال يا عين الهجرس أتمدّ رجلك بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فو الله لولا مجلس رسول الله لانفذت جنبك بهذا الرمح ثم أقبل بوجهه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان كان هذا شيئا أمرك الله به لا بدّ لنا من عمل به أو أمرا تحبه فاصنع ما شئت ما نقول فيه شيئا وان كان غير ذلك فو الله ما نعطيهم الا السيف متى كانوا يطعمون منا شيئا فسكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا فدعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما فيه فقالا مثل ما قال أسيد بن حضير فقالا يا رسول الله أشىء أمرك الله به أم أمر تصنعه لنا قال بل شىء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك الا لانى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكايدوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم فقال سعد ابن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الاوثان لا نعرف الله ولا نعبده وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة الاقرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالاسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم الا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله فأنت وذلك فتناول سعد الصحيفة وأخذها من عثمان فمحاما فى الكتاب ومزق الكتاب ثم قال ليجتهدوا علينا فرجع عيينة ابن حصن والحارث بن عوف خائبين خاسرين وعلما أن لا يدلهم على المدينة بوجه من الوجوه لما رأوا من اخلاص الانصار واتفاقهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل فى أمرهما فتور وتزلزل* وروى ان فوارس من قريش وشجعانهم منهم عمرو بن عبدودّ أخو بنى عامر بن لؤى وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بنى محارب قد تلبسوا يوما للقتال وخرجوا على خيلهم ومرّوا على بنى كنانة وقالوا تهيئوا للحرب يا بنى كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم أقبلوا نحو الخندق تعنق بهم خيلهم والجيش على أثرهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله ان هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم قصدوا مكانا ضيقا من نواحى الخندق فضربوا خيولهم فاقتحمت فيه من تلك الناحية الضيقة فعبروه فجالت بهم خيولهم فى السبخة بين الخندق وسلع وأبو سفيان وخالد بن الوليد وفوج من رؤساء قريش وكنانة وغطفان كانوا مصطفين على الخندق فقال عمرو بن عبدودّ لابى سفيان ما لكم لا تعبرون قال أبو سفيان ان احتيج الى عبورنا نعبر أيضا وكان عمرو بن عبدودّ من مشاهير الابطال وشجعان العرب وكانوا يعدلونه بألف رجل وقد كان قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فجال وطلب المبارزة والاصحاب ساكتون كأنما على رؤسهم الطير لانهم كانوا يعلمون شجاعته* مبارزة علىّ لعمرو بن عبد ودّ وفى الاكتفاء ذكر ابن اسحاق فى غير رواية البكائى ان عمرو بن عبدودّ لما نادى يطلب من يبارزه قام علىّ وهو مقنع بالحديد فقال أنا له يا رسول الله فقال له اجلس انه عمرو ثم نادى عمرو وجعل يوبخهم ويقول أين جنتكم التى تزعمون انه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون الىّ رجلا فقام علىّ فقال أنا له يا رسول الله فقال له اجلس انه عمرو ثم نادى الثالثة وقال ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز ... ووقفت اذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز وكذاك الثانى لم أزل ... متسرعا نحو الهزاهز ان الشجاعة فى الفتى ... والجود من خير الغرائز فقام علىّ وقال أنا له يا رسول الله فقال انه عمرو فقال وان كان عمرا فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمشى اليه علىّ وهو يقول لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 ذونية وبصيرة ... والصدق منجى كل فائز انى لارجو أن اقسيم عليك نائحة الجنائز ... من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز * فقال عمرو من أنت قال أنا علىّ قال ابن عبد مناف قال أنا على بن أبى طالب قال غيرك يا ابن أخى من أعمامك من هو أسنّ منك فانى اكره أن أهريق دمك فقال علىّ لكنى والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علىّ مغضبا ويقال انه كان على فرسه فقال له علىّ كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن انزل معى فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله علىّ رضى الله عنه بدرقته فضربه عمرو فيها فقدّها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه علىّ على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم التكبير فعرف أن عليا قتله* وفى القاموس كان علىّ ذا شجتين فى قرنى رأسه احداهما من عمرو ابن ودّ والثانية من ابن ملجم ولذا يقال له ذو القرنين* وفى رواية لما أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلىّ أعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه الحديد وعممه عمامته وقال اللهم أعنه عليه* وفى رواية رفع عمامته الى السماء وقال الهى أخذت عبيدة منى يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علىّ أخى وابن عمى فلا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين فمشى اليه علىّ فى نفر من المسلمين حتى أخذوا على الثغرة التى اقتحموا منها فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم فلما وقف عمرو وخيله قال له علىّ يا عمرو سمعت انك تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش الى خلتين الا أخذت منه احداهما* وفى الاكتفاء الى احدى الخلتين الا أخذتها منه قال أجل فقال علىّ فانى أدعوك الى الله والى رسوله والى الاسلام قال لا حاجة لى فى ذلك قال فارجع الى ديارك واترك القتال معنا فان انتظم أمر محمد وظفر على أعدائه فقد أسعدته وأمددته والا فحصل مطلوبك من غير قتاله قال عمرو ان نساء قريش لا يقلن هذا كيف وقد قدرت على استيفاء نذرى وأنا أرجع ولم أف به وقد كان عمرو جرح يوم بدر وأفلت هاربا ونذر أن لا يدّهن حتى ينتقم من محمد فقال علىّ فانى أدعوك الى النزال فقال له يا ابن أخى فو الله ما أحب أن أقتلك قال علىّ ولكنى أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه وسل سيفه وعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علىّ فتنازلا وتجاولا فقتله علىّ وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق هاربة وفى رواية ثم حمل ضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبى وهب على علىّ وهو أقبل اليهما فأما ضرار فلما نظر الى وجه علىّ ولى هاربا وبعد ذلك سئل عن سبب فزاره قال خيل لى أن الموت يرينى صورته وأما هبيرة فثبت فى مقاتلته حتى أصابه أثر السيف فعند ذلك ألقى درعه وهرب* وفى رواية حمل الزبير بن العوّام وعمر بن الخطاب بعد قتل علىّ عمرا على بقية أصحاب عمرو وقد كان ضرار بن الخطاب يفرّ وعمر يشتدّ فى أثره فكرّ ضرار راجعا وحمل على عمر بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلى عندك غير مجزى بها فاحفظها* وفى معالم التنزيل وأما نوفل ابن عبد الله فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعا* وفى المنتقى فتورّط فيه* وفى الوفاء وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومى فبارزه الزبير فقتله ويقال قتله علىّ ورجعت بقية الخيول منهزمة* وفى روضة الاحباب اقتحم الخندق نوفل حين الفرار فسقط فيه فرماه المسلمون بالحجارة فصرخ يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل اليه علىّ فضربه بالسيف فقطعه نصفين وجرح من الكفار يومئذ منبه بن عثمان أصابه سهم فمات منه بمكة وفرّ عكرمة وهبيرة ومرداس وضرار حتى انتهوا الى جيشهم فأخبروهم بقتل عمرو ونوفل فتوهن من ذلك قريش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وخاف أبو سفيان وكادت أن تهرب فزارة وتفرّقت غطفان* وفى معالم التنزيل طلب المشركون جيفة نوفل بالثمن فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خذوه فانه خبيث الجيفة خبيث الدية وروى ان عليا لما قتل عمرا لم يسلبه فجاءت اخت عمرو حتى قامت عليه فلما رأته غير مسلوب سلبه قالت ما قتله الا كفؤ كريم ثم سألت عن قاتله قالوا علىّ بن أبى طالب فأنشأت هذين البيتين لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... لكنت أبكى عليه آخر الابد لكنّ قاتله من لا يعاب به ... من كان يدعى قديما بيضة البلد وروى ان الكفار فى ذلك اليوم أو فى يوم آخر اتفقوا وشرعوا فى القتال من جميع جوانب احندق فقاتلوا سائر اليوم حتى فاتت صلاة الظهر والعصر والمغرب عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وبعد ذلك أمر بالاقامة لكل صلاة وقضوها* وفى الهداية ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهنّ مرتبة ثم قال صلوا كما رأيتمونى وقد صح عن علىّ أنه قال قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الخندق ملأ الله عليهم بيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس وقيل اقتتلوا ثلاثة أيام قتالا شديدا حتى حجز الليل بينهم سيما فى اليوم الثالث حين شغلهم القتال عن صلاة العصر والمغرب وقيل والظهر وذلك قبل نزول صلاة الخوف وهو قوله تعالى فان خفتم فرجالا أو ركبانا* وفى شمائل الترمذى روى أنه كان يوم الخندق رجل من الكفار معه ترس وكان سعد راميا وكان الرجل يقول كذا وكذا بالترس يغطى جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه سعد لم يخطئ هذه منه يعنى جبهته وانقلب وأشال برجله فضحك النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه يعنى من فعله بالرجل قالت عائشة كنا يوم الخندق فى حصن بنى حارثة وهو من أحرز حصون المدينة وكانت أمّ سعد بن معاذ معنا فى الحصن وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمرّ سعد بن معاذ وعليه درع مقلص قد خرجت منها ذراعه كلها وفى يده حربة وهو يقول البث قليلا تلحق الهيجا جمل* وفى الاكتفاء فى يده حربة يرقد بها أى يسرع بها فى نشاط وهو يقول البث قليلا تشهد الهيجا جمل ... لا بأس بالموت اذا حان الاجل كذا فى المنتقى* وفى الصفوة عن عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس فسمعت وبيد الارض من ورائى فالتفت فاذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة فجلست الى الارض فمرّ سعد وهو يرتجز البث قليلا تدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت اذا جاء الاجل فقالت أمّه يا بنىّ الحق فقد والله أخرت قالت فقلت لها والله يا أمّ سعد لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هى وخفت عليه حيث أصاب السهم منه قالت فرمى سعد يومئذ بسهم فقطع منه الاكحل وزعموا أنه لم ينقطع من أحد قط الا لم يزل يبض دما ولم يرقأ حتى يموت* الاكحل بفتح الهمزة والحاء المهملة بينهما كاف ساكنة عرق فى وسط الذراع* قال الخليل هو عرق الحياة يقال ان فى كل عضو منه شعبة فهو فى اليد الاكحل وفى الظهر الابهر وفى الفخذ النسا* وكان الذى رماه حبان بن قيس ابن العرقة أحد بنى عامر بن لؤى فلما أصابه قال خذها وأنا ابن العرقة قال سعد عرق الله وجهك فى النار* وحبان بن العرقة وقد تفتح الراء وهى أمّه قلابة لقبت بها لطيب ريحها كذا فى القاموس قال ابن اسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك انه كان يقول ما أصاب سعدا يومئذ الا أبو أسامة الجشمى حليف بنى مخزوم* قال ابن هشام ويقال ان الذى رمى سعد اخفاجة بن عاصم بن حبان كذا فى سيرة ابن هشام ثم قال سعد اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها فانه لا قوم أحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الىّ أن اجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وان كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لى شهادة ولا تمتنى حتى تقرّ عينى أو قال تشفينى من بنى قريظة وكانوا حلفاء سعد ومواليه فى الجاهلية فرقأ كمله* ولما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخندق أمر بقبة من أدم ضربت على سعد فى المسجد* وعن جابر قال رمى سعد بن معاذ فى أكحله فحسمه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعنه قال رمى أبى بن كعب يوم الاحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعنه بعث رسول الله الى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه روى الاحاديث الثلاثة مسلم كذا فى المشكاة* لطيفة وروى ابن اسحاق عن عباد الزهرى انه كانت صفية بنت عبد المطلب فى فارع حصن قالت وحسان معنا وفيه من النساء والصبيان فمرّ بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون فى نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا الينا عنهم اذ أتانا آت قلت يا حسان ان هذا اليهودى كما ترى يطيف بالحصن وانى والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من اليهود وقد شغل عنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل اليه فاقتله فقال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا فلما قال ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت اليه من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت الى الحصن فقلت يا حسان انزل فسلبه فانه لم يمنعنى من سلبه الا أنه رجل قال مالى فى سلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب كذا فى المنتقى* وفى الوفاء روى الطبرانى ورجاله ثقات عن رافع بن خديج قال لم يكن حصن أحصن من حصن بنى حارثة فجعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم النساء والصبيان والذرارى فيه وقال ان ألم بكنّ أحد فألمعن بالسيف فجاءهنّ رجل من بنى حارثة بن سعد يقال له نجدان أحد بنى جحاش على فرس حتى كان فى أصل الحصن ثم جعل يقول انزلن الىّ خير لكن فحرّكن السيف فأبصره أصحاب رسول الله فابتدر الحصن قوم فيهم رجل من بنى حارثة يقال له ظفر بن رافع فقال يا نجدان ابرز فبرز اليه فحمل عليه فقتله وأخذ رأسه وذهب به الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى الوفاء قال حسان لا والله ما ذاك فىّ ولو كان فىّ لخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت صفية فأربط السيف على ذراعى ثم تقدّمت اليه حتى قتلته وقطعت رأسه فقالت له خذ الرأس فارم به على اليهود قال ما ذاك فىّ فأخذت هى الرأس فرمت به اليهود فقالت اليهود قد علمنا أن لم يكن يترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرّقوا وذهبوا وروى الطبرانى هذه القصة عن صفية فى غزوة أحد وفى اسناده اثنان قال الهيتمى لم أعرفهما وبقية اسناده ثقات والمذكور فى كتب السير انّ هذه القصة فى الخندق وانّ بعضهم كان بحصن بنى حارثة وبعضهم بفارع* قال السهيلى محمل هذا الحديث عند الناس أن حسانا كان جبانا شديد الجبن وقد دفع بعض العلماء هذا وأنكره وقال لو صح هذا لهجى حسان به فانه كان يهاجى الشعراء وكانوا يردّون عليه فما عيره أحد بجبن وان صح فلعل حسانا كان متعللا فى ذلك اليوم بعلة منعته عن شهود القتال هذا وروى الطبرانى برجال الصحيح عن عروة مرسلا ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أدخل النساء يوم الاحزاب أطما من آطام المدينة وكان حسان بن ثابت رجلا جبانا فأدخله مع النساء فأغلق الباب وذكر القصة* وفى أسد الغابة لابن الاثير كان حسان من أجبن الناس حتى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم جعله مع النساء فى الآطام يوم الخندق وأقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم واتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم ثم ان نعيم بن مسعود بن عامر الاشجعى الغطفانى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 فقال يا رسول الله انى قد أسلمت وان قومى لم يعلموا باسلامى فمرنى بما شئت فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة فخرج نعيم حتى أتى بنى قريظة وكان لهم نديما فى الجاهلية فقال لهم يا بنى قريظة قد عرفتم ودّى اياكم وخاصة ما بينى وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان قد جاؤا لحرب محمد وقد ظاهر تموهم عليهم وان قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون أن تحوّلوا الى غيره وان قريشا وغطفان اموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره ان رأوا نهزة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به ان خلابكم فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا بعض أشرافهم رهنا يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالوا لقد أشرت برأى ونصح ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبى سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش يا معشر قريش قد عرفتم ودّى اياكم وفراقى محمدا وقد بلغنى أمر رأيت حقا علىّ أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علىّ ما أقول لكم قالوا نفعل قال اعلموا ان معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا اليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقى منهم حتى نستأصلهم فأرسل محمد اليهم أن نعم فان بعث اليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم لا تدفعوا اليهم منكم رجلا واحدا* ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان أنتم أهلى وعشيرتى وأحب الناس الىّ فلا أراكم تتهمونى قالوا صدقت قال فاكتموا علىّ قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم به فلما كانت ليلة السبت من شوّال سنة خمس وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم انه أرسل أبو سفيان ورؤساء غطفان الى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل فى نفر من قريش وغطفان وقالوا لهم انا لسنا بدار مقام هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا اليهم ان اليوم يوم السبت وهو يوم لا يعمل فيه شىء وكان قد أحدث فيه بعض الناس حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذى نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فانا نخشى انكم اذا اشتدّ عليكم القتال أسرعتم السير الى بلادكم وتركتمونا والرجل فى بلادنا فلا طاقة لنا بذلك فلما رجعت اليهم الرسل وأخبروهم بالذى قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله ان الذى حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا الى بنى قريظة انا والله لا ندفع اليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا وقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت اليهم الرسل وأخبروهم بهذا الخبر ان الذى ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم الا القتال فان وجدوا فرصة انتهزوها وان كان غير ذلك تشمروا الى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل فى بلادكم فأرسلوا الى قريش وغطفان والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم* روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حوصر بضع عشرة ليلة* وفى الوفاء ذكر موسى بن عقبة ان مدّة الحصار كانت عشرين يوما حتى أصاب كل امرئ منهم الكرب فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى مسجد الاحزاب* وعن جابر بن عبد الله الانصارى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا فى مسجد الفتح يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء فقال اللهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب اللهمّ اهزمهم وزلزلهم فاستجيب له يوم الاربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر فعرف البشر فى وجهه صلّى الله عليه وسلم فأجلوا* قال جابر ولم ينزل بى أمر غائظ الا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فاعرف الاجابة* وفى مسند الامام أحمد عن أبى سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 الخدرى قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شىء فنقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا فضرب الله وجوه أعدائة بالريح فهزمهم* وفى معالم التنزيل قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الاحزاب انطلقى ننصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت الشمال ان الحرّ لا يسرى بالليل وكانت الريح التى أرسلت عليهم الصبا* وعن ابن عباس عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور فبعث الله عليهم فى تلك الليلة الشاتية ريحا باردة فأحصرتهم وسفت التراب فى وجوههم وأرسل عليهم جنودا لم يروها وهم الملائكة وكانوا ألفا ولم تقاتل يومئذ ولكن قلعت الاوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وجالت الخيل بعضها فى بعض وكثر تكبير الملائكة فى جوانب عسكرهم وقذف الله فى قلوبهم الرعب فانهزموا من غير قتال* وفى ينبوع الحياة لابن ظفر قيل انه صلّى الله عليه وسلم دعا فقال يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همى وغمى وكربى فانك ترى ما نزل بى وبأصحابى فأتاه جبريل وبشره بأن الله سبحانه يرسل عليهم ريحا وجنودا فأعلم أصحابه ورفع يده به قائلا شكرا شكرا وهبت ريح الصبا ليلا فقلعت الاوتاد وألقت عليهم الابنية وكفأت القدور وسفت عليهم التراب ورمتهم بالحصباء وسمعوا فى أرجاء عسكرهم التكبير وقعقعة السلاح فارتحلوا هرابا فى ليلتهم وتركوا ما استنقلوه من متاعهم قال فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها كذا فى المواهب اللدنية* وروى عن حذيفة أنه قال لقد رأيتنى ليلة الاحزاب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال من يقوم فيذهب الى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة فما قام منا رجل ثم صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت الينا فقال مثله فسكت القوم وما قام رجل ثم صلّى هو يا من الليل ثم التفت الينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أن يكون رفيقى فى الجنة فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة البرد وشدّة الجوع فلما لم يقم أحد دعانى فقال يا حذيفة فلم يكن لى بدّ من القيام حين دعانى فقلت لبيك يا رسول الله فقمت حتى أتيته وان جنبتى لتضطربان فمسح رأسى ووجهى ثم قال ائت هؤلاء القوم حتى تأتينى بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ* وفى رواية لا تذعرهم علىّ* وفى رواية قال يا حذيفة اذهب فادخل فى القوم فانظر ما يفعلون ولا تذعرهم علىّ ثم قال اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فأخذت سهمى وشددت علىّ أسلابى ثم انطلقت أمشى نحوهم كأنى أمشى فى حمام فذهبت فدخلت فى القوم وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنود الله تفعل بهم الريح ما تفعل فلا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فرأيت أبا سفيان قاعدا يصطلى أو قال يصلى ظهره بالنار فأخذت سهما فوضعته فى كبد قوسى فأردت أن أرميه ولو رميته لا صبته فذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ ولا تذعرهم علىّ فرددت سهمى فى كنانتى فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر كل امرئ من جليسه قال حذيفة فأحذت بيد الرجل الذى الى جنبى فقلت من أنت قال أنا فلان بن فلان* وذكر ابن عقبة انه فعل ذلك بمن على جانبيه يمينا ويسارا قال وبدرتهم بالمسئلة خشية أن يفطنوا* فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم قام وقال يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذى نكرهه ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فانى مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلقه الا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم الىّ أن لا تحدث شيئا حتى تأتينى ثم شئت لقتلته بسهم ولما سمعت فزارة وغطفان بما فعلت قريش انصرفت الى بلادها* وفى الوفاء فحملت قريش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 واستمرّوا راجعين الى بلادهم* وعن الكلبى أنه قال ان الملائكة اتبعوا الاحزاب حتى بلغوا الروحاء يكبرون فى أدبارهم فهربوا لا يلوون على شىء والله أعلم* وفى الصفوة عن عائشة رضى الله عنها بعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة بن حصن ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا فى صياصيهم ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فأمر بقبة من أدم فضربت على سعد ابن معاذ فى المسجد كما سيجىء* قال حذيفة فرجعت الى رسول الله كأنى أمشى فى الحمام ورأيت فى أثناء الطريق عشرين راكبا عليهم عمائم بيض قالوا لى أخبر صاحبك أن الله كفاك جيش العدوّ كذا فى روضة الاحباب* قال حذيفة أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو قائم يصلى فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت نواجذه يعنى أنيابه فى سواد الليل فلما أخبرته قررت فذهب عنى الدفاء فأدنانى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأنا منى عند رجليه وألقى علىّ طرف ثوبه وألزق صدرى ببطن قدميه وفى رواية ألبسنى من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس بحضرته أحد من العساكر* وفى الوفاء قال مالك لم يستشهد من المسلمين يوم الخندق الا أربعة أو خمسة* وقال ابن اسحاق لم يستشهد يوم الخندق من المسلمين الاستة نفر من بنى عبد الاشهل سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك وعبد الله بن سهل ثلاثة نفر ومن بنى جشم بن الخزرج ثم من بنى سلمة الطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة رجلان ومن بنى النجار ثم من بنى دينار كعب بن زيد أصابه سهم غرب فقتله وقتل من المشركين ثلاثة نفر من بنى عبد الدار ابن قصى منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة ومن بنى مخزوم ابن يقظة نوفل بن عبد الله بن المغيرة اقتحم الخندق فتورّط فيه فقتل فغلب المسلمون على جسده وسأل المشركون رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده فقال صلّى الله عليه وسلم لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه فخلى بينهم وبينه* قال ابن هشام اعطوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى جسده عشرة آلاف درهم فيما بلغنى عن الزهرى* وفى معالم التنزيل فطلب المشركون جيفة نوفل بالثمن فقال رسول الله خذوه فانه خبيث الجيفة خبيث الدية وقد مرّ ومن بنى عامر بن لؤى ثم من بنى مالك بن حسل عمرو بن عبدودّ قتله على بن أبى طالب* قال ابن هشام وحدّثنى الثقة انه حدث عن ابن شهاب الزهرى أنه قال قتل على بن أبى طالب يومئذ عمرو بن ودّ وابنه حسل بن عمرو وكان من المناوشات بين الفريقين أن مات بعض بنى عمرو بن عوف من أهل قباء فاستأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليدفنوه فأذن لهم فلما خرجوا الى الصحراء لدفن ميتهم وافقوا ضرار بن الخطاب وجماعة من المشركين بعثهم أبو سفيان ليمتاروا له من بنى قريظة على ابل له فحملوا على بعضها قمحا وعلى بعضها شعيرا وعلى بعضها تمرا وتبنا للعلف فلما رجعوا وبلغوا ساحة قباء وافقوا الذين كانوا يدفنون ميتهم فناهضهم المسلمون وغلبوهم وجرح ضرار جراحات فهرب هو وأصحابه وساق المسلمون الابل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان للمسلمين فى ذلك سعة من النفقة وكان قد أقام بالخندق خمسة عشر يوما وقيل أربعة وعشرين يوما وقيل عشرين وقيل سبعة وعشرين وقيل قريبا من شهر كما مرّ* قال صلّى الله عليه وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا وكان كذلك فهو معجزة وانصرف عليه السلام من غزوة الخندق يوم الاربعاء لسبع ليال بقين من ذى القعدة كذا فى المواهب اللدنية* غزوة بنى قريظة وفى ذى القعدة من هذه السنة وقعت غزوة بنى قريظة قال أهل السير لما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الليل وقد انصرف الاحزاب مدلجين انصرف صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون من الخندق الى المدينة يوم الاربعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 كما سبق ذكره ووضعوا عنهم السلاح فلما كان الظهر أتاه جبريل معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة بيضاء عليها رحاله عليها قطيفة من ديباج ورسول الله صلّى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهى تغسل رأسه* وفى رواية فى بيت فاطمة وقد اغتسل ويريد أن يتطيب اذ جاءه جبريل* وفى رواية كان فى بيت عائشة ساعتئذ وهى تغسل رأسه وقد غسلت شقه* روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت سمعت صوت رجل يسلم علينا من خارج البيت فقام صلّى الله عليه وسلم مستعجلا وخرج من البيت فتبعته الى الباب فرأيت دحية الكلبى على بغلة بيضاء على وجهه الغبار* وفى رواية على ثناياه النقع فجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يمسحه بردائه ويحدّثه فلما عاد الى البيت قال هذا جبريل أمرنى بالمسير الى بنى قريظة* وفى الوفاء ذكر ابن عقبة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان فى المغتسل عند ما جاءه جبريل وهو يرجل رأسه وقد رجل احد شقيه فجاءه جبريل على فرس عليه اللامة وأثر الغبار حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له جبريل غفر الله لك قد وضعت السلاح قال نعم قال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وفى المنتقى بعد أربعين ليلة وما رجعت الآن الا من طلب القوم* وفى المنتقى كان الغبار على وجهه وفرسه فجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه انتهى قال جبريل ان الله يأمرك بالمسير الى بنى قريظة فانى عامد اليهم فمزلزل بهم وكذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية وعند ابن عائذ قم فشدّ عليك سلاحك فو الله لادقنهم دق البيض على الصفا* وفى الوفاء فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار فى زقاق بنى غنم حى من الانصار* وفى البخارى قال أنس كأنى أنظر الى الغبار ساطعا فى سكة بنى غنم من موكب جبريل وزقاقهم عند موضع الجنائز شرقى المسجد* وفى رواية ابن سعد فجاء جبريل فقال يا رسول الله انهض الى بنى قريظة فقال ان فى أصحابى جهدا قال انهض اليهم فلأضعضعنهم* وفى المنتقى قال جبريل وانّى عامد الى بنى قريظة فاشهد اليهم فانى قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم فى زلزال وبلبال فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مناديا ينادى يا خيل الله اركبى* وفى رواية نادى ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا فى بنى قريظة وقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب براية اليهم ولبس صلّى الله عليه وسلم لأمته وبيضته وشدّ السيف فى وسطه وألقى الترس من وراء كتفه وأخذ رمحه وركب فرسه واسمه لحيف واجتنب فرسين* وأما ما فى شمائل الترمذى كان صلّى الله عليه وسلم يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه اكاف ليف فالتوفيق بين الروايتين ممكن واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم فسار على أثر علىّ والاصحاب تهيئوا وخرجوا وكان عددهم قريبا من ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثين فرسا ولما بلغ بنى النجار فى الطريق رآهم قد تسلحوا وصفوا على الطريق فقال من أمركم بلبس السلاح قالوا دحية الكلبى قال ذاك جبريل عليه السلام ذهب ليزلزل حصونهم وفى المنتقى ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصورين قبل أن يصل الى بنى قريظة* فى القاموس الصوران موضع بقرب المدينة* وفى خلاصة الوفاء يقال الصوران بالفتح ثم السكون للنخل المجتمع الصغار موضع فى أقصى بقيع الغرقد مما يلى طريق بنى قريظة مرّ به النبىّ صلّى الله عليه وسلم متوجها الى بنى قريظة* وفى المنتقى سأل رسول الله أصحابه بالصورين هل مرّبكم أحد قالوا مرّ بنادحية بن خليفة الكلبى على بغلة بيضاء عليها رحاله وعليها قطيفة ديباج فقال صلّى الله عليه وسلم ذاك جبريل بعث الى بنى قريظة يزلزل حصونهم ويقذف الرعب فى قلوبهم وقد كان علىّ ابتدر الناس وسار حتى اذا دنا من الحصن غرز هناك الراية فشرعت اليهود فى السب من فوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الحصن* وفى المنتقى سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فترك علىّ أبا قتادة عند الراية ورجع حتى لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الاخابث قال لم أظنك سمعت لى منهم أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا وانتهى المسلمون الى بنى قريظة فيما بين المغرب والعشاء وبعض الاصحاب صلوا العصر فى الطريق رعاية للوقت وحملوا نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على التعجيل والمبالغة فى المسير وبعضهم قضوا العصر ببنى قريظة رعاية لظاهر النهى وما عاب أحدا من الفريقين ولا عنفهم* وفى المنتقى ولما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنى قريظة نزل على بئر من آبارهم فى ناحية فتلاحق به الناس فأتاه بعض الناس بعد صلاة العشاء الاخرة ولم يصلوا العصر لقوله عليه السلام لا يصلين أحد العصر الا ببنى قريظة فصلوها بعد العشاء الآخرة فما عاتبهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد كان حيى بن أخطب دخل مع بنى قريظة فى حصنهم حين رجعت قريش وغطفان من الخندق وفاء لكعب بن أسد بما عاهد* ولما دنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا اخوان القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته انزلوا على حكم الله ورسوله* وفى رواية قال اخسؤا أخسأكم الله أى ابعدوا أبعدكم الله من رحمته قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا ولا فحاشا قبل هذا ولما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قولهم هذا سقطت العنزة من يده والرداء عن كتفه وجعل يتأخر استحياء مما قال لهم وقال أسيد بن حضير يا أعداء الله نحن لن نبرح من ههنا حتى تموتوا من الجوع وأنتم انحجرتم مثل الثعلب فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن أبى وقاص حتى رماهم ساعة بالنبل ثم رجع الى معسكره وكانوا يقاتلونهم فى كل يوم من جوانب الحصن ويرمونهم بالنبل والحجارة فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ذلك خمسا وعشرين ليلة كذا فى الصفوة* وفى رواية خمس عشرة ليلة وعند ابن سعد عشرة* وفى معالم التنزيل احدى وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب فأمسكوا عن القتال وأرسلوا نباش بن قيس الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسألوا النزول كما نزل بنو النضير وأن يخرجوا مع نسائهم وأبنائهم من هذا البلد ولك الاموال والاسلحة والامتعة والدواب فأبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الا النزول على أن يفعل بهم ما يريد ولما رجع النباش وبلغهم الخبر وأيقنوا ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم جمع رئيسهم كعب بن أسد أشراف بنى قريظة وقال يا معشر اليهود انه قد نزل بكم من الامر ما ترون وانى أعرض عليكم خلالا ثلاثة فحذوا أيتها شئتم قالوا وما هى قال نتابع هذا الرجل ونصدّقه فو الله لقد تبين لكم انه نبىّ مرسل وانه الذى تجدونه فى كتابكم وابن حواس وكان من علماء التوراة اذ بلغ هذه الديار أخبركم بظهوره بها وآمن به وأوصاكم بمتابعته ونصرته وقال لكم ان أدركتم زمانه بلغوه سلامى فآمنوا به فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فاذا أبيتم هذا فهلموا لنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج على محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلايهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه وان نغلب عليه لنتخذن النساء والابناء الاخر قالوا كيف نقتل هؤلاء المساكين فما فى العيش بعدهم خير قال فان أبيتم هذا فتعالوا فانّ هذه الليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها يحسبون ان اليهود لا تقاتل فى السبت فانزلوا عليهم فلعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرّة قالوا كيف نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا الا من علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك* قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 كعب ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ابعث الينا أبا لبابة عبد المنذر الاوسى أخا بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الاوس نستشيره فى أمرنا* وفى معالم التنزيل وكان أبو لبابة مناصحا لهم لانّ ماله وعياله وولده كانت فى بنى قريظة فأرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما رأوه قام اليه الرجال واستقبلوه ونهض اليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه من شدّة المحاصرة وتشتت أحوالهم فرق لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح* وفى معالم التنزيل قالوا يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه انه الذبح فلا تفعلوه قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت الله ورسوله* ارتباط أبى لبابة الى عمود من عمد المسجد وفى المواهب اللدنية ومضى أبو لبابة الى المدينة فارتبط فى المسجد الى عمود من عمده وقال لا أبرح من مكانى هذا حتى يتوب الله علىّ مما صنعت وحلف أن لا يطأ بنى قريظة أبدا ولا أرى فى بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا وأقام مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته فى وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فتربطه بالجذع* وقال أبو عمرو يرفعه الى عبد الله ابن أبى بكر ان أبا لبابة ارتبط الى جذع موضع اسطوانة التوبة يسلسلة ثقيلة بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما كاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله اذا حضرت الصلاة واذا أراد أن يذهب لحاجته ثم يأتى فتردّه الى الرباط وحلف لا يحل نفسه حتى يحله رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى رواية قال لا أبرح من مكانى هذا ولا يطلقنى أحد فى غير وقت الصلاة حتى يتوب الله علىّ مما صنعت ويقال ان هذه الحالة جرت له حين تخلف من تبوك كذا فى سيرة مغلطاى* فلما سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال امّا لو جاءنى لاستغفرت له فأمّا اذا فعل ذلك فما أنا الذى أطلقه حتى يتوب الله عليه فبعد ما رجعوا عن بنى قريظة أنزل الله فى توبته فيما روى عن عبد الله بن أبى قتادة يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآية* وفى الاكتفاء الآية التى نزلت فى توبة أبى لبابة وآخرون اعترفوا بذنوبهم الى آخرها فأنزلت توبته سحرا فى بيت أمّ سلمة قالت أمّ سلمة فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى السحر يضحك فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب على أبى لبابة فقلت ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال بلى ان شئت فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب كذا فى المنتقى فقالت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك فثار الناس اليه ليطلقوه قال لا والله حتى يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الذى يطلقنى بيده فمرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خارجا الى الصبح فحله فعاهد الله أن لا يطأ بنى قريظة أبدا وقال لا يرانى الله فى بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا كذا فى المنتقى كما مرّ* وفى خلاصة الوفاء وقيل سبب ارتباطه بها تخلفه فى غزوة تبوك فلما جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم جاءه فأعرض عنه فارتبط بسارية التوبة التى عند باب أمّ سلمة سبعا بين يوم وليلة رواه البيهقى فى الدلائل عن سعيد بن المسيب كذا فى سيرة مغلطاى* وروى أيضا عن ابن عباس فى قوله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال كان عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله فى غزوة تبوك فلما حضر رجوع النبىّ صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسوارى المسجد فقال النبىّ من هؤلاء قالوا هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك الحديث وفيه توبة الله عليهم واطلاقهم ونقل ابن النجار ان السارية التى ربط اليها ثمامة بن أثال الخثعمى هى السارية التى ارتبط اليها أبو لبابة* وعن محمد بن كعب ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يصلى نوافله الى اسطوانة التوبة ولا بن ماجه عن ابن عمر انه صلّى الله عليه وسلم اذا اعتكف طرح له فراشه ووضع له سرير وراء اسطوانة التوبة مما يلى القبلة يستند اليها* ونقل عياض عن ابن المنذران مالك بن أنس كان له موضع فى المسجد قال وهو مكان عمر بن الخطاب وهو الذى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 كان يوضع فيه فراش النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا اعتكف* وفى خبر لابن زبالة ان اسطوانة التوبة بينها وبين القبر اسطوانة وان ابن عمر كان يقول هى الثانية من القبر قال ابن زبالة بينها وبين القبر الشريف عشرون ذراعا* قلت فهى الرابعة من المنبر والثانية من القبر والثالثة من القبلة والخامسة فى زماننا من رحبة المسجد وهى بين اسطوانة عائشة وبين الاسطوانة اللاصقة بشباك الحجرة وكان فيها محراب من الجص يميزها من غيرها زال بعد الحريق الثانى انتهى* ثم ان ثعلبة بن شعبة وأسد بن شعية وأسد بن عمير وهم نفر من هذيل ليسوا من بنى قريظة ولا من بنى النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التى نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأحرزوا دماءهم وأموالهم وكان اسلامهم فيما زعموا عما كان ألقاه اليهم من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن الهيبان القادم اليهم قبل الاسلام متوكفا لخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومحققا لنبوّته فنفع الله هؤلاء الثلاثة بذلك واستنقذهم به من النار وخرج فى تلك الليلة عمرو بن سعد القرظى فمرّ بحرس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة فلما رأوه قالوا من هذا قال أنا عمرو بن سعد وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بنى قريظة فى غدرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهمّ لا تحرمنى عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين توجه من أرض الله الى اليوم فذكر شأنه لرسول الله فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه وبعض الناس يزعم انه كان أوثق برمّة فيمن أوثق من بنى قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأصبحت رمّة ملقاة ولا يدرى أين ذهب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك المقالة والله أعلم أى ذلك كان كذا فى الاكتفاء* ولما استشار بنو قريظة أبا لبابة وهو أشار الى القتل قالوا ننزل على حكم سعد بن معاد فتواثب الاوس وقالوا يا رسول الله ان بنى قريظة موالينا دون الخزرج وقد أحسنت الى موالى الخزرج بالامس يعنى بنى قينقاع فأحسن الى موالينا وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل بنى النضير حاصر بنى قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام الحبر وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكم رسول الله فأراد صلّى الله عليه وسلم قتلهم فشفع فيهم عبد الله بن أبى بن سلول وبالغ فى السؤال وألح حتى وهبهم له رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما مرّ فلما تكلم الاوس فى بنى قريظة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا ترضون يا معشر الاوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك سعد بن معاذ فأخرجت بنو قريظة من الحصن وجمعت أمتعتهم وأقمشتهم وأسلحتهم قيل كان السيف ألفا وخمسمائة والدرع ثلثمائة والرمح ألفا والترس خمسمائة والاثاث والامتعة والنواضح والمواشى كثيرة فجلس النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى موضع وبعث الى المدينة من يأتى بسعد بن معاذ وكان أصابه سهم بالخندق فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم سعد أن يجعلوه فى خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة فى مسجده وكانت تداوى الجرحى تحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وقال صلّى الله عليه وسلم اجعلوه فى خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بنى قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار عليه اكاف من ليف قد أوطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن فى مواليك فان رسول الله ما ولاك ذاك الا لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال انى سعد أى لا تأخذه فى الله لومة لائم* وفى الصفوة وسعد لا يرجع اليهم شيئا حتى اذا دنا من دورهم التفت اليهم وقال قد آن لى أن لا أبالى فى الله لومة لائم* وفى الوفاء لقد آن لسعد أن لا تأخذه فى الله لومة لائم ولما سمعوا كلامه علموا انه سيحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 بالقتل فرجع بعض من كان معه من قومه الى دار بنى عبد الاشهل فنعى لهم رجال بنى قريظة قبل أن يصل اليهم سعد من كلمته التى سمع منه* ولما انتهى سعد الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين قال قوموا الى سيدكم فأمّا المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الانصار وأمّا الانصار فيقولون قد عم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين فقالوا اليه فقالوا يا أبا عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيهم ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هاهنا فى الناحية التى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله نعم قال سعد فانى حكمت فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الاموال وتسبى الذرارى والنساء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة* الرقيع السماء سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم* ووقع فى البخارى قال قضيت فيهم بحكم وربما قال بحكم الملك بكسر اللام* وفى رواية ابن صالح لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذى حكم به من فوق سبع سموات* وفى حديث جابر عند ابن عائذ فقال احكم فيهم يا سعد فقال الله والرسول أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم* وفى هذه القصة جواز الاجتهاد فى زمنه صلّى الله عليه وسلم وهى مسئلة اختلف فيها أهل أصول الفقه والمختار الجواز سواء كان فى حضرته صلّى الله عليه وسلم أم لا وانصرف صلّى الله عليه وسلم يوم الخميس لسبع ليال كما قاله الدمياطى أو لخمس كما قاله مغلطاى خلون من ذى الحجة كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية وكان مما حكم به سعد أن تكون ديارهم للمهاجرين فلامه الانصار على ذلك قال أردت أن يكونوا مستغنين عن دياركم ثم أمر النبى صلّى الله عليه وسلم حتى ذهبوا برجال بنى قريظة الى المدينة مقرنين فى الاصفاد حتى يرى ضعفاء الاسلام قوّة الدين وعزة ملة سيد المرسلين فحبسوهم فى دارين بعضهم فى دار قلابة بنت الحارث امرأة من بنى النجار وبعضهم فى دار أسامة بن زيد ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى سوق المدينة التى هى سوقها اليوم فأمر فخندق فيها خنادق ثم بعث اليهم وجىء بهم أرسالا فضربت أعناقهم بحيث تهراق دماؤهم فى تلك الخنادق وفيهم عدوّ الله حيى بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة قاله ابن اسحاق وسبعمائة عند ابن عائذ* وقال السهيلى المكثر يقول كانوا ما بين ثمانمائة الى سبعمائة* وفى حديث جابر عند الترمذى والنسائى وابن حبان انهم كانوا أربعمائة مقاتل وقالوا لكعب بن أسدوهم يذهب بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يا كعب ما تراه يصنع بنا قال أفى كل موطن لا تعقلون ألا ترون ان الداعى لا ينزع وان من ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل كذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله وأتى بحيى بن أخطب وعليه حلة تفاحية وقد شققها عليه من كل جانب قطعة قطعة كموضع الانملة لئلا تسلب مجموعة يداه الى عنقه بحبل فلما نظر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أما والله ما قصرت فى عداوتك* وفى الاكتفاء أما والله ما لمت نفسى فى عداوتك ولكن من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس انه لا بأس بأمر الله وتقديره كتاب الله وقدره ملحمة كتبت على بنى اسرائيل ثم جلس فضرب عنقه* وعن عائشة رضى الله عنها قالت لم يقتل من نساء بنى قريظة الا امرأة واحدة وانها كانت عندى تتحدّث معى وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يقتل رجالهم فى السوق اذ هتف هاتف باسمها اين فلانة قالت أنا والله قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم ولا تقتل امرأة قالت لحدث أحدثته انى كنت زوجة رجل من بنى قريظة وكان بينى وبين زوجى كأشد ما يتحاب الزوجان فلما اشتدّ أمر المحاصرة قلت لزوجى يا حسرتى على أيام الوصال كادت أن تنقضى وتتبدل بليالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الفراق وما أصنع بالحياة بعدك قال زوجى والله لقد غلب علينا محمد سيقتل الرجال ويسبى النساء والذرارى فان كنت صادقة فى دعوى المحبة فتعالى فان جماعة من المسلمين جالسون فى ظل حصن الزبير بن باطا فألقى عليهم حجر الرحا لعله يصيب واحدا منهم فيقتله فان ظفروا بنا يقتلونك بذلك ففعلت كذلك فهربت تلك الجماعة وأصاب الحجر خلاد بن سويد فقتل فالآن يطلبوننى للقصاص فكانت عائشة تقول ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل* قال الواقدى وكان اسم تلك المرأة نباتة امرأة الحكم القرظى وكانت قتلت خلاد بن سويد رمت عليه رحا فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضرب عنقها بخلاد بن سويد* وفى الوفاء واستشهد يوم بنى قريظة من المسلمين خلاد بن سويد من بنى الحارث بن الخزرج كما مرّ ومات فى الحصار أبو سنان بن محصن الاسدى أخو عكاشة بن محصن فدفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى مقبرة بنى قريظة التى يدفن فيها المسلمون لما سكنوها اليوم واليه دفنوا أمواتهم فى الاسلام كذا قاله ابن اسحاق ولم يصب من المسلمين غير هذين* وروى محمد بن اسحاق عن الزهرى ان الزبير بن باطا القرظى وكان يكنى بأبى عبد الرحمن كان قد منّ على ثابت بن قيس بن شماس فى الجاهلية يوم بعاث فأخذه فجر ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت لما قتل بنو قريظة وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى مثلك قال انى أريد أن أجزيك بيدك عندى قال ان الكريم يجزى الكريم قال ثم أتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستوهبه فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندى يد وله علىّ منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو لك فأتاه فقال له ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد وهب لى دمك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال امرأته وولده يا رسول الله قال هما لك فأتاه فقال انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهب لى امرأتك وولدك قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ماله يا رسول الله قال هو لك فأتاه فقال ان رسول الله أعطانى مالك فقال أى ثابت ما فعل الذى كان وجهه مرآة مضيئة تتراآى فيها عذارى الحى كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادى حيى بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدّمتنا اذا شددنا وحاميتنا اذا فررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجليان يعنى كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة قال ذهبوا وقتلوا وكان يقول ما فعل فلان وفلان يذكر صناديد قومه ويصفهم ويقول ثابت قتلوا قال فانى أسئلك بيدى عندك يا ثابت الا الحقتنى بالقوم فو الله ما فى العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر قلبة دلو ناضح حتى ألقى الاحبة فقدّمه ثابت فضرب عنقه* فلما بلغ أبا بكر الصدّيق قوله ألقى الاحبة قال يلقاهم والله فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا* قال وكان علىّ والزبير يضربان أعناق بنى قريظة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس هناك وقد كان عليه السلام أمر بقتل من نبت شعر عانته منهم* وفى الاكتفاء أمر بقتل كل من أنبت منهم* قال عطية القرظى وكنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلوا سبيلى وكان رفاعة بن سموال القرظى رجلا قد بلغ فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر أخت سليط بن قيس وكانت احدى خالات رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد صلت الى القبلتين معه وبايعت بيعة النساء فقالت يا رسول الله بأبى أنت وأمى هب لى رفاعة فانه زعم انه سيصلى ويأكل لحم الجمل فوهبه لها فاستحيته* ولما فرغ من قتل بنى قريظة قسم نساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم فى ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللرجال من ليس له فرس سهم وكانت الخيل يوم بنى قريظة ستة وثلاثين فرسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وكان أموال بنى قريظة أوّل ما وقع فيها السهمان وأخرج منه الخمس فعلى سنتهما وما مضى من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة فى المغازى واصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو القرظى وكانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى توفى عنها وهى فى ملكه وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كثيرا ما يريد أن يتزوّجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو أخف علىّ وعليك فتركها وقد كانت حين سباها كرهت الاسلام وأبت الا اليهودية فاجتنب رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنها ووجد فى نفسه من أمرها كدورة فبينا هو مع أصحابه اذ سمع وقع نعلين خلفه فقال ان هذا ثعلبة بن شعبة يبشرنى باسلام ريحانة فجاء فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن زيد الانصارى أخا بنى عبد الاشهل بسبايا بنى قريظة الى نجد فاشترى له بها خيلا وسلاحا وفى رواية باع بعض بنى قريظة من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف* وفاة سعد بن معاذ رضى الله عنه ولما انقضى شأن بنى قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك دعاء سعد بعد أن حكم فى بنى قريظة ما حكم فقال اللهم انك قد علمت انه لم يكن قوم أحب الىّ أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقنى لها وان كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضنى اليك فانفجر كلمه فرجعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى خيمته التى ضربت عليه فى المسجد كذا فى المنتقى* وفى البخارى انه دعا فقال اللهم انك تعلم انه ليس أحد أحب الىّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك اللهم انى أظنّ انك قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتى فيها فانفجرت من ليلته وكان ضرب النبىّ صلّى الله عليه وسلم له خيمة فى المسجد ليعوده من قريب وفى المسجد خيمة من بنى غفار فلم يرعهم الا الدم يسيل عليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذى يأتينا من قبلكم فاذا سعد يعد وجرحه دم فمات منها شهيدا وقد بين سبب انفجار جرح سعد فى مرسل حميد بن هلال عند ابن سعد ولفظه انه مرّت به عنزة وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الفجر فانفجرت حتى مات كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ذكروا ان جبريل اتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قبض سعد من جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتزله العرش فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم سريعا يجرّ ثوبه الى سعد بن معاذ فوجده قد مات وفى الصحيحين اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ وكان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقين والله ان كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخف منه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان له حملة غيركم والذى نفس محمد بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتزله العرش ولسعد يقول رجل من الانصار وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به الا لسعد أبى عمرو وفى رواية لما مات سعد بن معاذ وكان رجلا جسيما جزلا جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون ما رأينا كاليوم رجلا أخف منه قال أتدرون لم ذاك لحكمه فى بنى قريظة فذكروا ذلك للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال والذى نفسى بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره وحضر جنازته سبعون ألف ملك وعن عائشة رضى الله عنها قالت فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضى الله عنهم والذى نفس محمد بيده لا عرف بكاء عمر من بكاء أبى بكر وانى لفى حجرتى وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم* وفى رواية سأل الراوى كيف كان يصنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت كانت عنه لا تدمع لكبنه كان اذا وحد فانما يأخذ بلحيته وأخرج ابن سعد عن أبى سعيد الخدرى قال كنت فيمن حفر قبره فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا وأخرج ابن سعد وأبو نعيم من طريق محمد بن المنكدر عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 محمد بن شرحبيل بن حسنة قال قبض انسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر اليها بعد ذلك فاذا هى مسك فلما وضعوه فى قبره قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبحان الله سبحان الله حتى عرف ذلك فى وجهه فقال الحمد لله لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضمه ضمة ثم فرّج الله عنه كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء قال جابر بن عبد الله لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسبح الناس معه وكبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول الله لم سبحت قال لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره حتى فرجه الله عنه ويروى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان للقبر ضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ* وفى الصفوة سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل يكنى أبا عمرو وأمّه كبشة بنت رافع من المبايعات أسلم سعد على يد مصعب بن عمير فأسلم باسلامه بنو عبد الاشهل وهى أوّل دار أسلمت من الانصار وشهد بدرا وأحدا وثبت مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ ورمى يوم الخندق ثم انفجر كلمه بعد ذلك فمات شهيدا فى شوّال سنة خمس من الهجرة وهو ابن سبع وثلاثين سنة وصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودفن بالبقيع* وعن البراء قال أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بثوب حرير فجعلوا يتعجبون من حسنه ولينه فقال صلّى الله عليه وسلم لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة أفضل أو خير من هذا أخرجاه فى الصحيحين وقالت أمّ سعد حين احتمل نعشه وهى تبكيه * ويل ام سعد سعدا* صرامة وحدا* وسوددا ومجدا* وفارسا معدّا* سدّ به مسدّا* قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كل نائحة تكذب الانائحة سعد بن معاذ* قصة احياء أولاد جابر وفى هذه السنة أو فى غيرها وقعت قصة أولاد جابر بن عبد الله الانصارى* فى شواهد النبوّة عن جابر بن عبد الله انه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الى القرى فأجابه النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففرح جابر فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجلس وكان لجابر داجن فذبحه ليشويه وكان له ابنان فقال كبيرهما للصغير هلم أورك كيف ذبح أبى الحمل فأضجع الصغير وربط يديه ورجليه فذبحه وحز رأسه وجاء به الى أمه فلما رأته أمه دهشت وبكت فخاف الصبى وهرب على السطح فتبعته أمه فزاد خوفه فرمى نفسه من السطح فهلك فسكتت المرأة وأدخلت ابنيها البيت وغطتهما بمسح فى ناحية من البيت واشتغلت بطبخ الحمل وكانت تخفى الحزن وتظهر السرور ولم يعلم جابر ما وقع فلما تمّ الطبخ وقرب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى جبريل وقال يا محمد ان الله يأمرك أن تأكل مع أولاد جابر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك لجابر فطلب جابر ابنيه فقالت امرأته انهما ليسا بحاضرين فأخبر جابر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ان الله يأمرك باحضارهما فرجع جابر الى امرأته وأخبرها بذلك فعند ذلك بكت المرأة وكشفت الغطاء عنهما فلما رآهما جابر تحير وبكى وأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل جبريل وقال يا محمد ان الله يأمرك أن تدعو لهما ويقول منك الدعاء ومنا الاجابة والاحياء فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحييا باذن الله تعالى كذا فى شواهد النبوّة لكنها لم تشتهر اشتهارا* وفى المواهب اللدنية أخرج أبو نعيم ان جابرا ذبح شاة وطبخها وثرد فى جفنة وأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأكل القوم وكان صلّى الله عليه وسلم يقول لهم كلوا ولا تكسروا عظما ثم انه عليه السلام جمع العظام ووضع يده عليها ثم تكلم بكلمات فاذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها* تزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش وفى ذى القعدة من هذه السنة على ما فى المنتقى تزوّج صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن ذئاب بن يعمر بن صبرة بن مرّة بن كثير بن غنم بن ذوزان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر* وفى تاريخ اليافعى أورد تزوّجه زينب بنت جحش فى السنة الثالثة من الهجرة* وفى أسد الغابة لابن الاثير فى سنة خمس نزلت آية الحجاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 فى ذى القعدة وآية الحجاب نزلت فى قصة تزويج زينب فيكون تزويجها فى ذى القعدة* روى الدار قطنى ان زينب جحش كان اسمها برة بالفتح وكان اسم أبيها برة بالضم فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لو كان أبوك مؤمنا لسميته باسم رجل منا ولكنى قد سميته جحشا كذا فى حياة الحيوان وأمّها أميمة بنت عبد المطلب وكانت زينب ممن هاجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت امرأة جميلة بيضاء فيها حدة فخطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة وكان عبد الخديجة اشتراه لها حكيم بن حزام بن أخى خديجة بسوق عكاظ فى الجاهلية بأربعمائة دينار فلما تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهبته له فقبضه اليه فأعتقه وتبناه وكان يقال له زيد بن محمد وستجىء قصته فى سرية مؤتة من الموطن الثامن فلما خطب زينب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد ظنت انه يخطبها لنفسه فرضيت ولما علمت انه يخطبها لزيد أبت هى وأخوها عبد الله بن جحش وقالت أنا ابنة عمتك يا رسول الله أرادت انها ابنة أميمة بنت عبد المطلب فلا أرضاه لنفسى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى قد رضيته لك فأنزل الله عز وجل وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم وقيل نزلت فى أم كلثوم بنت عتبة وهبت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى أنوار التنزيل فلما نزلت الآية زضيت زينب وأخوها عبد الله بذلك وجعلت أمرها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فأنكحها صلّى الله عليه وسلم زيدا ودخل بها وساق لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وازارا وملحفة وخمسين مدّا من طعام وثلاثين صاعا من تمر ومكثت عند زيد ما شاء الله ثم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى بيت زيد يطلبه فلم يجده وأبصر زينب قائمة فى درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت فى نفسه فأعجبه حسنها فقال سبحان الله مقلب القلوب وانصرف وسمعت زينب بالتسبيحة فلما جاء زيد ذكرتها لزيد ففطن زيد فألقى فى نفسه كراهيتها والرغبة عنها فى الوقت* وفى رواية فى وقت رآها فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال انى أريد أن أفارق صاحبتى فقال مالك أرابك منها شىء قال لا والله يا رسول الله ما رأيت منها الاخيرا ولكنها تتعاظم علىّ لشرفها وتؤذينى بلسانها فقال له صلّى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك واتق الله فى أمرها ثم طلقها زيد وعن زينب قالت لما وقعت فى قلب النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يستطعنى زيد وما امتنعت منه غير ما يمنعه الله منى فلا يقدر علىّ* وعن أنس لما انقضت عدّة زينب قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد ما أجد احدا أوثق فى نفسى منك اذهب فاذكرنى لها* وفى رواية اخطب علىّ زينب قال زيد فلما قال ذلك عظمت فى نفسى فذهبت اليها فجعلت ظهرى الى الباب فقلت يا زينب ابشرى فان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطبك* وفى رواية بعثنى يذكرك ففرحت بذلك وقالت ما أنا بصانعة شيئا* وفى رواية ما كنت لاحدث شيئا حتى أؤامر ربى عز وجل فقامت الى مسجد لها فصلت ركعتين وناجت ربها فقالت اللهم ان رسولك يخطبنى فان كنت أهلا له فزوّجنى منه فنزل القرآن وهو فلما قضى زيد منها وطرا زوّجناكها فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم بغير اذن* وفى رواية فانطلق زيد حتى أتاها وهى تخمر عجينها قال فلما رأيتها عظمت فى صدرى حتى لا استطيع أن أنظر اليها فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى فقلت يا زينب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكرك* وفى رواية لما انقضت عدّتها قال له يا زيد ائت زينب فاخبرها ان الله سبحانه قد زوّجنيها فانطلق زيد واستفتح الباب فقالت من هذا قال زيد قالت وما حاجة زيد الىّ وقد طلقنى فقال أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت مرحبا برسول الله صلّى الله عليه وسلم ففتحت له فدخل عليها وهى تبكى فقال زيد لا أبكى الله عينك قد كنت نعمت المرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 ان كنت لتبرين قسمى وتطيعين أمرى وتتبعين دعوتى فقد أبد لك الله خيرا منى قالت من هو قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرّت ساجدة* وفى رواية ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان جالسا يتحدّث مع عائشة أخذته غشية فسرى عنه وهو يتبسم ويقول من يذهب الى زينب ويبشرها ان الله قد زوّجنيها من السماء وتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم واذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك القصة كلها قالت عائشة رضى الله عنها فأخذنى ما قرب وما بعد لما يبلغنى من جمالها وأخرى هى أعظم الامور وأشرفها ما صنع لها زوّجها الله من السماء وقلت هى تفتخر علينا بهذا فخرجت سلمى خادمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم تشتد فتحدّثها بذلك فاعطتها أوضاحا عليها كذا فى المنتقى قال وكانت زينب تفتخر على أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم تقول زوّجكنّ أهاليكنّ وزوّجنى الله عز وجل من فوق سبع سموات* وفى رواية قالت ان الله عز وجل انكحنى من السماء كذا فى الصفوة* وفى أنوار التنزيل ان الله تعالى تولى انكاحى وأنتن زوّجكنّ أولياؤكنّ وما أو لم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أو لم على زينب أو لم عليها بتمر وسويق وشاة ذبحها وأطعم الناس الخبز واللحم فأمر لنا أن ندعو الناس فترادفوا أفواجا يأكل فوج فيخرج ثم يدخل فوج حتى امتد النهار أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه فخرج الناس وبقى رجال جلوسا فى البيت يتحدّثون بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبث هنيهة ثم رجع والقوم جلوس فشق ذلك عليه وعرف فى وجهه ذلك فنزلت آية الحجاب فى قصة زينب* فى الصحيحين من حديث أنس وكذا فى المنتقى والوفاء قال أنس لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعته فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهنّ ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال أنس فما أدرى أنا أخبرته ان القوم قد خرجوا أو أخبرنى قال فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بينى وبينه ونزل الحجاب فمكثت زينب عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم ست سنين والمشهور انها ماتت فى سنة عشرين من الهجرة بعد ما مضى من عمرها ثلاث وخمسون سنة وقيل ماتت سنة احدى وعشرين وهى أوّل من مات من أزواجه صلّى الله عليه وسلم بعده فلما أخبرت عائشة بموتها قالت ذهبت حميدة مفيدة فقيدة مفزع اليتامى والارامل ولما توفيت أمر عمر بن الخطاب بالنداء يا أهل المدينة احضروا جنازة أمكم وصلّى عليها عمر ودفنت بالبقيع ودخل قبرها اسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله بن أختها مروياتها فى الكتب المتداولة أحد عشر حديثا المتفق عليه منها حديثان والتسعة الباقية فى سائر الكتب* وقوع الزلزلة بالمدينة وفى هذه السنة زلزلت المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل يستعتبكم فأعتبوه كذا فى أسد الغابة* سقوطه صلّى الله عليه وسلم عن فرسه وفى ربيع الاوّل أو فى ذى الحجة من هذه السنة سقط صلّى الله عليه وسلم عن فرسه فجحشت ساقه وجرحت فخذه اليمنى ولما رجع الى المدينة أقام فى البيت خمسا يصلى قاعدا* وفى رواية والاصحاب يقتدون به قياما فأمرهم بالجلوس وقال انما جعل الامام اماما ليؤتمّ به فاذا ركع فاركعوا واذا سجد فاسجدوا واذا جلس فاجلسوا لكن عند أكثر العلماء هذا الحديث منسوخ لانه صح أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلّى فى مرض موته جالسا والاصحاب اقتدوا به قياما والنبىّ صلّى الله عليه وسلم قرّره* مسابقة الخيل وفى هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالسبق بين ما ضمر من الخيل وبين ما لم يضمر* عن عبد الله بن عمر أجرى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل فأرسلها من الحفيا بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء يمدّ ويقصر وكان أمدها ثنية الوداع وهو خمسة أميال أو ستة أو سبعة وأجرى ما لم يضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بنى زريق وهو ميل أو نحوه وكان ابن عمر ممن سابق فيها قال فوثب بى فرسى جدارا وعن أنس كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق أو لا تكاد تسبق فجاء اعرابى على قعود فسبقها فشق ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 على المسلمين حتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال حق على الله أن لا يرتفع شىء من الدنيا الا وضعه رواه البخارى* نزول فرض الحج وفى هذه السنة فرض الحج على القول الصحيح أى نزلت فريضة الحج فيها لكن أخره رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى السنة العاشرة من غير مانع فانه خرج فى السنة السابعة فى ذى القعدة لقضاء العمرة ولم يحج وفتح مكة فى رمضان السنة الثامنة ولم يحج وبعث أبا بكر أميرا على الحاج فى السنة التاسعة وحج صلّى الله عليه وسلم فى السنة العاشرة* وفى الوفاء قد اختلف فى وقت فرض الحج فقيل قبل الهجرة وهو غريب والمشهور بعدها وقيل سنة خمس وجزم به الرافعى فى موضع وكذا فى المنتقى قال فى سنة خمس وقيل فى ست وصححه الرافعى فى موضع آخر وكذا النووى وهو قول الجمهور وقيل فى سبع وقيل فى ثمان وكذا فى مناسك الكرمانى أيضا ورجحه جماعة من العلماء وقيل فى تسع وصححه عياض* النهى عن ادخار لحوم الاضاحى وفى هذه السنة دفت دافة العرب أى اجتمعت جموعها فنهى النبىّ صلى الله عليه وسلم عن ادّخار لحوم الاضاحى فوق ثلاث كذا فى الوفاء ثم رخص لهم فى الادّخار ما بدا لهم والله أعلم تم الى هنا انتهى الجزء الاوّل من تاريخ الخميس ويليه الجزء الثانى وأوّله (الموطن السادس) يسر الله حسن اتمامه بفضله وانعامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 * (فهرست الجزء الاوّل من تاريخ الخميس) * صحيفه 3 ذكر ترتيب الكتاب على مقدّمة وثلاثة أركان وخاتمة 6 الطليعة الاولى فى تعريف النبىّ والرسول 8 مطلب نفيس فى نغمات داود 8 دقبقة فى الاب والام والابن 10 ذكر ترتيب ما نزل بمكة من القرآن 10 ذكر ترتيب ما نزل بالمدينة 11 ذكر ما اختلفوا فيه 11 ذكر ما نزل مرّتين 14 ذكر الناسخ والمنسوخ 14 أوّل من تتبع القرآن وجمعه 15 ذكر اللغات التى نزل بها كلام الله 15 مطلب أولى العزم 16 الفرق بين البشر والملك 16 مطلب نفيس فى قولهم انّ الولاية أفضل من النبوّة 16 الفرق بين النبى والولى والساحر 17 مطلب أول المخلوقات 18 مطلب اللوح والقلم 21 حديث صور الانبياء 24 ذكر دلائل نبوّة النبىّ عليه الصلاة والسلام 28 ذكر خبر أبى عامر الراهب 30 الطليعة الثانية من المقدّمة 31 ذكر خلق السماء والارض 31 ذكر خلق الملائكة والجان 34 ذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة 35 دقيقة فى اختصاص عدد السبعة بأن تكون مدّة الدنيا 36 ذكر ابتداء خلق آدم 38 غريبة من الفتوحات 38 ذكر الروح صحيفه 39 ذكر عيسى ومريم ويحيى 42 نفيسة 44 قصة اباء ابليس 45 ذكر أخذ الميثاق 46 خلق حوّاء 47 خطبة نكاح آدم التى خطبها الله عز وجل 48 صفة شجرة الحنطة 49 صفة الحية 49 اكل آدم من الشجرة 51 معاقبة ابليس 52 الخصال التى ابتليت بها حوّاء 52 خروج آدم من الجنة 55 اتخاذ آدم الديك لمعرفة الاوقات 56 ذكر كيفية انتقاله صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة 57 صفة الشعرى 59 أولاد آدم الصلبية 59 قتل قابيل هابيل 62 قصة عنق وابنها عوج 65 ذكر ملوك الفرس ومشاهير الانبياء والحكماء 65 ذكر هو شنج 65 ذكر طهمورث 65 ذكر ادريس عليه السلام 67 ذكر ملك جمشيد 67 ذكر متوشلخ 68 ذكر نوح عليه السلام 68 صفة سفينة نوح 74 ذكر الضحاك 75 ذكر افريدون 76 ذكر ارم 78 ذكر لقمان 78 مولد ابراهيم عليه السلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 صحيفه 82 القاء ابراهيم فى النار 82 فائدة فى قتل الوزغ 83 ذكر صرح نمرود 85 ذكر سارة 86 ذكر هاجر 87 ذكر الشام والارض المقدّسة 88 ذكر أوّلية البيت الحرام ومن بناه من الملائكة والانبياء وسائر الامم 95 ذكر الاختلاف فى الذبيح 96 قصة الذبح 97 تزوّج اسماعيل وزيارة أبيه ابراهيم له 98 بناء الكعبة 100 ذكر ذى القرنين الاكبر 101 ذكر ذى القرنين الاصغر 103 سدّ الاسكندر 103 ذكر يأجوج ومأجوج 104 خروج الدجال 106 آثار الاسكندر 106 ذكر الخضر عليه السلام 107 بقية اخبار ابراهيم عليه السلام 112 ذكر دابة الارض 114 أشراط الساعة 114 بقية أخبار بناء الكعبة 117 عدّة بناء الكعبة 118 نقل الحجر الاسود 119 أوّل من كسا الكعبة 119 ذرع الكعبة 122 مقامات الائمة ومصلاهم 123 عدد أبواب المسجد الحرام 124 عدد أساطين المسجد الحرام 124 عدد منائر المسجد الحرام 124 فضيلة مكة 126 رجع الى ذكر أحوال ابراهيم 127 أوّل من شاب ابراهيم صحيفه 127 ذكر وفاة ابراهيم عليه السلام 128 صورة ما كتبه النبى صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى 129 اختتان ابراهيم عليه السلام 130 ذكر أولاد ابراهيم عليه السلام 131 نبذة من قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام 133 عجائب فرعون 141 ديك يوسف 141 نقل صندوق يوسف 143 ذكر منوجهر سبط ايرج 144 ذكر بخت نصر 145 ذكر الاسكندر 145 بقية قصة اسماعيل عليه السلام 148 قصة الافعى الجرهمى 153 نفيسة فى تسمية العرب أولادها بشر الاسماء 159 أعمامه صلّى الله عليه وسلم 163 ذكر أبى طالب وأولاده 164 ذكر الزبير وأولاده 164 ذكر حمزة بن عبد المطلب 165 ذكر العباس بن عبد المطلب واسلامه 166 ذكر الفضل بن عباس 167 ذكر عبد الله بن عباس 167 ذكر عبيد الله بن عباس 168 ذكر قثم بن العباس 168 ذكر عبد الرحمن وكثير وتمام أولاد العباس 169 ذكر الاناث من ولد العباس 169 ذكر أبى لهب 170 ذكر الاناث من أولاد عبد المطلب 172 ذكر الزبير بن العوّام 172 ذكر مقتل الزبير 173 ذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 صحيفه المقدس 177 سبب قتل يحيى عليه السلام 178 نقش خاتم دانيال 178 ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب 181 سرقة الغزالين من الكعبة 181 ذكر بشار مكة 182 الطليعة الثالثة 182 ذكر ولادة عبد الله 182 نذر عبد المطلب ذبح عبد الله 183 تزوّج عبد الله بآمنة 184 قصة الخثعمية 185 حمل آمنة برسول الله صلّى الله عليه وسلم 188 قصة أصحاب الفيل 192 مسير سيف بن ذى يزن الى قيصر وكسرى 193 سبب تملك الحبشة اليمن 194 نادرة 195 الركن الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى زمان نبوّته صلّى الله عليه وسلم 195 ذكر تاريخ ولادته 197 ذكر يوم ولادته 197 ذكر طالع ولادته 198 مكان ولادته 198 بيان التواريخ 199 ذكر خالد بن سنان 200 ذكر حنظلة بن صفوان 200 ذكر ما وقع ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم 202 ذكر بعض ما وقع حين الولادة 204 ذكر ختانه صلّى الله عليه وسلم 206 أسماؤه صلّى الله عليه وسلم 207 ألقابه صلّى الله عليه وسلم 207 ذكر شمائله وصفاته 210 مزاحه صلّى الله عليه وسلم 211 مصارعته عليه السلام 212 لطيفة صحيفه 213 ذكر خصائصه عليه السلام 213 النوع الاوّل ما اختص به فى ذاته فى الدنيا 214 النوع الثانى ما اختص به فى شرعه وأمّته فى الدنيا 215 النوع الثالث فيما اختص به فى ذاته فى الآخرة 216 النوع الرابع ما اختص به فى أمّته فى الآخرة 216 القسم الثانى فى الخصائص التى اختص بها عن أمّته 216 النوع الثانى ما اختص به من المحرّمات 217 النوع الثالث ما اختص به من المباحات 218 النوع الرابع ما اختص به من الكرامات 220 ذكر معجزاته صلّى الله عليه وسلم 222 ذكر ارضاع الاظآر وعددها 225 شق صدره عليه السلام 226 رعيه عليه السلام للغنم 229 وفاة آمنة 230 احياء أبويه صلّى الله عليه وسلم 239 كفالة عبد المطلب له عليه السلام 239 رمده عليه السلام 239 استسقاء عبد المطلب 239 تبشير سيف الحميرى عبد المطلب 241 ذكر سليمان وبلقيس 243 قصة الهدهد 245 قصة ملك اليمن أبى بلقيس وسبب وصوله الى الجنّ 246 بقية قصة الهدهد 249 ذكر وفاة بلقيس 249 صفة كرسى سليمان 250 سبب سلب ملك سليمان 252 وفاة سليمان 253 وفاة عبد المطلب 253 كفالة أبى طالب له صلّى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 صحيفه 255 موت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان 255 ذكر حرب الفجار 255 سبب ثروة عبد الله بن جدعان 256 نفيسة وكتب غلطا 456 256 أول ما رأى عليه السلام من أمر النبوّة 257 الباب الثانى فى الحوادث من السنة الثانية عشر الى السنة الرابعة والعشرين 257 خروجه عليه السلام مع أبى طالب الى الشام 259 ذكر رعيه صلّى الله عليه وسلم 259 ولادة عمر رضى الله عنه 259 حرب الفجار الآخر 260 ولاية كسرى برويز 260 صحبة أبى بكر للنبى فى تجارة الى الشام 261 ذكر حلف الفضول 261 شكواه عليه السلام الى عمه أبى طالب مما يأتيه 261 الباب الثالث فى الحوادث من السنة الخامسة والعشرين الى السنة الاربعين من مولده عليه السلام 262 خروجه عليه السلام مع ميسرة الى الشام 263 ذكر من خطب خديجة 263 ذكر هند بن هند 263 نزوّجه عليه السلام خديجة 265 ذكر وليمته عليه السلام 265 ذكر تزوّجه عليه السلام أمّهات المؤمنين 270 ذكر من خطب عليه السلام من النساء ولم يعقد عليهنّ 271 ذكر سراريه عليه السلام 272 ذكر أولاده عليه السلام 273 ذكر زينب ابنته عليه السلام 274 ذكر وفاتها وأولادها 274 ذكر رقية بنت رسول الله صحيفه 275 ذكر تزويج عثمان رقية 275 ذكر أمّ كلثوم بنت رسول الله 276 ذكر تزويج ام كلثوم وذكر وفاتها 277 ذكر فاطمة ابنته صلّى الله عليه وسلم 277 ذكر وصيتها الى أسماء بنت عميس 278 ذكر تاريخ وفاتها وسنها 278 ذكر من غسلها وموضع قبرها 278 ذكر ولد فاطمة 280 الركن الثانى فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته 280 نزول الوحى وكيفيته 284 صفة نزول الوحى 285 رمى الشياطين بالشهب 285 انفصام طاق كسرى 286 ذكر أوّل من أسلم 287 ذكر ما وقع فى السنة الثانية والثالثة 288 هجرة الحبشة الاولى 289 فائدة فى أسماء ملوك الجهات 290 مكالمة جعفر مع النجاشى 291 قصة تولية النجاشى 292 ذكر بعض ما لقى رسول الله من ايذاء المشركين 293 ذكر اسلام حمزة 295 ذكر اسلام عمر رضى الله عنه 297 وقعة بعاث 297 تقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب 298 نزول سورة الروم 298 انشقاق القمر 299 وفاة أبى طالب 300 وصية أبى طالب 301 وفاة خديجة الكبرى 302 خروجه عليه السلام الى الطائف والى ثقيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 صحيفه 303 ذكر وفود الجنّ 305 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة 306 ابتداء اسلام الانصار وبيعة العقبة الاولى 306 ذكر قصة المعراج 316 ذكر بيعة العقبة الثانية 317 ذكر مصعب بن عمير 317 ذكر بيعة العقبة الكبرى 319 هجرة أبى بكر الى الحبشة 320 ذكر هجرة الاصحاب الى المدينة 321 مشاورة قريش فى اخراجه أو حبسه أو قتله صلّى الله عليه وسلم 322 الموطن الاوّل فى وقائع السنة الاولى من الهجرة 322 خروجه صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر من مكة الى الغار 330 ذكر خروجهما من الغار وتوجههما الى المدينة 333 معجزة 333 قصة أم معبد 334 قصة العوسجة 335 خبر بريدة بن الحصيب 336 ذكر استقبال أهل المدينة له صلّى الله عليه وسلم 337 ذكر تاريخ الهجرة 339 الفصل الثانى فى انتقاله من قباء الى باطن المدينة 339 أول خطبة فى الاسلام 343 ذكر بناء المسجد 348 موت كلثوم بن الهدم 348 اسلام عبد الله بن سلام 349 موت أسعد بن زرارة 350 ابتداء خدمة أنس 350 الزيادة فى صلاة الحضر صحيفه 350 وعك أبى بكر والصحابة 351 اسلام سلمان الفارسى 352 ذكر المواخاة بين المهاجرين والانصار 353 ذكر موادعة اليهود 353 موت العاص بن وائل من مشركى مكة 354 بعت زيد بن حارثة الى مكة 354 ولادة النعمان بن بشير وعبد الله بن الزبير 355 شجاعة عبد الله بن الزبير 355 قصة فاطمة بنت النعمان 355 تكلم الذئب 355 ابتداء الغزوات 356 بعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر 357 سرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ 357 بناؤه عليه السلام بعائشة 359 بعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار 359 ابتداء الاذان 360 الموطن الثانى فى حوادث السنة الثانية 360 صوم عاشوراء 361 تزوّج على بفاطمة رضى الله عنها 362 ذكر خطبة النبى فى نكاح فاطمة 363 غزوة الابواء 363 غزوة بواط 363 غزوة العشيرة 364 تكنية علىّ بأبى تراب 365 غزوة بدر الاولى 365 بعث عبد الله بن جحش الى بطن نخلة 367 تحويل القبلة 368 تجديد بناء مسجد قباء 368 نزول فرض رمضان 368 غزوة بدر الكبرى 380 لطيفة انقلاب العصا سيفا 383 لطيفة فى استماع الطبل ببدر كطبل الملوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 صحيفه 389 فائدة 395 ذكر اعتناء الصحابة بتعلم الخط والكتابة 396 ذكر أسماء أهل بدر 402 عدّة أهل بدر 402 عدّة شهداء بدر 403 عدّة قتلى المشركين يوم بدر 405 ذكر الاسارى ببدر 406 وفاة رقية بنته عليه السلام 406 سرية عمير بن عدى لقتل العصماء اليهودية 406 نبذة من جوامع كلمه عليه السلام 407 فرض زكاة الفطر 407 فرض زكاة الاموال 407 غزوة قرقرة الكدر 408 سرية سالم بن عمير الى قتل أبى عفك 408 غزوة بنى قينقاع 410 غزوة السويق 411 موت عثمان بن مظعون 411 بناء على بفاطمة رضى الله عنهما 412 غضب النبى حين خطب على بنت أبى جهل 412 وفاة أمية بن الصلت 412 الموطن الثالث فى وقائع السنة الثالثة من الهجرة 412 سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف 414 تزوّج عثمان بأم كلثوم 414 غزوة غطفان 415 هجوم دعثور على الرسول وسقوط سيفه من بده 416 غزوة بحران 416 سرية زيد بن حارثة الى قردة 416 تزوّجه عليه السلام بحفصة بنت عمر 417 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة 417 ذكر ميلاد الحسن رضى الله عنه صحيفه 418 ذكر ختان الحسن والحسين وتسميتهما 418 ذكر ارضاع أم الفضل امرأة العباس للحسن 419 ذكر صفة الحسن رضى الله عنه 419 غزوة أحد 433 معجزة فى انقلاب العود سهما والعصا سيفا 438 تمثيل النسوة بقتلى أحد 442 دعاء عبد الله بن جحش وسعد بن أبى وقاص 443 كرامة فى عدم تغير أجساد الشهداء 443 غريبة فى أمر معاوية بنبش قبور الشهداء بأحد 445 بيان الحكم الربانية فى ابتلاء المسلمين 445 ذكر شهداء أحد 446 عدّة الشهداء بأحد 447 غزوة حمراء الاسد 449 سرقة طعمة 449 الموطن الرابع فى حوادث السنة الرابعة من الهجرة 450 سرية أبى سلمة الى قطن 450 سرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد 451 سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة 454 سرية عاصم بن ثابت الى الرجيع 454 ذكر عضل والقارة 455 كرامة عاصم فى حفظ جثته بعد استشهاده 456 دقيقة فى أنّ الكرامة ثابتة للاوليا 457 دعاء زيد بن حارثة واستجابته 458 بعث عمرو بن أمية الى أبى سفيان بن حرب 460 غزوة بنى النضير 463 وفاة زينب بنت خزيمة 463 غزوة ذات الرقاع 464 وفاة عبد الله بن عثمان 464 ولادة الحسين بن على رضى الله عنهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 صحيفه 464 تعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود 465 غزوة بدر الصغرى الموعد 466 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بأم سلمة 467 ذكر أولاد أم سلمة 467 رجم اليهوديين 467 وفاة فاطمة أم على بن أبى طالب 468 الموطن الخامس فى وقائع السنة الخامسة من الهجرة 468 فك سلمان عن الرق 469 غزوة دومة الجندل 469 نفيسة 469 وفاة أم سعد 469 خسوف القمر 470 وفد بلال بن الحارث 470 وفد ضمام بن ثعلبة 470 غزوة المريسيع 473 نزول آية التيمم 474 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بجويرية صحيفه 475 قصة الافك 476 كلام عمر وعثمان وعلى فى حق الافك 478 اعطاء الرسول بئر بيرحا لحسان بن ثابت 479 غزوة الخندق 486 مبارزة علىّ لعمرو بن عبدودّ 489 لطيفة 492 غزوة بنى قريظة 495 ارتباط أبى لبابة الى عمود من عمد المسجد 499 وفاة سعد بن معاذ رضى الله عنه 500 قصة احياء أولاد جابر 500 تزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش 502 وقوع الزلزلة بالمدينة 502 سقوطه صلّى الله عليه وسلم عن فرسه 502 مسابقة الخيل 503 نزول فرض الحج 503 النهى عن ادخار لحوم الاضاحى تم فهرست الجزء الاوّل من تاريخ الخميس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 الجزء الثانى من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس تأليف الامام العالم العلامة الشيخ حسين بن محمد ابن الحسن الديار بكرى نفعنا الله به وبعلومه والمسلمين أجمعين آمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 الله ( الجزء الثانى من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس ) [ تتمة الركن الثالث من الحوادث من ابتداء نبوته إلى زمان هجرته ووفاته ] * (بسم الله الرحمن الرحيم) ** (الموطن السادس فيما وقع فى السنة السادسة من الهجرة من سرية محمد بن مسلمة الى القرطا بالضرية وقصة ثمامة وكسوف الشمس وغزوة بنى لحيان وبعث أبى بكر الى كراع الغميم وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم قبر أمّه وغزوة الغابة وسرية عكاشة الى عمر وسرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة وسرية أبى عبيدة بن الجراح الى مصارع أصحاب محمد بن مسلمة وسرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم وسرية زيد بن حارثة الى العيص وسرية زيد بن حارثة الى الطرف وسرية زيد بن حارثة الى حسمى وسرية كرز ابن جابر الفهرى الى العرنيين وسرية زيد بن حارثة الى وادى القرى وبعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب وبعث على بن أبى طالب الى بنى سعد وسرية زيد بن حارثة الى أمّ قرفة وسرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع والاستسقاء وسرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى بخيبر وسرية زيد ابن حارثة الى مدين وغزوة الحديبية وبيعة لرضوان ووفاة أمّ رومان ونزول حكم الظهار وتحريم الخمر وتزوّج أمّ حبيبة) * سرية محمد ابن مسلمة الى القرطا * وفى محرّم هذه السنة لعشر خلون منه على رأس تسعة وخمسين شهرا من الهجرة كانت سرية محمد ابن مسلمة الى القرطا بطن من بنى بكر بن كلاب وهم ينزلون ضرية بالبكرات* روى أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فى ثلاثين راكبا على جماعة من بنى بكر بن كلاب بموضع يقال له الضرية فى خلاصة الوفا الضرية بفتح الضاد المعجمة وكسر الراء وتشديد المثناة التحتية قرية على سبع مراحل بطريق خارج البصرة الى مكة وفى القاموس ضرية بين البصرة ومكة* وأمره أن يغير عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 بغتة وكان محمد يسير بالليل ويختفى بالنهار حتى أغار عليهم فجأة وهم عارون غافلون وهرب سائرهم* وعند الدمياطى قتل نفرا منهم وهرب سائرهم وأصاب منهم خمسين بعيرا وثلاثة آلاف شاة وساقها وقدم المدينة لليلة بقيت من المحرّم فقسمها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه بعد اخراج الخمس وكانت غيبته فى تلك السرية تسع عشرة ليلة قصة ثمامة بن أثال الحنفى وكان معه ثمامة بن أثال الحنفى سيد اليمامة أسيرا فربط بسارية من سوارى المسجد* وفى الاكتفاء ان خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت فأخذت رجلا من بنى حنيفة لا يشعرون من هو حتى أتوابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون من أخذتم هذا ثمامة ابن أثال الحنفى أحسنوا أساره ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهله فقال اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به اليه وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها ويراح فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أسلم يا ثمامة وفى رواية ما تقول يا ثمامة* وفى رواية فخرج اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد ان تقتلنى تقتل ذادم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة وهكذا الى ثلاثة أيام ففى اليوم الثالث أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بأن يطلق فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم عاد اليه فقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله* وفى الاكتفاء فلما أطلقوه خرج حتى أتى الى البقيع فتطهر وأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبىّ صلى الله عليه وسلم على الاسلام فلما أمسى جاؤه بما كانوا يأتونه به من الطعام فلم ينل منه الا قليلا وباللقحة فلم يصب من حلابها الا يسيرا فتعجب المسلمون من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مم تعجبون من رجل أكل أوّل النهار فى معى كافر وأكل آخر النهار فى معى مسلم انّ الكافر يأكل فى سبعة أمعاء وانّ المسلم يأكل فى معى واحدة* وقال ثمامة حين أسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان وجهك أبغض الوجوه الىّ فأصبح وهو أحب الوجوه الىّ ولقد كان دينك أبغض الاديان الىّ فأصبح وهو أحب الاديان الىّ ولقد كان بلدك أبغض البلاد الىّ فأصبح وهو أحب البلاد الىّ* وفى رواية قال يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض الىّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الىّ ووالله ما كان من دين أبغض الىّ من دينك فقد أصبح دينك أحب الاديان الىّ ووالله ما كان من بلد أبغض الىّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد الىّ وانّ خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكنى أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لما تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم خرج الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا فكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك تأمر بصلة الرحم وانك قد قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومى وبين ميرتهم ففعل ويقال انه لما كان ببطن مكة فى عمرته لبى فكان أوّل من دخل مكة يلبى فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا وهموا بقتله ثم خلوه لمكان حاجتهم اليه والى بلده ذكر قصته البخارى* كسوف الشمس وفى هذه السنة كسفت الشمس أوّل مرّة قبل الكسوف الذى كان فيه موت ابراهيم كذا فى الوفا* غزوة بنى لحيان وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بنى لحيان بكسر اللام وفتحها لغتان وذكرها ابن اسحاق فى جمادى الاولى على رأس ستة أشهر من فتح بنى قريظة* قال ابن حرم الصحيح أنها فى الخامسة قال أهل السير لما وقعت وقعة عاصم بن ثابت وخبيب بن عدى وغيرهما من الصحابة الذين قتلهم هذيل وجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا فأراد أن ينتقم منهم فأمر أصحابه بالتهيؤ وورّى فأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وعسكر فى مائتى رجل ومعهم عشرون فرسا واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم فسلك على غراب جبل بناحية المدينة الى الشام ثم على مخيض تم على البتراء ثم ذات اليسار فخرج على بين ثم على صخيرات اليمام ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة فأسرع السير حتى انتهى الى منازلهم ببطن عران بخط السلفى كتب تحت العين عين صغيرة وقال ابن الاثير بضم الغين المعجمة وفتح الراء وهو واد بين أمج وعسفان وبينه وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحاب الرجيع الذين قتلوا فوجد بنى لحيان قد حذروا وتمنعوا فى رؤس الجبال فترحم على أصحاب الرجيع ودعا لهم واستغفر وأقام هناك يوما أو يومين يبعث السرايا فى كل ناحية فلما أخطأ من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج فى مائتى راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرّا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا وكان جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا آيبون تائبون ان شاء الله تعالى لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكابة المنقلب وسوء المنظر فى الاهل والمال كذا فى الاكتفاء* وفى رواية بعث أبا بكر فى عشرة فوارس من عسفان ليسمع بهم قريش فيذعرهم فأتوا كراع الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وانصرف صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولم يلق كيدا وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة* زيارة النبي ص قبر أمه وفى هذه السنة زار قبر أمّه روى أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بنى لحيان وقف على الابواء فنظر يمينا وشمالا فرأى قبر آمنة أمه فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبكى الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف الى الناس فقال ما الذى أبكاكم قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال ما ظننتم قالوا ظننا أنّ العذاب نازل علينا قال لم يكن من ذلك شئ قالوا ظننا أنّ أمتك كلفت من الاعمال ما لا يطيقون قال لم يكن من ذلك شئ ولكنى مررت بقبر أمى فصليت ركعتين ثم استأذنت ربى عز وجل أن أستغفر لها فنهيت فبكيت ثم عدت وصليت ركعتين فاستأذنت ربى عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا فأبكانى ثم دعا براحلته فركبها فسار يسيرا فقامت الناقة لثقل الوحى فأنزل الله ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى الى آخر الايتين فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أشهد كم أنى برىء من آمنة كما تبرأ ابراهيم من أبيه* وفى رواية لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة زار قبر أمه بالابواء ثم قام متغيرا ذكره الطيبى فى شرح المشكاة* وفى رواية لما مرّ بالابواء فى عمرة الحديبية زار قبرها وعن أبى هريرة قال زار النبىّ صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يأذن لى واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فانها تذكر الموت* وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الاضاحى فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ الا فى سقاء فاشربوا فى الاسقية كلها ولا تشربوا مسكرا رواهما مسلم* وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تزهد فى الدنيا وتذكر الاخرة رواه ابن ماجه* وعن محمد بن النعمان يرفعه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قال من زار قبر أبويه أو أحدهما فى كل جمعة غفر له وكتب برّا رواه البيهقى فى شعب الايمان* وعن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر ان يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لا حقون نسأل الله لنا ولكم العافية رواه مسلم* وعن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوّارات القبور رواه أحمد والترمذى وابن ماجه وقد رأى بعض أهل العلم انّ هذا كان قبل أن يرخص النبىّ صلى الله عليه وسلم فى زيارة القبور فلما رخص دخل فى رخصته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 الرجال والنساء وقال بعضهم انما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهنّ وكثرة جزعهنّ كذا فى المشكاة وعن عائشة قالت كنت أدخل بيتى الذى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانى واضعة ثوبى وأقول انما هو زوجى وأبى فلما دفن عمر معهما فو الله ما دخلته الا وأنا مشدودة علىّ ثيابى حياء من عمر رواه أحمد والله تعالى أعلم * (وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة الغابة) * وتعرف بذى قرد بفتح القاف والراء وبالدال المهملة وهو ماء على بريد من المدينة* وفى خلاصة الوفا الغابة واد لم يزل معروفا فى أسفل سافلة المدينة من جهة الشام وهو مغيض مياه أوديتها بعد مجتمع السيول وكان بها املاك أهل المدينة استولى عليها الخراب والحفياء من أدنى الغابة وانها على خمسة أميال أو ستة من المدينة* وعن محمّد بن الضحاك أنّ العباس كان يقف على سلع فينادى غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل وبينهما ثمانية أميال وهو محمول على انتهاء الغابة لا أدناها* وفى حياة الحيوان الغابة موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال وفيها أيضا كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة وهى على بريد من المدينة بطريق الشام* وفى معجم ما استعجم الغابة بالموحدة اثنتان العليا والسفلى ومنبر النبى صلى الله عليه وسلم كان من طرفاء الغابة* وفى خلاصة الوفا وذو قرد ماء انتهى اليه المسلمون فى غزوة الغابة قال ابن الاثير هو بين المدينة وخيبر على يومين من المدينة* وفى فتح البارى مسافة يوم وفى غيره نحو يوم مما يلى بلاد غطفان وكانت فى ربيع الاوّل سنة ست قبل الحديبية وعند البخارى انها كانت قبل خيبر بثلاثة أيام وفى مسلم نحوه قال الحافظ مغلطاى فى ذلك نظر لاجتماع أهل السير على خلافهما انتهى* قال القرطبى شارح مسلم لا يختلف أهل السير أنّ غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية وقال الحافظ ابن حجر ما فى الصحيح من التاريخ لغزوة ذى قرد أصح مما ذكره أهل السير وهى الغزوة التى أغار فزارة على لقاح النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ربيع الاوّل قبل خيبر وعن سلمة بن الاكوع قال رجعنا أى من الغزوة الى المدينة فوالله ما لبثنا فى المدينة الا ثلاث ليال حتى خرجنا الى خيبر وقال ابن اسحاق كانت غزوة بنى لحيان فى شعبان سنة ست فلما رجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة لم يقم بها الا ليال قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى على لقاحه وقال ابن سعد كانت غزوة ذى قرد فى ربيع الاوّل سنة ست قبل الحديبية ويمكن الجمع بأنّ اغارة عيينة ابن حصن على اللقاح كانت مرّتين الاولى قبل الحديبية والثانية بعدها قبل الخروج الى خيبر كذا فى فتح البارى* وفى المواهب اللدنية سببها أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة وهى ذوات اللبن القريبة العهد بالولادة ترعى بالغابة وكان أبو ذرّ فيها فأغار عليهم عيينة بن حصن الفزارى* وفى المشكاة وغيرها انّ عبد الرحمن بن حصن الفزارى أغار على اللقاح ويمكن الجمع بأنّ عبد الرحمن هو الذى أنشأ الاغارة لكن عيينة لما جاء الى امداده نسبت الاغارة تارة الى هذا وتارة الى هذا وكانت الاغارة ليلة الاربعاء فى أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبى ذرّ الغفارى* وقال ابن اسحاق وكان فيها رجل من بنى غفار وامرأته فقتلوا الرجل وسبوا المرأة واحتملوها فى اللقاح وكان أوّل من نذر بهم سلمة بن الاكوع الاسلمى غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى اذا علا ثنية الوداع نظر الى بعض خيولهم فأشرف فى ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه وخرج يشتدّ فى آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق القوم فجعل يردّهم بالنبل ويقول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 اذا رمى* خذها وأنا ابن الاكوع* اليوم يوم الرضع* فكلما وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمكنه الرمى رمى ثم قال خذها وأنا ابن الاكوع اليوم يوم الرضع فيقول قائلهم أكيعنا أوّل النهار فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الاكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع* وفى رواية ونودى يا خيل الله اركبى وكان أوّل ما نودى بها وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خمسمائة وقيل فى سبعمائة واستخلف على المدينة ابن أمّ مكتوم وخلف سعد بن عبادة فى ثلثمائة يحرسون المدينة وكان قد عقد لمقداد بن عمرو فى رمحه لواء وقال له امض حتى تلحقك الخيول وانا على أثرك فأدرك أخريات العدوّ كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء فكان أوّل من انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو وهو الذى يقال له المقداد بن الاسود حليف بنى زهرة ثم كان أوّل فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الانصار عباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الاشهل وسعد بن زيد أحد بنى كعب بن عبد الاشهل وأسيد بن ظهير أخو بنى حارثة يشك فيه وعكاشة بن محصن أخو بنى أسد بن خزيمة ومحرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وأبو قتادة الحارث بن ربعى أخو بنى سلمة وأبو عياش وهو عبيد بن زيد بن صامت أخو بنى رزيق فلما اجتمعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عليهم سعد بن زيد وقال اخرج فى طلب القوم حتى ألحقك فى الناس وقال لابى عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق القوم قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم أضرب الفرس فو الله ما جرى بى خمسين ذراعا حتى طرحنى فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أعطيته أفرس منك وأقول أنا أفرس الناس فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس أبى عياش هذا فيما يزعمون معاذ بن ما عص أو عائذ بن ما عص فكان ثامنا وبعض الناس يعد سلمة بن عمر وابن الاكوع أحد الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير أخابنى حارثة والله أعلم أى ذلك كان* ولم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أوّل من لحق بالقوم على رجليه فخرج الفرسان فى طلب القوم حتى تلاحقوا وكان أوّل فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وكان يقال لمحرز هذا الآخرم ويقال له أيضا قمير لما كان الفزع جال فرس لمحمود بن سلمة فى الحائط وهو مربوط بجذع نخل حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا ضبعا جامعا فقال بعض نساء بنى عبد الاشهل حين رأى الفرس يجول فى الحائط بجذع نخل هو مربوط به يا قمير هل لك فى أن تركب هذا الفرس فانه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين فأعطته اياه فخرج عليه فلم يلبث ان بدأ الخيل بحمامه حتى أدرك القوم فوقف بين أيديهم ثم قال قفوا بنى اللكيعة كذا فى الاكتفاء* وفى سيرة ابن هشام معشر اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المهاجرين والانصار ثم حمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدر حتى وقف على اربة فى بنى عبد الاشهل فقيل انه لم يقتل من المسلمين يومئذ غيره وقيل انه قتل مع محرز وقاص ابن محرز المدلجى* قال ابن اسحاق وكان اسم فرس محمود ذا اللمة وقال ابن هشام وكان اسم فرس سعد لا حق واسم فرس المقداد برجة ويقال سمحة وفرس عكاشة ذو اللمه وفرس أبى قتادة خرودة وفرس عباس بن بشر لماع وفرس أسيد بن ظهير مسنون وفرس عياش جلوة قال ابن اسحاق وقد حدّثنى بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أن محرزا انما كان على فرس عكاشة بن محصن يقال لها الجناح فقتل محرز واستلبت الجناح ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسلمين فاذا حبيب مسحى ببرد أبى قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبى قتادة ولكنه قتيل لابى قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 * وفى المواهب اللدنية وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه وقتل عكاشة بن محصن أبان بن عمرو وقتل من المسلمين محرز بن نضلة قتله مسعدة وأدرك عكاشة ابن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا بعض اللقاح* وفى المواهب اللدنية استنقذوا عشرة من اللقاح وأفلت القوم بما بقى وهو عشر وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذى قرد وتلاحق الناس والخيول عشاء وذهب الصريخ الى بنى عمرو بن عوف فجاء الامداد فلم تزل الخيل تأتى والرجال على أقدامهم وعلى الابل حتى انتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذى قرد وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الاكوع يا رسول الله لو سرحتنى فى مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم الان ليغبقون فى غطفان* وفى المواهب اللدنية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الاكوع اذا ملكت فأسحج بهمزة قطع ثم سين مهملة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة أى فارفق وأحسن من السجاحة وهى السهولة ثم قال انهم ليقرون فى غطفان فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه فى كل مائة رجل جزورا* وفى المواهب اللدنية وصلى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذى قرد ثم رجع قافلا الى المدينة وقد غاب عنها خمس ليال وافلتت امرأة الغفارى على ناقة من ابل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت يا رسول الله انى نذرت أن أنحرها ان نجانى الله عليها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها انه لا نذر فى معصية الله ولا فيما لا تملكين انما هى ناقة من ابلى ارجعى الى أهلك على بركة الله وهذا حديث ابن اسحاق عن غزوة ذى قرد وخرج مسلم بن الحجاج حديثها فى صحيحه باسناده الى سلمة بن الاكوع مطوّلا ومختصرا وخالف فيه حديث ابن اسحاق فى مواضع منها أنّ هذه الغزوة بعد انصراف النبىّ صلى الله عليه وسلم من الحديبية وجعلها ابن اسحاق قبلها وكذلك فعل ابن عقبة قال القرطبى لا تختلف أهل السير أنّ غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية وما فى الصحيح من التاريخ لها أصح مما فى السير كما مرّ ويمكن الجمع بتكرر الواقعة ويؤيده أنّ الحاكم ذكر فى الاكليل أنّ الخروج الى ذى قرد تكرّر الاولى خرج اليها زيد بن حارثة قبل أحد وفى الثانية خرج اليها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ربيع الاخر سنة خمس والثالثة هى المختلف فيها ومنها أنّ اللقاح كانت ترعى بذى قرد وكذا فى البخارى وقال ابن اسحاق بالغابة وكذا قال عياض الاوّل غلط ويمكن الجمع بأنها كانت ترعى تارة بذى قرد وتارة بالغابة ومنها قد ورد فى صحاح الاحاديث عن سلمة أنه قال خرجت أنا ورباح عبد النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤذن بلال بالاولى يعنى صلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب على فرس أبى طلحة الانصارى فاذا أغار عبد الرحمن ابن عيينة بن حصن الفزارى قبل طلوع الفجر على لقاح النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانت ترعى بذى قرد وقد قتل الراعى واستاق اللقاح فقلت أى رباح اركب هذا الفرس وبلغه الى أبى طلحة وأخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية عن سلمة خرجت قبل أن يؤذن بلال بالاولى فلقينى عبد لعبد الرحمن بن عوف فقلت ويحك مالك قال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال أخذها غطفان وفزارة* وفى رواية لمسلم ما يقتضى أنّ سلمة كان مع السرح لما أغير عليه وانه قام على اكمة وصاح واصباحاه ثلاثا وهذا يرجح ان السرح كان بالغابة ويبعد كونه بذى قرد اذ لو كان بذى قرد لما أمكنه لحوقهم ومنها أنّ سلمة بن الاكوع استنقذ سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته قال سلمة فو الله ما زلت أرميهم وأعقرهم فاذا رجع الىّ فارس منهم أتيت شجرة فجلست فى أصلها ثم رميته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 فعقرت حتى اذا تضايق الجبل فدخلوا فى مضائقه علوت الجبل فجعلت أردّهم بالحجارة قال فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهرى وخلوا بينى وبينه ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقا من ثنية فأتاهم فلان ابن بدر الفزارى فجلسوا يتضحون أى يتغدون وجلست على رأس قرن قال الغزارى ما هذا الذى أرى قالوا لقينا من هذا البرح والله ما رافقنا منذ عيش يومنا حتى انتزع كل شئ فى أيدينا قال فليقم اليه نفر منكم قال فصعد الىّ منهم أربعة فى الجبل فلما أمكنونى من الكلام قلت هل تعرفوننى قالوا لا ومن أنت قلت فأنا سلمة بن الاكوع والذى كرّم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم الا أدركته ولا يطلبنى فيدركنى قال أحدهم أظنّ ذلك فرجعوا فما برحت مكانى حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر فاذا أوّلهم الآخرم الاسدى وعلى أثره أبو قتادة الانصارى وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندى فأخذت بعنان الآخرم وقلت يا أخرم احذرهم لا يقتطعونك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا سلمة ان كنت تؤمن بالله واليوم الاخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بينى وبين الشهادة قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن فقتله وتحوّل على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله* وفى رواية اختلفا طعنتين فطعن أوّلا الآخرم عبد الرحمن فجرحه ثم طعن عبد الرحمن أخرم فقتله وركب فرسه فبلغه أبو قتادة فاختلفا طعنتين أيضا فطعن أوّلا عبد الرحمن أبا قتادة فجرحه بالرمح الذى طعن به أخرم فطعنه أبو قتادة فقتله فركب فرس أخرم الذى ركبه عبد الرحمن* وفى الشفاء أصاب سهم وجه أبى قتادة يوم ذى قرد فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر السهم فما ضرب ولا قاح* وفى الاكتفاء قال سلمة بن الاكوع والذى أكرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلىّ حتى ما أرى من ورائى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا من غبارهم شيئا حتى عدلوا قبل غروب الشمس الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش فنظروا الى عدوى وراءهم فجلوتهم عنه فما ذاقوا منه قطرة ويخرجون ويشتدّون فى ثنية فأعد وفألحق رجلا منهم فاصكه بسهم فى نغض كتفه فقلت خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع قال يا ثكلة أمه أكوعه بكره قلت نعم يا عدوّ نفسه أكوعه بكره قال وأردوا فرسين على ثنية فجئت بهما أسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقنى عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذى جلاتهم عنه قد أخذت تلك الابل وكل شئ استنقذته من المشركين وكل رمح وكل بردة واذا بلال نحر ناقة من الابل التى استنقذت من القوم فاذا هو يشوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها قلت يا رسول الله خلنى فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر الا قتلته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فى ضوء النهار وقال يا سلمة أتراك كنت فاعلا قلت نعم والذى أكرمك قال انهم الان ليقرّون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا فقال أتاكم القوم فخرجوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة ويرخ؟؟؟ رجالتنا سلمة بن الاكوع ثم أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الراجل وسهم الفارس فجمعهما الىّ جميعا وذكر الزبير بن أبى بكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ فى غزوة ذى قرد هذه على ماء يقال له بيسان فسأل عنه فقيل اسمه يا رسول الله بيسان وهو مالح فقال رسول الله صلى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 عليه وسلم لا بل اسمه نعمان وهو طيب فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه فغير الله تعالى الماء فاشتراه طلحة بن عبيد الله ثم تصدّق به وجاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنت يا طلحة الافياض فسمى طلحة الفياض قال سلمة ثم أردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فرجعنا الى المدينة فلما دنونا الى المدينة نادى رجل من الانصار هل من سابق نتسابق الى المدينة فاستأذنت النبىّ صلى الله عليه وسلم فسابقته فسبقته* سرية عكاشة الى غمر مرزوق وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية عكاشة بن محصن الاسدى الى غمر مرزوق بالغين المعجمة المكسورة وهو ماء لبنى أسد على ليلتين من فيد فى أربعين رجلا فخرج سريعا فأخبر به القوم فهربوا فنزل المسلمون عليا بلادهم وبعث شجاع بن وهب فى جماعة الى بعض النواحى فأخذ رجلا من بنى أسد فدلهم على نعمهم فى المرعى فساقوا مائة بعير وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا* سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة بفتح القاف والصاد المهملة المشدّدة موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا ومعه عشرة الى بنى ثعلبة فورد عليه ليلا فأحدق به القوم وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الاعراب عليهم بالرماح فقتلوهم الا محمد بن مسلمة فوقع جريحا وجردوهم من ثيابهم ومرّ رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به الى المدينة* وفى ربيع الاخر من هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح فى أربعين رجلا الى مصارعهم فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا فى الجبال وأصاب رجلا واحدا فأسلم وتركه وأخذ نعما من نعمهم فاستاقها ورثة من متاعهم وقدم به المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقى عليهم* وفى القاموس الرث السقط من متاع البيت كالرثة بالكسر* سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم وفى ربيع الاخر من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم من أرض بنى سليم ويقال بالجموح ناحية ببطن نخل من المدينة على أربعة أميال فأصابوا امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بنى سليم فأصابوا نعما وشاء وأسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية فلما قفل زيد بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها* سرية زيد بن حارثة أيضا الى العيص وفى جمادى الاولى من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى العيص موضع على أربعة أميال من المدينة ومعه سبعون راكبا لما بلغه عليه السلام أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام يتعرّض لها فأخذوها وما فيها فأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسر منهم ناسا منهم أبو العاص بن الربيع زوج زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت فى الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجرانى قد أجرت أبا العاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت بشئ من هذا وقد أجرنا من أجرت وردّ عليه ما أخذ* وذكر ابن عقبة ان أسره كان على يد أبى بصير بعد الحديبية وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه وردّها النبىّ صلى الله عليه وسلم بالنكاح الاوّل قيل بعد سنتين وقيل بعد ست سنين وقيل قبل انقضاء العدّة* وفى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ردّها له بنكاح جديد سنة سبع* سرية زيد بن حارثة أيضا الى الطرف وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى الطرف وهو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة فخرج الى بنى ثعلبة فى خمسة عشر رجلا فأصاب نعما وشاء وهربت الاعراب وصبح زيد بالنعم المدينة وهى عشرون بعيرا ولم يلق كيدا وغاب أربع ليال* سرية زيد بن حارثة أيضا الى حسمى وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى حسمى وهو واد وراء ذات القرى* وفى الاكتفاء وكان من حديثها كما حدّث رجال من جذام وكانوا علماء بها ان رفاعة بن زيد الجذامى لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم الى الاسلام فاستجابوا له لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبى من عند قيصر صاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الروم حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه تجارة له وقد أجازه قيصر وكساه حتى اذا كان بواد من أوديتهم يقال له حسمى أغار عليه الهنيد بن عوض الضلعى بطن منه وابنه عوض فأصاب كل شئ معه فبلغ ذلك قوما من بنى الضبيب وهم رهط رفاعة ممن كان أسلم وأجاب فنفروا الى الهنيد وابنه فاستنقذوا ما كان فى أيديهما من متاع دحية فخرج دحية حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره واستشفاه دم الهنيد وابنه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وبعث معه جيشا خمسمائة رجل وردّ معه دحية فكان زيد يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى هجموا مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم وأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف ومائة من النساء والصبيان* وفى الاكتفاء فجمعوا ما وجدوا من مال وأناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين معهما فلما سمع ذلك بنو الضبيب ركب نفر منهم فيهم حسان بن ملة فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان انا قوم مسلمون فقال له زيد اقرأ أم الكتاب فقرأها فقال زيد بن حارثة نادوا فى الجيش أن قد حرم علينا ثغرة القوم التى جاؤا منها الا من ختر أى غدر واذا بأخت حسان فى الاسارى فقال له زيد خذها فقالت أم الغرار الضلعية أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتكم فقال أحد بنى الخصيب انها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم فسمعها بعض الجيش فأخبر بها زيدا فامر بأخت حسان وقد كانت أخذت بحقوى أخيها ففكت يداها من حقويه وقال لها اجلسى مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه فرجعوا ونهى الجيش أن يهبطوا الى واديهم الذى جاؤا منه فامسوا فى أهليهم فلما شربوا عتمتهم ركبوا الى رفاعة بن زيد فصبحوه فقال له حسان بن ملة انك لجالس تحلب المعزى وان نساء جذام أسارى قد غرّها كتابك الذى جئت به فدعا رفاعة بجمل له فشدّ عليه رحله وهو يقول* هل أنت حى وتنادى حيا* ثم غدا رفاعة فى نفر من قومه وهم مبكرون فساروا الى جهة المدينة ثلاث ليال فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح اليهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فلما استفتح رفاعة بن زيد النطق قال رجل من الناس يا رسول الله ان هؤلاء قوم سحرة فردّدها مرتين فقال رفاعة رحم الله من لم يحدث فى يومنا هذا الاخيرا ثم دفع رفاعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذى كان كتب له ولقومه ليالى قدم عليه فأسلم فقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه يا غلام وأعلن فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرّات فقال رفاعة أنت أعلم يا رسول الله لا نحرّم عليك حلالا ولا نحلل لك حراما فقال أبو زيد بن عمر وأحد قومه مع رفاعة أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمى هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبو زيد اركب معهم يا على فقال له على يا رسول الله انّ زيدا لا يطيعنى قال فخذ سيفى هذا فأعطاه سيفه فخرجوا فاذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من ابلهم فأنزلوه عنها فقال يا على ما شأنى فقال ما لهم عرفوه فأخذوه ثم ساروا فلقوا الجيش فأخذوا ما بأيديهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة من تحت الرجل* سرية كرز الى العرنيين وفى جمادى الاخرة من هذه السنة على قول ابن اسحاق وهو المذكور فى المواهب اللدنية أو فى شوّال هذه السنة على ما قاله الواقدى وتبعه ابن سعد وابن حبان أو فى ذى القعدة بعد الحديبية وهو المذكور فى البخارى كانت سرية كرز بن جابر الفهرى الى العرنيين بضم العين وفتح الراء المهملتين حى من قضاعة وحى من بجيلة والمراد ههنا الثانى كذا ذكره ابن عقبة فى المغازى* روى ان ثمانية نفر من عرينة وفى البخارى من عكل وعرينة* عكل بضم العين واسكان الكاف وفى الاكتفاء من قيس كبة من بجيلة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلموا فى الاسلام ثم استوخموا أو قال اجتووا أو استوبأوا المدينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وطلحوا وقالوا انا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فبعثهم النبىّ صلى الله عليه وسلم الى لقاحه* وفى الاكتفاء وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح ترعى بناحية الجماوان يرعاها عبد له يقال له يسار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه فى غزوة بنى محارب وبنى ثعلبة* وفى رواية بعثهم الى ابل الصدقة وكأنهما كانا معا فصح الاخبار بالبعث الى كل منهما* وفى الاكتفاء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم الى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها فخرجوا اليها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا وانطوت بطونهم عكنا وعدوا على راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوه* وفى رواية وقتلوا راعيها يسارا وقطعوا يده ورجله وغرّزوا الشوك فى لسانه وعينيه حتى مات واستاقوا الابل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه الخبر فى أوّل النهار بعث فى أثرهم عشرين فارسا وأمّر عليهم كرز بن جابر الفهرى فأدركوهم وأحاطوا بهم وربطوهم فما ارتفع النهار حتى قدموا بهم المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه* وفى الاكتفاء فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذى قرد فامر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم* وفى رواية وسمرت أعينهم وصلبوا هنا لك* وفى صحيح البخارى فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وما حسمهم ثم ألقوا فى الحرّة يستقون فماسقوا حتى ماتوا قال أنس فكنت أرى أحدهم يكد أو يكدم الارض بفيه وعن محمد بن سيرين انما فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا قبل ان تنزل الحدود كذا فى الترمذى قال أبو قلابة هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردّوها الا واحدة وفى الوفاء ذكر أهل السيران اللقاح كانت ترعى بناحية الجماوان* وفى رواية بذى الجدر غربى جبال عير على ستة أميال من المدينة وذكر ابن سعد عن ابن عقبة ان أمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة فأدركوهم وربطوهم وأردفوهم على خيلهم وردّوا الابل ولم يفقدوا منها الا لقحة واحدة من لقاحه صلى الله عليه وسلم تدعى الحناء فسأل عنها فقيل نحروها فلما دخلوا بهم المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة قال بعضهم وذلك مرجعه من غزوة ذى قرد كما مر فخرجوا بهم نحوه فلقوه بالغابة فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك* سرية زيد الى وادى القرى وفى رجب هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة الى وادى القرى فقتل من المسلمين قتلى وارتث زيد أى حمل من المعركة رثيثا أى جريحا وبه رمق وهو مبنى للمجهول قاله فى القاموس والله أعلم * سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل وفى شعبان هذه السنة بعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب بدومة الجندل قال أهل السير دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فأجلسه بين يديه وعممه بيده وقال اغز باسم الله وفى سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغدر ولا تقتل وليدا وبعثه الى بنى كلب بدومة الجندل وقال ان استجابوا لك فتزوّج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم الى الاسلام فأسلم اصبغ بن عمرو الكلبى وكان نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على دينه على اعطاء الجزية وتزوّج عبد الرحمن تماضر ابنة الاصبغ فقدم بها المدينة فولدت له أبا سلمة عبد الله الاصغر وهو من الفقهاء السبعة بالمدينة ومن أفضل التابعين كذا فى المواهب اللدنية وفى الاكتفاء قال عطاء بن أبى رباح سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله ابن عمر بن الخطاب عن ارسال العمامة من خلف الرجل اذا اعتم فقال عبد الله سأخبرك عن ذلك ان شاء الله تعالى ثم ذكر مجلسا شاهده من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فيه عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها قال فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سود فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ثم نقضها ثم عممه بها وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 فانه أحسن وأعرف ثم أمر بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا فى سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم فأخذ عبد الرحمن اللواء قال ابن هشام فخرج عبد الرحمن ومن معه الى دومة الجندل المذكور * بعث على بن أبى طالب الى بنى سعد وفى شعبان هذه السنة بعث على بن أبى طالب فى مائة رجل الى بنى سعد بن بكر بفدك وسببه انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لهم جمعا يرويدون أن يمدّوا يهود خيبر فسار علىّ بمن معه فأغاروا عليهم وهم عارون بين فدك وخيبر فأخذوا خمسمائة بعير وألفى شاة وهربت بنو سعد وعزل علىّ طائفة من الابل الجياد صفى المغنم وقسم الباقى على السرية وقدم بمن معه المدينة ولم يلقوا كيدا* بعث زيد الى أم قرفة وفى رمضان هذه السنة بعث زيد بن حارثة الى أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن زيد الفزارى بناحية وادى القرى على سبع ليال من المدينة وكان سببها ان زيد بن حارثة خرج فى تجارة الى الشام ومعه بضائع لاصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فلما كانوا بوادى القرى لقيه ناس من فزارة من بنى بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فبعثه صلى الله عليه وسلم اليهم فكمن أصحابه بالنهار وساروا بالليل ثم صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة وكانت ملكة رئيسة وفى المثل يقال* أمنع وأعز من أم قرفة* لانه كان يعلق فى بيتها خمسون سيفا لخمسين رجلا كلهم لها محرم وهى زوجة مالك بن حذيفة بن بدر كذا فى القاموس وأخذوا بنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وعمد قيس بن المحسر الى أم قرفة وهى عجوز كبيرة فقتلها قتلا عنيفا وربط برجليها حبلين ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا بها فقطعاها وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبىّ صلى الله عليه وسلم فقام اليه عريانا يجرّثو به حتى اعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفر به والله أعلم* سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع وفى رمضان هذه السنة كانت سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع عبد الله تاجر أهل الشام* وفى سيرة ابن هشام وكان سلام ابن أبى الحقيق وهو أبو رافع اليهودى وهو بخيبر فيمن حزب الاحزاب يوم الخندق كذا ذكره ابن سعد هنا انها كانت فى رمضان وذكر فى ترجمة عبد الله بن عتيك انه بعثه فى ذى الحجة الى أبى رافع سنة خمس بعد وقعة بنى قريظة وقيل فى جمادى الاخرة سنة ثلاث* وفى البخارى قال الزهرى بعد قتل كعب بن الاشرف وأرسل معه أربعة فكانوا خمسة عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبا قتادة الحارث بن ربعى والاسود بن الخزاعى ومسعود بن سنان وأمرهم بقتله فذهبوا الى خيبر فكمنوا فلما هدأت الرجل جاؤا الى منزله فصعدوا درجة له وقدّموا عبد الله بن عتيك لانه كان يرطن باليهودية فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشار اليها بالسيف فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه الا ببياضه فعلوه بأسيافهم* وفى البخارى كان أبو رافع يؤدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه وكان فى حصن له فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فانى منطلق ومتلطف للبوّاب لعلى أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجته مبديا انه من أهل الحصن فدخل الناس فهتف به البوّاب يا عبد الله ان كنت تريد أن تدخل فادخل فانى أريد أغلق الباب فحسب البوّاب انه من أهل الحصن فدخل عبد الله فكمن فلما دخل الناس أغلق البوّاب الباب ثم علق الاقاليد فأخذها بعد ما رقد وافتتح الباب وكان أبو رافع يسمر عنده وكان فى علالى له فلما ذهب عنه أهل سمره صعد عبد الله فجعل كلما فتح بابا من خارج أغلق عليه من داخل لئلا يصل اليه القوم ان علموا به حتى يقتله فانتهى اليه فاذا هو فى بيت مظلم وسط عياله لا يدرى أين هو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 من البيت فقال يا أبا رافع فقال من هذا فأهوى نحو الصوت فضربه ضربة بالسيف وهو دهش فما أغنى عنه شيئا وصاح أبو رافع فخرج عبد الله من البيت فمكث غير بعيد ثم دخل عليه كأنه يغيثه فقال مالك يا أبا رافع وغير عبد الله صوته فقال لامك الويل دخل علىّ رجل فضربنى بالسيف فعمد اليه بالسيف فضربه ضربة أخرى فلم تغن عنه شيئا فصاح وقام أهله فجاء وغير صوته كهيئة المغيث له فاذا هو مستلق على ظهره فوضع ضبيب السيف فى بطنه ثم انكفأ عليه حتى سمع صوت العظم ثم خرج دهشا يفتح الابواب بابا بابا حتى أتى السلم يريد أن ينزل فنزل حتى انتهى الى درجة له فوضع رجله وهو يحسب انه انتهى الى الارض فسقط فى ليلة مقمرة فانكسرت ساقه* وفى رواية فانخلعت رجله فعصبها بعمامته ثم انطلق حتى جلس على الباب فقال لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا فلما صاح الديك قام الناعى على السور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلق الى أصحابه يحجل وقال قد قتل الله أبا رافع فأسرعوا فانطلقوا حتى أتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بما جرى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم أبسط رجلك فمسحها فبرأت كما كانت وكأنه لم يشتكها قط* وفى رواية محمد بن سعد أن الذى قتله عبد الله بن أنيس والصواب ان الذى دخل عليه وقتله عبد الله بن عتيك وحده كما فى البخارى كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم خمسة من أصحابه منهم أبو قتادة الى خيبر لقتل سلام بن أبى الحقيق فدخلوا بيته ليلا وقتلوه وخرجوا فنسى أبو قتادة قوسه فرجع اليها وأخذها فأصيبت رجله فشدّها بعمامته ولحق بأصحابه وكانوا يتناوبون حمله حتى قدموا المدينة فأتوا به النبىّ صلى الله عليه وسلم فمسحها بيده فبرأت كأنما لم تشتك وهذا لفظ البخارى* وفى سيرة ابن هشام ولما أصابت الاوس كعب ابن الاشرف فى عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى العداوة كابن الاشرف فذكروا ابن أبى الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قتله فأذن لهم فخرج اليه من الخزرج من بنى سلمة خمسة نفروهم عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة الحارث بن ربعى وخزاعى بن أسود حليف لهم من أسلم فخرجوا حتى اذا قدموا خيبر أتوادار أبى الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا فى الدار الا أغلقوه على أهله قال وكان فى علية له اليها عجلة فاستندوا اليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوه فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم فقالوا انا من العرب نلتمس الميرة فقالت لهم ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه قال فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوّفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه قال وصاحت بنا امرأته فنوّهت بنا وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه فى سواد الليل الا بياضه كأنه قطنة ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال ولما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه فى بطنه حتى أنفذه وهو يقول قطنى قطنى أى حسبى حسبى وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيئ البصر فوقع من الدرجة فوثبت يده وثيا شديدا ويقال انها رجله فيما قاله ابن هشام وحملناه حتى نأتى نهرا من عيونهم فندخل فيه قال وأوقدوا النيران واشتدّوا فى كل وجه يطلبون حتى اذا أيسو ارجعوا الى صاحبهم فأكتنفوه وهو يقضى بينهم قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدوّ الله قد مات فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لكم الخبر فانطلق حتى دخل فى الناس قال فوجدتها ورجال يهود حوله وفى يدها المصباح فتنظر فى وجهه وتحدّثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت وقلت اين ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت عليه تنظر فى وجهه ثم قالت فاظ؟؟؟ واله يهود فما سمعت كلمة كانت ألذ الى نفسى منها قال ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدوّ الله واختلفنا عنده فى قتله وكلنا يدّعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام* حديث الاستسقاء وفى رمضان هذه السنة استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجدب الناس فطروا فقال صلى الله عليه وسلم أصبح الناس مؤمنا بالله وكافرا بالكواكب* قاله مغلطاى واستسقى فى موضع المصلى وصلى صلاة الاستسقاء روى أنه قحط الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه المسلمون وقالوا يا رسول الله قحط المطر ويبس الشجر وهلكت المواشى وأسنت الناس فاستسق لنا ربك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه يمشى ويمشون بالسكينة والوقار حتى أتوا المصلى فتقدّم وصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العيدين والاستسقاء فى الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الاعلى وفى الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته استقبل الناس بوجهه وقلب رداءه لكى ينقلب القحط الى الخصب ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقى ثم قال اللهم أسقنا وأغثنا غيثا مغيثا وحياء ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا عامّا هنيئا مريئا مريعا مرتعا وابلا شاملا مسبلا مجللا دائما ودرا نافعا غير ضارّ عاجلا غير رائث غيثا اللهم تحيى به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا صالحا للحاضر والباد اللهم أنزل فى أرضنا زينتها وأنزل عليها سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحى به بلدة ميتا واسقه مما خلقت أنعاما وأناسىّ كثيرا* فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه الى بعض ثم أمطرت سبعة أيام بليا ليهنّ لا تقلع عن المدينة فأتاه المسلمون وقالوا يا رسول الله قد غرقت الارض وتهدّمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله تعالى أن يصرفها عنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة بنى آدم ثم رفع يديه ثم قال حوالينا ولا علينا اللهم على رؤس الظراب ومنابت الشجر وبطون الاودية وظهور الاكام فتصدّعت عن المدينة حتى كانت مثل ترس عليها كالفسطاط تمطر مراعيها ولا تمطر فيها قطرة* وفى رواية لما صارت المدينة كالفسطاط وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله أبو طالب لو كان حيا لقرّت عيناه من الذى ينشدنا قوله فقام على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال يا رسول الله كأنك أردت وأبيض يستسقى العمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذبه الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده فى نعمة وفواضل كذبتم وبيت الله يردى محمد ... ولما نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فقام رجل من كنانة يترنم ويذكر هذه الابيات ويقول فى ذلك لك الحمد والشكر ممن شكر ... سقينا بوجه النبىّ المطر دعا الله خالقنا دعوة ... اليه وأشخص منه البصر ولم يك الا كقلب الردا ... وأسرع حتى رأينا المطر دفاق الغرائل جم البعاق ... أغاث به علينا مضر وكان كما قاله عمه ... أبو طالب أبيض ذو غرر به الله يسقيه صوب الغمام ... وهذا العيان لذاك الخبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فمن يشكر الله يلق المزيد ... ومن يكفر الله يلق العبر فقال صلى الله عليه وسلم ان يكن شاعر أحسن فقد أحسنت وأنشد بعض السلف عقيب حديث الاستسقاء هذه الابيات سألنا وقد ضنّ السحاب بمائه ... نبى الهدى فى جمعة وهو يخطب فقلنا قد اغبرّت من الجدب أرضنا ... فليس لنا فيها من الضرّ مذهب فما زال يدعو الله والصحب حوله ... ويضرع مقلوب الرداء ويرغب الى أن بدت من نحو سلع غمامة ... فلما تزل سبعا على القوم تسكب فقام اليه بعض من كان شاهدا ... يقول وأخلاف السموات تحلب سل الله يا خير النبيين حبسها ... فقد خيف منها أن تهدّم يثرب سرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى وفى شوّال هذه السنة كانت سرية عبد الله بن رواحة الى اسير ابن رزام اليهودى بخيبر* وفى سيرة ابن هشام اليسير بن رزام ويقال رازم وكان سببها أنه لما قتل أبو رافع بن أبى الحقيق أمّرت يهود عليها أسيرا فسار فى غطفان وغيرهم يجمع لحربه صلى الله عليه وسلم وبلغه ذلك فوجه عبد الله بن رواحة فى ثلاثة نفر فى رمضان سرّ افسأل عن خبره وعربه فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب عليه السلام الناس فانتدب له ثلاثون رجلا لأمّر عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا عليه وقالوا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا اليك لتخرج اليه يستعملك على خيبر ويحسن اليك فطمع فى ذلك وخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديفه من المسلمين حتى اذا كانوا بقرقرة فضربه عبد الله بن أنيس بالسيف وكان فى السرية فسقط عن بعيره ومالوا على أصحابه فقتلوهم غير رجل ولم يصب من المسلمين أحد ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد نجاكم الله من القوم الظالمين* وفى الاكتفاء غزا عبد الله بن رواحة خيبر مرّتين احداهما التى أصاب فيها اليسير بن رزام ومن حديثه أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة فى نفر من أصحابه منهم عبد الله بن أنيس حليف بنى سلمة فلما قدموا عليه كلموه وقاربوا له وقالوا له انك ان قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك فلم يزالوا به حتى خرج معهم فى نفر من يهود فحمله عبد الله بن أنيس على بعيره حتى اذا كانوا بالقرقرة من خيبر على ستة أميال ندم اليسير على مسيره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففطن به عبد الله بن أنيس وهو يريد السيف فاقتحم به فضربه بالسيف فقطع رجله وضربه اليسير بمخرش فى يده من شوحط فأمّه فمال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله الا رجلا واحدا أفلت على رجليه فلما قدم عبد الله بن أنيس على رسول الله عليه السلام تفل على شجته فلم تقح ولم تؤذه* سرية زيد بن حارثة الى مدين وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى مدين وفى معجم ما استعجم مدين بلد بالشام معلوم تلقاء غزة وهو المذكور فى كتاب الله تعالى وهو منزل جذام وشعيب النبىّ عليه السلام المبعوث الى أهل مدين أحد بنى وائل من جذام فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا قدم جذام مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى لا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له وفى كتاب الاعلام شعيب هو شعيب ابن صيعون بن مدين بن ابراهيم* وفى أنوار التنزيل مدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن ابراهيم ولم تكن فى سلطنة فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانى مراحل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية الى مدين أميرهم زيد بن حارثة فأصاب سرايا من أهل مينا قال ابن اسحاق ميناهى سواحل فبيعوا وفرّقوا بين الامّهات وأولادهنّ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال ما لهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 فأخبر خبرهم فقال لا تبيعوا الا جميعا* غزوة الحديبية وفى هلال ذى القعدة من هذه السنة وقعت غزوة الحديبية* وفى معجم ما استعجم الحجازيون يخففونها والعراقيون يثقلونها ذكر ذلك ابن المدينى فى كتاب العلل والشواهد وكذلك الجعرانة والحديبية قرية سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة وبين الحديبية والمدينة تسع مراحل وبينها وبين مكة مرحلة* قيل هى من الحرم وقيل بعضها من الحرم قال المحب الطبرى هى قرية قريبة من مكة أكثرها فى الحرام وهى على تسعة أميال من مكة* وفى شفاء الغرام ومسجد الشجرة بالحديبية والشجرة المنسوب اليها هذا المسجد هى الشجرة التى كانت تحتها بيعة الرضوان وكانت هذه الشجرة سمرة معروفة عند الناس وهذا المسجد عن يمين طريق جدّة وهو المسجد الذى يزعم الناس أنه الموضع الذى كان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثمة مسجد آخر وهذان المسجدان والحديبية لا تعرف اليوم والله أعلم بذلك* وسبب هذه الغزوة أنه أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام بالمدينة قبل أن يخرج الى الحديبية أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة بيده وطافوا واعتمروا وحلق بعضهم وقصر بعضهم فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك فأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر فاستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادى من الاعراب ليخرجوا معه وهو لا يريد الحرب لكنه يخشى من قريش أن يتعرّضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت وأبطأ عليه كثير من الاعراب فاغتسل النبىّ صلى الله عليه وسلم ولبس ثيابه وركب ناقته القصوى واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم وخرج منها يوم الاثنين غرّة ذى القعدة من السنة السادسة من الهجرة للعمرة وهى عام الحديبية ومعه أصحابه من المهاجرين والانصار ومن لحق به من العرب وساق معه سبعين بدنة منها جمل أبى جهل الذى غنمه يوم بدر وجعل على الهدى ناجية بن جندب الاسلمى* وفى معالم التنزيل ناجية بن عمير وساق ذو اليسار من أصحابه معه الهدى فصلى الظهر بذى الحليفة وقلد الهدى وأشعر فتولى تقليد البعض بنفسه وأمر ناجية فقلد الباقى واقتدى به من أصحابه من كان معه الهدى فقلدوا وأشعروا ثم أحرم من ذى الحليفة بالعمرة ولبى فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فاقتدى به جمهور الصحابة فأحرموا من ذى الحليفة وبعضهم أحرم من جحفة وبعث من ذى الحليفة عينا له من خزاعة يقال له بشر بن سفين بن عمرو بن عويمر الخزاعى يخبره عن قريش وقدّم ناجية الاسلمى مع الهدى وسار هو من خلفه وجعل عباد بن بشر فى عشرين راكبا من المهاجرين والانصار طليعة وكانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر كذا فى البخارى عن البراء وعن مروان والمسور بن مخرمة بضع عشرة مائة* وفى معالم التنزيل الناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر وكانت معه من أمّهات المؤمنين أمّ سلمة ولما بلغ المشركين خبر مسيره الى مكة تشاور وافى ذلك فاستقرّ رأيهم على انهم يصدّوه عن البيت واستعانوا من قبائل العرب وجماعة الاحابيش فأجابوهم واستعدّوا وخرجوا من مكة وعسكروا بموضع يقال له بلدح وجعلوا خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل فى مائتى رجل طليعة وسار صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بغدير الاشطاط على وزن الاشتات تلقاء الحديبية على ثلاثة أميال من عسفان مما يلى مكة أتاه عنه الخزاعى الذى بعثه من ذى الحليفة الى أهل مكة بخبر قريش* وفى الاكتفاء حتى اذا كان بعسفان لقيه عينه بشر بن سفين الكعبى فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل وقد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذى طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قد قدّموها الى كراع الغميم* وفى رواية قال انّ قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الاحابيش وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت فقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 النبىّ صلى الله عليه وسلم أشيروا علىّ أيها الناس أترون أن أميل على ذرارى هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فان قعدوا قعدوا موتورين وان نجوا يكونوا عتقاء عتقها الله أو ترون البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفذوا حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ خالد بن الوليد بالغميم فى خيل لقريش طليعة لهم فخذوا ذات اليمين* وفى الاكتفاء بعد ما أخبره عينه بتهيؤ قريش للصدّ عن البيت قال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر العرب فان هم أصابونى كان الذى أرادوا وان أظهرنى الله عليهم دخلوا فى الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة فما تظنّ قريش فو الله لا أزال أجاهد على الّذى بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل يخرج بنا على غير طريقهم فقال رجل من أسلم أنا فسلك بهم طريقا وعرا أجزل بين شعاب فلما خرجوا منه وقد شق عليهم وأفضوا الى أرض سهلة عند منقطع الوادى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله انها للحطة التى عرضت على بنى اسرائيل فلم يقولوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلكوا ذات اليمين بين ظهرى الحمض فى طريق مخرجة على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين الى قريش وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا سلك فى ثنية المرار بركت ناقته قالت الناس خلأت القصوى الى آخر الحديث* وفى نهاية ابن الاثير الخلأ للنوق كالالحاح للجمال والحران للدواب يقال خلأت الناقة وألخ الجمل وحرن الفرس* وفى خلاصة الوفاء الغميم بالفتح موضع بين رابغ والجحفة قاله المجد وقال ابن شهاب الغميم بين عسفان وضجنان وقال عياض هو واد بعد عسفان بثمانية أميال* وفى القاموس الغميم كأمير واد بين الحرمين على مرحلتين من مكة وقيل الغميم حيث حبس العباس أبا سفيان بن حرب أيام الفتح دون الاراك الى مكة وهذا يقتضى أن يكون الغميم دون مر الظهران الى مكة لان الجيوش مرّت على أبى سفيان بعد توجهها من مر الظهران الى مكة فيكون الغميم بين مر الظهران ومكة كذا فى شفاء الغرام ومن كراع الغميم الى بطن مر خمسة عشر ميلا ومر الظهران هو الذى تسميه أهل مكة الوادى ويقال له وادى مر أيضا نقل الحازمى عن الكندى ان مرا اسم لقرية والظهران اسم للوادى وبين مرو مكة ستة وعشرون ميلا على ما قاله البكرى وقيل ثمانية عشر ميلا وقيل أحد وعشرون كذا فى شفاء الغرام ودون مر بثلاثة أميال مسلك خشن وطريق رتب بين جبلين وهو الموضع الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه عباسا أن يحبس هناك أبا سفيان حتى يرى جيوش المسلمين ومن مر الظهران الى سرف سبعة أميال ومن سرف الى مكة ستة أميال وبين مكة وسرف التنعيم ومنه يحرم من أراد العمرة وهو الموضع الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر أن يعمر منه عائشة ودونه الى مكة مسجد عائشة بينه وبين التنعيم ميلان* وفى شفاء الغرام التنعيم من جهة المدينة النبوية امام أدنى الحل على ما ذكره المحب الطبرى وليس بطرف الحل ومن فسره بذلك تجوّز وأطلق اسم الشئ على ما قرب منه وأدنى الحل انما هو من جهته ليس موضع فى الحل أقرب الى الحرم منه وهو على ثلاثة أميال من مكة والتنعيم امامه قليلا فى صوب طريق مر الظهران وقال صاحب المطالع التنعيم من الحل بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل على أربعة اميال وسميت بذلك لان جبلا عن يمينها يقال له نعيم وآخر عن شمالها يقال له ناعم والوادى نعمان وبين أدنى الحل ومكة ذو طوى وهذا وقع فى البين لفوائد فلنرجع الى ما كنا فيه قال فو الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذير القريش وسار النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بثنية ارمياء الثنية التى يهبط عليها منها بركت راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوى فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذى نفسى بيده لا تدعونى قريش اليوم الى حطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم الا أعطيتهم ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث حتى نزحوه وشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسل العطش فانتزع سهما من كنانته وأعطاه رجلا من أصحابه يقال له ناجية بن عمير وهو سائق بدن النبىّ صلى الله عليه وسلم فنزل فى البئر فغرزه فى جوفه فو الله ما زال يجيش لهم بالرواء حتى صدروا عنه* وفى المشكاة فبلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركائبهم حتى ارتحلوا رواه البخارى* وعن البراء بن عازب عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه قالوا ليس عندنا ما نتوضأ به ونشرب الا ما فى ركوتك فوضع النبىّ صلى الله عليه وسلم يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا* قيل لجابركم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة متفق عليه* قال فبينماهم كذلك اذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من قومه وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال انى تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت* العوذ جمع عائذ وهى كل أنثى لها سبع ليال منذ وضعت وقيل النساء مع الاولاد وقيل النوق مع فصلانها وهذا هو الاصل وهى كالنفساء من النساء والمطافيل ذوات الاطفال الصغار جمع مطفيل وهى الناقة التى معها ولدها ذكرهما فى المنتقى* فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وانّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم فان شاؤا ماددتهم مدّة ويخلوا بينى وبين الناس وان شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد حموا وان هم أبوا فو الذى نفسى بيده لا قاتلنهم على أمرى هذا حتى تنفرد سالفتى وهى أعلى العنق أو لينفذنّ الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشئ وقال ذو الرأى منهم هات ما سمعته قال سمعته يقول كذا وكذا فحدّثهم بما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفى فقال أى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال ألست بالوالد قالوا بلى قال فهل تتهمونى قالوا لا قال ألستم تعلمون أنى استنفرت أهل عكاظ فلما بلجوا علىّ جئتكم بأهلى وولدى ومن أطاعنى قالوا بلى قال فانّ هذا الرجل قد عرض عليكم حطة رشد فاقبلوها ودعونى آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك يا محمد ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان تكن الآخرى فانى والله لا أرى وجوها وانى لارى أشوابا من الناس خليقا أن يفرّوا ويدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أنحن نفرّ عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذى نفسى بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها لا جبتك وكان عروة فى الجاهلية تحمل دينا فأعانه أبو بكر فيه اعانة جميلة* وفى رواية أعطاه عشرة ابل شواب وجعل عروة يكلم النبى صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبىّ صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 أهوى عروة بيده الى لحية النبىّ صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنصل السيف ويقول اكفف يدك عن لحية رسول الله فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أى غدر ألست أسعى فى غدرتك* وفى رواية لما أكثر المغيرة ضرب يد عروة بنصل السيف غضب عروة وقال يا محمد من هذا الذى يؤذينى من بين أصحابك والله ما أظنّ فيكم ألأم منه ولا أسوأ منه فتبسم النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال يا عروة هذا ابن أخيك المغيرة ابن شعبة فأقبل عروة على المغيرة وقال أى غدر ألست أسعى فى غدرتك وكان المغيرة صحب فى الجاهلية ثلاثة عشر رجلا من بنى مالك من قبيلة ثقيف وكانوا خرجوا الى مصر وقصدوا المقوقس ولما بلغوا الى مصر ولا قوة أمر لكل واحد منهم بالجائزة ولم يعط المغيرة شيئا فحسد عليهم وبعد ما رجعوا من مصر نزلوا منزلا وشربوا خمرا فلما سكروا وناموا وثب عليهم المغيرة وقتل هؤلاء الثلاثة عشر كلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّا الاسلام فأقبل وأمّا المال فلست منه فى شئ فلما أخبر بنو مالك اختصموا مع رهط المغيرة وشرعوا فى محاربتهم فسعى عروة بن مسعود الثقفى فى اطفاء نائرة الحرب وقبل لبنى مالك ثلاث عشرة دية فصالحوا على ذلك* فقول عروة للمغيرة أى غدر ألست أسعى فى غدرتك كان اشارة الى تلك القصة ثم انّ عروة جعل يرمق أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم بعينيه فلما رجع الى قريش قال أى قوم لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشى والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدا والله أعلم ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده اذا أمر ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم أو تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له* وفى رواية واذا سقطت شعرة من رأسه أو لحيته أخذوها تبركا وحفظوها احتراما وانه قد عرض عليكم حطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بنى كنانة دعونى آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبىّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعث له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغى لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت ثم بعثوا اليه الحليس* وفى رواية رقت وفاضت عيناه وقال هلكت قريش ورب الكعبة ما جاء هؤلاء الا للعمرة فلما رجع الى أصحابه قال رأيت بدنا قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدّوا عن البيت ثم بعثوا اليه الحليس بن علقمة كذا فى معالم التنزيل* وفى روضة الاحباب قعد الرجل الكنانى والحليس واحدا فقال رجل من بنى كنانة يقال له الجليس* وفى رواية العلقمة الى آخره وكان الحليس يومئذ سيد الاحابيش فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادى فى قلائد قد أكل أوباره من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش انى رأيت مالا يحل صدّه الهدى فى قلائد قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس فانما أنت رجل أعرابى لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدّوا عن البيت الحرام من جاءه معظما له والذى نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لا نفرنّ بالاحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى نأخذ لا نفسنا ما نرضى به* وفى الاكتفاء دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم جواس ابن أمية الخزاعى فحمله على بعير له وبعثه الى قريش ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا الجمل وأرادوا قتله فنعته الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت قريش أربعين رجلا أو خمسين وأمروهم أن يطوفوا بعسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذ فأتى بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى سبيلهم* (ذكر بيعة الرضوان) * ولما رجع الجواس دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه الى مكة فقال انى أخاف قريشا على نفسى وليس بمكة من بنى عدى ابن كعب أحد يمنعنى وقد عرفت قريش عداوتى اياها وغلظتى عليها ولكن أدلك على رجل هو أعز بها منى عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وبعثه الى أبى سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وانما جاء زائرا للبيت معظما لحرمته فخرج عثمان الى مكة فلقيه أبان ابن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله أبان بين يديه ثم أجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له فيما ذكر غير ابن اسحاق أقبل وأدبر ولا تخف أحدا بنو سعيدهم أعزة الحرم وانطلق عثمان حتى دخل مكة وأتى أبا سفيان وعظماء قريش وأشرافهم وبلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاقدوه ولما فرغ وأراد أن يرجع قالوا ان شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لا فعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضبت قريش وحبسته عندها ولما أبطأ عثمان قال المسلمون طوبى لعثمان دخل مكة وسيطوف وحده فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما كان ليطوف وحده ولما احتبس عثمان طارت الاراجيف بأنّ عثمان قد قتل أى بأنّ قريشا قتلوه بمكة قيل انّ الشيطان دخل جيش المسلمين ونادى بأعلى صوته ألا انّ أهل مكة قتلوا عثمان فحزن النبىّ صلى الله عليه وسلم والمسلمون من سماع هذا الخبر حزنا شديدا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا النبىّ صلى الله عليه وسلم الناس الى البيعة فبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفرّوا عنهم* وكان صلى الله عليه وسلم جالسا تحت سمرة أو سدرة وكان عدد المبايعين ألفا وثلثمائة قاله عبد الله بن أبى اوفى أو ألفا وأربعمائة على ما قاله معقل بن يسار قال لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبىّ صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة أو ألفا وخمسمائة على ما قاله جابر وسميت هذه البيعة بيعة الرضوان لان الله تعالى ذكر فى سورة الفتح المؤمنين الذين صدرت عنهم هذه البيعة بقوله لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فسميت بهذه الاية كذا فى المدارك قال سعيد بن المسيب حدّثنى أبى أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نفد عليها* روى أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرّ بذلك المكان بعد ذهاب الشجرة فقال أين كانت فجعل بعضهم يقول ها هنا وبعضهم يقول هنا فلما كثر اختلافهم قال سيروا قد ذهبت الشجرة قال أبو بكر بن الاشجع وسلمة بن الاكوع بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على ما استطعتم وقال جابر ابن عبد الله ومعقل بن يسار ما بايعناه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ وقال أبو عيسى معنى الحديثين صحيح فبايعه جماعة على الموت أى لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا لا نفرّ كذا فى معالم التنزيل وكان أول من بايعه بيعة الرضوان رجل من بنى أسد يقال له أبو سنان بن وهب ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين ممن حضرها الا الجدّ بن قبس الانصارىّ أخو بنى سلمة اختفى تحت ابط بعيره قال جابر وكأنى أنظر اليه لاصقا يابط ناقته مستترا بها عن الناس وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ عثمان فى حاجة الله وحاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه لعثمان وكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الارض وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بانّ ما ذكر من أمر عثمان باطل ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو وقالوا ائت محمدا فصالحه ولا يكون فى صلحه الا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تحدّث العرب أنه دخل علينا عنوة أبدا* وروى أنه بعد ما رجع الحليس قام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعونى آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبى صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية قال وهو رجل غادر فلا تقولوا له شيئا فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم بكلمه فبينما هو يكلمه اذ جاء سهيل بن عمرو فلما رآه النبىّ صلى الله عليه وسلم مقبلا قال قد سهل لكم من أموركم وقد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى اليه سهيل قال يا محمد انّ قريشا يصالحونك على ان تعتمر من العام المقبل* وفى الاكتفاء تكلم سهيل فأطال الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح* وفى المدارك بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص على أن يعرضوا على النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام المقبل ثلاثة أيام فقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينكم كتاب صلح فدعا النبىّ صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال له اكتب* بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل وأصحابه أمّا الرحمن فو الله ما ندرى أو ما نعرف ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون لا نكتب الا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما قضى أو صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك محمد ابن عبد الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انى لرسول الله وان كذبتمونى اكتب محمد بن عبد الله* وفى رواية كان الكاتب على بن أبى طالب وكان قد كتب محمد رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى امح رسول الله واكتب مكانه محمد بن عبد الله فقال على لا والله لا أمحوك أبدا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأرنيه فأراه اياه فأخذ الكتاب بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومحا رسول الله ولم يكن يحسن الكتابة فكتب مكانه ابن عبد الله وكانت هذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كتب بيده ولم يكن يحسن الخط* وفى شواهد النبوّة وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم بعد ما كتب فى كتاب الصلح محمد بن عبد الله أقبل بوجهه على علىّ فقال يا على سيكون لك يوم مثل هذه الواقعة وهذا الكلام كان اشارة الى أنه لما وقعت المصالحة بين علىّ ومعاوية بعد حرب صفين وكتب الكاتب فى كتاب الصلح هذا ما صالح أمير المؤمنين علىّ قال معاوية لا تكتب أمير المؤمنين لو كنت أعلم انه أمير المؤمنين ما قاتلته ولكن اكتب على بن أبى طالب فلما سمع ذلك علىّ تذكر قول النبىّ صلى الله عليه وسلم له يوم الحديبية فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب على بن أبى طالب ثم قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لسهيل على أن تخلوا بيننا وبين البيت لنطوف به قال سهيل والله لا تتحدّث العرب أنا أخذنا ضغطة واضطرارا ولكن ذلك من العام المقبل فكل شرط شرطه سهيل يوم الحديبية قبله النبىّ صلى الله عليه وسلم وكتبه علىّ وكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض وعلى انه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه ردّه عليه وان كان مسلما وان جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه عليه وانّ بيننا عيبة مكفوفة وانه لا اسلال ولا اغلال وانه من أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن فى عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن فى عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عنا عامك هذا فلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 تدخل علينا مكة وانه اذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها أنت وأصحابك فأقمت فيها ثلاثا مع سلاح الراكب السيوف فى القرب لا تدخلها بغيرها* وفى رواية ولا تدخلها الا بجلباب السلاح السيف والقوس ونحو ذلك كذا فى المنتقى* وفى رواية لما بلغ هذا الشرط ان من أتى محمدا من قريش ردّه عليهم وان كان مسلما ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه عليه تعجب المسلمون من هذا الشرط فقالوا سبحان الله كيف نردّ من أتانا مسلما وقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم انه من ذهب منا اليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا* وفى رواية قال عمر عند ذلك أترضى بهذا الشرط يا رسول الله فتبسم النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال من جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ومن أعرض عنا وذهب اليهم لسنا منه فى شئ أو ليس منا بل هو أولى بهم فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو اذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف فى قيده وقد انفلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل يا محمد هذا أوّل ما أقاضيك عليه ان تردّه الىّ فقال انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله ما أصالحك على شىء أبدا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأجره لى قال ما أنا بمجير لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه لك قال لا تعذبه وكان قد عذب فى الله عذابا شديدا فضمن له ذلك مكرز بن حفص فلما رأى سهيل أبا جندل قام اليه وضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وجرّه ليردّه الى قريش فجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته ويقول يا معشر المسلمين أردّ الى المشركين يفتنونى فى دينى فزاد الناس ذلك الى ما بهم* وفى رواية قام سهيل الى سمرة وجز منها غصنا وضرب به وجه أبى جندل ضربا رق عليه المسلمون وبكوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فانّ الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا اننا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا واصطلحنا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وانا لا نغدر بهم فوثب عمر بن الخطاب يمشى الى جنب أبى جندل ويقول اصبر يا أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم أحدهم كدم كلب ويدنى عمر وهو قائم السيف منه يقول رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه فضنّ الرجل بأبيه* وفى رواية قال أبو جندل يا عمر ما أنت بأحرى بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم منى* وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون فى الفتح لرؤيارآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع من غير فتح وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون* وروى عن عمر أنه قال والله ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ فأتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبىّ الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل قال بلى قلت أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا قال انى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصرى قلت أو لست كنت تحدّثنا أنا سنأتى البيت فنطوف به قال بلى أفأخبرتك انا نأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوّف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبىّ الله حقا قال بلى قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا قال أيها الرجل انه رسول الله ولن يعصيه فاستمسك بغرزه فو الله انه لعلى الحق المبين فكان عمر رضى الله عنه يقول ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلى وأعتق من الذى صنعت يومئذ مخافة كلامى الذى تكلمت به حين رجوت أن يكون خيرا كذا فى الاكتفاء* وفى غيره قال عمر جعلت كثيرا من الاعمال الصالحة من الصوم والصلاة والصدقة والاعتاق كفارة لتلك الجراءة التى صدرت منى يومئذ وما فى الاكتفاء مغاير لما ذكرنا حيث قال فلما التأم الامر ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر أليس هذا برسول الله قال بلى قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليس هؤلاء بالمشركين قال بلى قال فلم نعطى الدنية فى ديننا قال أبو بكر يا عمر الزم غرزه فانى أشهد انه رسول الله قال عمر وأنا أشهد انه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطى الدنية فى ديننا قال أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعنى فلما فرغ من الكتاب أشهد رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين* وهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعلىّ بن أبى طالب وهو كاتب الصحيفة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص* وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربا فى الحل وكان يصلى فى الحرم فلما فرغ من الصلح قال لاصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرّات فلما لم يقم أحد منهم قام فدخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمة يا رسول الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك فخرج ولم يكلم أحدا حتى نحر بدنه ودعا حالقه فحلق له قيل كان حالقه فى ذلك اليوم الجواس بن أمية بن فضل الخزاعى فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما* وفى حياة الحيوان وكان الهدى مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الحديبية ونحر مائة بدنة قال ابن عمرو ابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين* وفى معالم التنزيل قال يرحم الله المجلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين وفى الثالثة أو الرابعة قال والمقصرين قالوا يا رسول الله لم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمر وذلك انه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت* قال ابن عباس اهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فى هداياه جملا لابى جهل فى رأسه برة فضة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين بذلك* روى أن جمل أبى جهل ندّ من بين الهدايا وذهب الى مكة ودخل داره فتعاقبه جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد سفهاء قريش أن لا يردّوه فمنعهم سهيل بن عمرو وهو المؤسس لبنيان الصلح وقال لهم ان تريدوه فاعرضوا على محمد مائة من الابل فان قبلها فأمسكوا هذا الجمل والا فلا تتعرّضوا له فقبلوا قول سهيل فعرضوا على النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة من الابل فأبى وقال لو لم يكن هذا الجمل للهدى لقبلت المائة وأعطيت هذا الواحد أو كما قال فنحره أيضا وقسم لحوم الهدايا على الفقراء الذين حضروا الحديبية* وفى رواية بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مكة عشرين بدنة مع ناجية حتى نحروها بمروة وقسموا لحومها على فقراء مكة* روى انه لما تم النحر والحلق بعث الله ريحا شديدة حتى حملت شعرات المسلمين الى أرض الحرم ونشرتها هناك وفى بعض كتب السيران رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه ألقى شعره على سمرة بقربه فأجهد بعض الصحابة نفسه جهدا بليغا حتى أصاب شعرات منه وكانت عنده يغسلها للمرضى ويسقيهم للشفاء* وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية اذ جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مكة منهنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وسبيعة ابنة الحارث الاسلمية فأقبل زوجها وهو مسافر المخزومى طالبا لها وأراد مشركو مكة أن يردّوهنّ الى مكة فنزل جبريل بهذه الاية يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الى آخره فاستحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فأعطى زوجها مسافرا ما أنفق فتزوّجها عمر* وفى الاكتفاء وهاجرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مدّة الصلح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فخرج أخواها عمارة والوليدا بنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئلانه ان يردّها عليهما بالعهد الذى بينه وبين قريش بالحديبية فلم يفعل وقال أبى الله ذلك وأنزل فيه على رسوله* يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الاية فكأنّ الاية بيان انّ ذلك الرد فى الرجال لا فى النساء لانّ المسلمة لا تحلّ للكافر فلما تعذر ردّهنّ لورود النهى عنه لزم ردّ مهورهنّ فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن لا ترجع المؤمنات الى الكفار لشرف الاسلام وأن لا تكون كافرة فى نكاح مسلم لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر* العصم جمع عصمة وهى ما يعتصم به من عقد ونسب والكوافر جمع كافرة وهى التى بقيت فى دار الحرب أو لحقت بها مرتدة والمراد نهى المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات فطلق الاصحاب كل امرأة كافرة فى نكاحهم وطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين له مشركتين بمكة فتزوّج احداهما معاوية بن أبى سفيان والآخرى صفوان بن أمية وعن ابن عباس يعنى من كانت له امرأة بمكة فلا يعدّها من نسائه لان اختلاف الدارين قطع عصمتها منه* قال أهل السير أقام النبىّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية قريبا من عشرين يوما ثم رجع الى المدينة* روى انه صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية وكان بضجنان كسكران جبل بقرب مكة نزلت عليه ليلة سورة انا فتحنا لك فتحا مبينا والمراد من الفتح المبين عند بعض المفسرين فتح الحديبية وسمى فتحا لانه كان مقدمة لفتوح كثيرة كما ورد فى كتب التفاسير والسير من أن الذين أسلموا فى سنتى الصلح يعدلون الذين أسلموا قبلهما وبعض المفسرين على ان المراد بالفتح المبين فتح مكة أو فتح خيبر الذى وعده الله لرسوله وانما أدّى بصيغة الماضى لان اخبار الله فى التحقق بمنزلة الكائن الموجود والله أعلم* روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من الحديبية جاءه أبو بصير عتبة بن أسد بن حارثة رجل من قريش وهو مسلم وكان ممن حبس بمكة فكتب أزهر بن عبد بن عوف والاخنس بن شريق الثقفى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وبعثا فى طلبه رجلا من بنى عامر بن لؤى ومعه مولى لهم فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بالكتاب وقالا العهد الذى جعلت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انا أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصح فى ديننا الغدر وان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ثم دفعه الى الرجلين فخرجا به وانطلق معهما حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا هناك فدخل أبو بصير المسجد وركع ركعتين ثم جلسوا يتغدّون ويأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لاحد الرجلين والله انى لارى سيفك هذا يا اخا بنى عامر صار ما جيدا فاستله الاخر فقال أجل انه والله لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرنى أنظر اليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد* وفى رواية استله أبو بصير فضربه به حتى برد وذكر ابن عقبة ان الرجل هو الذى سل سيفه ثم هزه وقال لا ضربن بسيفى هذا فى الاوس والخزرج يوما الى الليل فقال له أبو بصير فصارم سيفك هذا فقال نعم فقال ناولنيه لا نظر اليه فناوله اياه فلما قبض عليه ضربه به حتى برد ويقال بل تناول أبو بصير سيف الرجل بفيه فقطع أساره ثم ضربه به حتى برد وطلب الاخر فخرج مرعوبا حتى دخل المسجد* وفى رواية وفرّ الاخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعد وحتى لتطن الحصباء من شدّة سعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد لقى هذا ذعرا فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ويلك مالك قال قتل صاحبكم صاحبى وانى لمقتول* وفى الاكتفاء قال ويحك مالك قال قد قتل صاحبكم صاحبى قال فو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتنى اليهم ثم أنجانى الله منهم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد* وفى الاكتفاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 محش حرب لو كان معه رجال وفى هذا الكلام ايماء لابى بصير الى الفرار ورمز للمؤمنين الذين كانوا بمكة أن يلحقوا به فلما سمع ذلك أبو بصير عرف أنه سيردّه الى قريش فخرج حتى نزل سيف البحر موضعا يقال له العيص من ناحية المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذى كانوا يأخذونه الى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا الى أبى بصير بالعيص فاجتمع اليه قريب من سبعين رجلا منهم وذكر موسى ابن عقبة ان أبا جندل بن سهيل بن عمرو الذى ردّ الى قريش بالحديبية مكرها يوم الصلح والقضية هو الذى انفلت فى سبعين راكبا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبى بصير ونزلوا مع أبى بصير فى منزل كريه الى قريش فقطعوا مادتهم من طريق الشام وكان أبو بصير على ما زعموا وهو فى مكانه ذلك يصلى بأصحابه فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمّهم واجتمع الى أبى جندل أناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل وهم مسلمون فأقاموا مع أبى جندل وأبى بصير لا تمرّ بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا أصحابها وقال فى ذلك أبو جندل فيما ذكره غير ابن عقبة شعرا أبلغ قريشا عن أبى جندل ... أنا بذى المروة بالساحل فى معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فيها والقنا الذابل يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد اسلامهم الواصل أو يجعل الله لهم مخرجا ... والحق لا يغلب بالباطل فيسلم المرء باسلامه ... أو يقتل المرء ولا يأتل فأرسل قريش أبا سفيان بن حرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ويتضرّعون اليه ويناشدونه بالله والرحم أن يرسل الى أبى بصير وأبى جندل بن سهيل ومن معهم فيقدموا عليه وقالوا انا أسقطنا هذا الواحد من الشروط فمن أتاه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالوا من خرج منا اليك فأمسكه فى غير حرج فانّ هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح اقراره فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع أبا جندل من أبيه يوم الصلح والقضية أنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فيما أحبوا وفيما كرهوا وانّ رأيه أفضل من رأيهم* وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبى جندل وأبى بصير يأمرهم أن يقدموا عليه بالمدينة ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا الى بلادهم وأهليهم ولا يتعرّضوا لاحد مرّ بهم من قريش وعيرانها فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى جندل وأبى بصير وكان أبو بصير حينئذ مشرفا على الموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده يقتريه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم وأمنت عيران قريش ولم يزل أبو جندل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذاك وشهد الفتح ورجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم أبوه سهيل بن عمرو المدينة أوّل امارة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فمكث بها شهرا ثم خرج الى الشام يجاهد وخرج معه ولده أبو جندل فلم يزالا مجاهدين حتى ماتا جميعا هناك رحمهما الله وظاهر بعض روايات البخارى يدل على أنّ قوله تعالى وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة الاية نزلت فى قصة أبى بصير والله أعلم* بيان حكم الظهار وفى هذه السنة نزل حكم الظهار وذلك أنّ أوس ابن الصامت غضب على زوجته خولة بنت ثعلبة ذات يوم وقال لها أنت علىّ كظهر أمى وكان ذلك أوّل ظهار فى الاسلام وكان الظهار طلاقا فى الجاهلية ثم ندم على ما قال فأتت خولة النبىّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 صلّى الله عليه وسلم وعائشة تغسل رأسه فقالت يا رسول الله انّ زوجى أوس بن الصامت تزوّجنى وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالى وذهب شبابى ونفضت بطنى وتفرّق أهلى ظاهر منى فقال صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو الى الله فقرى وفاقتى ووجدى وصبية صغارا ان ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم الىّ جاعوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أراك الا حرمت عليه فجعلت ترفع صوتها باكية وتقول اللهم انى أشكو اليك فبينما هى على تلك الحالة اذ تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحى فنزل جبريل عليه السلام بهذه الايات* قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى الى الله والله يسمع تحاور كما الايات* فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوس بن الصامت فتلا عليه الايات المذكورة فقالت عائشة تبارك الله الذى وسع سمعه كل شئ انى كنت أسمع كلام خولة ويخفى علىّ بعضه وهى تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الايات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوس أعتق رقبة قال مالى بهذا قدرة قال فصم شهرين متتابعين قال انى اذا لم آكل فى اليوم مرّتين كل بصرى قال فأطعم ستين مسكينا قال لا أجد الا أن تعيننى منك بعون وصلة فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا وكانوا يرون أنّ عند أوس مثلها وذلك لستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع* وفاة أم رومان أم عائشة رضى الله عنها وفى هذه السنة ماتت أمّ رومان بنت عامر بن عويمر أمّ عائشة رضى الله عنها كانت أسلمت قديما وكانت أوّلا تحت عبد الله ابن سخبرة فولدت له الطفيل وهو أخو عائشة لامها كذا فى أسد الغابة ثم مات عنها فتزوّجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة فلما ماتت نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبرها فلما دليت فى قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينظر الى امرأة من الحور العين فلينظر الى هذه وكون وفاتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قول محمد بن سعد وابراهيم الحربى وقال آخرون انها عاشت بعده دهرا طويلا كذا فى الصفوة* تحريم الخمر وفى هذه السنة السادسة حرمت الخمر* جزم الحافظ الدمياطى فى سيرته بأنّ تحريم الخمر كان فى سنة الحديبية وهى سنة ست من الهجرة وقال ابن اسحاق كان تحريمها فى وقعة بنى النضير وهى بعد أحد وذلك فى سنة أربع على القول الراجح* وفى أسد الغابة فى السنة الثالثة وقيل فى الرابعة حرمت الخمر فى ربيع الاوّل وكذا فى المنتقى أورد تحريمها فى سنة أربع كما قاله ابن اسحاق وفيه نظر لان أنسا كان الساقى يوم حرمت وأنه لما سمع المنادى بتحريمها بادر فأراقها ولو كان ذلك سنة أربع لكان أنس يصغر عن ذلك وآية تحريم الخمر نزلت عام الفتح قبل الفتح ذكر كله القسطلانى ورجح القول بكون تحريمها فى السنة السادسة وقيل كون تحريمها فى السنة الرابعة هو المشهور كما هو قول ابن اسحاق* الخمر فى الاصل مصدر خمره اذا ستره سمى به عصير العنب اذا اشتدّ وغلا كأنه يخمر العقل كما سمى سكرا لانه يسكره أى يحجزه كذا فى المواهب اللدنية وفى القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة والعموم أصح لانها حرمت وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم الا البسر والتمر سميت خمرا لانها تخمر العقل وتستره* وفى الكشاف الخمر ما غلا واشتدّ وقذف الزبد من عصير العنب وهو حرام وكذا نقيع الزبيب والتمر الذى لم يطبخ فان طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلا واشتدّ وذهب خبثه ونصيب الشيطان حلّ شربه ما دون السكر اذا لم يقصد بشر به اللهو والطرب عند أبى حنيفة* وعن بعض أصحابه لأن أقول مرارا هو حلال أحب الىّ من ان أقول مرّة هو حرام ولئن أخرّ من السماء فأتقطع قطعا أحبّ الىّ من أن أتناول منه قطرة* وعند أكثر الفقهاء هو حرام كالخمر وكذلك كل ما أسكر من كل شراب سميت خمرا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرا لانها تسكرهما أى تحجزهما وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمرا اذا ستره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 للمبالغة* وعن على لو وضعت قطرة أى من الخمر فى بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت فى بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه* وعن ابن عمر لو أدخلت اصبعى فيه لم يتبعنى وهذا هو الايمان وهم الذين اتقوا الله حق تقاته* وفى المواهب اللدنية قال أبو هريرة فيما رواه أحمد حرمت الخمر ثلاث مرّات* وفى المنتقى جملة الايات النازلة فى تحريم الخمر أربع الاولى قوله تعالى ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وهى نزلت بمكة وكان المسلمون يشربونها وهى يومئذ كانت حلالا* والثانية يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس* نزلت فى عمر وحمزة ومعاذ بن جبل قالوا يا رسول الله أفتنا فى الخمر والميسر فانهما مذهبتان لعقولنا ومسلبتان لاموالنا فنزلت هذه الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الله تقدم فى تحريم الخمر فتركها قوم لقوله تعالى قل فيهما اثم كبير وشربها قوم لقوله تعالى ومنافع للناس الى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا فحضرت صلاة المغرب فقدّموا بعضهم ليصلى بهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون هكذا الى آخر السورة بحذف لا فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وهى ثالثة الايات فحرّم الخمر فى أوقات الصلاة فترك قوم الخمر مطلقا فقالوا لا خير فى شئ يحول بيننا وبين الصلاة وتركها قوم فى أوقات الصلاة وشربوها فى غير وقت الصلاة فكان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ويشرب بعد الصبح فيصحو اذا جاء وقت الظهر* واتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين وفيهم سعد بن أبى وقاص وكان شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى سكروا ثم انهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الاشعار فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الانصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الانصار لحى بعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحة فانطلق سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا اليه الانصارى فقال عمر اللهم بين لنار رأيك فى الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى تحريم الخمر فى سورة المائدة وهو قوله تعالى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان الى قوله فهل أنتم منتهون* فقال عمر انتهينا يا رب وهى رابعة الايات النازلة فى تحريم الخمر وكذا فى الكشاف* وفى المواهب اللدنية وهى حرام مطلقا وكذا كل ما أسكر عند أكثر العلماء وقال أبو حنيفة نقيع الزبيب والتمر اذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم اشتد حل شربه ما دون السكر انتهى* ذكر الحشيشة وأشباهها وأمّا الحشيشة وتسمى القنب الهندية والحيدرية والقلندرية فلم يتكلم فيها الأئمة الاربعة ولا غيرهم من علماء السلف لانها لم تكن فى زمنهم وانما ظهرت فى أواخر المائة السادسة أو السابعة واختلف هل هى مسكرة فيجب فيها الحدّ أو مفسدة للعقل فيجب التعزير والذى أجمع عليه الاطباء أنها مسكرة وبه جزم الفقهاء وصرّح به الشيخ أبو اسحاق الشيرازى فى كتاب التذكرة فى الخلاف والنووى فى شرح المهذب ولا يعرف فيه خلاف عند الشافعية ونقل عن ابن تيمية أنه قال الصحيح أنها مسكرة كالشراب فان أكلتها ينتشون عنها ولذلك يتناولون بخلاف البنج فانه لا ينشى ولا يشتهى قال الزركشى ولم أر من خالف فى هذا الا القرافى فى قواعده فقال قال بعض العلماء بالنبات فى كتبهم انها مسكرة والذى يظهر أنها مفسدة وقد تظافرت الادلة على حرمتها ففى صحيح مسلم كل مسكر حرام وقد قال الله تعالى ويحرّم عليهم الخبائث وأىّ خبيث أعظم مما يفسد العقول التى اتفقت الملل والشرائع على ايجاب حفظها ولا ريب أنّ متناول الحشيشة يظهر به التغير فى انتظام الفعل والقول المستمد كماله من نور العقل* وقد روى أبو داود باسناد حسن عن ديلم الحمير قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وانا نتخذ شرابا من هذا القبح نتقوّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال هل يسكر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت فانّ الناس غير تاركيه قال فان لم يتركوه فقاتلهم وهذا تنبيه على العلة التى لاجلها حرم المزر فوجب أنّ كل شئ عمل عمله يجب تحريمه ولا شك أنّ الحشيش يعمل ذلك وفوقه* وروى أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه عن أمّ سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر* قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر فى الاطراف وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة وغيرها من المخدّرات فانها وان لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدّرة ولذا يكثر النوم من متعاطيها وتثقل رؤسهم بواسطة تبخيرها فى الدماغ* وقد نقل الاجماع على تحريمها غير واحد منهم القرافى واختلف هل يحرم تعاطى اليسير الذى لا يسكر فقال النووى فى شرح المهذب انه لا يحرم اكل القليل الذى لا يسكر من الحشيش بخلاف الخمر حيث حرم قليلها الذى لا يسكر والفرق أنّ الحشيش طاهر والخمر نجس فلا يجوز شرب قليله للنجاسة وتعقبه الزركشى بأنه صح فى الحديث ما أسكر كثيره فقليله حرام قال والمتجه أنه لا يجوز تناول شىء من الحشيش لا قليل ولا كثير* وأمّا قول النووى انها طاهرة وليست نجسة فقطع به ابن دقيق العيد وحكى الاجماع قال والافيون وهو لبن الخشخاش أقوى فعلا من الحشيش لان القليل منه يسكر جدّا وكذلك السيكران وجوز الطيب مع أنه طاهر بالاجماع انتهى* مضار الحشيشة وقد جمع بعضهم فى الحشيش مائة وعشرين مضرّة دينية وبدنية حتى قال بعضهم كل ما فى الخمر من المذمومات موجود فى الحشيش وزيادة فانّ أكثر ضرر الخمر فى الدين لا فى البدن وضررها فيهما* فمن ذلك فساد العقل وعدم المروءة وكشف العورة وترك الصلاة والوقوع فى المحرّمات وقطع النسل والبرص والجذام والاسقام والرعشة والابنة ونتن الفم وسقوط شعر الاجفان وحفر الاسنان وتسويدها وتضييق النفس وتصفير اللون وتنقيب الكبد وتجعل الاسد كالجعل وتورث الكسل والفشل وتجعل العزيز دليلا والصحيح عليلا والفصيح أبكم والصحيح أثلم وتذهب السعادة وتنسى الشهادة فصاحبها بعيد من السنة طريد عن الجنة موعود من الله باللعنة الا أن يقرع من الندم سنه ويحسن بالله ظنه ولقد أحسن القائل فيما قال قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شرّ معيشه دية العقل بدرة فلماذا ... يا سفيها قد بعتها بحشيشه ولبعضهم فى القهوة شراب مطبوخة القشر قد حرما ... لكونه مفسدا عقل الذى طعما أبو كثير به أفتى وكم رجل ... أفتوا بتحريمه قطعا وقد جزما فذر مقالة قوم قد غدوا سفها ... يحللون الذى قد حرّم العلما صفة الميسر وأمّا الميسر فهو القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعليهما يقال يسرته اذا قمرته واشتقاقه من اليسر لانه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب أو من اليسار لانه سلب يساره* وعن ابن عباس كان الرجل فى الجاهلية يخاطر على أهله وماله وصفة الميسر كانت لهم عشرة أقداح وهى الازلام والاقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفج والوغد ولبعضهم شعر وأقداح أزلام القمار عديدة ... فثنتان منها مسبل وسفيح وفذ وحلس والمعلى ونافس ... رقيب ووغد توأم ومنيح لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة أجزاء وقيل ثمانية وعشرين جزآ الا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الثلاثة فانها لا نصيب لها وهى المنيح والسفيح والوغد* ولبعضهم لى فى الدنيا سهام* ليس فيهنّ ربيح* وأساميهنّ وغد* وسفيح ومنيح للفذ سهم وللتوأم سهمان وللرقيب ثلاثة وللحلس أربعة وللنافس خمسة وللمسبل ستة وللمعلى سبعة يجعلونها فى الرباب وهى حريطة ويضعونها على يدى عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيها فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الانصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله وكانوا يدفعون تلك الانصباء الى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم* وفى حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم اياكم وهاتين الكعبتين المشؤمتين فانهما من ميسر العجم* وعن على رضى الله عنه أنّ النرد والشطرنج من الميسر* وعن ابن سيرين كل شئ فيه خطر فهو من الميسر كذا فى الكشاف* وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة وسيجئ البناء بها فى الموطن السابع * (الموطن السابع فى وقائع السنة السابعة من الهجرة من اتخاذ الخاتم و ارسال الرسل الى الملوك وسحره وبعث أبان بن سعيد قبل نجد واسلام أبى هريرة وغزوة خيبر وسمه بها واستصفاء صفية وفتح فدك وطلوع الشمس بعد غروبها وفتح وادى القرى وليلة التعريس والبناء بأمّ حبيبة وسرية عمر بن الخطاب الى تربة وبعث أبى بكر الى بنى كلاب بناحية الضرية وبعث بشر بن سعد الى بنى مرّة بفدك وبعث غالب بن عبد الله الى الميفعة وسرية بشر بن سعد الى اليمن وجبار وبعث سرية قبل نجد وكتابه الى جبلة بن الايهم وقتل شيرويه أباه كسرى برويز ووصول هدية المقوقس وعمرة القضاء وتزوّج ميمونة وسرية ابن أبى العوجاء الى بنى سليم) * * ذكر اتخاذ الخاتم وفى هذه السنة اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم* ثبت فى صحاح الاحاديث أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الى كسرى وقيصر والنجاشى وغيرهم من الملوك يدعوهم الى الاسلام قيل انهم لا يقبلون كتابا الا بخاتم أو مختوما فصاغ النبىّ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب واقتدى به ذو واليسار من أصحابه فصنعوا خواتيم من ذهب فلما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه لبسوا أيضا خواتيمهم فجاء جبريل عليه السلام من الغد وقال لبس الذهب حرام لذكور أمتك فطرح النبىّ صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح أصحابه أيضا خواتيمهم ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقه وفصه من فضة ونقش فيه محمد رسول الله فى ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر ونهى أن ينقش عليه أحد واقتدى به أصحابه فاتخذوا خواتيمهم من فضة* ارسال الرسل الى الملوك وفى هذه السنة كان ارسال الرسل الى الملوك* فى الوفاء وفى أوّل السنة السابعة كتب الى الملوك* وفى أسد الغابة فى سنة سبع بعث الرسل الى الملوك بغير لفظ الاوّل وقيل كان ارسال الرسل فى آخر سنة ست وجمع بعضهم بين القولين بان ارسال الرسل كان فى السنة السادسة ووصولهم الى المرسل اليهم كان فى السابعة* وفى المواهب اللدنية بعث ستة نفر فى يوم واحد فى المحرم سنة سبع وذكر القاضى عياض فى الشفاء مما عزاه الى الواقدى انه أصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه اليهم انتهى وكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى خرجوا مصطحبين فى ذى الحجة الحرام* وفى شواهد النبوّة ومن أواخر ذى الحجة الحرام من السنة السادسة على القول الاظهر الى أوّل المحرم من السنة السابعة بعث الرسل الى أرباب الاديان* وفى الاكتفاء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التى صدّ عنها يوم الحديبية فقال يا أيها الناس ان الله بعثنى رحمة وكافة فأدّوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 عنى يرحمكم الله ولا تختلفوا علىّ كما اختلف الحواريون على عيسى فقال أصحابه وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله فقال دعاهم الى الذى دعوتكم اليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضى وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل فشكا ذلك عيسى الى الله تعالى فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الامّة التى بعث اليها* وروى انه صلى الله عليه وسلم بعد ما صاغ الخاتم دعا بالكاتبين فكتبوا ستة كتب الى ستة ملوك وأسماؤهم هذه* النجاشى ملك الحبشة وقيصر ويقال هرقل عظيم الروم وكسرى حاكم فارس والمدائن والمقوقس صاحب الاسكندرية ومصر والحارث والى تخوم الشام ودمشق وثمامة بن أثال وهوذة بن على الحنفيين ملكى اليمامة وقائديها ودعا ستة من أصحابه ودفع الى كل واحد منهم كتابا وبعثه الى واحد من هؤلاء الملوك فبعث عمرو بن أمية الضمرى الى النجاشى ودحية بن خليفة الكلبى الى قيصر وعبد الله بن حذافة السهمى الى كسرى وحاطب بن أبى بلتعة اللخمى الى المقوقس والشجاع بن وهب الاسدى الى الحارث بن أبى شمر الغسانى وسليط بن عمرو العامرى الى ثمامسة وهوذة* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى النجاشى مع عمرو بن أمية الضمرى) * روى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث عمرا الى النجاشى فى شأن جعفر بن أبى طالب وأصحابه وكتب اليه كتابين أحدهما يدعوه فيه الى الاسلام ويتلو عليه القرآن فكتب فيه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى النجاشى ملك الحبشة أما بعد فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد ان عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها الى مريم البتول الطاهرة المطهرة الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وانى أدعوك الى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته فان تابعتنى وتؤمن بالذى جاءنى فانى رسول الله وانى أدعوك وجنودك الى الله تعالى وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى وقد بعثت اليك ابن عمى جعفرا ومعه نفر من المسلمين والسلام على من اتبع الهدى* فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه على عينيه ونزل من سريره وجلس على الارض تواضعا فقال أشهد بالله انه النبىّ الامىّ الذى ينتظره أهل الكتاب وان بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل فأسلم النجاشى وشهد شهادة الحق وقال لو كنت استطيع ان آتيه لاتيته وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* بسم الله الرحمن الرحيم من النجاشى أصحمة سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الله الذى لا اله الا هو الذى هدانى للاسلام* أما بعد فقد بلغنى كتابك يا رسول الله فما ذكرت من امر عيسى عليه السلام فو رب السماء والارض ان عيسى عليه السلام لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا انه كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به الينا وقدم ابن عمك وأصحابه وأشهد انك رسول الله صادقا مصدّقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وقد بعثت اليك ابنى أرها فان شئت أن آتيك بنفسى فعلت يا رسول الله فانى أشهد ان ما تقول حق والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته* وذكر الواقدى عن سلمة بن الاكوع ان النجاشى توفى فى رجب سنة تسع كما سيجىء منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تبوك قال سلمة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم قال ان أصحمة النجاشى قد توفى فى هذه الساعة فاخرجوا بنا الى المصلى حتى نصلى عليه قال سلمة فحشد الناس وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمنا وانا لصفوف خلفه وأنا فى الصف الرابع فكبر بنا أربعا كذا فى الاكتفاء* وقال فى المواهب اللدنية وهذا هو أصحمة الذى هاجر اليه المسلمون فى رجب سنة خمس من النبوّة وكتب اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه الى الاسلام مع عمرو بن أمية الضمرى سنة ست من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 الهجرة وأسلم على يد جعفر بن أبى طالب وتوفى فى رجب سنة تسع من الهجرة ونعاه النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم توفى وصلى عليه بالمدينة وأما النجاشى الذى ولى بعده وكتب اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم يدعوه الى الاسلام فكان كافرا لم يعرف اسلامه ولا اسمه وقد خلط بعضهم ولم يميز بينهما* وفى صحيح مسلم عن قتادة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب الى كسرى والى قيصر والى النجاشى والى كل جبار يدعوهم الى الاسلام والى دين الله وليس بالنجاشى الذى صلى عليه* قال ابن اسحاق فذكر لى انه بعث النجاشى بعد قدوم جعفر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرها ابن النجاشى من البحر فى ستين رجلا من الحبشة فركبوا سفينة فى اثر جعفر وأصحابه حتى اذا كانوا فى وسط البحر غرقوا ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبعين رجلا وعليهم ثياب من الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس الى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن فأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فأنزل الله تعالى ولتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى يعنى وفد النجاشى الذين قدموا مع جعفر وهم سبعون وكانوا أصحاب الصوامع* وقال مقاتل كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وقال عطاء كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بنى الحارث واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام كذا فى معالم التنزيل* وفى الكتاب الاخر يأمره أن يزوّجه أم حبيبة ابنة أبى سفيان وكانت قد هاجرت الى الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش الاسدى فتنصر هناك ومات كما سيجىء فى هذا الموطن وأمره فى الكتاب بأن يبعث اليه بمن قبله من أصحابه فجهز النجاشى مهاجرى الحبشة وبعثهم فى سفينتين مع عمرو بن أمية الضمرى الى المدينة* روى انّ النجاشى دعا بحقة من عاج فجعل فيها مكتوبى النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال لا يزال فى أهل الحبشة خير وبركة ما دام فيهم هذان المكتوبان* وأورد صاحب الاعلام ان كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فى أيدى ملوك الحبشة باق الى الان يعظمونه* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى قيصر مع دحية بن خليفة الكلبى) * قيل ان اسم قيصر هرقل وقيل أغطس وقيصر كلمة افر نجية معناه شق عنه* وسببه على ما قاله المؤرخون ان أم قيصر ماتت فى المخاض فشق بطنها وأخرج فسمى قيصر وكان يفتخر بذلك على الملوك ويقال انه لم يخرج من الرحم ثم وضع هذا اللقب لكل من ملك الروم كما لقبوا ملك الترك خاقان وملك فارس كسرى وملك الشام هرقل وملك القبط فرعون وملك اليمن تبع وملك الحبشة النجاشى وملك فرغانة اخشيد وملك مصر فى الاسلام سلطان فأخذ دحية كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجه الى بصرى لان النبىّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يدفع الكتاب الى عظيم بصرى وهو الحارث ملك غسان ليدفعه الى قيصر ولما انتهى دحية الى بصرى وكان حينئذ عظيم بصرى فى حمص فبعث رجلا مع دحية ليبلغه الى قيصر وقيصر ذاهب الى ايليا وهو بيت المقدس لانه لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص الى ايليا شكرا لله عز وجل فيما أولاه من ذلك* فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التمسوا أحدا من قومه وكان أبو سفيان حينئذ بالشام فى رجال من قريش قدموا تجارا فى زمان الهدنة فأتى بأبى سفيان وأصحابه فسألهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيجىء ذكره الواقدى من حديث ابن عباس* وفى حديث غير هذا ذكره أيضا الواقدى عن محمد بن كعب القرظى ان دحية الكلبى لقى قيصر بحمص لما بعثه اليه رسول الله وقيصر ماش من قسطنطينية الى ايليا فى نذر كان عليه لئن أظهر الله الروم على فارس ليمشين حافيا من قسطنطينية الى ايليا وليصلين فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 ففرشوا له بسطا ونثروا عليها الرياحين وهو يمشى عليها حتى بلغ ايليا ووفى بنذره فقال لدحية قومه لما بلغ قيصر اذا رأيته فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك قال دحية لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله أبدا قالوا اذا لا يأخذ كتابك ولا يكتب جوابك قال وان لم يأخذه فقال له رجل منهم أدلك على أمر يأخذ فيه كتابك ولا يكلفك فيه السجود قال دحية وما هو قال ان له على كل عقبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فانّ أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها فيأتيه قال أما هذا فسأفعل فعمد الى منبر من تلك المنابر التى يستريح عليها قيصر فألقى الصحيفة فدعا بها فاذا عنوانها كتاب العرب فدعا بالترجمان الذى يقرأ بالعربية فاذا فيه من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم فغضب أخ لقيصر يقال له نباق فضرب فى صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الصحيفة من يده فقال له قيصر ما شأنك فقال تنظر فى كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم ما ذكر لك ملكا فقال له قيصر انك والله ما علمت أحمق صغيرا مجنون كبيرا تريدان تخرق كتاب رجل قبل ان أنظر فيه فلعمرى لئن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها منى وان كان سمانى صاحب الروم لقد صدق ما أنا الا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله عز وجل سخرهم لى ولو شاء لسلطهم علىّ كما سلط فارس على كسرى فقتلوه ثم فتح الصحيفة فاذا فيها* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم سلام على من اتبع الهدى* أما بعد* يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فى آيات من كتاب الله يدعوه الى الله ويزهده فى ملكه ويرغبه فيما رغبه الله من الاخرة ويحذره بطش الله وبأسه كذا فى الاكتفاء* وفى الصحيح وكان ابن الناطور صاحب ايليا وهرقلة أسقفا على نصارى الشام يحدّث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس مهموما فقال له بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء ينظر فى النجوم ماهرا فى الاحكام النجومية يستخرج أحكام الاجسام السفلية من آثار الاجرام العلوية عالما بسائر القواعد النجومية فقال لهم حين سألوه أجل انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم أن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الامة قالوا ما نعلم يختتن الا اليهود فلا يهمنك شأنهم وهم فى حكمك وسلطانك واكتب الى مدائن ملكك فليقتلوا من فيها من اليهود فتستريح من الهم فبينماهم على أمرهم اذ أتى هرقل رجل اسمه عدى بن حاتم وهو رسول عظيم بصرى برجل من العرب يقوده وهو دحية بن خليفة الكلبى فقال أيها الملك ان هذا من العرب يحدّث عن أمر عجيب قد حدث ببلاده فقال هرقل لترجمانه سله ما هذا الحدث الذى ببلاده فسأله فقال دحية خرج من بين أظهرنا رجل يزعم انه نبىّ فاتبعه اناس وخالفه آخرون فكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك فلما أخبره قال هرقل اذهبوا به فجردوه فانظروا أمختون هو أم لا فجرّدوه ونظروا اليه فاذا هو مختون فحدّثوه انه مختون وسألوه عن العرب فقال هم يختتنون فقال هرقل هذا والله الذى رأيته هذا ملك هذه الامة قد ظهر أعطوه ثوبه ثم دعا صاحب شرطته فقال له قلب لى الشام ظهر او بطنا حتى تأتينى برجل من قوم هذا الرجل يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم* قال أبو سفيان ان هرقل أرسل اليه فى ركب من قريش صاحب شرطته وكان أبو سفيان وأصحابه حينئذ تجارا بالشام بمدينة غزة فى المدّة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش اى فى زمان الهدنة فأتوهم بايليا وهو بيت المقدس وكان هرقل حينئذ فيه فدعاهم الى مجلسه وحوله عظماء الروم ودعا ترجمانه فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم انه نبىّ فقال أبو سفيان أنا أقربهم نسبا فقال ادنوه منى وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 ثم قال لترجمانه انى سائل هذا أى أبا سفيان عن هذا الرجل يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم فان كذبنى فكذبوه قال ابو سفيان فو الله لولا الحياء من ان يأثروا علىّ كذبا لكذبت عنه قال ثم كان أوّل ما سألنى عنه أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فاشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتدّ منهم أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن فى هدنة لا ندرى ما هو فاعل فيها قال أبو سفيان ولم يمكنى أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال كيف كان قتالكم اياه قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال بماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدقة والصدق والعفاف والصلة والطهارة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت انه ذو نسب وكذلك الرسل تبعث فى نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو قال أحد هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد علمت انه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك اشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم اتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت انهم يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم وسألتك أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بما يأمركم فذكرت انه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الاوثان ويأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف فان كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمىّ هاتين وقد كنت أعلم انه خارج ولم أكن أظنّ انه منكم فلو أنى أخلص اليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بعث به دحية الى عظيم بصرى فدفعه الى هرقل ملك الروم كما تقدّم آنفا فاذا مكتوب فيه* صورة كتاب النبى الى هرقل بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بداعية الاسلام اسلم تسلم اسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فان توليت فعليك اثم الاريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون* قال أبو سفيان فلما قال هرقل ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم فلا أدرى ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا من عنده فقلت لاصحابى حين أخرجنا لقد عظم أمر ابن أبى كبشة انه يخافه ملك بنى الاصفر فما زلت موقنا انه سيظهر حتى أدخل الله علىّ الاسلام* وفى الاكتفاء وفى هذا الحديث عن أبى سفيان انه قال لقيصر لما سأله عن النبىّ صلى الله عليه وسلم جملة ما أجابه به أيها الملك ألا أخبرك عنه خبرا تعرف به انه كاذب قال وما هو قلت زعم انه خرج من أرضنا أرض الحرم فى ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد ايليا ورجع الينا فى تلك الليلة قبل الصباح قال وبطريق ايليا عند رأس قيصر قال قد علمت تلك الليلة قال فنظر اليه قيصر وقال ما علمك بهذا قال انى كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الابواب كلها غير باب واحد غلبنى فاستعنت عليه بعمالى ومن يحضرنى فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا اليه فقالوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر اليه من أين أتى فرجعت وتركت البابين مفتوحين فلما أصبحت غدوت عليهما فاذا الحجر الذى فى زاوية المسجد مثقوب واذا فيه أثر رباط الدابة فقلت لاصحابى ما حبس هذا الليلة الباب الاعلى نبىّ وقد صلى الليلة فى مسجدنا هذا فقال قيصر لقومه يا معشر الروم ألستم تعلمون ان بين عيسى وبين الساعة نبىّ بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا بلى قال فان الله قد جعله فى غيركم فى أقل منكم عددا وأضيق منكم بلدا وهى رحمة الله عز وجل يضعها حيث شاء* وفى رواية ان هرقل لما قرأ الكتاب أى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بدحية وقال له والله انا لنعلم انه نبىّ مرسل وهو الذى كنا ننتظره وقرأنا نعته فى الكتب السماوية وانى أخاف الروم أن يقصدوا هلاكى والا تابعته فاذهب الى رومة فلن بها رجلا اسمه ضفاطر وكان رجلا عظيما من علماء النصارى وكان نظير هرقل فى العلم قال فأخبره بهذا الخبر* وفى رواية كتب اليه هرقل كتابا وقال لدحية ان ضفا طرفى الروم أعظم منى واعتقادهم لكلامه أكثر فانظر ماذا يقول فذهب دحية الى رومة وبلغ ضفاطر كتاب هرقل وأخبره بخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوصافه قال ضفاطر والله انه لنبىّ على الحق ونحن وجدناه فى كتابنا بالصفة التى ذكرت وقرأنا اسمه فى التوراة والانجيل ثم دخل ضفاطر بيته ونزع ثيابه السود ولبس ثيابا بيضا وأخذ بيده العصا وذهب الى كنيسة النصارى حين كان فيها جمع من أشرافهم وقال يا معشر الروم اعلموا انه جاءنا كتاب من عند أحمد العربى ودعانا فى ذلك الكتاب الى الحق* وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأن أحمد عبده ورسوله* فلما سمعت الروم منه هذا الكلام وثبت عليه بأجمعها فضربته حتى قتلته فرجع دحية الى هرقل وأخبره بما رأى قال له هرقل أما قلت لك انى أخاف من الروم والله ان ضفاطر عند قومه أعظم منى عند هؤلاء القوم واعتقاد أهل الروم لكلامه أكثر من اعتقادهم لكلامى وقد ثبت ان هرقل لما بلغه خبر ضفاطر انتقل من ايليا الى حمص دار ملكه وسلطنته وكانت له هناك دسكرة أى قصر عظيم فأذن لعظماء الروم فى دسكرته ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم فى الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتابعوا هذا النبىّ فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من ايمانهم قال ردّوهم علىّ فقال انى قلت مقالتى آنفا أختبر بها شدّتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل* رواه صالح بن كيسان ومعمر عن الزهرى كذا فى البخارى* وفى المنتقى وهرقل عظيم الروم ملك احدى وثلاثين سنة واختلف فى اسلامه* وفى ملكه توفى النبىّ صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى كسرى ملك فارس) * وهذا هو كسرى برويز بن هرمز بن أنو شروان ومعنى برويز بالعربية المظفر فيما ذكره المسعودى وهو الذى كان غلب الروم فأنزل الله فى قصتهم* ألم غلبت الروم فى أدنى الارض وأدنى الارض فيما ذكره الطبرى هى بصرى وفلسطين وأذرعات من أرض الشام* ذكر الواقدى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة السهمى منصرفه من الحديبية الى كسرى وبعث معه كتابا مختوما وفيه مكتوب* (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأدعوك بداعية الله عز وجل فانى أنا رسول الله عز وجل الى الناس كافة لانذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك اثم المجوس فلما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه ومزّقه وشققه وقال يكتب الىّ بهذا الكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وهو عبدى ثم قال لى ملك هنىء لا أخشى أن أغلب عليه ولا أشارك فيه وقد ملك فرعون بنى اسرائيل ولستم بخير منهم فما يمنعنى أن أملككم وانا خير منه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ كسرى شقق كتابه قال مزّق الله ملكه) * وفى المنتقى دعا عليه أن يمزّقوا كل ممزّق فقال مزّق كتابى مزّق الله ملكه* وفى رواية قال اللهم مزّق ملكه فانصرف عبد الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى نظام التواريخ بلغ برويز فى الملك والتبختر والتنعم الى مرتبة لم يكن أحد من الملوك مثله ثمانيا وعشرين سنه وأعظم الاسباب فى زوال ملكه تمزيق كتاب رسول الله لما كتب الى ملوك الاطراف يدعوهم الى الاسلام* قال ابن هشام فى سيرته بلغنى أنه قال كتب كسرى الى باذان أنه بلغنى أنّ رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبىّ فسر اليه فاستتبه فان تاب والا فابعث الىّ برأسه فبعث باذان كتاب كسرى الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الله وعدنى أن يقتل كسرى يوم كذا من شهر كذا فلما أتى باذان الكتاب توقف وقال ان كان نبيا فسيكون ما قال فقتل الله كسرى فى اليوم الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل على يد ولده شيرويه* وفى المنتقى كتب كسرى الى باذان وهو على اليمن من قبله أن ابعث الى هذا الرجل الذى بالحجاز من عندك رجلين جلدين فليأتيانى به* وفى رواية كتب الى باذان بلغنى أن فى أرضك رجلا تنبأ فاربطه وابعث به الىّ فبعث باذان قهرمانه وهو بانويه وكان كاتبا حاسبا وبعث معه برجل من الفرس يقال له خرخسره وفكتب معهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما الى كسرى وقال لبانويه ويلك انظر ما الرجل وكلمه وائتنى بخبره فخرجا فلما بلغا الطائف وكان فيه حينئذ جمع من أشراف قريش مثل أبى سفيان وصفوان بن أمية وغيرهما فسألا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالوا انه بيثرب فلما سمع أبو سفيان وصفوان بن أمية مضمون كتاب باذان فرحا وقالا مثل كسرى قام بعداوته وقدم بانويه وخرخسره المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قد ما عليه أنزلهما وأمرهما بالمقام أياما ثم أرسل لهما صلى الله عليه وسلم ذات غداة ولما دخلا عليه قال لهما اجلسا فبركا على ركبهما وكلمه بانويه وقال انّ شهنشاه ملك الملوك كسرى كتب الى الملك باذان يأمره أن يبعث اليك من يأتيه بك وقد بعثنى اليك لتنطلق معى فان فعلت كتب فيك الى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به وان أبيت فهو ممن قد علمت وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك وأعطياه كتاب باذان ولما اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضمون الكتاب وسمع حكايتهم المزخرفة تبسم ودعاهما الى الاسلام* وفى رواية أنهما حين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما حتى وارت شفاههما فكره النظر اليهما وقال ويلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ربى أمرنى باعفاء لحيتى وقص شواربى* وفى المشكاة عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يأخذ من شار به فليس منا رواه أحمد والترمذى والنسائى وأورد الكرمانى فى مناسكه اثم تطويل الشوارب وعقوبته فقال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم من طوّل شاربه عوقب بأربعة أشياء لا يجد شفاعتى ولا يشرب من حوضى ويعذب فى قبره ويبعث الله اليه المنكر والنكير فى غضب انتهى* روى أنهما كانا يتكلمان بالتجلد وترجف بوادرهما من هيبة مجلس رسول الله فقالا له ان لم تأت معنا فاكتب جواب كتاب الملك باذان فقال لهما ارجعا حتى تأتيانى غدا فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه لو مكثنا فى مجلس هذا الرجل أكثر مما جلسنا لخفت على نفسى الهلاك وقال صاحبه وانى أيضا ما لقيت قط مثل ما وقع لى اليوم فى محضر هذا الرجل من الخوف فيعلم أنّ له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 شأنا فأتى جبريل عليه السلام الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنّ الله عز وجل قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله فى شهر كذا وكذا ليلة كذا وكذا بعد ما مضى من الليل كذا وكذا ساعة فلما أتيا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم من الغد قال انّ ربى قد قتل الليلة ربكما بعد ما مضى من الليل سبع ساعات سلط عليه ابنه شيرويه حتى بقربطنه وكانت تلك الليلة ليلة الثلاثاء العاشرة من جمادى الاولى من السنة السابعة من الهجرة قال اذهبا وأخبرا صاحبكما يعنى باذان بهذا الخبر فقالا هل تدرى ما تقول انا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا أفنكتب بها عنك ونخبر الملك قال نعم أخبراه ذلك عنى وقولا له انّ دينى وسلطانى سيبلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهى منتهى الخف والحافر وقولا له انك ان أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الابناء* وفى الاكتفاء يروى أنّ كسرى رأى فى النوم بعد أن أخبر بخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من مكة ونزوله بيثرب ان سلما وضع فى الارض الى السماء وحشر الناس حوله اذ أقبل رجل عليه عمامة وازار ورداء فصعد السلم حتى اذا كان بمكان منه نودى اين فارس ورجالها ونساؤها ولامتها وكنوزها فأقبلوا فجعلوا فى جوالق ثم دفع الجوالق الى ذلك الرجل فأصبح كسرى تعس النفس محزونا لتلك الرؤيا وذكرها لاساورته فجعلوا يهوّنون عليه الامر فيقول كسرى هذا أمر يراد به فارس فلم يزل مهموما حتى قدم عليه عبد الله بن حذافة بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه الى الاسلام* وفى المنتقى ان كسرى كان اذا ركب ركب أمامه رجلان يقولان له ساعة فساعة أنت عبد ولست برب فيشير برأسه نعم قال فركب يوما فقالا له ذلك ولم يشر برأسه فشكوا الى صاحب شرطته ليعاتبه وكان كسرى قد نام فلما وقع صوت حوافر الدواب فى سمعه استيقظ فدخل عليه صاحب شرطته فقال أيقظتمونى ولم تدعونى أنام انى رأيت انه رقى بى فوق سبع سموات فوقفت بين يدى الله تعالى فاذا رجل بين يديه عليه ازار ورداء وقال لى سلم مفاتيح خزائن أرضى الى هذا فأيقظتمونى قال وصاحب الرداء والازار يعنى به النبىّ صلى الله عليه وسلم* وعن سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث الله ملكا الى كسرى وهو فى بيت من بيوت ايوانه الذى لا يدخل عليه فيه فلم يرع الا به قائما على رأسه فى يده عصا بالهاجرة وفى ساعته التى كان يقيل فيها فقال له يا كسرى أتسلم أو أكسر هذه العصا فقال بهل بهل بالفارسية معناه خل خل وأمهل ولا تكسر فانصرف عنه ثم دعا حرّاسه وحجابه فتغيظ عليهم فقال من أدخل هذا الرجل علىّ قالوا ما دخل عليك أحد ولا رأيناه حتى اذا كان العام القابل أتاه فى الساعة التى أتاه فيها فقال له كما قال له ثم قال له أتسلم أم أكسر هذه العصا فقال بهل بهل فخرج عنه فدعا كسرى حجابه وبوّابيه فتغيظ عليهم فقال لهم كما قال أوّل مرّة فقالوا ما رأينا أحدا دخل عليك حتى اذا كان العام الثالث أتاه فى الساعة التى جاء فيها وقال له كما قال ثم قال أتسلم أو أكسر هذه العصا فقال بهل بهل فكسر العصا ثم خرج فهلك كسرى عند ذلك* وفى الاكتفاء ذكر الواقدى من حديث أبى هريرة وغيره ان كسرى بينما هو فى بيت كان يخلو فيه واذا رجل خرج اليه فى يده عصا فقال يا كسرى ان الله بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فأسلم تسلم واتبعه يبق لك ملكك قال كسرى أخر عنى أثرا ما فدعا حجابه وبوّابيه فتوعدهم وقال من هذا الذى دخل علىّ قالوا له والله ما دخل عليك أحد وما ضيعنا لك بابا حتى اذا كان العام المقبل أتاه فقال له مثل ذلك وقال له ان لم تسلم أكسر العصا قال لا تفعل أخر ذلك أثرا ما ثم جاءه العام المقبل ففعل مثل ذلك وضرب بالعصا على رأسه فكسرها وخرج من عنده ويقال ان ابنه قتله تلك الليلة فأعلم الله بذلك رسوله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل باذان اليه ثم أعطى خرخسره منطقة فيها ذهب وفضة كان أهدا هاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 بعض الملوك فخرجا من عنده وانطلقا حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر فقال والله ما هذا بكلام ملك وانى لارى الرجل نبيا كما يقول ولننظرنّ ما قد قال فلئن كان ما قد قاله حقا سيأتى الخبر الىّ يوم كذا ولا كلام أنه نبىّ مرسل ولا يسبق علىّ أحد من الملوك فى الايمان به وان لم يكن فسنرى فيه رأينا فلم يلبث باذان ان قدم عليه كتاب شيرويه* أما بعد فانى قد قتلت كسرى ولم أقتله الا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم فتفرق الناس فاذا جاءك كتابى هذا فحذلى الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذى كان كسرى كتب اليك فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمرى فيه* فلما انتهى كتاب شيرويه الى باذان قال ان هذا الرجل لرسول الله حقا فأسلم وأسلمت الابناء من فارس من كان منهم باليمن فبعث باذان باسلامه واسلام من كان معه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال ان الخبر أتاه بمقتل كسرى وهو مريض فاجتمعت اليه أساورته فقالوا له من تؤمّر علينا فقال لهم ملك مقبل وملك مدبر فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا فى دينه وأسلموا ومات باذان فبعث رؤسهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدهم يعرّفونه باسلامهم* روى ان أهل اليمن كانوا يقولون لخرخسره ذو المفخرة ويقال لاولاده أيضا الان ذو المفخرة والمفخرة بلغة حمير المنطقة* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المقوقس) * فى حياة الحيوان هو لقب لجريج بن مينا القبطى وكان من قبل هرقل ويقال ان هرقل عز له لما رأى ميله الى الاسلام انتهى* بعثه مختوما مع حاطب بن أبى بلتعة وانه لما انتهى الى الاسكندرية أتى أوّلا حاجب المقوقس وأخبره الخبر فأكرمه الحاجب وأدخله على المقوقس من غير توقف فأكرمه المقوقس* عبارة الاكتفاء فلم يلبث أن وصل الى المقوقس كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقيه حاطب وأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله رسول الله الى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى* أما بعد فانى ادعوك بداعية الى الاسلام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فان توليت فانّ عليك اثم القبط* يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون* فكلمه حاطب فقال له انه قد كان قبلك رجل يزعم انه الرب الاعلى فأخذه الله نكال الاخرة والاولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك الى غير ذلك من النصائح والمواعظ وأخذ كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فجعله فى حقة من عاج وختم عليه ودفعه الى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرّم* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو اليه وقد علمت ان نبيا بقى وكنت أظنّ انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت اليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم وبكسوة وأهديت اليك بغلة لتركبها والسلام عليك* ولم يزد على هذا ولم يسلم وهاتان الجاريتان اللتان ذكرهما احداهما مارية أمّ ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم والثانية أختها سيرين وهى التى وهبها النبى صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن والبغلة هى الدلدل وكانت بيضاء وقيل انه لم تكن يومئذ فى العرب بغلة غيرها وانها بقيت الى زمان معاوية وذكر الواقدى باسناد له ان المقوقس أرسل الى حاطب ليلة وليس عنده الا ترجمان له يترجم بالعربية فقال له ألا تخبرنى عن أمور أسألك عنها وتصدقنى فانى أعلم ان صاحبك قد تخيرك من بين أصحابه حيث بعثك فقال له حاطب لا تسألنى عن شئ الاصدقتك فسأله عن ماذا يدعو اليه النبى صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه وهل يقاتل قومه فأجابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 حاطب عن ذلك كله ثم سأله عن صفته فوصفه حاطب ولم يستوف فقال له بقيت أشياء لم أرك تذكرها فى عينيه حمرة قلما تفارقه وبين كتفيه خاتم النبوّة ويركب الحمار ويلبس الشملة ويجتزى بالتمرات والكسرة ولا يبالى من لاقى من عم وابن عم قال حاطب فهذه صفته قال قد كنت أعلم انه قد بقى نبىّ وكنت أظنّ انّ مخرجه ومنبته بالشام وهناك تخرج الانبياء من قبله فأراه قد خرج فى العرب فى أرض جهد وبؤس والقبط لا يطاوعونى فى اتباعه ولا أحب ان تعلم محاورتى اياك وأنا أضن بملكى أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على ماههنا فارجع الى صاحبك فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين وبغلة من مراكبى وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من لين وغير ذلك وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب فارحل من عندى ولا يسمع منك القبط حرفا واحدا* قال حاطب فرجعت من عنده وقد كان لى مكرما فى الضيافة وقلة اللبث ببابه انى ما أقمت عنده الا خمسة أيام وان فى الوفود وفود العجم من ببابه منذ شهر وأكثر* قال حاطب فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه هذا ما فى الاكتفاء* وفى غيره أهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار تركية منها مارية القبطية أمّ ابراهيم وأختها سيرين وكانت مارية من قرية يقال لها حفن من قرى كورة أنصنا بفتح أوّله واسكان ثانيه بعده صاد مهملة مكسورة ونون وألف ذكره فى معجم ما استعجم وجاريتين أخريين اسمهما غير معلوم وغلاما خصيا كان أخا لمارية وسيرين كذا فى بعض كتب السير* وفى حياة الحيوان اسمه مأبور وكان ابن عم مارية وكان يأوى اليها فقال الناس علج يدخل على علجة فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث عليا ليقتله فقال يا رسول الله أقتله أو أرى فيه رأيى فقال بل ترى رأيك فيه فلما رأى الخصى عليا ورأى السيف تكشف فاذا هو مجبوب ممسوح فرجع علىّ الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال عليه السلام ان الشاهد يرى مالا يرى الغائب* وفى سح السحابة ان رجلا كان يتهم بأمّ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام لعلىّ رضى الله عنه اذهب اليه فاضرب عنقه فأتاه علىّ فاذا هو فى ركى يتبرز فقال له علىّ اخرج فناوله يده فأخرجه فاذا هو مجبوب ماله ذكر ومات الخصى فى زمن عمر وكان عمر رضى الله عنه جمع الناس لشهود جنازته وصلى عليه ودفنه بالبقيع* قال الدميرى فى حياة الحيوان ذكر ابن مندة وأبو نعيم مأبور القبطى فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلطا فى ذلك فانه لم يسلم وما زال نصرانيا وفى زمنه فتح المسلمون مصر فى خلافة عمر رضى الله عنه وأهدى أيضا قدحا من قوارير كان عليه السلام يشرب فيه وثيابا من قباطى مصر وألف مثقال ذهبا وعسلا من عسل بنها فأعجب النبىّ صلى الله عليه وسلم العسل ودعا فى عسله بالبركة وفرسا يقال له لزاز وبغلة يقال لها الدلدل وحمارا يقال له عفير أو يعفور ووصلت تلك الهدايا سنة سبع وقيل سنة ثمان فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته فاختار مارية لنفسه وكان صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية وكانت بيضاء جميلة وضرب عليها الحجاب وكان يطؤها بملك اليمين فلما حملت بابراهيم ووضعته قبلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابراهيم فوهب له عبدا وذلك فى ذى الحجة من السنة الثامنة من الهجرة كما سيجىء* ووهب سيرين لحسان بن ثابت ووهب احدى الجاريتين لابى جهم بن حذيفة وبقيت البغلة الى زمان معاوية وهلك الحمار مرجعه من حجة الوداع ومات المقوقس فى خلافة عمر بن الخطاب على نصرانيته ودفن فى كنيسة أبى مجلس والله تعالى أعلم * (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى الحارث بن أبى شمر الغسانى) * ذكر الواقدى ان رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 صلى الله عليه وسلم بعث شجاع بن وهب الى الحارث بن أبى شمر فانتهى اليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى الحارث بن أبى شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدّق وانى أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق لك ملكك* وختم الكتاب وأخذه شجاع وخرج به الى الحارث وهو بغوطة دمشق فوجده وهو مشغول بتهيئة الانزال والالطاف لقيصر وهو جاء من حمص الشام الى ايليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكر الله تعالى* قال شجاع فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه انى رسول من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انك لا تصل اليه حتى يخرج يوم كذا وكذا وجعل حاجبه وكان روميا اسمه مرى يسألنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو اليه فكنت أحدّثه عن صفته وما يدعو اليه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول انى قرأت الانجيل فأجد صفته وما يدعو اليه بعينه فكنت أراه يخرج بالشام وأراه قد خرج بأرض القرظ وأنا أو من به وأصدّقه وأخاف من الحارث أن يقتلنى وكان الحاجب يكرمنى ويحسن ضيافتى ويخبرنى عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر وخرج الحارث يوما فجلس على سريره ووضع التاج على رأسه وأذن لى عليه فدخلت عليه ودفعت اليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ثم رمى به وقال من ينتزع منى ملكى وأنا سائر اليه ولو كان باليمن جئته فلم يزل جالسا يتعرّض حتى الليل ثم قام وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال أخبر صاحبك بما ترى وكتب الى قيصر يخبره بخبرى وما عزم عليه فصادف رسوله قيصر بايليا وعنده دحية الكلبى وقد بعثه اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب اليه أن لا تسر اليه واله عنه ووافنى بايليا قال ورجع الكتاب وأنا مقيم ولما جاء جواب كتابه دعانى فقال متى تريد أن تخرج الى صاحبك فقلت غدا فأمر لى بمائة مثقال من الذهب ووصلنى حاجبه مرىء بنفقة وكسوة وقال اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام واخبره أنى متبع دينه فقدمت على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته به فقال باد ملكه وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق* ومات الحارث عام الفتح وكان نازلا بجلق وانتقل ملكه الى جبلة بن الايهم الغسانى آخر ملوك بنى غسان وكان ينزل الجابية أدركه عمر بن الخطاب بالجابية فأسلم ثم انه لاحى رجلا من مزينة فلطم عينه فجاء به المزنى الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال خذلى بحقى فقال له عمر الطم وجهه فأنف جبلة وقال عينى وعينه سواء قال عمر نعم فقال جبلة لا أقيم بهذه الدار أبدا ولحق بعمورية مرتدّا فمات هناك على ردّته هكذا ذكر الواقدى أنّ توجه شجاع بن وهب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الى الحارث بن أبى شمر وكذلك ابن اسحاق وأمّا ابن هشام فقال انما توجه الى جبلة بن الايهم وقد قال ذلك غيره والله أعلم وسيجىء فى هذا الموطن فى كتاب جبلة بن الايهم بعض ما يخالف هذا وبعض أهل السير على أنّ الحارث أسلم ولكن قال أخاف أن أظهر اسلامى فيقتلنى قيصر والله أعلم* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى ثمامة ابن أثال وهوذة بن على الحنفيين ملكى عمان مع سليط بن عمرو العامرىّ) * ويقال لهوذة المتوّج وكان كسرى قد تؤجه وذكر الواقدى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى هوذة مع سليط حين بعثه اليه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هوذة بن على سلام على من اتبع الهدى واعلم أنّ دينى سيظهر الى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يدك* فلما قدم عليه سليط بكتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم مختوما أكرمه وأنزله وحياه وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هوذة من الملوك العقلاء ولكن لم يوفق وكتب اليه ما أحسن ما تدعو اليه وأجمله وأنا شاعر قومى وخطيبهم والعرب تهاب مكانى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فاجعل لى بعض ملكك أتبعك وأجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قال فقرأ كتابه وقال لو سألنى سيابة من الارض ما فعلت باد وباد ما فى يده فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة جاءه جبريل فأخبره أنّ هوذة قد مات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما انّ اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ يقتل بعدى فقال قائل يا رسول الله فمن يقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وأصحابك فكان من أمر مسيلمة وتكذيبه ما كان وظهر عليه المسلمون فقتلوه فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه وكان ذلك القائل من قتلته وفق ما قاله الصادق المصدوق صلوات الله وبركاته عليه* ذكر الواقدى باسناد له عن عبد الله بن مالك أنه قال قدمت اليمامة فى خلافة عثمان بن عفان فجلست فى مجلس بهجر فقال رجل فى المجلس انى لعند ذى التاج الحنفى يعنى هوذة يوم الفصح اذ جاءه حاجبه فاستأذن لاركون دمشق وهو عظيم من عظماء النصارى فقال ائذن له فدخل فرحب به فتحدّثا فقال الاركون ما أطيب بلاد الملك وأبرأها من الاوجاع قال ذو التاج هى أصح بلاد العرب وهى ريف بلادهم قال الاركون وما قرب محمد منك قال ذو التاج هو بيثرب وقد جاءنى كتابه يدعونى الى الاسلام فلم أجبه قال الاركون لم لا تجيبه قال ضننت يدينى وأنا ملك قومى فان تبعته لم أملك قال بلى والله لئن تبعته ليملكنك وانّ الخيرة لك فى اتباعه وانه للنبىّ العربىّ الذى بشربه عيسى ابن مريم والمكتوب عندنا فى الانجيل محمد رسول الله* قال ذو التاج قد قرأت فى الانجيل ما تذكر ثم قال للاركون فما لك لا تتبعه قال الحسد له والضنّ بالخمر وشربها قال فما فعل هرقل قال هو على دينه ويظهر لرسله أنه معه وقد سبر أهل مملكته فأبوا أشدّ الاباء فضنّ بملكه أن يفارقه قال ذو التاج فما أرانى الا متبعه وداخلا فى دينه فانى فى بيت العرب وهو مقرّى على ما تحت يدى قال البطريق هو فاعل فاتبعه فدعا رسولا وكتب معه كتابا وسمى هدايا فجاءه قومه فقالوا تتبع محمدا وتترك دينك لا تملكنّ علينا أبدا فرفض الكتاب قال فأقام الاركون عنده فى حباء وكرامة ثم وصله ووجهه راجعا الى الشام قال الرجل وتبعته حين خرج فقلت أحق ما أخبرت ذا التاج قال نعم والله فاتبعه قال فرجعت الى أهلى فتكلفت الشخوص الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه مسلما وأخبرته بكل ما كان فالحمد لله الذى هدانى ولم يسم فى حديث الواقدى هذا الرجل الا أنّ فيه أنه كان من طئ من بنى نبهان* روى انّ عامر بن سلمة من بنى حنيفة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعوام ولاء فى الموسم بعكاظ وبمجنة وبذى المجاز يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم الى الله والى أن ينصروه حتى يبلغ عن الله فلا يستجيب له أحد وانّ هوذة بن على سأل عامرا بعد انصرافه عن الموسم الى اليمامة فى أوّل عام عما كان فى موسمهم من خبر فأخبره خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رجل من قريش فسأله هوذة من أىّ قريش فقال له عامر من أوسطهم نسبا من بنى عبد المطلب فقال له هوذة انما أمره سيظهر على ما هاهنا وغير هاهنا ثم ذكر تكرّر سؤال هوذة له عنه حتى ذكر له فى السنة الثالثة أنه رآه وأمره قد أمر فقال هوذة هو الذى قلت لك ولو أنا اتبعناه لكان خيرا لنا ولكنا نضنّ بملكنا وأخبر عامر بذلك كله سليط بن عمرو وقد مرّ به منصرفا اد بعثه اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم عامر آخر حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم ومات هوذة كافرا على نصرانيته ذكر هذا الكلام كله الكلاعى فى الاكتفاء* سحر النبى صلى الله عليه وسلم وفى هذه السنة سحر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم* فى المواهب اللدنية قد بين الواقدى السنة التى وقع فيها السحر كما أخرجه عنه ابن سعد بسند له الى عمر بن الحكم مرسل قال لما رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية فى ذى الحجة الحرام ودخل المحرّم سنة سبع جاءت رؤساء اليهود الى لبيد بن الاعصم وكان حليفا فى بنى زريق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وكان ساحرا فقالوا له يا أبا الاعصم أنت أسحرنا وقد سحرنا محمدا فلم يصنع شيئا ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحر لنا سحرا ينكاءه فجعلوا له ثلاثة دنانير ووقع فى رواية أبى ضمرة عند الاسماعيلى فأقام يعنى فى السحر أربعين يوما* وفى رواية وهب عن هشام عن أحمد ستة أشهر ويمكن الجمع بأن يكون ستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه والاربعين يوما من استحكامه وقال السهيلى لم أقف فى شئ من الاحاديث المشهورة على قدر المدّة التى مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فى السحر حتى ظفرت به فى جامع معمر عن الزهرى أنه لبث سنة* قال الحافظ ابن حجر وقد وجدناه موصولا بالاسناد الصحيح فهو المعتمد* وفى كنز العباد أنّ بنات لبيد بن الاعصم اليهودى سحرنه فمرض حتى انه لم يقدر على قربان أهله ستة أشهر وذكر السنة والاربعين يوما فى الوفاء وفى البخارى عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى أن كان ليخيل اليه أنه يفعل الشئ وما فعله* وفى معالم التنزيل قال ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت اليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدّة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروا فيها فتولى ذلك لبيد ابن الاعصم رجل من اليهود واشتدّ عليه ثلاث ليال فجاءه ملكان وهو نائم فقال أحدهما لصاحبه ما باله فقال طب قال من طبه قال لبيد بن الاعصم اليهودى قال وبما طبه قال بمشط ومشاطة فى جف طلعة ذكر وعقد فى وتردسه تحت راعونة* وفى رواية تحت صخرة فى ذروان وذروان بئر بمنازل بنى زريق قبلى الدور التى فى جهة قبلة المسجد كذا فى خلاصة الوفاء* وفى رواية فى بئر ذى أروان كذا فى كتاب مسلم وكذا وقع فى بعض روايات البخارى وفى معظمها ذروان وكلاهما صحيح مشهور والاوّل أصح وأجود وهى بئر فى المدينة فى بستان أبى زريق كذا ذكره الطيبى فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب فى أناس من أصحابه الى البئر وقال هذه البئر التى أريتها وكانّ ماءها نقاعة الحناء وكأنّ نخلها رؤس الشياطين فاستخرجه كذا ذكره الشيخان* وفى فتح البارى فنزل رجل واستخرجه وانه وجد فى الطلعة تمثالا من الشمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا فيه ابر مغروزة واذا وترفيه احدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوّذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع ابرة وجد لها ألما ثم يجد بعدها راحة كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية بعث عليا وزبيرا وعمارا فنزحوا ماء البئر واخرجوا جف الطلعة وكانت تحت صخرة فاذا مشاطة رأسه وأسنان من مشطه واذا فيه وتر معقد فيه احدى عشرة عقدة مغروزة بالابر فلم يقدروا على حل العقد فنزلت المعوّذتان فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة حتى قام عند انحلال العقدة الاخيرة فكأنما أنشط من عقاله وجعل جبريل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك فلهذا جوّز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسوله لا بما كان بالسريانية والعبرية والهندية فانه لا يحلّ اعتقاده والاعتماد عليه ثم أمر بها النبىّ صلى الله عليه وسلم فدفنت فقيل قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم من سحره وقيل عفا عنه قال الواقدى عفوه عنه أثبت عندنا وروى قتله* سرية أبان بن سعيد قبل نجد وفى هذه السنة بعث صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد فى سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان فى أصحابه على النبىّ صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها وانّ جزم خيلهم الليف ولم يقسم لهم من غنائم خيبر وكان اسلام أبان بين الحديبية وخيبر وهو الذى أجار عثمان يوم الحديبية حين بعثه النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مكة كذا فى حياة الحيوان * اسلام أبى هريرة وفى هذه السنة أسلم أبو هريرة* وفى المنتقى كان اسلامه بين الحديبية وخيبر واختلفوا فى اسمه واسم أبيه على ثمانية عشر قولا ذكرها ابن الجوزى فى التلقيح أشهرها عبد شمس بن عامر فسمى فى الاسلام عبد الله* وفى التذنيب الاظهر أنّ اسمه عبد الرحمن واسم أبيه صخر وكانت له هريرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 صغيرة فكنى بها وكانت كنيته فى الجاهلية أبا الاسود* وفى المنتقى قيل له لم كنوك بأبى هريرة قال كنت أرعى غنم قومى وكانت لى هريرة صغيرة ألعب بها فكنونى بأبى هريرة وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا هرّ قدم المدينة سنة سبع مهاجرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فسار اليه حتى قدم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كذا فى الصفوة وكان أحفظ الصحابة لاخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ولم يشتغل بالبيع ولا بالغرس ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين مختارا للعدم والفقر ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم حبب عبيدك هذا وأمّه الى عبادك المؤمنين وحبب اليهما المؤمنين وقال أبو هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس جرب من العلم فاخرجت جرابين ولو أخرجت الثالث لرجمونى بالحجارة وعن يزيد بن الاصم قال سمعت أبا هريرة يقول يقولون لى أكثرت يا أبا هريرة والذى نفسى بيده لو حدّثتكم بكل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرميتمونى بالقشع وهى النخامة وقيل الجلد اليابس ثم ما ناظرتمونى* وعن أبى هريرة قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأمّا أحدهما فبثثته فيكم وأمّا الاخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم يعنى مجرى الطعام وعن سعيد بن المسيب أنّ أبا هريرة قال انكم تقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والانصار لا يحدّثون عن النبىّ صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبى هريرة وان اخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق فى الاسواق واخوانى من الانصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت امر أمسكينا من مساكين الصفة ألزم النبىّ صلى الله عليه وسلم على ملء بطنى فأحضر حين يغيبون وأعى حين ينسون* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ألا تسألنى عن هذه الغنائم التى يسألنى أصحابك فقال أسئلك أن تعلمنى مما علمك الله وخرج النبىّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقال لن يبسط أحدثو به حتى أقضى مقالتى هذه ثم يجمع اليه ثوبه الاوعى ما أقول قال أبو هريرة فبسطت نمرة لى حتى اذا قضى النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية فنزع نمرة عن ظهرى فبسطها بينى وبينه حتى كأنى أنظر الى القمل يدب عليها حتى اذا استوعب حديثه قال اجمعها فجمعتها الى صدرى فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وروى عن الامام أحمد بن حنبل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام فقلت يا رسول الله ما روى أبو هريرة عنك حق قال نعم قصة جراب أبى هريرة وأبو هريرة كان من أهل الصفة واختلف فى صفة جرابه والصحيح ما روى عنه أنه قال أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت يا رسول الله ادع لى فيهنّ بالبركة قضمهن ثم دعا فيهنّ بالبركة وقال خذهنّ واجعلهنّ فى مزودك كلما أردت منه شيئا فأدخل فيه يدك فخذه ولا تنثره نثرا قال فحملت من تلك التمرات كذا وكذا من وسق فى سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم وكان لا يفارق حقوى حتى كان يوم الدار يوم قتل عثمان انقطع فذهب* وفى رواية عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة فأصاب الناس مخمصة فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة هل من شئ قلت نعم شىء من تمر فى المزود فقال ائتنى به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال ادع لى عشرة فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا ثم قال خذ ما جئت به وأدخل يدك فاقبض ولا تكبه قال فقبضت على أكثر مما جئت به ثم قال ألا أحدّثكم كم أكلت أكلت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبى بكر وأطعمت وحياة عمر وأطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان انتهب يعنى الجراب فذهب* وفى المنتقى انتهبت يعنى المدينة وذهب المزود وكان يقول للناس همّ ولى فى اليوم همان ... همّ الجراب وهمّ الشيخ عثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 توفى أبو هريرة بالمدينة ويقال بالعقيق سنة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وخمسين من الهجرة فى آخر خلافة معاوية وله ثمان وسبعون سنة كذا فى الصفوة وسيجئ فى الخاتمة مروياته فى كتب الاحاديث خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعون حديثا* غزوة خيبر وفى هذه السنة وقعت غزوة خيبر* فى الاكتفاء لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فى ذى الحجة مكث بهاذا الحجة منسلخ سنة ست وبعض المحرم من سنة سبع* وفى رواية قريبا من عشرين يوما ثم خرج فى بقية منه الى خيبر غازيا وكان الله وعده اياها وهو بالحديبية بقوله* وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه يعنى بالمعجل صلح الحديبية وبالمغانم الموعود بها فتح خيبر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليها مستنجزا ميعاد ربه وواثقا بكفايته ونصرته* وفى رواية أقام يحاصر خيبر بضع عشرة ليلة الى أن فتحها وقيل كانت فى آخر سنة ست وهو منقول عن مالك وبه جزم ابن حزم قال الحافظ ابن حجر والراجح ما ذكره ابن اسحاق ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ان ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقى وهو ربيع الاوّل كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى كانت غزوة خيبر فى جمادى الاولى وكان معه ألف وأربعمائة راجل ومائتا فارس ومعه أمّ سلمة زوجته* وفى خلاصة الوفاء خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثير على ثلاثة أيام من المدينة على يسار خارج الشام وخيبر بلسان اليهود الحصن* وفى معجم ما استعجم بينها وبين المدينة ثمانية برد الى جهة الشام مشى ثلاثة أيام* وفى مزيل الخفاء كل بريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال وكل ميل أربعة آلاف خطوة وكل خطوة ثلاثة أقدام يوضع قدم أمام قدم ويلصق به* وأمر أن لا يخرج معه الا من رغب فى الجهاد لا من غرضه عرض الدنيا واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى واستعمل على مقدمة الجيش عكاشة بن محصن الاسدى وعلى الميمنة عمر بن الخطاب وعلى الميسرة واحدا من أصحابه وفى بعض الكتب على بن أبى طالب وهو غير صحيح لان الروايات الصحيحة تدل على ان عليا فى أوائل الحال لم يكن فى العسكر وكان به رمد شديد ولما لحق بالعسكر أعطاه الراية وأمّره على الجيش ووقع الفتح على يده كما سيجئ وكان دليله رجلين من أشجع ماهرين بالطريق اسم أحدهما حسبل وأرسل ابن أبى بن سلول الى يهود خيبر يخبرها بأن محمدا فى قصدكم وتوجه اليكم فخذوا حذركم وأدخلوا أموالكم فى الحصون واخرجوا الى قتاله ولا تخافوا منه فان عددكم وعددكم كثيرة وقوم محمد شرذمة قليلون عزل لا سلاح فيهم الا قليل فلما علم بذلك أهل خيبر أرسلوا كنانة بن أبى الحقيق وهوذة بن قيس الوائلى الى غطفان يستمدونهم لانهم كانوا حلفاء يهود خيبر وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر ان غلبوا على المسلمين ولم تقبل غطفان خوفا من أهل الاسلام* وفى رواية قبلوا ولما نزل المسلمون منزل الرجيع وكان بينهم وبين غطفان مسيرة يوم وليلة تهيأ غطفان وتوجهوا الى خيبر لامداد اليهود ولما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حسا ولغطا فظنوا ان المسلمين أغاروا على أهليهم وأموالهم فرجعوا وتركوا أهل خيبر مخذولين وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر كما سيجئ* وفى معجم ما استعجم قال محمد بن اسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة الى خيبر سلك على عصر هكذا روى بفتح العين واسكان الصاد المهملة وفى بعض النسخ عصر بفتح الصاد قال فبنى له فيها مسجد ثم سلك على الصهباء التى أعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى من خيبر على بريد* روى انه صلى الله عليه وسلم لما ورد الصهباء وصلى بها العصر دعا بالازواد فلم يأتوا بغير التمر والسويق فأكلوا وصلى المغرب فى الجماعة بوضوء العصر وبعد ما صلى العشاء دعا بالدليلين ليدلاه على أحسن طرق خيبر حتى يحول بين أهل خيبر وغطفان فقال أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 الدليلين واسمه حسبل انا أدلك يا رسول الله فأقبل حتى انتهوا الى مفرق الطريق المتعدّدة قال حسبل يا رسول الله هذه طرق يمكن الوصول من كل منها الى المقصد فأمر بأن يسميها له واحدا واحدا قال حسبل اسم واحد منها احزن فأبى النبىّ صلى الله عليه وسلم من سلوكه وقال اسم الاخر شأس فامتنع منه أيضا وقال اسم الاخر حاطب فامتنع منه أيضا قال حسبل فما بقى الا واحد قال عمر ما اسمه قال مرحب فاختار النبىّ صلى الله عليه وسلم سلوكه فقال عمر يا حسبل هلا قلت هذا أوّل مرة* وفى خلاصة الوفاء مرحب بالحاء المهملة كمقعد طريق اختار النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يسلكه لخيبر بعد ان ذكر له طرق غيره فأبى أن يسلكها فأقبل حتى نزل بواد يقال له الرجيع كأمير فنزله بين أهل خيبر وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرّ وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم قدّم عباد بن بشر فى جماعة من الركبان أمامه طليعة فأصابوا عينا اليهود خيبر فأخذوه فسأله عباد من أنت قال جمال فاقدا بل خرجت أطلبها قال ما الخبر من أهل خيبر قال هم أرسلوا هوذة بن قيس وكنانة بن أبى الحقيق الى حلفائهم يستمدونهم وأدخلوا عيينة بن بدر مع جمع كثير فى حصونهم لامدادهم فالان فيها ألف مقاتل يترقبون حرب محمد وأصحابه قال له عباد كأنك عينهم فأنكر فضربه وعذبه وخوّفه بالقتل فقال اذا أدخلتنى فى جوارك أصدقتك ففعل فقال اعلموا ان أهل خيبر خائفون منكم خوفا شديدا واستولى على قلوبهم خوف عظيم مما فعلتم بيهود بنى قريظة والنضير ومنافقو المدينة بعثوا الى أهل خيبر يخبرونهم ان محمدا يقصدكم فلا تخافوهم فانهم قليلون فأرسلونى لا تجسس أخباركم وأحرز أعدادكم ومقداركم فجاء به عباد الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمع منه فقال عمر ينبغى أن يضرب عنقه فقال عباد هو فى جوارى فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عبادا بحفظه حتى يتبين الامر وبعد ما دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم خيبر أسلم العين وعن سلمة بن الاكوع أنه قال خرجنا من المدينة مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى خيبر فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فشرع يحد وللقوم يقول رجز ابن رواحة اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلينا فاغفر فدى لك لما أبقينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا وألقين سكينة علينا ... انا اذا صيح بنا أتينا وبالصياح عوّلوا علينا وفى رواية اياس بن أبى سلمة عن أبيه عن الضبى فى هذا الرجز من الزيادة وهو قوله ان الذين قد بغوا علينا ... اذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضلك ما استغنينا فأعجب القوم ذلك وفرحوا وأسرع الابل فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم كما فى رواية البخارى من هذا السائق قالوا عامر بن الاكوع فقال يرحمه الله* وفى رواية لما قال من هذا السائق قال أنا عامر ابن الاكوع فقال غفر لك ربك وكان معلوما عندهم انه ما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان يخصه الا استشهد فقال عمر بن الخطاب وجبت له الشهادة فنادى عمر وهو على جمل له يا رسول الله هلا أمتعتنا به فاستشهد فى خيبر كما سيجئ* وفى صحيح البخارى فأصيب صبيحة ليلته* وفى بعض الكتب لما سكت عامر عن الحداء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة أن يسوق الابل فشرع عبد الله فى الحداء وأنشد ما أنشد عامر وزاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم اللهمّ ارحمه فاستشهد هو أيضا بمؤتة كما سيجئ* وروى انه كان لسلام بن مشكم حصن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 صعب فذهب جماعة من أعيان يهود الى منزله وشاوروه فى الخروج الى حرب محمد والتحصن فى حصونهم فحرضهم سلام على الخروج* وفى رواية قال الرأى ما أشار اليكم عبد الله بن أبى على سبيل النصيحة ولكن لم يقدّر لهم الخروج فبقوا فى حصونهم* وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل حصونها من طريق وادى خرصه ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على خيبر قال لاصحابه قفوا ثم قال اللهمّ رب السموات وما أظللن ورب الارضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين* وفى رواية ورب البحار وماجرين فانا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها ثم قال اقدموا بسم الله وكان يقولها لكل قرية دخلها فساروا حتى انتهوا الى موضع يسمى المنزلة وعرّس بها ساعة من الليل فصلى فيها نافلته فبنى له ثمة له مسجد بالحجارة وهذا المسجد يسمى المنزلة وفيه تصلى الاعياد اليوم كذا فى معجم ما استعجم فقامت راحلته تجرّ زمامها فأدركت لتردّ فقال دعوها فانها مأمورة فلما انتهت الى موضع الصخرة بركت عندها فتحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الصخرة وتحوّل الناس اليها واتخذوا ذلك الموضع معسكرا وابتنى هناك مسجدا وهو مسجدهم اليوم وهو المسجد الاعظم الذى كان طول مقامه بخيبر يصلى فيه وبنى عيسى بن موسى هذا المسجد وانفق عليه ما لا جزيلا وهو على طاقات معقودة وله رحاب واسعة وفيها الصخرة التى يصلى اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم طول مقامه بخيبر وكان قد استولى ليلتئذ نوم الغفلة على أهل خيبر فلم يشعروا بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انهم كانوا قبل ذلك يبعثون كل ليلة من رجالهم ركبانا متسلحة للتجسس والاستخبار عن جيش الاسلام فانهم كانوا قد سمعوا بخروجهم من المدينة وتوجههم الى خيبر وفى تلك الليلة لم يتحرّك أحد منهم حتى ان ديوكهم لم تصح ودوابهم لم تتحرّك* وفى البخارى من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا وكان اذا أتى قوما بليل لم يغزهم حتى يصبح فان سمع أذانا أمسك والا أغار فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ولم يسمع أذانا فركب وركبنا معه وركبت خلف أبى طلحة وان قدمى لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم* وفى رواية فلما أصبحوا وأفئدتهم تخفق فانتبهوا قريبا من طلوع الشمس وفتحوا حصونهم وغدوا الى أعمالهم فخرجوا بمساحيهم ومدافلهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا والله محمد والخميس معه فولوا هاربين الى حصونهم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله أكبر خربت خيبر فانا اذا انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين والخميس الجيش سمى به لانه مقسوم بخمسة أقسام التامّة؟؟؟ والساقة والميمنة والميسرة والقلب ومحمد خبر مبتدأ أى هذا محمد قال السهيلى ويؤخذ من هذا الحديث التفاؤل لانه عليه السلام لما رأى آلة الهدم تفاءل ان مدينتهم ستخرب انتهى ويحتمل كما قاله فى فتح البارى أن يكون قال خربت خيبر بطريق الوحى ويؤيده قوله انا اذ انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فدخلت اليهود حصونهم وأخبر واسلام بن مشكم بأنه قددهمهم جيش محمد قال ما سمعتم كلامى وقصرتم فى الخروج اليه فلا تقصروا فى الحرب لأن تقتلوا فى الحرب خير من أن توتروا فعزموا على الحرب فأدخلوا أموالهم وعيالهم فى حصن كثيبة وأدخلوا ذخائرهم فى حصن ناعم وجمع المقاتلة وأهل الحرب فى حصن نطاة وسلام بن مشكم مع انه كان مريضا جاء ودخل نطاة معهم وحرض الناس على الحرب ومات فى ذلك الحصن ولما تيقن النبىّ صلى الله عليه وسلم ان اليهود تحارب وعظ أصحابه ونصحهم وحرضهم على الجهاد ورغبهم فى الثواب وبشرهم بأن من صبر فله الظفر والغنيمة وقال مغلطاى وغيره وفرّق عليه السلام الرايات ولم تكن الرايات الا بخيبر وانما كانت الالوية وقال الدمياطى وكانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 راية النبىّ صلى الله عليه وسلم سوداء من برد لعائشة* وفى رواية عقد النبىّ صلى الله عليه وسلم رايتين احداهما سوداء من ستر باب عائشة وتسمى العقاب والآخرى بيضاء وكانت الوية غيرهما وكان شعار المسلمين يا منصور أمت أمت* روى ان خباب بن المنذر أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله أم هو الرأى فى الحرب قال بل هو الرأى فقال يا رسول الله ان هذا المنزل قريب جدّا من حصن نطاه وجميع مقاتل خيبر فيها وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندرى أحوالهم وسهامهم تصل الينا وسهامنا لا تصل اليهم ولا نأمن بياتهم وأيضا هذا منزل بين النخلات ومكان غائر وأرض وخيمة لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد يتخذ معسكرا قال صلى الله عليه وسلم الراى ما أشرت اليه وقد مرّ مثل هذا فى غزوة بدر فدعا محمد بن مسلمة فأمره أن يرتاد منزلا يصلح لأن يتخذ معسكرا كما قاله خباب فذهب محمد بن مسلمة يلتمس ويدور حتى انتهى الى موضع يقال له الرجيع فرأى ذلك الموضع صالحا للمعسكر فرجع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأخبره به فنهضوا اليه بالليل فيومئذ فى ذلك الموضع شرعوا فى حرب حصن نطاة وكانت اليهود ترمى بالسهام الى عسكر الاسلام ويلتقطها المسلمون ويرمونها فى وجوههم الى الحصن ثم انهم قطعوا من نخيل نطاة أربعمائة نخلة وما قطع فى خيبر غير نخيلها* وفى تلخيص المغازى وبعض كتب السير أوّل ما فتح من حصون خيبر نطاة ثم الشق وقال ابن اسحاق كان أوّل حصن افتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة وكان قد حارب حتى أعياه الحرب وثقل السلاح وكان الحرّ يومئذ شديدا فانحاز محمود بن مسلمة الى ظل حصن ناعم يظنّ ان ليس فيه أحد وكان مرحب اليهودى أو كنانة بن أبى الحقيق يراه فأتى بحجر الرحا وألقاه على رأسه فهشمت البيضة على رأسه ونزل جلد جبهته على وجهه فأدركه المسلمون فارتثوه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فسوّى جلده بيده الى مكانه وعصبه بخرقة فمات من هذه الجراحة ثم افتتح صلى الله عليه وسلم القموص حصن بنى أبى الحقيق فأصاب صلى الله عليه وسلم سبايا منهم صفية ابنة حيى بن أخطب وكانت زوجة كنانة بن الربيع ابن أبى الحقيق وبنتاعم لها فاصطفى صفية لنفسه بعد أن سأله اياها دحية بن خليفة الكلبى فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتى عمها وكان بلال هو الذى جاء بصفية وبأخرى معها فمرّ بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التى مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعزبوا عنى هذه الشيطانه فذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال حين رأى بتلك اليهودية ما رأى أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن القموص وأتى اليه بكنانة بن الربيع وهو من رؤساء يهود خيبر وكان عنده كنز بنى النضير وأبى الحقيق وكان ملأ مسك جمل بالجيم وقيل حمار ذهبا وعقودا من الدر والجوهر واذا كان لاعيان أهل مكة ورؤسائهم وليمة أو عرس يبعثون اليه بالرهن ويستعيرون منه فيعطيهم من ذلك الحلى والجواهر ما أرادوه وكان الكنز فى الاوائل ملأ مسلك حمل بالحاء المهملة ولما ازدادت ثروة أبى الحقيق زادها حتى لا يسعها مسك شاة فجعلها فى مسك ثور هكذا كان يزيد عليها حتى جعلها ملأ مسك بعير ولما سأل النبىّ صلى الله عليه وسلم كنانة عن الكنز قال يا أبا القاسم صرفناها فى الحروب ونوائب الدهر حتى فنيت وما بقى منها شئ وحلف على ذلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان ظهر خلاف ذلك أبحت دماءكم قالوا نعم فأشهد النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك أبا بكر وعمر وعليا وعشرة من رجال يهود فقام يهودى وقال لكنانة ان كان ما يطلبه محمد عندك أو تعلم أين هو فأخبره تبق فى أمانه والا فو الله ليطلعنه الله عليه فتفتضح فزجره كنانة ولم يسمع كلامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فأطلع الله نبيه على موضع الكنز فطلب كنانة فأخبره بكذبه وانه أخبر به من السماء وكان كنانة حين رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فتح حصن نطاة وتيقن بظهوره عليهم دفنه فى خربة* وفى رواية سأل صلى الله عليه وسلم ثعلبة بن سلام بن أبى الحقيق عن الكنز قال لا أدرى غير انى رأيت كنانة يطيف كل غداة حول تلك الخربة فأرسل صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوّام مع جماعة الى تلك الخربة فحفروها ووجدوا الكنز فرفع عنهم الامان وأبيحت دماؤهم* وفى الاكتفاء فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم كنانة عن الكنز فجحد ان يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من اليهود فقال انى رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت ان وجدناه عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقى فأبى أن يريه فأمر به الزبير بن العوّام فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزند فى صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة* وفى المواهب اللدنية وفتح الله عليه خيبر حصنا حصنا وهى نطاة وحصن الصعب وحصن ناعم وحصن قلعة الزبير والشق وحصن أبى وحصن البراء والقموص والرطيح والسلالم وهو حصن آل أبى الحقيق* وفى خلاصة الوفاء الوطيح بالفتح وكسر الطاء المهملة ومثناة تحتية وحاء مهملة من أعظم حصون خيبر وفى كتاب أبى عبيدة الوطيحة بزيادة هاء وفى بعض الكتب اللغوية عدّ السطيح بفتح السين المهملة من حصون خيبر مما فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وجدته فى كتب السير والله أعلم بذلك والسلالم بضم السين وكسر اللام الثانية أحرز حصون خيبر أو موضع به حصن من حصونها وروى الواقدى ان من حصون خيبر البزار كان أهله أشدّ رميا للمسلمين من؟؟؟ حصاره فحصبه النبىّ صلى الله عليه وسلم بكف من حصى فرجف بهم وساخ* وفى تلخيص المغازى فى أيام محاصرة حصن صعب خرج من الحصن عشرون أو ثلاثون حمارا فأخذها رهط من المسلمين فذبحوها وجعلوا لحومها فى قدور وجعلوا يطبخونها للاكل من شدّة الجوع فمرّ بهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فسأل عما فى القدور والبرام قالوا لحم الحمر الانسية قأمر المنادى حتى نادى ألا ان لحم الحمار الانسى ولحم كل حيوان ذى ناب من السباع وذى مخلب من الطيور ونكاح المتعة حرام المشهور فى الانسية كسر الهمزة نسبة الى الانس وهم بنو آدم وحكى ضم الهمزة ضدّ الوخشية ويجوز فتحها والنون أيضا مصدر أنست به انسا وانسة* وفى المواهب اللدنية نهى يوم خيبر عن أكل الثؤم وعن لحم الحمر الاهلية وعن سلمة بن الاكوع لما امسوا يوم فتحوا خيبر أو قدوا النيران قال صلى الله عليه وسلم علا أو قدتم هذه النيران قالوا على لحم الحمر الاهلية قال أهريقوا ما فيها فكسر واقدورها فقام رجل من القوم فقال أنهريق ما فيها ونغسلها فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أو ذلك كذا فى الصحيحين* وفى الاكتفاء قال ابن عقبة كانت خيبر أرضا وخيمة شديدة الحرّ فجهد المسلمون جهدا شديدا وأصابتهم مسغبة شديدة فوجدوا أحمرة انسية ليهود لم يكونوا أدخلوها فى الحصن فانتحروها ثم وجدوا فى أنفسهم من ذلك فذكروها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن أكلها* وعن جابر بن عبد الله و؟؟؟ خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر أذن لهم فى لحوم الحيل وعن معتب بن قش الاسلمى أنه قال حين محاصرة نطاة بلغ حالنا أيها الاسلميون المخمصة فأرسلنا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم نشكو اليه الجوع فقلنا له ادع لنا بالفتح فقال اللهمّ افتح للمسلمين أعظم الحصون وأكثرها طعاما فجمع الجيش وأعطى الراية خباب بن المنذر وأمرهم أن يحملوا جملة واحدة ففعلوا فأوّل جماعة وصلوا الى باب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 حصن الصعب أسلم وكانوا يحاربون حتى فتح الحصن فأصابوا أقمشة وأمتعة وأطعمة كثيرة* وفى الاكتفاء ولما أصاب المسلمين بخيبر ما أصابهم من الجهد أتى بنو سهم من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شئ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم اياه فقال اللهمّ انك قد عرفت حالهم وان ليست بهم قوّة وان ليس بيدى شئ أعطيهم اياه فافتح عليهم أعظم حصونها غناء وأكثرها طعاما وودكا فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه* وفى معجم ما استعجم نطاة وشق واديان بينهما أرض تسمى السبخة وفى نطاة حصن مرحب وقصره وقع فى سهم الزبير بن العوّام وفى نطاة عين تسمى اللجيجة وأوّل دار فتحت بخيبر دار بنى قمة وهى بنطاة وهى منزل لياسر أخى مرحب وهى التى قالت فيها عائشة رضى الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير والتمر حتى فتحت دار بنى قمة قال كل ذلك من كتاب السكونى ثم قال بالشق عين تسمى الحمة وهى التى سماها النبىّ صلى الله عليه وسلم قسمة الملائكة يذهب ثلثا مائها فى فلج بالفاء والجيم وهو النهر الصغير كذا فى الصحاح والثلث الاخر فى فلج والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان النبىّ صلى الله عليه وسلم الى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فيذهب اثنان فى الفلج الذى له ثلثا مائها وواحدة فى الفلج الثانى ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث ومن قام فى الفلج الذى يأخذ الثلثين ليردّ الماء الى الفلج الثانى غلبه الماء وفاض ولم يرجع الى الفلج الثانى بشئ يزيد على الثلث* قال الواقدى بعد فتح الشق ونطاة تحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كثيبة* وفى خلاصة الوفاء الكثيبة بلفظ كتيبة الجيش قاله أبو عبيدة بالمثلثة حصن بخيبر خمس الله ورسوله وذى القربى واليتامى والمساكين وجاء أهل الشق ونطاة فتحصنوا معهم فى القموص وهو حصن خيبر الاعظم والقموص بالصاد المهملة كصبور جبل عليه حصن لبنى أبى الحقيق بخيبر وقيل الحصن بالغين والضاد المعجمتين وكان حصنا حصينا حاصره النبىّ صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة وحين حاصره كانت به شقيقة لم يقدر أن يحضر بنفسه الكريمة معركة المحاربة وكان يعطى الراية كل يوم واحدا من أصحابه ويبعثه الى المحاربة فأعطاها يوما أبا بكر ووجهه اليه فأتاه وقاتل مقاتلة شديدة ورجع من غير فتح وأخذ الراية فى اليوم الثانى عمر فقاتل أشدّ من اليوم السابق ولم يفتح له* وفى رواية فى اليوم الاوّل قاتل عمر وفى الثانى أبو بكر وفى الثالث عمر ولم يفتح الحصن فلما أمسى قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اما والله لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرّار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه* وفى رواية قال ابشر يا محمد بن مسلمة تقتل غدا قاتل أخيك وبات الناس يدوكون ليلتهم أى يحرصون ويتحدّثون أيهم يعطاها غدا ولم يكن أحد من الصحابة الذين لهم منزلة من النبىّ صلى الله عليه وسلم الا يرجو أن يعطاها روى ان عليا لما بلغه ما قاله النبىّ صلى الله عليه وسلم قال اللهمّ لا معطى لما منعت ولا مانع لما أعطيت* روى ان الناس لما أصبحوا غدوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على بابه* وفى المنتقى لما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش يرجو كل واحد أن يكون هو صاحب ذلك وعن سعد بن أبى وقاص قال جئت فبركت بحذاء النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قمت ووقفت بين يديه وعن عمر بن الخطاب أنه قال ما أحببت الامارة الا ذلك اليوم ثم خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم من خيمته وقال أين على بن أبى طالب فقيل هو يشتكى عينيه وعن سلمة بن الاكوع أنه قال كان علىّ تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر خيبر بالمدينة أوّلا وكان به رمد شديد حتى انه كان لا يرى شيئا ثم قال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأهب وخرج فى أثره ولحق به فى الطريق أو بعد وصوله الى خيبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا اليه من يأتى به فذهب اليه سلمة بن الاكوع وأخذ بيده يقوده حتى أتى به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو أرمد وكان قد عصب عينيه بشقة برد قطرى فتفل فى عينيه ودعا له فبرىء حتى كأن لم يكن به رمد ولا وجع فأعطاه الراية وعن علىّ أنه قال لما انتهيت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وضع رأسى فى حجره فبصق فى عينى وفى رواية عنه بصق فى كفه ومسح به عينى فشفيت فى الحال وما اشتكيتهما بعد اليوم أبدا وفى رواية فما وجعاه بعد حتى مضى لسبيله وفى رواية عن علىّ دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ أذهب عنه الحر والقر فما وجد بعده الحر والبرد وكان يلبس ثياب الصيف فى الشتاء ولا يبالى وثياب الشتاء فى الصيف ولا يبالى وفى رواية ألبسه النبىّ صلى الله عليه وسلم درعه الحديد وشدّ ذا الفقار أعنى السيف فى وسطه وأعطاه الراية ووجهه الى الحصن فقال علىّ يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا يعنى مسلمين فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فو الله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النعم يعنى تصدّقت بها فى سبيل الله أخرجاه فى الصحيحين* وفى معالم التنزيل قال امض ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك وفى الاكتفاء قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك قال سلمة ابن عمرو بن الاكوع فخرج علىّ والله يهرول هرولة وانا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته فى ربض من حجارة تحت الحصن فاطلع اليه يهودى من فوق الحصن قال من أنت فقال على بن أبى طالب فقال اليهودى غلبتم وما أنزل على موسى أو كما قال قال فما رجع حتى فتح الله على يديه وفى المواهب اللدنية ولما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا فتناول ساق يهودى ليضربه ورجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة قلت يا رسول الله فداك أبى وأمّى زعموا ان عامرا قد حبط عمله قال النبىّ صلى الله عليه وسلم كذب من قاله وان له أجرين وجمع بين اصبعيه انه لجاهد مجاهد رواه البخارى وفى بعض كتب السير روى انه لما حاربوا على حصن صعب خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول شعرا قد علمت خيبر أنى مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرب اذا الحروب أقبلت تلتهب فبرز له عامر بن الاكوع وقال قد علمت خيبر انى عامر ... شاكى السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين فاوّلا سلّ مرحب سيفه وضرب به عامرا فاتقى عامر بترسه فنشب السيف فى الترس فسل عامر سيفه وذهب يسفل فتناول به ساق مرحب ليضربه وكان فى سيفه قصر فرجع سيفه على نفسه فأصاب ذباب السيف ركبة نفسه فقطع أكحله فكانت فيها موته فدفنوه فى منزل رجيع مع محمود بن مسلمة فى غار واحد قال سلمة بن الاكوع لما رجعنا من خيبر رآنى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الطريق محزونا* وفى رواية قال أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله يزعم أسيد بن حضير وجماعة من أصحابك ان عامرا حبط عمله اذ قتل بسيفه قال كذب من قاله ان له لأجرين اثنين وجمع بين اصبعيه وقال انه لجاهد مجاهد كما مرّ* وفى رواية قال انه ليعوم فى الجنة عوم الدعموص* وعن زيد بن ابى عبيد قال رأيت أثر ضربة بساق سلمة بن الاكوع فقلت ما هذه الضربة قال هذه ضربة أصابتنى يوم خيبر فأتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة أخرجه البخارى وعنه أيضا شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدّعى الاسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشدّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده الى كنانته فاستخرج منها سهما فنحر نفسه فاشتدّ رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدّق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فناد لا يدخل الجنة الا مؤمن وان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر* وفى رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة كذا فى المواهب اللدنية* وروى ان عليا لما انتهى الى حصن قموص كان أوّل من خرج اليه من الحصن الحارث اليهودى أخو مرحب مع اتباعه وباشهر الحرب وقتل رجلين من المسلمين فقتله علىّ فلما رأى مرحب أن أخاه قد قتل خرج من الحصن سريعا مع اتباعه وهو يرتجز ويقول قد علمت خيبر انى مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرّب أطعن أحيانا وحينا أضرب ... اذا الحروب أقبلت تلهب ان حماى للحمى لا يقرب روى أنه لم يكن فى أهل خيبر أشجع من مرحب وكان يومئذ قد لبس درعين وتقلد بسيفين واعتمّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة* وفى معالم التنزيل كهيئة البيضة على رأسه وله رمح سنانه ثلاثة أسنان ولم يقدر أحد من أهل الاسلام أن يقاومه فى الحرب فبرز له علىّ وهو يرتجز ويقول أنا الذى سمتنى أمى حيدره ... ضرغام آجام وليث قسوره وفى الكشاف كانت أمّه فاطمة بنت أسد رضى الله عنها سمته أسدا باسم أبيها وكان أبو طالب غائبا فلما رجع كره ذلك وسماه عليا* وفى معالم التنزيل والكشف* كليث غابات كريه المنظره* بدل* ضرغام آجام وليث قسوره* عبل الذراعين غليظ القصره* أو فيهم وفى رواية* أكيلكم بالصاع كيل السندره* قوله عبل الذراعين أى ضخمهما والقصرة أصل العنق والسندرة ضرب من الكيل كبير واسم امرأة كانت تبيع القمح وتوفى الكيل كذا فى القاموس قيل لعلّ النكتة فى ارتجاز علىّ بهذا الرجز أنّ مرحبا كان قد رأى فى المنام أنّ أسدا يفترسه فلعلّ الله أطلع عليا على رؤيا مرحب فأراد أن بذكره رؤياه ليقذف فى قلبه الرعب فيجبن جبن الرباح ولا تقوى يده على حمل السلاح* وفى حياة الحيوان الرباح بفتح الراء والباء المخففة دويبة كالسنور وهى التى يجلب منها الزباد وذكر القرود وفى الامثال قالوا أجبن من الرباح* فلما اختلطا أراد مرحب أن يضرب عليا فسبقه علىّ فعلاه بالسيف وهو ذو الفقار فتترس مرحب فوقع السيف على الترس فقدّه والحجر والمغفر والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف فى الاضراس كذا فى معالم التنزيل* قيل هذا أى قتل علىّ مرحبا هو الصحيح وما نظمه بعض الشعراء يؤيده وهو علىّ حمى الاسلام من قتل مرحب ... غداة اعتلاه بالحسام المضخم وفى رواية قتله محمد بن مسلمة* فى الاكتفاء ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الاموال ما حاز انتهوا الى حصنيهم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة وخرج مرحب اليهودى من حصنهم قد جمع سلاحه وهو ينادى من يبارز ويرتجز ويقول قد علمت خيبر أنى مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرّب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 أطعن أحيانا وحينا أضرب ... اذا الليوث أقبلت تحزب انّ حماى للحمى لا يقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا قال محمد بن مسلمة أنا يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر دم أخى بالامس قال فقم اليه اللهم أعنه عليه فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة غمرته من شجر العشر فجعل أحدهما يلوذبها من صاحبه كلما لا ذبها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها حتى برز كل واحد منهما لصاحبه وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فانقاه بدرقته فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله* وفى معالم التنزيل ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر وهو يرتجز فخرج اليه الزبير بن العوّام فقالت له أمّه صفية بنت عبد المطلب وكانت فى الجيش أيقتل ابنى يا رسول الله قال بل ابنك يقتله ان شاء الله ثم التقيا فقتله الزبير يفهم من هذا أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم حضر المعركة بنفسه الكريمة وهو مخالف لما سبق ثم حمل المسلمون على اليهود فقتلوا اليهود قتلا ذريعا وقتل على يومئذ ثمانية من رؤساء اليهود وفرّ الباقون الى الحصن فتبعهم المسلمون فبينما علىّ يشتدّ فى أثرهم اذ ضربه يهودى على يده ضربة سقط منها الترس فبادر يهودى آخر فأخذ الترس فغضب علىّ فتناول باب الحصن وكان من حديد فقلعه وتترّس به عن نفسه وفى المنتقى والتوضيح فتناول علىّ بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل فى يده وهو يقاتل* وفى شواهد النبوّة روى أنّ عليا بعد ذلك حمله على ظهره وجعله قنطرة حتى دخل المسلمون الحصن انتهى ثم لما وضعت الحرب أوزارها ألقى علىّ ذلك الباب الحديد وراء ظهره ثمانين شبرا وفى هذا الباب قال الشاعر علىّ رمى باب المدينة خيبر ... ثمانين شبرا وافيا لم يثلم وفى المنتقى والتوضيح روى عن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فلقد رأيتنى فى سبعة نفر وأناثا منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نستطيع أن نقلبه* وفى التوضيح رواه الطبرانى وأخرجه أحمد* وفى المواهب اللدنية قلع علىّ باب خيبر ولم يحرّكه سبعون رجلا الا بعد جهد* وفى رواية ابن اسحاق سبعة وأخرجه من طريقة البيهقى فى الدلائل ورواه الحاكم عن البيهقى من جهة ليث بن أبى سليم عن أبى جعفر محمد بن على بن الحسين عن جابر أنّ عليا حمل الباب يوم خيبر وانه جرب بعد ذلك ولم يحمله أربعون رجلا وليث ضعيف* وفى رواية البيهقى أنّ عليا لما انتهى الى الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالارض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا منا فكان جهدا أن أعادوا الباب مكانه* قال القسطلانى قال شيخنا وكلها واهية ولذا أنكره بعض العلماء كذا فى المواهب اللدنية* وفى شرح المواقف قلع علىّ باب خيبر بيده وقال ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية ولكن بقوّة الهية وحدث أبو اليسر بن كعب بن عمرو قال انا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية اذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ونحن محاصرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم قال أبو اليسر أنا يا رسول الله قال فافعل قال فخرجت أشتدّ مثل الظليم فلما رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال اللهم أمتعنا به قال فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن فأخذت شاتين من أخراها فاحتضنتهما تحت يدى ثم أقبلت أشتدّ كأن ليس معى شىء حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوهما وأكلوهما فكان أبو اليسر من آخر أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم موتا اذا حدّث بهذا الحديث بكى ثم قال أمتعونى بعمرى حتى كنت من آخرهم وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فى حصنيهم الوطيح والسلالم حتى اذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ففعل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الاموال كلها والشق والنطاة والكثيبة وجميع حصونهم الا ما كان من ذينك الحصنين الوطيح والسلالم فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم وأن يخلوا له الاموال ففعل فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم فى الاموال على النصف وقالوا نحن أعلم بها منكم وأعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على انا اذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم* وفى رواية قال نقرّكم على ذلك ما شئنا فصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكان خيبر فيئا للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب* سم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشاة وفى هذه الغزوة سمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها سمته زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم أخت مرحب اليهودى قاله ابن اسحاق وذلك بعد ما دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم حصن القموص واطمأنّ أهدت له زينب شاة مصلية أى مشوية مسمومة كلها لكن جعلت السمّ فى الذراع أكثر مما فى باقى الاعضاء لانها سألت أى عضو من الشاة أحب الى محمد فقيل لها الذراع كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّا بشر فأساغها وأمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ومات بشر بن البراء من أكلته التى أكلها من تلك الشاة* وفى المنتقى فلاكها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها فأخذها بشر بن البراء فمات من ساعته وقيل بعد سنة* وفى الاكتفاء فلفظها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال انّ هذا العظم ليخبرنى أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومى ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته* وفى مغازى سليمان التيمى أنها قالت ان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لى الان أنك صادق وأنى أشهدك ومن حضر أنى على دينك وأن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله فانصرف عنها حين أسلمت وفيه موافقة الزهرى على اسلامها* وفى المواهب اللدنية عمدت زينب الى عنزلها فذبحتها وصلتها ثم عمدت الى سمّ لا يطنى يعنى لا يلبث أن يقتل من ساعته وقد شاورت يهود فى سموم فاجتمعوا لها فى هذا السمّ بعينه فسمت الشاة وأكثرت فى الذراعين والكتف فوضعت بين يديه ومن حضر من أصحابه وفيهم بشر بن البراء فتناول صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منها وتناول بشر بن البراء عظما آخر فلما ازدرد صلى الله عليه وسلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما فى فيه وأكل القوم فقال صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم فانّ هذه الذراع تخبرنى أنها مسمومة وفيه أن بشر بن البراء مات فيه وفيه دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أولياء بشر فقتلوها رواه الدمياطى* وفى سيرة مغلطاى لم يقتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق* وفى حديث جابر عن أبى داود توفى أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذى أكله من الشاة كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ذكر ابن عقبة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الكتف من تلك الشاة فانتهش منها وتناول بشر عظما فانتهش منه فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر ما فى فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم فانّ كتف هذه الشاة تخبرنى انى بغيت فيها فقال بشر بن البراء والذى أكرمك لقد وجدت ذلك فى أكلتى التى أكلت فما منعنى أن ألفظها الا انّى أعظمت أن أبغضك طعامك فلما أسغت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسى عن نفسك ورجوت أن لا تكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 استرطتها وفيها بغى فلم يقم بشر من مكانه حتى عادلونه مثل الطيلسان وماطله وجعه حتى كان لا يتحوّل الا ما حوّل قال جابر بن عبد الله واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الكاهل حجمه أبو طيبة مولى بنى بياضة* وفى المشكاة احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذى أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبنى بياضة من الانصار رواه أبو داود والدارمى وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذى توفى منه فدخلت عليه أمّ بشر بنت البراء بن معرور تعوذه فيما ذكره ابن اسحاق فقال لها يا أمّ بشر انّ هذا الاوان وجدت انقطاع أبهرى من الاكلة التى أكلت مع أخيك بخيبر* وفى نهاية ابن الاثير قال صلى الله عليه وسلم ما زالت اكلة خيبر تعاودنى فهذا أو ان قطعت أبهرى والابهر عرق فى الظهر وهما أبهران وقيل هما الا كحلان اللذات فى الذراعين وقيل هو عرق مستبطن القلب فاذا انقطع لم تبق بعده حياة وقيل الابهر عرق منشأه من الرأس ويمتدّ الى القدم وله شرايين تتصل بأكثر أطراف البدن فالذى فى الرأس منه يسمى النامة ومنه قولهم أسكت الله نامته أى أماته ويمتدّ الى الحلق ويسمى فيه الوريد ويمتدّ الى الصدر فيسمى الابهر ويمتدّ الى الظهر فيسمى الوتين والفؤاد معلق به ويمتدّ الى الفخذين فيسمى النسا ويمتدّ الى الساق فيسمى الصافن والهمزة فى الابهر زائدة ويجوز فى أوان الضم والفتح فالضم لانه خبر لمبتدا والفتح على البناء لاضافته الى مبنى* قال فان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوّة وفى قتلها اختلاف فقيل قتلها وقيل بل عفا عنها* وفى رواية أنس دفعها الى أولياء بشر بن البراء فقتلوها كما مرّ وقال الدميرى فى حياة الحيوان جمع البيهقى بينهما بأنه لم يقتلها فى الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها وكذلك اختلف فى قتل من سحره ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر أهله ليالى ثم انصرف راجعا الى المدينة وخرج مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مرّوا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا انى رأيته فى النار فى بردة غلها أو عباءة ثم قال يا ابن الخطاب اذهب فناد فى الناس أنه لا يدخل الجنة الا المؤمنون قال فخرجت فناديت ألا انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون* وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من النساء المسلمات فرضخ لهنّ عليه السلام من الفئ ولم يضرب لهنّ بسهم وقيل ضرب لهنّ أيضا بسهم كامل وكانت قد خرجت معهم عشرون امرأة وفى حديث ابن أبى الصلت عن امرأة غفارية سماها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نسوة من غفار وهو يسير الى خيبر فقلنا يا رسول الله قد أردنا الخروج معك الى وجهك هذا فنداوى الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه فلما افتتح خيبر رضخ لنا من الفئ وأخذ هذه القلادة التى ترين فى عنقى فأعطانيها وعلقها بيده فى عنقى فو الله لا تفارقنى أبدا قالت فكانت فى عنقها حتى ماتت ثم أوصت أن تدفن معها واستشهد بخيبر من المسلمين نحو من عشرين رجلا منهم عامر بن الاكوع عمّ سلمة بن الاكوع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فى مسيره الى خيبر انزل يا ابن الاكوع فاحد لنا من هناتك فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال* والله لولا الله ما اهتدينا* ولا تصدّقنا ولا صلينا* الى آخر ما ذكر فى أوّل مسيره الى خيبر من قوله عليه السلام لعامر يرحمك الله وقول عمر وجبت والله يا رسول الله لو أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا بسيف نفسه رجع عليه وهو يقاتل فكلمه كلما شديدا فمات منه وكان المسلمون قد شكوا فيه وقالوا انما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وأخبره بقول الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون وقد مرّ ومنهم الاسود الراعى من أهل خيبر وكان من حديثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم وكان فيها أجيرا لرجل يهودى فقال يا رسول الله اعرض علىّ الاسلام فعرضه عليه فأسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يدعوه الى الاسلام فيعرضه عليه فلما أسلم قال يا رسول الله انى كنت أجير الصاحب هذه الغنم وهى أمانة عندى فكيف أصنع بها قال اضرب فى وجوهها فانها سترجع الى ربها أو كما قال فقام الاسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمى بها فى وجوهها وقال ارجعى الى صاحبك فو الله لا أصحبك وخرجت مجتمعة كأنّ سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدّم الاسود الى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة قط فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع خلفه وسجى بشملة كانت عليه فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا يا رسول الله لم أعرضت عنه قال انّ معه الان زوجتيه من الحور العين* وذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن نجيح أنّ الشهيد اذا أصيب نزلت زوجتاه من الحور العين عليه ينفضان التراب عن وجهه ويقولان ترّب الله وجه من ترّبك وقتل من قتلك قال ولما افتتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمى ثم البهزى فقال يا رسول الله انّ لى بمكة مالا عند صاحبتى أمّ شيبة بنت أبى طلحة ومالا متفرّقا فى تجار أهل مكة فائذن لى يا رسول الله فأذن له قال لا بدّ لى يا رسول الله من أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتى اذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالا من قريش يتسمعون الاخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار الى خيبر وعرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا فهم يتجسون الاخبار من الركبان فلما رأونى ولم يكونوا علموا باسلامى قالوا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر أخبرنا يا أبا محمد فانه قد بلغنا أنّ القاطع سار الى خيبر وهى بلد يهود وريف الحجاز قلت قد بلغنى ذلك وعندى من الخبر ما يسرّكم قال فالتبطوا بجنبى ناقتى يقولون ايه يا حجاج قلت هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط وأسر محمد أسرا وقالوا لا نقتله حتى نبعث به الى مكة فيقتلونه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا قد جاءكم الخبر وهذا محمد انما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال قلت أعينونى على جمع مالى بمكة على غرمائى فانى اريد أن أقدم خيبر فاصيب من فلّ محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار الى ما هنا لك فقاموا فجمعوا لى مالى كأحث جمع سمعت به وجئت صاحبتى فقلت مالى وقد كان لى عندها مال موضوع لعلى ألحق بخيبر فاصيب من فرص البيع قبل أن يسبقنى التجار قال فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أو جاءه عنى أقبل حتى وقف الى جنبى وأنا فى خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الذى جئت به قلت وهل عندك حفظ لما وضعت عندك قال نعم قلت فاستأخر عنى حتى ألقاك على خلاء فانى فى جمع مالى كما ترى فانصرف عنى حتى أفرغ قال حتى اذا فرغت من جمع كل شئ كان لى بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت احفظ علىّ حديثى يا أبا الفضل فانى أخشى الطلب ثلاثا ثم قل ما شئت قال افعل قال فانى والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم يعنى صفية بنت حيى ولقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولاصحابه قال ما تقول يا حجاج قلت اى والله فاكتم عنى ولقد أسلمت وما جئت الا لاخذ مالى فرقا من أن أغلب عليه فاذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال حتى اذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحرّ المصيبة قال كلا والله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 الذى حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على ابنة ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولاصحابه قالوا من جاء بهذا الخبر قال الذى جاءكم بما جاءكم ولقد دخل عليكم مسلما وأخذ ماله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه قالوا يا لعباد الله انفلت عدوّ الله أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك* ذكر ابن عقبة أنّ بنى فزارة قدموا على خيبر فى أوّل أمرهم ليعينوهم فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينوهم وأن يخرجوا عنهم على أن يعطيهم من خيبر شيئا سماه لهم فأبوا عليه وقالوا جيراننا وحلفاؤنا فلما افتتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بنى فزارة فقالوا الذى وعدتنا فقال لكم ذو الرقيبة لجبل من جبال خيبر قالوا اذا نقاتلك قال موعدكم جنفاء فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين* قسمة غنائم خيبر وروى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر فروة بن عمرو البياضى أن يجمع غنائم خيبر فى حصن نطاة فجمع وكان فى أثناء الغنائم صحائف متعدّدة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بدفعها اليهم ويوم جمع غنائم خيبر وأخذ سباياها أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى أن من آمن بالله واليوم الاخر لا يسق بمائه زرع الغير ولا يطأ امرأة حتى تنقضى عدتها وأمر فروة ببيع الغنائم ودعا لها فقال اللهم ألق عليها النفاق وقال فروة فلما عرضناها على البيع رغب فيها الناس رغبة تامّة حتى بيعت كلها فى يومين وكنا نقدر الفراغ عنها بمدة مديدة وذلك ببركة دعاء النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى معجم ما استعجم لما أفاء الله خيبر قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة وثلاثين سهما عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقى بين المسلمين وسهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فيها قسم نطاة والشق وما حيز معهما وكان فيما وقف الكثيبة والوطيحة والسلالم ولما أراد القسمة أمر زيد بن ثابت حتى أحصى أهل العسكر وأفراسهم وقسم الشق ونطاة الى ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلاثة عشر سهما ثم قسم كل قسم من هذه الثمانية عشر الى مائة سهم لكل رجل سهم ولكل فرس سهمان وكانت عدّة الذين قسمت عليهم ألف رجل وأربعمائة رجل ومائتى فرس فذلك ألف وثمانمائة سهم* قال ابن اسحاق وكانت المقاسم فى أموال خيبر على الشق ونطاة والكثيبة وكان الشق ونطاة فى سهمان المسلمين وكانت الكثيبة خمس الله وسهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وسهم ذوى القربى والمساكين وطعم أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح وقسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد خيبر لا من غاب عنها الا جابر ابن عبد الله بن عمرو بن حرام فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها* وفى هذه الغزوة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمان الخيل والرجال فجعل للفرس سهمين ولفارسه سهما وللرّاجل سهما فجرت المقاسم فيما بعد على ذلك ويومئذ عرّب العربى من الخيل وهجن الهجين وذكر ابن عقبة أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر نفر من الاشعريين فيهم أبو عامر الاشعرى قدموا المدينة مع مهاجرة الحبشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فمضوا اليه وفيهم أبان بن سعيد ابن العاص والطفيل بن عمر والدوسى وذو النون وأبو هريرة ونفر من دوس فرأى النبىّ صلى الله عليه وسلم ورأيه الحق أن لا يخيب مسيرهم ولا يبطل سفرهم فشركهم فى مقاسم خيبر وسأل أصحابه ذلك فطابوا به نفسا ولم يذكر ابن عقبة جعفر بن أبى طالب فى هؤلاء القادمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر من أرض الحبشة وهو أوّلهم وأفضلهم وما مثل جعفر يتخطى ذكره ومن البعيد أن يغيب عن ابن عقبة فالله أعلم بعذره* وفى سح السحابة عن أبى موسى أنه قال بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين اليه فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا الى النجاشى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبى طالب وأصحابه فقال جعفر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالاقامة فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا* وقد ذكر ابن اسحاق أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث عمرو بن أمية الضمرى الى النجاشى فيمن كان أقام بأرض الحبشة من أصحابه فحملهم فى سفينتين فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية فذكر جعفرا أوّلهم وذكر معه ستة عشر رجلا قدموا فى السفينتين صحبته وذكر ابن هشام عن الشعبى أنّ جعفرا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ولما جرت المقاسم فى أموال خيبر أشبع فيها المسلمون ووجدوا بها مرفقا لم يكونوا وجدوه قبل حتى قال عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما فيما خرج له البخارى فى صحيحه ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وأقرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فى أموالهم يعملون فيها للمسلمين على النصف مما يخرج منها كما تقدّم* قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين وبين يهود خيبر فيخرص عليهم فاذا قالوا تعدّيت علينا قال ان شئتم فلكم وان شئتم فلنا فيقول يهود خيبر بهذا قامت السموات والارض قال وانما خرص عليهم عبد الله عاما واحدا ثم أصيب بمؤتة رحمه الله فكان جبار بن صخر أخو بنى سلمة هو الذى يخرص عليهم بعده فأقامت اليهود على ذلك لا يرى بهم المسلمون بأسافى معاملتهم حتى عدوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن سهل أخى بنى حارثة فقتلوه فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه وكتب اليهم أن يدوه أو يأذنوا بحرب فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده وأقرّهم على ما سبق من معاملته اياهم فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرّهم أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه على مثل ذلك حتى توفى ثم أقرّهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه صدرا من امارته ثم بلغ عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى وجعه الذى قبضه الله فيه لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت فارسل الى يهود فقال انّ الله قد أذن فى اجلائكم قد بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتنى به أنفذه له ومن لم يكن له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتجهز للجلاء فأجلى عمر رضى الله عنه منهم من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله بن عمر خرجت أنا والزبير والمقداد بن الاسود الى أموالنا بخيبر نتعاهدها فلما قدمنا تفرّقنا فى أموالنا فعدى علىّ تحت الليل ففدعت يداى من مرفقىّ فلما أصبحت استصرخ علىّ صاحباى فأتيانى فأصالحا من يدى ثم قدما بى على عمر فقال هذا عمل يهود ثم قام فى الناس خطيبا فقال أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على انا نخرجهم اذا شئنا وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم مع عدوتهم على الانصار قبله قد لا نشك انهم أصحابه ليس لنا هناك عدوّ غيرهم فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فانى مخرج يهود فأخرجهم ولما أخرج عمر يهود خيبر ركب فى المهاجرين والانصار وخرج معه بجبار بن صخر وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم وبزيد بن ثابت فهما قسما خيبر على أصحاب السهمان التى كانت عليها كما قسمت فى الاصل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرّ* استصفاء صفية وفى هذه الغزوة استصفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيى ابن أخطب بن يحيى بن كعب بن الخزرج النضرى من بنى اسرائيل من سبط هرون بن عمران وتزوّجها فى مقفله من خيبر وكانت من جملة سبايا خيبر فاصطفاها لنفسه فأسلمت فأعتقها وجعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 عتقها صداقها وقيل وقعت فى سهم دحية الكلبى فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس كذا فى الصفوة ودفعها الى أمّ سلمة تصيغها وتهيؤها وكانت أوّلا زوجة سلام بن مشكم ثم وقعت الفرقة بينهما فتزوّجها كنانة بن ربيعة بن أبى الحقيق وكانت عروسا به حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فرأت فى المنام كأنّ الشمس قد نزلت حتى وقعت على صدرها فقصت ذلك على زوجها فقال والله ما تتمنين الا هذا الملك الذى نزل بنا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب عنق زوجها كما مرّ* وفى رواية انّ صفية رأت فى المنام وهى عروس بكنانة أنّ القمر قد وقع فى حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا الا انك تتمنين ملك الحجاز فلطم وجهها لطمة اخضرّت عينها منها فاتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منها فسألها ما هو فأخبرت بهذا الخبر وأتى بزوجها كنانة وسأله عن الكنز فجحده فأمر الزبير بتعذيبه ثم دفعه الى محمد بن مسلمة الاوسى فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة وقد قتل فى خيبر كما مرّ* وفى الصفوة عن جابر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بصفية يوم خيبر فاخذ بيدها فمرّ بها بين القتلى فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئى فى وجهه ثم قام صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فنزعت شيئا كانت عليه جالسة فألقته للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثم خيرها بين أن يعتقها فترجع الى من بقى من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت اختار الله ورسوله فلما كان عند رواحه أحقب بعيره ثم خرجت معه تمشى حتى ثنى لها ركبته فوضعت ركبتها على فخذه فركبت ثم ركب النبىّ صلى الله عليه وسلم فألقى عليها كساء ثم سار حتى اذا كانا على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها فأبت صفية فوجد النبىّ صلى الله عليه وسلم عليها فى نفسه ولما كان بالصهباء مال الى دومة هناك فطاوعته فقال ما حملك على ابائك حين أردت المنزل الاوّل قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود فأعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصهباء* وفى الاكتفاء أعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر أو ببعض الطرق وبات بها فى قبلة له انتهى وبات أبو أيوب ليلة متوشحا بالسيف يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور حول خبائه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوطء قال من هذا قال خالد بن يزيد فقال مالك قال ما نمت هذه الليلة مخافة هذه الجارية عليك فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع كذا فى الصفوة* وفى الاكتفاء قال أبو أيوب يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها وكانت حديثة عهد بكفر فخفتها عليك فزعموا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهمّ احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى* وعن أنس انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لابى طلحة التمس لى غلاما من غلمانكم يخدمنى حتى أخرج الى خيبر فخرج بى أبو طلحة مردفى وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا نزل ثم قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيى بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فخرج حتى بلغنا سد الصهباء بين خيبر والمدينة أقام ثلاثة أيام يا بنى عليه بصفية ثم صنع حيسا فى نطع صغير ثم قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم آذن من حولك فدعوت الناس الى وليمته على صفية وما كان فيها خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر بلالا بالانطاع فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن وهو الحيس فقال المسلمون احدى امهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا ان حجبها فهى احدى امهات المؤمنين والا فهى مما ملكت يمينه فلما ارتحلت ثم خرجنا الى المدينة فرأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم يحوى لها وراءه بعباءة وطاء لها خلفه ثم جلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته وقد مدّ الحجاب بينها وبين الناس* وفى رواية ابن عباس لما أراد أن يركب أدلى رسول الله صلى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 عليه وسلم فخذه منها لتركب عليها فأبت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها كما سبق قال أنس فسرنا حتى اذا أشرفنا على المدينة نظر الى احد فقال هذا جبل يجبنا ونحبه ثم نظر الى المدينة فقال اللهمّ انى احرم ما بين لا بيتها بمثل ما حرم ابراهيم* وفى رواية كتحريم ابراهيم اللهمّ بارك لهم فى مدّهم وصاعهم* وفى رواية ولما أشرف على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة وكانت صفية عند النبىّ صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين وأشهر او توفيت سنة خمسين ومروياتها فى الكتب عشرة أحاديث المتفق عليه منها حديث واحد والباقى فى سائر الكتب وقيل اثنين وخمسين ودفنت بالبقيع كذا فى الصفوة* فتح فدك وفى هذه السنة فتح فدك وهى قرية بينها وبين مدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم مرحلتان وقيل ثلاث مراحل وفى شرح المواقف وهى قرية بخيبر كانت للنبى صلى الله عليه وسلم قال أهل السير لما أتى النبى صلى الله عليه وسلم حوالى خيبر بعث محيصة بن مسعود الحارثى الى فدك يدعو أهلها الى الاسلام فدعاهم اليه فخوّفهم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الى حربهم كما أتى الى حرب أهل خيبر وقالوا انّ عامر او ياسر او حارثا وسيد اليهود مرحبا فى حصن نطاة ومعهم ألف مقاتل وما نظنّ أن يقاومهم محمد فمكث محيصة فيهم يومين ولما رأى ان لا ميل لهم فى الصلح أراد أن يرجع فقالوا له اصبر حتى نستشير أكابر قومنا ونبعث معك من يصالح محمدا وبينماهم فى ذلك الرأى اذ أتاهم خبر حصن الناعم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحه فوقع فى قلوبهم خوف عظيم فأرسلوا جماعة من يهود فدك الى النبى صلى الله عليه وسلم حتى يصالحوه فبعد القيل والقال الكثير استقرّ الامر على أن يعطوا النبى صلى الله عليه وسلم نصف أرض فدك ولهم نصفها فرضى النبى صلى الله عليه وسلم فصالحهم على ذلك وكانوا يعملون على ذلك حتى أخرجهم عمر وأهل خيبر الى الشام واشترى منهم حصتهم النصف بمال بيت المال* وفى رواية ولما سمع أهل فدك ان المسلمين قد صنعوا ما صنعوا بأهل خيبر بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم أيضا ويتركوا له الاموال ففعل* طلوع الشمس بعد غروبها لعلى رضى الله عنه وفى هذه السنة طلعت الشمس بعد ما غربت لعلىّ رضى الله عنه على ما أورده الطحاوى فى مشكلات الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يوحى اليه ورأسه فى حجر على رضى الله عنه ولم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصليت يا على قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه كان فى طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقعت على الجبل والارض وذلك فى الصهباء فى خيبر وهذا حديث ثابت الرواية عن ثقات* وحكى الطحاوى ان أحمد بن صالح كان يقول لا ينبغى لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لانه من علامات النبوّة كذا فى المنتقى قال ابن الجوزى فى الموضوعات حديث ردّ الشمس فى قصة علىّ موضوع بلا شك* فتح وادى القرى وفى هذه السنة فتح وادى القرى* وفى المواهب اللدنية ثم فتح وادى القرى فى جمادى الاخرة بعد ما أقام بها اربعا فحاصرهم ويقال أكثر من ذلك* وفى الوفاء فى جمادى الاخرة قال أصحاب السير لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فلما سمع أهل وادى القرى بمجيئه تهيئوا للحرب وخرجوا الى القتال فسوّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف أصحابه للقتال ودفع لواءه الى سعد بن عبادة وقيل الى حباب بن المنذر وقيل الى سهل بن حنيف وقيل الى عباد بن بشر ثم دعاهم الى الاسلام وأعلمهم انهم ان أسلموا تبق دماؤهم مصونة وأموالهم محفوظة مضمومة وحسابهم على الله فأبوا وقاتلوا ذلك اليوم الى الليل فقتل من اليهود عشرة رجال* وفى الوفاء حاصر أهل وادى القرى ليالى وأصاب غلامه مدعما سهم غرب فقتله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 قال أبو هريرة لما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر الى وادى القرى نزلناها أصلا مع غروب الشمس ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام أهداه له رفاعة بن زيد الجذامى ثم الضبى فو الله انه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ أتاه سهم غرب فقتله فقلنا هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذى نفسى بيده ان شملته الان لتحترق عليه فى النار كان غلها من فىء المسلمين يوم خيبر فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال له يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لى فقال لقد قدّ لك مثلهما فى النار كذا فى الاكتفاء* وفى رواية وفتح صبيحة اليوم الثانى وغلبهم المسلمون وأصابوا أموالا كثيرة وأثاثا وأمتعة وفيرة ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود وترك فى أيديهم أراضى وادى القرى والبساتين والحدائق حتى يعملوا فيها ويأخذوا الاجرة ولما بلغ خبر يهود خيبر وفدك ووادى القرى يهود تيماء خافوا وصالحوا وقبلوا الجزية قاله الحافظ مغلطاى فرجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة كذا فى المواهب اللدنية * نوم الرسول عن صلاة الصبح وفى هذا السفر فى الرجوع الى المدينة نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح الى الشمس وعن أبى هريرة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم حين قفل عن غزوة خيبر سار من أوّل الليل حتى اذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الليل فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند بلال قريب الفجر الى راحلته مواجه الفجر فغلبته عيناه ونام فلم يستيقظ أحد حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلهم استيقاظا ففزع وقال أى بلال فقال بلال أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك بأبى أنت وأمى يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم من ذلك المكان شيئا ثم توضأ فأمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسى الصلاة فليصلها اذا ذكرها فان الله تعالى قال أقم الصلاة لذكرى* وروى انه كان فى الرجوع من غزوة تبوك كذا فى المواهب اللدنية* بناء الرسول عليه السلام بأم حبيبة وفى هذه السنة بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش ووقع التزوّج فى السنة السادسة من الهجرة* وفى هذه السنة وقع الزفاف كما مرّ وقصتها انها كانت قد خرجت مهاجرة الى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فى الهجرة الثانية ثم ارتدّ عن الاسلام وتنصر ومات هناك وثبتت أم حبيبة على الاسلام قالت رأيت فى المنام كأن آتيا يقول يا أمّ المؤمنين ففزعت فأوّلها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوّجنى فلما انقضت عدّتى فما شعرت الا برسول النحاشى على بابى يستأذن فاذا بجارية له يقال لها ابرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علىّ فقالت ان الملك يقول لك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الىّ أن أزوّجك منه قلت بشرك الله بالخير قالت يقول الملك وكلى من يزوّجك فأرسلت الى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وفى سيرة اليعمرى ولى نكاح أم حبيبة عثمان بن عفان وقيل خالد بن سعيد بن العاص فأعطت ابرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا فى رجليها وخواتم من فضة فى أصابع رجليها سرورا بما بشرت به فلما كان العشىّ أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن كان هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشى فقال الحمد لله الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار وأشهد أن لا اله الا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وانه الذى بشر به عيسى ابن مريم* أما بعد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الىّ أن أزوّجه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فأجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار* وفى روضة الاحباب أربعمائة مثقال من الذهب ثم سكب الدنانير بين يدى القوم فتكلم خالد بن سعيد بن العاص فقال الحمد لله أحمده واستعنه واستغفره وأشهد أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسوله ودفع النجاشى الدنانير الى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال النجاشى اجلسوا فان من سنن الانبياء اذا تزوّجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرّقوا وذلك سنة سبع من الهجرة كذا فى الصفوة قالت أمّ حبيبة لما أتانى المال أرسلت الى ابرهة التى بشرتنى فقلت لها انى كنت أعطيتك ما أعطيتك ولا مال بيدى فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستعينى بها* وفى معالم التنزيل أنفذ اليها النجاشى أربعمائة دينار على يد ابرهة فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا انتهى قالت فأخرجت ابرهة كل ما كنت أعطيتها فردّته علىّ وقالت عزم على الملك أن لا أرزأك وأنا التى أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله وأسلمت لله وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن اليك بكل ما عندهن من العطر* فلما كان من الغد جاءتنى بعداد ورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بكله على النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان يراه علىّ وعندى ولا ينكره ثم قالت ابرهة حاجتى اليك أن تقرئى على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام وتعلميه انى اتبعت دينه قالت وكانت هى التى جهزتنى وكانت كلما دخلت علىّ تقول لا تنسى حاجتى اليك فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بى ابرهة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأته منها السلام فقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته وبعث النجاشى أمّ حبيبة الى النبىّ صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة ولما بلغ أبا سفيان خبر تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة قال ذاك الفحل لا يقرع أنفه وكان لامّ حبيبة حين قدم بها الى المدينة بضع وثلاثون سنة ومكثت عند النبىّ صلى الله عليه وسلم قريبا من أربع سنين وتوفيت فى زمان معاوية سنة ثنتين أو أربع وأربعين من الهجرة فى المدينة على القول الصحيح وصلى عليها مروان بن الحكم وقيل توفيت بالشام ومروياتها فى الكتب المتداولة خمسة وستون حديثا المتفق عليه حديثان وفرد مسلم حديث واحد والبقية فى سائر الكتب* سرية عمر بن الخطاب الى تربة وفى شعبان هذه السنة كانت سرية عمر بن الخطاب الى تربة ومعه ثلاثون رجلا ومعه دليل من بنى هلال فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار فأتى الخبر الى هوازن فهربوا وجاء عمر الى محلهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف راجعا الى المدينة* ثم فى شعبان هذه السنة بعث أبا بكر الصدّيق الى بنى كلاب فى ناحية ضرية ويقال الى فزارة كما فى صحيح مسلم وهو الصواب وكان سلمة بن الاكوع فى تلك السرية فساروا اليهم وقاتلوهم وكان شعارهم أمت أمت فقتلوا طائفة وأسروا طائفة ولقى سلمة جماعة يهربون الى الجبل مع ذراريهم فخشى أن يسبقوه الى الجبل فرمى بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا فأتى بهم الى أبى بكر يسوقهم وفيهم امرأة من بنى فزارة مع ابنة لها من أحسن العرب فأخذ أبو بكر ابنتها وقدموا المدينة وما كشف لها ثوبا فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السوق مرّتين فى يومين فقال يا سلمة هب لى المرأة فقال هى لك يا رسول الله فبعث الى مكة ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسرى بمكة* سرية بشر بن سعد الى بنى مرّة وفى شعبان هذه السنة بعث بشر بن سعد الانصارى فى ثلاثين رجلا الى بنى مرّة بفدك فسار بشر الى ذلك الموضع ولقى الرعاة واستخبرهم عن القوم قالواهم فى الوادى فساقوا دوابهم ومواشيهم فأخبروا القوم فتعاقبوا المسلمين فأدركوهم فوقع بينهم قتال عظيم وقتل كثير من الصحابة وجرح بشر وضرب كعبه فوقع فى القتلى وقيل قد مات فرجعوا عنه وقدم ابن زيد الحارثى بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتث بشر وانسل من بين القوم ولحق بفدك فمكث هناك حتى برأت جراحته ثم قدم المدينة وذكر ذلك للنبىّ صلى الله عليه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل قدوم بشر أخبر الناس بتلك القصة* بعث غالب الليثى الى الميفعة وفى رمضان هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثى فى مائة وثلاثين رجلا الى الميفعة بناحية نجد من المدينة على ثمانية برد على جمع من بنى عوال وبنى عبد بن ثعلبة فهجموا عليهم فى وسط محالهم فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعما وشاء الى المدينة* قالوا وفى هذه السرية قتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس بعد أن قال لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا شققت قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فقال أسامة لا أقاتل أحدا يشهد أن لا اله الا الله* وفى الاكليل فعل ذلك أسامة فى سرية كان هو أميرا عليها سنة ثمان وفى البخارى عن أبى ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا اله الا الله فكف الانصارى عنه وطعنته برمحى حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا اله الا الله قلت كان متعوّذا فما زال يكرّرها حتى تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أورده فى المواهب اللدنية وستجىء هذه القصة فى الموطن الثامن فى سرية غالب بن عبد الله الليثى الى فدك* سرية بشر بن سعد الى يمن وجبار وفى شوّال هذه السنة كانت سرية بشر بن سعد الانصارى الى يمن وجبار بفتح الجيم وهى أرض لغطفان ويقال لفزارة وعذرة وبعث معه ثلثمائة رجل لجمع تجمعوا للاغارة على المدينة فساروا الليل وكمنوا النهار فلما بلغهم مسير بشر هربوا وأصاب لهم نعما كثيرة فغنمها وأسر رجلين وقدم بهما المدينة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما سرية ابن عمر الى قبل نجد وبعث صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد وفيها ابن عمر رضى الله عنهما قال فبلغت سهماننا اثنى عشر بعيرا ونفلنا بعيرا فرجعنا بثلاثة عشر بعيرا يحتمل ان تكون هذه السرية هى سرية ابان بن سعيد المذكورة وأن تكون غيرها* كتابه الى جبلة بن الايهم وفى هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جبلة بن الايهم آخر ملوك غسان ودعاه الى الاسلام قال فلما وصل اليه الكتاب أسلم وكتب جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه باسلامه وأرسل الهدية وكان ثابتا على اسلامه الى زمان عمر بن الخطاب* وفى خلافته قدم مكة للحج وحين كان يطوف فى المطاف وطئ رجل من فزارة ازاره فانحلّ فلطم الفزارى لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه فشكا الفزارى الى عمر واستغاثه فطلب عمر جبلة وحكم بأحد الامرين امّا العفو وامّا القصاص قال جبلة أتقتص له منى سواء وأنا ملك وهو سوقى قال عمر الاسلام سوّى بينكما ولا فضل لك عليه الا بالتقوى قال فان كنت أنا وهذا الرجل سواء فى هذا الدين فسأتنصر قال عمر اذا أضرب عنقك قال فأمهلنى الليلة حتى أنظر فى أمرى فلما كان الليل ركب فى بنى عمه وهرب الى قسطنطينية وتنصر هناك ومات مرتدّا نعوذ بالله من ادراك الشقاوة وسوء الخاتمة قيل اليه أشار الشاعر بقوله أخذت بالجمة رأسا أزعرا ... وبالثنايا الواضحات الدردرا وبالطويل العمر عمرا جيذرا ... كما اشترى المسلم اذ تنصرا وبعض أهل الاسلام على أنّ جبلة عاد الى الاسلام ومات مسلما والله أعلم وقد مرّ فى هذا الموطن فى ذكر كتابه الى الحارث بعض ما يخالف هذا* قتل شيرويه اباه وفى هذه السنة قتل شيرويه اباه على ما سبق ذكره قال الواقدى كان قتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاخرة أو جمادى الاولى سنة سبع من الهجرة لست أو سبع ساعات مضين* روى أنه لما قتل أباه كان الملك لا يستقرّ عليه حتى قتل سبعة عشر أخاله ذوى أدب وشجاعة فابتلى بالاسقام فبقى بعده ثمانية أشهر وقيل ستة أشهر ثم مات ويقال مدّة عمر شيرويه اثنان وعشرون سنة* هدية المقوقس وفى هذه السنة وصلت هدية المقوقس ملك الاسكندرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 ومصر واسمه جريج بن مينا وهى مارية وسيرين أختها وجاريتان أخريان وخصى يقال له مأبور وقدح من قوارير وثياب من قباطى مصر وألف مثقال من الذهب وعسل وفرس يقال له لزاز وبغلة يقال لها الدلدل وحمار يقال له يعفور كما مرّ فى الموطن السادس وبعث المقوقس كل ذلك مع حاطب بن أبى بلتعة فعرض حاطب الاسلام على مارية ورغبها فيه فأسلمت هى وأختها وأقام الخصى على دينه حتى أسلم بالمدينة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لم يسلم وقد مرّ فى الموطن السادس* الكلام فى عمرة القضاء وفى ذى القعدة من هذه السنة وقعت عمرة القضاء ويقال لها عمرة القضية وغزوة الا من أيضا أما تسميتها عمرة القضاء فلانها قضاء عن العمرة التى صدّ عنها بالحديبية فانها فسدت بالتحلل عنها وانما عدوّها عمرة لثبوت الاجر فيها لانها كملت كما هو مذهب الحنفية وذكر ابن هشام أنها يقال لها عمرة القضاء لانهم صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة فى ذى القعدة فى الشهر الحرام من سنة ست فاقتص منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مكة فى ذى القعدة فى الشهر الحرام الذى صدّوا فيه من سنة سبع قال موسى بن عقبة وذكر انّ الله تعالى أنزل فى تلك العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وأمّا تسميتها عمرة القضية فلانه عليه السلام قاضى قريشا فيها لا لانها قضاء عن العمرة التى صدّ عنها لانها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة كما هو مذهب الشافعية ولذا عدّوا عمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أربعا وهذا الخلاف مبنى على الاختلاف فى وجوب القضاء أو الهدى على من أحرم معتمرا وصدّ عن البيت فعند أبى حنيفة يجب القضاء عليه لا الهدى وعند الشافعية يجب عليه الهدى لا القضاء وكانت عمرة القضاء بعد غزوة خيبر بستة أشهر وعشرة أيام وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من خيبر الى المدينة أقام بها شهرى ربيع وما بعده الى شوّال وهو يبعث فيما بين ذلك سرايا ثم خرج فى ذى القعدة فى الشهر الذى صدّه فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التى صدّوه عنها وخرج معه المسلمون ممن كان صدّ معه فى عمرته تلك وهى سنة سبع فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنها كذا فى الاكتفاء وقال غيره انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين رأوا هلال ذى القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التى صدّهم المشركون عنها بالحديبية وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف منهم أحد الا من استشهد منهم بخيبر ومن مات وخرج معه صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين عمارا غير الذين شهدوا الحديبية وكانوا فى عمرة القضاء ألفين واستخلف على المدينة أبارهم الغفارى* وفى القاموس عويف بن الاضبط وأحرم من ذى الحليفة وساق صلى الله عليه وسلم ستين بدنة وجعل على هديه ناجية ابن جندب الاسلمى وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فرس* وفى المواهب اللدنية فلما انتهى الى ذى الحليفة قدم الخيل أمامه عليها محمد بن مسلمة وقدّم السلاح واستعمل عليه بشر بن سعد وأحرم صلى الله عليه وسلم ولبى والمسلمون يلبون معه ومضى محمد ابن مسلمة فى الخيل الى مرّ الظهران فوجد بها نفرا من قريش فسألوه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح هذا المنزل غدا ان شاء الله تعالى فأتوا قريشا فأخبروهم ففزعوا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران وقدّم السلاح الى بطن يأجج كيسمع وينصر ويضرب موضع بمكة حيث ينظر الى أنصاب الحرم وخلف عليه أوس بن خولى الانصارى فى مائتى رجل وخرج قريش من مكة الى رؤس الجبال وأخلوا مكة ثلاثة أيام* وفى الاكتفاء قال ابن عقبة وتغيب رجال من أشرافهم وخرجوا الى بوادى مكة كراهية أن ينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظا وحنفا ونفاسة وحسدا انتهى وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى أمامه فحبس بذى طوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصوى والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون فدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم من ثنية كداء بفتح أوّله والمدّ وهى طلعة الحجون التى بأعلى مكة ينحدر منها الى المقابر على درب المعلاة على طريق الابطح ومنى وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته وهو يمشى بين يديه ويقول خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضر بكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله * فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حرم الله تقول شعرا* فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهى أسرع فيهم من نصح النبل رواه الترمذى ورواه عبد الرزاق من وجهين بلفظ خلوا بنى الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن فى تنزيله بأنّ خير القتل فى سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله وفى الاكتفاء خلوا بنى الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير فى رسوله يا رب انى مؤمن بقيله ... أعرف حق الله فى قبوله فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى حتى استلم الركن بمعجنه مضطبعا بثوبه وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه وقد اضطبعوا بثيابهم وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن على ظهر الكعبة* وفى البخارى عن ابن عباس قال المشركون انهم يقدمون عليكم وقد أوهنتهم حمى يثرب فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يرملوا فى الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الاشواط كلها الا الابقاء شفقة عليهم أى لم يمنعه من أمرهم بالرمل فى جميع الطوفات الا الرفق بهم والاشفاق عليهم* وفى رواية قال ارملوا ايرى المشركون قوّتكم والمشركون من قبل قيقعان* وفى أسد الغابة اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ورملوا وهو أوّل اضطباع ورمل فى الاسلام* وفى الاكتفاء تحدّثت قريش بينها فيما ذكره ابن اسحاق أنّ محمدا وأصحابه فى عسرة وجهد وشدّة فصفوا له عند دار الندوة لينظروا اليه والى أصحابه فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال رحم الله امرآ أراهم اليوم من نفسه قوّة ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى اذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليمانى مشى حتى يستلم الاسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها فكان ابن عباس يقول كان الناس يظنون أنها ليست سنة عليهم وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انما صنعها لهذا الحى من قريش للذى بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فدل أنها سنة ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على راحلته فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدى عند المروة قال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عند المروة وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه أن يقيموا على السلاح ببطن يأجج ويأتى آخرون فقضوا نسكهم ففعلوا كذا فى المواهب اللدنية وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا قد انقضى أجلك فاخرج عنا* وفى رواية أتوا عليا فقالوا له قل لصاحبك يخرج عنا فقد انقضى الاجل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 يا عمّ يا عمّ فتناولها علىّ فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فحملتها فاختصم فيها علىّ وزيد وجعفر فقال علىّ أنا أحذتها وهى ابنة عمى وقال جعفر بنت عمى وخالتها تحتى وقال زيد بنت أخى فقضى بها النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الامّ قال وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بسرف بفتح أوّله وكسر ثانيه بعده فاء على عشرة أميال من مكة أو سبعة* وفى شفاء الغرام فى سرف أربعة أقوال ستة أميال وسبعة بتقديم السين وتسعة بتقديم التاء على السين واثنا عشر ميلا وهو الموضع الذى بنى النبىّ صلى الله عليه وسلم بميمونة فيه حين تزوّجها* وفى معجم ما استعجم قال ابن وفد بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غربت عليه الشمس بسرف وصلى المغرب بمكة وبينهما سبعة أميال وفى موضع آخر منه على ستة أميال من مكة وليس بجامع اليوم* تزوّجه عليه السلام بميمونة رضى الله عنها وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حرب بن بجير بن هدن بن رؤبة بن عبد الله بن هلال ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان الهلالية* قال أبو عمر وقال أبو عبيدة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر توجه الى مكة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة فبعثه بين يديه فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت أختها لامها أسماء بنت عميس تحت جعفر وسلمى بنت عميس تحت حمزة وأم الفضل بنت الحارث تحت العباس فجعلت أمرها الى العباس فأنكحها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم وقيل جعلت أمرها الى أم الفضل فجعلت أمّ الفضل أمرها الى العباس فزوّجها العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها عنه أربعمائة درهم وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه وأقام بمكة ثلاث ليال وكان ذلك أجل القضية يوم الحديبية فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وهو يخالف ما مرّ من أنهما أتياه عند الظهر من اليوم الرابع انتهى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجلس الانصار يتحدّث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب نناشدك الله والعقد الا خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاثة فقال سعد كذبت لا أم لك انها ليست بأرضك ولا بأرض أبيك والله لا يخرج الا راضيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك يا سعد لا تؤذ قوما زارونا فى رحالنا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا لا حاجة لنا بطعامك فاخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع مولاه فاذن بالرحيل وخلف أبا رافع على ميمونة حتى أتاه بسرف ولقد لقيت هى ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم كذا فى الاكتفاء* وروى فى تزويجها أنّ العباس لقى النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له العباس يا رسول الله أيمت ميمونة بنت الحارث بن أبى رهم بن عبد العزى هل لك فى تزويجها فتزوّجها صلى الله عليه وسلم وهو محرم فلما قدم مكة أقام ثلاثا فجاء سهيل بن عمرو فى نفر من أصحابه من أهل مكة فقال يا محمدا خرج عنا فقال له سعديا عاضّ بظر أمه أهى أرضك وأرض أمّك دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يشاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهم فخرج فبنى بها بسرف حلالا أخرجه أبو عمرو وكذا رواه ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهو محرم أخرجه الشيخان والنساءى وروت ميمونة أنه صلى الله عليه وسلم تزوّجها بسرف وهو حلال أخرجه أبو داود* وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من عمرته أقام بمكة ثلاثة أيام التى اشترطها على أهل مكة ثم بعث بها عثمان وقال ان شئتم أقمت عندكم ثلاثا أخر وعرست بأهلى وأولمت لكم وكان صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة الهلالية قبل عمرته ولم يدخل بها فقالوا لا حاجة لنا فى وليمتك اخرج عنا وهذا يعضد قول من قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 انه صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم وكانت ميمونة رضى الله عنها قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أبى رهم بن عبد العزى ويقال عند عبد الله بن أبى رهم وقيل بل عند حويطب بن عبد العزى وقيل فروة بن عبد العزى وقيل أبى سبرة العامرى* قال ابن اسحاق ويقال انها رضى الله عنها وهبت نفسها للنبىّ صلى الله عليه وسلم وذلك أنّ خطبة النبىّ صلى الله عليه وسلم انتهت اليها وهى على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ ويقال التى وهبت نفسها للنبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ويقال أمّ شريك غزية بنت جابر بن وهب ويقال غيرها والله أعلم ذكره ابن اسحاق وقد سبق فى الباب الثالث فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم وكانت ميمونة آخر امرأة تزوّج بها النبىّ صلى الله عليه وسلم وآخر من توفيت منهنّ حكاه المنذرى صاحب الترغيب والترهيب توفيت سنة ثلاث وستين* وفى معجم ما استعجم أنها ماتت بسرف لانها اعتلت بمكة وقالت أخرجونى من مكة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنى لا أموت بها فحملوها حتى أتوابها سرف الى الشجرة التى بنى بها رسول الله تحتها فى موضع القبة فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين وهناك عند قبرها سقاية* وفى خلاصة الوفاء تزوّجها بسرف وبنى بها فيه وماتت فيه ودفنت فيه* ومروياتها ستة وسبعون حديثا المتفق عليه منها سبعة أحاديث وأفرد البخارى بحديث واحد وأفرد مسلم بخمسة أحاديث والباقية فى سائر الكتب* وفى ذى الحجة من هذه السنة كانت سرية ابن أبى العوجاء السلمى واسمه أحزم الى بنى سليم فى خمسين رجلا فأحدق بهم الكفار من كل ناحية وقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبى العوجاء وصار جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوّل صفر سنة ثمان والله تعالى أعلم تمّ الموطن السابع بحمد الله * (الموطن الثامن فى وقائع السنة الثامنة من الهجرة من اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وتزوّج فاطمة بنت الضحاك وسرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوّح وسرية غالب بن عبد الله الى مصاب أصحاب بشر بن سعد بفدك واتخاذ المنبر والقصاص وسرية شجاع بن وهب الى بنى عامر بالسىء وسرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات اطلاح وسرية مؤتة وسرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى سيف البحر وسرية أبى قتادة الى خضرة وسرية أبى قتادة الى بطن اضم وسرية عبد الله بن أبى حدرد الى الغابة وغزوة فتح مكة واسلام ابى سفيان بن حرب واسلام أبى قحافة واسلام حكيم بن حزام واسلام عكرمة بن أبى جهل وسرية خالد بن الوليد عقب فتح مكة الى العزى بنخلة وسرية عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل وسرية سعد بن زيد الاشهل الى مناة صنم للأوس وسرية خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وغزوة حنين وسرية أبى عامر الى أوطاس وسرية الطفيل الى ذى الكفين وغزوة الطائف واسلام مالك بن عوف النضرى واسلام صفوان بن أمية وتزوّج المليكة الكندية وبعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد بعمان وبعث العلاء الحضرمى الى المنذر بن الساوى وانصرافه الى المدينة واسلام عروة بن مسعود الثقفى وقتله وبعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وطلاق سودة وولادة ابراهيم وقدوم أوّل الوفود وفد هوازن ووفاة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم * اسلام خالد وعمرو بن العاص وعثمان الحجبى وفى صفر هذه السنة قدم المدينة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبى فأسلموا فى أسد الغابة اختلفوا فى وقت اسلام خالد بن الوليد وهجرته قيل كان اسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى قريظة وقيل كان اسلامه بين الحديبية وخيبر وقيل بل كان اسلامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وهجرته سنة ثمان وقد قيل فى أوّل سنة ثمان مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رمتكم مكة بافلاذ كبدها قال أبو عمرو ولم يصح لخالد بن الوليد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح* وفى المواهب اللدنية كان قدومه المدينة واسلامه سنة خمس قاله ابن أبى خيثمة وقال الحاكم سنة سبع وكذا فى الوفاء وفى كون اسلام خالد سنة خمس أو سبع نظر لما ورد فى صحيح البخارى عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال انّ خالد بن الوليد بالغميم فى خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين قاله زمن الحديبية سنة ست كذا فى المشارق وهذا ينافى اسلامه سنة خمس أو سبع* وفى الصفوة خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يكنى أبا سليمان وأمّه أسماء وهى لبابة الصغرى بنت الحارث أخت أمّ الفضل امرأة عباس قال خالد لما أراد الله بى ما أراد من الخير قذف فى قلبى حب الاسلام وحضرنى رشدى وأرى فى المنام كأنى فى بلاد ضيقة جدب فخرجت الى بلاد احسن وأوسع فقلت انّ هذه لرؤيا فذكرتها لابى بكر فقال هو مخرجك الذى هداك الله فيه للاسلام والضيق هو الشرك فاجمعت الخروج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت من أصحابه فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذى أريد فأسرع الى الاجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا فلما كان بالهدة اذا عمرو بن العاص فقال مرحبا بالقوم فقلنا له وبك قال أين مسيركم فأخبرناه وأخبرنا أيضا أنه يريد النبىّ صلى الله عليه وسلم فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أوّل يوم من صفر سنة ثمان فلما طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ علىّ السلام بوجه طلق فقال صلى الله عليه وسلم قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك الا لخير وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت استغفر لى كل ما أوضعته من صدّعن سبيل الله عز وجل قال انّ الاسلام يجب ما كان قبله ثم استغفر لى وتقدّم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما فو الله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بى أحدا من أصحابه فيما يحزبه* وفى أسد الغابة فلم يزل خالد من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل فيكون فى مقدمتها فى محاربة العرب وكان فى مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فى بنى سليم وجرح يومئذ فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رحله بعد ما هزم من هوازن ليعرف خبره ويعوده فنفث فى جرحه فانطلق وسيجىء وفاة خالد فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب* وفى المنتقى روى أنّ عمرو بن العاص كان أسلم بالحبشة على يد النجاشى ولكن كان يكتم اسلامه من أصحابه فخرج متوجها الى المدينة فلما كان ببعض الطريق عند الهدة اذ لقى خالد بن الوليد وهو يريد المدينة وذلك قبل الفتح فقال عمرو يا أبا سليمان أين تريد فقال خالد والله لقد استقام الميسم أى تبينت الطريق وظهر الامر وانّ هذا الرجل لنبىّ فاذهب فأسلم فحتى متى قال عمرو والله ما جئت الا لأسلم فقد ما المدينة فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم عمرو بن العاص فبايعه ثم انصرف قال ابن اسحق وحدّثنى من لا أتهم أنّ عثمان بن طلحة بن أبى طلحة العبدرى الحجبى كان معهما حين أسلما قال عثمان بن طلحة لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام عمرة القضاء غير الله قلبى عما كان عليه ودخلنى الاسلام وجعلت أفكر فيما نحن عليه وما نعبد من حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ وأنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظلف أنفسهم عن الدنيا فيقع ذلك فأقول ما عمل القوم الاعلى الثواب ليكون بعد الموت وجعلت أحب النظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أن رأيته خارجا من باب بنى شيبة يريد منزله بالابطح فأردت أن آتيه وآخذ بيده وأسلم فلم يعزم لى ذلك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا الى المدينة ثم عزم لى على الخروج اليه فأدلجت الى بطن يأجج فألقى خالد بن الوليد فاصطحبنا حتى نزلنا الهدة فما شعرنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الا بعمرو بن العاص فانقمعنا منه وانقمع منا ثم قال اين يريد الرجلان فأخبرناه فقال وأنا والله أريد الذى تريدان فاصطحبنا جميعا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الاسلام وأقمت حتى خرجت معه فى غزوة الفتح ودخل مكة فقال لى يا عثمان ايت بالمفتاح فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذوها تالدة خالدة ولا ينزعها منكم أحد الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف وسيجىء* قال الواقدى هذا أثبت الوجوه فى اسلام عثمان* فى الاستيعاب وأسد الغابة عثمان بن طلحة بن أبى طلحة واسم أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرّة القرشى العبدرى الحجبى أمه أم سعيد سلافة بنت سعد من بنى عمرو بن عوف قتل أبوه طلحة وعمه عثمان بن أبى طلحة جميعا يوم أحد كافرين قتل حمزة عثمان وقتل علىّ طلحة مبارزة وقتل يوم أحد منهم أيضا مسافع والجلاس والحارث وكلاب بنو طلحة كلهم اخوة عثمان بن طلحة هذا قتلوا كفارا قتل عاصم بن ثابت بن أبى الافلح رجلين منهم مسافعا والجلاس وقتل الزبير كلابا وقتل قزمان الحارث وقد مرّ فى الموطن الثالث فى غزوة أحد وهاجر عثمان بن طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هدنة الحديبية مع خالد فلقيا عمرو بن العاص قد أتى من عند النجاشى يريد الهجرة فاصطحبوا جميعا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ألقت اليكم مكة أفلاذ كبدها كذا فى الاستيعاب كما مرّ* وفى أسد الغابة رمتكم مكة بأفلاذ كبدها يعنى انهم وجوه أهل مكة فأسلموا وأقام عثمان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة وشهد معه فتح مكة ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة اليه والى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وقال خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ثم نزل عثمان بن طلحة المدينة وأقام بها الى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقل الى مكة فسكنها حتى مات بها فى أوّل خلافة معاوية سنة اثنتين وأربعين وقيل انه قتل يوم اجنادين* وفى هذه السنة تزوّج صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية وقد سبق فى الباب الثالث* بعث غالب بن عبد الله الى فدك وفى صفر هذه السنة كانت سرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوّح بالكديد بفتح الكاف فغنم* وفى صفر هذه السنة بعث غالب بن عبد الله أيضا* وفى معالم التنزيل غالب بن فضالة الليثى مع جماعة الى فدك لينتقموا من الذين قتلوا أصحاب بشر بن سعد روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لواء للزبير بن العوّام وأمره على مائتى رجل وأمره أن يأتى مصارع أصحاب بشر بن سعد ويستأصلهم ان ظفر بهم فبينما هو على ذلك اذ قدم غالب بن عبد الله الليثى من الكديد فدفع اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم اللواء المعقود للزبير وأمره على تلك السرية وبعثه الى فدك وكان ابو مسعود الثقفى وعقبة بن عامر الانصارى وكعب بن عجرة وأسامة بن زيد فى تلك السرية فلما انتهوا الى فدك أغاروا عليهم مع الصبح وقاتلوا قتالا شديدا وقتل كثير من المشركين وأخذ المسلمون كثيرا من الاسارى والابل والغنم* روى ان أسامة بن زيد اتبع رجلا من الكفار يقال له نهيك بن مرداس ولما لحقه وسل السيف ليضربه قال نهيك لا اله الا الله فقتله أسامة فلما رجع الى غالب وذكر له ما جرى بينه وبين نهيك لامه غالب وقال لم قتلته ولما قدموا المدينة ذكر للنبىّ صلى الله عليه وسلم ذلك فقال يا أسامة أقتلته بعد ان قال لا اله الا الله فقال يا رسول الله كان متعوّذا بها من السيف قال أفلا شققت قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب قال أسامة لن أقاتل من قال لا اله الا الله أبدا كذا فى روضة الاحباب* وفى معالم التنزيل غير هذا ظاهرا وهو ما روى عن ابن عباس أنه قال نزلت هذه الاية* يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا الاية فى رجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 من بنى مرّة بن عوف يقال له نهيك بن مرداس وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بأن سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم وكان على السرية غالب بن فضالة الليثى فهربوا وأقام الرجل لانه كان على دين الاسلام فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فألجأ غنمه الى عال من الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فعرف انهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ونزل وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة واستاق غنمه ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا وكان قبل ذلك قد سبق ذلك الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلتموه ارادة ما معه ثم قرأ هذه الاية على أسامة بن زيد فقال يا رسول الله استغفر لى فقال فكيف بلا اله الا الله قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول الله يكررها ويعيدها حتى وددت انى لم أكن أسلمت الا يومئذ ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى بعد ثلاث مرات وقال اعتق رقبة* وروى أبو ظبيان عن أسامة بن زيد قال مرّ رجل من بنى سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا ليتعوّذ منكم فقاموا وقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا* وفى رواية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد مع جماعة الى الحرقات من جهينة فصبحوهم فهزموهم وقتل أسامة رجلا ظنه متعوّذا بقول لا اله الا الله فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أقتلته بعد ما قال لا اله الا الله حتى قال تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم وقد مرت هذه القصة فى الموطن السابع فى سرية غالب بن عبد الله الليثى الى الميفعة بناحية نجد* اتخاذ المنبر وفى هذه السنة على ما فى أسد الغابة أو السابعة أو التاسعة من الهجرة اتخذ المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أثل الغابة* وفى رواية من طرفاء الغابة روى انه صلى الله عليه وسلم بنى مسجده مسقوفا على جذوع النخل وكان اذا خطب يقوم الى جذع من جذوعه فصنع له منبر* وفى خلاصة الوفاء أشهر الاقوال ان الذى صنع المنبر باقوم بموحدة وقاف وهو بانى الكعبة لقريش وقيل باقول باللام بدل الميم وأشبه الاقوال بالصواب ما قاله الحافظ ابن حجرانه ميمون وقيل صباح غلام العباس وقيل غلامه كلاب وقيل مينا غلام امرأة من الانصار ونقل ابن النجار عن الواقدى انه درجتان ومجلس وللدارمى فى صحيحه عن أنس فصنع له منبر له درجتان ويقعد على الثالثة* وفى رواية الدارمى هذه المراقى الثلاث أو الاربع على الشك* وفى صحيح مسلم هذه الثلاث درجات من غير شك فأطلق على المجلس درجة* وليحيى عن ابن أبى الزناد ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يجلس على المجلس ويضع رجليه على الدرجة الثانية فلما ولى أبو بكر قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة السفلى فلما ولى عمر قام على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الارض فلما ولى عثمان فعل ذلك ست سنين من حلافته ثم علا الى موضع النبىّ صلى الله عليه وسلم ولما استخلف معاوية زاد فى المنبر فجعل له ست درجات وكان عثمان أوّل من كسا المنبر قطيفة وعن أبى الزناد قال فسرقت الكسوة امرأة فأتى بها عثمان فقال لها هل سرقت قولى الحق فاعترفت فقطعها قالوا فلما قدم معاوية عام حج حرك المنبر وأراد أن يخرجه الى الشام الى دمشق فكسفت الشمس يومئذ حتى رؤيت النجوم فاعتذر معاوية الى الناس وقال أردت أن أنظر الى ما تحته وخشيت عليه من الارضة قال بعضهم كساه يومئذ قطيفة أولينة* وفى رواية ان معاوية كتب الى مروان بذلك فقلعه فأصابتهم ريح مظلمة بدت فيها النجوم نهارا ويلقى الرجل الرجل يصكه ولا يعرفه فقال مروان انما كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الىّ أن أصلحه فدعا النجارين فعمل هذه الدرجات ورفعوه عليها وهى يعنى الدرجات التى زادها ست درجات ولم يزد فيه أحد قبله ولا بعده* وفى تاريخ الواقدى أراد معاوية سنة خمسين تحويل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى دمشق بالشام فكسفت الشمس يومئذ وكلمه أبو هريرة فيه فتركه فلما كان عبد الملك أراد ذلك فكلمه قبيصة فتركه فلما كان الوليد أراد ذلك فأرسل سعيد بن المسيب الى عمر بن عبد العزيز فكلمه فتركه فلما كان سليمان قيل له فى تحويله فقال لاها الله أخذنا الدنيا ونعمد الى علم من أعلام الاسلام نريد تحويله ذاك شىء لا أفعله وما كنت أحب ان يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد وما لنا ولهذا قال ابن النجار فيما رواه عن ابن أبى الزناد انه صار بما زاد فيه مروان تسع درجات بالمجلس فلما قدم المهدى قال لمالك أريد أن أعيده على حاله فقال له مالك انما هو من طرفاء الغابة وقد سمر الى هذه العيدان وشدّ فمتى نزعته خفت أن تتهافت فانصرف المهدى عن ذلك* قال ابن زياد وطول منبر النبىّ صلى الله عليه وسلم خاصة ذراعان فى السماء وعرضه أى عرض مقعده ذراع فى ذراع وتربيعه سواء وعرض درجه شبران لان كل درجة شبر وان طول المنبر فى السماء بعد ما زاد فيه أربعة أذرع وصار امتداده فى الارض سبعة أذرع بتقديم السين باضافة عتبة الدكة الرخام التى المنبر فوقها وتلك العتبة ذراع فامتداد المنبر بدونها ستة أذرع انتهى وعن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا خطب يقوم الى جذع منها كما مرّ وكانت امرأة من الانصار اسمها عائشة وكان لها غلام نجار اسمه باقوم الرومى قالت يا رسول الله ان لى غلاما نجارا أفلا آمره يتخذ لك منبرا تخطب عليه قال بلى فأمرته فاتخذ له منبرا* وفى رواية سأله رجل عن اتخاذ المنبر فأجابه اليه وفى هذه الرواية صنع له ثلاث درجات فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر قال جابر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار* حنين الجذع وفى خلاصة الوفاء اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج أى التى انتزع ولدها قال عياض حديث حنين الجذع مشهور والخبر به متواتر أخرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضع عشر وفى رواية أنس حتى ارتح المسجد لخواره وفى رواية أنّ كأنين الصبىّ وفى رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا به* وفى رواية المطلب حتى تصدع وانشق حتى جاءه النبىّ صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت* وفى رواية فنزل النبىّ صلى الله عليه وسلم يمسحه بيده حتى سكن أو سكت كالصبى الذى يسكت ثم رجع الى المنبر وزاد غيره فقال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا بكى لما فقد من الذكر وزاد غيره والذى نفسى بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا الى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر هكذا فى حديث المطلب* وفى حديث أبى بن كعب فكان اذا صلى النبىّ صلى الله عليه وسلم صلى اليه فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبى وكان عنده فى تلك الدار الى أن بلى وأكلته الارضة وعادر فاتا وذكر الاسفراينى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يحرق الارض فالتزمه ثم أمره فعاد الى مكانه* وفى حديث بريدة قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان شئت أردّك الى الحائط الذى كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدّد لك خوصك وثمرك وان شئت أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ثم أصغى له النبىّ صلى الله عليه وسلم بسمع ما يقول فقال بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء الله فأكون فى مكان لا أبلى فيه يعنى فى الجنة فسمعه من يليه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم قد فعلت ثم قال قد اختار دار البقاء على دار الفناء أورده فى الشفا* وفى خلاصة الوفا اعتمد المطرى فى بيان محل الجذع على ما روى ابن زبالة فقال وكان هذا الجذع عن يمين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصقا بجدار المسجد القبلى فى موضع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 كرسى الشمعة اليمنى التى توضع عن يمين الامام المصلى فى مقام النبىّ صلى الله عليه وسلم والاسطوانة التى قبلى الكرسى متقدّمة على موضع الجذع فلا يعتمد على قول من جعلها فى موضع الجذع* أوّل قود فى الاسلام وفى هذه السنة أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من هذيل برجل من بنى ليث وهو أوّل قود كان فى الاسلام* سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر بالسىء ماء من ذات عرق الى وجرة على ثلاث مراحل من مكة الى البصرة وخمس من المدينة ومعه أربعة وعشرون رجلا الى جمع من هوازن وأمره أن يغير عليهم فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى صبحهم فأصابوا نعما وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة واقتسموا الغنيمة وكانت سهامهم خمسة عشر بعيرا وعدّلوا البعير بعشر من الغنم* سرية كعب بن عمير الى ذات اطلاح وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات اطلاح وراء ذات القرى فى خمسة عشر رجلا فساروا حتى انتهوا الى ذات اطلاح فوجدوا فيها جمعا كثيرا فقاتلهم الصحابة أشدّ القتال حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح فى القتلى* قال مغلطاى قيل هو الامير فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فشق ذلك عليه فهم بالبعث اليهم فبلغه انهم ساروا الى موضع آخر فتركهم* سرية مؤتة وفى جمادى الاولى من هذه السنة كانت سرية مؤتة وهى بضم أوّله واسكان ثانيه بعده تاء مثناة فوقية* وفى المواهب اللدنية بضم الميم وسكون الواو بغير همز لاكثر الرواة وبه جزم المبرد وجزم ثعلب والجوهرى وابن فارس بالهمز* وحكى غيرهم الوجهين وهى موضع من أرض الشام من عمل البلقاء والبلقاء دون دمشق وكان لقاؤهم الروم بقرية يقال لها مشارف من تخوم البلقاء ثم انحاز المسلمون الى مؤتة كذا فى معجم ما استعجم* وفى مورد اللطافة وكانت وقعة مؤتة بالكرك* وقال فى الاكتفاء ولما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء الى المدينة أقام بها نحوا من ستة أشهر ثم بعث الى الشام فى جمادى الاولى من سنة ثمان بعث الذين أصيبوا بمؤتة* روى انه صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الازدى الى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى وهو من أمراء قيصر فقتله ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر عن قتل الحارث وقاتله ودعا الناس وعسكر بالجرف وهم ثلاثة آلاف فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمير الناس زيد بن حارثة فان قتل أو قال أصيب فجعفر بن أبى طالب فان قتل أو قال أصيب فعبد الله بن رواحة فان قتل أو قال أصيب فيتربص المسلمون بينهم رجلا* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عين أمراء السرية كان يهودى عنده فقال ان كان محمد نبيا فيقتل هؤلاء الذين عينهم للامارة فانّ أنبياء بنى اسرائيل كانوا اذا عينوا الامراء مثل ما عينه يقتلون البتة ثم قال لزيد ودّع أبا القاسم فانك مقتول ثم عقد النبىّ صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه الى زيد بن حارثة وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف وودّعهم وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك الى الاسلام فان أجابوا والا فقاتلوهم* وفى الصفوة عن محمد بن جعفر بن الزبير قال فلما تجهز الناس وتهيؤا للخروج الى مؤتة قال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم السوء وردّكم سالمين غانمين فقال عبد الله بن رواحة عند ذلك شعرا لكننى أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات قرع تقذف الزبدا أو طعنة بيدى حران مجهزة ... بحربة تنفذ الاحشاء والكبدا حتى يقولوا اذا مرّوا على جدثى ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا فلما فصلوا من المدينة سمع العدوّ بمسيرهم فجمعوا لهم وتهيؤا لحربهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 أكثر من مائة ألف وقدّم الطلائع أمامه* قال ابن اسحاق لما نزل المسلمون معان وهو حصن كبير بين الحجاز والشام على خمسة أيام من دمشق بطريق مكة* وفى الصفوة لما نزلوا معان من أرض الشام بلغهم ان هرقل قد نزل ماب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم وانضمت اليه المستعربة من لخم وجذام والقين وبلى وبهراء ووائل فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون فى أمرهم وقالوا نكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدوّنا فاما أن يمدّنا بالرجال واما أن يأمرنا بأمر فنمضى له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال والله يا قوم ان الذى تكرهونه للذى خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدّة ولا قوّة ولا كثرة وما نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا فانما هى احدى الحسنيين اما الظهور واما الشهادة قال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضوا لوجوههم* وفى الاكتفاء ثم مضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف وانحاز المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك ويقال عبادة ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط فى رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل حتى اذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم عرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه الله تعالى وهو يقول يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها والروم روم قددنا عذابها ... علىّ اذ لاقيتها ضرابها وكان جعفر أوّل من عقر فى الاسلام وفى رواية فأخذ اللواء زيد بن حارثة فوقع بين الجمعين قتال فقتل سدوم أخو شرحبيل وهرب أصحابه وخاف شرحبيل ودخل حصنا وبعث أخاه الاخر الى هرقل يستمدّه فبعث هرقل زها مائتى ألف ولما التقى الجمعان أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل بطعنة رمح ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها وكان أوّل فرس عرقبت فى الاسلام فقاتل حتى قطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت فضمه بعضديه أو قال احتضنه فضربه رجل من الروم فقطعه نصفين* وفى الاكتفاء قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين يطير بهما فى الجنة حيث يشاء قال ابن عمر كنت فى تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه فى القتلى ووجدنا فيما أقبل من بدنه ما بين منكبينه تسعين ضربة بين طعنة برمح وضربة بسيف* وفى رواية قال عددت خمسين جراحة من قدامه وفى رواية وجدت فى أحد نصفيه بضعا وثلاثين جراحة* ذكر عبد الله بن رواحة عن النعمان بن بشير أن جعفر بن أبى طالب حين قتل دعا الناس يا عبد الله بن رواحة وهو فى جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينتهشه ولم يكن ذاق طعاما منذ ثلاث فرمى الضلع وجعل يلوم نفسه فقال قتل جعفر وأنت مع الدنيا ثم تقدّم وأخذ اللواء فقاتل فأصيبت اصبعه فنزل عن فرسه وجعلها تحت رجله ومدّ حتى طرحها عنه وجعل يرتجز ويقول هل أنت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت فجعل يستنزل نفسه ويتردّد بعض التردّد ثم قال يا نفس الى أىّ شئ تتوقين الى فلانة امرأة له فهى طالقة ثلاثا أو الى فلان وفلان غلامان له فهما حرّان أو الى معجف حائط له فهو لله ولرسوله ثم قال أقسم يا نفس لتنزلته ... طائعة لى أو لتكرهنه قد طال ما كنت مطمئنة ... هل أنت الا نطفة فى شنه قد أجلب الناس وشدّوا الرنة ... مالى أراك تكرهين الجنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 * وفى الاكتفاء قال يا نفس ان لا تقتلى تموتى ... هذى حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت ... ان تفعلى فعلهما هديت وان تأخرت فقد شقيت يعنى صاحبيه زيدا وجعفرا ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شدّ بها صلبك فانك قد لقيت أيامك فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة فى ناحية الناس فقال وأنت فى الدنيا ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدّم فقاتل حتى قتل فبادر ثابت بن قيس بن الارقم الانصارى أخو بنى العجلان وأخذ الراية فجعل يصيح يا آل الانصار فجعل الناس يثوبون اليه فقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت قال ما أنا بفاعل فنظر الى خالد بن الوليد فقال يا أبا سليمان خذ اللواء قال لا آخذه أنت أحق به منى لك سن قد شهدت بدرا قال ثابت خذ أيها الرجل فو الله ما أخذته الا لك وقال ثابت للناس اصطلحتم على خالد قالوا نعم فأخذ خالد اللواء وحمل بأصحابه ففض جمعا من جمع المشركين كذا فى الصفوة وقد جاء فى بعض الروايات اصطلح الناس على خالد بن الوليد وأخذ اللواء وانكشف المسلمون وكانت الهزيمة فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم فجعلوا يحثون فى وجوههم التراب ويقولون يا فرار أفررتم فى سبيل الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ليسوا بفرار ولكنهم كرار ان شاء الله تعالى* وفى الاكتفاء فلما أخذ خالد الراية دافع القوم وحاشى بهم ثم انحازوا حتى انصرف الناس قافلا ودنوا من المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان يشتدّون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطونى ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه وحمله بين يديه وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون يا فرار فررتم فى سبيل الله فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم بالكرار ان شاء الله تعالى* وقالت أمّ سلمة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة مالى لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت انه والله لا يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم فى سبيل الله حتى قعد فى بيته* وعن أبى هريرة أنه قال لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون فجعل خالد يدعوهم فى أخراهم ويمنعهم عن الفرار وهم لا يسمعون حتى نادى قطبة ابن عامر أيها الناس لان يقتل الرجل فى حرب الكفار خير من ان يقتل حال الفرار فلما سمعوا كلام قطبة تراجعوا* وروى ان خالدا لما أصبح أخذ اللواء فبعد ما صفوا للقتال غير صفوف جيشه فجعل المقدمة مكان الساقة والساقة مكان المقدمة والميمنة مكان الميسرة والميسرة مكان الميمنة فوقع الكفار من ذلك فى غلط فحسبوا أن لحق المسلمين مدد فوقع فى قلوبهم من ذلك الرعب فانهزموا فتعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاؤا فغنم المسلمون من أموالهم فرجعوا الى المدينة وفى مقفلهم مروا بمدينة لها حصن وقد كان أهل الحصن قتلوا رجلا من المسلمين فى مرورهم الى مؤتة فحاصروهم وفتحوا حصنهم وقتل خالد كثيرا منهم* وعن أنس ان النبىّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم* وفى معجم ما استعجم فأصيبوا متتابعين وخرج الى الظهر من ذلك اليوم تعرف الكابة فى وجهه فخطب الناس بما كان من أمرهم وقال أخذ اللواء سيف من سيوف الله يعنى خالد بن الوليد فقاتل حتى فتح الله عليه فيومئذ سمى خالد سيف الله* وفى الاكتفاء لما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم صمت؟؟؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الانصار وظنوا انه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا الى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت فى سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريرى صاحبيه قلت عمّ هذا فقيل لى مضيا وتردّد عبد الله بعض التردّد ثم مضى* وروى انه لما قدم يعلى بن أمية بخبر أهل مؤتة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شئت فاخبرنى وان شئت فأخبرتك قال فأخبرنى يا رسول الله فأخبره صلى الله عليه وسلم بخبرهم كله ووصفه له فقال يعلى والذى بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وان أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع لى الارض حتى رأيت معركتهم كذا رواه البخارى* وفى الصحيح عن خالد بن الوليد أنه قال انقطع فى يدى يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقى فى يدى الا صفيحة يمانية* وفى الصفوة صبرت فى يدى صفيحة يمانية وفيها أيضا عن أبى عبيدة بن الجراح قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خالد بن الوليد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة قال العلماء بالسير بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى السرايا وخرج معه فى غزاة الفتح والى حنين وتبوك وحجة الوداع فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه أعطاه ناصيته وكانت فى مقدمة قلنسوته وكان لا يلقى أحدا الا هزمه ولما خرج أبو بكر الى أهل الردّة كان خالد بن الوليد يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالدا ورجع الى المدينة وستجىء وفاة خالد بن الوليد فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنهم* (ذكر زيد بن حارثة بن شرحبيل بن عبد العزى بن امرىء القيس) ويقال له زيد الحب وأمه سعدى ابنة ثعلبة بن عبد عمرو وعن أسامة بن زيد قال كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد عشر سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه* ذكر صفته* وكان زيد رجلا قصيرا آدم شديد الادمة فى أنفه فطس وكان يكنى أبا أسامة وكان فى ابتداء حاله مع أمه وقد خرجت به تزور قومها فأغارت خيل لبنى القين فى الجاهلية فمروا على أبيات بنى معن فاحتملوه وهو يومئذ غلام يفعة فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم فلما تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهبته له فقبضه اليه وكان أبوه حارثة حين فقده قال بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحىّ فيرجى أم أتى دونه الاجل فو الله ما أدرى وان كنت سائلا ... أغالك سهل الارض أم غالك الجبل فياليت شعرى هل لك الدهر رجعة ... فحسبى من الدنيا رجوعك لى علل تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه اذا قارب الطفل وان هبت الارواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزنى عليه وما وجل سأعمل نص العيس فى الارض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الابل حياتى أو تأتى علىّ منيتى ... فكل امرئ فان وان غرّه الامل وأوصى به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد ويزيد أخوه لامه فحج ناس من كعب فرأوا زيدا فعرفوه وعرفهم فقال أبلغوا أهلى هذه الابيات أكنى الى قوم وان كنت نائيا ... بأنى قطين البيت عند المشاعر فكفوا عن الوجد الذى قد شجاكم ... ولا تعملوا فى الارض نص الاباعر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فانى بحمد الله فى خير أسرة ... كرام معدّ كابرا بعد كابر فانطلقوا وأعلموا أباه ووصفوا له مكانه وعند من هو فخرج حارثة وكعب ابنا شرحبيل بفدائه فقد ما مكة وسألا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فقيل هو فى المسجد فدخلا عليه فقالا يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العانى وتطعمون الاسير جئناك فى ابننا عندك فامنن علينا وأحسن الينا فى فدائه فاننا سنرفع لك فى الفداء قال ما هو قالوا زيد بن حارثة فقال صلى الله عليه وسلم هلا غير ذلك فقالوا ما هو قال ادعوه وخيروه فان اختاركم فهو لكما بغير فداء وان اختارنى فو الله ما أنا بالذى أختار على من اختارنى أحدا قالوا لقد زدتنا على النصفة وأحسنت فدعاه فقال له هل تعرف هؤلاء فقال نعم هذا أبى وهذا عمى فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأنا من قد علمت وقد رأيت صحبتى لك فاخترنى أو اخترهما فقال زيد ما أنا بالذى اختار عليك أحدا أبدا أنت منى بمكان الاب والعم فقالا ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم انى قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذى أختار عليه أحدا أبدا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه الى الحجر فقال يا من حضر اشهدوا انّ زيدا ابنى أرثه ويرثنى فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا فدعى بزيد بن محمد حتى أتى الله بالاسلام فزوّجه النبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فلما طلقها تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم فتكلم المنافقون فى ذلك وقالوا تزوّج امرأة ابنه فنزلت هذه الاية قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم الاية وقال ادعوهم لابائهم فدعى يومئذ بزيد بن حارثة كذا فى الصفوة* روى ان زيدا تزوّج أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فولدت له ثم طلقها وتزوّج درّة ابنة أبى لهب ثم طلقها وتزوّج هند بنت العوّام أخت الزبير ثم زوّجه النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن فولدت له أسامة* قال الزهرى أوّل من أسلم زيد قال أهل السير شهد زيد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج الى المريسيع وخرج أميرا فى سبع سرايا ولم يسم أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم باسمه فى القرآن غيره وكان له من الولد زيد فهلك صغيرا ورقية أمّها أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وأسامة وأمه أمّ أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل زيد فى غزوة مؤتة فى جمادى الاولى سنة ثمان من الهجرة وهو ابن خمس وخمسين سنة وعن خالد بن الوليد قال لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبى صلى الله عليه وسلم فجهشت بنت زيد فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحب* النحيب رفع الصوت بالبكاء كذا فى الصحاح فقال له سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا قال هذا شوق الحبيب الى حبيبه كذا فى الصفوة* (ذكر جعفر بن أبى طالب) * كان أسن من علىّ بعشر سنين وكان أسلم قديما بمكة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم وهاجر الى الحبشة فى الهجرة الثانية مع امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك عبد الله وبه كان يكنى ومحمدا وعونا فلم يزل هناك حتى قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر سنة سبع فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أدرى بأيهما أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى أشدّ فرحا بدل أفرح وقال ثم التزمه وقبله بين عينيه خرجه البغوى فى معجمه* وعن جابر قال لما قدم جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل وقال سفين أى مشى على رجل واحدة اعظاما منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله النبىّ صلى الله عليه وسلم بين عينيه وأعطاه وامرأته أسماء بنت عميس من غنائم خيبر وقال له أشبهت خلقى وخلقى* وعن أبى هريرة قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس اليهم ويحدّثهم ويحدّثونه وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين ولما قتل بمؤتة أمهل النبىّ صلى الله عليه وسلم آل جعفر أن يأتيهم ثلاثة أيام فندبوا ثم قال لا تبكوا على أخى بعد اليوم وقال ان له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة* وروى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أدخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فاذا جعفر يطير مع الملائكة* وفى الاكتفاء استشهد يوم مؤتة من المسلمين سوى الامراء الثلاثة رضى الله عنهم من قريش من بنى عدى بن كعب مسعود بن الاسود بن حارثة ومن بنى مالك بن جبل وهب بن سعد بن أبى سرح ومن الانصار عباد بن قيس من بنى الحارث بن الخزرج والحارث بن النعمان بن أساف من بنى غنم بن مالك بن النجار وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء من بنى مازن بن النجار وأبو كليب ويقال أبو كلاب وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول وهما لاب وأمّ وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد من بنى مالك بن أقصى وهؤلاء الاربعة عن ابن هشام * سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسميت بذلك لان المشركين ارتبط بعضهم الى بعض مخافة أن يفروا وقيل لان بها ماء يقال له السلسل وراء ذات القرى من المدينة على عشرة أيام* قال اسماعيل بن أبى خالد هى غزوة لخم وجذام وقال عروة هى بلاد بلى وعذره وبنى القين أو بنى العنبر وقال بعضهم هى موضع معروف بناحية الشام فى أرض بنى عذرة وفى سيرة ابن هشام انه ماء بأرض جذام وبذلك سميت الغزوة ذات السلاسل وكانت فى جمادى الاخرة سنة ثمان وقيل سنة سبع وبه جزم ابن أبى خالد فى كتاب صحيح التاريخ ونقل ابن عساكر الاتفاق على انها كانت بعد غزوة مؤتة الا ان ابن اسحاق قال قبلها* وسببها انه بلغه صلى الله عليه وسلم ان جمعا من قضاعة تجمعوا للاغارة فعقد لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه فى ثلثمائة من سراة المهاجرين والانصار ومعهم ثلاثون فرسا فسار الليل وكمن النهار فلما قرب منهم بلغه ان لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن مكيث الجهنى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمدّه فبعث اليه أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وبعث معه مائتين من سراة المهاجرين والانصار فيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو انما قدمت علىّ مددا وأنا الامير فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو يصلى بالناس حتى وصل الى العدوّ بلى وعذرة فحمل عليهم المسلمون فهربوا فى البلاد وتفرّقوا* سرية أبى عبيدة الى سيف البحر وفى رجب هذه السنة كانت سرية أبى عبيدة الى سيف البحر وهى سرية الخبط وسماها البخارى غزوة سيف البحر قال شيخ الاسلام ابن العراقى فى شرح التقريب قالوا وكانت هذه السرية فى شهر رجب سنة ثمان من الهجرة وذلك بعد ان نكثت قريش العهد وقبل الفتح فان النكث كان فى رمضان من السنة المذكورة* فى استقامة هذا الكلام نظر فليتأمل أو تكون هذه السرية فى سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية كما قاله ابن سعد وكان فيها ثلثمائة من المهاجرين والانصار الى ساحل البحر وكان فيها عمر بن الخطاب وقيس بن سعد بن عبادة* وعن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال بعثنا النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ثلثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة ابن الجراح فى طلب عير قريش وترصدها فأقمنا على الساحل حتى فنى زادنا وأكلنا الخبط حتى تقرّحت أشداقنا ثم انّ البحر ألقى الينا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر حتى صحت أجسامنا* وفى رواية عنه فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناها فاذا هى دابة تدعى العنبر فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه القدر كالثور ولقد أخذمنا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فاقعدهم فى وقب عينها وأخذ ضلعا من أضلاعها وأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا ثم ركبه أطول رجل منا فجاز من تحتها وتزوّدنا من لحمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 الوسائق فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شئ فتطعمونا فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله * سرية أبى قتادة الانصارى الى خضرة وفى شعبان هذه السنة كانت سرية أبى قتادة بن ربعى الانصارى الى خضرة وهى أرض محارب وبعث معه خمسة عشر رجلا الى غطفان فقتل من أشرافهم وسبى سبيا كثيرا واستاق النعم فكانت الابل مائتى بعير والغنم ألفى شاة وكانت غيبته خمس عشرة ليلة* سرية أبى قتادة الى بطن اضم وفى أوّل رمضان هذه السنة كانت سرية أبى قتادة أيضا الى بطن اضم فيما بين ذى خشب وذى المروة على ثلاثة برد من المدينة لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو أهل مكة بعث أبا قتادة فى ثمانية نفر سرية الى بطن اضم ليظنّ ظانّ أنه صلى الله عليه وسلم توجه الى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الاخبار فلقوا عامر بن الاضبط فحياهم بتحية الاسلام يعنى السلام فقتله محكم بن جثامة ولم يلقوا العدوّ فرجعوا الى المدينة فلما بلغوا موضعا يقال له ذو خشب سمعوا بخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من المدينة نحو مكة فساروا فى أثره حتى لحقوا به فى السقيا بالضم بين المدينة ووادى الصفراء وكذا فى القاموس* فأنزل الله عز وجل ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا الاية وهو عند ابن جرير من حديث ابن عمر بنحوه وزاد فجاء محكم بن جثامة فى بردين فجلس بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه بردائه فما مضت له سابعة حتى مات فلفظته الارض وعند غيره ثم عادوا به فلفظته فلما غلب قومه عمدوا الى صدين فسطحوه ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه* وفى القاموس الصد الجبل وناحية الوادى والرضم وضع الحجر بعضه على بعض وفى رواية ابن جرير ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الارض لتطابق على من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ونسب ابن اسحاق هذه السرية لابن أبى حدرد كذا فى الاكتفاء* سرية عبد الله بن أبى حدرد الى الغابة وفى هذه السنة كانت سرية عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى أيضا ومعه رجلان الى الغابة لما بلغه صلى الله عليه وسلم ان رفاعة بن قيس يجمع لحربه فقتلوا رفاعة وهزموا عسكره وغنموا غنيمة عظيمة حكاه مغلطاى وعن عبد الله بن أبى حدرد أنه قال أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة فى بطن عظيم من بنى جشم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع جيشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم فى جشم وشرف فدعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معى من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم قال فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى اذا جئنا قريبا من الحاضر عشية مع غروب الشمس كنت فى ناحية وأمرت صاحبىّ فكمنا فى ناحية أخرى من حاضر القوم وقلت لهما اذا سمعتمانى قد كبرت وشددت فى ناحية العسكر فكبرا وشدّا معى فو الله انا لذلك ننتظر غرّة القوم أو أن نصيب منهم شيئا وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وكان لهم راعى سرح فى ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوّفوا عليه فقام صاحبهم ذلك فأخذ سيفه فجعله فى عنقه ثم قال والله لأتبعنّ أثر راعينا هذا ولقد أصابه شرّ فقال نفر ممن كان معه والله لا تذهب أنت نحن نذهب نكفيك قال والله لا يذهب الا أنا قالوا فنحن معك قال والله لا يتبعنى أحد منكم وخرج حتى مرّ بى فلما أمكننى نفحته بسهم فوضعته فى فؤاده فو الله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه وشددت فى ناحية العسكر وكبرت وشدّ صاحباى فكبرا فو الله ما كان الا النجا ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا ابلا عظيمة وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت برأسه أحمله معى فأعاننى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الابل بثلاثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 عشر بعيرا فى صداق امرأة تزوّجتها من قومى على مائتى درهم فجئت بها الى أهلى كذا فى الاكتفاء * غزوة فتح مكة وفى عشرين من رمضان هذه السنة يوم الجمعة وقيل فى سادس عشر منه وقعت غزوة فتح مكة* وفى البخارى على رأس ثمان ونصف من مقدمه المدينة* وفى خلاصة السير لسبع ستين وثمانية أشهر واحد عشر يوما* وفى الاكتفاء أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه الى مؤتة جمادى الاخرة ورجبا ثم عدت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة على خزاعة قال أصحاب الاخبار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر ستين يأمن فيهنّ الناس ويكف بعضهم عن بعض وانه من أحب أن يدخل فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه كما مرّ فدخلت بنو بكر فى عقد قريش ودخلت خزاعة فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بينهما شرّ قديم ولما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية عدت بنو بكر على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير فخرج نوفل بن معاوية الديلى فى بنى ديل من بنى بكر وليس كل بنى بكر تابعه كذا فى معالم التنزيل* وفى المنتقى كلمت بنو نفاثة وهم من بنى بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح فوعدوهم ووافوهم وكان ممن أعان بنى بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ متنكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو وحويطب ومكرز مع عبيدهم فبيتوا خزاعة ليلا وهم غارّون فقتلوا منهم عشرين رجلا ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا ان هذا نقض للعهد الذى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمرو بن سالم الخزاعى فى أربعين راكبا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة* وروى عن ميمونة بنت الحارث زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها فى ليلتها ثم قام وتوضأ للصلاة فسمعته يقول لبيك لبيك ثلاثا فلما خرج من متوضئه قلت له يا رسول الله بأبى أنت وأمى انى سمعتك تكلم انسانا فهل كان معك أحد قال هذا راجز بنى كعب يستصرخنى ويزعم ان قريشا أعانت عليهم بنى بكر قال فأقمنا ثلاثة أيام ثم صلى الصبح بالناس فسمعت راجزا ينشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد جالس بين ظهرانى الناس وهو يقول لاهمّ انى ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الا تلدا انا ولدناك وكنت الولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا ان قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا وجعلوا لى فى كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا وهم أذل وأقل عددا ... فانصر هداك الله نصرا أبدا وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا فى فيلق كالبحر يجرى مزبدا ... أبيض كالبدر ينمى صعدا ان سيم خسفا وجهه تربدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نصرت يا عمرو بن سالم* وفى المنتقى نصرت نصرت ثلاثا أو لبيك لبيك ثلاثا ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال ان هذه السحابة لتستهل لنصر بنى كعب وهم رهط عمرو بن سالم* وفى المنتقى فلما كان بالروحاء نظر الى سحاب منصب فقال ان هذا السحاب لنصب لنصر بنى كعب ثم خرج يديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من خزاعة حتى قدموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين الى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء ليشدّد العقد ويزيد فى المدّة ومضى بديل بن ورقاء فلقى أبا سفيان بعسفان قد بعثه قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشدد العقد ويزيد فى المدّة وقد رهبوا الذى صنعوا فلما لقى أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل فظن أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرت الى خزاعة فى هذا الساحل وفى بطن هذا الوادى قال أو ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل مكة قال أبو سفيان لئن كان بالمدينة لقد علف بها فعمد الى منزل ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وهو بيت ابنته أم حبيبة ابنة أبى سفيان فأتى ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته عنه قال يا بنية أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى قالت بلى هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس وما أحب ان تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدى شر ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يردّ عليه شيئا ثم ذهب الى أبى بكر وكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فأبى ثم أتى على بن أبى طالب فأبى ثم قال لفاطمة ان تأمر ابنها الحسين وهو غلام يدب بين يدى أبويه حتى يجير له فأبت فقال يا أبا حسن انى أرى الامور قد اشتدّت علىّ فانصحنى قال والله ما أعلم شيئا يغنى عنك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنيا شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان فى المسجد فقال أيها الناس انى قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما ردّ علىّ بشئ ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد عنده خيرا وجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم أتيت علىّ بن أبى طالب فوجدته ألين الناس فقد أشار علىّ بشئ صنعته فو الله ما أدرى هل يغنينى شيئا أم لا قالوا وماذا أمرك قال أمرنى أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا والله ان زاد علىّ الا أن لعب بك الناس فما يغنى عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه ولم يعلموا به أحدا فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها وهى تصلح بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية ما هذا الجهاز قالت لا أدرى قال أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تجهزوه قالت نعم فنجهزه قال فأين ترينه يريد قالت ما أدرى قال ما هذا زمان غزوة بنى الاصفر فأين يريد قالت لا علم لى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس انه سائر الى مكة وقال اللهمّ خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نسبقها فى بلادها* وفى رواية قال اللهم عمّ عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغتة فتجهز الناس فكتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا الى أهل مكة وبعثه مع سارة مولاة بنى المطلب* وفى معالم التنزيل والمدارك ان مولاة لابى عمرو بن صيفى بن هاشم بن عبد مناف يقال لها سارة أتت المدينة من مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فقال لها أمسلمة جئت قالت لا فال أفمهاجرة قالت لا قال فما جاء بك قالت قد ذهبت الموالى وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى وتكسونى وتحملونى فقال لها وأين أنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة قالت ما طلب منى شئ بعد وقعة بدر فحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وبنى المطلب فاعطوها نفقة وكسوة وحملوها* وفى شفاء الغرام حامل كتاب حاطب بن أبى بلتعة أم سارة مولاة لقريش وفيه أيضا أم سارة هى التى أمر النبىّ صلى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 عليه وسلم بقتلها يوم فتح مكة وانها كانت مولاة لقريش وبين الحافظ مغلطاى اسم المرأة وقال كتب حاطب كتابا وأرسله مع أم سارة كنود المزنية انتهى* ولما علم حاطب بن أبى بلتعة حليف بنى أسد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب اليهم كتابا ودفعه الى سارة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على ان توصل الكتاب الى أهل مكة وكتب فى الكتاب وفى المدارك واستحملها كتابا نسخته* من حاطب بن أبى بلتعة الى أهل مكة اعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم* وفى رواية كتب فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لنصره الله عليكم فانه منجز له وعده* وفى رواية كتب فيه ان محمدا قد نفر فاما اليكم واما الى غيركم فعليكم الحذر ذكرهما السهيلى فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبى بلتعة الى المشركين أو الى أهل مكة فخذوه منها وخلوا سبيلها فان لم تدفعه اليكم أو قال فان أبت فاضربوا عنقها* قال الواقدى روضة خاخ بقرب ذى الحليفة على بريد من المدينة فانطلقوا تعادى بهم خيلهم حتى أتوا الروضة فأدركوها فى ذلك المكان الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علىّ والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال أخرجى الكتاب والا لا جردنك أو لا ضربن عنقك* وفى المدارك اخرجى الكتاب أو تضعى رأسك* وفى رواية لتخرجن الكتاب أو لتلقنّ الثياب فلما رأت الجد أخرجته من عقيصتها قد خبأته فى شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرّضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حاطب فأتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله لا تعجل علىّ والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك أو قال نصحتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين الا وله بمكة من يمنع عشيرته* وفى رواية وكان لمن معك من المهاجرين بمكة قرابات يحمون أهلهم وأموالهم وكنت غريبا فيهم* وفى رواية كنت امرأ ملصقا فى قريش بقول حليفا ولم أكن من أنفسها وليس فيهم من يحمى أهلى وكان أهلى بين ظهرانيهم فخشيت على أهلى فأحببت اذ فاتنى ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتى وقد علمت بأن الله ينزل بهم بأسه وان كتابى لا يغنى عنهم شيئا ولم أفعل ذلك ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الاسلام فصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فقال أما انه قد صدقكم فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر فأنزل الله عز وجل فى حاطب يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء تلقون اليهم بالمودّة الاية وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى من حوله من الاعراب فجلبهم وهم أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفارى* وفى المنتقى عبد الله بن أم مكتوم وخرج عامدا الى مكة يوم الاربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلم وصام الناس حتى اذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج* وعن ابن عباس الكديد الماء الذى بين قديد وعسفان* وفى القاموس الكديد ماء بين الحرمين أفطر فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وقدّم أمامه الزبير وقد كان ابن عمته* وأخوه من رضاع حليمة السعدية أبو سفيان بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الحارث بن عبد المطلب ومعه ولده جعفر بن أبى سفيان وكان أبو سفيان يألف رسول الله فلما بعث عاداه وهجاه وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة لقياه بنبق العقاب فيما بين مكة والمدينة* وفى المواهب اللدنية كان لقاؤهما له عليه السلام بالابواء وقيل بين السقيا والعرج فالتمسا الدخول عليه فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما لما كان يلقى منهما من شدّة الاذى والهجو وكلمته أم سلمة وهى أخت عبد الله فيهما فقالت يا رسول الله لا يكن ابن عمك وابن عمتك وصهرك أشقى الناس بك قال لا حاجة لى فيهما أما ابن عمى فهتك عرضى وأما ابن عمتى وصهرى فهو الذى قال لى بمكة ما قال فلما خرج الخبر اليهما بذلك قال أبو سفيان ومعه بنى له اسمه جعفر بن أبى سفيان والله ليأذنن لى أو لاخذنّ بيد بنى هذا ثم لنذهبن فى الارض حتى نموت عطشا وجوعا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما* وفى المواهب اللدنية قال علىّ لابى سفيان فيما حكاه ابو عمرو وصاحب ذخائر العقبى ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل ما قال اخوة يوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا ففعل ذلك أبو سفيان فقال له صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين* وقد مرّ فى أولاد عبد المطلب فى النسب ويقال ان أبا سفيان ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه قالوا ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بقديد عقد الالوية والرايات ودفعها الى القبائل ثم سار حتى نزل مرّ الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين لم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد* وفى القاموس ظهران واد بقرب مكة يضاف اليه مر ومرّ الظهران موضع على مرحلة من مكة وقال بعضهم ومنه الى مكة أربعة فراسخ قال ابن سعد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب وقد عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل وهم مغتمون لما يخافون من غزوه اياهم وقد كان عباس بن عبد المطلب لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق فخرج فى تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسون الاخبار هل يجدون خبرا وقد قال العباس ليلتئذ واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوا انه لهلاك قريش الى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وقال اخرج الى الاراك لعلى ألقى بعض الخطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة قال فخرجت وانى لا طوف فى الاراك التمس ما خرجت له اذ سمعت صوت أبى سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان فأبو سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا فقال بديل والله هذه نيران خزاعة حشتها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة والله ألأم وأذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتى فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك أبى وأمى فقلت ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين واصباح قريش قال فما الحيلة فداك أبى وأمى قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك فردفنى ورجع صاحباه فحرّكت به بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاه امررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررت بنار عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 فقال من هذا وقام الىّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة قال أبو سفيان عدوّ الله الحمد لله الذى أمكننى منك بغير عقد ولا عهد ثم اشتدّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله تعالى منه بغير عقد ولا عهد فدعنى أضرب عنقه فقلت يا رسول الله انى قد أجرته ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه قال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم للعباس بعد تنازع وتراجع فى الكلام بينه وبين عمر اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به قال فذهبت به الى رحلى فبات عندى فلما أصبحت غدوت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا اله الا الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما اكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنى شيئا قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم انى رسول الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما أكرمك وأوصلك أما هذه والله كان فى النفس حتى الان منها شئ قال العباس قلت ويحك يا أبا سفيان أسلم واشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك فشهد شهادة الحق وأسلم وفى رواية عروة لما دخل أبو سفيان مع العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة أسلم* قال أبو سفيان يا محمد انى قد استنصرت الهى واستنصرت الهك فو الله ما لقيتك من مرة الا ظهرت علىّ فلو كان الهى محقا والهك مبطلا لظهرت عليك فشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه بمضيق الوادى عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها قال فخرجت به حتى حبسته حيث أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرّت به القبائل على راياتها كلما مرّت قبيلة قال من هؤلاء يا عباس فأقول سليم فيقول مالى ولسليم ثم تمرّ القبيلة قال من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالى ولمزينة حتى نفدت القبائل لا تمرّ قبيلة الا سألنى عنها فاذا أخبرته فيقول مالى ولبنى فلان حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المهاجرون والانصار لا يرى منهم الا الحدق قال سبحان الله من هؤلاء يا عباس قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والانصار قال ما لأحد بهؤلاء من قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن اخيك عظيما قلت ويحك يا أبا سفيان انها النبوّة قال فنعم اذا قلت الحق بقومك فحذرهم* وفى الاكتفاء التجئ الى قومك فخرج سريعا حتى اذا جاءهم فصرخ باعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فه قال فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقامت اليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به فقالت اقتلوا الحميت الدسم الاحمس قبح من طليعة قوم قال ويحكم لا تغرّن هذه من أنفسكم فانه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا قاتلك الله وما تغنى دارك عنا شيئا قال فمن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن* وفى رواية نادى أبو سفيان أسلموا تسلموا فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد* وروى ان حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهر ان فأسلما فبايعاه فبعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه الى قريش يدعو انهم الى الاسلام ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبىّ صلى الله عليه وسلم راجعين الى مكة بعث فى أثرهما الزبير بن العوّام وأعطاه الراية وأمره على خيل المهاجرين والانصار وأمره أن يسير من طريق كداء وأن يركز رايته باعلى الحجون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وقال له لا تبرح من حيث أمرتك أن تركز رايتى حتى آتيك* وفى الاكتفاء وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذى طوى الزبير بن العوّام أن يدخل فى بعض الناس من كداء وكان على المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كدى فذكروا ان سعدا حين وجه داخلا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين قيل هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا رسول الله أتسمع ما قال سعد ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة وصدمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ بن أبى طالب أدركه فخذ الراية فكن أنت الذى تدخل بها ويقال أخذت الراية من سعد ودفعت الى ابنه قيس بن سعد ويقال أمر الزبير بأخذ الراية وجعله مكان سعد على الانصار مع المهاجرين* وفى المواهب اللدنية هذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت اليه الراية التى نزعت من سعد والذى يظهر من الجميع ان عليا أرسل لينزعها من سعد ويدخل بها ثم خشى من تغير خاطر سعد فأمر بدفعها الى ابنه قيس ثم ان سعدا خشى أن يقع من ابنه شئ ينكره النبىّ صلى الله عليه وسلم فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذها من قيس فحينئذ أخذها الزبير وجعل أبا عبيدة بن الجراح على الحسر والبيادق كذا فى المواهب اللدنية والمنتقى* فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون وغرز هناك راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر خالد بن الوليد وكان على المجنبة اليمنى أن يدخل فيمن أسلم من قضاعة وبنى سليم وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وسائر القبائل فدخل من الليط أسفل مكة وبها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة والاحابيش الذين استنفرتهم واستنصرتهم قريش وأمرتهم أن يكونوا بأسفل مكة وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم خالدا أن يركز رايته عند منتهى البيوت وأدناها وكان ذلك أوّل امارة خالد وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلوا الا من قاتلكم ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ذى طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حمراء وانه ليضع رأسه تواضعا لله وشكرا له حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى ان عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل* العثنون بالعين المهملة والثاء المثلثة والنونين بينهما واو اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته سفلا أو هو طولها وشعيرات طوال تحت حنك الابل كذا فى القاموس* ولما وقف صلى الله عليه وسلم هناك قال أبو قحافة وقد كف بصره لابنة له من أصغر ولده وهو على أبى قبيس مشرفا عليه أى بنية ماذا ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل قالت وأرى رجلا يسعى بين يدى ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال أى بنية ذاك الوازع يعنى الذى يأمر الخيل ويتقدّم اليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله اذا دفعت الخيل فأسرعى بى الى بيتى فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل الى بيته وفى عنق الجارية طوق من ورق فتلقاها رجل فقطعه من عنقها قال فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ فى بيته حتى أكون أنا آتيه فيه فقال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشى اليك من ان تمشى أنت اليه قال فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانّ رأسه ثغامة فقال غيروا هذا من شعره وسيجىء ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال انشد الله والاسلام طوق أختى فلم يجبه أحد فقال أى أخية احتسبى طوقك فو الله ان الامانة اليوم فى الناس قليل ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال وأما خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة فلقيه قريش وبنو بكر والاحابيش فقاتلوه فقتل منهم قريبا من عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد وهرب فضيضهم حتى دخلوا الدور وارتفعت طائفة منهم على الجبال واتبعهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 المسلمون بالسيوف وهربت طائفة منهم الى البحر والى صوب اليمن وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أواخر المهاجرين حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هناك قبة* وروى مسلم من حديث جابر دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء من غيرا حرام* وروى ابن ابى شيبة باسناد صحيح عن طاوس لم يدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وقد اختلف العلماء هل يجب على من دخل مكة الاحرام أم لا فالمشهور من مذهب الشافعىّ عدم الوجوب مطلقا وفى قول يجب مطلقا وفيمن يتكرّر دخوله خلاف مرتب فاولى بعدم الوجوب والمشهور عن الائمة الثلاثة الوجوب كذا فى المواهب اللدنية* ولما علا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر الى البارقة على الجبل مع فضض المشركين فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقال المهاجرون نظنّ ان خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن بد أن يقاتل من قاتله وما كان يا رسول الله ليعصيك ولا ليخالف أمرك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية فأجاز على الحجون واندفع الزبير بن العوّام حتى وقف بباب الكعبة* وفى الاكتفاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد الى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا انه قد عهد فى نفر قد سماهم أمر بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة وسيجىء ذكرهم وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو قد جمعوا ناسا بالحندمة ليقاتلوا فيهم حماس ابن قيس بن خالد اخو بنى بكر وقد كان أعدّ سلاحا وأصلح منها فقالت له امرأته لم تعدّ سلاحك هذا قال لمحمد وأصحابه قالت والله ما أراه يقوم لمحمد شئ قال والله انى لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال ان يقتلوا اليوم فما لى علة ... هذا سلاح كامل وألة وذو غرارين سريع السلة ثم شهد الحندمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر الفهرى وخنيس بن خالد بن الاشقر كانا فى خيل خالد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقاتلا جميعا وأصيب سلمة بن الميلاء الجهنى من خيل خالد وأصيب من المشركين ناس ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته وقال لامرأته أغلقى علىّ بابى قالت فأين ما كنت تقول فقال انك لو شهدت يوم الخندمة ... اذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة واستقبلتهم بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة ضربا فلا تسمع الا غمغمة ... لهم نهيت خلفنا وهمهمة لم تنطقى فى اللوم أدنى كلمة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد بعد أن اطمأنّ لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال قال هم يدؤنا ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا النبل وقد كففت يدى ما استطعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء الله خير وفرّ يومئذ صفوان بن أمية عامد اللبحر وعكرمة بن أبى جهل عامد الليمن وستجىء قصتهما* وفى المنتقى وكل الجنود لم يلقوا جنودا غير خالد فانه لقى صفوان بن أمية وسهيل ابن عمرو وعكرمة ابن أبى جهل فى جمع من قريش فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموا بالنبل فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم فقتل أربعة وعشرون من قريش وأربعة من هذيل فلما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم قال لخالد ألم أنه عن القتال فقيل قوتل خالد فقاتل كما مرّ* وفى شفاء الغرام عن عطاء ابن السائب قال حدّثنى طاوس وعامر قالا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم خالد بن الوليد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 فانا لهم شيئا من قتل فجاء رجل من قريش فقال يا رسول الله هذا خالد بن الوليد قد أسرع فى القتل فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لرجل من الانصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال ائت خالد بن الوليد قل له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا فجاء الانصارى فقال يا خالد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا من مكة فجاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد لا يلقى أحدا من الناس الا قتله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ادع لى خالدا فلما أتى اليه خالد قال يا خالد ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت الىّ أن أقتل من قدرت عليه قال ادع لى الانصارى فدعاه له فقال ألا آمرك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فكان ما أراد الله فسكت صلى الله عليه وسلم ولم يقل للانصارى شيئا وقال يا خالد قال لبيك يا رسول الله قال لا تقتل أحدا قال لا* وفى المواهب اللدنية والمنتقى روى أحمد ومسلم والنسائى عن أبى هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على احدى المجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الآخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم المهملة وتشديد السين المهملة أى الذين بغير سلاح فقال لى يا أبا هريرة اهتف لى بالانصار فهتفت بهم فجاؤا فأطافوا فقال لهم أترون الى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال باحدى يديه على الآخرى احصدوهم حصدا حتى توافونى بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم الا قتلناه فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله ابحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالت أمّ هانئ بنت أبى طالب وكانت عند هبيرة بن أبى وهب المخزومى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فرّ الىّ رجلان من أحمائى من بنى مخزوم فدخل علىّ أخى على بن أبى طالب فقال والله لاقتلنهما فأغلقت عليهما بيتى ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة كان فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثمان ركعات من الضحى ثم انصرف الىّ فقال مرحبا وأهلا بأمّ هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علىّ فقال قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ وأمّنا من أمّنت فلا يقتلنهما* قال ابن هشام هما الحارث بن هشام وزهير بن أمية بن المغيرة* وفى رواية للبخارى انه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة اغتسل فى بيت أم هانئ ثم صلى الضحى ثمان ركعات فقالت لم أره صلى صلاة أخف منها غير انه يتم الركوع والسجود وذكره فى المواهب اللدنية* وفى رواية دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة حين ارتفعت الشمس على ناقته القصوى بين أبى بكر وأسيد بن حضير وقد أردف أسامة بن زيد وقد طأطأ رأسه تواضعا لله وهو يقرأ سورة الفتح* وفى الاكتفاء ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأنّ الناس خرج حتى أتى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن فى يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة فقال لا اله الا الله صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألاكل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمىّ هاتين الاسدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء الناس لادم وآدم خلق من تراب ثم تلاهذه الاية فقال يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية ثم قال يا معشر قريش أو يا أهل مكة ماذا ترون أنى فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فلذلك تسمى اهل مكة الطلقاء أى الذين أطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق هو الاسير اذا أطلق قال ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فقام اليه علىّ بن أبى طالب ومفتاح الكعبة فى يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برّ ووفاء وقال لعلىّ فيما حكى ابن هشام انما أعطيكم ما تزرؤن لا ما ترزؤن* وفى البحر العميق دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة فقام العباس بن عبد المطلب فبسط يده وقال يا رسول الله بأبى أنت وأمى اجمع لى الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيكم ما تزرؤن فيه لا ما ترزؤن منه قال أبو على معناه أنا أعطيكم ما تتموّنون على السقاية التى تحتاج الى مؤن أى فأنتم ترزؤن بضم التاء وسكون الراء المهملة قبل الزاى المعجمة المفتوحة من الرزء بالضم وهو النقص أى يرزؤكم الناس أى ينقصونكم بالاخذ لتموينكم اياهم بتموين السقاية المعدّة لهم وأما السدانة فيرزؤ بها الناس بالبعث اليها أى بعث كسوة البيت أى لا يليق أن ترزؤا بفتح التاء وسكون الراء المهملة قبل المعجمة أى تنقصوا الناس بأخذ أموالهم والتعرّض لذلك لشرفكم وقيل معنى ترزؤن فيه بضم المثناة أى تصيبون فيه الخير بصرف أموالكم فى موّنات زمزم ومعنى ما تزرؤن منه بفتح المثناة أى تستجلبون به الاموال أى تأخذون منه أموال الناس كالحجابة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عضادتى باب الكعبة فقال ألا ان كل دم أو مأثرة كانت فى الجاهلية فهى تحت قدمىّ هاتين الا السقاية وسدانة الكعبة فانى قد أمضيتهما لاهلهما على ما كانت فى الجاهلية فقبضها العباس وكانت فى يده حتى توفى فوليها بعده عبد الله بن عباس فكان يفعل فيها كفعله دون بنى عبد المطلب وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن أولى بها فى الجاهلية والاسلام وقد كان أبوك تكلم فيها فأقمت البينة طلحة بن عبيد الله وعامر بن ربيعة وأزهر ابن عبد عوف ومخرمة بن نوفل ان العباس بن عبد المطلب كان يليها فى الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك أبو طالب فى ابله فى باديته بعرفة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها العباس يوم الفتح دون بنى عبد المطلب فعرف ذلك من حضر وكانت بيد عبد الله بن عباس بتولية رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره لا ينازعه فيها منازع ولا يتكلم فيها متكلم حتى توفى فكانت فى يد علىّ بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل أبيه وجدّه ويأتيه الزبيب من ماله بالطائف وينبذه حتى توفى فكانت فى يد ولده حتى الان قال الازرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه وحوض من ورائها للوضوء له سرب يذهب فيه الماء* وذكر ابن عقبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى طوافه نزل فأخرجت الراحلة فركع ركعتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت منها بيدى تم انصرف الى ناحية المسجد قريبا من مقام ابراهيم وكان المقام لا صقا بالكعبة فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا صلى الله عليه وسلم بسجل من ماء فشرب وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه ويصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون اليهم ويتعجبون ويقولون ما رأينا ملكا قط بلغ هذا ولا سمعنا به* ذكر الاصنام التى كانت فى البيت وذكر ابن هشام أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم فرأى ابراهيم مصورا فى يده الازلام يستقسم بها فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالازلام ما شأن ابراهيم والازلام ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 * وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الالهة فأمر بها فأخرجت وأخرجوا صورة ابراهيم واسماعيل فى أيديهما الازلام فقال قاتلهم الله لقد علموا انهما ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر فى نواحى البيت ولم يصل وفى رواية صلى فيه* وفى الاكتفاء عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب فى يده الى الاصنام وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما أشار الى صنم منها فى وجهه الا وقع ذلك الصنم لقفاه ولا أشار لقفاه الا وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم الا وقع* وفى رواية يشير الى الصنم بقوس فى يده وهو آخذ بسيتها وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فيقع الصنم لوجهه وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة حذاء مقام ابراهيم لاصقا بها وقال تميم بن أسد الخزاعى وفى الاصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا * وفى المواهب اللدنية وكان حول البيت ثلثمائة وستون صنما فكلما مرّ صلى الله عليه وسلم بصنم أشار اليه الخ رواه البيهقى* وفى رواية أبى نعيم قد أوثقها الشياطين بالرصاص والنحاس* وفى تفسير العلامة ابن النقيب المقدسى ان الله تعالى أعلمه انه قد أنجزه وعده بالنصر على أعدائه وفتح له مكة وأعلى كلمته ودينه وأمره اذا دخل مكة أن يقول جاء الحق وزهق الباطل فصار صلى الله عليه وسلم يطعن الاصنام التى حول الكعبة بمحجنه ويقول جاء الحق وزهق الباطل فيخر الصنم ساقطا مع انها كلها كانت مثبتة بالحديد والرصاص وكانت ثلثمائة وستين صنما بعدد أيام السنة قال ابن عباس ولما نزلت الاية يوم الفتح قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل يأتى صنما صنما ويطعن فى عينه أو بطنه بمخصرته ويقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير أو صفر وقال يا على ارم به فحمله عليه السّلام حتى صعد ورمى به وكسره فجعل أهل مكة يتعجبون انتهى كلام المواهب اللدنية* وفى الرياض النضرة روى عن علىّ أنه قال حين أتينا الكعبة قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد على منكبى فذهبت لا نهض به فرأى ضعفا منى تحته قال لى اجلس فجلست فنزل عنى وجلس لى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لى اصعد على منكبى فصعدت على منكبيه فنهض بى وانه يخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت البيت* وفى شواهد النبوّة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا حين صعد منكبه كيف تراك قال علىّ أرانى كأن الحجب قد ارتفعت ويخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء فقال رسول الله طوبى لك تعمل للحق وطوبى لى أحمل للحق أو كما قال انتهى قال فصعدت البيت وكان عليه تمثال صفر أو نحاس وهو أكبر أصنامهم وتنحى رسول الله فقال لى ألق صنمهم الاكبر وكان موتدا على البيت بأوتاد حديد الى الارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايه ايه عالجه جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فجعلت أزاوله أو قال أعالجه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى اذا استمكنت منه قال لى رسول الله اقذف به فقذفت به فتكسر كما يتكسر القوارير ثم نزلت وزاد الحاكم فما صعدت حتى الساعة* ويروى انه كان من قوارير رواه الطبرانى وقال خرجه أحمد ورواه الزرندى والصالحانى ثم ان عليا أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدبا وشفقة على النبىّ صلى الله عليه وسلم ولما وقع على الارض تبسم فسأله النبىّ صلى الله عليه وسلم عن تبسمه قال لأنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 ألقيت نفسى من هذا المكان الرفيع وما أصابنى ألم قال كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد وأنزلك جبريل* ويقال ان واحدا من الشعراء أشار الى هذه القصة فى هذه الابيات فقال قيل لى قل فى علىّ مدحا ... ذكره يخمد نارا مؤصده قلت لا أقدم فى مدح امرئ ... ضل ذو اللب الى أن عبده والنبىّ المصطفى قال لنا ... ليلة المعراج لما صعده وضع الله بظهرى يده ... فأحس القلب أن قد برده وعلىّ واضع أقدامه ... فى محل وضع الله يده روى ان الزبير بن العوّام قال لأبى سفيان ان هبل الذى كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر قال دعنى ولا توبخنى لو كان مع اله محمد اله آخر لكان الامر غير ذلك كذا وجد فى روضة الاحباب* وفى رواية فجاء النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مقام ابراهيم فصلى ركعتين ثم جلس ناحية فبعث عليا الى عثمان بن طلحة الحجبى فى طلب مفتاح الكعبة فأبى دفعه اليه وقال لو علمت انه رسول الله لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ المفتاح منه قهرا وفتح الباب* وفى شفاء الغرام كلام الواحدى ان عثمان لم يكن حين أخذ ذلك منه مسلما يخالف ما ذكره العلماء من انه كان مسلما* قال ابن ظفر فى ينبوع الحياة قوله لو أعلم انه رسول الله لم أمنعه هذا وهم لانه كان ممن أسلم فلو قال هذا لكان مرتدا* وعن الكلبى لما طلب عليه الصلاة والسلام المفتاح من عثمان بن طلحة مدّيده اليه فقال العباس يا رسول الله اجعلها مع السقاية فقبض عثمان يده بالمفتاح فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كنت يا عثمان تؤمن بالله واليوم الاخر فهاته فقال عثمان فهاكه بالامانة فأعطاه اياه ونزلت الاية قال ابن ظفر وهذا أولى بالقبول* وعن عبد الله بن عمر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلا مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال وعثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ بالمسجد فأمره أن يأتى بمفتاح البيت ففتح ودخل معه أسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة* وفى شفاء الغرام ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة بعد هجرته أربع مرّات يوم الفتح ويوم ثانى الفتح وفى حجة الوداع وفى عمرة القضاء وفى كل هذه الدخلات خلاف الا الدخول الذى يوم فتح مكة* وفى شفاء الغرام طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبيت يوم الفتح يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان وفى الاكتفاء وأراد فضالة ابن عمير بن الملوح الليثى قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضالة قال نعم يا رسول الله قال ماذا كنت تحدّث نفسك قال لا شئ كنت أذكر الله فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما خلق الله شيئا أحب الىّ منه قال فضالة فرجعت الى أهلى فمررت بامرأة كنت أتحدّث اليها قالت هلم الى الحديث فقلت لا ... يأبى عليك الله والاسلام لو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسر الاصنام لرأيت دين الله أضحى بيننا ... والشرك يغشى وجهه الاظلام وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة عام الفتح بلالا أن يؤذن وكان دخل معه وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه محق لا تبعته وقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرته عنى هذه الحصاة فخرج عليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 لقد علمت الذى قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب نشهد انك رسول الله والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك* وفى المواهب اللدنية عن ابن عمر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقته القصوى وهو مردف أسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ثم دعا عثمان بن طلحة فقال له ائتنى بالمفتاح فذهب الى أمه فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبى فأعطته اياه فجاء به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ففتح به الباب رواه مسلم* وروى الفاكهانى من طريق ضعيف عن ابن عمر أيضا قال كان بنو طلحة يزعمون انه لا يستطيع فتح الكعبة أحد غيرهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة وعثمان هذا لا ولد له وله صحبة ورواية واسم أمّ عثمان سلافة بضم السين المهملة وتخفيف الفاء* وفى الطبقات لابن سعد عن عثمان بن طلحة قال كنا نفتح الكعبة فى الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال بل عمرت وعزت يومئذ ودخل الكعبة فوقعت كلمته منى موقعا ظننت يومئذ الامر سيصير الى ما قال فلما كان يوم الفتح قال ائتنى بالمفتاح يا عثمان فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف كذا فى شفاء الغرام* قال فلما وليت نادانى فرجعت اليه فقال ألم يكن الذى قلت لك قال فذكرت قوله لى بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت قلت بلى أشهد انك رسول الله* وفى التفسير ان هذه الاية ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها نزلت فى عثمان بن طلحة الحجبى أمره عليه السلام أن يأتى بمفتاح الكعبة فأبى عليه وأغلق عليه الباب وصعد البيت وقال لو علمت انه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل صلى الله عليه وسلم ولما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح وقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله اجمع لى السدانة مع السقاية وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يريد أن يدفعها الى العباس فانزل الله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها أى سادنها وهو عثمان بن طلحة كذا فى معالم التنزيل فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عليا أن يردّه الى عثمان ويعتذر اليه وقال قل له خذوها يا بنى طلحة بأمانة الله فاعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم أو من أيديكم أو لا يأخذها منكم الا ظالم فردّها علىّ فلما ردّها قال أكرهت وآذيت ثم حئت ترفق قال علىّ لان الله أمرنا بردّه عليك كذا فى معالم التنزيل* وفى المواهب اللدنية قال علىّ لقد أنزل الله فى شأنك وقرأ عليه ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم كذا فى العمدة* وفى المنتقى ان اسلام عثمان بن طلحة كان قبل ذلك بالمدينة مع اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما مرّ* وفى روضة الاحباب فى هذا الكلام مخالفة بين أهل التفسير وأهل السير لانه ان كان المراد بعثمان سبط عبد الدار بلا واسطة فأبوه أبو طلحة لا طلحة وهو باتفاق أهل السير كان صاحب لواء المشركين يوم أحد فقتل فى ذلك اليوم كما ذكر فى غزوة أحد وان كان المراد به عثمان بن طلحة بن أبى طلحة بن عبد الدار الذى هو ابن أخى عثمان بن طلحة بن عبد الدار فهو أسلم قبل فتح مكة* وفى المواهب اللدنية فجاء جبريل عليه السلام فقال ما دام هذا البيت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى أولاد عثمان وكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة* وفى رواية مسلم دخل صلى الله عليه وسلم يعنى يوم الفتح هو وأسامة ابن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى فأغلقوا عليهم الباب قال ابن عمر فلما فنحوا كنت أوّل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بين العمودين اليمانيين وذهب عنى أن أسأله كم صلى* وفى رواية جعل العمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة وقد بين موسى بن عقبة فى روايته عن نافع ان بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذى استقبله قريبا من ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فقال أخرجه الدار قطنى فى الغرائب ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وفى رواية ابن عباس قال أخبرنى أسامة أنه عليه السلام لما دخل البيت دعا فى نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع فى قبل البيت ركعتين فقال هذه القبلة رواه مسلم* وأفاد الازرقى فى تاريخ مكة ان خالد بن الوليد كان على باب الكعبة يذب عنه صلى الله عليه وسلم الناس* وفى شفاء الغرام فخرج عثمان بن طلحة الى هجرته مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبى طلحة مقامه ودفع المفتاح اليه فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وولد مسافع بن طلحة بن أبى طلحة من المدينة وكانوا بها دهرا طويلا فلما قدموا حجبوا مع بنى عمهم* وفى الصفوة قال الواقدى كان عثمان بن طلحة بن أبى طلحة يلى فتح البيت الى أن توفى فدفع ذلك الى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة فى ولد شيبة وبقى شيبة حتى أدرك يزيد بن معاوية ودفع السقاية الى العباس وأذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة وكسرت الاصنام* وفى الاكتفاء وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة على الصفا يدعو وقد أحدقت به الانصار فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ثم اجتمع الناس للبيعة فجلس لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا* وفى المدارك روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ فى بيعة النساء وهو على الصفا وعمر جالس أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه فجاءت هند ابنة عتبة امرأة أبى سفيان وهى متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا يعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح فان أصبت من ماله هناة فقال أبو سفيان ما أصبت فهو لك حلال فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم وعرفها وقال لها وانك لهند فقالت نعم فاعف عما سلف يا نبىّ الله عفا الله عنك فقال ولا يزنين فقالت أتزنى الحرّة فقال ولا يقتلن أولادهنّ فقالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا يأتين ببهتان فقالت والله ان البهتان أمر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق فقال ولا يعصينك فى معروف فقالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفى أنفسنا أن نعصيك فلما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول كنا منك فى غرور وستجىء وفاة هند فى الخاتمة فى اوائل خلافة عمرو فى معالم التنزيل قال ابن اسحاق وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف* وفى شفاء الغرام عن ابن عباس من بنى سليم سبعمائة وقيل ألف ومن غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والانصار وحلفائهم وطوائف العرب من بنى تميم وقيس وأسد وفى الاكتفاء وعدت خزاعة الغد من يوم الفتح على رجل من هذيل يقال له ابن الابوع فقتلوه وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 مشرك برجل من أسلم يقال له احمر باسا وكان رجلا شجاعا قتله خراش بن أمية الخزاعى ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية قال ان خراشا لقتال يعنفه بذلك وقام صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا وقال يا أيها الناس ان الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والارض فهى حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما وأن يعضد فيها شجرة لم تحل لاحد كان قبلى ولا تحلّ لاحد يكون بعدى ولم تحلّ لى الا هذه الساعة غضبا على أهلها ألا قد رجعت كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له ان الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل لقد قتلتم قتيلا لأدينه فمن قتل بعد مقامى هذا فأهله بخير النظرين ان شاؤا فدم قاتله وان شاؤا فعقله ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذى قتلته خزاعة* وفى المواهب اللدنية فان ترخص أحد فيها بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما احلت لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد الغائب* وفى معالم التنزيل وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة وأقام بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة كذا فى البخارى وفى رواية تسع عشرة* وفى رواية أبى داود سبع عشرة وعند الترمذى ثمان عشرة ليلة يصلى ركعتين* وفى الاكليل بضع عشرة يقصر الصلاة* قال ابن عباس ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فاذا زدنا أتممنا وفى رواية أقام بمكة بقية الشهر وستة أيام من شوّال ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنينا وسيجئ* ذكر الرجال الاحد عشر الذين أهدر دمهم يوم فتح مكة الاوّل عبد الله بن خطل روى ان النبى صلى الله عليه وسلم عهد الى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا أحد عشر رجلا وست نسوة فانه أمر بقتلهم أينما ثقفوا من الحلّ والحرم وان وجدوا تحت أستار الكعبة* وفى المواهب اللدنية وقد جمع الواقدى عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة انتهى* اما الرجال الاحد عشر فواحد منهم عبد الله بن خطل رجل من تيم بن غالب بن فهر وقد كان قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم وكان اسمه عبد العزى فغير النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الله وبعثه الى قبيلة مصدّقا وكان معه رجل من أسلم وفى رواية من خزاعة أو من الروم* وكان يخدمه وأمره أن يصنع له طعاما* وفى المواهب اللدنية كان معه مولى يخدمه وكان مسلما ونزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ونام ثم استيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتدّ وكان له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه كذا فى معالم التنزيل ففى يوم فتح مكة استعاذ بالكعبة وتعلق بأستارها واختفى تحتها وحين كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت قيل له يا رسول الله هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه فقتلوه فى ذلك المكان وهو آخذ بثياب الكعبة يتعوّذ بها وفى قاتله اختلاف والصحيح انه أبو برزة الاسلمى وسعيد بن حريث المخزومى اشتركا فى قتله كذا فى شفاء الغرام* والثانى عبد الله بن سعد بن أبى سرح وكان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة وكان أسلم قبل الفتح وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما واذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما وكان يفعل أمثال هذه الخيانات حتى صدر عنه أن قال ان محمد الّا يعلم ما يقول فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتدّ وهرب الى مكة* وفى شفاء الغرام ارتدّ مشركا الى قريش بمكة فقال لهم انى كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملى علىّ عزيز حكيم فأقول عليم كريم فيقول نعم كل صواب* وفى الكشاف ومعالم التنزيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 روى أنّ عبد الله بن أبى سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى فى سورة المؤمنين ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فتعجب عبد الله من تفصيل خلق الانسان فنطق بقوله فتبارك الله أحسن الخالقين قبل املائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال عبد الله ان كان محمد نبيا يوحى اليه فأنا نبىّ يوحى الىّ فلحق بمكة كافرا ثم أسلم يوم الفتح* وفى شفاء الغرام يوم فتح مكة فزع الى عثمان بن عفان فقال يا أخى استأمن لى النبىّ صلى الله عليه وسلم فانه ان رآنى بغتة يضرب عنقى فانّ جرمى عظيم وأنا الان تائب الى الله عز وجلّ فأدخله عثمان فى منزله حتى هدأ الناس واطمأنوا فاستأمن له ثم أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع له عنده وكان رجل من الانصار نذر ان رأى عبد الله بن سعد بن أبى سرح قتله فلما بصر به الانصارى احتمل السيف على عاتقه وخرج فى طلبه فوجده فى حلقة النبىّ صلى الله عليه وسلم فهاب قتله فجعل يتردّد ويكره أن يقدم على قتله فى حلقة النبى صلى الله عليه وسلم فبالغ عثمان فى شفاعته ثم قال بعد ما أعرض عنه النبىّ صلى الله عليه وسلم مرارا يا رسول الله أمّته فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصمت طويلا ثم قال نعم فبسط يده فبايعه فلما خرج عثمان وعبد الله قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه لقد صمت ليقوم اليه بعضكم ويضرب عنقه ثم قال للانصارى انتظرتك أن توفى بنذرك قال يا رسول الله هبتك أفلا أو مضت الىّ قال انه ليس لنبىّ أن يومض* وفى رواية لا ينبغى لنبىّ أن تكون له خائنة الاعين قيل انّ ذلك الانصارى عباد بن بشر* وفى معالم التنزيل رجع عبد الله الى الاسلام قبل فتح مكة اذ نزل النبىّ صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران وكان عبد الله اذا رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم يختفى فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك عثمان فتبسم وقال أما بايعته وأمنته قال بلى ولكن يذكر جرمه العظيم فيستحيى منك قال الاسلام يجب ما كان قبله فأخبر عثمان عبد الله بن أبى سرح بقول النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعد ذلك اذا جاءته صلى الله عليه وسلم جماعة يجىء عبد الله فيهم ويسلم عليه* وفى شفاء الغرام وكان عبد الله بن أبى سرح فارس بنى عامر بن لؤى معدودا فيهم وهو أحد النجباء العقلاء الكرام من قريش وكان مجاب الدعوة وله فى ذلك خبر غريب وذلك أنّ عبد الله لما عاد من المدينة من عند عثمان مضى الى عسقلان وقيل الى الرملة ودعا ربه أن يجعل خاتمة عمله صلاة الصبح فتوضأ ثم صلى وقرأ فى الركعة الاولى بأمّ القرآن والعاديات وفى الركعة الثانية بأمّ القرآن وسورة ثم سلم عن يمينه وذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه على ما ذكر يزيد ابن حبيب وغيره فيما حكاه ابن عبد البرّ فى الاستيعاب وذكر ابن عبد البرّ انه لم يبايع لعلىّ ولا لمعاوية وانه توفى سنة ست أو سبع وثلاثين* الثالث عكرمة بن أبى جهل واسم أبى جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم* وفى الصفوة عن أبى مليكة قال لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبى جهل الى البحر هاربا فخب بهم فجعل الصرارى والملاحون ومن فى السفينة يدعون الله ويوحدونه قال ما هذا قالوا هذا مكان لا ينفع فيه الا الله* وفى رواية جاء ملاح الى عكرمة وقال له أخلص العمل قال ماذا أقول قال قل لا اله الا الله فانّ هذا مكان لا ينفع فيه الا الله قال عكرمة فهذا اله محمد الذى يدعونا اليه فارجعوا بنا فرجع فأسلم وقيل وقع بصره على دفة السفينة فرأى عليها مكتوبا وكذب به قومك وهو الحق وكان معه محك فأراد أن يمحو به تلك الكنابة فلم يستطع فعلم أنه كلام الحق جلّ وعلا فوقع فى باطنه تغير وقد كانت امرأته أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة أسلمت قبله وفى المشكاة وهرب زوجها من الاسلام حتى قدم اليمن فسافرت أمّ حكيم حتى قدمت عليه اليمن فدعته الى الاسلام فأسلم وثبتا على نكاحهما رواه مالك عن ابن شهاب مرسلا انتهى فاستأمنت له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّنه فخرجت فى طلبه لتبلغه خبر الامان فلما بلغت ساحل البحر رأت زوجها عكرمة راكب السفينة فربطت مقنعها على رأس خشب فأرسى أهل السفينة فجلست فى زورق حتى أتت زوجها وقالت يا عكرمة ويا ابن عمّ جئتك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس وخير الناس لا تهلك نفسك فقد استأمنته لك فأمّنك فقال أنت فعلت ذلك قالت نعم انا كلمته فأمّنك فرجع عكرمة مع امرأته الى مكة فبينما هما يسيران فى الطريق اذ مال عكرمة اليها وطلب منها الخلوة فأبت أن تمكنه منها وقالت لا حتى تسلم وأمّا أنا الان فمسلمة وأنت كافر والاسلام حائل بينى وبينك فلما بلغا قريبا من مكة قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لاصحابه يأتيكم عكرمة بن أبى جهل مؤمنا فلا تسبوا أباه فانّ سب الميت يؤذى الحىّ ولا يلحق الميت فانتهى عكرمة مع امرأته الى باب النبىّ صلى الله عليه وسلم وامرأته منتقبة فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت وأخبرته بقدوم عكرمة فاستبشر النبىّ صلى الله عليه وسلم ووثب قائما على قدميه فرحا بقدومه وقال لها أدخليه فدخل فلما رآه قال مرحبا بالراكب المهاجر ثم جلس النبىّ صلى الله عليه وسلم وجاء عكرمة حتى وقف بحذائه وقال يا محمد انّ هذه أخبرتنى انك أمنتنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت فانك آمن* فقال عكرمة أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله وطأطأ رأسه من الحياء وقال أنت أبرّ الناس وأو فى الناس فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا عكرمة ما تسألنى شيئا أقدر عليه الا أعطيتكه قال استغفرلى كل عداوة عاديتكها أو مركب وضعت فيه أريد به اطهار الشرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أو مركب وضع فيه يريد أن يصدّ عن سبيلك فقال يا رسول الله مرنى بخير ما تعلم فأعمله قال قل أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله وجاهد فى سبيله ثم قال عكرمة أما والله ما تركت نفقة كنت أنفقها فى صدّ عن سبيل الله الا أنفقت ضعفيها فى سبيل الله ولا قتالا كنت أقاتل فى صدّعن سبيل الله الا أنكيت ضعفه فى سبيل الله وكان عكرمة وامرأته أمّ حكيم على نكاحهما الاوّل وقد أسلمت امرأته قبله واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حج على هوازن يصدقها ثم اجتهد فى القتال حتى قتل شهيدا يوم اليرموك بأجنادين فى خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه فوجدوا فيه بضعا وسبعين من بين ضربة وطعنة ورمية كذا فى الصفوة* الرابع حويرث بن نقيد ابن وهب بن عبد قصى وهو كثيرا ما كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ويهجوه* وفى شفاء الغرام الحويرث بن نقيد الذى نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدركها هو وهبار بن الاسود فسقطت عن دابتها وألقت جنينا* وفى الاكتفاء ولما حمل العباس بن عبد المطلب فاطمة وأمّ كلثوم ابنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة نخس بهما الحويرث هذا فرمى بهما الى الارض فقتله يوم الفتح على بن أبى طالب انتهى ويوم الفتح لما سمع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه أغلق بابه واستتر فى بيته فجاء علىّ بن أبى طالب الى بابه يطلبه ويسأل عنه فقيل له قد خرج الى البادية فعلم حويرث أنّ المسلمين يطلبونه فمكث حتى ذهب علىّ عن بابه فخرج من بيته وأراد أن ينتقل الى مكان آخر متنكرا فصادفه علىّ فضرب عنقه* الخامس المقيس بن صبابة الكندى الخامس المقيس بكسر الميم وسكون القاف وفتح المثناة التحتية وآخره سين مهملة هو ابن صبابة الكندى بالصاد المهملة المضمومة وبالموحدتين الاولى خفيفة كذا فى المواهب اللدنية وجرمه انّ أخاه هشام بن صبابة قدم المدينة وأسلم وكان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى غزوة المريسيع فظنّ انصارى من بنى عمرو بن عوف أنه مشرك فقتله خطأ فقدم مقيس المدينة يطلب دم أخيه فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم الانصارى بالدية فعقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 دية فأسلم مقيس وبعد ما أخذ الدية قتل الانصارى وارتدّ ورجع الى مكة مشركا كما مرّ وفى يوم الفتح كان يشرب الخمر فى ناحية مع جماعة من المشركين فأخبر نميلة بن عبد الله الليثى وهو رجل من قومه بحاله فذهب اليه فقتله كذا فى معالم التنزيل فى تفسير سورة الفتح وذكر فى موضع آخر منه أنّ مقيس بن صبابة الكندى كان قد أسلم هو وأخوه هشام فوجد أخاه هشاما قتيلا فى بنى النجار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بنى فهر الى بنى النجار انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان علمتم قاتل هشام بن صبابة ادفعوه الى مقيس فيقتص منه وان لم تعلموا ادفعوا اليه ديته فأبلغهم الفهرى ذلك فقالوا سمعا وطاعة لله ولرسوله والله ما نعلم له قاتلا لكنا نعطى ديته فأعطوه مائة من الابل وانصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة اقتل الذى معك فتكون نفس بنفس وفضل الدية فتغفل الفهرى فرماه بصخرة فشدخه ثم ركب بعيرا وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا فنزلت هذه الاية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وهو الذى استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ممن أمّنه فقتل وهو متعلق باستار الكعبة* وفى شفاء الغرام امّا مقيس فقتل عند الردم وهو ردم بنى جمح الذى قيل انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ولد فيه وليس الردم الذى هو بأعلا مكة لانه لم يكن الا فى خلافة عمر عمله صونا للمسجد من السيل حين ذهب بالمقام* السادس هبار بن الاسود وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملة أذيته أنّ أبا العاص بن الربيع حين خلص من الاسر يوم بدر رجع الى مكة وأرسل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شرط مع النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر فعرض هبار مع جماعة لطريق زينب ومنعها وضرب زينب بالرمح فسقطت من الابل وكانت حاملا فألقت حملها ومرضت وماتت بهذا المرض فغضب عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وأهدر دمه حتى بعث مرّة سرية الى نواحى مكة فقال لاهل السرية ان ظفرتم بهبار فاحرقوه ثم قال انما يعذب بالنار رب النار ان ظفرتم به فاقطعوا يده ورجله ثم اقتلوه وفى يوم الفتح أى فتح مكة اختفى ولم يدر مكانه ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة جاء هبار رافعا صوته وقال يا محمد أنا جئت مقرّا بالاسلام وقد كنت قبل هذا مخذولا ضالا والان قد هدانى الله للاسلام وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله واعتذر اليه معترفا بذنبه مظهر الحجالته فقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم اسلامه وقال يا هبار عفوت عنك والاسلام يجب ما كان قبله أو كما قال* السابع صفوان بن أمية ولما علم انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدر دمه يوم فتح مكة هرب مع عبد له اسمه يسار الى جدّة يريد أن يركب منها الى اليمن فقال عمير بن وهب الجمحى يا نبىّ الله انّ صفوان بن أمية سيد قومى وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه فى البحر فأمنه عليك قال هو آمن قال يا رسول الله أعطنى شيئا يعرف به أمانك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التى دخل بها مكة وفى المشكاة فبعث اليه ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان انتهى* فخرج بها عمير حتى أدركه بجدّة وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبى وأمى اذكر الله فى نفسك أن تهلكها فهذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك عدة فقال ويلك اعزب عنى فلا يكلمه فقال أى صفوان فداك أبى وأمى أفضل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ابن عمك وعزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال فانى أخاف على نفسى قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان هذا يزعم أنك أمنتنى قال صدق قال فاجعلنى فى أمرى بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر كذا فى معالم التنزيل فلما خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم الى حنين وهوازن كان صفوان مع كفره رفيقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 واستعار منه النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة درع قال صفوان اغصبايا محمد فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم بل عارية مضمونة وسيجىء وحين قفل النبىّ صلى الله عليه وسلم من الطائف الى الجعرانة مرّ مع صفوان على شعب مملوء من الابل والغنم وسائر أنعام الغنيمة وكان صفوان يحدّ النظر الى تلك الاموال ولم يرفع بصره منها وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يلاحظه فقال يا أبا وهب أتعجبك هذه قال نعم قال وهبتها لك كلها فقال صفوان ما طابت نفس أحد بمثل هذا الانفس نبىّ فأسلم هناك* الثامن حارث بن طلاطلة وهو من جملة مؤذى النبىّ صلى الله عليه وسلم وفى يوم فتح مكة قتله على بن أبى طالب* التاسع كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى الشاعر صاحب بانت سعاد القصيدة المشهورة وكان يهجو النبىّ صلى الله عليه وسلم فجاء وهو جالس فى المسجد فدخل وأسلم وأنشأ قصيدته التى أوّلها بانت سعاد فقلبى اليوم متبول* فلما بلغ الى قوله انّ الرسول لسيف يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول أنبئت أنّ رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمعوا ما يقول وقيل فرح النبىّ صلى الله عليه وسلم وكساه بردا جائزة له وكان اسلام كعب فى السنة التاسعة كما سيجىء فيها* العاشر وحشى بن حرب قاتل حمزة وكان كثير من المسلمين حريصا على قتله ويوم فتح مكة هرب الى الطائف وأقام هناك الى زمان قدوم وفد الطائف الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فجاء معهم ودخل عليه وقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أنت وحشىّ قال نعم قال أأنت قتلت حمزة قال قد كان من الامر ما بلغك يا رسول الله قال اجلس واحك لى كيف قتلته ولما قص عليه قصة قتله قال أما تستطيع أن تغيب وجهك عنى وكان وحشى بعد ذلك اذا رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم يفرّ منه ويختفى* الحادى عشر عبد الله بن الزبعرى وكان من شعراء العرب وكان يهجو أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم ويحرض المشركين على قتالهم ويوم الفتح لما سمع أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدر دمه هرب الى نجران وسكنها وبعد مدّة وقع الاسلام فى قلبه فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فلما رآه من بعيد قال هذا ابن الزبعرى ولما دنا منه قال السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنك رسول الله* ذكر النساء اللاتى أهدر النبىّ دماءهنّ يوم الفتح أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان وأمّا النساء الست اللاتى أهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دماءهنّ يوم الفتح فاحداهنّ هند بنت عتبة وهى امراة أبى سفيان أم معاوية وايذاؤها للنبىّ صلى الله عليه وسلم مشهور ويوم أحد مثلت بحمزة ومضغت كبده وبعد ما فتحت مكة جاءت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم متنكرة متنقبة فى النساء حين يبايع النساء على الصفا فأسلمت وقد سبق ذكرها* ! الثانية والثالثة قريبة والفرتنا الرابعة مولاة بنى خطل والخامسة مولاة بنى عبد المطلب الثانية والثالثة قريبة بالقاف والموحدة مصغرا والفرتنا بالفاء المفتوحة والراء المهملة الساكنة والمثناة الفوقية والنون كذا صححه القسطلانى فى المواهب اللدنية وهما فتيتان قينتان أى مغنيتان لابن خطل وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما مع ابن خطل فأمّا قريبة فقتلت مصلوبة وأمّا فرتنا ففرّت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها فامنت وذكر السهيلى أنّ اسم قينتى ابن خطل فرتنا وسارة وهذا يخالف ما ذكره ابن سيد الناس اليعمرى من ان اسم احداهما قريبة والآخرى فرتنا كما سبق ذكرهما كذا فى شفاء الغرام* الرابعة مولاة بنى خطل وقتلت يوم الفتح* الخامسة مولاة بنى عبد المطلب* وفى شفاء الغرام مولاة عمرو بنى صيفى بن هاشم انتهى وهى التى حملت كتاب حاطب بن أبى بلتعة من المدينة ذاهبة الى مكة الى قريش وكانت تؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وتغيبت يوم الفتح حتى استؤمن لها فعاشت حتى أوطأها رجل فرساله فى زمن عمر بن الخطاب بالابطح فقتلها ونقل الحميدى أنها قتلت* وفى فتح البارى فى شرح صحيح البخارى أنها أسلمت والله أعلم* وفى المدارك روى أنّ رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وسلم أمّن جميع الناس يوم الفتح الا أربعة هى أحدهم* السادسة أمّ سعد أرنب فقتلت* وفى رمضان هذه السنة أسلم أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس وكان اسلامه قبيل الفتح بمرّ الظهران حين نزله النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد مرّ وستجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة عثمان* إسلام أبي قحافة والد أبى بكر وفى رمضان هذه السنة يوم الفتح أسلم أبو قحافة والد أبى بكر رضى الله عنهما روى أنّ أبا بكر لما جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم بأبيه أبى قحافة ليسلم قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم لم عنيت الشيخ ألا تركته حتى أكون أنا آتيه فى منزله فقال أبو بكر بأبى انت وأمى هو أولى أن يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق وكانت امرأة أبى قحافة أمّ الخير أمّ أبى بكر قد أسلمت قديما فى السنة السادسة من النبوّة كما سبق فيها واسم أبى قحافة عثمان بن عامر توفى فى السنة الرابعة عشر من الهجرة فى خلافة عمر بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه بسنة وكان ابن سبع وتسعين سنة وورث حصته السدس من تركة أبى بكر فردّه الى أولاده وليس فى الاسلام والد خليفة تأخرت وفاته عن وفاة ابنه الخليفة وورث منه غير أبى قحافة* وعن جابر قال أتى بأبى قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغام بياضا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد رواه مسلم* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يكون قوم فى آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنة رواه أبو داود والنسائى كذا فى المشكاة* إسلام حكيم بن حزام وفى هذه السنة أيام فتح مكة أسلم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ويكنى أبا خالد وعن أمّ مصعب بن عثمان قالت دخلت أمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهى حامل متم بحكيم بن حزام فضربها المخاض فى الكعبة فأتيت بنطع حيث أعجلتها الولادة فولدت حكيم بن حزام فى الكعبة على النطع وكان حكيم من سادات قريش ووجوهها فى الجاهلية والاسلام* وعن مصعب بن عبد الله قال جاء الاسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش فقال حكيم ذهبت المكارم الا التقوى يا ابن أخى انى اشتريت بها دارا فى الجنة أشهدك انى جعلتها فى سبيل الله عز وجل* وعن أبى بكر بن ابى سليمان قال حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها ووقف مائة وصيف يوم عرفة وفى أعناقهم أطواق الفضة نقش فى رؤسها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأعتقهم وأهدى ألف شاة* وعن هشام بن عروة عن أبيه ان حكيم بن حزام أعتق فى الجاهلية مائة رقبة وفى الاسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير قال حكيم نجوت يوم بدر ويوم أحد فلما غزا النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة خرجت أنا وأبو سفيان نستروح الخبر فلقى العباس أبا سفيان فذهب به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فرجعت ودخلت بيتى فأغلقته علىّ ودخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة فأمّن الناس فجئته فأسلمت وخرجت معه الى حنين* وعن محمد بن عمر قال قدم حكيم ابن حزام المدينة ونزلها وبنى بها دارا ومات بها سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة كذا فى الصفوة وسيجىء فى الخاتمة* وفى هذه السنة أسلم عكرمة بن أبى جهل وقد مرّ كيفية اسلامه * سرية خالد بن الوليد الى العزى وفى هذه السنة عقب فتح مكة فى خمس وعشرين ليلة من شهر رمضان بعث خالد بن الوليد فى ثلاثين رجلا الى العزى بنخلة* ذكر منشأ اتخاذ الاصنام وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ويزعمون ان أوّل ما كانت عبادة الاحجار فى بنى اسماعيل انه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح فى البلاد الاحمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى اشتهر ذلك فيهم الى ان كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره فعبدوا الاوثان وصاروا الى ما كانت عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 الامم السابقة من الضلالات ومنهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة مع ادخالهم فيه ما ليس منه فكانت كنانة وقريش اذا أهلوا قالوا لبيك اللهمّ لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك تملكه وما ملك فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده بقول الله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون وقد كان لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها قال الله تعالى لا تذرنّ الهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا فكان الذين اتخذوا تلك الاصنام من ولد اسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائها حين فارقوا دين اسماعيل هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر اتخذوا سواعا فكان لهم برهاط وكلب ابن وبرة من قضاعة اتخذوا ودّا بدومة الجندل وأنعم من طى وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش وحيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرض همدان من اليمن وذو الكلاع من حمير اتخذوا نسرا بأرض حمير وكانت قريش قد اتخذوا صنما على بئر فى جوف الكعبة يقال له هبل واتخذوا اسافا ونائلة فى موضع زمزم ينحرون عندهما وكان اساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم هو اساف بن بغى ونائلة بنت ديك فوقع اساف على نائلة فى الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين وكانت اللات لثقيف بالطائف وكانت سدنتها وحجابها بنى معتب من ثقيف وكانت مناة للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على البحر من ناحية المشلل بقديد هذا ما فى سيرة ابن هشام* وفى أنوار التنزيل والمدارك العزى سمرة وأصلها تأنيث الاعز* وفى المنتقى العزى كانت بنخلة لقريش وجميع بنى كنانة وكانت أعظم أصنامهم وسدنتها بنو شيبان وقد اختلفوا فى العزى على ثلاثة أقوال أحدها انها كانت شجرة لغطفان يعبدونها قاله مجاهد والثانى انها صنم قاله الضحاك والثالث انها بيت فى الطائف كانت تعبده ثقيف قاله ابن زيد* وفى معالم التنزيل العزى صنم اشتقوا لها اسما من العزيز فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ليقطعها فجعل خالد يضربها بالفأس ويقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت الله قد أهانك فخرجت منها شيطانه ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها ويقال ان خالد ارجع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال له قد قلعتها قال هل رأيت شيئا قال لا قال ما قلعت* وفى رواية قال انك لم تهدمها فارجع اليها فاهدمها فعاد اليها خالد متغيظا ومعه المعول فقلعها واستأصلها فخرجت منها امرأة عجوز عريانة سوداء ثائرة الرأس فجعل السادن يصيح فسلّ خالد سيفه فضربها فقتلها وجزها باثنتين ثم رجع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال نعم تلك العزى ولن تعبد أبدا* وفى رواية وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا وقال الضحاك كان أصل وضع العزى لغطفان أن سعد بن ظالم الغطفانى قدم مكة ورأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بينهما فعاد الى بطن نخلة وقال لقومه ان لاهل مكة الصفا والمروة وليسا لكم ولهم اله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال أنا أصنع لكم كذلك فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما الى نخلة فوضع الذى اخذ من الصفا فقال هذا الصفا ووضع الذى أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها الى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة الثلاثة وسموها العزى حتى افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد الى العزى فقطعها* بعث عمرو بن العاص الى سواع وفى رمضان هذه السنة بعث عمرو بن العاص الى تخريب سواع وهو صنم لهذيل على ثلاثة أميال من مكة قال عمرو فانتهيت اليه وعنده السادن فقال ما تريد فقلت أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت ويحك هل يسمع أو يبصر فكسرته فأمرت أصحابى فهدموا بيت خزانته ثم قلت للسادن كيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 رأيت قال أسلمت لله رب العالمين* وفى مزيل الخفا روى انه كان لادم عليه السلام خمس بنين يسمون نسرا وودّا وسواعا ويغوث ويعوق وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم عليهم فصوّر لهم ابليس أمثالهم من صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فجعلوها فى مؤخر المسجد فلما هلك أهل ذلك العصر قال ابليس لاولادهم هذه آلهة آبائكم فعبدوها بعدهم ثم ان الطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب فكانت ودّ لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطفان من مراد ثم لبنى غطيف بالحوف وفى القاموس غطيف كزبير حىّ من العرب أو قوم بالشام والحوف موضع بأرض مراد ويعوق لهمدان ونسر لذى الكلاع وحمير* وفى المدارك ودّ صنم على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر* ويروى ان سواعا لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد كذا فى معالم التنزيل وأنوار التنزيل والمدارك* وفى معالم التنزيل كانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف اشتقوا لها اسما من أسماء الله تعالى* قال قتادة كانت اللات بالطائف وقال ابن زيد بيت بنخلة لقريش تعبده قال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح بتشديد التاء وقالوا كان رجلا يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه وكان ببطن نخلة* وفى القاموس سمى بالذى يلت السويق بالسمن ثم خفف والعزى لسليم وغطفان وجشم ومناة لخزاعة وكانت بقديد قاله قتادة وقالت عائشة رضى الله عنها فى الانصار من كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد وقال ابن زيد بيت بالمشلل يعبده بنو بكر وقال الضحاك مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة وقال بعضهم اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة وكانت فى جوف الكعبة يعبدونها واساف ونائلة وهبل لاهل مكة* بعث سعد بن زيد الى مناة وفى رمضان هذه السنة حين فتح مكة بعث سعد ابن زيد الاشهلى الى مناة صنم للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على البحر من المشلل بقديد كذا فى سيرة ابن هشام* وفى القاموس مشلل كمعظم جبل يهبط منه الى قديد وفى خلاصة الوفاثنية تشرف على قديد كان بها مناة الطاغية وفى أنوار التنزيل* هى صخرة كانت لهذيل وخزاعة وثقيف وهى فعلة من مناه اذا قطعه فانهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى فخرج سعد فى عشرين فارسا حتى انتهى اليها قال السادن ما تريد قال هدمها قال أنت وذاك فأقبل سعد يمشى اليها فخرجت منه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها فضربها سعد بن زيد فقتلها وانتقل الى الصنم ومعه أصحابه فهدموه وانصرفوا راجعين الى النبىّ صلى الله عليه وسلم * بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وفى شوّال هذه السنة بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وهم قبيلة من عبد القيس أسفل مكة بناحية يلملم وهو يوم الغميصاء بعثه عليه السلام لما رجع من هدم العزى وهو صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة وبعث معه ثلثمائة وخمسين رجلا داعيا الى الاسلام لا مقاتلا فلما انتهى اليهم خالد قال لهم ما أنتم قالوا مسلمون صلينا وصدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا* وفى صحيح البخارى بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بنى جذيمة فدعاهم الى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم ودفع الى كل رجل ممن كان معه أسيره فأمر يوما أن يقتل كل رجل أسيره فأبى ابن عمرو أصحابه حتى قدموا على النبىّ صلى الله عليه وسلم فذكّروا له ذلك فرفع النبىّ صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرّتين* وفى المواهب اللدنية فقال لهم استأسروا فأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرّقهم فى أصحابه فلما كان السحر نادى منادى خالد من كان معه أسير فليقتله فقتلت بنو سليم من كان بأيديهم وأما المهاجرون والانصار فأرسلوا أساراهم فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ انى أبرأ اليك من فعل خالد وبعث عليا فودى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 لهم قتلاهم قال الخطابى يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم للعدول عن لفظ الاسلام ولم ينقادوا الى الدين فقتلهم متأوّلا وأنكر عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم العجلة وترك التثبت فى أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا* وفى بعض الكتب كان بنو جذيمة فى الجاهلية قتلوا أبا عبد الرحمن ابن عوف وعم خالد الفاكه بن المغيرة فلما سمعوا بقدوم خالد استقبلوه لا بسى السلاح فقال لهم من أنتم قالوا مسلمون صدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا وصلينا قال فما بالكم مسلحين قالوا كان بيننا وبين حى من العرب عداوة حسبناكم اياهم فلبسنا السلاح فلم يقبل خالد منهم عذرهم فأمرهم حتى ألقوا سلاحهم الى آخر ما ذكرناه* وفى الاكتفاء لما فتح الله على رسوله مكة بعث السرايا فيما حولها يدعو الى الله تعالى ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب فوطئوا بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا فقال رجل منهم يقال له جحدم ويلكم يا بنى جذيمة انه خالد والله ما بعد وضع السلاح الا الاسر وما بعد الاسر الا ضرب الاعناق ووالله لا أضع سلاحى أبدا فأخذه رجال من قومه وقالوا يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ان الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوه أمرهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم وقال لهم جحدم حين وضعوا سلاحهم ورأى ما يصنع بهم يا بنى جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه الى السماء ثم قال اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد ابن الوليد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل انفلت منهم فأتاه بالخبر هل أنكر عليه أحد فقال نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر مضطرب فراجعه فاشتدّت مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب امّا الاوّل يا رسول الله فابنى عبد الله وأمّا الاخر فسالم مولى أبى حذيفة وذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأنى لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض فى حلقى منها شئ حين ابتلعتها فأدخل علىّ يده فانتزعه فقال أبو بكر هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون فى بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله ثم لما كان من خالد فى بنى جذيمة ما كان دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقال يا على اخرج الى هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج علىّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب من الاموال حتى انه ليدى لهم مبلغة الكلب حتى اذا لم يبق شئ من دم ولا مال الاوداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علىّ حين فرغ منه هل بقى دم أو مال لم يود لكم قالوا لا قال فانى أعطيتكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى انه ليرى ما تحت منكبيه يقول اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرّات وقد قال بعض من يعذر خالدا انه قال ما قاتلت حتى أمرنى بذلك عبد الله بن حذافة السهمى وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام وحدّث ابن ابى حدرد الاسلمى قال كنت يومئذ فى خيل خالد بن الوليد فقال لى فتى من بنى جذيمة وهو فى سنى وقد جمعت يداه الى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يا فتى قلت ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى الى هؤلاء النسوة حتى أقضى اليهنّ حاجة ثم تردّنى بعد فتصنعوا بى ما بدا لكم قال قلت والله ليسير ما طلبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 فأخذته برمته فقدته بها حتى أوقفته عليهنّ فقال اسلمى حبيش على فقد العيش وأنشد أبياتا فقالت وأنت فحبيت سبعا وعشرا ... وشفعا ووترا ثمانين تترى قال ثم انصرفت به فضربت عنقه فحدّث من حضرها انها قامت اليه حين ضربت عنقه فلم تزل تقبله حتى ماتت عنده وخرج النساءى هذه القصبة فى مصنفه فى باب قتل الاسارى من حديث ابن عباس ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال انى لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعونى أنظر اليها نظرة ثم اصنعوا بى ما بدا لكم قال فاذا امرأة طويلة أدماء فقال اسلمى حبيش قبل فقد العيش وتكلم بأبيات فقالت نعم فديتك قال فقدّموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم* غزوة حنين وفى شوّال هذه السنة بعد رجوع خالد من تخريب العزى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة حنين بالتصغير وهو واد قرب ذى المجاز وقيل ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف وتسمى غزوة هوازن* وفى شرح مختصر الوقاية حنين واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وفى القاموس حنين موضع بين مكة والطائف قال أهل السير انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة يوم الجمعة وقد بقى من رمضان عشرة أيام فأقام بها خمسة عشر يوما أو تسعة عشر أو ثمانية عشر يوما على اختلاف الاقوال كما مرّ ثم خرج الى حنين* وسببها أنّه لما فتح الله على رسوله مكة وأسلم عامة أهلها أطاعت له قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فانّ أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة مبارزين فاجتمع أشرافهما فقال بعضهم لبعض انّ محمدا قاتل قوما لم يحسنوا القتال ولم يكن لهم علم بالحروب فغلب عليهم فانه سيقصدنا فقبل أن يظهر ذلك منه سيروا اليه فقصدوا محاربة المسلمين وكان على هوازن رئيسهم مالك بن عوف النضرى وعلى ثقيف قائدهم ورئيسهم عبد يا ليل الثقفى كذا فى معالم التنزيل* وقيل قائد ثقيف قارب ابن الاسود واتفق معهما نضر وجشم كلها وسعد بن بكر وأناس من بنى هلال وهم قليل ولم يشهد من قيس عيلان الا هؤلاء فعبوا جيشهم وعددهم أربعة آلاف مقاتل وخرجوا مع أموالهم وأولادهم وذراريهم وتخلف منهم قبيلتان كعب وكلاب وكان دريد بن الصمة فى بنى جشم وكان شيخا كبيرا قد عمى من الكبر وكان له مائة وخمسون سنة وقيل مائة وسبعون سنة وكان صاحب رأى وتدبير وله معرفة بالحروب* وفى الاكتفاء ليس فيه شئ الا التيمن برأيه ومعرفته بالحروب انتهى وكان رأيه أن لا تخرج معهم الاموال والذرارى ولكن غلب على الرأى مالك بن عوف فأخرجوهم معهم فساروا حتى انتهوا الى أوطاس* وفى الاكتفاء فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم دريد بن الصمة فى شجار له يقاد به فلما نزل قال فى أىّ واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس قال مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم قال اين مالك فدعى له فقال يا مالك انك أصبحت رئيس قومك وانّ هذا يوم له ما بعده مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال راعى ضأن والله وهل يردّ المنهزم شىء انها ان كانت لك لن ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه وان كانت عليك فضحت فى أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحدّ والجدّ لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب ولوددت انكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذلك الجذعان لا ينفعان ولا يضرّان يا مالك انك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن فى نحور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 الخيل شيئا ارفعهم الى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم ثم الق الصبا على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من وراءك وان كانت عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال والله لا أفعل انك قد كبرت وكبر عقلك والله لتطيعننى يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهرى وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ورأى قالوا أطعناك قال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتنى يا ليتنى فيها جذع ... أخب فيها وأضع أقور وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرّقت أوصالهم فقال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فو الله ما ردّه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد* ولما سمع بهم نبىّ الله صلى الله عليه وسلم بعث اليهم عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير الى هوازن ذكر له انّ عند صفوان بن أمية ادراعا له وسلاحا فأرسل اليه وهو يومئذ مشرك فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدوّنا غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد فقال بل عارية مضمونة حتى نؤدّيها اليك فقال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل* وفى شفاء الغرام جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شوّال هذه السنة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة أميرا ومعاذ بن جبل اماما بها ومفتيا لمن فيها* وذكر ابن عبد البرّ أنّ عتاب بن أسيد أسلم يوم فتح مكة واستعمله النبىّ صلى الله عليه وسلم عليها حين خرج الى حنين فأقام عتاب للناس الحج تلك السنة وهى سنة ثمان ثم قال فلم يزل عتاب أميرا على مكة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرّه أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه وقيل ماتا فى يوم واحد وكذلك كان يقول ولد عتاب وقال محمد بن سلام وغيره جاء نعى أبى بكر الصديق رضى الله عنه الى مكة يوم دفن عتاب بن أسيد بها وقال السهيلى قال أهل التعبير رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام أسيد بن أبى العيص واليا على مكة مسلما فمات على الكفر وكانت الرؤيا لولده عتاب حين أسلم فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة وهو ابن احدى وعشرين سنة* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عامد الحنين معه ألفان من أهل مكة وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله عليهم فكانوا اثنى عشر ألفا وذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة الى حنين ورأى كثرة من معه من جنود الله لن نغلب اليوم من قلة وزعم بعض الناس أنّ رجلا من بنى بكر قالها* وفى رواية يونس بن بكير عن الربيع قال رجل يوم حنين لن نغلب اليوم فشق ذلك من قلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى رواية أنّ أبا بكر قاله للنبىّ صلى الله عليه وسلم أو لسلمة بن سلامة بن وقش وقيل قائله سلمة فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه فوكلوا الى كلمة الرجل فالهزيمة لجيش الاسلام فى أوّل الحال كانت بسببه* وفى رواية باهى العباس بكثرة العسكر فمنعه النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال تستنصر بصعاليك الامة* وفى المواهب اللدنية ثم خرج من مكة الى حنين يوم السبت لست ليال خلون من شوّال فى اثنى عشر ألفا من المسلمين عشرة آلاف من أهل المدينة من المهاجرين والانصار وغيرهم والفان ممن أسلم من أهل مكة وهم الطلقاء يعنى الذين خلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم فلم يسترقهم واحدهم طليق فعيل بمعنى مفعول وهو الاسير اذا أطلق سبيله وخرج معه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وقال عطاء كانوا ستة عشر ألفا وقال الكلبى كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر مما كانوا فى سائر المواطن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وفى المشكاة ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فجاء فارس فقال يا رسول الله انى اطلعت على جبل كذا وكذا فاذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا على حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة للمسلمين غدا ان شاء الله تعالى ثم قال من يحرسنا الليلة قال أنس بن أبى مرثد الغنوى أنا يا رسول الله قال اركب فركب فرساله فقال استقبل هذا الشعب حتى تكون فى أعلاه ففعل فلما أصبح جاء وقال طلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نزلت الليلة قال لا الا مصليا أو قاضى حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا عليك أن لا تعمل بعد هذا رواه أبو داود وقال ابن عقبة وكان أهل حنين يظنون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دنا منهم فى توجهه الى مكة أنه بادئ بهم وصنع الله لرسوله ما هو أحسن من ذلك فتح له مكة وأقرّ بها عينه وكبت عدوّه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين خرج معه أهل مكة ركبانا ومشاة حتى خرج معه النساء يمشين على غير دين قطارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون ان تكون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه* وحدث أبو واقد الليثى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما قال فرأينا ونحن نسير معه الى حنين سدرة خضراء عظيمة فتنادينا على جنبات الطريق فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر قلتم والذى نفس محمد بيده كما قال قوم موسى له اجعل لنا الها كما لهم آلهة انكم قوم تجهلون فانها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم قال انتهى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوّال وكان قد سبقهم مالك بن عوف فأدخل جيشه بالليل فى ذلك الوادى وفرّقهم على الطرق والمداخل وحرّضهم على قتال المسلمين وأمرهم أن يكمنوا لهم ويرشقوهم أوّل ما طلعوا ويحملوا عليهم حملة واحدة* وفى الاكتفاء قال مالك للناس اذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدّوا شدّة رجل واحد ولما كان وقت السحر جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه وعقد الالوية والرايات وفرّقها على الناس فدفع لواء المهاجرين الى عمر بن الخطاب ولواء الى على بن أبى طالب ولواء الى سعد بن أبى وقاص ولواء الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى خباب بن المنذر وآخر الى سعد بن عبادة وقيل كان لكل بطن من الاوس والخزرج لواء فى تلك الغزوة ولكل قبيلة من القبائل التى كانت معه لواء ثم ركب صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء دلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة واستقبل وادى حنين فى غبش الليل وفى الاكتفاء عن جابر بن عبد الله قال لما استقبلنا وادى حنين انحدرنا فى واد من أودية تهامة أجوف حطوطا انما ننحدر فيها انحدارا وذلك فى عماية الصبح وكان القوم قد سبقوا الى الوادى فكمنوا لنا فى شعابه وأحنائه ومضائقه واجتمعوا وتهيئوا فو الله ما راعنا ونحن منحطون الا الكتائب قد شدّوا علينا شدّة رجل واحد وانشمر الناس راجعين لا يلوى أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أيها الناس هلموا الىّ أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله قال فلا شئ حملت الابل بعضها على بعض* وفى رواية كان خالد بن الوليد مع بنى سليم فى مقدمة الجيش وكان أكثرهم حسرا ليس عليه سلاح أو كثير سلاح فلقوا قوما كمنوا لهم جمع هوازن وبنى النضير وهم قوم رماة لا يكاد يسقط لهم سهم والمسلمون عنهم غافلون فرشقوهم رشقا لا يكادون يخطئون فولى جماعة كفار قريش الذين كانوا فى جيش الاسلام وشبان الاصحاب وأخفاؤهم وتبعهم المسلمون الذين كانوا قريب العهد بالجاهلية ثم انهزم بقية الاصحاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء التى أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى كذا فى رواية البراء بن عازب وكذا قاله السهيلى* وفى رواية كان مركبه يومئذ الدلدل كما مرّ وكان ينطلق من خلفهم ويقول يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله* وفى رواية الىّ أيها الناس* وفى الاكتفاء انطلق الناس الى أن بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته على بن أبى طالب والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه جعفر والفضل بن عباس وفى رواية وقثم بن عباس بدل ابن أبى سفيان انتهى وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد قتل يومئذ بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعقيل بن أبى طالب* وفى رواية ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة فى كمية عددهم وتعيين أشخاصهم وردت روايات مختلفة* ففى رواية الكلبى كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية لم يبلغوا مائة وفى رواية ثمانون وفى رواية اثنا عشر وفى رواية عشرة* وفى رواية لم يبق معه الا أربعة ثلاثة من بنى هاشم علىّ والعباس وأبو سفيان بن الحارث وواحد من غيرهم وهو عبد الله بن مسعود فعلىّ والعباس يحفظانه من قبل وجهه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بعنان بغلته وعبد الله بن مسعود يحفظه من جانبه الا يسر وكان كل من يقبل اليه صلى الله عليه وسلم يقتل البتة* وفى رواية بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلعلّ هذه الرواية كناية عن غاية القلة أو محمولة على أوّل الحال وبعد ذلك اجتمعوا اليه* وفى معالم التنزيل ولما تلاقوا اقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وجلوا عن الذرارى ثم نادوا يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وانكشف المسلمون وانهزموا* وفى الاكتفاء كان رجل من هوازن على جمل له أحمر وبيده راية سوداء فى رأس رمح طويل امام هوازن وهم خلفه اذا أدرك طعن برمحه واذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما ذلك الرجل يصنع ما يصنع اذ هوى له علىّ ابن أبى طالب ورجل من الانصار يريد انه فأتى علىّ من خلفه فضرب عرقوبى الجمل فوقع على عجزه فوثب الانصارى على الرجل فضربه ضربة أطنّ قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال ابن اسحاق فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما فى أنفسهم من الضغن فقال أحدهم وهو أبو سفيان بن حرب لا تنتهى عزيمتهم دون البحر وانّ الازلام لمعه فى كنانته* وفى رواية قيل لما انهزم المسلمون فى أوّل القتال استبشر أبو سفيان وقال غلبت والله هوازن لا يردّهم شئ الا البحر وكان أبو سفيان أسلم يوم الفتح لكن لم يتصلب فيه بعد وكان هو وابنه معاوية يومئذ من المؤلفة قلوبهم وبعد ذلك حسن اسلامهما ولذا استبشر أبو سفيان وقال غلبت والله هوازن فردّ عليه قوله صفوان بن أمية الجمحى وهو يومئذ مشرك فى المدّة التى جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بفيك الكثكث أى الحجارة والتراب لأن يرينى رجل من قريش أحب الىّ أن يربنى رجل من هوازن أراد صفوان برجل من قريش النبىّ صلى الله عليه وسلم وبرجل من هوازن رئيسهم مالك بن عوف كذا قاله الشريف الجرحانى فى حاشية الكشاف* وفى الاكتفاء وصرخ آخر منهم ألابطل السحر اليوم قيل قائله كلدة بن حسل وهو أخو صفوان بن أمية لأمه كذا فى سيرة ابن هشام وقال الاخر لصفوان ابشر فانّ محمدا وأصحابه قد انهزموا قال صفوان فى جواب كل منهم اسكت فض الله فاك فو الله لأن يرينى رجل من قريش أحب الىّ من أن يرينى رجل من هوازن ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرق أصحابه طفق يركض بغلته قبل الكفار وكان العباس بن عبد المطلب آخذا بلجام بغلته ارادة أن لا تسرع وأبو سفيان بن الحارث آخذا بركابه الايمن* وفى رواية انّ العباس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 آخذ بركابه الايمن وأبو سفيان بالايسر يكفانها ارادة أن لا تسرع وهو يقول* أنا النبىّ لا كذب** أنا ابن عبد المطلب* وفى معالم التنزيل وأبو سفيان يقود به بغلته فنزل واستنصر وقال * أنا النبىّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب* وهذا يدل على كمال شجاعته وتمام صولته وقوّته صلى الله عليه وسلم اذ فى هذا اليوم الشديد اختار ركوب البغلة التى ليس لها كر ولا فرّ كما يكون للفرس ومع ذلك توجه وحده نحو العدوّ ولم يخف صفته ونسبه وما هذا كله الا لوثوقه بالله وتوكله عليه وجعل صلى الله عليه وسلم يقول للعباس ناديا معشر الانصار يا أصحاب السمرة يعنى الشجرة التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية أن لا يفرّوا عنه ويا أصحاب سورة البقرة فجعل العباس ينادى تارة يا أصحاب السمرة وتارة يا أصحاب سورة البقرة وكان العباس رجلا صيتا* وفى الكشاف قال عليه السلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين اصرخ بالناس وكان العباس أجهر الناس صوتا* وفى رواية أنّ غارة اتتهم يوما فصاح العباس يا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدّة صوته وزعمت رواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع فى جوفه انتهى ولما سمع المسلمون نداء العباس أقبلوا كأنهم الابل اذا حنت على أولادها* وفى رواية مسلم قال العباس فو الله كانت عطفتهم حين سمعوا صوتى عطفة البقر على أولادها يقولون يا لبيك يا لبيك أو لبيك لبيك* وفى رواية عطفة النحل على يعسو بها فتراجعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ان الرجل منهم اذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع انحدر عنه وأرسله ورجع بنفسه* وفى الاكتفاء فيذهب الرجل ليثنى بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها على عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى* فثاب اليه من كان انهزم أوّلا من المسلمين حتى اذا اجتمع عنده مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته فى ركابه فنظر الى مجتلد القوم وقتالهم كالمتطاول عليها فقال الان حمى الوطيس وهو التنور يخبز فيه يضرب مثلا لشدّة الحرب التى يشبه حرّها حرّه وهذه من فصيح الكلام الذى لم يسمع مثله قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم قال جابر بن عبد الله فى حديثه اجتلد الناس فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبى سفيان بن الحارث وكان قد حسن اسلامه وكان ممن صبر معه يومئذ وهو آخذ شفير بغلته فقال من هذا قال أنا ابن عمك يا رسول الله وقال شيبة بن عثمان بن أبى طلحة أخو بنى عبد الدار وكان أبوه قد قتل يوم أحد قلت اليوم أدرك ثارى اليوم أقتل محمدا قال فأردت برسول الله صلى الله عليه وسلم لا قتله فأقبل شئ حتى تغشى فؤادى فلم أطق ذلك وعلمت انى ممنوع منه وفى سيرة ابن هشام انه ممنوع منى* وذكر ابن أبى خيثمة حديث شيبة هذا قال لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أعرى فذكرت أبى وعمى قتلهما حمزة قلت اليوم أدرك ثارى فى محمد فجئته عن يمينه فاذا أنا بالعباس قائما عن يمينه عليه درع بيضاء قلت عمه لن يخذ له فجئته عن يساره فاذا أنا بأبى سفيان بن الحارث قلت ابن عمه لن يخذ له فجئته من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق الا أن أسور سورة بالسيف فرفع الىّ شواظ من نار كأنه البرق فنكصت على عقبى القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا شيبة أدن فدنوت فوضع يده على صدرى فاستخرج الله الشيطان من قلبى فرفعت اليه بصرى فهو أحب الىّ من سمعى وبصرى فقال لى يا شيبة هكذا قاتل الكفار فقاتلت معه صلى الله عليه وسلم* وفى الصفوة عن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة الحجبى أنه قال لما كان عام الفتح دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت أسير مع قريش الى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا أن أصيب من محمد غرّة فأثار منه فأكون أنا الذى قمت بثار قريش كلها وأقول لو لم يبق من العرب والعجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا فلما اختلط الناس واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته أصلت السيف فدنوت منه أريد منه ما أريد فرفعت سيفى فرفع لى شواظ من نار كالبرق حتى كاد يمتحشنى فوضعت يدى على بصرى خوفا عليه فالتفت الىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى يا شيبة ادن منى فدنوت منه فمسح صدرى وقال اللهم أعذه من الشيطان فو الله فهو كان ساعتئذ أحب الىّ من سمعى وبصرى وأذهب الله عز وجل ما كان عندى ثم قال ادن فقاتل فتقدّمت بين يديه ولو لقيت تلك الساعة أبى أو كان جبلا أوقعت به السيف فلما تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد قربت بغلته صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها فخرج فى أثرهم حتى تفرقوا فى كل وجه ورجع معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه فقال يا شيبة الذى أراده الله بك خير مما أردت لنفسك ثم حدّثنى بكل ما أضمرت فى نفسى مما لم أكن أذكره لاحد قط قلت أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك رسول الله وقلت استغفر لى فقال غفر الله لك* وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم تناول حصيات من الارض ثم قال شاهت الوجوه أى قبحت ورمى بها فى وجوه المشركين فما كان انسان منهم الا وقد امتلأت عيناه من تلك القبضة التراب وكذا عن سلمة بن الاكوع وقيل انه أخذ تلك القبضة بأمر جبريل عليه السلام* وفى رواية مسلم انها قبضة من تراب من الارض فيحتمل أن يكون رمى بهذه مرّة وبالاخرى أخرى ويحتمل أن تكون قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب ولاحمد وأبى داود والدارمى من حديث أبى عبد الرحمن الفهرى فى قصة حنين قال فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله ثم اقتحم عن مركبه فأخذ كفا من تراب قال فأخبرنى الذى كان أدنى اليه منى أنه ضرب وجوههم فهزمهم الله تعالى قال يعلى بن عطاء رواية عن أبى همام عن أبى عبد الرحمن الفهرى فحدّثنى أبناؤهم عن آبائهم انهم قالوا لم يبق منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة من السماء كامرار الحديد على الطست الجديد بالجيم المعجمة من قبيل امرأة قتيل* ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود فحادت به رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته فمال السرج فقلت ارتفع يرحمك الله فقال ناولنى كفا من تراب فضرب فى وجوههم وامتلأت أعينهم ترابا وجاء المهاجرون والانصار وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب فولى المشركون الادبار كذا فى المواهب اللدنية وفى معجم الطبرانى الاوسط قال لما انهزم المسلمون يوم حنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء يقال لها الدلدل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم دلدل البدى فألصقت بطنها بالارض حتى أخذ النبىّ صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها فى وجوههم وقال حم لا ينصرون فانهزم القوم كما قال الله تعالى وما رميت اذ رميت ولكنّ الله رمى فما رموا بسهم ولا طعنوا برمح ولا ضربوا بسيف فهزمهم الله* وفى حياة الحيوان أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين لعمه العباس ناولنى من البطحاء فأفقه الله البغلة كلامه فانخفضت به الى الارض حتى كاد بطنها يمس الارض فتناول صلى الله عليه وسلم كفا من الحصباء فنفخ فى وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه حم لا ينصرون وقال انهزموا ورب محمد وفى رواية قال اللهمّ أنشدك وعدك لا ينبغى لهم أن يظهروا علينا وفى رواية اللهمّ انجزلى ما وعدتنى وفى رواية اللهمّ لك الحمد ولك المشتكى وأنت المستعان فقال له جبريل يا محمد أنت اليوم لقنت بكلمات لقن بها موسى يوم فلق البحر لبنى اسرائيل* وفى الاكتفاء وذكر ابن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام يومئذ فى المركلتين وهو على البغلة ويقولون نزل ورفع يديه الى الله عز وجل يدعوه يقول اللهم انى أنشدك ما وعدتنى اللهمّ لا ينبغى لهم أن يظهروا علينا ونادى أصحابه فذكرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 يا أصحاب البيعة يوم الحديبية يا أصحاب سورة البقرة يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بنى الخزرج وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها فى وجوه المشركين ونواحيهم كلها وقال شاهت الوجوه فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وابلهم وفرّ مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف فى ناس من أشراف قومه وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة وغيرهم حين رأوا نصرة الله لرسوله واعزاز دينه وهزيمة القوم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فرأى أمّ سليم بنت ملحان وكانت مع زوجها أبى طلحة وهى حازمة وسطها ببردتها وانها لحامل بعبد الله بن أبى طلحة ومعها جمل أبى طلحة وقد خشيت أن يغرها فأذنت رأسه منها وأدخلت يده فى خزامه مع الخطام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ سليم قالت نعم يا نبىّ الله بأبى أنت وأمى يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك فانهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكفى الله يا أم سليم كذا فى الاكتفاء قال ومعها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أمّ سليم قالت خنجر اخذته اذا دنا منى أحد من المشركين بعجته به قال يقول أبو طلحة ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أمّ سليم الرمصاء كذا فى سيرة ابن هشام* وفى المواهب اللدنية روى أبو جعفر بن جرير بسنده عن عبد الرحمن عن رجل كان فى المشركين قال لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لم يقوموا لنا مقدار حلب شاة فلما لقيناهم جعلنا نسوقهم فى آثارهم حتى انتهينا الى صاحب البغلة البيضاء فاذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتلقتنا عنده رجال بيض الوجوه حسان فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا انتهى* ولما اجتمع عند النبىّ صلى الله عليه وسلم زها مائة رجل وشرعوا فى القتال لم تلبث هوازن مقدار حلب شاة أو حلب ناقة الا انهزموا* وعن جبير بن مطعم رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل النجاد الاسود نزل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت فاذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادى لم أشك انها الملائكة فلم تكن الا هزيمة القوم كذا فى حياة الحيوان* وفى الاكتفاء عن سعيد بن جبير أنه قال أمدّ الله نبيه يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين* وروى ان رجلا من المشركين من بنى النضير يقال له شمرة قال للمؤمنين بعد القتال أين الخيل البلق والرجال الذين عليهم ثياب بيض ما نراكم فيهم الا كهيئة الشامة وما كان قتلنا الا بأيديهم فأخبروا بذلك رسول صلى الله عليه وسلم قال تلك الملائكة* وروى عن مالك بن أوس أنه قال ان نفرا من قومى حضروا معركة حنين قد حكوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رمى تلك القبضة من الحصى لم تبق عين أحد منا الا وقعت فيها الحصاة وأخذ قلوبنا الخفقان ورأينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض وعليهم عمائم حمر قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم وما كنا نقدر أن ننظر اليهم من الرعب وما خيل الينا الا ان كل شجر وحجر فارس يطلبنا* وفى سيرة الدمياطى كانت سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوا أطرافها بين أكتافهم* وفى البخارى عن البراء وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر كان هوازن رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فانكببنا على المغانم فاستقبلتنا بالسهام ولقد رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول* أنا النبىّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب* وبهاتين الغزاتين أعنى حنينا وبدرا قاتلت الملائكة بأنفسها مع المسلمين ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الكفار بالحصاة فيهما* وعن أبى قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت الى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 يختله من ورائه ليقتله فأسرعت الى الذى يختله فرفع يده ليضربنى فضربت يده فقطعتها وعبارة الاكتفاء قال أبو قتادة رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان مسلما وكافرا فاذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقنى بيده الآخرى فو الله ما أرسلنى حتى وجدت ريح الدم ويروى ريح الموت فلولا ان الدم نزفه لقتلنى فسقط فضربته فقتلته وأجهضنى عنه القتال انتهى* وفى رواية عنه فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علىّ فضمنى ضمة وجدت ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلنى* وفى رواية ثم نزف فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب فى الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر الله* ثم تراجع الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضعت الحرب أو زارها وفرغنا من القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه* وفى الاكتفاء من قتل قتيلا فله سلبه* وفى رواية من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قمت لالتمس بينة على قتيلى فلم أر أحدا يشهد فجلست ثم بدا لى فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله لقد قتلت قتيلا ذا سلب فأجهضتى عنه القتال فما أدرى من استلبه فقال رجل من جلسائه من أهل مكة سلاح هذا القتيل الذى تذكره عندى فأرضه عنه* وفى الاكتفاء فقال رجل من أهل مكة صدق يا رسول الله فأرضه عنى من سلبه قال أبو بكر كلا يعطيه أضيبع من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله والا ضيبع تصغير الضبع كذا فى حياة الحيوان فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم صدق أبو بكر فأعطه فأعطانيه فاشتريت مخرفا فى بنى سلمة وانه لاوّل مال تأثلته فى الاسلام* وفى الاكتفاء قال أبو بكر لا والله لا يرضيه منه تعمد الى اسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه أردد عليه سلب قتيله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردد عليه سلبه قال أبو قتادة فأخذته منه وبعته فاشتريت بثمنه مخرفا فانه لاوّل مال اعتقرته وعن أنس قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلا وأخذ سلبهم* وفى الشفاء وسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم عن وجه عائذ بن عمرو وكان جرح يوم حنين ودعا له وكانت له غرّة كغرّة الفرس وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم مرّ يومئذ بامرأة قتلت فازدحم الناس عليها فسأل عنها فقالوا له هى امرأة من الكفار قد قتلها خالد بن الوليد فبعث الى خالد ونهاه عن قتل المرأة والطفل والاجير* وفى الاكتفاء لما انهزمت هوازن استمرّ القتل من ثقيف فى بنى مالك فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة ومعه كانت راية بنى مالك وكانت قبله مع ذى الخمار فلما قتل أخذها عثمان فقاتل بها حتى قتل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله قال أبعده الله فانه كان يبغض قريشا* وعن ابن اسحاق أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصرانى أغرل قال فبينما رجل من الانصار يسلب قتلى ثقيف اذ كشف العبد يسلبه فوجده أغرل فصاح بأعلى صوته يا معشر العرب يعلم الله ان ثقيفا غرل قال المغيرة بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا فى العرب فقلت لا تقل كذا فداك أبى وأمى انه غلام لنا نصرانى قال ثم جعلت اكشف له القتل أقول ألا تراهم مختتنين كما ترى كذا فى سيرة ابن هشام* وكانت راية الاحلاف مع قارب بن الاسود فلما انهزم الناس هرب هو وقومه من الاحلاف فلم يقتل منهم غير رجلين يقال لاحدهما وهب وللاخر الجلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف الا ما كان ابن هنيدة يعنى الحارث بن أويس ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك فى نخلة من الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 ولم تتبع من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن رفيع وهو غلام ويقال له ابن الدغنة وهى أمه غلبت على اسمه دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن انه امرأة وذلك انه كان فى شجار له فأناخ به فاذا شيخ كبير واذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد بى قال أقتلك قال من أنت قال انا ربيعة ابن رفيع السلمى ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفى هذا من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فانى كذلك كنت أضرب الرجال ثم اذا أتيت أمك فأخبرها انك قتلت دريد بن الصمة فرب والله يوم منعت فيه نساءك فزعم بنو سليم ان ربيعة قال لما ضربته فوقع تكشف فاذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء فلما رجع ربيعة الى أمه أخبرها بقتله اياه فقالت أمه والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا كذا فى الاكتفاء* وفى رواية قتله الزبير بن العوّام قالت عمرة بنت دريد ترثى أباها قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا ... فظل دمعى على السربال ينحدر لولا الذى قهر الاقوام كلهمو ... رأت سليم وكعب كيف تأتمر قال ابن هشام ويقال اسم الذى قتل دريدا عبد الله بن قنيع بن اهبان بن ربيعة* سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس وفى شوّال هذه السنة كانت سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس وهو عمّ أبى موسى الاشعرى وقال ابن اسحاق ابن عمه والاوّل أشهر وأوطاس واد معروف فى ديار هوازن بين حنين والطائف* روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حنين عقد لواء ودفعه الى ابى عامر الاشعرى وأمّره على جمع من الصحابة منهم أبو موسى الاشعرى وسلمة بن الاكوع والزبير بن العوّام وبعثه فى آثار من توجه قبل أوطاس من فرّار هوازن يوم حنين فأدرك بعض المنهزمين فناوشوه القتال فرمى أبو عامر بسهم فقتل فأخذ الراية أبو موسى الاشعرى ففتح الله عليه وهزمهم الله ويزعمون أنّ سلمة بن دريد هو الذى رمى أبا عامر وذكر ابن هشام عمن يثق به أنّ أبا عامر الاشعرى لقى يوم أوطاس عشرة اخوة من المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه رجلا بعد رجل ويحمل أبو عامر ويقول ذلك حتى قتل تسعة وبقى العاشر فحمل على أبى عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد علىّ فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رآه قال هذا شريد أبى عامر كذا فى الاكتفاء* وعن ابن اسحاق وغيره من أصحاب السير لما قال عاشر الاخوة اللهم لا تشهد علىّ أمسك عنه أبو عامر يظنّ أنه أسلم فقتل ذلك الرجل أبا عامر وبعد ذلك أسلم وحسن اسلامه وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول له شريد أبى عامر* وعن أبى موسى الاشعرى أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الى أوطاس وبعثنى معه فلما لقينا العدوّ وقاتلناه رمى رجل من بنى جشم بسهم فى ركبة أبى عامر فأثبته فيها فانتهيت اليه أى عمّ من رماك فأشار الى رجل فقصدته ولحقته فلما رآنى ولى هاربا فتبعته وهو يهرب وجعلت أقول له ألا تستحيى ألا تثبت فكف عن الهرب فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته فرجعت ثم قلت لابى عامر قتل الله صاحبك الذى رماك بالسهم فقال لى انزع منى هذا السهم فنزعته من ركبته فخرج منه الماء أو قال الدم مثل الماء فلما رأى ذلك أبو عامر يئس من حياته وقال يا ابن أخى أقرئ النبىّ صلى الله عليه وسلم منى السلام وقل له يستغفرلى واستخلفنى أبو عامر فمكث يسيرا ثم توفى رحمة الله عليه ووقع فتح أوطاس بيدى فرجعت ثم دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى بيته وهو على سرير مرمّل أى منسوج من ليف وما عليه فراش قد أثر رمال السرير فى ظهره وجنبيه فأخبرته بخبر أبى عامر وقوله قل له يستغفرلى فدعا بماء وتوضأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وفى رواية صلى ركعتين ثم رفع يديه فرأيت بياض ابطيه وقال اللهم اغفر لعبيدك أبى عامر واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك فقلت ولى فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما والتوفيق بين الروايتين أن يقال انّ الرجل الذى قاله محمد بن اسحاق لم يكن قاتلا حقيقيا لابى عامر بل كانت له شركة فى قتله والله أعلم* وذكر ابن هشام انه رمى أبا عامر يومئذ أخوان من بنى جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والاخر ركبته فقاتلاه وولى الناس أبو موسى الاشعرى فحمل عليهما فقتلهما وذكر ابن اسحاق ان القتل استحرّ فى بنى رباب وزعموا ان عبد الله بن قيس الذى يقال له العوراء وهو أحد بنى وهب بن رباب قال يا رسول الله هلكت بنو رباب فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اجبر مصيبتهم وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة فوقف فى فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لاصحابه قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم وتلحق أخراكم فوقف هنالك حتى مرّ من كان لحق بهم من منهزمة الناس* قال ابن هشام وبلغنى أنّ خيلا طلعت ومالكا وأصحابه على الثنية فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى أقواما عارضى رماحهم أغفالا على خيلهم قال هؤلاء الاوس والخزرج فلا بأس عليكم منهم فلما انتهوا الى أصل الثنية سلكوا طريق بنى سليم فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى قوما واضعى رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادّهم قال هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم فلما سلموا سلكوا بطن الوادى ثم اطلع فارس فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى فارسا طويل البادّوا ضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء قال هذا الزبير بن العوّام وأحلف باللات والعزى ليخالطنكم فاثبتوا له فلما انتهى الزبير الى أصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها* وروى أنّ المسلمين قد كانوا أخذوا سبايا يوم حنين وأوطاس وكانوا يستكرهون نساء السبى اذ كنّ ذوات أزواج فاستفتوا فى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية وهى والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم يريد ما ملكت أيمانهم من اللاتى سبين ولهنّ أزواج كفار فهنّ حلال للسابين والنكاح مرتفع بالسبى لقول أبى سعيد رضى الله عنه أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهنّ أزواج فكرهنا أن نقع عليهنّ فسألنا النبىّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية فاستحللناهنّ واياه عنى الفرزدق بقوله وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلال لمن يا بنى بها لم تطلق وقال أبو حنيفة رحمه الله لو سبى الزوجان لم يرتفع النكاح ولم يحلّ للسابى كذا فى أنوار التنزيل وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سبايا حنين وأوطاس لا توطأ حامل من السبى حتى تضع حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة فسألوا عن العزل قال ليس من كل الماء يكون الولد واذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شئ* وفى الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ان قدرتم على بجاد رجل من بنى سعد بن بكر فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثا فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء ابنة الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها فى السياق فقالت للمسلمين اعلموا أنى أخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدّقوها حتى أتوابها الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى أختك قال وما علامة ذلك قالت عضة عضضتنيها فى ظهرى وأنا متورّكتك فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه* وفى رواية ودمعت عيناه وخيرها وقال ان أحببت فأقيمى عندى محبة مكرمة وان أحببت أن أمتعك وترجعى انى قومك فعلت فقالت بل تمتعنى وتردّنى الى قومى فأسلمت فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردّها الى قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوّجت الغلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 للجارية فلم يزل فيهم من نسلهما بقية* وفى المواهب اللدنية روى أنّ خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أغارت على هوازن فأخذوها فى جملة السبى* وفى رواية أعطاها ثلاثة أعبد وجارية وبعيرين وشاء ذكره ابو عمرو وابن قتيبة وسماها حذافة ولقبها بشيماء فانصرفت الى أهلها* وفى المواهب اللدنية جاءته يوم حنين أمّه من الرضاع وهى حليمة السعدية بنت أبى ذؤيب من هوازن وهى التى أرضعته حتى أكملت رضاعه فقام اليها وبسط رداءه لها فجلست عليه واختلف فى اسلامها واسلام زوجها كما اختلف فى اسلام ثويبة* وفى الاكتفاء وأنزل الله تبارك وتعالى فى يوم حنين لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم الى قوله جزاء الكافرين واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة فمن قريش من بنى هاشم أيمن بن عبيد مولاهم ومن بنى أسد بن عبد العزى يزيد بن زمعة بن الاسود بن المطلب جمح به فرس له يقال له الجناح فقتله ومن الانصار سراقة بن الحارث العجلانى ومن الاشعريين أبو عامر الاشعرى وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ثم جمعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها فأمر بها الى الجعرانة فحبست بها حتى أدركها هناك منصرفه عن الطائف على ما يذكر بعد ان شاء الله تعالى * سرية الطفيل بن عامر الى ذى الكفين وفى شوّال هذه السنة كانت سرية الطفيل بن عمرو الدوسى الى ذى الكفين وهو صنم من خشب كان لعمرو بن حممة ولما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم السير الى الطائف بعث الطفيل اليه ليهدمه ويوافيه بالطائف فخرج الطفيل سريعا فهدمه وجعل يحش النار ويحرقه ويقول يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا انى حشيت النار فى فؤادكا وانحدر معه من قومه أربعمائة رجل سراعا فوافوا النبىّ صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدموا معهم المنجنيق والدبابة بالدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وهى آلة تتخذ للحرب تدفع فى أصل الحصن فينقبونه وهم فى جوفها كذا فى القاموس وعند مغلطاى وقدم معه أربعة مسلمون كذا فى المواهب اللدنية* غزوة الطائف وفى شوّال هذه السنة كانت غزوة الطائف وفى معجم ما استعجم الطائف التى بالغور لثقيف وانما سميت بالحائط الذى بنوا حواليها وأطافوا بها تحصينا لهم* وفى المواهب اللدنية الطائف بلد كبير على ثلاث مراحل أو مرحلتين من مكة من جهة المشرق كثير الاعناب والفواكه وقيل انّ أصلها أنّ جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التى كانت لاهل الصريم باليمن وقيل كان اسمها صراون وقيل حرد* وفى أنوار التنزيل يريد بستانا كان دون صنعاء بفرسخين وكان لرجل صالح انتهى* وفى المواهب اللدنية اقتلعها جبريل وسار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف فسمى الموضع بها وكانت أوّلا بنواحى صنعاء واسم الارض وج بتشديد الجيم* وفى زبدة الاعمال عن سائب بن يسار قال سمعت ولد رافع بن جبير وغيره يذكرون انهم سمعوا انه لما دعا ابراهيم عليه السلام لاهل مكة أن يرزقوا من الثمرات نقل الله تعالى بقعة الطائف من الشام فوضعها هناك رزقا للحرم* روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وج على ترعة من ترع الجنة الترعة ممرّ الماء الى الاسفل كما انّ التلعة ممرّ الماء الى الاعلى كذا نقل عن الزمخشرى* وفى الصحاح الترعة بالضمّ الباب* وفى الحديث انّ منبرى هذا على ترعة من ترع الجنة ويقال الترعة الروضة ويقال الدرجة وقيل الترعة أفواه الجداول* وفى الفائق ما روى فى الحديث من ترع الحوض والاصل فى هذا البناء الترع وهو الاسراع والنزوّ الى الشرّ يقال يتترّع الينا أى يتسرّع ويتنزى الى شرّنا ثم قيل كوز مترع وجفنة مترعة لان الاناء اذا امتلأ سارع الى السيلان ثم قيل لمفتح الماء الى الحوض ترعة وشبه به الباب وأمّا الترعة بمعنى الروضة على المرتفع والدرجة فمن النزوّ لان فيه معنى الارتفاع* وروى عن شيخ الخدّام للضريح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 النبوى المعروف ببدر الدين الشهابى بلغه أنّ ميضأة وقعت فى عين الازرق فى الطائف فخرجت بعين الازرق بمدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم وفى كون وج حرما اختلاف فعند أبى حنيفة انه ليس بحرم وعند الشافعى ومالك انه حرم كمكة والمدينة* قال صاحب الوجيز ورد النهى عن صيد وج الطائف وقطع نباتها وهو نهى كراهة يوجب تأديبا لا ضمانا* وسئل محمد بن عمر القسطلانى امام المالكية ومفتيها هل رأيت فى مذهب مالك مسئلة فى صيدوج فقال لا أعرفها ولا يسعنى أن أفتى بتحريم صيدها لان الحديث ليس من الاحاديث التى ينبنى عليها التحريم والتحليل* قال أصحاب السير لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا لعشر أو لاحد عشر من شوّال وهو من أشهر السنة الثامنة من الهجرة خرج الى الطائف يريد جمعا من هوازن وثقيف قد هربوا من معركة حنين وتحصنوا بحصن الطائف وقدّم خالد بن الوليد فى ألف رجل على مقدمته طليعة ومرّ فى طريقه بقبر أبى رغال وهو أبو ثقيف فيما يقال فاستخرج منه غصنا من ذهب وقد كان فلّ ثقيف لما قدموا الطائف دخلوا حصنهم وهو حصن الطائف ورمّوه وأدخلوا فيه من الزاد وغيره من جميع ما يصلحهم لسنة ثم رتبوا عليه المجانيق وأدخلوا فيه الرماة وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم وتهيؤا للقتال* وفى الاكتفاء ولم يشهد حنينا ولا الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والمجانيق والضبور ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف حين فرغ من حنين وسلك على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم المليح ثم بحرة الرغا من لية فابتنى بها مسجدا فصلى فيه وأقاد فيها يومئذ بدم رجل من هذيل قتله رجل من بنى ليث فقتله به وهو أوّل دم أقيد به فى الاسلام ومر فى طريقه بحصن مالك بن عوف فهدمه ثم سلك فى طريق فسأل عن اسمها فقيل له الضيقة فقال بل هى اليسرى ثم خرج منها حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم امّا أن تخرج وامّا أن تخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر باخرابه ثم مضى حتى انتهى الى الطائف فنزل قريبا من حصنه فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل رشقهم أهل الحصن رشقا وأصيب ناس من المسلمين* وفى المواهب اللدنية فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحته وقتل منهم اثنا عشر رجلا فيهم عبد الله بن ابى أمية* ورمى عبد الله ابن أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه يومئذ بجرح رماه أبو محجن الثقفى فاندمل ثم نقض عليه بعد ذلك فمات فى خلافة أبيه وذلك أنّ العسكر اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل ارتفع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجده الدى فى الطائف اليوم ووضع عسكره هناك فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وقيل بضع عشرة ليلة ومعه امرأتان من نسائه أمّ سلمة وزينب فضرب لهما قبتين ثم صلى بينهما طول خصاره الطائف فلما أسلمت ثقيف بنى عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك على مصلاه ذلك مسجد او كانت فيه سارية فيما يزعمون لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر الا سمع لها نضيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل ونصب عليهم المنجنيق ورماهم به فيما ذكر ابن هشام قال وهو أوّل منجنيق رمى به فى الاسلام اذ ذاك وكان قدم به الطفيل الدوسى معه لما رجع من سرية ذى الكفين* وفى المنتقى عن مكحول أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما حتى اذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثمّ زحفوا بها الى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سلك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم بالنبل فقتلوا منهم رجلا ثم أمر النبىّ صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 الله عليه وسلم يقطع أعناب ثقيف وتحريقها فوقع الناس فيها يقطعون قطعا ذريعا ثم سألوه أن يدعها لله وللرّحم فقال عليه السلام انى أدعها لله وللرّحم* وفى الاكتفاء وتقدّم أبو سفيان بن حرب والمغيرة ابن شعبة الى الطائف فناديا ثقيفا أن أمّنونا حتى نكلمكم فأمّنوهما فدعوا نساء من نساء قريش وبنى كنانة منهنّ آمنة بنت أبى سفيان كانت عند عروة بن مسعود فولد له منها داود بن عروة* قال ابن هشام ويقال أم داود وميمونة بنت أبى سفيان كانت عند مرّة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن مرّة ليخرجنّ اليهما وهما يخافان عليهما السبى فأبين فلما أبين قال لهما الاسود بن مسعود يا أبا سفيان ويا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له انّ مال بنى الاسود حيث علمتما وكان صلى الله عليه وسلم نازلا بينه وبين الطائف بواد يقال له العقيق انه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشدّ مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بنى الاسود وانّ محمدا ان قطعه لم يعمر أبدا فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله وللرّحم فانّ بيننا وبينه من القرابة مالا يجهل فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم* وفى المواهب اللدنية ثم نادى مناديه عليه السلام أيما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حرّ* قال الدمياطى فخرج منهم بضع عشرة وأسلموا فيهم أبو بكرة واسمه نفيع بن الحارث تسوّر حصن الطائف فى أناس وتدلى منه ببكرة بفتح الباء خشبة مستديرة فى وسطها محز يستقى عليها كذا فى القاموس فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرة وعند مغلطاى ثلاثة وعشرون عبدا وكذا فى البخارى وأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزل منهم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة فلما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم فى أولئك العبيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أولئك عتقاء الله* وعن أمّ سلمة أنها قالت دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم خيمتها فى أيام محاصرة الطائف وعندها أخوها عبد الله بن أبى أمية ومخنث يقول يا عبد الله ان فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان كناية عن سمنها يعنى بأربع عكن فى بطنها لكل عكنة طرفان فيكون ثمان من خلفها فلما سمعه النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل هؤلاء عليكنّ ولم يؤذن للنبىّ صلى الله عليه وسلم فى فتح الطائف سنتئذ* وفى الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لابى بكر الصدّيق رضى الله عنه وهو محاصر ثقيفا يا أبا بكر انى رأيت أن أهديت لى قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك فهراق ما فيها وكان أبو بكر ماهرا فى تعبير الرؤيا مشهورا بين العرب فقال ما أظنّ انك تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا لا أرى ذلك ثم ان خويلة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون قالت يا رسول الله أعطنى ان فتح الله عليك الطائف حلى بادية ابنة غيلان أو حلى الفارعة ابنة عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وان كان لم يؤذن فى ثقيف يا خويلة فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل عمر رضى الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدّثتنيه خويلة زعمت انك قلته قال قد قلته قال أو ما أذن فيهم يا رسول الله قال لا قال أفلا أوذن بالرحيل قال بلى فاذن عمر بالرحيل فلما استقبل الناس نادى سعيد ابن عبيد ألا انّ الحى مقيم يقول عيينة بن حصن أجل والله مجدة كراما فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة تمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره قال والله انى جئت لا قاتل ثقيفا معكم ولكنى أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أطأها لعلها تلد لى رجلا فان ثقيفا قوم مناكير انتهى* وفى رواية فلما آذن عمر بالرحيل ضج الناس من ذلك وقالوا نرحل ولم يفتح علينا الطائف فقال عليه السلام فاغدوا على القتال فغدوا فأصاب المسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 جراحات وفقئت يومئذ عين أبى سفيان بن حرب فذكر ابن سعد أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له وهى فى يده أيما أحب اليك عين فى الجنة أو أدعو الله تعالى أن يردّها عليك قال له بل عين فى الجنة ورمى بها وشهد اليرموك فقتل وفقئت عينه الآخرى يومئذ ذكره الحافظ زين الدين العراقى فى شرح التقريب كذا فى المواهب اللدنية* ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا قافلون ان شاء الله فسرّوا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك واستشهد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الانصار ورجل من بنى ليث اما الذين من قريش فمن بنى أمية بن عبد شمس سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة بن حباب حليف لهم من الاسد بن غوث* قال ابن هشام ويقال ابن خباب قال ابن اسحاق ومن تيم بن مرّة عبد الله بن أبى بكر الصدّيق رمى بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بنى مخزوم عبد الله بن أمية بن المغيرة من رمية رميها يومئذ ومن بنى عدى بن كعب عبد الله بن عامر بن ربيعة حليف لهم ومن بنى سهم بن عمرو السائب بن الحارث ابن قيس بن عدى واخوه عبد الله بن الحارث ومن بنى سعد بن ليث جليحة بن عبد الله وأمّا الذين هم من الانصار فمن بنى سلمة سالم بن الجذع ومن بنى مازن بن النجار الحارث بن سهيل بن أبى صعصعة ومن بنى ساعدة المنذر بن عبد الله ومن الاوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه قولوا لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده فلما ارتحلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ولما قيل له يوم ظعن عن ثقيف يا رسول الله ادع على ثقيف قال اللهمّ اهد ثقيفا وائت بهم وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر أن يجمع السبى والغنائم مما أفاء الله عليه يوم حنين فجمع ذلك كله الى الجعرانة وكان بها الى أن انصرف من الطائف من غير فتح وفى تاريخ اليافعى أسلم أهل الطائف فى العام القابل لا فى عام المحاصرة فرجع صلى الله عليه وسلم مارا على دحناء ثم على قرن المنازل ثم على نخلة حتى خرح الى الجعرانة ونزلها وهى بين الطائف ومكة وهى الى مكة أدنى وبها قسم غنائم حنين ومنها أحرم لعمرته فى جهته تلك* وفى هذه السنة أسلم صفوان بن أمية الجمحى وقد مرّت كيفية اسلامه* وفى خلاصة السير أنه صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة الطائف فبينما هو يسير ليلا بواد بقرب الطائف اذ غشى سدرة فى سواد الليل وهو فى سنة النوم فانفرجت السدرة له نصفين فمرّ بين نصفيها وبقيت منفرجة على حالتها فأتى الجعرانة لخمس ليال خلون من ذى القعدة فأقام بها ثلاثة عشر يوما وسيجىء واستأنى صلى الله عليه وسلم بهوازن أى تربص بهم وانتظرهم أن يقدموا عليه مسلمين ثم أتاه وفد من هوازن من أهل الطائف ولحقوا به بالجعرانة فأسلموا وقد كان المسلمون جمعوا بها غنائم حنين وما حصل من أوطاس والطائف فقسمها على الناس وذلك ستة آلاف من الذرارى والنساء وأربعة وعشرون ألفا من الابل وأربعة آلاف أوقية من الفضة وأكثر من أربعين ألفا من الغنم* وفى الاكتفاء ومن الابل والشاء ما لا يدرى عدّتهم قيل قدمت هوازن فقالوا يا رسول الله انا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا منّ الله عليك وقام رجل منهم من سعد بن بكر يقال له زهير يكنى بأبى صرد فقال يا رسول الله انما فى لحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك ولو أنا ملكنا للحارث بن أبى شمر وللنعمان بن المنذر ثم نزلا منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين* ثم أنشأ أبياتا منها قوله أمنن علينا رسول الله فى كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مفروقة شملها فى دهرها غير أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وفوك تملأه من مخضها الدرر اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤكم وأبناؤكم أحب اليكم أم أموالكم فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا واحسابنا بل تردّ الينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب الينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فاذا انا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا انا نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله فى أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك واسأل لكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا اليه فتكلموا بالذى أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أماما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الانصار وما كان لنا فهو لرسول الله فقال الاقرع بن حابس أمّا أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن امّا أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس اما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بهتمونى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّا من تمسك منكم بماله من هذا السبى فله بكل انسان ست فرائض من أوّل شئ أصيبه فردّوا الى الناس أبناءهم ونساءهم وكان عيينة بن حصن قد أخذ عجوزا من عجائزهم وقال انى لأحسب ان لها فى الحى نسبا وعسى أن يعظم فداؤها فلما ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مائة من الابل وقال له ولدها والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا فوها ببارد ولا صاحبها بواجد أى يحزن لفواتها فقال عيينة خذها لا بارك الله لك فيها* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق حدّثنى أبو وجرة يزيد بن عبد الله السعدى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى على بن أبى طالب جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان وأعطى عثمان ابن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله ولده رضى الله تعالى عنهم أجمعين* (ذكر اسلام مالك بن عوف النضرى) * وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن ما فعل مالك بن عوف النضرى قالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال لهم أخبروا مالكا أنه ان أتانى مسلما رددت عليه ماله وأهله وأعطيته مائة من الابل فأتى مالك بذلك فخاف ثقيفا أن يعلموا بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له وأمر بفرس له فأتى به بالطائف فخرج ليلا على فرسه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فردّ عليه ماله وأهله وأعطاه مائة من الابل وأسلم فحسن اسلامه فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وكان يقاتل بهم ثقيفا فكان لا يخرج لهم سرح الا أغار عليهم حتى ضيق عليهم وفى رواية لما أتاه وفد هوازن فسألوا أن يردّ عليهم سبيهم وأموالهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فيهم وقال ان معى من ترون وأحب الحديث أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما السبى واما المال قالوا انا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أمّا بعد فان اخوانكم قد جاؤا تائبين وانى قد رأيت أن أردّ اليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه اياه من أوّل ما يفئ الله علينا فليفعل قال ناس قد طبنا بذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا ندرى من أذن منكم فى ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس كلهم وعرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه انهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 قد طيبوا وأذنوا* وفى الشفاء ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف ولما فرغ من ردّ سبايا حنين الى أهلها ركب واتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا سبايا الابل والغنم حتى ألجأوه الى شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال ردّوا علىّ ردائى أيها الناس فو الله لو كان لى بعدد شجر تهامة نعم لقسمته عليكم ثم ما لقيتمونى بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا ثم قام الى جنب بعيره فأخذ وبرة من سنامه فرفعها ثم قال أيها الناس والله مالى من فيئكم ولا هذه الوبرة الا الخمس والخمس مردود عليكم فأدّوا الخياط والمخيط فان الغلول يكون على أهله عارا وشنارا ونارا يوم القيامة* وفى رواية فجاء رجل من الانصار بكبة من خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه البكبة أعمل بها برذعة بعير لى من وبر فقال أما نصيبى منها فلك قال اذا بلغت ذلك فلا حاجة لى بها ثم طرحها من يده* وفى رواية ان عقيل بن أبى طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة وسيفه متلطخ دما فقالت انى قد عرفت انك قد قاتلت فماذا أصبت من غنائم المشركين قال دونك هذه الابرة بخيطين فخيطى بها ثوبك فدفعها اليها فسمع منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليردّه حتى الخياط والمخيط فرجع عقيل فقال ما أدرى ابرتك الا قد ذهبت وأخذها فألقاها فى الغنائم وقد صح ان النبىّ صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم عطاء كاملا وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف بهم قومهم كيما يودّوه ويكفوا عن حربه قيل هم خمسة عشر رجلا* وفى المضمرات المؤلفة قلوبهم ثلاثة أصناف صنف يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا ويسلم قومهم باسلامهم وصنف أسلموا فيريد تقريرهم وصنف يعطيهم لدفع شرّهم مثل عباس بن مرداس وعيينة بن حصن وعلقمة بن عدية* وفى السراجية من المؤلفة قلوبهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن الفزارى والأقرع بن حابس الطائى وعباس بن مرداس السلمى وزيد الخيل* وفى رواية ان أبا سفيان بن حرب جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم والاموال من نقود وغيرها مجموعة عنده فقال يا رسول الله أنت اليوم أغنى قريش فتبسم صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان حظنا من هذه الاموال فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بلالا فأعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة فقام اليه يزيد وهو يزيد بن أبى سفيان الصحابى أخو معاوية أسلم يوم الفتح ويقال له يزيد الخير فأعطاه أيضا مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة فقال أبو سفيان فأين حظ ابنى معاوية فأعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة حتى أخذ أبو سفيان ثلثمائة من الابل ومائة وعشرين أوقية من الفضة فقال أبو سفيان بأبى أنت وأمى يا رسول الله لأنت كريم فى الحرب وفى السلم هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا وأعطى صفوان بن أمية من الابل مائة ثم مائة كذا فى الشفاء وأعطى حكيم بن حزام مائة من الابل فسأل مائة أخرى فأعطاه اياها وأعطى كل واحد من الحارث بن كلدة والحارث بن هشام أخى أبى جهل وعبد الرحمن بن يربوع المخزوميان وسهيل بن عمرو وحويطب ابن عبد العزى كل هؤلاء من أشراف قريش والاقرع بن حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزارى ومالك بن عوف النصرى وهؤلاء من غير قريش أعطى كل واحد من هؤلاء المسمين من قريش وغيرهم مائة بعير وأعطى دون ذلك رجالا منهم من قريش مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب وأعطى سعيد بن يربوع المخزومى وعدى بن قيس السهمى وعلاء بن حارثة الثقفى وعثمان بن نوفل وهشام بن عمرو العامرى خمسين خمسين وأعطى العباس بن مرداس أبا عر فسخطها* فقال وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس فى مجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يضع اليوم لا يرفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فاقطعوا عنى لسانه فأعطوه حتى رضى فكان ذلك قطع لسانه* وفى رواية فأتم له مائة أيضا وذكر ابن هشام ان عباسا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل فأصبح نهبى ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة فقال أبو بكر بين عيينة والاقرع* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد انك كما قال الله وما علمناه الشعر وما ينبغى له* وذكر ابن عقبة ابن عباسا لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع لسانه فزع لها وقال من لا يعرف أمر بعباس يمثل به فأتى به الى الغنائم فقيل له خذ منها ما شئت فقال العباس وانما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لسانى بالعطاء بعد ان تكلمت فتكرم أن يأخذ منها شيئا فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة فقبلها ولبسها وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائل من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والاقرع ابن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والذى نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الارض كلهم مثل عيينة ابن حصن والاقرع ولكنى تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة الى اسلامه وجاء رجل من تميم يقال له ذو الخو يصرة فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد قد رأيت ما صنعت فى هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ويحك اذا لم يكن العدل عندى فعند من يكون فقال عمر رضى الله عنه ألا نقتله فقال لا دعوه فانه ستكون له شيعة يتعمقون فى الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية تنظر فى النصل فلا يوجد شئ ثم فى القدح فلا يوجد شئ ثم فى الفوق فلا يوجد شئ سبق الفرث والدم* وروى انه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يقسم الغنائم أمر زيد بن ثابت حتى أحصى الناس ثم عدّ الابل والغنم وقسمها على الناس فوقع فى سهم كل رجل أربع من الابل مع أربعين من الشاء وان كان فارسا فسهمه اثنا عشر بعيرا مع مائة وعشرين من الشاء ولم يعط لغير فرس واحد وعن أنس سأله صلى الله عليه وسلم رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع الى بلده فقال يا قوم اسلموا فان محمدا صلى الله عليه وسلم يعطى عطاء من لا يخشى فاقة* وفى معالم التنزيل لما أفاء الله على رسوله يوم حنين من أموال هوازن ما أفاء قسم فى الناس من المهاجرين والطلقاء والمؤلفة قلوبهم* وفى رواية طفق يعطى رجالا من قريش وغيرهم المائة من الابل ولم يعط الانصار منها شيئا فكأنهم وجدوا اذا لم يصيبوا ما أصابه الناس فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل الى الانصار فجمعهم فى قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم فقال ما كان بلغنى عنكم فقال له فقهاؤهم أما ذو ورأينا فلم يقولوا شيئا واما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويترك الانصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالاموال أو بالدنيا وترجعوا الى رحالكم برسول الله وتحوزونه الى بيوتكم فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا* وفى رواية قال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والابل وتذهبوا بالنبىّ الى رحالكم ولولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا والانصار واديا لسلكت وادى الانصار والانصار شعار والناس دثار وانكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 تلقونى على الحوض وفى رواية سترون بعدى اثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فانى على الحوض قالوا ستصبر* وفى الاكتفاء ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى فى قريش وفى قبائل العرب ولم يعط الانصار شيئا وجدوا فى أنفسهم حتى كثرت منهم المقالة حتى قال قائلهم لقى والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه فدخل سعد بن عبادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انّ هذا الحىّ من الانصار قد وجدوا عليك لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت قسمت فى قومك وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب ولم يكن فى هذا الحىّ من الانصار منها شئ قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال يا رسول الله ما أنا الا من قومى قال فاجمع لى قومك فى هذه الحظيرة فخرج سعد وجمع الانصار فى تلك الحظيرة فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردّهم فلما اجتمعوا له أعلمه سعد بهم فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الانصار مقالة بلغتنى عنكم وجدة وجدتموها فى أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهذا كم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى يا رسول الله الله ورسوله أمنّ وأفضل ثم قال ألا تجيبون يا معشر الانصار قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ورسوله المنّ والفضل فقال صلى الله عليه وسلم أما والله لو شئتم لقلتم فلصدّقتكم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدّقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فاويناك وعائلا فأغنيناك يا معشر الانصار أوجدتم فى أنفسكم فى لعاغة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم الى اسلامكم ألا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم فو الذى نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلك الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا يا رسول الله بك قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّقوا* بعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد وفى هذه السنة فى ذى القعدة الحرام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى حيفر وعبدا بنى الجلندى بعمان فأسلما وصدّقا* وفى هذه السنة قبل منصرفه من الجعرانة وقيل قبل الفتح وفى الاكتفاء بعد انصرافه من الحديبية بعث العلاء الحضرمى الى ملك البحرين فيكون قبل الفتح بعث العلاء الحضرمى الى المنذر الساوى العبدى ملك البحرين وكتب اليه كتابا ودعاه الى الاسلام فلما انتهى اليه وقرأ الكتاب أسلم وكتب جواب الكتاب فقال يا رسول الله انّ الله تعالى قد أعطانى بك نعمة الاسلام وقد قرأت كتابك على أهل البحرين* وفى الاكتفاء على أهل هجر فأسلم بعضهم وأبى بعضهم وفى أرضنا المجوس فمرنا كيف نعاملهم* فكتب النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ من ثبت على المجوسية خذ منه الجزية ولا يناكحهم المسلمون ولا يأكلوا من ذبائحهم وكتب كتابا للعلاء الحضرمى وعين فيه نصاب زكاة الابل والبقر والغنم والزرع والثمار وأموال التجارة فقرأ العلاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وأخذ صدقاتهم* وفى الاكتفاء ذكر ابن اسحاق وغيره أنّ المنذر توفى قبل ردّة أهل البحرين والعلاء عنده أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم أبا هريرة مع العلاء فى هذه السفرة وكان العلاء مجاب الدعوة وانه خاض فى البحر بكلمات قالهنّ وكان له أثر عظيم فى قتال أهل الردّة عند البحرين فى خلافة أبى بكر الصدّيق وسيجىء فى الخاتمة ان شاء الله تعالى* قال ابن سيد الناس انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم انتهى الى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذى القعدة الحرام فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف الى المدينة خرج ليلة الاربعاء لثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة الحرام ليلا فأحرم بعمرة ودخل مكة* وفى المواهب اللدنية ذكر محمد بن سعد كاتب الواقدى عن ابن عباس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقينا من شوّال قال ابن سيد الناس هذا ضعيف والمعروف عند أهل السير هو الاوّل انه اعتمر فى ذى القعدة قال فطاف وسعى وحلق رأسه وحالقه أبو هند ففرغ من عمرته ليلا ثم رجع الى الجعرانة من ليلته وأصبح بها كبائت* وفى تاريخ الازرقى عن مجاهد أنه عليه السلام أحرم من وراء الوادى حيث الحجارة المنصوبة* وفى معجم ما استعجم روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى المسجد فركع ما شاء ثم أحرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقى طريق مكة فأصبح بمكة كبائت* وفى المواهب اللدنية عن الواقدى أنه أحرم من المسجد الاقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى وكان مصلاه اذ كان بالجعرانة والجعرانة موضع بينه وبين مكة بريد كما قاله الفاكهانى وقال الباجى ثمانية عشر ميلا وسميت بامرأة تلقب بالجعرانة كما ذكره السهيلى* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا وأمر ببقايا الفئ فحبس بمجنة بناحية مرّ الظهران فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس فى الدين ويعلمهم القرآن وأتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفئ ولما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتابا على مكة رزقه فى كل يوم درهما فقام عتاب خطيبا فى الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهما فليست لى حاجة الى أحد* وكانت عمرة رسول الله فى ذى القعدة وقدم المدينة فى بقيته أو فى أوّل ذى الحجة وقد غاب عنها شهرين وستة عشر يوما وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج عتاب ابن أسيد بالمسلمين فيها وهى سنة ثمان وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم فى طائفهم ما بين ذى القعدة اذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رمضان سنة تسع* اسلام عروة بن مسعود وفى هذه السنة أسلم عروة ابن مسعود الثقفى وقتل* وفى الاكتفاء وكان من حديث ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل الى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع الى قومه بالاسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم قاتلوك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ فيهم نخوة الامتناع الذى كان منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبكارهم ويقال من أبصارهم وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه الى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل جهة فأصابه سهم فقتله فقيل له ما ترى فى دمك قال كرامة أكرمنى الله بها وشهادة ساقها الله الىّ فليس فىّ الا ما فى الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنونى معهم فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انّ مثله فى قومه كمثل صاحب يس فى قومه* ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الطائف كتب بجير بن زهير بن ابى سلمى الى أخيه كعب بن زهير يخبره بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم كعب فى السنة التاسعة المدينة وأسلم وستجىء قصته فى السنة التاسعة* وفى هذه السنة بعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن فى أربعمائة فارس وأمره أن يقاتل قبيلة صداء حين مروره عليهم فى الطريق فقدم زياد بن الحارث الصدائى فسأل عن ذلك البعث فأخبر فقال يا رسول الله أنا وافد فاردد الجيش فأنا لك بقومى فردّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قناة وقدم الصدائيون بعد خمسة عشر يوما* تزوّجه عليه السلام بمليكة الكندية وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة الكندية وكان قتل أبوها قبل الفتح فقال لها بعض أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم ألا تستحيين أن تتزوّجى رجلا قتل أباك فاستعاذت ففارقها وقد مرّ فى الباب الثالث فى حوادث السنة الخامسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 والعشرين من مولده* وفى هذه السنة أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق سودة فقالت دعنى أكن فى أزواجك وأجعل يومى لعائشة ففعل صلى الله عليه وسلم* وفى رواية أنه طلقها وجلست فى طريقه حين ينصرف الى بيت عائشة وقالت راجعنى يا رسول الله فو الله ما بقى حب الزوج فى قلبى ولكن أريد أن أحشر يوم القيامة فى زمرة أزواجك وأجعل يومى لعائشة فراجعها صلى الله عليه وسلم ويكون يوم نوبتها فى بيت عائشة قيل وآية وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا نزلت فى قصة سودة* ولادة ابراهيم من مارية القبطية وفى ذى الحجة من هذه السنة ولد ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت الى زوجها ابى زافع فأخبرته بأنّ مارية قد ولدت غلاما فجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا وسماه ابراهيم وعق عنه بكبشين يوم سابعه وحلق رأسه وتصدّق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بدفن شعره فى الارض وتنافست فيه نساء الانصار أيتهنّ ترضعه فدفعه الى أمّ بردة بنت المنذر بن زيد وزوجها البراء بن أوس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى الى أمّ بردة ويقيل عندها وتأتى له بابراهيم وغارت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ عليهنّ حين رزق منها الولد* روى عن أنس أنه قال لما ولد ابراهيم عليه السلام جاءه جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا أبا ابراهيم ورواه أبو هريرة أيضا بتغيير يسير كما مرّ فى الركن الاوّل فى الباب الاوّل وعن أنس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لى الليلة غلام فسميته باسم أبى ابراهيم ثم دفعه الى أمّ سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف يشبه أن تكون أمّ سيف هى أمّ بردة ابنة المنذر وستجىء وفاة ابراهيم فى الموطن العاشر* وفى آخر هذه السنة ابتدأ قدوم الوفود عليه بعد رجوعه من الجعرانة فقدم عليه وفد هوازن* وفى هذه السنة توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى أنها ماتت فى أوّل هذه السنة وقد مرّ فى السنة الخامسة والعشرين من مولده فى ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم والله أعلم * (الموطن التاسع فى حوادث السنة التاسعة من الهجرة من بعث عيينة بن حصن الفزارى الى بنى تميم وبعث الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق وسرية قطبة بن عامر الى خثعم وسرية الضحاك ابن سفيان الكلابى الى بنى كلاب وسرية علقمة بن مجزز الى الحبشة وبعث علىّ الى الفلس وبعث عكاشة بن محصن الى الحباب واسلام كعب بن زهير وتتابع الوفود وهجرته عن نسائه وغزوة تبوك وسرية خالد بن الوليد من تبوك الى اكيدر وكتابه من تبوك الى هرقل وموت عبد الله ذى النجادين وهدم مسجد الضرار وقصة كعب بن مالك وصاحبيه وارجاء أمرهم وقصة اللعان واسلام ثقيف وقدوم كتاب ملوك حمير ورجم المرأة الغامدية ووفاة النجاشى ووفاة أمّ كلثوم وموت عبد الله ابن أبى ابن سلول وحج أبى بكر رضى الله عنه وقتل فارس ملكهم شهريار بن شيرويه وتمليكهم بوران بنت كسرى) * * بعث عيينة بن حصن الى بنى تميم وفى هذه السنة بعث عيينة بن حصن الفزارى الى بنى تميم وسببه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فى محرم هذه السنة بشر بن سفيان الكعبى الى بنى كعب من خزاعة لأخذ صدقاتهم فسار الى هؤلاء القوم ونزل بساحتهم وهم مع بنى تميم مجتمعون على ماء يقال له ذات الاشطاط فأخذ بشر صدقات بنى كعب فلما رأى بنو تميم ذلك المال استكثروه لكونهم لئاما فقالوا لبنى كعب لم تعطونهم أموالكم فاجتمعوا وشهروا السلاح فمنعوا عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ الصدقات فقال بنو كعب نحن أسلمنا ولا بدّ فى ديننا من أداء الزكاة قال بنو تميم والله لا ندع أن يخرجوا عنا بعيرا واحدا* وفى رواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 أنّ خزاعة وبنى العنبر أعانوا بنى تميم ولما رأى العامل ذلك رجع الى المدينة وأخبر به النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث اليهم عيينة بن حصن الفزارى فى خمسين راكبا من العرب ليس فيهم مهاجرىّ ولا انصارىّ وكان عيينة يسير بالليل ويختفى بالنهار حتى هجم عليهم فى صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع هربوا وأخذ المسلمون منهم احد عشر رجلا ووجدوا فى محلهم احدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا وقدموا بهم المدينة وحبسوا بها وقدم فيهم عشرة من رؤسائهم منهم قيس بن عاصم وعطارد ابن حاجب والزبرقان بن بدر والاقرع بن حابس ولما رأوهم بكى اليهم النساء والذرارى فعجلوا فجاؤا الى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوا يا محمد اخرج الينا نفاخرك ونشاعرك فانّ مدحنازين وذمّنا شين قيل كانوا تسعين أو ثمانين رجلا ونزل فيهم انّ الذين ينّادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بلال الصلاة فتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه فوقف معهم ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس فى صحن المسجد فلم يزد فى جوابهم على أن قال ذلك الله اذا مدح زان واذا ذمّ شان انى لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر ولكن هاتوا فقدّموا خطيبهم عطارد بن حاجب فتكلم وخطب فأمر عليه السلام ثابت بن قيس بن شماس أن يجيب خطيبهم فغلبه فقام شاعرهم الاقرع بن حابس فقال أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... اذا خالفونا عند ذكر المكارم وانا رؤس الناس فى كل معشر ... وأن ليس فى أرض الحجاز كدارم فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم حسانا أن يجيبه فقام وقال بنى دارم لا تفخروا انّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتمو ... لنا خول ما بين قنّ وخادم فكان أوّل من اسلم شاعرهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قيس بن عاصم هذا سيد أهل الوبر وردّ عليهم السبى وأمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفود وثابت بن قيس بن شماس بمعجمة وميم مشدّدة وآخره مهملة وهو خزرجى شهد له النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجنة وكان خطيبه وخطيب الانصار واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتى عشرة فى خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه وسيجىء فى الفصل الثانى من الخاتمة فى خلافة أبى بكر* بعث الوليد بن عقبة الى بنى المصطلق وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق من خزاعة مصدّقا وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعوا بدنوه خزج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزر والغنم فرحا بقدومه وتعظيما لامر الله وأمر رسوله فحدّثه الشيطان انهم يريدون قتله فخافهم ورجع من الطريق قبل أن يصل اليهم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم تلقوه بالسلاح وأرادوا قتله* وفى المواهب اللدنية يحولون بينه وبين الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يبعث اليهم من يغزوهم فلما بلغهم خبر رجوع الوليد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله سمعنا بمجىء رسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه فرجع فخشينا أن يكون ردّه بلوغ كتاب منك لغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد فى عسكر خفية وأمره أن يخفى عليهم قدومه وقال له انظر فان رأيت منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل فى الكفار فأتاهم خالد فسمع منهم أذان صلاتى المغرب والعشاء فأخذ صدقاتهم ولم ير منهم الا الطاعة والخير وانصرف خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الاية فقرأ عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 صلى الله عليه وسلم القرآن وبعث معهم عباد بن بشر يأخذ الصدقات من أموالهم ويعلمهم شرائع الاسلام ويقرئهم القرآن* وفى الكشاف كان الوليد بن عقبة أخا عثمان لامه وهو الذى ولاه عثمان رضى الله عنه فى خلافته الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال هل أزيدكم فعزله عثمان رضى الله عنه* بعث قطبة بن عامر الى خثعم وفى هذه السنة أمر قطبة بن عامر بن حديدة على عشرين رجلا وبعثه الى قبيلة خثعم بناحية بيشة قريبا من تربة بضم التاء وفتح الراء من أعمال مكة سنة تسع وأمره أن يشن الغارة عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى فى الفريقين جميعا وقتل قطبة من قتل وساقوا الابل والغنم والسبى الى المدينة وقسموا الغنيمة بعد اخراج الخمس فوقع فى سهم كل واحد منهم أربع ابل وكل ابل بعشرة من الغنم* بعث الضحاك بن سفيان الكلابى الى بنى كلاب وفى ربيع الاوّل من هذه السنة بعث الضحاك بن سفيان الكلابى الى بنى كلاب الى القرطا فدعاهم الى الاسلام فأبوا فقاتلوهم وهزموهم وغنموا كذا فى المواهب اللدنية* وفى شواهد النبوّة بعث صلى الله عليه وسلم سرية الى بنى كلاب وكتب اليهم فى رق فلم ينقادوا وغسلوا الخط عن الرق وخاطوه تحت دلوهم فلما بلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم الخبر قال مالهم أذهب الله عقولهم فلذا لا يوجد من بنى كلاب الا مختل العقل ومختلط الكلام وبعضهم بحيث لا يفهم كلامه* وفى شرف المصطفى للنيسابورى كما ذكره مغلطاى أنه صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن عوسجة الى بنى عمرو بن حارثة وقيل حارثة بن عمرو وقال وهو الاصح فى مستهل صفر سنة تسع يدعوهم الى الاسلام فأبوا أن يجيبوا واستخفوا بالصحيفة فدعا عليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم بذهاب العقل فهم اليوم أهل رعدة وعجلة وكلام مختلط كذا فى المواهب اللدنية* بعث علقمة بن مجزز الى الحبشة وفى ربيع الاخر وقال الحاكم فى صفر هذه السنة بعث علقمة بن مجزز المدلجى الى أهل الحبشة وقد أتوا الى نواحى جدة* ذكر ابن سعد ان سبب ذلك أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل جدّة فبعث اليهم علقمة بن مجزز فى ثلثمائة فانتهى بهم الى جزيرة فى البحر قيل هى كانت مسكن أولئك القوم فلما خاض البحر اليهم هربوا فلما رجع الى المدينة استعجل بعض الاصحاب وتقدّموا وكان عبد الله بن حذافة السهمى من المستعجلين وأمّره علقمة عليهم وكان امرأ فيه شىء من الهزل والمزاح فنزلوا منزلا فأوقدوا نارا يصطلون بها كذا فى بعض الكتب* وفى الاكتفاء بعث علقمة بن مجزز المدلجى لما قتل وقاص بن مجزز أخوه يوم ذى قرد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه فى آثار القوم ليدرك ثاره فيهم فبعثه فى نفر من المسلمين* قال أبو سعيد الخدرى وأنا فيهم حتى اذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة السهمى وكان فيه دعابة فلما كان ببعض الطريق أو قد نارا ثم قال أليس لى عليكم السمع والطاعة قالوا بلى قال فما آمركم بشىء الا فعلتموه قالوا نعم قال فانى أعزم عليكم بحقى وطاعتى الا تواثبتم فى هذه النار فقام بعض القوم يحتجز حتى ظنّ انهم واثبون فيها فقال لهم اجلسوا فانما كنت أضحك معكم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه* وفى رواية قال لا طاعة فى معصية الله انما الطاعة فى المعروف ويقال ان علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليها رجلا من الانصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب يوما وأمرهم بالدخول فى نار أوقدوها فلم يطيعوه فبلغه صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة الطاعة فى المعروف* بعث على بن أبى طالب الى الفلس وفى ربيع الاخر من هذه السنة بعث علىّ بن أبى طالب الى الفلس بضم الفاء وسكون اللام وهو صنم لطى يهدمه وبعث معه مائة وخمسين رجلا من الانصار على مائة بعير وخمسين فرسا وعند ابن سعد مائتى رجل فهدمه وغنم سبيا ونعما وشاء وسيد القبيلة عدى بن حاتم هرب الى الشام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وسبيت أخته سنانة بنت حاتم فى السبايا فأطلقها النبىّ صلى الله عليه وسلم فكان ذلك سبب اسلام عدى* وعند ابن سعد ان الذى سباها خالد بن الوليد ووجد علىّ فى خزانة الصنم ثلاثة أسياف يقال لأحدها الرسوب وللثانى المخذم وللثالث اليمانى فاصطفى الرسوب وأعطى المخذم للنبىّ صلى الله عليه وسلم صفى المغنم ثم قسم الباقى على أهل السرية* وفى هذه السنة بعث عكاشة بن محصن الى الحباب وهو موضع بالحجاز من أرض عذرة وبلى وقيل أرض فزارة وكلب ولعذرة فيها شركة كذا فى المواهب اللدنية* إسلام كعب بن زهير وفى هذه السنة أسلم كعب بن زهير وكان اسلامه فيما بين رجوع النبىّ صلى الله عليه وسلم من الطائف وغزوة تبوك وكان كعب ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم فتح مكة هرب ثم جاء فأسلم قال ابن اسحاق لما قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب بجير بن زهير الى أخيه كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه وانه قال من لقى منكم كعب بن زهير فليقتله فان كان لك فى نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه وان أنت لا تفعل فانح الى نجاتك فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان فى حاضره من عدوّه فقال مقتول فلما لم يجد بدّا من شئ قال قصيدته التى يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر خوفه وارجاف الوشاة به من عدوّه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل من جهينة كانت بينه وبينه معرفة فغدا به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هذا رسول الله قم اليه واستأمنه فقام وجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده فى يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال يا رسول الله ان كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه ان أنا جئتك به قال نعم قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير قال ابن اسحاق فحدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة انه وثب عليه رجل من الانصار فقال يا رسول الله دعنى وعدوّ الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك فانه قد جاءنا تائبا نازعا ثم قال قصيدته اللامية التى أوّلها بانت سعاد فقلبى اليوم متبول ... متيم اثرها لم يفد مكبول ومنها أنبئت ان رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول ان الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول وفى نهاية ابن الاثير عندها بدل اثرها وفى رواية أبى بكر بن الانبارى لما وصل الى قوله ان الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول رمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه وان معاوية بذل له فيها عشرة آلاف مثقال فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فلما مات كعب بعث معاوية الى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم قال وهى البردة التى عند السلاطين الى اليوم وكان كعب بن زهير من فحول الشعراء وأبوه زهير وابنه عقبة وابن ابنه العوّام بن عقبة كذا ذكره فى المواهب اللدنية * تتابع الوفود وفى هذه السنة تتابع الوفود وفى الاكتفاء ما زال آحاد الوافدين وافداد الوفود من العرب يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أظهر الله دينه وقهر أعداءه ولكن انبعاث جماهيرهم الى ذلك انما كان بعد فتح مكة ومعظمه فى سنة تسع ولذلك كانت تسمى سنة الوفود كما قاله ابن هشام وذلك ان العرب كانت تتربص بالاسلام ما يكون من قريش فيه اذهم الذين كانوا نصبوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه وكانوا امام الناس وهاديهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد اسماعيل وقادة العرب لا ينكرهم ذلك ولا ينازعون فيه فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودانت له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 قريش وأذعنت للاسلام عرفت العرب انهم لا طاقة لهم بحربه وعداوته فدخلوا فى دين الله أفواجا يضربون اليه من كل وجه بقول الله تعالى لنبيه اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا جماعات فسبح بحمد ربك أى فاحمد الله على ما ظهر من دينك واستغفره انه كان توابا اشارة الى انقضاء أجله واقتراب لحاقه برحمة ربه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا كذلك قال ابن عباس وقد سأله عمر بن الخطاب عن هذه السورة فلما اجابه بنحو هذا المعنى قال عموما أعلم منها الا ما تعلم* هجره صلى الله عليه وسلم نساءه وفى هذه السنة هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وقال ما أنا بداخل عليكنّ شهرا وفى المواهب اللدنية وجحش شقه أى خدش وجلس فى مشربة له درجها من جذوع النخل وأتاه أصحابه يعودونه يصلى بهم جالسا وهم جلوس* وفى المنتقى وفى سبب ذلك قولان أحدهما ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى بيت حفصة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى زيارة أبيها فأذن لها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مارية وأدخلها فى بيت حفصة وواقعها فلما رجعت حفصة أبصرت مارية فى بيتها مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت وقالت انى رأيت من كانت معك فى البيت فغضبت وبكت فلما رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى وجهها الغيرة قال لها اسكتى فهى علىّ حرام أبتغى بذلك رضاك وحلف أن لا يقربها وقال لها لا تخبرى أحدا بما أسررت اليك فأخبرت بذلك عائشة وقالت قد أراحنا الله من مارية فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّمها على نفسه وقصت عليها القصة وكانت بينهما مصافاة وتظاهر فطلقها واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة فى بيت مارية فنزل جبريل عليه السلام وقال له راجعها فانها صوّامة قوّامة وانها لمن نسائك فى الجنة* وفى رواية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية فى يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمى علىّ وقد حرّمت مارية على نفسى وأبشرك ان أبا بكر وعمر يملكان بعدى أمر أمتى فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له انما نشم منك ريح مغافير فحرم العسل فنزلت هذه الاية وهى يا أيها النبىّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغى مرضاة أزواجك الاية والثانى انه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه فأرسلت الى زينب بنت جحش بنصيبها فردّته فقال لها زيديها فزادته ثلاث مرّات وكل مرّة تردّه فقال لا أدخل عليكنّ شهرا فاعتزل فى مشربة ثم نزل بعد تسع وعشرين ليلة فبدأ بعائشة فقالت له يا رسول الله كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا وانما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا فقال الشهر تسع وعشرون ليلة وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين* غزوة تبوك وفى رجب هذه السنة لستة أشهر وخمسة أيام خلت منها وقعت غزوة تبوك وهى آخر غزواته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر ابن اسحاق وتبوك مكان معروف وهو نصف طريق المدينة الى دمشق وهى غزوة العسرة وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها وكانت يوم الخميس فى رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف وذكر البخارى لها بعد حجة الوداع خطأ من النساخ كذا فى المواهب اللدنية* وقصتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزوة الطائف وعمرة الجعرانة مكث بالمدينة ما بين ذى الحجة الى رجب ثم أمر أصحابه بالتهيؤ الى غزوة الروم وذلك أنه قدم المدينة جماعة من الانباط بالدرمك والزيت وغير ذلك من متاع الشام فذكروا ان الروم قد جمعت بالشام جموعا كثيرة لقتال المسلمين وان هرقل قد رزق أصحابه لسنة وكان معهم بنو لخم وجذام وغسان وعاملة واجتمعوا وقدموا مقدّماتهم الى البلقاء وعسكروا بها وتخلف هرقل بحمص وكانوا كاذبين فى ذلك ولم يكن من ذلك شئ وانما ذلك شئ قيل لهم فأرجفوا به* وروى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 الطبرانى من حديث عمران بن الحصين قال كانت النصارى كتبت الى هرقل ان هذا الرجل الذى خرج يدّعى النبوّة قد هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائه وجهز معه أربعين ألفا كذا فى المواهب اللدنية فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أمر الناس بالتأهب للشام والتجهز للمسير اليها وكان الزمان زمان حرّ وعسرة عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة المال وكان العشرة يتعقبون على بعير واحد وربما يمص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها وكانوا يعصرون الفرث ويشربونه من شدّة العطش وعن عمر بن الخطاب قال نزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ان الرجل لينحر بعيرا فيعصر فرثه ويشربه ويجعل ما بقى على كبده كذا فى معالم التنزيل وفى تفسير عبد الرزاق عن معمر عن ابن عقيل قال فخرجوا فى قلة من الظهر فى حرّ شديد حتى انهم كانوا ينحرون البعير ويشربون ما فى كرشه من الماء فكان ذلك الوقت عسرة فى الماء والظهر والنفقة فسميت غزوة العسرة ولم يقع فى هذه الغزوة قتال ولكن فتحوا فى هذا السفر دومة الجندل وكانت الروم والشام من أعظم أعداء المسلمين وأهيبهم عندهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا غزا غزوة ورّى بغيرها الا غزوة تبوك فانه أخبر الناس بها وأظهر ليتأهبوا لها الاهبة ويستعدّوا لبعد السفر وشدّة الزمان وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى القبائل من العرب والى أهل مكة وكانوا كلهم مسلمين فى هذا الوقت يستنفرهم الى الغزو وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده من المسلمين على الجهاد ورغبهم فيه وأمرهم بالصدقة فجاؤا بصدقات كثيرة وكان أوّل من جاء بها أبو بكر جاء بماله كله أربعة آلاف درهم وجاء عمر بنصف ماله وجاء العباس بن عبد المطلب بمال كثير وجاء طلحة بمال وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتى أوقية من الفضة وجاء سعد بن عبادة بمال وجاء محمد بن مسلمة بمال وجاء عاصم بن عدى بتسعين وسقا من تمر وجهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش وكفاهم مؤنتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يضرّ عثمان بن عفان ما فعل بعد اليوم* وفى المواهب اللدنية وكان عثمان بن عفان قد جهز عيرا الى الشام فقال يا رسول الله هذه مائتا بعير باقتابها واحلاسها ومائتا أوقية فضة قال فسمعته يقول لا يضرّ عثمان ما فعل بعدها* وروى عن قتادة أنه قال حمل عثمان فى جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا وعن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان بن عفان بألف دينار فى كمه حين جهز جيش العسرة فنثرها فى حجره عليه الصلاة والسلام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها فى حجره ويقول ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم خرجه الترمذى وقال حديث غريب وعند الفضائلى والملافى سيرته كما ذكره الطبرى فى الرياض النضرة من حديث حذيفة بعث عثمان يعنى فى جيش العسرة بعشرة آلاف دينار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبت بين يديه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن ويقول غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن الى يوم القيامة ما يبالى ما عمل بعدها وجعل الرجل من ذوى اليسار يحمل الرهط من فقراء قومه ويكفيهم مؤنتهم وبعثت النساء بكل ما قدرن عليه من مسك ومعاضد وخلاخل وقرطة وخواتيم والناس فى عسرة شديدة وقد طابت الثمار وأحنت الظلال والناس يحبون المقام ويكرهون الخروج لشدة الزمان وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانكماش والجدّ وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم معسكره بثنية الوداع وكانوا ثلاثين ألفا وقال صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو فى جهازه للجدّ بن قيس وهو أحد بنى سلمة يا أبا قيس هل لك أن تخرج معنا لعلك تحتقب من بنات الاصفر الاحتقاب هو الاحتمال والمحتقب المردف كذا فى الصحاح فقال الجدّ لقد علم قومى انى من أشدّهم عجبا بالنساء وانى اذا رأيتهنّ لم أصبر عنهنّ فأذن لى فى المقام ولا تفتنى فأعرض رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وسلم عنه وقال أذنت لك كذا فى الاكتفاء فجاء ابنه عبد الله بن الجدّ وكان بدريا وكان أخا معاذ بن جبل لأمّه وجعل يلوم أباه على ما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انت أكثر بنى سلمة مالا فما منعك أن تخرج فقال مالى وللخروج الى بنى الاصفر والله ما آمنهم وأنا فى منزلى هذا وانى عالم بالدوائر فقال له ابنه لا والله ما بك الا النفاق والله لينزلنّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك قرآن نفتضح به فأخذ نعله فضرب به وجه ابنه فلما نزلت فيه هذه الاية وهى قوله تعالى ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى الاية جاءه ابنه فقال له ألم أقل لك انه سوف ينزل فيك قرآن يقرؤه المسلمون فقال له أبوه اسكت يالكع والله لا أنفعك بنافعة أبدا والله لأنت أشدّ علىّ من محمد ثم جعل الجدّ يثبط قومه عن الجهاد ويمنعهم من الخروج ويقول لهم لا تنفروا فى الحرّ وفى الاكتفاء وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا فى الحرّ زهادة فى الجهاد وشكافى الحق وارجافا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم وقالوا لا تنفروا فى الحرّ قل نار جهنم أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أناسا من المنافقين يجتمعون فى بيت سليم اليهودى يثبطون الناس عنه فى غزوة تبوك فبعث اليهم طلحة بن عبيد الله فى نفر من أصحابه وأمر أن يحرق البيت عليهم وفعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا فقال الضحاك فى ذلك وكادت وبيت الله نار محمد ... يشيط بها الضحاك وابن الأبيرق وظلت وقد طبقت كبش سويلم ... انوء على رجلىّ كسرا ومرفقى سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف ومن تشمل به النار يحرق كذا فى الاكتفاء وجاء البكاؤن وهم سالم بن عمير وعلبة بن زيد وأبو ليلى وعبد الرحمن بن كعب المازنى والعرباض بن سارية الفزارى وهرمى بن عبد الله وعمرو بن غنمة وعبد الله بن مغفل المزنى ويقال عبد الله بن عمرو المزنى وعمرو بن خمام ومعقل بن يسار المزنى وحضرمى بن مازن والنعمان بن سويد ومعقل وعقيل وسنان وعبد الرحمن بنو مقرن وهم الذين قال الله فيهم تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون قاله مغلطاى كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء وأنوار التنزيل اوردهم سبعة لكن على الاختلاف فى أسماء بعضهم ففى الاكتفاء سالم ابن عمير وعلبة بن زيد وأبو ليلى وعبد الرحمن بن كعب المازنى وعمرو بن حمام وهرمى بن عبد الله وعبد الله بن مغفل المزنى ويقال عبد الله بن عمر والمزنى وعرباض بن سارية الفزارى* وفى أنوار التنزيل سبعة من الانصار معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعلبة بن زيد وقيل هم ابناء مقرن مغفل وسويد والنعمان وقيل أبو موسى وأصحابه جاؤا يستحملون النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانوا صالحاء وأهل فقر وحاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع الاية* وفى الاكتفاء ذكر أن يامين بن عمير النضرى لقى أبا ليلى بن كعب وابن مغفل وهما يبكيان فقال وما يبكيكما قالا جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوّى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزوّدهما شيئا من تمر فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى زوّد كل واحد منهما صاعين من تمر وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثا بعد الذى كان جهز من الجيش وجاء أناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القعود عن الغزو فأذن لهم وهم بضعة وثمانون نفرا وجاء المعذرون من الاعراب فاعتذروا اليه فلم يعذرهم الله وذكر أنهم نفر من غفار فلما خرج رسول الله صلى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع فأقبل عبد الله بن أبى ابن سلول معه على حدة وضرب عسكره أسفل منه نحوذ باب جبل بالمدينة كذا فى القاموس وكان فيما يزعمون ليس بأقلّ العسركين ومعه حلفاؤه من اليهود والمنافقين ممن اجتمع اليه فأقام ما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سار تخلف عنه فيمن تخلف من المنافقين ورجع الى المدينة وقال يغزو محمد مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد الى ما لا قبل له به يحسب قتال بنى الاصفر اللعب والله لكأنى أنظر الى أصحابه غدا مقرّنين فى الحبال وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب على أهله وأمره بالاقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخفيفا منه فلما قالوا ذلك أخذ علىّ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبىّ الله زعم المنافقون انك انما خلفتنى انك استثقلتنى وتخففت منى فقال كذبوا ولكنى خلفتك لما تركت ورائى فارجع واخلفنى فى أهلى وأهلك أفلا ترضى يا على أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبىّ بعدى فرجع علىّ الى المدينة ومضى رسول الله صل يالله عليه وسلم على سفره كذا فى الاكتفاء وشرح المواقف وقال الشيخ أبو اسحاق الفيروزابادى فى عقائده أى حين توجه موسى الى ميقات ربه استخلف هارون فى قومه* وفى المنتقى استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى وقيل محمد بن مسلمة انتهى وقال الدمياطى استخلاف محمد بن مسلمة هو أثبت عندنا ممن قال استخلف غيره وقال الحافظ زين الدين العراقى فى شرح التقريب لم يتخلف علىّ عن المشاهد الا فى تبوك فانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم خلفه على المدينة وعلى عياله وقال له يومئذ أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبىّ بعدى وهو فى الصحيحين من حديث سعد بن أبى وقاص انتهى ورجحه ابن عبد البرّ واستخلف على العسكر أبا بكر الصدّيق رضى الله عنه فلما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع متوجها الى تبوك عقد الالوية والرايات فدفع لواءه الاعظم الى أبى بكر ورايته العظمى الى الزبير ودفع راية الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى أبى دجانة وقيل الى الحباب بن المنذر بن الجموح فساروا وهم ثلاثون ألفا وفيهم عشرة آلاف من الافراس* وفى المواهب اللدنية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل بطن من الانصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية وكان معه ثلاثون ألفا وعند أبى زرعة سبعون ألفا وفى رواية عنه أيضا أربعون ألفا وكانت الخيل عشرة آلاف فرس وتخلف نفر من المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير نفاق ولا ارتياب منهم كعب بن مالك أخو بنى سلمة ومرارة بن الربيع أخو بنى عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بنى واقف وفيهم نزل وعلى الثلاثة الذين خلفوا وتخلف أبو ذرّ وأبو خيثمة ثم لحقاه بعد ذلك وسيجىء ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبح ذا خشب فنزل تحت الدومة* وفى خلاصة الوفاء وذو خشب على مرحلة من المدينة تحت الدومة وكان دليله الى تبوك علقمة بن القعواء الخزاعى فقال صلى الله عليه وسلم تحت الدومة فراح منها ممسيا حيث أبرد وكان فى حرّ شديد وكان يجمع من يوم نزل ذا خشب بين الظهر والعصر فى منزله يؤخر الظهر حتى يبرد ويعجل العصر ثم يجمع بينهما وكان ذلك فعله حتى رجع من تبوك وفى كل منزل نزله اتخذ مسجدا وجميعها معروفة الى مسجد تبوك ثم انّ أبا خيثمة بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما رجع الى أهله فى يوم حارّ فوجد امرأتين له فى عريشين لهما فى حائط له رشت كل واحدة منهما عريشها وبرّدت له فيه ماء وهيأت له طعاما فلما دخل قام على باب العريش ونظر الى امرأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الضح والريح والحرّ وأبو خيثمة فى ظلّ بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء فى ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل على عريش واحدة منكما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك وقد كان أدرك أبا خيثمة فى الطريق عمير بن وهب الجمحى يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى اذا دنوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو خيثمة لعمير انّ لى ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى اذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة قالوا هو والله أبو خيثمة يا رسول الله فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى لك يا أبا خيثمة ثم أخبره خبره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ولما مضى من ثنية الوداع سائرا جعل يتخلف عنه رجال فيقال يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرّ بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشربوا من مائها ولا يتوضأ منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الابل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرجنّ أحد منكم الليلة الا ومعه صاحب له ففعل الناس ما امرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنّ رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الاخر فى طلب بعير له فأمّا الذى ذهب لحاجته فانه خنق على مذهبه وأمّا الذى ذهب فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلى طىء اللذين يقال لاحدهما أجأ ويقال للاخر سلمى فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم عن أن يخرج منكم أحد الا ومعه صاحبه ثم دعا للذى أصيب على مذهبه فشفى وأمّا الذى وقع بجبلى طىء فان طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة* وفى المنتقى لما وصل وادى القرى وقد أمسى بالحجر قال انها ستهب الليلة ريح شديدة لا يقومنّ منكم أحد الا مع صاحبه ومن كان له بعير فليوثقه بعقاله فهاجت ريح شديدة قد أفزعت الناس فلم يقم أحد الا مع صاحبه الا رجلين الى آخر ما ذكر ولما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم الا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم كذا فى الاكتفاء والمواهب اللدنية وقال فيه رواه الشيخان وكذا فى المنتقى عن ابن عمر وعبارته ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادى والحجر وادى قوم صالح وديارهم وهم ثمود الذين سكنوا ذلك الوادى وهو وادى القرى وهو بين المدينة والشام ولما ارتحل من الحجر أصبح ولا ماء معه ولا مع أصحابه وقد نزلوا على غير ماء فشكوا اليه العطش فاستقبل القبلة ودعا ولم يكن فى السماء سحابة فما زال يدعو حتى اجتمعت السحب من كل ناحية فما برح من مقامه حتى سحت السماء بالرواء فانكشفت السحابة من ساعتها فسقى الناس وارتووا عن آخرهم وملأوا الاسقية قيل لبعض المنافقين ويحك أبعد هذا شئ هل بقى عندك شئ من الريب فقال انما هى سحابة مارّة فارتحل النبىّ صلى الله عليه وسلم متوجها الى تبوك فأصبح فى منزل فضلت ناقته وهى القصوى فخرج أصحابه فى طلبها وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم وكان عقبيا بدريا وهو عمّ ابن عمرو بن حزم وفى رحله زيد بن الصلت القينقاعى وكان يهوديا فأسلم ونافق فقال زيد وهو فى رحل عمارة وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس محمد يزعم أنه نبىّ ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده ان رجلا قال هذا محمد يخبركم أنه نبىّ ويزعم أنه يخبر بأمر السماء وهو لا يدرى أين ناقته وانى والله لا أعلم الا ما علمنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 الله وقد دلنى الله عليها وهى فى الوادى من شعب كذا وكذا وأشار الى الشعب وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتونى بها فذهبوا فجاؤا بها رواه البيهقى وأبو نعيم فرجع عمارة بن حزم الى رحله فقال والله لعجب من شئ حدّثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه للذى قال زيد بن الصلت فقال رجل ممن كان فى رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتى فأقبل عمارة على زيد يجأ فى عنقه ويقول يا عباد الله انّ فى رحلى الداهية وما أشعر اخرج أى عدوّ الله من رحلى فلا تصاحبنى فزعم بعض الناس أنّ زيد اتاب بعد ذلك وقال بعضهم لم يزل متهما بشر حتى مات كذا فى الاكتفاء* وفى معالم التنزيل أوردها فى غزوة المر يسيع ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه كما مرّ آنفا حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذرّ وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه وتلوّم أبو ذرّ على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشى فى الطريق وحده فقال صلى الله عليه وسلم كن أبا ذرّ فلما تأمّله القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذرّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا ذرّ يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده فقضى الله سبحانه وتعالى انّ أبا ذرّ لما أخرجه عثمان رضى الله عنه الى الربدة وأدركته بها منيته لم يكن معه أحد الا امرأته وغلامه فأوصاهما أن غسلانى وكفنانى ثم ضعانى على قارعة الطريق فأوّل ركب يمرّ بكم فقولا هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا به كما أوصى فأقبل عبد الله بن مسعود فى رهط من العراق عمار فلم يرعهم الا بالجنازة على قارعة الطريق قد كادت الابل تطؤها فقام اليهم الغلام وقال هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فاستهلّ عبد الله بن مسعود وهو يبكى ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ثم نزل هو وأصحابه فواروه بالتراب ثم حدّثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسيره الى تبوك* وفى المنتقى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم ستأتون غدا ان شاء الله تعالى عين تبوك وانكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى قال معاذ فجئناها وقد سبقنا اليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشئ قليل من الماء فسألهما النبىّ صلى الله عليه وسلم هل مستما من مائها شيئا فقالا نعم فقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم أمر برفع ماء منها فرفعوا له من تلك العين قليلا قليلا حتى اجتمع شىء ثم غسل صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجاءت العين بعد ذلك بماء كثير ببركة النبىّ صلى الله عليه وسلم فاستقى الناس وكفاهم* فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الجزية وأتاه أهل جرباء بالجيم وأذرح بالذال المعجمة والراء والحاء المهملة وهما بلدتان بالشام بينهما ثلاثة أيام فأعطوه الجزية وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فهو عندهم وفيه* بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبىّ رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم فى البرّ والبحر لهم ذمّة الله ومحمد النبىّ ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فانه لا يجوز ماله دون نفسه وانه لطيبة لمن أخذه من الناس وانه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يسلكونه من برّ أو بحر* سرية خالد بن الوليد الى اكيدر وفى رجب هذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 السنة كانت سرية خالد بن الوليد الى اكيدر* روى أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد من تبوك فى أربعمائة وعشرين فارسا الى اكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان اكيدر ملكهم وكان من كندة وكان نصرانيا قال سعد دومة الجندل طرف من الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة كما مرّ فى غزوة دومة الجندل وفى خلاصة الوفا قال أبو عبيدة دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبل طىء ودومة الجندل من القريات من وادى القرى وذكران عليها حصنا حصينا يقال له مازن وهو حصن أكيدر الملك وجه اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد من تبوك فقال خالد بن الوليد يا رسول الله كيف لى به وسط بلاد كلب وانما أنا فى أناس يسير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستلقاه يصيد الوحش أو قال البقر فتأخذه فخرج خالد من تبوك وانصرف صلى الله عليه وسلم من تبوك راجعا الى المدينة فلما بلغ خالد قريبا من حصنه بمنظر العين وكانت ليلة مقمرة والوقت صيفا وكان أكيدر على سطح فى الحصن ومعه امرأته الرباب الكندية أقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن وأشرفت امرأته على باب الحصن فرأت البقر قالت ما رأيت كالليلة فأبصرها أكيدر* وفى الاكتفاء قالت امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذه قال لا أحد انتهى وكان يضمر لها الخيل شهرا فلما أبصرها نزل فأمر بفرسه فأسرج وأمر بخيل فأسرجت فركب معه نفر من أهل بيته ومعه أخوه حسان فخرجوا من حصنهم ومعهم مطاردهم فلحقهم خالد وخيله فاستأسر أكيدر وامتنع حسان فقاتل حتى قتل وهرب من كان معه فدخلوا الحصن وكان على حسان قباء مخوّص بالذهب فاستلبه خالد وبعث به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناديل سعد فى الجنة خير من هذا وكان صلى الله عليه وسلم قال لخالد ان ظفرت بأكيدر لا تقتله وائت به الىّ فان أبى فاقتله فطاوعه أكيدر وقال له خالد هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان تفتح لى دومة الجندل قال نعم لك ذلك فلما صالح خالد أكيدر وأكيدر فى وثاق ومصاد أخو أكيدر فى الحصن أبى مصاد أن يفتح باب الحصن لما رأى أخاه فى الوثاق فطلب أكيدر من خالد أن يصالحه على شئ حتى يفتح له باب الحصن وينطلق به وبأخيه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهما بما شاء فرضى خالد بذلك فصالحه أكيدر على ألفى بعير وثمانمائة فرس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح ففعل خالد وخلى سبيله ففتح له باب الحصن فدخله وحقن دمه ودم أخيه وانطلق بهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبىّ بالمدينة فلما قدم بهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحه على اعطاء الجزية وخلى سبيلهما وكتب لهما كتاب أمان* قال ابن منده وأبو نعيم كان أكيدر نصرانيا فأسلم وقال ابن الاثير بل مات نصرانيا بلا خلاف بين أهل السير فانه لما صالحه خالد عاد الى حصنه وبقى فيه وان خالدا حاصره زمن أبى بكر فقتله مشركا لنقضه العهد فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها ثم انصرف الى المدينة كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية قال الدمياطى ومن قبله ابن سعد عشرين ليلة يصلى بها ركعتين ولم يلق كيدا وفى مسند أحمد ان هرقل كتب الى النبىّ صلى الله عليه وسلم انى مسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم كذب هو على نصرانيته ولابى عبيدة بسند صحيح نحوه ولفظه فقال كذب عدوّ الله ليس بمسلم* وفى المواهب اللدنية كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا من تبوك الى هرقل يدعوه الى الاسلام فقارب الاجابة ولم يجب رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث أنس وفى المنتقى أقام بتبوك شهرين وكان ما أخبر به النبىّ صلى الله عليه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 من تعبية هرقل جيشه ودنوّه الى أدنى الشام وعزمه على قتال النبىّ صلى الله عليه وسلم باطلا كذبا وبعث هرقل رجلا من غسان الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ينظر الى صفته وعلامته والى حمرة عينيه والى خاتم النبوّة الذى بين كتفيه وسأل فاذا هو لا يقبل الصدقة فوعى الرجل أشياء من صفته صلى الله عليه وسلم ثم انصرف الى هرقل فأخبره بها فدعا هرقل قومه الى التصديق فأبوا عليه حتى خافهم على ملكه وأسلم هو سرّا منهم وامتنع من قتاله صلى الله عليه وسلم* موت عبد الله ذى البجادين وفى هذه السنة فى هذه الغزوة بتبوك مات عبد الله ذو البجادين المزنى وهو من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الاكتفاء انما سمى ذا البجادين لانه كان ينازع الى الاسلام فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه حتى تركوه فى بجاد وليس عليه غيره والبجاد هو الكساء الغليظ الجافى فهرب منهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنتين فاتزر بواحدة واشتمل بالاخرى ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ذو البجادين لذلك وفى القاموس البجاد ككتاب كساء مخطط وفى رواية كان قبل الاسلام بورقاء وهو جبل من جبال مزينة وكان فقيرا فقطعت أمه بجادا باثنتين فاتزر بواحدة وارتدى بالاخرى ثم أقبل الى المدينة فاضطجع فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السحر وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فأبصره فقال من أنت فقال عبد العزى وكان اسمه ذلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أنت عبد الله ذو البجادين ثم قال له انزل منى قريبا وكان يكون فى أضيافه ويعلمه القرآن حتى قرأ قرآنا كثيرا وكان رجلا صيتا وكان يقوم فى المسجد فيرفع صوته بالقرآن فقال عمر يا رسول الله ألا تسمع الى هذا الاعرابى يرفع صوته بالقرآن فيمنع الناس القراءة فقال دعه يا عمر فانه خرج مهاجرا الى الله والى رسوله فلما خرجوا الى تبوك خرج معه وقال يا رسول الله ادع الله لى بالشهادة فقال ائتنى بلحاء سمرة أى قشرها كذا فى القاموس فأتاه بها فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربطها على عضده فقال اللهمّ انى أحرّم أو قال حرم دمه على الكفار قال يا رسول الله ليس هذا ما أردت قال انك اذا خرجت فى سبيل الله فأخذتك الحمى وقتلتك فأنت شهيد ولا تبال بأيه كان فلما نزلوا تبوك وأقاموا بها أياما أخذته الحمى فتوفى بها ودفن هناك بالليل وأخذ بلال شعلة من نار فوقف بها على القبر فكان عبد الله بن مسعود يحدّث قال قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار فى ناحية العسكر فاتبعتها أنظر اليها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر واذا عبد الله ذو البجادين قدمات فاذاهم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فى حفرته وأبو بكر وعمر يد ليانه اليه وهو يقول أدليا الىّ أخاكما فدلياه اليه فلما هيأه لشقه ووضعه فى اللحد قال اللهمّ انى قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه يقول عبد الله بن مسعود يا ليتنى كنت أنا صاحب هذه الحفرة* وفى المنتقى وهاجت ريح شديدة ليلا بتبوك فقال صلى الله عليه وسلم هذا لموت منافق عظيم النفاق ولما قدموا المدينة وجدوا منافقا عظيم النفاق قدمات* وفى المنتقى أيضا شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فى التقدّم والمسير اليهم فقال عمران كنت أمرت بالمسير فسر فقال صلى الله عليه وسلم لو أمرت به ما استشرتكم فيه فقال عمر يا رسول الله ان للروم جموعا كثيرة وليس بها أحد من أهل الاسلام وقد دنوت منه وأفزعهم دنوّك لو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله فى ذلك لك أمرا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا وكان فى الطريق ماء يخرج من وشل يروى الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له وادى المشفق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا الى الماء فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه فسبقه اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال من سبقنا الى هذا فقيل يا رسول الله فلان وفلان قال أو لم أنهكم أن تستقوا منه شيئا حتى آتيه ثم لعنهم ودعا عليهم ثم نزل ووضع يده تحت الوشل فجعل يصب فى يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسح بيده ودعا بما شاء الله أن يدعو به فانخرق من الماء يقول من سمعه ما ان له حسا كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو بقى منكم لتسمعن بهذا الوادى وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه وروى ان اثنى عشر رجلا أو خمسة عشر رجلا من المنافقين فى مقفله صلى الله عليه وسلم من تبوك وقفوا على العقبة فى الطريق ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه جبريل وأمره أن يرسل اليهم من يضرب وجوه راحلتهم فأرسل حذيفة لذلك ففعل* هدم مسجد الضرار وفى هذه السنة كان هدم مسجد الضرار قال ابن اسحاق ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حتى نزل بذى أوان بفتح الهمزة بلفظ اوان الحين والزمان وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار كذا ذكره الطبرى وقال البكرى ما أحسب الا ان الراء سقطت من بين الواو والالف وأنه أروان منسوب الى البئر المشهورة جاءه خبر مسجد الضرار من السماء فبعث اليه من خرّبه وحرّقه وقصته ما روى انه لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء فبعثوا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف ابن غنم وكانوا من منافقى الانصار فقالوا نبنى مسجدا ونرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلى فيه كما صلى فى مسجد اخواننا وليصلى فيه أبو عامر الراهب اذا قدم من الشام وكان أبو عامر رجلا منهم وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان قد ترهب فى الجاهلية وتنصر ولبس المسوح فلما قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر ما هذا الذى جئت به قال جئت بالحنيفية دين ابراهيم قال أبو عامر فانا عليها قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فانك لست عليها قال بلى ولكنك أدخلت فى الحنيفية ما ليس منها فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما فعلت ولكنى جئت بها بيضاء نقية فقال أبو عامر أمات الله الكاذب مناطر يدا وحيدا غريبا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم نعم وسماه أبا عامر الفاسق فلما كان يوم أحد جاء أبو عامر فى خمسين رجلا من قومه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله الى يوم حنين فلما انهزمت هوازن نكص وخرج هاربا الى الشام وأرسل الى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة وسلاح وابنو الى مسجدا فانى ذاهب الى قيصر ملك الروم فاتى بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه فبنوا مسجدا الى جنب مسجد قباء وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا جذام ابن خالد هو الذى من داره قد أخرج المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الازعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وحارثة بن عامر وابناه مجمع وزيد ونيتل بن الحارث ومجرح وبجاد ابنا عثمان ووديعة بن ثابت وكان يصلى فيه مجمع بن حارثة قال فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز الى تبوك فقالوا يا رسول الله انا بنينا مسجدا الذى العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية وانا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه وتدعو لنا بالبركة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا ان شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ونزل بذى أو ان أتاه المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار فسألوه اتيان مسجدهم فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبره الله عز وجل بخبر مسجد الضرار وما هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدخشم ومعن بن عدى وعامر بن السكن ووحشى قاتل حمزة وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه فخرجوا اسراعا حتى أتوا سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 لهم مالك أنظرونى حتى أخرج اليكم بنار من أهلى فأخذ سعفا من النخل وأشعل فيه نارا ثم خرجوا يشتدّون حتى دخلوا المسجد فحرقوه وهدموه وتفرّق أهله عنه وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك الموضع كناسا تلقى فيه الجيف والنتن والقمامة ومات أبو عامر الراهب بالشام وحيدا طريدا غريبا وسأل عمر بن الخطاب رجلا منهم ماذا أعنت فى هذا المسجد فقال أعنت فيه بسارية فقال عمر أبشر بها فى عنقك فى نار جهنم* وروى ان بنى عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب فى خلافته ليأذن مجمع بن حارثة فيأمّهم فى مسجدهم فقال أليس بامام مسجد الضرار فقال له مجمع يا أمير المؤمنين لا تعجل علىّ فو الله لقد صليت فيه وانى لا أعلم ما أضمروا عليه فلو علمت ما صليت فيه معهم وكنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا قد غشوا نفاقهم وكانوا لا يقرؤن من القرآن شيئا فصليت ولا أحببت مما صنعوا شيئا الا انهم يتقرّبون الى الله ولا أعلم ما فى أنفسهم فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصلاة فى مسجد قباء فهذه قصة مسجد الضرار ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داعى وقد وهم بعض الرواة كما تقدّم وقال انما كان هذا فى مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة وهو وهم ظاهر لان ثنيات الوداع انما هى من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة الى المدينة بل اذا توجه منها الى الشام وقد سبق البحث عنها فى أوّل مجيئه المدينة وفى البخارى لما رجع النبىّ صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال ان بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم حبسهم العذر ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على المدينة قال هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه فلما دخل المدينة جاءه من كان تخلف عنه فحلفوا له فعذرهم واستغفر لهم وأرجى أمر كعب وصاحبيه حتى نزلت توبتهم فى قوله تعالى لقد تاب الله على النبىّ والمهاجرين والانصار الى قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة ابن الربيع وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك فى رمضان كذا فى الاكتفاء والله سبحانه وتعالى أعلم* قصة كعب بن مالك قصة كعب بن مالك وارجاء أمره* فى الاكتفاء قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك وقد كان تخلف عنه من تخلف من المنافقين وأولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية كما مرّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعذرهم الله ولا رسوله فاعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة فحدّث كعب بن مالك قال ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة غزاها قط غير انى كنت تخلفت عنه فى غزوة بدر وكانت غزوة لم يعاتب الله فيها ولا رسوله أحدا تخلف عنها وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما خرج يريد عير قريش فجمع الله بينه وبين عدوّه على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة حين تواثقنا على الاسلام وما أحب أن لى بها مشهد بدر وان كانت غزوة بدر هى أذكر فى الناس منها وكان من خبرى حين تخلفت عنه فى غزوة تبوك انى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه تلك الغزوة والله ما اجتمعت لى راحلتان قط حتى اجتمعتا لى فى تلك الغزوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها الا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حرّ شديد واستقبل غزو عدوّ كثير فجلا للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبة وأخبرهم خبره بوجهه الذى يريد والمسلمون من تبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يعنى بذلك الديوان وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار وأحنت الظلال والناس اليها صفر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهز المسلمون معه وجعلت أغد ولأتجهز معهم فأرجع ولم أقض حاجة فأقول فى نفسى انى قادر على ذلك ان أردت فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى شمر الناس بالجدّ وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازى شيئا فقلت لعلى أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحق بهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم وليتنى فعلت فلم أفعل وجعلت اذا خرجت فى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم يحزننى اننى لا أرى الا رجلا معموها عليه فى النفاق أو رجلا ممن عذره الله من الضعفاء ولم يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس فى القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر فى عطفيه فقال له معاذ بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا منه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه قافلا حضرنى بثىّ فجعلت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا وأستعين على ذلك كل ذى رأى من اهلى فلما قيل لى انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلّ قادما راح عنى الباطل وعرفت أنى لا أنجو منه الا بالصدق فأجمعت أن أصدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون من الاعراب فجعلوا يحلفون له ويعتذرون وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وأيمانهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم الى الله تعالى حتى جئت اليه فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب ثم قال لى تعال فجئت أمشى حتى جلست بين يديه فقال لى ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى والله كنت اشتريت ظهرا وما كان لى من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عندك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك فقمت ثم سألت الناس هل وقع لاحد مثل ما وقع لى قالوا نعم رجلان كان حالهما مثل حالك فقالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع الضمرى وهلال بن أمية الواقفى فذكر والى رجلين صالحين فيهما اسوة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبتنا الناس وتغيروا علينا فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فامّا صاحباى فاستكنا وقعدا فى بيوتهما يبكيان وأمّا أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين وأطوف فى الاسواق ولا يكلمنى أحد وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو فى مجلسه بعد الصلاة فأقول فى نفسى هل حرّك شفتيه بردّ السلام علىّ أم لا فبينما أنا أمشى بسوق المدينة اذا نبطى من أنباط أهل الشام ممن قدم المدينة بالطعام يبيعه يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى اذا جاءنى فدفع الىّ كتابا من ملك غسان فاذا فيه أمّا بعد فانه قد بلغنى أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فألحق بنا نواسك فقلت بعد ما قرأت ذلك الكتاب هذا ايضا من البلاء فألقيته فى التنور وأحرقته حتى مضت أربعون من الخمسين فاذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانى فقال انّ رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل فقال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل الى صاحبىّ مثل ذلك فقلت لامرأتى ألحقى بأهلك فتكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الامر فجاءت امرأة هلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 ابن أمية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربنك فقالت والله انه ما به حركة الى شئ فو الله ما زال يبكى منذ كان من أمره ما كان الى يومه هذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدرينى ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استأذنته وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كمل لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحالة التى ذكرها الله قد ضاقت علىّ نفسى وضاقت علىّ الارض بما رحبت سمعت صوت صارخ أو فى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فلما جاء الذى سمعت صوته يبشرنى نزعت له ثوبىّ وكسوته اياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين غيرهما فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنونى بالتوبة ودخلت المسجد فاذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام الىّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنانى وما قام الىّ رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق من السرور قال لى أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سرّ استنار وجهه حتى كأنه القمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله انّ من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله فقال صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فانى أمسك سهمى الذى بخيبر فقلت يا رسول الله انّ الله انما نجانى بالصدق وانّ من توبتى أن لا أحدّث الاصدقا ما بقيت وأنزل الله على رسوله لقد تاب الله على النبىّ والمهاجرين الى قوله وكونوا مع الصادقين فو الله ما أنعم الله علىّ من نعمة قط بعد أن هدانى للاسلام أعظم فى نفسى من صدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فانّ الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحى شرّ ما قال لاحد فقال سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم الى قوله فانّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين* قال كعب وكنا تخلفنا نحن الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه بذلك* قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذى ذكر الله من تخلفنا التخلفنا عن الغزو وانما هو تخليفه ايانا وارجاؤه أمرنا وفى الاكتفاء ولكن لتخليفه ايانا وارجائه أمرنا عمن حلف له واعتذر اليه فقبل منه* قصة اللعان وفى هذه السنة كان اللعان وفى المواهب اللدنية ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وجد عويمرا بزيادة الراء بعد الميم هو عويمر بن ابيض العجلانى الانصارى صاحب اللعان كذا فى أسد الغابة وفى المنتقى عويمر ابن الحارث العجلانى امرأته حبلى فلا عن عليه السلام بينهما بعد العصر فى مسجده وقد كان قذفها بشريك بن سمحاء وعن ابن عباس لما نزلت والذين يرمون المحصنات الاية قرأها النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدى الانصارى فقال جعلنى الله فداك ان رأى رجل منامع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين وسماه المسلمون فاسقا ولا تقبل شهادته أبدا فكيف لنا بالشهداء ونحن اذا التمسنا الشهداء كان الرجل قد فرغ من حاجته ومرّ وكان لعاصم هذا ابن عمّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس فأتى عويمر عاصما وقال قد رأيت شريك بن السمحاء على بطن امرأتى خولة بنت قيس فاسترجع عاصم وأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الجمعة الآخرى فقال يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذى سألت فى الجمعة الماضية فى أهل بيتى وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عمّ لعاصم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا قال لعويمر اتق الله فى زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله أقسم بالله انى رأيت شريكا على بطنها وانى ما قربتها منذ أربعة أشهر وانها حبلى من غيرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة اتقى الله ولا تخبرينى الا بما صنعت فقالت يا رسول الله ان عويمرا رجل غيور وانه رآنى وشريكا نطيل السهر ونتحدّث فحملته الغيرة على ما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك ما تقول فقال مثل ما قالت المرأة فأنزل الله والذين يرمون أزواجهم الاية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودى الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر قم فقام فقال اشهد بالله انّ خولة لزانية وانى لمن الصادقين ثم قال فى الثانية أشهد بالله انى رأيت شريكا على بطنها وانى لمن الصادقين ثم قال فى الثالثة أشهد بالله بأنها حبلى من غيرى وانى لمن الصادقين ثم قال فى الرابعة أشهد بالله انى ما قربتها منذ أربعة أشهر وانى لمن الصادقين ثم قال فى الخامسة لعنة الله على عويمر يعنى نفسه ان كان من الكاذبين فيما قال ثم أمره بالقعود وقال لخولة قومى فقامت وقالت أشهد بالله ما أنا بزانية وانّ عويمرا لمن الكاذبين ثم قالت فى الثانية أشهد بالله أنه ما رأى شريكا على بطنى وانه لمن الكاذبين ثم قالت فى الثالثة أشهد بالله انى حبلى منه وانه لمن الكاذبين ثم قالت فى الرابعة أشهد بالله انه ما رآنى قط على فاحشة وانه لمن الكاذبين ثم قالت فى الخامسة أنّ غضب الله على خولة تعنى نفسها ان كان من الصادقين ففرّق صلى الله عليه وسلم بينهما وقال لولا هذه الأيمان لكان فى أمرهما رأى ثم قال تربصوا بها الى حين الولادة فان جاءت بأصيهب أثيج يضرب الى السواد فهو لشريك بن السمحاء وان جاءت بأورق جعدا جماليا خدلج الساقين فهو لغير الذى رميت به* الا صيهب تصغير الاصهب وهو الاحمر الاثيج بالجيم تصغير الاثج وهو واسع الظهر وفى الصحاح الثج ما بين الكاهل الى الظهر يقال رجل جمالى وامرأة جمالية عظيم الخلق تشبيها بالجمل عظما وبدانة كذا فى الصحاح الخدلج العظيم الخدلجة المرأة الممتلئة الذراعين والساقين* قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق بشريك وفى رواية فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فان جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الاليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا الاصدق عليها وان جاءت به أحيمر كأنه وجرة فلا أحسب عويمرا الا كذب عليها فجاءت به على النعت الذى نعته صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ذلك ينسب الى أمّه رواه محيى السنة* اسلام ثقيف وفى هذه السنة كان اسلام ثقيف فى الاكتفاء قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك فى رمضان وقدم فى ذلك الشهر وفد ثقيف وكانت ثقيف بعد قتلهم عروة بن مسعود أقامت أشهرا ثم انهم ائتمروا بينهم ورأوا انهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا فمشى عمرو بن أمية أخو بنى علاج وكان من أدهى العرب الى عبد ياليل بن عمرو حتى دخل داره وكان قبل مهاجرا له للذى بينهما ثم أرسل اليه أنّ عمرو بن أمية يقول لك اخرج الىّ فقال عبد ياليل للرّسول ويلك أعمر وأرسلك الىّ قال نعم وها هو ذا واقفا فى دارك قال انّ هذا شئ ما كنت أظنه لعمرو وكان أمنع فى نفسه من ذلك فخرج اليه فلما رآه رحب به فقال له عمرو انه قد نزل بنا ما ليست معه هجرة انه قد كان من هذا الرجل ما قد رأيت وقد أسلمت العرب كلها وليس لكم بحربهم طاقة فانظروا فى أمركم فعند ذلك ائتمرت ثقيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 بينها وقال بعضهم لبعض ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج لكم أحد الا اقتطع فائتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أرسلوا عروة فكلموا عبد ياليل وكان سنّ عروة وعرضوا عليه ذلك فأبى أن يفعل وخشى أن يصنع به اذا رجع كما صنع بعروة فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معى رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الاحلاف وثلاثة من بنى مالك فيكونون ستة فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب ومن بنى مالك عثمان بن أبى العاص وأوس بن عوف ونمير بن خرشة فخرج بهم عبد ياليل وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ولم يخرج بهم الا خشية من مثل ما صنعوا بعروة بن مسعود لكى يشغل كل رجل منهم اذا رجعوا الى الطائف رهطه فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة يرعى فى نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رعيتها نوبا عليهم فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين وصار يشتد يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم فلقيه أبو بكر الصدّيق قبل أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم يريدون البيعة والاسلام وأن يشترطوا شروطا ويكتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فقال أبو بكر للمغيرة رضى الله عنهما أقسمت عليك بالله لا تسبقنى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدّثه ففعل المغيرة فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ثم خرج المغيرة الى أصحابه فروّح الظهر معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا الا بتحية الجاهلية ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة فى ناحية مسجده كما يزعمون وكان خالد بن سعيد هو الذى يمشى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اكتتبوا كتابهم كتبه خالد بيده وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية وهى اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى وانما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام فأبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدمانها وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كسر أوثانكم فسنعفيكم منها وأما الصلاة فانه لا خير فى دين لا صلاة فيه فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّر عليهم عثمان بن أبى العاص وكان من أحدثهم سنا فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله انى قد رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه فى الاسلام وتعلم القرآن فحدث عثمان بن أبى العاص قال كان من آخر ما عهد الىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثنى على ثقيف أن قال يا عثمان تجاوز فى صلاتك واقدر الناس بأضعفهم فانّ فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا راجعين الى بلادهم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فى هدم الطاغية فحرجا مع القوم حتى اذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدّم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان وقال ادخل أنت على قومك وأقام أبو سفيان بماله بذى الهرم فلما دخل علاها يضربها بالمعول وقام دونه قومه بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن* لتبكين دفاع* أسلمها الرضاع* لم يحسنوا المصاع* فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل الى أبى سفيان وحليها مجموع ومالها من الذهب والجزع وقد كان أبو مليح بن عروة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وقارب بن الاسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة يريد ان فراق ثقيف وأن لا يجامعهم على شىء أبدا فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا من شئتما فقالا لا نتولى الا الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالكما أبا سفيان بن حرب فقالا وخالنا أبا سفيان فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة الى هدم الطاغية سأل أبو مليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال له قارب بن الاسود وعن الاسود يا رسول الله فاقضه وعروة والاسود أخوان لأب وأمّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الاسود مات مشركا فقال قارب يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة يعنى نفسه انما الدين علىّ وأنا الذى أطالب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان ان يقضى دين عروة والاسود من مال الطاغية فلما جمع المغيرة مالها ذكر أبا سفيان بذلك فقضى منه عنهما* هكذا ذكر ابن اسحاق اسلام أهل الطائف بعقب غزوة تبوك فى رمضان من سنة تسع قبل حج أبى بكر بالناس آخر تلك السنة وجعل ابن عقبة قدوم عروة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتله فى قومه واسلام ثقيف كل ذلك بعد صدر أبى بكر رضى الله عنه من حجه وبين حديثه وحديث ابن اسحاق بعض اختلاف رأيت ذكر حديث ابن عقبة وان كان أكثره معادا لاجل ذلك الاختلاف ثم أذكر بعده حجة أبى بكر فى الموضع الذى ذكرها فيه ابن اسحاق* قال موسى ابن عقبة فلما صدر أبو بكر من حجه بالناس قدم عروة بن مسعود الثقفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرجوع الى قومه فقال له انى أخاف أن يقتلوك قال لو وجدونى نائما ما أيقظونى فأذن له فرجع الى الطائف وقدمها عشاء فجاءته ثقيف يسلمون عليه فدعاهم الى الاسلام ونصح لهم فاتهموه وأغصوه وأسمعوه من الاذى ما لم يكن يخشاه منهم فخرجوا من عنده حتى اذا سحر وسطع الفجر قام عروة على غرفة فى داره وتشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه الى الله فقتلوه وأقبل بعد قتله وفد من ثقيف بضعة عشر رجلاهم أشراف ثقيف وفيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ وفيهم عثمان بن أبى العاص وهو أصغر القوم حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يريدون الصلح حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامة العرب فقال المغيرة بن شعبة يا رسول الله أنزل علىّ قومى أكرمهم بذلك فانى الحازم فيهم قال لا أمنعك أن تكرم قومك ولكن تنزلهم حيث يسمعون القرآن ويرون الناس فأنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد وبنى لهم خياما لكى يستمعوا القرآن ويروا الناس اذا صلوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خطب لم يذكر نفسه فلما سمعه وفد ثقيف قالوا يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهد به فى خطبته فلما بلغه قولهم قال فانى أوّل من يشهد أنى رسول الله وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم ويخلفون عثمان بن أبى العاص على رحالهم لانه أصغرهم وكان عثمان كلما رجع الوفد اليه وقالوا بالهاجرة عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الدين واستقرأه القرآن فاختلف اليه عثمان مرارا حتى فقه فى الدين وعلم وكان اذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما عمد الى أبى بكر وكان يكتم ذلك من أصحابه فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه ومكث الوفد يختلفون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم الى الاسلام فقال له كنانة بن عبد ياليل هل أنت تقاضينا حتى نرجع الى قومنا ثم نرجع اليه فقال نعم ان أنتم أقررتم بالاسلام قاضيتكم والا فلا قضية ولا صلح بينى وبينكم قالوا رأيت الزنا فانا قوم نغترب ولا بدّ لنا منه قال هو عليكم حرام فانّ الله تعالى يقول ولا تقربوا الزنا انه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 كان فاحشة وساء سبيلا قالوا فالربا قال والربا قالوا انه أموالنا كلها قال فلكم رؤس أموالكم فقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين قالوا فالخمر فانها عصير أرضنا فلا بدّ لنا منها قال فانّ الله تعالى حرّمها فقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون فارتفع القوم وخلا بعضهم الى بعض فقالوا ويحكم انا نخاف ان خالفناه يوما كيوم مكة انطلقوا فأعطوه ما سأل وأجيبوه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لك ما سألت أرأيت الربة ماذا نصنع فيها قال اهدموها فقالوا هيهات لو تعلم الربة انا نريد هدمها لقتلت أهلنا فقال عمر ويحك يا ابن عبد ياليل ما أحمقك انما الربة حجر قال انا لم نأتك يا ابن الخطاب ثم قال يا رسول الله تول أنت هدمها فانا نخاف أن نهدمها فقال كنانة ائذن لنا قبل يا رسول الله ثم ابعث فى آثارنا فانى أعلم بقومى فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمهم فقالوا يا رسول الله أمّر علينا رجلا يؤمّنا فأمّر عليهم عثمان بن ابى العاص لما رأى من حرصه على الاسلام وقد كان علم سورا من القرآن قبل أن يخرج* قال كنانة لاصحابه أنا أعلمكم بثقيف فاكتموهم اسلامكم وخوّفوهم الحرب والقتال وأخبروهم أنّ محمدا سألنا أمورا أبيناها عليه سألنا أن ن هدم اللات ونبطل أموالنا فى الربا ونحرّم الخمر فخرجوا حتى اذا دنوا من الطائف خرجت اليهم ثقيف يتلقونهم فلما رأوهم قد ساروا العنق وقطروا الابل وتغشوا ثيابهم كهيئة القوم قد حربوا وكربوا قالت ثقيف بعضهم لبعض ما جاؤكم بخير فلما دخلوا حصنهم عمدوا اللات فجلسوا عندها واللات بيت كانوا يتعبدونه ويسترونه ويهدون له الهدى يضاهون به البيت الحرام ثم رجع كل واحد منهم الى أهله فجاء كل رجل حاميته من ثقيف فسألوه ماذا جئتم به قالوا أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما شاء قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودان الناس له فعرض علينا أمورا شدادا هدم اللات وترك الاموال فى الربا الا رؤس أموالكم وحرّم الخمر والزنا قالت ثقيف والله لا نقبل هذا أبدا فقال الوفد أصلحوا السلاح وتهيئوا للقتال وشيدوا حصونكم ورمّوها أى عمروها فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة تريد القتال ثم ألقى الله الرعب فى قلوبهم فقالوا والله ما لنا به طاقة أداخ العرب كلها فارجعوا اليه فأعطوه ما سأل وصالحوا عليه فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الأمن على الخوف وعلى الحرب قالوا لهم انا قد فرغنا من ذلك قد قاضيناه وأسلمنا وأعطانا ما أحببنا واشترطنا ما أردنا ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم وقد بورك لكم ولنا فى سفرنا ومسيرنا اليه وفيما قاضيناه عليه فقالت ثقيف فلم كتمتم علينا هذا الحديث وغممتمونا بذلك أشدّ الغمّ قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا مكانهم واستسلموا هدم اللات فمكثوا أياما ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمّر عليهم خالد بن الوليد وفيهم المغيرة بن شعبة فلما قدموا عليهم عمدوا اللات ليهدموها فتكفأت ثقيف كلها الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال وهم لا يرون أنها تهدم ويظنون أنها ستمنع فقام المغيرة بن شعبة فقال لاصحابه لا ضحكنكم من ثقيف فأخذ الكرزن فضرب به ثم أخذ يرتكض فارتج أهل الطائف بضجة واحدة وقالوا أبعد الله المغيرة قد قتلته الربة وفرحوا حين رأوه ساقطا وقالوا من شاء منكم فليقرب وليجهد على هدمها والله لا تستطاع أبدا فوثب المغيرة فقال قبحكم الله يا معشر ثقيف انما هى لكاع حجارة ومدر ثم ضرب الباب فكسره ثم علا على سورها وعلا الرجال معه فمازالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالارض وجعل صاحب المفاتيح يقول ليغضبن الاساس فليخسفن بهم فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد عنى أحفر أساسها فحفروها حتى أخرجوا ترابها وأخذوا حليها وثيابها فبهتت ثقيف وانصرف الوفد الى رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وسلم بحليها وكسوتها فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه وحمد الله على نصرة نبيه واعزاز دينه * كتاب ملوك حمير وفى هذه السنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك سنة تسع وهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين وهمدان ومعافر ورسولهم اليه صلى الله عليه وسلم مالك بن مرّة الرهاوى فى الصحاح القيل ملك من ملوك حمير دون الملك الاعظم* وفى القاموس أصله قيل كفيعل سمى به لانه يقول ما شاء فينفذ* وفى القاموس أيضا وذورعين ملك حمير ورعين كزبير حصن له أو جبل فيه حصن ومخلاف آخر باليمن قال الواقدى بعث زرعة ذى يزن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مرّة الرهاوى باسلام حمير ومفارقتهم الشرك وأهله وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسيره الى تبوك يقول انى بشرت بالكنزين فارس والروم وأمددت بالملوك ملوك حمير يأكلون فىء الله ويجاهدون فى سبيل الله فلما قدم مالك بن مرّة باسلامهم كتب اليهم* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبىّ الى الحارث بن كلال والى نعيم بن كلال والى النعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان أمّا بعد ذلكم فانى أحمد اليكم الله الذى لا اله الا هو أمّا بعد فانه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبر ما قبلكم وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين وانّ الله قد هداكم بهداه ان أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة وبين لهم صدقة الزرع والابل والبقر والغنم ثم قال فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدّى ذلك وأشهد على اسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فانه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه لا يردّ عنها وعليه الحزية على كل حال ذكر أو أنثى حرّ أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدّى ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان له ذمة الله وذمة رسوله ومن منعه فانه عدوّ لله ولرسوله أما بعد فانّ محمدا النبىّ أرسل الى زرعة ذى يزن أن اذا أتاكم رسلى فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرّة وأصحابهم واذا جمعوا عندكم من الصدقة أو الجزية من مخاليفكم فأبلغوها رسلى فان أميرهم ابن جبل فلا ينقلبن الا راضيا أمّا بعد فانّ محمدا يشهد أن لا اله الا الله وأنه عبده ورسوله ثم انّ مالك بن مرّة الرهاوى قد حدّثنى انك قد أسلمت من أوّل حمير وقتلت المشركين فأبشر بخبر وآمرك بحمير خيرا ولا تخاونوا و* لا تخاذلوا فانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مولى غنيكم وفقيركم وانّ الصدقة لا تحلّ لمحمد ولا لأهل بيته انما هى زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وان مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الطيب وآمركم به خيرا وانى قد أرسلت اليكم من صالحى أهلى وخيرتهم وأولى علمهم وآمركم بهم حيرا فانه منظور اليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته* فهذا ما ذكره ابن اسحاق من شأن ملوك حمير وما كتبوا به وكتب اليهم وذكر الواقدى أيضا نحوه ولا ذكر للمهاجرين أبى أمية فى شئ من ذلك الا أنّ ابن اسحاق والواقدى ذكرا أن قدوم رسول ملوك حمير على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقدمه من تبوك وذلك فى سنة تسع وتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل الى الملوك انما كان بعد انصرافه من الحديبية آخر سنة ست فلعلّ المهاجر والله أعلم كان توجهه حينئذ الى الحارث بن عبد كلال فصادف منه عامئذ تردّدا واستنظارا ثم جلا الله عنه العمى فيما بعد وآثره بهدايته فاستبان له القصد فعند ذلك أرسل هو وأصحابه باسلامهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يجتمع الامران ويصح الخبران اذ لا خلاف بين أهل العلم بالاخبار والعناية بالسير أنّ ملوك حمير أسلموا وكتبوا باسلامهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما انه لا خلاف بينهم أيضا فى توجيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 المهاجرين أبى أمية المخزومى وهو شقيق أمّ سلمة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم الى الحارث بن عبد كلال ويقول بعض من ذكر ذلك أنّ المهاجر لما قدم عليه قال له يا حارث انك كنت أوّل من عرض عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم نفسه فخطئت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا فاذا نظرت فى غلبة الملوك فانظر فى غالب الملوك واذا سرّك يومك فخف غدك وقد كانت قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا دهرا طويلا وأملوا أملا بعيدا وتزوّدوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وانى أدعوك الى الرب الذى ان أردت الهدى لم يمنعك وان أرادك لم يمنعك منه أحد وأدعوك الى النبىّ الأمىّ الذى ليس شئ أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه واعلم انّ لك ربا يميت الحىّ ويحيى الميت ويعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور فقال الحارث قد كان هذا النبىّ عرض علىّ نفسه فخطئت وقد كان ذخرا لمن صار اليه وكان أمره أمر اسبق فحصره اليأس وغاب عنه الطمع ولم تكن لى قرابة أحتمله عليها ولا لى فيه هوى أتبعه له غير أنى أرى أمرا لم يؤسسه الكذب ولم يسنده الباطل له بدء سارّ وعاقبة نافعة وسأنظر* رجم الغامدية وفى هذه السنة رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة الغامدية روى ان امرأة من غامد من أزد جاءت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبىّ الله انى قد زنيت وأنا أريد أن تطهرنى فقال لها النبىّ صلى الله عليه وسلم ارجعى فلما كان من الغدأتته أيضا واعترفت عنده بالزنا كما قالت له أوّل يوم فقال لها النبىّ صلى الله عليه وسلم ارجعى فلما كان من الغدأتته ايضا فاعترفت عنده بالزنا وقالت يا نبىّ الله طهرنى فلعلك تردّنى كما رددت ماعز بن مالك فو الله انى لحبلى من الزنا* وقصة ماعز بن مالك أنه جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهرنى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم ويحك ارجع فاستغفر الله وتب اليه فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهرنى فقال له النبى صلى الله عليه وسلم مثل ذلك حتى اذا كانت الرابعة قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم مم أطهرك قال من الزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون فأخبر انه ليس بمجنون قال أشرب الخمر فقام رجل واستنكه فمه فلم يجد منه ريح خمر قط فقال أزنيت قال نعم* وعن ابن عباس أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا قال أنكتها لا يكنى قال نعم فأمر برجمه فرجم فلبثوا يومين أو ثلاثة أيام ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال استغفروا لما عز بن مالك لقد تاب توبة لو قسمت بين أمّة محمد لوسعتهم* ولما قالت الغامدية انى لحبلى من الزنا قال لها النبىّ صلى الله عليه وسلم ارجعى حتى تلدى فلما ولدت جاءت بالصبىّ تحمله فقالت يا نبىّ الله هذا الولد ولدته فقال لها اذهبى به فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته جاءت بالصبىّ فى يده كسرة خبز قالت يا نبىّ الله هذا فطمته فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بالصبىّ فدفع الى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها حفرة وجعلت فيها الى صدرها ثم أمر الناس أن يرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبىّ صلى الله عليه وسلم سبه اياها فقال مهلا يا خالد لا تسبها فو الذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له فأمر بها فصلى عليها ودفنت* وفاة النجاشى وفى رجب هذه السنة توفى النجاشى* فى المغرب النجاشى ملك الحبشة بتخفيف الياء سماعا من الثقات وهو اختيار الفاريابى وعن صاحب التكملة بالتشديد وعن الغورى كلتا اللغتين وأما تشديد الجيم فخطأ واسمه أصحمة وهو الذى هاجر اليه المسلمون وأسلم وله الافعال الجميلة والاعانة للمسلمين فنعاه النبى صلى الله عليه وسلم الى المسلمين وخرج الى المصلى وصف أصحابه خلفه وكبر عليه أربع تكبيرات* روى أنه رفع الحجاب حتى يراه الصحابة على سريره بالحبشة وهم بالمدينة* وروى انه لما مات النجاشى لا يزال يرى على قبره نور وقد مرّ فى الموطن السادس* وفى سيرة مغلطاى قد روى الصلاة على الغائب تسعة من الصحابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 أو هريرة وابن عباس وأنس وبريدة وزيد بن ثابت وعامر بن ربيعة وأبو قتادة وسهيل بن حنيف وعبيدة ابن الصامت وحديثه مرسل كذا قال السهيلى وزيد عليه يزيد بن ثابت وعقبة بن عامر وأبو سعيد الخدرى وسعيد بن المسيب وان كان حديثه مرسلا فقد أسند* وفاة أم كلثوم وفى هذه السنة توفيت أمّ كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّلا تزوّجها عتيبة بن أبى لهب قبل النبوّة فلما نزلت تبت يدا أبى لهب وتب قال له أبوه رأسى من رأسك حرام ان لم تطلق ابنته ففارقها ولم يكن دخل بها بعد وقد مرّ فى الباب الثالث فى السنة الخامسة والعشرين من المولد ولم تزل أم كلثوم بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هاجرت الى المدينة فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان أم كلثوم فى السنة الثالثة من الهجرة وماتت عنده فى هذه السنة التاسعة فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وأم عطية* روى انه لما توفيت أمّ كلثوم حزن عثمان حزنا شديدا قال صلى الله عليه وسلم لو كانت عندى ثالثة لزوّجتكها يا عثمان وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وقال محمد بن عبد الرحمن بن زرارة رأيت عينيه تدمعان وقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد لم يقارف الليلة أهله فقال أبو طلحة أنا يا رسول الله فقال انزل يعنى وارها فنزل فى قبرها أبو طلحة* وفاة ابن سلول وفى هذه السنة مات عبد الله بن أبى بن الحارث بن عبيد المشهور بابن سلول امرأة من خزاعة وهى أمّ أبى بن مالك بن سالم بن غنم بن عمرو بن الخزرج كان عبد الله سيد الخزرج فى آخر جاهليتهم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد جمعوا له خرزا يتوجّونه فحسد ابن أبى ابن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافق فاتضع شرفه وهو ابن خالة أبى عامر الراهب وكان لعبد الله بن أبى ابن اسمه عبد الله أيضا فأسلم وشهد بدرا وكان يغمه حال أبيه وتثقل عليه صحبة المنافقين فمرض ابن أبى عشرين يوما بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ومات فى ذى القعدة وقد مرّ فى الموطن الخامس انه مات فى السنة الخامسة فأتاه النبىّ صلى الله عليه وسلم فشهده وصلى عليه ووقف على قبره وعزى ابنه عليه عند القبر* وروى انه بعث عبد الله ابن أبى ابن سلول الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه فلما دخل عليه قال أهلكك حب يهود قال يا رسول الله انى لم أبعث اليك لتؤذينى ولكنى بعثت اليك لتستغفرلى فسأله أن يكفنه فى قميصه ويصلى عليه* وروى انه لما مات ابن أبى دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه وثب اليه عمر وقال يا رسول الله أتصلى على ابن أبى وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا وعدّد قوله فتبسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عنى يا عمر فلما أكثر عليه قال انى خيرت فاخترت ولو أعلم أنى ان زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث الا يسيرا حتى نزلت الايتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الى قوله وهم فاسقون قال عمر فعجبت من جراءتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم* وعن جابر بن عبد الله قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضع على ركبتيه ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه وكان كسا عباسا قميصا* وعن أبى هريرة كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان فقال له ابن عبد الله يا رسول الله ألبسه قميصك الذى يلى جسدك* وعن جابر قال لما كان يوم بدر وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبى يقدر عليه كساه النبىّ صلى الله عليه وسلم اياه فلذلك نزع النبىّ صلى الله عليه وسلم قميصه الذى لبسه وألبسه له* وقال ابن عيينة كانت له عند النبىّ صلى الله عليه وسلم يد وأحب أن يكافئه* وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كلمه أصحابه فيما فعل لعبد الله بن أبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يغنى عنه قميصى وصلاتى والله انى كنت أرجو أن يسلم به ألف من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 قومه وكان كما رجا صلى الله عليه وسلم فان الخزرج لما رأوه عند وفاته يستشفى بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم ألف رجل منهم* حج أبى بكر بالناس وفى ذى القعدة الحرام من هذه السنة على القول الاصح حج أبو بكر ذكره ابن سعد وغيره بسند صحيح عن مجاهد ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم فى الاكليل وقال قوم فى ذى الحجة الحرام وبه قال الداودى والثعلبى والماوردى ومحمد بن سعد ويؤيده ان ابن اسحاق صرّح بأن النبىّ صلى الله عليه وسلم أقام بعد ما رجع من تبوك رمضان وشوّالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر على الحج فهو ظاهر فى أن بعث أبى بكر كان بعد انسلاخ ذى القعدة فيكون حجه فى ذى الحجة على هذا والله أعلم ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العام القابل فى ذى الحجة فذلك حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض وذلك ان العرب كانوا يستعملون النسىء فيؤخرون الحج الى صفر ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة كلها وقد مرّ فى الركن الاوّل فى تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم* وفى أنوار التنزيل النسىء تأخير حرمة الشهر الى شهر آخر كانوا اذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الشهر واعتبروا مجرّد العدد ولما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج خرج فى ثلثمائة رجل من المدينة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة فلما كان بالعرج لحقه على بن أبى طالب* روى النسائى عن جابر ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى اذا كنا بالعرج ثوّب بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التكبير وقال هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجذعاء لقد بدا لرسول صلى الله عليه وسلم فى الحج فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى معه فاذا علىّ عليها فقال أبو بكر أمير أم رسول قال لا بل رسول أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرأها على الناس فى موقف الحج* وفى الاكتفاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم ونزلت بعد بعثه اياه سورة براءة فى نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذى كانوا عليه فيما بينهم وبينه أن لا يصدّ عن البيت أحد جاءه ولا يخاف أحد فى الشهر الحرام وكان ذلك عهدا عامّا بينه وبين أهل الشرك وكان بين ذلك عهود خصائص بينه وبين قبائل العرب الى آجال مسماة فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عن تبوك وفى قول من قال منهم فكشف الله سرائر قوم كانوا يستخفون بغير ما يظهرون فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو بعثت بها الى أبى بكر فقال لا يؤدّى عنى الا رجل من أهل بيتى ثم دعا بعلى بن أبى طالب فقال اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن فى الناس بالحج يوم النحر اذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو الى مدّته فخرج علىّ رضى الله عنه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصدّيق فى الطريق فلما رآه أبو بكر قال أمير أو مأمور قال بل مأمور فمضيا حتى قدما مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسكهم حتى اذا فرغ قام علىّ فقرأ على الناس البراءة التى أرسلها معه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها* وفى الوفاء فمضى أبو بكر فحج بالناس* وفى الاكتفاء فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب فى تلك السنة على منازلهم من الحج التى كانوا عليها فى زمن الجاهلية حتى اذا كان يوم النحر قام على بن أبى طالب فأذن فى الناس بالذى أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيه ليرجع كل قوم الى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة الا أحد كان له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد انى مدّة فهو الى مدّته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان وكانت البراءة تسمى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعثرة لما كشفت من سرائر الناس ثم رجعا اى أبو بكر وعلى قافلين الى المدينة* وفى هذه السنة قتلت فارس ملكهم شهريار ابو شيرويه وملكوا عليهم بوران بنت كسرى كذا فى مورد اللطافة والله أعلم * (الموطن العاشر فى حوادث السنة العاشرة من الهجرة من قدوم عدى بن حاتم وبعث أبى موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث خالد بن الوليد الى بنى الحارث بن كعب بنجران وبعث على بن أبى طالب بعد ذلك الى اليمن وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخاصة وبعث جرير بن عبد الله ايضا الى ذى الكلاع وسيجيئان فى الخاتمة فى ذكر الوفود وقصة بديل وتميم الدارى ووفاة ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم وانكساف الشمس وطلوع جبريل مجلس النبىّ صلى الله عليه وسلم وقدوم فيروز الديلمى واسلام فروة بن عمرو الجذامى وخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من المدينة للحج واتيان صبىّ فى حجة الوداع وموت باذان ونزول آية الاستئذان) * * وفى اول هذه السنة قدم عدى بن حاتم على ما فى الوفاء وفى بعض كتب السير أورد قدومه فى شعبان سنة تسع وسيجىء فى الخاتمة* بعث أبى موسى الاشعرى الى اليمن وفى هذه السنة بعث أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن قبل حجة الوداع عند انصرافه من تبوك فى ربيع الاوّل كلا على مخلاف منه وهو مخلا فان ثم قال يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وطاوعا ولا تخالفا* المخلاف بكسر الميم وسكون المعجمة وآخره فاء بلغة أهل اليمن السكورة والاقليم والرستاق وكانت جهة معاذ العليا الى صوب عدن وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها مسجد مشهور وكانت جهة أبى موسى السفلى كذا فى المواهب اللدنية وفى رواية بعث معاذ بن جبل لاهل البلدين اليمن وحضر موت* (ذكر معاذ بن جبل) * فى الصفوة معاذ بن جبل بن أوس ويكنى أبا عبد الرحمن أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأردفه وراءه وبعثه الى اليمن بعد غزوة تبوك وشيعه ماشيا وهو راكب وسيجىء قريبا صفته* عن الواقدى عن أشياخه قالوا كان معاذ رجلا طويلا أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا وقال غيره أكحل العينين براق الثنايا اذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ وله من الولد عبد الرحمن وأمّ عبد الله وولد آخر لم يذكر اسمه* وفى المنتقى عن ابن عمر لما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يبعث معاذ بن جبل الى اليمن صلى صلاة الغداة ثم أقبل علينا بوجهه فقال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم ينتدب الى اليمن فقال أبو بكر بن أبى قحافة أنا يا رسول الله قال فسكت عنه فلم يجبه ثم قال يا معشر المهاجرين والانصار ايكم ينتدب الى اليمن فقام عمر بن الخطاب فقال أنا يا رسول الله فسكت عنه فلم يجبه ثم قال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم ينتدب الى اليمن فقام معاذ بن جبل فقال أنا يا رسول الله فقال له أنت يا معاذ وهى لك يا بلال ائتنى بعما متى فعمم بها رأسه وشدّ له على راحلته وشيعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المهاجرين والانصار وفتاء الناس من قريش وغيرهم ممن شاء الله ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى الى جنبه يوصيه فقال معاذ يا رسول الله أنا راكب وأنت تمشى ألا أنزل فأمشى معك ومع أصحابك فقال يا معاذ انما أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله قال فأوصاه بوصايا ثم قال يا معاذ لو أنا نلتقى بعد يومنا هذا لقصرت اليك فى الوصية ولكنا لا نلتقى الى يوم القيامة* وصيته عليه السلام لمعاذ وفى رواية قال يا معاذ لا تلقانى بعد عامى هذا ولعلك تمرّ بمسجدى وقبرى فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجه نحو المدينة فقال ان أولى الناس بى المتقون من كانوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وحيث كانوا رواه أحمد* وفى رواية قال يا معاذ انك تقدم على قوم أهل كتاب وانهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم ان مفاتيح الجنة لا اله الا الله وانها تخرق كل شئ حتى تنتهى الى الله عز وجل ولا تحجب دونه من جاء بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب فقال معاذ أرأيت ما سئلت عنه واختصم الىّ فيه مما ليس فى كتاب ولم أسمع منك عنه فقال تواضع لله يرفعك الله ولا تقضين الا بعلم فان أشكل عليك أمر فسل ولا تستحى واستشر ثم اجتهد فان الله عز وجل ان يعلم منك الصدق يوفقك فان التبس عليك فقف حتى تثبته أو تكتب الىّ فيه واحذر الهوى فانه قائد الاشقياء الى النار وعليك بالرفق* وعن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه الى اليمن قال كيف تقضى اذا عرض لك قضاء قال أقضى بكتاب الله قال فان لم تجد فى كتاب الله قال فبسنة رسول الله قال فان لم تجد فى سنة رسول الله قال أجتهد رأيى ولا آلو قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله رواه الترمذى وأبو داود والدارمى كذا فى المشكاة* وعن ابن عباس بعث معاذا الى اليمن فقال انك تأتى قوما أهل كتاب فادعهم الى شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فان هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة فان هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ فى فقرائهم فان هم أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب رواه البخارى كذا فى المواهب اللدنية* قال ثم ودّعه وانصرف ومضى معاذ حتى أتى صنعاء اليمن فصعد على منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قرأ عليهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل فأتاه صناديد صنعاء فقالوا يا معاذ هذا نزل قد هيأنا لك ومنزل قد فرغنا لك فقال معاذ ما بهذا أوصانى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فمكث معاذ بن جبل أربعة عشر شهرا فبينما هو ذات ليلة على فراشه اذا هو بهاتف يهتف به عند رأسه ويقول له يا معاذ كيف يهنأ لك العيش ومحمد صلى الله عليه وسلم فى سكرات الموت فوثب معاذ فزعا ما ظنّ الا أن القيامة قد قامت فلما رأى السماء مصحية والنجوم ظاهرة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم نودى فى الليلة الثانية يا معاذ كيف يهنأ لك العيش ومحمد بين أطباق التراب فوثب معاذ ووضع يده على أم رأسه وجعل ينادى بأعلى صوته يا محمداه يا محمداه فخرج العواتق من النساء والشباب من الرجال فجعلوا يقولون ما الذى جاءك وما الذى دهاك فجعل يبكى وينادى بأعلى صوته يا محمداه حتى أصبح فلما أصبح شدّ على راحلته فأخذ جرابا فيه سويق وأخذ أداوة من ماء ثم قال لا أنزل عن ناقتى هذه ان شاء الله الا لوقت صلاة أو لوقت قضاء حاجة حتى اذا كان على ثلاث مراحل من المدينة فاذا هو بهاتف يهتف عن يسار الطريق وهو يقول يا محمداه فعلم معاذ بأن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا فقال معاذ أيها الهاتف فى هذا الليل الغاوى من أنت يرحمك الله فقال له أنا عمار بن ياسر فقال له معاذ وأين تريد يرحمك الله فقال ان معى كتابا من أبى بكر الصدّيق الى معاذ بن جبل باليمن يعلمه بأن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا قال له فان كان محمد قد فارق الدنيا فمن للارامل واليتامى والضعفاء من بعده صلى الله عليه وسلم ثم سار وهو يقول يا عمار كيف تركت أصحاب محمد قال يا معاذ تركتهم كالغنم لا راعى لها ثم قال يا عمار كيف تركت المدينة قال تركتها وهى على أهلها أضيق من الخاتم قال فوضع معاذ يده على أمّ رأسه وجعل يبكى ويقول يا محمداه يا محمداه حتى ورد المدينة نصف الليل وستجىء وفاة معاذ فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وأرضاه * ذكر أبى موسى الاشعرى ذكر أبى موسى الاشعرى رضى الله عنه* فى الصفوة أبو موسى الاشعرى عبد الله بن قيس بن سليم أسلم بمكة وهاجر الى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وبعضهم ينكر هجرته الى الحبشة وعن أبى موسى الاشعرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا الى اليمن وأمرهما أن يعلما الناس القرآن وقد صح حديث أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رأيتنى وأنا أسمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فقلت يا رسول الله لو علمت انك تسمع قراءتى لحبرته لك تحبيرا وكان عمر بن الخطاب يقول لابى موسى الاشعرى ذكرنا ربنا تعالى فيقرأ* عن ابى عثمان النهدى قال صلى لنا أبو موسى الاشعرى صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج ولا بربط كان أحسن من صوته وستجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية* بعث خالد بن الوليد الى عبد المدان بنجران وفى هذه السنة أرسل خالد بن الوليد قبل حجة الوداع أيضا فى ربيع الاوّل سنة عشرو فى الاكليل فى ربيع الاخر وفى المنتقى فى ربيع الاخر أو جمادى الاولى الى عبد المدان قبيلة بنجران وأمره أن يدعوهم الى الاسلام فأسلموا كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية الى بنى الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم الى الاسلام ثلاثا قبل أن يقاتلهم فان أجابوا فاقبل منهم وأقم فيهم وعلمهم كتاب الله وسنة نبيه فأسلم ناس ودخلوا فيما دعاهم اليه وأقام خالد فيهم يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه ثم كتب خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد يا رسول الله فانك بعثتنى الى بنى الحارث بن كعب وأمرتنى اذا أتيتهم لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم الى الاسلام فان أسلموا قبلت منهم وانى قدمت عليهم ودعوتهم الى الاسلام فأسلموا فأنا مقيم فيهم أعلمهم معالم الاسلام* فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم* من محمد رسول الله الى خالد بن الوليد سلام عليك فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد فان كتابك جاءنى مع رسولك يخبر بأن بنى الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم فبشرهم وأنذرهم وأقبل معهم وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* فأقبل خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وفد بنى الحارث بن كعب فيهم قيس ابن الحصين فسلموا عليه وقالوا نشهد انك رسول الله وأن لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا اله الا الله وانى رسول الله وأمر عليهم قيسا فلم يلبثوا فى قومهم أربعة أشهر حتى توفى رسول الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الى بنى الحارث بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم الانصارى ليفقههم ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام ويأخذ منهم صدقاتهم فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حزم عامله على وفد نجران كذا فى المنتقى* بعث على بن أبى طالب الى اليمن وفى رمضان هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب الى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وأخرج أبو داود وأحمد والترمذى من حديث علىّ قال بعثنى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثنى الى قوم أسنّ منى وأنا حديث السن لا أبصر القضاء قال فوضع يده فى صدرى وقال اللهمّ ثبت لسانه واهد قلبه وقال يا على اذا جلس اليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الاخر الحديث فخرج علىّ فى ثلثمائة فارس ففرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك ثم لقى جمعهم فدعاهم الى الاسلام فأبوا ورموا بالنبل حتى حمل عليهم علىّ وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرّقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الاسلام ثم قفل فوافى النبىّ صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر* وفى رواية لما وجه صلى الله عليه وسلم عليا الى اليمن عقد له لواء وعممه بيده وأرخى طرفها من قدّامه نحو ذراع ومن خلفه قيد شبر وكان كعب الاحبار اذ ذاك باليمن فلقيه* وفى الاصل الاصيل فى تحريم النقل من التوراة والانجيل للسخاوى قال ذكر الواقدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 قال حدّثنى اسحاق بن عبد الله بن نسطاس عن عمر بن عبد الله العنسى* قال قال كعب الاحبار لما قدم علىّ اليمن لقيته فقلت له اخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يخبرنى عنها وجعلت أتبسم فقال لى مم تتبسم قلت مما يوافق ما عندنا فى صفته وقلت ما يحلّ وما يحرّم فاخبرنى فقلت هو عندنا كما وصفت وصدّقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به ودعوت من قبلنا من الاحبار وأخرجت اليهم سفرا قلت هذا كان أبى يختمه علىّ ويقول لا تفتحه حتى تسمع بنبى يخرج بيثرب قال فأقمت على اسلامى باليمن حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى أبو بكر فقدمت فى خلافة عمر يا ليت انى كنت تقدّمت فى الهجرة* وعن سعيد بن المسيب قال قال العباس لكعب الاحبار ما منعك أن تسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر قال كعب ان أبى قد كتب لى كتابا من التوراة ودفعه الىّ وقال لى اعمل بهذا وختم على سائر كتبه وأخذ علىّ ميثاقا وقال لى بحق الوالد على ولده ان لا أفض الخاتم فلما كان الان ورأيت الاسلام يظهر ولم أر بأسا قالت لى نفسى لعل أباك غيب عنك علما وكتمه عنك ففضضته فوجدت فيه صفة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمته فجئت الان مسلما فوالى العباس وقيل المشهوران اسلام كعب كان فى الشام فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه* وفى رواية بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى جماعة الى اليمن ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه وقال له مر أصحاب خالد من شاء أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقفل قال البراء كنت فيمن عقب معه فغنمت أواقى ذوات عدد* وفى ذخائر العقبى فى ذكر اسلام همدان على يد على بن أبى طالب عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى اليمن يدعوهم الى الاسلام وكنت فيمن سار معه فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه الى شئ فبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأمر أن يرسل خالدا ومن معه الا من أراد البقاء مع علىّ فيتركه فكنت فيمن بقى مع على فلما انتهينا الى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلى بنا الفجر فلما فرغ صفنا صفا واحدا ثم تقدّم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها فى يوم واحد وكتب بذلك كتابا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خرّ ساجدا لله وقال السلام على همدان مرّتين أخرجه أبو عمرو * بعث جرير بن عبد الله الى ذى الكلاع وفى هذه السنة بعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخلصة وسيجىء فى الفصل الاوّل من الخاتمة فى ذكر الوفود* وفى هذه السنة بعث جرير بن عبد الله البجلى الى ذى الكلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم وأسلمت امرأته صريمة بنت أبرهة بن الصباح واسم ذى الكلاع سميفع وفى القاموس سميفع كسميدع وقد يضم سينه بن باكور ذو الكلاع الاصغر روى عن الاصمعى أنه قال كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله البجلى يدعوه الى الاسلام وكان قد استعلى أمره حتى ادّعى الربوبية فأطيع وتوفى النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم وفد ذو الكلاع فى خلافة عمر ومعه ثمانية آلاف عبد فأسلم على يده وأعتق من عبيده أربعة آلاف ثم قال عمر يا ذا الكلاع يعنى ما بقى عندك من عبيدك أعطك ثلث أثمانهم ههنا وثلثا باليمن وثلثا بالشام فقال أجلنى يومى حتى أفكر فيما قلت ومضى الى منزله فأعتقهم جميعا فلما غدا على عمر قال له ما رأيك فيما قلت لك فى عبيدك قال قد اختار الله لى ولهم خيرا مما رأيت قال وما هو قال هم أحرار لوجه الله تعالى قال أصبت يا ذا الكلاع قال يا أمير المؤمنين لى ذنب ما أظنّ الله تعالى يغفره لى قال وما هو قال تواريت يوما ممن يتعبدنى ثم أشرفت عليهم من مكان عال فسجدلى زها مائة ألف انسان فقال عمر التوبة باخلاص والانابة باقلاع يرجى بهما مع رأفة الله عز وجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 الغفران* وفى رواية أعتق ذو الكلاع اثنى عشر ألف بيت وقتل ذو الكلاع بصفين* بعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى أهل نجران وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة عامر بن الجرّاح الى أهل نجران لما طلبوا رجلا أمينا وقال هذا أمين هذه الامة وسيجىء تمامه فى الفصل الاوّل فى الخاتمة وسيجىء موته وبعض أحواله فى الفصل الثانى منها فى خلافة عمر بن الخطاب* قصة بديل وتميم الدارى وفى هذه السنة خرج بديل بن أبى مارية مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين فى تجارة الى الشام مع تميم الدارى وعدى بن بدأ وكانا نصرانيين فمرض بديل وكتب وصيته فى صحيفة وطرحها فى متاعه ولم يخبر بها صاحبيه وأوصى اليهما أن يدفعا متاعه الى أهله فمات بأرض ليس بها مسلم ففتشا متاعه وأخذا اناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلثمائة مثقال فضة فغيباه فلما قدما المدينة بتركته أصاب أهل بديل الصحيفة وفقدوا الاناء فطالبوهما بالاناء فجحدا وترافعوا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر عند المنبر فحلفا ثم وجد الاناء بمكة فقالوا اشتريناه من عدى وتميم فلما ظهرت خيانتهما قام رجلان من ورثة بديل وهما عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبى وداعة فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما أى ليميننا أحق بالقبول من يمين هذين الوصيين الخائنين فاستحقا الاناء وفيهم نزلت يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت الاية* وفاة ابراهيم ابن رسول الله عليه السلام وفى هذه السنة العاشرة من الهجرة يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الاوّل توفى ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ولد فى ذى الحجة من السنة الثامنة من الهجرة ودفن بالبقيع* روى أنه لما توفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابراهيم ابنى وانه مات فى الثدى وان له لظئرين يكملان رضاعه فى الجنة وعن البراء ابن عازب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه ابراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام* وفى صحيح البخارى توفى ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم وله سبعة عشر أو ثمانية عشر شهرا* وفى الوفاء وسنه عام ونصف وستة أيام وقيل عام وثلث وفيما ذكره أبو داود توفى وله سبعون يوما فى ربيع الاوّل يوم الثلاثاء لعشر خلون منه كذا فى المواهب اللدنية وقال ان له لظئرا تتمّ له رضاعه فى الجنة* وفى رواية ابن ماجه ان له مرضعا فى الجنة كذا فى المواهب اللدنية ولما مات غسله الفضل بن عباس ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل على سرير صغير وصلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال يدفن عند فرطنا عثمان بن مظعون* وروى عن عائشة أنها قالت دفنه عليه السلام ولم يصل عليه يحتمل أن يكون لم يصل عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه فى جماعة* وروى ان الذى غسله أبو بردة وروى انه الفضل بن العباس ولعلهما اجتمعا عليه ونزل قبره الفضل وأسامة والنبىّ صلى الله عليه وسلم جلس على شفير القبر والعباس جالس على جنبه ورش قبره وعلم بعلامة قال الزبير وهو أوّل قبر رش* وقد روى من حديث أنس بن مالك انه قال لو بقى يعنى ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم لكان نبيا ولكن لم يبق لان نبيكم آخر الانبياء أخرجه أبو عمرو* وقال الطبرى وهذا انما يقوله أنس عن توقيف يخص ابراهيم والا فلا يلزم أن يكون ابن النبىّ نبيا بدليل ابن نوح* وعن أنس قال كان ابراهيم قد ملأ المهد ولو بقى لكان نبيا وعن البخارى من طريق محمد بن بشر عن اسماعيل بن أبى خالد قال قلت لعبد الله بن أبى أوفى رأيت ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال مات صغيرا ولو قضى بعد محمد نبى عاش ابنه ابراهيم ولكن لا نبىّ بعده كذا فى المواهب اللدنية* كسوف الشمس وفى هذه السنة انكسفت الشمس يوم مات ابراهيم فقال الناس انما كسفت لموت ابراهيم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته رواه الشيخان وزاد فى رواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 اذا رأيتموهما فعليكم بالدعاء حتى يكشفا قيل ان الغالب ان الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين فانكسفت الشمس يوم موت ابراهيم فى العاشر فلذلك قالوا ابها كسفت لموته * طلوع جبريل مجلس النبى فى صورة رجل وفى هذه السنة طلع جبريل مجلس النبىّ صلى الله عليه وسلم فى صورة رحل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر طيب الرائحة حسن الوجه رآه حضار المجلس لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فتعجبوا من حاله فلما دنا قال السلام عليك يا رسول الله فردّ النبىّ عليه السلام فجاء حتى جلس الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وسأل عن الايمان والاسلام والاحسان والقيامة وأماراتها فأجابه النبىّ صلى الله عليه وسلم عن غير القيامة وقال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل فخرج جبريل من المجلس فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يطلبوه فما وجدوه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أتدرون من السائل قالوا الله ورسوله اعلم فقال لهم انه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم وكان كلما يأتيه يعرفه فى أى صورة كان الا هذه المرة ولما غاب علم انه جبريل عليه الصلاة والسلام وفى رواية قال لعمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام أتدرى من السائل قال الله ورسوله أعلم قال انه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم* قدم فيروز الديلمى إلى المدينة وفى هذه السنة قدم فيروز الديلمى المدينة فأسلم وهو الذى قتل الاسود العنسى الكذاب المتنبى قتله فى السنة الحادية عشر من الهجرة وسيجىء فى الموطن الحادى عشر وفى هذه السنة أسلم فروة بن عمر والجذامى ثم النفاثى* وفى الاكتفاء ذكر الواقدى باسناد له ان فروة ابن عمرو هذا كان عاملا لقيصر على عمان من أرض البلقاء وفى كتاب ابن اسحاق على معان وما حولها من أرض الشام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى هرقل والى الحارث بن أبى شمر ولم يكتب اليه* وفى المواهب اللدنية بعث اليه يدعوه الى الاسلام انتهى فأسلم فروة وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث من عنده رسولا يقال له مسعود بن سعد من قومه بكتاب مختوم فيه* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد رسول الله النبىّ انى مقرّ بالاسلام مصدّق به وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وانه الذى بشربه عيسى ابن مريم والسلام عليك ثم بعث مع الرسول بغلة بيضاء يقال لها فضة وحمارة يقال لها يعفور وفرسا يقال لها الظرب وبعث بأثواب من لين وقباء من سندس مخوّص بالذهب فقدم الرسول ودفع الكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأه وأمر بلالا أن ينزله ويكرمه فلما أراد الخروج كتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب كتابه* من محمد رسول الله الى فروة بن عمرو سلام عليك فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد فانه قدم علينا رسولك بكتابك فبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلك وأنبأنا باسلامك وان الله عز وجل قد هداك بهداه الى دين الاسلام فان أنت أصلحت وأطعت الله ورسوله وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة دخلت الجنة والسلام عليك* ولما بلغ قيصر اسلام فروة بن عمرو بعث اليه وحبسه ولما طال سجنه أرسلوا اليه أن ارجع الى دينك ونعيد اليك ملكك فقال لا أفارق دين محمد أبدا أما انك تعرف انه رسول الله بشربه عيسى ابن مريم ولكنك ضننت بملك وأحببت بقاءه قال قيصر صدق والانجيل وذكر الواقدى انه مات فى ذلك الحبس فلما مات صلبوه قال ابن اسحاق انهم صلبوه حيا على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين قال فلما اجتمعت الروم لقتله قال فى ذلك الا هل اتى سلمى بأن حليلها ... على ماء عفرا فوق احدى الرواحل على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل وذكر ابن شهاب الزهرى انهم لما قدّموه ليقتلوه قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 أبلغ سراة المسلمين بأننى ... سلم لربى أعظمى ومقامى ثم ضربوا عنقه على ذلك الماء رحمة الله عليه وسيجىء فى الفصل الاوّل فى الخاتمة بتغيير يسير* حجة الوداع وفى هذه السنة كانت حجة الوداع وتسمى حجة الاسلام وحجة التمام وحجة البلاغ وكره ابن عباس أن يقال حجة الوداع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة يضحى كل عام ويغزو المغازى فلما كان فى ذى القعدة سنة عشر من الهجرة أجمع على الخروج الى الحج قال ابن سعد لم يحج غيرها منذ تنبأ الى أن توفاه الله* وفى البخارى عن زيد بن أرقم ان النبىّ صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وانه حج بعد ما هاجر حجة واحدة وهى حجة الوداع ولم يحج بعدها* قال ابن اسحاق وأخرى بمكة وقيل حج بمكة حجتين هذا بعد النبوّة وما قبلها لا يعلمه الا الله وأخرج الترمذى عن جابر بن عبد الله حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة هذا لفظ الدار قطنى وابن ماجه والحاكم وصححه على شرط مسلم قال الشيخ محب الدين الطبرى لعل جابرا أشار الى حجتين بعد النبوّة وقال ابن حزم حج رسول الله واعتمر قبل النبوّة وبعدها وقبل الهجرة وبعدها حججا وعمرا لا يعلمهما الا الله وكذا قال ابن أبى الفرج فى كتاب مثير الغرام وقال السهيلى فى شرح السيرة لا ينبغى أن يضاف اليه فى الحقيقة الا حجة الوداع وان حج مع الناس اذ كان بمكة فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكما له لانه صلى الله عليه وسلم كان مغلوبا على أمره وكان الحج منقولا عن وقته فقد ذكر ان أهل الجاهلية كانوا ينقلون الحج عن حساب الشهور الشمسية ويؤخرونه فى كل سنة احد عشر يوما وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يحج مقفله من تبوك وذلك اثر فتح مكة بيسير ثم ذكر ان بقايا المشركين يحجون ويطوفون بالبيت عراة فأخر الحج حتى نبذ الى كل ذى عهد عهده وذلك فى السنة التاسعة ثم حج فى العاشرة بعدا محاء رسوم الشرك كذا فى البحر العميق* وفى الاستيعاب لم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة غير حجته الواحدة وهى حجة الوداع وذلك فى سنة عشر من الهجرة وفى سيرة اليعمرى حج صلى الله عليه وسلم بعد فرض الحج حجة واحدة وقبل ذلك مرّتين واعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلها فى ذى القعدة الا التى مع حجته واحدة منهنّ فى ذى القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدّوا فيها فتحلل فحسبت له عمرة والثانية فى ذى القعدة من العام المقبل وهى سنة سبع وهى عمرة القضاء والثالثة فى ذى القعدة سنة ثمان وهى عام الفتح من جعرانة حيث قسم غنائم حنين والرابعة مع حجته الكبرى سنة عشر وكان احرامها فى ذى القعدة واعمالها فى ذى الحجة كذا رواه البخارى فى صحيحه عن أنس وكذا فى منهاج النووى ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع خرج من طريق الشجرة وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وهو موضع معروف على ستة أميال من المدينة كذا فى منهاج النووى وهو أسفل من المسجد الذى ببطن الوادى وانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج الى مكة يصلى فى مسجد الشجرة واذا رجع صلى بذى الحليفة ببطن الوادى وبات حتى يصبح رواه البخارى وذو الحليفة ماء لجشم على ستة أميال من المدينة قاله النووى وقال ابن حزم انه على أربعة أميال وقيل سبعة وفى شرح مختصر الوقاية للشمنى فسر ابن شجاع الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع الى أربعة آلاف وفى الصحاح الميل من الارض منتهى مدّ البصر عن ابن السكيت وفى شرح الكنز ثلاث فراسخ أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشى طولها أربعة وعشرون أصبعا وعرض كل أصبع ست حبات شعير ملصقة ظهرا لبطن* وفى الينابيع الميل ثلث فرسخ والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة وكل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة وهو أربعة وعشرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 اصبعا ومسجد ذى الحليفة يسمى مسجد الشجرة وقد خرب وبه البئر التى تسميها العوام بئر على وينسبونها الى على بن أبى طالب لظنهم انه قاتل الجنّ بها وهو كذب كذا فى تشويق الساجد وذو الحليفة هو الميقات لاهل المدينة ولمن مرّ به من غيرهم وهو أبعد المواقيت وهناك منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واردا وصادرا فخرج صلى الله عليه وسلم من المدينة مغتسلا مدّهنا مترجلا فى ثوبين ازار ورداء وذلك يوم السبت لخمس بقين من ذى القعدة فصلى الظهر بذى الحليفة* وفى المواهب اللدنية ثبت فى الصحيحين عن أنس صلينا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين صرّح الواقدى بأنّ خروجه صلى الله عليه وسلم كان يوم السبت لخمس بقين من ذى القعدة وكان وقت خروجه من المدينة بين الظهر والعصر وكان أوّل ذى الحجة يوم الخميس وكان دخوله مكة صبح أربعة الى رابع ذى الحجة كما ثبت فى صحيح حديث عائشة وذلك يوم الاحد* وفى سيرة اليعمرى دخل مكة يوم الاحد بكرة وهذا يؤيد أنّ خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدّم فيكون المكث فى الطريق ثمان ليال وهى المسافة الوسطى وخرج معه عليه السلام تسعون ألفا ويقال مائة ألف وأربعة عشر ألفا ويقال أكثر كما حكاه البيهقى وكانت الوقفة يوم الجمعة وأخرج صلى الله عليه وسلم معه نساءه كلهنّ فى الهوادج وأشعر هديه وقلده* وفى سيرة اليعمرى خرج فى حجة الوداع نهارا بعد ما ترجل وادّهن وتطيب وبات بذى الحليفة وقال أتانى الليلة آت من ربى وقال صل بهذا الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة فأحرم بهما قارنا* وسئل جابر بن عبد الله عن حجة رسول الله قال انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن فى الناس فى العاشرة انّ رسول الله حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر فأرسلت الى رسول الله كيف أصنع قال اغتسلى واستشعرى وأحرمى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فى مسجد ذى الحليفة ثم ركب القصوى حتى اذا استوت به على البيداء كان الى مدّ البصر الناس من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك فأهلّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهلّ الناس بهذا ولزم رسول الله تلبيته قال لسنا ننوى الا الحج ولسنا نعرف العمرة* وعن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من الثنية العليا يعنى كداء وهو المشهور بالمعلاة ويخرج من الثنية السفلى يعنى كدى كذا رواه البخارى* وفى سيرة اليعمرى ونزل على الحجون* وفى مناسك الكرمانى روى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة صبيحة اليوم الرابع من ذى الحجة وأقام بها محرما الى يوم التروية ثم راح الى منى محرما بذلك الا حرام* قال جابر حتى اذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدّم الى مقام ابراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى فيه ركعتين وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاها كان كعتق رقبة رواه الترمذى كذا فى المشكاة* قال جابر ثم رجع الى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب الى الصفا فلما دنا منه قرأ انّ الصفا والمروة من شعائر الله وقال أبدأ بما بدأ الله به فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله فوحد الله وكبره وقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا اله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الاحراب وحده ثم دعا قال مثل هذا ثلاث مرّات ثم نزل الى المروة حتى انصبت قدماه فى بطن الوادى حتى اذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل عليها كما فعل على الصفا حتى أتمّ السبع على المروة* وفى سيرة اليعمرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 سعى راكبا انتهى* قال جابر قال لو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحلّ وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للابد فشبك رسول الله أصابعه واحدة فى الآخرى وقال دخلت العمرة فى الحج مرّتين لابل لأبد أبد* وقدم علىّ من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أبى أمرنى بهذا* قال علىّ فذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذى صنعت مستفتيا لرسول الله فيما ذكرت عنه فأخبرته انى أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم انى أهلّ بما أهلّ به رسولك قال فانّ معى الهدى فلا تحلّ* وكانت جملة الهدى الذى قدم به علىّ من اليمن والذى أتى به النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة فحلق الناس كلهم وقصروا الا النبىّ صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى* فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فأهلوا بالحج وركب النبىّ صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ومكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فنزل بها حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس فقال انّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمىّ موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وانّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا فى سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوعة وأوّل ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله فاتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف وقد تركت فيكم ما ان تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرّات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرة وجعل حبل الشاة بين يديه فوقف مستقبل القبلة وكان يوم الجمعة وكان واقفا اذ نزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم الاية* وفى بحر العلوم فبركت ناقته من هيبة القرآن* قال جابر فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وأردف أسامة خلفه ودفع وقد شنق القصوى الزمام حتى انّ رأسها ليصيب مورك الرحل ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين الصبح وركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّت ظعن البحرين فطفق الفضل ينظر اليهنّ فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الى الشق الاخر ينظر فحوّل صلى الله عليه وسلم يده من الشق الاخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الاخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرّك قليلا* وفى شفاء الغرام ذكر المحب الطبرى وابن خليل سمى محسرا لانّ فيل أصحاب الفيل حسر فيه أى أعيا واهل مكة يسمونه وادى النار زعموا أنّ رجلا اصطاد فيه غزالة فنزلت نار فأحرقته والله أعلم وليس وادى محسر من مزدلفة ولا من منى وهو مسيل ما بينهما وفى المشكاة وادى محسر من منى* نفيسة وفى منسك يحيى بن زكريا أنّ رجلا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 الصالحين تأخر بعرفات فغلبه النوم فرأى فى منامه كأنّ عرفة مملوءة قردة وخنازير فتعجب من ذلك فهتف به هاتف هذه ذنوب الحجاج تركوها ومضوا طاهرين من الذنوب* وعن ابن الموفق قال حججت سنة فلما كانت ليلة عرفة بت بمنى فرأيت فى المنام ملكين قد نزلا من السماء فنادى أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال له لبيك يا عبد الله قال أتدرى كم حج فى هذه السنة بيت ربنا قال لا أدرى قال حج ستمائة ألف فقال أتدرى كم قبل منهم قال لا قال قبل منهم ستة قال ثم ارتفعا فنادى فى السماء فانتبهت فزعا خائفا مرعوبا وغمنى ذلك وقلت فى نفسى اذا قبل حج ستة فمن أكون أنا فلما أفضت من عرفات وصرت عند المشعر الحرام جعلت أفكر فى كثرة الخلائق وقلة من قبل منهم فغلبنى النوم فاذا الملكان بعينهما قد نزلا فقال أحدهما لصاحبه المقالة الاولى ثم قال أتدرى ما حكم ربنا فى هذه الليلة قال لا قال وهب ربنا لكل واحد من الستة مائة ألف فانتبهت مملوآ من السرور ما الله به عالم* وفى المشكاة عن عباس بن مرداس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمّته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب بأنى قد غفرت لهم ما خلا المظالم فانى آخذ للمظلوم من الظالم قال أى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشيته فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل* قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال تبسم فقال له أبو بكر وعمر بأبى أنت وأمى انّ هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذى أضحكك أضحك الله سنك قال انّ عدوّ الله ابليس لما علم انّ الله عز وجل قد استجاب دعائى وغفر لأمّتى أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجه والبيهقى فى كتاب البعث والنشور* قال جابر ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات مثل حصى الخذف يكبر مع كل حصاة منها من بطن الوادى ثم انصرف الى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة عدد سنى عمره ثم أعطى عليا ما بقى الى تمام المائة وقد كان صلى الله عليه وسلم أتى ببعضها وقدم علىّ بشئ منها من اليمن* وفى حياة الحيوان نحر بيده فى حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة ثم حلق رأسه بمنى جانبه الايمن ثم الايسر وحالقه معمر بن عبد الله العدوى وقيل اسمه خراش بن أمية بن ربيعة الكلبى* وفى منهاج النووى انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى ثم أتى الجمرة ولم يزل يلبى حتى رمى ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذو أشار الى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس* وفى المناسك للكرمانى انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة رجع الى منزله بمنى ثم دعا بذبائح فذبح ثم دعا بالحلاق فأعطاه شقه الأيمن فحلقه فدفعه الى أبى طلحة ليفرّقه بين الناس ثم أعطاه شقه الأيسر فحلقه ثم دفعه الى أبى طلحة ليفرّقه بين الناس قيل أصاب خالد بن الوليد شعرات من شعرات ناصيته صلى الله عليه وسلم* وفى الشفاء كانت شعرات من شعره عليه السلام فى قلنسوة خالد فلم يشهد بها قتالا الارزق النصر* قال جابر وأشرك صلى الله عليه وسلم عليا فى هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت فى قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب صلى الله عليه وسلم فأفاض الى البيت وصلى الظهر بمكة فأتى بنى عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انتزعوا بنى عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه وطاف صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف ويسألوه فانّ الناس قد غشوه وكان صلى الله عليه وسلم لا يستلم فى طوافه الا الحجر الأسود والركن اليمانى* وعن الزبير قال سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال رأيت رسول الله يستلمه ويقبله رواه البخارى وعن ابن عمر قال لم أر النبىّ صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت الا الركنين اليمانيين متفق عليه* وعن ابن عباس قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن متفق عليه* وعن أبى الطفيل قال رأيت رسول الله يطوف بالبيت على بعير ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن رواه مسلم ذكر الاحاديث الاربعة فى المشكاة* وقال النووى فى شرح صحيح مسلم انّ للبيت أربعة أركان الركن الأسود والركن اليمانى ويقال لهما اليمانيان للتغليب وأمّا الركنان الاخران فيقال لهما الشاميان فالركن الأسود فيه فضيلتان* احداهما كونه على قواعد ابراهيم عليه السلام* والثانية كون الحجر الأسود فيه وأمّا اليمانى ففيه فضيلة واحدة وهى كونه على قواعد ابراهيم وأمّا الركنان الاخران فليس فيهما شئ من هاتين الفضيلتين فلهذا خص الحجر الأسود بسنة الاستلام والتقبيل وأمّا اليمانى فيستلم ولا يقبل لانّ فيه فضيلة واحدة وأمّا الركنان الاخران فلا يقبلان ولا يستلمان* وفى تشويق الساجد قال المحب الطبرى فى كتابه المسمى بالقربى العمل عند أهل العلم فى كيفية التقبيل أن يضع شفتيه على الحجر من غير تصويت كما يفعله كثير من الناس انتهى فانه صح أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قبله من غير صوت وأمّا السجود على الحجر الأسود فقد ورد أنّ ابن عباس قبل الحجر الأسود وسجد عليه وقال رأيت عمر قبله ثم سجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا رواه ابن المنذر وأبو يعلى الموصلى والحاكم وصحح اسناده وليس فى حديث جابر الطويل المشهور فى صفة حج النبىّ ذكر السجود على الحجر الأسود والحنفية لم يذكروا فى كتبهم ومناسكهم السجود على الحجر الأسود وأغرب الشيخ فخر الدين الزيلعى الحنفى فقال فى شرح الكنز انه يسجد عليه وكأنه أخذ هذا عن الشافعية* وحكى السكاكى من الحنفية عن الشافعى السجود عليه واستدلّ بحديث ابن عباس المذكور ثم قال وعندنا الاولى أن لا يسجد عليه لعدم الرواية فى المشاهير وكذلك قاله الطرابلسى وأنكر مالك وضع الخدّ والجبهة عليه وقال انه بدعة نقله ابن جماعة فى منسكه* وقال ابن المنذر انه لا يعلم أحد أنكر ذلك الا مالكا* وفى البحر العميق ثم يستلم الحجر بيده ثم يقبله من غير أن يظهر الصوت فى القبلة ويسجد عليه ويكرّر التقبيل والسجود عليه ثلاثا* قال رشيد الدين فى مناسكه ينبغى أن يبدأ من جانب الحجر الذى يلى الركن اليمانى ليكون مروره على جميع الحجر بجميع بدنه* قال الطرابلسى انما قال هذا ليخرج من خلاف من يشترط المرور على الحجر بجميع بدنه وقال ابن الصلاح ثم النووى انه يستقبل القبلة ويقف على جانب الحجر بحيث يصير جميع الحجر على يمينه ويصير منكبه الايمن عند طرف الحجر ثم ينوى الطواف ثم يمشى مستقبل الحجر مارّا الى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر فاذا جاوز انفتل وجعل يساره الى البيت ويمينه الى خارج البيت ولو فعل هذا من الاوّل فلم يستقبل الحجر عند محاذاته بل جعله عن يساره جاز* ومن البدعة ما يفعله بعض الجهال من استلام الركنين الشاميين وبعضهم يمسح عليهما بيده ويقبلهما وبعضهم يمرّ عليهما ويشير اليهما بيده من غير تقبيل وهذه بدعة منكرة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقال ابن جماعة فى منسكه اتفقت الائمة الاربعة على انه لا يستلم الركنان الشاميان ولا يقبلان اقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى* وأما رفع اليدين عند الاستلام فقال القاضى بدر الدين بن جماعة الشافعى فى مناسكه الكبرى لا يسنّ ولا يستحب رفع اليدين عند نية الطواف قبل استقبال الحجر الاسود على المذاهب الاربعة ولا يسنّ عند استقبال الحجر الاسود أيضا الاعلى مذهب أبى حنيفة فقط انتهى وأما رفع اليدين وكيفيته على مذهب أبى حنيفة عند استقبال الحجر الاسود فانه يرفع يديه حذو أذنيه مستقبلا بوجهه الحجر كما فى الصلاة لقوله عليه السلام لا ترفع الايدى الا فى سبع مواطن فى افتتاح الصلاة وفى القنوت وفى الوتر وفى العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 * قال الشيخ فخر الدين الزيلعى فى شرح الكنز ثلاثة منها فى الصلاة عند الافتتاح والقنوت وتكبيرات العيدين وأربع فى الحج وهى ما عداها ففى أربع من هذه السبعة يرفع يديه حذو أذنيه وهى الثلاثة التى فى الصلاة وعند الاستلام وفى ثلاثة يرفع يديه بسطا الاوّل على الصفا والمروة يجعل باطن كفيه نحو السماء كما يفعل فى الدعاء ويستقبل القبلة ويدعو بحاجته والثانى والثالث بعرفة وجمع أما بعرفة فبعد ما صلى الظهر والعصر مع الامام ووقف ودعا الى وقت الغروب ويجعل باطن كفيه نحو السماء فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة مادّا يديه فى نحره كالمستطعم المسكين وأما بجمع فبعد ما صلى الفجر بغلس يوم النحر وقف ودعا ويجعل باطن كفيه نحو السماء والرابع عند الجمرتين الاولى والوسطى دون جمرة العقبة ويرفع يديه حذو منكبيه ويجعل باطنهما نحو السماء* وفى السراج الوهاج فى باب صفة الصلاة انه عند الجمرتين يجعل باطنهما نحو الكعبة فى ظاهر الرواية وعن أبى يوسف يجعل باطنهما نحو السماء انتهى* وقد جمع بعضهم هذه السبعة فى تسعة أحرف وأفرد كلا من الصفا والمروة وكلا من العيدين وعرفات وهى فقعس صمعجم فالفاء للافتتاح والقاف للقنوت والعين الاولى للعيدين والسين لاستلام الحجر والصاد للصفا والميم الاولى للمروة والعين الثانية لعرفات والجيم للجمرتين والميم الثانية لمزدلفة فيرفع الايدى فى فقعس حذاء الاذنين وفى صمعجم حذاء منكبيه بسطا نحو السماء* قال صاحب الوقاية ارفع يديك لدى التكبير مفتتحا ... وقانتا وبها العيدان قد وصفا وفى الوقوفين ثم الجمرتين معا ... وفى استلام كذا فى مروة وصفا وجه الانحصار فى الحديث أى لا ترفع الايدى على وجه السنن الاصلية التى هى سنة الهدى الا فى هذه المواضع واما فى سائر المواضع انما ترفع فى الدعاء على انه من باب الاستحباب لا على سنة الهدى واذا رفع يديه عند الاستلام يرسلهما ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى ويصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم يستلم الحجر وتفسير الاستلام كما قال الكرمانى والفارسى وقاضى خان وشارح الطحاوى أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه بين يديه اذا أمكن من غير ايذاء أحد* الاستلام افتعال من السلام وهو التحية مشتق منه ومعناه يحيى نفسه بالحجر وقيل من السلم بكسر السين وهى الحجارة فادامس الحجر بيده فقد استلم أى مس به السلم وهو الحجر* وفى شرح الوقاية استلم الحجر أى تناوله باليد أو القبلة أو مسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام وهو الحجر والايمس بشئ فى يده ثم يقبله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة ينزل بذى طوى ويبيت به حتى يصلى الصبح ومصلاه ذلك على أكمة غليظة ليس فى المسجد المبنى ثمة ولكن أسفل من ذلك عليها* اتيان الصبى وتكلمه بين يدى النبىّ يوم ولد وفى هذه السنة فى حجة الوداع جىء بصبىّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ولد فقال من أنا فقال رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم صدقت بارك الله فيك ثم ان الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب وكان يسمى ذلك الغلام مبارك اليمامة* وفى هذه السنة مات باذان والى اليمن ففرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم عملها بين شهر بن باذان وعامر بن شهر الهمدانى وأبى موسى الاشعرى وخالد بن العاص ويعلى بن أمية وعمرو بن حزم وجعل زياد بن لبيد على حضرموت وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون والسكاسك حىّ باليمن جدّهم القيل بن سكسك بن الاشرس كذا فى القاموس والسكون بفتح السين حىّ باليمن* موت باذان وفى هذه السنة مات أبو عامر الراهب عند هرقل كذا فى سيرة مغلطاى* نزول آية الاستئذان وفى هذه السنة نزلت آية الاستئذان روى ان غلاما لأسماء بنت أبى مرثد دخل عليها فى وقت كرهته فنزلت يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الى آخرها وقيل أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلج بن عمرو الانصارى وكان غلاما وقت الظهيرة ليدعو عمر فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر لوددت ان الله تعالى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعة علينا الا باذن تم انطلق معه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فوجده وقد نزلت عليه هذه الاية كذا فى أنوار التنزيل وكانوا لا يفعلون قبل ذلك* وفى الكشاف يحكى ان عيينة بن حصن دخل على النبىّ صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة من غير استئذان فقال رسول الله يا عيينة أين الاستئذان قال يا رسول الله ما استأذنت على رجل قط ممن مضى منذ أدركت ثم قال من هذه الجميلة الى جنبك فقال عليه السلام هذه عائشة أمّ المؤمنين فقال عيينة أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق فقال صلى الله عليه وسلم ان الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة من هذا يا رسول الله قال أحمق مطاع وانه على ما ترين لسيد قومه وقوله عليه السلام ان الله قد حرّم ذلك اشارة الى تحريم التبدل فى قوله تعالى ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج وهو من البدل الذى كان فى الجاهلية كان يقول الرجل للرجل بادلنى بامرأتك وأباد لك بامر أتى فينزل كل واحد منهما عن امرأته لصاحبه * (الموطن الحادى عشر فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة من قدوم وفد النخع واستغفاره صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع وسرية أسامة بن زيد الى أبنى وذكر الاسود العنسى ومسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة وذكر ما وقع قبل مرضه وابتداء مرضه وما وقع فى مرضه ومدّة مرضه وذكر سنه ووقت موته وذكر بيعة أبى بكر وذكر غسله وتكفينه والصلاة عليه وقبره ودفنه والندب عليه وميراثه وتركته وحكمه فيها ورؤيته فى المنام وزيارته صلى الله عليه وسلم وسائر المزارات بالمدينة) ** وفى هذه السنة قدم وفد النخع من اليمن للنصف من المحرم وهم مائتا رجل مقرين بالاسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن وهم آخر وفد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم* استغفاره عليه السلام لاهل البقيع وفى هذه السنة استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع بالليل فى المحرم مرجعه من حجته قال أبو مويهبة اشتكى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأيام* وفى رواية عنه فما لبث بعد ذلك الاستغفار الاسبعا أو ثمانيا حتى قبض وكان مامورا بالاستغفار* وفى المواهب اللدنية روى الشيخان من حديث عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والاموات* سرية أسامة بن زيد الى أهل ابنى وفى هذه السنة كانت سرية أسامة بن زيد الى أهل أبنى بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح النون على وزن فعلى موضع بناحية البلقاء كانت يوم الاثنين لاربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة كما مرّ وهى آخر سرية جهزها النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوّل شئ جهزه أبو بكر لغزو الروم الى مكان قتل أبيه زيد* قال الواقدى قبض النبىّ صلى الله عليه وسلم وأسامة ابن عشرين سنة كذا فى الصفوة* روى ان رسول الله أمر بالتهيؤ لغزو الروم يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر الى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم فان أظفرك الله فاقلل اللبث فيهم وخذ معك الادلاء وقدّم العيون والطلائع أمامك فلما كان يوم الاربعاء بدأ مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمّ وصدع فلما أصح يوم الخميس عقد لا سامة لواء بيده ثم قال اغز بسم الله فى سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر بالجرف على فرسخ من المدينة فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار الا انتدب فى تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الاوّلين فغضب رسول الله غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأمير أسامة ولئن طعنتم فى تأميرى أسامة لقد طعنتم فى تأميرى أباه من قبله وأيم الله ان كان للامارة لخنيقا وان ابنه بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 لخليق للامارة وان كان لمن أحب الناس الىّ فاستوصوا به خيرا فانه من خياركم ثم نزل ودخل بيته وذلك فى يوم السبت لعشر خلون من ربيع الاوّل وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضون الى العسكر بالجرف وثقل رسول الله فلما كان يوم الاحد اشتت برسول الله وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبىّ صلى الله عليه وسلم مغمى عليه* وفى رواية قد أصمت وهو لا يتكلم وهو اليوم الذى لدّوه فيه فطأطأ رأسه فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعهما على أسامة قال فعرفت انه يدعو لى ورجع أسامة الى معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب اذا رسول أمه أمّ أيمن قد جاءه يقول ان رسول الله يموت فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة وانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت* فتوفى صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين ودخل المدينة المسلمون الذين عسكروا وكان لواء أسامة مع بريدة بن الحصيب فدخل بريدة بلواء أسامة حتى غرزه عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بويع لأبى بكر بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر باللواء الى أسامة ليمضى لوجهه فمضى بريدة الى معسكرهم الاوّل فلما ارتدّت العرب كلم أبو بكر فى حبس جيش أسامة وكلم أبو بكر أسامة فى أن يأذن لعمر فى التخلف ففعل فلما كان هلال ربيع الاخر من السنة الحادية عشر بعث أبو بكر على مقتضى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد الى حرب الشام فخرج فابتدأ الاغارة من قضاعة الى مؤتة من الشام وسار الى أهل أبنى فى عشرين ليلة فأغارهم وقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وقتل قاتل أبيه ورجع الى المدينة بالغلبة والظفر وكانت مدّة غيبته فى ذلك السفر أربعين يوما فخرج أبو بكر فى المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا لقدومهم وستجىء وفاة أسامة فى الخاتمة فى آخر خلافة معاوية* ظهور الاسود العنسى وفى هذه السنة فى زمان مرضه عليه السلام جاء الخبر بظهور الاسود العنسى ومسيلمة الكذاب وكانا يستغويان أهل بلادهما قبل الا انه لم يظهر أمرهما الا فى زمان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله قد لحقه مرض بعيد عوده من الحج ثم عوفى ثم عاد فمرض مرض الموت* وقال ابو مويهبة لما رجع رسول الله عليه السلام طارت الاخبار بأنه قد اشتكى فوثب الاسود باليمن ومسيلمة باليمامة فجاء الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه* قال بعض أصحاب السير وذلك بعد ما ضرب على الناس بعث أسامة* وروى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه من الصداع وقال انى رأيت البارحة فيما يرى النائم ان فى عضدىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والاخر باليمن قيل ما أوّلتهما يا رسول الله قال فاوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب اليمن يخرجان من بعدى* وفى الاكتفاء قال ابن اسحاق وقد كان تكلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابان مسيلمة بن حبيب الحنفى باليمامة فى بنى حنيفة والاسود بن كعب العنسى بصنعاء* وذكر باسناد له عن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على منبره وهو يقول أيها الناس انى قد رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت فى ذراعىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمن وصاحب اليمامة* وعن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يدعى النبوّة* وفى معالم التنزيل قد ارتدّ فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق* الفرقة الاولى بنو مذحج ورئيسهم الاسود العنسى* فى القاموس العنس لقب زيد بن مالك بن أدد أبو قبيلة من اليمن ومخلاف بها مضاف اليه واسم الاسود عبهلة بن كعب العنسى ويقال له ذو الخمار بخاء معجمة لانه كان يغطى وجهه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 بخمار ويقال ان ذا الخمار اسم شيطانه* وفى المنتقى وكان يقال له ذو الحمار بالحاء المهملة لقب بذلك لانه كان يقول يأتينى ذو حمار* وفى تفسير الكورانى لانه كان له حمار اذا قال له قف وقف قد ادّعى النبوّة باليمن فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم فاتبع على ذلك وكان كاهنا مشعبذا يرى الناس الاعاجيب ويسبى منطقه قلب من سمعه وكان يزعم ان ملكين يكلمانه اسم أحدهما شهيق والاخر شريق* وفى روضة الاحباب وكان له شيطانان اسم أحدهما سحيق والاخر شقيق وكانا يخبر انه بالامور الحادثة بين الناس فلما مات باذان الفارسى عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنعاء اليمن أخبراه بموته فسار اليها واستولى عليها وكان أوّل خروجه بعد حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ومن أوّل خروجه الى أن قتل أربعة أشهر فخرج مع قومه وغلب على اليمن فكتب فروة ابن مسيك عامل رسول الله على مراد بخبره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مرّ بأبى موسى الاشعرى وهو بمأرب فاقتحما حضرموت ورجع عمرو بن خالد الى المدينة فغلب أمر الاسود وجعل أمره يستطير استطارة الحريق* وفى الاكتفاء فتزوّج المرزبانة امرأة باذان الفارسى وكانت من عظماء فارس وقسرها على ذلك فأبغضته أشدّ البغض* وفى المنتقى قتل شهر ابن باذان وتزوّج امرأته وكانت بنت عمّ فيروز الديلمى فكتب رسول الله الى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض الى حرب الاسود فقتله فيروز الديلمى على فراشه كما سيجئ وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا الى نفر من الابناء وكتب اليهم أن يحاولوا الاسودا ما غيلة واما مصادمة وأمرهم أن يستمدّوا رجالا سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمدان وأرسل الى أولئك الرجال أن يمدّوهم فدخلوا على زوجته فقالوا هذا قتل أباك وزوجك فما عندك قالت هو أبغض الناس الىّ وهو مجرّد والحرس محيطون بقصره الا هذا البيت فانقبوا عليه فنقبوا عليه البيت ودخل فيروز الديلمى ورجل آخر يقال له دادويه فقتله فيروز فخار كأشدّ خوار الثور فابتدر الحرس الى الباب فقالوا ما هذا الصوت قالت المرأة النبىّ يوحى اليه فاليكم ثم خمد وقد كان يجىء شيطانه فيوسوس اليه فيغط فيعمل بما قال له* فلما طلع الفجر نادى المسلمون بشعارهم الذى بينهم ثم بالاذان وقالوا فيه وأشهد أنّ محمدا رسول الله وأنّ عبهلة كذاب وأغار واو تراجع أصحاب رسول الله الى أعمالهم وكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر فسبق خبر السماء اليه* وعن ابن عمر أتى الخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التى قتل فيها الاسود فخرج رسول الله قبل موته بيوم فأخبر الناس بذلك فقال قتل الاسود البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين قيل ومن هو يا رسول الله قال فيروز فاز فيروز فبشر النبىّ صلى الله عليه وسلم بهلاك الاسود وقبض من الغد فأتى خبر مقتل العنسى المدينة بعد وفاة رسول الله فى خلافة أبى بكر فى آخر شهر ربيع الاوّل بعد مخرج أسامة بن زيد الى أبنى* وكان ذلك أوّل فتح جاء أبا بكر وفى الاكتفاء سمعت بخروج الاسود بنو الحارث بن كعب من أهل نجران وهم يومئذ مسلمون فأرسلوا اليه يدعونه أن يأتيهم فى بلادهم فجاءهم فاتبعوه وارتدّوا عن الاسلام ويقال دحلها يوم دخلها فى آلاف من حمير يدعى النبوّة ويشهدون له بها فنزل غمدان فلم يتبعه من النخع ولا من جعفى أحد وتبعه ناس من مذحج وعنس وبنى الحارث وأود ومسلية وحكم وأقام الاسود بنجران يسيرا ثم رأى أنّ صنعاء خير له من نجران فسار اليها فى ستمائة راكب من بنى الحارث فنزل صنعاء فأبت الابناء أن يصدّقوه فغلب على صنعاء واستذلّ الابناء بها وقهرهم وأساء جوارهم لتكذيبهم اياه قتل الاسود العنسى فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد وقيل من خزاعة يقال له وبر بن يخنس الى الابناء فى أمر الاسود فدخل صنعاء مختفيا فنزل على دادويه الابناوى فخبأه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 عنده وتأمّرت الابناء لقتل الاسود فتحرّك فى قتله نفر منهم قيس بن عبد يغوث المكشوح وفيروز الديلمى ودادويه الابناوى وكانت المرزبانة كما تقدّم قد أبغضت الاسود أشدّ البغض فوعدتهم موعدا أتوا لميقاته وقد سقته الخمر حتى سكر فسقط نائما كالميت فدخل عليه فيروز وقيس ونفر معهما فوجدوه على فراش عظيم من ريش قد غاب فيه فأشفق فيروز أن يتعادى عليه السيف ان ضربه به فوضع ركبته على صدر الكذاب ثم فتل عنقه فحوّله حتى حوّل وجهه من قبل ظهره وأمر فيروز قيسا فاحتزّ رأسه فرمى به الى الناس ففض الله الذين اتبعوه وألقى عليهم الخزى والذلة وفيروز الديلمى كنيته أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن يقال هو ابن أخت النجاشى وقيل هو من أبناء فارس ويقال له الحميرى لانه نزل حمير* فى الصحاح حمير أبو قبيلة من اليمن وهو حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب ابن قحطان ومنهم كانت الملوك فى الدهر الاوّل واسم حمير العرفج* قصة مسيلمة الكذاب الفرقة الثانية بنو حنيفة وفى القاموس حنيفة لقب اثال بن لجيم أبى حى انتهى ورئيسهم مسيلمة الكذاب اسمه هارون ابن حبيب من بنى حنيفة وكنيته أبو ثمامة ولقبه مسيلمة وهو قبيح الخلقة دميم الصورة وصفته على عكس صفة رسول الله وكان يزعم أنّ جبريل نزل عليه بالقرآن وكان يقال له رحمن اليمامة لانه كان يقول الذى يأتينى اسمه رحمن أو هو من باب تعنتهم فى الكفر كما هو فى الكشاف* وعن رافع بن خديج قال قدمت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وفود العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الاسلام لم يقرّ فى قلوبهم من بنى حنيفة وقد ذكر مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما انه ليس بشرّكم مكانا لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه فى رحالهم حافظا لها* وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أنّ مسيلمة قال عند ما قدم فى قومه لو جعل لى محمدا لخلافة من بعده لاتبعته فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفى يد رسول الله ميتخة من نخل فوقف عليه ثم قال لئن أقبلت ليفعلن الله بك ولئن أدبرت ليقطعن الله دابرك وما أراك الا الذى رأيت فيه ما رأيت ولئن سألتنى هذه الشظية لشظية من الميتخة التى فى يده ما أعطيتكها وهذا ثابت يجيبك* قال ابن عباس سألت أبا هريرة عن قول النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أراك الا الذى رأيت فيه ما رأيت قال كان رسول الله قال بينا أنا نائم رأيت فى يدىّ سوارين من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والاخر باليمن قيل ما أوّلتهما يا رسول الله قال أوّلتهما كذا بين يخرجان من بعدى ولما انصرف فى قومه الى اليمامة ارتدّ عدوّ الله وادّعى الشركة فى النبوّة مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال للوفد الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتمونى له أما انه ليس بشرّكم مكانا ما ذاك الا لما علم أنى أشركت فى الامر معه وكتب الى رسول الله* من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله أمّا بعد فانى قد أشركت فى الامر معك وانّ لنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون وبعث الكتاب مع رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ كتابه أتشهدان انى رسول الله قالا نعم قال أتشهدان أنّ مسيلمة رسول الله قالا نعم قد اشترك معك فى الامر فقال أما والله لولا انّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما* وعن ابن مسعود قال جاء ابن النواحة وابن أنال رسولا مسيلمة الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لهما أتشهدان انى رسول الله قالا نشهد أنّ مسيلمة رسول الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما* قال عبد الله فمضت السنة انّ الرسول لا يقتل رواه أحمد كذا فى المشكاة* ثم كتب الى مسيلمة فى جوابه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أمّا بعد فانّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقد أهلكت أهل الحجر أبادك الله ومن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 صوّت معك فلما وصله كتاب رسول الله أخفاه وكتب عن رسول الله كتابا وصله بثبوت الشركة بينهما وأخرج ذلك الكتاب الى قومه فافتتنوا بذلك* وفى الاكتفاء قال ابن اسحاق وكان ذلك يعنى كتاب مسيلمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه الى مسيلمة فى آخر سنة عشر* وقال أبو جعفر محمد ابن جرير الطبرى وقد قيل انّ دعوى الكذابين مسيلمة والعنسى للنبوّة فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد انصراف النبىّ من حجة الوداع ووقوعه فى المرض الذى توفاه الله فيه والله أعلم* وفى المواهب اللدنية لما انصرف وفد بنى حنيفة من عند النبىّ صلى الله عليه وسلم وقدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله مسيلمة وتنبأ وقال انى أشركت معه ثم اشتغل بالمعارضة الركيكة التى هى ضحكة العقلاء وجعل يسجع السجعات فيقول فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا وقال آخر ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين شراسيف وحشا وقال آخر الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر أو خرطوم طويل انّ ذلك من خلق ربنا لقليل ويقول فى التشبيه بالسور القصار يا ضفدع نقى كم تنقين النقيق صوت الضفدع فاذا رجع صوته قيل نقنق كذا فى نهاية ابن الاثير أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين كذا فى شرح المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء انه كان يقول يا ضفدع بنت ضفدعين لحسن ما تنقنقين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين امكثى فى الارض حتى يأتيك الخفاش بالخبر اليقين لنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون وسجع اللعين على سورة انا أعطيناك الكوثر فقال انا أعطيناك الجواهر فصل لربك وهاجر انّ مبغضك رجل فاجر* وفى رواية انا أعطيناك الجماهر فخذّ لنفسك وبادر واحذر أن تحرص أو تكاثر* وفى رواية انا أعطيناك الكواثر فصل لربك وبادر فى الليالى الغوادر ولما سمع الملعون والنازعات غرقا قال والزارعات زرعا فالحاصدات حصدا والذاريات قمحا والطابخات طبخا والحافرات حفرا والخابزات خبزا فالثاردات ثردا فاللاقمات لقما والاكلات أكلا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر* روى أنّ امرأة أتت مسيلمة فقالت ادع الله لنا ولنخلنا ولمائنا فانّ محمدا دعا لقومه فجاشت آبارهم وكثر ماؤها قال كيف صنع قالت دعا بسجل فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومج فيه فأفرغوه فى تلك الابار ففعل مسيلمة كذلك فغارت تلك المياه* وفى المواهب اللدنية ولما سمع اللعين أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم تفل فى عين علىّ وكان أرمد فبرئ تفل فى عين بصير فعمى ومسح بيده ضرع شاة حلوب فارتفع درّها ويبس ضرعها وحفرت بنو حنيفة بئرا فأعذبوها متاحا فجاؤا الى مسيلمة وطلبوا اليه أن يأتيها وأن يبارك فيها فأتاها فبصق فيها فعادت أجاجا وتوضأ مسيلمة فى حائط فصب وضوءه فيه فلم ينبت وقال له رجل بارك على ولدى فانّ محمدا يبارك على أولاد أصحابه فلم يؤت بصبىّ مسح مسيلمة رأسه أو حنكه الاقرع أو لثغ وجاءه رجل وقال يا أبا ثمامة انى ذو مال وليس لى مولود يبلغ سنتين حتى يموت غير هذا المولود وهو ابن عشر سنين ولى مولود ولد أمس أحب أن تبارك فيه وتدعو أن يطيل الله عمره فقال سأطلب لك الذى طلبت فجعل عمر المولود أربعين سنة فرجع الرجل الى منزله مسرورا فوجد الاكبر قد تردّى فى بئر ووجد الصغير ينزع فى الموت فلم يمس من ذلك اليوم حتى ماتا جميعا تقول أمّهما فلا والله ما لأبى ثمامة عند الهه مثل منزلة محمد عليه السلام قيل انه أدخل البيضة فى القارورة وادّعى أنها معجزة فافتضح بنحو ما ذكر أنّ النوشادر اذا ضرب فى الخلّ ضربا جيدا وجعلت فيه البيضة بنت يومها يوما وليلة فامتدّت كالخيط فتجعل فى القارورة ويصب عليها الماء البارد فانها تجمد كذا فى المواهب اللدنية* وفى ربيع الابرار قال الجاحظ كان مسيلمة قبل ادعاء النبوّة يدور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 فى الاسواق التى بين دور العرب والعجم كسوق الابلة وسوق بقة وسوق الانبار وسوق الحيرة يلتمس تعلم الحيل والنيرنجات واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم ومن حيلته أنه صب على بيضة من خلّ حاذق قاطع فلانت حتى اذا مددتها استطالت واستدقت كالعلك ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى انضمت واستدارت وعادت كهيئتها الاولى فأخرجها الى قومه وهم قوم اعراب وادّعى النبوّة فامن به جماعة ووضع فى الاخر الصلاة عن قومه وأحلّ الخمر والزنا ونحو ذلك واتفق معه بنو حنيفة الا افذاذا من ذوى عقولهم ومن أراد الله به الخير منهم وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الدجال ابن عنفوة له باشراك النبىّ صلى الله عليه وسلم اياه فى الامر وكان من قصة الدجال انه قدم مع قومه وافدا على النبىّ صلى الله عليه وسلم فقرأ القرآن وتعلم السنن وكان يأتى أبيا يقرئه فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول الله أنه أشركه فى الامر من بعده فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره قالوا وسمع الدجال يقول كبشان انتطحا فأحبهما الينا كبشنا وكان ابن عمير اليشكرى من سراة أهل اليمامة وأشرافهم وكان مسلما يكتم اسلامه وكان صديقا للدّجال فقال شعر افشافى اليمامة حتى كانت المرأة والوليدة والصبىّ ينشدونه وهو يا سعاد الفؤاد بنت أثال ... طال ليلى بفتنة الدجال فتن القوم بالشهادة والله ... عزيز ذو قوّة ومحال لا يساوى الذى يقول من الام ... ر قبالا وما احتذى من قبال انّ دينى دين النبىّ وفى القو ... م رجال على الهدى أمثالى أهلك القوم محكم بن طفيل ... ورجال ليسوا لنا برجال بزهم أمرهم مسيلمة اليو ... م فلن يرجعوه أخرى الليالى قلت للنفس اذ تعاظمها الصب ... ر وساءت مقالة الاقوال ربما تجزع النفوس من الام ... ر له فرجة كحل العقال ان تكن ميتتى على فطرة الله ... حنيفا فاننى لا أبالى فبلغ ذلك مسيلمة ومحكما وأشراف اهل اليمامة فطلبوه ففاتهم ولحق بخالد بن الوليد فأخبره بحال أهل اليمامة ودله على عوراتهم* قصة سجاح واستضاف مسيلمة الى ضلالته فى دين الله وتكذبه على الله ضلالة سجاح وكانت امرأة من بنى تميم* وفى القاموس سجاح كقطام امرأة تنبأت وادّعت أنها نبية* وفى الاكتفاء أجمع قومها على أنها نبية فادّعت الوحى واتخذت مؤذنا وحاجبا ومنبرا فكانت العشيرة اذا اجتمعت تقول الملك فى أقربنا من سجاح وفيها يقول عطارد بن حاجب بن زرارة أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا ثم انّ سجاح جيشت جيوشا ورحلت تريد حرب مسيلمة وأخرجت معها من قومها من تابعها على قولها وهم يرون أنّ السجاح أولى بالنبوّة من مسيلمة فلما قدمت عليه خلابها وقال لها تعالى نتدارس النبوّة أينا أحق بها فقالت له سجاح قد أنصفت وفى الخبر بعد هذا ما يحق الاعراض عن ذكره وقيل انّ سجاح توجهت الى مسيلمة مستجيرة به لما وطئ خالد العرب ورأت انه لا أحد أعزّ لها منه وقد كانت أمرت مؤذنها شيث بن ربعى أن يؤذن بنبوّة مسيلمة فكان يفعل فلما قدمت على مسيلمة قالت اخترتك على من سواك ونوّهت باسمك حتى انّ مؤذنى ليؤذن بنبوّتك فخلابها ليتدارسا النبوّة* وفى روضة الاحباب بعث مسيلمة اليها بهدية وخطبها فقبلت الخطبة وسارت الى اليمامة فتزوّجها وجعل مهرها اسقاط صلاتى الفجر والعشاء انتهى ولما قتل مسيلمة أخذ خالد بن الوليد سجاح فأسلمت ورجعت الى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 ما كانت عليه ولحقت بقومها وبقيت الى زمان معاوية وصارت مقبولة الاسلام* وفى المنتقى واتفقت مع مسيلمة أكثر بنى حنيفة وغلب على حجر اليمامة وأخرج ثمامة بن أثال عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمامة فكتب ثمامة الى رسول الله يخبره فلما توفى رسول الله كتب الى أبى بكر الصدّيق يخبره أنّ أمر مسيلمة قد استغلظ فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فى جيش كثير الى حرب مسيلمة وذلك بعد قتال طليحة فانه أوّل من قوتل من أهل الردّة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من ارتدّ وسيجىء بقية قصتهما فى الخاتمة* قصة طليحة بن خويلد الفرقة الثالثة بنو أسد رئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة آخر من ارتدّ وادّعى النبوّة فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوّل من قوتل بعد وفاته كما مرّ وكان طليحة رجلا من بنى أسد وكان من أشجع العرب يعدل بألف فارس وكان قد قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى وفد بنى أسد فى السنة التاسعة من الهجرة وأسلموا ولما رجعوا الى قومهم ارتدّ طليحة وادّعى النبوّة فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الازور الى قتاله فتوفى عليه السلام فظهر أمر طليحة وقويت شوكته بعد وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وارتدّ عيينة بن حصن الفزارى مع قومه ومنعوا الزكاة فتبعوا طليحة ولحقوا به وكان طليحة يزعم ان الملك يأتيه ورفع السجود عن الصلاة وأوّل ما صدر عنه وكان سببا لضلال الناس انه كان مع بعض قومه فى سفر فأعوزهم الماء وغلب العطش على الناس فقال اركبوا أعلالا واضربوا أميالا تجدوا بلالا واعلال اسم فرس له ففعلوا فوجدوا الماء فكان ذلك سبب وقوع الاعراب فى الفتنة وستجىء فى الخاتمة* ومما وقع قبل مرضه بشهر ما روى عن ابن مسعود قال نعى لنا نبينا وحبيبنا قبل موته بشهر بأبى هو وأمى ونفسى له الفداء فلما دنا الفراق جمعنا فى بيت أمّنا عائشة وتشدّد لنا وقال مرحبا بكم وحياكم الله بالسلامة رحمكم الله حفظكم الله جبركم الله رزقكم الله رفعكم الله نفعكم الله آواكم الله وقاكم الله أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم وأستخلفه عليكم وأحذركم الله انى لكم نذير مبين ألا تعلوا على الله فى عباده وبلاده فانه قال لى ولكم تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا فى الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين قلنا يا رسول الله متى أجلك قال دنا الفراق والمنقلب الى الله والى جنة المأوى والى سدرة المنتهى والى الرفيق الاعلى والكاس الاوفى والحوض والعيش الهنى قلنا يا رسول الله من يغسلك قال رجال أهلى الادنى فالادنى قلنا يا رسول الله ففيم نكفنك فقال فى ثيابى هذه ان شئتم أو ثياب مصر أو حلة يمانية قلنا يا رسول الله من يصلى عليك وبكينا وبكى فقال مهلا رحمكم الله وجزاكم عن نبيكم خيرا اذا أنتم غسلتمونى وكفنتمونى فضعونى على سريرى هذا على شفير قبرى فى بيتى هذا ثم اخرجوا عنى ساعة فان أوّل من يصلى علىّ حبيبى وخليلى جبريل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علىّ فوجا فوجا فصلوا علىّ وسلموا تسليما ولا تؤذونى بتزكية ولا برنة وليبتدئ بالصلاة علىّ رجال أهل بيتى ثم نساؤهم ثم أنتم بعد ثم اقرؤا السلام على من غاب عنى من أصحابى واقرؤا السلام على من تبعنى على دينى من يومى هذا الى يوم القيامة قلنا يا رسول الله من يدخلك قبرك قال أهلى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم* وفى أنوار التنزيل والمدارك عن ابن عباس أنه قال آخر آية نزل بها جبريل واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وقال ضعها فى رأس المائتين والثمانين من البقرة وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها احدا وعشرين يوما وقيل احدا وثمانين وقيل سبعة أيام وقيل ثلاث ساعات* وفى تفسير الزاهدى وبكى ابن عباس وقال ختم الوحى كان بالوعيد* (ذكر ابتداء مرضه وكيفيته) * روى انه ابتدأ به صداع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 فى اواخر صفر لليلتين بقيتا منه يوم الاربعاء فى بيت ميمونة وقيل لليلة وقيل بل فى مفتتح ربيع الاوّل* وفى الوفاء مرض فى صفر لعشر بقين منه وتوفى صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل يوم الاثنين انتهى ما ذكره رزين عن أبى حاتم وشهر ربيع هذا من السنة الحادية عشر وكان ابتداء مرضه فى بيت ميمونة وقيل زينب بنت جحش وقيل ريحانة* وذكر الخطابى ان ابتداءه يوم الاثنين وقيل السبت وقيل الاربعاء قاله الحاكم* وحكى فى الروضة قولين وفى مدته اختلاف قيل أربعة عشر يوما وقيل اثنا عشر وقيل ثلاثة عشر وعليه الاكثرون وقيل عشرة وبه جزم سليمان التيمى وهو أحد الثقات بأن ابتداء مرضه يوم السبت الثانى والعشرين من صفر ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول* وفى الاكتفاء ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعث أسامة بن زيد الى الشام وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الاوّلون وكان آخر بعث بعثه رسول الله فبينا الناس على ذلك ابتدأ صلوات الله عليه وسلامه بشكواه التى قبضه الله فيها الى ما أراد به من رحمته وكرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أوّل شهر ربيع الاوّل فكان أوّل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر انه خرج الى بقيع الغرقد من جوف الليل فأستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدأ بوجعه فى يومه ذلك* حدث أبو مويهبة مولى رسول الله قال بعثنى صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن أستغفر لاهل هذا البقيع فانطلق معى فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ثم أقبل علىّ فقال يا أبا مويهبة انى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فحيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة فقلت بأبى أنت وأمى فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة ثم استغفر لاهل البقيع ثم انصرف فبدأ به وجعه الذى قبضه الله فيه* وقالت عائشة رجع رسول الله من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت وكان سكتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزاح على تحشم منه فقال وما ضرك لومت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قلت والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك لرجعت الى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك من آخر ذلك اليوم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمادى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استقر به وهو فى بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن فى أن يمرّض فى بيتى فأذنّ له فخرج رسول الله يمشى بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتى* وعن ابن عباس ان الرجل الاخر هو على بن أبى طالب ثم عز رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ به وجعه* وفى رواية بعد ان قال وارأساه فذهب فلم يلبث الا يسيرا حتى جىء به محمولا فى كساء فدخل علىّ وبعث الى النساء فقال انى قد اشتكيت وانى لا أستطيع أن أدور بينكنّ فأذنّ فلأكن عند عائشة فكنت أوضيه ولم أوض أحدا قبله* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل فى مرضه أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء وكان فى بيت عائشة حتى مات عندها* وفى رواية ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يحمل فى ثوب يطاف به على نسائه وهو مريض يقسم بينهنّ قالت عائشة ثم تمادى به وجعه وهو فى ذلك يدور على نسائه حتى اجتمعن برسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة فلما رأوا ما به اجتمع رأى من فى البيت على أن يلدّوه وتخوّفوا أن يكون به ذات الجنب ففعلوا* وفى رواية عن عائشة قالت كانت تأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 رسول الله الخاصرة فأخذته يوما فأغمى عليه حتى ظننا انه قد هلك فلددناه ثم فرج عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد لدّوه فقال من صنع هذا فهبنه فاعتللن بالعباس واتخذ جميع من فى البيت العباس سببا ولم يكن له فى ذلك رأى فقالوا يا رسول الله عمك العباس أمر بذلك وتخوّفنا أن يكون بك ذات الجنب فقال انها من الشيطان ولم يكن الله عز وجل ليسلطها علىّ ولا ليرمينى بها ولكن هذا عمل النساء لا يبقى أحد فى البيت الا لدّالا عمى العباس فان يمينى لا تناله فلدّوا كلهم ولدّت ميمونة وكانت صائمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج رسول الله الى بيت عائشة وكان يومها بين العباس وعلىّ والفضل ممسك بظهره ورجلاه تخطان فى الارض حتى دخل على عائشة فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج من بيتها الى غيره ثم ان وجعه اشتدّ قالت عائشة جعل يشتكى ويتقلب على فراشه فقلت له لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال ان المؤمنين تشتدّ علتهم انه لا يصيب المؤمن نكتة من شوكة فما فوقها الا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة وقالت ما رأيت أحدا كان اشدّ عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم* روى انه كان لا يكاد تقرّ يد أحد عليه من شدّة الحمى فقال ليس أحد أشدّ بلاء من الانبياء كما يشتدّ علينا البلاء كذلك يضاعف لنا الاجر* وعن عبد الله ابن مسعود قال دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك بأن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها الا كفر الله به سياته كما تحط الشجرة ورقها رواه البخارى* وعن عائشة قالت لما اشتدّ وجعه قال صبوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أستريح فأعهد الى الناس قالت عائشة فأجلسناه فى مخضب لحفصة من نحاس وسكبنا عليه الماء حتى طفق يشير الينا أن قد فعلتن ثم خرج فقام يومئذ خطيبا فحمد الله وأثنى عليه واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد* (ذكر شدّة مرضه) * كانت مدّة علته اثنى عشر يوما وقيل أربعة عشر يوما وقيل ثمانية عشر يوما وقال عليه السلام فى مرضه سدّوا هذه الابواب الشوارع الى المسجد الاباب أبى بكر فانى لا أعلم رجلا أحسن يدا عندى فى الصحابة من أبى بكر* وفى رواية لا يبقين فى المسجد باب الاسدّ الاباب أبى بكر* وفى رواية سدّوا عنى كل خوخة فى هذا المسجد غير خوخة أبى بكر* وعن ابن عمر جاء أبو بكر الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لى فأمرّضك وأكون الذى يقوم عليك فقال يا أبا بكر ان لم أحمل أزواجى وبناتى وأهل بيتى علاجى ازدادت مصيبتى عليهم عظما وقد وقع أجرك على الله* ومما وقع فى مرضه انه خطب الناس فى مرضه وقال فى خطبته ان الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله عن عبد خير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان أبو بكر أعلمنا وانه أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه أربعين نفسا* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لم يشتك شكوى الاسأل الله العافية حتى كان فى مرضه الذى توفى فيه فانه لم يدع بالشفاء بل عاتب نفسه وشرع يقول يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ* اسراره عليه السلام الى فاطمة ومما وقع فى مرضه انه أسرّ الى فاطمة حديثا فبكت ثم أسرّ اليها حديثا فضحكت قالت عائشة سألت عنها قالت ما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا قبض سألتها فقالت انه أسرّ الىّ فقال ان جبريل كان يعارضنى القرآن فى كل عام مرّة وانه عارضنى العام مرّتين ولا أراه الا قد حضر أجلى وانك أوّل أهل بيتى لحوقا بى ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم قال ألا ترضين أن تكونى سيدة نساء هذه الامة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك* ومما وقع فى مرضه انه كان يصلى بالناس فى مدّة مرضه وانما انقطع ثلاثة أيام وقيل سبع عشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 صلاة فلما آذن بالصلاة فى أوّل ما امتنع وهى صلاة العشاء قال مروا أبا بكر فليصل بالناس* وعن الزهرى قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة مر الناس فليصلوا فخرج عبد الله ابن زمعة فلقى عمر بن الخطاب فقال صل بالناس فصلى عمر بالناس فجهر بصوته وكان جهير الصوت فسمع رسول الله صوته فقال أليس هذا صوت عمر فقالوا بلى يا رسول الله فقال يأبى الله ذلك والمؤمنون ليصل بالناس أبو بكر كذا ذكره فى المنتقى* وفى شرح المواقف ان بلالا آذن بالصلاة فى أيام مرضه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة اخرج وقل لأبى بكر يصلّ بالناس فخرج فلم يجد على الباب الا عمر فى جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر صل بالناس فلما كبر وكان رجلا صيتا وسمع النبىّ صلى الله عليه وسلم صوته قال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر ثلاث مرّات قال فقال عمر لعبد الله ابن زمعة بئس ما صنعت كنت أرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تأمرنى قال لا والله ما أمرنى أن آمر أحدا* وروى ان بلالا آذن فوقف بالباب فقال السلام عليك يا رسول الله الصلاة يرحمك الله فقال له مر أبا بكر يصلّ بالناس فخرج بلال ويده على أمّ رأسه وهو ينادى واغوثاه وا انقطاع رجاه وا انكسار ظهراه ليتنى لم تلدنى أمى واذا ولدتنى لم أشهد من رسول الله هذا ودخل المسجد وقال يا أبا بكر ان رسول الله يأمرك أن تتقدّم فلما نظر أبو بكر الى خلو المكان عن رسول الله وكان رجلا رقيقا لم يتمالك ان خرّ مغشيا عليه فضج المسلمون فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحة وقال يا فاطمة ما هذه الضجة قالت يا رسول الله ضج المسلمون لفقدك فدعا بعلىّ وابن عباس وانكب عليهما وخرج الى المسجد وصلى ثم قال يا معشر المسلمين أنتم فى وداع الله وكنفه والله خليفتى عليكم وعليكم بتقوى الله وحفظ طاعته فانى مفارق الدنيا* وعن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قلت يا رسول الله ان أبا بكر رجل أسيف وانه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولى له فقالت له حفصة يا رسول الله أبو بكر رجل أسيف وانه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال انكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فأمروا أبا بكر فلما دخل الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان فى الارض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومأ اليه رسول الله أن قم كما أنت فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبى بكر وكان رسول الله يصلى بالناس قاعدا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر* وفى سيرة ابن هشام فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرّج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك الا لرسول الله فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله فى ظهره وقال صل بالناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغوا من الصلاة قال له أبو بكر يا نبىّ الله انى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب واليوم يوم بنت خارجة فاتيها قال نعم ثم دخل رسول الله وخرج أبو بكر الى أهله بالسنح* وفى المواقف وأمر أبا بكر بالصلاة بالناس فى مرضه الذى توفى فيه والروايات الصحيحة متعاضدة على ذلك* وفى شرحه للشريف الجرجانى روى عن ابن عباس أنه قال لم يصل النبىّ صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمّته الا خلف أبى بكر وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف فى سفر ركعة واحدة* وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه انه كان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سفر غزوة فذهب النبىّ عليه السلام لحاجة الطهارة فأقاموا الصلاة وتقدّمهم عبد الرحمن فجاء النبىّ صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة وصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 مع الناس خلفه وأتم الذى فاته وقال ما قبض نبىّ حتى يصلى خلف رجل صالح من أمّته كذا فى الصفوة* وعن المغيرة بن شعبة انه غزا مع رسول الله غزوة تبوك قال المغيرة فتبرز رسول الله قبل الغائط فحملت معه اداوة قبل الفجر فلما رجع أخذت أهريق على يديه من الاداوة فغسل يديه ووجهه وعليه جبة من صوف وذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه وغسل ذراعيه ثم مسح ناصيته وعلى العمامة ثم أهويت لا نزع خفيه فقال دعهما فانى أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما* وفى رواية عن المغيرة قلت يا رسول الله نسيت فقال بل أنت نسيت بهذا أمرنى ربى عز وجل روى هذه الرواية أبو داود وللدارمى معناه قال المغيرة ثم ركب وركبت فانتهينا الى القوم وقد قاموا الى الصلاة ويصلى بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة فلما أحسّ بالنبىّ ذهب ليتأخر فأومأ اليه فأدرك النبىّ صلى الله عليه وسلم احدى ركعتين معه فلما سلم قام النبى وقمت معه فركعنا الركعة التى سبقنا رواه مسلم كذا فى المشكاة* وروى عن رافع بن عمرو بن عبيد عن أبيه أنه قال لما ثقل النبىّ صلى الله عليه وسلم عن الخروج أمر أبا بكر أن يقوم مقامه فكان يصلى بالناس وربما خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل أبو بكر فى الصلاة ويصلى خلفه ولم يصل خلف أحد غيره الا أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة واحدة فى سفر وأمّا ما رواه البخارى باسناده الى عروة عن أبيه عن عائشة انه عليه السلام أمر أبا بكر أن يصلى بالناس فى مرضه فكان يصلى بهم فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج الى المحراب وكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله والناس يصلون بصلاة أبى بكر أى بتكبيره كما مرّ فهو انما كان فى وقت آخر* وفى المواقف أيضا ان النبىّ صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فى الصلاة حال مرضه واقتدى به وما عز له ولذلك قال علىّ قدمك رسول الله فى أمر ديننا أفلا نقدّمك فى أمر دنيانا* وفى أسد الغابة عن الحسن البصرى عن علىّ بن أبى طالب قال قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس وانى شاهد غير غائب وانى لصحيح غير مريض ولو شاء أن يقدّمنى لقدّمنى فرضينا لدنيانا من رضى الله ورسوله لديننا* ومما وقع فى مرضه ان وجعه اشتدّ يوم الخميس فأراد أن يكتب كتابا فقال لعبد الرحمن بن أبى بكر ائتنى بكتف أو لوح أكتب لابى بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون ان يختلف عليك يا أبا بكر* وعن ابن عباس لما حضر رسول الله وفى البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبىّ صلى الله عليه وسلم هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمران رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا منهم من يقول قدّموا يكتب لكم رسول الله كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما كثرا للغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا عنى فكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم رواه البخارى وعن سهيل بن سعد قال كانت عند رسول الله سبعة دنانير وضعها عند عائشة فلما كان فى مرضه قال يا عائشة ابعثى بالذهب الى علىّ فيتصدّق به ثم أغمى عليه وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك ثلاث مرّات كل ذلك يغمى عليه ويشغل عائشة ما به فبعثت به الى علىّ فتصدّق به ثم أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين فى حديد الموت فأرسلت عائشة الى امرأة من النساء بمصباحها فقالت اقطرى لنا فى مصباحنا من عكتك السمن فان رسول الله أمسى فى حديد الموت* وفى رواية قال لعائشة وهى مسندته الى صدرها يا عائشة ما فعلت بتلك الذهب قالت هى عندى قال فأنفقيها ثم غشى على رسول الله وهو على صدرها فلما أفاق قال أنفقت تلك الذهب يا عائشة قالت لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 فدعا بها ووضعها فى كفه فعدّها فاذا هى ستة فقال ما ظنّ محمد بربه أن لو لقى الله وهذه عنده فأنفقها كلها ومات من ذلك اليوم* ومما وقع فى مرضه أنه خير عند موته قالت عائشة كنت أسمع أنه لا يموت نبىّ حتى يخير بين الدنيا والاخرة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر مرضه يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فظننت أنه خير* وفى رواية مع الرفيق الاعلى فى الجنة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا* ومما وقع فى مرضه استعمال السواك قبل موته* روى عن عائشة انها كانت تقول من نعم الله علىّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى وفى يومى وبين سحرى ونحرى وانّ الله عز وجلّ جمع ريقى وريقه عند موته دخل عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر اليه فعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتدّ عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأخذه فأمره وبين يديه ركوة أو علبة يدخل يديه فى الماء ويمسح بهما وجهه ويقول لا اله الا الله انّ للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول فى الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده* ومما وقع فى مرضه انه كشف الستر يوم الاثنين فنظر الى الناس وهم فى صلاة الفجر عن أنس انّ أبا بكر كان يصلى بهم فى وجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الذى توفى فيه حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف فى الصلاة وكشف النبىّ صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر الينا وهو قائم كانّ وجهه ورقة مصحف ثم تبسم فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبىّ صلى الله عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف فظنّ أنّ النبىّ خارج الى الصلاة فأشار الينا النبىّ صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم فأرخى الستر وتوفى من يومه* ومما وقع فى مرضه ما روى أنّ العباس وعليا خرجا من عند رسول الله فى مرضه فلقيهما رجل فقال كيف أصبح رسول الله يا أبا الحسن فقال أصبح بريئا فقال العباس لعلىّ أنت بعد ثلاث عبد العصا ثم خلا به فقال له انه يخيل الىّ أنى أعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت وانى خائف أن لا يقوم رسول الله من وجعه فاذهب بنا اليه فلنسأ له فان يك هذا الامر الينا فعلمنا ذلك وان لا يكن الينا أمرناه أن يوصى بنا خيرا فقال له علىّ أرأيت اذا جئناه فلم يعطناها أترى الناس يعطوناها والله لا أسأله اياها أبدا* ومما جرى فى مرضه تردّد جبريل اليه ثلاثة أيام قبل موته برسالة من الله يقول له كيف تجدك وكان ذلك فى يوم السبت والأحد والاثنين واستئذان ملك الموت عليه يوم الاثنين* روى عن أبى هريرة أنّ جبريل أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى قبض فيه فقال انّ الله يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدنى وجعا يا أمين الله ثم جاء من الغد فقال يا محمد انّ الله يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدنى وجعا يا أمين الله ثم جاء اليوم الثالث ومعه ملك الموت فقال يا محمد انّ ربك يقرئك السلام ويقول كيف تجدك فقال أجدنى وجعا يا أمين الله من هذا الذى معك قال هذا ملك الموت وهذا آخر عهدى بالدنيا بعدك وآخر عهدك بها ولن آسى على هالك من ولد آدم بعدك ولن أهبط الارض الى أحد بعدك فوجد النبىّ صلى الله عليه وسلم سكرة الموت وعنده قدح فيه ماء فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمس به وجهه ويقول اللهمّ أعنى على سكرة الموت* وعن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى وجعه الذى مات فيه ما زالت أكلة خيبر تعاودنى فالان أوان قطعت أبهرى* وحكى ابن اسحاق عن عائشة ان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى من النبوة أورده فى الشفاء* وعن عائشة كان رسول الله يعوذ بهذه الكلمات أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافى لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما متفق عليه قالت فلما ثقل رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه أخذ بيدى فجعلت أمسحه بها وأقولها فنزع يده منى ثم قال رب اغفر لى وألحقنى بالرفيق الاعلى وكان هذا آخر ما سمعته من كلامه أخرجاه فى الصحيحين* قال السهيلى وجدت فى بعض كتب الواقدى انّ أوّل كلمة تكلم بها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها الرفيق الاعلى كذا فى المواهب اللدنية* وعن عائشة قالت كان آخر ما عهد رسول الله أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان وقالت أمّ سلمة كانت عامّة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها فى صدره وما يفيض بها لسانه كذا فى الاكتفاء* وعن أنس كانت وصية النبىّ صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله يتغر غربها فى صدره ولا يفيض بها لسانه* وروى أنه استأذن عليه ملك الموت وعنده جبريل فقال جبريل يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمى كان قبلك ولا يستأذن على آدمى بعدك قال ائذن له فدخل ملك الموت فوقف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله يا أحمد انّ الله أرسلنى اليك وأمرنى أن أطيعك فى كل ما تأمرنى به ان أمرتنى أن أقبض نفسك قبضتها وان أمرتنى أن أتركها تركتها قال وتفعل يا ملك الموت قال بذلك أمرت أن أطيعك فى كل ما تأمرنى فقال جبريل انّ الله قد اشتاق اليك قال فامض يا ملك الموت لما أمرت به قال جبريل يا رسول الله هذا آخر موطئى الارض اذ كنت حاجتى من الدنيا فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء قالت عائشة توفى رسول الله بين سحرى ونحرى وفى دولتى لم أظلم فيه أحدا فمن سفاهة رأيى وحداثة سنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهى ولما توفى جاء التعزية يسمعون الصوت والحس ولا يرون الشخص السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة انّ فى الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبا لله فثقوا واياه فارجوا فانما المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال علىّ أتدرون من هذا هو الخضر عليه السلام كذا فى المشكاة نقلا عن دلائل النبوّة* (ذكر سنه صلى الله عليه وسلم) * عن ابن عباس قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة أخرجاه فى الصحيحين وكذا الصحيح فى سنّ أبى بكر وعمر وعائشة ثلاث وستون سنة* وعن أنس أنه توفى وله ستون سنة* وفى رواية خمس وستون وصححه أبو حاتم فى تاريخه وفى تاريخ ابن عساكر ثنتان وستون ونصف* وفى كتاب ابن شيبة احدى أو اثنتان لا أراه بلغ ثلاثا وستين وجمع بين الاقاويل بأنّ من قال خمسا وستين حسب السنة التى ولد فيها والسنة التى قبض فيها ومن قال ثلاثا وستين وهو المشهور أسقطهما ومن قال ستين أسقط الكبور ومن قال ثنتين ونصف كأنه اعتمد على حديث فى الاكليل وفيه كلام لم يكن نبىّ الاعاش نصف عمر أخيه الذى قبله وقد عاش عيسى خمسا وعشرين ومائة ومن قال احدى أو اثنتين فشك ولم يتيقن وكل ذلك انما نشأ من الاختلاف فى مقامه بمكة بعد البعثة والله أعلم كذا فى سيرة مغلطاى* (ذكر وقت موته عليه السلام) * توفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين نصف النهار لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل سنة احدى عشرة من الهجرة صحى فى مثل الوقت الذى دخل فيه المدينة* وعن ابن عباس ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين* وقبض صلى الله عليه وسلم فى كساء ملبد* قال أبو بردة أخرجت الينا عائشة كساء ملبدا وازارا غليظا فقالت قبض رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 صلى الله عليه وسلم فى هذين* وفى الاكتفاء ولما توفى رسول الله وارتفعت الرنة عليه وسجته الملائكة دهش الناس كما روى عن غير واحد من الصحابة وطاشت عقولهم وأقمحوا واختلطوا فمنهم من خبل ومنهم من أصمت ومنهم من أقعد الى الارض فكان عمر ممن خبل فجعل يصيح ويقول انّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله توفى وانه والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع اليهم بعد أن قيل قد مات والله ليرجعنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى فليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم زعموا أنّ رسول الله مات* فأمّا عثمان ابن عفان فأخرس حتى يذهب به ويجاء ولا يتكلم الا بعد الغد وأقعد علىّ فلم يستطع حراكا وأضنى عبد الله بن أنيس ولم يكن فيهم أثبت وأحزم من أبى بكر والعباس* وفى رواية لما مات عليه السلام اختلفوا فى أنه هل مات أم لا* قال أنس لما توفى النبى صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب فى المسجد خطيبا فقال لا أسمعنّ أحدا يقول انّ محمدا قد مات ولكنه أرسل اليه كما أرسل الى موسى ابن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة والله لارجو أن يقطع أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات* قال عكرمة ما زال عمر يتكلم ويوعد المنافقين حتى أزيد شدقاه فقال العباس انّ رسول الله يأسن كما يأسن الناس وانه قد مات فادفنوا صاحبكم* روى عن عائشة أنّ أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسخ منازل بنى الحارث من الخزرج بعوالى المدينة بينه وبين منزل النبىّ صلى الله عليه وسلم ميل قالت حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم نحو رسول الله وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبى أنت وأمى والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة الاولى التى كتبت عليك فقدمتها* وعن ابن عباس أنّ أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس الى أبى بكر وتركوا عمر فقال أبو بكر من كان منكم يعبد محمدا فانّ محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فانّ الله حىّ لا يموت قال تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل الى قوله الشاكرين قال والله لكانّ الناس لم يعلموا انّ الله أنزل هذه الاية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس الا يتلوها* وفى حياة الحيوان عن الواقدى عن شيوخه انهم قالوا لما شك فى موت النبىّ صلى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت توفى رسول الله فقد رفع الخاتم من بين كتفيه وكان هذا الذى عرف به موت النبىّ صلى الله عليه وسلم* وروى عن أمّ سلمة أنها قالت وضعت يدى على صدر رسول الله يوم مأت فمرّ بى جمع آكل الطعام وأتوضأ ما تذهب ريح المسك من يدى* (ذكر بيعة أبى بكر) * قال ابن اسحاق لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحىّ من الانصار الى سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة واعتزل علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوّام وطلحة بن عبيد الله فى بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين الى أبى بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير فى بنى عبد الاشهل فأتى آت الى أبى بكر وعمر فقال انّ هذا الحىّ من الانصار مع سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة قد انحازوا اليه فان كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله قال عمر لابى بكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار حتى ننظر ما هم عليه فانطلقا يؤمّانهم فلقيهما رجلان صالحان منهم عويمر بن ساعدة ومعن بن عدى فذكرا لهما ما تمالأ عليه القوم وقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين قالوا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار فقالا فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا آمركم قال عمر والله لنأتينهم فانطلقا حتى أتياهم فى سقيفة بنى ساعدة فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمّل فقال عمر من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقال ما له فقالوا وجع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 فلما جلسا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم قال عمر يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الامر فلما سكت خطيبهم قال أبو بكر أما ما ذكرتم من خير فيكم فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الامر الا لهذا الحىّ من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيد عمر وأبى عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بينهما فقال قائل من الانصار وهو الخباب بن المنذر أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فى الصحاح الجذل أصل الحطب العظام والجذل المحكك الذى ينصب فى العطن لتحتك به الابل الجربى ومنه قول الخباب بن المنذر الانصارى أنا جذيلها المحكك* وفى نهاية ابن الاثير فى حديث السقيفة قول الخباب أنا جذيلها المحكك هو تصغير جذل وهو العود الذى ينصب للابل الجربى لتحتك به وهو تصغير تعظيم أى انا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الابل الجربى بالاحتكاك بهذا العود المحكك وهو الذى كثر الاحتكاك به وقيل أراد به شديد البأس صلب المكسر كالجذل المحكك* وفى النهاية أيضا العذق بالفتح النخلة وبالكسر العرجون بما فيه من الشماريخ وفى حديث السقيفة أنا عذيقها المرجب تصغير العذق النخلة وهو تصغير تعظيم* وفى الصحاح الترجيب التعظيم والترجيب أيضا أن يدعم الشجرة اذا كثر حملها لئلا تنكسر أغصانها انتهى* قال عمر فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى تخوّفت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسطها فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة* وذكر موسى بن عقبة انهم لما توجهوا الى سقيفة بنى ساعدة أراد عمر أن يتكلم فزجره أبو بكر فقال على رسلك فستكفى الكلام ان شاء الله ثم تقول بعدى ما بدا لك فتشهد أبو بكر وأنصت القوم ثم قال هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فدعا صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فأخذ الله بنوا صينا وقلوبنا الى ما دعانا اليه فكنا معشر المهاجرين أوّل الناس اسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذو ورحمه فنحن أهل النبوّة وأهل الخلافة وأوسط الناس انسابا فى العرب ولدتنا العرب كلها فليست منها قبيلة الا لقريش فيها ولادة ولن تعرف العرب ولا تصلح الا على رجل من قريش هم أصبح الناس وجوها وأبسط ألسنا وأفضل قولا فالناس لقريش تبع فنحن الامراء وأنتم الوزراء وهذا الامر بيننا وبينكم قسمة الابلمة وأنتم معشر الانصار اخواننا فى كتاب الله وشركاؤنا فى الدين وأحب الناس الينا وأنتم الذين آووا ونصروا وأنتم أحق بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة ما أعطى الله اخوانكم من المهاجرين وأحق الناس أن لا تحسدوا على خير آتاهم الله اياه فأنا أدعوكم الى أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبى عبيدة عامر بن الجرّاح ووضع يديه عليهما وكان قائما بينهما فكلاهما قد رضيته للقيام بهذا الامر ورأيته أهلا لذلك فقال عمر وأبو عبيدة لا ينبغى لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار مع رسول الله وثانى اثنين وأمرك رسول الله حين اشتكى فصليت بالناس فأنت أحق الناس بهذا الامر قالت الانصار والله لا نحسدكم على خير ساقه الله اليكم وما خلق الله قوما أحب الينا ولا أعزّ علينا منكم ولا أرضى عندنا هديا ولكنا نشفق بعد اليوم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم فاذا مات أخذنا رجلا من الانصار فجعلناه فاذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه فكنا كذلك أبدا ما بقيت هذه الأمة بايعناكم ورضينا بذلك من أمركم وكان أجدر أن يشفق القرشى ان زاغ أن ينقض عليه الانصارى وأن يشفق الانصارى ان زاغ أن ينقض عليه القرشى فقال عمر لا ينبغى هذا الامر ولا يصلح الا لرجل من قريش ولن ترضى العرب الا به ولن تعرف العرب الامارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الا له ولن تصلح الا عليه والله لا يخالفنا أحد الا قتلناه فقام الخباب بن المنذر من بنى سلمة فقال منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب دفت علينا منكم دافة أرادوا أن يخرجونا من أصلنا ويختصوا من هذا الامر وان شئتم كرّرناها جذعة فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم وأوعد بعضهم بعضا ثم ترادّ المسلمون وعصم الله دينهم فرجعوا بقول حسن وسلموا الامر وعصوا الشيطان* وفى أسد الغابة عن رزين بن حبيش عن عبد الله قال كان رجوع الانصار يوم سقيفة بنى ساعدة بكلام قاله عمر قال أنشدكم بالله أمر أبو بكر أن يصلى بالناس قالوا اللهمّ نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقامه الذى أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا كلنا لا تطيب أنفسنا نستغفر الله وكان عمر بن الخطاب أوّل من بايعه فوثب عمر فأخذ بيد أبى بكر وقام أسيد بن حضير الاشهلى وبشر بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر فسبقهما عمر فبايع ثم بايعا معا ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن عبادة مضطجع يوعك فازدحم الناس على أبى بكر فقال رجل من الانصار اتقوا سعدا لا تطئوه فتقتلوه فقال عمرو هو مغضب قتل الله سعدا فانه صاحب فتنة* فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع الى المسجد فقعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى وشغلوا عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان آخر الليل من ليلة الثلاثاء مع الصبح* وفى أسد الغابة كانت بيعة أبى بكر فى السقيفة يوم وفاة رسول الله ثم كانت بيعة العامّة من الغد وتخلف عن بيعته علىّ وبنو هاشم والزبير بن العوّام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الانصارى ثم انّ الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله الاسعد بن عبادة فانه لم يبايع أحدا الى أن مات وبيعتهم بعد ستة أشهر من موت فاطمة على القول الصحيح وقيل غير ذلك* وذكر موسى بن عقبة أنّ رجالا من المهاجرين غضبوا فى بيعة أبى بكر منهم على بن أبى طالب والزبير بن العوّام فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله فجاءهما عمر بن الخطاب فى عصابة من المهاجرين والانصار فيهم أسيد بن حضير وسلمة ابن سلامة ابن وقش الاشهليان وثابت بن قيس بن شماس الخزرجى فكلموهما حتى أخذ أحد القوم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر اليهم وقال والله ما كنت حريصا على الامارة يوما قط ولا ليلة ولا سألتها الله قط سرّا ولا علانية ولكنى أشفقت من الفتنة ومالى فى الامارة من راحة ولقد قلدت أمرا عظيما مالى به طاقة ولا يد الا بتقوية الله ولوددت أن أقوى الناس عليها مكانى اليوم فقبل المهاجرون منه وقال علىّ والزبير ما غضبنا الا انا أخرنا عن المشورة وانا لنرى أنّ أبا بكر أحق الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه لصاحب الغار وثانى اثنين وانا لنعرف له شرفه وسنه ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حىّ* وعن أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر فى السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر وتكلم قبل أبى بكر فحمد الله وأثنى عليه وتكلم بكلمات ثم قال فى آخره انّ الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله ثانى اثنين اذهما فى الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامّة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو أهله ثم قال أمّا بعد أيها الناس فانى قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينونى وان أسأت فقوّمونى الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوىّ عندى حتى أريح عليه حقه ان شاء الله والقوىّ فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه ان شاء الله لا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله الا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة فى قوم الاعمهم الله بالبلاء أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله* وذكر غير ابن عقبة أنّ أبا بكر قام فى الناس بعد مبايعتهم اياه يقيلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فى بيعتهم ويستقيلهم فيما يتحمله من امرهم ويعيد ذلك عليهم كل ذلك يقولون له والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا يؤخرك* (ذكر غسله عليه السلام) * فى الاكتفاء ولما فرغ الناس من بيعة أبى بكر الصدّيق وجمعهم الله عليه وصرف عنهم كيد الشيطان أقبلوا على تجهيز نبيهم صلى الله عليه وسلم والاشتغال به* سئل ابن عباس كيف كان غسل النبىّ عليه السلام قال ضرب العباس كلة له من ثياب يمانية صفاق فصارت سنة فينا وفى كثير من صالحى الناس ثم أذن لرجال بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة ثم دخل العباس الكلة ودعا عليا والفضل وأبا سفيان بن الحارث وأسامة بن زيد فلما اجتمعوا فى الكلة ألقى عليهم النعاس وعلى من وراء الكلة فى البيت فناداهم مناد انتبهوا به وهو يقول ألا لا تغسلوا النبىّ فانه كان طاهرا فقال العباس ألابلى وقال أهل البيت صدق فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندرى ما هو وغشيهم النعاس ثانية فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول ألا لا تغسلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم فانه كان طاهرا فقال العباس ألابلى وقال أهل البيت فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندرى ما هو وغشيهم النعاس ثالثة فناداهم مناد وتنبهوا به وهو يقول اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثيابه فقال أهل البيت ألا لا فقال العباس ألا نعم وقد كان العباس حين دخل الكلة للغسل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا متواجهين وأقعدا النبىّ صلى الله عليه وسلم على حجورهما فنودوا أن أضجعوا رسول الله على ظهره ثم اغسلوا واستروا فثاروا عن الصفيح وأضجعاه فغرّبا رجل الصفيح وشرّقا رأسه ثم أخذوا فى غسله وعليه قميصه ومجوله مفتوح الشق ولم يغسلوه الا بالماء القراح وطيبوه بالكافور ثم اعتصر قميصه ومجوله وحنطوا مساجده ومفاصله ووضؤا منه وجهه وذراعيه وكفيه ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومجوله وجمروه عودا وندا ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه* وروى عن ابن عباس انه كان يقال لهم استروا نبيكم يستركم الله* وفى الاكتفاء قالت عائشة لما أرادوا غسل رسول الله اختلفوا فيه فقالوا والله ما ندرى أنجرّد رسول الله من ثيابه كما نجرّد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل الاوذقنه فى صدره وكلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا الى رسول الله فغسلوه وعليه قميصه* وفى المشكاة يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه بالقميص رواه البيهقى فى دلائل النبوّة وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه* ويروى عن غير واحد انّ الذين ولو اغسله عليه السلام ابن عمه على بن أبى طالب وعمه العباس ابن عبد المطلب وابناه الفضل وقثم وحبه أسامة بن زيد ومولاه شقران ولما اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى من وراء الباب أوس بن خولى الانصارى أحد بنى عوف بن الخزرج وكان بدريا على بن أبى طالب فقال يا على نشدتك بالله حظنا من رسول الله فقال له علىّ ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا وقيل بل كان يحمل الماء قال فأسنده على صدره وعليه قميصه وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علىّ وكان آسامة وشقران يصبان الماء عليه وأعينهم معصوبة من وراء الستر لحديث علىّ لا يغسلنى أحد الا أنت* وفى رواية أوصانى رسول الله لا يغسله غيرى فانه لا يرى أحد عورتى الا طمست عيناه كذا فى سيرة مغلطاى والشفاء وعلىّ يغسله بالماء والسدر ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ مما يرى من الميت وهو يقول بأبى أنت وأمى ما أطيبك حيا وميتا* وعن محمد قال غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ والفضل والعباس وأسامة بن زيد وغسل ثلاث غسلات بماء وسدر من بئر غرس كانت لسعد بن خيثمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ذكره ابن الاثير فى جامعه وجعل علىّ على يده خرقة وأدخلها تحت القميص كذا فى سيرة مغلطاى* روى أنّ الغسلة الاولى كانت بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور غسله علىّ والفضل بن عباس كان الفضل رجلا قويا وكان يقلبه شقران مولى رسول الله وقال علىّ كأنا نعاون على غسله* وروى جعفر بن محمد قال كان الماء يجتمع فى جفون النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان علىّ يشربه* وفى شواهد النبوّة سئل علىّ رضى الله عنه عن سبب زيادة فهمه وحفظه قال لما غسلت النبىّ صلى الله عليه وسلم اجتمع ماء فى جفونه فرفعته بلسانى وازدردته فأرى قوّة حفظى منه ويقال انّ عليا رأى فى عين النبىّ صلى الله عليه وسلم قذاة فأدخل لسانه فأخرجها منها يقال انّ عليا والفضل كانا يغسلان رسول الله فنودى على أن ارفع طرفك الى السماء أورده فى الشفاء* (ذكر تكفينه عليه السلام) * ولما فرغوا من غسله جففوه ثم صنع به ما صنع بالميت ثم أدرج فى ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة* وفى الاكتفاء زاد الترمذى قال فذكروا لعائشة قولهم فى ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردّوه ولم يكفنوه فيه* وعن ابن عباس أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كفن فى ريطتين وبرد نجرانى* وعن عائشة قالت كفن رسول الله فى ثلاثة أثواب بيض سحولية بلد باليمن من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة قالت نظر الى ثوب عليه كان يمرّض فيه به ردع من زعفران قال اغسلوا قميصى هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنونى فيهما قلت هذا خلق قال انّ الحىّ أحق بالجديد من الميت انما هو للمهلة رواه البخارى* وفى موطأ الامام أبى عبد الله مالك بن أنس كفن صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب حبرة وسحاريين ولابى داود فى ثلاثة أثواب نجرانية وفى الاكليل كفن فى سبعة أثواب وجمع بأنه ليس فيها قميص ولا عمامة محسوب* وفى حديث تفرّد به يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف وحنط بكافور وقيل بمسك كذا فى سيرة مغلطاى* (ذكر الصلاة عليه) * روى عن محمد أنه صلى على رسول الله بغير امام* وفى رواية افذاذا لا يؤمّهم أحد يدخل المسلمون زمرا فيصلون عليه فيخرجون فلما صلى عليه نادى عمر خلوا الجنازة وأهلها* وفى رواية صلى عليه علىّ والعباس وبنو هاشم ثم دخل المهاجرون ثم الانصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذا لا يؤمّهم أحد ثم النساء ثم الغلمان قيل لانه أوصى بذلك لقوله أوّل من يصلى علىّ ربى ثم جبريل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة ثم ادخلوا فوجا بعد فوج الحديث وفيه ضعف وقيل بل كانوا يدعون وينصرفون* قال ابن الماجشون لما سئل كم صلى عليه صلاة قال اثنان وسبعون صلاة كحمزة فقيل من أين لك هذا قال من الصندوق الذى تركه مالك بخطه عن نافع عن ابن عمر كذا فى سيرة مغلطاى وكان فى المدينة حفار ان أحدهما يلحد والاخر لا يلحد دعا العباس رجلين فقال ليذهب أحد كما الى أبى عبيدة بن الجرّاح وهو كان يحفر لاهل مكة وليذهب الاخر الى أبى طلحة وهو كان يلحد لاهل المدينة ثم قال العباس اللهمّ خير لرسولك فذهبا فلم يجد صاحب أبى عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم* (ذكر قبره عليه السلام) * روى أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى موضع دفنه أبمكة أو المدينة أو القدس حتى قال أبو بكر سمعت رسول الله يقول لم يقبر نبىّ الا حيث يموت فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه ونزل فى قبره على بن أبى طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله وقد قال أوس ابن خولى لعلىّ بن أبى طالب يا على أنشدك بالله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انزل فنزل مع القوم وكانوا خمسة* وفى رواية عن على أنه نزل فى حفرة النبىّ صلى الله عليه وسلم هو والعباس وعقيل ابن أبى طالب وأسامة بن زيد وابن عوف وأوس بن خولى وهم الذين ولو اكفنه وقد كان شقران حين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وضع رسول الله فى حفرته أخذ قطيفة نجرانية حمراء أصابها يوم خيبر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفرشها فطرحها تحته فدفنها معه فى قبره فقال والله لا يلبسها أحد بعدك وبنى فى قبره اللبن يقال تسع لبنات وقيل طرح فى قبره شمل قطيفة كان يلبسها فلما فرغوا عن وضع اللبنات التسع أخرجوا القطيفة قاله أبو عمرو والحاكم وكان آخرهم عهدا به قثم وقيل علىّ وأمّا حديث المغيرة أنه طرح خاتمه فنزل ليخرجه فضعيف كذا فى سيرة مغلطاى وهالوا التراب على لحده وجعل قبره مسطوحا* وفى المشكاة عن جابر رش قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان الذى رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه حتى انتهى الى رجليه رواه البيهقى فى دلائل النبوّة* وعن سفيان بن التمار انه رآه مسنما ولابى داود كشفت عائشة للقاسم بن محمد عن قبره عليه السلام وعن قبر صاحبيه ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطية مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر عند رأس رسول الله وعمر عند رجليه هكذا قبر النبى عليه السلام قبر عمر رضى الله عنه قبر أبى بكر رضى الله عنه وذكر رزين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر خلفه رأسه عند منكبى رسول الله وطالت رجلاه أسفل وعمر خلف أبى بكر على تلك الرتبة هكذا قبر رسول الله عليه السلام قبر أبى بكر رضى الله عنه قبر عمر رضى الله عنه وفى خلاصة الوفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر رأسه بين كتفى رسول الله وعمر رأسه عند رجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قبر النبىّ عليه السلام قبر عمر رضى الله عنه قبر أبى بكر رضى الله عنه ولا خلاف فى أنّ قثم بن العباس آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم لانه آخر من صعد من قبره وأما قصة المغيرة وطرح خاتمه فغير صحيح كما مرّ* (ذكر وقت دفنه عليه السلام) * اختلف فى وقت دفنه* روى عن عائشة أنها قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحى ليلة الثلاثاء فى السحر* وفى الموطأ بلغ مالكا انه صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وللترمذى فى ليلتها فى مكانه الذى توفى فيه* وروى عن محمد بن اسحاق أنه قال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليوم وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ودفن فى الليل أى ليلة الاربعاء* وقال غيره سمعت صوت المساحى من آخر الليل رواه الترمذى قيل ذلك التأخير لانهم قالوا فيما بينهم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكنه عرج بروحه كما عرج بروح موسى حتى قام العباس فقال انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وقيل دفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس* وفى كفاية الشعبى صلوا عليه يوم الاربعاء ثم دفن وفى تفسير الزاهدى توفى يوم الاثنين ودفن يوم الخميس كذا فى كنز العباد* (ذكر الندب عليه عليه السلام) * ندب فاطمة عن أنس قال لما ثقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 النبىّ صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه الى جبريل أنعاه فلما دفن قالت يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب انفرد باخراجه البخارى كذا فى الصفوة* وفى رواية أخرى لما فرغوا من دفنه خرجت فاطمة فقالت يا أبا الحسن دفنتم رسول الله قال نعم قالت كيف طابت قلوبكم أن تحثوا التراب عليه أليس كان نبىّ الرحمة قال نعم ولكن لا مردّ لامر الله فقعدت تندب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وا أبتاه وا رسول الله وا نبىّ الرحمتاه الان لا يأتى الوحى الان ينقطع عنا جبريل اللهمّ ألحق روحى بروحه واشفعنى بالنظر الى وجهه ولا تحرمنى أجره وشفاعته يوم القيامة* وفى رواية أخذت تربة من تراب رسول الله فشمته ثم أنشأت تقول ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علىّ مصائب لو أنها ... صبت على الايام صرن لياليا وفى الاكتفاء مما ينسب الى علىّ أو فاطمة* ماذا على من شم تربة أحمد الى آخره* ندب أبى بكر* روى عن عائشة أنها قالت لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر فدخل عليه فرفعت الحجاب فكشف الثوب عن وجهه فاسترجع فقال مات والله رسول الله ثم تحوّل من قبل رأسه فقال وانبياه ثم حد دفمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا خليلاه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا صفياه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم سجاه بالثوب ثم خرج* ندب عائشة* روى عن أنس قال مررت على باب عائشة وكانت تندب النبىّ صلى الله عليه وسلم وتقول يا من لم يشبع من خبز الشعير يا من اختار الحصير على السرير يا من لم ينم الليل كله من خوف السعير* ذكر مرثبة صفية بنت عبد المطلب ترثى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنابرّا ولم تك جافيا وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكى النبىّ لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا كانّ على قلبى بذكر محمد ... وما خفت من بعد النبىّ المكاويا أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا فدى لرسول الله أمى وخالتى ... وعمى وآبائى ونفسى وماليا صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا فلو أنّ رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا * (ذكر ميراثه وتركته وحكمه فيها) * ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا شيئا الا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة* وفى خلاصة السير ترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وازارا عمانيا وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا وجبة يمنية وقميصا وكساء أبيض وقلانس صغارا لاطية ثلاثا أو أربعا وازارا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة* وقال صلى الله عليه وسلم ما نورث ما تركناه صدقة* وقال صلى الله عليه وسلم لا يقتسم ورثتى دينارا ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عيالى فهو صدقة* وعن أبى هريرة قال جاءت فاطمة الى أبى بكر فقالت من يرثك فقال أهلى وولدى فقالت فمالى لا أرث أبى فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 لا نورث ولكنى أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه* وعن عائشة أنّ فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقة بالمدينة فقال أبو بكر ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبى بكر فى ذلك فهجرته فلم تزل مهاجرته حتى توفيت دفنها زوجها على بن أبى طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها على وكان لعلىّ من الناس جهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علىّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر فبايعه بعدها كذا فى الصحيحين* وروى البيهقى عن الشعبى ان أبا بكر عاد فاطمة فى مرضها فقال لها علىّ هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها فرضاها حتى رضيت كذا فى الوفاء* وفى الرياض النضرة للمحب الطبرى دخل أبو بكر على فاطمة واعتذر اليها وكلمها فرضيت عنه* وعن الاوزاعى قال بلغنى ان فاطمة بنت رسول الله غضبت على أبى بكر فخرج أبو بكر حتى قام على بابها فى يوم حارّ ثم قال لا أبرح عن مكانى حتى ترضى عنى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فأقسم عليها لترضى فرضيت خرجه السمانى فى الموافقة* وعن أبى البحترى ان العباس وعليا جاآ الى عمر يختصمان يقول كل واحد منهما لصاحبه أنت كذا وكذا فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد نشدتكم بالله أسمعتم رسول الله يقول كل مال نبىّ صدقة الا ما أطعمه انا لا نورث قالوا اللهمّ نعم* (ذكر رؤية رسول الله فى المنام) * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآنى فى المنام فقد رآنى فان الشيطان لا يتخيل بى أولا يتكوننى أو انه لا ينبغى للشيطان أن يتمثل فى صورتى أو بتشبه بى* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآنى فقد رأى الحق* (ذكر زيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وسائر المشاهد والمزارات بالمدينة) * اما زيارة النبىّ القرشى المدنى أبى القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم خاتم الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين فانها مستحبة مندوبة من أعظم القربات وانجح المساعى قريبة من الواجب فى حق من كان له سعة وقدرة لقوله صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يعد الىّ فقد جفانى* وفى رواية ما من أحد من أمّتى له سعة ولم يزرنى فليس له عذر عند الله وعنه صلى الله عليه وسلم من جاءنى زائر الايهمه الا زيارتى كان حقا على الله أن أكون له شفيعا يوم القيامة رواه الحافظ أبو على بن السكن وقد قال صلى الله عليه وسلم من زار قبرى وجبت له شفاعتى صححه عبد الحق* وعنه صلى الله عليه وسلم من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى وفى الباب أحاديث كثيرة يكفى هذا القدر فاذا خرج الزائر وتوجه الى المدينة يكثر من الصلاة على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الطريق فاذا وقع بصره على شجر المدينة وحرمها فليزد فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وليسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته ويسعده بها فى الدنيا والاخرة واستحب بعض العلماء أن يقو لاللهمّ هذا حرم رسولك فاجعله لى وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء الحساب* ويستحب أن يغتسل لدخول المدينة من أجل السلام ويلبس أفخر ثيابه وأنظفها ويتطيب ويتصدّق بشئ وان قل ثم يدخلها قائلا بسم الله وعلى ملة رسول الله رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا فاذا وصل باب المسجد أىّ باب كان فليقدّم رجله اليمنى فى دخوله قائلا اللهمّ صل على محمد وعلى آل محمد اللهمّ اغفرلى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك وفضلك وليقصد الروضة الشريفة المقدّسة وهى بين منبره وقبره فيصلى تحية المسجد فى مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فى غيره من الروضة أو من المسجد ثم يسجد سجدة شكر الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 تعالى على الوصول الى تلك البقعة الشريفة ويسأله اتمام النعمة عليه بقبول زيارته* ثم يأتى القبر الشريف ويقف عند رأسه ويكون وقوفه مستقبلا للقبلة ولا يضع يده على جدار الحظيرة ولا يقبلها فان ذلك ليس من سيرة الصحابة بل يدنو على قدر ثلاثة أذرع أو أربعة ثم يصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وعلى الصديق والفاروق على ما يأتى ثم يبعد عنها قدر رمح أو أقل كذا عن الفقيه أبى الليث وغيره من أصحاب أبى حنيفة* وفى مناسك أصحاب الشافعىّ وغيره انه يقف قبالة وجهه الشريف بحيث يستدبر القبلة ويستقبل جدار الحجرة الشريفة والحظيرة المنيفة والمسمار الفضة الذى فى الجدار على نحو أربعة أذرع من السارية التى هى غربية رأس القبر الشريف ويجعل القنديل الكبير على رأسه واستدبار القبلة ههنا عند السلام عليه وعند الدعاء هو المستحب عند الشافعية والذى صححه الحنفية انه يستقبل القبلة عند السلام عليه والدعاء كما مرّ وليقف عند السلام عليه ناظرا الى الارض غاض الطرف فى مقام الهيبة والتعظيم والاجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرا فى قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته وعلمه صلى الله عليه وسلم بحضوره وقيامه وسلامه وليقل بحضور قلب وغض صوت وسكون جوارح السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبىّ الله السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه وأشهد انك بلغت الرسالة وأدّيت الامانة ونصحت الامّة وجاهدت فى الله حق جهاده وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فجزاك الله عنا يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمّته اللهمّ صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على ابراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم فى العالمين انك حميد مجيد اللهمّ انك قلت وقولك الحق ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّابا رحيما اللهمّ انا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك هذا مستغيثين به اليك من ذنوبنا اللهمّ فتب علينا وأسعدنا بزيارته وأدخلنا فى شفاعته وقد جئناك يا رسول الله ظالمين لا نفسنا مستغفرين لذنوبنا وقد سماك الله بالرؤف الرحيم فاشفع لمن جاءك ظالما لنفسه معترفا بذنبه تائبا الى ربه وقد قيل يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والاكم نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت الشفيع الذى ترجى شفاعته ... عند الصراط اذا ما زلت القدم ويدعو لنفسه ولوالديه ولمن أحب بما أحب وان كان قد أوصاه أحد بتبليغ السلام الى النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك الى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له ولجميع المؤمنين فأنت الشافع المشفع الرؤف الرحيم* ويكفى فى زيارته أن يقول السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ثم يتحوّل عن ذلك المكان ويدور الى أن يقف بحذاء وجه النبىّ عليه السلام مستدبر القبلة ويقف لحظة ويصلى ويسلم عليه مرّة أو ثلاث مرّات ثم يتحوّل عن يمينه قدر ذراع الى أن يحاذى رأس قبر الصدّيق فان رأسه بحيال منكب النبىّ صلى الله عليه وسلم عند الاكثر فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله السلام عليك يا صاحب رسول الله فى الغار السلام عليك يا صاحب رسول الله فى الاسفار السلام عليك يا أبا بكر الصدّيق جزاك الله أفضل ما جزى اماما عن أمّة نبيه فلقد خلفته أحسن الخلف وسلكت طريقته بأحسن الطرق وقاتلت أهل الردّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 والبدعة ونصرت الاسلام وكفلت الايتام ووصلت الارحام ولم تزل قائلا للحق ناصرا لاهله حتى أتاك اليقين رضوان الله عليك وبركاته وسلامه وتحياته أسأل الله تعالى أن يميتنا على محبتك كما وفقنا لزيارتك انه هو الغفور الرحيم* ثم يتحوّل عن يمينه قدر ذراع الى أن يحاذى رأس قبر الفاروق أمير المؤمنين عمر لان رأسه عند منكب أبى بكر عند الاكثر فيقول السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق السلام عليك يا كاسر الاصنام السلام عليك يا من أعز الله به الاسلام جزاك الله أفضل ما جزى اماما عن أمّة نبيه ثم يرجع قدر نصف ذراع ويقف بين رأس الصدّيق ورأس الفاروق ويقول السلام عليكما يا صاحبى رسول الله السلام عليكما يا وزيرى رسول الله المعاونين له على القيام فى دين الله القائمين فى أمّته فى أمور الاسلام جئنا يا صاحبى رسول الله زائرين لنبينا وصديقنا وفاروقنا ونحن نتوسل بكما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا ويسأل الله تعالى أن يتقبل سعينا وأن يحيينا على ملتكم ويميتنا على سنتكم ويحشرنا فى زمرتكم ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ويسأل الله تعالى حاجته ويصلى فى آخره على النبىّ صلى الله عليه وسلم وآله ثم يرجع ويقف عند رأس النبىّ صلى الله عليه وسلم بين القبر والمنبر كما وقف فى الابتداء وليستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ويدعو لنفسه ولمن أحب من المسلمين بما أحب* ويستحب أن يخرج بعد زيارته صلى الله عليه وسلم كل يوم خصوصا يوم الجمعة الى البقيع ويأتى المشاهد والمزارات ويزور القبور المشهورة فيه كقبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان وهو منفرد فى قبة وقبر عم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس فى قبته المعروفة به وفيها ضريحان فالغربى منهما قبر العباس والشرقى منهما قبر الحسن بن على وزين العابدين وابنه محمد الباقر وابن الباقر جعفر الصادق كلهم فى قبر واحد وكقبر صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله أمّ الزبير فانه خارج باب البقيع عن يسار الخارج ويزور قبر فاطمة بنت أسد أمّ على وقيل ان قبر فاطمة بنت رسول الله بالمسجد المنسوب اليها بالبقيع وهو المعروف ببيت الاحزان ويستحب أن يأتيه ويصلى فيه وقيل ان قبرها فى بيتها وهو فى مكان المحراب الخشب الذى خلف الحجرة المقدّسة داخل الدرابزين قيل وهذا أظهر الاقوال وقبر ابراهيم بن النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبقيع وهو مدفون الى جنب عثمان بن مظعون ودفن أيضا الى جنب عثمان ابن مظعون عبد الرحمن بن عوف وبه قبر يقال ان فيه عقيل بن أبى طالب وابن أخيه عبد الله بن جعفر ابن أبى طالب والمنقول ان قبر عقيل فى داره وفى قبلة قبر عقيل حظيرة مستهدمة مبنية بالحجارة يقال ان فيها قبور من دفن بالبقيع من أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى مناسك الكرمانى ان فيها قبور أربع من أزواج النبىّ عليه السلام وفيه قبر مالك بن أنس صاحب المذهب وغيرهم من الصحابة والتابعين كلهم بالبقيع ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس ويبدأ بحمزة عم النبىّ صلى الله عليه وسلم ومعه فى القبر ابن أخته المجذع فى الله عبد الله بن جحش ثم يزور باقى الشهداء ولا يعرف قبر أحد منهم ويسمى من علم اسمه منهم فى السلام عليه فمنهم مصعب بن عمير وحنظلة غسيل الملائكة ابن أبى عامر وسعد بن الربيع وأنس بن النضر وأبو الدحداح ومجد بن زياد وغيرهم وعند رجلى حمزة قبر ليس من قبور الشهداء ويقول فى السلام عليهم السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون رحم الله غربتكم وآنس الله وحشتكم تقبل الله من محسنكم وتجاوز الله عن مسيئكم ثم يقرأ سورة الاخلاص وآية الكرسى لورود الاحاديث فيهما* روى أبو نعيم فى الحلية بسنده الى ابن عمر قال مرّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير فوقف عليه وقال أشهد انكم أحياء عند الله ترزقون فزوروهم وسلموا عليهم فو الذى نفسى بيده لا يسلم عليهم أحد الا ردّوا عليه السلام الى يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 القيامة* وعن ابن اسحاق بن سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل عام فيرفع صوته عندهم ويقول سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار* وعن جعفر بن محمد عن أبيه ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة كذا فى تشويق الساجد* ويستحب أن يأتى مسجد قباء فى كل يوم سبت ان أمكن ويصلى ركعتين ثم يأتى بئرار يس التى تفل فيها النبىّ صلى الله عليه وسلم وسقط فيها خاتمه وهى بئر قريب من المسجد فى داخل البستان ويتوضأ منها ويشرب من مائها ثم يأتى مسجد الفتح وهو على الخندق ويأتى جميع المساجد والمشاهد بالمدينة وهى ثلاثون موضعا يعرفها أهل المدينة ويقصد الابار التى كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها اتباعا لفعله عليه السلام وطلبا للشفاء والبركة وهى سبعة آبار يعرفها أهل المدينة* وفى الاحياء الابار التى كان رسول الله يتوضأ منها ويغتسل ويشرب سبعة وهى المنظومة فى هذا النظم اذا رمت آبار النبىّ بطيبة ... فعدّتها سبع مقالا بلا وهن اريس وغرس رومة وبضاعة ... كذا بضة قل بئر حاء مع العهن كذا فى الوفاء* الخاتمة* وفيها فصلان* (الفصل الاوّل) * فى المتفرّقات من رفقائه صلى الله عليه وسلم وحرسه وخدمه ومن كان يضرب الاعناق بين يديه وذكر مواليه وكتابه ورسله وقضاته ومؤذنيه وخطبائه وشعرائه وحداته وذكر خيله ولقاحه ودوابه وآلات حروبه ولباسه وذكر من وفد عليه* اما رفقاؤه النجباء الذين لهم مزيد اختصاص بملازمته صلى الله عليه وسلم فأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وجعفر وأبو ذر والمقداد وسلمان وحذيفة وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلال بن رباح المؤذن* وأما حراسه فى غزواته فسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس سيد الاوس أسلم بين العقبتين على يد مصعب ابن عمير وشهد بدرا وأحدا والخندق فرمى فيه بسهم عاش شهرا ثم انتقض جرحه فمات حرسه يوم بدر حين كان فى العريش وذكوان بن عبد قيس ومحمد بن مسلمة الانصارى حرساه بأحد والزبير بن العوّام حرسه يوم الخندق وعباد بن بشر وكان يلى حرسه وسعد بن أبى وقاص وأبو أيوب الانصارى حرسه بخيبر ليلة بنى بصفية وبلال حرسه بوادى القرى وكان أبو بكر الصدّيق يوم بدر فى العريش شاهرا سيفه على رأسه لئلا يصل اليه أحد من المشركين رواه ابن السمان فى الموافقة ووقف المغيره بن شعبة على رأسه بالسيف يوم الحديبية ولما نزل والله يعصمك من الناس ترك الحرس* (وأما خدمه عليه السلام) * فأنس ابن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى يكنى أبا حمزة خدمه تسع سنين أو عشر سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ اكثر ماله وولده وأدخله الجنة* وقال أبو هريرة ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم منه توفى سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة اثنتين وتسعين وقيل سنة احدى وتسعين وقد جاوز المائة وسيجىء وفاته وهند وأسماء ابنا حارثة الاسليمان وربيعة بن كعب الاسلمى صاحب وضوئه وتوفى سنة ثلاث وستين وأيمن بن امّ أيمن صاحب مطهرته واستشهد يوم حنين وعدّه مغلطاى فى سيرته من الموالى كما سيجىء وعبد الله بن مسعود ابن غافل بالمعجمة والفاء ابن حبيب الهذلى أحد السابقين الاوّلين شهد بدرا والمشاهد وكان صاحب الوسادة والسواك والنعلين والطهور وكان يلى ذلك من النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا قام صلى الله عليه وسلم ألبسه نعليه واذا جلس جعلهما فى ذراعيه حتى يقوم وتوفى بالمدينة وقيل بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وعقبة بن عامر بن عبس بن عمر والجهنى وكان صاحب بغلته يقود به فى الاسفار وكان عالما بكتاب الله وبالفرائض فصيحا شاعرا ولى مصر لمعاوية سنة أربع وأربعين ثم صرفه بمسلمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 ابن محمد وتوفى بها سنة ثمان وخمسين وبلال بن رباح المؤذن وسعد مولى أبى بكر الصدّيق وقيل سعيد ولم يثبت وروى عنه ابن ماجه كذا فى المواهب اللدنية وذو مخمرة ويقال ذو مخبرة بن أخى النجاشى وقيل ابن أخته وبكر بن شداخ الليثى والاشدخ بن شريك بن عوف الاعوجى صاحب راحلته وأبو السمح خادمه عليه السلام واسمه اياد وأبو ذر جندب بن جنادة الغفارى أسلم قديما وتوفى بالربدة سنة احدى وثلاثين وصلى عليه عبد الله بن مسعود ثم مات بعده فى ذلك اليوم قاله ابن الاثير فى معرفة الصحابة وفى التقريب لابن حجر سنة اثنتين وثلاثين ومهاجر مولى أمّ سلمة وحنين والد عبد الله مولى العباس كان يخدم النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم وهبه لعمه العباس ونعيم بن ربيعة الاسلمى وأبو الحمراء مولاه صلى الله عليه وسلم وخادمه واسمه هلال بن الحارث أو ابن ظفر نزل حمص وتوفى بها وزاد فى سيرة مغلطاى فقال وازيد والاسود وثعلبة بن عبد الرحمن الانصارى وجزو بن الحل وسالم وزعم بعضهم انه ابن سلمى الداعى وسابق وأبو عبيدة وغلام من الانصار نحو أنس* ومن النساء بركة أمّ أيمن الحبشية أمّ أسامة بن زيد ماتت فى خلافة عثمان وخولة جدّة حفص وسلمى أمّ رافع زوج أبى رافع وميمونة بنت سعد وأمّ عياش مولاة رقية بنت النبىّ صلى الله عليه وسلم* وزاد فى سيرة مغلطاى فقال وأمة الله بنت رزينة وخضرة ورزينة أم علية ومارية أم الرباب ومارية جدّة المثنى بن صالح وصفية* وكان يضرب الاعتاق بين يديه عليه السلام على بن أبى طالب والزبير بن العوّام والمقداد بن عمرو ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت بن أبى الافلح والضحاك بن سفيان* وكان قيس بن سعد بن عبادة بين يديه عليه السلام بمنزلة صاحب الشرطة وأبو رافع واسمه أسلم وقيل غير ذلك قبطى كان على ثقله وكان بلال على نفقاته ومعيقيب ابن أبى فاطمة الدوسى على خاتمه وابن مسعود على سواكه ونعله كما تقدّم* (وأما مواليه عليه السلام) * فزيد بن حارثة بن شرحبيل استشهد بمؤتة سنة ثمان وابنه أسامة بن زيد وكان يقال له حب رسول الله وابن حب رسول الله مات بالمدينة أو بوادى القرى سنة أربع وخمسين وثوبان بن محمد ويكنى أبا عبد الله اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه فلم يزل معه حتى قبض عليه السلام وسكن حمص بعد موت النبىّ صلى الله عليه وسلم أصله من السراة وقيل سكن الرملة ولا عقب له ثم نزل حمص فمات بها سنة أربع وخمسين كذا فى الصفوة* وقيل كان له نسب باليمن وابو كبشة أوس ويقال سليم من مولدى مكة وقيل أرض دوس اشتراه النبىّ صلى الله عليه وسلم وأعتقه شهد بدرا وتوفى فى أوّل يوم استخلف فيه عمر* وأنيسة ويكنى أبا سرح من مولدى السراة اشتراه وأعتقه وسعيد بن تلزيد وشقران بضم الشين المعجمة وسكون القاف واسمه صالح الحبشى ويقال فارس قيل ورثه من أبيه وقيل اشتراه من عبد الرحمن بن عوف وقيل وهبه له صلى الله عليه وسلم وأعتقه شهد بدرا وهو مملوك ثم أعتق قاله الحافظ ابن حجر وقال أظنه مات فى خلافة عثمان كذا فى المواهب اللدنية ورباح بفتح الراء وباء موحدة وبالحاء المهملة اسود نوبى اشتراه من وفد عبد القيس فأعتقه وكان يأذن عليه احيانا اذا انفرد وهو الذى أذن لعمر بن الخطاب فى المسربة ويسار الراعى نوبى أصابه النبىّ صلى الله عليه وسلم فى بعض غزواته وأعتقه وهو الذى قتله العرنيون وقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك فى لسانه وعينيه واستاقوا لقاح رسول الله وأدخل المدينة ميتا وقد مرّ ذكره فى الموطن السادس وأبو رافع اسمه أسلم القبطى وقيل ابراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز وقيل صالح كان على ثقله عليه السلام وكان عبدا للعباس فوهبه للنبىّ عليه السلام فأعتقه حين بشره باسلام عمه العباس وزوّجه سلمى مولاة له فولدت له عبيد الله وكان كاتبا لعلىّ فى خلافته كلها وتوفى قبل قتل علىّ بيسير وأبو رافع أخوه وقيل رافع والد البهى كذا فى الصفوة* وأبو مويهبة من مولدى مزينة اشتراه وأعتقه وزيد وهو ابن يسار وليس زيد بن حارثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 والد أسامة ذكره ابن الاثير كذا فى المواهب اللدنية وفى غيره وزيد جد هلال بن يسار بن زيد وفضالة اليمانى نزل الشام ومات بها ورافع كان مولى لسعيد بن العاص فورثه أولاده فأعتقه بعضهم وأمسكه بعضهم فجاء رافع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم يستعينه فوهب له وكان يقول أنا مولى النبىّ صلى الله عليه وسلم ومدعم بكسر الميم وفتح العين المهملة عبد أسود وهب له* وفى المواهب اللدنية أهداء له زفاعة بن زيد الضبيبى بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة الاولى كذا فى المواهب اللدنية وقال غيره الجذامى بدل الضبيبى وقتل مدعم بوادى القرى أصابه سهم غرب وهو الذى قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ الشملة التى غلها تشتعل عليه نارا* وفى صحيح البخارى عن أبى هريرة أنه قال فتحنا خيبر وتوجه رسول الله نحو وادى القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له رفاعة بن زيد فبينا هو يحط رحل رسول الله اذ جاءه سهم غرب حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذى نفسى بيده انّ الشملة التى أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم تشتعل عليه نارا ورفاعة ابن زيد الجذامى ذكره فى المواهب اللدنية وكركرة بفتح الكاف الاولى وكسرها والثانية مكسورة فيهما كذا فى شرح المشكاة للطيبى ذكره أبو بكر بن حزم وكان نوبيا أهداه له هوذة بن على الحنفى فأعتقه وكان على ثقله صلى الله عليه وسلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فى النار فذهبوا ينظرون اليه فوجدوا عباءة قد غلها رواه البخارى وضمرة بن أبى ضمرة* وفى الصفوة قال مصعب أهدى اليه المقوقس خصيا اسمه مأبور القبطى وواقد وأبو واقد وهشام وأبو ضمرة سعد وقيل روح بن سندر ويقال ابن شيرزاد الحميرى كذا فى سيرة مغلطاى* وفى الكامل قيل كان من الفرس من ولد كشتاسب الملك فأصابه رسول الله فى بعض وقائعه مما أفاء الله عليه فأعتقه وأبو السمح وأبو عبيد واسمه سعيد وقيل عبيدة قال ابراهيم الحربى ليس فى موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيد وانما هو أبو عبيد وقيل عبيده وانما التيمى غلط فى الحديث فقال عبيد وذكر ابن أبى خيثمة أنهما اثنان عبيد وأبو عبيد وفرق الحربى بين رافع وأبى رافع فجعلهما اثنين* وحكى ابن قتيبة أنهما واحد كذا فى الصفوة وحنين وعسيب اسمه أحمر* وفى سيرة مغلطاى وأبو عسيب ويقال بالميم واسمه أحمر وقيل مرّة وبادام وبدر وحاتم وعبيد بن عبد الغفارى وزيد بن مولا وسعيد بن زيد وسعد وسندر وعبد الله بن أسلم وغيلان وفقير وكيرب ومحمد بن عبد الرحمن ومحمد آخر* قال المدينى كان اسمه ماهنة فسماه النبىّ صلى الله عليه وسلم محمدا وأبو مكحول ونافع بن السائب وبنيه من مولدى السراة ونهيك وأبو اليسر وأبو قبيلة انتهى من ذكرهم مغلطاى فى سيرته وسفينة واختلف فى اسمه فقيل طهمان ويكنى أبا عبد الرحمن على قول ابراهيم الحربى وقيل اسمه كيسان وقيل مهران وقيل رومان وقيل عبس وكان سفينة عبد الامّ سلمة فأعتقته وشرطت عليه أن يخدم النبى صلى الله عليه وسلم حياته فقال ولو لم تشترطى علىّ ما فارقته قيل كان سفينة أسود من مولدى الاعراب سمى سفينة لانه كان معهم فى سفر وكان كل من أعيا ألقى عليه متاعه ترسا أو سيفا أو غير ذلك فمرّ به النبىّ صلى الله عليه وسلم قال أنت سفينة* وروى عنه فى وجه تسميته أنه قال كنا مع رسول الله فى سفر فمررنا بواد أو نهر وكنت أعبر الناس* وعن محمد بن المنكدر عن سفينة أنه قال ركبت سفينة فى البحر فانكسرت فركبت لوحا فأخرجنى الى أجمة فيها أسد فأقبل الىّ فقلت أنا سفينة مولى رسول الله فجعل يغمزنى بمنكبه حتى أقامنى على الطريق ثم همهم فظننت انه السلام* وفى دلائل النبوّة للبيهقى عن ابن المنكدر أيضا أنّ سفينة مولى رسول الله أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر فى أرض الروم فانطلق هاربا يلتمس الجيش فاذا هو بالاسد فقال له يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله كان من أمرى كيت وكيت فأقبل الاسد يبصبص حتى قام الى جنبه كلما سمع صوتا أهوى اليه ثم أقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 يمشى الى جنبه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع أوردهما فى حياة الحيوان* وفى الصفوة ذكر محمد بن حبيب الهاشمى من موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة كان لبعض عماته فوهبته له فأعتقه وأبو لقيط وأبو اليسر وأبو هند وهو الذى قال فيه زوّجوا أبا هند وتزوّجوا اليه وكان اشتراه النبىّ صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية وأعتقه وأنجشة الحادى وكان حاديا للجمال وهو الذى قال له رويدا أو رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير وأنيسة وكان جسيما فصيحا شهد بدرا وأعتقه بالمدينة ورويفع سباه من هوازن وأعتقه وقيصر وميمون وأبو بكرة نفيع وهرمز أبو كيسان وأبو صفية وأبو سلمى واسود وسلمان الفارسى أبو عبد الله ويقال له سلمان الخير أصله من أصبهان وقيل من رامهرمز أوّل مشاهده الخندق مات سنة أربع وثلاثين ويقال بلغ عمره ثلثمائة سنة وشمعون بن زيد أبو ريحانة* قال الحافظ ابن حجر حليف الانصار ويقال مولى رسول الله شهد فتح دمشق وقدم مصر وسكن بيت المقدس وأيمن بن أمّ أيمن وأفلح وسابق* وفى سيرة مغلطاى أيمن بن أمّ أيمن وسابق من الخدام كما مرّ وسالم وعبيد الله بن أسلم ونبيل ووردان وكيسان وأبو أيلة* (وأمّا مولياته عليه السلام) * فسلمى أمّ رافع ويقال كانت مولاة لصفية عمته وهى زوجة أبى رافع وداية فاطمة الزهراء وغاسلتها مع أسماء بنت عميس وقابلة ابراهيم بن النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمّ أيمن واسمها بركة الحبشية ورثها النبىّ صلى الله عليه وسلم من أبيه وهى أمّ أسامة بن زيد كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب* وقال سليمان بن أبى الشيخ كانت لأمّ النبىّ عليه السلام وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفى أبوه كانت أمّ أيمن تحضنه حتى كبر فأعتقها حين تزوّج خديجة وزوّجها عبيدة بن زيد بن الحارث الحبشى فولدت له أيمن وكنيت به واستشهد أيمن يوم حنين ثم تزوّجها زيد بن حارثة بعد النبوّة فولدت له أسامة وقيل أعتقها أبو النبىّ عليه السلام وهى التى شربت بول النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى الشفاء روى أن أمّ أيمن كانت تخدم النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان له قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل فبال فيه ليلة ثم افتقده فلم يجد فيه شيئا فسأل بركة عنه فقالت قمت وأنا عطشانة فشربته وأنا لا أعلم فقال لن تشتكى وجع بطنك أبدا* وللترمذى لن تلج النار بطنك وصححه الدار قطنى وحمله الاكثرون على التداوى* وأخرج حسن بن سفيان فى مسنده والحاكم والدار قطنى وأبو نعيم والطبرانى من حديث أبى مالك النخعى يبلغه الى أمّ أيمن أنها قالت قام رسول الله من الليل الى فخارة فى جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما أصبح النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يا أمّ أيمن قومى فاهريقى ما فى تلك الفخارة قلت قد والله شربت ما فيها قالت فضحك النبىّ حتى بدت نواجذه ثم قال اما والله لا يجعن بطنك أبدا* وعن ابن جريج قال أخبرت ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يبول فى قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره فجاء فاذا القدح ليس فيه شئ فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أمّ حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة أين البول الذى كان فى القدح قالت شربته قال صحة يا أمّ يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذى ماتت فيه* وروى أبو داود عن ابن جريح عن حليمة عن أمّها أميمة بنت رقيقة وصحح ابن دحية أنهما قصتان وقعتا لامر أتين وصح ان بركة أمّ يوسف غير بركة أم أيمن وهو الذى ذهب اليه شيخ الاسلام البلقينى* وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن أمى بعد أمى وكان يزورها ثم أبو بكر ثم عمر* وقال الواقدى حضرت امّ ايمن أحدا فكانت تسقى الماء وتداوى الجرحى وشهدت خيبر وتوفيت فى أوّل خلافة عثمان كذا فى الصفوة واميمة وخصرة ورضوى وريحانة ومارية وقيصر اخت مارية وميمونة بنت سعد وميمونة بنت ابى عسيب وامّ ضمرة وامّ عياش وقيل عباس مولاة ابنته رقية كذا فى الصفوة وسيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 مغلطاى وريحة ويقال هى الريحانة السرية وسائبة وامّ ضميرة* قال ابو عبيدة وكانت ايضا سرية جميلة اصابها فى سبى وسرية اخرى وهبتها له زينب بنت جحش* قال ابن الجوزى مواليه ثلاثة وأربعون واماؤه احدى عشرة كذا فى المواهب اللدنية وهؤلاء لم يكونوا فى وقت واحد بل كان كل بعض فى وقت * (وامّا امراؤه عليه السلام) * فمنهم باذان بن سامان من ولد بهرام أمره على اليمن وهو اوّل امير فى الاسلام على اليمن واوّل من اسلم من ملوك العجم وأمّر على صنعاء خالد بن سعيد وولى زياد بن لبيد الانصارى البياضى حضرموت وولى ابا موسى الاشعرى زبيد وعدن وولى معاذ بن جبل الجند وولى ابا سفيان بن حرب نجران وولى ابنه يزيد تيما وولى عتاب بفتح المهملة وتشديد المثناة الفوقية ابن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة مكة واقام الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان وولى علىّ بن ابى طالب القضاء باليمن وولى عمرو بن العاص عمان وأعمالها وولى ابا بكر الصدّيق امامة الحج سنة تسع وبعث فى أثره عليا فقرأ على الناس براءة قيل لان أوّلها نزل بعد أن خرج أبو بكر الى الحج وقيل أردفه به عونا له ومساعدا ولهذا قال الصدّيق أمير أو مأمور قال بل مأمور وأمّا الروافض فقالوا بل عزله وهذا لا يبعد من بهتهم وافترائهم وقد ولى عليه السلام الصدقات جماعة كثيرة* (وأمّا كتابه عليه السلام) * فالخلفاء الأربعة أبو بكر الصدّيق وكان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة وفى الاسلام عبد الله وسمى الصدّيق لتصديقه النبىّ صلى الله عليه وسلم وقيل انّ الله صدّقه ويلقب عتيقا لجماله أو لانه ليس فى نسبه ما يعاب به وقيل لانه عتيق من النار ولى الخلافة سنتين ونصفا وقيل أربعة أشهر كما سيجىء وبلغ سنّ المصطفى عليه السلام وتوفى مسموما وأسلم أبوه أبو قحافة يوم الفتح وتوفى فى خلافة عمر وأسلمت أمّه أمّ الخير سلمى بنت صخر قديما فى دار الارقم* وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى استخلفه أبو بكر فأقام عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال كذا فى المواهب اللدنية وقتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة* وعثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية وكانت خلافته احدى عشرة سنة وأحد عشر أو ثلاثة عشر يوما ثم قتل يوم الدار شهيدا* وروى عن عائشة مما ذكره الطبرى فى فضائله انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اسند ظهره الىّ وانّ جبريل ليوحى اليه القرآن وانه ليقول اكتب يا عثم رواه أحمد وكان كاتب سرّ رسول الله* وعلى بن أبى طالب وأقام فى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام وتوفى شهيدا على يد عبد الرحمن بن ملجم واختص علىّ بكتابة الصلح يوم الحديبية وطلحة بن عبيد الله أحد العشرة استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين سنة* والزبير ابن العوّام بن خويلد أحد العشرة أيضا قتل أيضا سنة ست وثلاثين يوم الجمل* وسعد بن أبى وقاص ومحمد بن مسلمة والارقم بن أبى الارقم وأبان بن سعيد بن العاص وأخوه خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وعبد الله بن الارقم مات فى خلافة عثمان وولاه عمر بيت المال وعبد الله بن زيد بن عبد ربه والعلاء بن عقبة والمغيرة بن شعبة الثقفى أسلم قبل الحديبية وولى امرة البصرة ثم الكوفة مات سنة خمسين على الصحيح والسحبل وعامر بن فهيرة وأبىّ بن كعب بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة من سباق الانصار كان يكتب الوحى له صلى الله عليه وسلم وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهده عليه السلام وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهده عليه السلام توفى بالمدينة سنة تسع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل غير ذلك وهو الذى كتب الكتاب الى ملكى عمان حيفر وعبد ابنى الجلندى وثابت بن قيس ابن شماس استشهد باليمامة وهو الذى كتب كتاب قطن بن حارثة العليمى وحنظلة بن الربيع الاسدى الذى غلته الملائكة حين استشهد بأحد وزيد بن ثابت بن الضحاك النجارى مشهور بكتب الوحى مات سنة خمسين أو ثمان وأربعين وقيل بعد الخمسين وكان أحد فقهاء الصحابة وهو أحد من جمع القرآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 فى خلافة أبى بكر ونقله فى المصحف فى زمن عثمان وأبو سفيان صخر بن حرب وابنه معاوية بن أبى سفيان ولى لعمر الشام وأقرّه عثمان* قال ابن اسحاق كان أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة* وروينا فى مسند الامام أحمد من حديث العرباض قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهمّ علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب وهو مشهور بكتاب الوحى ومات فى رجب سنة ستين وقد قارب الثمانين* وفى الشفاء دعا لمعاوية فقال اللهمّ مكنه فى البلاد فنال الخلافة وأخوه يزيد ابن أبى سفيان بن حرب أمّره عمر على دمشق حتى مات بها بالطاعون وشرحبيل ابن حسنة وهى أمّه والعلاء بن الحضرمى وخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى سيف الله أسلم بين الحديبية وفتح مكة مات سنة احدى أو اثنتين وعشرين* وعمرو بن العاص بن وائل السهمى أسلم عام الحديبية وولى مصر مرّتين وهو الذى فتحها ومات بها سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين وعبد الله بن رواحة الخزرجىّ الانصارى أحد السابقين الاوّلين شهد بدرا واستشهد بمؤتة ومعيقيب بقاف وآخره موحدة مصغر ابن أبى فاطمة الدوسى من السابقين الاوّلين وشهد المشاهد مات فى خلافة عثمان أو على وكتب له عليه السلام سعيد بن العاص كتاب ثقيف وحذيفة بن اليمان من السابقين صح فى مسلم انه صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون الى أن تقوم الساعة وأبوه صحابى أيضا استشهد بأحد بأيدى المسلمين ومات حذيفة فى أوّل خلافة علىّ سنة ست وثلاثين وحويطب بن عبد العزى العامرى أسلم يوم الفتح عاش مائة وعشرين سنة ومات سنة أربع وخمسين كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة مغلطاى وبريدة وحصين بن نمير وعبد الله بن سعد بن أبى سرح وأبو سلمة بن عبد الاسد وحاطب بن عمرو بن حنظلة وقيل كان كتابه نيفا وأربعين وأكثرهم ملازمة له زيد بن ثابت ومعاوية بن أبى سفيان بعد الفتح كذا فى مزيل الخفا كما قاله الحافظ الشريف الدمياطى وغيره* قال الحافظ بن حجر وقد كتب له قبل زيد ابن ثابت أبى بن كعب وهو أوّل من كتب له بالمدينة وأوّل من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن أبى سرح ثم ارتدّ ثم عاد الى الاسلام يوم الفتح كذا فى المواهب اللدنية* (وأمّا رسله) * فقد روى أنه عليه السلام بعث ستة نفر فى يوم واحد فى المحرّم سنة سبع وذكر القاضى عياض فى الشفاء مما عزاه الواقدى أنه أصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه اليهم انتهى وكان أوّل رسول بعثه عمرو بن أمية الضمرى الى أصحمة النجاشى ملك الحبشة وكتب اليه كتابين يدعوه فى أحدهما الى الاسلام ويتلو عليه القرآن فأخذه النجاشى ووضعه على عينيه ونزل عن سريره وجلس على الارض ثم أسلم وشهد شهادة الحق وقال لو كنت أستطيع أن آتيه لاتيته* وفى الكتاب الاخر أمره أن يزوّجه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فزوّجه اياها فدعا بحقة من عاج فجعل فيه كتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرهم وصلى عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم كذا قاله الواقدى وغيره وليس كذلك فانّ النجاشى الذى صلى عليه رسول الله ليس هو الذى كتب اليه كذا فى المواهب اللدنية وقد مرّ فى الموطن السادس* وبعث عليه السلام دحية بن خليفة الكلبى وهو أحد الستة الى قيصر ملك الروم واسمه هرقل يدعوه الى الاسلام فهمّ بالاسلام ولم توافقه الروم فخافهم على ملكه فأمسك* وبعث عبد الله بن حذافة السهمى الى كسرى ملك فارس وهو الثالث فمزّق كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام مزّق الله ملكه وملك قومه* وبعث حاطب ابن أبى بلتعة اللخمى وهو الرابع الى المقوقس ملك مصر والاسكندرية فأكرمه وقارب الاسلام ولم يسلم وأهدى للنبىّ صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وأختها سيرين وأمتين أخريين وخصيا والبغلة الشهباء المسماة بالدلدل وقيل وألف دينار وعشرين ثوبا فوهب سيرين لحسان بن ثابت فولدت له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 عبد الرحمن واستولد عليه السلام مارية فولدت له ابراهيم وقد ذكر فى الموطن السادس* وبعث شجاع ابن وهب الاسدى وهو الخامس الى الحارث بن أبى شمر الغسانى ملك البلقاء من أرض الشام وتغيظ ولم يسلم* وبعث سليط بن عمرو العامرى وهو السادس الى اليمامة الى هوذة بن على والى ثمامة بن أثال الحنفيين فأسلم ثمامة وكتب هوذة الى رسول الله ما أحسن ما تدعو اليه وأجمله وأنا خطيب قومى وشاعرهم فاجعل لى بعض الامر أتبعك فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلم هوذة ومات زمن الفتح وقد مرّ فى الموطن السادس* وبعث عمرو بن العاص فى ذى القعدة سنة ثمان الى حيفر وعبدا بنى الجلندى بعمان وهما من الازد فأسلما وصدّقا وخليا بين عمرو والصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عمرو عندهم حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث العلاء الحضرمى الى المنذر ابن ساوى العبدى ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة وقيل قبل الفتح فأسلم وصدّق* وفى الصفوة كان اسم العلاء الحضرمى عبد الله بن سلمى من حضر موت وولاه رسول الله البحرين ثم عزله عنها وولاها أبان بن سعيد ثم أعاد أبو بكر العلاء الى البحرين ثم كتب اليه عمر أن سر الى عتبة ابن غزوان فقد وليتك عمله يعنى البصرة فسار اليها فمات فى الطريق سنة احدى وعشرين وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة* وبعث المهاجرين أمية المخزومى الى الحارث بن كلال الحميرى أحد مقاولة اليمن فقال سأنظر فى أمرى* وبعث أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن بعد انصرافه من تبوك سنة عشر فى ربيع الاوّل وكانا جميعا فى جملة اليمن داعيين الى الاسلام فأسلم غالب أهلها ملوكهم وعامّتهم طوعا من غير قتال وقد مرّ فى الموطن العاشر ثم بعث على بن أبى طالب بعد ذلك اليهم ووافاه بمكة فى حجة الوداع* وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى ذى الكلاع وذى عمر ويدعوهم الى الاسلام فأسلما وتوفى صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم* وبعث عمرو بن أمية الضمرى الى مسيلمة الكذاب بكتاب وبعث الى فروة بن عمرو الجذامى وكان عاملا لقيصر يدعوه الى الاسلام فأسلم وكتب الى النبى صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث اليه بهدية مع مسعود بن سعد وهى بغلة شهباء يقال لها فضة وفرس يقال له الظرب وحمار يقال له يعفور وبعث اليه أثوابا وقباء سندسا مذهبا فقبل هديته ووهب لمسعود بن سعد اثنى عشر أوقية* وبعث المصدّقين لاخذ الصدقات هلال المحرّم سنة تسع فبعث عيينة ابن حصن الفزارى الى بنى تميم وبعث بريدة ويقال كعب بن مالك الى أسلم وغفار وبعث عباد بن بشر الى سليم ومزينة وبعث رافع بن مكيث الى جهينة وبعث عمرو بن العاص الى فزارة وبعث الضحاك ابن سفيان الى بنى كلاب وبعث بشر بن سفيان الكعبى ويقال النجار العدوى الى بنى كعب وبعث عبد الله بن اللتبية الى ذبيان وبعث رجلا من سعد هذيم الى قومه* (وأمّا قضاته) * عليه السلام فأمير المؤمنين على ومعاذ بن جبل وأبو موسى الاشعرى ولى كل منهم القضاء باليمن* (وأمّا مؤذنوه عليه السلام) * فأربعة اثنان بالمدينة بلال بن رباح وأمّه حمامة وهو مولى أبى بكر الصدّيق وهو أوّل من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤذن بعده لاحد من الخلفاء الا أنّ عمر لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال فتذكر الناس النبىّ صلى الله عليه وسلم قال أسلم مولى عمر فلم أر باكيا أكثر من يومئذ وتوفى بلال سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة أو عشرين بداريا بباب كيسان وله بضع وستون سنة وقيل دفن بحلب وقيل بدمشق* وعمرو بن أمّ مكتوم القرشى الاعمى* وفى معالم التنزيل اسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهرى من بنى عامر بن لؤى وكذا فى الكشاف وزاد فيه أمّ مكتوم أمّ أبيه هاجر الى المدينة قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم وسيجىء موت بلال وابن أمّ مكتوم فى الفصل الثانى فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب* وأذن له عليه السلام بقباء سعد بن عائذ أو ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 عبد الرحمن المعروف بسعد القرظى وبالقرظى مولى عمار بقى الى ولاية الحجاج وذلك سنة أربع وسبعين* وبمكة أبو محذورة واسمه أوس الجمحى المكى أبوه معير بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتية مات بمكة سنة تسع وخمسين وقيل تأخر بعد ذلك وكان أبو محذورة منهم يرجع الاذان ويثنى الاقامة وبلال لا يرجع ويفرد الاقامة فأخذ الشافعى باقامة بلال وأهل مكة أخذوا باذان أبى محذورة واقامة بلال وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال واقامة ابى محذورة وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال واقامته وخالفهم مالك فى موضعين اعادة التكبير وتثنية لفظ الاقامة* (وأمّا شعراؤه الذين يذبون عن الاسلام) * فكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة الخزرجى الانصارى وحسان بن ثابت بن المنذر ابن عمرو بن حزام الانصارى دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ أيده بروح القدس فيقال أعانه جبريل بسبعين بيتا* وفى الحديث انّ جبريل مع حسان ما نافح عنى وهو بالحاء المهملة أى دافع والمراد هجاء المشركين ومجازاتهم على أشعارهم وعاش مائة وعشرين سنة ستين فى الجاهلية وستين فى الاسلام وكذا عاش ابوه ثابت وجدّه المنذر وجدّ ابيه حزام كل واحد منهم مائة وعشرين سنة وتوفى حسان سنة اربع وخمسين وكان اشدّهم على الكفار حسانا وكعبا* وكان يحد وبين يديه عليه السلام فى السفر عبد الله بن رواحة* وفى رواية الترمذى فى الشمائل عن أنس انه عليه السلام دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يديه عليه السلام وهو يقول خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله وعامر بن الاكوع بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو وبالعين المهملة وهو عم سلمة بن الاكوع كذا فى المواهب اللدنية واستشهد يوم خيبر* وأنجشة العبد الاسود بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة وكان حسن الحداء قال انس كان البراء بن مالك يحد وبالرجال وأنجشة يحد وبالنساء وقد كان يحدو وينشد القريض والرجز فقال عليه السلام كما فى رواية البراء بن مالك رويدك رفقا بالقوارير وفى المشكاة لا تكسر القوارير* قال قتادة يعنى ضعفة النساء متفق عليه فشبههنّ بالقوارير من الزجاج لانه يسرع اليها الكسر فلم يأمن عليه السلام ان يصيبهنّ او يقع فى قلوبهنّ حداؤه فأمره بالكف عن ذلك* وفى المثل الغنارقية الزنا وقيل اراد أن الابل اذا سمعت الحداء أسرعت فى المشى واشتدّ وأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدّة الحركة* (وامّا خيله ودوابه) * فذكر له صلى الله عليه وسلم الدميرى فى حياة الحيوان اثنين وعشرين فرسا فقال السكب والسبحة والمرتجز واللزاز والظرب واللحيف والورد وهذه السبعة متفق عليها وامّا غيرها وهى الابلق وذو العقال وذو اللمة والمرتجل والسرحان واليعسوب أو اليعبوب والبحر والادهم والملاوح والشحاء والمرواح والمقدام والمندوب والطرف والضرمن فهذه الخمسة عشر مختلف فيها وقد بسط الكلام عليها الحافظ الدمياطى وغيره انتهى كلام الدميرى* قال الحافظ عبد المؤمن الدمياطى الخيل المتفق عليها لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وقد نظمها القاضى بدر الدين بن جماعة فى بيت فقال الخيل سكب لحيف سبحة طرب ... لزاز مرتجز ورد لها اسرار * مشكلات الافراس فى القاموس السكب اوّل فرس ملكه النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان كميتا محجلا طلق اليمين ويحرّك* وفى المواهب اللدنية يقال فرس سكب اى كثير الجرى كأنما ينصب جريه صبا من سكب الماء يسكبه وهو اوّل فرس ملكه اشتراه عليه السلام بالمدينة من اعرابى من بنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فزارة بعشرة أواق واوّل فرس غزا عليه واوّل غزاة غزاها عليه أحد* وفى نور العيون وكان عليه السلام عليه يوم أحد* وفى المواهب اللدنية وكان أغر محجلا طلق اليمين كميتا* وقال ابن الاثير كان أدهم وكذا فى حياة الحيوان* وفى القاموس السبحة بالفتح فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى حياة الحيوان وهو الذى سابق عليه فسبق ففرح به وفى غيرهما كان قد سبق فسبح عليه فسمى سبحة* وفى المواهب اللدنية سبحة بالموحدة من قولهم فرس سابح اذا كان حسن مدّ اليدين فى الجرى* قال ابن بنين هى فرس شقراء اشتراها من أعرابى من جهينة بعشر من الابل* وفى القاموس المرتجز بن الملاءة فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم سمى به لحسن صهيله اشتراه من سواد بن الحارث بن ظالم* وفى المواهب اللدنية المرتجز بضم الميم وسكون الراء وفتح التاء وكسر الجيم بعدها زاى سمى به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز وهو ضرب من الشعر وكان أبيض وهو الذى شهد له فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلين* وفى حياة الحيوان الفرس الذى اشتراه النبىّ صلى الله عليه وسلم من الاعرابى وشهد له خزيمة اسمه المرتجز وقيل كان أبيض واسم الاعرابى سواد بن الحارث بن ظالم المحاربى وكان عليه السلام ابتاعه منه واستتبعه النبىّ صلى الله عليه وسلم ليقبض ثمنه وأسرع النبىّ صلى الله عليه وسلم المشى وأبطأ الاعرابى فطفق رجال يعترضون الاعرابى فيساومون الفرس لا يشعرون أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابى فى السوم على ثمن الفرس فنادى الاعرابى النبىّ عليه السلام فقال ان كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه والابعته فقام النبىّ صلى الله عليه وسلم حين سمع صوت الاعرابى فقال أو ليس قد ابتعته منك قال لا والله ما ابتعتك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون برسول الله والاعرابى وهما يتراجعان فطفق الاعرابى يقول هلم بشاهدك قال خزيمة أنا أشهد فأقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد قال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم* وفى رواية قال خزيمة بأبى أنت وأمى يا رسول الله أصدّقك على أخبار السماء وما يكون فى غدو لا أصدقك فى ابتياعك هذا الفرس فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انك ذو شهادتين يا خزيمة وكان يقال له ذو الشهادتين وكان معه راية بنى خطمة فى غزوة الفتح وشهد صفين مع علىّ وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين* قال السهيلى فى مسند الحارث زيادة وهى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ردّ الفرس على الاعرابى وقال لا بارك الله لك فيها فأصبحت من الغد شائلة برجليها أى ماتت* وفى الصفوة وربما جعل بعضهم الاسمين يعنى السكب والمرتجز لواحد* وفى القاموس اللزاز ككتاب فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم أهداها المقوقس مع مارية* وفى المواهب اللدنية سمى به لشدّة تلززه واجتماع خلقه ولزبه الشئ لزق به كأنه يلتزق بالمطلوب لسرعته أهداها له المقوقس الطرب بالطاء المهملة والمعجمة ككتف فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم كذا فى القاموس* وفى المواهب اللدنية الظرب بالظاء المعجمة آخره باء موحدة واحد الظراب سمى به لكبره وسمنه وقيل لقوّته وصلابة حافره أهداها له فروة بن عمرو الجذامى* وفى القاموس اللحيف كأمير وزبير فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانه كان يلحف الارض بيديه أهداه له ربيعة بن أبى البراء وفى غيره فأثابه عليه فرائض من نعم بنى كلاب أورد اللحيف فى القاموس بالحاء المهملة والجيم* وفى المنتقى بالجيم وقال من قولهم سهم لجيف اذا كان سريع المرّ* وفى المواهب اللدنية اللحيف بالمهملة أهداها له ربيعة بن أبى براء سمى به لسمنه وكبره كأنه يلحف الارض أى يغطيها بذنبه لطوله فعيل بمعنى فاعل يقال لحفت الرجل باللحاف طرحته عليه ويروى بالجيم وبالخاء المعجمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 رواه البخارى ولم يتحققه والمعروف بالحاء المهملة قاله ابن الاثير فى النهاية والورد فرس أهداه له تميم الدارى فأعطاه عمر فحمله فى سبيل الله ثم وجده يباع برخص فأراد أن يشتريه فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره لا تعد فى صدقتك وان أعطيك بدرهم فانّ العائد فى صدقته كالكلب يعود فى قيئه قاله ابن سعد كذا فى المواهب اللدنية* وفى القاموس الورد من الخيل ما بين الكميت والاشقر (والابلق) ذولونين فصاعدا (وذو العقال) بضم العين المهملة وتشديد القاف* وحكى بعضهم تخفيفها يقال هوداء يأخذ الدواب فى الرجلين (وذو اللمة) بكسر اللام وتشديد الميم ذكره ابن حبيب وهو الشعر المجاوز شحمة الاذن كذا فى القاموس (والمرتجل) بكسر الجيم ذكره ابن خالويه من قولهم ارتجل الفرس ارتجالا اذا خلط العنق بشىء من الهملجة (والسرحان) بكسر السين المهملة وسكون الراء ذكره ابن خالويه وفى القاموس (اليعسوب) أمير النحل وذكرها (واليعبوب) الفرس الطويل السريع أو الجواد السهل فى عدوه ذكرهما قاسم بن ثابت فى كتاب الدلائل (والبحر) فرس كان اشتراه من تجر قدموا من اليمن فسبق عليه مرّات فجثا صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ومسح على وجهه وقال ما أنت الابحر فسمى بحرا ذكره ابن بنين فيما حكاه الحافظ الدمياطى* قال ابن الاثير وكان كميتا وكان سرجه دفتان من ليف كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة اليعمرى وسبحة اشتراه من تجار اليمن فسبق عليه ثلاث مرّات فمسح وجهه وقال ما أنت (الابحر) (والادهم) (والملاوح) بضم الميم وكسر الواو ذكره ابن خالويه كان لابى بردة بن نيار (والشحاء) أى الفاتحة فاها كذا فى القاموس (والمرواح) من أبنية المبالغة كالمطعام مشتق من الريح لسرعته أو من الرواح لتوسعه فى الجرى أهداه له قوم من بنى مذحج ذكره ابن سعد (والمقدام) (والمندوب) ذكره بعضهم فى خيله عليه السلام (والطرف) بكسر الطاء المهملة وسكون الراء بعدها فاء ذكره ابن قتيبة فى المعارف* وفى رواية أنه الذى اشتراه من الاعرابى وشهد له خزيمة بن ثابت كذا فى المواهب اللدنية (والضرمن) ذكره السهيلى فى أفراسه وفى القاموس الضرم الفرس العدّاء وفى غيره شديد العدو وكأنّ النون زائدة وزاد فى المواهب اللدنية (السجل) بكسر السين المهملة وسكون الجيم ذكره على بن محمد بن الحسين بن عبدوس الكوفى ولعله مأخوذ من قولهم سجلت الماء فانسجل أى صببته فانصب (والنجيب) ذكره ابن قتيبة* وفى رواية أنه الذى اشتراه من الاعرابى وشهد له به خزيمة* (وأمّا بغاله عليه السلام) * فدلدل بدالين مضمومتين وكانت شهباء أهداها له المقوقس ملك مصر والاسكندرية وهى أوّل بغلة رؤيت فى الاسلام كذا فى الكامل وهى التى قال لها يوم حنين اربضى دلدل فربضت وكان يركبها فى المدينة وفى الاسفار وكانت أنثى كما أجاب به ابن الصلاح كذا فى حياة الحيوان* وفى حياة الحيوان أيضا قال الحافظ قطب الدين البغلة بهاء للافراد يقع على الذكر والانثى كالجرادة والتمرة ثم قال أجمع أهل الحديث على أنّ بغلة النبىّ صلى الله عليه وسلم كانت ذكرا لا أنثى ثم عدّله خمس بغال انتهى وكانت الدلدل قد كبرت وزالت أضراسها يجش لها الشعير وكان علىّ يركبها بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم وروى أنّ عتمان بن عفان أيضا كان يركبها ثم ركبها الحسن ثم ركبها الحسين ومحمد بن على المشهور بابن الحنفية حتى عميت من الكبر فدخلت مبطحة لبنى مدلج فرماها رجل بسهم فقتلها وقيل ماتت بينبع* وفى القاموس ينبع كينصر حصن له عيون ونخيل وزرع بطريق حاج مصر* وفى خلاصة الوفاء ينبع الماء مضارع نبع ظهر من نواحى المدينة على أربعة أيام منها وبغلة يقال لها (فضة) أهداها له فروة بن عمرو الجذامى وهبها لابى بكر وبغلة أخرى يقال لها (الابلية) أهداها له ملك أيلة كعتلة موضع بالبصرة كذا فى القاموس وكانت بيضاء محذوفة طويلة كأنها تقوم على رماح وكانت حسنة السير فأعجبته وهى التى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 قال فيها علىّ ان كانت أعجبتك هذه البغلة فانا نصنع لك مثلها قال وكيف ذلك قال هذه أمّها فرس عربية وأبوها حمار فلوانا أنزينا على فرس عربية حمارا لجاءت بمثل هذه البغلة فقال انما يفعل ذلك الذين لا يعلمون رواه البخارى فى كتاب الجزية وأخرى أهداها له ابن العلماء صاحب أيلة وأخرى من دومة الجندل وأخرى من عند النجاشى قيل وأهدى له كسرى بغلة وفيه نظر لان كسرى مزّق كتابه صلى الله عليه وسلم* (وأمّا حميره عليه السلام) * فعفير بضم العين المهملة أهداه له المقوقس ويعفور أهداه له فروة بن عمر والجذامى ويقال هما واحد وهما مأخوذان من العفرة وهو لون التراب فنغف يعفور منصرف النبىّ عليه السلام من حجة الوداع وكان له حمار آخر أعطاه سعد بن عبادة فركبه كذا فى المواهب اللدنية ومزيل الخفا* وروى ابن عساكر بسنده أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حمارا أسود فكلمه الحمار فقال له رسول الله ما اسمك فقال يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدّى سبعين حمارا كلها لا يركبها الا نبىّ وقد كنت أتوقعك لتركبنى ولم يبق من نسل جدّى غيرى ولا من الانبياء غيرك وقد كنت قبلك عند يهودى* وفى رواية اسمه مرحب وكان اذا سمع اسمك يتكلم بما لا يليق بك وكنت أتعثر به عمدا وكان يجيع بطنى ويركب ظهرى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم فأنت يعفور يا يعفور تشتهى الاناث قال لا* وفى رواية قال لم قال لان آبائى رووا عن آبائهم أنه سيركب نسلنا سبعون من الانبياء والاخر من نسلنا سيركبه نبىّ اسمه محمد وأنا أرجو أن أكون ذلك الاخر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه وكان يوجهه الى دور أصحابه فيضرب عليهم الباب ويدعوهم فلما قبض النبىّ عليه السلام* وفى رواية ولما مضى ثلاثة أيام جاء الى بئر أبى الهيتم بن التيهان فتردّى فيها جزعا على رسول الله فصارت قبره كذا فى حياة الحيوان* (وأمّا ابله عليه السلام) * فكان له من اللقاح (القصوى) وهى مقطوعة الاذن وهى التى تاجر عليها (والعضباء) وهى مشقوقة الاذن (والجذعاء) وهى مقطوعة طرف الاذن ولم يكن بهما عضب ولا جذع وانما سميت بذلك قاله أبو عبيدة وقيل كان بأذنها عضب وقيل العضباء هى التى كانت لا تسبق قيل وكان اشتراها من أبى بكر بأربعمائة درهم وعن الواقدى بستمائة درهم وقد مرّ أنه اشتراها بثمانمائة درهم وكانت حين قدم المدينة رباعية وكان لا يحمله اذا نزل عليه الوحى غيرها وكانت تبرك حينا من ثقل الوحى وهى التى كانت لا تسبق فجاء أعرابى على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال عليه السلام انّ حقا على الله أن لا يرفع من الدنيا شيئا الا وضعه* وفى سيرة اليعمرى قيل المسبوق غيرها انتهى وكانت صهباء وهى التى روى تكليمها النبىّ صلى الله عليه وسلم وتعريفها له نفسها ومبادرة العشب اليها فى الرعى وتجنب الوحوش عنها ونداؤها له انك لمحمد وانها لم تأكل ولم تشرب بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ذكره الاسفراينى وقيل القصوى والعضباء غيرها وهى المسبوقة وقيل العضباء والجذعاء والقصوى ثلاث نوق وقيل الجذعاء والقصوى واحدة والعضباء غيرها وهى المسبوقة وقيل العضباء والجذعاء واحدة وقيل كانت له ناقة أخرى اشتراها من بنى قشير بثمانمائة درهم وهى التى هاجر عليها وكانت اذ ذاك رباعية وهى المسبوقة وهى الحاملة له اذا نزل عليه الوحى والله أعلم* وفى ذخائر العقبى عن أبى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال تبعث الانبياء على الدواب ويحشر صالح على ناقته ويحشر ابنا فاطمة على ناقتىّ العضباء والقصوى وأحشر أنا على البراق خطوها عند أقصى طرفها ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة خرجه الحافظ السلفى وكانت له عشرون لقحة بالغابة يراح اليه منها كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن وكان يفرّقها على نسائه وكان فيها تسع لقاح غرر الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم والعسيرة والريا وكانت لقحة تدعى بردة أهداها له الضحاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ابن سفيان وكانت تحلب كما تحلب لقحتان غزيرتان وكانت له مهرية أرسلها اليه سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل* وفى المواهب اللدنية وكانت له خمس وأربعون لقحة أرسل بها اليه سعد بن عبادة منها اطلال واطراف وبردة وبركة والبغوم والحناء ورمزة والريا والسعدية وسقيا والسمراء والشقراء وعجرة والعريس وغوثة وقيل وغيثة وقمر ومروة ومهرة ورشة والعسيرة والحفدة وغنم صلى الله عليه وسلم يوم بدر جملا لابى جهل فى أنفه برة من فضة وكان يغز وعليه ويضرب فى لقاحه فأهداه يوم الحديبية ليغيظ بذلك الكفار كما مرّ ذكره* ولم ينقل انه صلى الله عليه وسلم اقتنى من البقر شيئا وكانت له مائة شاة وكانت له سبع منائح عجزة وزمزم وسقيا وبركة ورشة واطلال واطراف وكانت له ستة أو سبعة أعنز منائح ترعاها أمّ أيمن وكانت له شاة يختص بشرب لبنها تدعى غبثة ويقال غوثه ويمن وقمر ذكرها ابن حبان وكان له ديك أبيض ذكره أبو سعد كذا فى سيرة اليعمرى وحياة الحيوان ونقل فيها عن معجم الطبرانى وتاريخ الاصبهانى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال انّ لله ديكا أبيض جناحاه موشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ جناح بالمشرق وجناح بالمغرب رأسه تحت العرش وقوائمه فى الهواء يؤذن فى كل سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات والارض الا الثقلين الجنّ والانس فعند ذلك تجيبه ديوك أهل الارض فاذا دنا يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحيك وغض صوتك فيعلم أهل السموات والارض الا الثقلين أنّ الساعة قد اقتربت صاح سبوح قدّوس فصاحت الديكة* وفى رواية يقول سبحان الملك القدّوس ربنا الرحمن الملك لا اله غيره* وفى رواية سبحانك ما أعظم شأنك* (وأمّا أسلحته وآلات حربه عليه السلام) * فكان له تسعة أسياف مأثور وهو أوّل سيف ملكه عليه السلام وهو الذى يقال انه قدم به الى المدينة فى الهجرة والعضب أرسله اليه سعد بن عبادة حين سار الى بدر وذو الفقار لانه كان فى وسطه مثل فقرات الظهر ويجوز فى فائه الفتح والكسر صار اليه يوم بدر وكان للعاص بن منبه بن الحجاج السهمى كذا فى المواهب اللدنية وغيره من الكتب* وفى سيرة اليعمرى تنفله من غنائم بدر وكان لبنى الحجاج السهميين وكان لا يفارقه فى الحرب فيكون معه فى كل حرب يشهدها وهو الذى رأى فيه الرؤيا يوم أحد رأى بذباب سيفه ثلمة فأوّلها هزيمة كما مرّ* وفى القاموس ذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا فصار الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم صار الى علىّ وكانت قائمته أى مقبضه وقبيصته كسفينة ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد وذؤابته أى ما يعلق من القائمة وبكراته أى الحلقة التى فى حلية السيف ونعله أى الحديد فى أسفل عمد السيف من فضة كذا فى القاموس وكانت له حلقتان فى الحمائل فى موضعهما من الظهر* وعن أنس بن مالك قال كان نعل سيف رسول الله فضة وقبيصته فضة وما بين ذلك حلق الفضة كذا فى نور العيون وللترمذى وكان سيفه حنفيا وكان له على سيفه اذ دخل مكة يوم الفتح ذهب وكانت قبيصته فضة وثلاثة أسياف أصابها من سلاح بنى قينقاع والقلعى بضم القاف وفتح اللام وهو الذى أصابه من قلع موضع بالبادية والبتار أى القاطع والحتف أى الموت والمخذم أى القاطع والرسوب أى يمضى فى الضربة ويغيب فيها وهو فعول من رسب فى الماء يرسب اذا ذهب الى أسفل واذا ثبت أهداهما له زيد الخير* وفى المواهب اللدنية أصابهما من الفلس بضم الفاء وسكون اللام صنم كان لطى وفى رواية أصابهما وثالثا علىّ ابن أبى طالب من الفلس فاصطفاهما للنبىّ صلى الله عليه وسلم صفى المغنم* وفى القاموس أو هو يعنى الرسوب من السيوف السبعة التى أهدت بلقيس لسليمان عليه السلام والقضيب أى اللطيف أو القطاع كذا فى القاموس ويقال القضيب وذو الفقار واحد ومأثور والعضب كذا فى سيرة مغلطاى قيل هو أوّل سيف تقلد به صلى الله عليه وسلم وقيل كان له سيف آخر ورثه من أبيه فتكون السيوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 عشرة* (وأمّا ادراعه عليه السلام) * فسبع ذات الفضول بالضاد المعجمة لطولها وهى درع موشح بالنحاس أرسلها اليه سعد بن عبادة حين سار الى بدر* وفى نور العيون لبسها يوم حنين وفى الهدى لابن القيم انها التى رهنها النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أبى الشحم اليهودى على صاع من شعير وكان الدين الى سنة كذا فى المواهب اللدنية وذات الوشاح وذات الحواشى والبتراء لقصرها والخرنق باسم ولد الارنب ودرعان أصابهما من سلاح بنى قينقاع يقال لاحداهما السغدية بالسين المهملة ثم بالغين المعجمة ويقال بالسين والعين المهملتين نسبة الى بلد تعمل فيه الدروع كذا فى القاموس* وفى المواهب اللدنية وهى درع عكير القينقاعى قيل وهى درع داود عليه السلام التى لبسها حين قتل جالوت كذا فى المواهب اللدنية وخلاصة الوفاء وللاخرى الفضة* وعن محمد بن سلمة قال رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين ذات الفضول والفضة ورأيت عليه يوم حنين ذات الفضول والسعدية* وكان له مغفر من حديد وهو زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة ويسمى مغفره السبوغ أو ذا السبوغ لتمامه ومغفر آخر يسمى الموشح وكان له أربعة أزواج خفاف خفان ساذجان وثلاث جبات يلبسهنّ فى الحرب جبة سندس أخضر وجبة طيالسية كذا فى سيرة مغلطاى* (وأمّا رماحه عليه السلام) * فالمثوى سمى به لانه يثبت المطعون به من الثوى وهو الاقامة قاله ابن الاثير والمثنى ورمحان آخران أصابهما من سلاح بنى قينقاع وكانت له حربة كبيرة تسمى البيضاء وكانت له حربة أخرى صغيرة دون الرمح شبه العكاز يقال لها العنزة* وفى بعض كتب السير تسمى اليمين كان يمشى بها فى يده يدعم عليها وتحمل بين يديه فى الاعياد الى المصلى حتى تركز أمامه فيتخذها سترة يصلى اليها يقال هذه الحربة كانت للنجاشى فوهبها للزبير بن العوّام وحربة يقال لها النبعة وأخرى تسمى الهرّ كذا فى سيرة مغلطاى وكان له قضيب من شوحط يسمى الممشوق رواه ابن عباس* القضيب العصا والشوحط بالشين المعجمة وبالحاء والطاء المهملتين شجر تتخذ منه القسى أو ضرب من النبع وهو شجر القسى أيضا وهما والشريان واحد ويختلف الاسم بحسب كرم منابتها فما كان فى قلة الجبل فنبع وفى سفحه شريان وفى الحضيض شوحط كذا فى القاموس وكان له محجن وهو عصا منعطفة يتناول بها الراكب ويحرّك بطرفها بعيره للمشى وكان قدر ذراع أو أكثر يمشى به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره وهو الذى استلم به الركن فى حجة الوداع وكانت له مخصرة وهى خشبة تمسك باليد تسمى العرجون وكان له محجن يسمى الوقر* (وأمّا أقواسه عليه السلام) * فكانت له ست أو سبع قسى قوس من شوحط تدعى الروحاء وأخرى من شوحط تدعى البيضاء وأخرى من نبع تدعى الصفراء أصابها من بنى قينقاع وقوس تسمى الزوراء وقوس تدعى الكتوم انكسرت يوم أحد فأخذها قتادة وقوس تدعى السداد وقوس تدعى الشداد وكانت له جعبة وهى كنانة النشاب تدعى الكافور* وفى رواية وكانت له كنانة بالكسر وهى جعبة من جلد لا خشب فيها أو بالعكس تسمى الجمع واسم نبله المتصلة وقيل الموصلة سميت بها تفاؤلا بوصوله الى العدوّ* (وأما اتراسه عليه السلام) * فكان له ترس اسمه الزولق يزلق عنه السلاح وترس يقال له الفتق وترس فيه تمثال* فى حياة الحيوان روى أبو سعيد فى طبقاته أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدى له ترس فيه تمثال كبش فكره النبىّ صلى الله عليه وسلم مكانه فأصبح وقد أذهبه الله* وفى سيرة مغلطاى كان له ترس فيه تمثال رأس كبش ويقال عقاب انتهى ويقال وضع النبىّ صلى الله عليه وسلم يده على ذلك التمثال فأذهبه الله عنه* (وأمّا راياته عليه السلام) * فالعقاب وكانت سوداء من صوف من ستر باب عائشة وقد مرّ فى غزوة خيبر وكانت له ألوية بيضاء وربما جعل فيها السوداء وربما جعلت من خمر نسائه وللترمذى رايته سوداء مربعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 من نمرة ولمحيى السنة لواؤه أبيض مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله ولأبى داود رؤيت رايته صفراء * (وأمّا لباسه وثيابه ومتاعه عليه السلام) * فكان له صلى الله عليه وسلم القلانس يلبسها تحت العمائم وبغير العمائم ويلبس العمائم بغير القلانس وكان يلبس القلانس اليمانية من البيض المضربة وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه ويصلى اليها وربما مشى بلا قلنسوة ولا عمامة ولا رداء راجلا يعود المرضى كذلك فى أقصى المدينة كذا فى خلاصة السير وكانت له قلانس صغار لاطية ثلاث أو أربع* وفى القاموس ونهاية ابن الاثير كانت كمام الصحابة بطحاء أى لازقة بالرأس غير ذاهبة فى الهواء والكمام القلانس* وفى مختصر الوفاء عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء* وعن أبى هريرة قال رأيت على رسول الله قلنسوة بيضاء شامية* وعن ابن عباس قال كان لرسول الله ثلاث قلانس بيضاء مضربة وقلنسوة برد حبرة وقلنسوة ذات آذان يلبسها فى السفر والحرب وكانت له عمامة تسمى السحاب وكان يعتم بها فكساها عليا وربما طلع علىّ فيها فيقول أتاكم علىّ فى السحاب* وللترمذى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وله خطب الناس وعليه عمامة سوداء ولمسلم انها كانت عليه قد أرخى طرفها أو طرفيها بين كتفيه* وللترمذى اذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه وكذا فى مختصر الوفاء عن ابن عمر وذكر رزين انّ عمامته كانت بطحاء يعنى لاطية* قال ابن القيم فى الهدى النبوى كان شيخ الاسلام ابن تيمية يذكر فى سبب الذؤابة شيئا بديعا وهو انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم انما اتخذها صبيحة المنام الذى رآه بالمدينة لما رأى رب العزة فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الا على قلت لا أدرى فوضع يديه بين كتفىّ فعلمت ما فى السماء والارض الحديث وهو فى الترمذى وسأله عنه البخارى فقال صحيح قال فمن ذلك الغداة أرخى الذؤابة بين كتفيه قال وهذا من العلم الذى تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم قال ولم أر هذه الفائدة فى شأن الذؤابة لغيره انتهى وعبارة غير الهدى وذكر ابن تيمية انه صلى الله عليه وسلم لما رأى ربه واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة انتهى لكن قال العراقى بعد أن ذكره لم نجد لذلك أصلا انتهى* وروى ابن ابى شيبة عن علىّ قال عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامة سدل طرفها على منكبى وقال ان الله أمدّنى يوم بدر ويوم حنين بملائكة معممين هذه العمة وقال ان العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين قال عبد الحق الا شبيلى وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخى طرفها ويتحنك به فان كانت بغير طرف ولا تحنيك فذلك يكره عند العلماء واختلف فى وجه الكراهة فقيل لمخالفة السنة فيها وقيل لانها كذلك كانت عمائم الشيطان وجاءت الاحاديث فى ارسال طرفها على أنواع منها ما تقدّم انه أرسل طرفها على منكب علىّ ومنها انّ عبد الرحمن بن عوف قال عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسد لها بين يدىّ ومن خلفى ذكره أبو داود كذا فى المواهب اللدنية وللترمذى خطب الناس وعليه عصابة دسماء وللبخارى عصب على رأسه حاشية برد وللترمذى كان صلى الله عليه وسلم يكثر القناع وكان له ثوبان للجمعة غير ثيابه التى يلبسها فى سائر الايام وكان له منديل يمسح به وجهه من الوضوء وربما مسح بطرف ردائه وللترمذى كان أحبّ الثياب اليه القميص وله كان كم قميصه الى الرسغ ولأبى داود ان قميصه مطلق وللترمذى زر قميصه لمطلق ولأبى داود انه صلى الله عليه وسلم ساوم أبا صفوان وصاحبه بسراويل فباعاه ولم يثبت انه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل ولكنه اشتراها ولم يلبسها* وفى الهدى لابن القيم انه لبسها قالوا انه سبق فلم اشتراها بأربعة دراهم* وفى الاحياء انه اشتراها بثلاثة دراهم وللشيخين كان عليه صلى الله عليه وسلم فى سفر جبة من صوف ولهما جبة شامية ضيقة الكمين وللترمذى رومية ولمسلم أخرجت أسماء بنت أبى بكر جبة طيالسية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 كسراوية لها لينة ديباج مكفوفة الفرجين من ديباج وقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى داود جبة طيالسية مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج وكانت له منطقة من أديم مبشور فيها ثلاث حلق من فضة والابزيم من فضة والطرف من فضة والحلق على صفة الفلك المضروبة من فضة ولبس الفروة المكفوفة بالسندس* وعن أنس انّ ملك الروم أهدى للنبىّ صلى الله عليه وسلم مسبغة من سندس أى فروة طويلة الكمين مكفوفة بالسندس* وفى هدى ابن القيم كان رداؤه بردة طول ستة أذرع وشبر فى عرض ثلاثة وشبر واسم ردائه الفتح* وفى سيرة مغلطاى وكان له رداء مربع انتهى وازاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر فى عرض ذراعين وشبر وكان له ازار طوله خمسة أشبار وللترمذى خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو متوكىء على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطرى قد توشح به فصلى بهم ولبس صلى الله عليه وسلم ثوبا أبيض وحلة حمراء وللشيخين خميصة جرثية أو خوتية أو جوينية وبردا نجرانيا غليظ الحاشية وللبخارى وبردة منسوجة فيها حاشيتها ولمسلم ومرطا مرجلا من شعر أسود* وفى سيرة مغلطاى وكان له كساء اسود وآخر أحمر ملبد وآخر من شعر* وروى انه كان له صلى الله عليه وسلم كساء اسود كساه فى حياته فقالت له أمّ سلمة بأبى أنت وأمى ما فعل كساؤك قال كسوته قالت ما رأيت شيئا قط كان أحسن من بياضك فى سواده* ولأبى داود ولبس بردا أحمر وبردين أو ثوبين أخضرين* وللترمذى ثوبين قطريين غليظين واسمال ملاءتين كانتا بزعفران وقد نفضت* وفى سيرة اليعمرى كان يعجبه الثياب الخضر* وفى رواية لبس فى وقت حلة حمراء وازار او رداء وفى وقت ثوبين أخضرين وفى وقت جبة ضيقة الكمين وفى وقت قباء وفى وقت عمامة سوداء وأرخى طرفها بين كتفيه وفى وقت مرطا اسود من شعر أى كساء* وفى المواهب اللدنية وكان له ثلاث جبات يلبسهنّ فى الحرب وجبة سندس أخضر ولمسلم ألبس النبىّ صلى الله عليه وسلم حذيفة فى غزوة الخندق من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها وللشيخين ارتدى بالرداء ولأبى داود وكان يأتزر عليه السلام فيضع حاشية ازاره من مقدمه على ظهر قدميه ويرفع من مؤخره وللترمذى كانت ازرته الى أنصاف ساقيه* وروى عن علىّ أنه قال لباس الصالحاء الى نصف السوق ولباس السفهاء مكنسة السوق* وفى سيرة اليعمرى ربما لبس الازار الواحد ليس عليه غيره ويعقد طرفيه بين كتفيه وقبض روحه صلى الله عليه وسلم فى كساء ملبد وازار غليظ ولبس عليه السلام خفين ومسح عليهما* وللترمذى خفين اسودين ساذجين أهداهما اليه النجاشى ملك الحبشة* وفى رواية وكان ربما لبسهما النبىّ صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما وكان يلبس النعال التى فيها شعر ولبس صلى الله عليه وسلم نعلين جرداوين وكان لنعله قبالان* وللترمذى مخصوفتين وصلى فيهما وله كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثنىّ شراكهما* وفى رواية وكان له نعلان من السبت وكانت مخصرة ذات قبالين وكانت صفراء* وعن ابن عمر أن النبىّ صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة وكان يختم به ولم يلبسه* وعن أنس كان خاتم النبىّ صلى الله عليه وسلم من ورق وكان فصه حبشيا* وعنه كان خاتم النبىّ صلى الله عليه وسلم من فضة وفصه منه يجعله فى يمينه وقيل كان أوّلا فى يمينه ثم حوّله الى يساره* وعنه كان نقش خاتم النبىّ صلى الله عليه وسلم محمد سطر ورسول سطر والله سطر* وعنه ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب الى كسرى وقيصر والنجاشى فقيل له انهم لا يقبلون كتابا الا بخاتم فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقته فضة ونقش فيه محمد رسول الله كما مرّ* وعن علىّ انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه فى يمينه* وعن ابن عمر انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة وجعل فصه مما يلى كفه ونقش فيه محمد رسول الله ونهى أن ينقش أحد عليه وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الذى سقط من معيقيب فى بئرار يس* وفى رواية اتخذ رسول الله خاتما من ورق وكان فى يده ثم كان بعد فى يد أبى بكر ثم كان بعد فى يد عمر ثم كان بعد فى يد عثمان حتى وقع فى بئر أريس نقشه محمد رسول الله وتختم صلى الله عليه وسلم فى خنصره الايمن وربما لبسه فى الايسر وعن محمد كان الحسن والحسين يتختمان فى يسارهما ولأبى داود كان خاتمه صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة أو بفضة وكانت له ربعة اسكندرانية أهداها له المقوقس ملك مصر يكون فيها مرآته المسماة بالمدلة ومشط عاج ومكحلة يكتحل منها كل ليلة ومقراض يسمى الجامع وسواك وفى سيرة اليعمرى ولا تفارقه قارورة الدهن فى سفره والمكحلة والمرآة والمشط والمقراض والسواك والابرة والخيط وكان يستاك فى الليل ثلاث مرّات قبل النوم وبعده وعند القيام لورده وعند الخروج لصلاة الصبح وكان يكتحل قبل أن ينام بالاثمد فى كل عين ثلاثا* وفى سيرة اليعمرى وربما اكتحل ثلاثا فى اليمين واثنين فى اليسار وربما اكتحل وهو صائم* وفى حياة الحيوان كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم مشط من العاج الذبل وهو شئ يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية تتخذ منه الامشاط والاساور وفى الحديث انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر ثوبان أن يشترى لفاطمة سوارا من عاج المراد بالعاج الذبل لا العاج الذى هو ناب الفيل وكانت له ركوة تسمى الصادر وقعب يسمى السعة كذا فى سيرة مغلطاى وكان له قدح يسمى الريان وآخر يسمى مغيثا وكان له قدح مضبب فيه ثلاث ضباب من فضة فى ثلاثة مواضع وقيل من حديد وفيه حلقة يعلق بها اكبر من نصف المد وأصغر من المد وفى رواية يسع كل واحد منهما قدر مد وكان له قدح من عيدان وآخر من زجاج وفى المشكاة عن عبد الله بن ياسر كان له صلى الله عليه وسلم قصعة يحملها أربعة رجال يقال لها الغراء فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة يعنى وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله فقال اعرابى ما هذه الجلسة فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ الله قد جعلنى عبدا كريما ولم يجعلنى جبارا عنيدا ثم قال كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها رواه أبو داود وكان له مغتسل من صفر وكان له تور من حجارة يقال له المخضب يتوضأ منه وكان له مركز أو قال مخضب من نحاس وقيل من شبه يعمل فيه الحناء والكتم ويوضع على رأسه اذا وجد فيه حرارة وكان له سرير قوائمه من ساج وقطيفة وفراش من أدم حشوه ليف ومسح تثنيه ثنيتين تحته وقصعة تسمى الغراء بأربع حلق* وفى سيرة مغلطاى وجفنة لها أربع حلق ومدّ وصاع يخرج به زكاة الفطر وكان له فسطاط يسمى الكن ولابى داود كان له صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها وللنسائى كان صلى الله عليه وسلم يتطيب بذكارة الطيب المسك والعنبر وفى سيرة اليعمرى وكان يتطيب بالغالية والمسك ويتبخر بالعود والكافور* (وأمّا من وفد عليه صلى الله عليه وسلم) * فأقوام كثيرة وجماعات غزيرة وقد سرد محمد بن سعد فى الطبقات الوفود وتبعه الدمياطى فى سيرته وابن سيد الناس ومغلطاى والحافظ زين الدين العراقى ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين قال النووى الوفد الجماعة المختارة للتقدّم فى لقى العظماء واحدهم وافد انتهى وكان ابتداء الوفود عليه بعد رجوعه عليه السلام من الجعرانة فى آخر سنة ثمان وما بعدها وقال ابن اسحاق بعد غزوة تبوك وقال ابن هشام كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود فقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد هوازن كما ذكره البخارى وغيره فى شهر شوّال سنة ثمان بعد انصرافه من الطائف الى الجعرانة فى الجعرانة وقدم عليه وفد ثقيف سنة تسع بعد قدومه من تبوك وكان من أمرهم انه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف قيل له يا رسول الله ادع على ثقيف فقال اللهمّ اهد ثقيفا وائتنى بهم ولما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة فأسلم وسأله أن يرجع بالاسلام الى قومه فلما أشرف لهم على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 علية له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله* وفى المنتقى أورد قدوم عروة بن مسعود الثقفى واسلامه سنة تسع وكذا فى تاريخ اليافعى ثم أقامت ثقيف بعد قتله شهرا ثم قدم وفدهم عليه صلى الله عليه وسلم وهم عبد ياليل بن عمرو بن عمير واثنان من الاحلاف وثلاثة من بنى مالك وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى المؤمنين ان عضاه وج وصيده حرام لا تعضد فمن وجد يفعل شيئا من ذلك فانه يجلد وتنزع ثيابه فان تعدّى فانه يؤخذ ويبلغ النبىّ وان هذا أمر النبى محمد رسول الله فكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعدّاه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله ووج بفتح الواو وتشديد الجيم واد بالطائف واختلف فيه هل هو حرم يحرم صيده وقطع شجره فالجمهور على انه ليس فى البقاع حرم الاحرم مكة والمدينة وخالفهم أبو حنيفة فى حرم المدينة* وقدم وفد بنى تميم عليه عطارد ابن حاجب بن زرارة فى أشراف قومه منهم الاقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الاهتم والحتات بن زيد ونعيم بن زيد وقيس بن الحارث وقيس بن عاصم فى وفد عظيم من بنى تميم قيل كانوا تسعين أو ثمانين رجلا فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله من وراء حجراته أن اخرج الينا يا محمد فاذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم واياهم عنى الله سبحانه وتعالى بقوله انّ الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون وقد مرّ فى الموطن التاسع* وقدم وفد بنى عامر بن صعصعة* قال ابن اسحاق لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت اليه وفود العرب من كل وجه فدخلوا فى دين الله أفواجا فوفد اليه بنو عامر فيهم عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أخو لبيد الشاعر كذا فى حياة الحيوان* وفى المنتقى أورد قدومهم فى سنة عشر* وفى المواهب اللدنية اربد بن قيس وخالد بن جعفر وحيان بن أسلم بن مالك وكان هؤلاء النفر الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم فأقبل عدوّ الله عامر بن الطفيل واربد يريدان أن يغدرا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال عليه السلام دعه فان يرد الله به خيرا يهده فأقبل حتى قام عليه فاستشرف الناس لجمال عامر وكان من أجمل الناس فقال يا محمد مالى ان أسلمت فقال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال أتجعل لى الامر بعدك قال ليس ذلك الىّ انما ذلك الى الله يجعله حيث يشاء وفى الحدائق قال ليس ذلك لك ولا لقومك قال فتجعلنى على الوبر وأنت على المدر قال لا قال فماذا تجعل لى قال أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها قال أو ليس ذلك الىّ اليوم وكان عامر قال لأربد اذا قدمنا على الرجل فانى شاغل عنك وجهه فاذا رأيتنى أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف فدار أربد ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله فيبست يده على سيفه ولم يقدر على سله فعصم الله نبيه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال اللهمّ اكفنيهما بما شئت فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة فى يوم حرّ قائظ فأحرقته وبعيره وولى عامر هاربا فقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا ولا ربطن بكل نخلة فرسا كذا فى الحدئق فقال رسول الله يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يعنى الاوس والخزرج* وفى المواهب اللدنية فلما خرجا قال عامر لاربد أين ما كنت أمرتك به فقال والله ما هممت بالذى أمرتنى الا دخلت بينى وبينه أفأضربك بالسيف* وفى حياة الحيوان فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهمّ اكفنى عامر بن الطفيل بما شئت وأخذ أسيد بن حضير الرمح وجعل يقرع رؤسهما ويقول اخرجا أيها الهجرسان فقال عامر من أنت قال أسيد بن حضير قال أبوك خير منك قال بل أنا خير منك ومن أبى مات أبى وهو كافر فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 عليه سلاحه وقد تغير لونه فجعل يركض فى الصحراء ويقول ابرز يا ملك الموت ويقول الشعر ويقول واللات لئن أصحر محمد الىّ وصاحبه يعنى ملك الموت لا نفدنهما برمحى فأرسل الله ملكا فلطمه بجناحه فأثراه فى التراب وخرجت على ركبته فى الوقت غدة عظيمة كغدة البعير* وفى حياة الحيوان فبعث الله له الطاعون فى عنقه فعاد الى بيت السلولية فقال غدة كغدة البعير وموت فى بيت السلولية ثم ركب فرسه وكان يركضه فمات فى ظهر الفرس فأنزل الله تعالى ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء* وقدم وفد عبد القيس سنة عشر وهى قبيلة كبيرة يسكنون البحرين ينسبون الى عبد القيس بن أفصى بسكون الفاء بعدها مهملة على وزن أعمى بن دعمى بضم المهملة وسكون المهملة أيضا وكسر الميم بعدها تحتانية وقدم فى هذا الوفد الجارود بن عمرو وكان نصرانيا فأسلم وقدم وفد بنى حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب بن حبيب الحنفى وكان منزلهم فى دار امرأة من الانصار من بنى التجار فأتوا بمسيلمة الى رسول الله يستر بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه فى يده عسيب من سعف النخل فلما انتهى الى رسول الله وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتنى هذا العسيب الذى فى يدى ما أعطيتكه وذكر حديثه ابن اسحاق على غير ذلك فقال حدّثنى شيخ من أهل اليمامة من بنى حنيفة أتوا رسول الله وخلفوا مسيلمة فى رحالهم فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا يا رسول الله انا قد خلفنا صاحبا لنا فى رحالنا وركابنا يحفظها لنا فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر به لقومه وقال لهم انه ليس بشركم مكانا يعنى لحفظه ضيعة أصحابه ثم انصرفوا ولما قدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله وتنبأ وقال انى أشركت فى الامر معه ثم جعل يسجع السجعات وقد سبق فى الموطن الحادى عشر وقدم وفد طى فى أوّل سنة عشر كذا فى الوفاء أوفى شعبان سنة تسع وفيهم عدى بن حاتم وانّ حاتما هلك على كفره وعدى كان نصرانيا فأسلم وأسلموا وفيهم زيد الخيل وكان سيد القوم وسماه النبىّ صلى الله عليه وسلم زيد الخير وقال ما وصف لى أحد فى الجاهلية فرأيته فى الاسلام دون تلك الصفة الا أنت فانك فوق ما قيل فانّ فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الاناءة والحلم وفى رواية الحياء والحلم فقال الحمد لله الذى جبلنى على ما يحبه الله ورسوله وفى المواهب اللدنية قال عليه السلام ما ذكر لى رجل من العرب بفضل ثم جاءنى الا رأيته دون ما يقال فيه الا زيد الخيل فانه لم يبلغ كل ما فيه ثم سماه زيد الخير ومات محموما بعد رجوعه الى قومه وفى المواهب اللدنية فلما انتهى الى ماء من مياه نجد أصابته الحمى فمات قاله ابن عبد البر وقيل مات فى آخر خلافة عمر وكان صلى الله عليه وسلم قال انه لنعم الفتى ان لم تدركه أمّ كلدة وفى رواية قال يا زيد تقتلك أمّ كلدة يعنى الحمى فلما رجع الى أهله حم ومات كذا فى حياة الحيوان وكان له ابنان مكيث وحريث أسلما وصحبا رسول الله عليه السلام وشهدا قتال أهل الردّة مع خالد بن الوليد وقدم وفد كندة سنة عشر فى ثمانين أو ستين راكبا من كندة وفيهم أشعث بن قيس الكندى فدخلوا عليه مسجده وقد تسلحوا ولبسوا جباب الحبرات مكفوفة بالحرير فلما دخلوا قال صلى الله عليه وسلم أو لم تسلموا قالوا بلى قال فما هذا الحرير فى أعناقكم فشققوه فنزعوه وألقوه وقدم فروة بن مسيك المرادى مفارقا لملوك كندة مبايعا للنبىّ صلى الله عليه وسلم وكان رجلا له شرف فلما قدم المدينة أنزله سعد بن عبادة عليه كذا فى الاكتفاء وقدم الاشعريون وأهل اليمن الترجمة مشتملة على طائفتين وليس المراد اجتماعهما فى الوفادة فان قدوم الاشعريين كان مع أبى موسى الاشعرى فى سنة سبع عند فتح خيبر وقدوم حمير كان فى سنة تسع وهى سنة الوفود ولهذا اجتمعوا مع بنى تميم وروى يزيد بن هارون عن حميد عن أنس انّ رسول الله قال يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا فقدم الاشعريون فجعلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 يرتجزون* غدا نلقى الاحبة* محمدا وحزبه* وقدم وفد بنى الحارث بن كعب بن نجران فيهم قيس بن الحصين ويزيد بن المحمل وشدّاد بن عبد الله وقال لهم عليه السلام بم كنتم تغلبون من قاتلكم قالوا كنا نجتمع ولا نتفرّق ولا نبدأ أحدا بالظلم قال صدقتم وأمر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا الى قومهم فى بقية من شوّال أو من ذى القعدة فلم يمكثوا الا أربعة أشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقدم وفد همدان فيهم مالك بن النمط وأبو ثور وهو المشعار ومالك بن أيفع وضمام بن مالك السلمانى وعمرو بن مالك الخارقى فلقوا رسول الله مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية على الرواحل المهرية والارحبية ومالك بن النمط يرتجز بين يديه عليه السلام وذكر له كلاما كثيرا حسنا فصيحا فكتب لهم عليه السلام كتابا أقطعهم فيه ما سألوا وأمّر عليهم مالك بن النمط واستعمله على من أسلم من قومه وأمره بقتال ثقيف وكان لا يخرج لهم سرح الا أغار عليه* قال ابن القيم فى الهدى النبوى لم تكن همدان تقاتل ثقيفا ولا تغير على سرحهم فان همدان باليمن وثقيف بالطائف* وقدم وفد مزينة وهم أربعمائة رجل فأسلموا فلما أرادوا أن ينصرفوا أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عمر حتى زوّدهم تمرا* وقدم وفد دوس وكان قدومهم عليه بخيبر* وقدم وفد نصارى نجران سنة عشر فى القاموس نجران موضع باليمن فتح سنة عشر من الهجرة* وفى مزيل الخفاء نجران بفتح النون وسكون الجيم منزل للنصارى بين مكة واليمن على سبع مراحل من مكة* وفى معجم ما استعجم نجران مدينة بالحجاز من شق اليمن معروفة سميت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب وهو أوّل من نزلها والاخدود الذى ذكره الله فى القرآن فى قرية من قرى نجران وهى اليوم خراب ليس فيها الا المسجد الذى أمر عمر بن الخطاب ببنائه* وفى أنوار التنزيل ولما تنصر نجران غزاهم ذو نواس اليهودى من حمير فأحرق فى الاخاديد من لم يرتدّ انتهى* قال مقاتل كانت الاخدود ثلاثة واحدة بنجران أرض العرب ليوسف ذى نواس بن شرحبيل اليهودى وكان من ملوك حمير وكانت فى الفترة بين عيسى والنبىّ عليهما السلام قبل مبعثه بسبعين سنة والآخرى بالشام لانطيانوس الرومى* والثالثة بفارس لبخت نصر* فأمّا التى بالشام وفارس فلم ينزل الله فيهما قرآنا وأنزل فى التى كانت بنجران كذا فى معالم التنزيل* قيل أطيب البلاد نجران من الحجاز وصنعاء من اليمن ودمشق من الشام والرى من خراسان* ولما قدم وفد نجران ودخلوا المسجد النبوى بعد العصر حانت صلاتهم فقاموا يصلون فيه فأراد الناس منعهم فقال عليه السلام دعوهم فاستقبلوا المشرق وصلوا صلاتهم وكانوا ستين راكبا وفيهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم* وفى معالم التنزيل أربعة عشر وفى الاربعة والعشرين ثلاثة نفر اليهم يؤل أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم واسمه عبد المسيح والسيد صاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الايهم بتحتانية ساكنة ويقال شرحبيل وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل وكان أبو حارثة أسقفهم وحبرهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه وموّلوه وكان يعرف أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم وشأنه وصفته مما علمه من الكتب المتقدّمة ولكن حمله الجهل والشقاء على الاستمرار والبقاء على النصرانية لما يرى من تعظيمه وجاهه عند أهلها فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاسلام وتلى عليهم القرآن فامتنعوا فقال ان أنكرتم ما أقول فهلم أبا هلكم* وفى البخارى من حديث حذيفة جاء السيد والعاقب صاحبا نجران الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعنا يعنى يباهلا فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل* وعند أبى نعيم ان قائل ذلك هو السيد وعند غيره بل الذى قال ذلك هو العاقب لانه كان صاحب رأيهم* وفى زيادات يونس بن بكير فى المغارى ان الذى قال ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 شرحبيل فو الله لئن كان نبيا فلاعناه يعنى باهلناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا أبدا* وفى أنوار التنزيل روى انهم لما دعوا الى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم ماذا ترى فقال والله لقد عرفتم نبوّته ولقد جاءكم بالفصل فى أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا الا هلكوا فان أبيتم الا الف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلىّ خلفها وهو صلى الله عليه وعلى آله وذريّته يقول اذا أنا دعوت فأمّنوا فقال أسقفهم يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا عن مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فأذعنوا لرسول الله وبذلوا الجزية ألفى حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد فقال عليه السلام والذى نفسى بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادى نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر وهو دليل على نبوّته وفضل من أتى بهم من أهل بيته* وفى المواهب اللدنية ثم قال العاقب والسيدانا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا فقال لأبعثن معكم أمينا حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول الله فقال قم يا أبا عبيدة يا ابن الجراح فلما قام قال عليه السلام هذا أمين هذه الامّة* وفى رواية يونس بن بكير صالحهم على ألفى حلة ألف فى رجب وألف فى صفر مع كل حلة أوقية من الذهب وكتب فيه الكتاب وساق يونس الكتاب الذى بينهم مطوّلا* وذكر ابن سعد أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك وأسلما وفى ذلك مشروعية مباهلة المخالف اذا أصر بعد ظهور الحجة ووقع ذلك لجماعة من العلماء سلفا وخلفا ومما عرف بالتجربة انّ من باهل وكان مبطلا لا تمضى عليه سنة من يوم المباهلة* وقدم رسول فروة بن عمرو الجذامى وكان عاملا للروم وكان منزله معان أسلم وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث به مع رجل من قومه يقال له مسعود بن سعد وبعث له ببغلة بيضاء وفرس يقال له الظرب وحمار يقال له يعفور وأثواب وقباء سندس مرصع بالذهب وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم* من محمد رسول الله الى فروة بن عمرو أمّا بعد فقدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلك وأتانا باسلامك وانّ الله قد هداك بهداه وأمر بلالا فأعطى رسوله اثنتى عشرة أوقية ذهبا ونشا وبلغ ملك الروم خبر اسلام فروة فدعاه فقال له ارجع عن دينك نملكك قال لا أفارق دين محمد فانك تعلم ان عيسى بشربه ولكنك تضنّ بملكك فحبسه ثم أخرجه وصلبه على ماء بفلسطين وضرب عنقه على ذلك الماء كما مرّ فى الموطن الحادى عشر بتغيير يسير* وقدم وفد ضمام بن ثعلبة بعثه بنو سعد بن بكر وفى صحيح البخارى عن أنس بن مالك أنه قال بينما نحن جلوس مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المسجد دخل رجل على جمل فأناخه فى المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبىّ عليه السلام متكىء بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الابيض المتكىء فقال له الرجل أين ابن عبد المطلب فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم قد أجبتك فقال الرجل انى سائلك ومشدّد عليك فى المسألة فلا تجد علىّ فى نفسك فقال سل عما بدالك فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله الذى أرسلك الى الناس كلهم فقال اللهمّ نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصلى الصلوات الخمس فى اليوم والليلة قال اللهمّ نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسمها على فقرائنا قال اللهمّ نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائى من قومى وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر* وقدم وفد طارق بن عبد الله وقومه* وقدم وفد نجيب سنة تسع وهم من السكون ثلاثة عشر رجلا وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التى فرض الله عليهم فسرّ عليه السلام بهم وأكرم منزلهم ومقرّهم وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم* وقدم وفد بنى سعد هذيم من قضاعة فى سنة تسع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وفى المنتقى وهم من أهل اليمن* وقدم وفد بنى فزارة سنة تسع قال أبو الربيع بن سالم فى كتاب الاكتفاء ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك قدم عليه وفد بنى فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن والجد بن قيس بن أخى عيينة بن حصن وهو أصغرهم فجاؤا مقرّين بالاسلام* وقدم وفد بنى أسد عشرة رهط سنة تسع فيهم وابضة بن معبد وطليحة بن خويلد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه فقال متكلمهم يا رسول الله انا نشهد انّ الله وحده لا شريك له وانك عبده ورسوله وجئناك ولم تبعث الينا بعثا فأنزل الله تعالى فيهم يمنون عليك أن أسلموا الاية* وقدم وفد بهراء من اليمن سنة تسع وكانوا ثلاثة عشر رجلا ونزلوا على المقداد بن عمرو وأقاموا أياما تعلموا الفرائض ثم ودّعوا رسول الله فأمر لهم بالجوائز وانصرفوا الى بلادهم* وقدم وفد عذرة فى صفر سنة تسع وكانوا اثنى عشر رجلا منهم حمزة بن النعمان فرحب بهم عليه السلام فأسلموا وبشرهم بفتح الشام وهرب هرقل الى ممتنع من بلاده ثم انصرفوا وقد أجيزوا* وقدم وفد بلى فى ربيع الاوّل سنة تسع فنزلوا على رو يفع بن ثابت البلوى فأسلموا فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذى هداكم للاسلام فكل من مات على غير الاسلام فهو فى النار ثم ودّعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أجازهم* وقدم وفد بنى مرّة وكانوا ثلاثة عشر رجلا ورئيسهم الحارث بن عوف فقال رسول الله كيف البلاد فقالوا والله انا لمسنتون فادع الله لنا فقال عليه السلام اللهمّ اسقهم الغيث ثم أقاموا أياما ورجعوا بالجائزة فوجدوا بلادهم قد أمطرت فى ذلك اليوم الذى دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقدم وفد خولان فى شعبان سنة عشر وكانوا عشرة مسلمين فقال عليه السلام ما فعل صنم خولان الذى كانوا يعبدونه قالوا أبد لنا الله ما جئت به الا أنّ عجوزا وشيخا كبيرا يتمسكان به فان قدمنا عليه هدمناه ان شاء الله تعالى ثم علمهم فرائض الدين وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الامانة وحسن الجوار وأن لا يظلموا أحدا ثم أجازهم ورجعوا الى قومهم وهدموا الصنم* وقدم وفد محارب عام حجة الوداع وكانوا أغلظ العرب وأفظهم عليه أيام عرضه على القبائل يدعوهم الى الله فجاءه منهم عشرة وأسلموا ثم انصرفوا الى أهليهم* وفد صداء وقدم وفد صداء فى سنة ثمان وذلك أنه لما انصرف من الجعرانة بعث قيس بن سعد بن عبادة فى أربعمائة وأمره أن يطأ ناحية من اليمن فيها صداء فقدم رجل منهم علم بالبعث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اردد الجيش فانى لك بقومى فردّ قيسا ورجع الصدائى الى قومه فقدم على رسول الله خمسة عشر رجلا منهم فبايعوه على الاسلام ورجعوا الى قومهم ففشا فيهم الاسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل فى حجة الوداع ذكره الواقدى* وقدم وفد غسان فى شهر رمضان سنة عشر وكانوا ثلاثة نفر فأسلموا وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا راجعين* وفد سلامان وقدم وفد سلامان فى شوّال سنة عشر كما قال الواقدى وكانوا سبعة نفر فيهم حبيب بن عمرو فأسلموا وشكوا اليه جدب بلادهم فدعا لهم ثم ودّعوه وأمر لهم بالجوائز فرجعوا الى بلادهم فوجدوها قد أمطرت فى اليوم الذى دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة* وقدم وفد بنى عبس سنة عشر فقالوا يا رسول الله قدم علينا قرّاؤنا فأخبرونا أنه لا اسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش فان كان لا اسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا فقال عليه السلام اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا* وقدم وفد غامد فى رمضان سنة عشر وكانوا عشرة فأقرّوا بالاسلام وكتب لهم كتابا فيه شرائع الاسلام وأمر أبى بن كعب فعلمهم قرآنا وأجازهم عليه السلام وانصرفوا* وفد الازد وقدم وفد الازد سنة عشر وهم سبعة نفر* وفى المنتقى ورأسهم صرد بن عبد الله الازدى فى بضعة عشر انتهى فأسلم وحسن اسلامه وأمّره على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 أهل الشرك من قبائل اليمن* رؤيا زرارة وقدم وفد المنيفق لقيط بن عامر ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم ابن مالك بن المنيفق* وقدم وفد النخع وهم آخر الوفود قد وما عليه وكان قدومهم فى نصف المحرّم سنة احدى عشرة فى مائتى رجل فنزلوا دار الاضياف ثم جاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرّين بالاسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو يا رسول الله انى رأيت فى سفرى هذا عجبا قال وما رأيت قال رأيت اتانا تركتها كأنها ولدت جديا أسفع أحوى فقال له رسول الله هل تركت مصرة على حمل قال نعم قال فانها قد ولدت غلاما وهو ابنك قال يا رسول الله فما باله أسفع أحوى قال ادن منى فدنا منه فقال هل بك من برص تكتمه قال والذى بعثك بالحق نبيا ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرى قال يا رسول الله ورأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان ومسكتان قال ذلك ملك العرب رجع الى أحسن زيه وبهجته قال يا رسول الله ورأيت عجوز اشمطاء خرجت من الارض قال تلك بقية الدنيا قال ورأيت نارا خرجت من الارض فحالت بينى وبين ابن لى يقال له عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فتنة تكون فى آخر الزمان قال يا رسول الله وما الفتنة قال يقتل الناس امامهم وخالف رسول الله بين أصابعه يحسب المسىء فيها أنه محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء ان مات ابنك أدركت الفتنة وان مت أنت أدركها ابنك فقال يا رسول الله ادع الله أن لا أدركها فقال رسول الله اللهمّ لا يدركها فمات فبقى ابنه فكان ممن خلع عثمان بن عفان انتهى ملخصا من الهدى النبوى نقل سرد الوفود بهذا الترتيب من المواهب اللدنية للشيخ شهاب الدين أحمد القسطلانى* وفى المنتقى زيادة على ما ذكره وهى* وقدم وفد زبيد على رسول الله سنة عشر فيهم عمرو بن معدى كرب فأسلم فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ عمرو ثم عاد الى الاسلام* وفد بجيلة وقدم وفد بجيلة سنة عشر فيهم جرير بن عبد الله البجلى ومعه من قومه مائة وخمسون رجلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم من هذا السفح من خير ذى يمن على وجهه مسحة ملك فطلع جرير على راحلته ومعه قومه فأسلموا وبايعوا قال جرير وبسط رسول الله يده فبايعنى وقال وعلى أن تشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم شهر رمضان وتنصح للمسلمين وتطيع الوالى وان كان عبدا حبشيا فقلت نعم فبايعته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عما وراءه فقال يا رسول الله قد أظهر الله الاسلام والاذان وهدمت القبائل أصنامها التى تعبد قال ما فعل ذو الخلصة قال هو على حاله فبعثه رسول الله الى هدم ذى الخلصة وعقد له لواء فقال انى لا أثبت على الخيل فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فقال اللهمّ اجعله هاديا مهديا فخرج فى قومه وهم زها مائتين فما أطال الغيبة حتى رجع قال رسول الله هدمته قال نعم والذى بعثك بالحق وأحرقته بالنار فتركته كما يسوء أهله فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها وفى البخارى روى عن جرير بن عبد الله البجلى كان فى الجاهلية بيت باليمن لخثعم وبجيلة وفيه نصب تعبد يقال له ذو الخلصة وكان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت مريحى من ذى الخلصة قال فنفرت اليه فى خمسين ومائة فارس من أحمس فكسرناها وأحرقناها وقتلنا من وجدنا عنده فأخبرناه فدعا لنا ولا حمس* وقدم وفد ثعلبة سنة ثمان مرجعه من الجعرانة وهم أربعة نفر* وقدم وفد رهاوين سنة عشر* وقدم وفد بنى تغلب سنة عشر* وقدم وفد الداريين من لخم وهم عشرة فى سنة تسع* وقدم وفد بنى كلاب فى سنة تسع معهم لبيد ابن ربيعة بن حبان بن سلمى وقالوا انّ الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وسنتك ودعانا فاستجبنا له وانه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها فى فقرائنا* وقدم وفد البكائين سنة تسع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 * (الفصل الثانى فى ذكر الخلفاء الراشدين وخلفاء بنى أمية والعباسيين) ** (ذكر أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه) * يقال كان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله كذا فى المواهب اللدنية والمختصر الجامع وغيرهما وقيل اسمه عتيق بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرّة يلتقى هو ورسول الله فى مرّة بن كعب بين كل منهما وبين مرّة ستة أشخاص وأمّه أمّ الخير سلمى بنت صخر بن عامر وهى بنت عمّ أبى قحافة وقيل اسمها ليلى بنت صخر بن عامر قاله محمد ابن سعد كذا فى أسد الغابة أسلمت قديما حين كان المسلمون فى دار الارقم* وفى الكشاف وأنوار التنزيل فى تفسير قوله تعالى رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ الى آخرها قيل نزلت فى أبى بكر وفى أبيه أبى قحافة وأمّه أمّ الخير وفى أولاده واستجابة دعائه فيهم وقيل لم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين والانصار أسلم هو ووالده وبنوه وبناته غير أبى بكر* وفى تسميته بعتيق خمسة أقوال* أحدها ما روى عن عائشة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم نظر اليه فقال هذا عتيق من النار* الثانى لجمال وجهه العتق الجمال قاله الليث بن سعد وقتيبة* الثالث أنه اسم سمته به أمّه قاله موسى بن طلحة بن عبيد الله قال كانت أمّه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهمّ هذا عتيقك من الموت فهبه لى فعاش فسمته عتيقا وكان يعرف به رواه الخجندى فى الاربعينية وغيره* قال الازدى وكانت أمّه اذا هزته قالت عتيق وما عتيق ذو المنظر الانيق رشفت منه ريق كالزرنب الفتيق كذا فى سيرة مغلطاى وقيل كان له أخوان عتق وعتيق فسمى باسم أحدهما ذكره البغوى فى معجمه* الرابع قال مصعب وطائفة من أهل النسب انما سمى عتيقا لانه لم يكن فى نسبه شئ يعاب به* الخامس قال أبو نعيم الفضل بن دكين سمى بذلك لأنه قديم الخير والعتيق القديم كذا فى الرياض النضرة وسماه النبىّ صلى الله عليه وسلم صديقا فقال يكون بعدى اثنتا عشرة خليفة أبو بكر الصدّيق لا يلبث الا قليلا وكان على بن أبى طالب يحلف بالله انّ الله أنزل اسم أبى بكر من السماء الصدّيق كذا فى الصفوة وغيره لتصديقه خبر الاسراء* وفى سيرة مغلطاى لتصديقه النبىّ عليه الصلاة والسلام وقيل انّ الله صدّقه* قال ابن دريد وكان يلقب ذا الخلال لعباءة كان يخللها على صدره* (ذكر صفته) * كان رجلا نحيفا خفيف اللحم أبيض خفيف العارضين معروق الوجه ناتئ الجبهة غائر العينين اجنأ لا يستمسك ازاره يسترخى عن حفّوه عارى الاشاجع يخضب بالحناء والكتم كذا فى الصفوة وغيرها* وعن قيس بن أبى حازم قال قدمت على أبى بكر مع أبى فى مرضه الذى مات فيه فرأيته رجلا أسمر خفيف اللحم خرجه أبو بكر بن مخلد والمشهور ما تقدّم من أنه كان أبيض كذا فى الرياض النضرة* وفى رواية كان آدم طويلا وكان أصغر من النبىّ صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث أسلم وهو ابن سبع وثلاثين أو ثمان وثلاثين وعاش فى الاسلام ستا وعشرين سنة وكانت ولادته بمنى بعد الفيل* قال أبو اسحاق الشيرازى فى طبقاته لم يكن أحد يفتى بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم غيره ومع ما به من العناية أنه تنزه عن شرب المسكر فى الجاهلية والاسلام* قوله معروق الوجه أى قليل اللحم حتى ينبين حجم العظم أجنأ بالجيم والهمزة أى منحنيا وأحنى بالحاء غير مهموز بمعناه الحقو الكشح وقد يسمى الازار حقوا للمجاورة لانه يشدّ على الحقو الاشاجع جمع أشجع كأحمد واصبع وهى أصول الاصابع التى تتصل بعصب ظاهر الكف والكتم بالتحريك نبت كذا فى الرياض النضرة والقاموس* (ذكر خلافته) * فى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى روى أنّ بعض الصحابة قد اجتمعوا يوم وفاة رسول الله فى سقيفة بنى ساعدة قال الانصار للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير فقال لهم أبو بكر منا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 الامراء ومنكم الوزراء واحتج عليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش فاستقرّ رأى الصحابة بعد المشاورة والمراجعة على خلافة أبى بكر وأجمعوا على ذلك وبايعه على ذلك علىّ ولقبه بخليفة رسول الله بعد توقف منه فصارت امامته مجمعا عليها غير مدافع* وفى مورد اللطافة قيل انّ الذين أطلق عليهم اسم الخليفة ثلاثة آدم وداود عليهما السلام بلفظ القرآن وأبو بكر باجماع المسلمين ولم ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على امامة أحد وفوّض أمرها الى الأمّة وقوله عليه السلام اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر ليس نصا عليهما وقوله عليه السلام لعلىّ أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبىّ بعدى لا يدل على كونه خليفة له بعد وفاته بل المراد به أنه خليفة له حين غيبته فى غزوة تبوك كما كان هارون خليفة لموسى حين غيبته عن قومه* وفى الصفوة والرياض النضرة ذكر الواقدى عن أشياخه أنّ أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل سنة احدى عشرة من مهاجره عليه السلام* وفى التذنيب للرّافعى تولى الخلافة اليوم الثانى من وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من أوّل سنة احدى عشرة من الهجرة* وفى الرياض النضرة قال ابن قتيبة بويع أبو بكر بالخلافة يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سقيفة بنى ساعدة وبويع بيعة العامّة على المنبر يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى مدّة خلافته سنتان وأربعة أشهر وقيل سنتان وثلاثة أشهر وسبعة أو ستة أيام وقيل عشرة أيام* وفى سيرة مغلطاى ولى الخلافة سنتين ونصفا وقيل أربعة أشهر الا عشرة أيام وقيل الا أربعة أيام وقيل غير ذلك وبعث عمر بالحج فحج بالناس سنة احدى عشرة وحج بالناس أبو بكر سنة ثنتى عشرة كذا فى الرياض النضرة* وفى البحر العميق عن الواقدى عن أشياخه أنّ أبا بكر استعمل عمر على الحج سنة احدى عشرة فحج بالناس ثم اعتمر أبو بكر فى رجب سنة ثنتى عشرة ثم حج فيها بالناس واستخلف على المدينة عثمان* وفى الرياض النضرة ذكر صاحب الصفوة أنه اعتمر فى رجب سنة ثنتى عشرة فدخل مكة ضحوة وأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره ومعه فتيان يحدّثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها فجعل يقول يا أبت لا تقم ثم التزمه وقبل بين عينى أبى قحافة وجعل أبو قحافة يبكى فرحا بقدومه وجاء أهل مكة عتاب ابن أسيد وسهيل بن عمرو وعقبة وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه سلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكى حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبى قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم* الملأ الجماعة ويطلق على أشراف القوم لانهم يملأون القلب والعين فقال أبو بكر يا أبت لا حول ولا قوّة الا بالله طوّقت عظيما من الامر لا قوّة لى به ولا يدان الا بالله وقال هل أحد يشتكى ظلامته فما أتاه أحد وأثنى الناس على واليهم وكان حاجبه سديدا مولاه وكاتبه عثمان بن عفان وعبد الله بن الارقم قاله ابن عباس* وفى رواية وكان قاضيه عمر بن الخطاب وكاتبه عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وحاجبه سديدا مولاه وصاحب شرطته أبا عبيدة ابن الجرّاح وهو أوّل من اتخذ الحاجب وصاحب الشرطة فى الاسلام وكان فى يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق نقشه محمد رسول الله وكان بعد فى يد عمر ثم كان فى يد عثمان حتى وقع من معيقيب فى بئر أريس وفى مدّة خلافته اليسيرة فتح فتوحات كثيرة فأوّل ما بدأ به بعد خلافته أنه نفذ جيش أسامة وأمره بالانتهاء الى ما أمر به رسول الله وشيعه ماشيا وأسامة راكب لانه أقسم عليه أن لا ينزل وسأله أن يأذن لعمر فى الرجوع معه فأذن له فى ذلك ومضى أسامة وبث الخيل فى قبائل قضاعة وعاد سالما وكان فراغه فى أربعين يوما وفتح أبو بكر اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب وقاتل جموع أهل الردّة الى أن رجعوا الى دين الله وفتح أطراف العراق وبعض الشام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 * (ذكر بدء الردّة بعد وفاة رسول الله وما كان من تأييد الله لخليفة رسول الله فيها) * فى الاكتفاء قال ابن اسحاق ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين وكانت عائشة فيما بلغنى تقول لما توفى رسول الله ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية وعم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة فى الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبى بكر فلقد نزل بأبى ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها* قوله اشرأب اليه مدعينيه لينظر اليه وارتفع كذا فى القاموس قدور راسية لا تبرح مكانها لعظمها هاض العظم يهيضه كسره بعد الجبور* وذكر ابن هشام عن أبى عبيدة وغيره من أهل العلم ان أكثر أهل مكة لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى فقام سهيل بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله وقال ان ذلك لم يزد الاسلام الا قوّة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا فظهر عتاب بن أسيد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سهيل بن عمرو لعمر بن الخطاب وقد قال له انزع ثنيتى سهيل بن عمرو بلدغ لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انه عسى ان يقوم مقاما لا تذمه فكان هذا المقام المتقدّم هو الذى أراده رسول الله عليه السلام* وفى سيرة مغلطاى ارتدت فى أيامه العرب فأرسل اليهم الجيوش فأبادوا من استمر منهم على كفره وأرسل خالدا الى العراق وعمرو بن العاص الى فلسطين ويزيد بن أبى سفيان وأبا عبيدة وشرحبيل بن حسنة الى الشأم وتوفى أبو بكر مسموما واستخلف عمر* وفى معالم التنزيل لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر خبر وفاته ارتد عامّة العرب الا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس ومنع بعضهم الزكاة وهمّ أبو بكر بقتالهم فكره ذلك أصحاب رسول الله وقال عمر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم قال له أبو بكر أليس قد قال الا بحقها ومن حقها اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والله لو منعونى عقالا* وفى رواية عناقا كانوا يؤدّونه الى رسول الله لقاتلتهم على منعه ولو خذلنى الناس كلهم لجاهدتهم بنفسى فقال عمر بن الخطاب فو الله ما هو الا ان رأيت انّ الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت انه الحق قال عمر بن الخطاب والله لقد رجح ايمان أبى بكر بايمان هذه الامّة جميعا فى قتال أهل الردّة* قال أبو بكر بن العياش سمعت أبا حصين يقول ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبى بكر لقد قام مقام نبى من الانبياء فى قتال أهل الردّة* وقال أنس بن مالك كرهت الصحابة قتال مانعى الزكاة وقالوا أهل القبلة فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره وهذا دليل على شجاعة أبى بكر* وقال ابن مسعود كرهنا ذلك فى الابتداء ثم حمدنا عليه فى الانتهاء* وذكر يعقوب ابن محمد الزهرى ان العرب افترقت فى ردّتها فقالت فرقة لو كان نبيا ما مات وقال بعضهم انقضت النبوّة بموته فلا نطيع أحدا بعده* وقال بعضهم نؤمن بالله وقال بعضهم نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ونصلى ولكن لا نعطيكم أموالنا فأبى أبو بكر الا قتالهم وجادل أبو بكر أصحابه فى جهادهم وكان من أشدّهم عليه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبى حذيفة وقالوا له احبس جيش أسامة بن زيد فيكون عمارة وأمانا بالمدينة وارفق بالعرب حتى ينفرج هذا الامر فان هذا الامر شديد غوره ومهلكة من غير وجه فلو ان طائفة من العرب ارتدت قلنا قاتل بمن معك ممن ثبت من ارتد وقد أصفقت العرب على الارتداد فهم بين مرتد ومانع صدقة فهو مثل المرتد وبين واقف ينظر ما تصنع أنت وعدوّك قد قدّم رجلا وأخر رجلا وفى المشكاة قال عمر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فقال لى أجبار فى الجاهلية وخوار فى الاسلام قد انقطع الوحى وتم الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 أينقص وأنا حى رواه رزين فى كتاب الواقدى من قول عمر لابى بكر وانما شحت العرب على أموالها وأنت لا تصنع بتفريق العرب عنك شيئا فلو تركت للناس صدقة هذه السنة* وقدم على أبى بكر عبينة بن حصن والاقرع بن حابس فى رجال من أشراف العرب فدخلوا على رجال من المهاجرين فقالوا انه قد ارتدّ عامّة من وراءنا عن الاسلام وليس فى أنفسهم ان يؤدّوا اليكم من أموالهم ما كانوا يؤدّون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان تجعلوا لنا جعلا نرجع فنكفيكم من وراءنا فدخل المهاجرون والانصار على أبى بكر فعرضوا عليه الذى عرضوا عليهم وقالوا نرى ان تطعم الاقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ويكفيانك من وراءهما حتى يرجع اليك أسامة وجيشه ويشتدّ أمرك فانا اليوم قليل فى كثير ولا طاقة لنا بقتال العرب* قال أبو بكر هل ترون غير ذلك قالوا لا قال أبو بكر انكم قد علمتم انه كان من عهد رسول الله اليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم وانّ الله لن يجمعكم على ضلالة وانى سأشير عليكم وانما أنا رجل منكم تنظرون فيما اشرته عليكم وفيما أشرتم به فتجتمعون على أرشد ذلك فانّ الله يوفقكم أما انا فأرى ان نشد الى عدوّنا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وان لا ترشوا على الاسلام أحدا وان تتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فنجاهد عدوّه كما جاهدهم والله لو منعونى عقالا لرأيت ان أجاهدهم عليه حتى آخذه من اهله وأدفعه الى مستحقه فأتمروا يرشدكم الله فهذا رأيى فقالوا لابى بكر لما سمعوا رأيه أنت أفضلنا رأيا ورأينا لرأيك تبع فأمر أبو بكر الناس بالتجهيز وأجمع على المسير بنفسه لقتال أهل الردّة وكانت أسد وغطفان من أهل الضاحية قد ارتدّت ولم ترتدّ عبس ولا بعض أشجع وارتدّت عامّة بنى تميم وطوائف من بنى سليم وعصية وعميرة وخفاف وبنو عوف بن امرئ القيس وذكوان وبنو حارثة وارتدّ أهل اليمامة كلهم وأهل البحرين وبكر بن وائل وأهل دباء من أزد عمان والنمر بن قاسط وكليب ومن قاربهم من قضاعة وعامّة بنى عامر بن صعصعة وفيهم علقمة بن علاثة وقيل انها تربصت مع قادتها وسادتها ينظرون لمن تكون الدبرة وقدّموا رجلا وأخروا أخرى وارتدّت فزارة وجمعها عيينة بن حصن وتمسك بالاسلام ما بين المسجدين وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وكعب وثقيف قام فيهم عثمان بن أبى العاص من بنى مالك وقام فى الاحلاف رجل منهم فقال يا معشر ثقيف نشدتكم الله أن تكونوا أوّل العرب ارتدادا وآخرهم اسلاما وأقامت طئ كلها على الاسلام وهذيل وأهل السراة وبجيلة وخثعم ومن قارب تهامة من هوازن نصر وجشم وسعد بن بكر وعبد القيس قام فيهم الجلرود فثبتوا على الاسلام وارتدّت كندة وحضرموت وعنس وقال أبو هريرة لم يرجع واحد من دوس ولا من أهل السراة كلها وقال أبو مرزوق التجيبى لم يرجع رجل واحد منا من تجيب وهمدان ولا من الابناء بصنعاء ولقد جاء الابناء وفاة رسول الله فشق نساؤهم الجيوب وضربن الخدود وفيهم المرزبانة فشقت درعها من بين يديها ومن خلفها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدر من الحج سنة عشر وقدم المدينة أقام حتى رأى هلال المحرم سنة احدى عشرة وبعث المصدّقين فى العرب فبعث على عجز هوازن عكرمة بن أبى جهل وبعث حامية بن سبيع الاسدى على صدقات قومه وعلى بنى كلاب الضحاك بن أبى سفيان وعلى أسد وطىء عدى بن حاتم وعلى بنى يربوع مالك بن نويرة وعلى بنى دارم وقبائل من حنظلة الاقرع بن حابس وبعث الزبرقان بن بدر على صدقات قومه وقيس بن عاصم المنقرى على صدقة قومه فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فمنهم من رجع ومنهم من أدّى الى ابى بكر وكان الذين حبسوا صدقات قومهم وفرّقوها بين قومهم مالك بن نويرة وقيس بن عاصم والاقرع بن حابس التميمى وأما بنو كلاب فتربصوا ولم يمنعوا منعا بينا ولم يعطوا كانوا بين ذلك وكان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على فزارة نوفل بن معاوية الديلمى فلقيه خارجة بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى بالشربة فقال اما ترضى ان تغنم نفسك فرجع نوفل بن معاوية هاربا حتى قدم على أبى بكر الصديق بسوطه وقد كان جمع فرائض فأخذها منه خارجة فردها على أربابها وكذلك فعلت سليم بعرباض بن سارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على صدقاتهم فلما بلغتهم وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم أبوا أن يعطوه شيئا وأخذوا منه ما كان جمع فانصرف من عندهم بسوطه وأما أسلم وغفار ومزينة وجهينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث اليهم كعب بن مالك الانصارى فسلموا اليه صدقاتهم لما بلغتهم وفاته وتأدّت الى أبى بكر فاستعان بها على قتال أهل الردّة وكذلك فعل بنو كعب مع أمير صدقاتهم بشر بن سفيان الكعبى وأشجع مع مسعود ابن رخيلة الاشجعى فقدم بذلك كله على أبى بكر وكان عدى بن حاتم قد حبس ابل الصدقة يريد أن يبعث بها الى أبى بكر اذا وجد فرصة والزبرقان بن بدر مثل ذلك فجعل قومهما يكلمونهما فيأبيان وكانا أحرم رأيا وأفضل فى الاسلام رغبة ممن كان فرّق الصدقة فى قومه فقالا لقومهما لا تعجلوا فانه ان قام بهذا الامر قائم ألفاكم لم تفرّقوا الصدقة وان كان الذى تظنون فلعمرى انّ اموالكم لبأيديكم فلا يغلبنكم عليها احد فسكنوهم حتى أتاهم خبر القوم فلما اجتمع الناس على أبى بكر جاءهم أنه قد قطع البعوث وسار بعث اسامة بن زيد الى الشأم وابو بكر يحرج اليهم وكان عدى بن حاتم يأمر ابنه ان يسرح مع نعم الصدقة فاذا كان المساء روّحها وانه جاء بها ليلة عشاء فضربه وقال ألا عجلت بها ثم راح بها الليلة الثانية فوق ذلك قليلا فجعل يضربه وجعلوا يكلمونه فيه فلما كان اليوم الثالث قال يا بنى اذا سرحتها فصح فى أذنابها وأمّ بها المدينة فان لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا فلما ان جاء الوقت الذى كان يروح فيه لم يأت الغلام فجعل أبوه يتوقعه ويقول لاصحابه العجب لحبس ابنى فيقول بعضهم نخرج يا أبا طريف فنتبعه فيقول لا والله فلما أصبح تهيأ ليغدو فقال قومه نغد ومعك فقال لا يغد ومعى منكم أحد انكم ان رأيتموه حلتم بينى وبين ضربه وقد عصى امرى كما ترون فخرج على بعير له سراعا حتى لحق ابنه ثم حدر النعم الى المدينة فلما كان ببطن قناة لقيه خيل لابى بكر عليها ابن مسعود وقيل محمد بن مسلمة وهو أثبت عندنا فلما نظروا اليه ابتدروه وما كان معه وقالوا له أين الفوارس الذين كانوا معك قال ما معى أحد قالوا بلى لقد كان معك فوارس فلما رأونا تغيبوا فقال ابن مسعود خلوا عنه فما كذب ولا كذبتم جنود الله معه ولم يرهم فقدم على أبى بكر بثلثمائة بعير وكانت أوّل صدقة قدم بها على أبى بكر* وذكر بعض من ألف فى الردّة انّ الزبرقان بن بدر هو الذى فعل هذا الفعل المنسوب فى هذا الحديث الى عدى بن حاتم فاما ان يكونا فعلاه معا توفيقا من الله لهما وامّا ان يكون هذا مما يعرض فى النقل من الاختلاف* وذكر ابن اسحاق ان عدى بن حاتم كانت عنده ابل عظيمة اجتمعت له من صدقات قومه عند ما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ارتدّ من ارتدّ من الناس وارتجعوا صدقاتهم وارتدّ بنو أسد وهم جيرانه اجتمعت طى الى عدى بن حاتم فقالوا ان هذا الرجل قد مات وقد انتقض الناس بعده وقبض كل قوم ما كان فيهم من صدقاتهم فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس فقال ألم تعطوا من أنفسكم العهد والميثاق على الوفاء طائعين غير مكرهين قالوا بلى ولكن قد حدث ما ترى وقد ترى ما صنع الناس* قال والذى نفس عدى بيده لا أحبس بها أبدا ولو كنت جعلتها لرجل من المدلج لوفيت له بها فان أبيتم لا قاتلنكم يعنى على ما فى يديه وما فى أيديهم فيكون أوّل قتيل يقتل على وفاء ذمّته عدى بن حاتم أو يسلمها فلا تطمعوا ان يسب حاتما فى قبره ابنه عدى من بعده فلا يدعونكم غدر غادر الى ان تغدروا فان للشيطان قادة عند موت كل نبى يستخف بها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 أهل الجهل حتى يحملهم على قلائص الفتنة وانما هى عجاجة لاثبات لها ولاثبات فيها ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة من بعده يلى هذا الامر وان لدين الله أقواما سينهضون ويقومون به بعد رسول الله كما قاموا بعهده ولئن فعلتم لينازعنكم على أموالكم ونسائكم بعد قتل عدى وغدركم فأىّ قوم أنتم عند ذلك فلما رأوا منه الجدّ كفوا عنه وسلموا له* ويروى ان مما قال له قومه أمسك ما فى يديك فانك ان تفعل تسد الحليفين يعنون طيا وأسدا فقال ما كنت لا فعل حتى أدفعها الى أبى بكر فجاء بها حتى دفعها اليه فلما كان زمن عمر بن الخطاب رأى من عمر جفوة فقال له عدى ما أراك تعرفنى قال عمر بلى والله يعرفك من فى السماء أعرفك والله أسلمت اذ كفروا ووفيت اذ غدروا وأقبلت اذ أدبروا بلى وهايم الله أعرفك وفى القاموس هيم الله وقدم أيضا الزبرقان بن بدر بصدقات قومه على أبى بكر فلم يزل لعدى والزبرقان بذلك شرف وفضل على من سواهما وأعطى أبو بكر عديا ثلاثين بعيرا من ابل الصدقة وذلك ان عديا لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرانيا فأسلم وأراد الرجوع الى بلاده أرسل اليه رسول الله يعتذر من الزاد ويقول والله ما أصبح عند آل محمد سفة من الطعام لكن ترجع ويكون خيرا فلذلك أعطاه ابو بكر تلك الفرائض ولما كان من العرب ما كان من التوائهم عن الدين ومنع من منع منهم الصدقة جدّ بأبى بكر الجدّ فى قتالهم وأراه الله رشده فيهم وعزم على الخروج بنفسه اليهم وأمر الناس بالجهاد وخرج هو فى مائة من المهاجرين وقيل فى مائة من المهاجرين والانصار وخالد بن الوليد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء وهو ذو القصة يريد أبو بكر أن يتلاحق الناس من خلفه ويكون أسرع لخروجهم ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم فانتهى الى بقعاء عند غروب الشمس فصلى يها المغرب وأمر بنار عظيمة فأوقدت وأقبل خارجة بن حصن بن حذيفة ابن بدر وكان ممن ارتدّ فى خيل من قومه الى المدينة يريد أن يخذل الناس عن الخروج أو يصيب غرّة فيغير قأغار على أبى بكر ومن معه وهم غافلون فاقتتلوا شيئا من قتال وتحيز المسلمون ولاذ أبو بكر بشجرة وكره أن يعرف فأوفى طلحة بن عبيد الله على شرف فصاح بأعلى صوته لا بأس هذه الخيل قد جاءتكم فتراجع الناس وجاءت الامداد وتلاحق المسلمون فانكشف خارجة بن حصن وأصحابه وتبعه طلحة ابن عبيد الله فيمن خف معه فلحقوه فى أسفل ثنايا عوسجة وهو هارب لا يألو فيدرك اخريات أصحابه فحمل طلحة على رجل بالرمح فدق ظهره ووقع ميتا وهرب من بقى ورجع طلحة الى أبى بكر فأخبره ان قدولوا منهزمين هاربين وأقام أبو بكر ببقعاء أياما ينتظر الناس وبعث الى من كان حوله من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد؟؟؟ الردّة والحفوف اليهم فتحلب الناس اليه من هذه النواحى حتى شحنت منهم المدينة* قال سبرة الجهنى قدمنا معشر جهينة أربعمائة معنا الظهر والخيل وساق عمرو بن مرّة الجهنى مائه بعير عونا للمسلمين فوزعها أبو بكر فى الناس وجعل عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب يكلمان أبا بكر فى الرجوع الى المدينة لما رأيا عزمه على المسير بنفسه وقد توافى المسلمون وحشدوا فلم يبق أحد من أصحاب رسول الله من المهاجرين والانصار من أهل بدر الآخرج* وقال عمر ارجع يا خليفة رسول الله تكن للمسلمين فئة وردئا فانك ان تقتل يرتدّ الناس ويعلو الباطل على الحق وابو بكر مظهر المسير بنفسه وسألهم بمن نبدأ من أهل الردّة فاختلفوا عليه فقال ابو بكر نعمد لهذا الكذاب على الله وعلى كتابه طليحة ولما ألحوا على ابى بكر فى الرجوع وعزم هو عليه أراد أن يستخلف على الناس فدعا زيد بن الخطاب لذلك فقال يا خليفة رسول الله كنت ارجو أن ارزق الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أرزقها وانا ارجو أن ارزقها فى هذا الوجه وانّ امير الجيش لا ينبغى ان يباشر القتال بنفسه فدعا ابا حذيفة بن عتبة بن ربيعة فعرض عليه ذلك فقال مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 ما قال زيد فدعا سالما مولى ابى حذيفة ليستعمله فأبى عليه فدعا ابو بكر خالد بن الوليد فامره على الناس وقال لهم وقد توافى المسلمون قبله وبعث مقدّمته أمام الجيش أيها الناس سيروا على اسم الله وبركته فأميركم خالد بن الوليد الى ان ألقاكم فانى خارج فيمن معى الى ناحية خيبر حتى ألاقيكم* ويروى أنه قال للجيش سيروا فان لقيتكم بعد غد فالامر الىّ وانا أميركم والا فخالد بن الوليد عليكم فاسمعوا له وأطيعوا وانما قال ذلك أبو بكر لان تذهب كلمته فى الناس وتهاب العرب خروجه* ثم خلا بخالد ابن الوليد فقال يا خالد عليك بتقوى الله وايثاره على من سواه والجهاد فى سبيله فقد وليتك على من ترى من أهل بدر من المهاجرين والانصار فسار خالد ورجع أبو بكر وعمر وعلىّ وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص فى نفر من المهاجرين والانصار من أهل بدر الى المدينة* وفى الصفوة لما خرج أبو بكر الى أهل الردّة كان خالد بن الوليد يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالد او رجع الى المدينة* (ذكر وصية أبى بكر الصديق خالد بن الوليد حين بعثه فى هذا الوجه) * قال حنظلة الاسلمى بعث أبو بكر خالد بن الوليد الى أهل الردّة وأمره أن يقاتلهم على خمس خصال فمن ترك واحدة من الخمس قاتله شهادة أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت وأمره بأن يمضى بمن معه من المسلمين حتى يقدم اليمامة فيبدأ ببنى حنيفة ومسيلمتهم الكذاب فيدعوهم ويدعوه الى الاسلام وينصح لهم فى الدين ويحرص على هداهم فان أجابوا الى ما دعاهم اليه من رعاية الاسلام قبل منهم وكتب بذلك الىّ وأقام بين أظهرهم حتى يأتيه أمرى وان هم لم يجيبوا ولم يرجعوا عن كفرهم واتباع كذابهم على كذبه على الله عز وجل قاتلهم أشدّ القتال بنفسه وبمن معه فان الله ناصر دينه ومظهره على الدين كله كما قضى فى كتابه ولو كره الكافرون فان أظهره الله عليهم ان شاء الله تعالى وأمكنه منهم فليقتلهم بالسلاح وليحرقهم بالنار ولا يستبق منهم أحدا قدر على أن يستبقيه وليقسم أموالهم وما أفاء الله عليه وعلى المسلمين الا خمسه فليرسل به الىّ أضعه حيث أمر الله به أن يوضع ان شاء الله تعالى* وعن عروة بن الزبير قال جعل أبو بكر يوصى خالد بن الوليد ويقول يا خالد عليك بتقوى الله والرفق بمن معك من رعيتك فان معك أصحاب رسول الله أهل السابقة من المهاجرين والانصار فشاورهم فيما نزل بك ثم لا تخالفهم وقدّم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل وسر فى أصحابك على تعبية جيدة فاذا لقيت اسدا وغطفان فبعضهم لك وبعضهم عليك وبعضهم لا عليك ولا لك متربص دائرة السوء ينظر لمن تكون الدبرة فيميل مع من تكون له الغلبة ولكن الخوف عندى من أهل اليمامة فاستعن بالله على قتالهم فانه بلغنى أنهم رجعوا باسرهم فان كفاك الله الضاحية فامض الى أهل اليمامة سر على بركة الله* (ذكر مسير خالد الى بزاخة وغيرها) * قالوا وسار خالد بن الوليد ومعه عدى بن حاتم وقد انضم اليه من طىء ألف رجل فنزل بزاخة وكانت جديلة معرضة عن الاسلام وهى بطن من طىّ وكان عدى بن حاتم من الغوث وقد همت جديلة أن ترتد فجاءهم مكيث بن زيد الخيل الطائى فقال أتريدون أن تكونوا سبة على قومكم لم يرجع رجل واحد من طىّ وهذا أبو طريف عدى بن حاتم معه ألف رجل من طىّ فكسرهم فلما نزل خالد ابن الوليد قال لعدى يا أبا طريف الا نسير الى جديلة فقال يا أبا سليمان لا تفعل أقاتل معك بيدين أحب اليك أم بيد واحدة فقال خالد بل بيدين قال عدى فان جديلة احدى يدىّ فكف خالد عنهم فحاءهم عدى فدعاهم الى الاسلام فأسلموا فحمد الله وساربهم الى خالد فلما رآهم خالد فزع منهم وظنّ أنهم أتوا للقتال فصاح فى أصحابه السلاح فقيل له انما هى جديلة أتت تقاتل معك فلما جاؤا حلوا ناحية وجاءهم خالد فرحب بهم وفرح بهم واعتذروا اليه من اعتزالهم وقالوا نحن لك حيث أحببت فجزاهم خيرا فلم يرتد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 من طىّ رجل واحد فسار خالد على تعبيته وطلب اليه عدى أن يجعل قومه مقدّمة أصحابه فقال يا أبا طريف انّ الامر قد اقترب وأنا أخاف ان أقدّم قومك فاذا لحمهم القتال انكشفوا فانكشف من معنا ولكن دعنى أقدّم قوما صبرا لهم سوابق وثبات وهم من قومك* قال عدى الرأى ما رأيت فقدم المهاجرين والانصار ولم يزل خالد يقدم طليعة منذ خرج من بقعاء حتى قدم اليمامة وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا به عند مواقيت الصلاة بالاذان لها فيكون ذلك أمانا لهم ودليلا على اسلامهم وانتهى خالد والمسلمون الى طليحة وقد ضربت لطليحة قبة من أدم واصحابه حوله معسكرون فانتهى خالد ممسيا فضرب عسكره على ميل أو نحوه من عسكر طليحة وخرج يسير على فرس معه نفر من أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فوقف من عسكر طليحة غير بعيد ثم قال يخرج اليه طليحة فقال أصحابه لا تصغروا اسم نبينا وهو طلحة فخرج طلحة فوقف فقال خالد انّ من عهد خليفتنا الينا أن ندعوك الى الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأن تعود الى ما خرجت منه فنقبل منك ونغمد سيوفنا عنك فقال يا خالد أنا أشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله وانى نبىّ مرسل يأتينى ذو النون كما كان جبريل يأتى محمدا وقد كان ادّعى هذا فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لقد ذكر ملكا عظيما فى السماء يقال له ذو النون وكان عيينة بن حصن قد قال له لا ابا لك فهل أنت مرينا بعض نبوّتك فقد رأيت ورأينا ما كان يأتى محمدا قال نعم فبعث عيونا له حيث سار خالد بن الوليد من المدينة مقبلا اليهم قبل أن يسمع بذكر خالد وقال ان بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بنى نضر بن قعين أتوكم من القوم بعين فهيؤا فارسين فبعثوهما فخرجا يركضان فلقيا عينا لخالد بن الوليد فقالا ما وراءك فقال هذا خالد بن الوليد فى المسلمين قد أقبلوا فأتوا به اليه فزادهم فتنة وقال ألم أقل لكم فلما أبى طليحة على خالد أن يقرّ بما دعاه اليه انصرف الى معسكره فاستعمل تلك الليلة على حرسه مكيث بن زيد الخيل وعدىّ بن حاتم وكان لهما صدق نية ودين فباتا يحرسان فى جماعة من المسلمين* فلما كان فى السحر نهض خالد فعبى أصحابه ووضع ألويته مواضعها ودفع اللواء الاعظم الى زيد بن الخطاب فتقدّم بها وتقدّم ثابت بن قيس ابن شماس بلواء الانصار وطلبت طىّ لواء يعقد لها فعقد خالد لواء ودفعه الى عدىّ بن حاتم فلما سمع طليحة حركة القوم عبى أصحابه وجعل خالد يسوّى الصفوف على رجليه وطليحة يسوّى أصحابه على راحلته حتى اذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتى دنا من طليحة فلما انتهى اليه خرج اليه طليحة بأربعين غلاما جلدا من جنوده مردا فأقامهم فى الميمنة فقال اضربوا حتى تأتوا الميسرة فتضعضع الناس ولم يقتل أحد منهم ثم أقامهم فى الميسرة ففعلوا مثل ذلك وانهزم المسلمون فقال رجل من هوازن حضرهم يومئذ انّ خالدا لما كان ذلك قال يا معشر الانصار الله الله واقتحم وسط القوم وكرّ علينا أصحابه فاختلطت الصفوف واختلفت السيوف بينهم وضرس خالد فى القتال فجعل يقحم فرسه ويقولون له الله الله فانك أمير القوم ولا ينبغى لك أن تقدم فيقول والله انى لا عرف ما تقولون ولكنى والله ما رأيتنى أصبر وأخاف هزيمة المسلمين* وفيما ذكر الكلبى عن بعض الطائيين أنه نادى يومئذ مناد من طىّ يعنى عند ما حمل أولئك الاربعون غلاما على المسلمين يا خالد عليك سلمى وأجأ فقال بل الى الله الملجأ قال ثم حمل فو الله ما رجع حتى لم يبق من اولئك الاربعين رجل واحد وقاتل خالد يومئذ بسيفين حتى قطعهما وترادّ الناس بعد الهزيمة واشتدّ القتال وأسر حبال بن أبى حبال فأرادوا أن يبعثوا به الى أبى بكر فقال اضربوا عنقى ولا ترونى محمديكم هذا فضربوا عنقه* وذكر الواقدى عن ابن عمر قال نظرت الى راية طليحة يومئذ حمراء يحملها رجل منهم لا يزول بها فترا فنظرت الى خالد أتاه فحمل عليه فقتله فكانت هزيمتهم فنظرت الى الراية تطؤها الخيل والابل والرجال حتى تقطعت ولقد رأيته يوم طليحة يباشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 الحرب بنفسه حتى ليم فى ذلك ولقد رأيته يوم اليمامة يقاتل أشدّ القتال ان كان مكانه ليتقى حتى يطلع الينا منبهرا ولما تراجع المسلمون وضرس القتال تزمل طليحة بكساء له ينتظر بزعمه أن ينزل عليه الوحى فلما طال ذلك على أصحابه وهدّتهم الحرب جعل عيينة بن حصن يقاتل ويذمر الناس* قال ابن اسحاق قاتل عيينة يومئذ فى سبعمائة من فزارة قتالا شديدا حتى اذا ألح المسلمون عليهم بالسيف وقد صبروا لهم أتى طليحة وهو ملتثم فى كسائه فقال لا ابا لك هل أتاك جبريل بعد ذلك قال يقول طليحة وهو تحت الكساء لا والله ما جاء بعد فقال عيينة تبالك سائر اليوم ثم رجع عيينة فقاتل وجعل يحض أصحابه وقد ضجوا من وضع السيوف* فلما طال ذلك على عيينة جاء طليحة وهو مستلق متشح بكسائه فجبذه جبذة جلس منها وقال له قبح الله هذه من نبوّة ما قيل لك بعد شئ فقال طليحة قد قيل لى ان لك رحا كرحاه وأمرا لن تنساه فقال عيينة أظن قد علم الله أن سيكون لك أمر لن تنساه يا فزارة هكذا وأشار لها تحت الشمس هذا والله كذاب ما بورك له ولا لنا فيما يطالب فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه فى آثارها فأدرك عيينة فأسرو أفلت أخوه ويقال أسر عيينة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائى فأراد خالد قتله حتى كلمه فيه رجل من بنى مخزوم وترك قتله* ولما رأى طليحة أنّ الناس يؤسرون ويقتلون خرج منهزما وأسلمه الشيطان فاعجزهم هو وأخوه فجعل أصحابه يقولون له ماذا ترى وقد كان أعدّ فرسه وهيأ امرأته النوار فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه فنجابها وقال من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت فليفعل ولينج بأهله ثم هرب حتى قدم الشأم وأقام عند بنى جفنة الغسانيين وفى كتاب ابى يعقوب الزهرى انّ طليحة قال لاصحابه لما رأى انهزامهم ويلكم ما يهزمكم فقال له رجل منهم أنا أخبركم أنه ليس منا رجل الا وهو يحب أنّ صاحبه يموت قبله وانا نلقى أقواما كلهم يحب ان يموت قبل صاحبه* وذكر ابن اسحاق أنّ طليحة لما ولى هاربا تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم وقد كان طليحة أعطى الله عهدا أن لا يسأله أحد النزول الا فعل فلما أدبرنا داه عكاشة يا طليحة فعطف عليه فقتل عكاشة ثم أدركه ثابت فقتله ايضا طليحة ثم لحق بالشأم وقد قيل فى قتلهما غير هذا وهو ما ذكره الواقدى عن عميلة الفزارى وكان عالما بردّتهم انّ خالد بن الوليد لما دنا من القوم بعث عكاشة وثابتا طليعة أمامه وكانا فارسين فلقيا طليحة واخاه مسلمة ابنى خويلد طليعة لمن وراءهما من الناس وخلفوا عسكرهم من ورائهم فلما التقوا انفرد طليحة بعكاشة ومسلمة بثابت فلم يلبث مسلمة ان قتل ثابتا وصرخ طليحة بمسلمة أعنى على الرجل فانه قاتلى فكرّ معه على عكاشة فقاتلاه ثم كرّا راجعين الى من وراءهما وأقبل خالد معه المسلمون فلم يرعهم الا ثابت بن أقرم قتيلا تطؤه المطىّ فعظم ذلك على المسلمين ثم لم يسيروا الا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا فثقل القوم على المطىّ كما وصف واصفهم حتى ما تكاد المطىّ ترفع أخفافها وفى كتاب الزهرى ثم لحقوا أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا ولا يسخنن ماء الا أثفيته رأس رجل وأمر خالد بالحظائر أن تبنى ثم أوقد فيها النار ثم أمر بالاسرى فألقيت فيها وألقى يومئذ حامية بن سبيع بن الخشخاش الاسدى وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه فارتدّ عن الاسلام وأخذت أم طليحة أحد نساء بنى اسد فعرص عليها الاسلام فأبت ووثبت فاقتحمت النار وهى تقول يا موت عم صباحا ... كافحته كفاحا اذ لم أجد براحا وذكر الواقدى عن يعقوب بن يزيد بن طلحة أنّ خالدا جمع الاسارى فى الحظائر ثم أصرمها عليهم فاحترقوا وهم أحياء ولم يحرق أحد من بنى فزارة فقلت لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بين أهل الردّة فقال بلغت عنهم مقالة سيئة شتموا النبى صلى الله عليه وسلم وثبتوا على ردّتهم* وذكر غير يعقوب أنّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 خالدا أمر بالاخدود تحفر فقيل له ماذا تريد بهذه الاخدود قال أحرقهم بالنار فكلم فى ذلك فقال هذا عهد أبى بكر الصدّيق الىّ اقرؤه فى كل مجمع ان أظفرك الله بهم فأحرقهم بالنار وعن عبد الله بن عمر قال شهدت بزاخة فأظفرنا الله على طليحة وكنا كلما أعزنا الله على القوم سبينا الذرارى وقسمنا أموالهم ولما انفلت طليحة مضى على وجهه هاربا نحو الشأم فأقام بها الى أن توفى أبو بكر وعاد القبائل الى الاسلام ثم أسلم وحسن اسلامه وحج فى خلافة عمر وله آثار جميلة فى قتال الفرس بالقادسية فى العراق فى زمن عمر بن الخطاب وكتب عمر الى النعمان بن المقرن أن استعن فى حربك بطليحة وعمرو بن معدى كرب واستشهد طليحة فى حرب نهاوند* (ذكر رجوع بنى عامر وغيرهم الى الاسلام) * ولما أوقع الله ببنى أسد وفرارة ما أوقع ببزاخة بث خالد بن الوليد السرايا ليصيبوا ما قدروا عليه ممن هو على ردّته وجعلت العرب تسير الى خالد راغبة فى الاسلام أو خائفة من السيف فمنهم من أصابته السرية فيقول جئت راغبا فى الاسلام وقد رجعت الى ما خرجت منه ومنهم من يقول ما رجعنا ولكن منعنا أموالنا وشححنا عليها فقد سلمناها فليأخذ منها حقه ومنهم من لم تظفر به السرايا فانتهى الى خالد مقرّا بالاسلام ومنهم من مضى الى أبى بكر الصديق ولم يقرب خالدا وكان عمرو بن العاص عاملا للنبى صلى الله عليه وسلم على عمان فجاءه يوما يهودى من يهود عمان فقال أرأيتك ان سألتك عن شىء أأخشى علىّ منك قال لا قال اليهودى أنشدك بالله من أرسلك الينا قال اللهم رسول الله قال اليهودى الله انك لتعلم أنه رسول الله قال عمرو اللهم نعم فقال اليهودى لئن كان حقا ما تقول لقد مات اليوم فلما رأى عمرو ذلك جمع أصحابه وحواشيه وكتب ذلك اليوم الذى قال له اليهودى فيه ما قال ثم خرج بخفراء من الازد وعبد القيس يأمن بهم فجاءته وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجر ووجد ذكر ذلك عند المنذر بن ساوى فسار حتى قدم أرض بنى حنيفة فأخذ منهم خفراء حتى جاء أرض بنى عامر فنزل على قرّة بن هبيرة القشيرى ويقال خرج قرّة مع عمرو فى مائة من قومه خفراء له وأقبل عمرو بن العاص يلقى الناس مرتدّين حتى أتى على ذى القصة فلقى عيينة بن حصن خارجا من المدينة وذلك حين قدم على أبى بكر يقول ان جعلت لنا شيئا كفيناك ما وراءنا فقال له عمرو بن العاص ما وراءك يا عيينة من ولى الناس أمورهم قال أبا بكر فقال عمرو الله أكبر قال عيينة يا عمرو استوينا نحن وأنتم فقال عمرو كذبت يا ابن الاخابث من مضر وسار عيينة فجعل يقول لمن لقيه من الناس احبسوا عليكم أموالكم قالوا فأنت ما تصنع قال لا يدفع اليه رجل من فزارة عناقا واحدة ولحق عند ذلك بطليحة الاسدى فكان معه ولما فرغ خالد من بيعة بنى عامر أوثق عيينة بن حصن وقرّة بن هبيرة القشيرى وبعث بهما الى أبى بكر الصدّيق قال ابن عباس فقدم بهما المدينة فى وثاق فنظرت الى عيينة مجموعة يداه الى عنقه بحبل ينخسه غلمان المدينة بالجريد ويضربونه ويقولون أى عدوّ الله أكفرت بالله بعد ايمانك فيقول والله ما كنت آمنت بالله فلم يعاقب أبو بكر قرة وعفا عنه وكتب له أمانا وكتب لعيينة أمانا وقبل منه وكان فيمن ارتدّ من بنى عامر ولم يرجع معهم علقمة بن علاثة بن عوف فبعث أبو بكر الى ابنته وامرأته ليأخذهما فقالت امرأته مالى ولابى بكر ان كان علقمة قد كفر فانى لم أكفر فتركها ثم راجع علقمة الاسلام زمن عمر وردّ عليه زوجته وأخذ خالد بن الوليد من بنى عامر وغيرهم من أهل الردّة ممن جاء منهم وبايعه على الاسلام كل ما ظهر من سلاحهم واستحلفهم على ما غيبوا عنه فان حلفوا تركهم وان أبوا شدّهم أسرا حتى أتوا بما عندهم من السلاح فأخذ منهم سلاحا كثيرا فأعطاه أقواما يحتاجون اليه فى قتال عدوّهم وكتبه عليهم فلقوا به العدوّ ثم ردّوه بعد فقدم به على أبى بكر وقبض أبو بكر من اسد وغطفان كل ما قدر عليه من الخلفة والكراع فلما توفى راى عمر أن الاسلام قد ضرب بجرانه فدفعه الى أهله أو الى عصبة من مات منهم ولما فرغ خالد من بزاخة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وبنى عامر ومن يليهم أظهر ان أبا بكر عهد اليه أن يسير الى أرض بنى تميم والى اليمامة فقال ثابت بن قيس ابن شماس وهو على الانصار وخالد على جماعة المسلمين ما عهد الينا ذلك وما نحن بسائرين وليست بنا قوّة وقد كل المسلمون وعجف كراعهم فقال خالد أمّا أنا فلست بمستكره أحدا منكم فان شئتم فسيروا وان شئتم فأقيموا فسار خالد ومن تبعه من المهاجرين وأبناء العرب عامدا لارض بنى تميم واليمامة وأقامت الانصار يوما أو يومين ثم تلاومت فيما بينها وقالوا والله ما صنعنا شيئا والله لئن اصيب القوم ليقولنّ خذلتموه وأسلمتموه وانها لسبة باق عارها الى آخر الدهر ولئن أصابوا خيرا وفتح الله فتحا انه لخير منعتموه فابعثوا الى خالد يقيم لكم حتى تلحقوه فبعثوا اليه مسعود بن سنان ويقال ثعلبة بن غنمة فلما جاءه الخبر أقام حتى لحقوه فاستقبلهم فى كثرة من معه من المسلمين لما أظلوا على العسكر حتى نزلوا وساروا جميعا حتى انتهى خالد بهم الى البطاح من أرض بنى تميم فلم يجد بها جمعا ففرّق السرايا فى نواحيها وكان فى سرية فيها أبو قتادة الانصارى فلقوا اثنى عشر رجلا فيهم مالك بن نويرة فأخذوهم فجاؤا بهم خالدا وكان مالك بن نويرة قد بعثه النبى صلى الله عليه وسلم مصدّقا الى قومه بنى حنظلة وكان سيدهم فجمع صدقاتهم فلما بلغته وفاة النبى صلى الله عليه وسلم جفل ابل الصدقة أى ردّها من حيث جاءت فلذلك سمى الجفول* ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا على مالك وعاهد الله خالد بن الوليد لئن أخذه ليقتلنه ثم ليجعلنّ هامته أثفية للقدر فلما أتى به أسيرا فى نفر من قومه أخذوا معه كما تقدّم اختلف فيه الذين أخذوهم فقال بعضهم قد والله أسلموا فما لنا عليهم من سبيل وفيمن شهد بذلك أبو قتادة الانصارى وكان معهم فى تلك السرية وشهد بعض من كان فى تلك السرية أنهم لم يسلموا وان قتلهم وسبيهم حلال وكان ذلك رأى خالد فيه فأمر بهم خالد فقتلوا وقتل مالك بن نويرة فتزوّج امرأته أم متمم من ليلته وكانت جميلة قيل لعلها كانت مطلقة قد انقضت عدّتها الا أنها كانت محبوسة عنده فاشتدّ فى ذلك عمر وقال لابى بكر ارجم خالدا فانه قد استحل ذلك فقال أبو بكر والله لا أفعل ان كان خالد تأوّل أمرا فأخطأه* وفى شرح المواقف فأشار عمر على أبى بكر بقتل خالد قصاصا فقال أبو بكر لا أغمد سيفا شهره الله على الكفار وقال عمر لخالد لئن وليت الامر لاقيدنك به* وفى بعض الروايات انّ خالدا أمر برأس مالك فجعل أثفية لقدر حسبما تقدّم من نذره وكان من أكثر الناس شعرا فكانت القدر على رأسه فراحوا وان شعره ليدخن وما خلصت النار الى شواء رأسه وعاتب أبو بكر خالدا لما قدم عليه فى قتل مالك بن نويرة فاعتذر اليه خالد وزعم أنه سمع منه كلاما استحل به قتله فعذره أبو بكر وقبل منه يقال ان كلاما سمعه من مالك أنه حين كان يكلم خالدا قال انّ صاحبكم قد توفى فعلم خالد أنه أراد أنه صلى الله عليه وسلم ليس بصاحب له فتيقن ردّته فقتله* وفى الاكتفاء كان أبو بكر الصدّيق قد عاهد خالدا اذا فرغ من اسد وغطفان والضاحية أن يقصد اليمامة واكد عليه فى ذلك فلما أظهر الله خالدا باولئك تسلل بعضهم الى المدينة يسألون أبا بكر أن يبايعهم على الاسلام ويؤمنهم فقال لهم بيعتى اياكم وأمانى لكم أن تلحقوا بخالد بن الوليد ومن معه من المسلمين فمن كتب الىّ خالد بأنه حضر معه اليمامة فهو آمن فليبلغ شاهدكم غائبكم ولا تقدموا علىّ اجعلوا وجوهكم الى خالد* قال أبو بكر بن أبى الجهم اولئك الذين لحقوا بخالد بن الوليد من الضاحية هم الذين كانوا انهزموا بالمسلمين يوم اليمامة ثلاث مرّات وكانوا على المسلمين بلاء قال شريك الفزارى كنت ممن حضر بزاخة مع عيينة بن حصن فرزقنى الله الانابة فجئت أبا بكر فأمرنى بالمسير الى خالد وكتب معى اليه بوصايا وفى آخرها ان أظفرك الله بأهل اليمامة فاياك والابقاء عليهم أجهز على جريحهم واطلب مدبرهم واحمل أسيرهم على السيف وهوّل فيهم القتل وأحرقهم بالنار واياك أن تخالف أمرى والسلام عليك فلما انتهى الكتاب الى خالد اقترأه وقال سمعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وطاعة ولما اتصل بأهل اليمامة مسير خالد اليهم بعد الذى صنع الله له فى امثالهم حيرهم ذلك وجزع له محكم بن الطفيل سيد أهل اليمامة وهمّ أن يرجع الى الاسلام فبات يلتوى على فراشه وكان محكم صديقا لزياد بن لبيد بن بياضة من الانصار فقال له خالد فى بعض الطريق لو ألقيت الى محكم شيئا تكسره به فانه سيد أهل اليمامة وطاعة القوم فبعث اليه مع راكب ويقال بل بعث بها اليه مع حسان بن ثابت من المدينة يا محكم بن طفيل قد اتيح لكم ... لله درّ أبيكم حية الوادى بامحكم بن طفيل انكم نفر ... كالشاء أسلمها الراعى لاساد ما فى مسيلمة الكذاب من عوض ... من دار قوم واخوان وأولاد فاكفف حنيفة يوما قبل نائحة ... تنعى فوارس شاج شجوها باد لا تأمنوا خالدا بالبرد معتجرا ... تحت العجاجة مثل الاغضف العادى ويل اليمامة ويلا لا فراق له ... ان جالت الخيل فيها بالقنا الصادى والله لا تنثنى عنكم أعنتها ... حتى تكونوا كأهل الحجر أو عاد ووردت على محكم وقيل له هذا خالد بن الوليد فى المسلمين فقال رضى خالد أمرا ورضينا غيره وما ينكر خالد أن يكون فى بنى حنيفة من أشرك فى الامر فسيرى خالد ان قدم علينا يلق قوما ليسوا كمن لقى ثم خطب أهل اليمامة فقال يا معشر أهل اليمامة انكم تلقون قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم فابذلوا أنفسكم دون صاحبكم فان أسدا وغطفان انما أشار اليهم خالد بذباب السيف فكانوا كالنعام الشارد وقد اظهر خالد بن الوليد نارا حيث أوقع ببزاخة ما أوقع وقال هل حنيفة الاكمن لقينا وكان عمير بن صالى اليشكرى فى اصحاب خالد وكان من سادات اليمامة ولم يكن من اهل حجر كان من ملمم وهى لبنى يشكر فقال له خالد تقدّم الى قومك فاكسرهم فأتاهم ولم يكونوا علموا باسلامه وكان مجتهدا فارسا سيدا فقال يا معشر أهل اليمامة أظلكم خالد فى المهاجرين والانصار تركت القوم يتبايعون الى فتح اليمامة وقد قضوا وطرا من أسد وغطفان وعليا هوازن وأنتم فى أكفهم وقولهم لا قوّة الا بالله انى رأيت أقوامان غلبتموهم بالصبر غلبوكم بالنصر وان غلبتموهم على الحياة غلبوكم على الموت وان غلبتموهم بالعدد غلبوكم بالمدد لستم والقوم سواء الاسلام مقبل والشرك مدبر وصاحبهم نبىّ وصاحبكم كذاب ومعهم السرور ومعكم الغرور فالان والسيف فى غمده والنبل فى جفيره قبل أن يسل السيف ويرمى بالسهم سرت اليكم مع القوم عشرا فكذبوه واتهموه فرجع عنهم وقام ثمامة بن أثال الحنفىّ فى بنى حنيفة فقال اسمعوا منى وأطيعوا امرى ترشدوا انه لا يجتمع نبيان بأمر واحدان محمدا صلى الله عليه وسلم لا نبىّ بعده ولا نبىّ مرسل معه ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا هو اليه المصير هذا كلام الله عز وجل اين هذا من يا ضفدع نقى كم تنقين لا الشرب تمنعين ولا الماء تكدّرين والله انكم لترون ان هذا الكلام ما يخرج من ال؟؟؟ وتوفى رسول الله وقام بهذا الامر من بعده رجل هو أفقههم فى انفسهم لا تأخذه فى الله لومة لائم ثم بعث اليكم رجلا لا يسمى باسمه ولا باسم ابيه يقال له سيف الله معه سيوف الله كثيرة فانظروا فى امركم فاذاه القوم جميعا أو من آذاه منهم وقال ثمامة مسيلمة ارجع ولا تمحك ... فانك فى الامر لم تشرك كذبت على الله فى وحيه ... فكان هواك هو الانوك ومناك قومك أن يمنعوك ... وان يأتهم خالد تترك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 فما لك من مصعد فى السماء ... ولا لك فى الارض من مسلك * (ذكر تقديم خالد بن الوليد الطلائع امامه من البطاح) ولما سار خالد من البطاح ووقع فى أرض بنى تميم قدّم أمامه مائتى فارس عليهم معن بن عدى العجلانى وبعث معه فرات بن حبان العجلى دليلا وقدّم عينين له أمامه مكيث بن زيد الخيل الطائى وأخاه* وذكر الواقدى أنّ خالدا لما نزل العرض قدّم مائتى فارس وقال من أصبتم من الناس فخذوه فانطلقوا حتى أخذوا مجاعة بن مرارة الحنفى فى ثلاث وعشرين رجلا من قومه قد خرجوا فى طلب رجل من بنى نمير أصاب فيهم دما فخرجوا وهم لا يشعرون بمقبل خالد فسألوهم ممن أنتم قالوا من بنى حنيفة فظنّ المسلمون أنهم رسل من مسيلمة فقال ما تقولون يا بنى حنيفة فى صاحبكم فشهدوا أنه رسول الله فقال لمجاعة ما تقول أنت فقال والله ما خرجت الا فى طلب رجل من بنى نمير أصاب فينادما وما كنت أقرب مسيلمة ولقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وما غيرت ولا بدّلت فقدّم القوم فضرب أعناقهم على دم واحد حتى اذا بقى سارية بن مسيلمة بن عامر فقال يا خالد ان كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا فاستبق هذا يعنى مجاعة فانه عون لك على حربك وسلمك وكان مجاعة شريفا فلم يقتله وأعجب بسارية وبكلامه فتركه أيضا وأمر بهما فأوثقا فى جوامع حديد وكان يدعو بمجاعة وهو كذلك فيتحدّث معه ومجاعة يظنّ أنّ خالدا يقتله ودفعه الى أم متمم امرأته التى تزوّجها لما قتل زوجها مالك بن نويرة وأمرها أن تحسن أساره وكان خالد كلما نزل منزلا واستقرّ به دعا مجاعة فأكل معه وحدّثه فقال له ذات يوم أخبرنى عن صاحبك يعنى مسيلمة ما الذى كان يقرئكم هل تحفظ منه شيئا قال نعم فذكر له شيئا من رجزه قال خالد وضرب باحدى يديه على الآخرى يا معشر المسلمين اسمعوا الى عدوّ الله كيف يعارض القرآن ثم قال هات زدنا من كذب الخبيث فقال مجاعة أخرج لكم حنطة وزوانا ورطبا وتمرانا فى رجز له قال خالد وهذا كان عندكم حقا وكنتم تصدّقونه قال مجاعة لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غدا اكثر من عشرة آلاف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الاعجل قال خالد اذا يكفيناهم الله ويعز دينه فاياه يقاتلون ودينه يريدون* وفى كتاب الاموى ثم مضى خالد حتى نزل منزلة من اليمامة ببعض أوديتها وخرج الناس مع مسيلمة وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لما أشرف خالد بن الوليد وأجمع أن ينزل عقرباء دفع الطلائع أمامه فرجعوا اليه فخبروه أنّ مسيلمة ومن معه خرجوا فنزلوا عقرباء فزحف خالد بالمسلمين حتى نزلوا عقرباء وضرب عسكره وقد قيل انّ خالدا سبق عقرباء وضرب عسكره ويقال توافيا اليها جميعا قال وكان المسلمون يسألون عن الدجال بن عنفوة فاذا الدجال على مقدّمة مسيلمة فلعنوه وشتموه فلما فرغ خالد من ضرب عسكره وبنو حنيفة تسوّى صفوفها نهض خالد الى صفوفه فصفها وقدّم رايته مع زيد بن الخطاب ودفع راية الانصار الى ثابت ابن قيس بن شماس فتقدّم بها وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعلى ميسرته شجاع ابن وهب واستعمل على الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليها اسامة بن زيد وأمر بسرير فوضع فى فسطاطه واضطجع عليه يتحدّث مع مجاعة ومعه ام متمم وأشراف أصحاب رسول الله يتحدّث معهم وأقبلت بنو حنيفة قد سلت السيوف فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهارا طويلا فقال خالد يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم وما سلوا السيوف من بعيد الا ليرهبونا وانّ هذا منهم لجبن وفشل فقال مجاعة ونظر اليهم كلا والله يا أبا سليمان ولكنها الهندوانية خشوا من تحطمها وهى غداة باردة فأبرزوها للشمس لان تسخن متونها فلما دنوا من المسلمين نادوا انا لنعتذر من سلنا سيوفنا حين سللناها والله ما سللناها ترهيبا لكم ولاجبنا عنكم ولكنها كانت الهندوانية وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها فأردنا أن نسخن متونها الى أن نلقاكم فسترون قال فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 الفريقان جميعا صبرا طويلا حتى كثرت القتلى والجراح فى الفريقين وكان أوّل قتيل من المسلمين مالك بن أوس من بنى زعوراء قتله محكم بن الطفيل واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا جميعا الا قليلا وهزم كلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مرارا فاذا اجلى المسلمون عن عسكرهم فدخل المشركون أرادوا حمل مجاعة فلا يستطيعون لما هو فيه من الحديد ولانه لا تزال تناوثهم خيل المسلمين فاذا رجع المسلمون وثبوا على مجاعة ليقتلوه وقالوا اقتلوا عدوّ الله فانه رأسهم وانهم ان دخلوا عليه أخرجوه فاذا شهروا عليه سيوفهم ليقتلوه حنت عليه أم متمم امرأة خالد وردّت عنه وقالت انى له جار حتى أجارته منهم وكان مجاعة أيضا قد أجارها من المشركين مرارا أن يقتلوها على هذا الوجه وقد كان مجاعة قال لها لما دفعه اليها خالد لتحسن أساره يا أمّ متمم هل لك ان أحالفك ان غلب أصحابى كنت لك جارا وأنت كذلك فقالت نعم فتحالفا على ذلك وقال عكرمة حملت بنو حنيفة أوّل مرّة كانت لها الحملة وخالد على سريره حتى خلص اليه فجرّد سيفه وجعل يسوق بنى حنيفة سوقا حتى ردّهم وقتل منهم قتلى كثيرة ثم كرت بنو حنيفة حتى انتهوا الى فسطاط خالد فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف قال الواقدى وبلغنا أن رجلا منهم لما دخلوا الفسطاط أراد قتل أم متمم ورفع السيف عليها فاستجارت بمجاعة فألقى عليها رداءه وقال انى جار لها فنعمت الحرة كانت وعيرهم وسبهم وقال تركتم الرجال وجئتم الى امرأة تقتلونها عليكم بالرجال فانصرفوا وجعل ثابت بن قيس يومئذ يقول وكانت معه راية الانصار بئس ما عوّدتم أنفسكم الفرار يا معشر المسلمين وقد انكشف المسلمون حتى غلب بنو حنيفة على الرجال فجعل زيد بن الخطاب ينادى وكانت عنده راية خالد امّا الرجال فلا رجال اللهم انى أعتذر اليك من فرار أصحابى وأبرأ اليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل وجعل يشتد بالراية يتقدّم بها فى نحر العدوّ ثم ضارب بسيفه حتى قتل وفى الصفوة زيد بن الخطاب كان أسن من اخيه عمر ابن الخطاب وكان أسلم قبل عمر وكان طوالا أسمر فلما رجع عبد الله بن عمر قال له عمر ألا هلكت قبل زيد فقال قد كنت حريصا على ذلك ولكن الله اكرمه بالشهادة وفى رواية اخرى قال له عمر ما جاء بك وقد هلك زيد ألاواريت وجهك عنى قال فلما قتل زيد وقعت الراية فأخذها سالم مولى أبى حذيفة قال المسلمون يا سالم انا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا اذا اتيتم من قبلى قالوا ونادت الانصار ثابت بن قيس وهو يحمل رايتهم الزمها فانما ملاك القوم الراية فتقدّم سالم مولى أبى حذيفة فحفر لرجليه حتى بلغ أنصاف ساقيه ومعه راية المهاجرين وحفر ثابت لنفسه مثل ذلك ثم لزما رايتهما ولقد كان الناس يتفرّقون وان سالما وثابتا لقائمان ثابتان برايتيهما حتى قتل سالم وقتل أبو حذيفة مولاه فوجد رأس أبى حذيفة عند رجلى سالم ورأس سالم عند رجلى أبى حذيفة لقرب مصرع كل واحد منهما من صاحبه وفى الصفوة استشهد سالم يوم اليمامة آخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم تناولها بشماله فقطعت ثم اعتنق اللواء وجعل يقرأ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ الى أن قتل قال ابن عمر كان سالم يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لانه كان أقرأ وفيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر سالما فقال انّ سالما شديد الحب لله عز وجلّ وعن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت سالما مولى أبى حذيفة فسالنى عنه ربى ما حملك على ذلك لقلت رب سمعت نبيك يقول يحب الله عز وجل حقا من قلبه وقتل يومئذ ثابت بن قيس بن شماس وكان قد ضرب فقطعت رجله فرمى بها قاتله فقتله وعن عبد الله بن عبيد الله الانصارى قال كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس وكان قتل باليمامة فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الشهيد عثمان البر الرحيم فنظرنا فاذا هو ميت أورده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فى الشفاء وفى الاكتفاء ولما قتل ثابت بن قيس بن شماس يوم اليمامة ومعه راية الانصار يومئذ وهو خطيبهم وسيد من ساداتهم أرى رجل من المسلمين فى منامه ثابت بن قيس يقول له انى موصيك بوصية فاياك ان تقول هذا حلم فتضيعه انى لما قتلت بالامس جاء رجل من ضاحية نجد وعلىّ درعى فأخذها واتى بها منزله فاكفأ عليها برمة وجعل على البرمة رحلا وخباؤه فى اقصى العسكر الى جنب خبائه فرس ابلق يستن فى طوله فأت خالد بن الوليد فأخبره فليبعث الى درعى فليأخذها واذا قدمت على خليفة رسول الله فأخبره انّ علىّ من الدين كذا ولى من الدين كذا وسعد ومبارك غلاماى حرّان فاياك أن تقول هذا حلم فتضيعه فلما اصبح الرجل اتى خالد بن الوليد فأخبره فبعث خالد الى الدرع فوجدها كما قال وأخبره بوصيته فأجازها ولا نعلم أحدا من المسلمين اجيزت وصيته بعد موته الا ثابت ابن قيس بن شماس* وقد روى انّ بلال بن الحارث كان صاحب الرؤيا رواه الواقدى عن عبد الله ابن جعفر بن عبد الواحد بن أبى عون قال قال بلال رأيت فى منامى سالما مولى أبى حذيفة قال لى ونحن منحدرون من اليمامة الى المدينة انّ درعى مع الرفقة الذين معهم الفرس الابلق تحت قدرهم فاذا اصبحت فخذها من تحت قدرهم فاذهب بها الى أهلى وانّ علىّ شيئا من دين فمرهم يقضونه* قال بلال فأقبلت الى تلك الرفقة وقدرهم على النار فألقيتها وأخذت الدرع وجئت أبا بكر فحدّثته الحديث فقال نصدّق قولك ونقضى دينه الذى قلت* قال فلما قتل سالم مكثت الراية ساعة لا يرفعها أحد فأقبل يزيد بن قيس وكان بدريا فحملها حتى قتل ثم حملها الحكم بن سعيد بن العاص فقاتل دونها نهارا طويلا ثم قتل* وقال وحشى اقتتلنا قتالا شديدا فهزموا المسلمين ثلاث مرّات وكرّ المسلمون فى الرابعة وتاب الله عليهم وثبت اقدامهم وصبروا لوقع السيوف واختلفت بينهم وبين بنى حنيفة السيوف حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها حتى سمعت أصواتا كالاجراس وانزل الله علينا نصره وهزم الله بنى حنيفة فقتل الله مسيلمة قال ولقد ضربت بسيفى يومئذ حتى غرى قائمته فى كفى من دمائهم* وقال ابن عمر لقد رأيت عمارا على صخرة قد اشرف يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرّون أنا عمار بن ياسر هلموا الىّ وأنا انظر الى اذنه تذبذب وقد قطعت* وقال سعد القرظى لقد رأيته يومئذ يقاتل قتال عشرة* وقال شريك الفزارى لما التقينا والقوم صبر الفريقان صبرا لم أر مثله قط ما تزول الاقدام فترا واختلفت السيوف بينهم وجعل يقبل أهل السوابق والنيات فيتقدّمون فيقتلون حتى فنوا ودلفت فينا سيوفهم نهارا طويلا فانهزمنا ولقد أحصيت لنا ثلاث انهزامات وما أحصيت لبنى حنيفة الا انهزامة واحدة وهى التى الجأناهم فيها الى الحديقة يعنى حديقة لمسيلمة كانت يقال لها حديقة الرحمن وبعد ذلك سميت حديقة الموت* وقال رافع بن خديج شهدنا اليمامة سبعين من اللتب فلاقينا عدوّا صبر الوقع السلاح وجماعة الناس أربعة آلاف وبنو حنيفة مثل ذلك أو نحوه فلما التقينا أذّن الله للسيوف فينا وفيهم فجعلت السيوف فينا وفيهم تجتلى هام الرجال واكفهم وجراحا لم أر جراحا قط أبعد غورا منها فينا وفيهم انى لا نظر الى عباد بن بشر قد ضرب بسيفه حتى انحنى كأنه منجل فيقيمه على ركبتيه فعرض له رجل من بنى حنيفة فلما اختلفا ضربات ضربه عباد بن بشر على العاتق مستمكنا فو الله لرأيت سحره باديا ومضى عنه عباد ومررت بالحنفى وبه رمق فأجهزت عليه وأنظر بعد الى عباد وقد اختلفت السيوف عليه وهو يبضع بها ويبعج بها بطنه فوقع وما أعلم به مصحا وكانوا حنقوا عليه لانه اكثر القتل فيهم قال وحرصت على قتلته فناديت أصحابنا من اللتب فقمنا عليه وقتلنا قتلته فرأيتهم حوله مقتلين فقلت بعدا لكم* وقال ضمرة بن سعيد المازنى وذكر ردّة بنى حنيفة لم يلق المسلمون عدوّا أشدّ لهم نكاية منهم لقوهم بالموت الناقع وبالسيوف قد أصلتوها قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 النبل وقبل الرماح وقد صبر المسلمون لهم فكان المعول يومئذ على أهل السوابق ونادى عباد بن بشر يومئذ وهو يضرب بالسيف قد قطع من الجراح وما هو الا كالنمر الجرب فيلقى رجلا من بنى حنيفة كأنه جمل صؤل فقال هلم يا أخا الخزرج اتحسب قتالنا مثل من لاقيت فيعمد له عباد ويبدره الحنفى ويضربه ضربة بالسيف فانكسر سيفه ولم يصنع شيئا وضربه عباد فقطع رجليه وجاوزه وتركه ينوء على ركبتيه فناداه يا ابن الاكارم أجهز علىّ فكرّ عليه عباد فضرب عنقه ثم قام آخر فى ذلك المقام فاختلفا ضربات وتجاولا وعباد على ذلك كثير الجراح فضربه عباد ضربة أبدى سحره وقال خذها وأنا ابن وقش ثم جاوزه يفرى فى بنى حنيفة ضربا فريا فكان يقال قتل عباد يومئذ من بنى حنيفة بالسيف اكثر من عشرين رجلا واكثر فيهم الجراح قال ضمرة فحدّثنى رجل من بنى حنيفة قديم قال انّ بنى حنيفة لتذكر عباد بن بشر فاذا رأت الجراح بالرجل منهم تقول هذا ضرب محرب القوم عباد بن بشر وفى بعض الروايات عن حديث رافع بن خديج قال خرجنا من المدينة ونحن أربعة آلاف وأصحابنا من الانصار ما بين خمسمائة الى اربعمائة وعلى الانصار ثابت بن قيس ويحمل رايتنا أبو لبابة فانتهينا الى اليمامة فننتهى الى قوم هم الذين قال الله تعالى ستدعون الى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فلما صففنا صفوفنا ووضعنا الرايات مواضعها لم يلبثوا أن حملوا علينا فهزمونا مرارا فنعود الى مصافنا وفيها خلل وذلك انّ صفوفنا كانت مختلطة فيها حشو كثير من الاعراب فى خلال صفوفنا فينهزم أولئك بالناس فيستخفون أهل البصائر والنيات حتى كثر ذلك منهم ثم انّ الله بمنه وكرمه وفضله رزقنا عليهم الظفر وذلك انّ ثابت بن قيس نادى خالد بن الوليد أخلصنا فقال ذلك اليك فناد فى أصحابك قال فأخذ الراية ونادى يا للانصار فتسللت اليه رجلا رجلا فنادى خالديا للمهاجرين فأحدقوا به ونادى عدى بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل بطى فثابت اليهما طىّ وكانوا أهل بلاء حسن وعزلت الاعراب عنا ناحية فقاموا من ورائنا غلوة أو اكثر وانما كنا نؤتى من الاعراب قال رافع وأجهضهم أهل السوابق والبصائر فهم فى نحورهم ما يجد أحد مدخلا الا أن يقتل رجلا منهم أو يخرج فيقع فيخلف مقامه آخر حتى أوجعنا فيهم وبان خلل صفوفهم وضجوا من السيف ثم اقتحمنا الحديقة فضاربوا فيها وغلقنا الحديقة وأقمنا على بابها رجلا لئلا يهرب منهم أحد فلما رأوا ذلك عرفوا أنه الموت فجدّوا فى القتال ودكت السيوف بيننا وبينهم ما فيها رمى بسهم ولا حجر ولا طعن برمح حتى قتلنا عدوّ الله مسيلمة* قيل لرافع يا أبا عبد الله أى القتلى كان اكثر قتلاكم أو قتلاهم قال قتلاهم اكثر من قتلانا أحسبنا قتلنا منهم ضعف ما قتلوا منا مرّتين فقد قتل من الانصار يومئذ زيادة على السبعين وجرح منهم مائتان ولقد لاقينا بنى سليم بالجواء وانهم لمجروحون فأبلوا بلاء حسنا قالت نسيبة أم عمارة لقد رأيت عديا يومئذ يصيح بطىّ صبرا فداكم أبى وأمى لوقع الاسل وانّ ابنى زيد الخيل ليقاتلان يومئذ قتالا شديدا وكان أبو خيثمة النجارى يقول لما انكشف المسلمون يوم اليمامة تنحيت ناحية وكأنى أنظر الى أبى دجانة يومئذ ما يولى ظهره منهزما وما هو الا فى نحور القوم حتى قتل وكان يختال فى مشيته عند الحرب شجية ما يستطيع غير ذلك قال وكرّت عليه طائفة من بنى حنيفة فما زال يضرب بالسيف أمامه وعن يمينه وعن شماله فحمل على رجل فصرعه وما ينبس بكلمة حتى انفرجوا عنه ونكصوا على أعقابهم والمسلمون مولون وقد ابيض ما بينهم وبينه فما ترى الا المهاجرين والانصار لا والله ما أرى أحدا يخالطهم فقاموا ناحية وتلاحق الناس فدفعوا بنى حنيفة دفعة واحدة فانتهينا بهم الى الحديقة فأقحمناهم اياها* قال أبو دجانة ألقونى على الترسة حتى أشغلهم وكانوا قد أغلقوا الحديقة فأخذوه فألقوه على الترسة ورفعوها على رؤس الرماح حتى وقع فى الحديقة وهو يقول لا ينجيكم منا الفرار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 فضاربهم حتى فتحها ودخلنا عليه مقتولا وقد روى انّ البراء بن مالك هو المرمى به فى الحديقة والاوّل أثبت قال ثابت بن قيس يومئذ يا معشر الانصار الله الله ودينكم علمنا هؤلاء أمر اما كنا نحسنه ثم أقبل على المسلمين فقال أف لكم ولما تعملون ثم قال خلوا بيننا وبينهم أخلصونا فأخلصت الانصار فلم تكن لهم ناهية حتى انتهوا الى محكم بن الطفيل فقتلوه ثم انتهوا الى الحديقة فدخلوها فقاتلوا أشدّ القتال حتى اختلطوا فيها فما يعرف بعضهم بعضا الا بالشعار وشعارهم أمت أمت ثم صاح ثابت صيحة يستجلب بها المسلمين يا أصحاب سورة البقرة يقول رجل من طى والله ما معى منها آية وانما يريد ثابت يا أهل القرآن* قال واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ لما ازحف المسلمون انكشفوا أقبح الانكشاف حتى ظنّ ظانهم أن لا تكون لهم فئة فى ذلك اليوم والناس أوزاع قد هدأ حسهم وأشرت بنو حنيفة وأظهروا البغى وأو فى عباد بن بشر على نشز من الارض ثم صاح بأعلى صوته أنا عباد بن بشريا للانصار يا للانصار ألا الىّ ألا الىّ فأقبلوا اليه جميعا وأجابوه لبيك لبيك حتى توافوا عنده فقال فداكم أبى وأمى حطموا جفون السيوف ثم حطم جفن سيفه فألقاه وحطمت الانصار جفون سيوفهم ثم قال حملة صادقة اتبعونى فخرج أمامهم حتى ساقوا بنى حنيفة منهزمين حتى انتهوا بهم الى الحديقة فأغلقوا عليهم فأوفى عباد بن بشر على الحديقة وهم فيها فقال للرماة ارموا فرموا أهل الحديقة بالنبل حتى ألجأوهم أن اجتمعوا فى ناحية منها لا يطلع النبل عليهم ثم انّ الله فتح الحديقة فاقتحم عليهم المسلمون فضاربوهم ساعة ثم أغلق عباد باب الحديقة لما كل اصحابه وكره أن يفرّ بنو حنيفة وجعل يقول اللهم انى أبرأ اليك مما جاءت به بنو حنيفة* قال واقد بن عمرو فحدّثنى من رأى عباد بن بشر ألقى درعه على باب الحديقة ثم دخل بالسيف صلتا فجالدهم حتى قتل* وقال أبو سعيد الخدرى سمعت عباد بن بشر يقول حين فرغنا من بزاخة يا أبا سعيد رأيت الليلة كأنّ السماء فرجت ثم أطبقت علىّ فهى ان شاء الله الشهادة قال قلت خيرا والله قال أبو سعيد فأنظر اليه يوم اليمامة وانه ليصيح بالانصار يقول أخلصونا أخلصونا فأخلصوا أربعمائة رجل لا يخالطهم أحد يقدمهم البراء بن مالك وأبو دجانة سماك بن خرشة وعباد بن بشر حتى انتهوا الى باب الحديقة* قال أبو سعيد فرأيت بوجه عباد يعنى بعد قتله ضربا كثيرا وما عرفته الا بعلامة كانت فى جسده وكان أبو بكر الصدّيق لما انصرف اليه أسامة بن زيد من بعثه الى الشام بعثه فى اربعمائة مدد الخالد بن الوليد فأدرك خالدا قبل أن يدخل اليمامة بثلاث فاستعمله خالد على الخيل مكان البراء بن مالك وأمر البراء أن يقاتل راجلا فاقتحم عن فرسه وكان راجلا لا راحلة له فلما انكشف الناس يوم اليمامة وانكشف أسامة بأصحاب الخيل صاح المسلمون يا خالد ولّ البراء بن مالك فعزل أسامة وردّ الخيل الى البراء فقال له اركب فى الخيل فقال البراء وهل لنا من خيل قد عزلتنى وفرّقت الناس عنى فقال له خالد ليس حين عتاب اركب أيها الرجل فى خيلك ألا ترى ما لحم من الامر فركب البراء فرسه وان الخيل لاوزاع فى كل ناحية وما هى الا الهزيمة فجعل يليح بسيفه وينادى بأصحابه يا للانصار يا خيلاه يا خيلاه أنا البراء بن مالك فثابت اليه الخيل من كل ناحية وثابت اليه الانصار فارسها وراجلها* قال أبو سعيد الخدرى فقال لنا احملوا عليهم فداكم أبى وأمى حملة صادقة تريدون فيها الموت ثم أظهر التكبير وكبرنا معه فما كان لنا ناهية الا باب الحديقة وقد غلقت دوننا وازدحمنا عليهم فلم نزل حتى فتح الله وظفرنا وله الحمد* وقال عبد الله بن أبى بكر بن حزم كان البراء فارسا وكان اذا حضرته الحرب أخذته رعدة وانتفض حتى يضبطه الرجال مليا ثم يفيق فيبول بولا أحمر كأنه نقاعة الحناء فلما رأى ما يصنع الناس يومئذ من الهزيمة أخذه ما كان يأخذه فانتفض وضبطه أصحابه وجعل يقول طدونى الى الارض فلمّا أفاق سرى عنه مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 الاسد وهو يقول أسعدنى ربى على الانصار ... كانوا يدا طرّا على الكفار فى كل يوم ساطع الغبار ... فاستبدلوا النجاة بالفرار قال وضرب بسيفه قدما حتى انفرجوا له وخاض غمرتهم وثابت اليه الانصار كأنها النحل تأوى الى يعسوبها وتلاومت الانصار فيما صنعت وحدث عن خالد بن الوليد من سمعه يقول شهدت عشرين زحفا فلم أرقو ما أصبر لوقع السيوف ولا أضرب بها ولا أثبت أقداما من بنى حنيفة يوم اليمامة انا لما فرغنا من طليحة الكذاب ولم تكن له شوكة قلت كلمة والبلاء موكل بالقول وما بنو حنيفة ما هى الاكمن لقينا فلقينا قوما ليسوا يشبهون أحدا ولقد صبروا لنا من حين طلعت الشمس الى صلاة العصر حتى قتل عدوّ الله فما ضرب أحد من بنى حنيفة بعده بسيف ولقد رأيتنى فى الحديقة وعانقنى رجل منهم وأنا فارس وهو فارس فوقعنا عن فرسينا ثم تعانقنا بالارض فأجأه بخنجر فى سيفى وجعل يجأنى بمعول فى سيفه فجرحنى سبع جراحات وقد جرحته جرحا أثبته فاسترخى فى يدى وما بى حركة من الجراح وقد نزفت من الدم الا أنه سبقنى بالاجل فالحمد لله على ذلك* وحدّث ضمرة بن سعيد انه خلص يومئذ الى محكم بن الطفيل وهو يقول يا بنى حنيفة قاتلوا قبل أن تستحقب الكرائم غير راضيات وينكحن غير حظيات وما كان عندكم من حسب فأخرجوه فقد لحم الامر واحتيج الى ذلك منكم وجعل يقول يا بنى حنيفة ادخلوا الحديقة سأمنع دابركم وجعل يرتجز لبئسما أوردنا مسيلمه ... أورثنا من بعده أغيلمه فدخلوا الحديقة وغلقوها عليهم ورمى عبد الرحمن بن أبى بكر محكما بسهم فقتله فقام مقامه المعترض ابن عمه فقاتل ساعة حتى قتله الله* وفى غير حديث ضمرة انّ خالد بن الوليد هو الذى قتل محكما حدّث الحارث بن الفضيل قال لما رأى محكم بن الطفيل من قتل قومه ما رأى جعل يصيح ادن يا أبا سليمان فقد جاءك الموت الناقع قد جاءك قوم لا يحسنون الفرار فبلغت خالدا كلمته وهو فى مؤخر الناس فأقبل وهو يقول ها أنا ذا أبو سليمان وكشف المغفر عن وجهه ثم حمل على ناحية محكم يخوض بنى حنيفة فاقحم عليه خالد فضربه ضربة أرعش منها ثم ثنى له باخرى وهو يقول خذها وأنا أبو سليمان فوقع ميتا وكان عبد الرحمن بن أبى بكر قدر ماه بسهم قبل ذلك ومنهم من يقول رماه عبد الرحمن بعد ضربة خالد ومنهم من يقول لم يكن من سهم عبد الرحمن شئ وقاتلت بنو حنيفة بعد قتل محكم بن الطفيل أشدّ القتال وهم يقولون لا بقاء بعد قتل محكم* وقال قائل لمسيلمة يا ابا ثمامة أين ما كنت وعدتنا قال أما الدين فلا دين ولكن قاتلوا عن أحسابكم فاستيقن القوم أنهم على غير شئ* وقال وحشى لما اختلط الناس فى الحديقة وأخذت السيوف بعضها بعضا نظرت الى مسيلمة وما أعرفه ورجل من الانصار يريده وأنا من ناحية اخرى أريده فهززت من حربتى حتى رضيت منها ثم دفعتها عليه وضربه الانصارى فربكم أعلم أينا قتله الا أنى سمعت امرأة فوق الدير تقول قتله العبد الحبشى* وفى البخارى قال وحشى خرجت مع الناس فاذا رجل قائم فى ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس فرميته بحربتى فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ووثب اليه رجل من الانصار فضربه بالسيف على هامته فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الاسود* وفى المنتقى وأما الانصارى فلا يشك انه أبو دجانة سماك بن خرشة وكان وحشى يقول قتلت خير الناس فى الجاهلية وشرّ الناس فى الاسلام يعنى حمزة ومسيلمة قيل قتل مسيلمة بحربة قتل بها حمزة وكان معاوية بن أبى سفيان يقول أنا قتلته وقال أبو الحويرث ما رأيت أحدا قط يشك انّ عبد الله بن زيد الانصارى ضرب مسيلمة وزرقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وحشىّ فقاتلاه جميعا وذكر عمر بن يحيى المازنى عن عبد الله بن زيد انه كان يقول أنا قتلته وكانت أم عبد الله بن زيد وهى أم عمارة نسيبة بنت كعب تقول انّ ابنها عبد الله هو الذى قتله وكانت ممن شهد ذلك اليوم وقطعت فيه يدها وذلك انّ ابنها حبيب بن زيد كان مع عمرو بن العاص بعمان عند ما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك عمروا أقبل من عمان يريد المدينة فسمع به مسيلمة فاعترض له فسبقه عمرو وكان حبيب بن زيد وعبد الله بن وهب الاسلمى فى الساقة فأصابهما مسيلمة فقال لهما أتشهد ان انى رسول الله فقال له الاسلمى نعم فأمر به فحبس فى حديد وقال له حبيب لا أسمع فقال اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم فأمر به فقطع وكلما قال له اتشهد انى رسول الله قال لا اسمع فاذا قال أتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم حتى قطعه عضوا عضوا حتى قطع يديه من المنكبين ورجليه من الوركين ثم أحرقه بالنار وهو فى كل ذلك لا ينزع عن قوله ولا يرجع عما بدأ به حتى مات فى النار* فلما تهيأ بعث خالد ابن الوليد الى اليمامة جاءت أم عمارة الى أبى بكر الصديق فاستأذنته فى الخروج فقال لها أبو بكر ما مثلك يحال بينه وبين الخروج قد عرفناك وعرفنا جراءتك فى الحرب فاخرجى على اسم الله قالت فلما انتهوا الى اليمامة واقتتلوا تداعت الانصار أخلصونا فأخلصوا قالت فلما انتهينا الى الحديقة ازدحمنا على الباب وأهل النجدة من عدوّنا فى الحديقة قد انحازوا يكونون فئة لمسلمة فاقتحمنا فضاربناهم ساعة والله ما رأيت أبذل لمهج أنفسهم منهم وجعلث أقصد عدوّ الله مسيلمة لان أراه ولقد عاهدت الله لئن رأيته لا أكذب عنه أو اقتل دونه وجعلت الرجال تختلط والسيوف بينهم تختلف وخرس القوم فلا صوت الا وقع السيوف حتى بصرت بعدوّ الله فشددت عليه وعرض لى منهم رجل فضرب يدى فقطعها فو الله ما عرّجت عليها حتى انتهيت الى الخبيث وهو صريع وأجدا بنى عبد الله قد قتله* وفى رواية وابنى يمسح سيفه بثيابه فقلت أقتلته قال نعم يا أمه فسجدت لله شكرا وقطع الله دابرهم فلما انقطعت الحرب ورجعت الى منزلى جاءنى خالد بن الوليد بطبيب من العرب فداوانى بالزيت المغلى وكان والله أشدّ علىّ من القطع وكان خالد كثير التعاهد لى حسن الصحبة لنا يعرف لنا حقنا ويحفظ فينا وصية نبينا* قال عباد قلت يا جدّة كثرت الجراح فى المسلمين فقالت يا بنى لقد نحاجز الناس وقتل عدوّ الله وانّ المسلمين لجرحى كلهم لقد رأيت ابنى أبى مجروحين ما بهم حركة ولقد رأيت بنى مالك بن النجار بضعة عشر رجلا لهم أنين يكمدون ليلتهم بالنار ولقد أقام الناس باليمامة خمس عشرة ليلة وقد وضعت الحرب أوزارها وما يصلى مع خالد بن الوليد من المهاجرين والانصار الانفر يسير* وعن محمد بن يحيى بن حبان قال جرحت أم عمارة يوم اليمامة أحد عشر جرحابين ضربة بسيف أورمية بسهم أو طعنة برمح وقطعت يدها سوى ذلك وكان أبو بكر يأتيها ويسأل عنها وهو يومئذ خليفة وقتل يوم اليمامة حاجب بن زيد بن تميم الاشهلى وأبو عقيل الازرقى وبشر بن عبد الله وعامر بن ثابت العجلانى* وعن محمد بن محمود بن لبيد قال لما قتل خالد بن الوليد من أهل اليمامة من قتل كانت لهم فى المسلمين أيضا مقتلة عظيمة حتى أبيح أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لا تغمد السيوف بيننا وبينهم مادام عين تطرف وكان فيمن بقى من المسلمين جراحات كثيرة فلما امسى مجاعة بن مرارة ارسل الى قومه ليلا أن ألبسوا السلاح النساء والذرية والعبيد ثم اذا أصبحتم فقوموا مستقبلى الشمس على حصونكم حتى يأتيكم أمرى وبات خالد والمسلمون يدفنون قتلاهم فلما فرغوا رجعوا الى منازلهم وباتوا يتكمدون بالنار من الجراح فلما أصبح خالد أمر بمجاعة فسيق معه فى الحديد فجعل يسبر القتلى وهو يريد مسيلمة فمرّ برجل وسيم فقال يا مجاعة أهو هذا قال لا هذا والله أكرم منه هذا محكم بن الطفيل ثم قال مجاعة انّ الذى تبتغون رجل ضخم أشعر البطن والظهر أبجر بجرته مثل القدح مطرف احدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 العينين ويقال هو اريحل اصيغرا خينس قال وامر خالد بالقتلى فكشفوا حتى وجد الخبيث فوقف عليه خالد فحمد الله كثيرا وأمر به فألقى فى البئر التى كان يشرب منها قالوا ولما أمسينا أخذنا شغل السعف ثم جعلنا نحفر لقتلانا حتى دفناهم جميعا بدمائهم وثيابهم وما صلينا عليهم وتركنا قتلى بنى حنيفة فلما صالحوا خالدا طرحوهم فى الابار وكان خالد يرى انه لم يبق من بنى حنيفة احد الا من لا ذكر له ولا قتال عنده فقال خالد لما وقف على مسيلمة مقتولا يا مجاعة هذا صاحبكم الذى فعل بكم الافاعيل ما رأيت عقولا أضعف من عقول اصحابكم مثل هذا فعل بكم ما فعل فقال مجاعة قد كان ذلك يا خالد ولا تظنّ انّ الحرب انقطعت بينك وبين بنى حنيفة وان قتلت صاحبهم انه والله ما جاءك الاسرعان الناس وانّ جماعة الناس واهل البيوتات لفى الحصون فانظر فرفع خالد بن الوليد رأسه وهو يقول قاتلك الله ما تقول قال أقول والله الحق فنظر خالد فاذا السلاح واذا الخلق على الحصون فرأى امرا غمه ثم تشدّد ساعتئذ وأدركته الرجولية فقال لاصحابه يا خيل الله اركبوا وجعل يدعو بسلاحه ويقول يا صاحب الراية قدّمها والمسلمون كارهون لقتالهم قدملوا الحرب وقتل من قتل وعامة من بقى جريح* وقال مجاعة أيها الرجل انى لك ناصح انّ السيف قد أفناك وأفنى غيرك فتعال أصالحك عن قومى وقد أخل بخالد مصاب اهل السابقة ومن كان يعرف عند العناء فرق وأحب الموادعة مع عجف الكراع واصطلحا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبى ثم قال مجاعة آتى القوم فأعرض عليهم ما صنعت قال فانطلق فذهب ثم رجع فأخبره انهم قد أجازوه فلما بان لخالد أنه انما هو نصف السبى قال ويلك يا مجاعة خدعتنى فى يوم مرتين قال مجاعة قومى فما أصنع وما وجدت من ذلك بدّا* وقال أسيد بن حضير وأبو نائلة لخالد لما صالح يا خالد اتق الله ولا تقبل الصلح قال خالد والله قد أفناكم السيف قال أسيد وانه قد أفنى غيرنا أيضا قال فمن بقى منكم جريح قال وكذلك من بقى من القوم جرحى لا ندخل فى الصلح أبدا أغدبنا عليهم حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد عن آخرنا احملنا على كتاب أبى بكر ان أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تبق عليهم فقد أظفرنا الله وقتلنا رأسهم فمن بقى منهم أكل شوكه فبيناهم على ذلك اذ جاء كتاب أبى بكر يقطر الدم ويقال انهم لم يمسوا حتى قدم مسلمة بن سلامة بن وقش من عند أبى بكر بكتابين فى أحدهما* بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاذا جاءك كتابى فانظر فان أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تستبق منهم رجلا جرت عليه الموسى فتكلمت الانصار فى ذلك وقالوا أمر أبى بكر فوق أمرك فلا تستبق منهم فقال خالد انى والله ما صالحت القوم الا لما رأيت من رقتكم ولما نهكت الحرب منكم وقوم قد صالحتهم ومضى الصلح فيما بينى وبينهم والله لو لم يعطونا شيئا ما قاتلتهم وقد أسلموا* قال أسيد بن حضير قد قتلت مالك بن نويرة وهو مسلم فسكت عنه خالد فلم يجبه وكان خالد قد خطب الى مجاعة ابنته وكانت اجمل أهل اليمامة فقال له مجاعة مهلا انك قاطع ظهرى وظهرك عند صاحبك انّ القالة عليك كثيرة وما أقول هذا رغبة عنك فقال له خالد زوّجنى أيها الرجل فانه ان كان أمرى عند صاحبى على ما أحب فلن يفسده ما تخاف علىّ وان كان على ما أكره فليس هذا بأعظم الامور فقال له مجاعة قد نصحتك ولعل هذا الامر لا يكون عيبه الا عليك ثم زوّجه فلما بلغ ذلك أبا بكر غضب وقال لعمر بن الخطاب انّ خالدا لحريص على النساء حين يصاهر عدوّه وينسى مصيبته فوقع عمر فى خالد وعظم الامر ما استطاع فكتب أبو بكر الى خالد مع مسلمة بن سلامة يا خالد بن أم خالد انك لفارغ تنكح النساء وتعرّس بهنّ وببابك دماء ألف ومائتين من المسلمين لم تجف بعد ثم خدعك مجاعة عن رأيك فصالحك عن قومه وقد أمكنك الله منهم* فلما نظر خالد فى الكتاب قال هذا عمل عمر وكتب الى أبى بكر جواب كتابه مع أبى برزة الاسلمى أما بعد فلعمرى ما تزوّجت النساء حتى تم لى السرور وقرّت بى الدار وما تزوّجت الا الى امرئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 لو عملت اليه من المدينة خاطبا لم ابل دع انى استثرت خطبتى اليه من تحت قدمىّ فان كنت قد كرهت لى ذلك لدين أو دنيا أعتبتك وأما حسن عزائى على قتلى المسلمين فو الله لو كان الحزن يبقى حيا أو يردّ ميتا لأبقى حزنى الحى وردّ الميت ولقد اقتحمت فى طلب الشهادة حتى أيست من الحياة وأيقنت بالموت وأما خدعة مجاعة اياى عن رأيى فانى لم أخطئ رأى يومى ولم يكن لى علم بالغيب وقد صنع الله للمسلمين خيرا أورثهم الارض وجعل لهم عاقبة المتقين* فلما قدم الكتاب على أبى بكر رق بعض الرقة وتم عمر على رأيه الاوّل فى عيب خالد بما صنع ووافقه على ذلك رهط من قريش فقام أبو برزة الاسلمى فعذر خالدا وقال يا خليفة رسول الله مايؤ بن خالد بجبن ولا خيانة ولقد اقتحم حتى أعذر وصبر حتى ظفر وما صالح القوم الاعلى رضاه وما أخطأ رأيه بصلح القوم اذ لا يرى النساء فى الحصون الا رجالا فقال أبو بكر صدقت لكلامك هذا أولى بعذر خالد من كتابه الىّ* ولما فرغ خالد من الصلح أمر بالحصون فألزمها الرجال وحلف مجاعة بالله لا يغيب عنه شيئا مما صالحه عليه ولا يعلم أحدا غيبه الا رفعه الى خالد ثم فتحت الحصون فأخرج سلاحا كثيرا فجمعه خالد على حدة وأخرج ما وجد فيها من دنانير ودراهم فجمعه على حدة وجمع كراعهم وترك الخف ولم يحرّكه ولا الرثة ثم أخرج السبى فقسمه قسمين ثم أقرع على القسمين فخرج سهمه على أحدهما وفيه مكتوب لله ثم جزأ الذى صار له من السبى على خمسة أجزاء ثم كتب على سهم منها لله وجزأ الكراع والحلقة هكذا ووزن الذهب والفضة فعزل الخمس وقسم على الناس الاربعة الاخماس وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما وعزل الخمس من ذلك كله حتى قدم به على أبى بكر ولما انقطعت الحرب بين خالد وبين أهل اليمامة تحوّل من منزله الذى كان فيه الى منزل آخر ينتظر كتاب أبى بكر يأمره ان ينصرف اليه بالمدينة* وحدث زيد بن أسلم عن أبيه قال كان أبو بكر حين وجه خالدا الى اليمامة رأى فى النوم كأنه أتى بتمر من هجر فأكل منها تمرة واحدة وجدها نواة على خلقة التمرة فلاكها ساعة ثم رمى بها فتأوّلها فقال ليلقين خالد من أهل اليمامة شدّة وليفتحن الله على يديه ان شاء الله فكان أبو بكر يستروح الخبر من اليمامة بقدر ما يجئ رسول خالد فخرج أبو بكر يوما بالعشى الى ظهر الحرّة يريد أن يبلغ صرارا ومعه عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله ونفر من المهاجرين والانصار فلقى أبا خيثمة النجارى قد أرسله خالد فلما رآه أبو بكر قال له ما وراءك يا أبا خيثمة قال خيرا يا خليفة رسول الله قد فتح الله علينا اليمامة قال فسجد أبو بكر قال أبو خيثمة وهذا كتاب خالد اليك فحمد الله أبو بكر وأصحابه ثم قال أخبرنى عن الوقعة كيف كانت فجعل أبو خيثمة يخبره كيف صنع خالد وكيف صف أصحابه وكيف انهزم المسلمون ومن قتل منهم فجعل أبو بكر يسترجع ويترحم عليهم وجعل أبو خيثمة يقول يا خليفة رسول الله أتينا من قبل الاعراب انهزموا بنا وعوّدونا ما لم نكن نحسن حتى أظفرنا الله بعد ثم قال أبو بكر كرهت رؤيا رأيتها كراهية شديدة ووقع فى نفسى انّ خالدا سيلقى مهم شدّة وليت خالدا لم يصالحهم وانه حملهم على السيف فما بعد هؤلاء المقتولين يستبقى أهل اليمامة ولن يزالوا من كذابهم فى بلية الى يوم القيامة الا أن يعصمهم الله ثم قدم بعد ذلك وفد اليمامة مع خالد على أبى بكر* وقال أبو بكر لخالد سم لى أهل البلاء فقال يا خليفة رسول الله كان البلاء للبراء بن مالك والناس له تبع ولما قدم خالد المدينة لم يبق بها دار الا وفيها باكية لكثرة من قتل معه من الناس فبكى أبو بكر لما رأى ذلك وكانت وقعة اليمامة فى ربيع الاوّل من سنة ثنتى عشرة واختلف فى عدد من استشهد فيها من المسلمين فأكثر ما فى ذلك ما وقع فى كتاب أبى بكر الى خالد انّ يبايك دماء ألف ومائتين من المسلمين* وقال سالم بن عبد الله بن عمر قتل يوم اليمامة ستمائة من المهاجرين والانصار وغير ذلك* وقال زيد بن طلحة قتل يوم اليمامة من قريش سبعون ومن الانصار سبعون ومن سائر الناس خمسمائة* وعن أبى سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 الخدرى قال قتلت الانصار فى مواطن أربعة سبعين سبعين يوم أحد سبعين ويوم بئر معونة سبعين ويوم اليمامة سبعين ويوم جسر أبى عبيدة سبعين وقتل الله من بنى حنظلة يوم اليمامة عددا كثيرا ففى كتاب يعقوب الزهرى انه قتل منهم أكثر من سبعة الاف وعن غيره انه أصيب يومئذ من صميم بنى حنيفة سبعمائة مقاتل كذا فى الاكتفاء* وفى المنتقى كان عدد بنى حنيفة يومئذ أربعين ألف مقاتل فقتل من المسلمين ألف ومائتان وقيل ألف وثمانمائة ومن المشركين نحو عشرين ألفا وقيل عشرة آلاف* وفى شواهد النبوّة كان النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لعلىّ انه سيملك سبية من سبايا بنى حنيفة فوصاه ان رزق منها ولدا أن يسميه باسمه ويكنيه بكنيته فلما فتحت اليمامة فى خلافة أبى بكر وأتى بالسبايا من بنى حنيفة أعطى أبو بكر عليا الحنفية فولدت له محمد المشهور بابن الحنفية* وفى المشكاة عن محمد بن الحنفية عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت ان ولدلى بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم رواه أبو داود* قصة زرقاء اليمامة وفى الفوائد بلد مسيلمة الكذاب مدينة الان اسمها اليمامة ويقال لها حجر اليمامة ويقال لها جوّ اليمامة وهى بلد معروف فى اليمن واليمامة فى الاصل اسم امرأة زرقاء يقال لها زرقاء اليمامة يضرب بها الامثال فى حدّة البصر فيقال أبصر من زرقاء اليمامة وهى اليمامة بنت مرّة من ذرّية ارم بن سام بن نوح فسميت تلك المدينة باسم تلك المرأة* وفى القاموس وبلاد الجوّ تنسب اليها سميت باسمها وهى أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب وهى دون المدينة فى وسط الشرق عن مكة على ست عشرة مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها* وفى الفوائد وقد روى ان تبع بن بنان بن تبع لما جيش الجيوش لحصر هذه المدينة التى هى اليمامة فسار حتى بقى بينه وبين هذه المدينة مسيرة ثلاثة أيام فقال رباح بن مرّة أخو اليمامة بنت مرّة المذكورة لتبع أيها الملك انّ لى أختا مزوّجة ليس على وجه الارض أبصر منها فانها تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة ايام وأخاف أن تنذر قومها فقال تبع وما الرأى فى ذلك فقال له رباح بن مرّة الرأى فى ذلك ان تأمر أهل العسكر أن يقلعوا أشجارا ويحملوها أمامهم فأمرهم تبع بذلك ففعلوا فنظرت اليمامة فرأتهم فقالت يا قوم رأيت عجبا قالوا وما هو قالت لهم انى رأيت الاشجار تمشى على وجه الارض يحملها الرجال وانى لارى رجلا خلف شجرة ينهش كتفا أو يخصف نعلا فكذبوها فأنشدت أبياتا تحرّضهم فيها على القتال انى أرى شجرا من خلفها بشر ... فكيف تجتمع الاشجار والبشر ثوروا بأجمعكم فى صدر أوّلهم ... فان ذلك منكم فاعلموا ظفر فلم يعبأ القوم بما قالت حتى صبح العدوّ عليهم فقتلوهم وسبوا ذراريهم فلما فرغوا دعا الملك باليمامة بنت مرّة فنزعت عيناها ووجدوا فى عينيها عروقا سودا فسألها الملك عن ذلك فقالت انى كنت اكتحل بحجر أسود يقال له الاثمد فبقى فى عينىّ وهى أوّل من اكتحل بالاثمد فاتخذه الناس كحلا من ذلك الوقت الى الان* وروى انّ هذه المرأة كانت ذات يوم قاعدة فى قصرها فنظرت فى الجوّ فرأت حماما يطير فتمنت أن يكون لها مثل ذلك الحمام ومثل نصفه الى حمامة كانت عندها فيكون عدد الحمام مائة فقالت هذا البيت ليت الحمام ليه ... الى حمامتيه أو نصفه قديه ... تم الحمام ميه هذا البيت من بحر البسيط وكان عدة الحمام التى رأتها هذه المرأة ستة وستين ونصفه ثلاثة وثلاثون مجموع ذلك تسعة وتسعون فاذا انضم الى حمامتها يكون جملته مائة حمامة كاملة والى هذه المرأة وقولها أشار النابغة بقوله حيث قال واحكم كحكم فتاة الحىّ اذ نظرت ... الى حمام سراع وارد الثمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 قالت الاليتما هذا الحمام لنا ... الى حمامتنا أو نصفه فقد فحسبوه فلا قوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد فكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة فى ذلك العدد انتهى ما فى الفوائد* وبعث أبو بكر خالد بن الوليد فسار الى الحيرة وصالح أهلها ثم سار الى أمغيشا وخربها وكان بها أملاك لاهل الحيرة فلما رأوا خالدا خرب أملاكهم نقضوا العهد وحاربوه فقتل رئيسهم وانهزم الباقون ثم سار خالد الى الخورنق وبعث مثنى بن حارثة الى حرب الحيرة فحاصرهم وضيق عليهم الامر وكان رئيسهم عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث وهو بقيلة وانما سمى بقيلة لانه خرج على قومه فى بردين أخضرين فقالوا له يا حارث ما أنت الا بقيلة خضراء فاشتهر بذلك قال فخرج عمر والى خالد فصالحه قالوا وكان مع عمرو منصف له معلق كيسا فى حقوه فتناول خالد الكيس ونثر ما فيه فى راحته وقال ما هذا يا عمر وقال هذا وأمانة الله سم ساعة قال ولم تحتقنه قال خشيت ان تكونوا على غير ما رأيت وقد أتيت على أجلى والموت أحب الىّ من مكروه أدخله على قومى فقال خالد لن تموت نفس حتى تأتى على أجلها وقال بسم الله خير الاسماء ورب الارض والسماء ليس يضرّ مع اسمه داء فأهووا اليه ليمنعوه فبادرهم وابتلع السم فقال عمرو والله يا معشر العرب لتملكنّ ما أردتم مادام منكم أحد أيها القرن وأقبل على أهل الحيرة وقال لم أر كاليوم أوضح اقيالا كذا فى الاكتفاء* وفى المنتقى روى عن على بن حرب انه قال انّ عبد المسيح بن بقيلة هو الذى صالح خالد بن الوليد على أهل الحيرة وقد كان له أربعمائة سنة وكان ذلك المال أوّل مال ورد على أبى بكر* بعث أبى بكر العلاء الحضرمى الى البجرين وبعث أبو بكر العلاء الحضرمى الى البحرين الى أهل الردّة* وفى حياة الحيوان بعث العلاء الحضرمى الى البحرين فسلكوا مفازة وعطشوا عطشا شديدا حتى خافوا الهلاك فنزل وصلى ركعتين ثم قال يا حليم يا عليم يا علىّ يا عظيم اسقنا فجاءت سحابة كأنها جناح طائر فقعقعت عايهم وأمطرت حتى ملؤا الانية وسقوا الركاب قال ثم انطلقنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم* وفى رواية أتينا على خليج من البحر ما خيض فيه قبل ذلك اليوم ولا خيض بعد فلم نجد سفنا وكان المرتدون قد أحرقوا السفن فصلى ركعتين ثم قال يا حليم يا عليم يا علىّ يا عظيم أجزنا ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال جوزوا بسم الله* قال أبو هريرة فمشينا على الماء فو الله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر وكان الجيش أربعة آلاف* وفى رواية وكان البحر مسيرة يوم وسخر هجر* وفى الاكتفاء سار العلاء بن الحضرمى الى الخط حتى نزل على الساحل فجاءه نصرانى فقال له مالى ان دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل الى ذارين قال وما تسألنى قال أهل بيت بدارين قال هم لك فخاض به وبالخيل اليهم فظهر عليهم عنوة وسبى أهلها ثم رجع الى عسكره* وقال ابراهيم بن أبى حبيبة حبس لهم البحر حتى خاضوا اليهم وجاوزه العلاء وأصحابه مشيا على أرجلهم وكانت تجرى فيه السفن قبل ثم جرت فيه بعد فقاتلهم فأظفره الله بهم وسلموا له ما كانوا منعوا من الجزية التى صالحهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم* ويروى انه كان للعلاء بن الحضرمى ومن كان معه جؤار الى الله تعالى فى خوض هذا البحر فأجاب الله دعاءهم وفى ذلك يقول عفيف بن المنذر وكان شاهدا معهم ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار احدى الجلائل دعانا الذى شق البحار فجاءنا ... بأعظم من فلق البحار الاوائل وفى حديث غيره لما رأى ذلك أهل الردّة من أهل البحرين سألوه الصلح على ما صالحه عليه أهل هجر وفى الصفوة عن سهم بن سنجاب فى غزوة دارين قال يا عليم يا حليم يا علىّ يا عظيم انا عبيدك فى سبيلك نقاتل عدوّك اللهمّ اجعل لنا اليهم سبيلا فنقتحم البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا فخرجنا اليهم فلما رجع أخذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وجع البطن فمات فطلبنا الماء نغسله فلم نجده فلففناه فى ثيابه فدفناه فسرنا غير بعيد فاذا نحن بماء كثير فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فاستخرجناه ثم غسلناه فرجعنا فطلبناه فلم نجده فقال رجل من القوم سمعته يقول يا علىّ يا عظيم يا حليم يا عليم أخف موتى أو كلمة نحوها ولا تطلع على عورتى أحدا فرجعنا وتركناه* وفى الصفوة عن عمرو بن ثابت قال دخلت فى أذن رجل من أهل البصرة حصاة فعالجها الاطباء فلم يقدروا عليها حتى وصلت الى صماخه فأسهرت ليله ونغصت عيش نهاره فأتى رجلا من أصحاب الحسن فشكى ذلك اليه فقال ويحك ان كان شئ ينفعك الله به فدعوة العلاء الحضرمى التى دعا بها فى البحرين وفى المفازة قال وما هى رحمك الله قال يا علىّ يا عظيم يا حليم يا عليم فدعا بها فو الله ما برحنا حتى خرجت من أذنه لها طنين حتى صكت الحائط وبرأ* (ذكر الغزو الى الشام وما وقع فى نفس أبى بكر من ذلك وما قوّى عزمه عليه) * فى الاكتفاء حدّث سهل بن سعد الساعدى قال لما فرغ أبو بكر من أهل الردّة واستقامت له العرب حدّث نفسه بغزو الروم ولم يطلع عليه أحد فبينما هو كذلك اذ رأى شرحبيل بن حسنة فى المنام صورة غزو الشام وبعث أبى بكر جندا فجاءه شرحبيل وجلس اليه فقال يا خليفة رسول الله أحدّثت نفسك أن تبعث الى الشأم جندا قال نعم حدثت نفسى بذلك وما يطلع عليه أحد وما سألتنى الا لشئ فأخبره شرحبيل بما رأى فأوّل أبو بكر ببعثه جندا الى الشام وفتحها عليهم ثم انه بعد ذلك أمر الامراء وبعث الى الشام البعوث* وعن عبد الله بن أبى أوفى الخزاعى وكانت له صحبة قال لما أراد أبو بكر أن يجهز الجنود الى الشام دعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وأبا عبيدة بن الجراح ووجوه المهاجرين والانصار من أهل بدر وغيرهم وشاورهم وكلهم استصوبوا رأى أبى بكر وقالوا ما رأيت من الرأى فأمضه فانا سامعون لك مطيعون لا نخالف أمرك وعلىّ فى القوم لا يتكلم فقال له أبو بكر ماذا ترى يا أبا الحسن فقال ارى انك مبارك الامر ميمون النقيبة فانك ان سرت اليهم بنفسك أو بعثت اليهم نصرت ان شاء الله تعالى قال بشرك الله بخير ومن أين علمت هذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل من ناواه حتى تقوم الساعة وأهله ظاهرون فقال أبو بكر سبحان الله ما أحسن هذا الحديث لقد سررتنى سرّك الله فى الدنيا والاخرة ثم انه قام فى الناس خطيبا ورغب الناس فى الجهاد ثم أمر بلالا فأذن فى الناس انفروا أيها الناس الى جهاد عدوّكم الروم بالشأم وأمير الناس خالد بن سعيد وكان خالد بن سعيد من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فلما ولاه أبو بكر الجند الذى استنفر الى الشام أتى عمر أبا بكر ومنعه من ذلك وكان أبو بكر لا يخالف عمر ولا يعصيه فدعا يزيد بن أبى سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة فقال انى باعثكم فى هذا الوجه ومؤمركم على هذا الجند وانى باعث على كل رجل منكم من الرجال ما قدرت عليه فاذا قدمتم البلد ولقيتم العدوّ فاجتمعتم على قتالهم فأميركم أبو عبيدة بن الجراح وان أبو عبيدة لم يلقكما وجمعتكما حرب فيزيد بن أبى سفيان الامير وأمروا بالعسكر مع هؤلاء الثلاثة وبلغ ذلك خالد بن سعيد فتهيأ بأحسن هيئة ثم أقبل الى أبى بكر وسلم عليه وعلى المسلمين ثم جلس فقال لابى بكر أما انك كنت وليتنى أمر الناس وأنت غير متهم ورأيك فىّ حسن افعل ما ترى فخرج هو واخوته وغلمته ومن معه فكانوا أوّل خلق الله عسكر ثم خرج الناس الى معسكرهم وكتب أبو بكر الى اليمن يستنفرهم يدعوهم الى الجهاد ويرغبهم فى ثوابه وبعث الكتاب مع انس بن مالك فبلغ اليمن وقرأ الكتاب على أهلها فأجابوا حتى انتهى الى ذى الكلاع فلما قرأ عليه الكتاب دعا بفرسه وسلاحه ونهض فى قومه وأمر بالعسكر فعسكر معه جموع كثيرة من اهل اليمن وسارعوا فنفر فى ناس كثير وأقبل بهم الى أبى بكر فرجع انس فسبقه بأيام فوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 أبا بكر بالمدينة ووجد ذلك العسكر على حاله وأبو عبيدة يصلى بذلك العسكر فلما قدمت حمير معها أولادها ونساؤها فرح بهم أبو بكر وقام وقال عباد الله ألم نكن نتحدّث فنقول اذا مرت حمير معها أولادها نصر الله المسلمين وخذل المشركين فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر* قال وجاء قيس ابن هبيرة بن مكشوح المرادى معه جموع كثيرة حتى سلم على أبى بكر ثم جلس فقال له ما تنتظر ببعثة هذه الجنود قال ما كنا ننتظر الا قذومكم قال فقد قدمنا فابعث الناس الاوّل فالاوّل فانّ هذه البلدة ليست ببلدة خف ولا كراع قال فعند ذلك خرج فدعا يزيد بن أبى سفيان فعقد له ودعا ربيعة بن عامر من بنى عامر بن لؤى فعقد له ثم قال له أنت مع يزيد بن أبى سفيان لا تعصه ولا تخالفه ثم قال ليزيد ان رأيت ان توليه مقدّمتك فافعل فانه من فرسان العرب وصالحاء قومك وأرجو أن يكون من عباد الله الصالحين ثم خرج أبو بكر يمشى ويزيد راكب فقال له يزيد يا خليفة رسول الله اما أن تركب واما أن تأذن لى فأمشى معك فانى أكره أن أركب وأنت تمشى فقال أبو بكر ما أنا براكب وما أنت بنازل انى أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله* وفى الرياض النضرة عن ابن عمر أنّ أبا بكر مشى مع يزيد بن أبى سفيان نحوا من ميلين فقيل له يا خليفة رسول الله لو انصرفت فقال لا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه فى سبيل الله عز وجل حرمهما الله على النار ثم أوصاه بوصايا ثم أخذ بيده وودّعه فخرج يزيد فى جيشه قبل الشأم وكان أبو بكر كل غدوة وعشية يدعو فى دبر صلاة الغداة ويدعو بعد العصر* قال انس لما بعث أبو بكر يزيد بن أبى سفيان الى الشام لم يسر من المدينة حتى جاءه شرحبيل بن حسنة وأخبره برؤيا رآها فقال أبو بكر نامت عينك هذه بشرى وهو الفتح ان شاء الله لا شك فيه وانت احد أمرائى فاذا سار يزيد بن أبى سفيان فأقم ثلاثا ثم تيسر للمسير ففعل فلما مضى اليوم الثالث أتاه من الغد يودّعه فأوصاه بمثل ما اوصى به يزيد بن ابى سفيان ثم ودّع ابا بكر وخرج فى جيشه قبل الشأم وبقى معظم الناس مع ابى عبيدة فى العسكر يصلى بهم وابو عبيدة ينتظر فى كل يوم أن يدعوه ابو بكر فيسرّحه وابو بكر ينتظر به قدوم العرب عليه من كل مكان يريد أن يشحن أرض الشام ويريد ان زحفت الروم عليهم أن يكونوا مجتمعين فقدمت عليهم حمير فيها ذو الكلاع واسمه أيفع وجاءت مذحج فيها قيس بن هبيرة المرادى معه جمع عظيم من قومه وفيهم الحجاج بن عبد يغوث الزبيدى وجاء حابس بن سعد الطائى وعدد كثير من طى وجاءت الازد فيهم جندب بن عمرو بن جمزة الدوسى وفيهم أبو هريرة وجاء جماعة من قبائل قيس فعقد أبو بكر لميسرة بن مسروق العبسى عليهم وجاء قباث بن أشيم فى بنى كنانة فأما ربيعة وأسد وتميم فانهم كانوا بالعراق قال فخرج أبو بكر فى رجال من المسلمين على رواحلهم حتى أتى أبا عبيدة بن الجراح فسار معه حتى بلغ ثنية الوداع فأوصاه وناصحه ثم انه تأخر وتقدّم اليه معاذ بن جبل فأوصى كل واحد منهما صاحبه ثم أخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فودّعه ودعا له ثم تفرّقا وانصرف أبو بكر ومضى ذلك الجيش وقال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد وقد تهيأ للخروج مع أبى عبيدة لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبى سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره فقال ابن عمى أحب الىّ من هذا فى قرابته وهذا أحب الىّ من ابن عمى فى دينه هذا كان أخى فى دينى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليى وناصرى على ابن عمى قبل اليوم فأنا به أشدّ استئناسا واليه أشدّ طمأنينة فلما أراد أن يغد وسائرا الى الشأم لبس سلاحا وأمر اخوته فلبسوا أسلحتهم عمرا وأبانا والحكم وغلمته ومواليه ثم أقبل الى أبى بكر عند صلاة الغداة فصلى معه فلما انصرفوا قام اليه هو واخوته فجلسوا اليه فحمد الله خالد وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم أوصى أبا بكر بالوصايا الحسنة ثم قال هات يدك يا أبا بكر فانا لا ندرى أنلتقى فى الدنيا أم لا فان قضى الله لنا فى الدنيا التقاء فنسأل عفوه وغفرانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وان كانت هى الفرقة التى ليس بعدها لقاء فعرّفنا الله واياك وجه النبىّ صلى الله عليه وسلم فى جنات النعيم فأخذ أبو بكر بيده فبكى وبكى خالد وبكى المسلمون وظنوا انه يريد الشهادة وطال بكاؤهم ثم انّ أبا بكر قال انتظر نمش معك قال ما أريد أن تفعل قال لكنى أريد ذلك فقام وقام الناس معه حتى خرج من بيوت المدينة فما رأيت أحدا من المسلمين شيعه أكثر ممن شيع خالد بن سعيد يومئذ واخوته* فلما خرج من المدينة قال له أبو بكر انك قد أوصيتنى برشدى وقد وعيت وانى موصيك فاسمع وصايتى وعها فأوصاه بوصايا ثم اخذ بيده فودّعه ثم أخذ بأيدى اخوته بعد ذلك فودّعهم واحدا واحدا ثم ودّعهم المسلمون ثم انهم دعوا بابلهم فركبوها وكانوا قبل ذلك يمشون مع أبى بكر ثم قيدت معهم خيلهم فخرجوا بهيئة حسنة فلما أدبروا قال ابو بكر اللهمّ احفظهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم واحطط أوزارهم وأعظم اجورهم ثم انصرف ابو بكر ومن معه من المسلمين* وعن محمد بن خليفة أن ملحان بن زياد الطائى اخا عدىّ بن حاتم لأمه أتى ابا بكر فى جماعة من قومه من طى نحو ستمائة فقالوا له سرّحنا فى اثر الناس واخترلنا واليا صالحا نكن معه وكان قدومهم على أبى بكر بعد مسير الامراء كلهم الى الشأم فقال ابو بكر قد اخترت لك افضل امرائنا اميرا وأقدم المهاجرين هجرة ألحق بأبى عبيدة بن الجراح فقد رضيت لك صحبته وحمدت لك أدبه فنعم الرفيق فى السفر والصاحب فى الحضر قال فقلت لابى بكر قد رضيت بخيرتك التى اخترت لى فاتبعته حتى لحقته بالشأم فشهدت معه مواطنه كلها لم أغب عن يوم منها* وعن ابى سعيد المقبرى قال قدم ابن ذى السهم الخثعمى على ابى بكر وجماعة من خثعم فوق تسعمائة ودون الف بنسائهم واولادهم فشاوروا ابا بكر فى أن يخلفوهم عنده ام يخرجوا معهم فقال ابو بكر قد مضى معظم الناس ومعهم ذراريهم ولك بجماعة المسلمين أسوة فسر فى حفظ الله وفى كنفه فانّ بالشام امراء قد وجهناهم اليها فأيهم احببت ان تصحبه فاصحبه فسار حتى لقى يزيد بن ابى سفيان فصحبه* وعن يحيى بن هانئ بن عروة ان ابا بكر كان أوصى ابا عبيدة بقيس بن مكشوح وقال له انه قد صحبك رجل عظيم الشرف فارس من فرسان العرب لا أظنّ له عظم حسبة ولا كثيرنية فى الجهاد وليس بالمسلمين غنى عن مشورته ورأيه وبأسه فى الحرب فأدنه وألطفه وأره انك غير مستغن ولا مستهين بأمره فانك تستخرج منه بذلك نصيحته لك وجهده ووجده على عدوّك ودعا ابو بكر قيسا فقال له انى بعثتك مع أبى عبيدة الامين الذى اذا ظلم كظم واذا أسيئ اليه غفر واذا قطع وصل رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين فلا تعصين له أمرا ولا تخالفنّ له رأيا فانه لن يأمرك الا بخير وقد أمرته أن يسمع منك ولا تأمره الا بتقوى الله فقد كنا نسمع أنك شريف بئيس مجرّب وذلك فى زمان الشرك والجاهلية الجهلاء فاجعل بأسك وشدّتك ونجدتك اليوم فى الاسلام على من كفر بالله وعبد غيره فقد جعل الله فيه الاجر العظيم والعز للمسلمين فقال ان بقيت ولقيت فسيبلغك من حيطتى على المسلم وجهدى على الكافر ما يسرّك ويرضيك فقال أبو بكر افعل ذلك فلما بلغه مبارزته البطر يقين بالجابية وقتله اياهما قال صدق قيس ووفى وبرّ* وعن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص قال لما مضت جنود أبى بكر الى الشأم بلغ ذلك هرقل ملك الروم وهو بفلسطين وقيل له قد أتتك العرب وجمعت لك جموعا عظيمة وهم يزعمون انّ نبيهم الذى بعث اليهم أخبرهم انهم يظهرون على أهل هذه البلاد وقد جاؤك وهم لا يشكون انّ هذا يكون وجاؤك بأبنائهم ونسائهم تصديقا لمقالة نبيهم يقولون لو دخلناها وافتتحناها نزلناها بأولادنا ونسائنا فقال هرقل ذلك أشدّ لشوكتهم اذا قاتل القوم على تصديق فما أشدّ على من كايدهم أن يزيلهم أو يصدّهم قال فجمع اليه أهل البلاد وأشراف الروم ومن كان على دينه من العرب فقال يا أهل هذا الدين انّ الله قد كان اليكم محسنا وكان لدينكم معزا وله ناصرا على الامم الخالية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وعلى كسرى والمجوس وعلى الترك الذين لا يعلمون وعلى من سواهم من الامم كلها وذلك انكم كنتم تعملون بكتاب ربكم وسنة نبيكم الذى كان أمره رشدا وفعله هدى فلما بدّلتم وغيرتم ذلك أطمع فيكم قوما والله ما كنا نعبأ بهم ولا نخاف ان نبتلى بهم وقد ساروا اليكم حفاة عراة جياعا قد اضطرّهم الى بلادكم قحط المطر وجدوبة الارض وسوء الحال فسيروا اليهم فقاتلوهم عن دينكم وعن بلادكم وعن أبنائكم وعن نسائكم وانا شاخص عنكم وممدّكم بالخيول والرجال وقد أمرت عليكم أمراء فاسمعوا لهم وأطيعوا ثم خرج حتى أتى دمشق فقام فيها مثل هذا المقام وقال فيها مثل هذا المقال ثم خرج حتى أتى حمص ففعل مثل ذلك ثم أتى انطاكية فأقام بها وبعث الى الروم فحشدهم اليه فجاءه منهم مالا يحصى عدده ونفر اليه مقاتلتهم وشبانهم وأتباعهم وأعظموا دخول العرب عليهم وخافوا ان يسكنوا ملكهم ثم أقبل أبو عبيدة حتى مرّ بوادى القرى ثم أخذ على الحجر أرض صالح النبى عليه السلام ثم على ذات المنار ثم على زبراء ثم ساروا الى ماب بعمان فخرج عليهم الروم فلم يلبثهم المسلمون ان هزموهم حتى دخلوا مدينتهم فحاصروهم فيها وصالح أهل ماب عليها فكانت أوّل مدائن الشأم صالح أهلها* كتاب أبى عبيدة الى أبى بكر ثم سار أبو عبيدة حتى اذا دنا من الجابية أتاه آت فأخبره أنّ هرقل بانطاكية وأنه قد جمع لكم من الجموع ما لم يجمعه أحد كان قبله من آبائه لاحد من الامم قبلكم فكتب أبو عبيدة الى أبى بكر الصدّيق لعبد الله أبى بكر خليفة رسول الله من أبى عبيدة بن الجرّاح سلام عليك فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أمّا بعد فانا نسأل الله أن يعز الاسلام وأهله عزا مبينا وأن يفتح لهم فتحا يسيرا فانه بلغنى أنّ هرقل ملك الروم نزل قرية من قرى الشأم تدعى انطاكية وأنه بعث الى أهل مملكته فحشدهم اليه وأنهم نفروا اليه على الصعب والذلول وقد رأيت أن أعلمك ذلك فترى فيه رأيك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* فكتب اليه أبو بكر أمّا بعد فقد بلغنى كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر هرقل ملك الروم فامّا منزله بانطاكية فهزيمة له ولاصحابه وفتح من الله عليك وعلى المسلمين وأمّا حشده أهل مملكته وجمعه لكم الجموع فان ذلك ما قد كنا وكنتم تعلمون أنه سيكون منهم ما كان قوم أن يدعوا سلطانهم ويخرجوا من مملكتهم بغير قتال ولقد علمت والحمد لله أن قد غزاهم رجال كثير من المسلمين يحبون الموت حب عدوّهم الحياة يحتسبون من الله فى قتالهم الاجر العظيم ويحبون الجهاد فى سبيل الله أشدّ من حبهم أبكار نسائهم وعقائل أموالهم الرجل منهم عند الهيج خير من ألف رجل من المشركين فالقهم بجندك ولا تستوحش لمن غاب عنك من المسلمين فان الله تعالى ذكره معك وأنا مع ذلك ممدّك بالرجال بعد الرجال حتى تكتفى ولا تريد أن تزداد والسلام عليك* وبعث هذا الكتاب مع دارم العبسى وكتب يزيد بن أبى سفيان الى أبى بكر أمّا بعد فانّ هرقل ملك الروم لما بلغ مسيرنا اليه ألقى الله الرعب فى قلبه فتحوّل ونزل انطاكية وخلف امراء من جنده على جند الشأم وأمرهم بقتالنا وقد تسيروا لنا واستعدّوا وقد نبأنا مسالمة الشأم أنّ هرقل استنفر أهل مملكته وأنهم جاؤا يجرون الشوك والشجر فمرنا بأمرك وعجل علينا فى ذلك برأيك نتبعه نسأل الله النصر والصبر والفتح وعاقبة المسلمين والسلام عليك وبعث بهذا الكتاب مع عبد الله بن قرط الثمالى* وكتب أبو بكر معه بهذا الكتاب أمّا بعد فقد بلغنى كتابك تذكر فيه تحوّل ملك الروم الى انطاكية والقاء الله الرعب فى قلبه من جموع المسلمين فانّ الله تبارك وتعالى وله الحمد قد نصرنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب وأيدنا بملائكته الكرام وان ذلك الدين الذى نصرنا الله فيه بالرعب هو هذا الدين الذى ندعو الناس اليه اليوم فو ربك لا يجعل الله المسلمين كالمجرمين ولا من يشهد أنه لا اله غيره كمن يعبد معه آلهة أخرى ويدين بعبادة آلهة شتى فاذا لقيتهم فانبذ اليهم بمن معك وقاتلهم فانّ الله لن يخذلك وقد نبأنا الله أنّ الفئة القليلة مما تغلب الفئة الكثيرة باذن الله وأنا مع ما هنالك ممدّكم بالرجال فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 أثر الرجال حتى تكتفوا ولا تحتاجوا الى زيادة انسان ان شاء الله تعالى والسلام* ولما ردّ أبو بكر عبد الله بن قرط بهذا الكتاب الى يزيد قال له أخبره والمسلمين أنّ مدد المسلمين آتيهم مع هاشم بن عتبة وسعيد بن عامر بن جذيم فخرج عبد الله بكتابه حتى قدم به على يزيد وقرأه على المسلمين فتباشروا وفرحوا وان أبا بكر دعا هاشم بن عتبة وبعثه فى ألف من المسلمين فسلم على أبى بكر وودّعه ثم خرج من غده فلزم طريق أبى عبيدة حتى قدم عليه فسر المسلمون بقدومه وتباشروا به وبلغ سعيد بن عامر بن جذيم أن أبا بكر يريد أن يبعثه فلما أبطأ ذلك عليه ومكث أياما لا يذكر له ذلك أتاه فقال يا أبا بكر والله لقد بلغنى أنك كنت أردت أن تبعثنى فى هذا الوجه ثم رأيتك قد سكت فما أدرى ما بدا لك فىّ فان كنت تريد أن تبعث غيرى فابعثنى معه وان كنت لا تريد أن تبعث أحدا فانى راغب فى الجهاد فأذن لى رحمك الله كيما ألحق بالمسلمين فقد ذكر لى أنّ الروم جمعت لهم جمعا عظيما فقال أبو بكر رحمك الله أرحم الراحمين يا سعيد فأمر بلالا فنادى فى الناس أن انتدبوا أيها المسلمون مع سعيد بن عامر الى الشأم فانتدب معه سبعمائة رجل فى أيام فلما أراد سعيد الشخوص جاء بلال فقال يا خليفة رسول الله ان كنت انما أعتقتنى لله تعالى لا ملك نفسى وأتصرف فيما ينفعنى فخل سبيلى حتى أجاهد فى سبيل ربى فانّ الجهاد أحب الىّ من المقام* قال أبو بكر فان الله يشهد انى لم أعتقك الا له وانى لا أريد منك جزاء ولا شكورا فهذه الارض ذات الطول والعرض فاسلك أىّ فجاجها أحببت فقال كأنك أيها الصدّيق عتبت علىّ فى مقالتى ووجدت فى نفسك منها قال لا والله ما وجدت فى نفسى من ذلك وانى لا أحب ان تدع هواك لهواى ما دعاك هواك الى طاعة ربك قال فان شئت أقمت معك قال امّا اذ هواك فى الجهاد فلم اكن لامرك بالمقام وانما اردتك للاذان ولأجدن لفراقك وحشة يا بلال ولا بدّ من التفرق فرقة لا التقاء بعدها حتى يوم البعث فاعمل صالحا يا بلال وليكن زادك من الدنيا ما يذكرك الله ما حييت ويحسن لك به الثواب اذا توفيت فقال له بلال جزاك الله من ولىّ نعمة ومن أخ فى الاسلام خيرا فو الله ما أمرك لنا بالصبر على الحق والمداومة على العمل بالطاعة ببدع وما كنت لأؤذن لاحد بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم وخرج بلال مع سعيد بن عامر وكان أبو بكر أمر سعيد بن عامر مع توابعه وهم اكثر من خمسين رجلا أن يلحق بيزيد بن ابى سفيان فلحق به وشهد معه وقعة العربة والدثنة* وقدم على ابى بكر حمزة بن مالك الهمدانى فى جمع عظيم زها الف رجل أو اكثر فلما رآى ابو بكر عددهم وعدّتهم سرّه ذلك فقال الحمد لله على صنعه للمسلمين ما يزال الله تعالى يرتاح لهم بمدد من انفسهم يشدّ به ظهورهم ويقصم به ظهور عدوّهم ثم قال حمزة لابى بكر علىّ امير دونك قال نعم ثلاثة امراء قد أمرناهم فأيهم شئت فكن معه فلما لحق بالمسلمين سألهم اى الامراء افضل وأيهم كان افضل عند النبىّ صلى الله عليه وسلم صحبة فقيل له ابو عبيدة بن الجرّاح فجاءه فكان معه* قال عمرو ابن محصن لم يكن ابو بكر رضى الله عنه يسأم توجيه الجنود الى الشأم وامداد الامراء الذين بعثهم بالرجال بعد الرجال ارادة اعزاز الاسلام واذلال اهل الشرك* وعن ابى سعيد المقبرى قال لما بلغ أبا بكر جمع الاعاجم لم يكن شئ أعجب اليه من قدوم المجاهدين عليه من ارض العرب فكانوا كلما قدموا عليه سرح الاوّل فالاوّل فقدم عليه فيمن قدم ابو الاعور السّلمى فبعثه ابو بكر فسار حتى قدم على ابى عبيدة وقدم على ابى بكر معن بن يزيد بن الاخنس فى رجال من بنى سليم نحو مائة فقال ابو بكر لو كان هؤلاء اكثر مماهم أمضيناهم فقال عمر والله لو كانوا عشرة لرأيت لك أن تمدّبهم اخوانهم اى والله وأرى ان نمدّهم بالرجل الواحد اذا كان ذا اجزاء وغناء فقال حبيب بن مسلمة الفهرى عندى نحو من عدّتهم رجال من ابناء القبائل ذو ورغبة فى الجهاد فأخرجنا وهؤلاء جميعا يا خليفة رسول الله فقال له امّا الان فاخرج بهم جميعا حتى تقدم بهم على اخوانهم فخرج فعسكر معهم ثم جمع اصحابه اليهم ثم مضى بهم حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 قدم على يزيد بن ابى سفيان قال واجتمعت رجال من كعب واسلم وغفار ومزينة نحوا من مائتين فأتوا ابا بكر فقالوا ابعث علينا رجلا وسرّحنا الى اخواننا فبعث عليهم الضحاك بن قيس فسار حتى أتى يزيد فنزل معه* وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال لما رأى اهل مدائن الشأم انّ العرب قد جاشت عليهم من كل وجه وكثرت جموعهم بعثوا الرسل الى ملكهم يعلمونه ذلك ويسألونه المدد فكتب اليهم انى عجبت لكم حين تستمدّوننى وحين تكثرون علىّ عدّة من جاءكم وانا أعلم بكم وبمن جاءكم منهم ولأهل مدينة واحدة من مدائنكم اكثر ممن جاءكم منهم أضعافا فالقوهم وقاتلوهم ولا تحسبوا انى كتب اليكم بهذا وأنا لا اريد ان أمدّكم لأبعثن اليكم من الجنود ما تضيق به الارض الفضاء وكان اهل مدائن الشأم قد ارسلوا الى كل من كان على دينهم من العرب فأطمعهم أكثرهم فى النصر ومنهم من حمى العرب فكان ظهور العرب أحب اليه وذلك من لم يكن فى دينه راسخا منهم وبلغ خبرهم وتراسلهم أبا عبيدة بن الجراح فكتب بذلك الى أبى بكر مكالمة عمرو بن العاص مع أبى بكر فجمع أبو بكر أشراف قريش من المهاجرين وغيرهم من أهل مكة ثم دعا باشراف الانصار وذوى السابقة منهم ثم دعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو هؤلاء اشراف قومك يخرجون مجاهدين فاخرج فعسكر حتى أندب الناس معك فقال يا خليفة رسول الله انا وال على الناس فقال نعم أنت الوالى على من أبعثه معك من هاهنا قال لابل وال على من أقدم عليه من المسلمين قال لا ولكنك أحد الامراء فان جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم فسكت عنه ثم خرج فعسكر فاجتمع اليه ناس كثير وكان معه أشراف قريش فلما حضر خروجه جاء الى عمر فقال يا أبا حفص انك قد عرفت بصرى بالحرب ويمن نقيبتى فى الغزو وقد رأيت منزلتى عند رسول الله وقد علمت انّ أبا بكر ليس يعصيك فأشر عليه أن يولينى هذه الجنود التى بالشام فانى أرجو أن يفتح الله على يدىّ هذه البلاد وأن يريكم والمسلمين من ذلك ما تسرّون به فقال له عمر لا أكذبك ما كنت أكلمه فى ذلك لانه لا يوافقنى أن يبعثك على ابى عبيدة وأبو عبيدة أفضل منزلة عندنا منك قال فانه لا ينقص أبا عبيدة شيئا من فضله أن ألى عليه فقال له ويحك يا عمرو انك والله ما تطلب بهذه الرياسة الاشرف الدنيا فاتق الله ولا تطلب بشئ من سعيك الا وجه الله واخرج فى هذا الجيش فانه ان يكن عليك أمير فى هذه المرّة فما أسرع ما تكون ان شاء الله أميرا ليس فوقك أحد فقال قد رضيت فخرج واستتب له المسير* فلما أراد الشخوص خرج معه أبو بكر يشيعه وقال يا عمرو انك ذو رأى وتجربة للامور وبصير بالحرب وقد خرجت فى اشراف قومك ورجال من صالحاء المسلمين وأنت قادم على اخوانك فلا تألهم نصيحة ولا تدخر عنهم صالح مشورة فرب رأى لك محمود فى الحرب مبارك فى عواقب الامور فقال له عمرو ما خلتنى ان أصدق ظنك ولا أقبل رأيك ثم ودّعه وانصرف عنه فقدم الشام فعظم غناؤه وبلاؤه عند المسلمين* وكتب أبو بكر الى أبى عبيدة أما بعد فقد جاءنى كتابك تذكر فيه تيسر عدوّكم لمواقعتكم وما كتب به اليهم ملكهم من عدته اياهم أن يمدّهم من الجنود بما تضيق به الارض الفضاء ولعمر الله لقد أصبحت الارض ضيقة عليه برحبها وأيم الله ما أنا بيائس أن تزيلوه من مكانه الذى هو به عاجلا ان شاء الله تعالى فبث خيلك فى القرى والسواد وضيق عليهم بقطع الميرة ولا تحاصر المدائن حتى يأتيك أمرى فان ناهدوك فانهض اليهم واستعن بالله عليهم فانه ليس يأتيهم مدد الامددناكم بمثله أو ضعفه وليس بكم بحمد الله قلة ولا ذلة ولا أعرفنّ ما جبنتم عنهم فانّ الله فاتح لكم ومظهركم على عدوّكم ومعزكم بالنصر وملتمس منكم الشكر لينظر كيف تعملون وجاءك عمرو فأوصيك به خيرا فقد أوصيته ان لا يضيع لك حقا والسلام عليك* وجاء عمرو بالناس حتى نزل بأبى عبيدة وكان عمرو فى مسيره ذلك الى الشأم فيما حدّث به عمرو بن شعيب يستنفر من مرّ به من الاعراب فتبعه منهم ناس كثير فلما اجتمعواهم ومن كان قد قدم معه من المدينة كانوا نحوا من ألفين فلما قدم بهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 على أبى عبيدة سرّ بهم هو والناس الذين معه واستأنس بهم وكان عمرو ذا رأى فى الحرب وبصر بالاشياء فقال له أبو عبيدة أبا عبد الله رب يوم شهدته فبورك للمسلمين فيه برأيك ومحضرك انما أنا رجل منكم لست وان كنت الوالى عليكم بقاطع أمرا دونكم فاحضرنى رايك فى كل يوم بما ترى فانه ليس لى عنك غنى فقال له افعل والله يوفقك لما يصلح المسلمين* وقال سهل بن سعد ما زال أبو بكر يبعث الامراء الى الشام أمير أميرا ويبعث القبائل قبيلة قبيلة حتى ظنّ انهم قد اكتفوا وأنهم لا يريدون ان يزدادوا رجلا* وذكر ابو جعفر الطبرى عن محمد بن اسحاق انّ تجهيز ابى بكر الجيوش الى الشام كان بعد قفوله من الحج سنة اثنتى عشرة وانه حينئذ بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين* وقيل انّ ابا بكر جعل سعيد بن العاص ردئا بتيماء وأمره أن لا يبرحها وان يدعو من حوله بالانضمام اليه وان لا يقبل الا ممن لا يرتدّ ولا يقاتل الا من قاتله حتى يأتيه أمره فأقام فاجتمعت اليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على العرب الضاحية بالشام البعوث اليهم* فكتب خالد بن سعيد بذلك الى أبى بكر فكتب اليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله فسار اليه خالد فلما دنا منهم تفرّقوا وأعروا منزلهم ودخل من كان يجمع له فى الاسلام* وكتب الى أبى بكر بذلك فكتب اليه أبو بكر أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به من طرف الرمل* فسار اليه بطريق من بطارقة الروم يدعى ماهان فهزمه وقتل جنده وكتب بذلك الى أبى بكر واستمدّه* وقد قدم على أبى بكر أوائل مستنفرى اليمن ومن بين مكة واليمن فساروا فقدموا على خالد بن سعيد وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشام وعناه أمره* وقد كان أبو بكر ردّ عمرو بن العاص على عمالته التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه اياها من صدقات سعد وعذرة وما كان معهما قبل ذهابه الى عمان فخرج الى عمان من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على عدة من عمله اذا هو رجع فأنجز له ذلك أبو بكر ثم كتب اليه أبو بكر عند اهتياجه الى الشام انى كنت قد رددتك على العمل الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرّة وسماه لك أخرى اذ بعثتك الى عمان انجاز الموعد رسول الله فقد وليته ثم وليته وقد أحببت أبا عبد الله ان أفرغك لما هو خير لك فى حياتك ومعادك منه الا ان يكون الذى أنت فيه أحب اليك* فكتب اليه عمرو انى سهم من سهام الاسلام وانت بعد الله الرامى بها والجامع فانظر أسدّها وأحسنها وأفضلها فارم به شيئا ان جاءك من ناحية من النواحى* وكتب أبو بكر الى الوليد بن عقبة بنحو ذلك فأجابه الى ايثار الجهاد* وعن أبى أمامة الباهلى قال كنت فيمن سرح أبو بكر مع أبى عبيدة وأوصانى به وأوصاه بى* أوّل وقعة فى الشام فكانت أوّل وقعة بالشام يوم العربة ثم يوم الدثنة وليسا من الايام العظام خرج ستة قوّاد من الروم مع كل قائد خمسمائة فكانوا ثلاثة آلاف فلمّا رأيناهم أقبلوا حتى انتهوا الى العربة بعث يزيد بن أبى سفيان الى أبى عبيدة يعلمه فبعثنى اليه فى خمسمائة فلما أتيته بعث معى رجلا فى خمسمائة فلما رأيناهم يعنى قوّادهم أولئك حملنا عليهم فهزمناهم وقتلنا قائدا من قوّادهم ثم مضوا واتبعناهم فجمعوا لنا بالدثنة فسرنا اليهم فقدّمنى يزيد وصاحبى فى عدّتنا فهزمناهم فعند ذلك فزعوا واجتمعوا وأمدّهم ملكهم* وذكر ابن اسحاق عن صالح بن كيسان أن عمرو بن العاص خرج حتى نزل بعمير العربات ونزل الروم بثنية جلق بأعلا فلسطين فى سبعين ألفا عليهم تدارق اخو هرقل لابيه وأمّه* فكتب عمرو الى أبى بكر يستمدّه وخرج خالد بن سعيد بن العاص وهو بمرج الصفر من أرض الشأم فى يوم مطير يستمطر فيه فعدى عليه أعلاج الروم فقتلوه وقيل أتاهم ادريحا وهم فى أربعة آلاف وهم غارون فاستشهد خالد بن سعيد وعدّة من المسلمين* قال أبو جعفر الطبرى قيل انّ المقتول فى هذه الغزوة ابن لخالد بن سعيد وانّ خالدا انحاز حين قتل ابنه* وذكر سيف انّ الوليد بن عقبة لما قدم على خالد بن سعيد فسانده وقدمت جنود المسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 الذين كان أبو بكر امدّه بهم وبلغه عن الامراء يعنى أمراء المسلمين الذين امدّهم ابو بكر وتوجههم اليه اقتحم على الروم وطلب الحظوة وأعرى ظهره وبادر الامراء لقتال الروم واستطرد له ماهان فارّاهو ومن معه الى دمشق واقتحم خالد فى الجيش ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد حتى نزل مرج الصفر ما بين الواقصة ودمشق فانطوت مشايخ ماهان عليه واخذوا عليه الطرق ولا يشعر وزحف له ماهان فوجد ابنه سعيد بن خالد يستمطر فى الناس فقتلوه فأتى الخبز خالدا فخرج هاربا فى جريدة خيل ولم تنته بخالد الهزيمة عن ذى المروة وأقام عكرمة فى الناس ردئا لهم فردّ عنهم ماهان وجنوده أن يطلبوهم وأقام من الشام على قرب منها* وذكر ابن اسحاق مسير الامراء ومنازلهم وان يزيد بن أبى سفيان نزل البلقاء ونزل شرحبيل بن حسنة الاردن ويقال بصرى ونزل أبو عبيدة الجابية* وعن غير ابن اسحاق انه لما نزل أبو عبيدة بالجابية كتب الى أبى بكر* أما بعد فانّ الروم وأهل البلد ومن كان على دينهم من العرب قد أجمعوا على حرب المسلمين ونحن نرجو النصر وانجاز موعد الرب تبارك وتعالى وعادته الحسنى واحببت اعلام ذلك لترينا رأيك* توجه خالد بن الوليد من العراق الى الشام فقال أبو بكر والله لانسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد وكان خالد اذ ذاك يلى حرب العراق فكتب اليه أبو بكر* أما بعد فدع العراق وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامض مختفيا فى أهل القوّة من اصحابك الذين قدموا معك العراق من اليمامة وصحبوك فى الطريق وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتى الشام فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين فاذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام* ويروى انه كان فيما كتب اليه به أن سر حتى تأتى جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجوا وأشجوا واياك أن تعود لمثل ما فعلت فانه لم يشج الجموع بعون الله سبحانه أحد من الناس اشجاءك ولم ينزع الشجا أحد من الناس نزعك فلتهنك أبا سليمان النعمة والحظوة فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل واياك أن تدل بعمل فانّ الله تعالى له المنّ وهو ولىّ الجزاء ووافى حالدا كتاب أبى بكر هذا وهو بالحيرة منصرفا من حجة حجها مكتتما بها وذلك انه لما فرغ من ايقاعه بالروم ومن انضوى اليهم مغيثا لهم من مشايخ فارس بالفراض والفراض تخوم الشام والعراق والجزيرة أقام بالفراض عشرا ثم اذن بالقفل الى الحيرة لخمس بقين من ذى القعدة وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم وأمر شجرة بن الاغر أن يسوقهم وأظهر خالد أنه فى الساقة وخرج من الحيرة ومعه عدّة من أصحابه يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت فتأتى له فى ذلك ما لم يتأت لدليل ومرسال فسار طريقا من طرق الجزيرة لم ير طريق أعجب منه فكانت غيبته عن الجند يسيرة ما توا فى الى الحيرة آخرهم حتى واماهم مع صاحب الساقة الذى وضعه وقدما جميعا وخالد وأصحابه مخلفون ولم يعلم بحجه الا من أفضى اليه بذلك من الساقة ولم يعلم أبو بكر بذلك الا بعد فهو الذى يعنيه بما تقدم فى كتابه اليه من معاتبته اياه وقدم على خالد بالكتاب عبد الرحمن بن حنبل الجمعى فقال له خالد قبل أن يقرأ كتابه ما وراءك فقال خير تسير الى الشام فشق عليه ذلك وقال هذا عمل عمر نفسى علىّ أن يفتح الله علىّ العراق وكانوا هابوه هيبة شديدة وكان خالد اذا نزل بقوم عذابا من عذاب الله عليهم وليثا من الليوث فلما قرأ كتاب أبى بكر فرأى أن قد ولاه على أبى عبيدة وعلى الشام تسخى بنفسه وقال أما اذولانى فانّ فى الشام من العراق خلفا فقام اليه النسر بن ديسم العجلى وكان من أشراف بنى عجل وفرسان بكر بن وائل ومن رؤس أصحاب المثنى بن حارثة فقال لخالد أصلحك الله والله ما جعل الله فى الشام من العراق خلفا للعراق اكثر حنطة وشعيرا وديباجا وحريرا وفضة وذهبا وأوسع سعة وأعرض عرضا والله ما الشام كله الا كجانب من العراق فكره المثنى مشورته عليه وكان يحب أن يخرج من العراق ويخليه واياها فقال خالد انّ بالشأم أهل الاسلام وقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 تهيأت لهم الروم وتسيرت فانما أنا مغيث وليس لهم مدد فكونوا أنتم ههنا على حالتكم التى كنتم عليها فان نفرغ مما أشخصنا اليه عاجلا عجلنا اليكم وان أبطأت رجوت أن لا تعجزوا ولا تهنوا وليس خليفة رسول الله بتارك امدادكم بالرجال حتى يفتح الله عليكم هذه البلاد ان شاء الله تعالى* ويروى انّ أبا بكر أمر خالدا بالخروج فى شطر الناس وأن يخلف على الشطر الثانى المثنى بن حارثة وقال له لا تأخذ مجدا الا خلفت لهم مجدا فاذا فتح الله عليك فارددهم الى العراق وأنت معهم ثم أنت على عملك وأحضر خالد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأثر بهم على المثنى وترك للمثنى أعدادهم من أهل الغباء ممن لم يكن له صحبة ثم نظر فيمن بقى فاختلج من كان قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وافدا أو غير وافد وترك للمثنى اعدادهم من أهل الغباء ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى والله لا اقيم الا على انفاذ أمر أبى بكر كله فى استصحاب نصف الصحابة وابقاء النصف وبعض النصف فو الله ما أرجو النصر الا بهم فانى تعرينى منهم فلما رأى ذلك خالد بعد ما تكلما عليه أعاضه منهم حتى رضى وكان فيمن أعاضه منهم فرات بن حيان العجلى وبشر بن الخصاصية والحارث بن حسان الدهليان ومعبد بن أم معبد الاسلمى وبلال بن الحارث المزنى وعاصم بن عمرو التيمى حتى اذا رضى المثنى واخذ حاجته انحدر خالد ومضى لوجهه وشيعه المثنى الى قراقر فقال له خالد انصرف الى سلطانك غير مقصر ولا ملوم ولا وان* كيفية سلوك خالد فى القفار وذكر الطبرى انّ خالدا لما أراد المسير الى الشام دعا بالادلة فارتحل من الحيرة سائرا الى دومة ثم طعن فى البر الى قراقر ثم قال كيف لى بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم فانى ان استقبلتها حبستنى عن غياث المسلمين فكلهم قالوا لا نعرف الا طريقا لا يحمل الجيش فاياك أن تغرر بالمسلمين فعزم عليه فلم يجبه الى ذلك الا رافع بن عميرة على تهيب شديد فقام فيهم فقال لا تختلفنّ هدتكم ولا تضعفن تعبيتكم واعلموا انّ المعونة تأتى على قدر النية والاجر على قدر الحسبة وانّ المسلم لا ينبغى له أن يكترث بشىء يقع فيه مع معونة الله له فقالوا له أنت رجل قد جمع الله لك الخير فشأنك فطابقوه ونووا واحتسبوا* وذكر غير الطبرى انّ خالدا حين أراد المسير الى الشام قال له محرز بن حريش وكان يتجر بالحيرة ويسافر الى الشام اجعل كوكب الصبح على حاجبك الايمن ثم أمّه حتى تصبح فانك لا تحور فجرّب ذلك فوجده كذلك ثم أخذ فى السماوة حتى انتهى الى قراقر فقوّر من قراقر الى سوى وهما منزلان بينهما خمس ليال فلم يهتدوا للطريق فدل على رافع بن عميرة الطائى فقال له خفف الاثقال واسلك هذه المفازة ان كنت فاعلا فكره خالد أن يخلف احدا فقال قد أتانى أمر لابد من انفاذه وان تكون جميعا قال فو الله انّ الراكب المنفرد ليخافها على نفسه لا يسلكها الا مغررا فكيف انت بمن معك فقال انه لا بدّ من ذلك فقدأتنى؟؟؟ عزمة قال فمن استطاع منكم أن يصرّ اذن راحلته على ماء فليفعل فانها المهالك الا ما وقى الله ثم قال لخالد ابغنى عشرين جزورا عظاما سمانا مسانّ فأتاه بهنّ فظمأهنّ حتى اذا جهدهنّ عطشا سقاهنّ حتى أرواهنّ ثم قطع مشافرهنّ ثم عكمهنّ ثم قال لخالد سر بالخيول والاثقال فكلما نزل منزلا نحر من تلك الشرف اربعا فافتظ ماءهنّ فسقاه الخيول وشرب الناس مما تزوّدوا حتى اذا كان آخر ذلك قال خالد لرافع ويحك ما عندك يا رافع فقال أدركك الرى ان شاء الله انظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق قالوا لا قال انا لله اذا والله هلكت وأهلكت لا أبالكم نظروا فنظروا فوجدوها فكبر وكبروا وقال احفروا فى أصلها فاحتفروا فوجدوا عينا فشربوا وارتووا فقال رافع والله ما وردت هذا الماء قط الا مرّة مع أبى وأنا غلام قال راجز من المسلمين لله درّ رافع أنى اهتدى ... قوّر من قراقر الى سوى أرضا اذا ما سارها الجيش بكى ... ما سارها من قبله انس أرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 لكن بأسباب متينات الهدى ... نكبها الله ثنيات الردى وعن عبد الله بن قرط الثمالى قال لما خرج خالد من عين التمر مقبلا الى الشام كتب الى المسلمين مع عمرو ابن الطفيل بن عمرو الازدى وهو ابن ذى النور* أما بعد فانّ كتاب خليفة رسول الله أتانى بالمسير اليكم وقد شمرت وانكمشت وكأن قد أظلت عليكم خيلى ورجالى فابشروا بانجاز موعد الله وحسن ثواب الله عصمنا لله واياكم باليقين وأثابنا أحسن ثواب المجاهدين والسلام عليكم* كتاب خالد الى أبى عبيدة وكتب معه الى أبى عبيدة أما بعد فانى اسأل الله لنا ولك الا من يوم الخوف والعصمة فى دار الدنيا من كل سوء وقد اتانى كتاب خليفة رسول الله يأمرنى بالمسير الى الشأم وبالقيام على جندها والتولى لامرها والله ما طلبت ذلك قط ولا أردته اذ وليته فأنت على حالك التى كنت عليها لا نعصيك ولا نخالفك ولا نقطع دونك أمرا فأنت سيد المسلمين لا ننكر فضلك ولا نستغنى عن رأيك تمم الله بنا وبك من احسان ورحمنا واياك من صلىّ النار والسلام عليك ورحمة الله* قال فلما قدم علينا عمرو بن الطفيل وقرأ كتاب خالد على الناس وهم بالجابية ودفع الى أبى عبيدة كتابه فقرأه قال بارك الله لخليفة رسول الله فيما رأى وحيا الله خالدا قال وشق على المسلمين أن ولى خالدا على أبى عبيدة ولم أره على احد أشق منه على بنى سعيد بن العاص وانما كانوا متطوّعين حبسوا انفسهم فى سبيل الله حتى يظهر الله الاسلام فأما ابو عبيدة فانا لم نتبين فى وجهه ولا فى شئ من منطقه الكراهة لامر خالد* وعن سهل بن سعد أنّ أبا بكر كتب الى أبى عبيدة أما بعد فانى قد وليت خالدا قتال العدوّ بالشام فلا تخالفه واسمع له وأطع أمره فانى لم أبعثه عليك أن لا تكون عندى خيرا منه ولكنى ظننت أن له فطنة فى الحرب ليست لك أراد الله بنا وبك خيرا والسلام* اغارة خالد على بنى تغلب ثم انّ خالدا خرج من عين التمر حتى أغار على بنى تغلب والنمر بالبشر فقتلهم وهزمهم وأصاب من أموالهم طرفا قال وانّ رجلا منهم ليشرب من شراب له فى جفنة وهو يقول * الاعللانى قبل جيش أبى بكر ... لعل منايانا قريب وما ندرى* فما هو الا أن فرغ من قوله اذ شدّ عليه رجل من المسلمين فضرب عنقه فاذا رأسه فى الجفنة* وعن عدى ابن حاتم قال أغرنا يعنى مع خالد على أهل المصيخ واذا رجل من النمر يدعى حرقوص بن النعمان حوله بنوه وبينهم جفنة من خمروهم عليها عكوف يقولون له ومن يشرب هذه الساعة فى أعجاز الليل فقال اشربوا شرب وداع فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها أبدا هذا خالد بالعين وقد بلغه جمعنا وليس بتاركنا ثم قال الا فاشربوا من قبل قاصمة الظهر ... وقبل انتقاص القوم بالعسكر الدثر وقيل منايانا المصيبة بالقدر ... بحين لعمرى لا يزيد ولا يحرى فسبق اليه وهو فى ذلك بعض الخيل فضرب رأسه فاذا هو فى جفنته فأخذنا بناته وقتلنا بنيه* وفى كتاب سيف قال ولما بلغ غسان خروج خالد على سوى وانتسافها واغارته على مصيخ بهراء وانتسافها اجتمعوا بمرج راهط وبلغ ذلك خالدا وقد خلف ثغور الشام وجنودها مما يلى العراق فصار بينهم وبين اليرموك صمد لهم فخرج من سوى بعد ما رجع اليها بسبى بهراء فنزل علمين على الطريق ثم نزل الليث حتى صار الى دمشق ثم مرج الصفر فلقى عليه غسان وعليهم الحارث بن الايهم فانتسف عسكرهم ونزل بالمرج أياما وبعث الى أبى بكر بالأخماس ثم خرج من المرج حتى نزل مياه بصرى فكانت أوّل مدينة افتتحت بالشام على يدى خالد فيمن معه من جنود العراق وخرج منها فوافى المسلمين بالواقوصة* وعن غير سيف أنّ خالدا أغار على غسان فى يوم فصبحهم فقتل وسبى وخرج على أهل الغوطة حتى أغار عليهم فقتل ما شاء وغنم ثم انّ العدوّ دخلوا دمشق فتحصنوا وأقبل أبو عبيدة وكان بالجابية مقيما حتى نزل معه بالغوطة فحاصر أهل دمشق* عدّة الجيش الذى دخل الشام مع خالد وعن قيس بن أبى حازم قال كان خرج مع خالد من بجيلة وعظيمهم أحمس نحو من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 مائتى رجل ومن طى نحو من مائة وخمسين قال وكان معنا المسيب بن نجيبة فى نحو من مائتى فارس من بنى ذبيان وكان خالد فى نحو من تلثمائة من المهاجرين والانصار فكان أصحابه الذين دخلوا معه الشام ثمانمائة وخمسين رجلا كلهم ذونية وبصيرة لانه كان يقحم أمورا يعلمون انه لا يقوى على ذلك الاكل قوىّ جلد فأقبل بنا حتى مرّ بأروكة فأغار عليها وأخذ الاموال وتحصن منه أهلها فلم يبارحهم حتى صالحهم* قال ومرّ بتدمر فتحصنوا منه فأحاط بهم من كل جانب وأخذهم من كل مأخذ فلم يقدر عليهم فلما لم يطقهم ترحل عنهم وقال لهم حين أراد أن يرتحل فيما يروى عن عبد الله بن قرط والله لو كنتم فى السحاب لاستنزلناكم وظهرنا عليكم ما جئناكم الا ونحن نعلم انكم ستفتحون علينا وان أنتم لم تصالحونا هذه المرّة لارجعنّ اليكم لو قد انصرفت من وجهى هذا ثم لا أرحل عنكم حتى أقتل مقاتلتكم وأسبى ذراريكم فلما فصل قال علماؤهم واجتمعوا انا لا نرى هؤلاء القوم الا الذين كنا نتحدّث انهم يظهرون علينا فافتحوا لهم فبعثوا الى خالد فجاء ففتحوا له وصالحوه* وعن سراقة بن عبد الاعلى أن خالدا فى طريقه ذلك مرّ على حوران فهابوه فتحرز أكثرهم منه وأغار عليهم فاستاق الاموال وقتل الرجال وأقام عليهم أياما فبعثوا الى ما حولهم ليمدّوهم فأمدّوهم من مكانين من بعلبك وهى أرض دمشق ومن قبل بصرى وبصرى مدينة حوران وهى من أرض دمشق أيضا فلما رأى المددين قد أقبلا خرج وصف بالمسلمين ثم تجرّد فى مائتى فارس فحمل على مدد بعلبك وهم أكثر من ألفين فما وقفوا حتى انهزموا ودخلوا المدينة ثم انصرف يوجف فى أصحابه وجيفا حتى اذا كان بحذاء مدد بصرى وانهم لاكثر من ألفين حمل عليهم فما ثبتوا له فواقا حتى هزمهم فدخلوا المدينة وخرج أهل المدينة فرموا المسلمين بالنشاب فانصرف عنهم خالد وأصحابه حتى اذا كان من الغد خرجوا اليه ليقاتلوه فعجزوا وأظهره الله عليهم فصالحوهم* وعن عمرو بن محصن حدّثنى علج من أهل حوران كان يتشجع قال والله لخرجنا اليهم بعد ما جاءنا مدد أهل بعلبك وأهل بصرى بيوم فخرجنا وانا لاكثر من خالد وأصحابه بعشرة أضعافهم وأكثر فما هو الا أن دنونا منهم فثاروا فى وجوهنا بالسيوف كأنهم الاسد فانهزمنا أقبح الهزيمة وقتلونا أشر القتلة فما عدنا نخرج اليهم حتى صالحناهم ولقد رأيت رجلا منا كنا نعدّه بالف رجل قال لئن رأيت أميرهم لا قتلته فلما رأى خالدا قيل له هذا خالد أمير القوم فحمل عليه وانا لنرجو لبأسه أن يقتله فما هو الا أن دنا منه فضرب خالد فرسه فأقدمه عليه ثم استعرض وجهه بالسيف فأطار قحف رأسه ودخلنا مدينتنا فما كان لنا هم الا الصلح حتى صالحناهم* وعن قيس بن أبى حازم قال كنت مع خالد حين مرّ بالشام فأقبل حتى نزل بقناة بصرى من أرض حوران وهى مدينتها فلما نزلنا واطمأننا خرج الينا الدرنجال فى خمسة آلاف فارس من الروم فأقبل الينا وما يظنّ هو وأصحابه الا أنا فى أكفهم فخرج خالد فصفنا ثم جعل على ميمنتنا رافع بن عميرة الطائى وعلى ميسرتنا ضرار بن الازور وعلى الرجال عبد الرحمن بن حنبل الجمحى وقسم خيله فجعل على شطرها المسيب بن نجيبة وعلى الشطر الاخر رجلا كان معه من بكر بن وائل ولم يسمه وأمرهما خالد حين قسم الخيل بينهما أن يرتفعا من فوق القوم عن يمين وشمال ثم ينصبا على القوم ففعلا ذلك وأمرنا خالد أن نزحف الى القلب فزحفنا اليهم والله ما نحن الاثمانمائة وخمسون رجلا وأربعمائة رجل من مشجعة من قضاعة استقبلنا بهم يعبوب رجل منهم فكنا ألفا ومائتين ونيفا قال وكنا نظنّ انّ الكثير من المشركين والقليل عند خالد سواء لانه كان لا يملأ صدره منهم شىء ولا يبالى بمن لقى منهم لجراءته عليهم فلما دنوا منا شدّوا علينا شدّتين فلم نبرح ثم انّ خالدا نادى بصوت له جهورى شديد عال فقال يا أهل الاسلام الشدّة الشدّة احملوا رحمكم الله عليهم فانكم ان قاتلتموهم محتسبين بذلك وجه الله فليس لهم أن يواقفوكم ساعة* ثم انّ خالدا شدّ عليهم فشددنا معه فو الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الذى لا اله الا هو ما ثبتوا لنا فواقا حتى انهزموا فقتلنا منهم فى المعركة مقتلة عظيمة ثم اتبعناهم نكردهم ونصيب الطرف منهم ونقطعهم عن أصحابهم ثم نقتلهم فلم نزل كذلك حتى انتهبنا الى مدينة بصرى فأخرج لنا أهلها الاسواق واستقبلوا المسلمين بكل ما يحبون ثم سألوا الصلح فصالحناهم فخرج خالد من فوره ذلك وأغار على غسان فى جانب من مرج راهط فى يوم فصبحهم فقتل وسبى* وعن أبى الخزرج الغسانى قال كانت أمى فى ذلك السبى فلما رأت هدى المسلمين وصلاحهم وصلاتهم وقع الاسلام فى قلبها فأسلمت فطلبها أبى فى السبى فعرفها فجاء المسلمين فقال يا أهل الاسلام انى رجل مسلم وهذه امرأتى قد أصبتموها فان رأيتم أن تصلونى وتحفظوا حقى وتردّوا علىّ أهلى فعلتم فقال لها المسلمون ما تقولين فى زوجك فقد جاء يطلبك وهو مسلم قالت ان كان مسلما رجعت اليه والا فلا حاجة لى فيه ولست براجعة اليه* (وقعة أجنادين) * ذكر سعد بن الفضل وأبو اسمعيل وغيرهما انّ خالد بن الوليد لما دخل الغوطة كان قد مرّ بثنية فجزعها ومعه راية ببضاء تدعى العقاب فسميت بذلك تلك الثنية ثنية العقاب ثم نزل ديرا يقال له دير خالد لنزوله به وهو مما يلى الباب الشرقى يعنى من دمشق وجاء أبو عبيدة من قبل الجابية ثم شنا الغارات فى الغوطة وبيناهما كذلك أتاهما أن وردان صاحب حمص قد جمع الجموع يريد أن يقتطع شرحبيل بن حسنة وهو ببصرى وانّ جموعا من الروم قد نزلت أجنادين وانّ أهل البلد ومن مرّوابه من نصارى العرب قد سارعوا اليهم فأتاهما خبر أقطعهما وهما مقيمان على عدوّ يقاتلا به فالتقيا فتشاورا فى ذلك فقال أبو عبيدة أرى أن نسير حتى نقدم على شرحبيل قبل أن ينتهى اليه العدوّ الذى صمد صمده فاذا اجتمعنا سرنا اليه حتى نلقاه فقال له خالد ان جمع الروم هذا بأجنادين وان نحن سرنا الى شرحبيل تبعنا هؤلاء من قريب ولكن أرى أن نصمد صمد عظيمهم وأن نبعث الى شرحبيل فنحذره مسير العدوّ اليه ونأمره فيوا فينا بأجنادين ونبعث الى يزيد بن أبى سفيان وعمرو بن العاص فيوا فيانا باجنادين ثم نناهض عدوّنا فقال له أبو عبيدة هذا رأى حسن فأمضه على بركة الله وكان خالد مبارك الولاية ميمون النقيبة مجرّبا بصيرا بالحروب مظفرا فلما أراد الشخوص من أرض دمشق الى الروم الذين اجتمعوا بأجنادين كتب نسخة واحدة الى الامراء* أما بعد فانه قد نزل بأجنادين جمع من جموع الروم غير ذى قوّة ولا عدّة والله قاصمهم وقاطع دابرهم وجاعل دائرة السوء عليهم وشخصت اليكم يوم سرحت رسولى اليكم فاذا قدم عليكم فانهضوا الى عدوّكم بأحسن عدّتكم وأصح نيتكم ضاعف الله لكم أجوركم وحط أوزاركم والسلام ووجه بهذه النسخة مع انباط كانوا مع المسلمين عيونا لهم وفيوجا وكان المسلمون يرضخون لهم* ودعا خالد الرسول الذى بعثه منهم الى شرحبيل فقال له كيف علمك بالطريق قال كما تريد قال فادفع اليه هذا الكتاب وحذره الجيش الذى ذكر لنا انه يريده وخذ به وبأصحابه طريقا تعدل به عن طريق العدوّ الذى شخص اليه وتأتى به حتى تقدمه علينا بأجنادين قال نعم فخرج الرسول الى شرحبيل ورسول آخر الى عمرو بن العاص ورسول آخر الى يزيد بن أبى سفيان وخرج خالد وأبو عبيدة بالناس الى أهل أجنادين والمسلمون سراعا اليهم جرآء عليهم فلما شخصوا لم يرعهم الا أهل دمشق فى آثارهم فلحقوا أبا عبيدة وهو فى أخريات الناس فلما رآهم قد لحقوا به نزل فأحاطوا به وهو فى نحو من مائتى رجل من أصحابه وأهل دمشق فى عدد كثير فقاتلهم أبو عبيدة قتالا شديدا وأتى الخبر خالدا وهو فى أمام الناس فى الفرسان والخيل فعطف راجعا ورجع الناس معه وتعجل خالد فى الخيل وأهل القوّة فانتهوا الى أبى عبيدة وأصحابه وهم يقاتلون الروم قتالا حسنا فحمل الخيل على الروم فقذف بعضهم على بعض وتعقبهم ثلاثة أميال حتى دخلوا دمشق ثم انصرف ومضى الناس نحو الجابية وأخذ يلتفت وينتظر قدوم أصحابه ومضى رسول خالد الى شرحبيل فوافاه ليس بينه وبين الجيش الذى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 سار اليه من حمص مع وردان الا مسيرة يوم وهو لا يشعر فدفع اليه الرسول الكتاب وأخبره الخبر واستحثه بالشخوص* فقام شرحبيل فى الناس فقال أيها الناس اشخصوا الى أميركم فانه قد توجه الى عدوّ المسلمين بأجنادين وقد كتب الىّ يأمرنى بموافاته هناك ثم خرج بالناس ومضى بهم الدليل وبلغ ذلك الجيش الذى جاء فى طلبهم فعجل المسير فى آثارهم وجاء وردان كتاب من الروم الذين بأجنادين أن عجل الينا فانا مؤمروك علينا ومقاتلون معك العرب حتى ننفيهم من بلادنا فأقبل فى آثار هؤلاء رجاء أن يستأصلهم أو يصيب طرفا منهم فيكون قد نكب طائفة من المسلمين فأسرع المسير فلم يلحقهم وجاؤا حتى قدموا على المسلمين وجاء وردان فيمن معه حتى وافى جمع الروم بأجنادين فأمروه عليهم واشتدّ أمرهم وأقبل يزيد بن أبى سفيان حتى وافى أبا عبيدة وخالدا ثم انهم ساروا حتى نزلوا بأجنادين وجاء عمرو بن العاص فيمن معه فاجتمع المسلمون جميعا بأجنادين وتزاحف الناس غداة السبت فخرج خالد فأنزل أبا عبيدة فى الرجال وبعث معاذ بن جبل على الميمنة وسعد بن عامر على الميسرة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل على الخيل وأقبل خالد يسير فى الناس لا يقرّ فى مكان واحد يحرّض الناس وقد أمر نساء المسلمين فاحتزمن وقمن وراء الناس يدعون الله ويستغثنه وكلما مرّ بهنّ رجل من المسلمين رفعن أولادهنّ اليه وقلن لهم قاتلوا دون أولادكم ونسائكم* وأقبل خالد يقف على كل قبيلة فيقول اتقوا الله عباد الله وقاتلوا فى الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم ولا تهابوا من عدوّكم ولكن أقدموا كاقدام الاسد أو ينجلى الرعب وأنتم أحرار كرام قد أوتيتم الدنيا واستوجبتم على الله ثواب الاخرة ولا يهولنكم ما ترون من كثرتهم فانّ الله منزل رجزه وعقابه بهم وقال للناس اذا حملت فاحملوا* وقال معاذ بن جبل يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم اليوم لله فانكم ان هزمتموهم اليوم كانت لكم دار الاسلام أبدا مع رضوان الله والثواب العظيم من الله وكان من رأى خالد مدافعتهم وان يؤخر القتال الى صلاة الظهر عند مهب الارياح وتلك الساعة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب القتال فيها فأعجله الروم فحملوا عليهم مرّتين من قبل الميمنة على معاذ بن جبل ومن قبل الميسرة على سعيد بن عامر فلم يتخلخل أحد منهم ورموا المسلمين بالنشاب فنادى سعيد بن زيد وكان من أشدّ الناس يا خالد علام نستهدف لهؤلاء الا علاج وقد رشقونا بالنشاب حتى شمست الخيل فقال خالد للمسلمين احملوا رحمكم الله على اسم الله فحمل خالد والناس بأجمعهم فما واقفوهم فوقا فهزمهم الله فقتلهم المسلمون كيف شاؤا وأصابوا عسكرهم وما فيه وأصابت أبان بن سعيد بن العاص نشابة فنزعها وعصبها بعمامته فحمله اخوته فقال لا تنزعوا عما متى عن جرحى فلو قد نزعتموها تبعتها نفسى أم والله ما أحب ان لى بها معجرا من خمر النساء فمات منها رحمه الله وأبلى يومئذ بلاء حسنا وقاتل قتالا شديدا عظم فيه عناؤه وعرف به مكانه وكان قد تزوّج أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وبنى عليها فباتت عنده الليلة التى زحفوا للعدوّ فى غدها فاصيب فقالت امّ أبان هذه لما مات ما كان أغنانى عن ليلة أبان وقتل اليعبوب بن عمرو بن ضريس المشجعى يومئذ سبعة من المشركين وكان شديدا جليدا فطعن طعنة كان يرجى أن يبرأ منها فمكث أربعة أيام أو خمسة ثم انتقضت به فاستأذن أبا عبيدة أن يأذن له فى المسير الى أهله فان يبرأ رجع اليهم فأذن له فرجع الى أهله بالعمر عمر المدائن فمات رحمه الله فدفن هناك وقتل سلمة بن هشام المخزومى ونعيم بن عدى بن صخر العدوى وهشام بن العاص السهمى أخو عمرو بن العاص وهبار بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن الطفيل الدوسى وهو ابن ذى النور وكان من فرسان المسلمين فقتلوا يومئذ رحمهم الله وقتل المسلمون منهم يومئذ فى المعركة ثلاثة آلاف واتبعوهم يأسرون ويقتلون فخرج فان الروم الى ايليا وقيسارية ودمشق وحمص فتحصنوا فى المدائن العظام* كتاب خالد بالفتح الى أبى بكر رضى الله عنهما وكتب خالد الى أبى بكر لعبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 أبى بكر خليفة رسول الله من خالد بن الوليد سيف الله المصبوب على المشركين سلام عليك فانى أخبرك أيها الصديق انا التقينا نحن والمشركون وقد جمعوا لنا جموعا جمة بأجنادين وقد رفعوا صليبهم ونشروا كتبهم وتقاسموا بالله لا يفرّون حتى يفنونا أو يخرجونا من بلادهم فخرجنا واثقين بالله متوكلين على الله فطاعناهم بالرماح شيئا ثم صرنا الى السيوف فقا رعناهم بها مقدار نحر جزور ثم انّ الله أنزل نصره وأنجز وعده وهزم الكافرين فقتلناهم فى كل فج وشعب وغائط فالحمد لله على اعزاز دينه واذلال عدوّه وحسن الصنيع لاوليائه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* وبعث خالد بكتابه هذا مع عبد الرحمن ابن حنبل الجمحى فلما قرئ على أبى بكر وهو مريض مرضه الذى توفاه الله فيه أعجبه ذلك وقال الحمد لله الذى نصر المسلمين وأقرّ عينى بذلك* قال سهل بن سعد وكانت وقعة أجنادين هذه أوّل وقعة عظيمة كانت بالشأم وكانت سنة ثلاث عشرة فى جمادى الاولى لليلتين بقيتا منه يوم السبت نصف النهار قبل وفاة أبى بكر رضى الله عنه بأربع وعشرين ليلة* وذكر الطبرى عن ابن اسحاق انّ الذى كان على الروم تدارق أخو هرقل لابيه وأمه ثم ذكر عنه عن عروة بن الزبير قال كان على الروم رجل منهم يقال له القلقنار وكان استخلفه على امراء الشأم حين سار الى القسطنطينية واليه انصرف تدارق ومن معه من الروم* قال ابن اسحاق فأما علماء الشأم فيزعمون انه كان على الروم تدارق والله أعلم وعنه لما ترا آى العسكران بعث القلنقار رجلا عربيا فقال له ادخل فى هؤلاء القوم فأقم فيهم يوما وليلة ثم ائتنى بخبرهم فدخل فى الناس رجل عربى لا ينكر عليه فأقام فيهم يوما وليلة ثم أتاه فقال له ما وراءك فقال له بالليل رهبان وبالنهار فرسان ولو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده ولوزنى لرجم لاقامة الحق فيهم فقال له القلنقار لئن كنت صدقتنى لبطن الارض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ولوددت أن الله يخلى بينى وبينهم فلا ينصرنى عليهم ولا ينصرهم علىّ ثم تزاحف الناس فاقتتلوا فلما رأى القلنقار ما رأى من قتالهم للروم قال للروم لفوا رأسى بثوب قالوا له لم قال هذا يوم بئيس ما أحب ان أراه ما رأيت لى من الدنيا يوما أشدّ من هذا قال فاحتز المسلمون رأسه وانه للملفف* وعن غير ابن اسحاق قال ثم ان خالد بن الوليد أمر الناس أن يسيروا الى دمشق وأقبل بهم حتى نزلها وقصد الى ديره الذى كان ينزل به وهو من دمشق على ميل مما يلى الباب الشرقى وبخالد يعرف ذلك الدير الى اليوم وجاء أبو عبيدة حتى نزل على باب الجابية ونزل يزيد بن أبى سفيان على باب آخر من دمشق فأحاطوا بها فكثروا حولها وحاصروا أهلها حصارا شديدا وقدم عبد الرحمن بن حنبل من عند أبى بكر بكتابه الى خالد والى يزيد قال فخرج خالد بالمسلمين ذات يوم فأحاطوا بمدينة دمشق ودنوا من أبوابها فرماهم أهلها بالحجارة ورشقوهم من فوق السور بالنشاب* قال ابن حنبل فبلغ أبا سفيان عنا بأننا ... على خير حال كان جيش يكونها فانا على بابى دمشق نرتمى ... وقدحان من بابى دمشق حينها * (وقعة مرج الصفر) * سنة أربع عشرة قال فان المسلمين لكذلك يقاتلونهم ويرجون فتح مدينتهم أتاهم آت فأخبر انّ هذا جبش قد أتاكم من قبل الروم فنهض خالد بالناس على تعبيته وهينته فقدّم الاثقال والنساء وخرج معهن يزيد بن أبى سفيان ووقف خالد وأبو عبيدة من وراء الناس ثم أقبلوا نحو ذلك الجيش فاذا هو درنجان بعثه ملك الروم فى خمسة آلاف رجل من أهل القوّة والشدّة ليغيث أهل دمشق فصمد المسلمون صمدهم وخرج اليهم أهل القوّة من أهل دمشق وناس كثير من أهل حمص فالقوم نحو من خمسة عشر ألفا فلما نظر اليهم خالد عبىّ لهم أصحابه كتعبيته يوم أجنادين فجعل على ميمنته معاذ بن جبل وعلى ميسرته هاشم بن عتبة وعلى الخيل سعيد بن زيد وأبا عبيدة على الرجال وذهب خالد فوقف فى أوّل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 الصف يريد أن يحرض الناس ثم نظر الى الصف من أوّله الى آخره حتى حملت خيل لهم على خالد بن سعيد وكان واقفا فى جماعة من المسلمين فى ميمنة الناس يدعون الله وانقض عليهم فحملت طائفة منهم عليه فقاتلهم حتى قتل رحمه الله وحمل عليهم معاذ بن جبل من الميمنة فهزمهم وحمل عليهم خالد بن الوليد من الميسرة فهزم من يليه منهم وحمل سعيد بن زيد بالخيل على معظم جمعهم فهزمهم الله وقتلهم واجتث عسكرهم ورجع الناس وقد ظفروا وقتلوهم كل قتلة وذهب المشركون على وجوههم فمنهم من دخل دمشق مع أهلا ومنهم من رجع الى حمص ومنهم من لحق بقيصر* وعن عمرو بن محصن ان قتلاهم يومئذ وهو يوم مرج الصفر كانت خمسمائة من المعركة وقد قتلوا وأسروا نحوا من خمسمائة أخرى* وقال أبو أمامة فيما رواه عنه يزيد بن زيد بن جابر كان بين أجنادين وبين يوم مرج الصفر عشرون يوما قال فحسبت ذلك فوجدته يوم الخميس اثنتى عشرة ليلة بقيت من جمادى الاخرة قبل وفاة أبى بكر بأربعة أيام ثم انّ الناس أقبلوا عودهم على بدئهم حتى نزلوا دمشق فحاصروا أهلها وضيقوا عليهم وعجز أهلها عن قتال المسلمين ونزل خالد منزله الذى كان ينزل به على الباب الشرقى ونزل أبو عبيدة منزله على باب الجابية ونزل يزيد بن أبى سفيان جانبا آخر وكان المسلمون يغزون فكلما أصاب رجل نفلا جاء بنفله حتى يلقيه فى القيض لا يستحل أن يأخذ منه قليلا ولا كثيرا حتى انّ الرجل منهم ليجىء بالكبة الغزل أو بالكبة الصوف أو الشعر أو المسلة أو الابرة فيلقيها فى القيض لا يستحل أن يأخذها فسأل صاحب دمشق بعض عيونه عن أعمالهم وسيرتهم فوصفهم له بهذه الصفة بالامانة ووصفهم بالصلاة بالليل وطول القيام فقال هؤلاء رهبان بالليل أسد بالنهار والله مالى بهؤلاء طاقة ومالى فى قتالهم خير قال فراود المسلمين على الصلح فأخذ لا يعطيهم ما يرضيهم ولا يتابعونه على ما يسأل وهو فى ذلك لا يمنعه من الصلح والفراغ الا انه قد بلغه أن قيصر يجمع الجموع للمسلمين يريد غزوهم فكان ذلك مما يمنعه من تعجيل الصلح وعلى تعبيته تلك بلغ المسلمين الخبر بوفاة أبى بكر الصديق واستخلافه عمر بن الخطاب وما يتبعه ذلك من صرف خالد بن الوليد بأبى عبيدة بن الجراح وستجىء فى خلافة عمر رضى الله عنه* (ذكر مرض أبى بكر ووفاته رضى الله عنه) * عن عبد الله بن عمر قال كان سبب موت أبى بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمد فما زال جسمه يحرى حتى مات الكمد الحزن المكتوم* قال ابن شهاب انّ أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لابى بكر فقال الحارث لابى بكر ارفع يدك يا خليفة رسول الله والله انّ فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت فى يوم فرفع أبو بكر يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا فى يوم واحد عند انقضاء السنة كذا فى الصفوة* وفى الاكتفاء اختلف أهل العلم فى السبب الذى توفى منه أبو بكر فذكر الواقدى انه اغتسل فى يوم بارد فحمّ ومرض خمسة عشر يوما لا يخرج الى الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلى بالناس كذا فى الرياض النضرة* وقال الزبير بن بكار كان به طرف من السل وقال غيره أصل ابتداء ذلك السل به الوجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبضه الله اليه فما زال ذلك به حتى قضى منه* وروى عن سلام بن أبى مطيع انه رضى الله عنه سم وبعض من ذكر ذلك يقول انّ اليهود سمته فى أرزة وقيل فى حريرة فمات بعد سنة كما مرّ وقيل له لو أرسلت الى طبيب فقال قد رآنى قالوا فما قال لك قال قال انى أفعل ما أريد وكذلك اختلف فى حين وفاته* قال ابن اسحاق توفى يوم الجمعة لليال بقين من جمادى الاخرة سنة ثلاث عشرة* وقال غيره من أهل السير انه مات عشاء يوم الاثنين وقيل ليلة الثلاثاء وقيل عشاء الثلاثاء وهذا هو الاكثر فى وفاته* وفى الصفوة قيل ليلة الاثنين بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادى الاخرة* وفى التذنيب وشرح العقائد العضدية من جمادى الاولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة* وفى بعض الكتب بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 مضى سنتين وستة أشهر من وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة وستة أشهر وأسلم وهو ابن سبع وثلاثين سنة وعاش فى الاسلام ستا وعشرين سنة وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته فصى أوّل امرأة غسلت زوجها فى الاسلام وأوصى أن يدفن الى جنب رسول الله وقال اذا أنامت فحيئوابى على الباب يعنى باب البيت الذى فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فادفعوه فان فتح لكم فادفنونى قال جابر فانطلقنا فدفعنا الباب وقلنا هذا أبو بكر الصديق قد اشتهى ان يدفن عند النبىّ صلى الله عليه وسلم ففتح الباب ولا ندرى من فتح لنا وقال لنا ادخلوا ادفنوه كرامة ولا نرى شخصا ولا نرى شيئا كذا فى الصفوة* وفى شواهد النبوّة سمعوا صوتا يقول ضموا الحبيب الى الحبيب* وفى الاكتفاء آخر ما تكلم به أبو بكر رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين* ولما توفى أبو بكر ارتجت المدينة بالبكاء ودهش القوم كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر بن الخطاب فى مسجد رسول الله بين القبر والمنبر وحمل على السرير الذى حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فى قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن بن أبى بكر ودفن ليلا فى بيت عائشة مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وجعل رأسه عند كتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الصفوة ولحده بلحده وجعل قبره مسطحا مثل قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم ورش عليه بالماء كذا فى الاكتفاء* مروياته فى كتب الحديث مائة واثنان وأربعون حديثا* حكى ابن النجار انّ أبا قحافة حين توفى أبو بكر كان حيا بمكة نعى اليه قال رزء جليل وعاش بعده ستة أشهر وأياما وتوفى فى المحرم سنة أربع عشرة بمكة لسبع وتسعين سنة كذا فى الرياض النضرة* (ذكر أولاد أبى بكر) * وكان له من الولد ستة ثلاثة بنين وثلاث بنات أما البنون فعبد الله وهو أكبر ولده الذكور امه قتيلة ويقال قتلة دون تصغير من بنى عامر بن لؤى شهد فتح مكة وحنينا والطائف مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وجرح بالطائف رمى بسهم رماه أبو محجن الثقفى واندمل جرحه الى خلافة أبيه بعد وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وانتقض به فمات فى أوّل خلافة أبيه أبى بكر وذلك فى شوّال من سنة احدى عشرة ودفن بعد الظهر وصلى عليه أبوه ونزل فى قبره أخوه عبد الرحمن وعمر وطلحة بن عبيد الله اخرجه أبو نعيم وابن منده وأبو عمر وكذا فى أسد الغابة وترك سبعة دنانير فاستنكرها أبو بكر ولا عقب له كذا فى الرياض النضرة وعبد الرحمن ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد بابنه محمد الذى يقال له أبو عتيق وقيل أبو عثمان أمّه أم رومان بنت الحارث من بنى فراس بن غنم بن كنانة أسلمت وهاجرت وكان عبد الرحمن شقيق عائشة شهد بدرا وأحدا مع المشركين وكان من الشجعان وكان راميا حسن الرمى وله مواقف فى الجاهلية والاسلام مشهورة دعا الى البراز يوم بدر فقام اليه أبوه أبو بكر ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنى بنفسك ثم منّ الله عليه فأسلم فى هدنة الحديبية وكان اسمه عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وقيل كان اسمه عبد العزى وله عقب* وفى الاستيعاب ذكر الزبير عن سفيان بن عيينة عن على بن زيد بن جدعان انّ عبد الرحمن بن أبى بكر فى فئة من قريش هاجروا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل الفتح وأحسبه قال ان معاوية كان منهم وكذا فى أسد الغابة وشهد اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من أكابرهم وهو الذى قتل محكم اليمامة بن الطفيل رماه فى نحره فقتله وكان محكم اليمامة فى ثلمة فى الحصن فلما قتل دخل المسلمون منها* قال الزبير بن بكار كان عبد الرحمن أسن ولد أبى بكر وكان فيه دعابة أى مزاح وشهد وقعة الجمل مع أخته عائشة* روى الزبير بن بكار انه بعث معاوية الى عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية فردّها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال لا أبيع دينى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 بدنياى وخرج الى مكة ومات بها قبل ان تتم البيعة ليزيد وكان موته فجأة سنة ثلاث وخمسين فى نومة نامها بمكان اسمه حبشى كصلبى جبل باسفل مكة قريب منها وقيل على نحو عشرة اميال من مكة وحمل على أعناق الرجال الى مكة* وفى الرياض النضرة أدخلته أخته عائشة الحرم ودفنته* وفى أسد الغابة ولما اتصل خبر موته باخته عائشة ظعنت الى مكة حاجة فوقفت على قبره فبكت عليه وتمثلت بقول متمم بن نويرة فى أخيه مالك وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا ولما تفرّقنا كأنى وملكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت ولو حضرتك ما بكيتك وهذا يغاير ما سبق آنفا من رواية الرياض النضرة أدخلته أخته عائشة الحرم ودفنته وكان موته سنة ثلاث وخمسين كما مرّ وقيل سنة خمس وخمسين وقيل سنة ست وخمسين والاوّل أكثر* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانية أحاديث ولا يعرف فى الصحابة أربعة ولاء أب وبنوه والذى بعد كل منهم ابن الذى قبله أسلموا وصحبوا النبىّ صلى الله عليه وسلم الا فى بيت أبى بكر الاوّل أبو قحافة اسمه عثمان بن عامر وابنه أبو بكر الصدّيق وابنه عبد الرحمن ابن أبى بكر وابنه محمد بن عبد الرحمن أبو عتيق وكذلك ثبت هذا فى ولد أسماء* ومحمد بن أبى بكر ويكنى أبا القاسم وكان من نساك قريش الا انه أعان على عثمان يوم الدار أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت من المهاجرات الاول وكانت تحت جعفر بن أبى طالب وهاجرت معه الى الحبشه ولما استشهد جعفر بمؤتة من أرض الشأم تزوّجها بعده أبو بكر فولدت له محمدا هذا بذى الحليفة لخمس ليال بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة وهى شاخصة الى الحج فى حجة الوداع مع النبىّ صلى الله عليه وسلم هى وأبو بكر فأمرها النبىّ عليه السلام أن تغتسل وترجل ثم تهل بالحج وتصنع ما يصنع الحاج الا انها لا تطوف بالبيت فكانت سببا لحكم شرعى الى قيام الساعة وزكاها النبىّ صلى الله عليه وسلم وبرأها من الفحشاء* ولما توفى أبو بكر عنها تزوّجها على بن أبى طالب فنشأ محمد بن أبى بكر فى حجر على بن أبى طالب وكان على راحلته يوم الجمل وشهد معه صفين وولاه عثمان فى أيامه مصر وكتب له العهد ثم اتفق مقتل عثمان قبل وصوله اليها وولاه أيضا علىّ مصر مكان قيس بن سعد بعد مرجعه من صفين* ذكر مقتل محمد بن أبى بكر وذكر فى تاريخ ابن خلكان وغيره انّ على بن أبى طالب ولى محمد بن أبى بكر الصدّيق مصر فدخلها سنة سبع وثلاثين من الهجرة وأقام بها الى ان بعث معاوية بن أبى سفيان عمرو بن العاص فى جيوش أهل الشأم ومعهم معاوية بن حديج بحاء مهملة مضمومة ودال مهملة مفتوحة وبالجيم فى آخره كذا ضبطه السمعانى فى الانساب وابن عبد البر وابن قتيبه* ووقع فى كثير من نسخ تاريخ ابن خلكان معاوية بن خديج بخاء معجمة مفتوحة ودال مكسورة وآخره جيم وهو غلط والصواب ما تقدّم فالتقى هو ومعاوية ابن خديج وأصحابه فاقتتلوا وانهزم محمد بن أبى بكر واختبى فى بيت مجنونة فمرّ أصحاب معاوية بن حديج بالمجنونه وهى قاعدة على الطريق وكان لها أخ فى الجيش فقالت تريد قتل أخى قال لا ما أقتله قالت فهذا محمد بن أبى بكر داخل بيتى فامر معاوية أصحابه فدخلوا اليه وربطوه بالحبال وجرّوه على الارض وأتوا به الى معاوية فقال محمدا حفظنى لابى بكر فقال له قتلت من قومى فى قصة عثمان ثمانين رجلا وأتركك وأنت صاحبه لا والله فقتله فى صفر سنة ثمان وثلاثين وأمر به معاوية انّ يجر فى الطريق ويمرّ على دار عمرو بن العاص لما يعلم من كراهته لقتله وأمر به أن يحرق بالنار فى جيفة حمار وعليه أكثر المؤرّخين* وقال غيره بل وضعه حيا فى جيفة حمار ميت وأحرقه وكان ذلك قتله وسبب ذلك دعوة اخته عائشة لما أدخل يده فى هودجها يوم وقعة الجمل وهى لا تعرفه فظنته اجنبيا فقالت من هذا الذى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 يتعرّض لحرم رسول الله أحرقه الله بالنار قال يا اختاه قولى بنار الدنيا قالت بنار الدنيا ودفن فى الموضع الدى قتل فيه فلما كان بعد سنة من مدفنه أتى غلامه وحفر قبره فلم يجد فيه سوى الرأس فأخرجه ودفنه فى المسجد تحت المنارة ويقال انّ الرأس فى القبلة* قال وكانت عائشة قد أنفذت أخاها عبد الرحمن الى عمرو بن العاص فى شأن محمد فاعتذر بانّ الامر لمعاوية بن حديج ولما قتل رضى الله عنه ووصل خبره الى المدينة مع مولاه سالم ومعه قميصه فدخل به داره رجال ونساء فامرت أم حبيبة بنت أبى سفيان بكبش فشوى فبعثت به الى عائشة وقالت هكذا شوى أخوك فلم تأكل عائشة بعد ذلك شوى حتى ماتت* وقالت هند بنت شمس الحضرمية رأيت نائلة امرأة عثمان بن عفان تقبل رجل معاوية بن حديج وتقول بك أدركت ثارى ولما سمعت أمّه أسماء بنت عميس بقتله كظمت الغيظ حتى شخبت ثدياها دما ووجد عليه على بن أبى طالب وجدا عظيما وقال كان لى ربيبا وكنت أعدّه ولدا ولى أخا وذلك انّ عليا قد تزوّج امّه أسماء بنت عميس بعد وفاة الصدّيق ورباه كذا فى حياة الحيوان* وأما البنات فعائشة أمّ المؤمنين رضى الله عنها شقيقة عبد الرحمن تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت لابى بكر بذلك أشرف الشرف فكانت احدى أمّهات المؤمنين وحظوتها عنده وشرف منزلتها وعظم رتبتها على سائر النساء مشهور حتى بلغ ذلك منه الى ان قيل من أحب الناس اليك يا رسول الله قال عائشة فقيل ومن الرجال فقال أبوها فكانت أحب الناس اليه مطلقا بنت أحب الناس اليه من الرجال وكيفية تزويجها وزفافها قد سبقت فى الركن الثانى والثالث وأسماء بنت أبى بكر شقيقة عبد الله وهى أكبر بناته وهى ذات النطاقين وقد تقدّم سبب تسميتها بذلك فى هجرة أبى بكر مع رسول الله وتزوّجها الزبير بن العوام بمكة وولدت له عدّة أولاد ثلاثة ذكور المنذر وعروة وهو احد الفقهاء السبعة المدنيين والمهاجر وثلاث اناث خديجة الكبرى وأمّ الحسن وعائشة ثم طلقها فكانت مع ولدها عبد الله بن الزبير بمكة حتى قتل وعاشت بعده قليلا وكانت من المعمرين بلغ عمرها مائة سنة ولم يسقط لها سنّ وعميت وماتت بمكة وقد تقدّم ما ثبت برؤية ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته عنه لبيت أبى بكر من الشرف بوجود أربعة فيه بعضهم ولد بعض رأوا رسول الله ورووا عنه وأمّ كلثوم وهى أصغر بناته وفى المختصر أمّها نصرانية وهى التى قال أبو بكر فيها ذو بطن بنت خارجة أمّها حبيبة بنت خارجة بن زيد كان أبو بكر قد نزل عليه فى الهجرة وتزوّج ابنته وتوفى عنها وتركها حبلى فولدت بعده أمّ كلثوم هذه ولما كبرت خطبها عمر بن الخطاب الى عائشة فانعمت له وكرهت أمّ كلثوم بنت علىّ فاحتالت له حتى أمسك عنها وتزوّجها طلحة بن عبيد الله ذكره ابن قتيبه وغيره وجميع ما ذكر من كتاب المعارف ومن الصفوة لابى الفرج بن الجوزى ومن الاستيعاب لابى عمرو بن عبد البر ومن كتاب فضائل أبى بكر كل منهم خرج طائفة كذا فى الرياض النضرة* (ذكر عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب) * يلتقى هو ورسول الله عند كعب وبين عمر وكعب ثمانية آباء وبين النبىّ صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة لم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عمر وكناه رسول الله ابا حفص والحفص ولد الاسد وكان ذلك يوم بدر ذكره ابن اسحاق* وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يوم أسلم فى دار الارقم عند الصفا وبه تم المسلمون أربعين فخرجوا وأظهروا الاسلام فرق الله بعمر بين الحق والباطل كذا روى عن ابن عباس وكذا ذكر فى الرياض النضرة وأمّه خيثمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وقد قال طائفة فى أمّ عمر خيثمة بنت هشام بن المغيرة ومن قال ذلك فقد أخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبى جهل بن هشام والحارث بن هشام وليس كذلك وانما هى بنت هاشم بن المغيرة وانّ هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة اخوان فهاشم والد خيثمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 أمّ عمر وهشام والد الحارث وأبى جهل وأمّ عمر ابنة عمهما وهاشم بن المغيرة هذا جدّ عمر لامّه وكان يقال له ذو الرمحين كذا فى الاستيعاب* وولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة* (صفته) * فى الرياض النضرة قال ابن قتيبة الكوفيون يرون انّ عمر آدم شديد الادمة وأهل الحجاز يرون انه أبيض أمهق* قال صاحب الصفوة كان عمر طوالا أصلع أجلح شديد حمرة العينين خفيف العارضين* وقال أبو عمرو كان كث اللحية أعسر يسر آدم شديد الادمة وهكذا وصفه رزين بن حبيش وغيره يعنى شديد الادمة وعليه الاكثر* وقال الواقدى لا يعرف انه كان آدم الا ان يكون تغير لونه من أكل الزيت عام الرمادة* فى الصحاح عام الرمادة أعوام تتابعت على الناس فى أيام عمر بن الخطاب فهلك فيه الناس والاموال من رمدت الغنم ترمد رمدا هلكت* قوله والادم من الناس الاسمر والجمع الادمان والادمة بضم الهمزة واسكان الدال السمرة الامهق الذى يشبه لونه لون الجص لا يكون له دم ظاهر الاصلع هو الذى انحسر شعر مقدم رأسه ويقال لموضع الصلع صلعة بالتحريك وصلعة بضم الصاد واسكان اللام والاجلح هو الذى انحسر الشعر من جانبى رأسه فوق الانزع وأوّله النزع ثم الجلح ثم الصلع واسم ذلك الموضع جلحة بالتحريك وأعسر يسر هو الذى يعمل بيديه جميعا ويقال له الاضبط* قال ابو رجاء العطاردى كان عمر طويلا جسيما أصلع شديد الصلع أبيض شديد حمرة العينين فى عارضيه خفة سبلته كثيرة الشعر فى أطرافها صهبة وزاد فى دول الاسلام اذا حزبه أمر فتلها وكان أحول* وعن سماك ابن حرب قال كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمشون* وفى المختصر الجامع كأنه راكب جمل والناس مشاة كأنه من رجال سدوس خرجه الحافظ السلفى قال الاروح هو الذى تتدانى قدماه اذا مشى* وقال الجوهرى هو الذى تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه وكل نعامة روحاء* وقال وهب صفته فى التوراة قرن من حديد أمين شديد* القرن الجبل الصغير وكان يختضب بالحناء والكتم وخرج القاضى أبو بكر بن الضحاك عن ابن عمر أن عمر كان لا يغير شيبه فقيل له يا أمير المؤمنين ألا تغير وقد كان أبو بكر يغير فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شاب شيبة فى الاسلام كانت له نورا يوم القيامة وما أنا بمغير والاوّل أصح* روى انه رضى الله عنه كان يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى ويثب على فرسه كأنما خلق على صخرة* وقال ابن مسعود انى لا حسب عمر ذهب يوم توفى بتسعة اعشار العلم ولو أنّ علمه وضع فى كفة ميزان ووضع علم أحياء الارض فى كفة لرجح علمه عليهم* وقال قتادة كان عمر يلبس جبة صوف مرقعة بأدم ويطوف فى السوق معه الدرة يؤدّب الناس بها* وقال أنس رأيت بين كتفى عمر أربع رقاع فى قميصه* وقال طارق بن شهاب لما قدم عمر الشأم لقيه الجنود وعليه ازار فى وسطه وعمامة قد خلع خفيه وهو يخوض فى الماء آخذ بزمام راحلته وخفاه تحت ابطه فقالوا له يا أمير المؤمنين الان يلقاك الامراء وبطارقة الشأم وأنت هكذا فقال انا قوم أعزنا الله بالاسلام فلن نلتمس العز بغيره* وعن معاوية قال أمّا أبو بكر فلن يرد الدنيا ولن ترده الدنيا وأمّا عمر فأرادته الدنيا ولم يردها وأما عثمان فأصاب منها وأما نحن فتمر غنا فيها ظهر البطن قيل كان فى خدّى عمر خطان أسودان من البكاء وقد فتح الفتوحات وكثر المال فى دولته الى الغاية حتى عمل بيت المال ووضع الديوان ورتب لرعيته ما يكفيهم وفرض للاجناد وكان نوّابه باليمن وبأوائل المغرب الى العجم* (ذكر خلافة عمر رضى الله عنه) فى شرح العقائد العضديه للعلامة الدوانى انّ أبا بكر بعد ما انقضت على خلافته سنتان وأربعة أشهر مرض فلما أيس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب العهد لعمر فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة فى آخر عهده بالدنيا خارجا عنها وأوّل عهده بالاخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر أنى استخلفت* وفى الاكتفاء ولما انتهى أبو بكر الى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 هذا الموضع ضعف ورهقته غشية فكتب عثمان وقد استخلف عمر بن الخطاب فأمسك حتى أفاق أبو بكر قال أكتبت شيئا قال نعم كتبت عمر بن الخطاب قال رحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا فاكتب قد استخلفت عمر بن الخطاب فان عدل فذلك ظنى به ورأيى فيه وذلك أردت وما توفيقى الا بالله وان بدّل فلكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت والخير أردت ولا علم لى بالغيب* وفى رواية ما أردت الا الخير ولا يعلم الغيب الا الله وسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون* وفى الاكتفاء والتوى عمر على أبى بكر فى قبول عهده وقال لا أطيق القيام بامر الناس فقال أبو بكر لابنه عبد الرحمن ارفعنى وناولنى السيف فقال عمر أو تعقبنى قال لا فعند ذلك قبل* ذكر هذا كله أبو الحسن المدائنى فلما كتب ختم الصحيفة وأخرجها الى الناس وأمرهم أن يبايعوا لمن فى الصحيفة حتى مرّت بعلىّ فقال بايعت لمن فيها وان كان عمر فوقع الاتفاق على خلافته* وفى الاكتفاء ولما استمرّ بابى بكر وجعه وثقل أرسل الى عثمان وعلىّ ورجال من أهل السابقة والفضل من المهاجرين والانصار فقال قد حضر ما ترون ولا بدّ من قائم بأمركم يجمع فئتكم ويمنع ظالمكم من الظلم ويردّ على الضعيف حقه فان شئتم اخترتم لانفسكم وان شئتم جعلتم ذلك الىّ فو الله لا آلوكم ونفسى خيرا* وفى رواية قال لهم أترضون بخلافة خليفة أعينه لكم والله ما أعين لكم أحدا من أقربائى قالوا قد رضينا من اخترت لنا فقال قد اخترت عمر فقال طلحة والزبير ما كنت قائلا لربك اذا وليته مع غلظته* وفى رواية قال طلحة أتولى علينا فظا غليظا ما تقول لربك اذا لقيته فقال أبو بكر ساندونى فأجلسوه فقال أبا لله تخوّفنى أقول استعملت عليهم خير أهلك وحلفت ما تركت أحدا أشدّ حبا له من عمر فستعلمون اذا فارقتموه وتنافستموها ودخل عثمان وعلىّ فاخبرهما أبو بكر فقال عثمان علمى به انه يخاف الله فوله فما فينا مثله وقال على يا خليفة رسول الله امض لرأيك فما نعلم به الا خيرا فقام عمر عشر سنين* وفى سيرة مغلطاى فاقام عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال بامر الخلافة والامامة وأقامها على نهج العدل والاستقامة واستشهد فى ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة على يد أبى لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة كما سيجىء* وقال ابن اسحاق ومدّة خلافته عشر سنين وستة أشهر وخمس ليال وقال غيره ثلاثة عشر يوما كذا فى حياة الحيوان قال حمزة بن عمرو توفى أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الاخرة من السنة الثالثة عشر من الهجرة واستقبل عمر لخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبى بكر* وعن جامع بن شدّاد عن أبيه قال كان أوّل كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال اللهم انى شديد فلينى وانى ضعيف فقوّنى وانى بخيل فسخنى وهو أوّل خليفة دعى بأمير المؤمنين وبه تم المسلمون أربعين كما مرّ كذا فى الصفوة وأوّل من وضع التاريخ بعام الهجرة وضعه فى السنة السابعة عشر وهو أوّل من جمع الناس على امام واحد فى قيام رمضان وأوّل من أخر المقام الى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت وقيل بل أوّل من أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوّل من حمل الدرّة لتأديب الناس وتعزيرهم وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الامصار واستقضى القضاة ودوّن الديوان وفرض العطية وكان نقش خاتمه الذى اصطنعه لنفسه كفى بالموت واعظا يا عمر ذكره أبو عمرو وغيره وأمّا الخاتم الذى يختم به فهو خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نقشه محمد رسول الله وهو الذى وقع فى بئر أريس وقد مرّ وحج بالناس عشر حجات متواليات آخرها سنة ثلاث وعشرين وحج بازواج رسول الله فى آخر حجج عشر حجها فى أيام خلافته* وفى البحر العميق عن محمد بن سعيد انّ عمر وهو خليفة استعمل على الحج أوّل سنة ولى عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس ثم لم يزل عمر يحج بالناس فى خلافته كلها فحج عشر سنين وحج بازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر حجة حجها واعتمر فى خلافته ثلاث عمر وعن ابن عباس قال حججت مع عمر احدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 عشرة حجة* (ذكر كتابه وقضاته وأمرائه) * أمّا كتابه فعبد الرحمن بن خلف الخزاعى وزيد بن ثابت وعلى بيت المال زيد بن أرقم* وأمّا قضاته فزيد بن أحب النمر بالمدينة وأبو أمية شريح بن الحارث الكندى بالكوفة ويقال انّ شريحا هذا قام قاضيا خمسا وسبعين سنة الى أيام الحجاج فعطل منها ثلاث سنين وامتنع عن الحكم فى فتنة ابن الزبير فلما تولى الحجاج استعفاه فاعفاه وتوفى سنة تسع وسبعين وله مائة وعشرون سنة* وكان القاضى بمصر قيس بن العاص السهمى ثم كعب بن يسار* وأما أمراؤه فكان أميره بمصر عمرو بن العاص السهمى ثم صرفه عن الصعيد وردّ أمره الى عبد الله بن ابى سرح العامرى وكان الامير بالشأم معاوية بن أبى سفيان* وفى المختصر الجامع وكان فى أيامه فتوح الامصار منها دمشق فتحت صالحا على يد أبى عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ثم الروم طبرية وقيسارية وفلسطين وعسقلان وسار عمر بنفسه ففتح بيت المقدس صالحا وفتحت أيضا بعلبك وحمص وحلب وقنسرين وانطاكية وجلولا والرقة وحران والموصل والجزيرة ونصيبين وآمد والرها وفتحت قادسية والمدائن على يد سعد بن أبى وقاص وزال ملك الفرس وانهزم يزدجرد ملك الفرس ولجأ الى فرغانة والترك وفتحت أيضا كور دجلة والابلة على يد عتبة بن غزوان وفتحت كور الاهواز والجابية على يد أبى موسى وفتحت نهاوند واصطخر وأصفهان وبلاد فارس وتستر وشوش وهمدان والنوبة والبربر كذا ذكره فى الرياض النضرة وأذربيجان وبعض أعمال خراسان* وفتحت مصر على يد عمرو بن العاص غرة المحرم سنة عشرين وفتح عمر أيضا الاسكندرية وطرابلس الغرب وما يليها من الساحل وفى حياة الحيوان عدّ مما فتحت فى أيام عمر رأس العين وخابور وبيسان ويرموك والرى وما يليها وسيجىء تفصيل بعضها* وفى أيام عمر مصرت البصرة سنة سبع عشرة ومصرت الكوفة ونزلها سعد بن أبى وقاص وفى سنة ثمان عشرة كان عام الرمادة واستسقى عمر بالعباس فسقى وفيها كان طاعون عمواس مات فيه خمسة وعشرون ألفا منهم أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسيجىء* وفى بعض كتب التواريخ وقع فتوح البلاد فى زمان خلافة عمر على هذا الترتيب ففى السنة الاولى فتح بعض بلاد الشام وفى الثانية فتح القادسية واستخلص بلاد السودان وفى الثالثة فتح تمام بلاد الشام وفى الرابعة فتح تمام بلاد عراق العرب وهرب يزدجرد بن شهريار منها الى خراسان وفى الخامسة فتح بلاد ديار بكر ربيعة وفى السادسة وفاة أبى عبيدة ابن الجراح فى الشأم بالطاعون وفتح بلاد اذربيجان وايران وأرمن وبعض من بلاد خوزستان وبعض من فارس وفى السابعة فتح مصر واسكندرية وبحرين وبقية بلاد اليمن وفى الثامنة وقع غزو نهاوند وفتح بعض عراق العجم وفى التاسعة فتحت تتمة بلاد عراق العجم وقومس وبعض ماريدران وتتمة فارس وسادكاره وكرمان وخراسان وهرب يزدجرد بن شهريار من خراسان الى فرغانة اندجان وفى العاشرة فى ذى الحجة وقع قتله رضى الله عنه* ذكر قصة النيل وفى الرياض النضرة لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص وقالوا انّ هذا النيل يحتاج فى كل سنة الى جارية بكر من أحسن الجوارى فنلقيها فيه والا فلا يجرى وتخرب البلاد وتقحط فبعث عمرو الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخبره بالخبر فبعث اليه عمر الاسلام يجب ما قبله ثم بعث اليه بطاقة فيها بسم الله الرحمن الرحيم الى نيل مصر من عبد الله عمر بن الخطاب أمّا بعد فان كنت تجرى بنفسك فلا حاجة بنا اليك وان كنت تجرى بامر الله فاجر على اسم الله* وأمره أن يلقيها فى النيل فألقاها فجرى فى تلك السنة ستة عشر ذراعا فزاد على كل سنة ستة أذرع* وفى رواية كتب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين عمر الى نيل مصر أمّا بعد فان كنت تجرى من قبلك فلا تجروان كان الله الواحد القهار هو الذى يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك* وفى رواية فلما ألقى كتابه فى النيل جرى ولم يعد يقف خرج الرواية الاولى والثانية الملافى سيرته* كرامة فى نداء عمر لسارية وهو على المنبر وعن عمرو بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 الحارث قال بينما عمر يخطب يوم الجمعة اذ ترك الخطبة ونادى يا سارية الجبل مرّتين أو ثلاثا ثم أقبل على خطبته فقال ناس من أصحاب رسول الله انه لمجنون ترك الخطبة ونادى يا سارية الجبل فدخل عبد الرحمن ابن عوف وكان يبسط عليه فقال يا أمير المؤمنين تجعل للناس عليك مقالا بينما أنت فى خطبتك اذ ناديت يا سارية الجبل أىّ شئ هذا فقال والله ما ملكت ذلك حين رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم فلم أملك أن قلت يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل فلم يمض الا أيام حتى جاء رسول سارية بكتابه انّ القوم لا قونا يوم الجمعة فقاتلناهم من حين صلاة الصبح الى ان حضرت الجمعة وذر حاجب الشمس فسمعنا صوت مناد ينادى يا سارية الجبل مرّتين فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين لعدوّنا حتى هزمهم الله كذا فى الرياض النضرة يقال فى جبل نهاوند غار سمع منه سارية نداء عمر والى الان يعظم ذلك الغار ويتبرك به ومناقبه الحسنة وسيرته المستحسنة وزهده وشجاعته وهيبته واخلاصه مشهورة وحسبك من كرامته انه كان وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقال صلى الله عليه وسلم لو كان بعدى نبى لكان عمر وقال عليه السلام اللهم أعز الاسلام بعمر فاسلم عمر قال ابن مسعود مازلنا أعزة منذ أسلم عمر فانّ اسلامه فتح وما استطعنا أن نصلى حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر* وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر وقال عليه السلام وضع الحق على لسان عمر وقلبه* وقال علىّ خير هذه الامّة بعد نبيها أبو بكر وعمر كذا ذكره الذهبى فى دول الاسلام قام بعد أبى بكر عمر بن الخطاب بمثل سيرته وجهاده وثباته وصبره على العيش الخشن والخبز الشعير والثوب الخام المرقوع* وعن زيد بن ثابت قال رأيت على عمر مرقعة فيها سبع عشرة رقعة والقناعة باليسير ففتح الفتوحات الكبار والاقاليم الشاسعة الواسعة فافتتح عسكره وعليهم سعد ابن أبى وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة مملكة كسرى وكانت جيوش كسرى مائة ألف أو يزيدون فكسرهم المسلمون غير مرّة وغنموا أموالهم وسبوا نساءهم وأولادهم وكانوا يعبدون النار وبنى المسلمون حينئذ الكوفة والبصرة وأما عسكره الاخر الذين قصدوا الشام وعليهم سيف الله خالد ابن الوليد وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم من الامراء فافتتحوا مدائن الشام جميعها بعد أربع مصافات أكبرها وقعة اليرموك بحوران سنة خمس عشرة وما كان المسلمون أكثر من عشرين ألفا وكان جيوش قيصر ملك النصارى أزيد من مائة ألف فارس فقتل منهم يومئذ أزيد من النصف أو أقل واستشهد من المسلمين جماعة من الصحابة ثم قدم عمر بنفسه فافتتح بيت المقدس كما مرّ وكانت بالعراق وقعة جلولا فى أيامه وقتل خلائق من المجوس وبلغت الغنيمة فيما قيل ثلاثين ألف ألف درهم ثم افتتح جيش عمر الموصل والجزيرة وأرمينية وتلك الناحية الى توريز وسار عمرو بن العاص بطائفة من الجيش فيهم حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته الزبير بن العوّام فافتتحوا الديار المصرية بعضها بالسيف وبعضها صالحا وافتتح الاسكندرية وملك المسلمون بعض بلاد الروم ومدينة نهاوند من العجم ومدينة اصطخر وبلد الرى وهمدان وجرجان ودينور وافتتح المسلمون أوّل مدائن الغرب وهى طرابلس* وهذه الفتوحات العظيمة والممالك الواسعة تمت كلها فى ثلاث عشرة سنة وكان فتح بعضها فى خلافة أبى بكر ومات فى خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى المحرم سنة أربع عشرة أبو قحافة والد أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهما كما مرّ فى الموطن الثامن وماتت هند بنت عتبة أمّ معاوية فى اليوم الذى مات فيه أبو فحافة فى محرم السنة المذكورة كذا فى حياة الحيوان ومات فى دولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الامّة وأحد العشرة الشهود لهم بالجنة مات بالغور وكان زاهدا عابدا مجاهدا كبيرا لقدر ما فى بيته الاسلاحه وجلد شاة وجرّة للماء وكان فتح دمشق على يده كذا فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 دول الاسلام* صفة أبى عبيدة بن الجرّاح وفى الصفوة أبو عبيدة عامر بن الجرّاح بن هلال بن أهيب بن منبه بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر أسلم مع عثمان بن مظعون وهاجر الى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا وجنتى رسول الله من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان أحسن الناس هتما (صفته) كان طوالا نحيفا أجنى معروق الوجه أثرم الثنيتين خفيف اللحية وكان له من الولد يزيد وعمير أمّهما هند بنت جابر فدرجا ولم يبق له عقب* قال عمر بن الخطاب لو أدركنى أجلى وأبو عبيدة حىّ استخلفته فان سألنى الله عز وجل لم استخلفته على أمّة محمد قلت انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انّ لكل نبى أمينا وأمينى أبو عبيدة* ومن مناقبه انه قتل أباه عبد الله بن الجرّاح يوم بدر غيرة على الدين فانزل الله فيه لا تجد قوما يؤمنون بالله الاية كذا فى الكشاف توفى فى طاعون عمواس بالاردن بالشام وقبره فيها وصلى عليه معاذ بن جبل ونزل فى قبره هو وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس وذلك سنة ثمان عشرة فى خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة ذكره أبو عمرو صاحب الصفوة كذا فى الرياض النضرة* وفى الصفوة أيضا روى انه استخلف أبا عبيدة بن الجرّاح بالشام بعد عزل خالد بن الوليد فمات بها بالطاعون ومات فى خلافة عمر أبو سفيان ابن الحارث بالمدينة بعد ان استخلف عمر بسنة وسبعة أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وقيل توفى سنة خمس عشرة وقد مرّ ذكره فى فضل النسب فى الطليعة الثانية ومات فى خلافة عمر أبو قيس سعد بن عبادة سيد الانصار بارض حوران وكان من نجباء أصحاب محمد عليه السلام وقد اجتمعت حوله الانصار بعد موت النبىّ صلى الله عليه وسلم وعزموا أن يبايعوه بالخلافة فلم يتم ذلك لما علموا انّ الخلافة لا تكون الا فى عشيرة النبىّ صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى فى الناس اثنان* وفى الصفوة وكان سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة يكنى أبا ثابت وهو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلها ما خلا بدرا فانه تهيأ للخروج فلدغ فأقام وكان جوادا وكانت جفنته تدور مع رسول الله فى بيوت أزواجه* وعن يحيى بن أبى كثير قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد فى كل يوم تدور معه أينما دار من نسائه وكان له من الولد سعيد ومحمد وعبد الرحمن وقيس وعبد العزيز وأمامة ومندوس وكان سعد يكتب فى الجاهلية بالعربية ويحسن العوم والرمى والعرب تسمى من اجتمعت فيه هذه الاشياء الكامل* وقال محمد بن سعد ابن عبادة توفى سعد بن عبادة بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر كأنه مات سنة خمس عشرة* قال عبد العزيز سعد بن عبادة ما علم بموته فى المدينة حتى سمع غلمان قد اقتحموا فى بئر نصف النهار فى حرّ شديد قائلا يقول من البئر نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... فرميناه بسهمين فلم تخط فؤاده فذعر الغلمان فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذى توفى فيه سعد وانما جلس يبول فى نفق فافتلت فمات من ساعته فوجدوه قد اخضر جلده* ومات فى خلافة عمر عتبة بن غزوان المازنى وكان ممن شهد بدر اوله سبع وخمسون سنة وهو الذى بنى البصرة وكان من الرماة المذكورين ومعاذ بن جبل الانصارى بالغور شابا وكان من خيار الصحابة قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم يا معاذ انى أحبك* وقال ابن مسعود كنا نشبه معاذا بابراهيم الخليل كان أمّة قانتا لله حنيفا وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال اعلم أمّتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل قال استخلف الناس معاذ بن جبل بعد أبى عبيدة فمات بالطاعون واستخلف على الناس عمرو بن العاص قال طعن معاذ فى ابهامه فجعل يمسها بفيه ويقول اللهم انها صغيرة فبارك فيها فانك تبارك فى الصغير حتى هلك* وعن الحارث بن عمير قال طعن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الاشعرى فى يوم واحد اتفق أهل التاريخ على انّ معاذا مات فى طاعون عمواس بناحية الاردن من الشام سنة ثمانى عشرة واختلفوا فى عمره على قولين* أحدهما اثنان وثلاثون والثانى ثلاث وثلاثون* وعن سعيد بن المسيب قال رفع عيسى ابن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ومعاذ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أو أربع وثلاثين ومات شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبى سفيان وكانا من كبار أمراء الصحابة الذين فتحوا الشام وكان يزيد بن أبى سفيان هذا نائب عمر رضى الله عنه على دمشق فلما مات ولى النيابة بعده أخوه معاوية* ومات أبى بن كعب الانصارى سيد القراء بالمدينة وهو الذى قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ الله أمرنى أن أقرئك القرآن ولما توفى صلى عليه عمرو قال اليوم مات سيد المسلمين* ومات بداريا بلال بن رباح مؤذن رسول الله وهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وكان من السابقين الاوّلين البدريين* ترجمة بلال رضى الله عنه وفى الصفوة عن قاسم بن عبد الرحمن أوّل من أذن بلال بن رباح مولى أبى بكر واسم أمّه حمامة أسلم قديما فعذبه قومه وجعلوا يقولون له ربك اللات والعزى وهو يقول أحد أحد فأتى عليه أبو بكر فاشتراه بسبع اواق وقيل بخمس وقيل بغلام أسود فأعتقه فشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أوّل من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يؤذن له حضرا وسفرا وكان خازنه على بيت ماله* (صفته) * كان آدم شديد الادمة نحيفا طوالا اجنى له شعر كثير خفيف العارضين به شمط كثير لا يغيره* قال محمد بن اسحاق كان أمية بن خلف يخرج بلالا اذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره فى بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول بلال وهو على ذلك أحد أحد ومرّ أبو بكر يوما على أمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال لامية ألا تتقى الله عز وجل فى هذا المسكين حتى متى فقال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر أفعل عندى غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به قال أمية قد قبلت قال هو لك فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذ بلالا* وفى معالم التنزيل اسم الغلام الذى اشترى به أبو بكر بلالا من أمية بن خلف نسطاس فاعتق أبو بكر بلالا ثم أعتق معه على الاسلام قبل أن يهاجر من مكة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا وأمّ عميس وزنيرة فاصيب بصرها حين أعتقها قالت قريش ما أذهب بصرها الا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضرّانى اللات والعزى ولا تنفعانى فردّ الله اليها بصرها وأعتق الهندية وابنتها وكانتا لامراة من بنى عبد الدار فمرّ بهما أبو بكر وقد بعثتهما سيدتهما يطحنان لها وهى تقول والله لا أعتقكما أبدا فقال أبو بكر جلايا أمّ فلان فقالت جلا أنت أفسدتهما فاعتقهما قال أبو بكر فبكم قالت بكذا وكذا قال قد أخذتهما وهما حرتان ومرّ بجارية من بنى المؤمل وهى تعذب فابتاعها وأعتقها* وقال سعيد بن المسيب بلغنى انّ أمية بن خلف قال لابى بكر فى بلال حين قال أتبيعه قال نعم بنسطاس عبد أبى بكر وعشرة آلاف درهم وغلمان وجوار ومواش وكان نسطاس مشركا حمله أبو بكر على الاسلام على أن يكون ماله له فأبى فأبغضه أبو بكر فلما قال له أمية أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه أبو بكر وباعه منه فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال الا ليد كانت لبلال عنده فانزل الله تعالى وما لأحد عنده من نعمة تجزى* وعن جابر قال قال عمر كان أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعنى بلالا* قال ابراهيم التيمىّ لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر فكان اذا قال أشهد أنّ محمدا رسول الله انتحب الناس فى المسجد فلما دفن قال له أبو بكر أذن قال ان كنت انما أعتقتنى لان أكون معك فسبيلى ذلك وان كنت انما أعتقتنى لله فخلنى ومن أعتقتنى له قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 ما أعتقك الا لله قال فانى لا أؤذن لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذلك اليك قال فأقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى اليها* وعن سعيد بن المسيب قال لما كانت خلافة أبى بكر تجهز بلال ليخرج الى الشأم فقال له أبو بكر ما كنت أراك يا بلال تدعنا على هذه الحال فلو أقمت معنا فأعنتنا قال ان كنت انما أعتقتنى لله عز وجل فدعنى أذهب اليه وان كنت انما أعتقتنى لنفسك فاحبسنى عندك فأذن له فخرج الى الشأم فمات بها* وقد اختلف أهل السير اين مات قال بعضهم بدمشق وقال بعضهم بحلب سنة عشرين وقيل سنة ثمان عشرة وهو ابن بضع وستين سنة* وفى المنتقى قال أبو بكر لبلال أعتقتك وكنت مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيدك أرزاق رسله ووفوده فكن مؤذنا لى كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكن خازنا لى كما كنت خازنا له فقال له يا أبا بكر صدقت كنت مملوكك فأعتقتنى فان كنت أعتقتنى لتأخذ منفعتى فى الدنيا فخلنى أخدمك وان كنت أعتقتنى لتأخذ الثواب من الرّب فخلنى والرّب فبكى أبو بكر وقال اعتقتك لاخذ الثواب من المولى فلا أعجلها فى الدنيا فخرج بلال الى الشأم فمكث زمانا فرأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال له يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا فاقصد الى زيارتنا فانتبه بلال وقصد المدينة وذلك بقريب من موت فاطمة فلما انتهى الى المدينة تلقاه الناس فأخبر بموت فاطمة فصاح وقال بضعة النبىّ ما أسرع ما لقيت بالنبىّ صلى الله عليه وسلم وقالوا له اصعد فأذن فقال لا أفعل بعد ما أذنت لمحمد صلى الله عليه وسلم فألحوا عليه فصعد فاجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وصغارهم وكبارهم وقالوا هذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤذن لنسمع الى أذانه فلما قال الله أكبر الله أكبر صاحوا وبكوا جميعا فلما قال أشهد أن لا اله الا الله ضجوا جميعا فلما قال أشهد أنّ محمدا رسول الله لم يبق فى المدينة ذو روح الابكى وصاح وخرجت العذارى والابكار من خدورهنّ يبكين وصار كيوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من أذانه فقال أبشركم انه لا تمس النار عينا بكت على النبىّ محمد صلى الله عليه وسلم ثم انصرف الى الشأم وكان يرجع فى كل سنة مرّة فينادى بالاذان الى أن مات* مروياته فى كتب الاحاديث أربعة وأربعون حديثا* ترجمة ابن أم مكتوم ومات بالمدينة ابن أمّ مكتوم فى الصفوة عمرو بن امّ مكتوم هو عمرو بن قيس* وفى معالم التنزيل هو عمرو بن شريح بن مالك وقيل اسمه عبد الله وأمّه عاتكة تكنى أمّ مكتوم وهى أمّ أبيه وعبد الله هذا ابن خال خديجة بنت خويلد وقد استخلفه على الامامة فى المدينة فى ثلاث عشرة غزوة من غزواته واستخلفه عليها حين خرج الىّ تبوك وعلىّ رضى الله عنه بالمدينة لانه استخلف عليا فى أهله كيلا ينالهم عدوّ بمكروه فلم يستخلفه فى الصلاة لئلا يشغله شاغل عن حفظهم كذا قاله الزين العراقى أسلم بمكة وصار ضرير البصر وهاجر الى المدينة وكان يؤذن للنبىّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة مع بلال وكان رسول الله يستخلفه بالمدينة يصلى بالناس فى عامة غزواته* وعن البراء بن عازب قال أوّل من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ثم قدم علينا ابن أمّ مكتوم الاعمى وفيه نزلت عبس وتولى أن جاءه الاعمى وغير أولى الضرر بعد لا يستوى القاعدون وكان بعد ذلك يغزو ويقول ادفعوا الىّ اللواء فانى أعمى لا أستطيع أن أفرّ وأقيمونى بين الصفين* وقال أنس بن مالك كان مع ابن أمّ مكتوم يوم القادسية راية ولواء* وقال الواقدى مات ابن أمّ مكتوم بالمدينة ولم يسمع له ذكر بعد عمر* وفى شعبان سنة عشرين توفى أسيد بن حضير الانصارى أحد النقباء كذا فى الصفوة وماتت ابنة عمة النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ المؤمنين زينب بنت جحش وكانت تفتخر على أمّهات المؤمنين وتقول زوّجكنّ أهاليكنّ وزوّجنى الله تعالى من فوق سبع سموات وكانت دينة عابدة ورعة كثيرة الصدقة والمعروف وهى التى قال الله تعالى فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 فلما قضى زيد منها وطرا زوّجناكها* ومات فى دولة عمر رضى الله عنه بحمص الامير البطل الكرّار سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد المخزومى وله ستون سنة ومات على فراشه بعد ما باشر من الحروب العظيمة ولم يبق فى جسده نحو شبر الا وعليه طابع الشهداء وكان يضرب بشجاعته المثل سماه النبىّ صلى الله عليه وسلم سيف الله كذا فى دول الاسلام* ترجمة خالد بن الوليد رضى الله عنه وفى الصفوة ولما عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة بن الجرّاح على الشأم لم يزل خالد مرابطا بحمص حتى مرض فدخل عليه أبو الدرداء عائدا فقال انّ خيلى وسلاحى على ما جعلته عليه فى سبيل الله تعالى ودارى بالمدينة صدقة قد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ونعم العون هو على الاسلام وجعلت وصيتى وانفاذ عهدى الى عمر فقدم بالوصية على عمر فقبلها وترحم عليه ومات خالد فقيرا فى بعض قرى حمص على ميل من حمص سنة احدى وعشرين وحكى من غسله انه ما كان فى جسده موضع صحيح من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم* وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه انّ خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما فى جسدى شبر الا وفيه ضربة بسيف أورمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت العنز فلا نامت أعين الجبناء* وعن شقيق بن سلمة قال لما مات خالد بن الوليد اجتمع نساء بنى المغيرة فى دار خالد يبكين عليه فقيل لعمر انهض فقال عمر ما عليهنّ أن يرقن دموعهنّ على أبى سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة قال وكيع النقع الشق واللقلقة الصوت ومات فى خلافة عمر العلاء بن الحضرمى رضى الله عنه ولى امرة البحرين للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثم للصديق وكان من سادة الصحابة وقد مرّ من أخباره فى خلافة أبى بكر وفى سنة احدى وعشرين فتحت نهاوند فاستشهد أمير الجيش النعمان بن مقرن المزنى وكان من كبار الصحابة كان معه يوم فتح مكة لواء مزينة* واستشهد يومئذ بنهاوند طليحة بن خويلد الاسدى أحد الابطال المذكورين وكان قد أسلم سنة تسع ثم بعد النبى صلى الله عليه وسلم ارتدّ وادّعى النبوّة بأرض نجد وحارب المسلمين مرّات ثم انهزم ولحق بنواحى دمشق ثم أسلم وحج وحسن اسلامه وكان يعدّ بألف فارس لشدّته وبأسه وقد مرّ فى أهل الردّة فى خلافة أبى بكر* ومات قتادة بن النعمان الانصارى من كبار أهل بدر وهو الذى وقعت عينه على خدّه يوم وقعة أحد فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فغمز حدقته فردّها الى موضعها فكانت أحسن عينيه وكان من الرماة المذكورين بالمدينة ونزل أمير المؤمنين عمر فى قبره وكان قتادة شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه يوم الفتج راية بنى ظفر وتوفى سنة ثلاث وعشرين فى خلافة عمر وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عمر* (ذكر الخبر عن آخر أمر عمر رضى الله عنه ووفاته) * فى الاكتفاء كان عمر رضى الله عنه ملازما للحج فى سنى خلافته كلها وكان من سيرته ان يأخذ عماله بموافاته كل سنة فى موسم الحج ليحجرهم بذلك عن الرعية ويحجر عليهم الظلم ويتعرّف أحوالهم فى قرب وليكون للرّعية وقت معلوم ينهون اليه شكاويهم فيه فلما كانت السنة التى قتل فى منسلخها خرج الى الحج على عادته وآذن لازواج النبىّ صلى الله عليه وسلم فخرجن معه فلما وقف يرمى الجمرة أتاه حجر فوقع على صلعته فأدماه وثمة رجل من بنى لهب قبيلة من الازد تعرف فيها القيافة والزجر فقال اللهبى عند ما أدمى عمر أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها* ويروى عن عائشة انها حجت مع عمر تلك الحجة وانه لما ارتحل من المحصب أقبل رجل متلثم قالت فقال وانا أسمع أين كان منزل أمير المؤمنين فقال قائل هذا كان منزله فأناخ فى منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى ويقول عليك سلام من أمير وباركت ... يد الله فى ذاك الاديم الممزق فمن يجر أو يركب جناحى نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالامس يسبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق فى أكمامها لم تفتق قالت عائشة فقلت لبعض أهلى اعلموا الى من هذا الرجل فذهبوا فلم يجدوا فى مناخه أحدا قالت عائشة فو الله انى لا حسبه من الجنّ فلما قتل عمر نحل الناس هذه الابيات للشماخ بن ضرار ولاخيه مزرّد* قال سعيد بن المسيب لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالابطح ثم كوّم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه فاستلقى ثم مدّيده الى السماء فقال اللهمّ كبر سنى وضعفت قوّتى وانتشرت رعيتى فاقبضنى اليك غير مضيع ولا مفرّط ثم قدم المدينة فخطب الناس فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل* وروى أن عمر لما انصرف من حجته هذه التى لم يحج بعدها أتى ضجنان ووقف فقال الحمد لله ولا اله الا الله يعطى الله من يشاء ما يشاء لقد كنت بهذا الوادى أرعى ابلا للخطاب وكان فظا غليظا يتعبنى اذا عملت ويضربنى اذا قصرت وقد أصبحت وأمسيت وليس بينى وبين الله أحد أخشاه ثم تمثل بهذه الابيات لا شئ مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الا له ويردى المال والولد لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا ولا سليمان اذ تجرى الرياح له ... والانس والجنّ فيما بينها ترد أين الملوك التى كانت لعزتها ... من كل أوب اليها وافد يفد حوض هنا لك مور ودبلا كذب ... لا بدّ من ورده يوما كما وردوا (ذكر مقتله رضى الله عنه) روى أنّ عمر كان لا يأذن لمشرك قد احتلم أن يدخل المدينة حتى كتب اليه المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يستأذنه فى غلام صنع اسمه فيروز أبو لؤلؤة فقال ان لديه أعمالا كثيرة حداد ونقاش ونجار ومنافع للناس فأذن له فأرسل به المغيرة وضرب عليه المغيرة مائة درهم فى كل شهر فجاء الغلام الى عمر واشتكى فقال له عمر ما تحسن من الاعمال فذكرها فقال له عمر ما خراجك بكثير* وعن عمرو بن ميمون قال كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانيا خرجه أبو عمرو وقيل كان مجوسيا ذكره القلعى وغيره* وعن أبى رافع قال كان أبو لؤلؤة عبد اللمغيرة بن شعبة وكان يصنع الارحاء وكان المغيرة كل يوم يستغله أربعة دراهم فلقى أبو لؤلؤة عمر فقال يا أمير المؤمنين انّ المغيرة أثقل علىّ غلتى فكلمه لى يخفف عنى فقال له عمر اتق الله وأحسن الى مولاك فغضب العبد وقال وسع الناس كلهم عدله غيرى فأضمر على قتله فاصطنع خنجرا له رأسان وسمه ثم أتى به الهرمز ان فقال كيف ترى هذا فقال انك لا تضرب بهذا أحدا الا قتلته كذا فى الرياض النضرة* وروى انّ عمر بعد أن قدم المدينة من حجته خرج يوما يطوف بالسوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا فقال يا أمير المؤمنين أعدنى على المغيرة فانّ علىّ خراجا كثيرا قال وكم خراجك قال درهمان فى كل يوم قال وأيش صناعتك قال نجار نقاش حدّاد قال فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الاعمال قال بلغنى انك تقول لو أردت أعمل رحى تطحن بالريح لفعلت قال نعم قال فاعمل لى رحى قال لئن سلمت لا عملنّ لك رحى يتحدّث بها بالمشرق والمغرب ثم انصرف عنه فقال عمر لقد توعدنى العلج آنفا* وفى رواية قيل له ما يمنعك ان تأمر بدفعه قال لا قصاص قبل القتل ثم انصرف عمر الى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الاحبار فقال يا أمير المؤمنين اعهد فانك ميت فى ثلاثة أيام قال وما يدريك قال أجده فى كتاب الله التوراة فقال عمر آلله انك لتجد عمر ابن الخطاب فى التوراة قال اللهمّ لا ولكن أجد صفتك وحليتك بانه قد فنى أجلك وعمر لا يحس وجعا ولا ألما قبل فقال عمر رضينا بقضاء الله وقدره فلما أصيب تذكر قول كعب فقال وكان أمر الله قدرا مقدورا فلما كان من الغد جاءه كعب فقال يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقى يومان ثم جاءه من بعد الغد فقال ذهب يومان وبقى يوم وليلة وهى لك الى صبحها* فلما كان الصبح خرج عمر الى الصلاة وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 يوكل بالصفوف رجالا فاذا استوت أخبروه فكبر وكان دخل أبو لؤلؤة فى الناس وبيده خنجر فى كمه له رأسان نصابه فى وسطه فضرب عمر ست ضربات احداهنّ تحت سرته هى التى قتلته فلما وجد عمر حد السلاح سقط وقال دونكم الكلب فانه قتلنى وماج الناس وأسرعوا اليه فخرج منهم ثلاثة عشر رجلا حتى جاء رجل منهم فاحتضنه من خلفه وقيل ألقى عليه برنسا* وفى دول الاسلام وثب عليه أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة وقد دخل عمر فى صلاة الصبح فطعنه بخنجر فى بطنه وجال الملعون وكان نصرانيا وقتل أيضا سبعة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرح جماعة فأخذ عبد الرحمن ابن عوف بساطا ورماه عليه وقبضه ولما رأى الكلب انه قد أخذ قتل نفسه وحمل عمر الى منزله فمات بعد يوم وليلة* وفى المختصر الجامع جرحه أبو لؤلؤة فيروز المجوسى مولى المغيرة بن شعبة ثلاث جراحات وكان ذلك فى يوم الاربعاء لسبع بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين* وفى سيرة مغلطاى لاربع بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين* وقال ابن قانع غرّة المحرّم لتمام ثلاث وعشرين سنة وهو ابن ثلاث وستين وتوفى بعد ذلك بثلاثة أيام قاله الواقدى* قيل انّ أبا لؤلؤة جرح معه يوم جرحه أحد عشر رجلا من الصحابة مات منهم خمسة وانّ رجلين من بنى أسد لحقاه فألقى أحدهما عليه برنسا ثم ضمه فأدنى السكين الى حلقه فقتل نفسه ذكره الذولابى* وفى الصفوة عن عمرو بن ميمون قال انى لقائم ما بينى وبين عمر الا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان عمر اذا مرّ بين الصفين قال استووا حتى اذا لم يرفيهن خللا تقدّم وكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك فى الركعة الاولى حتى يجتمع الناس فما هو الاكبر فسمعته يقول قتلنى أو أكلنى الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذى طرفين لا يمرّ على أحد يمينا ولا شمالا الا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة وفى رواية تسعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظنّ العلج انه مأخوذ نحر نفسه وقال عمر عند ما سقط أفى الناس عبد الرحمن بن عوف قالوا نعم يا أمير المؤمنين هو ذا فتناوله بيده وقال تقدّم صلّ بالناس فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة وحمل عمر الى منزله* فلما نصرفوا قال عمر يا عبد الله بن عباس* وفى الاكتفاء عبد الله ابن عمر انظر من قتلنى فجال عبد الله ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل يدّعى الاسلام وفى الاكتفاء بيد رجل سجد لله سجدة واحدة يحاجنى بلا اله الا الله وقال يا عبد الله ائذن للناس فجعل يدخل عليه المهاجرون والانصار فيسلمون عليه ويقول لهم أعن ملأ منكم كان هذا فيقولون معاذ الله ودخل فى الناس كعب فلما نظر اليه عمر أنشأ يقول وواعدنى كعب ثلاثا أعدّها ... ولا شك انّ القول ما قاله كعب وما بى حذار الموت انى لميت ... ولكن حذار الذنب يتبعه ذنب فقيل له لو دعوت الطبيب فدعى له طبيب من بنى الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج من جوفه مشكلا فقال اسقوه لبنا فخرج من جوفه أبيض فعرفوا انه ميت فقال له الطبيب لا أرى أن تمسى فما كنت فاعلا فافعل* وفى رواية قيل له يا أمير المؤمنين اعهد قال قد فرغت* وفى دول الاسلام قالوا لعمرا عهد بالامر يا أمير المؤمنين فلم يعين أحدا بل جعل الامر شورى فى ستة وهم عثمان وعلى وابن عوف وسعد وطلحة والزبير ورجحوا عثمان فبايعوه بالخلافة وكان أسنّ الجماعة وأفضلهم وستجىء خلافة عثمان فقال لابنه يا عبد الله بن عمر انظر ما علىّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه فقال ان وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم والافسل بنى عدى بن كعب وان لم تف أموالهم فسل فى قريش ولا تعدهم الى غيرهم فأدّعنى هذا المال انطلق الى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فانى لست اليوم أميرا وقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فمضى وسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكى فقال يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريد لنفسى ولأوثرنه اليوم على نفسى فلما أقبل قيل هذا عبد الله قد جاء وهو متطلع اليه قال ارفعونى فأسنده رجل اليه فقال ما لديك قال الذى تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان شئ من الأمرأهم الىّ من ذلك فاذا انا قضيت فاحملونى وقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لى فأدخلونى وان ردّتنى فردّونى* وعبارة الاكتفاء قال ما كان أمرأهم الىّ من هذا فاذا أنامت فاغسلنى ثم احملنى وأعد عليها الاستئذان فان أذنت والا فاصرفنى الى مقابر المسلمين* فلما توفى رضى الله عنه خرجوا به فصلى عليه صهيب بن سنان الرومى ودفن فى بيت عائشة رضى الله عنها* ويروى انه لما احتضر رضى الله عنه قال ورأسه فى حجر ابنه عبد الله ظلوم لنفسى غير أنى مسلم ... أصلى صلاتى كلها وأصوم وقال سعد بن أبى وقاص طعن عمر يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة كذا فى التذنيب ودفن يوم الاحد صبيحة هلال المحرم وقيل لثلاث بقين منه وقيل ان وفاته كانت غرّة المحرم من سنة أربع وعشرين كما مرّ* ونزل فى قبره عثمان وعلى وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبى وقاص وقيل صهيب وابنه عبد الله بن عمر عوضا عن الزبير وسعد* واختلف فى مبلغ سنه يوم توفى وأشهر ما فى ذلك ما قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين* وعن الشعبى انّ أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وانّ عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين* وفى دول الاسلام عاش عمر ثلاثا وستين سنة كصاحبيه ودفن معهما فى الحجرة النبوية* وعن سالم بن عبد الله أنّ عمر قبض وهو ابن خمس وستين سنة* وقال ابن عباس كان عمر ابن ست وستين سنة* وقال قتادة احدى وستين وصلى عليه صهيب كذا فى الصفوة* وفى المختصر الجامع خمس وخمسين سنة* مروياته فى كتب الاحاديث خمسمائة وسبعون حديثا* (ذكر أولاده) وكان له ثلاثة عشر ولدا تسعة بنين وأربع بنات على ما ذكر والله أعلم* ذكر البنين* عبد الله ويكنى أبا عبد الرحمن أسلم بمكة فى صغره مع اسلام أبيه وهاجر مع أبيه وأمّه وهو ابن عشر سنين ذكره الخجندى وشهد المشاهد كلها بعد بدر وأحد وكان يوم أحد ابن أربع عشرة سنة* قال الدار قطنى استصغر يوم أحد وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة وشهد المشاهد بعد الخندق مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وقيل شهد بدرا فاستصغره النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم يجزه وأجازه فى السنة الآخرى يوم أحد ذكره الطائى وقال والاوّل أصح وكان عالما مجتهدا عابدا لزوما للسنة فرورا من البدعة ناصحا للأمّة ويقال انه ما خرج من الدنيا حتى صار مثل أبيه* وقال سفيان الثورى كان عادة ابن عمر أنه اذا أعجبه شئ من ماله تصدّق به وكان رقيقه عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم ولزم المسجد والاقبال على الطاعة فاذا رآه ابن عمر على تلك الحالة أعتقه فقيل له انهم يخدعونك فقال من خدعنا بالله انخد عنا له* وقال نافع ما مات ابن عمر حتى عتق ألف انسان أو زاد عليه ذكر ذلك كله الطائى وبقى الى زمان عبد الملك بن مروان وتوفى بمكة* قال أبو اليقظان زعموا انّ الحجاج دس له رجلا قد سم زج رمحه فزحمه فى الطريق وطعنه فى ظهر قدمه فدخل عليه الحجاج فقال يا أبا عبد الرحمن من أصابك فقال أنت أصبتنى قال ولم تقول هذا رحمك الله قال حملت السلاح فى بلد لم يكن يحمل فيها السلاح فمات فصلى عليه عند الردم ودفن فى حائط أم خرّمان* قلت هذا الحائط لا يعرف اليوم بمكة ولا حواليها وانما بالابطح موضع يقال له الخرمانية فلعله هو نسب الى أمّ خرمان* وقال غير أبى اليقظان مات بمكة ودفن بفخ بالفاء والخاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 المعجمة المشدّدة وهو موضع قريب من مكة وهو ابن أربع وثمانين سنة وله عقب* وقال الدار قطنى توفى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة كذا فى الرياض النضرة* وفى سح السحابة قال سعيد بن حبير كنت مع ابن عمر اذ أصابه سنان الرمح فى أخمص قدمه فلزقت بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ الحجاج فجاء يعوده فقال الحجاج لو نعلم من أصابك فقال ابن عمر أنت أصبتنى قال وكيف قال حملت السلاح فى يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم* وفى أسد الغابة انما فعل الحجاج ذلك لانه خطب يوما وأخر الصلاة فقال ابن عمران الشمس لا تنتظرك فقال الحجاج لقد هممت أن أضرب الذى فيه عيناك قال ان تفعل فانك سفيه مسلط وقيل انّ عبد الملك بن مروان كان أمر الحجاج أن يقتدى بابن عمر فكان ابن عمر يتقدّم الحجاج فى المواقف بعرفة وغيرها فكان ذلك يشق عليه* توفى وهو ابن ست وثمانين سنة وقيل أربع وثمانين فى المختصر وهو آخر من مات من الصحابة بمكة فصلى عليه الحجاج بالمحصب وقيل بذى طوى وقيل بفخ* وعن نافع دفن فى مقبرة المهاجرين بفخ نحو ذى طوى* وفى حياة الحيوان فخ واد بمكة وقيل اسم ماء* وفى نهاية ابن الاثير فخ موضع بمكة وقيل واد دفن فيه عبد الله بن عمر* وفى أسد الغابة قيل دفن بسرف* مروياته فى الكتب ألف وستمائة وثلاثون حديثا* وفى الرياض النضرة روى عبد الله عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاص وسعيد بن زيد وزيد بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبى أمامة الانصارى وأبى أيوب الانصارى وأبى ذرّ الغفارى وأبى سعيد الخدرى وزيد بن حارثة واسامة بن زيد وعامر بن ربيعة وبلال وصهيب وعثمان بن طلحة ورافع بن خديج وعبد الله بن مسعود وكعب بن عمرو وتميم الدارى وعبد الله ابن عباس* وروى أيضا عن عائشة وحفصة وامرأته صفية بنت أبى عبيدة* وروى عنه من الصحابة عبد الله بن عباس ذكر ذلك الدار قطنى* وعبد الرحمن الاكبر شقيقه أمّهما زينب بنت مظعون الجمحى أدرك النبىّ صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه* وزيد الاكبر أمّه أمّ كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال انه رمى بحجر بين حيين فى حرب فمات ولا عقب له ويقال انه مات هو وامّه أمّ كلثوم فى ساعة واحدة فلم يرث أحدهما من الاخر وصلى عليهما عبد الله بن عمر فقدّم زيدا على أمّ كلثوم فجرت السنة بذلك فكان فيهما حكمان* وعاصم أمّه أمّ كلثوم جميلة بنت عاصم بن ثابت حمى الدبر وهى التى كان اسمها عاصية فسماها النبىّ صلى الله عليه وسلم جميلة وكان عاصم فاضلا خيرا توفى سنة سبعين وله عقب أخوه لامّه عبد الرحمن بن زيد بن حارثة الانصارى يروى عن ثوبان وعمر بن عبد العزيز ابن ابنة أمّ عاصم بنت عاصم* وعياض أمّه عاتكة بنت زيد* وزيد الاصغر وعبيد الله أمّهما مليكة بنت جرول الخزاعية* قال الدار قطنى أمّ كلثوم بنت جرول فلعلّ ذلك كنيتها وكان عبيد الله شديد البطش لما قتل عمر جرّد سيفه وقتل الهرمز ان وقتل جفينة وهو رجل نصرانى من أهل الحيرة وقتل بنتا صغيرة لابى لؤلؤة قاتل عمر فأخذ عبيد الله ليقتص فاعتذر بأنّ عبد الرحمن بن أبى بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمز ان وجفينة يدخلون فى مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه فى وسطه فقتل عمر صبيحة تلك الليلة فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله فى ذلك فقال انظروا الى السكين فان كانت ذات طرفين فلا أرى القوم الا وقد اجتمعوا على قتله فنظروا اليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن* وقال عمرو بن العاص قتل أمير المؤمنين عمر بالامس ويقتل ابنه اليوم لا والله لا يكون هذا أبدا فترك عثمان قتل عبيد الله ثم لحق عبيد الله بمعاوية وقتل فى وقعة صفين معه وله عقب وأخو زيد الاصغر وعبيد الله لامّهما عبد الله بن أبى جهم بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 حذيفة وحارثة بن وهب الخزاعى وله صحبة* وعبد الرحمن الاوسط أمّه لهبة أمّ ولد* قصة عبد الرحمن بن عمر وهو المجلود فى الحد ّ وعبد الرحمن الاصغر أمّه أمّ ولد ويكنى أحد الثلاثة أبا شحمة ويلقب آخر مجبرا فامّا أبو شحمة فهو الذى ضربه عمر فى الحدّ حتى مات فلا عقب له وأمّا مجبر فكان له عقب فبادوا ولم يبق منهم أحد ذكره ابن قتيبة كذا فى الرياض النضرة* وفى أسد الغابة عبد الرحمن الاصغر هو أبو المجبر والمجبر أيضا اسمه عبد الرحمن وانما قيل له المجبر لانه وقع وهو غلام فتكسر فأتى به الى عمته حفصة أمّ المؤمنين فقيل لها انظرى الى ابن أخيك المكسر فقالت ليس بالمكسر ولكنه المجبر قاله أبو عمرو* وفى الرياض النضرة قال الدار قطنى عبد الرحمن الاوسط هو أبو شحمة المجلود فى الحدّ وقطع به* وعن عمرو بن العاص قال بينا أنا بمنزلى بمصر اذ قيل لى هذا عبد الرحمن بن عمرو أبو سروعة يستأذنان عليك وفى رواية غيره عبد الرحمن ورجل يعرف بعقبة بن الحارث فقلت يدخلان فدخلا وهما منكسران فقالا أقم علينا حدّ الله فانا أصبنا البارحة شرابا وسكرنا قال فزبرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن ان لم تفعله أخبرت والدى اذا قدمت عليه فعلمت أنى ان لم أقم عليهما الحدّ غضب علىّ عمر وعزلنى فأخرجتهما الى صحن الدار فضربتهما الحدّ ودخل عبد الرحمن ناحية الى بيت فى الدار فحلق رأسه وكانوا يحلقون مع الحدود والله ما كتبت الى عمر بحرف مما كان حتى اذا كتابه جاءنى فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر الى عمرو بن العاص عجبت لك وجراءتك علىّ وخلافك عهدى فما أرانى الا عازلك تضرب عبد الرحمن فى بيتك وتحلق رأسه فى بيتك وقد عرفت انّ هذا يخالفنى انما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين ولكن قلت هو ابن أمير المؤمنين وعرفت ان لا هوادة لاحد من الناس عندى فى حق فاذا جاءك كتابى هذا فابعث به فى عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع فبعث به كما قال أبوه* وكتب عمرو الى عمر يعتذر اليه انى ضربته فى صحن دارى وبالله الذى لا يحلف بأعظم منه انى لأقيم الحدود فى صحن دارى على المسلم والذمى وبعث بالكتاب مع عبد الرحمن بن عمر فقدم به عبد الرحمن على أبيه فدخل وعليه عباءة ولا يستطيع المشى من سوء مركبه فقال يا عبد الرحمن فعلت وفعلت فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحدّ فلم يلتفت اليه فجعل عبد الرحمن يصيح ويقول انى مريض وأنت قاتلى قال فضربه الحدّ ثانية وحبسه فمرض ثم مات* وعن مجاهد عن ابن عباس قال لقد رأيت عمر وقد أقام الحدّ على ولده فقتله فيه فقيل له يا ابن عم رسول الله حدّثنا كيف أقام الحدّ على ولده فقتله فيه فقال كنت ذات يوم فى المسجد وعمر جالس والناس حوله اذ أقبلت جارية فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمرو عليك السلام ورحمة الله ألك حاجة قالت نعم خذ ولدك هذا منى فقال عمر انى لا أعرفه فبكت الجارية وقالت يا أمير المؤمنين ان لم يكن من ظهرك فهو ولد ولدك فقال أىّ أولادى قالت أبو شحمة فقال أبحلال أم بحرام فقالت من قبلى بحلال ومن جهته بحرام قال عمر وكيف ذلك اتقى الله ولا تقولى الا حقا قالت يا أمير المؤمنين كنت مارّة فى بعض الايام اذ مررت بحائط بنى النجار اذ أتانى ولدك أبو شحمة يتمايل سكرا وكان شرب عند نسيكة اليهودى قالت ثم راودنى عن نفسى وجرّنى الى الحائط ونال منى ما ينال الرجل من المرأة وقد أغمى علىّ فكتمت أمرى عن عمى وجيرانى حتى أحسست بالولادة فخرجت الى موضع كذا وكذا فوضعت هذا الغلام وهممت بقتله ثم ندمت على ذلك فاحكم بحكم الله بينى وبينه فأمر عمر مناديا فنادى فأقبل الناس يهرعون الى المسجد ثم قام عمر فقال لا تفرّقوا حتى آتيكم ثم خرج فقال يا ابن عباس أسرع معى فلم يزل حتى أتى منزله فقرع الباب وقال هاهنا ولدى أبو شحمة قيل له انه على الطعام فدخل عليه وقال كل يا بنىّ فيوشك أن يكون آخر زادك من الدنيا قال ابن عباس فلقد رأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد وسقطت اللقمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 من يده فقال له عمر يا بنى من أنا فقال أنت أبى وأمير المؤمنين فقال فلى حق طاعة أم لا قال لك طاعتان مفترضتان لانك والدى وأمير المؤمنين قال عمر بحق نبيك وبحق أبيك هل كنت ضيفا لنسيكة اليهودى فشربت الخمر عنده فسكرت قال قد كان ذلك وقد تبت قال رأس مال المؤمنين التوبة قال يا بنى أنشدك بالله هل دخلت حائط بنى النجار فرأيت امرأة فواقعتها فسكت وبكى قال عمر لا بأس اصدق يا بنى فانّ الله يحب الصادقين قال قذ كان ذلك وأنا تائب نادم فلما سمع ذلك عمر منه قبض على يده ولببه وجرّه الى المسجد فقال يا أبت لا تفضحنى وخذ السيف واقطعنى اربا اربا قال أما سمعت قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ثم جرّه الى بين يدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد وقال صدقت المرأة واقرّ أبو شحمة بما قالت وكان له مملوك يقال له أفلح فقال يا أفلح خذا بنى هذا اليك واضربه مائة سوط ولا تقصر فى ضربه فقال لا أفعل وبكى فقال يا غلام انّ طاعتى طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فافعل ما آمرك به قال فنزع ثيابه وضج الناس بالبكاء والنحيب وجعل الغلام يشير الى أبيه يا أبت ارحمنى فقال له عمر وهو يبكى وانما أفعل هذا كى يرحمك الله ويرحمنى ثم قال يا أفلح اضرب فضربه وهو يستغيث وعمر يقول اضربه حتى بلغ سبعين فقال يا أبت اسقنى شربة من ماء فقال يا بنى ان كان ربك يطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا يا غلام اضربه فضربه حتى بلغ ثمانين فقال يا أبت السلام عليك فقال وعليك السلام ان رأيت محمدا فأقرئه منى السلام وقل له خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود يا غلام اضربه فلما بلغ تسعين انقطع كلامه وضعف فرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا عمر انظر كم بقى فأخره الى وقت آخر فقال كما لم تؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة وجاء الصريخ الى أمّه فجاءت باكية صارخة وقالت أحج بكل سوط حجة ماشية وأتصدّق بكذا وكذا درهما فقال انّ الحج والصدقة لا ينوبان عن الحدّ فضربه فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتا فصاح وقال يا بنى محص الله عنك الخطايا ثم جعل رأسه فى حجره وجعل يبكى ويقول يا بنى من قتله الحق بأبى من مات عند انقضاء الحدّ بأبى من لم يرحمه أبوه وأقار به فنظر الناس اليه فاذا هو قد فارق الدنيا فلم نر يوما أعظم منه وضج الناس بالبكاء والنحيب فلما كان بعد أربعين يوما أقبل حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام واذا الفتى معه وعليه حلتان خضرا وان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرئ عمر منى السلام وقل هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود وقال الغلام يا حذيفة أقرئ أبى منى السلام وقل له طهرك الله كما طهرتنى أخرجه شيرويه الديلمى فى كتاب المنتقى كذا ذكره فى الرياض النضرة وخرجه غير الديلمى مختصرا بتغييرا للفظ وقال فيه وكان لعمر ابن يقال له أبو شحمة فأتاه يوما فقال انى زنيت فأقم علىّ الحدّ قال زنيت قال نعم حتى كرّر ذلك عليه أربعا قال وما عرفت التحريم قال بلى قال معاشر المسلمين خذوه فقال أبو شحمة معاشر المسلمين من فعل فعلى فى جاهلية أو اسلام فلا يأخذنى فقام على بن أبى طالب فقال لولده الحسن فأخذ بيمينه وقال لولده الحسين فأخذ بيساره ثم ضربه ستة عشر سوطا فاغمى عليه ثم قال اذا وافيت ربك فقل ضربنى الحدّ من ليس لك فى جنبيه حدّ ثم قام عمر حتى أقام عليه تمام مائة سوط فمات من ذلك فقال انا أوثر عذاب الدنيا على عذاب الاخرة فقيل يا أمير المؤمنين ندفنه من غير غسل ولا كفن قتل فى سبيل الله قال بل نغسله ونكفنه وندفنه فى مقابر المسلمين فانه لم يمت قتيلا فى سبيل الله وانما مات فى حدّ* (ذكر البنات) وهنّ أربع حفصة زوجة النبىّ صلى الله عليه وسلم وهى شقيقة عبد الله وعبد الرحمن الاكبر ورقية وهى شقيقة زيد الاكبر تزوّجها ابراهيم بن نعيم بن عبد الله بن النحام فماتت عنده ولم تلد له وفاطمة أمّها أمّ حكيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 بنت الحارث بن هشام بن المغيرة تزوّجها ابن عمها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فولدت له عبد الله ذكره الدار قطنى وزينب أمّها فكيهة تزوّجها عبد لله بن عبد الله بن سراقة العدوى وروت عن أختها حفصة ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة كذا فى الرياض النضرة* (ذكر عثمان بن عفان) * ابن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يلتقى هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند عبد مناف فبين عثمان وعبد مناف أربعة آباء وبين النبىّ صلى الله عليه وسلم وعبد مناف ثلاثة وهو أقرب الصحابة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد علىّ ويقال له ذو النورين لانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم زوّجه ابنته رقية فلما ماتت زوّجه أمّ كلثوم بنتا أخرى له فلما ماتت قال لو كان عندى ثالثة لزوّجتكها وفى الاستيعاب زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ثم أمّ كلثوم واحدة بعد واحدة وقال لو كان عندى غيرهما لزوّجتكها* وفى أسد الغابة لو كان لنا ثالثة لزوّجناك وفى أسد الغابة أيضا عن أبى محبوب عقبة بن علقمة قال سمعت على بن أبى طالب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أنّ لى أربعين بنتا لزوّجت عثمان واحدة بعد واحدة حتى لا تبقى منهنّ واحدة وقد مرّ فى الباب الثالث من الركن الاوّل فى تزويج بناته انّ تزويجهما عثمان كان بوحى من الله* وفى الاستيعاب قيل للمهلب ابن أبى صفرة لم قيل لعثمان ذو النورين قال لانه لم نعلم أحدا أرسل سترا على ابنتى نبى غيره وأمّه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف أسلمت وأمّها البيضاء أمّ حكيم بنت عبد المطلب شقيقة أبى طالب* ولد عثمان بالطائف فى السنة السادسة من عام الفيل وكان يكنى أبا عبد الله وأبا عمرو كنيتان مشهورتان له وأبو عمر وأشهرهما قيل انه ولدت له رقية ابنا فسماه عبد الله واكتنى به ومات ثم ولد له عمر وفاكتنى به الى ان مات أسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم وهو ابن تسع وثلاثين سنة وقيل ثلاث وثلاثين سنة* وفى أسد الغابة كان عثمان بن عفان رابع أربعة فى الاسلام انتهى وعاش فى الاسلام ستا وأربعين سنة وقيل سبعا وأربعين وهاجر الى الحبشة هجرتين ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر خلفه على ابنته رقية يمرّضها هكذا ذكر ابن اسحاق* وقال غيره بل كان مريضا به الجدرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع وضرب له بسهمه واجره ولذا يعدّ من أهل بدر وكان كمن شهدها وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فى بيعة الرضوان ودعا له بالخصوصية غير مرّة فأثرى وكثر ماله وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا بأحلاسها وأقتابها وأتم الالف بخمسين فرسا* وقال قتادة حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا* وقال الزهرى حمل على تسعمائة وأربعين بعيرا وستين فرسا كذا فى حياة الحيوان* صفته * فى الاستيعاب كان عثمان رجلا ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الوجه رقيق البشرة كث اللحية عظيمها أسمر اللون كثير الشعر ضخم الكراديس بعيد ما بين المنكبين كان يصفر لحيته ويشدّ أسنانه بالذهب* وعن الحسن قال نظرت الى عثمان فاذا رجل حسن الوجه فاذ ابو جنتيه نكتات جدرى واذا شعره قد كسا ذراعيه* وقال البغوى مشرف الانف من أجمل الناس* وفى الرياض النضرة عظيم اللحية طويلها أسمر اللون كثير الشعر له جمة أسفل من أذنيه ولكثرة شعره ولحيته كان أعداؤه يسمونه نعثلا والنعثل اسم رجل طويل اللحية كان اذا نيل من عثمان سمى بذلك والنعثل أيضا اسم الذكر من الضباع* (ذكر خلافته) * فى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى انّ عمر حين استشعر موته قال ما أحد أحق بهذا الامر من الذين توفى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عثمان وعليا والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وجعل الامر شورى بينهم فاجتمعوا بعد دفن عمر* وفى حياة الحيوان بثلاثة أيام وفوّض الامر خمستهم الى عبد الرحمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 ابن عوف ورضوا بحكمه فاختار عثمان وبايعه بمحضر من الصحابة فبايعوه بالخلافة وانقادوا له انتهى وكذا فى سائر الكتب الكلامية* وفى المختصر ولما كان فى اليوم الثالث من وفاة عمر خرج عبد الرحمن بن عوف وعليه عمامته التى عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه وصعد المنبر ثم قال أيها الناس انى سألتكم سرّا وجهرا عن امامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين امّا على وامّا عثمان وقال قم يا على فقام على فوقف تحت المنبر وأخذ عبد الرحمن بيده وقال هل أنت مبايعى على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبى بكر وعمر فقال اللهم لا ولكن على جهدى من ذلك وطاقتى رسل يده ثم نادى قم يا عثمان فقام فأخذ بيده وقال أبايعك فهل أنت مبايعى على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبى بكر وعمر فقال اللهم نعم فرفع رأسه الى سقف المسجد وقال اللهم اسمع قد خلعت ما فى رقبتى من ذلك وجعلته فى رقبة عثمان فازدحم الناس يبايعون عثمان فقعد عبد الرحمن مقعد النبىّ صلى الله عليه وسلم من المنبر وقعد عثمان فى الدرجة الثانية تحته فجعل الناس يبايعونه* وكانت المبايعة يوم الاثنين لليلة بقيت من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل عثمان بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين* وفى الاستيعاب بويع لعثمان بالخلافة يوم السبت غرّة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام باجماع الناس* وفى سيرة مغلطاى بويع يوم الجمعة غرّة المحرّم وسحىء مدّة الخلافة ان شاء الله تعالى* وفى البحر العميق فلما بويع عثمان رضى الله عنه أمر عبد الرحمن بن عوف على الحج سنة أربع وعشرين وحج عثمان بالناس سنة خمس وعشرين فلم يزل يحج الى سنة أربع وثلاثين ثم حصر فى داره وحج عبد الله بن عباس بالناس سنة خمس وثلاثين* وقال ابن سيرين كان عثمان بن عفان أعلمهم بالمناسك وبعده عبد الله بن عمر* (ذكر كاتبه وقاضيه وأميره وحاجبه وصاحب شرطته وخاتمه) أمّا كاتبه فمروان بن الحكم وقاضيه كعب بن سور وعثمان بن قيس بن أبى العاص وأميره بمصر أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبى سرح وحاجبه حمران مولاه وصاحب شرطته عبيد الله بن معبد التيمى ونقش خاتمه آمنت بالله مخلصا وقيل أمنت بالذى خلق فسوّى وكان فى يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبع به الى ان وقع فى بئر أريس وقد تقدّم ذكره فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه* وفى الرياض النضرة قال ابن قتيبة وافتتح فى أيام خلافته الاسكندرية ثم سابور ثم افريقية ثم قبرس ثم سواحل الروم واصطخر الاخرة وفارس الاولى ثم خور وفارس الاخرة ثم طبرستان ودارابجرد وكرمان وسجستان ثم الاساورة فى البحر ثم حصون قبرس ثم ساحل الاردن ثم مرو ثم حصر عثمان فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وفى غيره جاء بترتيب آخر فقال وفى أيامه فتحت افريقية وكرمان وسجستان ونيسابور وفارس وطبرستان وقبرس وهراة وأعمال خراسان وفى ايامه قتل يزدجرد ملك فارس بمرو وغزا معاوية القسطنطينية وفى أيامه فتحت أرمينية وسيجىء تفصيلها* وفى دول الاسلام سار عثمان بسيرة عمر ستة أعوام وفى دولته نقض أهل الرى الصلح فغزاهم أبو موسى الاشعرى وفى ثانى سنة من خلافته عزل عن نيابة العراق سعد بن أبى وقاص وولى الوليد بن عقبة الاموى وهو أخو عثمان لامّه وممن أسلم يوم الفتح وكان الوليد يشرب الخمر فتكلموا فى عثمان لتوليته وبعث الوليد جيشا أميرهم سلمان بن ربيعة وهم اثنا عشر ألفا ففتحوا برذعة من أرض اذربيجان وفيها انتقض أهل الاسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص فقتل وسبى ثم بعد سنة عزل عثمان نائب مصر عمرو بن العاص واستعمل عليها عبد الله بن أبى سرح وسار المسلمون وأميرهم عثمان بن أبى العاص فافتتحوا مدينة سابور من اقليم فارس صالحا فصالحهم فى السنة على ثلاثة آلاف ألف وثلثمائة ألف وركب معاوية نائب الشأم البحر بالجيوش فافتتح قبرس* قال داود بن أبى هند صالح عثمان بن أبى العاص وأبو موسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 أهل أرّجان على ألفى ألف ومائتى ألف وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف درهم وسائر نائب مصر عبد الله بن أبى سرح بالجيوش الى المغرب فالتقى هو والكفار وهم نحو مائتى ألف وملكهم جرجير وكانت المصاف بسبيطلة بقرب مدينة القيروان فقتل جرجير ونزل النصر وكانت وقعة هائلة عظيمة بحيث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار من الغنيمة وقد مرّ فى مولد ابن الزبير فى الموطن الثانى* وفى سنة تسع وعشرين افتتح المسلمون ومقدمهم عبد الله بن عامر بن كريز مدينة اصطخر بالسيف بعد قتال عظيم وقتل عبيد الله بن معمر التيمى من صغار الصحابة فحلف بن كريز لئن ظفر بها ليقتلنّ بها حتى يسيل الدم من باب المدينة فلما فتحها أسرف فى قتلهم وجعل الدم لا يجرى فقيل له أفنيتهم فأمر بالماء فصب على الدم حتى جرى وعزل عثمان أبا موسى الاشعرى عن نيابة البصرة وابن أبى العاص عن بلاد فارس وجعل الولايتين لابن أبى كريز وفى هذا الوقت افتتح المسلمون أصبهان* وفى سنة ثلاثين من الهجرة كانت غزوة طبرستان وأمير الناس سعيد بن العاص فحاصرهم وأخذها وافتتح ابن كريز من أرض فارس مدينة جور وغيرها* قال ابن أبى هند لما افتتح ابن كريز مملكة فارس هرب يزدجرد بن كسرى الذى كان صاحب العراقين فتبعه المسلمون وافتتح عسكر ابن كريز من بلاد سجستان زالق وشاش وصالحوا أهل مدينة زرنج على اعطاء ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب وسار ابن كريز بالجيوش ففتح اقليم خراسان فالتقاه أهل هراة فانكسروا ثم سار فافتتح نيسابور صالحا ويقال بالسيف وبعث فرقة افتتحوا طوس ونواحيها صالحا وصالح أهل سرخس وبعث اليه أهل مرو يطلبون الصلح فصالحهم ابن كريز على ألفى ألف ومائتى ألف فى السنة* وجهز الاحنف بن قيس فى أربعة آلاف فارس فاجتمع لحربه أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفيرياب وتلك النواحى ومقدمهم كلهم طوغان شاه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انكسر المشركون ونزل الاحنف بن قيس على بلخ فصالحوه على أربعمائة ألف ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع وافتتح المسلمون فى أشهر معدودة نحوا من عشرين مدينة ثم خرج ابن كريز وهو ابن خمس وعشرين سنة من نيسابور محرما بالحج من بقعته شكر الله تعالى لما فتح الله عليه من هذه المدائن الكبار واستناب على خراسان الاحنف وسار حتى أتى مكة وطاف وسعى وحل ثم أتى وافدا على أمير المؤمنين عثمان بالمدينة ثم تجمع أهل خراسان على مرو فالتقاهم الاحنف بن قيس فهزمهم* وقدم ابن كريز البصرة فاستقر بها ونوّابه على خراسان وسجستان والجبال وكثر الخراج على عثمان وأتاه المال من النواحى واتخذ الخزائن العظيمة بالمدينة وكان يقسم بين الناس فيأمر للرجل بمائة ألف درهم ويقال أخذ المسلمون من خزائن كسرى مائة ألف بدرة من الذهب وزن كل بدرة أربعة آلاف* وقتل بخراسان يزدجرد آخر ملوك الاكاسرة وكان فى سنة اثنتين وثلاثين وقعة المضيق بقرب مدينة قسطنطينية وعلى جيش الاسلام نائب الشام معاوية وغزا المسلمون قبرس ثانى مرّة وجمع قارن المجوسى جمعا عظيما بأرض هراة وأقبل فى أربعين ألفا وقام بأمر المسلمين عبد الله بن حازم السلمى وسار فى أربعة آلاف فالتقوا فقتل قارن وتمزق جمعه وغنم المسلمون سبيا عظيما وأموالا وتقرّر ابن حازم على نيابة خراسان وغزا نائب مصر الحبشة فأخذ بعضها وغزا غزوة الصوارى فى البحر وتوفى فى دولة عثمان ابن عمه أبو سفيان بن حرب بن أمية الاموى أحد الاشراف وحمو رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المختصر الجامع ذكر ابن قتيبة انّ أبا سفيان ذهبت احدى عينيه يوم الطائف وذهبت الآخرى يوم اليرموك ومات فى خلافة عثمان أعمى وكان له ثلاثة أولاد نبلاء أمّ المؤمنين حبيبة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم ويزيد بن أبى سفيان الذى جهزه أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه لغزو الشأم ومشى أبو بكر فى ركابه وكان من خيار الامراء وثالثهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 معاوية بن أبى سفيان نائب الشأم وغيره لعمر وعثمان ثم صار بعد علىّ خليفة كذا فى دول الاسلام وفى موضع آخر منه عدّ من أولاده عتبة وقال حج بالناس أخو معاوية عتبة بن أبى سفيان فى سنة احدى وأربعين* وفى سيرة ابن هشام عدّ من أولاده عمرو بن أبى سفيان أسر يوم بدر فقدم مكة من المدينة سعد بن النعمان الانصارى معتمرا فحبسه أبو سفيان حتى خلص ابنه عمرا به ومن أولاده حنظلة وبه كان يكنى أبو سفيان بأبى حنظلة وقتل يوم بدر ومن أولاده الفارعة بنت أبى سفيان بن حرب أخت أم حبيبة فتزوّجها أبو أحمد بن جحش وكان أبو أحمد سلفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أولاده عزة بنت أبى سفيان وهى التى عرضتها أختها أمّ حبيبة على النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لا تحل لى لمكان أختها أمّ حبيبة* وفى ذخائر العقبى عدّ من أولاده هند بنت أبى سفيان بن حرب وهى التى تزوّجها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له الحارث الذى يقال له ببه فيكون جملة أولاد أبى سفيان ثمانية خمسة ذكور وثلاث بنات* وتوفى حكيم هذه الامّة وعالم أهل الشأم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء الانصارى وقد أبلى يوم أحد بلاء عظيما وآخى النبىّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسى وكان أبو الدرداء مقرئ أهل دمشق وقاضيهم يهابه معاوية ويتأدّب معه* وفى الصفوة توفى أبو الدرداء بدمشق سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان وله عقب بالشأم* وتوفى معه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب كان اسمه فى الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل عبد الكعبة ترجمة عبد الرحمن بن عوف * صفته* انه كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا بحمرة ضخم أقنى* وقال ابن اسحاق كان ساقط الثنيتين أعرج أصيب يوم أحد وجرح عشرين جراحة أو أكثر وبعضها فى رجله فعرج كذا فى الصفوة وهو أحد ثمانية سبقوا الخلق الى الاسلام* وفى المختصر الجامع توفى وله خمس وسبعون سنة وكان على ميمنة عمر لما قدم الجابية وافتتح القدس وكان أبيض أعين أقنى ضخم الكفين مليح الوجه لا يغير شيبه هتم يوم أحد وأصيب عشرين جرحا عرج من بعضها وكان تاجرا كثير الاموال بعد ان كان فقيرا باع مرّة أرضاله بأربعين ألف دينار فتصدّق بها كلها وتصدّق مرّة بتسعمائة جمل بأحمالها قدمت من الشأم وأعان فى سبيل الله بخمسمائة فرس عربية وأوصى لكل رجل بقى من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا يومئذ مائة رجل وقسمت تركته على ستة عشر سهما وكان كل سهم ثمانمائة ألف دينار وعينه عمر فى جملة ستة يصلحون للخلافة من بعده فقام هو بأمر البيعة لعثمان وزوى الامر عن نفسه وعن ابن عمه سعد ومناقبه جمة* ترجمة العباس عم النبى ومات العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الوقت* وفى حياة الحيوان مات العباس لست سنين خلون من خلافة عثمان رضى الله عنهما وفى المختصر الجامع فى سنة اثنتين وثلاثين وكان مولده قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فيكون عمره سبعا وثمانين سنة* وفى المواهب اللدنية توفى العباس فى خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة وقيل لاربع عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة اثنتين وقيل سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن ثمانين سنة وقيل سبع وثمانين سنة وقد كف بصره أدرك منها فى الاسلام اثنتين وثلاثين سنة ودفن بالبقيع ودخل قبره ابنه عبد الله وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يحترمه وكذلك أبو بكر وكذلك عمر وكذلك عثمان وكذلك على رضى الله عنهم* وفى المختصر الجامع اذا مرّ بعمر أو بعثمان وهما راكبان ترجلا اجلالا له ومن ذرّيته خلفاء الاسلام* ترجمة عبد الله بن مسعود ومات فى هذا الوقت وهو عام اثنتين وثلاثين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكبر خدمه عبد الله بن مسعود الهذلى أحد السابقين الاوّلين وكان يحمل نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلازمه ولقنه رسول الله سبعين سورة وكان من أكابر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 علماء الصحابة وهو الذى احتز رأس أبى جهل يوم بدر وأتى به النبىّ صلى الله عليه وسلم أقام بالكوفة متوليا على بيت المال وغير ذلك وتفقه به طائفة واتفق انه قدم المدينة فى آخر عمره فمات بها وصلى عليه عثمان قيل انه خلف تسعين ألف دينار وكان قصيرا جدّا* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانمائة وأربعون حديثا* ترجمة أبى ذر الغفارى ومات بالربذة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر الغفارى أحد السابقين أسلم خامس خمسة ثم رجع الى أرض قومه وقدم بعد الهجرة وكان من أكابر العلماء والزهاد كبير الشان كان عطاؤه فى السنة أربعمائة دينار وكان لا يدّخر شيئا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبى ذرّ* وتوفى بحمص فى سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان كعب الاحبار بن تابع بالمثناة من فوق بن هينوع يكنى أبا اسحاق وهو من حمير من آل ذى رعين كان يهوديا أدرك زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم ولم يره وأسلم فى خلافة أبى بكر وقيل فى خلافة عمر وكان يسكن اليمن وقدم المدينة ثم خرج الى الشأم فسكن حمص وتوفى بها كذا فى الصفوة ومزيل الخلفاء* ومات المقداد بن الاسود الكندى أحد السابقين البدريين فى سنة ثلاث وثلاثين* ومات أبو طلحة الانصارى أحد من شهد بدرا فى سنة أربع وثلاثين وكان ممن تضرب بشجاعته الامثال وكان أكثر الانصار مالا قال أنس قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين نفسا وأخذ أسلابهم وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة وقد مرّ فى غزوة أحد فى الموطن الثالث* وفى الصفوة قال الواقدى أهل البصرة يرون انّ أبا طلحة دفن فى الجزيرة وانما توفى بالمدينة سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان* قال ابن الجوزى قلت وما روينا انه صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يخالف هذا والله أعلم* وفيها مات عبادة بن الصامت الانصارى أحد النقباء بدرى كبير ولى قضاء بيت المقدس وكان طوالا جسيما جميلا من العلماء الجلة* وفى المختصر الجامع وفى أيام عثمان وقع الخلاف فى القراآت وقدم حذيفة بن اليمان وهو حذيفة بن حنسل ويقال حسل بن جابر ابن عمرو بن ربيعة واليمان لقب حسل بن جابر من أرمينيه فقال له أدرك الناس من قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى قال وما ذاك قال رأيت أهل العراق يكفرون أهل الشأم فى قراءتهم وأهل الشأم يكفرون أهل العراق فى قراءتهم فأمر زيدا فكتب مصحفا* (ذكر مقتل عثمان) * فى دول الاسلام لما وقعت الغزوات واتسعت الدنيا على الصحابة كثرت الاموال حتى كان الفرس يشترى بمائة ألف وحتى كان البستان يباع بالمدينة بأربعمائة ألف درهم وكانت المدينة عامرة كثيرة الخيرات والاموال والناس يجبى اليها خراج الممالك وهى دار الامان وقبة الاسلام فبطر الناس بكثرة الاموال والخيل والنعم وفتحوا أقاليم الدنيا واطمأنوا وتفرّغوا ثم أخذوا ينقمون على خليفتهم عثمان رضى الله عنه لكونه يعطى المال لاقاربه ويوليهم الولايات الجليلة فتكلموا فيه وكان قد صار له أموال عظيمة وله ألف مملوك وآل بهم الامر الى ان قالوا هذا ما يصلح للخلافة وهموا بعزله وثاروا لمحاصرته وجرت أمور طويلة نسأل الله العافية وحاصروه فى داره أياما وكانوا رؤس شر وأهل جفاء* وفى سيرة مغلطاى حاصره الكوفيون وعليهم الاشتر النخعى والبصريون والمصريون وعليهم عبد الرحمن ابن عديس وعمرو بن الحمق وسودان بن حمران ومحمد بن أبى بكر انتهى فتدلى عليه ثلاثة فذبحوه فى بيته والمصحف بين يديه وهو شيخ كبير ابن ثلاث وثمانين سنة وكان ذلك أوّل وهن وبلاء تم على الامّة بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم فانا لله وانا اليه راجعون فقتلوه يوم الجمعة فى ثانى عشر من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وكذا فى الاستيعاب والاكتفاء* وفى حياة الحيوان وتقرّقت الكلمة بعد قتله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 رضى الله عنه واقتتلوا للاخذ بثاره حتى قتل من المسلمين تسعون ألفا* قال ابن خلكان وغيره لما بويع عثمان رضى الله عنه نفى أبا ذر الغفارى الى الربذة لانه كان يزهد الناس فى الدنيا وردّ الحكم بن أبى العاص وكان قد نفاه النبى صلى الله عليه وسلم الى الربذة* وفى الرياض النضرة ردّه من الطائف الى المدينة ولم يردّه أبو بكر ولا عمر فردّه عثمان* قيل انما ردّه باذن النبى صلى الله عليه وسلم قاله غير واحد وسيجىء وولى مصر عبد الله بن أبى سرح وأعطى أقاربه الاموال وكان ذلك مما نقم عليه الناس فلما كان سنة خمس وثلاثين قدم المدينة مالك بن الاشتر النخعى فى مائتى رجل من أهل الكوفة ومائة وخمسين من أهل البصرة وستمائة من أهل مصر كلهم مجمعون على خلع عثمان من الخلافة فلما اجتمعوا فى المدينة سير عثمان اليهم المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ليدعوهم الى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فردّوهما أقبح ردّو لم يسمعوا كلامهما فبعث اليهم عليا فردّهم الى ذلك وضمن لهم ما يعدهم به عثمان وكتبوا على عثمان كتابا بازاحة علتهم والسير فيهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليه عهدا بذلك وأشهدوا على علىّ انه ضمن ذلك واقترح المصريون على عثمان عزل عبد الله بن أبى سرح وتولية محمد بن أبى بكر فأجابهم الى ذلك وولاه فافترق الجمع كل الى بلده فلما وصل المصريون الى أيلة وجدوا رجلا على نجيب لعثمان ومعه كتاب مختوم بخاتم عثمان مصطنع على لسانه وعنوانه من عثمان الى عبد الله بن أبى سرح وفيه اذا قدم محمد بن أبى بكر وفلان وفلان فاقطع أيديهم وأرجلهم وارفعهم على جذوع النخل فرجع المصريون والبصريون والكوفيون لما بلغهم ذلك وأخبروه الخبر فحلف عثمان انه ما فعل ذلك ولا أمر به فقالوا هذا أشدّ عليك يؤخذ خاتمك ونجيب من ابلك وأنت لا تعلم وما أنت الا مغلوب على أمرك ثم سألوه أن يعتزل فأبى فأجمعوا على حصاره فحصروه فى داره وكان من أشدّهم عليه محمد بن أبى بكر وكان الحصار سلخ شوّال واشتدّ الحصار ومنع من أن يصل اليه الماء* وعن أبى سعيد مولى أبى أسيد الانصارى قال سمع عثمان انّ وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم فلما سمعوا به أقبلوا نحوه الى المكان الذى هو فيه وقالوا له ادع بالمصحف فدعا بالمصحف وقالوا له افتح السابعة وكانوا يسمون سورة يونس السابعة فقرأ حتى أتى على هذه الاية قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون فقالوا له قف أرأيت ما جمعت من الحمى آلله أذن لك أم على الله تفترى فقال امضه نزلت فى كذا وكذا وأما الحمى فى ابل الصدقة فلما ولدت زادت فى ابل الصدقة فزدت فى الحمى لما زاد فى ابل الصدقة امضه قال فجعلوا يأخذونه باية آية فيقول امضه نزلت فى كذا وكذا فقال لهم ما تريدون فقالوا نأخذ ميثاقك فال فكتبوا عليه شروطا وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ولا يفارقوا جماعة فأفاء لهم شروطهم وقال لهم ما تريدون قالوا نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاء قال لا انما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال فرضوا وأقبلوا معه الى المدينة راضين قال فقام وخطب فقال ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ومن كان له ضرع فليحتلبه ألا وانه لا مال لكم عندنا انما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال فغضب الناس وقالوا هذا مكر بنى أمية قال ثم رجع المصريون فبينما هم فى الطريق اذهم براكب يتعرّض لهم يفارقهم ثم يرجع اليهم ويسيبهم قالوا مالك انّ لك الامان ما شأنك قال أنا رسول أمير المؤمنين الى عامله بمصر قال ففتشوه فاذاهم بكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه الى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم فأقبلوا حتى قدموا المدينة وأتوا عليا فقالوا ألم تر الى عدوّ الله كتب فينا بكذا وكذا وأن الله قد أحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 دمه قم معنا اليه قال والله لا أقوم معكم قالوا فلم كتبت الينا قال والله ما كتبت اليكم كتابا قط فنظر بعضهم الى بعض ثم قال بعضهم لبعض ألهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون فانطلق علىّ فخرج من المدينة الى قرية وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا كتبت كذا وكذا فقال انما هما اثنتان أن تقيموا علىّ رحلين شاهدين من المسلمين أو يمينى بالله الذى لا اله الا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم فقالوا والله أحل الله دمك ونقضوا العهد والميثاق فحاصروه فأشرف عليهم ذات يوم وقال السلام عليكم فما سمع أحدا من الناس يردّ عليه الا أن يردّ فى نفسه فقال انشدكم الله هل علمتم انى اشتريت بئر رومة من مالى فجعلت رشائى كرشاء رجل من المسلمين قيل نعم قال فعلام تمنعونى أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر أنشدكم الله هل علمتم انى اشتريت كذا وكذا من الارض فزدتا فى المسجد قيل نعم قال فهل علمتم ان أحدا من الناس منع أن يصلى فيه من قبلى أنشدكم بالله هل سمعتم نبى الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا اشياء فى شأنه عدّدها ورأيته أشرف عليهم مرّة أخرى فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ منهم الموعظة وكان الناس تأخذ منهم الموعظة فى أوّل ما يسمعونها فاذا أعيدت عليهم لم تأخذ منهم فقال لامرأته افتحى الباب وفتح المصحف بين يديه وذلك أنه رأى من الليل أنّ نبىّ الله صلى الله عليه وسلم يقول له أفطر عندنا الليلة فدخل عليه رجل فقال بينى وبينك كتاب الله فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر فقال بينى وبينك كتاب الله تعالى والمصحف بين يديه فأهوى اليه بالسيف فاتقاه بيده فقطعها فلا أدرى أبانها أم لم يبنها* قال عثمان أما والله انها لاوّل كف خطت المفصل وفى حديث غير أبى سعيد فدخل البخترى فضربه مشقصا فنضح الدم على هذه الاية فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم قال وانها فى المصحف ما حكت* قال فى حديث أبى سعيد فأخذت بنت الفرافصة خاتمه فوضعته فى حجرها وذلك قبل أن يقتل فلما قتل تفاجت عليه فقال بعضهم قاتلها الله ما أعظم عجيزتها فعلم أن أعداء الله لم يريدوا الا الدنيا خرجه أبو حاتم* وذكر ابن قتيبة أنه سار اليه قوم من أهل مصر منهم محمد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة فى جند ومن أهل البصرة حكيم بن جبلة العبدى وسدوس بن عنبس الشنى ونفر من أهل الكوفة فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم ثم وجدوا بعد انصرافهم كتابا من عثمان عليه خاتمه الى أمير مصر اذا نلت القوم فاضرب أعناقهم فعادوا به الى عثمان فحلف لهم انه لم يأمر ولم يعلم فقالوا انّ هذا عليك شديد يؤخذ خاتمك من غير علمك وراحلتك فان كنت قد غلبت على نفسك فاعتزل فأبى أن يعتزل وأن يقاتل ونهى عن ذلك وأغلق بابه فحصروه اكثر من عشرين يوما وهو فى الدار فى ستمائة رجل ثم دخلوا عليه من دار أبى حزم الانصارى فضربه سيار بن عياض الاسلمى بمشقص فى وجهه فسال الدم على مصحف فى حجره* وأقام للناس الحج فى تلك السنة عبد الله بن عباس وصلى بالناس على بن أبى طالب* وروى عن عبد الله بن سلام انه قال لما حصر عثمان ولى أبو هريرة على الصلاة وكان ابن عباس يصلى أحيانا وأقام للناس الحج فى ذلك العام عبد الله بن عباس وكان عثمان قد حج عشر حجج متواليات خرجه القلعى* وقال الواقدى حاصروه تسعة وأربعين يوما* وقال الزبير حاصروه شهرين وعشرين يوما* وذكر ابن الجوزى فى شرح الصحيحين انّ الذين خرجوا على عثمان هجموا على المدينة وكان عثمان يخرج فيصلى بالناس وهم يصلون خلفه شهرا ثم خرج من آخر جمعة خرج فيها فحصبوه حتى وقع عن المنبر ولم يقدر أن يصلى بهم فصلى بهم يومئذ أبو أمامة بن سهيل بن حنيف* وروى أن جهجاه الغفارى قال له بعد أن حصبوه ونزل عن المنبر والله لنضربنك الى جبل الرمال وأخذ عصا النبىّ صلى الله عليه وسلم وكسرها بركبته فوقعت الاكلة فى ركبته ثم حصروه ومنعوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 الصلاة فى المسجد وكان يصلى بهم ابن حديش تارة وكنانة بن بشر أخرى وهما من الخوارج على عثمان فبقوا على ذلك عشرة أيام ثم قتلوه* وفى رواية انهم حصروه أربعين ليلة وطلحة يصلى بالناس* وفى رواية انّ عليا كان يصلى بهم تلك الايام ذكر ذلك كله فى الرياض النضرة* وفيه ذكر طريقا آخر فى مقتله وفيه بيان الاسباب التى نقمت عليه عن ابن شهاب قال قلت لسعيد بن المسيب هل أنت مخبرى كيف كان قتل عثمان وما كان شأن الناس وشأنه ولم خذ له أصحاب محمد قال قتل عثمان مظلوما ومن قتله كان ظالما ومن خذله كان معذورا فقلت وكيف كان ذلك قال لما ولى كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لانّ عثمان كان يحب قومه فولى ثنتى عشرة سنة وكان كثيرا ما يولى بنى أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة وكان يجىء من أمرائه ما يكره أصحاب رسول الله وكان يستغاث عليهم فلا يغيثهم فلما كان فى الستة الحجج الاواخر استأثر بنى عمه فولاهم وأمرهم وولى عبد الله بن أبى سرح مصر فشكا أهل مصر وكان من قبل ذلك من عثمان هنات الى عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ وعمار بن ياسر وكانت هذيل وبنو زهرة فى قلوبهم ما فيها لاجل عبد الله بن مسعود وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لابى ذر فى قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخزوم حنقت على عثمان لاجل عمار بن ياسر وجاء أهل مصر يشكون ابن أبى سرح فكتب اليه يهدّده فأبى ابن أبى سرح أن يقبل ما نهاه عنه وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان ومن أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله فخرج جيش أهل مصر فى سبعمائة رجل الى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه على بن أبى طالب وكان متكلم القوم وقال اذا سألوك رجلا مكان رجل وقد ادّعوا قبله دما فاعزله عنهم وان وجب عليه حق فأنصفهم من عاملك فقال لهم اختاروا رجلا فأشاروا الى محمد بن أبى بكر فكتب عهده وولاه وخرج معهم مدد من المهاجرين والانصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبى سرح فخرج محمد ومن معه فلما كانوا على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة اذاهم بغلام أسود على بعير يخبط الارض خبطا حتى كأنه يطلب أو يطلب فقال له أصحاب محمد ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب فقال لهم أنا غلام أمير المؤمنين وجهنى الى عامل مصر فقال رجل هذا عامل مصر معنا قال ليس هذا الذى أريد فأخبروا بأمره محمد بن أبى بكر فبعث فى طلبه رجالا فأخذوه فجاؤا به اليه فقال غلام من أنت فاعتل مرّة يقول أنا غلام أمير المؤمنين ومرّة يقول أنا غلام مروان فقال له محمد الى من أرسلت قال الى عامل مصر قال بماذا قال برسالة قال معك كتاب قال لا ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا وكان معه اداوة قد يبست وفيها شىء يتقلقل فراوده ليخرجه فلم يخرج فشقوا الاداوة فاذا فيها كتاب من عثمان الى ابن أبى سرح فجمع محمد من كان معه من المهاجرين والانصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فاذا فيه اذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه وقف على عملك حتى يأتيك أمرى ان شاء الله تعالى فلما قرؤا الكتاب فزعوا ورجعوا الى المدينة وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودفع الكتاب الى رجل منهم وقدموا المدينة فجمعوا طلحة والزبير وعليا وسعدا ومن كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم فاذا فيه اذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم فقرؤا الكتاب عليهم وأخبروهم بقصة العبد فلم يبق أحد من أهل المدينة الاحنق على عثمان وزاد ذلك من غضب ابن مسعود وأبى ذر وعمار وقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منازلهم وما منهم من أحد الامغتم وحاصر الناس عثمان فلما رأى ذلك علىّ بعث الى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 والبعير فقال له علىّ هذا الغلام غلامك قال نعم وهذا البعير بعيرك قال نعم قال فأنت كتبت الكتاب قال لا وحلف بالله ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت به ولا وجهت هذا الغلام الى مصر وأما الخط فعرفوا انه خط مروان وسألوه أن يدفعه اليهم وكان معه فى الدار فأبى وخشى عليه القتل فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا أن عثمان لا يحلف باطلا فحاصره الناس ومنعوه الماء وأشرف على الناس وقال أفيكم علىّ قالوا لا قال أفيكم سعد قالوا لا فقال الا أحد يسقينا ماء فبلغ ذلك عليا فبعث اليه ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل اليه حتى جرح بسببها عدّة من موالى بنى هاشم وبنى أمية ثم بلغ عليا انهم يريدون قتل عثمان فقالوا انما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا وقال للحسن والحسين اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل اليه وبعث الزبير ابنه وبعث عدّة من الصحابة أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ويسألونه اخراج مروان فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن على بدمائه وأصاب مروان سهم وهو فى الدار وكذلك محمد بن طلحة وشج قنبر مولى علىّ ثم انّ بعض من حضر عثمان خشى أن تغضب بنو هاشم لاجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة فأخذ بيد رجلين وقال ان جاء بنو هاشم ورأوا الدم على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان وبطل ما تريدون ولكن اذهبوا بنا نتسوّر الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد فتسوّروا من دار رجل من الانصار حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه لانّ كل من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه الا امرأته فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة فصعدت الى الناس فقالت انّ أمير المؤمنين قتل فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوه مذبوحا فانكبوا عليه يبكون ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا وقال علىّ لابنيه كيف قتل أمير المؤمنين وانتما على الباب ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة ولعن عبد الله بن الزبير وخرج على وهو غضبان فلقيه طلحة فقال مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين وكان يرى انه أعان على قتل عثمان فقال عليك كذا وكذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرى لم تقم عليه بينة ولا حجة فقال طلحة لو دفع مروان لم يقتل فقال علىّ لو أخرج اليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة وخرج علىّ فأتى منزله وجاء الناس كلهم الى علىّ ليبايعوه فقال لهم ليس هذا اليكم انما هو الى أهل بدر فمن رضى به أهل بدر فهو الخليفة فلم يبق أحد من أهل بدر الا قال ما نرى أحق بها منك* فلما رأى علىّ ذلك جاء الى المسجد فصعد المنبر وكان أول من صعد اليه وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وطلب مروان فهرب وطلب نفر من ولد بنى مروان وبنى ابن أبى معيط فهربوا أخرجه السمانى فى كتاب الموافقة* وعن شدّاد بن أوس انه قال لما اشتدّ الحصار بعثمان رضى الله عنه يوم الدار رأيت عليا خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله متقلدا سيفه وأمامه ابنه الحسن والحسين وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم فى نفر من المهاجرين والانصار فحملوا على الناس وفرّقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال علىّ السلام عليك يا أمير المؤمنين انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الامر حتى ضرب بالمقبل المدبر وانى والله لا أرى القوم الا قاتلوك فمرنا فلنقاتل فقال عثمان انشد الله رجلا رأى لله عز وجل عليه حقا وأقرّ أن لى عليه حقا أن يهريق فى سببى ملء محجمة من دم أو يهريق دمه فىّ فأعاد على رضى الله عنه القول فأجاب عثمان بمثل ما أجاب فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول اللهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 انك تعلم انا قد بذلنا المجهود ثم دخل المسجد* وفى الرياض النضرة وحضرت الصلاة فقالوا يا أبا الحسن تقدّم فصل بالناس فقال لا أصلى بكم والامام محصور ولكن أصلى وحدى انتهى ثم اقتحموا على عثمان الدار والمصحف بين يديه؟؟؟ فأخذ محمد بن أبى بكر بلحيته فقال له عثمان يا ابن أخى فو الله لو رأى أبوك مقامك هذا الساءه فأرسل لحيته وولى وضربه يسار بن علياص أو سيار ابن عياض الاسلمى وسودان بن حمران بسيفيهما فنضح الدم على قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم* وفى رواية وجلس عمرو بن الحمق على صدره وضربه حتى مات ووطئ عمير بن صابئ على بطنه فكسر له ضلعين من أضلاعه* وفى الاستيعاب روى سعيد المقبرى عن أبى هريرة وكان محصورا مع عثمان فى الدار قال رمى رجل منا فقلت يا أمير المؤمنين الان طاب الضراب قتلوا منا رجلا قال عزمت عليك يا أبا هريرة الا رميت بسيفك فانما يراد نفسى وسأقى المؤمنين بنفسى* قال أبو هريرة فرميت سيفى لا أدرى اين هو حتى الساعة* وفى الرياض النضرة قال ألقيته فما أدرى من أخذه ثم دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال يا امير المؤمنين انّ هؤلاء القوم اجتمعوا عليك وهموا بك فان شئت أن تلحق بمكة* وفى رواية عن المغيرة انه قال لعثمان امّا أن تخرق بابا سوى الباب الذى هم عليه فتقعد على راحلتك وتلحق بمكة فانهم لم يستحلوك وأنت بها وان شئت تلحق بالشأم فانّ بها معاوية وان شئت فاخرج الى هؤلاء القوم فقاتلهم فانّ معك عددا وقوّة وأنت على الحق وهم على الباطل فقال عثمان أمّا أن أخرج وأقاتل فلن أكون أوّل من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمّته بسفك الدماء وأمّا أن أخرج الى مكة فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة يكون عذابه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا وأمّا ان ألحق بالشأم وفيها معاوية فلن أفارق دار هجرتى ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الرياض النضرة وكان معه فى الدار ممن يريد الدفع عنه عبد الله بن عمر وعبد الله بن سلام وعبد الله بن الزبير والحسن بن على وأبو هريرة ومحمد بن حاطب وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم فى طائفة من الناس منهم المغيرة بن الاخنس ويومئذ قتل المغيرة بن الاخنس قبل قتل عثمان* وفى أسد الغابة لما طال حصره والذين حصروه من أهل مصر والبصرة والكوفة ومعهم بعض أهل المدينة أرادوه أن ينزع نفسه من الخلافة فلم يفعل وخافوا أن تأتيه الجيوش من أهل الشأم والبصرة وغيرهما فيأتى الحجاج فيهلكوهم فتسوّروا عليه من دار أبى الحزم الانصارى فقتلوه* وفى الاستيعاب وكان أوّل من دخل عليه الدار محمد بن أبى بكر فأخذ بلحيته فقال له دعها يا ابن أخى فو الله لقد كان أبوك يكرمها فاستحيا وخرج وفى رواية فلما دخل أخذ بلحيته وهزها وقال ما أغنى عنك معاوية وما أغنى عنك ابن أبى سرح وما أغنى عنك عبد الله بن عامر فقال يا ابن أخى أرسل لحيتى فو الله لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منى فيقال انه حينئذ تركه وخرج عنه ويقال حينئذ أشار الى من معه فطعنه واحد منهم فقتلوه انتهى* قال ولما خرج محمد دخل رومان بن سرحان رجل أزرق قصير محدود عداده فى مراد وهو من ذى أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال على أىّ دين أنت يا نعثل فقال لست بنعثل ولكنى عثمان بن عفان وأنا على ملة ابراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين قال كذبت وضربه على صدغه الايمن* وفى الرياض النضرة على صدغه الايسر فقتله فخرّ فأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها وكانت امرأة جسيمة ودخل رجل من أهل مصر ومعه السيف صلتا فقال والله لاقطعنّ أنفه فعالج المرأة فكشف عن ذراعيها* وفى الرياض النضرة فعالجت امرأته وقبضت على السيف فقطع يدها فقالت لغلام لعثمان يقال له رباح ومعه سيف عثمان أعنى على هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وأخرجه عنى فضربه الغلام بالسيف فقتله* وفى أسد الغابة اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل محمد ابن أبى بكر ضربه بمشقص وقيل بل حبسه محمد بن أبى بكر وأشغره غيره وكان الذى قتله سودان بن حمران وقيل بل قتله رومان اليمامى وقيل بل رومان رجل من بنى أسد بن خزيمة وقيل بل أسود التجيبى من أهل مصر ويقال جبلة بن الايهم رجل من أهل مصر وقيل سودان بن رومان المرادى ويقال ضربه التجيبى ومحمد بن أبى حذيفة وهو يقرأ فى المصحف سورة البقرة وقطرت قطرة من دمه على فسيكفيكهم الله وكان صائما يومئذ* وفى أسد الغابة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال تقتل وأنت مظلوم وتسقط قطرة من دمك على فسيكفيكهم الله قال انها الى الساعة لفى المصحف والله أعلم* (ذكر تاريخ قتله) * ولا خلاف بينهم فى انه قتل فى ذى الحجة وانما الخلاف فى أىّ يوم منه قتل* قال الواقدى قتل بالمدينة يوم الجمعة لثمان أو سبع خلت من ذى الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين من الهجرة ذكره المدائنى عن أبى معشر عن نافع* وعن أبى عثمان النهدى قتل فى وسط أيام التشريق وقيل انه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذى الحجة وقد روى ذلك عن الواقدى أيضا* وفى الصفوة حصر فى منزله أياما ثم دخلوا عليه فقتلوه يوم الجمعة لثلاث عشرة أو لثانى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة* وقال ابن اسحاق قتل عثمان على رأس احدى عشرة سنة واحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى رأس خمس وعشرين سنة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء بعد العصر ودفن يوم السبت بعد الظهر ذكره فى الرياض النضرة* وفى أسد الغابة عن أبى سعيد مولى عثمان بن عفان انّ عثمان أعتق عشرين مملوكا وهو محصور ودعا بسراويل فشدّها عليه ولم يلبسها لا فى جاهلية ولا فى اسلام وقال انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة فى المنام ورأيت أبا بكر وعمر فقالوا لى اصبر فانك تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشر بين يديه فقتل وهو بين يديه* وعن عائشة رضى الله عنها انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لعثمان لعلّ الله يقمصك قميصا فان أرادوك على خلعه فلا تخلع لهم وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعى لى بعض أصحابى قلت أبا بكر قال لا فقلت عمر فقال لا فقلت ابن عمك فقال لا فقلت له عثمان قال نعم فلما جاء قال لى بيده فتنحيت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارّه ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر قيل ألا تقاتل قال لا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الىّ عهدا وأنا صابر نفسى عليه* وعن كنانة مولى صفية بنت حيى بن أخطب قال شهدت مقتل عثمان رضى الله عنه فاخرج من الدار امامى أربعة من قريش مضرجين بالدم أى ملطخين محمولين كانوا مع عثمان فى الدار يدرؤن عنه وهم الحسن ابن على وعبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم كذا فى الاكتفاء* وقال محمد بن طلحة قلت لكنانة مولى صفية هل بدأ محمد بن أبى بكر بشىء من دم عثمان قال معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان يا ابن أخى لست بصاحبى وكلمه بكلام فخرج عنه ولم يبدأ بشىء من دمه قال قلت لكنانة من قتله قال قتله رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الايهم ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول أنا قاتل نعثل* وعن أبى جعفر الانصارى قال دخلت مع المصريين على عثمان فلما ضربوه خرجت اشتدّ حتى ملأت فروجى عدوا حتى دخلت المسجد فاذا رجل جالس فى نحو عشرة وعليه عمامة سوداء فقال ويحك ما وراءك قلت قد والله فرغ من الرجل قال تبالك آخر الدهر فنظرت فاذا هو على بن أبى طالب خرجه القلعى وخرجه ابن السمان* ولفظه قال لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت فروجى مجتازا بالمسجد فاذا رجل قاعد فى ظلة النساء عليه عمامة سوداء وحوله نحو من عشرة فاذا هو على فقال ما صنع الرجل قلت قتل الرجل قال تبالهم آخر الدهر كذا ذكرهما فى الرياض النضرة* (ذكر دفنه واين دفن وكم أقام حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 دفن ومن دفنه ومن صلى عليه) * فى الرياض النضرة قال أبو عمر ولما قتل عثمان أقام مطروحا يومه ذلك الى الليل فحمله رجال على باب ليدفنوه فعرض لهم ناس ليمنعوه من دفنه فوجدوا قبرا كان حفر لغيره فدفنوه فيه وصلى عليه جبير بن مطعم* وقال الواقدى وغيره حمل على لوح وصلى عليه جبير بن مطعم فى ثلاثة نفر هو رابعهم وقيل المسور بن مخرمة وقيل حكيم بن حزام وقيل الزبير وكان أوصى اليه رواه أحمد وقيل ابنه عمرو بن عثمان ذكره القلعى* وعن عروة انه قال أرادوا أن يصلوا على عثمان فمنعوا فقال رجل من قريش وهو أبو جهم بن حذيفة دعوه فقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه القلعى* قال الواقدى دفن ليلا ليلة السبت فى موضع أو قال فى أرض يقال له حش كوكب وأخفى قبره وكوكب رجل من الانصار والحش البستان كان عثمان قد اشتراه وزاده البقيع فكان أوّل من قبر فيه* قال مالك وكان عثمان مرّ بحش كوكب فقال انه سيدفن ههنا رجل صالح خرجه القلعى ذكره فى الاستيعاب والرياض النضرة* وقيل انّ الذين تولوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستة جبير بن مطعم وحكيم بن حزام ويسار بن مكرم وزوجتا عثمان نائلة بنت الفرافصة وأمّ البنين بنت عقبة ونزل يسار وأبو حهم وجبير فى قبره وكان حكيم ونائلة وأمّ البنين يدلونه فلما دفنوه غيبوا قبره* وعن الحسن قال شهدت عثمان بن عفان دفن فى ثيابه بدمائه خرجه فى الصفوة كذا فى الرياض النضرة وعن ابراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه مثله وكذا رواه عبد الله بن الامام أحمد فى زيادات المسند وزاد فيه ولم يغسل كذا فى مورد اللطافه* وخرج البخارى والبغوى فى معجمه ولم يغسل كذا فى الرياض النضرة وذكر الخجندى انه أقام فى حش كوكب ثلاثا مطروحا لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف ادفنوه ولا تصلوا عليه فانّ الله عز وجل قد صلى عليه وقيل صلى عليه وغشيهم فى الصلاة وفى دفنه سواد فلما فرغوا منه نودوا أن لاروع عليكم اثبتوا وكانوا يرون انهم الملائكة* وروى محمد بن عبد الله بن الحكيم وعبد الملك بن الماجشون عن مالك قال لما قتل عثمان ألقى على المزبلة ثلاثة أيام فلما كان فى الليل أتاه اثنا عشر رجلا منهم حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وجدّى فاحتملوه فلما صاروا به الى المقبرة ليدفنوه فاذاهم بقوم من بنى مازن قالوا والله لئن دفنتموه ههنا لنخبرنّ الناس غدا فاحتملوه وكان على باب وانّ رأسه على الباب يقول طق طق حتى صاروا به الى حش كوكب فاحتفروا له وكانت عائشة ابنة عثمان معها مصباح فى حق فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت فقال لها ابن الزبير والله لئن لم تسكتى لاضربن الذى فيه عيناك فسكتت فدفنوه خرجه القلعى كذا فى الرياض النضرة* (ذكر شهود الملائكه عثمان) * عن سهل بن خنيس وكان ممن شهد قتل عثمان قال لما أمسينا قلت لئن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به فانطلقنا به الى بقيع الغرقد فامكنا له من جوف الليل ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا فهبناهم حتى كدنا أن نتفرّق فاذا مناد ينادى لاروع عليكم اثبتوا فانا جئنا لنشهد معكم وكان ابن خنيس يقول هم الملائكة خرجه الضحاك* (ذكر مدّة خلافته) * قال ابن اسحاق كانت مدّة خلافته اثنتى عشرة سنة* وقال غيره وكانت خلافته احدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما كذا فى الرياض النضرة* وفى دول الاسلام كانت دولته اثنتى عشرة سنة وتفرّقت الكلمة بعد قتله وماج الناس واقتتلوا للاخذ بثاره حتى قتل من المسلمين تسعون ألفا* (ذكر سنه) * واختلف فى سنه حين قتل قال ابن اسحاق قتل وهو ابن ثمانين سنة وقال غيره قتل وهو ابن ثمان وثمانين وقيل ابن تسعين سنة وأعلى ما قيل فى ذلك خمس وتسعون سنة وقال قتادة قتل عثمان وهو ابن ست وثمانين سنة* وقال الواقدى لا خلاف عندنا انه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو قول أبى اليقظان* مروياته فى كتب الاحاديث مائة وستة وأربعون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 حديثا* (ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه بحسب الامكان) * وذلك أمور (الاوّل) ما نقموا عليه من عزله جمعا من الصحابة منهم أبو موسى عزله عن البصرة وولاها عبد الله بن عامر ومنهم عمرو بن العاص عزله عن مصر وولى عبد الله بن أبى سرح وكان قد ارتدّ فى زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم ولحق بالمشركين فأهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دمه بعد الفتح الى ان أخذ له عثمان الامان ثم أسلم ومنهم عمار بن ياسر عزله عن الكوفة ومنهم المغيرة بن شعبة عزله عن الكوفة أيضا وأشخصه الى المدينة* جوابه أمّا عزل أبى موسى فكان عذره فى عزله أوضح من أن يذكر فانه لو لم يعزله لاضطربت البصرة والكوفة وأعمالهما للاختلاف الواقع بين جند البلدين* وقصته انه كتب الى عمر فى أيامه يسأله المدد فامدّه بجند الكوفة فأمرهم أبو موسى حين قدومهم عليه برامهرمز فذهبوا اليها ففتحوها وسبوا نساءها وذراريها فحمدهم على ذلك وكره نسبة الفتح الى جند الكوفة دون جند البصرة فقال لهم انى كنت أعطيتهم الامان وأجلتهم ستة أشهر فردّوا عليهم فوقع الخلاف فى ذلك بين الجندين وكتبوا الى عمر فكتب عمر الى صالحاء جند أبى موسى مثل البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وعمر ان بن حصين وأنس بن مالك وسعيد بن عمرو الانصارى وأمثالهم وأمرهم أن يستحلفوا أبا موسى فان حلف انه أعطاهم الامان وأجلهم ردّوا عليهم فاستحلفوه فحلف وردّ السبى عليهم وانتظر بهم أجلهم وبقيت قلوب الجند حنقة على أبى موسى ثم رفع على أبى موسى الى عمر وقيل له لو أعطاهم الامان لعلم ذلك فاستحضره عمر وسأله عن يمينه فقال ما حلفت الا على حق قال فلم أمرت الجند اليهم حتى فعلوا ما فعلوا وقد وكلنا أمرك فى يمينك الى الله تعالى فارجع الى عملك فليس نجد الان من يقوم مقامك ولعلنا ان وجدنا من يكفينا عملك وليناه فلما مضى عمر لسبيله وولى عثمان شكا جند البصرة الشيخ أبا موسى وشكا جند الكوفة ما نقموا عليه فخشى عثمان ممالأة الفريقين على أبى موسى فعزله عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز وكان من سادات قريش وهو الذى سقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقه حين حمل اليه طفلا فى مهده* وأمّا عمرو بن العاص فانما عزله لانّ أهل مصر أكثروا شكايته وكان عمر قبل ذلك عزله لشئ بلغه عنه ولما أظهر توبته ردّه لذلك ثم عزله عثمان لشكاية رعيته كيف والروافض يزعمون انّ عمروا كان منافقا بالاسلام فقد أصاب عثمان فى عزله فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب عندهم وأمّا توليته عبد الله بن أبى سرح فمن حسن النظر عنده لانه تاب وأصلح عمله وكان له فيما ولاه آثار محمودة فانه فتح من تلك النواحى طائفة كثيرة حتى انتهى فى اغارته الى الجزائر التى فى بحر بلاد المغرب وحصل فى فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار سوى ما غنمه من صنوف الاموال وبعث بالخمس منها الى عثمان وفرّق الباقى فى جنده وكان فى جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم كعقبة بن عامر الجهنى وعبد الرحمن بن أبى بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص قاتلوا تحت رايته وأدّوا طاعته ووجدوه أقوم بسياسة الامر من عمرو بن العاص ثم أبان عن حسن رأى فى نفسه عند وقوع الفتنة حين قتل عثمان فانه اعتزل الفريقين ولم يشهد مشهدا ولم يقاتل أحدا بعد قتال المشركين وأمّا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة فأخطاؤا فى ظنّ عزل عمار فانه لم يعزله وانما عزله عمر كان أهل الكوفة قد شكوه فقال عمر من يعذرنى من أهل الكوفة ان استعملت عليهم تقيا استضعفوه وان استعملت عليهم قويا فجروه ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة فلما ولى عثمان شكوا المغيرة اليه وذكروا انه ارتشى فى بعض أموره فلما رأى ما وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم ولو كانوا مفترين عليه والعجب من هؤلاء الرافضة كيف ينقمون على عثمان عزل المغيرة وهم يكفرون المغيرة على انا نقول ما زال ولاة الامر قبله وبعده يعزلون من عمالهم مارأوا عزله ويولون ما رأوا توليته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 بحسب ما تقتضيه أنظارهم عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد عن الشأم وولى أبا عبيدة وعزل عمار عن الكوفة وولاها المغيرة بن شعبة وعزل علىّ قيس بن سعد عن مصر وولاها الاشتر النخعى ألا ترى الى معاوية وكان ممن ولاه عمر لما ضبط الجزيرة وفتح البلاد الى حدود الروم وفتح جزيرة قبرس وغنم منها مائة ألف رأس سوى ما غنم من البياض وأصناف المال وحمدت سيرته وسراياه أقرّه على ولايته وأمّا ابن مسعود فسيأتى الاعتذار عنه فيما بعد* (الثانى) * ما ادّعوه عليه من الاسراف فى بيت المال وذلك مأمور منها انّ الحكم بن العاص لما ردّه من الطائف الى المدينة وقد كان طرده النبىّ صلى الله عليه وسلم وصله من بيت المال بمائة ألف درهم وجعل لابنه الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها* ومنها انه وهب لمروان خمس افريقية* ومنها انّ عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص قدم عليه فوصله بثلثمائة ألف درهم* ومنها ما رواه أبو موسى قال كنت اذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شئ فلما ولى عثمان أتيته به فكان يبعث به الى نسائه وبناته فلما رأيت ذلك أرسلت دمعى وبكيت فقال ما يبكيك فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال رحمه الله كان حسنة وانا حسنة ولكل ما اكتسب* قال أبو موسى انّ عمر كان ينزع الدرهم الفرد من الصبىّ من أولاده فيردّه فى مال الله ويقسم بين المسلمين فأراك أعطيت بناتك مجمرا من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الآخرى درّتين لا يعرف قيمتهما فقال انّ عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير وأنا أعمل برأيى ولا آلو عن الخير وقد أوصانى الله بذوى قراباتى وأنا مستوص بهم أبرّهم* ومنها انه أنفق أكثر بيت المال فى ضياعه ودوره التى اتخذها لنفسه ولا ولاده وكان عبد الله بن أرقم ومعيقيب على بيت المال فى زمان عمر فلما رأيا ذلك استعفيا فعزلهما وولى زيد بن ثابت وجعل المفاتيح بيده فقال له يوما وقد فضل فى بيت المال فضلة فقال خذها فهى لك فأخذها زيد وكانت أكثر من مائة ألف درهم* جوابه أمّا ما ادّعوه عليه من اسرافه فى بيت المال فأكثر ما نقلوه عنه مفترى عليه مختلق وما صح منه فعذره فيه واضح وأمّا ردّه الحكم الى المدينة فقد روى انه كان استأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ردّه الى المدينة فوعده بذلك فلما ولى أبو بكر سأله عثمان ذلك فقال كيف أردّه اليها وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عثمان ذلك قال انى لم أسمعه يقول لك ذلك ولم يكن مع عثمان بينة على ذلك فلما ولى عمر سأله ذلك فأبى ولم يريا الحكم بقول واحد فلما ولى عثمان قضى بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء وهو مذهب عثمان وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لاجله واعانة التائب مما يحمد وأمّا صلته من بيت المال بمائة ألف فلم يصح وانما الذى صح انه زوّج ابنته من ابن الحارث بن الحكم وبذل لهما من مال نفسه مائة ألف درهم وكان ذاثروة فى الجاهلية والاسلام وكذلك ابنته أمّ أبان بن الحكم وجهزها من خاص ماله بمائة ألف لا من بيت المال وهذه صلة رحم يحمد عليها* وأمّا طعنهم على عثمان انه وهب خمس افريقية من مروان بن الحكم فهو غلط منهم وانما المشهور فى القصة انّ عثمان كان جهز ابن أبى السرح أميرا على الالف من الجند وحضر القتال بافريقية فلما غنمه المسلمون أخرج ابن أبى السرح الخمس من الذهب وهو خمسمائة ألف دينار فأنفذها الى عثمان وبقى من الخمس أصناف من الاثاث والمواشى مما يشق حمله الى المدينة فاشتراها مروان بمائة ألف درهم ونقد أكثرها وبقيت منه بقية ووصل الى عثمان مبشرا بفتح افريقية وكانت قلوب المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر افريقية نكبة فوهب له عثمان ما بقى جزاء ببشارته وللامام أن يصل المبشر من بيت المال بما يرى على قدر مراتب البشارة* وأمّا ما ذكروه من صلة عبد الله ابن خالد بن أسيد بثلثمائة ألف درهم فانّ أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بانه استقرض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 له ذلك من بيت المال وكان يحتسب لبيت المال ذلك من مال نفسه حتى وفاه وأما دعواهم انه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة يأخذ عشر ما يباع فيه فغير صحيح وانما جعل اليه سوق المدينة ليراعى أمر المثاقيل والموازين فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه فلما رفع ذلك الى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لاهل المدينة انى لم آمره بذلك ولا عتب على السلطان فى جور بعض العمال اذا استدرك بعد علمه وقد روى انه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين وقال لاهل المدينة اذا رأيتموه سرق شيئا فخذوه منه وهذا غاية الانصاف* وأما قصة أبى موسى فلا يصح شئ منها فانه رواه ابن اسحاق عن من حدّثه عن أبى موسى ولا يصح الاستدلال برواية المجهول وكيف يصح ذلك وأبو موسى ما ولى لعثمان عملا الا فى آخر السنة التى قتل فيها ولم يرجع اليه فانه لما عزله عن البصرة بعبد الله بن عامر لم يتول شيئا من أعماله الى ارسال أهل الكوفة اليه فى السنة التى قتل فيها أن يوليه الكوفة فولاه اياها ولم يرجع اليه ثم يقال للخوارج والروافض انكم تكفرون أبا موسى وعثمان فلا حجة فى دعوى بعضهم على بعض* وأمّا عزل ابن أرقم ومعيقيب عن ولاية بيت المال فانهما أسنا وضعفا عن القيام بحفظ بيت المال وقد روى انّ عثمان لما عزلهما خطب الناس وقال ألا انّ عبد الله بن أرقم لم يزل على جرايتكم من زمن أبى بكر وعمر الى اليوم وانه كبر وضعف وقد ولينا عمله زيد بن ثابت وأمّا ما نسبوه اليه من صرف بيت المال فى عمارة دوره وضياعه المختصة به فبهتان افتروه عليه وكيف وهو من أكثر الصحابة مالا وكيف يمكنه ذلك بين أظهر الصحابة مع انه الموصوف بكثرة الحياء وان الملائكة تستحيى منه لفرط حيائه أعاذنا الله من فرطات الجهل وموبقات الهوى آمين* وأما قولهم انه دفع الى زيد ما فضل من بيت المال فافتراء واختلاق بل الصحيح انه أمر بتفرقة المال على أصحابه ففضل فى بيت المال ألف درهم فأمر بانفاقها فيما يراه أصلح للمسلمين فأنفقها زيد على عمارة مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد ما زاد عثمان فى المسجد زيادة وكل واحد منهما مشكور محمود على فعله* (الثالث) * انهم قالوا حبس عن عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ عطاءهما وأخرج أبا ذرّ الى الربذة وكان بها الى ان مات وأوصى الى الزبير وأوصاه ان يصلى عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلى عليه فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين* جوابه أما ما ادّعوه من حبس عطاء ابن مسعود فكان ذلك فى مقابلة ما بلغه عنه ولم تزل الائمة على مثل ذلك وكل منهما مجتهد فاما مصيبان أو مخطىء ومصيب ولم يكن قصد عثمان حرمانه البتة وأمّا التأخير الى غاية اقتضى نظره التأخير اليها أدبا فلما قضى عليه امّا مع حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته ولعله كان انفع لهم* (الرابع) * ما روى انه حمى نقيع المدينة ومنع الناس وزاد فى الحمى أضعاف النقيع* جوابه أمّا قصة الحمى فهذا ما كان اعترض به أهل مصر عليه فأجابهم بأنه انما حمى لابل الصدقة كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انك زدت قال زدت لانّ ابل الصدقة زادت وليس هذا مما ينقم على الامام* (الخامس) * قالوا انه حمى سوق المدينة فى بعض ما يباع ويشترى فقال لا يشترى منه أحد النوى حتى يشترى وكيله حتى يفرغ من شراء ما يحتاج اليه عثمان لعلف ابله* جوابه أمّا انه حمى سوق المدينة الى آخر ما قرّر فهذا مما تقوّل عليه واختلق ولا أصل له ولم يصح الا ما تقدّم من حديث الحارث بن الحكم ولعله لما فعل ذلك نسبوه الى عثمان وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على انه فعله لابل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها لانه فى معناه* (السادس) * زعموا انه حمى البحر من أن تخرج فيه سفينة الا فى تجارته* جوابه أما حمى البحر فعلى تقدير صحة نقل فيها يحمل على انها كانت ملكا له لانه كان منبسطا فى التجارات متسع المال فى الجاهلية والاسلام فما حمى البحر وانما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غير متاعه* (السابع) * انه أقطع أصحابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 اقطاعات كثيرة من بلاد الاسلام مما لم يكن له فعله* جوابه امّا اقطاعه كثيرا من أصحابه الى آخره فعنه جوابان* الاوّل انّ ذلك كان اذنا منه فى الاحياء فأحيا كل ما قدر عليه من موات أرض العراق ومن أحيا أرضا ميتة فهى له* والثانى انّ أصحاب السير ذكروا انّ الاشراف من أهل اليمن قدموا المدينة وهجروا بلادهم وأموالهم وأحبوا أن يقيموا تجاه الاعداء وسألوه أن يعوّضهم عما تركوه من أراضيهم وأموالهم مثلها فأعطى طلحة موضعا وأخذ منه ماله بحضر موت وأعطى الاشعث بن قيس ضيعة وأخذ ماله بكندة وهكذا كل من أعطى شيئا فانما هو بشىء صار للمسلمين وفعل ذلك لما رأى من المصلحة اما اجارة ان قلنا أن أراضى السواد وقف أو تمليكا ان قلنا انها ملك* (الثامن) * انه نفى جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم منهم أبو ذرّ الغفارى جندب بن جنادة وقصته فيما نقلوه انه كان بالشأم فلما بلغه ما أحدث عثمان ذكر عيوبه للناس فكتب معاوية الى عثمان أن أبا ذرّ يفسد عليك الناس فكتب اليه عثمان أن أشخصه الىّ على مركب وعروسائق عنيف فأشخصه معاوية على تلك الصورة فلما وصل الى عثمان قال له تفسد علىّ قال له أبو ذرّ أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا ثم يريح الله العباد منهم فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين أسمعتم هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا فدعا عثمان عليا فسأله عن الحديث فقال لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذرّ فاغتاظ عثمان وقال لابى ذرّ اخرج من هذه البلدة فخرج منها الى الربذة فكان بها الى أن مات رحمه الله* جوابه أما ما ادّعوه من نفى جماعة من الصحابة فأما أبو ذرّ فروى انه كان يتجاسر عليه ويجيبه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة وكان يؤدّى ذلك التجاسر عليه الى اذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة لمنصب الشريعة واصانة لحرمة الدين وكان عذر أبى ذرّ فيما كان يفعله انه كان يدعوه الى ما كان عليه صاحباه من التجرّد عن الدنيا والزهد فيها فيخالفه الى أمور مباحة من اقتنائه الاموال وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب وكل منهما على هدى من الله ولم يزل أبو ذرّ ملازما طاعة عثمان بعد خروجه الى الربذة حتى توفى ولما قدم اليها كان لعثمان غلام يصلى بالناس فقدّم أبا ذرّ للصلاة فقال له أنت الوالى والوالى أحق* هذا كله على تقدير صحة ما نقله الروافض فى قصة أبى ذرّ مع عثمان والا فقد روى محمد بن سيرين خلاف ذلك فقال لما قدم أبو ذرّ من الشأم استأذن عثمان فى لحوقه بالربذة فقال أقم عندى تغدى عليك اللقاح وتروح فقال لا حاجة لى فى الدنيا فأذن له فى الخروج الى الربذة* وروى قتادة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لابى ذرّ اذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا فاخرج منها وأشار الى الشأم فلما كان فى ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعا فخرج الى الشأم وأنكر على معاوية أشياء فشكا الى عثمان فكتب عثمان الى أبى ذرّ أقبل الينا فنحن أرعى لحقك وأحسن جوارا من معاوية فقال أبو ذرّ سمعا وطاعة فقدم على عثمان ثم استاذن فى الخروج الى الربذة فاذن له فمات ورواية هذين الامامين العالمين من التابعين وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبى ذرّ وعثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة* (التاسع) * ان عبادة بن الصامت كان بالشأم فى جند فمر عليه قطار جمال تحمل خمرا فقيل له انها خمر تباع لمعاوية فأخذ شفرة وقام اليها فما ترك منها راوية الاشقها ثم ذكر لاهل الشأم سوء سيرة عثمان ومعاوية فكتب معاوية الى عثمان يشكوه وسأل اشخاصه الى المدينة فبعث اليه فاستدعاه فلما دخل عليه قال مالك يا عبادة تنكر علينا وتخرج من طاعتنا فقال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طاعة لمن عصى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 تعالى* جوابه أما قصة عبادة بن الصامت فهى دعوى باطلة وكذب مختلق وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان والامر على خلاف ذلك فيما رواه الثقات من اتفاقهم ورجوع بعضهم الى بعض فى الحق ويشهد لذلك ما روى انّ معاوية لما غزا جزيرة قبرس كان معه عبادة بن الصامت فلما فتح الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه الى عثمان وجلس يقسم الباقى بين جنده وجلس جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ناحية منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشدّاد بن أوس وواثلة بن الاسقع وأبو امامة الباهلى وعبد الله بن بشر المازنى فمرّ بهم رجلان يسوقان حمارين فقال لهما عبادة ما هذان الحماران فقالا انّ معاوية أعطاناهما من المغنم وانا نرجو أن نحج عليهما فقال لهما عبادة لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما فردّ الرجلان الحمارين على معاوية وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال عبادة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين والناس يكلمونه فى الغنائم فأخذو برة من بعير وقال مالى مما أفاء الله عليكم من الغنائم الا الخمس والخمس مردود عليكم فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعط أحدا منها اكثر من حقه فقال معاوية قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد بالشأم أفضل منك ولا أعلم فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو امامة وما زالوا على ذلك الى آخر زمن عثمان فهذه قصة عبادة فى التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشأم بضدّ ما رووه قاتلهم الله* (العاشر) * هجره لعبد الله بن مسعود وذلك انه لما عزله عن الكوفة وأشخصه الى المدينة هجره أربع سنين الى أن مات مهجورا وسبب ذلك فيما زعموا انّ ابن مسعود لما عزله عثمان عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة ورأى صنيع الوليد فى جوره وظلمه فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم احداث عثمان ثم قال أيها الناس لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وبلغه خبر نفى أبى ذر الى الربذة فقال فى خطبته بمحفل من أهل الكوفة هل سمعتم قول الله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وعرض بذلك لعثمان فكتب الوليد بذلك الى عثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الى الارض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله محبسه وحبس عنه عطاء أربع سنين الى أن مات وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلى عليه وزعموا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال استغفر الله لى فقال اللهم انك عظيم العفو كثير التجاوز فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لى منه* جوابه اما ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه الى آخر ما قرّروه فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شئ وهؤلاء الجهلة لا يتحامون الكذب فيما يروونه موافقا لا غراضهم اذ لا ديانة تردّهم لذلك ثم نقول على تقدير صحة ذلك من الغلام فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه فانّ ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الادب فانّ منصب الخلافة لا يحتمل ذلك ويضع ذلك منه بين العامّة وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبى وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له وقال له انك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف انّ الخلافة لا تهابك ولم يغير ذلك سعد اولا رآه عيبا وكذلك ضربه لابىّ بن كعب حين رآه يمشى وخلفه قوم فعلاه بالدرّة وقال انّ هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع ولم يطعن أبىّ بذلك على عمر بل رآه أدبا منه نفعه الله به ولم يزل دأب الخلفاء والامراء تأديب من رأوا منه الخلاف على أنه قد روى انّ عثمان اعتذر لابن مسعود وأتاه فى منزله حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه فقال له ابن مسعود وما أتيتنى به اذ كان ينفعنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وجئتنى به عند الموت لا أقبله فمضى عثمان الى أم حبيبة فسألها أن تطلب من ابن مسعود ليرضى عنه فكلمته أم حبيبة ثم أتاه عثمان فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تقول كما قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فلم يتكلم ابن مسعود واذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن من حقه اللائق بمنصبه أوّلا وآخرا ولو فرض خطاؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ فان الله أخبر أنه يقبل التوبة عن عباده وفى ذلك حثهم على الاقتداء به على أنه قد نقل ان ابن مسعود رضى عنه واستغفر له قال سلمة بن سعيد دخلت على ابن مسعود فى مرضه الذى توفى فيه وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم مهلا فانكم ان قتلتموه لا تصيبون مثله وأما عزله عن الكوفة واشخاصه الى المدينة وهجره له وجفاؤه اياه فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدّم تحريره وليس هجره اياه أعظم من هجر علىّ أخاه عقيلا بن أبى طالب وأبا أيوب الانصارى حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا الى معاوية ولم يوجب ذلك طعنا عليه ولا عيبا فيه* وقد روى ان اعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال أنشدكم الله لو أن عثمان ردّكم الى أعمالكم وردّ اليكم عطاياكم أكنتم ترضون قالوا اللهم نعم فقال الهمدانى اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم وفى هذا بيان أن من طعن على عثمان انما كان لعزله اياه وتولية غيره وقطع عطاياه وذلك سائغ للامام اذا أدّى اجتهاده اليه* (الحادى عشر) * نقلوا انه قال لعبد الرحمن بن عوف انه منافق وذلك ان الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد الرحمن فى توليته اياه فى اختياره فندم على ذلك وقال انى لا أعلم ما يكون وأن الامر اليكم فبلغ قوله عثمان وقال ان عبد الرحمن منافق وأنه لا يبالى ما قال فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش ومات على هجرته وقالوا فان كان ابن عوف منافقا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له وان لم يكن منافقا فقد فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الامارة* جوابه أما قولهم ان عبد الرحمن ندم على تولية عثمان فكذب صريح ولو كان كذلك لصرح بخلعه اذ لا مانع له فان أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون احداثه والناس تبع لهم فلا مانع لهم من خلعه وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما فى حق الاخر وقد آخى صلى الله عليه وسلم بينهما فثبت لكل واحد منهما على الاخر حق الاخوة والاشتراك فى صحبة النبوّة وشهادة النبىّ صلى الله عليه وسلم لكل منهما بالجنة ونزل التنزيل مخبرا بالرضا عنهم وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض ويبعد مع هذا كله صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما وانما الذى صح فى قصته ان عثمان استوحش منه فان عبد الرحمن كان ينبسط اليه فى القول ولا يبالى بما يقول له* وروى أنه قال له انى أخاف يا ابن عوف أن تنبسط فى دمى* (الثانى عشر) * ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والانصار فكتبوا احداث عثمان وما نقموا عليه فى كتاب وقالوا العمار أوصل هذا الكتاب الى عثمان ليقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذى ننكره وخوّفوه فيه بأنه ان لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره قالوا فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه فقال عمار لا ترم بالكتاب وانظر فيه فانه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك فقال كذبت يا ابن سمية وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمى عليه وزعموا انه قام بنفسه فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمى عليه أربع صلوات فقضاها بعد الافاقة واتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب لاجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلنّ من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم ان عمارا لزم بيته الى أن كان من أمر الفتنة ما كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 * جوابه أمّا ضرب عمار فسياق هذه القصة لا يصح على هذا النحو الذى رووه بل الصحيح منها انّ غلمانه ضربوا عمارا وقد حلف انه لم يكن على أمره لانهم عاتبوه فى ذلك فاعتذر اليهم بان قال جاء هو وسعد الى المسجد وأرسلا الىّ أن ائتنا فانا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها فأرسلت اليهما انى عنكما اليوم مشغول فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا فانصرف سعد وأبى هو أن ينصرف فأعدت اليه الرسول فأبى ثم أعدت اليه فأبى فتناوله رسولى بغير أمرى والله ما أمرته ولا رضيت بضربه وهذه يدى لعمار فليقتص منى ان شاء وهذا أبلغ ما يكون من الانصاف* ومما يؤيد ذلك ويوهى ما رووا انه روى أبو الزناد عن أبى هريرة انّ عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار سبحان الله قد اشترى بئر رومة وتمنعونه ماءها خلوا سبيل الماء ثم جاء الى علىّ وسأله انفاذ الماء اليه فأمر براوية ماء وهذا يدل على رضاه وقد روى رضاه عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار فما بال أهل البدعة لا يرضون وما مثلهم فيه الا كما يقال رضى الخصمان ولم يرض القاضى* (الثالث عشر) * قالوا انه انتهك حرمة كعب بن عبدة البهزى وذلك انّ جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا وكتبوا الى عثمان كتابا يذكرون فيه احداثه ويقولون ان أنت أقلعت عنها فانا سامعون مطيعون والا فانا منا بذوك ولا طاعة لك علينا وقد أعذر من أنذر ودفعوا الكتاب الى رجل من عنزة ليحمله الى عثمان وكتب اليه كعب بن عبدة كتابا أغلظ منه مع كتابهم فغضب عثمان وكتب الى سعيد بن العاص أن يسرع الى كعب بن عبدة ويبعث به من الكوفة الى بعض الجبال فدخل عليه وجرّده من ثيابه وضربه عشرين سوطا ونفاه الى بعض الجبال* جوابه أمّا قولهم انه انتهك حرمة كعب فيقال لهم ما أنصفتم اذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها وذلك انّ عثمان استدرك ذلك بما أرضاه وكتب الى سعيد بن العاص أن ابعثه الىّ مكرّما فبعثه اليه فلما دخل عليه قال له يا كعب انك كتبت الىّ كتابا غليظا ولو كتبت الىّ ببعض اللين لقبلت مشورتك ولكنك حدّدتنى وأغصبتنى حتى نلت ما نلت ثم نزع قميصه ودعا بسوط فدفعه اليه ثم قال قم فاقتص منى ما ضربته فقال كعب أمّا اذا فعلت ذلك فأنا أدعه الى الله تعالى ولا أكون أوّل من اقتص من الائمة ثم صار كعب بعد ذلك من خاصة عثمان وعذره فى مبادرته الامر بضربه ونفيه وذلك سبيل أولى الامر فى تأديب من رأوا خروجه على امامه* (الرابع عشر) * قالوا وانتهك حرمة الاشتر النخعى وذلك انّ سعيد بن العاص لما ولى الكوفة من قبل عثمان دخل المسجد فاجتمع اليه أشراف الكوفة فذكروا الكوفة وسوادها فقال عبد الرحمن بن حنين صاحب شرطة سعيد وددت أنّ السواد كله للامير فقال الاشتر النخعى لا يكون للامير ما أفاء الله علينا بأسيافنا فقال عبد الرحمن اسكت يا اشتر فو الله لو أراد الامير لكان السواد كله له فقال الاشتر كذبت يا عبد الرحمن لو رام ذلك لما قدر عليه وقامت العامّة على ابن حنين فضربوه حتى وقع لجنبه وكتب سعيد الى عثمان ليأمره باخراج الاشتر من الكوفة الى الشام مع أتباعه الذين أعانوه فأجابه الى ذلك فأشخصه مع عشرين نفرا من صالحاء الكوفة الى الشام فلم يزالوا محبوسين بها الى ان كانت فتنة عثمان ثم انّ سعيد الحق بالمدينة واضطربت الكوفة على عمال عثمان وكتب أشراف الكوفة الى الاشتر أمّا بعد فقد اجتمع الملأ من اخوانك فتذاكروا احداث عثمان وما أتاه عليك ورأوا ان لا طاعة عليهم فى معصية الله وقد خرج سعيد عنا وقد أعطينا عهودنا أن لا يدخل علينا سعيد بعد هذا واليا فالحق بنا ان كنت تريد أن تشهد معنا أمرنا فسار اليهم واجتمع معهم وأخرجوا ثابت بن قيس صاحب شرطة سعيد بن العاص وعزم عسكر الاشتر وأهل الكوفة على منع عمال عثمان على الكوفة واتصل الخبر بعثمان فأرسل اليهم سعيد بن العاص فلما بلغ العذيب استقبله جند الكوفة وقالوا ارجع يا عدوّ الله فانك لا تذوق فيها بعد صنيعك ماء الفرات وقاتلوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 وهزموه فرجع الى عثمان خائبا وكتب عثمان الى الاشتر كتابا توعده على مخالفة الامام فكتب اليه الاشتر* من مالك بن الحويرث الى الخليفة الخارج عن سنة نبيه النابذ حكم القرآن وراء ظهره أمّا بعد فانّ الطعن على الخليفة انما يكون وبالا اذا كان الخليفة عادلا وبالحق قاضيا واذا لم يكن كذلك ففراقه قربة الى الله ووسيلة اليه وأنفذ الكتاب مع كميل بن زياد فلما وصل الى عثمان سلم ولم يسمه بأمير المؤمنين فقيل له لم لا تسلم بالخلافة على أمير المؤمنين فقال ان تاب عن أفعاله وأعطانا ما نريد فهو أمير المؤمنين والا فلا فقال عثمان انى أعطيكم الرضا فمن تريدون أن أوليه عليكم فاقترحوا عليه أبا موسى الاشعرى فولاه عليهم* جوابه أمّا قصة الاشتر النخعى فبقول ظلمة البدعة والحمية الناشئة عن محض العصبية تحول دون رؤية الحق وهل آثار الفتنة فى هذه القصة الافعل الاشتر بالكوفة من هتك حرمة السلطان وتسليط العامّة على ضرب عامله فلا يعتذر عن عثمان فى الامر بنفيه بل ذلك أقلّ ما يستوجبه ثم لم يقنعه ذلك حتى سار من الشام الى الكوفة وأضرم نار الفتنة على ما تقدّم تقريره ثم لم يتمكن عثمان معهم من شئ الاسلوك سبيل السياسة واجابتهم الى ما أرادوا فولى عليهم أبا موسى وبعث حذيفة بن اليمان على خراجهم ثم لم يقنعهم ذلك حتى خرج اليهم الاشتر مع رعاع الكوفة وانضم اليه جماعة من أهل مصر وساروا الى عثمان فقتلوه وباشر الاشتر قتله على ما فى بعض الروايات وصار قتله سببا للفتنة الى ان تقوم الساعة فعميت أبصارهم وبصائرهم عن ذمّ الاشتر وأنظاره وتعرّضوا لذمّ من شهد له لسان النبوّة انه على الحق وأمر بالكون معه وأخبر بانه يقتل مظلوما يشهد لذلك الحديث الصحيح كما تقدّم* (الخامس عشر) * قالوا انّ عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ومصحف أبى وجمع الناس على مصحف زيد ثابت ولما بلغ ابن مسعود انه أحرق مصحفه وكان له نسخة عند أصحاب له بالكوفة أمرهم بحفظها وقال لهم قرأت سبعين سورة وانّ زيد بن ثابت لصبى من الصبيان* جوابه أمّا احراق مصحف ابن مسعود فليس ذلك مما يعتذر عنه بل هو من أكبر المصالح فانه لو بقى فى أيدى الناس أدّى ذلك الى فتنة كبيرة فى الدين لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة انهما من القرآن قال عثمان لما عوتب فى ذلك خشيت الفتنة فى القرآن وكان الاختلاف بينهم واقعا حتى كان الرجل يقول لصاحبه قراءتى خير من قراءتك فقال له حذيفة أدرك الناس فجمع الناس على مصحف واحد لتزول الفتنة فى القرآن وكان الذى اجتمعوا عليه مصحف عثمان ثم يقال لاهل الاهواء والبدعة ان لم يكن مصحف عثمان حقا فلم رضى علىّ وأهل الشام بالتحكم اليه حين رفع أهل الشام المصاحف وكانت مكتوبة على نسخة مصحف عثمان* (السادس عشر) * قالوا انّ عثمان ترك اقامة حدود الله تعالى فى عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمز ان وقتل جفينة وبنتا صغيرة لابى لؤلؤة قاتل عمر فاجتمعت الصحابة عند عثمان وأمروه بقتل عبيد الله بن عمر قصاصا بمن قتل وأشار علىّ بذلك فلم يقتله ولذلك صار عبيد الله بعد قتل عثمان الى معاوية خوفا من علىّ أن يقتله بالهرمزان* جوابه أمّا قولهم ترك اقامة حدود الله فى عبيد الله بن عمر فنقول أمّا ابنة أبى لؤلؤة فلا قود فيها لانّ ابنة المجوسى صغيرة لا قود فيها تابعة له وكذلك جفينة فانه نصرانى من أهل الحيرة وأمّا الهرمز ان فعنه جوابان* الاوّل انه شارك أبا لؤلؤة فى ذلك ومالأه وان كان المباشر أبا لؤلؤة وحده ولكن المعين على قتل الامام العادل يباح قتله عند جماعة من الائمة وفد أوجب كثير من الفقهاء القود على الامر والمأمور وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمرو قال انّ عبد الرحمن بن أبى بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون فى مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه فى وسطه فقتل عمر فى صبيحة تلك الليلة فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله فى ذلك فقال انظروا الى السكين فان كان ذا طرفين فلا أرى القوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الاوقد اجتمعوا على قتله فنظروا اليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن وقد مرّ فى أولاد عمر فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر لرؤيته عدم وجوب القود لذلك أو لتردّده فيه فلم ير الوجوب بالشك* والثانى أن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لانه كان معه بنو تيم وبنو عدى مانعون من قتله ودافعون عنه وكان بنو أمية أيضا جانحون اليه حتى قال عمرو بن العاص قتل أمير المؤمنين عمر بالامس ويقتل ابنه اليوم لا والله لا يكون هذا أبدا فلما رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال أمره الىّ سأرضى أهل الهرمز ان منه* (السابع عشر) * قالوا انّ عثمان خالف الجماعة فى اتمام الصلاة بمنى مع علمه بان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قصروا الصلاة بها* جوابه أما اتمام الصلاة بمنى فعذره فى ذلك ظاهر فانه ممن لم يوجب القصر فى السفر وانما كان يبيحه كما رواه فقهاء المدينة ومالك والشافعى وغيرهما وانما أوجبه فقهاء الكوفة ثم انها مسئلة اجتهادية اختلف فيها العلماء فقوله فيها لا يوجب تكفيرا ولا تفسيقا* (الثامن عشر) * انفرد بأقوال شاذة خالف فيها جميع الامّة فى الفرائض وغيرها* جوابه أما انفراده بالاقوال الشاذة فلم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من ذلك ينفرد الواحد منهم بالقول ويخالفه فيه الباقون وهذا على بن أبى طالب فى مسئلة بيع أم الولد على مثل ذلك وفى الفرائض عدّة مسائل على هذا النحو الكثير من الصحابة* (التاسع عشر) * قالوا انه كان غادرا مخالفا لوعده فانّ أهل مصر شكوا اليه عامله عبد الله بن أبى سرح فوعدهم أن يولى عليهم من يرضون فاختاروا محمد بن أبى بكر فولاه عليهم وتوجهوا به معهم الى مصر ثم كتب الى عامله ابن أبى سرح بمصر يأمره أن يأخذ محمد بن أبى بكر فيقطع يديه ورجليه وهذا كان سبب رجوع أهل مصر وغيرهم الى المدينة وحصارهم عثمان وقتله* جوابه أما قولهم انه كان غادرا الى آخر ما قرّروه فنقول أما الكتاب الذى كان الى عامله بمصر فلم يكن من عنده وقد حلف على ذلك لهم وقد تقدّم ذكر ذلك فى مقتله مستوفى وقد ذكرنا من يتهم بالتزوير عليه وقد تحققوا ذلك وانما غلب الهوى أعاذنا الله منه على العقول حتى ضلت فيه فئة فقتلته رضى الله عنه* (ذكر ولده) * وكان له من الولد ستة عشر تسعة ذكور وسبعة اناث* ذكر الذكور* عبد الله ويعرف بالاصغر وفى المختصر عبد الله الاكبر أمّه رقية بنت رسول الله هلك صغيرا وقيل بلغ ست سنين ونقره ديك فى عينه فمرض فمات وعبد الله الاكبر وفى المختصر عبد الله الاصغر أمّه فاخته بنت غزوان* وعمرو وكان أسنهم وأشرفهم عقبا وولدا دعاه مروان الى أن يشخص الى الشأم فأبى ومات بمنى* وأبان ويكنى ابا سعيد وهو من رواة الحديث وشهد حرب الجمل مع عائشة* وفى المختصر وكان أوّل من انهزم وكان أبرص أحول أصم ولى المدينة فى أيام عبد الملك بن مروان وأصابه فالج ومات فى خلافة يزيد بن عبد الملك وعقبه كثير وله ولد فى الاندلس* وخالد وكان فى يده وأولاده المصحف الذى قطر عليه دم عثمان حين قتل* وفى المختصر توفى فى خلافة أبيه بركض دابة فأصابه قطع فهلك منه وله عقب وهو الذى يقال له الكسير* وعمرو وله عقب أيضا أمهم بنت جندب من الازد وسعيد والوليد أمهما فاطمة بنت الوليد وكان سعيد يكنى أبا عثمان ولاه معاوية خراسان وكان حاكما بخراسان من قبل معاوية فقتل هناك* وفى المختصر ففتح سمرقند وكان أعور نحيلا أصيبت عينه بسمرقند وعبد الملك مات غلاما أمّه مليكة وهى أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارى وزاد فى المختصر فى أولاده الذكور المغيرة وقال أمّه أسماء بنت أبى جهل بن هشام* ذكر الاناث* مريم الكبرى أخت عمر ولامّه وأم سعيد أخت سعيد لامّه فتزوّجها عبد الله وعائشة فتزوّجها الحارث بن الحكم ابن أبى العاص ثم خلف عليها عبد الله بن الزبير* وأم أبان فتزوّجها مروان ابن لحكم بن العاص وأم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 عمر وأمّهم رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس ومريم الصغرى أمها نائلة بنت الفرافصة الكلبية فتزوّجها عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط وأم البنين أمّها أم ولد كذا فى الرياض النضرة* وزاد فى المختصر فى بناته عمرة بنت عثمان بن عفان قال فتزوّجها سعيد بن العاص فهلكت عنده فتزوّج أختها مريم الكبرى بنت عثمان ثم هلك عنها فخلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى فهلكت عنده* (ذكر على بن أبى طالب) * أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وقد سبق ذكرها فى آخر الموطن الرابع* وفى الرياض النضرة لم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عليا وكان يكنى أبا الحسن وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا* وعن أبى ليلى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال الصدّيقون ثلاثة حبيب بن مرى النجار مؤمن آل ياسين الذى قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذى قال أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وعلى بن أبى طالب الثالث وهو أفضلهم خرجه أحمد فى المناقب وكناه رسول الله بأبى الريحانتين* وعن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى بن أبى طالب سلام عليك يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتى عليك فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علىّ هذا أحد الركنين الذى قال صلى الله عليه وسلم فلما ماتت فاطمة قال هذا الركن الاخر الذى قال صلى الله عليه وسلم خرجه أحمد فى المناقب وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا تراب وما كان لعلىّ اسم أحب اليه منه وقد سبق سبب التكنية به فى الموطن الثانى فى غزوة العشيرة وقد جاء فى الصحيح من شعره* أنا الذى سمتنى أمى حيدره* وحيدرة اسم الاسد وكانت فاطمة أمّه لما ولدته سمته باسم أبيها فلما قدم أبو طالب كره الاسم فسماه عليا وكان يلقب ببيضة البلد وبالامين وبالشريف وبالهادى وبالمهتدى وبذى الاذن الواعية* قال الخجندى وكان يكنى أبا قصم ويلقب بيعسوب الامّة أى سيدهم ورئيسهم وأصله فحل النحل كذا فى الرياض النضرة* وفى القاموس بيضة البلد واحده الذى يجتمع اليه ويقبل قوله وهو من الاضداد* وفى شواهد النبوّة ولد بمكة بعد عام الفيل بسبع سنين ويقال كانت ولادته فى داخل الكعبة ولم يثبت واختلف فى سنه وقت المبعث وهو تاريخ اسلامه* فى الصفوة أسلم وهو ابن سبع ويقال تسع ويقال عشر ويقال خمس عشرة ويقال الاخير هو الاصح* وفى ذخائر العقبى عن محمد بن عبد الرحمن انّ على بن أبى طالب والزبير أسلما ولهما ثمان سنين* وقال ابن اسحاق أسلم على بن أبى طالب وهو ابن عشر وقيل ابن ثلاث عشرة وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة أو ست عشرة وشهد المشاهد كلها ولم يتخلف الا فى تبوك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفه فى أهله فقال يا رسول الله أتخلفنى فى النساء والصبيان قال أما ترضى ان تكون منى بمنزلة هرون من موسى غير أنه لا نبى بعدى أخرجاه فى الصحيحين كذا فى الصفوة* (ذكر صفته) * فى الصفوة كان آدم شديد الادمة ثقيل العينين عظيمهما أقرب الى القصر من الطول ذا بطن كثير الشعر عريض اللحية أصلع أبيض الرأس واللحية لم يصفه أحد بالخضاب الاسوادة بن حنظلة فانه قال رأيت عليا أصفر اللحية يشبه أن يكون خضب مرّة ثم ترك* وفى ذخائر العقبى كان ربعة من الرجال أدعج العينين عظيمهما حسن الوجه كانه قمر بدرى عظيم البطن الى السمن* وعن أبى سعيد التيمى انه قال كنا نبيع الثياب على عواتقنا ونحن غلمان فى السوق فاذا رأينا عليا قد أقبل علينا قلنا بزرك اشكم قال علىّ ما يقولون قال يقولون عظيم البطن قال اجل أعلاه علم وأسفله طعام اشكم بالعجمية البطن وبزرك بضم الباء والزاء وسكون الراء عظيم كذا فى الرياض النضرة* وكان عريض ما بين المنكبين لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضارى لا تبين عضده من ساعده قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 أدمج ادما جاشثن الكفين عظيم الكراديس أغيد كانّ عنقه ابريق فضة أصلع ليس فى رأسه شعر الامن خلفه كثير شعر اللحية وكان لا يخضب وقد جاء عنه الخضاب* فى أسد الغابة وكان ربما يخضب انتهى والمشهور انه كان أبيض اللحية وكان اذا مشى تكفأ شديد الساعد واليد اذا مشى الى الحروب هرول ثبت الجنان قوىّ ما صارع أحدا الاصرعه شجاع منصور على من لاقاه* وفى أسد الغابة عن رزام بن سعد الضبى قال سمعت أبى ينعت عليا قال كان رجلا فوق الربعة ضخم المنكبين طويل اللحية وان شئت قلت اذا نظرت اليه قلت آدم وان تبينته من قرب قلت أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم* وعن قدامة بن عتاب قال كان علىّ ضخم البطن ضخم مشاش المنكب ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها وقيل كانما كسر ثم جبر لا يغير شيبه خفيف المشى ضحوك السنّ* (ذكر خلافة على رضى الله عنه) * فى ذخائر العقبى عن محمد بن الحنفية قال أتى رجل عليا وعثمان محصور فقال ان أمير المؤمنين مقتول ثم جاء آخر فقال ان أمير المؤمنين مقتول الساعة فقام علىّ قال محمد أخذت بوسطه تخوّفا عليه فقال خل لا أمّ لك فأتى على الدار وقد قتل الرجل فأتى داره فدخلها وأغلق عليه بابه فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا ان هذا الرجل قد قتل ولا بدّ للناس من خليفة ولا نعلم أحدا أحق بها منك فقال لهم علىّ لا تريدونى فانى لكم وزير خير لكم منى أمير فقالوا والله لا نعلم أحدا أحق بها منك قال فان أبيتم علىّ فان بيعتى لا تكون سرا ولكن ائتوا المسجد فمن شاء أن يبايعنى بايعنى قال فخرج الى المسجد فبايعه الناس أخرجه أحمد فى المناقب* قال ابن اسحاق ان عثمان لما قتل بويع على بن أبى طالب بيعة العامة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع له أهل البصرة وبايع له بالمدينة طلحة والزبير* قال أبو عمرو واجتمع على بيعته المهاجرون والانصار وتخلف عن بيعته نفر فلم يكرههم وسئل عنهم فقال اولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل وتخلف عنه معاوية بالشأم وكان منه بصفين ما كان غفر الله لنا ولهم أجمعين* وفى دول الاسلام لما قتل عثمان صبرا سعى الناس الى دار علىّ وأخرجوه وقالوا لا بدّ للناس من امام فحضر طلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص والاعيان فأوّل من بايعه طلحة والزبير ثم سائر الناس* وفى الرياض النضرة قال أبو عمرو بايع لعلى أهل اليمن بالخلافة يوم قتل عثمان* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى لما استشهد عثمان اجتمع كبار المهاجرين والانصار بعد ثلاثة أيام أو خمسة أيام من موت عثمان على علىّ فالتمسوا منه قبول الخلافة فقبل بعد مدافعة طويلة وامتناع كثير فبايعوه فقام بأمر الخلافة ست سنين واستشهد على رأس ثلاثين سنة من وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وقيل انّ الثلاثين انما تتم بخلافة أمير المؤمنين حسن بن على ستة أشهر بعد وفاة أبيه* وفى الصفوة استخلف علىّ بعد عثمان فى التاسع عشر من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة ومدّة خلافته ست سنين وقيل خمس سنين وستة أشهر* وفى ذخائر العقبى للمحب الطبرى وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وستة أيام وقيل ثمانية وقيل ثلاثة أيام وقيل أربعة عشر يوما وفى أوائل خلافته كانت وقعة الجمل ونازعه معاوية الامر بأهل الشأم حتى بلغوا تسعين وقعة كذا فى سيرة مغلطاى* وفى دول الاسلام طارت الاخبار الى النواحى بقتل الشهيد عثمان فحزن عليه المسلمون ولا سيما أهل دمشق وأتى البريد بثوبه بالدماء فنصب على منبر دمشق ونعاه معاوية الى أهلها فنعاقدوا على الطلب بدمه وكانوا ستين ألفا ثم ان طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة ندموا وعظم عليهم قتله ورأوا أنهم قد قصروا فى نصرته فخرجوا على وجوههم قاصدين البصرة للطلب بدمه من غير أمر علىّ وذلك ان قتلة عثمان التقوا على علىّ وصاروا من رؤس الملأ وخاف علىّ من ان ينتقض الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فسار بعسكر المدينة وبرؤس قتلة عثمان الى العراق فجرت بينه وبين عائشة وقعة الجمل بلا علم ولا قصد والتحم القتال من الغوغاء وخرج الامر عن على وعن طلحة والزبير وقتل من الفريقين نحو عشرين ألفا وقتل طلحة والزبير فانا لله وانا اليه راجعون* وفى المختصر الجامع بويع له يوم قتل عثمان وأقام بالمدينة بعد المبايعة أربعة أشهر ثم سار الى العراق فى سنة ست وثلاثين فالتقى بطلحة والزبير وهو يوم الجمل بالبصرة وكانا قد بايعاه بالمدينة وخلعاه بالبصرة فقتل طلحة وانهزم الزبير فلحقه عمرو بن جرموز بوادى السباع فقتله وكان سنّ كل واحد من طلحة والزبير أربعا وستين سنة يقال ان عدّة المقتولين من أصحاب الجمل ثمانية آلاف وقيل سبعة عشر ألفا وذكر انه قطعت على خطام الجمل سبعون يدا كلهم من بنى ضبة كلما قطعت يد رجل تقدّم آخر وقتل من أصحاب علىّ نحو ألف* وفى دول الاسلام ثم تحرك جيش الشأم وامتنعوا من مبايعة علىّ فسار علىّ نحوهم فى سبعين ألفا من أهل العراق وقيل فى تسعين ألفا وسار اليه معاوية من الشأم فى ستين ألفا فالتقوا على صفين بناحية الفرات ودام الحرب والمصابرة أياما وليالى وقتل من الفريقين أزيد من ستين ألفا وقتل من جند علىّ عمار بن ياسر من السابقين الاوّلين البدريين وكان من نجباء الصحابة قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية* وفى الصفوة قتله أبو معاوية ودفن هناك فى سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وقيل أربع وتسعين سنة* وفى أنوار التنزيل قال عمار بصفين الان ألاقى الاحبة محمدا وحزبه* وفى عقائد الشيخ أبى اسحاق الفيروزابادى وخلاصة الوفاء ان عمرو بن العاص كان وزير معاوية فلما قتل عمار ابن ياسر أمسك عن القتال وتابعه على ذلك خلق كثير فقال له معاوية لم لا تقاتل قال قتلنا هذا الرجل وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتله الفئة الباغية فدل على انا نحن بغاة قال له معاوية أسكت فو الله ما تزال تدحض فى بولك أنحن قتلناه انما قتله علىّ وأصحابه جاؤا به حتى ألقوه بيننا* وفى رواية قال قتله من أرسله الينا يقاتلنا وانما دفعنا عن أنفسنا فقتل فبلغ ذلك عليا فقال ان كنت أنا قتلته فالنبىّ صلى الله عليه وسلم قتل حمزة حين أرسله الى قتال الكفار* وقتل مع علىّ خزيمة بن ثابت الانصارى ذو الشهادتين وأويس القرنى زاهد التابعين* وفى المختصر الجامع قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا منهم عمار بن ياسر وأويس القرنى وخمسة وعشرون بدريا وقتل من عسكر معاوية خمسة وأربعون ألفا* وفى دول الاسلام وقد شهد صفين مع على ومعاوية جماعة من الصحابة وتخلف عنها جماعة من سادات الصحابة منهم سعد بن أبى وقاص الذى افتتح العراق وسعيد بن زيد وأبو اليسر السلمى وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وابن عمرو أسامة بن زيد وصهيب الرومى وأبو موسى الاشعرى وجماعة رأوا السلامة فى العزلة وقالوا اذا كان غزو الكفار قاتلنا فأما قتال أهل الفتنة والبغى فلا نقاتل أهل القبلة روى ان عليا كتب الى معاوية يناصحه* غرّك عزك فصار قصار ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك تهدى بهذا* وكتب معاوية فى جوابه* على قدرى غلى قدرى* وفى المختصر الجامع أقاما بصفين مائة يوم وعشرة أيام وكانت بينهم تسعون وقعة وكان علىّ فى تسعين ألفا وكان معاوية فى مائة وعشرين ألفا ولما سئم الفريقان القتال تداعيا الى الحكومة فرضى علىّ وأهل الكوفة بأبى موسى الاشعرى ورضى معاوية وأهل الشأم بعمرو بن العاص فاجمع الحكمان بدومة الجندل واتفقا على ان يخلعاهما معا ويختار اللمسلمين خليفة رضوا به وقد عين للخلافة يومئذ يوم الحكمين عبد الله بن عمر بن الخطاب كذا فى دول الاسلام ثم اجتمعا بالناس وحضر معاوية ولم يحضر علىّ فبدأ أبو موسى وخلع عليا ثم قام عمرو وقال قد خلعت عليا كما خلعه وأثبت خلافة معاوية فرضى أهل الشأم بذلك وكفره أهل النهروان وعاد علىّ فى سنة تسع وثلاثين ولم يزل علىّ فى حرب ولم يحج فى سنى خلافته لاشتغاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 بالحروب* وفى البحر العميق ما يعلم عدد حج علىّ قبل ولايته وفى زمن ولايته اشتغل عن الحج بما وقع فى أيامه فلم يحج لانه ولى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وأياما وكانت ولايته بعد انقضاء الحج فى سنة خمس وثلاثين لان عثمان قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذى الحجة من هذه السنة وكانت وقعة الجمل فى سنة ست وثلاثين فحج بالناس عبد الله بن عباس ثم كانت وقعة صفين فى سنة سبع وثلاثين وحج عبد الله أيضا بالناس وحج بالناس فى سنة ثمان وثلاثين قثم ابن عباس* وفى هذه السنة كان التحكيم وبسببه كفر جماعة ممن يسمون الخوارج وقاتلهم علىّ فى مواضع وقتل منهم المجدع الذى بشره النبىّ صلى الله عليه وسلم بقتله كذا فى سيرة مغلطاى* ثم اصطلج الناس فى سنة تسع وثلاثين على شيبة بن عثمان فأقام لهم الحج ثم قتل على بن أبى طالب رضى الله عنه فى رمضان سنة أربعين* وفى دول الاسلام ثم تحاجز اهل صفين عن القتال واتفقوا على أن يحكموا بينهما حكما من جهة على وحكما من جهة معاوية على ان من اتفق الحكمان على توليته الخلافة فهو الخليفة وأتوا لميعاد الحكم بعد أشهر مع كل حكم طائفة كثيرة من أشراف الناس فبعث علىّ أبا موسى الاشعرى وبعث معاوية عمرو بن العاص فاجتمع الحكمان بدومة الجندل وهى مسيرة عشرة أيام عن دمشق وعشرة أيام عن الكوفة وعشرة أيام عن المدينة فلم ينبرم أمر ورجع الشاميون فبايعوا معاوية وبقيت مصر تارة يغلب عليها جند معاوية وتارة يغلب عليها جند علىّ ولما جرى التحكيم غضب خلق أزيد من عشرة آلاف من جيش علىّ وقالوا لا حكم الا لله فان الله تعالى يقول ان الحكم الا لله وكفروا عليا بفعله واعتزلوه وهم الخوارج فعاتبهم علىّ فلم يفد فيهم ثم قاتلهم وظفر عليهم وقتل منهم نحو أربعة آلاف وقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم الخوارج كلاب النار* وفى الرياض النضرة ثم خرج الخوارج على علىّ فكفروه وكل من معه اذ رضى بالتحكيم فى دين الله بينه وبين أهل الشأم وقالوا حكمت فى دين الله والله تعالى يقول ان الحكم الا لله ثم اجتمعوا وشقوا عصا المسلمين ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج علىّ اليهم بمن معه ورام رجعتهم فأبوا الا القتال فقاتلهم بالنهروان فقتل واستأصل جمهورهم ولم ينج منهم الا القليل انتهى ولم تهيأ فى هذه السنين جهاد ولا افتتح المسلمون شيئا بل اشتغلوا بالفتنة* وفى الملل والنحل وظهر فى زمنه الخوارج عليه مثل الاشعث ابن قيس ومسعود بن فدكى التيمى وزيد بن حصن الطائى وغيرهم* وكذلك ظهر فى زمانه الغلاة فى حقه مثل عبد الله بن سيا وجماعة معه ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة صدق فيه قول النبىّ صلى الله عليه وسلم لعلىّ يهلك فيك اثنان محب غال ومبغض قال* ذكر من توفى فى خلافة على من مشاهير الصحابة وتوفى فى أيام علىّ حذيفة بن اليمان من كبار الصحابة وكان فتح الدينور على يده وولاه عمر المدائن فبقى بها الى حين وفاته وتوفى بعد عثمان بأربعين يوما وكان قد أسرّ النبىّ صلى الله عليه وسلم اليه أسماء المنافقين وعرفه بالفتن التى تكون بين يدى الساعة وهو الذى ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاحزاب ليأتيه بخبر القوم وله الجنة وفى خلافة علىّ قتل الزبير بن العوام الاسدى كما مرّ وهو ابن عمة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرة بالجنة وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبى حوارىّ وحوارىّ الزبير أى ناصرىّ أسلم وله ست عشرة سنة وقيل ثمان سنين وهو أوّل من سل سيفه فى سبيل الله وكان طويلا بمرّة اذا ركب تخط رجلاه الارض خفيف العارضين عينه عمر فيمن يصلح للخلافة وكان كثير المتاجر والاموال قيل كان له ألف مملوك يؤدّون اليه الخراج فربما تصدق بذلك فى مجلسه وقد خلف أملاكا بيعت بنحو أربعين ألف ألف درهم وهذا لم يسمع بمثله قط لحقه ابن جرموز يوم الجمل فطعنه غيلة فقتله وله نيف وستون سنة وقد مرّ بعض أحواله فى أولاد صفية بنت عبد المطلب فى الفصل الثانى فى النسب فى الطليعة الثالثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وفيها قتل طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب التيمى أحد العشرة كما مرّ* روى الصلت بن دينار عن أبى نصرة عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال يوم أحد أوجب طلحة وكان طلحة يردّ النبل بيده عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شلت يده* صفته* كان آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط حسن الوجه دقيق العرنين لا يغير شيبه وكان من الاجواد يقال له طلحة الفياض وطلحة الجود يقال انه فرق فى يوم واحد سبعمائة ألف* ويروى ان اعرابيا من أقاربه قصده وتوسل اليه فوصله بثلثمائة ألف* وروى عمرو بن دينار عن مولى لطلحة قال ان دخل طلحة كان كل يوم ألف درهم ويقال خلف من المال ألفى ألف درهم ومائتى ألف دينار* وروى ابن سعد باسناد له قوّمت أصول طلحة وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم* قال ابن الجوزى خلف طلحة ثلثمائة حمل ذهبا فتزوّج أم كلثوم بنت أبى بكر الصدّيق فولدت له زكريا ويوسف وعائشة قال معاوية طلحة عاش سخيا حميدا وقتل فقيدا شهيدا وقد مرّ بعض أحواله فى غزوة أحد فى الموطن التالث قال قيس بن أبى حزم رأيت مروان حين رمى طلحة يوم الجمل بسهم فوقع فى ركبته فما زال يسيح حتى مات* وقال مروان هذا أعان على قتل عثمان ولا أطلب بثارى بعد اليوم وكان طلحة ممن عينه عمر للخلافة من بعده وعاش أزيد من ستين سنة* وفى الصفوة قتل طلحة يوم الجمل وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الاخرة سنة ست وثلاثين ويقال ان سهما غربا أتاه فوقع فى حلقه فقال بسم الله وكان أمر الله قدرا مقدورا ويقال ان مروان بن الحكم قتله كما مرّ ودفن بالبصرة وهو ابن ستين سنة كذا فى الملل والنحل ويقال اثنتين وستين ويقال أربع وستين وفى سنة ست وثلاثين مات سلمان الفارسى الاصبهانى وقيل الرامهرمزى من سادة الصحابة حضر غزوة الاحزاب وأشار بحفر الخندق على المدينة قيل عاش مائتى سنة وقيل مائتين وثلاثين سنة وقيل أكثر من ذلك وترجمته طويلة عجيبة وفيها مات نائب مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشى العامرى وكان بطلا شجاعا كان فارس بنى عامر له غزوات وفتوحات ولما جاءه الموت قال اللهمّ اجعل آخر عملى الصلاة فلما طلع الفجر توضأ وصلى فلما ذهب ليسلم عن يساره مات وتوفى حكيم بن جبلة العبدى وكان شريفا مطاعا تولى امرة السند فغزاها ورجع واقام بالبصرة حتى كان يوم الجمل فخرج حكيم فى سبعمائة فلم يزل حكيم يقاتل حتى قطعت رجله فأخذها وضرب بها الذى قطعها فقتله ثم أخذ يقاتل ويقول* يا ساق لن تراعى* ان معى ذراعى* أحمى بها كراعى حتى نزفه الدم فاتكأ على المقتول الذى قطع رجله فمرّ به رجل فقال من قطع رجلك قال وسادتى وهذا ما لم يسمع للشجعان بمثله وكان حكيم هذا ممن أكب على عثمان وفيها مات خباب بن الارت التميمى من السابقين البدريين ونجباء الصحابة رضى الله عنهم وفى سنة ثمان وثلاثين مات صهيب بن سنان المعروف بالرومى بالمدينة من المهاجرين البدريين الكبار* (ذكر مقتل على رضى الله عنه) * فى ذخائر العقبى عن علىّ قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على أتدرى من أشقى الاوّلين قلت الله ورسوله أعلم قال عاقر الناقة قال أتدرى من أشقى الاخرين قلت الله ورسوله أعلم قال قاتلك أخرجه أحمد فى المناقب وخرجه ابن الضحاك وقال فى أشقى الاخرين الذى يضربك على هذه فيبل منها هذه وأخذ بلحيته* وعن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ من أشقى الاوّلين يا علىّ قال الذى عقر ناقة صالح قال صدقت فمن أشقى الاخرين قال الله ورسوله أعلم قال أشقى الاخرين قال الذى يضربك على هذه وأشار الى يافوخه وكان علىّ يقول لاهله والله لوددت ان لو انبعث أشقاها أخرجه أبو حاتم* وعن عكرمة عن ابن عباس قال على قلت له يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم انك قلت لى يوم أحد حين أخرت عن الشهادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 واستشهد من استشهد ان الشهادة من ورائك فكيف صبرك اذا خضبت هذه من هذه بدم وأومأ بيده الى لحيته ورأسه فقال على يا رسول الله أما ان ثبتت لى شهادة ما أنبئت فليس ذلك من موطن الصبر ولكن موطن البشرى والكرامة* وفى الصفوة عن زيد بن وهب قال قدم على على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعدة بن نعجة فقال له اتق الله يا على انك ميت فقال علىّ بل مقتول بضربة على هذا تخضب هذه يعنى لحيته من رأسه بعهد معهود وقضاء مقضى وقد خاب من افترى وعاتبه فى لباسه فقال مالك وللباس هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدى بى المسلم* وعن أبى الطفيل قال دعا الناس الى البيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادى فردّه مرّتين ثم أتاه فقال ما يحبس أشقاها لتخضبن أو لتصبغن هذه من هذه يعنى لحيته من رأسه ثم تمثل بهذين البيتين أشدد حياز يمك للموت ... فان الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت ... اذا حل بواديكا وعن أبى مجلز قال جاء رجل من مراد الى على وهو يصلى فى المسجد فقال احترس فان ناسا من مراد يريدون قتلك قال ان مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر عليه فاذا جاء القدر خليا بينه وبينه وان الاجل جنة حصينة* وفى ذخائر العقبى عن عبد الله بن سبع قال خطبنا علىّ فقال والذى فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذا قال الناس أعلمنا من هو لنبيدنّ عترته قال أنشدكم أن يقتل بى غير قاتلى قال ان كنت قد علمت ذلك فاستخلف اذا قال لا ولكن أكلكم الى من وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجهما أحمد* وعن سكين بن عبد العزى العبدى انه سمع أباه يقول جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليا فحمله ثم قال هذا قاتلى قال فما يمنعك منه قال انه لم يقتلنى بعد وقيل له ان ابن ملجم سم سيفه ويقول انه سيقتلك به قتلة يتحدّث بها العرب فبعث اليه لم تسم سيفك قال لعدوّى وعدوّك فخلى عنه وقال ما قتلنى بعد أخرجه أبو عمرو* وعن الحسين بن كثير عن أبيه وكان أدرك عليا قال خرج علىّ الى الفجر فأقبل الاوز يصحن فى وجهه فطردوهنّ فقال دعوهنّ فانهنّ نوائح فضربه ابن ملجم فقلت له يا أمير المؤمنين خل بيننا وبين مراد فلا تقوم لهم ثاغية ولا راغية أبدا قال لا ولكن احبسوا الرجل فان أنامت فاقتلوه وان أعش فالجروح قصاص أخرجه أحمد فى المناقب* وفى رواية لما صاحت الاوز بين يدى علىّ قال هذه صائحة تتبعها نائحة فلم يقدر أن يفتح باب داره ثم تكلف وفتح الباب فتعلق ازاره بالباب فخرج الى المسجد* وعن الحسن البصرى انه سمع الحسن بن على يقول انه سمع أباه فى سحر اليوم الذى قتل فيه يقول لهم يا بنى رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى نومة نمتها فقلت يا رسول الله ما لقيت من أمّتك من اللواء واللدد فقال ادع الله عليهم فقلت اللهمّ أبدلنى خيرا منهم وأبدلهم بى من هو شرمنى ثم انتبه وجاء مؤذنه يؤذنه بالصلاة فخرج فقتله ابن ملجم أخرجه أبو عمرو* (ذكر قاتله وما حمله على القتل وكيفية قتله وأين قتل) * عن الزبير بن بكار قال من بقى من الخوارج تعاقدوا على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص* وعن محمد بن سعد قال قالوا انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم المرادى وهو من حمير وعداده فى بنى مراد وحليف بنى جبلة من كندة والبرك بن عبد الله التميمى وعمرو بن بكر التميمى فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلنّ هذه الثلاثة على بن أبى طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم انا لكم بعلى وقال البرك انا لكم بمعاوية وقال عمرو بن بكر انا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذى سمى له فتوجه له حتى يقتله أو يموت دونه فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من رمضان سنة أربعين ثم توجه كل رجل منهم الى المصر الذى فيه صاحبه فخرج البرك لقتل معاوية وقدم دمشق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وضرب معاوية فجرحه فى أليتيه فسلم منها* وفى حياة الحيوان فأصاب اوراكه وكان معاوية كبير الاوراك فقطع منه عرق النكاح فلم يولد له بعد ذلك فلما أخذ قال الامان والبشارة فقد قتل علىّ فى هذه الليلة فاستبقاه حتى أتاه الخبر بذلك فقطع معاوية يده ورجله وأطلقه فرحل الى البصرة وأقام بها حتى بلغ زياد بن أبيه أنه ولد له فقال أيولد له وأمير المؤمنين لا يولد له فقتله قالوا وأمر معاوية باتخاذ المقصورة من ذلك الوقت وأما عمرو بن بكر فسار الى مصر وكان يومئذ بعمرو بن العاص وجع الظهر أو البطن فبعث مكانه سهلا العامرى ليصلى بالناس* وفى حياة الحيوان فصلى بالناس رجل من بنى سهم يقال له خارجة فقتله عمرو بن بكر يحسبه عمرو بن العاص وقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة عازما على قتل علىّ واشترى سيفا لذلك بألف وسقاه السم فيما زعموا حتى نفضه وكان فى خلال ذلك يأتى عليا يسأله ويستحمله فيحمله ويلقى أصحابه وكاتمهم ما يريد وكان يزورهم ويزورونه فزار يوما نفرا من بنى تيم الرباب فوقعت عينه على امرأة منهم يقال لها قطام بنت شحنة بن عدى بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب وكانت امرأة رائقة جميلة وكانت ترى رأى الخوارج وكان علىّ قتل أباها وأخاها بالنهروان فأعجبته فخطبها فقالت آليت أن لا أتزوّج الاعلى مهر لا أريد سواه قال وما هو لا تسألينى شيئا الا أعطيتك فقالت ثلاثة آلاف دينار وقتل على بن أبى طالب وعبد وقينة وفيه قال شاعرهم ولم أرمهرا ساقه ذو شجاعة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وقتل علىّ بالحسام المسمم فلا مهر أعلى من علىّ وان علا ... ولا قتل الا دون قتل ابن ملجم فقال والله ما جاء بى الى هذا المصر الا قتل على فقد أعطيتك ما سألت* وفى رواية الزبير قال صدقت ولكنى لما رأيتك آثرت تزويجك فقالت ليس الا الذى قلت لك قال وما يغنيك أو ما يغنينى منك قتل علىّ وأنا أعلم أنى ان قتلته لم أفت قالت ان قتلته ونجوت فهو الدى أردت فيبلغ شفاء نفسى ويهنيك العيش معى وان قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها فقال لها لك ما اشترطت فقالت له سألتمس من يشدّ ظهرك فبعثت الى ابن عم لها يدعى ورد ان بن مجالد فأجابها ولقى ابن ملجم شبيب بن بجرة الاشجعى بفتح الباء والجيم قاله ابن مأكولا والذى ضبطه أبو عمر وبضم الباء وسكون الجيم فقال له يا شبيب هل لك فى شرف الدنيا والاخرة قال وما هو قال تساعدنى على قتل على بن أبى طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا ادّا كيف تقدر على ذلك قال انه رجل لا حرس له ويخرج الى المسجد منفردا دون من يحرسه فنكمن له فى المسجد فاذا خرج الى الصلاة قتلناه فان نجونا نجونا وان قتلنا سعدنا بالذكر فى الدنيا وبالجنة فى الاخرة فقال ويلك انّ عليا ذو سابقة فى الاسلام مع النبى صلى الله عليه وسلم ما تنشرح نفسى لقتله قال ويلك انه حكم الرجال فى دين الله وقتل اخواننا الصالحين فنقتله ببعض من قتل ولا تشكن فى دينك فأجابه وأقبلا حتى دخلا على قطام وهى معتكفة فى المسجد الاعظم فى قبة ضربتها لنفسها فدعت لهم فقاما فأخذا أسيافهما ثم جاآ حتى جلسا قبالة السدّة التى يخرج منها علىّ ودخل ابن النباح المؤذن فقال الصلاة فقام علىّ يمشى وابن النباح بين يديه والحسن بن علىّ خلفه فلما خرج من الباب نادى أيها الناس الصلاة الصلاة كذلك كان يصنع كل يوم يخرج ومعه درّته يوقظ الناس فاعترضاه الرجلان فقال بعض من حضر ذلك رأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول لله الحكم يا علىّ لا لك وفى رواية الزبير قال الحكم لله يا علىّ لا لك ولا لاصحابك ثم رأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا فأما سيف شبيب فوقع فى الطاق* وفى مورد اللطافة فوقعت الضربة فى السدة وأخطأ وأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته الى قرنه ووصل الى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 دماغه* وفى حياة الحيوان ضربه ابن ملجم على صلعته فقال علىّ فزت ورب الكعبة فسمع علىّ يقول لا يفوتنكم الرجل وفى رواية لا يفوتنكم الكلب فشدّ الناس عليهما من كل جانب فأمّا شبيب فأفلت خارجا من باب كندة وأمّا ابن ملجم فانه لما هم الناس به حمل عليهم بسيفه ففرّجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله وضرب به الارض وقعد على صدره وانتزع سيفه عنه وكان أيدا قويا كذا فى ذخائر العقبى وقد مرّ فى فصل النسب فى أولاد عبد المطلب* وفى أسد الغابة فلما أخذ ابن ملجم ادخل على علىّ فقال احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه فان أعش فأنا ولى دمى عفو أو قصاص وان أمت فالحقوه بى أخاصمه عند ربّ العالمين* وفى ذخائر العقبى قال علىّ احبسوه فان أمت فاقتلوه ولا تمثلوا به وان لم أمت فالامر الىّ فى العفو والقصاص أحرجه أبو عمر وفقالت أم كلثوم يا عدوّ الله قتلت أمير المؤمنين قال ما قتلت الا أباك قالت والله انى لارجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس قال فلم تبكين اذا ثم قال والله لقد سممته شهرا يعنى سيفه فان أخلفنى أبعده الله وأسحقه* قال فمكث علىّ يوم الجمعة وليلة السبت وتوفى ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان من سنة أربعين* وفى معجم البغوى عن ليث بن سعد انّ عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليا فى صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه بسم ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلا* وفى دول الاسلام ضربه بخنجر على دماغه فمات بعد يومين* وفى مورد اللطافة فمكث علىّ جريحا يوم الجمعة والسبت وتوفى ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين واختلفوا فى انه هل ضربه بخنجر على دماغه فمات بعد يومين* وفى مورد اللطافة فمكث علىّ جريحا يوم الجمعة والسبت وتوفى ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين واختلفوا فى انه هل ضربه فى الصلاة أو قبل دخوله فيها وهل استخلف من أتم الصلاة أو هو أتمها والاكثر على انّ جعدة ابن هبيرة صلى بهم تلك الصلاة* (ذكر وصيته رضى الله عنه) * روى انه لما ضربه ابن ملجم أوصى الى الحسن والحسين وصية طويلة فى آخرها بابنى عبد المطلب لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلوا بى الا قاتلى انظروا اذا أنامت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا به فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور أخرجه الفضائلى* وعن قثم مولى الفضل لما قتل ابن ملجم عليا قال للحسن والحسين أحبستم الرجل فان مت فاقتلوه ولا تمثلوا به فلما مات قام اليه الحسين ومحمد فقطعاه وحرقاه ونهاهم الحسن أخرجه الضحاك* وفى دول الاسلام فقطعوه اربا اربا* وفى حياة الحيوان قتل الحسين بن على عبد الرحمن بن ملجم واجتمع الناس وأحرقوا جثته* وروى عن عمرو ذى مرّ قال لما أصيب علىّ بالضربة دخلت عليه وقد عصب رأسه قال قلت يا أمير المؤمنين أرنى ضربتك قال فحلها فقلت خدش وليس بشئ قال انى مفارقكم انى مفارقكم فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسكتى فلو ترين ما أرى لما بكيت فقلت يا أمير المؤمنين ماذا ترى قال هذه الملائكة وفود والنبيون ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول يا على أبشر فما تصير اليه خير مما أنت فيه وأم كلثوم هذه ابنة على بن أبى طالب زوج عمر بن الخطاب* قال ولما فرغ علىّ من وصيته قال أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثم لم يتكلم الا لا اله الا الله حتى قبضه الله رحمة الله ورضوانه عليه* قيل انّ عليا كان عنده مسك فضل من حنوط رسول الله أوصى أن يحنط به* وفى أسد الغابة لما توفى غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن فى ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وصلى عليه الحسن ابنه وكبر عليه أربعا ودفن فى السحر* (ذكر موضع دفنه) * اختلفوا فى موضع دفنه فقيل فى قصر الامارة بالكوفة وقيل فى رحبة الكوفة وقيل بنجف الحيرة وهو موضع بطريق الحيرة قال الخجندى والاصح عندهم انه مدفون وراء المسجد الذى يؤمه الناس اليوم وعن أبى جعفر انّ قبره جهل موضعه* وقال الواقدى دفن ليلا وعفى قبره* وفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 مورد اللطافة وعمى قبره لئلا تنبشه الخوارج* وقال شريك وغيره نقله ابنه الحسن الى المدينة وذكر المبرد عن محمد بن حبيب قال أوّل من حوّل من قبر الى قبر كان على بن أبى طالب* وعن عائشة لما بلغها موت علىّ قالت لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها قالوا وكان عبد الرحمن بن ملجم فى السجن فلما مات علىّ ودفن بعث حسن بن على الى ابن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله فاجتمع الناس وجاؤا بالنفط والبوارى والنار وقالوا نحرقه فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن على ومحمد بن الحنفية دعونا تشتف أنفسنا منه فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ثم كحل عينيه بمسمار محمى فلم يجزع وجعل يقول انك لتكحل عينى عمك بمكحول محمص وجعل يقرأ اقرأ بسم ربك الذى خلق حتى أتى على آخر السورة وانّ عينيه لتسيلان على خدّيه ثم أمر به فعولج على لسانه ليقطعه فجزع فقيل له قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدوّ الله فلم تجزع فلما صرنا الى لسانك جزعت قال ما ذاك من جزع الا انى أكره أن أكون فى الدنيا فوا قالا أذكر الله فقطعوا لسانه ثم جعلوه فى قوصرة فأحرقوه بالنار وكان ابن ملجم اسمر ابلج فى جبهته أثر السجود* (ذكر تاريخ مقتله) * وكان ذلك فى صبيحة يوم سبع عشرة من رمضان مثل صبيحة بدر وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة منه سنة أربعين ذكر ذلك كله أبو عمرو وابن عبد البرّ كذا ذكره المحب الطبرى فى كتابه ذخائر العقبى والرياض النضرة* وفى الصفوة قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من رمضان وقيل ليلة احدى وعشرين منه سنة أربعين فبقى الجمعة والسبت ومات ليلة الاحد وقيل يوم الاحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن فى السحر* وفى سيرة مغلطاى بويع علىّ فى اليوم الذى مات فيه عثمان فأقام فى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام وتوفى شهيدا على يد عبد الرحمن بن ملجم ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة أربعين* وفى تاريخ ابن عاصم سنة تسع وثلاثين وفيه غرابة وله ثلاث وستون سنة ودفن بمسجد الكوفة وقيل حمل الى المدينة ودفن عند فاطمة وقيل غير ذلك* وفى الصفوة فى سنه أربعة أقوال* أحدها ثلاث وستون قال الواقدى وهذا المثبت عندنا* والثانى خمس وستون* والثالث سبع وخمسون* والرابع ثمان وخمسون والله أعلم* وعن على ابن الحسين قال قتل على وهو ابن ثمان وخمسين* وفى ذخائر العقبى وقيل ثمان وستين ذكر ذلك أبو عمرو وغيره وذكر أبو بكر أحمد بن الدرّاع ان سنه خمس وستون ولم يذكر غيره وصحب النبىّ صلى الله عليه وسلم منها بمكة ثلاث عشرة سنة وسنه يوم صحبه اثنتا عشرة سنة ثم هاجر فصحبه عشر سنين وعاش بعده ثلاثين سنة* مروياته فى كتب الاحاديث خمسمائة وستة وثمانون حديثا وفى المختصر الجامع وكان نقش خاتمه الملك لله الواحد القهار* وأما كاتبه فعبد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وأما قاضيه فشريح بن الحارث الكندى* وأما حاجبه فقنبر مولاه وكان قبله بشر مولاه أيضا* وأما أميره بمصر فقيس بن سعد بن عبادة وكان ذا رأى ودهاء واجتهد معاوية فى اخراجه بأن أظهر انه من شيعته فبلغ ذلك عليا فعزله وولاها مالك بن الحارث الاشتر فأسقى السم فى شربة من عسل يقال سمه عبد لعثمان فى الطريق فمات وولاها بعده محمد بن أبى بكر ولما رجع علىّ بعد التحكيم الى العراق سار عمرو بن العاص ومعه عساكر الشأم الى مصر فانهزم أهل مصر واستتر محمد بن أبى بكر فوجده معاوية بن خديج فقتله وجعله فى جيفة حمار وأحرقه بالنار كما سبق فى أولاد أبى بكر وكانت ولايته لمصر خمسة أشهر ووليها عمرو بن العاص من قبل معاوية وجعلها له طعمة* (ذكر أولاده) * وكان له من الاولاد جماعة وردت فى عددهم روايات مختلفة ففى كتاب الانوار لابى القاسم اسماعيل أولاد على اثنان وثلاثون عددا ستة عشر ذكرا وست عشرة أنثى* وقال اليعمرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 تسع وعشرون نفسا اثنا عشر ذكرا وسبع عشرة أنثى* وقال المحب الطبرى فى ذخائر العقبى والرياض النضرة كان له من الولد أربعة عشر ذكرا وثمان عشرة أنثى* وفى الصفوة أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة أنثى* (ذكر الذكور) * الحسن والحسين وقد سبق ذكر ولادتهما وبعض أحوالهما فى الموطن الثالث والرابع وسيجىء ذكر وفاتهما ولهما عقب* ومحسن مات صغيرا أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم* ومحمد الاكبر أمه خولة بنت اياس بن جعفر الحنفية ذكره الدارقطنى وغيره وقال وأخته لامّه عوانة بنت أبى مكمل الغفارية وقيل بل كانت أمه من سبى اليمامة فصارت الى علىّ وانها كانت أمة لبنى حنيفة سندية سوداء ولم تكن من أنفسهم وقيل انّ أبا بكر أعطى عليا الحنفية أم محمد من سبى بنى حنيفة أخرجه السمان وكان سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيه وكانت الشيعة تسميه المهدى وهو يقول كل مؤمن مهدى وكان صاحب راية أبيه يوم الجمل وكان شجاعا كريما فصيحا يقال انه مات بالطائف منهزما عن عبد الله بن الزبير سنة احدى وثمانين* والعباس الاكبر ويدعى السقا ويكنى أبا قربة وكان صاحب راية الحسين يوم كربلا وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين أيضا أمهم أم البنين وايسى بنت حزام بن خالد الوحيدية ثم الكلابية يقال قتل العباس يزيد بن زياد الحنفى وحكيم بن الطفيل الطائى* ومحمد الاصغر قتل مع الحسين أيضا أمه أم ولد ويحيى مات صغيرا وعون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية فهما أخوا بنى جعفر بن أبى طالب وأخوا محمد بن أبى بكر لامهم وعمر الاكبر أمه أم حبيب الصهباء الثعلبية سبية سباها خالد فى الردّة فاشتراها علىّ* ومحمد الاوسط أمه امامة بنت أبى العاص بن الربيع وعبيد الله قتله المختار الثقفى فى حرب مصعب بن الزبير وأبو بكر قتل مع الحسين أمهما ليلى بنت معوذ بن خالد النهشلية وقيل الدارمية وهى التى تزوّجها عبد الله ابن جعفر خلف عليها بعد عمه جمع بين زوجة علىّ وابنته زينب فولدت له صالحا وأم أبيها وأم محمد بنى عبد الله بن جعفر فهم اخوة عبيد الله وأبى بكر ابنى علىّ لامهما ذكره الدار قطنى* (ذكر الاناث) * زينب الكبرى عن ابن شهاب قال تزوّج زينب بنت على عبد الله بن جعفر فماتت عنده وقد ولدت له عليا وعونا* وعن الحسن قال زينب الكبرى بنت على بن أبى طالب أمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وولدت عليا وعونا وعباسا وأم كلثوم بنى عبد الله بن جعفر* وقال الدار قطنى ولدت عليا وأم كلثوم ورقية وأم كلثوم هما شقيقتا الحسن والحسين* قال أبو عمرو ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم* قال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة خطب عمر الى على ابنته أم كلثوم فأقبل علىّ عليه وقال انها صغيرة فقال عمر والله ما ذاك بك ولكن أردت منعى فان كانت كما تقول فابعثها الىّ فرجع علىّ فدعاها فأعطاها حلة وقال انطلقى بهذه الى أمير المؤمنين وقولى له يقول لك أبى كيف ترى هذه الحلة فأتته بها وقالت له ذلك فأخذ عمر بذراعها فاجتبذتها منه وقالت أرسلها فأرسلها وقال حصان كريم انطلقى فقولى له ما أحسنها وأجملها وليست والله كما قلت فزوّجها اياه* وذكر أبو عمرو انّ عمر قال له لما قال انها صغيرة زوّجنيها يا أبا الحسن فانى أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد فقال له على أنا أبعثها اليك فان رضيتها فقد زوّجتكها فبعثها اليه ببرد وقال لها قولى له هذا البرد الذى قلت لك فقالت ذلك لعمر فقال لها قولى له قد رضيت رضى الله عنك ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت أتفعل هذا لولا انك أمير المؤمنين لكسرت انفك* وفى رواية لطمست عينيك ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر فقالت بعثتنى الى شيخ سوء قال يا بنية فانه زوجك فجاء عمر الى مجلس المهاجرين فى الروضة وكان يجلس فيها المهاجرون الاوّلون فجلس اليهم فقال رفونى فقالوا بمن يا أمير المؤمنين فقال تزوّجت بأم كلثوم بنت على بن أبى طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وسلم يقول كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى وصهرى فرفوه* وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب الى على أم كلثوم فقال انكحنيها فقال علىّ انى أرصدها لابن أخى جعفر فقال عمر أنكحنيها فو الله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصد فأنكحه علىّ فأتى المهاجرين والانصار فقال ألا تهنؤنى فقالوا بم يا أمير المؤمنين قال بأم كلثوم بنت علىّ ثم ذكر معنى ما تقدّم الى قوله الا سببى ونسبى وزاد فأحببت أن يكون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب* وفى رواية ان عليا اعتل عليه بصغرها فقال عمرانى لم أرد الباءة ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم ذكر الحديث خرجهما أحمد فى المناقب وخرج الاوّل ابن السمان مختصرا وزاد المستطيل وكل بنى أنثى فعصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة فانى أبوهم وأنا عصبتهم خرجه ابن السمان* وعن واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر عن بعض أهله لما خطب عمر الى علىّ ابنته أم كلثوم قال علىّ ان على أمراء حتى أستأذنهم فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم فقالوا زوّجه فدعا أم كلثوم وهى يومئذ صبية فقال لها انطلقى الى أمير المؤمنين فقولى له ان أبى يقرئك السلام ويقول لك قد قضى حاجتك التى طلبت فأخذها عمر فضمها اليه وقال انى خطبتها الى أبيها فزوّجنيها قيل يا أمير المؤمنين ما كنت تريد اليها انها صبية صغيرة قال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل سبب منقطع يوم القيامة الا سببى فأردت أن يكون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب صهر خرجه الدولابى وخرج ابن السمان معناه ولفظه مختصر ان عمر قال لعلىّ انى أحب أن يكون عندى عضو من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له على ما عندى الا أم كلثوم وهى صغيرة فقال ان تعش تكبر فقال ان لها أميرين معى قال نعم فرجع علىّ الى أهله وقعد عمر ينتظر ما يرد عليه فقال علىّ ادعو الى الحسن والحسين فجاآ فدخلا فقعدا بين يديه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لهما ان عمر قد خطب الىّ أختكما فقلت له ان لها معى أميرين وانى كرهت ان أزوّجها اياه حتى أوامر كما فسكت الحسين وتكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا اباه من بعد عمر صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى وهو عنه راض ثم ولى الخلافة فعدل قال صدقت يا بنى ولكن كرهت ان أقطع أمرا دونكما ثم ذكر معنى ما تقدّم* وعن أسلم أن عمر بن الخطاب تزوّج أم كلثوم بنت على بن أبى طالب على أربعين ألف درهم خرجه أبو عمرو والد ولابى وابن السمان* وعن أبى هريرة قال أم كلثوم بنت علىّ من فاطمة تزوّجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب* وقال أبو عمرو زيد بن عمر الاكبر ورقية بنت عمر* قال الزهرى ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون ابن جعفر بن أبى طالب فلم تلد له شيئا حتى مات فخلف عليها بعده محمد بن جعفر فولدت له جارية ثم مات فخلف عليها بعده عبد الله بن جعفر فلم تلد له شيئا وماتت عنده* قال ابن اسحاق فمات عنها ولم يصب منها ولدا كذا ذكره الدار قطنى فى كتاب الاخوة والاخوات غير انه ذكر ان محمدا تزوّجها أوّلا ثم عونا ثم عبد الله وحكى الدولابى وغيره القولين فى موتها عنده أو موته عندها* قال أبو عمرو ماتت ام كلثوم وابنها زيد فى وقت واحد وكان زيد قد أصيب فى حرب بين بنى عدىّ ليلا فخرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم فى الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياما ثم مات هو وأمّه فى وقت واحد وصلى عليهما ابن عمر قدّمه الحسن بن على فكانت فيهما سنتان فيما ذكروا كما مرّ لم يورث أحدهما من الاخر وقدّم زيد على أمّه مما يلى الامام وقيل صلى عليهما سعد بن أبى وقاص وخلفه الحسن والحسين وأبو هريرة رواه الدولابى عن عمار بن أبى عمار* ورقية شقيقة عمر الاكبر وأم الحسن تزوّجها جعدة بن هبيرة المخزومى ورملة الكبرى أمها أم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفى تزوّجها عبد الله بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأم هانى تزوّجها عبد الرحمن بن عقيل وميمونة تزوّجها عبد الله الاكبر بن عقيل وزينب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 الصغرى تزوّجها محمد بن عقيل ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى تزوّجها عبد الله الاصغر بن عقيل وفاطمة تزوّجها سعيد بن الاسود من بنى الحارث وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة وأمامة تزوّجها الصلت بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وفى الرياض النضرة لم يذكر أمامة وذكر بدلها تقية ونفيسة لامّهات أولاد شتى ذكره ابن قتيبة وصاحب الصفوة كذا فى ذخائر العقبى للمحب الطبرى والرياض النضرة له* وفى الصفوة وابنة أخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة وهى جارية كانت تخرج الى المسجد فيقال لها من أخوالك فتقول أو أو* وقد يروى انها كانت تقول وه وه تعنى كلبا أمّها المحياة بنت امرئ القيس بن عدى بن كلب كذا فى المختصر وعقبه من الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس وعمر* قال اليعمرىّ مات من أولاده تسعة عشر نفرا فى حياته وورثه منهم ثلاثة عشر نفرا وقتل منهم بالطف ستة رجال كذا فى التوضيح* (ذكر الائمة الاثنى عشر على طريق الاختصار وهم علىّ وأولاده أوّلهم على بن أبى طالب) * وقد سبق ذكره* (الثانى) * الحسن بن على بن أبى طالب ويكنى أبا محمد ويلقب بالتقى والسيد أمّه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد بالمدينة فى منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة واستخلف ستة أشهر وتوفى بالمدينة لخمس ليال خلون من ربيع الاوّل سنة خمسين وقيل سنة تسع وأربعين وكان عمره سبعا وأربعين سنة ودفن بالبقيع* (الثالث) * الحسين بن على بن أبى طالب يكنى أبا عبد الله ولقب بالشهيد والسيد أمّه فاطمة الزهراء ولد بالمدينة يوم الثلاثاء الرابع من شعبان سنة أربع من الهجرة* وفى الصفوة استشهد يوم الجمعة وقيل الثلاثاء يوم عاشوراء فى المحرم سنة احدى وستين من الهجرة وهو ابن ست وخمسين سنة وخمسة أشهر كما سيجىء* (الرابع) * على بن الحسين بن على بن أبى طالب ويكنى أبا الحسن وقيل أبا محمد وقيل أبا بكر ولقب بزين العابدين والسجاد ولد بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة وقيل سنة ثمان وثلاثين وقيل سنة ست وثلاثين أمّه أم ولد اسمها غزالة كذا فى الصفوة* وقال فى شواهد النبوّة اسم أمّه شهر بانو بنت يزدجرد من أولاد أنو شروان العادل انتهى* وفى حياة الحيوان قال ابن خلكان كانت أمّه سلامة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس* وذكر الزمخشرى فى ربيع الابرار* ان يزدجرد كان له ثلاث بنات سبين فى زمن عمر بن الخطاب فحصلت واحدة منهنّ لعبد الله بن عمر فأولدها سالما والآخرى لمحمد بن أبى بكر فأولدها قاسما والآخرى للحسين بن على فأولدها عليا زين العابدين فكلهم بنو خالة وهو علىّ الاصغر فأما علىّ الاكبر فانه قتل مع الحسين وكان علىّ هذا أيضا مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة الا أنه كان مريضا نائما على فراش فلم يقتل وفى حياة الحيوان استبقى لصغر سنه لانهم قتلوا كل من أنبت كما يفعل بالكفار قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ولعنه* وتوفى بالمدينة فى الثامن عشر من المحرم سنة أربع وتسعين وقيل خمس وتسعين ودفن بالبقيع وهو ابن ثمان وخمسين سنة وضريحه هناك فى قبة معروفة بقبة العباس روى الحديث عن أبيه وعمه الحسن وجابر وابن عباس والمسور بن مخرمة وأبى هريرة وصفية وعائشة وأم سلمة أمّهات المؤمنين* (والخامس) * محمد الباقر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب أمّه أم عبد الله فاطمة بنت الحسن ابن على بن أبى طالب يكنى أبا جعفر ولقب بالباقر لتبقره فى العلم وهو توسعه فيه ولد بالمدينة يوم الجمعة ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة قبل قتل الحسين بثلاث سنين* وأولاده جعفر وعبد الله أمّهما فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق وابراهيم وعلى وزينب وأم سلمة توفى بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة وقيل ثمان عشرة وقيل أربع عشرة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وقيل ثمان وخمسين وقيل سبع وخمسين سنة وقبره بالبقيع عند أبيه فى قبة العباس كذا فى الصفوة* (السادس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا اسمعيل وله القاب أشهرها الصادق وأمّه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق وأمّ أمّ فروة أسماء بنت عبد الرحمن بن أبى بكر ولذا قال الصادق لقد ولدنى أبو بكر مرّتين ولد بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة وقيل سنة ثلاث وثمانين يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقين من ربيع الاوّل وتوفى بالمدينة يوم الاثنين للنصف من رجب سنة ثمان وأربعين ومائة وقبره بالبقيع فى قبة العباس وهو القبر الذى فيه أبوه الباقر وجدّه زين العابدين وعمه الحسن بن على فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه وأعلى قدره عند الله كذا فى شواهد النبوّة* وفى الملل والنحل وله خمسة أولاد محمد واسمعيل وعبد الله وموسى وعلىّ* (السابع موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * ويكنى أبا الحسن وأبا ابراهيم وقيل غير ذلك ويلقب بالكاظم لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه أمّه أمّ ولد اسمها حميدة البربرية ولد بالابواء بين مكة والمدينة يوم الاحد لسبع ليال خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة كذا فى شواهد النبوّة وفى الصفوة ولد بالمدينة سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدى بغداد ثم ردّه الى المدينة فأقام بها الى أيام الرشيد فلما قدم الرشيد المدينة حمله معه وحبسه ببغداد الى ان توفى بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة* وفى شواهد النبوّة مات فى حبس هارون الرشيد ببغداد يوم الخميس لخمس خلون من رجب سنة ست وثمانين ومائة من الهجرة وقبره ببغداد ويقال ان يحيى بن خالد البرمكى سمه فى رطب بأمر هارون الرشيد* (الثامن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * يكنى أبا الحسن ككنية ابيه موسى الكاظم ولقب بالرضا أمّه أم ولد لها أسماء منها أروى ونجمة وسمانه وأم البنين واستقرّ اسمها على تكتم قيل كانت أمّه جارية لحميدة أم موسى الكاظم فرأت فى المنام النبىّ صلى الله عليه وسلم أمرها ان تهب نجمة لابنها موسى وقال سيولد له منها خير أهل الارض ولد بالمدينة يوم الخميس الحادى عشر من ربيع الاخر سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد وفاة جدّه الصادق بخمس سنين وقيل غير ذلك ومات ببلاد طوس فى قرية سناباد من رستاق قوجاز قبره فى قبلى قبر هارون الرشيد فى قبة فى دار حميد بن قحطبة الطائى وذلك فى شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة ثمان ومائتين* (التاسع محمد بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * يكنى أبا جعفر وهو موافق للباقر فى الكنية والاسم ولذا يقال له أبو جعفر الثانى ولقبه التقى والجواد أمه أم ولد اسمها خيزران وقيل ريحانة وقيل كانت من أهل مارية القبطية ولد بالمدينة يوم الجمعة لعشرة أيام خلون من رجب سنة خمس وتسعين ومائة وتوفى يوم الثلاثاء لستة أيام خلون من ذى الحجة سنة عشرين ومائتين فى خلافة المعتصم وقيل مسموما ولكنه ما صح وقبره ببغداد خلف قبر جدّه الكاظم ولكمال علمه وأدبه وفضله زوّجه المأمون فى صغر سنه ابنته أم الفضل وأرسلها معه الى المدينة وكان يرسل الى المدينة فى كل سنة ألف ألف درهم كذا فى شواهد النبوّة* (العاشر على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على ابن أبى طالب) * يكنى أبا الحسن ويقال له أبو الحسن الثالث ولقبه الهادى لكنه مشتهر بالتقى أمه أم ولد اسمها سمانة وقيل أمه امّ الفضل بنت المأمون ولد بالمدينة فى الثالث عشر من رجب سنة أربع عشرة ومائتين وتوفى فى زمان المستنصر فى سرّ من رأى من نواحى بغداد يوم الاثنين من أواخر جمادى الاخرة سنة أربع وخمسين ومائتين وقبره فى داره التى فى سرّ من رأى وقيل ان مشهد الهادى بقم وليس بصحيح وانما الصحيح انّ مشهد فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمد ببلدة قم وقد نقل عن الرضا انه قال من زارها دخل الجنة كذا فى شواهد النبوّة* (الحادى عشر الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ابن جعفر الصادق) * ويكنى أبا محمد ويلقب بالزكى والخاص والسراج وهو أيضا مثل أبيه مشهور بالعسكرى وأمه أم ولد اسمها سوسن وقيل غير ذلك ولد بالمدينة سنة احدى أو اثنتين وثلاثين ومائتين وتوفى فى سرّ من رأى فى سنة ستين ومائتين وقبره بجنب ابيه* (الثانى عشر محمد بن الحسن بن على بن محمد ابن على الرضا) يكنى أبا القاسم* ولقبه الامامية بالحجة والقائم والمهدى والمنتظر وصاحب الزمان وهو عندهم خاتم للاثنى عشر اماما ويزعمون انه دخل السرداب الذى فى سرّ من رأى وأمّه تنظر اليه ولم يخرج اليها وذلك فى سنة خمس وستين ومائتين وقيل فى سنة ست وستين ومائتين وهو الاصح واختفى الى الان فى زعمهم أمه أم ولد اسمها صقيل وقيل سوسن وقيل نرجس وقيل غير ذلك ولد فى سرّ من رأى فى الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين* وفى جامع الاصول فى أشراط الساعة وعلاماتها عن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا منى أو من أهل بيتى يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا* وفى رواية أخرى لا تنقضى الدنيا حتى يملك العرب من أهل بيتى رجل يواطئ اسمه اسمى أخرجه أبو داود* وقال صاحب الفتوحات المكية فى ذكر المهدى انه يكون معه ثلثمائة وستون رجلا من رجال الله الكاملين وهذا الخليفة يكون من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته كنية جدّه حسن بن على يبايع بين الركنين والمقام يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف الهى رجال الهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينون على ما قلده الله تعالى ثم قال فانّ الله يستوزر له طائفة خبأهم فى مكنون غيبه أطلعهم الله كشفا وشهودا على الحقائق وهذا الخليفة يفهم منطق الحيوان ويسرى عدله فى الانس والجان وفى ذخائر العقبى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس منك المهدى فى آخر الزمان وبه ينشر الهدى وبه تطفأ نيران الضلالات انّ الله عز وجل فتح بنا هذا الامر وبذريتك يختمه وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم الا أبشرك يا أبا الفضل قال بلى يا رسول الله قال ان الله تعالى افتتح بى هذا الامر وبذريتك يختمه خرجه الحافظ أبو القاسم السهمى* وعن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهدى من ولد العباس* وعن عبد الصمد بن على عن أبيه عن جدّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس قال لبيك يا رسول الله قال انّ الله عز وجل ابتدأ الاسلام بى وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذى يتقدّم عيسى ابن مريم* وعن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمّتى يقاتلون على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدى فيقال تقدّم يا نبى الله صل بنا فيقول هذه الامّة أمراء بعضهم على بعض أخرجه الامام أبو عمرو عثمان بن سعيد المقبرى فى سننه* وعن كعب الاحبار قال يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس فيصيبهم فيها جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم من الجوع فبينماهم على ذلك اذ سمعوا صوتا فى الغلس فيقولون ان هذا الصوت صوت رجل شبعان قال فينظرون فاذا عيسى ابن مريم عليه السلام قال فيقام فيرجع امام المسلمين المهدى فيقول عيسى عليه السلام تقدّم فلك أقيمت الصلاة فيصلى بهم تلك قال ثم يكون عيسى اماما أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد فى كتاب الفتن* وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج المهدى وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادى هذا المهدى خليفة الله فاتبعوه أخرجه أبو نعيم فى مناقب المهدى* وعن عون بن منبه قال كنا نتحدّث انما يكون فى هذه الامّة خليفة لا يفضل عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 أبو بكر وعمر اخرجه الامام الدوانى فى سننه* وعن محمد بن سيرين قال قيل له المهدى خير أم أبو بكر وعمر قال هو خير منهما* وفى رواية وذكر فتنة فقال اذا كان ذلك فاجلسوا فى بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبى بكر وعمر أخرجهما الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد قال وفى زمن المهدى ترعى الشاة والذئب ويلعب الصبيان بالحيات والعقارب* قال الشيخ علاء الدولة أحمد بن محمد السمنانى قدس سره فى ذكر الا بدال وأقطابهم وقد وصل الى الرتبة القطبية محمد بن الحسن العسكرى وهو انه اذا اختفى دخل فى دائرة الابدال وترقى متدرجا طبقة طبقة الى أن صار سيد الافذاذ وكان القطب حينئذ على بن الحسين البغدادى فلما جاد بنفسه ودفن فى الشونيزية صلى عليه محمد بن الحسن العسكرى وجلس مجلسه وبقى فى الرتبة القطبية تسع عشرة سنة ثم توفاه الله بروح وريحان وأقام مقامه عثمان بن يعقوب الجوينى الخراسانى وصلى عليه هو وجميع أصحابه ودفنوه فى مدينة الرسول فلما جاد الجوينى بنفسه جلس أحمد كوجك من أبناء عبد الرحمن بن عوف مجلسه وكان توفى فى العجم وصلى عليه وقبورهم لاصقة بالارض غير مشرفة ولا مبنية لا يعرفها غيرهم وهم يزورونها كل سنة كذا فى شواهد النبوّة* وفى زبدة الاعمال قال سراج الحرم أبو بكر الكتانى قدس سره النقباء ثلثمائة والنجباء سبعون والابدال أربعون والاخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد ثم مسكن النقباء المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الابدال الشأم والاخيار سياحون فى الارض والعمد فى زوايا الارض ومسكن الغوث مكة فاذا عرضت الحاجة من أمر العامّة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الاخيار ثم العمد فان أجيبوا والا ابتهل فيها الغوث فلا تتم مسئلته حتى تجاب دعوته* (ذكر خلافة الحسن بن على وخروجه الى معاوية وتسليمه الامر اليه) * وهو أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو السادس فخلع كما سيأتى وأمّة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا صفته وميلاده فى الموطن الثالث قال أبو عمرو ولما قتل على بن أبى طالب بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا كلهم قد بايع أباه قبله على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم فى أبيه فبقى نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وماوراءها من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك كذا فى اسد الغابة وقيل ستة أشهر* وفى المختصر الجامع بويع له يوم مات أبوه وأقام بعد المبايعة بالكوفة الى ربيع الاوّل من سنة احدى وأربعين* وعن شرحبيل بن سعد قال مكث الحسن نحوا من ثمانية أشهر لا يسلم الامر الى معاوية وفى حياة الحيوان بويع له بالخلافة بعد موت والده ثم سار الى المدائن واستقرّ بها فبينما هو بالمدائن اذ نادى مناد ان قيسا قد قتل فانفروا وكان الحسن قد جعله على مقدّمة الجيش وهو قيس ابن سعد بن عبادة* فلما خرج الحسن عدا عليه الجراح بن الاسد ليسير معه فوجأه بالخنجر فى فخذه ليقتله فقال الحسن قتلتم أبى بالامس ووثبتم علىّ اليوم تريدون قتلى زهدا فى العادلين ورغبة فى القاسطين والله لتعلمن نبأه بعد حين ثم كتب الى معاوية بتسليم الامر اليه كما سيجىء* ترجمة الاشعث بن قيس الكندى ومات فى خلافة الحسن الاشعث بن قيس الكندى من كبار أمراء العرب كان سيد قومه وارتدّ بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم استأمن ووفد على أبى بكر مسلما فمنّ عليه الصدّيق وزوّجه بأخته ففرح وذهب الى سوق الابل فجذب سيفه وعرقب كل ابل بالسوق فصاح الناس ارتدّ الاشعث قال لا والله ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجنى بأخته وهذه وليمتى فانحروا وكلوا ولو كنا ببلادنا لكانت أضعاف هذه ثم وزن للناس أثمان ابلهم ثم نزل الكوفة وولى أذربيجان وتوريز لعثمان وكان على ميمنة علىّ يوم صفين وكان أحد الاجواد وعاش بعد علىّ أربعين ليلة* وفى دول الاسلام لما استشهد علىّ عمد اهل العراق الى ابنه الحسن فبايعوه ثم أشاروا عليه بالمسير ليأخذ الشام من معاوية وسار معاوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 بجيش الشام لقصده فلما تقارب الجيشان وتراآى الجمعان بموضع يقال له مسكن بناحية الانبار من أرض السواد علم الحسن أن لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب أكثر الآخرى فرأى أن المصلحة فى جمع الكلمة وترك القتال فكتب الى معاوية يراسله يخبر بانه يصير الامر اليه وينزل عنه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشئ مما كان فى أيام أبيه وان يكون ولى العهد من بعده وان يمكنه من بيت المال ليأخذ حاجته منه ففرح معاوية وأجاب الى ذلك الا أنه قال الا عشرة أنفس لا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب اليه معاوية انى قد آليت اننى متى ظفرت بقيس بن سعد بن عبادة ان أقطع لسانه ويده فراجعه الحسن انى لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا وغيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث اليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال له اكتب ما شئت فيه فأنا ألتزمه فاصطلحا على ذلك فكتب الحسن كل ما اشترط عليه من الامور المذكورة واشترط ان يكون له الامر بعده فالتزم ذلك كله معاوية فخلع الحسن نفسه وسلم الامر الى معاوية ببيت المقدس تورعا وقطعا للشر واطفاء لنائرة الفتنة ويقال انه باعه اياها بخمسة آلاف ألف درهم يدفعها اليه كل سنة كذا فى المختصر الجامع فلما اصطلحا دخل معاوية الكوفة وسمى ذلك العام عام الجماعة وسيجىء عطاء معاوية الحسن وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وذكر ذلك كله فى الاستيعاب وكان الحسن يقول ما أحببت منذ علمت ما ينفعنى وما يضرنى أن ألى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يهراق فى ذلك محجمة دم ثم سار الحسن بأهله وحشمه الى المدينة وأقام بها وغضب من فعله شيعته ويقولون له يا عار المؤمنين سوّدت وجوه المؤمنين فيقول لهم العار خير من النار* وعن أبى العريف قال كنا فى مقدّمة الحسن بن على اثنى عشر ألفا مستميتين حراصا* وفى الاستيعاب مستميتين تقطر أسيافنا من الجدّ والحرص على قتال أهل الشام فلما جاءنا صلح الحسن كانما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عمر وسفيان بن أبى ليلى فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين قال لا تقل يا أبا عمر وفانى لم أرذل المؤمنين ولكن كرهت ان أقتلكم فى طلب الملك خرجه أبو عمرو* وفى دول الاسلام قال لست بمذل المؤمنين ولكن كرهت ان أقتلكم على الملك* وعن جبير بن نفير قال قدمت المدينة فقال الحسن بن على كانت جماجم العرب بيدى يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت وتركتها ابتغاء لوجه الله تعالى وحقن دماء المسلمين خرجه الدولابى* وكان الحسن من المبادرين الى نصرة عثمان بن عفان وكان كثير الزواج والطلاق يقال تزوّج رضى الله عنه تسعين امرأة* وروى المدائنى انه أحصن فى زمان أبيه تسعين امرأة فقال على رضى الله عنه لقد تزوّج الحسن وطلق حتى خفت ان يجنى علينا بذلك عداوة أقوام* قال ابن سيرين تزوّج الحسن امرأة فبعث اليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم وحج مرات ماشيا ونجائبه تقاد بين يديه وكان قاضيه قاضى أبيه وكذلك كاتبه ولم يكن له حاجب* قال أبو عمرو بايع الناس معاوية فاجتمعوا عليه فى منتصف جمادى الاولى سنة اثنتين وأربعين* وفى الاستيعاب سنة احدى وأربعين ومعاوية يومئذ ابن ست وستين سنة الاشهرين قال أبو عمرو هذا أصح ما قيل فى تاريخ عام الجماعة وعليه أكثر أهل هذه الصناعة من أهل السير والعلم بالخبر قال ومن قال سنة أربعين فقدوهم اذ لم يختلفوا ان المغيرة حج بالناس سنة أربعين من غير ان يأمره أحد وكان بالطائف ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك لم يكن كذلك والله أعلم* وفى الاستيعاب لما دخل معاوية الكوفة حين أسلم الامر اليه الحسن بن على كلم عمرو بن العاص معاوية ان يأمر الحسن بن على فيخطب الناس فكره ذلك معاوية وقال لا حاجة لنا فى ذلك قال عمرو ولكنى أريد ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 ليبدوعيه فانه لا يدرى هذه الامور ما هى فلم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن أن يخطب وقال له قم يا حسن وكلم الناس فيما جرى بيننا فقام الحسن فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ثم قال فى بديهته أما بعد أيها الناس فانّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم باخرنا وان هذا الامر مدّة والدنيا دول وان الله عز وجل يقول قل ان أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون انه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين فلما قالها قال له معاوية إجلس فجلس ثم قام معاوية فخطب الناس ثم قال لعمرو هذا من ورائك* وعن الشعبى قال لما جرى الصلح بين الحسن بن على وبين معاوية قال له معاوية قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه فقام الحسن فخطب فقال الحمد لله الذى هدى بنا أوّلكم وحقن بنا دماء آخركم الا ان أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وأن هذا الامر الذى اختلفت أنا ومعاوية اما ان يكون كان أحق به منى أو يكون حقى تركته لله ولصلاح امّة محمد وحقن دمائهم قال ثم التفت الى معاوية وقال وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين ثم نزل* قال عمرو بن العاص لمعاوية ما أردت الا هذا* وعن الشعبى انه قال شهدت خطبة الحسن حين أسلم الامر الى معاوية* (ذكر عطاء معاوية الحسن واكرامه له) * عن عبد الله بن بريدة انّ الحسن دخل على معاوية فقال لاجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك فأجازه بأربعمائة ألف درهم فقبلها خرجه ابن الضحاك فى الاحاد والمثانى ذكر ذلك المحب الطبرى فى ذخائر العقبى وسيجىء ذكر وفاته فى سنة تسع وأربعين فى خلافة معاوية* مروياته فى كتب الاحاديث ثلاثة عشر حديثا وقد ذكرنا ولادته وتسميته وأولاده فى الموطن الثالث* فائدة غريبة * ذكرها المؤرخون وهى انّ كل سادس قائم بأمر الامة مخلوع* ونقل ابن الجوزى عن أبى بكر الصولى انه قال الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس منذ أوّل الاسلام لا بد وان يخلع* قال ابن الجوزى فتأملت ذلك فرأيت عجبا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على ثم الحسن فخلع ثم معاوية ثم يزيد ثم معاوية بن يزيد ثم مروان ثم عبد الملك ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل وسيأتى ذكر تمامهم بالترتيب ان شاء الله تعالى قيل الفائدة المذكورة انما تستقيم اذا تأخرت خلافة ابن الزبير عن خلافة عبد الملك بن مروان كما وقعت فى حياة الحيوان وأما اذا كانت بعد خلافة معاوية بن يزيد كما وقع فى دول الاسلام ومورد اللطافة وغيرهما فلا يستقيم وأيضا الفائدة المذكورة أكثرية لا كلية لتخلفها فى بعض المواضع كما ذكر فى حياة الحيوان* (ذكر خلافة معاوية ابى عبد الله بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشى الاموى وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس) * وفى مورد اللطافة كنيته أبو عبد الرحمن ولقبه الناصر لدين الله وقيل الناصر لحق الله والثانى أشهر* صفته* كان طوالا أبيض اذا ضحك انقلبت شفته العليا يخضب بالحناء والكتم وكان ربما كتب للنبىّ صلى الله عليه وسلم الوحى ثم كان من عسكر أخيه يزيد بن أبى سفيان فلما احتضر أخوه بدمشق وكان نائبها لعمر استخلفه على امرة دمشق فأقرّه عليها عمر فى سنة عشرين فلم يزل متوليا على الشام عشرين سنة فلما أسلم اليه الحسن الخلافة اجتمع له الامر وبعث نوّابه على البلاد وذلك فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الاوّل سنة احدى وأربعين* وفى سيرة مغلطاى فى شوّال سنة احدى وأربعين ببيت المقدس وسمى هذا العامّ عام الجماعة كما مرّ فى خلافة الحسن لاجتماع الامة بعد الفرقة على خليفة واحد* وفى دول الاسلام فى سنة احدى وأربعين غزا المسلمون اطراف افريقية وغنموا وسبوا وفى سنة اثنتين وأربعين مات عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وأمه أم سعيد سلافة بنت سعد من بنى عمرو بن عوف* وفى سنة ثلاث وأربعين توفى عبد الله بن سلام بالمدينة وكان اسلامه فى أوّل قدوم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة كما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 مرّ فى الموطن الاوّل وكان اسرائيليا حبرا يكنى أبا يوسف وهو ممن شهد له النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجنة وطالت دولة معاوية وكان ملكا مهيبا حازما شجاعا جوادا حليما سيدا كانما خلق للملك يعدّ من أفراد الملوك تمت فى أيامه عدّة فتوحات وفى سنة احدى وأربعين وقيل خمس وأربعين فى خلافة معاوية ماتت أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سنة ثلاث من الهجرة وفى سنة احدى وأربعين مات لبيد بن ربيعة العامرى الشاعر الذى قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشعراء كلمة لبيد* ألا كل شئ ما خلا الله باطل* تمامه* وكل نعيم لا محالة زائل* وكان من فحول الشعراء عاش مائة وخمسين سنة وفد على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه وترك قول الشعر وله ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح وفاة عمرو بن العاص وفى سنة ثلاث وأربعين مات بمصر ليلة عيد الفطر عمرو بن العاص السهمى وكان نائبا لمعاوية عليها وفد مسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره على غزوة ذات السلاسل وهو الذى افتتح مصر وكان من دهاة العرب وأولى الحزم والرأى والمكيدة خلف أموالا عظيمة من ذلك سبعين رقبة بعير مملوءة ذهبا وكان معاوية أطلق له خراج الديار المصرية ست سنين شارطه على ذلك لما أعانه على وقعة صفين وعاش نحوا من تسعين سنة* وفى سنة أربع وأربعين عمل معاوية المقصورة بجامع دمشق وهو أوّل من عملها وكان يستنيب فى زمن ولايته من يحج وحج بالناس سنتين سنة أربع وأربعين وسنة احدى وخمسين* قال أبو الفرج حج هو بالناس سنة خمسين* وفى مورد اللطافة لما حج معاوية خرج اليه الحسن ابن على يشتكى اليه دينا فأعطاه ثمانين ألف دينار ولى نيابة المدينة لمعاوية مروان بن الحكم وحج بالناس أخو معاوية عتبة بن أبى سفيان وفى سنة أربع وأربعين وقيل اثنتين وخمسين مات أبو موسى الاشعرى واسمه عبد الله بن قيس اليمنى صاحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد استعمله على زبيد وعدن ولم يكن فى الصحابة أحسن صوتا منه بالقرآن وقد مرّ فى الموطن العاشر استماع النبىّ صلى الله عليه وسلم لقراءته وقد ولى فتح أصبهان فى أيام عمر ومناقبه جمة ودفن بمكة وقيل دفن بالنوبة على ميلين من الكوفة مروياته فى كتب الاحاديث ثلثمائة وسبعون حديثا وفى سنة أربع وأربعين توفيت زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان بالمدينة وهى أخت الخليفة معاوية وفى سنة خمس وأربعين مات زيد بن ثابت الانصارى المفرى الفرضى أحد أئمة الصحابة وكاتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم* قال الواقدى مات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين وحين قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة كان ابن احدى عشرة سنة* وقال غير الواقدى مات سنة احدى أو اثنتين وخمسين* وقال آخر مات سنة خمس وخمسين كذا فى الصفوة وفى سنة سبع وأربعين كان أوّل وقعة بين المسلمين والترك فانّ الترك تجمعوا وخرجوا فالتقاهم ابن سوار العبدى فقتل هو وعامّة جيشه وغلب الترك على بلد قيقان* وفى سنة ثمان وأربعين غزا معاوية بن أبى سفيان قبرس فيما ذكره الواقدى وقال وهو أوّل من غزا الروم كذا فى الاكتفاء* (ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب) * رضى الله عنهما وقد ذكر مولده فى الموطن الثالث فى الصفوة قال عمير بن اسحاق دخلت على الحسن قال ألقيت طائفة من كبدى وانى قد سقيت السم مرارا* وفى ذخائر العقبى ثلاث مرّات فلم أسق مثل هذه المرّة ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه فقال يا أخى من تتهم قال لم أتقتله قال نعم قال ان يكن الذى أظنّ فالله أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا والا فما أحب أن يقتل بى برىء* وفى رواية قال والله لا أقول لكم من سقانى ثم قضى رضى الله عنه* وقد ذكر يعقوب بن سفيان فى تاريخه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 أن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندى كانت تحت الحسن بن علىّ فزعموا انها سمته* مرض الحسن أربعين يوما واختلف فى وقت وفاته فقيل سنة تسع وأربعين بالمدينة قاله أبو عمرو وغيره كذا فى ذخائر العقبى وقيل مات فى ربيع الاوّل سنة خمسين بعد ما مضى من خلافة معاوية عشر سنين كذا فى الاستيعاب وقيل بل مات سنة احدى وخمسين وهو يومئذ ابن ست وقيل سبع وأربعين سنة على الخلاف منها سبع سنين مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وثلاثون سنة مع أبيه وعشر بعده وقيل مات وهو ابن خمس وأربعين سنة وغسله الحسين ومحمد والعباس بنو على بن أبى طالب ودفن بالبقيع* روى انه أوصى أن يدفن مع أمه فاطمة بالمقبرة فدفن بالمقبرة الى جنبها* قال سعيد بن محمد بن جبير رأيت قبر الحسن بن على بن أبى طالب عند فم الزقاق بين دار نبيهة بن وهب وبين دار عقيل بن أبى طالب* وروى قائد مولى عبادة قال حدّثنى الحفار لقبره قال وجدت قبرا على سبعة أذرع مشرفا عليه لوح مكتوب هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك كله ابن النجار فى أخبار المدينة وذكر انه دفن معه فى قبره ابن أخيه على بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد الباقر وابنه جعفر الصادق وقبره يعرف بقبة العباس وصلى عليه سعيد بن العاص وكان أمير المدينة قدّمه الحسين للصلاة على أخيه وقال لولا انها سنة ما قدّمتك وكانت عائشة أباحت له ان يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتها وكان سألها ذلك فى مرضه فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية* قال قتادة وأبو بكر بن جعفر مات مسموما سمته امرأته بنت الاشعث بن قيس الكندى وكان لها ضرائر كما مر* (ذكر وصيته لاخيه الحسين رضى الله عنهما) * قال أبو عمرو روينا من وجوه ان الحسن لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه يا أخى ان أباك حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الامر رجاء أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشرف لها ايضا فصرفت عنه الى عمر فلما قبض عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك انها لا تعدوه فصرفت عنه الى عثمان فلما هلك عثمان بويع له ثم نوزع حتى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شئ منها وانى والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوّة والخلافة فلا عرفنّ ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك وقد كنت طلبت الى عائشة اذا مت ان أدفن فى بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وانى لا أدرى لعله كان ذلك منها حياء فاذا أنامت فاطلب ذلك اليها فان طابت نفسها فادفنى فى بيتها وما أظنّ الا القوم سيمنعونك اذا أردت ذلك فان فعلوا فلا تراجعهم فى ذلك وادفنى فى بقيع الغرقد فان لى بمن فيه أسوة* فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة يطلب ذلك اليها فقالت نعم وكرامة فبلغ ذلك مروان فقال كذب وكذبت والله لا يدفن هناك أبدا منعوا عثمان من دفنه فى المقبرة ويريدون دفن حسن فى بيت عائشة فبلغ ذلك حسينا فدخل هو ومن معه فى السلاح فبلغ ذلك مروان فاستلام فى الحديد أيضا فبلغ ذلك أبا هريرة فقال والله ما هو الا ظلم يمنع حسن ان يدفن مع أبيه والله انه لابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق الى حسين فكلمه وناشده الله وقال له أليس قد قال أخوك ان خفت ان يكون قتال فردّنى الى مقبرة المسلمين ولم يزل به حتى فعل وحمله الى البقيع ولم يشهده يومئذ من بنى أمية الا سعيد بن العاص وكان يومئذ أميرا على المدينة قدّمه الحسين فى الصلاة عليه وقال هى السنة وخالد بن اليد بن عقبة ناشد بنى أمية ان يخلوه يشهد الجنازة فتركوه وشهد دفنه فى المقبرة ودفن الى جنب امّه فاطمة رضى الله عنهم* (ذكر أولاده) * فى الصفوة كان للحسن من الولد خمسة عشر ذكر او ثمان بنات وذكر ابن الدراع أبو بكر أحمد فى كتاب مواليد أهل البيت أنه ولد له أحد عشر ابنا وبنت عبد الله والقاسم والحسن وزيد وعمرو وعبيد الله وعبد الرحمن وأحمد واسمعيل والحسين الاثرم وعقيل وأمّ الحسن* وفى ذخائر العقبى خلف الحسن من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 الولد حسن بن حسن وعبد الله وعمرا وزيدا وابراهيم ذكره الدولابى* وفى المختصر الجامع أما أولاده فالحسن وزيد وعمرو والحسين الاثرم وطلحة وعبد الرحمن والقاسم وأبو بكر وعبد الله وهؤلاء الثلاثة قتلوا فى الطف مع الحسين والعقب للحسن وزيد دون من سواهما* ولما مات الحسن ورد البريد الى معاوية بموته فقال يا عجبا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه ودخل عليه ابن عباس فقال له يا أبا عباس احتسب الحسن لا يحزنك الله ولا يسؤك فقال أما ما أبقاك الله يا أمير المؤمنين فلا يحزننى الله ولا يسوءنى فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضا وأشياء وقال خذها واقسمها على أهلك خرجه أبو عمرو* وفى حياة الحيوان قال ابن خلكان لما مرض الحسن كتب مروان ابن الحكم الى معاوية بذلك وكتب اليه معاوية أن أقبل المطى الىّ بخبر الحسن فلما بلغ معاوية موته سمع تكبير من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية أقرّ الله عينك ما الذى كبرت لاجله فقال مات الحسن فقالت أعلى موت ابن فاطمة تكبر فقال ما كبرت شماتة ولكن استراح قلبى ودخل عليه ابن عباس فقال يا ابن عباس هل تدرى ما حدث فى أهل بيتك قال لا أدرى ما حدث الا أنى أراك مستبشرا وقد بلغنى تكبيرك فقال مات الحسن فقال ابن عباس رحم الله أبا محمد ثلاثا والله يا معاوية لا تسدّ حفرته حفرتك ولا يزيد عمره فى عمرك ولئن كنا أصبنا بالحسن فلقد أصبنا بامام المتقين وخاتم النبيين فجبر الله تلك الصدعة وسكن تلك العبرة وكان الخلف علينا من بعده* ذكر من توفى من كبار الصحابة فى زمن الحسن وفى سنة خمسين من الهجرة مات عبد الرحمن بن سمرة القرشى الامير الذى فتح سجستان وغيرها وفيها مات كعب بن مالك الانصارى الشاعر الشهير أحد الثلاثة الذين خلفوا فتيب عليهم والمغيرة ابن شعبة الثقفى وكان شهد بيعة الرضوان وكان يومئذ سياف النبىّ صلى الله عليه وسلم واقفا على رأسه وبيده سيف وكان من دهاة العرب وعقلائها وأشرافها وولى امرة العراق لعمرو فيها ماتت أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب وفى سنة احدى وخمسين مات جرير بن عبد الله البجلى وكان قد وفد على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأكرمه وأمره على طائفة وكان بديع الحسن* وعن عمر قال جرير يوسف هذه الامّة وكان طويلا جدّا نعله ذراع* ومات فيها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى ابن عم عمرو أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قبل عمرو شهد بدرا وغيرها وعاش بضعا وسبعين سنة ومات فيها عثمان بن أبى العاص الثقفى الذى ولاه النبىّ صلى الله عليه وسلم على الطائف وقد فتح على يده عدّة فتوحات وسكن البصرة وكان من فضلاء زمانه وفيها ماتت امّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم بسرف وهو محرم ودخل بها بسرف واتفق موتها بسرف وهى خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وقد مرّ فى الموطن السابع وفى سنة خمسين وقال الواقدى فى سنة اثنتين وخمسين وكذا فى المختصر الجامع غزا المسلمون الروم وغلبهم يزيد بن معاوية* قال الواقدى غزا يزيد فى خلافة أبيه معاوية بن أبى سفيان بلاد الروم فسار بالجيش الى ان نزل على مدينة قسطنطينية ومعه من الكبار أبو أيوب الانصارى وتوفى بها وصلى عليه يزيد وقبره هناك تجاه سور قسطنطينية* وقال الواقدى قبره بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم* وفى المختصر الجامع دفن فى أصل سور قسطنطينية* وقال الواقدى بلغنا ان الروم يتعاهدون قبره ويؤمّونه ويستسقون به اذا قحطوا الى اليوم* وفى المختصر الجامع فقيل للروم لقد مات رجل عظيم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقدمهم اسلاما وقد قبرناه حيث رأيتم والله لئن مس لا يضرب ناقوس بأرض العرب وبنى الروم على قبره وعلقوا عليه أربع قناديل* ثم التوفيق بين القولين أى بين كون غزوة يزيد فى سنة خمسين وبين كونها فى سنة اثنتين وخمسين أن يقال يحتمل ان يكون أحد القولين باعتبار الابتداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 والاخر باعتبار الانتهاء واتفق موت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على بن أبى طالب وحصول مثل هذه الغزوة ليزيد بن معاوية فطمع أبوه وقويت نفسه على ان يجعله ولى عهده فحج من دمشق وبالغ فى اكرام الحسين بن على وأعطاه مالا ضخما وأكرم أيضا ابن الزبير الى الغاية وعبد الرحمن بن أبى بكر بن الصدّيق رضى الله عنهم ووصلهم بالاموال وغيرها وعرّض لهم بتولية ابنه يزيد فتوقفوا ولم يجيبوا وقال له ابن أبى بكر اختر فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم أو فعل أبى بكر أو فعل عمر فالنبىّ مات وترك الناس فعمدوا الى أفضل رجل فولوه الامر وأبو بكر عند موته لم يول ولده ولا أقاربه بل تفرّس أفضل الناس فعمد اليه بالخلافة وهو عمر وأما عمر فنظر فيمن يصلح لها فوجد ستة متقاربين فجعل الامر شورى ليختاروا لهم منهم واحدا فافعل أحد هذه الصور فسكت ثم قال انى متكلم الليلة على منبر المدينة فليحذر امرؤ أن يردّ علىّ مقالتى خشية ان لا يتم قوله حتى يطير رأسه ثم انه استوى على المنبر وذكر من فضل ابنه وشجاعته وأن أهل الشام بايعوا له بالعهد ثم قال وقد بايع له هؤلاء وأشار الى ابن الزبير والى ابن أبى بكر والحسين فما جسروا أن ينطقوا فبايع أهل الحجاز فلما قاموا قالوا انا لم نبايع فلم يصدّقهم بعض الناس وسار معاوية الى الشأم من ليلته وفى سنة اثنتين وخمسين مات عمران بن حصين الخزاعى من فضلاء أصحابه ولى قضاء البصرة وكان بعثه عمر اليها ليفقههم وذكر ان الملائكة كانت تسلم عليه ومات فيها معاوية بن حديج أحد من ولى ديار مصر لمعاوية ابن أبى سفيان له صحبة وفى حدودها مات أبو بكرة الثقفى نفيع تدلى من حصن الطائف ببكرة الى النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم نزل البصرة وفى هذا الوقت مات عمرو بن حزم الانصارى الذى استعمله النبىّ صلى الله عليه وسلم على نجران وفى سنة ثلاث وخمسين توفى عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق كذا فى تاريخ اليافعى وتأخر اسلامه عن أبيه مدّة وأسلم قبل الفتح وكان شجاعا راميا قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم وفى سنة ثلاث وخمسين مات زياد بن أمية الذى استخلفه معاوية بأنه أخوه وجمع له امرة العراقين وكان أسلم فى خلافة الصدّيق ويعدّ من رجال الدهر عقلا ورأيا وشجاعة ودهاء وفصاحة وفى سنة أربع وخمسين مات حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه اسامة بن زيد الكلبى وامّه أمّ أيمن حاضنة النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد أمره النبىّ على جيش قبل موته ليغزو أطراف الشام وكان فى جيشه عمر* وفى الصفوة وكان اسامة قد سكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وادى القرى ثم نزل الى المدينة ومات فى الجرف فى آخر خلافة معاوية* قال الزهرى حمل اسامة حين مات من الجرف الى المدينة* ومات فيها بحمص ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من علماء الصحابة وجبير ابن مطعم بن عدى النوفلى أحد الاشراف ومن بنى عم النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان من حلماء قريش وسادتهم وحسان بن ثابت الانصارى شاعر النبىّ صلى الله عليه وسلم الذى كان يهجو المشركين دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهمّ أيده بروح القدس* وفيها مات حكيم بن حزام بن خويلد القرشى الاسدى من اجلة الصحابة أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه اتفق مولده فى جوف الكعبة وكان جوادا شريفا أعتق فى الجاهلية والاسلام مائتى رقبة وباع لمعاوية دارا بستين ألفا وتصدّق بها وقال كنت اشتريتها فى الجاهلية بزق خمر وقد مرّ ذكره فى الموطن الثامن وفيها مات فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو قتادة الانصارى السلمى وكان من كبار الصحابة وفى سنة أربع وخمسين غزا عبيد الله بن زياد خراسان وقطع نهر جيحون الى بخارى على الابل فكان أوّل عربى قطع النهر فافتتح بعض مملكة بخارى وصالحه أهل طبرستان على خمسمائة ألف درهم فى السنة* وفى سنة خمس وخمسين مات الامير الكبير فاتح العراق سعد بن أبى وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهرى أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 العشرة المشهود لهم بالجنة وكان يقال له فارس الاسلام* صفته* كان قصيرا غليظا ذا هامة شثن الاصابع آدم أفطس أشعر الجسد يخضب بالسواد كذا فى الصفوة وهو أوّل من رمى بسهم فى سبيل الله وكان مجاب الدعوة عاش ثلاثا وسبعين سنة أو أكثر ويقال جاوز الثمانين وهو أحد الستة الذين عينهم عمر بن الخطاب للخلافة* مروياته فى كتب الاحاديث مائتان واحد وسبعون حديثا ومات فيها أبو اليسر كعب بن عمرو الانصارى من كبار البدريين وهو الذى أسر العباس يوم بدر ومات بعد سعد وفيها مات فى الغزاة بأرض الروم مالك السرايا وكان من كبار الامراء الابطال كسروا على قبره أربعين لواء وكان صوّاما قوّاما مجاهدا وقيل بقى الى دولة عبد الملك* وفى سنة ست وخمسين ولى خراسان لمعاوية سعيد بن عثمان بن عفان فغزا سمرقند والتقى هو والصغد فاقتتلوا ثم صالحوا سعيدا وأعطوه ماتن وفيها توفيت أمّ المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية كذا فى تاريخ اليافعى وقيل فى سنة خمس وخمسين وفيها استشهد ابن عم النبىّ صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس بن عبد المطلب وكان يشبه النبىّ عليه السلام وقد ولى امرة مكة لعلى بن أبى طالب وقبره بسمرقند كما مرّ وفى سنة سبع وخمسين مات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة الدوسى وكان اماما حافظا مفتيا كبير القدر كثير الرواية وتوفيت قبله بيسير السيدة العالمة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبى بكر وهى أفقه نساء الامّة وأعلمهنّ* قال الواقدى توفيت عائشة بالمدينة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين وقال غيره سبع وخمسين سنة من الهجرة فى أيام معاوية ومدّة عمرها ثلاث وستون سنة وهو الصحيح وقيل ست وستون كذا فى الصفوة والمنتقى وفى سنة ثمان وخمسين مات شدّاد بن أوس الانصارى بالقدس وكان من العلماء الحكماء وكان يقول اللهم ان النار قد حالت بينى وبين النوم فيقوم ويصلى الى الصباح وفيها مات بمصر عقبة بن عامر الجهنى وكان من علماء الصحابة ولى امرة مصر ثم ولى غزو البحر وفى سنة تسع وخمسين غزا بالمسلمين ابن المهاجر فنزل على قرطاجنة وكثر القتل فى الفريقين وكانت ملحمة عظمى وكانت غزوة ابن المهاجر هذه مدّة عامين التقوا غير مرّة وفى سنة تسع وخمسين مات سعيد بن العاص الاموى أحد الفصحاء الاجواد والامراء الكبار ولى الكوفة وافتتح طبرستان ثم ولى امرة المدينة واعتزل فتنة الجمل وصفين وكانه رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم وفيها توفى أبو محذورة الجمحى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى تاريخ اليافعى ومات فى سنة ستين سمرة بن جندب الفزارى وعبد الله بن مغفل المزنى وكانا من بقايا الصحابة بالبصرة وكان ابن مغفل من الفقهاء العلماء* (ذكر وفاة معاوية وموضع قبره) * توفى معاوية خليفة الوقت بدمشق فى غرّة رجب وفى سيرة مغلطاى لثمان بقين من رجب سنة ستين وصلى عليه ابنه يزيد على خلاف ودفن بين باب الجابية وباب الصغير وعمره ثمان وسبعون سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام قاله ابن اسحاق كان واليا على الشام وأميرا وخليفة أربعين سنة أربع فى خلافة عمر واثنتى عشرة مدّة خلافة عثمان وقاتل عليا خمس سنين وخلص له الامر تسع عشرة سنة وثمانية أشهر* وفى تاريخ اليافعى ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وولى الملك بعد علىّ عشرين أخرى الا شهرا وكان أسلم قبل أبيه أبى سفيان وصحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكتب له وقد استشارت النبىّ صلى الله عليه وسلم امرأة فى ان تتزوّج بمعاوية فقال صلى الله عليه وسلم انه صعلوك لا مال له ثم بعد هذا القول باحدى عشرة سنة صار نائب دمشق ثم بعد الاربعين صار ملك الدنيا تحت حكمه من حدود بخارى الى القيروان من المغرب ومن أقصى اليمن الى حدود قسطنطينية وملك اقليم الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب والعراق والجزيرة وأرمينية وأذربيجان والروم وفارس وخراسان والجبال وما وراء النهر* وفى الشفاء دعا له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهم مكنه فى البلاد فنال الخلافة وكان عظيم الهيبة مليح الشكل وافر الحشمة يلبس الثياب الفاخرة والعدّة الكاملة ويركب الخيل المسوّمة وكان حليما محببا الى الرعية كثير البذل والعطاء كبير الشأن وكان نقش خاتمه لكل عمل ثواب* (ذكر أولاده وقضاته وأمرائه وكتابه وحجابه * أما أولاده فعبد الرحمن ويزيد وعبد الله وهند ورملة وصفية وعائشة* وأما قضاته فقضى له أبو عبيد الله الانصارى وعلى مصر سليم بن عنزة عشرين سنة الى ان مات معاوية* وأما أمراؤه فعمرو بن العاص أمير مصر الى ان توفى فى ليلة الفطر من سنة ثلاث وأربعين وولى عوضه أخاه عتبة بن أبى سفيان ثم مات فولى عوضه عقبة بن عامر الجهنى ثم صرفه وولى مسلمة بن مخلد الانصارى* وأما كتابه فعبيد الله بن أوس الانصارى* وأما حجابه فزيد مولاه ثم صفوان مولاه* (ذكر خلافة يزيد بن معاوية بن أبى سفيان القرشى الاموى) * أمه ميسورة بنت مخلد* حليته* كان شديد الادمة بوجهه أثر الجدرى كان أبوه قد جعله ولىّ عهده من بعده فقدم من أرض حمص وبادر الى قبر والده ثم دخل دمشق الى الخضراء وكانت دار السلطنة فخطب الناس وبايعوه بالخلافة فى رجب سنة ستين وكتب الى الاقاليم بذلك فبايعوه وامتنع من بيعته اثنان عظيمان الحسين بن علىّ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى أيام يزيد فتح مسلم بن زياد خوارزم وبخارى وماتت فى دولته أم المؤمنين أم سلمة المخزومية وكانت آخر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا* (ذكر مقتل الحسين بن على وأين قتل ومن قتله) * فى الاستيعاب لابن عبد البرّ قال أبو عمرو لما مات معاوية فى غرّة رجب سنة ستين وأفضت الخلافة الى يزيد ووردت بيعته على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلها ارسل الى الحسين بن على والى عبد الله بن الزبير ليلا وأتى بهما فقال بايعا فقالا مثلنا لا يبايع سرّا ولكننا نبايع على رؤس الناس اذا أصبحنا فرجعا الى بيوتهما وخرجا من ليلتهما الى مكة وذلك ليلة الاحد لليلتين بقيتا من رجب وأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوّالا وذا القعدة وخرج يوم التروية يريد الكوفة فكان سبب هلاكه فقتل يوم الاحد لعشر من المحرّم يوم عاشوراء سنة احدى وستين بموضع من أرض الكوفة يدعى كربلاء قرب الطف* وفى حياة الحيوان وكان قتله يوم عاشوراء فى سنة ستين ذكره أبو حنيفة فى الاخبار الطوال* وفى أسد الغابة لابن الاثير سبب قتله انه لما مات معاوية بن أبى سفيان كاتب كثير من أهل الكوفة الحسين بن على يحثونه على القدوم عليهم وكان قد امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية لما بايع له أبوه بولاية العهد* وفى الاستيعاب كان معاوية أشار بالبيعة ليزيد فى حياته وعرّض بها ولم يكشفها ولا عزم عليها الا بعد موت الحسن بن على* وفى أسد الغابة وامتنع مع الحسين عن بيعة يزيد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر ولما توفى معاوية لم يبايع حسين أيضا وسار من المدينة الى مكة فأتاه كتب أهل الكوفة وهو بمكة فاغترّ فتجهز للمسير فنهاه جماعة منهم أخوه محمد بن الحنفية وابن عمر وابن عباس وغيرهم فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وأمرنى بأمر فأنا فاعل ما أمر* وفى دول الاسلام فسار الحسين فى سبعين فارسا من أهل بيته وغيرهم* وفى أسد الغابة فلما أتى العراق وكان يزيد استعمل عبيد الله ابن زياد على الكوفة فجهز الجيوش اليه واستعمل عليهم عمر بن سعد بن أبى وقاص ووعده امارة الرى* وفى دول الاسلام فوجه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبى وقاص لقتاله فى نحو ألفى فارس فسار أميرا على الجيش فتلافوه بكر بلاء فأحاطوا به وطلبوا منه أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد فلم يرض ان ينقاد لهم ويسلم نفسه بل قاتل* وعن أبى جعفر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن على حين نزل بكر بلاء ما اسم هذه الارض قالوا كربلاء قال ذات كرب وبلاء لقد مرّ أبى بهذا المكان عند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 مسيره الى صفين وانا معه فوقف وسأل عنه فأخبر باسمه فقال ههنا محط ركابهم وههنا هراق مائهم فسئل عن ذلك فقال نفر من آل محمد ينزلون ههنا ثم أمر باثقاله فحطت فى ذلك المكان كذا فى حياة الحيوان* وعن عبد المطلب قال لما أحيط بالحسين قال ما اسم هذه الارض فقيل كربلاء فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء خرجه ابن الضحاك* (ذكر كيفية قتله) * عن عبد ربه انّ الحسين بن على لما رهقه القتال وأخذ له السلاح قال ألا تقبلون منى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين قال كان اذا جنح أحد للسلم قبل منه قالوا لا قال فدعونى أرجع قالوا لا قال فدعونى آتى أمير المؤمنين* وفى رواية قال الحسين يا عمر اختر منى احدى ثلاث خصال اما أن تتركنى أرجع كما جئت فان أبيت فسيرنى الى يزيد فأضع يدى فى يده فيحكم فىّ ما رآى فان أبيت هذه فسيرنى الى الترك فأقاتلهم حتى أموت فأرسل عمر الى ابن زياد بذلك فهمّ ابن زياد أن يسير الى يزيد فقال له شمر بن ذى الجوشن لا الا ان ينزل على حكمك فأرسل اليه بذلك فقال والله لا أفعل فأبطأ عمر عن قتله فأرسل اليه ابن زياد شمر بن ذى الجوشن فقال ان تقدّم عمر فقاتل والا فاقتله وكن أنت مكانه* وكان مع عمر قريب من ثلاثين رجلا من أهل الكوفة فقالوا يعرض عليكم ابن بنت رسول لله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصال لا تقبلون منها شيئا فتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا أخرجهما ابن بنت منيع أبو القاسم البزى* وفى دول الاسلام امتنع الحسين عن الانقياد لهم ولم يسلم نفسه بل قاتل حتى جاء سهم فى حلقه فسقط فاحتزوا رأسه فانا لله وانا اليه راجعون وذلك فى يوم عاشوراء سنة احدى وستين بأرض كربلاء بالطف وكان له سبع وخمسون سنة على الخلاف كما سيأتى ونفذوا أولاده وخدمه الى يزيد وهو بدمشق فأكرم أهله ونساءه وبعثهم الى المدينة كذا فى دول الاسلام* وفى أسد الغابة ولما قتل الحسين أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطأوا الحسين وكان عدّة من قتل مع الحسين اثنين وسبعين* وفى ذخائر العقبى قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة ستين وقيل احدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق من ناحية الكوفة ويعرف ذلك الموضع أيضا بالطف كما مرّ* (ذكر من قتله) * قتله سنان بن أنس النخعى وقيل رجل من مذحج وقيل شمر بن ذى الجوشن وكان أبرص أجهر ثم تمم عليه خولى بن يزيد الاصبحى من حمير حز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال أوقر ركابى فضة وذهبا ... فقد قتلت السيد المحببا كذا فى أسد الغابة* وقال فى الاستيعاب شعر انى قتلت الملك المحببا ... قتلت خير الناس أمّا وأبا وخيرهم اذ ينسبون نسبا وما قيل ان عمر بن سعد بن أبى وقاص قتله فلم يصح وسبب نسبته اليه انه كان أمير الخيل التى أخرجها عبيد الله بن زياد لقتاله ووعده ان ظفر به أن يوليه الرى وكان فى تلك الخيل قوم من أهل مصر وأهل اليمن* وفى حياة الحيوان كان الذى باشر قتله الشمر بن ذى الجوشن وقيل سنان بن أنس النخعى وقيل ان شمرا ضربه على وجهه فأدركه سنان فطعنه فألقاه عن فرسه فنزل خولى بن يزيد الاصبحى ليحتز رأسه فارتعدت يداه فنزل اخوه شبل بن يزيد فاحتز رأسه ودفعه الى أخيه خولى وكان أمير الجيش عبيد الله بن زياد بن أبيه من قبل يزيد بن معاوية* وفى الاستيعاب عن ابن الحنفية انه قال قتل مع الحسين فى ذلك اليوم سبعة عشر رجلا كلهم من ولد فاطمة* وعن الحسن البصرى أصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الارض يومئذ لهم شبه* وفى تاريخ اليافعى وقتل معه ولده على الاكبر وعبد الله واخوته على الاصغر ومحمد وعتيق والعباس الاكبر وابن أخيه قاسم بن الحسن وأولاد عمه محمد وعون أبناء عبد الله بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب وابناه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 عبد الله وعبد الرحمن* وفى حياة الحيوان ثم ان عبيد الله بن زياد جهز على بن الحسين ومن كان معه من حرمه بعد أن فعلوا ما فعلوا الى البغيض يزيد بن معاوية وهو يومئذ بدمشق مع الشمر بن ذى الجوشن فى جماعة من أصحابه فساروا الى ان وصلوا الى دير فى الطريق فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا مكتوبا على بعض جدرانه أترجو أمة قتلوا حسينا ... شفاعة جدّه يوم الحساب فسألوا الراهب عن السطر ومن كتبه فقال انه مكتوب ههنا من قبل ان يبعث نبيكم بخمسمائة عام وقيل ان الجدار انشق وظهر منه كف مكتوب فيه بالدم هذا السطر* ثم ساروا حتى قدموا دمشق ودخلوا على يزيد بن معاوية ومعهم رأس الحسين فرمى به بين يدى يزيد ثم تكلم شمر بن ذى الجوشن فقال يا أمير المؤمنين ورد علينا هذا يعنى الحسين فى ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستين رجلا من شيعته فسرنا اليهم وسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد لله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم عند شروق الشمس وأحطنابهم من كل جانب فلما أخذت السيوف مأخذها أخذوا يلوذون لو اذ الحمام من الصقور فما كان الا مقدار جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة تسفى عليهم الرياح زوّارهم العقبان ووفودهم الرخم* فلما سمع يزيد ذلك دمعت عيناه وقال ويحكم قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن مرجانة أما والله لو كنت صاحبه لعفوت عنه ثم قال يرحم الله أبا عبد الله ثم تمثل بقول القائل تعلق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما ثم أمر بالذرية فأدخلوا دار نسائه وكان يزيد اذا حضر غداؤه دعا على بن الحسين وأخاه عمر بن الحسين فأكلا معه ثم وجه الذرية صحبة على بن الحسين الى المدينة ووجه معه رجلا فى ثلاثين فارسا يسير أمامهم حتى انتهوا الى المدينة وكان بين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليوم الذى قتل فيه الحسين خمسون عاما* وفى بهجة المجالس انه قيل لجعفر الصادق كم تتأخر الرؤيا قال خمسون سنة لانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم رأى كانّ كلبا أبقع ولغ دمه فأوّله بانّ رجلا يقتل الحسين ابن بنته فكان الشمر بن ذى الجوشن قاتل الحسين كان أبرص فتأخرت الرؤيا بعده خمسين سنة كذا فى حياة الحيوان* (ذكر سنه) * اختلف فى سنه يوم قتل فقيل سبع وخمسون ولم يذكر ابن الدراع فى كتاب مواليد أهل البيت غيره وقال اقام منها مع جدّه عليه الصلاة والسلام سبع سنين الا ما كان بينه وبين الحسن ومع أبيه ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين وبعده عشر سنين فجملة ذلك سبع وخمسون سنة وقيل ست وخمسون سنة وخمسة أشهر كذا فى الصفوة* وفى الاستيعاب قال قتادة قتل الحسين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر* وذكر المزنى عن الشافعىّ عن سفيان بن عيينة قال قال جعفر بن محمد توفى على بن أبى طالب وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقتل الحسين بن على وهو ابن ثمان وخمسين وتوفى على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وتوفى محمد بن على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين قال وقال لى جعفر بن محمد وأنا بهذه السنة فى ثمان وخمسين سنة وتوفى فيها رحمه الله* وفى أسد الغابة ولما قتل الحسين أرسل عمر بن سعد رأسه ورؤس أصحابه الى ابن زياد فجمع الناس وأحضر الرؤس وجعل ينكت بقضيب بين ثنيتى الحسين فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له اعل بهذا القضيب فو الله الذى لا اله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم بكى فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك فو الله لولا انك شيخ قد خرفت لضربت عنقك فخرج وهو يقول أنتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم الحسين بن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم وفى ذخائر العقبى جىء برأسه الى بين يدى ابن زياد فنكته بقضيبه وقال لقد كان غلاما صبيحا ثم قال أيكم قاتله فقام رجل فقال انا قاتله فقال ما قال لكم قال لما أخذت السلاح قلت له ابشر بالنار قال أبشر ان شاء الله تعالى برحمته وشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم قال فاسودّ وجه الرجل* وفى أسد الغابة عن أمّ سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا* وعن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما هذا الدم قال هذا دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم فوجده قتل ذلك اليوم* وفى أسد الغابة قضى الله عز وجل أن قتل عبيد الله بن زياد أيضا يوم عاشوراء سنة سبع وستين قتله ابراهيم بن الاشتر فى الحرب وبعث برأسه الى المختار وبعث به المختار الى ابن الزبير فبعث به ابن الزبير الى على بن الحسين وفى أسد الغابة عن عمارة بن عمير قال لما جىء برأس بن زياد وأصحابه نضدت فى المسجد فانتهيت اليهم وهم يقولون قد جاءت فاذا حية قد جاءت تخلل الرؤس حتى دخلت فى منخر عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثا قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح أخرجه الثلاثة* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانية أحاديث* (ذكر أولاده) * فى الصفوة وله من الولد على الاكبر وعلى الاصغر وله العقب وجعفر وفاطمة وسكينة* وفى ذخائر العقبى ولد له ستة بنين وثلاث بنات على الاكبر واستشهد مع أبيه وعلى الامام زين العابدين وعلى الاصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة* قال ثم انّ اكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد لسوء سيرته وقيل كان يشرب الخمر وأبغضوه لما جرى من قتل الحسين* وفى المختصر الجامع وهاجت فتنة ابن الزبير فأخرج من كان بالمدينة من بنى أمية وأخرج عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية من مكة* وفى شفاء الغرام انّ ابن جرير ذكر فى اخبار سنة ستين من الهجرة انّ يزيد بن معاوية ولى عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالاشدق المدينة بعد أن عزل عنها الوليد ابن عقبة فى شهر رمضان* وذكر ابن الاثير مثل ما ذكره ابن جرير بالمعنى وذكر انّ عمرو بن سعيد قدم المدينة وجهز منها الى ابن الزبير بمكة أخاه عمرو بن الزبير لما بينهما من العداوة وأنيس بن عمرو الاسلمى فى جيش نحو ألفى رجل فقتل أنيس بذى طوى قتله أصحاب عبد الله بن الزبير وأسر عمرو بن الزبير فأقاد منه أخوه عبد الله بن الزبير للناس بالضرب وغيره كما صنع بهم فى المدينة حتى مات عمرو تحت السياط* وفى أيام يزيد مات بمرو صاحب النبى صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الاسلمى سنة اثنتين وستين وفيها مات بالكوفة فقيهها ومفتيها علقمة بن قيس النخعى تلميذ ابن مسعود ومات بدمشق شيخها وزاهدها أبو مسلم الخولانى من سادات التابعين وقبره بداريا وفى سنة أربع وستين فى أوّلها هلك مسلم بن عقبة الذى استباح المدينة عجل الله قصمه وكذا عجل الله بيزيد بن معاوية فمات بعد نيف وسبعين يوما منها كذا فى تاريخ اليافعى* (ذكر وفاة يزيد ومدفنه) * توفى لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل وفى سيرة مغلطاى فى ثلاث وعشرين من شهر ربيع الاوّل* وقال الحافظ سنة أربع وستين بحوران بالذبحة وذات الجنب لقد ذاب ذوبان الرصاص وحمل الى دمشق ودفن فى مقبرة الباب الصغير وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد وعمره يوم مات ثمان أو تسع وثلاثون سنة وخلافته ثلاث سنين ونقش خاتمه ربنا الله* (ذكر أولاده وقاضيه وأميره وحاجبه وكاتبه) * أما أولاده فمعاوية وخالد وأبو سفيان وعبد الله الاكبر وعبد الله الاصغر وعمر وعبد الرحمن وعتبة الاعور ومحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وأبو بكر وحرب والربيع* وأما قاضيه فأبو ادريس الخولانى وعلى مصر سعيد بن يزيد الاسدى وأما أميره على مصر فمسيلمة بن مخلد ثم توفى فولى عوضه سعيد بن يزيد الازدى* وأما حاجبه فخصى اسمه فتح وهو أوّل من اتخذ الخصيان ولم يحج فى أيام خلافته* (ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان القرشى الاموى) * يكنى أبا ليلى وكان لقبه الراجع الى الحق أمه أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن عبد شمس* وفى مورد اللطافة أمه أم خالد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه منتصف شهر ربيع الاوّل من سنة أربع وستين وهو ابن عشرين سنة على خلاف وكان خيرا من أبيه فيه دين وعقل فأقام فى الخلافة أربعين يوما وقيل أقام فيها خمسة أشهر وأياما وخلع نفسه ثم لما خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلا ثم خطب خطبة بليغة مشتملة على الثناء على الله والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نزاع جدّه معاوية هذا الامر من كان أولى به منه ومن غيره ثم ذكر أباه يزيد وخلافته وتقلد أمرهم لهوى كان أبوه فيه وسوء فعله واسرافه على نفسه وكونه غير خليق للخلافة على أمة محمد واقدامه على ما أقدم من جراءته على الله وبغيه واستحلاله حرمة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختنقته العبرة فبكى طويلا ثم قال وصرت أنا ثالث القوم والساخط علىّ اكثر من الراضى وما كنت لأتحمل آثامكم ولا يرانى الله جلت قدرته متقلدا أو زاركم وألقاه بتبعاتكم فشأنكم أمركم فخذوه ومن رضيتم به فولوه فقد خلعت بيعتى من أعناقكم والسلام فقال له مروان بن الحكم وكان تحت المنبر أسنة عمرية يا أبا ليلى فقال اغد عنى فو الله ما ذقت حلاوة خلافتكم أفأ تجرّع مرارتها ثم نزل فدخل عليه أقار به وأمه فوجدوه يبكى فقالت له أمه ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك فقال وددت والله ذلك ثم قال ويلى ان لم يرحمنى ربى ثم انّ بنى أمية قالوا لمعلمه عمر المقصوص أنت علمته هذا ولقنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علىّ وأولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال فقال والله ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علىّ فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حيا حتى مات* وتوفى معاوية بن يزيد فى جمادى الاخرة بعد خلع نفسه بأربعين ليلة وقيل تسعين وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وقيل احدى وعشرين وقيل ثمانية عشر وقيل عشرين سنة ويقال لما احتضر قيل له الا تستخلف فأبى وقال ما أصبت من حلاوتها شيئا فلم أتحمل مرارتها* وفى سيرة مغلطاى وصلى عليه الوليد بن عتبة ليكون له الامر من بعده فلما كبر طعن فمات قبل تمام الصلاة ولم يعقب ذكر ذلك كله فى حياة الحيوان وكان نقش خاتمه الدنيا غرور وصلى عليه مروان بن الحكم* وفى دول الاسلام الوليد بن عقبة بن أبى سفيان ودفن الى جنب أبيه* (ذكر خلافة عبد الله ابن الزبير بن العوّام بن خويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصى) * ويكنى أبا بكر ويكنى أيضا أبا خبيب أمه أسماء ذات النطاقين بنت أبى بكر الصدّيق وهو أول مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة وكان قد صحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو صبى وحفظ عنه أحاديث فمات النبى صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين بل تسع كذا وقع فى دول الاسلام ومورد اللطافة والرياض النضرة وغيرها يعنى ذكر خلافة عبد الله بن الزبير بعد خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية وهو الانسب بالتاريخ وأما فى حياة الحيوان وبعض كتب التواريخ فذكرت خلافة ابن الزبير بعد خلافة عبد الملك بن مروان فقال وهو السادس فخلع وقتل* وفى حياة الحيوان بويع لابن الزبير بالخلافة بمكة لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين فى أيام يزيد بن معاوية* وفى سيرة مغلطاى بويع عبد الله بن الزبير فى رابع جمادى الاخرة بالحجاز وما والاه انتهى وبايعه أهل العراق ومصر وبعض أهل الشأم وبايع خلق كثير من العرب الضحاك بن قيس الفهرى وولى دمشق فقدم اليه مروان بن الحكم مع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 خدمه وحواشيه وانضم اليه عبيد الله بن زياد وقد هرب من نيابة العراق خوفا من القتل لما فعل بالحسين ثم التقى الضحاك ومروان وكان المصاف بتل راهط بمرج دمشق فقتل خلق كثير وقتل الضحاك وفى الرياض النضرة بويع ابن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين وقيل سنة خمس وستين بعد موت معاوية بن يزيد واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان وحج بالناس ثمانى حجج وفى البحر العميق أقام عبد الله بن الزبير الحج للناس سنة ثلاث وستين قبل أن يبايع له فلما بويع له حج ثمانى حجج متوالية* وذكر صاحب الصفوة فى صفته انه كان اذا صلى كأنه عود من الخشوع قاله مجاهد وكان اذا سجد يطوّل السجود حتى ينزل العصافير على ظهره لا تحسبه الا جذعا قال يحيى بن ثابت الجذع أصل الشىء والجذعة القطعة من الجبل ونحوه* قال ابن المنكدر لو رأيت ابن الزبير يصلى كأنه غصن شجرة تصفقه الريح* وعن عمرو بن قيس عن أمّه قالت دخلت على ابن الزبير بيته وهو يصلى فسقطت حية من السقف على ابنه ثم تطوّقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت ولم يزالوا بها حتى قتلوها وابن الزبير يصلى ما التفت ولا عجل ثم فرغ بعد ما قتلت الحية فقال ما بالكم قالت زوجته رحمك الله أرأيت ان كنا هنا عليك يهون عليك ابنك* وفى المختصر الجامع بويع لابن الزبير بمكة لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين بعد أن أقام الناس بغير خليفة جماديين وأياما من رجب وبايعه أهل العراق وبايعه أهل حمص وولى ابن الحارث قنسرين وولى مصر عبد الرحمن بن عتبة بن أبى اياس وولى عبيدة بن الزبير المدينة فقدمها فأخرج منها بنى أمية فى ولاية مروان بن الحكم فخرج مروان وبنو أمية الى الشأم وأتت ابن الزبير البيعة من الامصار ما خلا فلسطين فانّ حسان بن مالك بن نجدل كان بها مخالفا على ابن الزبير وولى أخاه مصعب البصرة وولى عبد الله بن مطيع الكوفة فوثب المختار بن أبى عبيد الثقفى على الكوفة فأخذها ووجه ابن سميط الى البصرة فقتله مصعب وسار الى المختار فقتله أيضا فى سنة سبع وستين وبنى عبد الله ابن الزبير الكعبة وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابين وساواهما مع الارض يدخل من أحدهما ويخرج من الاخر وخلقوا داخل الكعبة وخارجها وهو أوّل من خلقها وكساها القباطى* وفى دول الاسلام نقض ابن الزبير الكعبة وبناها جديدا وأحكمها ووسعها بما أدخل فيها من الحجر وعلاها وعمل لها بابين وساواهما بالارض وفعل هذا لما حدثته خالته عائشة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال لولا انّ قومك حديث عهد بالكفر لنقضت الكعبة وأدخلت فيها ستة أذرع من الحجر ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه ولا لصقت بابها بالارض ففعل ذلك ابن الزبير* وفى شفاء الغرام ولى مكة عبد الله بن الزبير بعد أن لقى فى ذلك عناء شديدا سببه ان أهل المدينة لما طردوا منها عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبى سفيان وغيره من بنى أمية الا ولد عثمان بن عفان بعث اليهم يزيد مسلم بن عقبة المرى ويسمى مسرفا باسرافه فى القتل بالمدينة وبعث معه اثنى عشر ألفا فيهم الحصين بن نمير السكونى وقيل الكندى ليكون على العسكران عرض لمسلم موت فانه كان عليلا فى بطنه الماء الاصفر فأمر يزيد مسرفا اذا بلغ المدينة أن يدعو أهلها الى طاعة يزيد ثلاثة أيام فان أجابوه والا قاتلهم فاذا ظهر عليهم أباحها ثلاثا ثم يكف عن الناس ويسير الى مكة لقتال ابن الزبير* وفى حياة الحيوان فى سنة ستين دعا ابن الزبير الى نفسه بمكة وعاب يزيد بشرب الخمر واللعب والتهاون بالدين وأظهر ثلمه ومنقصته فبايع ابن الزبير أهل تهامة والحجاز فلما بلغ ذلك يزيد ندب له الحصين بن نمير السكونى وروح بن ريباع الجذامى وضم الى كل واحد جيشا واستعمل على الجميع مسلم بن عقبة المرى وجعله أمير الامراء ولما ودّعهم قال يا مسلم لا تردّن أهل الشأم عن شئ يريدونه بعدوّهم واجعل طريقك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 على المدينة فان حاربوك فحاربهم فان ظفرت بهم فأبحها ثلاثا فسار مسلم حتى بلغ المدينة فنزل الحرّة بظاهر المدينة بمكان يقال له حرّة واقم فخرج أهل المدينة وعسكروا بها وأميرهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة بن أبى عامر الراهب فدعاهم مسلم ثلاثا فلم يجيبوه فقاتلهم فغلب أهل المدينة وانهزموا وقتل أمير المدينة عبد الله بن حنظلة وسبعمائة من المهاجرين والانصار وقتل منهم معقل الاشجعى وعبد الله بن يزيد المازنى مع عبد الله بن حنظلة الغسيل وهؤلاء من الصحابة ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام وذلك فى آخر سنة ثلاث وستين* وفى شفاء الغرام قتل من أولاد المهاجرين ثلثمائة نفر وجماعة من الصحابة وكانت الوقعة بمكان يقال له حرّة واقم كما سبق لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة ثم سار مسلم الى مكة لقتال ابن الزبير ولما كان بالمشلل مات ودفن بثنية المشلل ثم نبش وصلب هناك وكان يرمى كما يرمى قبر أبى رغال دليل أبرهة المدفون بالمغمس والمشلل على ثلاثة اميال من قديد بينهما خيمتى أم معبد وقيل مات بثنية هرشى بفتح أوّله وسكون ثانيه مقصورة على وزن فعلى هضبة ململمة فى بلاد تهامة لا تنبت شيئا على ملتقى طريقى الشأم والمدينة وهى من الجحفة يرى منها البحر والطريق من جنبتيها كذا فى معجم ما استعجم* قال الشاعر خذا بطن هرشى أوقفاها فانه ... كلا جانبى هرشى لهنّ طريق ومات مسلم بن عقبة بعد أن قدّم على عسكره الحصين بن نمير فسار الحصين بالعسكر حتى بلغ مكة لاربع بقين من المحرّم سنة أربع وستين وقد اجتمع على ابن الزبير أهل مكة والحجاز وغيرهم وانضم اليه من انهزم من أهل المدينة وكان قد بلغه خبر أهل المدينة وما وقع لهم مع مسلم هلال المحرم سنة أربع وستين مع المسور بن مخرمة فلحقه منه أمر عظيم واعتدّ هو وأصحابه واستعدوا للقتال وقاتلوا الحصين أياما وتحصن ابن الزبير وأصحابه فى المسجد حول الكعبة وضرب أصحاب ابن الزبير فى المسجد خياما ورفافا يكتنون بها من حجارة المنجنيق ويستظلون بها من الشمس وكان الحصين بن نمير على أبى قبيس وعلى الاحمر وكان يرميهم بالحجارة وتصيب الحجارة الكعبة فوهنت* وفى الوفاء حاصر مكة أربعة وستين يوما جرى فيها قتال شديد ودقت الكعبة بالمجانيق يوم السبت ثالث ربيع الاوّل وأخذ رجل قبسا فى رأس رمح فطارت به الريح فاحترق البيت* وفى أسد الغابة فى هذا الحصر احترقت الكعبة واحترق فيها قرن الكبش الذى فدى به اسمعيل بن ابراهيم الخليل وكان معلقا فى الكعبة ودام الحرب بينهم الى ان فرّج الله عن ابن الزبير وأصحابه بوصول نعى يزيد بن معاوية ومات يزيد فى منتصف ربيع الاوّل سنة أربع وستين وكان وصول نعيه ليلة الثلاثاء لثلاث مضين من شهر ربيع الاخر سنة أربع وستين وكان بين وقعة الحرّة وبين موته ثلاثة أشهر وقال القرطبى دون ثلاثة أشهر وبلغ نعيه ابن الزبير قبل ان يبلغ الحصين وبعث الى الحصين من يعلمه بموت يزيد ويحسن له ترك القتال ويعظم عليه أمر الحرم وما أصاب الكعبة فمال الى ذلك وأدبر الى الشام لخمس ليال خلون من ربيع الاخر سنة أربع وستين بعد ان اجتمع بابن الزبير فى الليلة التى تلى اليوم الذى بلغه فيه نعى يزيد وسأل ابن الزبير أن يبايع له هو ومن معه من أهل الشام على أن يذهب معهم ابن الزبير الى الشام ويؤمّن الناس ويهدر الدماء التى كانت بينه وبين أهل الحرم فأبى ابن الزبير ذلك* وفى حياة الحيوان تحصن منه ابن الزبير بالمسجد الحرام ونصب الحصين المنجنيق على أبى قبيس ورمى به الكعبة المعظمة فبيناهم كذلك اذ ورد الخبر على الحصين بموت يزيد بن معاوية فأرسل الى ابن الزبير يسأله الموادعة فأجابه الى ذلك وفتح الابواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت فبينا الحصين يطوف ليلة بعد العشاء اذ استقبله ابن الزبير فأخذ الحصين بيده وقال له سرّ اهل لك فى الخروج معى الى الشام فأدعو الناس الى بيعتك فان أمرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 قد مرج ولا أرى أحدا أحق بها اليوم منك ولست أعصى ههنا فاجتبذ ابن الزبير يده من يده وقال وهو مجهر بقوله دون أن اقتل بكل واحد من أهل الحجاز عشرة من أهل الشام فقال الحصين كذب الذى قال انك من دهاة العرب أكلمك سرا وتكلمنى علانية وأدعوك الى الخلافة وتدعونى الى الحرب ثم انصرف بمن معه من أهل الشام* وقيل بايعه الحصين ثم بايعه أهل الحرمين وجرت فتن كبار واقتتل الناس على الملك بالشام والعراق والجزيرة بعد موت يزيد وبايع أهل دمشق بعد يزيد ولده معاوية بن يزيد وقيل بويع لابن الزبير بعد رحيل الحصين بالخلافة بالحرمين ثم بويع بها فى العراق واليمن وغير ذلك حتى كاد الامر أن يجتمع عليه فولى فى البلاد التى بويع له فيها العمال وفى شوّال سنة سبع وستين كان طاعون الجارف وهو طاعون كان فى زمن ابن الزبير مات فى ثلاثة أيام فى كل يوم سبعون ألفا ومات فيه لانس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا ومات لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ابنا* وفى الصحاح الجرف الاخذ الكثير وقد جرفت الشىء أجرفه بالضم جرفا أى ذهبت به كله أوجله وجرفت الطين كسحته ومنه سمى المجرفة والجرف أو الجرف مثل عشر وعشر ما تجرفته السيول وأكلته من الارض ومنه قوله تعالى على شفا جرف هار والجارف الموت العام يجترف مال القوم* قال أبو الحسن المداينى الطواعين المشهورة العظام فى الاسلام خمسة طاعون شيرويه بالمدائن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة ثم طاعون عمواس فى عهد عمر بن الخطاب بالشام سنة ثمان عشرة مات فيه خمسة وعشرون ألفا منهم أبو عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل* وعن الحارث ابن عمير قال طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الاشعرى فى يوم واحد ثم طاعون الجارف فى زمن ابن الزبير وقد سبق ذكره ثم طاعون الفتيات فى شوّال سنة سبع وثمانين سمى طاعون الفتيات لانه بدأ فى العذارى بالبصرة وواسط والشام والكوفة ويقال له طاعون الاشراف ثم طاعون سنة احدى وثلاثين ومائة فى رجب واشتدّ فى رمضان فكان يحصى فى سكة المريد فى كل يوم ألف جنازة ثم خف فى شوّال وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين وفيه توفى المغيرة بن شعبة هذا آخر كلام المداينى وفيه بعض كلام غيره قال ولم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون كذا فى أذكار النووى* وفى المختصر ولم يزل ابن الزبير يقيم للناس الحج من سنة أربع وستين الى سنة اثنتين وسبعين ولما ولى عبد الملك بن مروان فى سنة خمس وستين منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبير وكان يأخذ الناس بالبيعة له اذا حجوا فضج الناس لما منعوا الحج فبنى عبد الملك الصخرة وكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها ويقال ان ذلك كان سببا للتعريف فى مسجد بيت المقدس ومساجد الامصار* وذكر الحافظ فى كتاب نظم القرآن انّ أوّل من سنّ التعريف فى مساجد الامصار عبد الله بن عباس* (ذكر مقتل ابن الزبير) * يروى انّ عبد الملك ابن مروان بعث الحجاج فى سنة اثنتين وسبعين الى ابن الزبير وكان الحجاج لما وصل من عند عبد الملك نزل الطائف فكان يبعث منه خيلا الى عرفة ويبعث ابن الزبير خيلا الى عرفة فيقتتلون بها فتهزم خيل ابن الزبير وتعود خيل الحجاج بالظفر ثم استأذن الحجاج عبد الملك فى منازلة ابن الزبير فأذن له فنزل الحجاج بئر ميمون ومعه طارق بن عمرو مولى عثمان وكان عبد الملك قد أمدّ الحجاج بطارق لما سأله النجدة أى الشجاعة والحرب على ابن الزبير فقدم طارق فى ذى الحجة ومعه خمسة آلاف وكان مع الحجاج ألفان وقيل ثلاثة آلاف من أهل الشام فحاصروه وكان ابتداء حصار الحجاج ليلة هلال ذى القعدة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة* وفى أسد الغابة حصاره أوّل ليلة من ذى الحجة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة وذكر القولين فى الرياض النضرة حج الحجاج بالناس تلك السنة ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر ولم يطوفوا بالبيت ولا بين الصفا والمروة ونصب الحجاج منجنيقا على جبل أبى قبيس كذا فى أسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 الغابة وحاصره ستة أشهر وسبع عشرة ليلة على ما ذكر ابن جرير ورمى به أحث الرمى وألحّ عليه بالقتال من كل جانب وحبس عنهم الميرة وحصرهم أشدّ الحصار وكان يرمى بالمنجنيق من أبى قبيس فيصيب الكعبة حجارة المنجنيق لكون ابن الزبير مكتنا بالمسجد* وفى نهاية ابن الاثير أن ابن الزبير كان يصلى فى المسجد الحرام وأحجار المنجنيق تمرّ على أذنه وما يلتفت كانه كعب راتب أى منتصب* وفى زبدة الاعمال وبعض المناسك روى انّ الحجاج بن يوسف نصب المنجنيق على أبى قبيس ورمى الكعبة بالحجارة والنيران حتى تعلقت بأستار الكعبة واشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدّة مرتفعة يسمع منها الرعد ويرى فيها البرق واستوت فوق الكعبة والمطاف فأطفأت النار وسال الميزاب فى الحجر ثم عدلت الى أبى قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت منجنيقهم قدر كوّة وأحرقت تحته أربعة رجال فقال الحجاج لا يهولنكم هذا فانها أرض صواعق فأرسل الله صاعقة أخرى فأحرقت المنجنيق وأحرقت معه أربعين رجلا وذلك فى سنة ثلاث وسبعين فى أيام عبد الملك بن مروان فأمسك وكتب بذلك الى عبد الملك ووهى البيت بسبب ما أصابه من حجارة المنجنيق ثم هدم الحجاج بأمر عبد الملك ما زاد ابن الزبير فى الكعبة وبناه* وعن هشام بن عروة قال لما كان قبل قتل ابن الزبير بعشرة أيام دخل على أمّه أسماء وهى شاكية فقال لها كيف تجدينك يا أماه قالت ما أجدنى الاشاكية فقال لها ان فى الموت لراحة فقالت لعلك تمنيته لى ما أحب ان أموت حتى يأتى عليك أحد طرفيك اما قتلت فأحتسبك واما ظفرت بعدوّك فقرّت عينى قال عروة فألتفت الى عبد الله فأضحك ولما كان اليوم الذى قتل فيه دخل على أمّه أسماء فقالت له يا بنى لا تقبلنّ منهم خطة تخاف على نفسك الذل مخافة القتل فو الله لضربة بسيف فى عز خير من ضربة بسوط فى ذلك فأتاه رجل من قريش فقال ألا نفتح لك الكعبة فتدخلها فقال عبد الله من كل شئ تحفظ أخاك الا من حتفه والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم وهل حرمة المسجد الا كحرمة البيت قال ثم شدّ عليه أصحاب الحجاج فقال عبد الله أين أهل مصر قالواهم هؤلاء من هذا الباب لاحد أبواب المسجد فقال لاصحابه اكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عنى قال فأقبل الرعيل الاوّل فحمل عليهم وحملوا معه وكان يضرب بسيفين فلحق رجلا فضربه فقطع يديه فانهرموا وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد ثم دخل عليه أهل حمص فشدّ عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد ثم دخل عليه أهل الاردن من باب آخر فقال من هؤلاء فقيل أهل الاردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد ثم انصرف فأقبل عليه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه فنكسر رأسه وفى الصفوة فأصابته آجرة فى مفرقه ففلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تفطر الدما وفى الرياض النضرة ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه ومواليه جميعا ولما قتل كبر عليه أهل الشام فقال عبد الله بن عمر المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل وفى الرياض النضرة روى انه لما اشتدّ الحصار بابن الزبير قامت أمّه أسماء يوما فصلت ودعت وقالت اللهمّ لا تخيب عبد الله بن الزبير وارحم ذلك السجود والتحنث والظمأ فى تلك الهواجر وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة أو ست عشرة ليلة خلت من جمادى الاولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وهو ابن اثنتين أو ثلاث وسبعين سنة كذا أخرجه صاحب الصفوة* وفى أسد الغابة فلم يزل الحجاج يحاصره الى ان قتله فى النصف من جمادى الاخرة سنة ثلاث وسبعين ولم يقتل الا بعد أن لم يبق معه من أصحابه الا اليسير لميلهم عنه الى الحجاج وأخذهم الامان منه وكان ممن فعل ذلك ابناه حمزة وخبيب ولما قتل صلب بعد قتله منكسا على الثنية اليمنى بالحجون وبعث برأسه لعبد الملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 ابن مروان فطيف به فى البلدان* وفى كتاب القرى حمل رأسه الى المدينة ثم الى خراسان وماتت أمّه أسماء بنت أبى بكر بعده بأيام ولها مائة سنة وقد كف بصرها* وقال يعلى بن حرملة دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بثلاثة أيام وهو مصلوب فجاءت أمّه امرأة كبيرة طويلة عجوزة مكفوفة البصر تقاد فقالت للحجاج أما آن لهذا الراكب أن ينزل فقال لها الحجاج المنافق فقالت لا والله ما كان منافقا ولكنه كان صوّاما قوّاما وصولا قال انصرفى فانك عجوزة قد خرفت قالت لا والله ما خرفت ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج من ثقيف كذاب ومبير أما لكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت* قال أبو عمرو الكذاب فيما يقولون المختار بن أبى عبيد الثقفى* وعن أبى نوفل معاوية بن مسلم قال رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة مكة قال فجعلت قريش والناس يمرّون عليه حتى مرّ عبد الله بن عمر فوقف عليه وقال السلام عليك أبا خبيب ثلاثا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ثلاثا أما والله ان كنت ما علمت صوّاما قوّاما وصولا للرحم أما والله لامّة أنت شرها لامّة سوء يعنى أهل الشام كانوا يسمونه ملحدا منافقا الى غير ذلك* وفى رواية لامّة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله فأرسل اليه وأنزله عن جذعه فألقى فى قبور اليهود أورده فى المشكاة والرياض النضرة* وعن أبى مليكة قال لما أنزل عبد الله دعت أمّه أسماء بمركن وأمرت بغسله فكنا لا نتتاول عضوا الاجاء معنا وكنا نغسل العضو ونضعه فى أكفانه حتى فرغنا ثم قامت فصلت عليه وكانت تقول اللهمّ لا تمتنى حتى تقرّ عينى بجنبه فما أتت عليها جمعة حتى ماتت أخرجه أبو عمرو قال ثم أرسل الحجاج الى أمه أسماء بنت أبى بكر فابت ان تأتيه فأعاد عليها الرسول اما تأتينى أو لأبعثن اليك من يقودك أو يسحبك بقرونك فأبت وقالت والله لا آتيك حتى تبعث الىّ من يسحبنى بقرونى قال الحجاج أرونى سبتيتىّ فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف أى يتبختر حتى دخل عليها فقال كيف رأيتنى صنعت بعدوّ الله فقالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغنى انك تقول له يا ابن ذات النطاقين انا والله ذات النطاقين أمّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبى بكر من الدواب وأما الاخر فنطاق المرأة التى لا تستغنى عنه أما انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان فى ثقيف كذابا ومبيرا فاما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا أخالك الا اياه فقام عنها ولم يراجعها* مروياته فى الكتب ثلاثة وثلاثون حديثا وهو أحد العبادلة الاربعة* فى القاموس العبادلة من الصحابة مائتان وعشرون واذا أطلقوا أرادوا أربعة عبد الله بن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو بن العاص وليس منهم ابن مسعود كما توهمه الجوهرى* (ذكر أولاده وقاضيه وكاتبه وأميره وحاجبه) * أما أولاده فعبد الله وحمزة وخبيب وثابت وعباد وقيس وعامر وموسى وأما قاضيه فعابس بن سعيد وكاتبه زمل بن عمرو وكان أميره على مصر عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم وكان يحجبه مولاه عنتر* (ذكر خلافة مروان بن الحكم بن أبى العاص) * بن أمية بن عبد شمس القرشى الاموى يقال له ابن الطريد لانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد أباه الحكم الى بطن وج وفى حياة الحيوان طرده الى الطائف* وفى المختصر كان الحكم أبو مروان عليه فى اسلامه طعن وكان اظهاره الاسلام يوم فتح مكة وكان يمرّ خلف رسول الله فيغمز بعينه ويجلح بأنفه فبقى على ذلك التجليح وأصابته خبلة فقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الانصارى انّ اللعين أتاك فارم عطافه ... ان ترم ترم مجلحا مجنونا يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا واطلع الحكم ذات يوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض حجر نسائه فخرج اليه يعيره وقال من عذيرى من هذه الوزغة وكان يفشى حديث رسول الله وسرّه فلعنه وسيره الى الطائف ومعه عثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 الازرق والحارث وغيرهما من بنيه وقال لا يساكننى فلم يزل طريدا حتى ردّه عثمان بن عفان الى المدينة وكان ذلك مما نقم عليه أيضا* قال الواقدى استأذن الحكم بن أبى العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له لعنه الله ومن خرج من صلبه الا المؤمنين وقليل ما هم يشرفون فى الدنيا ويتضعون فى الاخرة* وفى دول الاسلام وكان مروان قد لحق النبى صلى الله عليه وسلم وهو صبى وولى نيابة المدينة مرّات وهو قاتل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة وكان كاتب السرّ لعثمان وبسببه جرى على عثمان ما جرى* وفى مورد اللطافة كان مولد مروان بمكة بعد عبد الله ابن الزبير بأربعة أشهر* قال المداينى كان مروان من رجال قريش وكان من أقرأ الناس القرآن وكان يقول ما أخللت بالقرآن قط وانى لم آت الفواحش والكبائر قط قالوا وكان مروان يلقب بخيط باطل لدقته وطوله شبه بالخيط الابيض الذى يرى فى الشمس قال الشاعر لعمرى ما أدرى وانى لسائل ... حليلة مضروب القنا كيف يصنع لحى الله قوما امّروا خيط باطل ... على الناس يعطى ما يشاء ويمنع وفى المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف انه قال كان لا يولد لاحد ولد الا أتى به النبى صلى الله عليه وسلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون ثم قال صحيح الاسناد وكان اسلام الحكم يوم فتح مكة ومات فى خلافة عثمان كما مر* وفى مورد اللطافة سار مروان بعد قتل عثمان مع طلحة والزبير يطلبون بدم عثمان يوم وقعة الجمل وقاتل يومئذ أشدّ القتال ولما رأى الهزيمة عليهم رمى طلحة بسهم فقتله غدرا وهو فى عسكره والتفت الى أبان بن عثمان وقال له قد كفيتك بعض قاتلى أبيك وانهزم مروان من وقعة الجمل وقد أصابته جراحات فحمل وتداوى ثم اختفى وأمّنه علىّ فقدم عليه فلما مات معاوية أرسله يزيد يوم وقعة الحرّة مع مسلم بن عقبة وحرّضه على أهل المدينة ثم تزوّج مروان أم خالد بن يزيد بن معاوية آمنة بنت علقمة وقيل فاختة بنت هاشم كذا فى سيرة مغلطاى بعد موت يزيد وكان يجلس مع خالد بن يزيد فدخل عليه خالد فى بعض الايام فزبره مروان وقال له تنح يا ابن رطبة الاست والله مالك عقل فقام خالد عنه ودخل على أمه وذكر لها مقالته فأضمرت أمه السوء لمروان ثم دخل عليها مروان فقال لها هل قال لك خالد شيئا فأنكرت فنام عندها مروان فوثبت هى وجواريها فعمدت الى وسادة فوضعتها على وجهه وغمرته هى والجوارى حتى مات ثم صرخن وقلن مات فجأة وذلك فى أوّل شهر رمضان وقيل فى ربيع الاخر سنة خمس وستين بدمشق وقيل انه مات فجأة وقيل مطعونا وقيل مسموما فى نصف رمضان وكان مروان فقيها عالما أديبا كاتبا لعثمان بن عفان وهو كان من أعظم الاسباب فى زوال دولة عثمان وكانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرّفه فى الامور بويع لمروان بالخلافة فى الجابية فى رجب سنة أربع وستين* وفى مورد اللطافة بويع له بعد خلع معاوية بن يزيد وقيل بعد خلع خالد بن يزيد ولقب المؤتمن بالله* وفى مورد اللطافة أيضا ثبت مروان على الخلافة من غير عهد ولا مشورة ثم سار الى دمشق بعد أن قتل الضحاك بن قيس وأطاعه اكثر امراء الشأم ثم عبى جيوشه وسار الى ديار مصر فى سنة خمس وستين فصالحه أهلها وأعطوه الطاعة فاستولى عليهم ثم جدّدت له البيعة* وفى تاريخ اليافعى فى سنة خمس وستين توجه مروان الى مصر فتملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز فبايعوه فى ذى القعدة من السنة ورجع الى الشأم وكان سلطانه بالشأم ومصر فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم وقعدت هى وجواريها فوقها حتى مات كذا فى دول الاسلام وقد مرّ تفصيله* وصلى عليه ابنه وولىّ عهده عبد الملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وقال المداينى صلى عليه عبد الرحمن بن أم الحكم وكان خليفته بدمشق* قال الواقدى قبض النبى عليه السلام ومروان بن ثمان سنين ومات بدمشق سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة كذا فى المختصر وغيره وكان عمره يوم مات ثلاثا وستين سنة وخلافته منذ تجدّدت له البيعة عشرة أشهر* وفى مورد اللطافة نحو تسعة أشهر وكذا فى سيرة مغلطاى وقيل اكثر من ذلك وتخلف بعده ابنه عبد الملك وكان نقش خاتمه الله ثقتى ورجائى* (ذكر أولاده) * كان له من الولد عبد الملك ومعاوية وعبيد الله وعبد الله وأبان وداود وعبد العزيز وعبد الرحمن وأم عثمان وأم عمرو وعمرو وبشر ومحمد وكان قاضيه أبو ادريس الخولانى وحاجبه أبو اسماعيل مولاه* (ذكر خلافة عبد الملك ابن مروان) * وكان يلقب برشح الحجر لبخله وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبى العاص وهو أول من سمى عبد الملك فى الاسلام* (صفته) * كان أبيض طويلا أعين رقيق الوجه أفوه مفتوح الفم مشبك الاسنان بالذهب وكان حازما فى الامور لا يكلها الى أحد وكان قبل الخلافة متعبدا ناسكا عالما فقيها واسع العلم حتى قيل كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة ابن ذؤيب وعبد الملك بن مروان كذا فى المختصر ولما هلك أبوه فى رمضان سنة خمس وستين بايعه أهل الشأم ومصر بالخلافة وتمكن ابن الزبير وبايعه أهل الحرمين واليمن والعراق وخراسان واستناب على العراق وما يليه أخاه مصعب بن الزبير وتفرّقت الكلمة وبقى فى الوقت خليفتان اكبرهما ابن الزبير ثم لم يزل عبد الملك الى أن ظفر بالزبير وقتله فى سنة ثلاث وسبعين بعد حروب عظيمة* فأوّلها انه تجهز فى جيشه وسار من دمشق الى العراق فبرز لحربه نائبها مصعب بن الزبير فالتقى الجمعان والتحم الحرب فخامر على مصعب جيشه وكان عبد الملك قد كاتبهم ووعدهم بأمور فبقى مصعب فى نفر يسير وقاتل أشدّ القتال ولا زال كذلك حتى قتل فاستولى حينئذ عبد الملك على العراق وخراسان واستناب أخاه بشر بن مروان ورجع بجيشه الى دمشق ثم جهز جيشا عليهم الحجاج بن يوسف الثقفى لحرب بن الزبير فساروا وضايقوه وحاصروه ونصبوا المنجنيق وكان ابن الزبير قد نقض الكعبة وبناها كما ذكرنا وكان يضرب بشجاعته المثل كان رضى الله عنه وحده يحمل على عسكر الحجاج فيهزمهم ويخرجهم من أبواب المسجد وقاتلهم أربعة أشهر فاتفق انه حمل عليهم يوما فسقط على رأسه شرّافة من شراريف المسجد فخرّ منها فبادروا اليه واحتزوا رأسه وأمر الحجاج بصلب جسده وقد مرّ* وفى سنة أربع وستين قتل النعمان بن بشير الانصارى من صغار الصحابة وقد ولى نيابة حمص فلقيته خيل مروان بقرية حمص فقتلوه ومات بالطاعون بالشام فى ذلك العام الوليد بن عتبة بن أبى سفيان بعد أن صلى على معاوية بن يزيد وكانوا قد عينوه للخلافة وكان جوادا ممدحا دينا ولى المدينة غير مرّة لعمه معاوية فلما جاءته البيعة ليزيد أشار عليه مروان بقتل ابن الزبير والحسين ان لم يبايعوه فامتنع من ذلك ديانة* وفى سنة خمس وستين سار سليمان بن صرد الخزاعى والمسيب بن نجية الاميران فى أربعة آلاف يطلبون بثار الحسين وقصدوا عبيد الله بن زياد وكان مروان قد وجهه ليأخذ له العراق فى ثلاثين ألف فارس فالتقوا فقتل الاميران ولسليمان صحبة وكان المسيب من كبراء أصحاب علىّ وكانت الوقعة بالجزيرة وفيها مات عبد الله بن عمرو بن العاص السهمى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه وكان واسع العلم عاقلا صالحا متعبدا يلوم أباه على أفاعيله وقيامه مع معاوية* مروياته فى كتب الاحاديث سبعمائة حديث ومات فى سنة ست وستين جابر بن سمرة الثوائى أحد أصحابه الذين نزلوا الكوفة ومات فيها أو بعدها زيد بن أرقم الانصارى بالكوفة من أهل بيعة الرضوان وقال غزوت مع النبىّ صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة وكان المختار بن أبى عبيد الثقفى الكذاب قد ظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 بالعراق والتفت عليه الشيعة وكان يدّعى أن جبريل ينزل عليه فجهز ابراهيم بن الاشتر النخعى فى ثمانية آلاف فى سنة ست وستين لقتال عبيد الله بن زياد فالتقى الجمعان فقتل عبيد الله وقتل معه من الامراء حصين بن نمير السكونى وشرحبيل بن ذى الكلاع وكان المصاف بنواحى الموصل وتمزق فى الوقعة أكثر عسكر الشأم وكانوا أربعين ألفا وغلب على الكوفة المختار واباد قتلة الحسين كعمر بن سعد بن أبى وقاص وشمر بن ذى الجوشن وخرج نجدة الجرورى باليمامة فى جمع فأتى البحرين وقاتل أهلها ثم حج فوقف بجمعه وحده بعرفة ووقف ابن الزبير بالناس ووقف ابن الحنفية بجيشه الذين أتوا من العراق وحده فتواعدوا الحرب حتى ينقضى الحج والموسم ومات فى سنة سبع وستين عدى بن حاتم الطائى صاحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان يقول ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت الا وانا على وضوء وكان أبوه يضرب به المثل فى السخاء ولما بعث ابن الزبير أخاه مصعبا على العراق انضم اليه جيش البصرة فجاء وضايق المختار الكذاب حتى ظفر به وقتله وقتل بينهما سبعمائة أو أكثر* وفاة عبد الله بن عباس ومات فى سنة ثمان وستين عالم الامة الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم ان يؤتيه الله العلم مرّتين فكان اعلم أهل زمانه وقد ولى نيابة البصرة لابن عمه علىّ وأضرّ فى آخر عمره ومات بالطائف وله احدى وتسعون سنة وقبره بها يزار وقتل فى سنة ثمان وستين نجدة الحرورى وفى سنة تسع وستين كان طاعون الجارف بالبصرة* قال المدائنى حدّثنى من أدرك ذلك قال كان ثلاثة أيام فمات فيها نحو مائتى ألف نفس* وقال غيره مات فى طاعون الجارف لانس من أولاده وأولادهم سبعون نفسا وقيل مات فى الجارف لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ولدا وقل الناس وعجز من بقى عن دفن الموتى وكانت الوحوش تدخل الازقة وتأكلهم* ومات لصدقة المازنى فى يوم واحد سبعة بنين فقال اللهم انى مسلم فلما كان يوم الجمعة بقى الجامع يصفر لم يحضر للصلاة سوى سبعة أنفس وامرأة فقال الخطيب ما فعلت تلك الوجوه فقالت المرأة تحت التراب* وفى سنة سبعين سار عبد الملك بجيوشه الى العراق ليملكها فوثب بدمشق عمرو بن سعد بن العاص الاشدق الاموى ودعا الى نفسه بالخلافة واستولى على دمشق فرجع اليه عبد الملك ولاطفه وراسله وحلف له أن يكون الخليفة بعد عبد الملك وأن يكون مهما شاء حكم وفعل فاطمأنّ وفتح البلد لعبد الملك ثم ان عبد الملك غدر به وذبحه* وفيها مات عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى ولد فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو جدّ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لامه* هدم قصر الامارة بالكوفة وفى سنة احدى وسبعين قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير أخا عبد الله بن الزبير وهدم قصر الامارة بالكوفة* وسببه أنه جلس ووضع رأس مصعب بين يديه فقال له عبد الملك بن عمير يا أمير المؤمنين جلست أنا وعبد الله بن زياد فى هذا المجلس ورأس الحسين بين يديه ثم جلست أنا والمختار بن أبى عبيد فاذا رأس عبيد الله بن زياد بين يديه ثم جلست أنا ومصعب هذا فاذا رأس المختار بين يديه ثم جلست مع أمير المؤمنين فاذا رأس مصعب بين يديه وأنا أعيذ أمير المؤمنين من شرّ هذا المجلس فارتعد عبد الملك وقام من فوره فأمر بهدم القصر* ومات فى سنة اثنتين وسبعين الامير أبو بحر الاحنف بن قيس اليمنى أحد أشراف العرب وحلمائها بالبصرة وله سبعون سنة أو اكثر قد سمع من عمر وغيره* ومات فى سنة ثلاث وسبعين عوف بن مالك الاشجعى صاحب النبى صلى الله عليه وسلم وقد غزا بالمسلمين أرض الروم ولما قتل فيها ابن الزبير استقل بالخلافة فى الدنيا عبد الملك بن مروان وناب له على الحرمين الحجاج الظالم الغاشم فنقض ما زاد ابن الزبير فى الكعبة وضيقها وسدّ بابها الغربى وعلى الباب الشرقى* وفى سنة أربع وسبعين مات من الصحابة رافع بن خديج الانصارى وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الفقيه أحد الكبار وكان قد عين للخلافة يوم الحكمين فى زمن على رضى الله عنهم وفيها مات سلمة بن الاكوع الاسلمى آحد من بايع تحت الشجرة وكان بطلا شجاعا راميا محسنا يسبق الفرس العربية عدوا وأبو حجيفة السوائى وهب الخير من صغار الصحابة وفى هذا الوقت مات مقرى العراق أبو عبد الرحمن السلمى عبد الله بن حبيب بالكوفة قرأ على عثمان وعلى ابن مسعود وأقرأ الناس أربعين سنة وفى سنة خمس وسبعين مات الاسود بن يزيد النخعى صاحب ابن مسعود بالكوفة وكان رأسا فى العلم والعمل قيل كان يصلى فى اليوم والليلة ستمائة ركعة ومات بالشام العرباض بن سارية السلمى أحد أصحاب الصفة الاخيار البكائين وأبو ثعلبة الخشنى وكان ممن شهد فتح خيبر وحج فيها أمير المؤمنين عبد الملك أوّل ضرب الدنانير فى الاسلام وفيها ضربت الدراهم والدنانير وهى أول ما ضرب فى الاسلام وانما كانت قبل ذلك رومية وكسروية* وفى المختصر الجامع وهو أول من نقش الدراهم والدنانير بالعربية أمر بنقشها وكتب عليها قل هو الله أحد وكان عليها قبل ذلك كتابة بالرومية وعلى الدراهم بالفارسية* ومات بالبصرة بشر أخو الخليفة ونائب العراقين وكان جوادا ممدحا جميلا فبعث عبد الملك موضعه الحجاج الظالم فعسف وسفك الدماء* ومات بمصر قاضيها وواعظها وزاهدها سليم بن عنز البختى وكان قد حضر خطبة عمر بالجابية* ومات بالكوفة قاضيها شريح وكان من سادة القضاة حكم بها من دولة عمر رضى الله عنه* وافتتح عبد الملك مدينة هرقلة من أقصى بلاد الروم واستفحل أمر الخوارج وعليهم الامير شبيب بن يزيد بالعراق والاهواز وكان شبيب فردا فى الشجاعة قاتلوه عند جسر وحيل فلما غدا فوقه قطع الجسر فغرق شبيب وكان فى مائتى نفس يلتقى الالفين فيهزمهم ويبذعر فئتهم* وفى سنة ثمان وسبعين مات صاحب النبى صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله الانصارى بالمدينة بعد أن ذهب بصره كذا فى الصفوة وكان عالما مفتيا كبير القدر شهد ليلة العقبة مع أبيه وشهد غزوة الاحزاب وعاش أربعا وتسعين سنة وروى علما كثيرا* مروياته فى كتب الاحاديث ألف وخمسمائة وأربعون حديثا ومات فيها بالكوفة زيد بن خالد الجهنى وله خمس وثمانون سنة من مشاهير الصحابة روى عنه علماء المدينة* وفى سنة ثمانين مات أسلم مولى عمر بن الخطاب وفيها مات عالم الشأم أبو ادريس الخولانى الفقيه وعبد الله بن جعفر بن أبى طالب الهاشمى الجواد ولد بالحبشة وله صحبة ورواية يقال لم يكن فى الاسلام أحد أسخى منه* وفى سنة احدى وثمانين مات محمد بن الحنفية وهو محمد ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب وكانت الشيعة تعظمه وتزعم أنه المهدى* وفى سنة اثنتين وثمانين مات زر بن حبيش بالكوفة وقد قرأ القرآن على على رضى الله عنهم وروى علما كثيرا وفيها كانت غزوة صقلية غزاها المسلمون وعليهم عطاء بن رافع وصقلية جزيرة كبيرة فى البحر فيها مدائن وهى قريبة من جزيرة الاندلس يركب اليها من ناحية تونس افتتحها المسلمون وبقيت دار اسلام مدّة طويلة وخرج منها علماء وأئمة ثم أخذتها الافرنج من نحو مائتى سنة* وفيها وفى المختصر الجامع فى سنة ثلاث وثمانين أنشأ الحجاج مدينة بالعراق وهى واسط وجعل فيها دار الامارة وفيها التقى ولد عبد الملك بن مروان عساكر الروم عند سورية فكسرهم واستعمل عبد الملك أخاه محمد بن مروان على امرة أذربيجان والجزيرة وأرمينية ولمحمد غزوات وفتوحات* وفى سنة خمس وثمانين مات متولى مصر والمغرب عبد العزيز بن مروان الاموى أخو الخليفة* قال ابن أبى مليكة سمعته عند الموت يقول يا ليتنى لم اكن شيئا وقد ولى الديار المصرية عشرين سنة وخلف أموالا لا تحصى ومات بالكوفة عمرو بن الحارث من بقايا أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وبدمشق واثلة بن الاسقع وهو صحابى من أهل الصفة وأبو زيد عمرو بن سلمة الحرمى الذى كان يؤم قوما صبيا فى أيام النبىّ عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 السلام ثلاثتهم فى سنة خمس وثمانين* ومات فى سنة ست وثمانين ثلاثة من الصحابة أبو أمامة الباهلى بحمص وعبد الله بن أوفى الاسلمى بالكوفة وكان من أصحاب الشجرة وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى بمصر وفيها بنيت مدينة أردبيل وبردعة على يد الامير عبد العزيز بن حاتم* (ذكر وفاة عبد الملك بن مروان الاموى ومدفنه) * توفى فى منتصف شوّال وقيل لعشر خلون من شوّال سنة ست وثمانين ودفن بدمشق وصلى عليه ابنه وولى عهده الوليد وكانت خلافته احدى وعشرين سنة وخمسة عشر يوما منها ثمان سنين كان مزاحما لابن الزبير ثم انفرد بمملكة الدنيا* وفى سيرة مغلطاى فكانت خلافته عشرين سنة الى أن مات وله ستون سنة كذا فى دول الاسلام* وفى المختصر الجامع كان سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما قبل قتل ابن الزبير وكانت ولايته بعد مقتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما ودفن خارج باب الجابية بدمشق وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا* (ذكر أولاده وقاضيه وأميره وكاتبه وحاجبه) * كان له من الولد سبعة عشر الوليد وسليمان ومروان الاكبر ويزيد ومروان الاصغر ومعاوية وهشام وبكار والحكم وعبد الله ومسلمة والمنذر وعيينة ومحمد وسعيد والحجاج وقبيصة وفى المختصر عدّ من أولاده داود وعائشة وفاطمة فيكونون عشرين ولى الخلافة منهم أربعة وفى حياة الحيوان رأى عبد الملك بن مروان فى المنام أنه بال فى محراب مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أربع مرّات فغمه ذلك فكتب بذلك الى ابن سيرين وفى رواية الى سعيد بن المسيب فقال ابن سيرين ان صدقت رؤياك فسيقوم من ولدك أربعة فى المحراب ويتقلدون الخلافة بعدك فوليها أربعة خلفاء من صلبه الوليد وسليمان ويزيد وهشام* وكان قاضيه أبو ادريس الخولانى وعبد الله ابن قيس* وكان أميره على العراق الحجاج بن يوسف الثقفى وعلى مصر أخوه عبد العزيز بن مروان* وكان كاتبه روح بن رباع ثم قبيصة بن ذؤيب* وكان حاجبه يوسف مولاه* (ذكر خلاقة الوليد أبى العباس بن عبد الملك بن مروان) * أمه ولادة بنت العباس (صفته) كان أسمر جميلا وبوجهه آثار جدرى* وفى دول الاسلام كان دميما سائل الانف يختال فى مشيته قليل العلم وكان ذا سطوة شديدة لا يتوقف اذا غضب وكان كثير النكاح والطلاق يقال انه تزوّج ثلاثا وستين امرأة وكان أبوه أخذ له العهد ولسليمان بعده بويع بالخلافة فى يوم الخميس منتصف شوّال سنة ست وثمانين وهو الذى بنى جامع دمشق وزخرفه وكان قبله نصفه كنيسة للنصارى والنصف الاخر الذى فيه محراب الصحابة للمسلمين فأرضى الوليد النصارى بعدة كنائس صالحهم عليها فرضوا ثم هدمه سوى حيطانه وأنشأ فيه النسر والقناطر وحلاها بالذهب وأستار الحرير وبقى العمل فيه تسع سنين حتى قيل كان يعمل فيه اثنا عشر ألف مرخم وغرم عليه من الدنانير المصرية زنة مائة قنطار وأربعة وأربعين قنطارا بالدمشقى حتى صيره نزهة الدنيا وأمر نائبه على المدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وتوسيعه وزخرفته ففعل وهو أوّل من اتخذ المارستان للمرضى ودار الضيافة وأقام عمر بن عبد العزيز والى المدينة سبع سنين وخمسة أشهر وشيد مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وأدخل فيه المنازل التى حوله وحجرات أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم وبنى الاميال فى الطرقات وأنفذ الى خالد بن عبد الله القسرى عامله على مكة ثلاثين ألف مثقال ذهبا فصفح باب الكعبة والميزاب والاساطين* وفى دول الاسلام وكان الوليد يعطى أكياس الدراهم لتقسم فى الصالحين وكان يختم القرآن فى ثلاث قال ابراهيم بن أبى عبلة كان يختم فى رمضان سبع عشرة مرّة* وعن الوليد قال لولا انّ الله تعالى ذكر اللواطة فى كتابه ما ظننت أحدا يفعله* وفى حياة الحيوان قال الحافظ ابن عساكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 كان الوليد عند أهل الشام من أفضل خلفائهم بنى المساجد بدمشق وأعطى الناس وفرض للمجذومين وقال لا تسألوا الناس وأعطى كل مقعد خادما وكل أعمى قائدا وكان يبر حملة القرآن ويقضى عنهم ديونهم وبنى الجامع الاموى وهدم كنيسة مريوحنا وزادها فيه وذلك فى القعدة سنة ست وثمانين وتوفى الوليد ولم يتم بناؤه فأتمه سليمان أخوه وكان جملة ما أنفق على بنائه أربعمائة صندوق فى كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب للقناديل وما زالت الى أيام عمر ابن عبد العزيز فجعلها فى بيت المال واتخذ عوضها صفرا وحديدا وبنى الوليد قبة الصخرة ببيت المقدس وبنى المسجد النبوى ووسعه حتى دخلت الحجرة النبوية فيه وله آثار حسنة كثيرة جدّا ومع ذلك روى ان عمر بن عبد العزيز قال لما ألحدت الوليد ارتكض فى أكفانه وغلت يداه الى عنقه نسأل الله العفو والعافية فى الدنيا والاخرة* وفتحت فى أيام خلافة الوليد الفتوحات العظام مثل الهند والسند والاندلس وغير ذلك انتهى وقوله انّ الوليد بنى قبة الصخرة فيه نظر وانما بنى قبة الصخرة عبد الملك بن مروان فى أيام فتنة ابن الزبير لما منع عبد الملك أهل الشام من الحج خوفا من ان يأخذ منهم ابن الزبير البيعة وكان الناس يقفون يوم عرفة بقبة الصخرة الى ان قتل ابن الزبير* وعن ابن خلكان وغيره لعلها تشعثت فهدمها الوليد وبناها والله أعلم* غريبة وفى مورد اللطافة قال عمر بن عبد الواحد الدمشقى عن عبد الرحمن بن يزيد بن خالد عن أبيه قال خرج الوليد بن عبد الملك من الباب الاصغر فوجد رجلا عند الحائط عند المأذنة الشرقية يأكل وحده فجاء فوقف على رأسه فاذا هو يأكل خبزا وترابا فقال ما شأنك انفردت من الناس فقال أحببت الوحدة فقال فما حملك على أكل التراب أما فى بيت مال المسلمين ما يجرى عليك قال بلى ولكن رأيت القنوع قال فرجع الوليد الى مجلسه ثم أحضره فقال ان لك ذمّة ان تخبرنى به والا ضربت ما فيه عيناك قال نعم كنت جمالا ومعى ثلاثة أجمال موقرة طعاما حتى أتيت مرج الصفر فقعدت فى خرابة أبول فرأيت البول ينصب فى شق فاتبعته حتى كشفته واذا غطاء على حفير فنزلت فاذا مال فأنخت رواحلى وأفرغت طعامى ثم أوقرتها ذهبا وغطيت الموضع فلما سرت غير بعيد وجدت معى مخلاة فيها طعام فقلت انا أترك الكسرة وآخذ الذهب ففرغتها ورجعت لا ملأها فخفى عنى الموضع وأتعبنى الطلب فرجعت الى الجمال فلم أجدها ولم أجد الطعام فاليت على نفسى ان لا آكل شيئا الا الخبز والتراب فقال الوليدكم لك من العيال فذكر عيالا قال يجرى عليك من بيت المال ولا يستعمل فى شئ فان هذا المحروم* قال ابن جابر فذكر لنا أن الابل حملت الى بيت مال المسلمين فاناخت عنده فأخذها أمين الوليد فطرحها فى بيت المال* قال الذهبى هذه الحكاية رواية ثقات قاله الكنانى وفى سنة سبع وثمانين غزا قتيبة الباهلى بناحية بخارى ووقع بينه وبين الترك مصاف عظيم هزمهم ومزقهم وصالح أهل بخارى وولاها قرابته ورجع فوثبوا على متوليها وأخيارهم فقتلوهم فأقبل قتيبة ونازلها وافتتحها بالسيف فقتل وسبى وفيها غزا أخو الخليفة مسلمة فافتتح بالروم قميقم وبحيرة الفرسان* وفى سنة ثمان وثمانين غزا قتيبة بما وراء النهر وافتتح مدينتين صالحا فزحف اليه الترك والصغد وأهل فرغانه وعلى الجميع ابن أخت ملك الصين وكانوا نحو مائتى ألف فالتقاهم قتيبة فهزمهم ونصر الله الاسلام وفيها افتتح مسلمة جرمومة وطوانة من بلاد الروم وبلاد الاندلس وطليطله وحملت اليه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام وهى من ذهب وفضة وعليها ثلاثة أطواق من لؤلؤ والتقى الروم فهزمهم فقتل خلقا وغزا مسلمة عمورية من الروم وهزم الكفار* وفى سنة تسع وثمانين غزا قتيبة وردان ثانى مرّة فسال عليه الروم فالتقاهم وهزمهم وقتل وأسر وأوقع بأهل الطالقان بخراسان فقتل منها مقتلة عظيمة وصلب من أهلها صفين مسيرة أربعة فراسخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وسبب ذلك ان ملكها غدر ونكث وأعان الترك* وعزل الخليفة عمه محمدا عن الجزيرة وأذربيجان وولاها أخاه مسلمة فغزا مسلمة وافتتح مدائن وحصونا عند دربند ودان له من وراء باب الابواب وفيها حج الوليد بالناس* وفى المختصر الجامع حج الوليد بالناس سنة ثمان وثمانين واحدى وتسعين وأربع وتسعين وتمت لقتيبة الباهلى حروب بماوراء النهر حتى ان طرحون ملك الترك وثب عليه امراؤه فعزلوه وحبسوه واتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره وغزا قتيبة خوارزم فافتتحها صالحا وصالح أهل سمرقند بعد ان قاتلوه أشدّ قتال يكون على ألفى ألف وعلى ثلاثين ألف رأس وقتل فى المصاف خلائق من الترك وكان دين أهل ما وراء النهر على المجوسية وعبادة النار والاوثان وافتتح فى دولته الهند وبعض بلاد الترك وجريرة الاندلس واتسعت ممالك الاسلام فى دولة الوليد وفى سنة أربع غزا قتيبة فافتتح فرغانة وخجند وكاشان بعد حروب عظيمة وبعث عسكرا افتتحوا الشاش وافتتح مسلمة من أرض الروم مدينة سندرة فكان فى كل وقت يصل اليه البريد بخبر فتح بعد فتح ويحمل اليه خمس المغانم وامتلأت خزائنه وعظمت هيبته* وفى سنة احدى وتسعين مات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن سعد الساعدى بالمدينة وقد قارب مائة سنة ومات بمكة السائب بن يزيد الكندى صحابى صغير ومات فيها نائب اليمن محمد بن يوسف الثقفى أخو الحجاج فكان عمر بن عبد العزيز يقول الوليد الخليفة بدمشق والحجاج بالعراق وأخوه باليمن وعثمان بن حبان بالحجاز وقرّة بمصر امتلأت والله الدنيا جورا* آخر من مات من الصحابة وفى سنة ثلاث وتسعين مات بالبصرة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وآخر من بقى من الصحابة أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى وله مائة وثلاث سنين وقد غزا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم مرّات وروى عنه علما كثيرا مروياته فى كتب الاحاديث ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثا* وفيها مات الامام أبو العالية الرباحى رفيع وله أزيد من مائة سنة قرأ القرآن على أبى بن كعب وغيره* قال ابن أبى داود لم يكن أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبى العالية وبعده سعيد بن جبير* وفيها قرأ فى صلاة الصبح قاضى البصرة زرارة بن أبى أوفى المدثر فلما بلغ الى قوله فاذا نقر فى الناقور خرّ ميتا رحمه الله* وفى سنة أربع وتسعين مات عالم أهل زمانه سيد التابعين سعيد بن المسيب المخزومى وقد قارب ثمانين سنة والامام عروة بن الزبير ابن العوام الاسدى بالمدينة* قال الزهرى كان بحر الا ينزف والامام زين العابدين على بن الحسين ابن على بن أبى طالب وله بضع وخمسون سنة قال الزهرى ما رأيت أفقه منه وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومى أحد الفقهاء السبعة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى أحد الائمة الاعلام* وفى سنة خمس وتسعين مات فقيه الكوفة ابراهيم بن يزيد النخعى عن بضع وخمسين سنة وكان رأسا فى العلم والعمل والامام المفسر سعيد بن جبير الكوفى قتله الحجاج ظلما فما أمهله الله بعده فهلك الحجاج بن يوسف الثقفى أمير العراق فى رمضان وله ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته بالعراق عشرين سنة وكان شجاعا مهيبا جبارا عنيدا ومخازيه كثيرة الا انه كان عالما فصيحا مفوّها مجوّدا للقرآن يقال انه قتل أكثر من مائة ألف صبرا كذا فى دول الاسلام* وفى المختصر الجامع انّ عدّة من قتله الحجاج صبرا مائة ألف رجل وعشرون ألفا وانه توفى فى حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة وسمعوه يقول عند الموت رب اغفرلى فان الناس يزعمون انك لا تغفرلى وفيها مات مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشى بالبصرة كان من الائمة العباد بلغنا أن رجلا كذب عليه فقال مطرف اللهمّ ان كان كاذبا فأمته فخرّ مكانه ميتا* وفى سنة ست وتسعين قتل نائب خراسان كلها مسلم الباهلى وليها عشر سنين من جهة الحجاج ولما مات الوليد خرج عن الطاعة فوثب عليه الامير وكيع العبدانى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 فقتله واستولى على خراسان وفيها مات نائب مصر قرّة بن شريك القيسى وكان ظالما جبارا بنى جامع مصر وزخرفه فقيل كان اذا انصرف منه الصناع دخل ودعا بالخمر والملاهى ويقول لهم النهار ولنا الليل وعزم جماعة من الكبار على قتله فعرف بهم وأبادهم* ذكر وفاة الوليد (ذكر وفاته ومدفنه) توفى يوم السبت منتصف جمادى الاخرة سنة ست وتسعين بدير مروان وحمل على أعناق الرجال ودفن بدمشق فى مقابر الباب الصغير وتولى دفنه عمر بن عبد العزيز كذا فى حياة الحيوان وعمره ست وأربعون سنة وأشهر وقيل ثمان وأربعون سنة وأشهر وفى دول الاسلام خمسون سنة وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر وقيل وتسعة أشهر وفى دول الاسلام عشر سنين وكان نقش خاتمه يا وليد انك ميت ومحاسب وتخلف بعده أخوه سليمان بن عبد الملك* (ذكر أولاده وأمرائه وقضاته وكتابه وحجابه) * كان له من الولد أربعة عشر ذكرا سوى البنات* وفى دول الاسلام خلف أربعة عشر ولدا انتهى منهم يزيد وابراهيم وليا الخلافة ومنهم العباس فارس بنى مروان وعمر فحلهم كان يركب فى ستين من صلبه وعمرو وعبد العزيز وبشر وكان أميره على مصر قرّة بن شريك* (ذكر خلافة سليمان أبى أيوب بن عبد الملك بن مروان) * أمه ولادة أم أخيه المقدّم ذكره* صفته* كان طويلا جميلا أبيض فصيحا لسنا بليغا وكان مولده فى سنة ستين* وفى دول الاسلام كان كبير الوجه مليحا مقرون الحواجب أبيض مقصوص الشعر أديبا معجبا بنفسه متوقفا عند الدماء بويع بالخلافة يوم موت أخيه الوليد يوم السبت منتصف جمادى الاخرة سنة ست وتسعين وكان أبوهما عقد لهما بالامر من بعده وكان سليمان بالرملة فلما جاءته الخلافة عزم على الاقامة بها ثم توجه الى دمشق وكمل عمارة الجامع الاموى كما تقدّم وكان محبا للغزو جهز أخاه مسلمة بن عبد الملك فى سنة سبع وتسعين الى غزو الروم فانتهى الى قسطنطينية كذا فى حياة الحيوان* وفى رواية حتى صالحهم على بناء جامع وكان شديد الغيرة وهو الذى خصى المخنثين بالمدينة وكان نكاحا وكان كثير الاكل حج مرّة فنزل بالطائف فأكل سبعين رمانة ثم جاؤه بخروف مشوى وست دجاجات فأكلها ثم جاؤه بزبيب فأكل منه شيئا كثيرا ثم نعس فانتبه فى الحال فأتاه الطباخ فأخبره بأن الطعام قد استوى فقال اعرضه علىّ قدرا قدرا فصار سليمان يأكل من كل قدر اللقمة واللقمتين واللحمة واللحمتين وكانت ثمانين قدرا ثم مدّ السماط فأكل على عادته كأنه لم يأكل شيئا* قيل أفاد بعض الحكماء انّ الرجل لا يأكل اكثر من ستين لقمة من جوعه الى شبعه فما يكون شأن هذا الرجل وأمثاله من الاكلة* وفى المختصر الجامع وحياة الحيوان من ترجمة ابن خلكان انّ سليمان كان يأكل كل يوم مائة رطل شامى وكان به عرج ولما ولى ردّ الصلاة الى ميقاتها الاوّل وكان من قبله من الخلفاء من بنى أمية يؤخرونها الى آخر وقتها ولذلك قال محمد بن سيرين رحم الله سليمان افتتح خلافته بخير وختمها بخير افتتحها باقامة الصلاة لمواقيتها الاولى وختمها باستخلاف عمر ابن عبد العزيز وبنى دار السلطنة وعملها قبة صفراء عالية بدمشق* ومما يحكى من محاسنه انّ رجلا دخل عليه فقال يا أمير المؤمنين انشدتك الله والاذان فقال له سليمان أما انشدتك الله فقد عرفناه فما الاذان قال قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فقال له سليمان وما ظلامتك فقال ضيعتى فلانة غلبنى عليها عاملك فلان فنزل سليمان عن سريره ورفع البساط ووضع خدّه بالارض قال والله لا رفعت خدّى من الارض حتى يكتب له بردّ ضيعته فكتب الكتاب وهو واضع خدّه لما سمع كلام ربه الذى خلقه وخوّله نعمه خشى على نفسه من لعن الله وطرده رحمه الله* قيل انه أطلق من سجن الحجاج ثلثمائة ألف ما بين رجل وامرأة وصادر آل الحجاج واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيرا ومشيرا كذا فى حياة الحيوان* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة سليمان بن عبد الملك وفى سنة سبع وتسعين مات طلحة بن عبد الله بن عوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 الزهرى قاضى المدينة وكان أحد الاجواد وفيها مات قيس بن أبى حازم البجلى شيخ الكوفة وعالمها عن اكثر من مائة سنة وكان قد هاجر الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم يلحقه وسمع من أبى بكر وعمر رضى الله عنهم* وفى سنة ثمان وتسعين مات أحد الفقهاء السبعة بالمدينة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الهذلى شيخ الزهرى والفقيهة عمرة بنت عبد الرحمن صاحبة عائشة فى سنة تسع وتسعين وعالم بيت المقدس عبد الله بن محيريز الجمحى* قال الاوزاعى كان اماما قدوة وقال رجاء بن حيوة ان يفخر علينا أهل المدينة بابن عمر فانا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز وبقاؤه أمان لاهل الارض وفيها توفى محمود بن الربيع الانصارى بالمدينة وكان قد عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه من دلو وحدّث عن عبادة بن الصامت وغيره* وأمر الخليفة سليمان الناس بغزو القسطنطينية برّا وبحرا وجهز الجيوش وبذل الخزائين ونزل على حلب وأمر على الكل أخاه مسلمة وابنه وكان الذين غزوها أزيد من مائة ألف وطالت الغزوة حتى مات سليمان وهم هناك* وروى السكن ابن خالد قال أصاب الجيش على القسطنطينية جوع عظيم حتى اكلوا الميتة* وقال محمد بن زيد الالهانى هلكنا من الجوع ومات الناس وان كان الرجل ليذهب الى الغائط والاخر يرصده فاذا قام جاء هذا فأكل رجيعه وربما كان الرجل ليبعد للحاجة فيؤخذ* (ذكر وفاته) * قيل انّ سليمان جلس يوما فى نبت أخضر على وطاء أخضر عليه ثياب خضر ثم نظر فى المرآة فأعجبه شبابه وكان من أجمل الناس فقال كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صدّيقا وكان عمر فاروقا وكان عثمان حييا وكان معاوية حليما وكان يزيد صبورا وكان عبد الملك سيوفا وكان الوليد جبارا وأنا الملك الشاب فمات من جمعته فى يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين* ويقال انه لبس يوما أفخر ما عنده وتطيب بأفخر الطيب وتزين بأحسن الزينة فأعجبته نفسه فالتفت فرأى جارية من جواريه واقفة فقال لها كيف ترين فقالت شعر أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للانسان أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس غير أنك فانى وفى حياة الحيوان ليس فيما بدا لنا منك عيب ... عابه الناس غير أنك فانى فطردها ثم أحضرها فقال لها ما قلت فقالت ما قلت شيئا ولا رأيتك اليوم فتعجب الناس من ذلك ومات من جمعته* وفى دول الاسلام ولما احتضر أشار عليه وزيره رجاء بن حيوة بأن يستخلف ابن عمه الامام العادل عمر بن عبد العزيز بشرط أن تكون الخلافة من بعد عمر ليزيد بن عبد الملك أخى سليمان وفى الجملة هو من خيار ملوك بنى أمية قرّب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله ولىّ عهده بالخلافة وليس عهد فى الخلافة وانما العهد كان ليزيد وهشام فأدخل عمر قبلهما وبايع الناس على العهد وهو مكتوب وفيه عمر بن عبد العزيز ثم يزيد وهشام فصحت البيعة* وفى المختصر الجامع توفى سليمان بذات الجنب بمرج دابق من أرض قنسرين لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين وله خمس وأربعون سنة وقيل تسع وثلاثون وصلى عليه عمر بن عبد العزيز وكانت خلافته سنتين وثمانية أشهر الا خمسة أيام* وفى دول الاسلام دون ثلاثة أعوام وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا وكان له من الولد أربعة عشر ذكرا* (ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشى الاموى) * أمير المؤمنين أبى حفص ولد بالمدينة سنة ستين عام توفى معاوية بن أبى سفيان أو بعده بسنة كذا فى مورد اللطافة* وفى حياة الحيوان مولده بالبصرة سنة احدى وستين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب عسّ ليلة من الليالى فأتى على امرأة تقول لابنتها قومى وامزجى اللبن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 بالماء فقالت لا تفعلى فانّ أمير المؤمنين عمر نهى عن ذلك قالت ومن أين يدرى قالت فان لم يعلم هو فانّ رب أمير المؤمنين يرى ذلك* وفى شواهد النبوّة قالت البنت والله لا أفعله أبدا أطيع أمره فى العلن وأخالفه فى السرّ فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم اذهب الى مكان كذا فانّ هناك صبية فان لم تكن مشغولة فتزوّج بها فلعل الله يرزقك منها نسمة مباركة فتزوّج عاصم بتلك البنية فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر فتزوّجها عبد العزيز بن مروان باربعمائة دينار من أطيب ماله فولدت له عمر بن عبد العزيز* وفى حياة الحيوان وهو تابعى جليل روى عن انس بن مالك والسائب بن مالك والسائب بن يزيد وروى عنه جماعة قال الترمذى فى تاريخه بلغنا انّ عمر بن الخطاب قال انّ من ولدى رجلا بوجهه شين يلى فيملأ الارض عدلا* قال نافع لا أحسبه الاعمر بن عبد العزيز* صفته* كان أبيض رقيق الوجه مليحا جميلا مهيبا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر شجة من أثر حافر فرس ضربه وهو صغير ولذا سمى أشج بنى أمية وقد خطه الشيب* روى انه دخل اصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول ان كنت أشج بنى أمية انك لسعيد* وروى الذهبى فى تاريخه باسناده عن رباح بن عبيدة قال خرج علينا عمر بن عبد العزيز وشيخ متكىء على يده ونقلت فى نفسى هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الامير من الشيخ لذى يتكىء على يديك قال يا رباح رأيته قلت نعم قال لا أحسبك الا رجلا صالحا ذاك أخى الخضر أتانى وأعلمنى انى سألى أمر هذه الامّة وانى أساعدك فيها بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه سليمان بن عبد الملك بعهد عهده اليه ولقب بالمعصوم بالله فلما بويع بالخلافة قدّمت له فرس الخلافة على عادة الخلفاء فلم يركبها وركب فرسه* وفى حياة الحيوان فجاء صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة جريا على عادة الخلفاء فقال له تنح عنى مالى ولك انما انا رجل من المسلمين ثم سار مختلطا بين الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس اليه فحمد الله تعالى واثنى عليه وذكر النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس قد ابتليت بهذا الامر من غير رأى منى فيه ولا طلب ولا مشورة وانى قد خلعت ما فى أعناقكم فاختاروا لانفسكم غيرى فصاح المسلمون صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضيناك تدبرنا باليمن والبركة فلما سكتوا خطب الناس خطبة مشتملة على الحمد والصلاة ثم قال فى آخرها أيها الناس من أطاع الله تعالى وجبت طاعته ومن عصى الله عز وجل فلا طاعة له أطيعونى ما أطعت الله تعالى فان عصيته فلا طاعة لى عليكم ثم نزل ودخل دار الخلافة فأمر بالستور فهتكت وبالبسط فرفعت وأمر ببيع ذلك وادخال أثمانها فى بيت مال المسلمين ثم ذهب يتبوّأ ليقيل فاتاه ابنه عبد الملك فقال ما تريد أن تصنع يا أبت قال أى بنى أقيل قال تقيل ولا تردّ المظالم قال أى بنى انى قد سهرت البارحة فى أمر عمك سليمان فاذا صليت الظهر رددت المظالم فقال يا أمير المؤمنين من أين لك ان تعيش الى الظهر فقال ادن منى يا بنى فدنا منه فقبل بين عينيه وقال الحمد لله الذى أخرج من ظهرى من يعيننى على دينى فخرج ولم يقل فأمر مناديه ان ينادى ألا من كانت له مظلمة فيرفعها فقدم اليه ذمى من أهل حمص فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتابك قال وما ذاك قال ان العباس بن الوليد اغتصبنى أرضى والعباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال ان أمير المؤمنين الوليد أقطعنى اياها وهذا كتابه فقال ما تقول يا ذمى قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل فقال كتاب الله أحق ان يتبع من كتاب الوليد فاردد عليه أرضه يا عباس فردّ عليه ثم جعل لا يدع شيئا مما كان فى يد أهل بيته من المظالم الا ردّها مظلمة مظلمة فلما بلغ الخوارج سيره وما ردّ من المظالم اجتمعوا وقالوا ما ينبغى لنا ان نقاتل هذا الرجل انتهى ثم شرع فى بسط العدل الذى ما سمع بمثله من عهد الخلفاء الراشدين* قال الشافعىّ رحمه الله الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وعلى وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهم ولما وليها أبطل سب على بن أبى طالب وجعل مكان ذلك انّ الله يأمر بالعدل والاحسان الاية وكان ذلك اللعن مستمرّا منذ ست وسبعين سنة* وفى رواية الاصح منذ ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر وذلك ألف شهر* روى ان عمر خلا بصعلوك وأمره ان يحىء اليه غدا حين كان عمر جالسا بين أظهر الناس فيخطب اليه ابنته وقال له انى سأقول كذا وكذا وأنت قل كذا وكذا ولا تخف فان فيه مصلحة فجاء الرجل من الغد فى مثل الوقت الذى أمره عمر ان يأتيه فيه فقال يا أمير المؤمنين ان لى اليك حاجة قال وما حاجتك قال انا رجل فقير أيم وأنت خليفة عادل تكفى مؤن الناس وتقضى حوائج الخلق فانى أخطب اليك ابنتك فهمّ الناس بزجره وايذائه فمنعهم عمر عن ذلك وقال للرجل أنت فقير وأنا خليفة فلا كفاءة بيننا قال الرجل لئن كنت خليفة فلست بأكبر من النبىّ صلى الله عليه وسلم ولئن كنت صعلوا كلسيئ الحال فلست بأسوأ من علىّ بن أبى طالب من حيث انكم تلعنونه على المنابر وهو كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصاح عمر وقال يا أيها الناس ألزمنى هذا الرجل لا أقدر على جوابه فأجيبوه فلما لم يجبه أحد أمر عمر برفع اللعن وتركه بعد ذلك وجاء فى التواريخ وجه آخر فى ترك اللعن وهو أنّ عمر أمر يهوديا ان يخطب اليه ابنته فخطبها اليهودى فقال له عمر كيف تحطب الىّ وأنت يهودى فقال اليهودى فكيف زوّج نبيكم ابنته من على بن أبى طالب فقال عمر ويحك انّ عليا من عظماء الدين وأكابر المسلمين فقال اليهودى فلم تلعنونه على المنابر فأقبل عمر على الناس فقال لهم أجيبوه ولما عجزوا عن الجواب أمر بترك اللعن وجعل مكانه ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان الاية وفيه قيل شعر وليت ولم تشتم عليا ولم تحف ... بريا ولم تتبع سجية مثلم وقلت فصدّقت الذى قلت بالذى ... فعلت وأضحى راضيا كل مسلم وكان عمر صالحا ورعا زاهدا فقيها ولما ولى أبطل جميع ما كان أهله تتصرف من بيت المال كما مرّ وضيق على نفسه وعلى أهله تضييقا كثيرا* وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على أمير المؤمنين عمر أعوده فى مرضه الذى مات فيه فاذا عليه قميص لا يساوى أربعة دراهم فقلت لفاطمة بنت عبد الملك يا فاطمة اغسلى قميص أمير المؤمنين فقالت نفعل ان شاء الله تعالى ثم عدت فاذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمرك ان تغسلى قميص أمير المؤمنين فان الناس يعودونه فقالت والله ماله قميص غيره وأخشى ان أقلعه يبقى عريانا هذا وخراج الارض كلها يحمل اليه مع ما كان عليه من الترفه والمال قبل أن يلى الخلافة* قال رجاء بن حيوة فلما استخلف عمر قوّمت ثيابه وعمامته وقميصه وقباؤه وخفاه ورداؤه فاذاهنّ يعدلن اثنى عشر درهما كذا فى حياة الحيوان ذكر من مات من المشاهير فى خلافة عمر بن عبد العزيز وفى خلافته سنة مائة مات أبو امامة سهل بن حنيف الانصارى ولد فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان من علماء التابعين ومات معه بشر بن سعيد العالم الربانى المجاب الدعوة أحد التابعين بالمدينة والامام خارجة بن زيد بن ثابت الانصارى المدنى أحد الفقهاء السبعة والامام أبو عثمان النهدى بالبصرة عن مائة وثلاثين سنة وقد أسلم زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم وأنفذ اليه بزكاته وشهد اليرموك وكان يصلى حتى يغشى عليه وشهر بن حوشب الاشعرى بالشام وفيها مات محمد بن مروان بن الحكم الامير نائب الجزيرة وأذربيجان* وذكر ابن عساكر وغيره ان عمر بن عبد العزيز كان شدّد على أقاربه وانتزع كثيرا مما فى أيديهم فتبرّموا به وسموه* يروى أنه دعا بخادمه الذى سمه فقال له ويحك ما حملك على ان تسقينى السم قال ألف دينار أعطيتها قال هاتها فجاء بها فأمر بطرحها فى بيت المال وقال لخادمه اذهب حيث لا يراك أحد كذا فى حياة الحيوان* (ذكر وفاته) * وتوفى أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بن مروان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الاموى يوم الجمعة لخمس بقين وقال أبو عمرو بن الضرير لعشر بقين من رجب سنة احدى ومائة بدير سمعان من أعمال حمص* وقال الذهبى من أعمال قنسرين وقبره ظاهر يزار وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر وقال الذهبى عمره أربعون سنة وخلافته سنتان وخمسة أشهر كأبى بكر الصدّيق* وفى سيرة مغلطاى مدّة مكثه فى الخلافة ثلاثون شهرا وصلى عليه ابن عمه يزيد بن عبد الملك الذى تخلف بعده قال الذهبى فى تاريخه عن يوسف بن ماهك قال بينا نحن نسوّى التراب على قبر عمر بن عبد العزيز اذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار* (ذكر خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس الاموى القرشى) * أمير المؤمنين أبو خالد ولقبه القادر بصنع الله وأمّه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ومولده فى سنة احدى أو اثنتين وسبعين من الهجرة* صفته* كان أبيض جسيما مليح الوجه مدوّره أفقم لم يشب بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه عمر بن عبد العزيز بعهد من أبيه ثم من أخيه سليمان معقود فى تولية عمر بن عبد العزير لانّ عمر لم يكن له عهد من عبد الملك الا أن سليمان أدخله فى العهد ثم ختم بأخيه يزيد هذا ثم هشام فلعل الله يرحم سليمان بذلك فأقام يزيد على هذا يسير على سيرة عمر بن عبد العزيز أربعين يوما وكان أوّلا صاحب لهو وطرب ثم انهمك فى اللذات* وفى خلافته دعا يزيد بن المهلب لنفسه ويسمى القحطانى فقتله وأهل بيته مسلمة بالعقر كذا فى سيرة مغلطاى* ذكر من مات من المشاهير فى خلافته وفى خلافته توفى الضحاك بن مزاحم الخراسانى صاحب التفسير وكان علامة وكان مؤدّبا عنده ثلاثة آلاف صبى ومكتبه كالجامع فكان يدور عليهم على بهيمة* وفيها مات عالم المدينة وواعظها عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين ومات شيخ التفسير الامام الربانى مجاهد بن حبر المكى مولى بنى مخزوم عن نيف وثمانين سنة وكان يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرّات أفقه عند كل آية وأسأله فيم نزلت وكيف معناها* وفى سنة ثلاث ومائة مات مصعب بن سعد ابن أبى وقاص الهذلى المحدّث وموسى بن طلحة بن عبيد الله التيمى بالكوفة وكانوا يسمونه المهدى لفضله وجلالته* وفى سنة أربع ومائة مات عالم حمص خالد بن سعدان الكلاعى وكان قد لقى سبعين من الصحابة وفيها مات الشعبى وهو عامر بن شراحيل الكوفى عالم أهل زمانه وكان حافظا علامة ذا فنون وأدرك خلقا من الصحابة وعاش بضعا وثمانين سنة وفيها أو بعدها مات الامام أبو قلابة عبد الله بن يزيد الحرمى البصرى الفقيه وكان طلب للقضاء فهرب وسكن داريا وفيها توفى عالم الكوفة وقاضيها أبو بردة بن أبى موسى الاشعرى أخذ العلم من أبيه ومن جماعة* وفى سنة خمس ومائة مات أبان بن عثمان بن عفان الاموى أحد فقهاء المدينة وفيها وقيل فى سنة سبع مات أبو رجاء العطاردى شيخ البصرة وهو عمران بن ملحان عن مائة وعشرين سنة وكان أحد العلماء أسلم فى أيام النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانت خلافة يزيد هذا أربع سنين وشهرا ومات بسواد الاردن بمرض السل قاله الهيثم بن عمرو* وفى حياة الحيوان توفى باربل من أرض البلقاء عشقا ولا يعلم خليفة مات عشقا غيره وقيل بالجولان وحمل على أعناق الرجال الى دمشق ودفن بين باب الجابية وباب الصغير* وقال غير واحد انه مات لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة بعد موت قينته جبانة بأيام يسيرة وكانت الغالبة على الولاية والعزل وله تسع وعشرون سنة وقيل ثمان وثلاثون سنة وشهر* (ذكر خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان الاموى أمير المؤمنين أبى الوليد) * وأمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية ومولده سنة نيف وسبعين* صفته* كان أبيض سمينا أحول يخضب بالسواد وكان حليما لين الجانب للرعية محببا اليهم وكان ذا رأى وحزم وقلة شرّ بويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد فى شعبان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 سنة خمس ومائة وعمره أربع وثلاثون سنة* وعن سحيل بن محمد قال ما رأيت أحدا من الخلفاء اكره اليه الدماء ولا أشدّ عليه من هشام* وفى سنة ست ومائة غزا المسلمون فرغانة وعملوا مع الترك مصاف فقتل فيه ابن خاقان وانهزموا ولله الحمد وغزا الجرّاح الحكمى وتوغل فى بلاد الخور فصالحوه وأعطوه الجزية وحج بالناس الخليفة هشام* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة هشام ابن عبد الملك وفيها مات عالم المدينة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى الزاهد الفقيه وكان أسود يلبس الصوف ويأكل الخشن ويخدم نفسه* وفى سنة سبع وماثة عزل الخليفة الجرّاح بن عبد الله الحكمى عن أذربيجان وأرمينية واستناب أخاه مسلمة فافتتح قيصرية بالسيف فتحا ثانيا وفيها مات سليمان بن يسار المدنى الفقيه أحد الفقهاء السبعة وهو أخو عطاء والعلامة عكرمة البربرى مولى ابن عباس وكان من بحور العلم فى زمانه والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق المدنى أحد الاعلام* وفى سنة ثمان ومائة غزا أسد القسرى متولى خراسان فالتقى بالغور فكسرهم وفيها مات الامام يزيد بن عبد الله بن الشخير بالبصرة والامام محمد بن كعب القرظى المفسر الزاهد بالمدينة* وفى سنة عشر ومائة توفى عالم زمانه الحسن بن أبى الحسن البصرى وله تسعون سنة وكان قد سمع من عثمان والكبار ومات بعده بيوم شيخ البصرة محمد بن سيرين من كبار ائمة التابعين الورعين ومات شاعر العصر جرير والفرزدق فيها* وفى سنة احدى عشرة ومائة عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجرّاح الحكمى فافتتح المدينة البيضاء* وفى سنة ثلاث عشرة ومائة أعيد الى ولاية أذربيجان وأرمينية مسلمة بن عبد الملك وفيها توفى عالم الشأم مكحول مولى بنى هذيل ومات أحد ائمة البصرة معاوية بن قرّة المزنى* وفى سنة أربع عشرة ومائة عزل مسلمة عن أذربيجان ونواحيها ووليها مروان الحمار وفيها مات فقيه الحجاز وشيخ العصر أبو محمد عطاء بن أبى رباح المكى مولى قريش عن سنّ عالية وكان أسود قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وفيها مات الامام أبو جعفر محمد بن على بن الحسين العلوى الباقر الفقيه وله ثمان وخمسون سنة وعالم أهل اليمن وهب بن منبه الصنعانى وكان يشبه كعب الاحبار فى زمانه عاش ثمانين سنة وأخذ عن ابن عباس* وفى سنة خمس عشرة ومائة مات عالم الكوفة الحكم بن عيينة الفقيه أحد الائمة وقاضى مرو عبد الله بن بريدة الاسلمى وله مائة سنة* وفى سنة سبع عشرة ومائة مات شيخ أهل مكة عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة التيمى وعالم البصرة أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسى الضرير المفسر وكان يقول ما سمعت شيئا فنسيته وما فى القرآن آية الا وقد سمعت فيها شيئا من النكت* وقال ابن سيرين قتادة أحفظ الناس ومات قاضى الجزيرة وفقيهها ميمون بن مهران البرقى وكان من العباد ومات عالم المدينة ومحدّثها أبو عبد الله نافع مولى ابن عمر* وفى سنة ثمان عشرة ومائة مات جدّ الخلفاء العباسيين على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بالبلقاء فى اعتقال الخليفة هشام وكان من أجمل قريش وأجلها وأهيبها وأعبدها* قال الاوزاعى كان يسجد لله تعالى كل يوم ألف سجدة وفيها مات الامام عمرو ابن شعيب من علماء التابعين ومقرى دمشق عبد الله بن عامر اليحصبى أحد السبعة وله سبع وتسعون سنة وقد ولى القضاء* وفى سنة عشرين ومائة مات فقيه الكوفة حماد بن أبى سليمان وهو شيخ أبى حنيفة ومات مقرى مكة عبد الله بن كثير الكنانى مولاهم الدارمى وله خمس وسبعون سنة ومات علقمة بن مرثد الكوفى المحدّث* وفى سنة احدى وعشرين ومائة مات البطل الكرّار مسلمة بن عبد الملك ابن مروان الامير الملقب بالجرادة الصفراء وله فتوحات كثيرة مشهورة منها مسيره فى مائة وعشرين ألفا فغزا القسطنطينية فى دولة أخيه سليمان* وفيها قتل زيد بن على بن الحسين بن على الهاشمى بالكوفة فى المصاف وكان قد خرج وبايعه خلق كثير فحاربه نائب العراق يوسف بن عمر وظفر به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 يوسف فقتله وصلبه عريانا وبقى جسده مصلوبا أربع سنين وقد مر فى الفصل الاوّل من الموطن الاوّل أن العنكبوت نسجت على عورة زيد بن على بن الحسين لما صلب عريانا* وفى سنة ثلاث وعشرين ومائة مات شيخ البصرة ثابت بن أسلم البنانى من سادة التابعين علما وعبادة وتألها وشيخ الكوفة سماك بن حرب الذهلى وكان يقول ذهب بصرى فدعوت الله عز وجل فردّه علىّ وقال أدركت ثمانين صحابيا* وفى رمضان سنة أربع وعشرين ومائة مات عالم زمانه الزهرى أبو بكر محمد بن مسلم المدنى وله أربع وسبعون سنة* وفى سنة خمس وعشرين ومائة مات والد السفاح والمنصور محمد بن على بن عبد الله بن عباس الهاشمى وله ستون سنة* وفى سيرة مغلطاى وفى أيامه قتل قاآن الترك ودخلت دعاة بنى العباس خراسان وقتل يوسف بن عمر الثقفى نائب العراق زيد بن على بن الحسين وصلبه وقد مر نبذة منه فى حديث الغار وبعد زمان أحرقه وذرّاه فلما ظهر بنو العباس تتبعوا قبور الامويين يجلدونهم ويحرّقونهم* وفى ربيع الاخر منها مات أمير المؤمنين أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان الاموى بالرصافة بدمشق وقيل فى شوّال سنة خمس وعشرين ومائة وله أربع وخمسون سنة وقيل ثلاث وخمسون وخلافته عشرون عاما أو تسع عشرة سنة وتسعة أو سبعة أشهر وأياما وفى سيرة مغلطاى واحدى عشرة ليلة بدل وأياما* (ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الاموى القرشى) * أبو العباس الفاسق وهو السادس فخلع كما سيأتى أمّه بنت يوسف الثقفى أخت الحجاج ومولده بدمشق فى سنة تسعين ويقال سنة اثنتين وتسعين وكان من أجمل الناس وأحسنهم وأقرئهم وأجودهم شعرا وكان فاسقا متهتكا بويع بالخلافة بعد موت عمه هشام لان أباه حين احتضر لم يكن له أن يستخلفه لانه صبى حديث السنّ فعقد لاخيه هشام بالخلافة وعهد اليه بان يكون ولده الوليد هذا ولى العهد من بعده ولما مات هشام سلم الخلافة الى الوليد* ذكر الذهبى باسناده عن عمر قال ولد لاخى أمّ سلمة ولد سموه الوليد فقال صلى الله عليه وسلم سميتموه بأسماء فراعنتكم ليكونن فى هذه الامّة رجل يقال له الوليد لهو أشد لهذه الامّة من فرعون لقومه* وعن صالح بن سليمان قال أراد الوليد أن يحج وقال أشرب الخمر فوق ظهر الكعبة ونقل عنه من كفرياته وفسقه كثير من ذلك انه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها فقالت له الدادة هذا دين المجوس فأنشد من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور وأخذ يوما المصحف ففتحه فأوّل ما طلع واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فقال أتهدّدنى ثم أغلق المصحف ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه ثم أنشد أتوعد كل جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد اذا لا قيت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد وأذن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلى بالناس غيرها فخرجت وهى جنب سكرانة فلبست ثيابه وتنكرت وصلت بالناس ونكح أمّهات أولاد أبيه* قيل كان فى عقله خلل والا فما يجاهر بالذى يفعله احد وان كان زنديقا خوفا من عواقب الامور* ولما كثر فسقه خرج عليه الناس قاطبة تدينا واجتمع أهل دمشق على خلعه وقتله ففعلوا ونصبوا ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقب بالناقص وسيجىء سبب تسميته بالناقص ورشحوه للخلافة فغلب على دمشق وكان الوليد الفاسق بناحية تدمر فى الصيد فجهز يزيد عسكرا فحاربوه الى ان أحاطوا به بحصن النجراء بأرض تدمر فلما غلب الوليد وحوصردنا من الباب فقال أما فيكم رجل شريف له حسب أكلمه فقال له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 يزيد بن عنبسة كلمنى فقال يا أخا السكاسك ألم أزد فى عطائكم ألم أرفع عنكم المؤمن ألم أعط فقراءكم فقال ما ننقم عليك فى أنفسنا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمّهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك فرجع الى الدار فجلس وأخذ المصحف وقال يوم كيوم عثمان ونشر المصحف يقرأ فيه ثم تسوّروا الحائط عليه فكان أوّل من نزل اليه يزيد بن عنبسة فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يعتقله ويؤامر فيه فنزل من الحائط عشرة فضربه عبد السلام اللخمى على رأسه وضربه آخر على وجهه وجرّوه بين خمسة ليخرجوه فصاحت امرأة حزوا رأسه فذبحوه وقطعوا رأسه وخاطوا الضربة التى فى وجهه وأتوا برأسه على رمح الى يزيد فسجد لله شكرا وتخلف يزيد المذكور بعده وكان قتله فى جمادى الاخرة يوم الخميس لليلتين بقيتا منها سنة ست وعشرين ومائة فكانت خلافته سنة وشهرين أو ثلاثة أشهر* وفى سيرة مغلطاى كان مقامه فى الخلافة سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما وخرج عليه يحيى بن يزيد بن على فقتله نسر بن سيار* (ذكر خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان ابن الحكم الاموى) * أبو خالد القرشى المعروف بالناقص ولقبه الشاكر لا نعم الله وفى سيرة مغلطاى وكانت المعتزلة تفضله على عمر بن عبد العزيز لكونه ينتحل مذهبهم* صفته* كان أسمر نحيفا حسن الوجه وأمّه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد* حكى انّ سليمان بن أبى شيخ بن قتيبة بن مسلم ظفر بما وراء النهر بابنتى فيروز بن يزدجرد فبعث بهما الى الحجاج فبعث الحجاج باحداهما وهى شاه فرند الى الوليد بن عبد الملك فاولدها يزيد هذا وفيروز والد شاه فرند ابن بنت شيرويه بن كسرى وأمّ شيرويه بنت خاقان ملك الترك وأمّ فيروز المذكور هى بنت قيصر عظيم الروم فلذلك كان يزيد هذا يفتخر ويقول أنا ابن كسرى وأبى مروان ... وقيصر جدّى وجدّى خاقان بويع بالخلافة بعد قتل ابن عمه الوليد الفاسق بن يزيد فى جمادى الاخرة سنة ست وعشرين ومائة* وفى سيرة مغلطاى فى مستهل رجب من السنة المذكورة وتم أمره فى الخلافة ولقب بالناقص لكونه نقص الجند من عطاياهم وقال الذهبى لكونه لما استخلف نقص أخباز الجند* روى انه قام خطيبا عند قتل الوليد فقال أما بعد فانى والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ورغبة فى الملك وانى لظلوم لنفسى ان لم يرحمنى ربى ولكن خرجت غضبا لله ودينه وداعيا الى كتاب الله وسنة نبيه حين درست معالم الهدى وطفئ نور أهل التقوى وظهر الجبار المستحل للحرمة والراكب للبدعة فلما رأيت ذلك أشفقت ان غشيكم ظلم لا يقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم وقسوة من قلوبكم وأشفقت أن يدعو كثيرا من الناس الى ما هو عليه فيجيبه فاستخرت الله فى أمرى ودعوت من أجابنى من أهلى وأهل ولايتى وأراح الله البلاد والعباد ولاية من الله ولا قوّة الا بالله أيها الناس انّ لكم عندى ان وليت أموركم أن لا أضع لبنة على لبنة ولا حجرا على حجر ولا أنقل مالا من بلد حتى أسدّ ثغره وأقسم بين مصالحه ما يقوم به فان فضل فضل رددته الى البلد الذى يليه حتى تستقيم المعيشة وتكونوا فيه سواء فان اردتم بيعتى على الذى بذلت لكم فانا لكم وان ملت فلا بيعة لى عليكم وان رأيتم أحدا أقوى منى فانا أوّل من يبايع ويدخل فى طاعته واستغفر الله لى ولكم* ويزيد هذا أوّل من خرج بالسلاح فى العيد* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة يزيد ابن الوليد ومات فى خلافته عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق التيمى فقيه المدينة ودراج أبو السمح واعظ مصر وهلك فى أوّلها خالد بن عبد الله القسرى الدمشقى الامير تحت العذاب وعمره ستون سنة ومات بمكة الامام عمرو بن دينار الجمحى مولاهم قال فيه ابن أبى نجيح ما رأيت أحدا قط أفقه منه وكان يزيد هذا ذا دين وورع الا انه لم يمتع وبغتته المنية ولم تطل خلافته ومات فى سابع الحجة سنة ست وعشرين ومائة* وفى سيرة مغلطاى توفى فى سلخ ذى القعدة وقيل فى ذى الحجة من السنة المذكورة وكانت خلافته ستة أشهر وقيل انه مات بعد عيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 الاضحى* وقال الهيثم بن عدى عاش ستا وأربعين سنة* وقال المداينى عاش خمسا وثلاثين سنة* وقال الذهبى عاش ستا وثلاثين سنة ودفن بباب الجابية الصغير ويقال انه مات بالطاعون وصلى عليه أخوه ابراهيم* (ذكر خلافة ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الاموى) * أمير المؤمنين أبى اسحاق الدمشقى لقب بالمعتز بالله أمّه أمّ ولد لما احتضر يزيد الناقص عهد بالامر الى أخيه ابراهيم فبويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد الناقص ولم يتم أمره ولا اطاعه أحد فلما سمع بذلك مروان الحمار نائب أذربيجان وتلك النواحى وصاحب الفتوحات سار فى جيشه ودعا الى نفسه وقدم الشام فجهز ابراهيم لحربه أخويه بشرا ومسرورا فالتقى الجمعان فانتصر مروان وزحف فنزل على مرج عذراء فبرز لحربه سليمان بن هشام بن عبد الملك فانكسر سليمان فبرز ابراهيم الخليفة وعسكر بظاهر دمشق وأنفق الخزائن واختلف عليه جنده وهزم ابراهيم وتوجه الى الجزيرة فمات بها فى سنة سبع وعشرين ومائة فكانت خلافته شهرين وعشرة أيام* قال الذهبى فخذله جنده وخامروا فاختفى ابراهيم وفى سيرة مغلطاى فمكث ابراهيم فى الخلافة أربعة أشهر ثم خلع وقتله مروان بن محمد وكان فى أيامه عجائب من الهرج واللغط وسقوط الهيبة واختلاف الكلمة* (ذكر خلافة مروان الحمار بن محمد بن مروان ابن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس أبى عبد الملك الاموى الدمشقى القرشى) * أمير المؤمنين ولقبه القائم بحق الله أمّه أمّ ولد كردية وكان مولده بالجزيرة وكان أبوه متوليها من قبل ابن عمه عبد الملك بن مروان فى سنة اثنتين وسبعين* صفته* كان أبيض ربعة أشهل ضخما كث اللحية مهيبا بطلا شجاعا بويع بالخلافة بعد ابن عمه ابراهيم بحكم خلعه ومروان هذا آخر خلفاء بنى أمية* وفى دول الاسلام بايعه الناس واستوثق له الامر وظهر ابراهيم فدخل على مروان ونزل له عن الخلافة وقتل فى هذا الفتنة يوسف بن عمر الثقفى الذى كان نائب العراق ذبح فى السجن بدمشق وقتل عبد العزيز ابن الحجاج بن عبد الملك بن مروان والحكم وعثمان أخو الخليفة ابراهيم وكان مروان هذا يعرف بالحمار لشجاعته يقال فلان أصبر من حمار فى الحرب فانه كان لا يفتر عن محاربة الخارجين عليه وكان أشجع بنى أمية كان يصل السير بالسير ويصبر على مكاره الحروب وقيل سمى بالحمار لان العرب تسمى كل مائة سنة حمارا فلما قارب ملك بنى أمية مائة سنة لقبوا مروان هذا بالحمار وأخذوا ذلك من قوله تعالى وانظر الى حمارك الاية وكان مروان هذا يعرف بالجعدى أيضا نسبة الى مؤدّبه وأستاذه جعد ابن درهم وكان زنديقا وقيل بل قيل له ذلك ذما وعيبا ويقال كانت أمّه من بنى جعدة وقد ولى مروان المذكور ولايات جليلة قبل ان يلى الخلافة وافتتح فتوحات كثيرة وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة ولم ينتج أمره مع بنى العباس وانهزم من عبد الله بن على أقبح هزيمة بعد خطوب وحروب توالت بينهم أشهرا بل سنين لما ظهر أبو مسلم عبد الرحمن الخراسانى بدعوة بنى العباس ووقع الحرب بينهم بخراسان وقتل ابراهيم بن عبد الملك بالزاب كذا فى سيرة مغلطاى* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة مروان الحمار وفى سنة سبع وعشرين ومائة مات محدث المدينة عبد الله بن دينار مولى ابن عمر وزاهد البصرة مالك بن دينار واسمعيل بن عبد الرحمن السدى المفسر* وفى سنة ثمان وعشرين ومائة توفى عاصم بن أبى النجود الكوفى المقرى أحد السبعة* وفى سنة تسع وعشرين ومائة فى رمضان كان ظهور أبى مسلم الخراسانى صاحب الدعوة بمرو واستولى عليها وفيها مات محملين المنكدر التيمى المدنى* وفى سنة احدى وثلاثين ومائة استفحل أمر ابى مسلم الخراسانى واستولى على بلاد خراسان وهزم الجيوش وأقبلت سعادة بنى العباس وولت الدنيا عن بنى أمية* وفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة قامت الدولة العباسية وسار عبد الله بن على فالتقى هو ومران الحمار بأرض الموصل فى جمادى الاخرة فانكسر مروان وقال خليفة بن حياط وسار مروان لحرب بنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 العباس لما بلغه ظهور دعوتهم وكان فى مائة ألف وخمسين ألفا حتى نزل الرأس دون الموصل فالتقى هو وعبد الله بن على العباسى عم المنصور فى جمادى الاخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة فانكسر مروان وقطع الجسور الى الجزيرة فأخذ بيوت الاموال والكنوز وقدم الشأم فاستولى عبد الله على الجزيرة وطلب الشام وفرّعنه مروان ونازل عبد الله دمشق فلما بلغ مروان أخذ دمشق وهو يومئذ بأرض فلسطين دخل الى مصر وعبر النيل وطلب الصعيد وكان قد عزم على الدخول الى الحبشة وبلاد السودان فوجه عبد الله بن على أخاه صالح بن على فى طلب مروان وعلى طلائعه عمرو بن اسمعيل فساق عمرو فى أثر مروان فلحقه بقرية بوصير من أرض مصر فبيته فقتله* قال ابن السندى قتل مروان وهو ابن اثنتين وستين سنة* وقال الذهبى عاش بضعا وخمسين سنة وكانت خلافته خمس سنين وشهرا وعشرة أيام كذا فى سيرة مغلطاى وكان قتله فى ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائة ببوصير من أرض مصر* ويروى ان مروان فى هربه مرّ على راهب فقال يا راهب هل تبلغ الدنيا من الانسان ان تجعله مملوكا قال نعم قال كيف قال بحبها قال فكيف السبيل الى العتق قال ببغضها والتخلى عنها قال هذا مما لا يكون قال سيكون فبادر بالهروب منها قبل ان تبادرك قال هل تعرفنى قال نعم مروان ملك العرب تقتل فى بلاد السودان وتدفن بلا أكفان ولولا ان الموت فى طلبك لدللتك على موضع هربك* وأخبار مروان طويلة ووقائعه كثيرة وهو آخر خلفاء بنى أمية بدمشق وبلاد الشرق وبموته انقرضت دولة بنى أمية الى يومنا هذا سوى عبد الرحمن الداخل من بنى امية الى الغرب وتخلف هو وجماعة من ذريته هناك* وفى حياة الحيوان وفى أيام مروان ظهر أبو مسلم الخراسانى صاحب الدعوة وظهر السفاح بالكوفة فبويع بالخلافة وجهز عمه عبد الله بن على بن عبد الله بن عباس لقتال مروان بن محمد فالتقى الجمعان برأس الموصل فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم مروان وقتل من عسكره وغرق ما لا يحصى فتبعه عبد الله الى أن وصل نهر أردن فلقى جماعة من بنى امية وكانوا نيفا وثمانين رجلا فقتلهم عن آخرهم ثم أمر عبد الله فسحبوا وبسط عليهم بساط وجلس هو وأصحابه فوقهم واستدعى بالطعام فأكلوا وهم يسمعون انينهم من تحتهم فقال عبد الله يوم كيوم الحسين ولا سواء ثم جهز السفاح عمه صالح بن على على طريق السماوة فلحق بأخيه عبد الله وقد نازل دمشق ففتحها عنوة وأباحها ثلاثة أيام ونقض عبد الله سور دمشق حجرا حجرا وهرب مروان الى بوصير قرية من قرى الصعيد عند الفيوم فقال ما اسم هذه القرية قيل بوصير قال الى الله المصير ثم دخل كنيسة فبلغه أن خادما نمّ عليه فقطع رأسه وسل لسانه وألقاه على الارض فجاءت هرّة فاكلته ثم بعد أيام هجم عليه الكنيسة التى كان نازلا بها عمرو بن اسماعيل فخرج مروان من الكنيسة وفى يده سيف وقد أحاط به الجنود وعكفت عليه وصفقت حوله الطيور فتمثل ببيت الحجاج بن الحكم السلمى يقول متقلدين صفائحا هندية ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد ثم قاتل حتى قتل فقال حين قتل انقرضت دولتنا فأمر به عمرو فقطع رأسه وسل لسانه وألقى على الارض فجاءت تلك الهرّة بعينها فحطفته وأكلته فقال عمرو لو لم يكن فى الدنيا عجب الا هذا لكان كافيا لسان مروان فى فم هرة* ودخل عمرو بعد قتله الكنيسة وقعد على فرش مروان وكان مروان يتعشى فلما سمع الوجبة وثب عن عشائه فأكل عمرو ذلك الطعام ودعا بابنة لمروان وكانت أسنّ بناته فقالت يا عمرو انّ دهرا أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليها حتى تعشيت بعشائه واستصبحت بمصباحه ونادمت ابنته لقد أبلغ فى موعظتك وأجمل فى ايقاظك فاستحيى عمرو وصرفها* ملخص أخبار بنى أمية ملخص أخبار بنى أمية انّ جميع خلفائهم من معاوية الى مروان أربعة عشر خليفة أوّلهم معاوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وآخرهم مروان الجعدى المشهور بالحمار وكانت مدّة خلافتهم نيفا وثمانين سنة وهى ألف شهر فعلم ما قال الحسن بن على بن أبى طالب لما قيل له تركت الخلافة لمعاوية فقال ليلة القدر خير من ألف شهر ومدّة خلافتهم منذ خلص الامر لمعاوية الى أن قتل مروان احدى وتسعون سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام منها فتنة ابن الزبير تسع سنين واثنان وعشرون يوما ثم تفرّقوا بعد قتل مروان فى البلاد وتمزقوا كل ممزق وهرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الى الاندلس فبايعه أهلها سنة تسع وثلاثين ومائة وأقام واليا ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر والله أعلم* (ذكر دولة بنى العباس وخلافة السفاح) * أبى العباس عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أمير المؤمنين القرشى العباسى وأمه رابطة بنت عبد الله الحارثية ومولده بالاجمة من ناحية البلقاء سنة ثمان ومائة ونشأ بها* صفته* كان أبيض طوالا أقنى جعد الشعر حسن اللحية بويع بالخلافة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل سنة اثنتين وثلاثين ومائة بعد موت أبيه محمد وكان أبوه بويع بالخلافة كذا فى سيرة مغلطاى ولم يتم أمره وكان السفاح هذا أصغر من أخيه أبى جعفر المنصور* روى عن سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج رجل من أهل بيتى عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون اعطاؤه المال حثيا رواه العطاردى عن أبى معاوية عن الاعمش أخرجه أحمد فى مسنده* وعن عقبة بن عامر الجهنى قال رأيت رسول الله آخذا بيد العباس ثم قال يا عباس انه لا تكون نبوّة الا وكانت بعدها خلافة وسيلى من ولدك فى آخر الزمان سبعة عشر منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم الجموح ومنهم العاقب ومنهم الراهن من ولدك وويل لا متى منه كيف يهلكها ويذهب بأمرها* وعن ابن عباس قال أقبل العباس يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبى بكر يا أبا بكر هذا العباس قد أقبل وعليه ثياب بيض وسيلبس ولده من بعده السواد ويتملك منهم اثنا عشر رجلا يعنى ملكا وينازع فيه أخرجهما ابن حبان والملا فى سيرته وكان قد قام بدعوة السفاح أبو مسلم الخراسانى وهو الذى مهد له البلاد وقطع جادرة بنى أمية قال الهيثم بن عدى وهشام بن الكلبى عاش السفاح ثلاثا وثلاثين سنة وقال الذهبى مات بالانبار وله اثنان وثلاثون سنة ومات يوم الاحد لاثنتى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وزاد غيرهما فقال بالجدرى فى ذى الحجة وقال خليفة توفى سنة خمس وثلاثين وهو ابن ثمان وعشرين وقال غيره وهو ابن سبع وعشرين سنة والاوّل أشهر وأصح* قال الذهبى ومدّة خلافته خمس سنين الا ثلاثة أشهر وفى سيرة مغلطاى كانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر ويوما وأوصى بالخلافة بعده لاخيه المنصور* (ذكر خلافة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس) * أمير المؤمنين القرشى الهاشمى ثانى خلفاء بنى العباس أمه سلامة البربرية ومولده فى سنة خمس وتسعين وهو أسنّ من أخيه السفاح كما تقدّم وكان المنصور فى صغره يلقب بمدرك التراب وبالطويل أيضا ثم لقب فى خلافته بأبى الدوانيق لبخله وكان بخيلا ولمحاسبته العمال والصناع على الدوانيق والحبات سمى بالدوانيقى وكان مع هذا ربما يعطى العطاء العظيم* صفته* كان أسمر نحيفا طويلا مهابا خفيف العارضين معرّق الوجه رحب للحية يخضب بالسواد كأنّ عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوك بزىّ النساك تقلبه القلوب وتتبعه العيون وكان أفحل بنى العباس هيبة وشجاعة وحزما ورأيا وجبرونا وجماعا للمال تاركا للهو والطرب كامل العقل جيد المشاركة فى العلم والادب فقيه النفس وكان يرجع الى عدل وديانة وله حظ من صلاة وتدين وكان فصيحا بليغا خليقا للامارة الا أنه قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه بويع بالخلافة بعد أخيه السفاح أتته البيعة وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 بمكة بعهد السفاح لانه كان حج فى تلك السنة ومكث فى الخلافة احدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا كذا فى سيرة مغلطاى وفيها حج أبو مسلم الخراسانى ووقع منه فى حق المنصور أمور نقمها عليه وقتله لما ولى الخلافة* والمنصور هذا هو الذى بنى بغداد وقتل أبا مسلم الخراسانى واسمه عبد الرحمن وضرب أبا حنيفة على أن يلى القضاء فامتنع ومات فى حبسه كذا فى سيرة مغلطاى وهو والد جميع الخلفاء العباسية* ولما بلغ نائب الشام عم السفاح وهو عبد الله بن على موت السفاح زعم انّ السفاح عهد اليه فى حياته بالخلافة بعده وأنه على ذلك حارب مروان حتى هزمه واستأصله وأقام بذلك شهودا ودعا الى نفسه فبايعه جيشه وعسكر بدابق فجهز المنصور لحربه صاحب الدولة أبا مسلم الخراسانى فكان المصاف بنصيبين وكانت وقعة هائلة فانكسر الشاميون وهرب عبد الله الى البصرة ونائبها أخوه فاختفى عنده وحاز أبو مسلم خزائنه وكانت عظيمة لانه استولى على ذخائر بنى أمية ونعمتهم فبعث المنصور يقول لابى مسلم احتفظ بمالى فعظم ذلك عليه وعزم على خلع المنصور وسار بجيشه يريد خراسان ليقيم بها خليفة علويا فراسله المنصور يستعطفه ويعتذر اليه فما زال بتحيله عليه حتى انخدع ووقع فى مخالبه وجاء الى خدمته فبالغ المنصور فى تعظيمه وكان اذا ركب الى الخدمة يركب فى ثلاثة آلاف فكلمه ابن عم الخليفة فى أن يختصر هذا الموكب فما زالوا به حتى كان يركب فى مائة فارس فدخل يوما الى المنصور وقد أعدّ له عشرين بالسلاح فى مجلس وقال اذا رأيتمونى أصفق بيدى فدونكم عدوّ الله فدخل والحجاب يمنعون امراءه من الدخول حتى بقى وحده فأخذ المنصور يعنفه ويتنمر له ويعدّد ذنوبه بعد أن قال له أرنى سيفك هذا فأخذه ونظر فيه ووضعه تحت طراحته فبقى أبو مسلم يعتذر ويقول ما قتلت من سمى مولانا أمير المؤمنين الا فى اقامة دولتكم ثم صفق المنصور بيده فخرج العشرون فذل أبو مسلم وقال يا أمير المؤمنين استبقنى لعدوّك فقال وهل أعدى لى منك فقطعوه فى الحال ولف فى بساط وألقوا رأسه الى أصحابه خارج القصر ونثروا لهم ذهبا عظيما فاشتغلوا بذلك يقال انّ أبا مسلم كان جبارا مهيبا سفاكا للدماء أباد أمما لا يحصون حتى قيل انه قتل ستمائة ألف محاربة وصبرا وعاش سبعا وثلاثين سنة* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة أبى جعفر المنصور وفى سنة احدى وأربعين ومائة مات موسى بن عقبة صاحب المغازى بالمدينة وكان فقيها مفتيا من التابعين وفيها أمر المنصور بعمارة جدار الحجر فعملوه بالرخام وكان قبل ذلك مبنيا بحجارة بادية ليس عليها رخام كذا فى شفاء الغرام* وفى سنة اثنتين وأربعين ومائة مات شيخ الكوفة خالد بن مهران الحذاء الحافظ وعم الخليفة سليمان بن على العباسى أمير البصرة عن ستين سنة وفى سنة ثلاث وأربعين ومائة مات حميد الطويل وسليمان التيمى صاحب أنس بن مالك وكانا من الائمة الكبار وقد مكث سليمان التيمى أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ويصلى الصبح بوضوء العشاء وفى سنة خمس وأربعين ومائة أمر المنصور ببناء مدينة بغداد* سبب بناء بغداد روى ان المنصور خرج يوما الى الصيد وسار الى أن وصل الى الدجلة وأرض بغداد ولم يكن حينئذ هناك بلد ولا عمارة سوى دير لراهب ومزرعة فطلب المنصور الراهب واستخبره عن اسمه وعن اسم الارض فقال اسمى باغ وهذه الارض اسمها داد وقرأت فى كتاب اقليد سيات والملاحم ان لا بدّ أن يعمر ههنا مدينة مذكورة الى آخر الزمان فاشتراها منه وبنى فيها مدينة وسميت بغداد باسم الراهب والارض فرسمها أولا بالرماد وأسس أسوارها وبنيت مستديرة وفى وسطها قصر السلطنة وفرغ بناؤها فى أربع سنين* وفى سنة ثمان وأربعين ومائة توفى سيد بنى هاشم جعفر بن محمد الصادق أبو عبد الله العلوى المدنى وله ثمان وستون سنة* وفى سنة تسع وأربعين ومائة مات بالبصرة كهمس بن الحسين من صغار التابعين* وفى سنة خمسين ومائة مات امام أهل الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى صاحب عطاء وهو أوّل من صنف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 التصانيف فى العلم بمكة كما أن سعيد بن أبى عروبة أوّل من صنف بالبصرة فى هذا العصر* ترجمة الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان وفى رجب سنة خمسين ومائة توفى فقيه العراق الامام الاعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زنوطا بن ماه الكوفى مولى بنى تيم الله بن ثعلبة أحد الائمة الاربعة المشهورين ولد بالكوفة سنة ثمانين ونشأ بها* قال أبو بكر ابن أحمد بن ثابت المؤرّخ يقال انّ أباه ثابتا هو الذى أهدى الفالوذج لعلى بن أبى طالب يوم النيروز وقيل كان يوم المهرجان وكان أبو حنيفة يقول أنا فى بركة دعوة صدرت من علىّ بن أبى طالب* وعن ابن حيرون عن الضمرى قال كان أبو حنيفة حسن السمت والوجه والثوب والفعل والمواساة لكل من طاف به* صفته* انه كان ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير وكان من أحسن الناس منطقا روى انّ ولادته كانت فى عصر الصحابة وتفقه فى زمن التابعين* وفى الكشف شرح المنار انه ولد فى زمن الصحابة ولقى ستة منهم انس بن مالك وعبد الله بن الحارث بن جزء وعبد الله بن أنيس وعبد الله ابن أبى أوفى وواثلة بن الاسقع ومعقل بن يسار وفى جابر بن عبد الله اختلاف ونشأ فى زمن التابعين وفى تذنيب الرافعى يقال انه أدرك أنس بن مالك حين نزل الكوفة وسمع عطاء بن أبى رباح والزهرى وقتادة* وفى تاريخ اليافعى رأى انسا وروى عن عطاء بن أبى رباح وتفقه على حماد بن أبى سليمان وفى تاريخ اليافعى وكان قد أدرك أربعة من الصحابة أنس بن مالك بالبصرة وعبد الله بن أبى أوفى بالكوفة وسهل بن سعد الساعدى بالمدينة وأبا الطفيل عامر بن واثلة بمكة* وذكر الخطيب فى تاريخ بغداد انه رأى أنس بن مالك وأخذ الفقه من حماد بن أبى سليمان وسمع عطاء بن أبى رباح وأبا اسحاق السبيعى ومحارب بن دثار والهيثم بن حبيب الصوّاف ومحمد بن المنكدر ونافع مولى عبد الله بن عمر وهشام بن عروة وسماك بن حرب وفيه قال أبو حنيفة دخلت على أبى جعفر أمير المؤمنين فقال لى يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم قال قلت عن حماد عن ابراهيم عن عمر بن الخطاب وعن على بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس قال بخ بخ استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين رضى الله عنهم أجمعين* وفيه أيضا قيل دخل أبو حنيفة يوما على المنصور وهو أبو جعفر وعنده عيسى بن موسى قال المنصور انّ هذا لعالم الدنيا اليوم فقال له يا نعمان عمن أخذت العلم قال عن أصحاب عمر عن عمرو عن أصحاب على عن على وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله وما كان فى وقت ابن عباس على وجه الارض أعلم منه قال لقد استوثقت* روى عن أبى حنيفة ابن المبارك ووكيع بن الجرّاح والقاضى أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى وغيرهم* وحكى عن الشافعىّ انه قال الناس كلهم عيال على ثلاثة على مقاتل بن سليمان فى التفسير وعلى زهير بن أبى سليمان فى الشعر وعلى أبى حنيفة فى الكلام* وفى رواية عن الشافعىّ انه قال الناس فى الفقه عيال أبى حنيفة* وروى حرملة بن ابى يحيى عن الشافعىّ انه قال الناس عيال هؤلاء الخمسة من أراد أن يتبحر فى الفقه فهو عيال أبى حنيفة ومن أراد أن يتبحر فى التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان ومن أراد أن يتبحر فى النحو فهو عيال على الكسائى ومن أراد أن يتبحر فى الشعر فهو عيال على زهير بن أبى سلمى ومن أراد أن يتبحر فى المغازى فهو عيال على ابن اسحاق وكذا فى حياة الحيوان* وفى ربيع الابرار يقال انّ أربعة لم يسبقوا ولم يلحقوا أبو حنيفة فى الفقه والخليل فى نحوه والجاحظ فى تأليفه وأبو تمام فى شعره وفى تذنيب الرافعى عرض المنصور أخو السفاح عليه القضاء فامتنع عن الدخول فيه فألج عليه وضربه ثلاثين سوطا ثم اعتذر وأمر له بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها* وفى تاريخ اليافعى نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة الى بغداد وأراد أن يوليه القضاء فأبى فخلف عليه ليفعلن فحلف أبو حنيفة لا يفعلنّ فقال الربيع بن يونس الحاجب لابى حنيفة ألا ترى أن أمير المؤمنين يحلف فقال أبو حنيفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 أمير المؤمنين أقدر منى على كفارة يمينه فأمر به الى السجن فلم يقبل القضاء فضربه مائة سوط وحبس الى ان مات فى السجن وقيل انّ المنصور سقاه سما فمات شهيدا رحمه الله* سمه لقيامه مع ابراهيم بن عبد الله ابن حسن كذا فى تاريخ اليافعى وكذا روى عن بشر بن الوليد* قال الخطيب أيضا فى بعض الروايات انّ المنصور لما بنى مدينته ونزل بها ونزل المهدى فى الجانب الشرقى وبنى مسجد الرصافة أرسل الى أبى حنيفة فجىء به فعرض عليه قضاء الرصافة فأبى فقال له ان لم تفعل ضربتك بالسياط فقال أو تفعل قال نعم فقعد فى القضاء يومين فلم يأته أحد فلما كان فى اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر فقال الصفار لى على هذا درهمان وأربعة دوانق ثمن ثور صفر قال أبو حنيفة اتق الله وانظر فيما يقول الصفار قال ليس علىّ شئ فقال أبو حنيفة للصفار ما تقول قال استحلفه لى فقال أبو حنيفة قل والذى لا اله الا هو فجعل يقول فلما رآه أبو حنيفة مقدما على اليمين قطع عليه وأخرج من صرّة فى كمه درهمين ثقيلين وقال للصفار هذا عوض مالك عليه فلما كان بعد اليومين اشتكى أبو حنيفة فمرض ستة أيام ثم مات رحمه الله* وكان يزيد بن هبيرة الفزارى أمير العراقين أراده للقضاء بالكوفة فى أيام مروان بن محمد آخر ملوك بنى أمية فأبى عليه أبو حنيفة فضربه مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرة أسواط وهو على الامتناع فلما رأى ذلك خلى سبيله* وفى ربيع الابرار أراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة على القضاء فأبى فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليسجننه وفعل حتى انتفخ وجه أبى حنيفة ورأسه من الضرب فقال الضرب فى الدنيا بالسياط أهون علىّ من مقامع الحديد فى الاخرة* وعن أبى عون ضرب أبو حنيفة مرّتين على القضاء ضربه ابن هبيرة وضربه أبو جعفر وأحضر بين يديه فدعا له بسويق وأكرهه على شربه فشربه ثم قال فقال الى اين فقال الى حيث بعثتنى فمضى به الى السجن فمات فيه وكان الامام أحمد بن حنبل اذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبى حنيفة وذلك بعد أن ضرب الامام أحمد على ترك القول بخلق القرآن* وفى الكشاف وكان أبو حنيفة يفتى سرّا بوجوب نصرة زيد بن على وحمل المال اليه والخروج على اللص المتغلب المتسمى بالامام والخليفة كالدوانيقى وأشباهه وقالت له امرأة أشرت الى ابنى بالخروج مع ابراهيم ومحمدا بنى عبد الله بن الحسن حتى قتل فقال ليتنى مكان ابنك وكان يقول فى المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادونى على عدّ آجرّه لما فعلت* وذكر الخطيب فى تاريخه أيضا انّ أبا حنيفة رأى فى المنام انه نبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث من سأل محمد ابن سيرين قال ابن سيرين صاحب هذه الرؤيا يثور علما لم يسبقه اليه أحد* وعن صالح بن محمد ابن يوسف بن رزين عن أبى حنيفة أنه قال رأيت فى المنام كأنى نبشت قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخرجت عظاما فاحتضنتها قال فهالتنى هذه الرؤيا فدخلت على ابن سيرين وقصصتها عليه فقال ان صدقت رؤياك لتحيين سنة محمد صلى الله عليه وسلم* وعن يوسف بن الصباغ قال قال لى رجل رأيت كأن أبا حنيفة نبش قبر النبىّ عليه السلام فسألت عن ذلك ابن سيرين ولم أخبره من الرجل الذى رأيته قال هذا رجل يحيى سنة محمد صلى الله عليه وسلم* قال الامام الشافعى قيل لما لك هل رأيت أبا حنيفة قال نعم رأيت رجلا لو كلمك فى هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته* وفى ربيع الابرار كان الثورى اذا سئل عن مسألة دقيقة قال لا يحسن أن يتكلم فيها الا رجل قد حسدناه يعنى أبا حنيفة* قال على بن عاصم لو وزن عقل أبى حنيفة بعقل أهل الارض لرجح به قال يزيد بن هارون ما رأيت أورع ولا أعقل من أبى حنيفة مكث عشرين سنة يصلى الصبح بوضوء العشاء* وقال جعفر بن عبد الرحمن كان أبو حنيفة يحيى الليل بقراءة القرآن فى ركعة ثلاثين سنة* وفى ربيع الابرار ختم القرآن فى ركعة واحدة أربعة من الائمة عثمان بن عفان وتميم الدارى وسعيد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 جبير وأبو حنيفة* وروى عن أسد بن عمرو أنه قال صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة وكان يسمع بكاؤه فى الليل حتى ترحمه جيرانه* وفى حياة الحيوان كان أبو حنيفة اماما فى القياس وصلى صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة وكان عامّة ليله يقرأ القرآن فى ركعة واحدة وكان يبكى فى الليل حتى ترحمه جيرانه وختم القرآن فى الموضع الذى توفى فيه سبعة آلاف مرة ولم يفطر منذ ثلاثين سنة* وقال على بن يزيد الصدائى رأيت أبا حنيفة ختم القرآن فى شهر رمضان ستين ختمة بالليل لو ستين ختمة بالنهار* وروى عن أبى حنيفة أنه قال دخلت البصرة فظننت أن لا أسأل عن شئ الا أجبت عنه فسألونى عن أشياء لم يكن عندى فيها جواب فجعلت على نفسى أن لا أفارق حمادا فصحبته عشرين سنة قال وما صليت صلاة الا واستغفرت لحماد مع والدىّ ولكل من قرأت عليه وكان أبو حنيفة يقول ما جاءنا أو يقول أتانا عن الله ورسوله قبلناه على الرأس والعين وما جاءنا أو أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم وما جاءنا أو أتانا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال وأما غير ذلك فلا نسمع التشنيع كذا فى ربيع الابرار غير قوله وأما غير ذلك فلا نسمع التشنيع وفى نوابغ الكلم وتد الله الارض بالاعلام المنيفة* كما وتد الحنيفية* بعلوم أبى حنيفة* الائمة الجلة الحنفية* أزمة الملة الحنيفية* الناس حنفى وأحنفى* والدين والعلم حنيفى وحنفى كذا فى ربيع الابرار وحتيف هو ابن السجف بن سعد التابعى وكان شجاعا باسلا والحنتف الجراد المنتف المنقى للطبخ والحسّوف؟؟؟ الذى ينتف لحيته من هيجان المرار به والا حنف بن قيس من كبار التابعين والسيوف الحنيفية تنسب اليه لانه أوّل من أمر باتخاذها والقياس أحنفى كذا فى القاموس وكان أبو حنيفة يقول قولنا هذا رأى وهو أحسن ما قدمنا عليه فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب* وفى الملل والنحل للشهرستانى وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى* ومن أصحابه محمد بن الحسن وأبو يوسف يعقوب وزفر بن هذيل والحسن بن زياد اللؤلؤى وأبو مطيع البلخى وبشر المريسى* ومن تورّعه عما دخله الشبهة ما رواه حفص بن عبد الرحمن وكان شريك أبى حنيفة فى التجارة وكان أبو حنيفة يتجر عليه ويبعث اليه بمتاع ويقول له فى ثوب كذا وكذا عيب فبين اذا بعته فباع حفص المتاع ولم يبين ونسى فلما علم أبو حنيفة تصدّق بثمن الثياب كلها* ومن ورعه انّ شاة سرقت فى عهده فلم يأكل لحم الشاة مدّة تعيش الشاة فيها وكان يتمثل بهذين البيتين دائما عطاء ذى العرش خير من عطائكم ... وفضله واسع يرجى وينتظر أنتم يكدّر ما تعطون منكم ... والله يعطى فلا منّ ولا كدر وروى انّ امرأة دخلت فى مسجد أبى حنيفة وهو جالس بين أصحابه فأخرجت تفاحة أحد جانبيها أحمر والاخر أصفر فوضعتها بين يديه ولم تتكلم فأخذها أبو حنيفة وشقها نصفين فقامت المرأة وخرجت ولم يعرف أصحابه مرادها فسألوه عن ذلك فقال انها ترى تارة أحمر مثل احد جانبى التفاحة وتارة أصفر مثل الجانب الاخر سألت أيكون حيضا أو طهرا فشققت التفاحة وأريتها باطنها وأردت بذلك أن لا تطهرين حتى ترين البياض مثل باطنها فقامت وخرجت* وفى المبسوط أن اعرابيا دخل على أبى حنيفة وهو جالس بين أصحابه فقال له أفى الصلاة واو أو واوان فقال واوان فقال بارك الله فيك كما بارك فى لا ولا فلم يعلم أحد سؤال السائل ولا جواب أبى حنيفة فسألوه عن ذلك فقال سألنى فى التشهد واو أو واوان فقلت واوان فدعا لى بالبركة كما بارك فى الشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية وقال أحمد بن كامل وعبد الباقى بن قانع توفى أبو حنيفة ببغداد سنة خمسين ومائة وكان ابن سبعين* وقال النووى فى تهذيب الاسماء واللغات توفى فى سنة احدى وقيل ثلاث وخمسين ومائة كذا فى حياة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الحيوان وهى السنة التى ولد فيها الامام الشافعى رحمه الله وقيل مات فى يوم ولادته لكن قال البيهقى لم يثبت اليوم* وفى ربيع الابرار نعى الى شعبة فقال بعد الاسترجاع قد طفئ من أهل الكوفة أضوأ نور أهل العلم أما انهم لا يرون مثله أبدا ويقال انّ مسعرا لما بلغه وفاة أبى حنيفة قال مات أفقه المسلمين وصلى عليه قاضى القضاة الحسن بن عمارة فى جمع عظيم* وعن عبد الحميد بن عبد الرحمن قال رأيت فى المنام كأنّ نجما سقط من السماء فقيل أبو حنيفة ثم سقط آخر فقيل مسعر ثم سقط آخر فقيل سفيان فمات أبو حنيفة قبل مسعر ثم مسعر قبل سفيان ثم سفيان* وعن خلف بن سالم عن صدقة المقابرى وكان صدقة مجاب الدعوة يقال لما دفن أبو حنيفة فى مقابر الخيزران سمعت صوتا من الليل ثلاث ليال يقول ذهب الفقه فلا فقه لكم ... واتقوا الله وكونوا حنفا مات نعمان فمن هذا الذى ... محى الليل اذا ما سجفا وقال الذهبى قبره مشهد كبير وعليه قبة عالية ببغداد رحمه الله رحمة واسعة وفى سنة احدى وخمسين قدم المهدى ولد الخليفة من الرىّ فرأى بغداد فأعجبته وبنى بازائها الرصافة فى الجانب الشرقى وجعل له أبوه حاشية وحشما وخيلا فى زى الخلفاء وبايعه الناس بولاية العهد وأن يكون له الامر بعد أبيه وأن يكون العهد بعد المهدى لعيسى الذى كان ولى عهد المسلمين* وفيها مات شيخ البصرة وعالمها وزاهدها عبد الله بن عون* قال ابن مهدى ما كان بالعراق أعلم بالسنة منه* وقال هشام بن حسان تلميذ الحسن البصرى لم تر عيناى مثل ابن عون* وفيها مات محمد بن اسحاق بن يسار المدنى صاحب السير الذى يقول فيه شعبة كان ابن اسحاق أمير المؤمنين فى الحديث* وفى سنة أربع وخمسين ومائة توفى مقرى البصرة أبو عمرو بن العلاء المازنى أحد السبعة عن أربع وثمانين سنة والحكم بن أبان العدنى صاحب طاوس وكان اذا هدأت العيون وقف فى البحر الى ركبتيه يذكر الله تعالى الى الفجر ومسعر بن كدام الهلالى عالم الكوفة وحافظها قال شعبة كنا نسميه المصحف لاتقانه وفى سنة ست وخمسين ومائة مات شيخ البصرة وعالمها شعبة بن أبى عروبة العدوى صاحب التصانيف ومقرئ الكوفة حمزة بن حبيب الزيات وكان رأسا فى القرآن والفرائض والورع* وفى سنة سبع وخمسين ومائة مات الحسين بن واقد قاضى مرو وعالمها وأبو عمر والاوزاعى فقيه الشأم وكان رأسا فى العلم والعمل أجاب فى سبعين ألف مسئلة* قال أبو مسهر كان الاوزاعى يحيى الليل صلاة وقرآنا وبكاء* وفى سنة ثمان وخمسين ومائة صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف ألف ثم رضى عنه واستنابه على الموصل ومات زفر بن الهذيل الفقيه صاحب أبى حنيفة مات كهلا وكان من الاذكياء أولى العبادة والعلم* وفاة المنصور وعن الهيثم بن عمران قال انّ المنصور مات بالبطن بمكة* وقال خليفة والهيثم وغيرهما عاش أربعا وستين سنة* قال الصولى دفن ما بين الحجون وبئر ميمون فى ذى الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة* وفى حياة الحيوان مات ببئر ميمون على اميال من مكة وهو محرم بالحج وكذا فى سيرة مغلطاى وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت خلافته اثنتين وعشرين سنة وثلاثة أشهر* قال الذهبى وسار المنصور للحج فأدركه الموت وهو محرم بظاهر مكة وله ثلاث وستون سنة وتخلف بعده ابنه المهدى* (ذكر خلافة المهدى أبى عبد الله محمد بن أبى جعفر المنصور محمد بن على بن عبد الله الهاشمى العباسى) * الثالث من خلفاء بنى العباس وأمّه أمّ موسى بنت منصور الحميرى ومولده بأقدح فى سنة سبع وعشرين ومائة* وقال الخطى ولد سنة ست وعشرين ومائة فى جمادى الاخرة بويع بالخلافة بعد موت أبيه المنصور بعهد منه اليه وكان المهدى جوادا ممدحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 مليح الشكل محببا الى الرعية شجاعا خصاما للزنادقة يتتبعهم ويقتلهم فى كل بلد وبنى جامع الرصافة وكسا الكعبة القباطى والخز والديباج وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أسفلها الى أعلاها ولما شب ولاه أبوه على طبرستان وما يليها وعلى الرىّ وتأدّب المهدى وجالس العلماء وتميز وقيل انّ أباه المنصور غرم أموالا عظيمة وتحيل حتى استنزل ولى العهد أخاه عيسى بن موسى عن المنصب وولاه للمهدى هذا* قال الذهبى بايعه الناس بالعهد الذى عهد اليه أبوه المنصور فلما كان بعد أشهر الحّ على ولىّ عهده من بعده عيسى بن موسى بكل ممكن ليخلع نفسه عن العهد لموسى الهادى بن المهدى فأجاب خوفا على نفسه وأعطاه المهدى عشرة آلاف ألف واقطاعات جليلة وأبرم ذلك فى أوّل سنة ستين ومائة* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المهدى وفى سنة تسع وخمسين ومائة مات مالك بن معول البجلى أحد الائمة قال له رجل اتق الله فألصق خده بالارض فمات* وفى سنة ستين ومائة افتتح المسلمون مدينة كبيرة بالهند وكانت دولة المهدى مباركة محمودة ففرّق فى هذا العام أموالا لا تحصى وأمر بانشاء رواقات المسجد الحرام وحمل اليها الا عمدة الرخام فى البحر وفرق فى أهل الحرمين ما لم يسمع بمثله أبدا فقيل بلغ ثلاثين ألف ألف درهم وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألفا وحج بالناس وحمل معه الثلج الى مكة وهذا أيضا لم يسمع بمثله وفى جمادى الاخرة من العام مات محدّث الاسلام شعبة بن الحجاج العتكى الواسطى شيخ أهل البصرة وله ثمانون سنة* قال الشافعى لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق* وقال آخر رأيت شعبة يصلى حتى تورّم قدماه رحمه الله* ظهور عطاء المقنع الساحر وفى سنة احدى وستين ومائة كان ظهور عطاء المقنع الساحر الذى ادّعى النبوّة* قال الذهبى ادّعى الربوبية بناحية مرو واستغوى الخلق وأرى الناس قمرا آخر فى السماء يراه المسافرون من مسيرة شهرين وكان يرى الناس أعاجيب كثيرة من أنواع السحر وكان يقول بالتناسخ وانّ الحق تحوّل فى صورة آدم فسجدت له الملائكة ثم تحوّل الى صورة نوح ثم تحوّل الى صورة صاحب الدولة أبى مسلم الخراسانى ثم الى صورته تعالى الله عن ذلك فعبده خلق وقاتلوا دونه مع قبح صورته ولكنته وعوره ودمامته وكان قد اتخذ على وجهه وجها من ذهب يستتر به فقيل له المقنع فأرسل اليه المهدى جيشا عليهم شعبة الخرشى فالحّ عليه بالقتال وقتل خلق كثير وقتلوه وقيل انه لما أحس بالغلبة وعلم بأخذه قتل نفسه فافتتح المسلمون حصنه فقطعوا رأسه وبعثوا به فقدم الرأس على المهدى وهو بحلب* وفى شعبان سنة احدى وستين ومائة توفى سيد أهل زمانه فى العلم والعمل سفيان بن شعبة الثورى وله ست وستون سنة بالبصرة* قال ابن المبارك كتبت الحديث عن ألف ومائة ما فيهم أفضل من الثورى* وقال ابن معين وغيره الثورى أمير المؤمنين فى الحديث* وقال الثورى ما حفظت شيئا فنسيته وفى سنة احدى وستين ومائة جدّد المهدى عمارة الحجر وجداره ورخمها برخام حسن كذا فى شفاء الغرام نقلا عن الازرقى* وفى سنة اثنتين وستين أو احدى وستين ومائة مات سيد الزهاد ابراهيم بن أدهم البلخى بالشأم وكان أبوه أميرا ومات بعده أو قبله زاهد الكوفة داود بن نصير الطائى وكان اماما فى العلم والعمل* وفى سنة ثلاث وستين ومائة مات عالم خراسان ابراهيم بن طهمان وبكير بن معروف المفسر قاضى نيسابور* وفى سنة ثمان وستين ومائة مات أمير المدينة أبو محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب والد السيدة نفيسة وله خمس وثمانون سنة ومات الامير ولى عهد السفاح عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم وقد ذكرنا انّ المهدى خلعه وكان من كبار الابطال* وفى سنة تسع وستين ومائة لثمان بقين من المحرّم منها توفى أمير المؤمنين المهدى بالله أبو عبد الله محمد بن المنصور ساق خلف صيد فدخل خربة فدق ظهره باب الحربة فى قوّة سوق الفرس فتلف لوقته وقيل مات صريعا عن دابته فى الصيد كذا فى سيرة مغلطاى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وقيل بل سمته جاريته وقيل كان الطعام سمته لضرّتها فدخل المهدى فمدّيده فما جسرت أن تقول هو مسموم* وفى سيرة مغلطاى أرادت بعض حظاياه أن تنفرد به دون صاحبتها فجعلت لها سما فى حلوى فأكل هو منه من حيث لا يشعر فمات وكان قبل ذلك بعشر ليال رأى رحلا يهدم قصره فى المنام وعاش ثلاثا وأربعين سنة وملك احدى عشرة سنة وشهرا ونصف شهر* قال الذهبى خلافته عشر سنين وشهرا وتولى بعده ولده موسى* (ذكر خلافة موسى الهادى بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى القرشى العباسى الرابع من خلفاء بنى العباس أبى محمد أمير المؤمنين) * مولده بالرى سنة سبع وأربعين ومائة وأمّه أم ولد تسمى الخيزران وهى أم الرشيد أيضا* صفته* كان طويلا جسيما أبيض لشفته العليا تقلص وكان أبوه قد وكل به خادما فى الصبا كلما رآه مفتوح الفم يقول له يا موسى أطبق فيفيق على نفسه ويضم شفتيه بويع بالخلافة بعد موت أبيه وكان بجرجان فأخذ له البيعة أخوه هارون الرشيد* قال الذهبى كانت الخلافة معقودة له وكان ولى عهد أبيه فلما مات المهدى تسلمها موسى الهادى وكان فصيحا أديبا قادرا على الكلام تعلوه هيبة وله سطوة وشهامة على انه كان يتناول المسكر ويحب اللهو والطرب وكان ذا ظلم وجبروت وكان يركب حمارا فارها ولا يقيم أبهة الخلافة ولم تطل مدّته فى الخلافة ومات لقرحة أصابته فى جوفه وقيل سمته أمّه الخيزران لما أجمع على قتل أخيه الرشيد وقيل انها سمته بسبب آخر وهو انها كانت حاكمة مستبدة بالامور الكبار وكانت المواكب تغدو الى بابها فزجرهم الهادى عن ذلك وكلمها بكلام فج وقال ان وقف ببابك أمير لاضربن عنقه أمالك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو سبحة فقامت من عنده وهى لا تعقل شيئا من الغضب فقيل انه بعث اليها بطعام مسموم فأطعمت منه كلبا فانتثر لحمه فعمدت الى قتله لما وعك بان غمرت وجهه ببساط جلسوا عليه وعلى جوانبه وكان قصده هلاك الرشيد ليؤول العهد لولد له صغير عمره عشر سنين وقيل انه مات بعيسى باد فى نصف شهر ربيع الاخر سنة سبعين ومائة* وفى سيرة مغلطاى توفى ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الاوّل سنة سبعين ومائة وفى هذه الليلة ولد المأمون وكانت خلافته سنة واحدة وثلاثة أشهر وعاش ستا وعشرين سنة وخلف سبع بنين وتولى الخلافة بعده أخوه هرون الرشيد* (ذكر خلافة هرون الرشيد بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى الخامس من خلفاء بنى العباس) * أمير المؤمنين أبى جعفر أمّه الخيزران أمّ أخيه الهادى ومولده بالرّى لما كان أبوه أميرا عليها وعلى خراسان فى سنة ثمان وأربعين ومائة استخلف بعهد من أبيه بعد موت أخيه الهادى فى سنة سبعين ومائة وكان أبوهما عقد لهما بولاية العهد معا* صفته* كان الرشيد أبيض جميلا مليح الشكل طويلا عبل الجسم قد وخطه الشيب قبل موته وكان فصيحا له نظر ومعرفة جيدة بالعلوم بلغنا انه منذ استخلف كان يصلى كل يوم وليلة مائة ركعة لم يتركها الا لعلة قاله نفطويه فى تاريخه ويتصدّق من خالص ماله بألف درهم وكان يقتفى آثار جدّه المنصور الا فى الحرص وكان يجب العلم وأهله ويعظم الاسلام ويبكى على نفسه واسرافه وذنوبه سيما اذا وعظ وكان يأتى بنفسه الى الفضيل بن عياض ويسمع وعظه وكان أبوه أغزاه أرض الروم وهو ابن خمس عشرة سنة وهو أجل الخلفاء وأعظم ملوك بنى العباس وكان كثير الحج قيل انه كان يحج سنة ويغزو سنة وفيه يقول بعض شعرائه فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور وفى سيرة مغلطاى وقد كان حج تسع حجج وغزا ثمان غزوات* قال الجاحظ اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره وزراؤه البرامكة وقاضيه أبو يوسف وشاعره مروان بن أبى حفصة ونديمه العباس بن محمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 عمة أبيه وحاجبه الفضل بن الربيع ومغنيه ابراهيم الموصلى وزوجته زبيدة* وقال غيره فتحت فى أيام الرشيد فتوحات كثيرة وهو الذى فتح عمورية وهى مدينة الكفار أعظم من القسطنطينية وأحرقها وسبى أهلها* ترجمة الامام مالك وذكر من مات من المشاهير فى خلافة هارون الرشيد وفى سنة ست وسبعين ومائة توفى حماد بن الامام الاعظم أبى حنيفة كان على مذهب أبيه وكان من أهل الصلاح وكان ابنه اسمعيل قاضى البصرة فعزل عنها كذا فى تاريخ اليافعى* وفى سنة تسع وسبعين ومائة فى ربيع الاوّل مات امام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر الاصبحى نسبة الى بطن من حمير يقال له ذو أصبح* وأنس بن مالك هذا غير أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى وأنس أبو الامام مالك تابعى* وفى التذنيب ولد سنة ثلاث أو احدى أو أربع أو خمس أو سبع وتسعين وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة وله ست وثمانون سنة سمع نافعا والزهرى وغير واحد من التابعين وصنف الموطأ* وعن الشافعىّ أنه قال ما بعد كتاب الله كتاب هو أكثر صوابا من موطأ مالك* قال العلماء قول الشافعىّ هذا كان قبل تصنيف البخارى ومسلم كتابيهما والا كتاباهما أصح الكتب المصنفة وأكثرها صوابا* وقال الشافعىّ اذا وجدت لمالك حديثا فشدّيدك به فانه حجة وحمل حديث أبى هريرة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يضرب الناس أكباد الابل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة على مالك* وقال الشافعىّ اذا ذكر العلماء فمالك النجم وكان مالك طوالا جسيما عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية قيل تبلغ لحيته صدره وقيل كان أشقر أزرق العينين يلبس الثياب العدنية الرفيعة* وقال أشهب اذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه وقيل كان يكره حلق الشارب ويعيبه ويراه من المثلة ولا يغير شيبه كذا فى تاريخ اليافعى* وفى رمضان هذه السنة مات عالم البصرة الحافظ أبو اسمعيل حماد بن زيد الازدى عن ثمانين سنة* وفى سنة ثمانين ومائة كانت الزلزلة العظمى التى سقط منها رأس منارة الاسكندرية وفيها مات فقيه مكة مسلم بن خالد الزنجى شيخ الشافعىّ عن ثمانين سنة وامام النحو سيبويه واسمه عمرو بن عثمان البصرى وله دون أربعين سنة* وفى سنة احدى وثمانين ومائة مات عالم خراسان عبد الله بن المبارك المروزى الحافظ الزاهد الغازى المجاهد أحد الاعلام وله ثلاث وستون سنة قال ابن مهدى كان أعلم من الثورى* وفى الصفوة عبد الله بن المبارك أبا عبد الرحمن كان أبوه عبدا تركيا لرجل من التجار من بنى حنظلة وكانت أمّه تركية خوارزمية ولد سنة ثمان عشرة ومائة وقيل تسع عشرة* وفى سنة اثنتين وثمانين ومائة وثب بطارقة الروم على طاغيتهم الاكبر قسطنطين فأكحلوه وملكوا عليهم أمّه قيل اسمها هيلانه* وفى ربيع الاخر من هذه السنة توفى أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم الكوفى قاضى القضاة وهو أوّل من دعى بذلك تفقه على الامام أبى حنيفة وكان ورده فى اليوم مائتى ركعة* وفى سنة ثلاث وثمانين ومائة مات شيخ بغداد وعالمها هشيم بن بشير الحافظ وكان عنده عشرون ألف حديث ومكث يصلى الصبح بوضوء العشاء عشرين سنة وفيها مات موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوى من سادة أهل البيت* وفى سنة خمس وثمانين ومائة مات الامير عبد الصمد بن على العباسى عم المنصور وقد عمل نيابة دمشق وعاش ثمانين سنة وفيها قتل الرشيد وزيره جعفر بن يحيى البرمكى* وفى سيرة مغلطاى قتل البرامكة سنة سبع وثمانين ومائة ونهب ديارهم* وفى سنة سبع وثمانين ومائة خلعت الروم قسطنطين من الملك وملكوا يقفور الذى كان ناظر ديوانهم فقيل انه من آل جفنة الغسانى وفيها مات شيخ الحجاز زاهد العصر أبو على الفضيل بن عياض التميمى المروزى بمكة وقد قارب الثمانين* وفى سنة تسع وثمانين ومائة سار الرشيد حتى نزل الرّى وكان فى صحبته امامان عظيمان أبو الحسن على بن حمزة الكسائى النحوى أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 القراء السبعة وقاضى القضاة محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة فماتا بالرّى* وفى تاريخ اليافعى فى سنة تسع وثمانين ومائة توفى قاضى القضاة فقيه العصر محمد بن الحسن الكوفى منشأ الشيبانى مولى قدم أبوه من الشام الى العراق فأقام بواسط فولد محمد ونشأ بالكوفة* قال الشافعىّ لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته وقال أيضا ما رأيت رجلا يسأل عن مسئلة فيها تطيرا لا تبينت فى وجهه الكراهة الا محمد بن الحسن وقال أيضا ما رأيت سمينا أفقه من محمد بن الحسن وقال غيره لقى جماعة من أعلام الائمة وحضر مجلس أبى حنيفة سنين ثم تفقه على أبى يوسف صاحب أبى حنيفة وصنف الكتب الكثيرة النادرة منها الجامع الكبير والجامع الصغير* وفى سنة احدى وتسعين ومائة مات فى السجن يحيى بن خالد البرمكى وابنه الفضل* وفى سنة ثلاث وتسعين ومائة سار هارون الرشيد الى خراسان ليكشف أحوالها فقدم طوس وهو عليل ومات بها وله خمس وأربعون سنة كذا قاله الذهبى* وقال الجمالى يوسف بن المقرى لما كانت سنة ثلاث وتسعين ومائة خرج الرشيد الى الغزو فأدركته المنية بطوس من أعمال خراسان ليلة السبت ثالث جمادى الاخرة وقيل للنصف من جمادى الاولى وصلى عليه ابنه صالح ودفن بطوس وأخطأ عليه طبيبه المسمى جبريل فى دبلة كانت به وله خمس وأربعون سنة وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وخمسة عشر أو ستة عشر يوما* (ذكر خلافة الامين محمد بن الرشيد هارون بن المهدى بن محمد بن المنصور الهاشمى القرشى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أبى عبد الله وقيل أبى موسى وهو السادس فخلع وقتل كما سيأتى وأمّه زبيدة بنت جعفر المنصور الهاشمية العباسية وهو ثالث خليفة تخلف أبواه هاشميان فالاوّل على بن أبى طالب والثانى ابنه الحسن والثالث محمد هذا* صفته* كان الامين من أحسن الشباب صورة وكان أبيض طوالا جميلا بديع الحسن ذا قوّة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضيلة وبلاغة وكان ولى عهد أبيه الرشيد فولى الخلافة بعد موت أبيه* وفى دول الاسلام تسلم الخلافة لانه كان ولى عهد أبيه الرشيد وجاء من طوس خاتم الخلافة والبردة والقضيب واستناب أخاه المأمون على ممالك خراسان وفى أيامه فتحت أهواز كذا فى سيرة مغلطاى* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الامين وفيها مات عالم البصرة اسمعيل بن على وحافظ البصرة محمد بن جعفر غندر ومقرئ الكوفة أبو بكر عياش الاسدى وله سبع وتسعون سنة* وفى سنة أربع وتسعين ومائة وقعت أوّل الفتنة بين الاخوين الامين والمأمون عزم الامين على خلع المأمون من ولاية العهد ليقدّم ولده وهو صبى عمره خمس سنين فأخذ يبذل الاموال للامراء ليتم له ذلك فنصحه العقلاء فلم يصغ اليهم حتى آل الامر الى ان بعث أخوه الجيوش لحربه ومحاصرته ثم قتل وفيها مات زاهد خراسان شقيق البلخى استشهد فى غزوة الهند* وفى سنة خمس وتسعين ومائة تيقن المأمون ان أخاه الامين خلعه فغضب وخلع هو الامين وبايعه جيش خراسان بالخلافة وتسمى بأمير المؤمنين فجهز الامين لحربه ابن ماهان وجهز المأمون طاهر بن الحسن وكبس طاهر عساكر الامين وقتل ابن ماهان وانهزم جيوشه وشرع ملك الامين فى سفال ودولته فى اضمحلال ثم ندم على خلع أخيه وطمع فيه أمراؤه ولقد أنفق فيهم أموالا لا تحصى ولم يفد ثم جهز جيشا فالتقاهم طاهر بهمدان فهزمهم مرّتين وقتل قائد جيش الامين* وفى سنة ست وتسعين ومائة مات شاعر زمانه أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمى* وفى سنة سبع وتسعين ومائة حوصر الامين ببغداد نازله طاهر وهرثمة بن أعين وزهير فى جيوشهم وقاتلت الرعية مع الامين فبالغوا وكان محبا اليهم فدام الحصار سنة فجرت عجائب وأهوال وفيها توفى مقرى الوقت ورش واسمه عثمان بن سعيد وحافظ العراق وكيع بن الجرّاح الروّاسى أحد الاعلام وله سبع وستون سنة* قال أحمد ما رأيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 أوعى للعلم ولا أحفظ له من وكيع* وقال يحيى بن اكتم صحبت وكيعا فكان يصوم الدهر ويختم كل ليلة وفى يوم السبت الخامس والعشرين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ظفر طاهر بن الحسين بالامين فقتله بظاهر بغداد صبرا وشال رأسه على رمح وطيف به وكانت خلافته أربع سنين وأياما* وفى سيرة مغلطاى أربع سنين وستة أشهر وعشرة أيام وفى دول الاسلام عاش سبعا وعشرين سنة وكانت دولته ثلاثة أعوام وأياما وخلع فى رجب سنة ست وتسعين ومائة ومن حسب له الى موته فخلافته خمس سنين الاشهر او كان مبذرا للاموال لعابا لا يصلح لامرة المؤمنين سامحه الله وتولى الخلافة بعده أخوه المأمون* (ذكر خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد هارون بن المهدى محمد أبى جعفر المنصور) * أمير المؤمنين أبى العباس الهاشمى العباسى أمه أم ولد تسمى مراجل ماتت أيام نفاسها به ولد سنة سبعين ومائة عند ما استخلف أبوه* صفته* قال ابن أبى الدنيا كان أبيض ربعة حسن الوجه يعلوه صفرة وقد وخطه الشيب أعين طويل اللحية رقيقها ضيق الجبين على خدّه خال* وقال الجاحظ كان أبيض فيه صفرة وكان ساقاه دون جسده صفراوين كأنما طليتا بزعفران وكان بويع بالخلافة بمرو وكان أمره نافذا فى افريقية الى أقصى خراسان وما وراء النهر والسند كذا فى سيرة مغلطاى وكان سمع الحديث فى صغره وبرع فى الفقه والعربية من النحو واللغة وأيام الناس والادب ولما كبر عنى بالفلسفة وعلوم الاوائل حتى مهر فيهما فجرّه ذلك الى القول بخلق القرآن وامتحان العلماء ولولا ذلك لكان أعظم بنى العباس لما اشتمل عليه من الحزم والعزم والعقل والعلم والحلم والشجاعة والسودد والسماحة* قال أبو معشر كان أمّارا بالعدل محمود السيرة يعدّ من كبار العلماء* وفى حياة الحيوان وفى أيامه ظهر القول بخلق القرآن وقيل انّ القول بخلق القرآن ظهر فى أيام الرشيد وكان الناس فيه بين أخذ وترك الى زمن المأمون فحمل الناس على القول بخلق القرآن وكل من لم يقل بخلقه عاقبه أشدّ عقوبة* وكان الامام أحمد بن حنبل امام أهل السنة من الممتنعين من القول بخلق القرآن فحمل الى المأمون مقيدا فمات المأمون قبل وصوله وكان اعتبار المأمون فى المناظرة والمقالات بأبى الهذيل البصرى المعتزلى الذى يقال له العلاف وعن الرشيد قال انى لأعرف فى عبد الله حزم المنصور ونسك المهدى وعزة الهادى ولو أشاء أن أنسبه الى الرابع يعنى نفسه لنسبته وقد قدّمت محمدا عليه وانى لأعلم انه منقاد الى هواه مبذر لما حوته يداه يشارك فى رأيه الاماء والنساء ولولا أم جعفر يعنى زبيدة وميل بنى هاشم اليه لقدّمت عبد الله عليه يعنى فى ولاية العهد بالخلافة اجتمعت الامة على عبد الله الا ما عرف من حال صاحب الاندلس فانه والامراء قبله وبعده غير متقيدين بطاعة العباسيين لبعد الديار* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المأمون وفيها فى رجب توفى شيخ الحجاز أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالى أحد الاعلام وله احدى وتسعون سنة* قال أحمد بن حنبل ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من سفيان وفيها فى جمادى الاخرة مات حافظ البصرة أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدى اللؤلؤى وله ثلاث وستون سنة قال ابن المدينى أحلف أنى ما رأيت أعلم منه* وقال أحمد هو أفقه من القطان وأثبت من وكيع وفى صفر مات حافظ العراق يحيى بن سعيد القطان أحد الاعلام الذى يقول فيه أحمد ما رأيت بعينى مثل يحيى بن القطان عاش ثمانية وسبعين سنة وقال بندار ما أظنّ انه عصى الله قط* وفى سنة تسع وتسعين ومائة مات شيخ الحنفية أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخى صاحب أبى حنيفة وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة مائتين مات محدث المدينة أبو ضمرة أنس بن عياض الليثى وزاهد الوقت معروف الكرخى ببغداد* وفى سنة احدى ومائتين جعل المأمون ولى عهده من بعده على بن موسى الرضا العلوى وأمر الدولة برمى السواد ولبس الخضرة وهو بعد بخراسان فأرسل الى العراق بلبس الخضرة* وفى سيرة مغلطاى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 بايع المأمون موسى بن الكاظم بالعهد بعده ولبس الخضرة فخرج عليه عمه ابراهيم بن مهدى المعروف بابن شكلة انتهى فشق هذا على أقاربه وقامت قيامتهم بادخاله فى الخلافة الرضا فخلعوا المأمون وبايعوا عمه وهو المنصور بن المهدى فضعف عن الامر وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه ابراهيم بن المهدى وكان أسود فبايعوه وجرت لذلك حروب يطول شرحها وفيها مات حافظ الكوفة أبو أسامة حماد بن أسامة وله احدى وثمانون سنة* وفى سنة ثلاث ومائتين مات على بن موسى الرضا ولى عهد المأمون وهو من الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم ووجوب طاعتهم وفيها مات حسين بن على الجعفى الكوفى أحد الائمة الاعلام* ترجمة الامام الشافعى محمد بن ادريس وفى سنة أربع ومائتين فى رجب مات فقيه الوقت الامام أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعى المطلبى أحد الائمة الاربعة الاعلام ويقال له الشافعى نسبة الى شافع بن السائب بن عبيد أحد أجداده اذ هو محمد بن ادريس بن عباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وهو ثالث أجداد النبىّ عليه السلام وتاسع أجداد الشافعى وكونه مطلبيا من جهة أبيه وهو أيضا هاشمى من جهة أمهات أجداده وأزدىّ من جهة أمه* نقل عن الحاكم أبى عبد الله وأبى بكر البيهقى والخطيب صاحب تاريخ بغداد انهم ذكروا أنّ الشافعى ولده هاشم بن عبد مناف جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وذلك لانّ أم السائب هى الشفا بنت الارقم بن هاشم بن عبد مناف وأم الشفاهى خليدة بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وكسر اللام وسكون المثناة التحتية بينها وبين الدال ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف وأم عبد يزيد هى الشفا بنت هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد يزيد فالشافعى ابن عم رسول الله وابن عمته وكان حاذقا فى الرمى يصيب تسعة من عشرة مولده سنة خمسين ومائة وقد قيل انه ولد فى اليوم الذى توفى فيه الامام أبو حنيفة وقال الذهبى لم يثبت اليوم* قال اليافعى بين الحنفية والشافعية مقاولة على سبيل المزاح* الحنفية يقولون كان امامكم مخفيا حتى ذهب امامنا والشافعية يقولون لما ظهر امامنا هرب امامكم وكان مولده فى بلاد غزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن والاوّل أصح وحمل الى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بالحجاز وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين* وعن مسلم بن خالد الزنجى أنه قال للشافعى أفت فقد آن لك أن تفتى وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة وقدم بغداد وأقام بها مدّة وصنف بها كتبه القديمة ووقع بينه وبين محمد بن الحسن مناظرات كثيرة ثم رجع الى مكة ثم عاد الى بغداد فأقام بها شهرا ثم خرج الى مصر وصنف بها كتبه الجديدة ولم يزل بها الى أن توفى يوم الجمعة فى آخر يوم من رجب ودفن بعد العصر فى يومه بالقرافة الصغرى وقبره بها يزار وعليه ضربت قبة عظيمة كذا فى تاريخ اليافعى* وفى التذنيب وجملة عمره أربع وخمسون سنة ومناقبه كثيرة فلتطلب من الكتب وفيها مات قاضى الكوفة وصاحب أبى حنيفة أبو على الحسن بن زياد اللؤلؤى الفقيه وفيها مات حافظ الوقت أبو داود سليمان بن داود الطيالسى بالبصرة* وفى سنة خمس ومائتين مات محمد بن عبيد الطنافسى الكوفى الحافظ ومقرئ الوقت يعقوب بن اسحاق الحضرمى البصرى* وفى سنة ست ومائتين مات شيخ واسط يزيد بن هارون الحافظ أحد الائمة الاعلام ولما حدّث ببغداد كان يحضر مجلسه خلائق وربما بلغوا سبعين ألفا وعاش تسعين سنة* وفى سنة سبع ومائتين مات طاهر بن الحسين الخزاعى مقدّم جيوش المأمون وكان آخر شئ قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج بخراسان فمات بغتة وفيها مات قاضى بغداد محمد بن عمر الواقدى المدنى صاحب المغازى وشيخ العربية يحيى بن زياد الفراء صاحب الكسائى* وفى سنة ثمان ومائتين مات عالم البصرة سعيد بن عامر الضبعى ومحدّث بغداد عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 بكر السهمى والفضل بن الربيع بن يونس صاحب الرشيد وهو الذى قام بخلافة الامين ثم اختفى مدّة* وفى سنة عشر ومائتين مات أبو عمر والشيبانى اسحاق بن بزار الكوفى اللغوى صاحب التصانيف والعلامة أبو عبيدة معمر المثنى التيمى البصرى صاحب المصنفات الادبية* وفى سنة احدى عشرة ومائتين أظهر المأمون التشيع وأمر أن يقال خير الخلق بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم علىّ رضى الله عنه وأمر بالنداء ان برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير* وفى سنة ست عشرة ومائتين توفى الاصمعى واسمه عبد الملك بن قريب الباهلى البصرى العلامة اللغوى وله ثمان وثمانون سنة وعاش المأمون ثمانيا وأربعين سنة وكانت وفاته فى ثانى عشر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وكانت خلافته احدى وعشرين سنة الا ستة أشهر* وفى سيرة مغلطاى اثنتين وعشرين سنة* وفى دول الاسلام نيفا وأربعين سنة وتوفى بالبد نرون من طرسوس ليلة الخميس لاحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين كذا فى سيرة مغلطاى وتخلف بعده أخوه المعتصم بن الرشيد هارون* (ذكر خلافة المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور) * أمير المؤمنين أبى اسحاق الهاشمى العباسى وأمه أم ولد اسمها ماردة* صفته* كان أبيض اللون أصهب اللحية طويلها ربع القامة مشرب اللون ذا شجاعة وقوّة وهمة عالية الا انه كان عاريا عن العلم أميا* روى الصولى عن محمد بن سعد عن ابراهيم بن محمد الهاشمى قال كان مع المعتصم غلام فى الكتاب يتعلم معه فمات الغلام فقال الرشيد يا محمد مات غلامك قال نعم يا سيدى استراح قال وانّ الكتاب ليبلغ مثل هذا دعوه لا تعلموه قال فكان يكتب ويقرأ قراءة ضعيفة* ومع هذا حكى أبو الفضل الرياشى قال كتب ملك الروم الى المعتصم يهدّده فأمر بجوابه فكتبوه ولما قرئ عليه الجواب لم يرضه المعتصم وقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب مترى لا ما تسمع وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار بويع بالخلافة بعد أخيه المأمون بعهد منه اليه لما احتضر فى رابع شهر من شهر رجب سنة ثمانى عشرة ومائتين وكان أبوه قد أخرجه من الخلافة وعهد الى الامين والمأمون والمؤتمن فساق الله اليه الخلافة وجعل الخلفاء الى اليوم من ولده ولم يكن من نسل أولئك خليفة كذا فى سيرة مغلطاى وكان المعتصم يلقب بالثمانى فانه ثامن خلفاء بنى العباس وملك ثمان سنين وثمانية أشهر وزاد بعضهم وثمانية أيام وافتتح ثمان حصون وقيل انه ولد فى شعبان وهو الثامن من شهور السنة وكان نقش خاتمه الحمد لله وهى ثمانى حروف وبويع بالخلافة سنة ثمانى عشرة ومولده سنة ثمانين ومائة وقهر ثمانية أعداء ووقف ببابه ثمان ملوك وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ومن الدراهم مثلها وخلف من الجمال والبغال ثمانية آلاف ومن الجوارى مثلها وبنى ثمانى حصون* وفى سيرة مغلطاى كان مكملا من اثنتى عشرة جهة وفى أيامه أمطرت أهل تيماء بردا كل بردة وزن رطل وقتلت خلقا كثيرا وسمع قائلا يقول ارحم عبادك ارحم عبادك ورأوا أثر قدم طوله ذراع ونصف فى عرض شبرين غير الاصابع وبين كل خطوة وخطوة ستة أذرع فتبعوه فجعلوا يسمعونه ولا يرون شخصه* وفى سنة عشرين ومائة أمر المعتصم بانشاء مدينة سميت سرّ من رأى وهى سامرا وفيها مات قارئ المدينة ونحويها قالون واسمه عيسى بن منيا والشريف محمد الجواد ولد على بن موسى الرضا وله خمس وعشرون سنة وكان زوج بنت المأمون وكان يصله منه فى السنة خمسون ألف دينار* وفى سنة احدى وعشرين ومائتين مات محدّث مرو عبدان واسمه عبد الله بن عثمان المروزى والامام الربانى عبد الله بن مسلم العقبى بمكة فى المحرم وكان مجاب الدعوة ثقة من الابدال* وفى سنة أربع وعشرين ومائتين توفى الامير ابراهيم ابن المهدى العباسى وكان لسواده وسمنه يقال له التنين وكان فصيحا شاعرا بديع الغناء ولى نيابة دمشق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 لاخيه هرون الرشيد وبويع بالخلافة ببغداد ثم اضمحل دسته واختفى سبع سنين* وفى سنة سبع وعشرين ومائتين مات زاهد الوقت بشر بن الحارث الحافى ببغداد وله خمس وسبعون سنة وكانت وفاة المعتصم بسرّ من رأى فى يوم الخميس تاسع عشر ربيع الاوّل كما تقدّم ذكره ومات وعمره سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر وتخلف بعده ابنه هارون* (ذكر خلافة الواثق بالله هارون بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أبو جعفر وأمّه أمّ ولد رومية تسمى قراطيس ومولده لعشر بقين من شعبان سنة ست وتسعين ومائة بويع بالخلافة لما مات أبوه بعهد منه* قال الخطيب كان أحمد بن داود قد استولى على الواثق وحمله على تشديد المحنة ودعا الناس الى القول بخلق القرآن* قال الذهبى قيل انّ الواثق رجع عن ذلك قبل موته وترك المحنة بخلق القرآن لما أحضروا اليه رجلا مقيدا فقال أخبرونى عن هذا الرأى الذى دعوتم الامّة اليه أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع الناس اليه أم هو شئ ما علمه فقال أحمد بن أبى داود بل علمه قال فكيف وسعه صلى الله عليه وسلم ان يترك الناس ولم يدعهم اليه وأنتم لا يسعكم قال فبهتوا فاستضحك الواثق وقام قابضا على فمه ودخل بيتا وتمدّد وهو يقول وسع نبى الله أن يسكت ولا يسعنا فأمر بفك أقياد الشيخ وأن يعطى ثلثمائة دينار وأن يردّ الى بلده وهذا الذى قاله هذا الشيخ الزام وبحث لازم للمعتزلة وكان الواثق وافر الادب فصيحا قيل انّ جارية من جواريه غنته بشعر العرجى أظلوم انّ مصابكم رجلا ... ردّ السلام تحية ظلم فمن الحاضرين من صوّب نصب رجلا ومنهم من قال صوابه الرفع فقالت هكذا لقننى المازنى فطلب المازنى فلما حضر قال ممن الرجل قال من بنى مازن قال أى الموازن أمازن بنى تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قال مازن ربيعة قال المازنى فكلمنى حينئذ بلغة قومى فقال با اسمك لانهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت ان أواجهه بمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لها وأعجبته وقال ما تقول فى هذا البيت قلت الوجه النصب لانّ مصابكم مصدر بمعنى اصابتكم فأخذ البريدى يعارضنى فقلت هو بمنزلة ان ضربك زيدا ظلم فالرجل مفعول مصابكم والدليل عليه انّ الكلام معلق الى أن يقول ظلم فيتم فأعجب الواثق فأعطانى ألف دينار* وفى سنة تسع وعشرين ومائتين مات شيخ القراء خلف بن هشام البزاز ببغداد والعلامة نعيم بن حماد الخزاعى الحافظ صاحب التصانيف* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الواثق بالله وفى سنة احدى وثلاثين ومائتين مات فقيه وقته الامام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطى صاحب الشافعى مسجونا لكونه أبى أن يقول القرآن مخلوق وهو أعلم أصحاب الشافعى وأعبدهم* وفيها مات شاعر العصر تمام الطائى حبيب بن أوس بالموصل كهلا* وفيها مات الخليفة الواثق بالله وكان قد أسرف فى التمتع بالنساء بحيث انه أكل لذلك لحم الاسد فولد له أمراضا تلف منها قيل لما احتضر جعل يردّد هذين البيتين الموت فيه جميع الخلق تشترك ... لا سوقة منهم تبقى ولا ملك ما ضرّ أهل قليل فى تفاقرهم ... وليس يغنى عن الاملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت وألصق خدّه بالتراب وذل وأناب وافتقر الى الرحيم التوّاب وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه وكانت وفاته بمدينة سرّ من رأى فى يوم الاربعاء لست بقين من ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين عن بضع وثلاثين سنة متحرّقا فى تنور بدعائه على نفسه حين امتحن أحمد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين كذا فى سيرة مغلطاى وكانت دولته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام وتخلف بعده أخوه جعفر المتوكل* (ذكر خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أبى الفضل أمه أم ولد تركية تسمى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 شجاع ومولده فى سنة خمس ومائتين وقيل سبع* صفته* كان المتوكل أسمر اللون مليح العينين نحيف الجسم خفيف العارضين الى القصر أقرب وكان له جمة الى شحمة أذنيه كعمه وأبيه بويع بالخلافة بعد موت أخيه الواثق فى ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ولما استخلف أظهر السنة وتكلم بها فى مجلسه وكتب الى الافاق برفع المحنة واظهار السنة ونصر أهلها وأمر بنشر الاثار النبوية* قال على بن الجهم وكان المتوكل فيه الخصال الحسنة الا أنه كان ناصبيا يكره عليا وكان ابراهيم بن محمد التيمى قاضى البصرة يقول الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصدّيق يوم الردّة وعمر بن عبد العزيز فى ردّ مظالم بنى أمية والمتوكل فى محو البدع يعنى القول بخلق القرآن ويقال انّ المتوكل سلم عليه بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة منصور بن المهدى عم أبيه والعباس بن الهادى عم أبيه وأبو أحمد بن الرشيد عمه وعبد الله بن الامين بن عمه وموسى بن المأمون ابن عمه أيضا وأحمد بن المعتصم أخوه ومحمد بن الواثق بن أخيه وابنه المنتصر محمد بن المتوكل وهذا شئ لم يقع لخليفة قبله* قال الزبير كنت حاضرا بيعته فبايع لاولاده بالعهد محمد المنتصر والمعتز والمؤيد ولم يدخل فى العهد أحمد المعتمد ولا أبا أحمد الموفق فصار الامر الى ولد الموفق الى اليوم كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين كانت الزلزلة العظيمة بدمشق فدامت ثلاث ساعات وسقطت الجدران وهرب الخلق الى المصلى يجأرون الى الله ومات خلق تحت الهدم وامتدّت الزلزلة الى أنطاكية فقيل هلك بها عشرون ألفا تحت الردم وزلزلت الموصل فيقال هلك بها خمسون ألف آدمى* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المتوكل على الله وفى سنة أربع وثلاثين ومائتين مات الحافظ العالم البحر الزخار على بن عبد الله بن المدينى السعدى أبو الحسن الذى يقول فيه البخارى رحمه الله ما استصغرت نفسى قدّام أحد سواه وقال فيه شيخه عبد الرحمن بن مهدى على بن المدينى أعلم الناس بالحديث مات فى ذى القعدة وله ثلاث وسبعون سنة* وفى سنة خمس وثلاثين ومائتين ألزم المتوكل نصارى بلاده بلبس العسلى وخصوابه* وفى سيرة مغلطاى وأمر أهل الذمّة بلبس العسلى والزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وأن لا يعتموا وغير زىّ نسائهم بالازر العسلية وان دخلن الحمام كان معهنّ جلاجل وأمر بهدم بيعتهم المحدثة وأن يجعل على أبوابهم صور شياطين خشب وأن لا يستعان بهم فى شئ من الدواوين* وفيها مات ابراهيم الموصلى النديم الاخبارى صاحب الموسيقا وفيها مات شيخ المعتزلة أبو الهذيل العلاف* وفى سنة سبع وثلاثين ومائتين مات زاهد وقته حاتم الاصم وكان يقال له لقمان هذه الامّة* وفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين توفى عالم خراسان اسحاق بن راهويه الحنظلى صاحب التصانيف عن سبع وسبعين سنة* قال أحمد ابن حنبل لا أعلم له بالعراق نظيرا وما عبر الجسر مثله* وقال محمد بن أسلم ما أعلم أحدا كان أخشى لله من اسحاق* وقال أبو زرعة مارىء أحد أحفظ من اسحاق ومات ببغداد بشر بن الوليد الكندى القاضى الفقيه صاحب أبى يوسف وله سبع وتسعون سنة ومات بنيسابور الحسين بن منصور الحافظ وقد دعى الى قضاء نيسابور فاختفى ودعا الله فمات فى اليوم الثالث وفيها مات الامير عبد الرحمن بن الحكم الاموى صاحب الاندلس وكانت دولته اثنتين وثلاثين سنة وكان محمود الامرة* وفى سنة احدى وأربعين ومائتين مات ببغداد شيخ الامّة وعالم زمانه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى المروزى ثم البغدادى الحافظ الامام فى يوم الجمعة غدوة ثانى عشر ربيع الاوّل وله سبع وسبعون سنة وكان مولده سنة أربع وستين ومائة وضريحه يزار ببغداد وكان شيخا أسمر مديد القامة يخضب بالحناء* وفى سنة ثلاث وأربعين ومائة توفى شيخ مصر حرملة بن يحيى التجيبى الحافظ الفقيه مصنف المختصر والمبسوط وهناد بن السرى الكوفى الحافظ القدوة* وفى سنة خمس وأربعين ومائتين مات مقرئ العراق أبو عمرو الدورى حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان ببغداد وشاعر عصره دعبل بن على الخزاعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 الرافضى* وفى سنة سبع وأربعين ومائتين مات أبو عثمان المازنى النحوى صاحب التصريف وأمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن المعتصم وكان المتوكل بايع بولاية العهد ولده المنتصر محمدا ثم انه أراد ان يعزله ويولى ولده المعتز لمحبته لامّه قبيحة فسأل المتوكل ولده المنتصر أن ينزل عن العهد لاخيه المعتز فأبى المنتصر فغضب المتوكل عليه وصار يحضره المجالس العامّة ويحط منزلته ويهدّده ويشتمه ويتوعده ثم اتفق انّ الترك انحرفوا على المتوكل لكونه صادر وصيف التركى وبغا فاتفق الاتراك حينئذ مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل ودخلوا عليه وهو فى مجلس أنسه وعنده وزيره الفتح بن خاقان بعد أن مضى من الليل ثلاث ساعات* وفى دول الاسلام نصف الليل وهجم باعز ومعه عشرة وقصد السرير فصاح الفتح ويلكم مولاكم وتهارب الغلمان والندماء على وجوههم وبقى الفتح وحده والمتوكل قد غرق فى السكر والنوم وبقى الفتح يمانعهم عنه فضرب باعز المتوكل بالسيف على عاتقه فقدّه الى خاصرته فصاح المتوكل ثم بعج الفتح آخر بالسيف فأخرجه من ظهره وهو صابر ثم طرح الفتح نفسه على المتوكل فماتا ولفا فى بساط وكان قتل المتوكل فى ليلة الاربعاء ثالث أو رابع شوّال سنة سبع وأربعين ومائتين فى القصر الجعفرى الذى بناه المتوكل ودفن به ووزيره الفتح وكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أو ثمانية أيام ومات وعمره احدى وأربعون سنة وتخلف بعده ابنه المنتصر ولم تطل دولته ولا متع بالملك* (ذكر خلافة المنتصر بالله محمد بن المتوكل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هرون بن المهدى محمد بن أبى جعفر وقيل أبى عبد الله) * وأمّه أمّ ولد رومية اسمها حبشه* صفته* كان أعين أقنى أسمر مليح الوجه ربعة كبير البطن مهيبا منصفا فى الرعية مالت اليه القلوب مع شدّة هيبتهم بويع بالخلافة بعد قتل أبيه* قال الذهبى تسلم الخلافة صبيحة قتل والده المتوكل فلم تطل دولته ولم يمتع بالخلافة وهو أوّل من عدا على أبيه من بنى العباس كما ان يزيد بن الوليد الاموى أوّل من عدا على أبيه كذا قاله ابن دحية وشيرويه بن كسرى عدا على أبيه وقد جرت عادة الله أن من عدا على أبيه لا يبلغه سؤلا ولا يمتعه بدنياه الا قليلا فلم يقم المنتصر بعد أبيه الا ستة أشهر كذا فى سيرة مغلطاى وقيل انه كان يقول يابغا أين أبى من قتل ابى ويسب الاتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء وعلى هذا لا يكون المنتصر تواطأ على قتل أبيه انتهى* ولما سمع بغا الصغير ذلك من المنتصر قال للذين قتلوا المتوكل ما لكم عند هذا رزق فهموا به وعجزوا عنه لانه كان مهابا شجاعا فطنا متحرّزا فتحيل عند ذلك الاتراك الى أن دسوا الى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه فأشار بفصده ففصد بمبضع أو قال بريشة مسمومة فمات فيقال ان ابن طيفور المذكور نسى ومرض فأمر غلامه ففصده بتلك الريشة فمات أيضا* وقال بعضهم بل حصل للمنتصر مرض فى أنثيبه أو معدته فمات بعد ثلاث ليال وقيل مات بالخوانيق أى الذبحة وقيل سم فى كمثراة بابرة لانه كان يسيئ على العيال ويبخل فسمه بعضم وكان المنتصر يتهم بقتل أبيه* يحكى انه نام يوما ثم انتبه وهو يبكى فجاءته أمه فقالت يا بنى لا أبكى الله لك عينا فقال اذهبى عنى ذهبت عنى الدنيا والاخرة رأيت الساعة أبى فى النوم وهو يقول ويحك يا محمد قتلتنى لاجل الخلافة والله لامتعت بها الا أياما يسيرة ثم مصيرك الى النار فلم يعش بعد ذلك الا أياما قليلة* وذكر على بن يحيى المنجم انّ المنتصر جلس مجلس اللهو فرأى فى بعض البسط دائرة فيها رأس عليه تاج وحوله كتابة فارسية فطلب المنتصر من يقرأ ذلك فأحضر رجل فنظر فيها ثم قطب فقال له المنتصر ما هذه قال لا معنى لها فالح عليه فقال فيها انا شيرويه بن كسرى ابن هرمز قتلت أبى فلم أمتع بالملك الا ستة أشهر فتغير لذلك وجه المنتصر وقام من مجلسه وحاصل الامر ان المنتصر لم يمتع بالخلافة ومات بعد ستة أشهر أو دونها فانه تخلف فى شوّال ومات فى شهر ربيع الاخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وكان مدّة عمره ستا وعشرين سنة وتخلف بعده عمه المستعين بالله* (ذكر خلافة المستعين بالله أحمد ابن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين وهو السادس فخلع وقتل كما سيأتى وأمّه أمّ ولد رومية تسمى مخارق ومولده فى سنة احدى وعشرين ومائتين* صفته* كان مربوع القامة أحمر الوجه خفيف العارضين بمقدّم رأسه طول وكان حسن الوجه والجسم بوجهه أثر جدرى وكان يلثغ فى السين تاء وكان كريما مسرفا مبذرا للخزائن يفرق الجواهر والثياب والنفائس لكائن من كان سامحه الله بويع بالخلافة فى شهر ربيع الاخر سنة ثمان وأربعين ومائتين بعد موت المنتصر وتمّ أمره فى الخلافة وبقى فيها ثلاث سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سنة تسع وأربعين ومائتين مات محدث بغداد المحدث بن الصباح البزار أحد الاعلام وفى سنة تسع وأربعين ومائتين مات البزى مقرئ مكة وهو أبو الحسن أحمد بن محمد وله ثمانون سنة وحافظ البصرة نصر بن على الجهضمى وكان قد طلب للقضاء فقال حتى استخير الله تعالى فرجع ثم صلى ركعتين وقال اللهمّ ان كان لى عندك خير فتوفنى ثم نام فنبهوه فاذا هو ميت واستمرّ الخليفة المستعين بالله فى الخلافة الى أوّل سنة احدى وخمسين ومائتين* وفى سيرة مغلطاى خرج فى أيامه اسمعيل بن يوسف فأحرق الكعبة ونهبها* قال الذهبى فى سنة اثنتين وخمسين ومائتين كانت فتنة المستعين الخليفة بايعوه وكان الامراء الاتراك قد استولوا على الامور وبقى المستعين مقهورا معهم فانتقل من دار الخلافة بسامرا الى بغداد مغاضبا فبعثوا يعتذرون اليه ويسألونه الرجوع فامتنع فعمدوا الى الحبس فأخرجوا المعتز بالله وحلفوا له وبايعوه بالخلافة وأخرجوا أيضا من الحبس المؤيد بن المتوكل ولى العهد ثم جهز المعتز أخاه المذكور أبا أحمد فى عسكر لقتال المستعين ومحاصرته فتهيأ المستعين ونائبه ببغداد وهو ابن طاهر للقتال وبنوا السور ووقع الحصار ونصبت المجانيق ودام القتال شهرا وكثرت القتلى وأكل أهل بغداد الميتة وتمت عدّة وقعات بين الفريقين وقتل نحو ألفين من البغاددة ثم قوى أمر المعتز وتخلى ابن طاهر نائب بغداد عن المستعين لشدّة البلاء وكاتب المعتز وسعوا فى الصلح فخلع المستعين نفسه من الخلافة على شروط مقهورا فى أوّل سنة اثنتين وخمسين ومائتين ثم نقلوه الى واسط واعتقل بها تسعة أشهر ثم أحضروه الى قادسية سامرا وهو سر من رأى ونكثوا الايمان وقتلوه بها صبرا فى ثالث شوّال يوم الاربعاء من سنة اثنتين وخمسين ومائتين ليومين بقيا من شهر رمضان بعد خلعه بنحو من تسعة أشهر وله احدى وثلاثون سنة وكان الذى قتله سعيد بن صالح الحاجب بعثه اليه المعتز فلما رآه المستعين تيقن التلف وقال ذهبت والله نفسى ولما قرب منه سعيد المذكور أخذ يتبعه بسوطه ثم أتكاه وقعد على صدره وقطع رأسه وهذا أوّل خليفة قتل صبرا مواجهة من بنى العباس* (خلافة المعتز بالله محمد بن المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هرون بن المهدى محمد بن ابى جعفر المنصور) * أمير المؤمنين أبى عبد الله وقيل اسمه الزبير الهاشمى العباسى البغدادى أمه أم ولد تسمى قبيحة لجمال صورتها قيل هذا من أسماء الاضداد وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بويع بالخلافة عند خلع المستعين بالله عمه نفسه فى أول سنة اثنتين وخمسين ومائتين وهو ابن تسع عشرة سنة ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه وكان شابا جميلا مليح الوجه حسن الجسم بديع الحسن ولما تم أمر المعتز فى الخلافة واستهل شهر رجب خلع المعتز أخاه المؤيد ابراهيم من ولاية العهد وكتب بذلك الى الافاق وفيها مات محمد بن بشار بندار البصرى الحافظ وأبو موسى محمد بن المثنى العنزى الحافظ* وفى سنة ثلاث وخمسين ومائتين مات زاهد الوقت سرىّ بن المغلس السقطى العارف صاحب معروف الكرخى ونائب بغداد محمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 عبد الله بن طاهر الخزاعى وكبير الامراء وصيف التركى وكان قد استولى على الخليفة وتمكن ثم قتلوه وأخذوا له أموالا عظيمة وبعده قتل فى سنة أربع بغا الصغير وكان قد تمرّد وطغى وبغى وراح وصيف فتفرّد هو بالامور وكان المعتز يقول لا أستلذ بحياة ما بقى بغا وفيها مات بسامرا على الملقب بين الشيعة بالهادى وهو أحد الاثنى عشر المعصومين عند الرافضة وهو ابن الجواد محمد بن الرضا على بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق وعاش أربعين سنة* وفى سنة خمس وخمسين ومائتين مات عالم سمرقند أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى الحافظ صاحب السند وشيخ الطائفة الكرامية المجسمة محمد بن كرام السجستانى الزاهد مات ببيت المقدس وكان المعتز فى ضيق وحجر فى خلافته مع الاتراك واتفق جماعة منهم أتوه وقالوا يا أمير المؤمنين أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف التركى ونستريح منه وكان المعتز يخاف من صالح المذكور فطلب من أمه مالا لينفقه فيهم فأبت عليه وشحت وكانت فى سعة من المال ولم يكن بقى فى بيوت الاموال شئ فاجتمع الاتراك حينئذ واتفقوا على خلعه من الخلافة ووافقهم صالح بن وصيف ومحمد بن بغا فلبسوا السلاح وجاؤا الى دار الخلافة فبعثوا الى المعتز أن اخرج الينا فبعث يقول قد شربت دواء وأنا ضعيف فهجم عليه جماعة فجرّوه برجليه وضربوه بالدبابيس وأقاموه فى الشمس فى يوم صائف فبقى يرفع قدما ويضع اخرى ويلطمون وجهه ويقولون اخلع نفسك ثم أحضروا القاضى ابن أبى الشوارب والشهود وخلعوه ثم أحضروا من بغداد الى سامرا وهى يومئذ دار الخلافة محمد بن الواثق وكان المعتز قد أبعده الى بغداد فسلم اليه المعتز الخلافة وبايعه ولقبوه المهتدى بالله ثم أخذوا المعتز بعد خمس ليال من خلعه وأدخلوه الحمام فلما تغسل عطش وطلب ماء فمنعوه حتى شارف الهلاك ثم أخرجوه فسقوه ماء ثلج فشربه وسقط ميتا وابنه عبد الله مات فى صهريج ماء من شدّة البرد كذا فى سيرة مغلطاى وكان موته فى شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وفى سيرة مغلطاى مات فى سر من رآى لثلاث خلون من شعبان وقيل من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وله أربع وعشرون سنة وقيل ثلاث وعشرون سنة وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما* وفى سيرة مغلطاى وكانت خلافته ثلاث سنين وستة أشهر واحدى وعشرين يوما وبعد قتله أمسك صالح بن وصيف وكان رئيس الامراء أمه قبيحة وصادروها فوجدوا عندها ألف ألف دينار عينا ونصف أردب لؤلؤ وويبة ياقوت أحمر وأشياء كثير غير ذلك* قال الذهبى أخذ صالح منها ثلاثة آلاف دينار فحمل جميع ذلك لصالح بن وصيف فقال ابن وصيف قاتل الله قبيحة عرضت ابنها للقتل وعندها هذه الاموال العظيمة ثم أخرجت قبيحة المذكورة على أقبح وجه الى مكة فأقامت بها الى أن ماتت* (ذكر خلافة المهتدى بالله محمد بن الواثق هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين الصالح الدين أبى اسحاق وقيل أبى عبد الله وأمه أم ولد رومية تسمى قرب ولد فى خلافة جدّه سنة بضع عشرة ومائتين* صفته* كان أسمر رقيقا مليح الوجه دينا صالحا ورعا عابدا عاقلا قويا فى أمر الله شجاعا خليقا للامارة لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الحق والخير ولو وجد ناصر الكان أحيا سنة عمر بن عبد العزيز وقيل كان يسرد الصوم ويقنع بعض الليالى بخبز وخل وزيت* قال الخطيب لم يزل صائما منذولى الى أن قتل* وقال أبو العباس هاشم بن القاسم كنت بحضرة المهتدى عشية رمضان فوثبت لانصرف قال اجلس ثم أحضر بعد الصلاة طبقا فيه أرغفة من الخبز وبعض ملح وخل وزيت وقال كل فقلت يا أمير المؤمنين قد أسبغ الله نعمه عليك قال صدقت ولكنى فكرت فى أنه كان فى بنى أمية عمر بن عبد العزيز ففاق على بنى هاشم فأخذت نفسى على ما رأيت بويع بالخلافة بعد ابن عمه المعتز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 بالله فى التاسع والعشرين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وله بضع وثلاثون سنة* قال الذهبى لما خلعوا المعتز أحضروا محمد بن الواثق بالله فبايعوه ولقب بالمهدى بالله وكان صالح بن وصيف رئيس الامراء ولما طلب المهتدى لم يقبل بيعة أحد حتى أتوا بالمعتز فلما رأى المهتدى قام له وسلم عليه بالخلافة وجلس بين يديه وجىء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلك ومدّيده وبايع المهتدى فارتفع حينئذ المهدى الى صدر المجلس وقال لا يجتمع سيفان فى غمد وهذا من كلام أبى ذؤيب تريدين كيما تجمعينى وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك فى غمد وكان المهتدى قد اطرح الملاهى وسدّ باب اللهو والغناء وحسم الامراء عن الظلم وكان شديد الاشراف على أمر الدواوين يجلس بنفسه ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب* قال الذهبى لما دخلت سنة ست وخمسين ومائتين عبى موسى بن بغا عسكره بأكمل زينة وزحف على سامرا مجمعا على الفتك بصالح وصاحت العامّة يا فرعون جاءك موسى ثم هجم موسى بمن معه على المهتدى بالله وأركبوه فرسا وانتهبوا القصر وأدخلوا المهتدى دارا وهو يقول ويحك يا موسى ما بك فيقول وتربة أبيك لا ينالك سوء فحلفوه أن لا يمالئ صالحا وطلبوا صالحا ليناظروه على سوء فعاله فاختفى فردّوا المهتدى الى قصره ثم ظفروا بصالح وقتلوه* وفاة حافظ العصر البخارى وفى ليلة عيد الفطر من هذه السنة مات شيخ الاسلام وحافظ العصر محمد بن اسماعيل البخارى وله اثنتان وستون سنة وكان مولده يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة وقبره فى قرية مشهورة عندهم بخرتنك قرب على آباد من توابع سمرقند* وفى الكشف شرح المنار فى ان المحدث غير الفقيه يغلط كثيرا فقد روى عن محمد ابن اسماعيل صاحب الصحيح أنه استفتى فى صبيين شربا من لبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة بينهما فأخرج به من بخارا اذ الاختية تتبع الامية والبهيمة لا تصلح أما للادمى وفيها مات قاضى مكة الزبير ابن بكار الاسدى أحد الاعلام وفيها قتل المهتدى بالله يقال ان الامراء والاتراك خرجوا عليه واتفقوا على خلعه فلبس سلاحه فى اناس قلائل من حاشيته وشهر سيفه عليهم وخرج وحاربهم أشدّ المحاربة ثم أحاطوا به وأسروه وخلعوه وقتلوه شهيدا فى شهر رجب سنة ست وخمسين ومائتين فكانت خلافته سنة الا خمسة عشر يوما* وفى سيرة مغلطاى كانت خلافته أحد عشر شهرا وتسعة عشر يوما وقتل بالسكين بسر من رآى لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين انتهى وعاش ثمانيا وثلاثين سنة* (ذكر خلافة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى بن المنصور) * أمير المؤمنين أبى العباس الهاشمى العباسى وأمه أم ولد رومية اسمها فتيان ولد سنة تسع وعشرين ومائتين بسر من رآى* صفته* كان أسمر ربعة رقيقا مدوّر الوجه مليح العينين صغير اللحية أسرع اليه الشيب بويع بالخلافة بعد قتل ابن عمه المهتدى* قال الذهبى خلعوا المهتدى بالله قبل قتله وبايعوا المعتمد هذا وتم أمره فى الخلافة وطالت أيامه وكان منهمكا فى اللذات فجعل أخاه الموفق طلحة ولى عهده على الامور وانهمك هو فى اللذات فاستولى أخوه المذكور جميع تعلقات الخلافة وقوى أمره وصار اليه العقد والحل وانقهر معه المعتمد وصار كالمحجور عليه معه وكان الموفق يتولى محاربة الافرنج هو وولده أحمد المعتضد والمعتمد هذا غارق فى السكر وكان يعربد فى سكره على الندماء وكان أخوه الموفق محسا للرعية والجند وعنده سباسة ومعرفة بالامور والتدبير وكان الموفق يلقب بالناصر لدين الله ولو أرادوا الوثوب على الامر لحصل له ذلك لانه هو صاحب الجيش والعساكر وما لاخيه المعتمد هذا سوى اسم الخلافة لا غير ولم يزل الموفق على ما هو عليه من الامر والنهى الى ان مرض ومات فى سنة ثمان وسبعين ومائتين فى حياة أخيه المعتمد وكان الموفق قد حبس ولده فى حياته فلما احتضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الموفق أخرج ولده المعتمد أحمد من الحبس وجعله عرضة فى ولاية العهد وكان المعتضد على عمه المعتمد أشدّ من أبيه الموفق* وفى سنة ثمان وخمسين ومائتين مات واعظ عصره يحيى بن معاذ الرازى الزاهد* وفى سنة ستين ومائتين مات الحسن بن على الجواد بن الرضا العلوى أحد الائمة الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم وهو والد منتظرهم محمد بن الحسن* وفى سنة احدى وستين ومائتين مات حافظ خراسان أحمد بن سليمان الرهاوى ومقرئ وقته أبو شعيب صالح بن زياد السوسى والعارف الكبير أبو يزيد البسطامى وحافظ خراسان مسلم بن الحجاج القشيرى صاحب الصحيح مات بنيسابور وهو ابن خمس وخمسين سنة* وفى سنة أربع وستين ومائتين مات كبير الامراء موسى بن بغا وكان بطلا شجاعا وافر الحشمة وحافظ زمانه أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازى أحد الاعلام فى آخر السنة* قال أبو حاتم لم يخلف بعده مثله* وفى سنة خمس وستين ومائتين مات صالح ابن أحمد بن حنبل الشيبانى قاضى أصبهان* وفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين مات الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزوينى صاحب السنن والتفسير والحافظ حنبل بن اسحاق بن عم الامام أحمد ومات فى صفر صاحب الاندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الاموى وكانت أيامه خمسا وثلاثين سنة وكان فقيها فصيحا بليغا كثير الجهاد* قال ابن الجوزى هو صاحب وقعة وادى سليط التى لم يسمع بمثلها يقال قتل فيها من الكفرة ثلثمائة ألف* وفى سنة ست وسبعين ومائتين مات العلامة أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى صاحب التصانيف فى رجب ببغداد فجاءة وله ثلاث وستون سنة وحافظ البصرة أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشى فى شوّال ببغداد حدّث من حفظه بستين ألفا وكان ورده فى اليوم والليلة أربعمائة ركعة ومحدّث الاندلس قاسم بن محمد بن القاسم الاموى القرطبى الفقيه قال تقى بن مخلد هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم* وقال ابن لبابة ما رأيت أفقه منه* وفى سنة سبع وسبعين ومائتين مات حافظ زمانه أبو حاتم محمد بن ادريس الحنظلى الرازى فى شعبان وهو فى عشر التسعين وكان جاريا فى مضمار أبى زرعة والبخارى وفيها مات الحافظ أبو داود صاحب السنن مات بالبصرة* وفى سنة ثمان وسبعين ومائتين كان مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة وهم زنادقة مارقون من الدين* وفيها مات الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوكل بن المعتصم ولى عهد أخيه الخليفة المعتمد على الله فى صفر وله تسع وأربعون سنة وكان ملكا جبارا مطاعا بطلا شجاعا كبير الشأن حارب الفرنج حتى أبادهم وحارب يعقوب الصفار فهزمه وكان اليه جميع أمر الجيش وكان محببا الى الناس اعتراه نقرس فبرّح به وأصاب رجله داء الفيل وكان يقول فى ديوانى مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوأ حالا منى واشتدّ ألمه حتى مات* وفى سنة تسع وسبعين ومائتين تمكن المعتضد وخضعت لهيبته الامراء حتى ألزم عمه أمير المؤمنين ان يقدّمه فى العهد على ابنه المفوّض ففعل ذلك مكرها وفيها منع المعتضد الناس من بيع كتب الفلسفة وتهدد على ذلك ومنع المنجمين والقصاص من الجلوس وفيها مات الامام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الاسلمى الترمذى مصنف الجامع فى رجب بترمذ والحافظ أبو بكر أحمد بن أبى خيثمة أحد الاعلام صاحب التاريخ الكبير وتوفى أمير المؤمنين المعتمد على الله ولم تطل أيامه بعد أخيه الموفق مات المعتمد فجاءة وهو سكران وقيل سم فى لحم وقيل رمى فى رصاص مذاب وقيل وقع فى حفرة ببغداد فى تاسع شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة* وفى سيرة مغلطاى سنة اثنتين وعشرين واحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما ليس له فيها الا مجرّد الاسم فقط والامر كله لاخيه الموفق طلحة ثم بعده لابنه المعتضد أحمد الخليفة الاتى ذكره* (ذكر خلافة المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن ولى العهد الموفق بالله طلحة بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هرون الهاشمى العباسى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 * أمير المؤمنين مولده فى سنة اثنتين وأربعين ومائتين فى ذى القعدة فى أيام جدّه* صفته* كان أسمر نحيفا معتدل الخلق وكان يقدر على الاسد وحده وتغير مزاجه لافراط الجماع وكان المعتضد هذا آخر من ولى الخلافة ببغداد من بنى العباس وكان شجاعا مقدامامها باذا سطوة وحزم ورأى وجبروت ومن جاء بعده فهم كلا شئ بالنسبة الى المعتضد وكان الموفق قد خاف من ولده المعتضد فلما اشتدّ مرض الموفق عمد غلمان المعتضد اليه وأخرجوه من الحبس بلا اذن الموفق ولا الخليفة فلما رآه والده الموفق أيقن بالموت ثم قال له يا ولدى لهذا اليوم خبأتك وفوّض اليه الامور وأوصاه بعمه المعتمد وكان ذلك قبل موت الموفق بثلاثة أيام ولما تخلف المعتضد أحبه الناس لحسن تدبيره وشدّة بأسه بويع بالخلافة بعد موت عمه المعتمد بامرة المؤمنين* وفى سنة ثمان وثمانين ومائتين مات الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد البرنى القاضى الحافظ صاحب المسند وكان من عباد الحنفية وقاضى مصر أبو جعفر أحمد بن ابى عمران الحنفى صاحب ابن سماعة وقد قارب الثمانين وحافظ سجستان الامام عثمان بن سعيد الدارمى صاحب التصانيف عن ثمانين سنة* وفى سنة احدى وثمانين ومائتين توفى الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا صاحب التصانيف عن نيف وثمانين سنة وحافظ دمشق أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو البصرى وله تصانيف* وفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين اصطلح خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر والمعتضد بعد خطوب وحروب بينهما فتزوّج المعتضد بابنة خمارويه قطر الندا على صداق أربعين ألف دينار فبعثها أبوها وجهزها بألف ألف دينار وأعطت الدلال مائة ألف درهم ومات فى ذى القعدة متولى مصر والشام أبو الجيش خمارويه أحمد بن طولون حمو الخليفة فتك به غلمانه لانه راودهم وكان شهما صارما مهيبا وعاش اثنتين وثلاثين سنة ودولته اثنتى عشرة سنة* وفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين توفى السيد العارف سهل بن عبد الله التسترى الزاهد عن نحو ثمانين سنة* وفى سنة أربع وثمانين ومائتين قال ابن جرير فيها عزم المعتضد على سب معاوية على المنابر فخوّفه الوزير عبد الله من اضطراب العامّة فلم يلتفت اليه وتهدد العامّة وألزمهم بترك الاجتماع وشدّد عليهم وأنشأ كتابا ليقرأ على المنبر فيه مثالبه ومعائبه وقال ان تحرّكت العامّة وضعت فيهم السيف قيل فما تصنع بالعلوية الذين هم قد خرجوا عليك فى كل ناحية اذا سمع الغوغاء هذا من مناقب أهل البيت مالوا اليهم فأمسك المعتضد عن ذلك* وفيها مات البحترى شاعر وقته أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائى وله بضع وسبعون سنة وفى سنة خمس وثمانين ومائتين مات ببغداد أبو العباس المبرّد امام النحو* وفى سنة ست وثمانين ومائتين ظهر بالبحرين القرامطة وعليهم أبو سعيد الجبائى وقويت شوكته وأفسد وقصد البصرة فحصنها المعتضد وكان أبو سعيد كيالا بالبصرة وجبان من قرى الاهواز* وقال لصولى كان يرفو أعدال الدقيق فخرج الى البحرين وانضم اليه بقايا الزنج والحرامية حتى تفاقم أمره وهزم جيوش المعتضد مرّات ثم انه ذبح فى الحماء وقام بعده ابنه أبو طاهر* وفيها مات شيخ الصوفية أبو سعيد الخراز أحد الاولياء* وفى سنة تسع وثمانين ومائة ماتت قطر الندا بنت صاحب مصر زوجة المعتضد واستمرّ المعتضد فى الخلافة الى ان مات يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الاخر سنة تسع وثمانين ومائتين وفى سيرة مغلطاى توفى ببغداد ليلة الثلاثاء لست بقين من ربيع الاخر وقيل لثمان بقين منه سنة ثمان وثمانين ومائتين وقيل تسع ودفن فى الحجرة الرخام وكان المعتضد يسمى السفاح الثانى لانه جدّد ملك بنى العباس* ومن عجيب ما ذكر عنه المسعودى ان صح قال شكوا فى موت المعتضد فتقدّم الطبيب فجس نبضه ففتح عينيه ورفس الطبيب برجله فدحاه أذرعا ومات الطبيب ثم مات المعتضد من ساعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ونصف* وفى سيرة مغلطاى وكانت مدّة خلافته عشر سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام وقيل تسع سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما وعاش أربعين سنة* (ذكر خلافة المكتفى بالله على بن المعتضد أحمد بن ولى العهد الموفق طلحة بن جعفر) * المتوكل بن المعتصم محمد بن الرشيد هرون الهاشمى العباسى أمير المؤمنين أبو محمد أمّه أمّ ولد تسمى خاضع ولد سنة أربع وستين ومائتين* صفته* كان يضرب المثل بحسنه فى زمانه كان معتدل القامة درىّ اللون أسود الشعر حسن اللحية جميل الصورة بويع بالخلافة بعد أبيه المعتضد فى جمادى الاولى سنة تسع وثمانين ومائتين وأخذ له أبوه البيعة فى مرض موته وأباد القرامطة وفتح انطاكية* وفى أيام المكتفى سنة تسعين ومائتين كان بمصر غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة ولم يبق من العالم الا القليل وفيها حاصرت القرامطة دمشق فقتل طاغيتهم صاحب الشام ابن ركرويه وكان ركرويه يكذب ويزعم أنه علوى فقام بالامر بعده أخوه الحسين فجهز المكتفى عشرة آلاف مع أبى الاعز لقتالهم فلما قاربوا حلب بيتهم القرامطة فهرب أبو الاعز فى ألف فارس فدخل حلب وقتل أكثر جيشه ووصل المكتفى بالله الى الرقة وبعث الجيوش يمدّ أبا الاعز وقدمت عساكر مصر مع بدر الحمامى فهزموا القرامطة وقتل منهم خلق كثير* وفيها مات محدّث بغداد عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيبانى الحافظ وله سبع وسبعون سنة* وفى سنة احدى وتسعين ومائتين مات مقرئ أهل مكة قنبل واسمه محمد بن عبد الرحمن المخزومى وفيها مات محدث الرى على بن الحسين بن الجنيد الرازى الحافظ* وفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين مات حافظ وقته أبو بكر أحمد بن عمرو البصرى البزار صاحب المسند الكبير برملة وقاضى القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفى ببغداد وكان من قضاة العدل فكان عند الموت يبكى ويقول يا رب من القضاء الى القبر* وأما القرامطة فعظم بهم البلاء فالتزم أهل دمشق لهم بأمور عظيمة فترحلوا ثم افتتحوا حمص وساروا الى حماة والمعرّة يقتلونهم ويسبون وقتلوا أكثر أهل بعلبك ثم استباحوا سلمية فالتقاهم جيش الخليفة بقرب حمص فكسروهم وأسروا خلائق وذلت القرامطة لعنهم الله ثم انهزم رئيسهم مع ابن عمه وآخر فوقعوا بهم فحملوهم الى المكتفى فقتلوهم وأحرقوا ولم تطل أيام المكتفى ومات ببغداد شابا ليلة الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذى القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين وكانت خلافته ستة أعوام وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما واستخلف بعده أخوه المقتدر بتفويض المكتفى اليه فى مرضه بعد أن سأل عنه المكتفى وصح عنده انه احتلم والله أعلم* (ذكر خلافة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين وهو السادس فخلع مرّتين كما سيأتى أمّه أمّ ولد اسمها شعب بويع بالخلافة بعد موت أخيه المكتفى وهو غير بالغ وعمره أربع عشرة سنة قال الذهبى وعمره ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما ولم يل أمر الامّة صبىّ قبله وضعف دست الخلافة فى أيامه ولما استخلف المقتدر فى هذه المرّة الاولى لم يتم أمره لصغر سنه وتغلب عليه الجند واتفق جماعة من الاعيان على خلعه من الخلافة وتولية عبد الله بن المعتز وكلموا ابن المعتز فى ذلك فأجابهم بشرط أن لا يكون فيها دم فانه كان عالما فاضلا دينا أديبا شاعرا فأجابوه لذلك وكان رأسهم محمد بن داود بن الجرّاح وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضى والحسين بن حمدان واتفقوا على قتل المقتدر ووزيره العباس وفاتك فلما كان العشرون من شهر ربيع الاوّل سنة ست وتسعين ومائتين ركب الحسين بن حمدان والقوّاد فشدّ ابن حمدان على الوزير فقتله فأنكر عليه فاتك فقتله ثم شدّ على المقتدر وكان يلعب بالصوالجة فسمع الضجة فدخل وأغلقت الابواب فعاد ابن حمدان ونزل وأحضر عبد الله بن المعتز وحضر القواد والقضاة والاعيان وبايعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 حسبما يأتى ذكره وخلع المقتدر من الخلافة وهو مقيم بالحريم داخل دار الخلافة وكانت خلافة المقتدر فى هذه المرّة الاولى دون السنة* وفى سيرة مغلطاى ولى أربعة أشهر ثم عزل ثم أعيد كما سيأتى* (ذكر خلافة عبد الله بن المعتز الشاعر بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد) * الهاشمى العباسى أمير المؤمنين أبو العباس الاديب مولده فى شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين بويع بالخلافة بعد خلع المقتدر ولقب بالغالب بالله وفى سيرة مغلطاى لقب بالمنتصف بالله وقيل بالراضى واستوزر محمد بن داود بن الجرّاح ويمن الخادم حاجبه فغضب سوسن الخادم وعاد الى دار المقتدر وطاعته وتم أمر عبد الله بن المعتز فى ذلك اليوم وأنفذت الكتب بخلافته الى الاقطار فى العشرين من شهر ربيع الاوّل سنة ست وتسعين ومائتين ولما تخلف ابن المعتز بعث الى المقتدر يأمره بالانصراف الى دار محمد بن طاهر لكى ينتقل ابن المعتز الى دار الخلافة فأجاب المقتدر وقد بقى عنده أناس قلائل وباتوا تلك الليلة وأصبح الحسين بن حمدان باكرا الى دار الخلافة وقاتل أعوان المقتدر فقاتلوه ودفعوه عنها ثم خرجوا بالسلاح وقصدوا مكان ابن المعتز فلما رآهم من حول ابن المعتز أوقع الله فى قلوبهم الرعب فانهزموا بغير حرب فركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره ابن داود وحاجبه يمن وقد شهر سيفه فلم يتبعه أحد فلما رأى أمره فى ادبار نزل عن دابته ودخل دار ابن الجصاص واختفى الوزير وغيره ونهبت دورهم وخرج المقتدر واستفحل أمره وأمسك جماعة ابن المعتز ومن قام بنصرته وحبسهم ثم قتل غالبهم وقتل ابن الجرّاح الذى وزر لابن المعتز ذلك اليوم وكان اديبا فاضلا علامة له تصانيف واستقام أمر المقتدر وأعيد للخلافة ثم قبض على ابن المعتز وابن الجصاص وحبس ابن المعتز أياما ثم أخرج ميتا فى شهر ربيع الاخر سنة ست وتسعين ومائتين وكان الذى تولى هلاكه مؤنس الخادم وكانت خلافته يوما واحدا وقيل نصف يوم* وفى سيرة مغلطاى مكث فى الخلافة يوما وليلة فقتل وبعضهم لم يذكره مع الخلفاء وسماه الامير لا امير المؤمنين ومذهب بعضهم انه أمير المؤمنين ولو لم يل الخلافة فانه كان خليقا للخلافة وأهلالها* (ذكر خلافة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر فى المرّة الثانية) * أعيد الى الخلافة فى صبيحة يوم خلعه ولم ينتقل المقتدر من دار الخلافة ولم يغير لقبه واستمرّ فى الخلافة وظفر بأعدائه واحدا بعد واحد واستوزر أبا الحسين بن محمد بن الفرات فسار ابن الفرات فى الناس أحسن سيرة وكشف المظالم وفوّض اليه المقتدر جميع الامور لصغر سنه واشتغل باللعب مع الندماء والمغنين وعاشر النساء وغلب أمر الخدم والحرم على دولته وأتلف الخزائن* وفى الكامل فى سنة ثلثمائة كثرت الامراض والعلل ببغداد وفيها كلبت الكلاب والذئاب بالبادية فأهلكت خلقا كثيرا وفيها انقضت الكواكب انقضاضا كثيرا الى جهة المشرق وفى هذا الوقت مات الملعون أحمد بن يحيى الراوندى الزنديق وقد صنف فى الازراء على النبوّات والردّ على القرآن* وفى سيرة مغلطاى لما صفا الامر للمقتدر قتل الحلاج الزنديق المدّعى للربوبية وقوى أمر القرامطة فقلع الحجر الاسود وتحرّكت الديلم وقوى أمر بنى القداح بالمغرب وانتسبوا الى محمد ابن اسمعيل بن جعفر فقتلهم أبو القاسم المهدى وقيل انه كان من أبناء اليهود* قال الذهبى فى سنة احدى وثلثمائة شهر الحلاج على جمل ثم علقوه ونودى هذا من دعاة القرامطة فاعرفوه ثم سجن وظهر أنه ادعى الالهية وصرح بالحلول* وفى المواقف لقبوا بالقرامطة لانّ أوّلهم الذى دعا الناس الى مذهبهم رجل يقال له حمدان قرمطه وهى احدى قرى واسط لقبوا بسبعة ألقاب بالقرامطة لما مرّ وبالباطنية لقولهم بباطن الكتاب دون ظاهره فانهم قالوا للقرآن ظاهر وباطن والمراد منه باطنه لا ظاهره المعلوم من اللغة ونسبة الباطن الى الظاهر كنسبة اللب الى القشر وبالحرمية لاباحتهم الحرمات والمحارم وبالسبعية لانهم زعموا انّ النطقاء بالشرائع أى الرسل سبعة آدم ونوح وابراهيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وموسى وعيسى ومحمد ومحمد المهدى سابع النطقاء وبالبابكية اذ تبع طائفة منهم بابك بن عبد الكريم الحرمى فى الخروج بأذربيجان وبالمحمرة للبسهم الحمرة فى أيام بابك وبالاسماعيلية لاثباتهم الامامة لاسمعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى لهم ألقاب كثيرة على لسان كل قوم فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة والمزدكية وبخراسان التعليمية والملحدة وهم يقولون نحن اسماعيلية لانا نميز عن فرق الشيعة بهذا الاسم وبهذا الشخص* وفى هذه السنة قتل أبو سعيد الجبانى رأس القرامطة قتله مملوك له صقلبى راوده فى الحمام ثم خرج فاستدعى قائدا من أصحاب الجبانى فقال السيد يطلبك فلما دخل قتله وخرج فطلب آخر فقتله حتى قتل أربعة من رؤسائهم واستدعى الخامس فلما دخل فطن لذلك فأمسك بيد الخادم وصاح الناس وصاح النساء فقتلوه* وفى سنة ثلاث وثلثمائة توفى حافظ زمانه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائى أحد الاعلام ومصنف السنن فى صفر وله ثمان وثمانون سنة وكان يقوم الليل ويصوم يوما ويفطر يوما وفيها مات أبو على محمد بن عبد الله الجبائى البصرى شيخ المعتزلة* وفى سنة سبع وثلثمائة مات محدّث الموصل أبو يعلى محمد بن على بن المثنى الموصلى الحافظ صاحب المسند وله سبع وتسعون سنة وفيها انقض كوكب واشتدّ ضوءه وعظم وتفرّق ثلاث فرق وسمع عند انقضاضه مثل صوت الرعد الشديد ولم يكن فى السماء غيم والله تعالى أعلم كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وثلثمائة قتل حسين بن منصور الحلاج ببغداد بأمر المفتين وحكم الحاكم على الزندقة والحلول وكان قد سافر الى الهند وتعلم السحر كذا فى دول الاسلام* ترجمة حسين بن منصور الحلاج وفى الكامل فى هذه السنة قتل الحسين بن منصور الحلاج الصوفى فى ذى القعدة وأحرق بالنار وكان ابتداء حاله انه كان يظهر الزهد والتصوّف ويظهر الكرامات ويخرج للناس فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء ويمدّيده الى الهواء ويعيدها مملوءة دراهم على كل درهم مكتوب قل هو الله أحد ويسميها دراهم القدرة ويخبر الناس بما أكلوا وبما صنعوا فى بيوتهم ويتكلم بما فى ضمائرهم فافتتن به خلق كثير اعتقدوا فيه الحلول وبالجملة فانّ الناس اختلفوا فيه اختلافهم فى المسيح عليه السلام فمن قائل انه حل فيه جزء الهىّ ويدعى فيه الربوبية ومن قائل انه ولى الله تعالى وانّ الذى يظهر منه من جملة كرامات الصالحين ومن قائل انه مشعبذ وممجرق وساحر وكذاب ومتكهن والجنّ تطيعه فتأتيه بالفاكهة فى غير أوانها وكان قد قدم من خراسان الى العراق وسار الى مكة فأقام بها فى الحجر لا يستظل تحت سقف شتاء ولا صيفا وكان يصوم الدهر فاذا جاء العشاء أحضر له القوم كوزماء وقرصا فيشربه ويعض من القرص ثلاث عضات من جوانبه فيأكلها ويترك الباقى فيأخذونه ولا يأكل شيئا آخر الى الغد آخر النهار* وكان شيخ الصوفية يومئذ بمكة عبد الله المغربى فأخذ أصحابه الى زيارة الحلاج فلم يجدوه فى الحجر وقيل قد صعد الى جبل أبى قبيس فصعد اليه فرآه قائما على صخرة حافيا مكشوف الرأس والعرق يجرى منه الى الارض فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلمه وقال هذا يتصبر ويتقوّى على قضاء الله تعالى وسوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقوّته وعاد الحسين الى بغداد وأما سبب قتله فانه نقل عنه عند عوده الى بغداد الى الوزير حامد بن العباس وزير المقتدر أنه أحيى جماعة وأنه يحيى الموتى وانّ الجنّ يخدمونه ويحضرون عنده ما يشتهى وأنه قدّموه على جماعة من حواشى الخليفة المقتدر بالله وأن نصر الحاجب قد مال اليه فالتمس حامد الوزير من المقتدر بالله أن يسلم اليه الحلاج وأصحابه فدفع عنه نصر الحاجب فألح الوزير فأمر المقتدر بتسليمه اليه فأخذه وأخذ معه جماعة من أصحابه فيهم انسان يعرف بالشمرىّ قيل انهم يعتقدون انه اله فقرّرهم حامد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 فاعترفوا بأنه قد صح عندهم أنه اله وأنه يحيى الموتى وقابلوا الحلاج على ذلك فأنكر وقال أعوذ بالله أن أدّعى الربوبية والنبوّة وانما أنا رجل أعبد الله عز وجل فأحضر حامد القاضى أبا عمرو والقاضى أبا جعفر بن البهلول وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم فقالوا لا نفتى فى أمره بشئ الا أن يصح عندنا ما يوجب قتله ولا يجوز قبول قول من يدّعى عليه ما ادّعاه الا ببينة أو اقرار وكان يخرج الحلاج الى مجلسه ويستنطقه فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة وطال الامر على ذلك وحامد الوزير مجدّ فى أمره وجرى له قصص يطول شرحها وفى آخرها انّ الوزير رأى له كتابا حكى فيه انّ الانسان اذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد من داره بيتا لا يلحقه شئ من النجاسات ولا يدخله أحد فاذا حضرت أيام الحج طاف حوله وفعل ما يفعله الحاج بمكة ثم يجمع ثلاثين يتيما ويصنع أجود طعام يمكنه ويطعمهم فى ذلك البيت ويخدمهم بنفسه فاذا فرغوا كساهم وأعطى كل واحد منهم تسعة دراهم فاذا فعل ذلك كان كمن حج فلما قرئ هذا الكتاب على الوزير قال القاضى أبو عمرو للحلاج من أين لك هذا قال من كتاب الاخلاص للحسن البصرى قال له كذبت يا حلاج الدم سمعناه بمكة وليس فيه هذا فكتب القاضى ومن حضر المجلس باباحة دمه فأرسل الوزير الفتاوى الى الخليفة فاستأذن فى قتله وسلمه الوزير الى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط فما تأوّه ثم قطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم قتل وأحرق بالنار فلما صار رمادا ألقى فى الدجلة ونصب الرأس ببغداد وأرسل الى خراسان لانه كان له بها أصحاب وأقبل بعض أصحابه يقولون انه لم يقتل وانما ألقى شبهه على دابة وانه يجىء بعد أربعين يوما وبعضهم يقول لقيته بطريق النهروان وأنه قال له لا تكونوا مثل هؤلاء البقر الذين يظنون أنى ضربت وقتلت* وفى حياة الحيوان نقلا عن تاريخ ابن خلكان رسم المقتدر بتسليمه الى محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة فتسلمه بعد العشاء خوفا من العامّة أن تنزعه من يده ثم أخرجه يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة سنة سبع وثلثمائة عند باب الطاق واجتمع خلق كثير فأمر به فضربه الجلاد ألف سوط فما استعفى ولا تأوّه ثم قطع أطرافه الاربعة وهو ساكن لا يضطرب ثم حز رأسه وأحرقت جثته وألقى رماده فى دجلة ونصب الرأس ببغداد ثم حمل وطيف به فى النواحى والبلاد وجعل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما واتفق أن زاد دجلة تلك السنة زيادة وافرة فادّعى أصحابه انّ ذلك بسبب القاء رماده فيها وادّعى بعض أصحابه انه لم يقتل وانما ألقى شبهه عند قتله على عدوّله* وذكر الشيخ الامام عز الدين بن عبد السلام المقدسى فى مفاتيح الكنوز انه لما أتى به ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك ضحكا كثيرا ثم نظر فى الجماعة فرأى الشبلى فقال له يا أبا بكر أما معك سجادة قال بلى قال افرشها لى ففرشها فتقدّم وصلى ركعتين فقرأ فى الاولى بفاتحة الكتاب ومن بعدها ولنبلونكم بشئ من الخوف الاية ثم قرأ فى الثانية بفاتحة الكتاب ومن بعدها كل نفس ذائقة الموت ثم ذكر كلاما كثيرا ثم تقدّم أبو الحارث السياف ولطمه لطمة هشم وجهه وأنفه فصاح الشبلى ومزق ثيابه وأغشى على أبى الحسن الواسطى وعلى جماعة من المشايخ وكان الحلاج يقول اعلموا ان الله قد أباح لكم دمى فاقتلونى ليس للمسلمين اليوم أهم من قتلى وقد اضطرب الناس فى أمره اضطرابا متباينا فمنهم من يعظمه ومنهم من يكفره* وقد ذكر الامام قطب الوجود حجة الاسلام فى كتاب مشكاة الانوار فصلا طويلا فى أمره واعتذر عن اطلاقاته كقوله أنا الحق وما فى الجبة الا الله وحملها كلها على محامل حسنة وقال هذا من فرط المحبة وشدّة الخوف والوجل وهو كقول القائل أنا من أهوى ومن أهوى أنا* نحن روحان حللنا بدنا* وحسبك هذا مدحة وتزكية وكان ابن شريح اذا سئل عنه يقول هذا رجل قد خفى علىّ حاله وما أقول فيه شيئا وهذا شبيه بكلام عمر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 عبد العزيز وقد سئل عن على ومعاوية قال دماؤهم قد طهر الله منها سيوفنا أفلا يطهر من الخوض فيها ألسنتنا وهكذا ينبغى لمن يخاف الله تعالى أن لا يكفر أحدا من أهل القبلة بكلام يصدر منه يحتمل التأويل على الحق والباطل فان الآخراج من الاسلام عظيم ولا يسارع به الا الجاهل* ويحكى عن شيخ العارفين قطب الزمان عبد القادر الكيلانى قدّس الله روحه أنه قال عثر الحلاج ولم يكن له من يأخذ بيده ولو أدركت زمانه لاخذت بيده وهذا وما سبق عن الامام الغزالى فى أمره كاف لمن له أدنى فهم وبصيرة وسمى الحلاج لانه جلس يوما على حانوت حلاج فاستقضاه حاجة فقال له الحلاج أنا مشتغل بالحلج فقال له اقض حاجتى حتى أحلج عنك فمضى الحلاج فى حاجته فلما عاد وجد قطنه كله محلوجا وكان لا يحلجه عشرة رجال فى أيام متعدّدة فمن ثمة قيل له الحلاج وقيل انه كان يتكلم على الاسرار ويخبر عنها فسمى حلاج الاسرار وكان من أهل البيضاء بلدة بفارس واسمه الحسين بن منصور* وفيها توفى شيخ الصوفية أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الزاهد البغدادى* وفى سنة عشر وثلثمائة مات عالم العصر أبو حفص محمد بن جرير الطبرى صاحب التفسير والتاريخ والفقهيات مات فى شوّال وله ست وثمانون سنة وفيها فى جمادى الاخرة انقض كوكب فى المشرق فى برج السنبلة طوله نحو ذراعين ذكره فى الكامل* وفى سنة احدى عشرة وثلثمائة مات أبو اسحاق الزجاج نحو العراق وحافظ ما وراء النهر أبو حفص عمر بن محمد بن يحيى صاحب الصحيح وشيخ الطب محمد بن زكريا الرازى صاحب الكتب* وفى سنة اثنتى عشرة وثلثمائة افتتح المسلمون فرغانة من مدائن الترك وفى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة انقض كوكب كبير وقت المغرب له صوت مثل صوت الرعد الشديد وضوء عظيم أضاءت له الدنيا* وفى سنة أربع عشرة وثلثمائة توجه أبو طاهر القرمطى نحو مكة فبلغ خبره الى أهلها فنقلوا أموالهم وحرمهم الى الطائف وغيره خوفا منه كذا فى الكامل* وفى سنة ست عشرة وثلثمائة مات ببغداد شيخها الحافظ ذو التصانيف أبو بكر بن صاحب السنن أبى داود السجستانى وله ست وثمانون سنة وكان ذا زهد ونسك وصلى عليه نحو ثلثمائة ألف نفس وقد حدّث من حفظه بأصبهان بثلاثين ألف حديث باسانيدها ومات باسفرائن حافظها الكبير أبو عوانة يعقوب بن اسحاق الاسفرائنى صاحب المسند واستمرّ المقتدر فى الخلافة الى سنة سبع عشرة وثلثمائة ثم خلع ثانيا بأخيه القاهر بالله أبى منصور محمد* (خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد بن المعتضد) * أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر العباسى الهاشمى أمير المؤمنين وأمه أم ولد مغربية تسمى فنون* صفته* كان أسمر ربعة أصهب الشعر طويل الانف بويع بالخلافة بعد أن قبض على أخيه المقتدر جعفر وعلى أمه وخالته وأخرجوا الى دار يونس وكان القاهر هذا محبوسا فوصل فى الثلث الاخير من ليلة الخامس عشر من المحرّم سنة سبع عشرة وثلثمائة وبايعه يونس والامراء ولقبوه بالقاهر بالله ثم أشهد المقتدر على نفسه بالخلع فى يوم السبت وجلس القاهر فى يوم الاحد وكتب الوزير عنه الى الاقطار وعمل الموكب يوم الاثنين فامتلات دهاليز الدار بالعسكر يطلبون رزق البيعة ورزق سنة أيضا فارتفعت أصوات الرجالة ثم هجموا على الحاجب نازل وهو بدار الخلافة فقتلوه وصاحوا يا مقتدر يا منصور فتهارب من فى دار الخلافة ثم أخرج المقتدر وحضر الى دار الخلافة وجلس مجلسه فأتوا بأخيه محمد القاهر هذا وجلس بين يديه فاستدناه المقتدر وقبل جبينه وقال له يا أخى والله أنت لا ذنب لك والقاهر يبكى ويقول ألله ألله يا أمير المؤمنين فى نفسى فقال المقتدر والله لا جرى عليك منى سوء أبدا فطب نفسا وأقام القاهر عند أخيه المتقدر مبجلا محترما الى أن أعيد الى الخلافة بعد موت أخيه المقتدر* (خلافة المقتدر بالله جعفر أعيد الى الخلافة ثالث مرّة) * الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 حسبما تقدّم ذكره ولما أعيد الى الخلافة كتب بذلك الى سائر البلاد وتم أمره ثم بذل الخزائن والاموال فى الجند وباع ضياعا وغيرها حتى تمم عطاءهم قلع الحجر الاسود من الكعبة ونقله الى هجر ثم فى سنة سبع عشرة وثلثمائة سير المقتدر ركب الحاج مع منصور الديلمى فوصلوا الى مكة سالمين فوافاهم فى يوم التروية الملعون عدوّ الله أبو طاهر القرمطى فقتل الحجيج فى المسجد الحرام قتلا ذريعا وهم محرمون وفى أزقة مكة وفى داخل البيت وحوله وقتل ابن محارب أمير مكة وعرّى البيت وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الاسود وأخذه الى هجر وطرح القتلى فى بئر زمزم ودفن الباقى فى المسجد الحرام وحيث قتلوا بغير كفن ولا غسل ولا صلى على أحد منهم كذا فى الكامل* يقال دخل القرمطى مكة بأناس قلائل نحو سبعمائة فلم يطق أحد ردّه خذلانا من الله تعالى فقتلوا حول البيت ألفا وسبعمائة وصعد اللعين على عتبة الكعبة ونادى أنا بالله وبالله أنا ... أخلق الخلق وأفنيهم أنا ويقال ان القتلى بمكة وبظاهرها فى هذه الكائنة أكثر من ثلاثين ألف انسان وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك ومدّة اقامته بمكة ستة أيام ولم يحج أحد ولا وقف بالناس امام سنة سبع عشرة وثلثمائة كذا فى سيرة مغلطاى فكان من القتلى شيخ الحنفية ببغداد أبو سعيد أحمد بن على البردعى والحافظ أبو الفضل محمد بن أبى الحسين الهروى وبعد عود القرمطى الى هجر رماه الله فى جسده وطال عذابه وتقطعت أوصاله وتناثر الدود من لحمه الى أن مات وبقى الحجر الاسود عند القرامطة نحو عشرين سنة ولما أخذه القرمطى وساربه الى هجر هلك تحته أربعون جملا فلما أعيد الى مكة حمل على قعود هزيل فسمن تحته* ولما كان الحجر عندهم دفع فيه بحكم التركى خمسين ألف دينار ليردّه الى مكانه فأبوا وقالوا قد أخذناه بأمر ولا نردّه الا بأمر وقد مرّ فى بناء الكعبة* وفيها فى آخر ذى القعدة انقض كوكب عظيم وصار له ضوء عظيم جدّا وفيها هبت ريح شديدة وحملت رملا أحمر شديد الحمرة فعمّ جانبى بغداد وامتلات منه البيوت والدور يشبه رمل طريق مكة كذا فى الكامل* وأما المقتدر فاستمرّ فى الخلافة الى أن قتل فى يوم الاربعاء السابع والعشرين من شوّال سنة عشرين وثلثمائة فى حرب كان بينه وبين مونس من البربر فضربه رجل منهم من خلفه ضربة سقط منها الى الارض فقال له ويحك أنا الخليفة فقال أنت المطلوب وذبحه بالسيف وشال رأسه على رمح ثم سلب ما عليه وبقى مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له فى الموضع ودفن وعفى أثره* وفى سيرة مغلطاى صاحب المقتدر قرناء السوء حتى أخرجوه ليتفرّج على لاعب فى الميدان فاشتغل الناس باللاعب عن حراسة الخليفة فلما رأى اللاعب الناس قد أبعدوا عنه ركض فرسه اليه وطعنه فى صدره بحربة ثم مر اللاعب يطلب دار الخلافة نحو القاهر فعلق به كلاب فى دكان قصاب فخرج الفرس من تحته فبقى معلقا فمات فى الوقت وأحرق وكان قتله يوم الاربعاء لثلاث ليال بقين من شوّال سنة عشرين وثلثمائة وقيل انه قتل فى حرب كانت بينه وبين مونس الخادم الملقب بالمظفر وأعيد بعده الى الخلافة أخوه القاهر* وكانت خلافة المقتدر أوّلا وثانيا وثالثا خمسا وعشرين سنة الا اياما* وفى سيرة مغلطاى كانت خلافته أربعا وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام وقيل وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما انتهى وعاش ثمانيا وعشرين أو ثلاثين سنة وكان سخيا مبذرا يصرف فى كل سنة للحج اكثر من ثلثمائة ألف دينار وكان فى داره أحد عشر ألف غلام خصيان غير الروم والصقالبة والسود* وقال الصولى كان المقتدر يفرّق يوم عرفة من الابل والبقر أربعين ألف رأس ومن الغنم خمسين ألف رأس ويقال انه أتلف من الذهب ثمانين ألف ألف دينار فى أيامه قال الذهبى انه كان مسرفا مبذرا للمال ناقص الرأى أعطى جارية له الدرّة اليتيمة وزنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 ثلاثة مثاقيل وما كانت تقوّم وخلف عدّة أولاد منهم الراضى بالله والمتقى بالله واسحاق والمطيع لله * (خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد) * تخلف ثانيا بعد قتل أخيه جعفر المقتدر بالله فى السابع والعشرين من شوّال سنة عشرين وثلثمائة* وفى سنة احدى وعشرين وثلثمائة مات شيخ الحنفية أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوى المصرى الحنفى أحد الاعلام* وشيخ الاعتزال والضلال أبو هاشم الجبائى وشيخ اللغة والعربية أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد الازدى ببغداد وله ثمان وتسعون سنة* وفيها توفى محمد بن يوسف بن مطر الفربرى بالفاء والراءين المهملتين بينهما باء موحدة وهى قرية من قرى بخارى وكان مولده سنة احدى وثلاثين ومائتين وهو الذى روى صحيح البخارى عنه وكان قد سمعه عشرات ألوف من البخارى فلم ينتشر الا عنه كذا فى الكامل* وكان القاهر هذا قد قرب المنجمين وعمل بقولهم على طريق أبى جعفر المنصور فانه أوّل خليفة قرّبهم وكان عنده نوبخت المنجم وعلى بن عيسى الاسطرلابى وهو أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والاعجمية ككتاب كليلة ودمنة وكتاب أرسطاطاليس فى المنطق واقليدس وكتب اليونان فنظر الناس فيها وتعلقوا بها فلما رأى ذلك محمد بن اسحاق جمع المغازى والسير* قال الصولى كان القاهر سفا كاللدماء قبيح السيرة كثير التلوّن والاستحالة مدمن الخمر ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وكان قد صنع حربة يأخذها بيده فلا يضعها حتى يقتل بها انسانا* قال محمود الاصبهانى كان سبب خلع القاهر سوء سيرته وسفكه الدماء ولما أساء السيرة وقتل بعضا من الاعيان كالامير أبى السرايا نصر بن أحمد واسحاق بن اسماعيل النوبختى وكان أشار بخلافته وكان أحد الصدور وغيرهم نفرت القلوب منه وكان ابن مقلة مختفيا فبقى يراسل الخاصكية ويجسرهم على القاهر بالله ويخوّفهم من غائلته حتى اتفقوا على الفتك به فركبوا آخر النهار وأتوا الى دار القاهر وكان نائما سكران الى أن طلعت الشمس فنبهوه فلم ينتبه لشدّة سكره وهرب الوزير فى زىّ امرأة وكذا سلامة الحاجب فدخلوا بالسيوف على القاهر فأفاق من سكره وهرب الى سطح حمام واستتر فأتوا مجلس القاهر وفيه عيسى الطبيب وزيرك الخادم واختيار القهرمان فسألوهم عن القاهر فقالوا ما نعرف له خبرا فرسموا عليهم ووقع فى أيديهم خادم القاهر فضربوه فدلهم عليه فجاؤه وهو على السطح وبيده سيف مسلول فقالوا انزل فامتنع فقالوا نحن عبيدك لا تستوحش مناثم فوّق واحد منهم سهما وقال انزل والا قتلتك فنزل اليهم فقبضوا عليه فى سادس جمادى الاخرة من سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ثم أخرجوا أبا العباس محمد بن المقتدر وأمه من الحبس وبايعوه ولقبوه بالراضى بالله ثم أرسل الراضى بالقاضى وغيره الى القاهر ليخلع نفسه فأبى فعادوا للراضى بالخبر فقال لهم انصرفوا ودعونى واياه فأمسكوا القاهر واكحلوه بمسمار قد حمى بالنار فعمى ودام مسجونا الى أن مات فى جمادى الاولى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وكانت خلافته سنة وستة أشهر وسبعة أو ثمانية أيام* (خلافة الراضى بالله أبو العباس محمد بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين أمه أم ولد رومية تسمى ظلوم ومولده فى سنة سبع وتسعين ومائتين* صفته* كان قصيرا أسمر نحيفا فى وجهه طول بويع بالخلافة بعد عمه القاهر حسبما تقدّم ذكره بعد ما سمل القاهر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة واستوزر أبا على بن مقلة وكان بديع الخط وفى أيام الراضى ضعف أمر الخلافة حتى لم يبق للخلفاء من البلاد سوى بغداد وما والاها وعظم فى أيامه أمر الحنابلة ببغداد حتى صاروا يكبسون دور الامراء والقوّاد فان وجدوا نبيذا أراقوه او قنية كسروها ثم اعترضوا على الناس فى البيع والشراء قال أبو بكر الخطيب وكان للراضى فضائل منها انه آخر خليفة له شعر مدوّن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وآخر خليفة خطب يوم الجمعة وآخر خليفة جالس الندماء وكانت جوائزه وأموره على ترتيب المتقدّمين* وفيها مات شيخ العارفين خير النساخ وشيخ الصوفية أبو على الروذآبادى* وفى سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة انقضت الكواكب من أوّل الليل الى آخره انقضاضا دائما كذا فى الكامل وفيها توفى ابراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه النحوى وله مصنفات كذا فى الكامل* وفى سنة أربع وعشرين وثلثمائة مات مقرئ الافاق أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ببغداد وله ثمانون سنة وفيها انخسف القمر جميع جرمه ليلة الجمعة لازبع عشرة خلت من شوّال كذا فى الكامل* وفى سنة خمس وعشرين وثلثمائة مات حافظ وقته عبد الرحمن بن أبى حازم الرازى مصنف التفسير والتاريخ وكان يعدّ من الابدال* وفى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة مات الوزير ابن مقلة فى السجن وقد قطعت يده وعاش ستين سنة وتوفى الراضى بالله محمد بن المقتدر فى ليلة السبت لاربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل سنة تسع وعشرين وثلثمائة وله اثنتان وثلاثون سنة وكانت خلافته سنتين وأشهرا* وفى سيرة مغلطاى خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام مرض أياما ثم تقايأ دما كثيرا ومات وكان أكبر آفاته كثرة الجماع صلى بالناس الجمعة بسامرا وخطب فأبلغ وأجاد* (خلافة المتقى لله أبو اسحاق ابراهيم بن المقتدر جعفر الهاشمى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى حلوب مولده سنة سبع وتسعين ومائتين فأبوه أكبر منه بخمس عشرة سنة* صفته* كان أبيض مليحا أشهل كث اللحية وكان صالحا خيرا كثير الصوم والتهجد والتلاوة فى المصحف ولا يشرب مسكرا ولهذا لقبوه بالمتقى لله بويع بالخلافة لما مات أخوه الراضى بالله وفى أيامه ضعفت الدولة وصغرت دائرة الخلافة فان فى زمانه لم يكن يحمل الى بغداد مال من الاقاليم بل كل واحد استولى على قطر ونزل الامير بحكم التركى واسطا وقرّر مع الخليفة أن يحمل اليه فى السنة ثمانمائة ألف دينار وفى أيامه كانت حروب وفتن وزلازل أقامت تعاود الناس ستة أشهر حتى خربت البلاد وفى أيامه فى سنة احدى وثلاثين وثلثمائة أرسل ملك الروم يطلب منه منديلا زعم انّ المسيح مسح به وجهه فصارت صورة وجهه فيه وكان هذا المنديل فى كنيسة الرهبان وأرسل ملك الروم يقول للمتقى ان أرسلت هذا المنديل أطلقت لك عشرة آلاف أسير من المسلمين فأحضر المتقى الفقهاء واستفتاهم فقالوا أرسل اليهم هذا المنديل ففعل وأطلق الاسراء* وفى هذه السنة توفى أبو الحسن على بن أبى اسمعيل بن أبى بشر الاشعرى المتكلم صاحب المذهب المشهور وكان مولده سنة ستين ومائتين وهو من ولد أبى موسى الاشعرى كذا فى الكامل* وفى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة مات الطاغية القرمطى أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الجبانى فى هجر بالجدرى لا رحمه الله* وفى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة جلف توزون التركى للمتقى* وفى سيرة مغلطاى فغدر به توزون فالتقى توزون بالمتقى بين الانبار وهيت فنزل توزون وقبل الارض فأمره المتقى بالركوب فلم يفعل ومشى بين يديه الى المخيم فلما نزل المتقى قبض عليه توزون وعلى ابن مقلة ومن معه ثم كحل المتقى يوم السبت لعشر ليال بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة فصاح المتقى وصاح النساء فأمر توزون بضرب الديارب حول المخيم ساعة ثم أدخل المتقى بغداد مسمول العينين وقد أخذ منه الخاتم والبردة والقضيب وبلغ القاهر الذى كان خلع من الخلافة وسمل فقال صرنا اثنين ونحتاج الى ثالث يعرّض بالمستكفى الذى نصبه توزون بالامس فى الخلافة فكان كما قال كما سيأتى ذكره ثم أحضر توزون عبد الله بن المكتفى وبايعه بالخلافة ولقبه المستكفى بالله وكانت خلافة المتقى نحو أربع سنين وعاش بعد خلعه خمسا وعشرين سنة ودفن فى داره فأخرجه منها عز الدولة ودفنه فى تربة أخرى فامتحن حيا وميتا كذا فى سيرة مغلطاى* وفى دول الاسلام أربعا وعشرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 سنة وأما توزون لما فعل بالمتقى ما فعل لم يحل عليه الحول ومات بالصرع من سنته* (خلافة المستكفى بالله أبى القاسم عبد الله بن المكتفى بالله على بن المعتضد أحمد الهاشمى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى فضة بويع بالخلافة بعد ما كحل المتقى فى عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة وعمره احدى وأربعون سنة* قال ثابت أحضر توزون عبد الله بن المكتفى وبايعه بالخلافة ولقبه بالمستكفى وفيها مرض توزون بعلة الصرع* وفى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة هلك أتابك الجيوش توزون بالصرع بهيت ولقب المستكفى نفسه امام الحق ودخل معز الدولة أحمد بن بويه بغداد وهو أوّل من ملكها من الديلم باذن المستكفى غضبا عليه ودام أشهرا ثم وقعت الوحشة بينه وبين المستكفى فى جمادى الاخرة من سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ودخل معز الدولة بحواشيه والامراء على خدمة الخليفة فوقف الناس على مراتبهم فتقدم أميران من الديلم فطلبا من الخليفة رزقهما فمدّ لهما يده على العادة للتقبيل ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها فجذباه من السرير وطرحاه الى الارض وجرّاه بعمامته ووقعت الضجة وهجم الديلم دار الخلافة الى الحرم ونهبوا وقبضوا على القهرمانة وخواص الخليفة ومضى معز الدولة الى منزله وساقوا المستكفى ماشيا اليه ولم يبق فى دار الخلافة شئ وخلع المستكفى ثم سملت يومئذ عيناه وهو يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الاخرة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فصار أعمى ثالث خليفة قد سمل كما أشار اليه القاهر وكانت خلافة المستكفى سنة وأربعة أشهر ويومين وتوفى بعد ذلك فى سنة ثمان وثلاثين وعمره ست وأربعون سنة ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر جعفر وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمطيع لله* (ذكر خلافة المطيع لله أبى القاسم الفضل ابن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر الهاشمى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى شعلة ومولده فى أوّل سنة احدى وثلثمائة بويع بالخلافة فى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة بعد خلع المستكفى وسمله وللمطيع يومئذ أربع وثلاثون سنة وتم أمره فى الخلافة وطالت أيامه وفى أيامه كانت بمصر زلازل عظيمة عاودت الناس أشهرا وخربت بسببها عدّة بلاد وسكنت الناس الصحراء وفى أيامه أمطرت بغداد حصى ورن كل حصاة رطل فقتلت خلقا كثيرا من الناس والدواب والطير وفى أيامه اشتدّ أمر الغلاء حتى أكل لحم الادميين وبيع العقار بالرغفان* قال ابن الجوزى فى أيامه وقع حريق عظيم بمصر أحرقت فيه قيسارية العسل وسوق الزياتين وألف وسبعمائة دار ونادى كافور الاخشيدى من جاء بجرة ماء فله درهم فكان جملة ما انصرف على الماء أربعة عشر ألف دينار وفيها مات الشبلى أبو بكر الزاهد صاحب الاحوال والتأله وتلميذ الجنيد* وفى سنة خمس وثلاثين وثلثمائة مات حافظ ما وراء النهر الهيتم بن كليب الشاشى صاحب المسند* وفى سنة سبع وثلاثين وثلثمائة مات المستكفى بالله الذى خلع وسمل من أربع سنين مات بنفث الدم وله ست وأربعون سنة كما مرّ* وفى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة مات القاهر بالله الذى كان خليفة وعزل وكحل وعاش ثلاثا وخمسين سنة وفيها مات أبو نصر محمد بن محمد الفارابى الفيلسوف بدمشق وكان صاحب التصانيف وفيها مات أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاج النحوى وقيل سنة أربعين وفيها أعادت القرامطة الحجر الاسود الى مكة* وفى سيرة مغلطاى أعيد الحجر الاسود الى موضعه فى ذى الحجة انتهى وقالوا أخذناه بأمر وأعدناه بأمر وكان بحكم بذل لهم فى ردّه خمسين ألف دينار فلم يجيبوه وردّوه الان بغير شئ فى ذى القعدة ولما أرادوا ردّه حملوه الى الكوفة وعلقوه بجامعها حتى رآه الناس ثم ردّوه الى مكة وكانوا أخذوه من ركن بيت الله الحرام سنة سبع عشرة وثلثمائة فكان مكثه عندهم اثنين وعشرين سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 الا شهرا كذا فى الكامل* وفى سنة ست وأربعين وثلثمائة قال ابن الجوزى كان بالرّى زلزلة عظيمة وخسف ببلد الطالقان ولم يفلت من أهلها الا نحو ثلاثين وخسف بخمسين ومائة قرية قال وعلقت قرية بين السماء والارض نصف يوم ثم خسف بها هكذا ذكره فى المنتظم* وزاد بعضهم ورد بذلك محاضر شرعية وقال وصارت كلها نارا وانقطعت الارض وخرج منها دخان عظيم وقذفت الارض جميع ما فى بطنها حتى عظام الموتى من القبور* وفى الكامل ودامت الزلزلة نحو أربعين يوما تسكن وتعود فهدمت الابنية وغارت المياه وهلك تحت الهدم من الامم كثير وكذلك كانت ببلاد الجبال وقم ونواحيها زلازل كثيرة متتابعة وفيها نقص البحر ثمانين ذراعا فظهر فيه جزائر وجبال لم تعرف قبل ذلك* وفى سنة سبع وأربعين وثلثمائة مات عبد الله بن جعفر بن درستويه أبو محمد الفارسى النحوى فى صفر وكان مولده سنة ثمان وخمسين ومائتين أخذ النحو عن المبرّد* وفى سنة تسع وأربعين وثلثمائة أسلم من الترك مائتا ألف وحضروا الى دار الاسلام بأهليهم وأموالهم وفيها انصرف حجاج مصر من الحج فنزلوا واديا وباتوا فيه فأتاهم السيل ليلا فأخذهم جميعهم مع أثقالهم وأحمالهم فألقاهم فى البحر* وفى سنة احدى وخمسين وثلثمائة توفى أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش المقرى صاحب كتاب شفاء الصدور فى التفسير ذكرهما فى الكامل* وفى سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة أرسل بطارقة الارمن الى ناصر الدولة ابن حمدان رجلين ملتصقين من تحت ابطيهما ولهما بطنان وسرتان وفرجان ومقعدان وكل منهما كامل الاطراف فأراد ناصر الدولة افصالهما فأحضر الاطباء فسألوهما هل تجوعان جميعا وتعطشان معا قالا نعم فقال الاطباء متى فصلناهما ماتا* وفى سنة أربع وخمسين وثلثمائة مات شاعر العصر أبو الطيب المتنبى وله احدى وخمسون سنة وعالم وقته أبو حاتم محمد بن حبان التميمى النسائى الحافظ صاحب التصانيف وقد قارب ثمانين سنة* وفى سنة خمس وخمسين وثلثمائة انخسف القمر جميعه ليلة السبت ثالث عشر شعبان وغاب منخسفا كذا فى الكامل* وفى سنة سبع وخمسين وثلثمائة توفى المتقى لله بن المقتدر الذى كان خليفة وخلعوه مات فى السجن* وفى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ليلة الخميس رابع عشر رجب انخسف القمر جميعه وغاب منخسفا وفيها قدم جوهر القائد غلام المعز لدين الله صاحب القيروان مصر فأقام الدعوة بها للمعز لدين الله وبايعه الناس وانقطعت الخطبة بمصر عن بنى العباس وشرع جوهر القائد فى بناء القاهرة لاسكان الجند بها ثم دخل المعز لدين الله مصر لثمان مضين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة وهو أوّل الخلفاء الفاطمية بمصر كذا فى حياة الحيوان* وفى سنة ستين وثلثمائة انفلج المطيع لله أمير المؤمنين وثقل لسانه وفيها توفى مسند الدنيا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرانى بأصبهان وله مائة سنة وشهران* وفى سنة احدى وستين فى صفر انقض كوكب عظيم له نور وسمع له عند انقضاضه صوت كالرعد وبقى ضوءه كذا فى الكامل* واستمرّ المطيع لله فى الخلافة الى سنة ثلاث وستين وثلثمائة ففيها ظهر ما كان يستره من مرضه وتعذرت الحركة وثقل لسانه من الفالج الذى اعتراه فدخل عليه الصاحب عز الدولة سبكتكين ودعاه الى خلع نفسه من الخلافة وتسليم الامر الى ابنه الطائع ففعل ذلك وعقد للطائع يوم الاربعاء ثالث عشر ذى الحجة من سنة ثلاث وستين وثلثمائة فكانت مدّة خلافة المطيع تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما وصار المطيع بعد أن خلع من الخلافة يسمى الشيخ الفاضل وصار فى خلافة ولده مكرما الى ان مات بعد أشهر* وفى سيرة مغلطاى توفى يوم الاثنين لثمان بقين من المحرم سنة أربع وستين وثلثمائة* (خلافة الطائع لله أبى بكر عبد الكريم بن المطيع الفضل بن المقتدر الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين وهو السادس فخلع أمّه أمّ ولد تسمى غيب* صفته* كان مربوع القامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 كبير الانف أبيض أصفر* وفى دول الاسلام كان أشقر مربوعا شديد القوى فى أخلاقه حدّة بويع بالخلافة لما خلع أبوه المطيع نفسه من الخلافة فى سادس ذى الحجة* وفى سيرة مغلطاى فى ذى القعدة سنة ثلاث وستين وثلثمائة وعمره سبع وأربعون سنة واستخلف فى حياة أبيه يقال لم يتقلد الخلافة وأبوه حىّ سوى الطائع لله والصدّيق وكلاهما اسمه أبو بكر كذا فى حياة الحيوان* قال الذهبى أثبتوا خلع المطيع لله على قاضى العراق أبى الحسين بن أم شيبان والنزول عن الخلافة لولده عبد الكريم ولقبوه بالطائع لله* قال أبو الفرج بن الجوزى ولما ولى الطائع الخلافة ركب وعليه البردة ومعه الجيش وبين يديه سبكتكين الحاجب وعقد له اللواء* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الطائع لله وفى سنة أربع وستين وثلثمائة مات الحافظ أبو بكر السنى صاحب النسائى بالدينور والامير سبكتكين حاجب معز الدولة وخلف ثلاثين ألف ألف درهم وثلاثة آلاف فرس وجواهر وفيها مات المطيع لله الفضل بن المقتدر والد أمير المؤمنين الطائع لله وله ثلاث وستون سنة وقد خلع نفسه طائعا للطائع لله* وفى سنة خمس وستين وثلثمائة مات حافظ خراسان الحسين بن محمد الماسرجسى عن ثمان وستين سنة وله المسند الكبير المعلل فى ألف وثلثمائة جزء يكون سبعين مجلدا وكان يحفظ كتاب الزهرى مثل الماء وفيها توفى أبو بكر بن محمد بن على الشاشى القفال شيخ الشافعية وفيها فى ذى القعدة توفى ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابى صاحب التاريخ وفى سنة سبع وستين وثلثمائة ظهر بافريقية فى السماء حمرة بين المشرق والشمال مثل لهب النار فخرج الناس يدعون الله تعالى ويتضرعون اليه كذا فى الكامل* وفى سنة ثمان وستين وثلثمائة مات شيخ النحو أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافى النحوى مصنف شرح كتاب سيبويه وكان فقيها فاضلا مهندسا منطقيا فيه كل فضيلة وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة تسع وستين وثلثمائة مات قاضى القضاة أبو الحسن بن محمد بن صالح الهاشمى بن أمّ شيبان ببغداد فجاءة* وفى سنة سبعين وثلثمائة ورد على عضد الدولة هدية من صاحب اليمن فيها قطعة واحدة عنبر وزنها ستة وخمسون رطلا وفيها توفى أبو بكر أحمد بن على الرازى امام الفقهاء فى زمانه وطلب ليلى قضاء القضاة فامتنع وهو من أصحاب الكرخى كذا فى الكامل وفى سنة احدى وسبعين وثلثمائة مات شيخ العلماء أبو زيد المروزى الشافعى الزاهد محمد بن أحمد شيخ أبى بكر القفال وشيخ الصوفية محمد بن يوسف الخفيف الشيرازى وقد جاوز المائة * غريبة وفى سنة خمس وسبعين وثلثمائة خرج طير من البحر بعمان ولونه أبيض قدر الفيل ووقف على تل هناك وصاح بصوت عال ولسان فصيح قد قرب الامر ثلاث مرّات ثم غاص فى البحر وطلع فى اليوم الثانى وقال مثل ذلك ثم طلع فى اليوم الثالث وقال مثل ذلك ثم غاب فلم يطلع ولم ير بعد ذلك واستمرّ الطائع الى سنة احدى وثمانين وثلثمائة فلما كان فى شعبان من السنة المذكورة خلع الطائع من الخلافة وأظهر أمر القادر بالله وانه الخليفة ونودى له فى الاسواق وكتب عن الطائع كتابا بخلع نفسه وأنه سلم الامر الى القادر بالله وشهد عليه الاكابر والاشراف وعاش الطائع بعد ذلك الى أن مات سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وكانت خلافته نحو ثمان عشرة سنة* وفى سيرة مغلطاى أقام فى الخلافة سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وستة أيام* وفى دول الاسلام ومدّة خلافته أربع وعشرون سنة وعاش ثلاثا وسبعين سنة* (خلافة القادر بالله أبو العباس أحمد بن الامير اسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون العباسى الهاشمى البغدادى) * أمير المؤمنين وأمه أم ولد تسمى يمن مولاة عبد الواحد بن المقتدر وكانت دينة خيرة ومولده فى سنة ست وثلاثين وثلثمائة* صفته* كان أبيض كث اللحية كبيرها طويلها يخضب بالسواد بويع بالخلافة فى حادى عشر شهر رمضان سنة احدى وثمانين وكان من أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 الستر والصيانة دائم التهجد كثير الصدقات وكان لديه فضل وفقه وله مصنف فى السنة وذم المعتزلة والروافض وصنف كتابا فى الاصول ذكر فيه فضائل الصحابة واكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن وكان ذلك الكتاب يقرأ فى كل جمعة فى حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدى بحضرة الناس مدّة خلافته وهى احدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر وفى أيامه أحضر الى بغداد برجل من يأجوج ومأجوج قد ألقته الريح من فوق السد طوله ذراع ولحيته شبران وله اذنان عظيمتان فطافوا به مدينة بغداد حتى رآه الناس* ذكر من مات من المشاهير فى خلافة القادر بالله وفى سنة خمس وثمانين وثلثمائة مات حافظ العصر أبو الحسن بن على بن عمر الدار قطنى ببغداد فى ذى القعدة وله ثمانون سنة والحافظ أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين البغدادى الحافظ المفسر صاحب التاليف ومن كتبه التفسير ألف جزء والمسند ألف وثلثمائة جزء* وفى سنة ست وثمانين وثلثمائة مات شيخ الصوفية أبو طالب المكى صاحب قوت القلوب* وفى سنة تسع وثمانين وثلثمائة عاشر ربيع الاوّل انقض كوكب عظيم ضحوة نهار كذا فى الكامل* وفى سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة مات امام العربية أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلى وهو فى عشر السبعين* وفى سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة مات امام اللغة وصاحب الصحاح أبو نصر اسماعيل بن حماد الجوهرى التركى قيل انه غلبت عليه السوداء بحيث انه عمل لنفسه جناحين ليطير فطفر فسقط وكسر فهلك وفيها مات الطائع لله عبد الكريم بن المطيع لله بن المقتدر العباسى الذى خلع فى سنة احدى وثمانين وثلثمائة ولم يردّوه بل بقى محترما مكرّما عند ابن عمه القادر بالله* وفى سنة أربع وتسعين وثلثمائة مات مسند الاندلس محمد بن عبد الملك بن صيفون القرطبى وكان قد رحل ولقى بمكة ابن الاعرابى* وفى سنة خمس وتسعين وثلثمائة مات مسند خراسان أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف صاحب السراج وحافظ أصبهان أبو عبد الله محمد بن اسحاق بن منده العبدى صاحب التصانيف وقد قارب التسعين وكان قد سمع من ألف وسبعمائة شيخ* وفى الكامل أورد وفاته سنة ست وتسعين وثلثمائة* وفى سنة ثمان وتسعين وثلثمائة وقع ثلج عظيم ببغداد وبقى أسبوعا لم يذب وكان سمكه ذراعا وكان شئ لم يعهد ببغداد وبقى فى الطرق نحو عشرين يوما كذا فى الكامل وفيها زلزلت الدينور فهلك تحت الردم اكثر من عشرة آلاف ووقع برد عظيم وزنت منه بردة مائة وستة دراهم وفيها هدم الحاكم كنيسة القمامة بالقدس وكان فيها من الا اموال والجواهر مالا يوصف وألزم النصارى بتعليق صلبان كبار على صدورهم وزن كل صليب رطل بالدمشقى وألزم اليهود بتعليق مثل رأس العجل كالمدقة وزنها رطل ونصف وأن يشدّوا الاجراس فى رقابهم عند دخول الحمامات* وفى سنة اربعمائة تزهد الحاكم وتأله وأنشأ دار العلم بمصر وعمر الجامع الحاكمى فدعا له الرعية فبقى كذلك ثلاث سنين ثم تزيذق وأخذ يقتل العلماء ومنع من فعل الخير وبطل تلك الدار* وفى سنة ثلاث وأربعمائة مات عالم العراق القاضى أبو بكر محمد بن الطيب الباقلانى المالكى الأصولى قال الخطيب كان ورده عشرين ترويحة فاذا فرغ كتب من تصنيفه خمسا وثلاثين ورقة وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة* وفى سنة خمس وأربعمائة مات حافظ زمانه الحاكم بنيسابور وولد بها سنة احدى وعشرين وثلثمائة* وفى سنة ست وأربعمائة مات شيخ الشافعية وعالم العراق أبو حامد أحمد بن أبى طاهر الاسفراينى وله اثنتان وستون سنة وكان يحضره بحلب سبعمائة فقيه وتعليقته الكبرى نحو من خمسين مجلدا* وفى أيامه سنة عشر وأربعمائة غزا السلطان محمود بن سبكتكين بلاد الهند وفتح بلادا كثيرة وقتل من الكفار خمسين ألفا وأسلم نحو عشرين ألفا وغنم أموالا عظيمة وحصل من الفضة نحو عشرين ألف ألف درهم وكان جيشه ثلاثين ألف فارس وأهدى الى القادر منها هدية جليلة فيها صنم من ذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وزنه أربعمائة رطل وقطعة ياقوت أحمر فى صورة امرأة وزنها ستون مثقالا وهى تضىء كالقنديل وفى سنة احدى عشرة وأربعمائة فى شهر ربيع الاوّل نشأت سحابة بافريقية شديدة البرق والرعد فأمطرت حجارة كثيرة ما رأت الناس اكثر منها فأهلكت كل من أصابته* وفى سنة اثنتى عشرة وأربعمائة توفى أبو الحسين بن على الدقاق النيسابورى الصوفى شيخ أبى القاسم القشيرى كذا فى الكامل* وفى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة تقدّم اسماعيل فضرب الحجر الاسود بدبوس غير مرة فقتل فى الحال وكان يقول الى متى نعبد الحجر ولا محمد ولا على ليمنعنى فاليوم أهدم هذا البيت وكان أحمر أشقر طويلا ضخما فطعنه رجل بخنجر وأحرق ثم قتلوا جماعة اتهموا بأنهم معه ومال الناس على ركب مصر بالنهب وفيها مات ابن البوّاب صاحب الخط الفائق على بن هلال ببغداد* وفى سنة ثمان عشرة وأربعمائة مات ابن اسحاق الاسفراينى الاصولى* وفى هذه السنة سقط فى العراق جميعه برد كبار تكون الواحدة رطلا ورطلين وأصغره كالبيضة فأهلك الغلات ولم يصح منها الا القليل وفيها فى آخر تشرين الثانى هب ريح بارد بالعراق جمد منها الماء وبطل دوران الدواليب على دجلة كذا فى الكامل* وفى سنة عشرين وأربعمائة وقع ببغداد البرد الكبار المفرط القدر حتى قيل ان بردة يزيد وزنها على قنطار بالبغدادى وقد نزلت فى الارض نحوا من ذراع وذلك بالارض النعمانية* وفيها توفى قسطنطين ملك الروم وانتقل الملك الى بنت له فقامت بتدبير الملك وفيها انقض كوكب عظيم فى رجب أضاءت منه الارض وسمع له صوت عظيم كالرعد وتقطع أربع قطع وانقض بعده بليلتين كوكب آخر دونه وانقض بعده اكبر منهما واكثر ضوء كذا فى الكامل* وفى سنة احدى وعشرين وأربعمائة افتتح سلطان خراسان محمود بن سبكتكين غزنة وبخارى وسمرقند والهند ثم استولى على خراسان ودانت له الامم وفرض على نفسه غزو الهند كل عام وطالت أيام الخليفة القادر بالله الى أن توفى ليلة الاثنين حادى عشر ذى الحجة* وفى سيرة مغلطاى ذى القعدة سنة اثنتين وعشرين وقيل ثلاث وعشرين وأربعمائة وخلافته احدى وأربعون سنة ويقال ثلاثا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما وعاش سبعا وثمانين سنة الاشهر او ثمانية أيام ودفن بدار الخلافة وصلى عليه ولده الخليفة القائم بأمر الله والخلق ورآءه ولم يزل مدفونا حتى نقل تابوته فى مركب ليلا الى الرصافة فدفن بعد عشرة أشهر من موته وكان من أحسن الخلق سيرة* (خلافة القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله بن القادر أحمد بن الامير اسحق بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل) * الهاشمى العباسى البغدادى أمه أم ولد تسمى قطن* صفته* كان مليح الوجه أبيض فيه دين وخير وعدل وشفقة ومعرفة بالادب بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه القادر فى ذى الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وتم أمره فى الخلافة* ذكر من مات من المشاهير فى خلافته وما وقع من الغرائب فى زمنه وفى سنة سبع وعشرين وأربعمائة مات أبو اسحاق أحمد بن ابراهيم النيسابورى الثعلبى المفسر وفى هذه السنة فى رجب انقض كوكب عظيم غلب نوره على نور الشمس وشوهد فى آخره مثل التنين يضرب الى السواد وبقى ساعة وذهب وفيها كانت ظلمة عظيمة اشتدّت حتى انّ الانسان كاد لا يبصر جليسه وأخذ بأنفاس الخلق فلو تأخر انكشافها لهلك أكثرهم ذكره فى الكامل وفى أيامه فى سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وقع غلاء عظيم عم الدنيا كلها شرقا وغربا حتى لم يبق من الناس فى كل بلد الا القليل وفيها مات شيخ الحنفية أبو الحسن أحمد القدورى البغدادى وله ست وستون سنة وشيخ الفلسفة والطب الرئيس أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا البلخى الاصل البخارى المولد عاش ثلاثا وخمسين سنة* قال ابن خلكان اغتسل وتاب وتصدّق بماله وأعتق غلمانه وجعل يختم فى كل ثلاث ومات بهمدان فى يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 جمعة فلعله رحم* وفى سنة ثلاثين وأربعمائة مات حافط أصبهان أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الاصبهانى الصوفى الاحول صاحب الحلية فى المحرم وله أربع وتسعون سنة* وفى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وقعت زلازل عظيمة بالقيروان وبلاد افريقية وخسف ببعض بلاد القيروان وطلع من الخسف دخان عظيم اتصل بالجوّ ووقع ببلاد خوزستان قطعة حديد من الهواء وزنها مائة وخمسون منا فكان لها دوى عظيم أسقط منها الحوامل فأخذها السلطان وأراد ان يعمل منها سيفا فكانت الالات لا تعمل فيها وكل آلة ضربوها بها تكسرت* وفى سنة أربع وثلاثين وأربعمائة كانت ببلاد توريز زلزلة عظيمة هدمتها كلها حتى القلعة والسور ومات تحت الردم بقدر مائة ألف انسان ولبس أهلها المسوح وتضرعوا الى الله لعظم هذه النازلة* وفى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة فى ذى القعدة توفى عبد الله بن يوسف أبو محمد الجوينى والد امام الحرمين أبى المعالى وكان اماما للشافعية تفقه على أبى الطيب سهل بن محمد الصعلوكى* وفى سنة أربعين وأربعمائة توفى عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان أبو القاسم الواعظ المعروف بابن شاهين ومولده سنة احدى وخمسين وثلثمائة* وفى سنة احدى وأربعين فى ذى الحجة ارتفعت سحابة سوداء مظلمة ليلا فزادت ظلمتها على ظلمة الليل وظهر فى جوانب السماء كالنار المضطرمة وهبت معها ريح شديدة قلعت رواشن دار الخلافة وشاهد الناس من ذلك ما أزعجهم وخوّفهم فلزموا الدعاء والتضرّع فانكشفت فى باقى الليل* وفى سنة سبع وأربعين وأربعمائة فى شوالها توفى قاضى القضاة أبو عبد الله الحسين بن على بن مأكولا ومولده سنة ثمان وستين وثلثمائة وبقى فى القضاء تسعا وعشرين سنة وكان شافعيا ورعا نزها أمينا* وفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة فى ربيع الاوّل توفى اياز بن انماق أبو النجم غلام محمود بن سبكتكين وأخباره معه مشهورة كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة كان الوباء المفرط بما وراء النهر حتى قيل انه مات فى الوباء ألف ألف وستمائة ألف نفس* وفى سنة خمسين وأربعمائة توفى أقضى القضاة أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردى الشافعى صاحب التصانيف الكثيرة منها الحاوى وغيره فى علوم كثيرة وكان عمره ستا وثمانين سنة* وفى سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة فى جمادى الاولى انكسفت الشمس جميعها وظهرت الكواكب وأظلمت الدنيا وسقطت الطيور الطائرة* وفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة توفى القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى مصنف كتاب الشهاب بمصر كذا فى الكامل* وفى سنة ست وخمسين وأربعمائة مات عالم الاندلس أبو محمد على بن أحمد ابن حزم القرطبى الفقيه الظاهرى صاحب التصانيف وله اثنتان وسبعون سنة* وفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة كانت زلزلة عظيمة بخراسان تكرّرت أياما وتشققت منها الجبال وخسف بعدّة قرى وهلك خلق كثير نقله ابن الاثير قال وفيها ولدت ببغداد بباب الازج بنت لها رأسان ووجهان ورقبتان على بدن واحد وفيها مات بنيسابور عالم خراسان الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى صاحب التصانيف وله أربع وسبعون سنة وكانت ولادته سنة سبع وثلاثين وثلثمائة* وفى سنة ستين وأربعمائة كانت الزلزلة العظمى بالرملة ومصر والشام حتى طلع الماء من رؤس الابار وهلك من أهلها كما نقل ابن الاثير خمسة وعشرون ألفا وزال البحر عن الساحل فنزل الناس يلتقطون السمك منه فرجع عليهم البحر فغرقوا جميعا* وفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة فى ذى الحجة توفى ببغداد الخطيب أبو بكر أحمد بن على بن ثابت البغدادى صاحب التاريخ والمصنفات الكثيرة وكان امام الدنيا فى زمانه وممن حمل جنازته الشيخ أبو اسحاق الشيرازى* وفى سنة خمس وستين وأربعمائة توفى الامام ابو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى النيسابورى مصنف الرسالة وغيرها وكان اماما فقيها أصوليا مفسرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 كاتبا ذا فضائل جمة وكان له فرس قد أهدى اليه فركبه نحو عشرين سنة فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئا وعاش أسبوعا ومات* وفى سنة ست وستين وأربعمائة فى ربيع الاوّل توفى القاضى أبو الحسين ابن أبى جعفر السمنانى حمو قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغانى وولى ابنه أبو الحسين ما كان اليه من القضاء بالعراق والموصل وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلثمائة وكان هو وأبوه من المغالين فى مذهب الاشعرى ولابنه فيه تصانيف كثيرة وهذا مما يستظرف أن يكون حنفى أشعريا وفيها فى جمادى الاخرة توفى عبد العزيز أحمد بن محمد بن على أبو محمد الكنانى الدمشقى الحافظ وكان مكثرا من الحديث ثقة وممن سمع منه الخطيب أبو بكر البغدادى* وفى سنة سبع وستين وأربعمائة فى شوالها وقعت نار فى دكان خباز بنهر المعلى وأحرقت من السوق ثمانين دكانا سوى الدور ثم وقعت نار فى المأمونية ثم فى المظفرية ثم فى درب المطبخ ثم فى دار الخلافة ثم فى حمام السمرقندى ثم فى باب الازج ودرب فراشا ثم فى الجانب الغربى فى نهر طابق ونهر القلايين والقطيعة وباب البصرة فاحترق ما لا يحصى وفيها أيضا أعمل الرصد للسلطان ملك شاه واجتمع جماعة من أعيان المنجمين فى عمله منهم عمر بن ابراهيم الخيامى ومنهم أبو المظفر الاسفراينى وميمون ابن النجيب الواسطى وغيرهم وخرج عليه من الاموال شئ عظيم وبقى الرصد دائرا الى ان مات السلطان سنة خمس وثمانين وأربعمائة ثم بطل ذكره فى الكامل وفى سيرة مغلطاى وفى أيامه قطعت خطبة المصريين بحران وأقيمت له وأسلم من كفار الترك ثلاثون ألف خركاه ودخل أبو طالب محمد بن طغرابك بن ميكائيل بن سلجوق بغداد وخطب للمستنصر ببغداد بجامع المنصور أربعين جمعة وزيد فى الاذان حىّ على خير العمل وطالت مدّة القائم فى الخلافة الى أن مات فى ليلة الخميس الثالث والعشرين من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة فكانت مدّة خلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أو تسعة أشهر الا خمسة أيام وعمره سبع وسبعون سنة وتخلف بعده حفيده فانه لم يخلف أولاد القلة الجماع قيل انه كان مرّة بجامع فرأى خياله فى ضوء الشمعة فاستقبح ذلك وترك الجماع فقل نسله لذلك* (خلافة المقتدى بأمر الله أبى القاسم عبد الله بن الامير محمد الذخيرة بن القائم عبد الله بن القادر أحمد بن الامير اسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى ) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى أرجو ان ولد يوم مات أبوه ذخيرة الدين محمد ورباه جدّه القائم ولما كبر عهد اليه* وفى دول الاسلام ولد بعد موت أبيه الذخيرة بستة أشهر بويع بالخلافة بعد موت جدّه القائم فى شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة وفى دول الاسلام لما مرض القائم بأمر الله افتصد فانفجر فصاده وخرج منه دم عظيم فحارت قوّته فطلب ابن ابنه الامير عبد الله بن محمد وعهد اليه الامر ولقبه المقتدى بأمر الله بمحضر قاضى القضاة الدامغانى وأبى اسحاق صاحب التنبيه وأبى نصر بن الصباغ وأبى جعفر بن أبى موسى الهاشمى وتم أمره فى الخلافة وطالت أيامه وحسنت وظهر فى أيامه آثار حسنة غير انه ظهر فى أيامه زلازل كثيرة بعدة أقاليم حتى خربت أكثر البلاد وفارقت الناس الدور وسكنت البرارى* وفى سنة ثمان وستين وأربعمائة توفى أبو الحسن على بن محمد بن منوية الواحدى المفسر مصنف البسيط والوسيط والوجيز فى التفسير وهو نيسابورى امام مشهور* ذكر من مات من المشاهير فى خلافته وفى سنة خمس وسبعين وأربعمائة توفى أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن اسحاق بن منده الاصفهانى فى جمادى الاخرة فى أصفهان وكان حافظا فاضلا* وفى سنة ست وسبعين وأربعمائة فى جمادى الاخرة توفى الشيخ أبو اسحاق الشيرازى وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وكان واحد عصره علما وزهدا وعبادة وسخاء وصلى عليه فى جامع القصر وجلس أصحابه للعزاء فى المدرسة النظامية ثلاثة أيام ودفن بباب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 نيرز كذا فى الكامل* وفى سنة احدى وسبعين وأربعمائة مات امام النحاة أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانى صاحب التصانيف* وفى سنة سبع وسبعين وأربعمائة مات شيخ الصوفية أبو على الفارمدى صاحب القشيرى وفى هذه السنة فى صفر انقض كوكب من المشرق الى المغرب كان حجمه كالقمر وضوءه كضوئه وسار مدى بعيدا على تمهل وتؤدة فى نحو ساعة ولم يكن له شبيه من الكواكب وفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة مات شيخ الشافعية أبو سعيد المتولى عبد الرحمن بن مأمون النيسابورى وعالم زمانه امام الحرمين أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى الشافعى بنيسابور وله تسع وخمسون سنة ومولده سنة سبع عشرة وأربعمائة وشيخ الحنفية قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن على الدامغانى ببغداد وله ثمانون سنة* وفى سنة ثمانين وفى الكامل احدى وثمانين وأربعمائة مات شيخ الاسلام أبو اسماعيل عبد الله بن محمد الانصارى الهروى الواعظ المحدّث صاحب التصانيف وقد نيف على الثمانين وفى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة مات شيخ الحنفية بما وراء النهر أبو بكر خواهرزاده البخارى وطريقته أبسط طريقة للاصحاب* وفى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة توفى الخطيب أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الواحد بن أبى الحديد السلمى خطيب دمشق فى ذى الحجة ودام المقتدى فى الخلافة الى ان توفى ببغداد فى النصف من المحرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر الا يومين* قال الذهبى ثلاثة أشهر مات فجأة وهو ابن تسع وثلاثين سنة ويقال انّ جاريته سمته وقد كان السلطان صمم على اخراجه من بغداد الى البصرة وكانت حرمته وافرة بخلاف الخلفاء قبله وتخلف بعده ابنه المستظهر* (خلافة المستظهر بالله أبى العباس أحمد بن المقتدى بالله عبد الله) * وقد مرّ نسب هؤلاء الخلفاء فى مواضع كثيرة فلا حاجة الى ذكرها هنا وفيما يأتى الا لضرورة* أمه أم ولد تركية اسمها التون وعاشت الى خلافة ابن ابن ابنها المسترشد* قال ابن الاثير كان المستظهر لين الجانب كريم الاخلاق يسارع فى أعمال البرّ وكانت أيامه أيام سرور للرّعية وكان حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاومه فيها أحد بويع بالخلافة يوم مات أبوه فى محرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة* ذكر من مات من المشاهير فى زمنه وفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة توفى محدث بغداد الحافظ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن حيرون وله اثنتان وثمانون سنة* وفى هذه السنة توجه الامام أبو حامد الغزالى الى الشأم وزار القدس وترك التدريس فى النظامية واستناب أخاه وتزهد ولبس الخشن وأكل الدون وفى هذه السفرة صنف احياء علوم الدين وسمع منه الخلق الكثير بدمشق وعاد الى بغداد بعد ما حج فى السنة الثالثة وسار الى خراسان* وفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة اجتمع ستة كواكب فى برج الحوت وهى الشمس والقمر والمشترى والزهرة والمريخ وعطارد فحكم المنجمون بطوفان يكون فى الناس يقارب طوفان نوح فأحضر الخليفة المستظهر بالله ابن عبسون المنجم فسأله فقال انّ فى طوفان نوح اجتمعت الكواكب السبعة فى برج الحوت والان قد اجتمع ستة منها ليس فيها زحل فلو كان معها لكان مثل طوفان نوح* ولكن أقول انّ مدينة أو بقعة من الارض يجتمع فيها عالم كثير من بلاد كثيرة فيغرقون فخافوا على بغداد لكثرة من يجتمع فيها من البلاد فأحكمت المسناة والمواضع التى يخشى منها الانفجار والغرق فاتفق انّ الحجاج نزلوا فى دار المناقب بعد نخله فأناهم سيل عظيم فغرق أكثرهم ونجا من تعلق بالجبال وذهب المال والدواب والارواد وغير ذلك فخلع الخليفة على المنجم* وفى هذه السنة ابتداء دولة محمد خوارزم شاه ذكره فى الكامل* عجيبة فى ذكر صبية عمياء تتكلم على أسرار الناس قال ابن الجوزى وظهر فى هذه السنة صبية عمياء تتكلم على أسرار الناس وبالغ الناس فى الحيل ليعلموا حالها فلم يعلموا* قال ابن عقيل أشكل أمرها على العلماء والخواص والعوام حتى انها كانت تسأل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 عن نقوش الخواتم وألوان الفصوص وصفات الاشخاص وما فى داخل البنادق من الشمع والطين وأنواع الخرز وبالغ واحد ووضع يده على ذكره فقيل لها ما الذى فى يده قالت يحمله الى أهله وعياله وفى سنة أربع وتسعين وأربعمائة توفى فى ربيع الاوّل منها محمد بن على بن عبيد الله بن أحمد بن صالح ابن سليمان بن ودعان أبو النصر القاضى الموصلى وهو صاحب الاربعين الودعانية وقد تكلموا فيها فقيل انها سرقها وكانت تصنيف زيد بن رفاعة الهاشمى والغالب على حديثه المناكير كذا فى الكامل وفى أيام المستظهر توفى ملك شاه بخراسان وجلس ابنه سنجر مكانه وملك الفرنج انطاكية وسميساط والرها وبيت المقدس كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سنة اثنتين وخمسمائة قتلت الاسماعيلية شيخ الشافعية أبا المحاسن الرويانى صاحب كتاب البحر وله ست وثمانون سنة وكان يقول لو عدمت كتب الشافعية أمليتها من حفظى ومات المستظهر فى يوم الاربعاء الثالث والعشرين من ربيع الاخر سنة اثنتى عشرة وخمسمائة وخلافته أربع وعشرون سنة وثلاثة أشهر* وفى سيرة مغلطاى مكث فى الخلافة خمسا وعشرين سنة وتوفى ليلة الاحد السابع والعشرين من ربيع الاخر مات بعلة التراقى وهى الخوانيق وغسله شيخ الحنابلة ابن عقيل وخلف عدّة أولاد وتخلف بعده ابنه المسترشد بالله* (خلافة المسترشد بالله أبى منصور الفضل بن المستظهر بالله أبى العباس أحمد بن المقتدى أبى القاسم عبد الله الهاشمى العباسى البغدادى) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى لبابة ومولده فى حدود سنة خمس وثمانين وأربعمائة بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى شهر ربيع الاخر سنة اثنتى عشرة وخمسمائة وكان شجاعا ذا نعمة ومعرفة وعقل وكان دينا مشتغلا بالعبادة سلك من الخلافة سيرة القادر وقرأ القرآن وسمع الحديث وقال الشعر وفى أيامه مات شيخ الحنفية شمس الائمة أبو الفضل بكر بن محمد الانصارى الجابرى البخارى الزنجرى وكان يضرب به المثل فى حفظ المذهب وعاش خمسا وثمانين سنة وتفقه على شمس الائمة السرخسى* وفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة مات قاضى القضاة ببغداد أبو الحسن على ابن قاضى القضاة محمد بن على الدامغانى الحنفى وله أربع وستون سنة* وفى سنة أربع عشرة وخمسمائة ظهر قبر ابراهيم الخليل وقبور ولديه اسحاق ويعقوب عليهم السلام بالقرب من البيت المقدس ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم وعندهم فى المغارة قناديل من ذهب وفضة كذا ذكره أحمد بن أسد بن على بن محمد التميمى فى تاريخه والله أعلم* وفى هذه السنة ظهر معدن نحاس بديار بكر قريبا من قلعة ذى القرنين كذا فى الكامل* وفى سنة ست عشرة وخمسمائة توفى محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوى الشافعى صاحب التصانيف وقد نيف على السبعين ومصنف المقامات أبو محمد القاسم بن على بن محمد البصرى الحزيرى وفيها تضعضع الركن اليمانى من البيت الحرام زاده الله شرفا من زلزلة وانهدم بعضه وتشعب بعض حرم النبىّ صلى الله عليه وسلم وتشعب غيرهما من البلاد* وفى سنة سبع عشرة وخمسمائة توفى عبد الله بن الحسين بن أحمد بن الحسين أبو نعيم بن أبى على الحدّاد الاصفهانى ومولده سنة ثلاث وستين وأربعمائة وهو من أعيان المحدّثين سافر الكثير فى طلب الحديث* وفى سنة عشرين وخمسمائة توفى أبو الفتح أحمد بن محمد بن محمد الغزالىّ الواعظ وهو اخو الامام أبى حامد وقد ذمه أبو الفرج ابن الجوزى بأشياء كثيرة منها روايته فى وعظ الاحاديث التى ليست بصحيحة والعجب أنه يقدح فيه بهذا وتصانيفه ووعظه مشحونة مملوءة به نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الوقيعة فى الناس* وفى سنة أربع وعشرين وخمسمائة ظهر ببغداد عقارب طيارة ذوات شوكتين فنال الناس منها خوف شديد واذى عظيم كذا فى الكامل* وكان المسترشد لما تغير أحوال مملكته صار يباشر القتال بنفسه فمات قتيلا فى سابع عشر ذى القعدة سنة تسع وعشرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وخمسمائة وسببه انه خرج فى عساكر لقتال مسعود بن محمد شاه بن ملك شاه السلجوقى فخالف عسكره فانكسروا وانهزم فأرسل سنجر شاه عم مسعود المذكور يلوم مسعودا فى قتال الخليفة فرجع عن قتاله وضرب له السرادق وطلبه وأنزله به فلما نزل المسترشد بالسرادق وصل رسول سنجر شاه الى الخليفة ومعه سبعة عشر نفرا من الباطنية الاسماعيلية فى زى الغلمان فدخلوا على الخليفة وضربوه بالسكاكين حتى قتلوه وقطعوا أنفه وأذنيه وخرجت الباطنية والسكاكين بأيديهم فيها الدم فمالت عليهم العساكر فقتلوهم ثم أحرقوهم وغطى الخليفة بسندسة خضراء لفوه فيها ودفنوه على حاله بباب مراغة وكان قتله فى سابع عشر ذى القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة كذا فى سيرة مغلطاى وعمره أربع أو خمس وأربعون سنة وخلافته سبع عشرة سنة وسبعة أو ثمانية أشهر وفى سيرة مغلطاى وستة أشهر وأيام واستخلف بعده ابنه الراشد* (خلافة الراشد بالله أبى جعفر منصور بن المسترشد الفضل بن المستظهر أحمد) * الهاشمى العباسى البغدادى وهو السادس فخلع كما سيأتى وأمّه أمّ ولد حبشية ومولده فى سنة اثنتين وخمسمائة ويقال انّ الراشد هذا ولد مسدودا فأحضر والده المسترشد الاطباء فأشاروا ان يفتح له مخرج بالة من ذهب ففعل به ذلك بويع بالخلافة بعد قتل أبيه فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة* وفى دول الاسلام لما جاء الخبر بمصرع المسترشد قامت قيامة أهل بغداد وناحوا عليه وشقوا الثياب وخرج النساء يلطمن منتشرات الشعور ينشدن المراثى وطلب الاعيان ولده الراشد بالله فبايعوه* وحكى عن الراشد أن والده أعطاه عدّة جوار وعمره أقل من تسع سنين وأمرهنّ أن علاعبنه وكانت فيهنّ جارية فحملت من الراشد فلما ظهر الحمل وبلغ المسترشد أنكره لصغر سن ولده فسألها فقالت والله ما تقدّم الىّ غيره وأنه احتلم فسأل المسترشد باقى الجوارى فقلن كذلك ووضعت الجارية صبيا وسمى أمير الجيش وقيل للمسترشد ان صبيان تهامة يحتلمون لتسع سنين وكذلك نساؤهم ولم تطل خلافة الراشد فانه خرج بعد خلافته بمدّة الى الموصل لقتال مسعود بن محمد شاه وغيره فلما قاربهم خذله أصحابه فقبض مسعود عليه وخلعه من الخلافة فى يوم الخميس ثامن عشر أو تاسع عشر من ذى القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة يقال انّ الوزير أبا القاسم على بن طراد كتب محضرا على الراشد فيه أنواع كبائر ارتكبها من الفسق ونكاح أمّهات أولاد أبيه وأخذ أموال الناس وسفك الدماء وانه فعل أشياء لا يجوز أن يكون معها اماما على المسلمين فشهد بذلك طائفة وحكم ابن الكرخى القاضى بخلعه وكان السلطان مسعود قد جمع القضاة والشهود والاعيان وأخرج لهم نسخة يمين كانت بينه وبين الراشد أخذها عليه بخطه فيها متى عصيت أو حاربت أو جذبت سيفا فى وجه مسعود فقد خلعت نفسى من هذا الامر وفيها خطوط القضاة والشهود بذلك فحكم القضاة حينئذ بخلعه فخلع وولوا المقتفى محمد بن المستظهر عم الراشد وحبس الراشد الى أن مات قتيلا فى محبسه فى السابع والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وقيل انّ الذين قتلوه جماعة من الخراسانية كانوا بخدمته فوثبوا عليه فقتلوه بدسيسة من السلطان* وفى سيرة مغلطاى قتله الباطنية على باب أصبهان وقتلت معه خوارزمشاه* (خلافة المقتفى لامر الله أبى عبد الله محمد ابن المستظهر أحمد بن المقتدى عبد الله بن الامير محمد الذخيرة بن الخليفة القائم بالله عبد الله الهاشمى العباسى البغدادى) * أمه أم ولد تسمى بغية النفوس وقيل نسيم ومولده فى سنة تسع وثمانين وأربعمائة بويع بالخلافة بعد خلع ابن أخيه الراشد وكان المقتفى اماما عالما فاضلا أديبا شجاعا دمث الاخلاق كامل السودد خليقا للخلافة قليل المثل* وفى دول الاسلام لما حكم القاضى بخلع الراشد أحضروا عمه محمد بن المستظهر بالله وكان صهرا لعلى بن طرّاد ولقبوه المقتفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 لامر الله وبايعوه* وفى سنة احدى وثلاثين وخمسمائة تزوّج الخليفة بالخاتون فاطمة بنت محمد ابن ملك شاه على صداق مائة ألف دينار وفيها صام أهل بغداد ثلاثين يوما ولم يروا الهلال ليلة احدى وثلاثين مع كون السماء مصحية* قال ابن الجوزى وهذا شئ لم يقع مثله وفيها ظهر بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا ثم سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا ثم جاءت ريح عاصفة فألقت أشجارا كثيرة ثم وقع مطر شديد وسقط برد كبار* وفى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة كسا الكعبة رجل من التجار يقال له ابن امشت الفارسى وجعل فيها أربعة قناديل من الذهب وزنها عشرة ارطال بثمانية عشر ألف دينار وذلك لانه لم يأتها كسوة فى هذا العام لاجل اختلاف الملوك* وفى سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة زلزل أهل حلب فى ليلة واحدة ثمانين مرّة وكانت زلازل بمصر والشام أقامت تعاود الناس أياما كثيرة حتى خربت اكثر البلاد* حكى أنها جاءت فى يوم وليلة احدى وتسعين مرّة* وفى دول الاسلام فيها كانت الزلزلة العظمى التى دكت مدينة الحيرة ومات تحت الردم أزيد من مائة ألف وقيل خسف بها وبقى مكانها ماء أسود* وفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة مات محدّث بغداد الحافظ عبد الوهاب بن المبارك الانماطى وله ست وسبعون سنة* وعلامة خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى النحوى المفسر المعتزلى وله احدى وسبعون سنة* وفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة مات عالم المغرب القاضى أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض السبتى وله ثمان وستون سنة* وفى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة مات الافضل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى المتكلم صاحب الملل والنحل وتوفى المقتفى لامر الله يوم الاحد ثانى شهر ربيع الاوّل* وفى سيرة مغلطاى توفى المقتفى ليلة السبت مستهل ربيع الاوّل سنة خمس وخمسين وخمسمائة ودفن بداره بعد أن صلى عليه ولده المستنجد يوسف وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر واحدا وعشرين يوما وعاش ستا وستين سنة وفى أيامه مات السلطان مسعود بهمدان وقتل أتابك زنكى وهو نائم ومطرت اليمن دما ووقع على ثياب الناس والارض شبه الدم كذا فى سيرة مغلطاى* (خلافة المستنجد بالله أبى المظفر يوسف بن المقتفى محمد بن المستظهر بن أحمد الهاشمى العباسى البغدادى أمير المؤمنين) * أمه أم ولد كرجية تسمى طاوس أدركت خلافته ومولده فى سنة ثمان وخمسمائة* صفته* كان المستنجد أسمر طويل اللحية معتدل القامة شجاعا مهابا عادلا فى الرعية أديبا فصيحا فطنا أزال المظالم والمكوس فى خلافته بويع بالخلافة بعد موت أبيه المقتفى فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة فبايعه أولاد عمه أبو طالب ثم أخوه أبو جعفر ثم ابن هبيرة وقاضى القضاة ابن الدامغانى قيل انّ المستنجد رأى فى منامه فى حياة أبيه كأن ملكا نزل من السماء فكتب فى كفه أربع خاآت معجمات فلما أصبح أوّله له بعض المعبرين بأنه يلى الخلافة فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان كذلك وكان نقش خاتم المستنجد من أحب نفسه عمل لها* سبب حفر الخندق حول الحجرة النبوية وفى سنة سبع وخمسين وخمسمائة عمل الملك نور الدين الشهيد محمود بن زنكى بن أقسنقر خندقا حول الحجرة النبوية مملوآ بالرصاص على ما ذكر فى الوفاء وسبب ذلك أن النصارى خذلهم الله دعتهم أنفسهم فى سلطنة الملك المذكور الى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وذلك ان السلطان المذكور كان له تهجد يأتى به فى الليل وأوراد يأتى بها فنام عقب تهجده فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى نومه وهو يشير الى رجلين أشقرين ويقول أنجدنى أنقذنى من هذين فاستيقظ فزعا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرّة ثالثة فاستيقظ وقال لم يبق نوم وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلى فأرسل اليه ليلا وحكى له جميع ما اتفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 له فقال له وما قعودك اخرج الان الى المدينة النبوية واكتم ما رأيت فتجهز فى بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة فى عشرين نفرا وفى صحبته الوزير المذكور ومال كثير فقدم المدينة فى ستة عشر يوما فاغتسل خارجها ودخل فصلى فى الروضة وزار ثم جلس لا يدرى ماذا يصنع فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد ان السلطان قصد زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وأحضر معه أموالا للصدقة فاكتبوا من عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها له النبىّ صلى الله عليه وسلم فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف الى أن انفضت الناس فقال السلطان هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة قالوا لا فقال تفكروا وتأمّلوا فقالوا لم يبق أحد الا رجلين مغربيين لا يتناولان لاحد شيئا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج فلما سمعه السلطان انشرح صدره وقال علىّ بهما فأتى بهما فرآهما والرجلين اللذين أشار النبىّ صلى الله عليه وسلم اليهما بقوله أنجدنى أنقذنى من هذين فقال لهما من أين أنتما فقالا من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة فى هذا العام عند رسول الله فقال أصدقانى فصمما على ذلك فقال أين منزلهما فأخبر بأنهما فى رباط بقرب الحجرة الشريفة فأمسكهما وحضر الى منزلهما فرأى فيه مالا كثيرا وختمتين وكتبا فى الرقائق ولم ير فيه شيئا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا انهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات فى الروضة الشريفة وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردّان سائلا قط بحيث سدّا خلة أهل المدينة فى هذا العام المجدب فقال السلطان سبحان الله ولم يظهر شيئا مما رآه وبقى السلطان يطوف فى البيت بنفسه فرفع حصيرا فى البيت فرأى سردا بالمحفورا ينتهى الى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك وقال السلطان عند ذلك أصدقانى حالكما وضربهما ضربا شديدا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى فى زى حجاج المغاربة وأمدّوهما بأموال عظيمة وامروهما بالتحيل فى شئ عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول الى الجناب الشريف ويفعلوا به مازينه لهم ابليس فى النقل وما يترتب عليه فنزلا فى أقرب رباط الى الحجرة الشريفة وهو الرباط المعروف برباط المراغة وفعلا ما تقدّم وصارا يحفران ليلا ولكل منهما محفظة جلد على زىّ المغاربة والذى يجتمع من التراب يجعله كل منهما فى محفظته ويخرجان لاظهار زيارة قبور البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدّة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق مسكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديدا وأمر بضرب رقابهما فقاتلا تحت الشباك الذى يلى الحجرة الشريفة وهو مما يلى البقيع ثم أمر باحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما الى الماء حول الحجرة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملئ به الخندق فصار حول الحجرة سورا رصاصا الى الماء ثم عاد الى ملكه وأمر باضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر فى عمل من الاعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها وقد أشار الى ذلك الجمال المطرى باختصار ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به وقال ان السلطان محمود المذكور رأى النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرّات فى ليلة واحدة وهو يقول فى كل واحدة يا محمود أنقذنى من هذين الشخصين الاشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك فقال له هذا أمر حدث فى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه وزار وجلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 فى المسجد لا يدرى ما يصنع وقال له الوزير أتعرف الشخصين اذا رأيتهما قال نعم فطلب الناس عامّة للصدقة وفرّق عليهم ذهبا كثيرا وفضة وقال لا يبقين أحد بالمدينة الاجاء فلم يبق الارجلان مجاوران من أهل الاندلس نازلان فى الناحية التى قبلة حجرة النبىّ صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التى تعرف اليوم بدار العشرة فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا نحن على كفاية لا نقبل شيئا فجدّ فى طلبهما فجىء بهما فلما رآهما قال للوزير هما هذان فسألهما عن حالهما وما جاء بهما فقالا لمجاورة النبى صلى الله عليه وسلم فقال أصدقانى وتكرّر السؤال حتى أفضى الى معاقبتهما فأقرّا انهما من النصارى وانهما وصلا لكى ينقلا من فى هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الارض من تحت حائط المسجد القبلى وهما قاصدان الى جهة الحجرة الشريفة يجعلان التراب فى بئر عندهما فى البيت الذى هما فيه هكذا حدّثنى عمن حدّثه فضرب أعناقهما عند الشباك الذى فى شرقى حجرة النبىّ صلى الله عليه وسلم خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها الى الشام* وذكر الامام اليافعى فى ترجمته أن بعض العارفين من الشيوخ ذكر أنه كان فى الاولياء معدودا من الاربعين وصلاح الدين نائبه من الثلثمائة* ويناسب ذلك ما ذكره المحب الطبرى فى الرياض النضرة فى فضائل العشرة قال أخبرنى هارون بن الشيخ عمر ابن الزغب وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح والعبادة عن أبيه وكان من الرجال الكبار قال كنت مجاورا بالمدينة وشيخ خدّام النبى صلى الله عليه وسلم اذ ذاك شمس الدين صواب اللمطى وكان رجلا صالحا كثير البرّ بالفقراء والشفقة عليهم وكان بينى وبينه أنس فقال لى يوما أخبرك بعجيبة كان لى صاحب يجلس عند الامير ويأتينى من خبره بما تمس حاجتى اليه فبينا أنا ذات يوم اذ جاءنى فقال أمر عظيم حدث اليوم قلت وما هو قال جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للامير بذلا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة واخراج أبى بكر وعمر منها فأجابهم الى ذلك قال صواب فاهتممت لذلك هما عظيما فلم أنشب أن جاء رسول الامير يدعونى اليه فأجبته فقال لى يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم قال فقلت سمعا وطاعة قال فخرجت ولم أزل يومى أجمع خلف الحجرة أبكى لا ترقأ لى دمعة ولا يشعر أحد ما بى حتى اذا كان الليل وصلينا العشاء الاخرة وخرج الناس من المسجد وغلقت الابواب فلم ننشب أن دق الباب الذى حذاء باب الامير أى باب السلام فان الامير كان مسكنه حينئذ بالحصن العتيق قال ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدّهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحى والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر قال وقصدوا الحجرة الشريفة فو الله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الارض جميعهم بجميع ما كان معهم من الالات ولم يبق لهم أثر قال فاستبطأ الامير خبرهم فدعانى وقال يا صواب ألم يأتك القوم قلت بلى ولكن اتفق لهم كيت وكيت قال انظر ما تقول قلت هو ذاك وقم فانظر هل ترى لهم من باقية أولهم أثر فقال هذا موضع هذا الحديث وان ظهر منك كان بقطع رأسك ثم خرجت عنه* قال المحب الطبرى فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الاصحاب فيهم من أثق بحديثه قال وأنا كنت حاضرا فى بعض الايام عند الشيخ أبى عبد الله القرطبى بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكى هذه الحكاية سمعتها بأذنى انتهى ما ذكره الطبرى وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن أبى عبد الله بن أبى محمد المرجانى هذه الواقعة باختصار فى تاريخ المدينة له وقال سمعتها من والدى يعنى الامام الجليل أبا عبد الله المرجانى قال وقال لى سمعتها من والدى أبى محمد المرجانى سمعها من خادم الحجرة قال أبو عبد الله المرجانى ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشريفة وذكر نحو ما تقدّم الا أنه قال فدخل خمسة عشر أو قال عشرون رجلا بالمساحى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 والقفاف فما مشوا غير خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الارض ولم يسم الخادم والله أعلم* وفى أيام المستنجد فى سنة تسع وخمسين وخمسمائة توفى الجمال محمد بن على وزير قطب الدين مودود بن زنكى صاحب الموصل كان كثير المعروف والصدقات ساق عينا الى عرفات وعمل هناك مصانع وبنى مسجد عرفات ودرجة وأحكم أبواب الحرم وبنى مسجد الخيف وبنى الحجر وزخرف الكعبة وذهبها وعملها بالرخام وبنى على المدينة النبوية سورا وبنى جسرا على دجلة عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت والحديد والرصاص وبنى الربط الكثيرة وكان يتصدّق كل يوم فى بابه بمائة دينار ويفتدى من الاسارى فى كل سنة بعشرين ألف دينار وكانت صدقاته وافدة الى الفقهاء والفقراء حيث كانوا وقد حبس فى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة* وذكر ابن الساعى عن شخص كان معه فى السجن أنه نزل اليه طائر أبيض قبل موته فلم يزل عنده وهو يذكر الله عز وجل حتى توفى فى شعبان من هذه السنة ثم طار عنه ودفن فى رباط بناه بالموصل* وفى سنة ستين وخمسمائة قال ابن الجوزى فى يوم الاضحى ولدت امرأة ببغداد يقال لها بنت أبى العز أربع بنات* وفى سنة احدى وستين وخمسمائة توفى شيخ الوقت أبو محمد عبد القادر بن صالح الجيلى الواعظ المفتى الحنبلى المذهب الزاهد أحد الاعلام ببغداد وله تسعون سنة* وفى سنة اثنتين وستين وخمسمائة مات حافظ خراسان أبو سعيد عبد الكريم ابن محمد بن منصور السمعانى المروزى وله ست وخمسون سنة وله تصانيف جمة* وكانت وفاة المستنجد بالله الخليفة وقيل قتله فى يوم السبت ثانى ويقال ثامن شهر ربيع الاخر سنة ست وستين وخمسمائة وكانت خلافته احدى عشرة سنة وشهرا واحدا* (خلافة المستضىء بالله أبى محمد الحسن بن المستنجد يوسف بن المقتفى لامر الله محمد بن المستظهر) أمير المؤمنين الهاشمى العباسى البغدادى أمه أم ولد مولدة مولده فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بويع بالخلافة بعد وفاة والده فى شهر ربيع الاخر سنة ست وستين وخمسمائة وخطب له بالديار المصرية واليمن وكانت الدولة العباسية منقطعة منها من زمن المطيع كذا فى حياة الحيوان وكان أحسن الخلفاء سيرة وكان اماما عادلا شريف النفس حسن السيرة كريما ليس للمال عنده قدر حليما شفوقا على الرعية أسقط فى أيامه المكوس والضرائب وفى أيامه فى سنة تسع وستين وخمسمائة وقع برد عظيم وزنت واحدة فكانت سبعة أرطال بالبغدادى فقتل جماعة وشيئا كثيرا من المواشى وكان غالبه كالنارنج* وفى سنة احدى وسبعين وخمسمائة مات حافظ الشام أبو القاسم على بن الحسين بن عساكر صاحب التاريخ الكبير وله ثلاث وسبعون سنة واستهلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وفى هذه السنوات كان ابن الجوزى يعظ ببغداد ويحضره ألوف مؤلفة ويحضره أمير المؤمنين فى المنظرة* وفى سنة أربع وسبعين وخمسمائة قال ابن الجوزى وعظت بجامع المنصور فخرر المجلس بمائة ألف وكان المستضىء بالله يحضر من وراء الستر وله محبة فى الحنابلة والسنية وكراهية فى الرافضة وكانت وفاة المستضىء بالله فى بغداد فى ليلة الاحد ثانى ذى القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة* وفى دول الاسلام فى شوّال سنة خمس وسبعين وخمسمائة وعاش تسعا وثلاثين سنة وكانت خلافته تسع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما وهو الذى عادت الخطبة باسمه فى الديار المصرية والبلاد الشامية والثغور واجتمعت الامة فى أيامه على خليفة واحد وانقطعت دولة بنى عبيد الفاطميين خلفاء مصر فى أيامه على يد الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وفى دول الاسلام وكان سمحا جوادا محبا للسنة أمنت البلاد فى زمانه* (خلافة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن المستضىء حسن بن المستنجد يوسف الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تركية ومولده فى يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة* صفته* قال الذهبى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 كان أبيض اللون تركى الوجه مليح العينين أنور الجبهة أقنى الانف خفيف العارضين اشقر اللحية رقيق المحاسن بويع بالخلافة فى بغداد بعد موت أبيه فى أوّل ذى القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكان نقش خاتمه رجائى من الله عفوه لم تكن خلافة أحد من بنى العباس قبله أطول مدّة منه وفى أيامه ظهرت القسى ببغداد والرمى بالبندق ولعب الحمام وتفنن الناس فى ذلك* قال الذهبى كان يعانى البندق والحمام فى شبيبته وكان له عيون على كل سلطان يأتونه بالاسرار حتى كان بعض الكبار يعتقد فيه انّ له كشفا واطلاعا على المغيبات* وفى أيامه سنة ثمان وخمسمائة مات حافظ الاندلس أبو القاسم خلف ابن عبد الملك بن بشكوال القرطبى وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة مات مسند بغداد أبو السعادات نصر الله القزاز وله اثنتان وتسعون سنة* وفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة مات شيخ الحنفية بماوراء النهر شمس الائمة عمر بن الزرنجرى الجابرى والحافظ المصنف أبو بكر محمد بن موسى الحازمى الهمدانى* وفى تسعين وخمسمائة توفى شيخ القراء أبو محمد القاسم بن فيره بن خلف الرعينى الشاطبى ناظم الشاطبية وله اثنتان وخمسون سنة* وفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة مات ببغداد شيخ الوقت العلامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزى الحنبلى الواعظ ببغداد صاحب التصانيف وتصانيفه مشهورة وكان كثير الوقيعة فى الناس لا سيما العلماء المخالفين لمذهبه وكان مولده سنة عشر وخمسمائة كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وتسعين وخمسمائة فى أوّلها ماجت النجوم ببغداد وتطايرت شبه الجراد ودام ذلك الى الفجر وضح الخلق الى الله تعالى وفى سنة ثلاث وستمائة قدم ببغداد للحج شيخ الحنفية برهان الدين صدر جهان وفى صحبته ثلثمائة فقيه وفيها مات مسند أصبهان أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلانى وله أربع وتسعون سنة* وقعة خوارزم شاه مع التتار وابتداء ظهورهم وفى سنة أربع وستمائة مات المعمر أبو على حنبل بن عبد الله الرصافى راوى المسند وله ثلاث وتسعون سنة وفيها عدّى خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش الى ماوراء النهر بجيوش عظيمة فالتقاه صاحب الخطا وتمت بينهم وقعات كبار آخرها انهزم المسلمون وأسر خلق وأسر السلطان خوارزم شاه مع أمير أسرهما الخطائى فأظهر السلطان انه مملوك لذلك الامير وقلعه خفه فاحترم الخطائى ذلك الامير ثم بعد أيام قال الامير للخطائى انى أخاف ان يظنّ أهلى انى قتلت فيقتسموا أموالى فقرّر علىّ شيئا حتى أبصر كيف أعمل فقرّره فقال أتأذن لغلامى هذا يذهب ويحضر الذهب فأذن له وبعث معه من يخفره الى خوارزم فنجا السلطان وتمت الحيلة وزينت بلاده وضربت البشائر ثم انّ الخطائى قال للامير انّ سلطانكم عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو غلامى الذى بعثته فعض الخطائى على يده وبهت وقال هلا كنت أعلمتنى حتى كنت سرت بين يديه وخدمته الى مقر ملكه قال خفت عليه قال فانهض بنا الى خدمته فسارا جميعا الى باب خوارزم شاه* وفى سنة خمس وستمائة أخذت الكرج أرجيش وقتلوا أهلها وفى سنة ست وستمائة حاصرت الكرج خلاط وكادوا ان يفتحوها فركب ملك الكرج سكران وحمل على البلد فتقنطر به فرسه وتسارع اليه المسلمون فأسروه وقتلوا حوله جماعة فانهزم جيشه وفيها عبر خوارزم شاه جيحون فى جحفل عظيم فالتقى الخطا فكسرهم وقتل من الخطا مقتلة عظيمة لم يسمع بمثلها وأسر سلطانهم طاينكو وأحضر الى بين يدى خوارزم شاه فأكرمه وأجلسه معه على السرير ثم افتتح عدّة مدائن قهرا وصالحا وفى هذا الوقت كان مبدأ ظهور التتار فانهم كانوا ببادية الخطا فلما سمعوا بالهزيمة العظمى على الخطا قصدوهم مع كشلوخان وعلم خوارزم شاه انه لا طاقة له بالتتار فأمر أهل ممالكه من ناحية الخطا كأهل فرغانة والشاش واسبيجاب بالجلاء والانجفال الى بخارى وسمرقند الى ان أخلى تلك البلاد النزهة العامرة وخربها وصيرها مفاوز خوفا من ان يملكها التتار ويجاوروه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 ثم اتفق خروج جنكيزخان وجيوشه الذين أبادوا خراسان فاشتغل كشلوخان بحربهم مدّة وفيها توفى العلامة فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر التيمى البكرى الرازى بن خطيب الرى الشافعى المتكلم صاحب التصانيف فى التفسير والطب والفلسفة يوم الفطر وله اثنتان وستون سنة وفيها مات العلامة مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن الاثير الشيبانى الجزرى ثم الموصلى صاحب جامع الاصول وغريب الحديث فى آخر العام وله اثنتان وستون سنة وتسعة أشهر* وفى سنة تسع وستمائة مات الملك الاوحد أيوب بن العادل صاحب خلاط وميافارقين وكان ظلوما غشوما وتملك خلاط بعده أخوه الاشرف* وفى سنة عشر وستمائة خلص خوارزم شاه من الاسر وذلك انه كان منازلا للتتار فخاطر بنفسه وتنكر ولبس زى التتار هو وثلاثة ودخل فى التتار ليكشف أمورهم فاستنكروهم فأمسكوهم فضربوا اثنين منهم حتى ماتا تحت الضرب ولم يقرّا وضربوا خوارزم شاه والاخر ورسموا عليهما فهربا بالليل* وفى سنة خمس عشرة وستمائة اندفع السلطان خوارزم شاه بين يدى التتار لما بلغه انهم قاصدون ماوراء النهر وجاءه رسول جنكيزخان طاغية التتار بهدية مثل مسك ونحوه يطلب المسالمة وأعلمه بان جنكيزخان قد ملك طمغاج والصين وأشار بالمسالمة فأعطاه خوارزم شاه معضدة جوهرا وعاهده أن يكون عينا له ومناصحا ثم سافرت تجار جنكيزخان وجاءت فظلمهم نائب بخارى وهو خال خوارزم شاه وأخذ أموالهم فاستشاط جنكيزخان غضبا وأرسل يهدّد خوارزم شاه ويطلب منه أن يسلم خاله اليه نائب بخارى فأمر خوارزم شاه بالرسل فقتلوا فيا لها فعلة ما كان أقبحها أجرت كل قطرة من دماء الرسل سيلا من الدماء* وفى سنة ست عشرة وستمائة انهزم السلطان خوارزم شاه بين يدى التتار وبلغ أمّه الخبر فعمدت الى من كان محبوسا بخوارزم من الملوك وكانوا عشرين ملكا ممن قد أخذ بلادهم وأسرهم فأمرت بقتلهم ثم أخذت خزائن ابنها ونساءه الى قلعة ابلال فأخذت وأسرت وساق هو الى أن وصل الى همدان وقد تفرق جيوشه وبقى معه نحو عشرين ألفا ونازلت التتار بخارى وسمرقند وفعلوا عوائدهم الملعونة من القتل والسبى والحريق فانا لله وانا اليه راجعون* وفيها مات شيخ النحو أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبرى الضرير صاحب التصانيف وشيخ الحنفية افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمى البلخى ثم الحلبى مؤلف شرح الجامع الكبير وله ثمانون سنة* وفى سنة سبع عشرة وستمائة كان سيف التتار قد استطال فى الامة فانهم هزموا خوارزم شاه وملكوا ماوراء النهر وعدّوا جيحون فأبادوا أهل خراسان ووصلوا الى قزوين وهمدان وقصدوا توريز وفرغوا من بلاد الخطا والترك وماوراء النهر وخوارزم وخراسان والعجم وغير ذلك قتلا وتخريبا وابادة فى نحو من سنة ونصف ثم دخلوا صحراء القفجاق واستولوا عليها ومضت فرقة الى كرمان وغزنة وتلك الديار فتركوها بلاقع ودينهم الكفر دين جاهلية أعراب الترك وأكثرهم يعبدون الشمس وبعضهم مجوس وبعضهم يعبدون الاصنام وهم جنس من الترك ومأواهم جبال طمغاج وملك جنكيزخان عدّة أقاليم وبث جيوشه وجهز كل فرقة الى اقليم فأبادت أهله وفيها مات السلطان الكبير علاء الدين خوارزم شاه بن محمد ابن خوارزم شاه بن تكش بن أرسلان بن أستر بن توشتكين الخوارزمى وكان قدد انت له الامم واستولى على بلاد الترك وماوراء النهر وخراسان وغزنة وغير ذلك وكان جدّه الاعلى البتكين من مماليك السلطان ألب ارسلان بن جعفر بك السلجوقى وكان عنده علم من الفقه والاصول واكرام العلماء والصالحين لكنه ظلوم سفاك للدماء وعسكره قد اعتادوا النهب والفساد والاذى والرعية معهم فى بلاء وويل فلما ابتلوا بجند جنكيزخان رضوا عن الخوارزمية وكان محمد بطلا شجاعا مقداما يقطع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 البلاد البعيدة فى أقرب زمان ولا ينشف له لبد وكان هجاما شهما بعيد الغور فاتكا كثير الغدر قليل النوم نزر الراحة وكان لا يعبأ بملبوس بل ثيابه وعدة فرسه تساوى دينارا أو نحوه وقد ذهب اليه رسول صاحب اربل فقال كان عدّة عسكر خوارزم شاه محمد ممن هو داخل فى طاعته ثلثمائة ألف وخمسين ألفا* وكانت دولته احدى وعشرين سنة ومات كهلا فرّ من التتار الى بحيرة مازندران فمرض بالاسهال وطلب الدواء فأعوزه الخبز ومات فى المركب غريبا وقام بعده ابنه جلال الدين خوارزم شاه* وفى سنة ثمان عشرة وستمائة جمع جلال الدين خوارزم شاه جيوش أبيه والتقى التتار وعليهم تولى ابن جنكيزخان فكسرهم جلال الدين ووضع فيهم السيوف قتلا وأسرا وقيل تولى فى المصاف وهذا هو أبو هولاكو* فلما بلغ الخبر أباه جنكيزخان قامت قيامته وجمع جيشه وسار مجدّا الى السند وكان السلطان جلال الدين قد فارقه بعض الجيش فالتقى جنكيزخان فى شوّال من السنة وحمل على القلب فمزقهم فولى جنكيزخان منهزما لكن كان له كمين عشرة آلاف فخرجوا على ميمنة جلال الدين وعليها الامير ملك فانكسرت وأسر ابن جلال الدين وتبدد نظامه فتقهقر الى حافة نهر السند فرآى نساءه وأمّه يصحن بالله اقتلنا لا نقع فى الاسر فأمر بتغريقهنّ وركبه العدوّ والبحر من بين يديه فرفس فرسه فى الماء على انه يغرق فسبح به فرسه ذلك النهر العظيم وخلص الى الجهة الآخرى هو ونحو أربعة آلاف فارس عراة جياعا فلما عرف متولى تلك الناحية انّ خوارزم شاه دخل فى أرضه طلبه بالفارس والراجل فانهزم منه خوارزم شاه ليختفى فى الشجر* ثم دهمه ملك الهند وحمل على خوارزم شاه فثبت له حتى قاربه فرماه بسهم ما أخطأ فواده فسقط وانهزم جيشه فحاز خوارزم شاه الغنيمة فعاش بذلك وقدم سجستان فتقوى بها* وأما التتار فوصلوا الى حدّ العراق وفنيت الناس وحصروا بغداد فأنفق الناصر لدين الله الاموال* وفيها عند أخذ خوارزم استشهد شيخ العارفين نجم الدين الكبرى أحمد بن عمر أبو الجناب الخيوقى ومات مسند دمشق موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلى* وفى سنة تسع عشرة وستمائة مات محدث دمشق الحافظ تقى الدين اسماعيل بن عبد الله بن الانماطى المصرى كهلا* وفى سنة عشرين وستمائة كان فرقة عظيمة من التتار قد جاوزوا دربند شيرين الى صحراء القفجاق فجرت بينهم وبين القفجاق والروس وقعة عظيمة صبر فيها الجمعان وكثر القتل ثم انهزمت القفجاق وراح أكثرهم تحت السيف* وفى سنة احدى وعشرين وستمائة رجعت التتار من أرض القفجاق وأتوا الرىّ وقد تعمرت فوضعوا فى أهلها السيف وجعلوا كذلك بساوة وقم وقاشان وهمدان ثم قصدوا توريز فالتقاهم خوارزم شاه وكان كسرهم أخو خوارزم شاه وهو غياث الدين فتملك شيراز بلا كلفة وهرب منه صاحبها اتابك سعد بن زنكى الى قلعة اصطخر ثم داهنه سعد وسار تبعا وفيها انفصل خوارزم شاه جلال الدين عن الهند وكرمان وجاء فاستولى على مملكة اذربيجان وأقام الناصر لدين الله فى الخلافة ستة وأربعين سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما الى ان مات فى ليلة الاحد سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة وكانت خلافته سبعا وأربعين سنة وتوفى وله سبعون سنة وتحلف بعده ابنه الظاهر بأمر الله* (خلافة الظاهر بأمر الله أبى النصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد ومولده فى المحرّم سنة سبعين وخمسمائة* صفته* كان جميل الصورة أبيض اللون مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوّة بويع بالخلافة بعد موت أبيه الناصر لدين الله فى سنة اثنتين وعشرين وستمائة وله اثنتان وخمسون سنة الاشهر او فيها سار صاحب الروم علاء الدين كيقباد فأخذ قلاعا لصاحب آمد* وفى أيامه فى سنة ثلاث وعشرين وستمائة قال ابن الاثير فى كامله صاد صاحب لنا أرنبا ولها ذكر وانثيان ولها أيضا فرج فشقوها فاذا فى بطنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 جروان فقال جماعة مازلنا نسمع ان الارنب تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وفيها زلزلت الموصل وشهرزور وتكرّرت عليهم الزلزلة ثلاثين يوما وخربت القرى وانخسف القمر فى السنة مرّتين* وفى ثالث عشر رجب من سنة ثلاث وعشرين وستمائة مات الخليفة الظاهر بأمر الله وكانت خلافته تسعة أشهر ونصف* وفى سيرة مغلطاى واثنى عشر يوما وله اثنتان وخمسون سنة وكان فيه دين وعقل ووقار قيل له ألا تتفسح وتتنزه فقال قد فات الزرع فقيل له يبارك الله فى عمرك فقال من فتح دكانا بعد العصر أيش يكسب فكان كذلك ومات بعد مدّة يسيرة وكان خيرا عادلا أحسن الى الرعية وبذل الاموال وأزال المظالم والمكوس وكان يقول الجمع شغل التجار أنتم الى امام فعال أحوج منكم الى امام قوّال اتركونى أفعل الخير فكم بقيت أعيش وقد فرّق فى ليلة العيد فى العلماء والصالحين مائة ألف دينار* قال اين الاثير لقد أظهر من العدل والاحسان ما أحيا به سنة العمرين ولما تولى الخلافة ولى الشيخ عماد الدين بن الشيخ عبد القادر الجيلىّ الحنبلى القضاء فما قبل عماد الدين الا بشروط أنه يورث ذوى الارحام فقال له الخليفة أعط كل ذى حق حقه واتق الله ولا تتق سواه فكلمه أيضا فى الاوراق التى ترفع الى الخليفة وهو أن حراس الدروب كانت ترفع الى الخليفة فى صبيحة كل يوم ما يكون عندهم من أحوال الناس الصالحة والطالحة فأمر الظاهر بتبطيل ذلك وقال أى فائدة فى كشف أحوال الناس فقيل له ان تركت هذا تفسد الرعية فقال نحن ندعو لهم بالاصلاح ثم أعطى القاضى المذكور عشرة آلاف دينار يوفى بها ديون من فى السجون من الفقراء* (خلافة المستنصر بالله أبى جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر لدين الله أحمد بن المستضىء حسن بن المستنجد يوسف) * أمير المؤمنين الهاشمى العباسى البغدادى أمّه أمّ ولد تركية ومولده فى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة* صفته* كان أبيض أشقر الشعر ضخما قصيرا ولما شاب خضب بالحناء ثم ترك الخضاب وهو السادس فلم يخلع لا هو ولا أبوه وبهذا انتقضت القاعدة المذكورة الا انّ التتار كان أمرهم قد عظم فى أيامهما فأخذوا جملة مستكثرة من بلاد الاسلام وفقد جلال الدين خوارزم شاه فى أيام المستنصر فى وقعة كانت بينه وبين التتار وهذا أعظم وأطم من الخلع كذا فى حياة الحيوان* بويع بالخلافة بعد موت أبيه الظاهر فى رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة* ولما ولى الخلافة نشر العدل فى الرعايا وبذل الانصاف وقرب أهل العلم والدين وبنى المساجد والربط والمدارس وأقام منار الدين وقمع المتمرّدين ونشر السنن وكف الفتن* قال الذهبى وهو أكبر اخوته فبايعه جميع اخوته وبنو عمه وله اذ ذاك خمس وثلاثون سنة وكان مليح الشكل كأبيه* قال ابن الساعى حضرت بيعته فلما رفعت الستارة شاهدته وقد كمل الله صورته ومعناه كان أبيض بحمرة أزج الحاجبين أدعج العينين سهل الخدّين أقنى رحب الصدر وعليه ثوب أبيض ومئزر أبيض وطرحة قصب بيضاء جلس الى الظهر فبلغنى انّ عدّة الخلع بلغت ثلاثة آلاف خلعة وخمسمائة وسبعين خلعة وفيها مات شيخ الشافعية امام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعى القزوينى مؤلف الشرح الكبير* بقية أخبار التتار وفى سنة أربع وعشرين وستمائة كان المصاف بين التتار وبين جلال الدين خوارزم شاه أقبلوا فى جمع عظيم حتى نزلوا شرقى أصبهان فتأخر هو عن الخروج ثلاثة أيام فذهبت فرق منهم تغير وتنهب فجهز السلطان وراءهم جيشا أخذوا على التتار المضايق فبيتوهم وأسروا منهم* ثم عبى السلطان جيشه وبرز فلما تراآى الجمعان خذله أخوه غياث الدين وفارقه لوحشة حدثت فثغافل السلطان عنه ووقف التتار كراديس متقاربة فردّ السلطان الرجالة وحملت ميمنته على ميسرة التتار فهزمتها وحملت ميسرته على التتار أيضا فرأى السلطان انهزام العدوّ فنزل ليستريح فجاءه أمير والح عليه فى اتباع التتار فركب آخر النهار وساق فلما رأت التتار السواد تجرد جماعة من أبطالهم وكمنوا للسلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وخرجوا بعد المغرب على ميسرة السلطان فطحنوها فقتل عدّة امراء واشتدّ الحرب ووقف السلطان وقد وهن نظامه وتبدد وأحاط به العدوّ فلم يبق معه سوى أربعة عشر فارسا فانهزم على حمية وجاءته طعنة فنجا منها وانهزم جيشه فرقا الى كرمان وتوريز وأمّا ميمنته فساقت وراء التتار تقتل فيهم وعادوا بعد يومين ودخل السلطان جلال الدين الى أصبهان وردت التتار الى خراسان* وفى سنة خمس وعشرين وستمائة التقى خوارزم شاه والتتار بالرى فانهزم ثم عمل مصافا آخر فانهزم أيضا ثم جمع وحشد ثم ضرب مع التتار رأسا فانهزم الجمعان من غير قتال وذلك انّ خوارزم شاه فارقه أخوه وقت المصاف بعسكره فظنت التتار أنه يريد أن يدور من ورائهم فانهزموا وأما هو فلما رأى مفارقة أخيه له وولت التتار ظن انها خديعة ليستدرجوه فتقهقر ولم يقحم عليهم ثم رجعت التتار ونازلت أصبهان فجاء خوارزم شاه وخرق فيهم ودخل أصبهان ثم خرج بالناس والتقى التتار فانهزمت التتار أقبح هزيمة وساق خوارزم شاه وراءهم الى الرى قتلا وأسرا ثم جاء فنازل خلاط مرة ثانية ليملكها وهى للملك الاشرف* وفى سنة ثمان وعشرين وستمائة التقى خوارزم شاه التتار فكسروه وطحنوه وتمزق عسكره وفيها قتل السلطان الكبير جلال الدين خوارزم شاه بن السلطان علاء الدين محمد بن تكش الخوارزمى وكانت دولته ثنتى عشرة سنة مات كهلا وكان أسمر أصفر لانّ أمّه هندية وكان فارسا شجاعا مهيبا حضر حروبا كثيرة وكان سدّا بيننا وبين التتار وكان عسكره مجمعة لا أخباز لهم بل يعيشون من النهب والغارة وفى آخر أمره راح منهزما من وقعة صاحب الروم فسار على فرسه فى تلك الجبال فظفر به كردى فقتله غيلة طعنه بحربة بأخ له كان قد قتلته الخوارزمية وذلك فى نصف شوّال وفى سنة تسع وعشرين وستمائة قصد التتار أذربيجان فتهيأ لحربهم عسكر الخليفة وصاحب اربل الملك المعظم مظفر الدين كوكبرى فردّت التتار* وفى سنة ثلاثين وستمائة حاصر الملك الكامل آمد بالمجانيق وأخذها من صاحبها الملك مسعود مودود الاتابكى وكان فاسقا قال الاشرف وجدنا فى قصره خمسمائة حرّة للفراش من بنات الناس يأخذهنّ قهرا وأخذ منه حصن كيفا ثم استناب السلطان على ذلك ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب* وفى شعبان مات العلامة عز الدين على بن محمد بن محمد بن الاثير الجزرى صاحب التاريخ المسمى بالكامل ومعرفة الصحابة* وفى سنه احدى وثلاثين وستمائة مات بدمشق العلامة المتكلم سيف الدين على بن أبى على الامدى صاحب التصانيف وله ثمانون سنة* وفى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة مات شيخ الصوفية العارف الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردى البكرى ببغداد وله ثلاث وتسعون سنة ومسند أصبهان أبو الوفاء محمود بن ابراهيم بن منده قتل بأصبهان فى خلق عظيم عند دخول التتار اليها بالسيف* وفى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة جاءت التتار الى اربل فالتقاهم عسكرها فقتل طائفة من التتار ثم ساقت التتار الى أعمال الموصل فنهبوا وقتلوا وردّوا فتهيأ المستنصر بالله وانفق أموالا واستخدم خلقا كثيرا وفيها مات قاضى قضاة بغداد عماد الدين أبو صالح نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلى الحنبلى وله سبعون سنة وكان من خيار القضاة دينا وتواضعا وعلما* وفى سنة أربع وثلاثين وستمائة حاصرت التتار اربل وأخذوها وقتلوا أهلها* وفى سنة سبع وثلاثين وستمائة مات الصاحب الوزير ضياء الدين نصر الله بن محمد بن الاثير الجزرى الكاتب مصنف المثل السائر عن ثمانين سنة ومات المستنصر بالله فى العشرين من جمادى الاخرة وقيل يوم الجمعة عاشره سنة أربعين وستمائة عن احدى وخمسين سنة وأربعة اشهر وتسعة أيام وكتم موته وخطب له يومئذ بالجامع حتى جاء الامير شرف الدين اقبال الشرابى الخادم ومعه جمع من الخدام وسلم على ولده المستعصم بالخلافة فاستخلف المستعصم وتم أمره وكانت خلافة المستنصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 تسع عشرة سنة الاشهرا* وفى سيرة مغلطاى فمكث فى الخلافة ست عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما وتوفى سنة أربعين وستمائة فى جمادى الاخرة وهو الذى بنى المستنصرية ببغداد التى لم يبن فى الاسلام مثلها فى كثرة الاوقاف وكثرة ما جعل فيها من الكتب* (خلافة المستعصم بالله أبى أحمد عبد الله بن المستنصر ابن الظاهر بأمر الله محمد أمير المؤمنين الهاشمى العباسى البغدادى) * آخر خلفاء بنى العباس ببغداد وهو السادس فخلع وقتل فى أيام هولاكو أمّه أمّ ولد حبشية بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى جمادى الاخرة سنة أربعين وستمائة وعمره ثلاثون سنة وكان فيه لين وقلة معرفة* وفى سيرة مغلطاى ومكث فى الخلافة خمس عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما وقتله التتار سنة خمسين وستمائة* وفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصلت التتار الى يعقوبا من أعمال بغداد فالتقاهم الديدوان فكسرهم وفيها مات بدمشق العلامة تقى الدين بن الصلاح شيخ الشافعية والامام علم الدين السخاوى شيخ القراء ومسند العصر أبو الحسن على بن الحسين بن المقبرى بمصر وله ثمان وتسعون سنة* وفى سنة خمسين وستمائة مات العلامة رضى الدين بن الحسن بن محمد الصاغانى صاحب التصانيف ببغداد وله ثلاث وسبعون سنة* ظهور النار خارج المدينة المنوّرة وفى سنة أربع وخمسين وستمائة كان ظهور النار خارج مدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم فكانت من الايات الكبرى التى أنذر بها النبىّ صلى الله عليه وسلم بين يدى الساعة ولم يكن لها حرّ على عظمها وشدّة ضوئها ودامت أياما وظنّ أهل المدينة انها الساعة وابتهلوا الى الله بالدعاء والتوبة وتواتر شأن هذه النار* وفى الوفاء ظهرت نار الحجاز التى أنذر بها النبىّ صلى الله عليه وسلم بأرض المدينة واطفأها الله تعالى عند وصولها الى حرم نبينا كما سنوضحه وهذه النار مذكورة فى الصحيحين ولفظ البخارى يخرج نار من أرض الحجاز تضىء منها أعناق الابل ببصرى ولا اشكال فى أنّ المدينة حجازية وظهور النار المذكورة بالمدينة الشريفة قد اشتهر اشتهارا بلغ حد التواتر عند أهل الاخبار وتقدّمها زلازل مهولة وكان ابتداء الزلزلة بالمدينة الشريفة مستهل جمادى الاولى سنة أربع وخمسين وستمائة لكنها كانت خفيفة لم يدركها بعضهم وتكرّرت بعد ذلك واشتدّت فى يوم الثلاثاء على ما حكاه القطب القسطلانى وظهرت ظهورا عظيما اشترك فى ادراكها العامّ والخاص ثم لما كانت ليلة الاربعاء ثالثة الشهر أو رابعته فى الثلث الاخير من الليل حدث بالمدينة زلزلة عظيمة أشفق الناس منها وانزعجت القلوب لهيبتها واستمرّت تزلزل بقية الليل واستمرّت الى يوم الجمعة ولها دوىّ أعظم من دوىّ الرعد فتموّجت الارض وتحركت الجدران حتى وقع فى يوم واحد دون ليلته ثمانى عشرة حركة* قال القرطبى خرجت نار الحجاز بالمدينة وكان بدوّها زلزلة عظيمة فى ليلة الاربعاء بعد الليلة الثالثة من جمادى الاخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرّت الى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت وظهرت بقريظة النار بطرف الحرّة ترى فى صفة البلدة العظيمة عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج وماذن وترى رجال يوقدونها لا تمرّ على جبل الا دكته وأذابته ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وازرق له دوىّ كدوىّ الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهى الى محط الركب العراقى واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم فانتهت النار الى قرب المدينة ومع ذلك كان يأتى الى المدينة نسيم بارد وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر وقال لى بعض أصحابنا رأيتها صاعدة فى الهواء من نحو خمسة أيام وسمعت انها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى ونقل أبو شامة من كتاب الشريف سنان قاضى المدينة الشريفة وغيره أنّ فى ليلة الاربعاء ثالثة جمادى الاخرة حدثت بالمدينة فى الثلث الاخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها وباتت فى تلك الليلة تزلزل ثم استمرّت تزلزل كل يوم وليلة مقدار عشر مرّات وفى كتاب بعضهم أربع عشرة مرّة قال ولقد تزلزلت مرّة ونحن حول الحجرة فاضطرب لها المنبر الى أن سمعنا منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 صوتا للحديد الذى فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف* وزاد القاشانى ثم فى اليوم الثالث وهو يوم الجمعة تزلزلت الارض زلزلة عظيمة الى أن اضطرب منها المسجد وسمع لسقف المسجد صرير عظيم* قال القطب فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلك النار فثار من محل ظهورها فى الجوّ دخان متراكم غشى الافق سواده فلما تراكمت الظلمات وأقبل الليل سطع شعاع النار وظهرت مثل المدينة العظيمة فى جهة المشرق* قال القاضى سنان وطلعت الى الامير وكان عز الدين منيف بن شيخه وقلت له قد أحاط بنا العذاب ارجع الى الله فأعتق كل مماليكه وردّ على الناس مظالمهم زاد القاشانى وأبطل المكس ثم هبط الامير الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وبات فى المسجد ليلة الجمعة وليلة السبت ومعه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار ولم يبق أحد فى النخل الا جاء الى الحرم الشريف وبات الناس يتضرّعون ويبكون وأحاطوا بالحجرة الشريفة كاشفين رؤسهم مقرّين بذنوبهم مبتهلين مستجيرين بنبيهم* قال القطب فصرف الله عنهم تلك النار العظيمة ذات الشمال ونجوا من الاوجال فسارت تلك النار من مخرجها وسال بحر عظيم من النار وأخذت فى وادى أخيليين وأهل المدينة يشاهدونها من دورهم كأنها عندهم ومالت عن مخرجها الى جهة الشمال واستمرّت مدّة ثلاثة أشهر على ما ذكره المؤرّخون قال وهى تسكن مرّة وتظهر أخرى* وذكر القسطلانى عمن يثق به انّ أمير المدينة أرسل عدّة من الفرسان الى هذه النار للاتيان بخبرها فلم تجسر الخيل على القرب منها فترجل أصحابها وقربوا منها فذكروا انها ترمى بشرر كالقصر ولم يظفروا بجلية أمرها فجرّد عزمه للاحاطة بخبرها فذكروا انه وصل منها الى قدر غلوتين بالحجر ولم يستطع أن يجاوز موقفه من حرارة الارض واحجار كالمسامير تحتها نار سارية ومقابله ما يتصاعد من اللهب فعاين نارا كالجبال الراسيات والتلال المجتمعة السائرات تقذف بزبد الاحجار كالبحار المتلاطمة الامواج وعقد لهيبها فى الافق قتاما حتى ظنّ الظانّ انّ الشمس والقمر كسفا اذ سلبا بهجة الاشراق فى الافاق ولولا كفاية الله كفتها لأكلت ما تقدم عليه من الحيوان والنبات والحجر* وذكر الجمال المطرزى بعض ما يخالف هذا فانه قال اخبرنى علم الدين سنجر العزى من عتقاء الامير عز الدين منيف بن شيخه صاحب المدينة قال ارسلنى مولاى الامير عز الدين بعد ظهور النار بأيام ومعى شخص من العرب وقال لنا ونحن فارسان اقربا من هذه النار وانظر اهل يقدر أحد على القرب منها فانّ الناس يهابونها لعظمتها فخرجت أنا وصاحبى الى أن قربنا منها ولم نجد لها حرّا فنزلت عن فرسى وسرت الى أن وصلت اليها وهى تأكل الصخر والحجر فأخذت سهما من كنانتى ومددت به يدى الى أن وصل النصل اليها فلم أجد لذلك ألما ولا حرّا فغرق النصل ولم يحترق العود فأدرت السهم وأدخلت فيها الريش فاحترق الريش ولم تؤثر فى العود وذكر المطرزى قبل ذلك انها كانت تأكل كلما مرّت عليه من جبل وحجر ولا تأكل الشجر قال وظهر لى فى ذلك انه لتحريم النبىّ صلى الله عليه وسلم شجر المدينة فمنعت من أكل شجرها لوجوب طاعته عليه السلام على كل مخلوق* وذكر القسطلانى انّ هذه النار لم تزل مارّة على سبيلها حتى اتصلت بالحرّة ووادى الشظاة وهى تسحق ما والاها وتذيب ما لاقاها من الشجر الاخضر والحصا من قوّة اللظى وانّ طرفها الشرقى أخذ بين الجبال فحالت دونه ثم وقفت وانّ طرفها الشامى وهو الذى يلى الحرم اتصل بجبل يقال له وعر على قرب من شرقى جبل أحد ومضت فى الشظاة الذى فى طرفه وادى حمزة ثم استمرّت حتى استقرّت تجاه حرم النبىّ صلى الله عليه وسلم وأطفئت* قال المطرزى وأخبرنى بعض من أدركها من النساء انهنّ كنّ يغزلن على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت بالمدينة الشريفة* قال القسطلانى انّ ضوأها استولى على ما بطن من القيعان وظهر من التلاع حتى كانّ الحرم النبوى عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 الشمس مشرقة وجملة أماكن المدينة بأنوارها محدقة ودام على ذلك لهبها حتى تأثر له النيران وصار نور الشمس على الارض يعتريه صفرة ولونها من تصاعد الالتهاب يعتريه حمرة والقمر كأنه قد كسف من اضمحلال نوره* وأخبرنى جمع ممن توجه للزيارة على طريق الشام انهم شاهدوا ضوأها على ثلاث مراحل للمجدّ وآخرون انهم شاهدوها من جبال سارية ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان قاضى المدينة انّ هذه النار رؤيت من مكة ومن الفلاة جميعها ورآها أهل الينبع قال أبو شامة وأخبرنى بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدينة انه بلغه انه كتب بتيماء على ضوئها الكتب* وقال المجد الشمس والقمر فى المدّة التى ظهرت فيها ما يطلعان الا كاسفين* قال أبو شامة وظهر عندنا بدمشق أثر ذلك الكسوف من ضعف النور على الحيطان وكنا حيارى فى سبب ذلك الى أن بلغنا الخبر عن هذه النار ويقول فى آخر كلامه وعجائب هذه النار وعظمها يكل عن وصفها اللسان والاقلام وتجل أن يحيط بشرحها البيان والكلام فظهر بظهورها معجزة للنبىّ صلى الله عليه وسلم لوقوع ما أخبر به وهى هذه النار اذ لم يظهر من زمنه قبلها ولا بعدها نار مثلها* قال القسطلانى ان جاء من أخبر برؤيتها ببصرى فلا كلام والا فيحتمل أن يكون ذكر ذلك فى الحديث على وجه المبالغة فى ظهورها أو أنها بحيث ترى وقد جاء من أخبر انه أبصرها بتيماء وبصرى منها مثل ما هى من المدينة فى البعد* وعن القرطبى انه بلغه انها رؤيت من جبال بصرى* قال الشيخ عماد الدين بن كثير اخبرنى قاضى القضاة صدر الدين الحنفى قال اخبرنى والدى الشيخ صفى الدين مدرس مدرسة بصرى انه أخبره غير واحد من الاعراب صبيحة الليلة التى ظهرت فيها هذه النار ممن كان يحاضره ببلد بصرى انهم رأوا صفحات أعناق ابلهم فى ضوء تلك النار فقد تحقق بذلك انها الموعود بها* قال المؤرّخون وكان ظهور هذه النار من صدر واد يقال له وادى أخيليين* وقال البدر بن فرحون انها سالت فى وادى أخيليين وموضعها شرقى المدينة على طريق السوارقية مسيرة من الصبح الى الظهر* وقال القسطلانى ظهرت فى جهة المشرق على مرحلة متوسطة من المدينة فى موضع يقال له قاع الهيلا على قرب من مساكن قريظة شرقى قباء فهى بين قريظة وموضع يقال له أحيليين ثم عرجت واستقبلت الشأم سائلة الى أن وصلت الى موضع يقال له قرين الارنب بقرب من أحد فوقفت وانطفأت وانصرفت* قال المؤرّخون واستمرّت هذه النار مدّة ظهورها تأكل الاحجار والجبال وتسيل سيلا ذريعا فى واد يكون طوله مقدار أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف وهى تجرى على وجه الارض والصخر يذوب حتى يبقى مثل الانك فاذا خمد اسودّ بعد ان كان أحمر ولم يزل يجتمع من هذه الحجارة المذابة فى آخر الوادى عند منتهى الحرّة حتى قطعت فى وسط وادى الشظاة الى جهة جبل وعر فسدّت الوادى المذكور بسد عظيم من الحجر المسبوك بالنار ولا كسدّ ذى القرنين يعجز عن وصفه الواصف ولا مسلك لانسان فيه ولا دابة وهذا من فوائد ارسال هذه النار فان تلك الجهة كثيرا ما يطرق منها المفسدون لكثرة الاعراب بها فسار السلوك الى المدينة متعسرا عليهم جدّا* قال القسطلانى أخبرنى جمع ممن أركن الى قولهم انّ النار تركت على الارض من الحجر ارتفاع رمح طويل على الارض الاصلية* قال المؤرّخون انقطع وادى الشظاة بسبب ذلك وصار السيل اذا سال ينحبس خلف السدّ المذكور حتى يصير بحرا مد البصر عرضا وطولا فانخرق من تحته فى سنة تسعين وستمائة لتكاثر الماء من خلفه فجرى فى الوادى المذكور سنتين كاملتين أما السنة الاولى فكانت ملئ ما بين جانبى الوادى وأما الثانية فدون ذلك ثم انخرق مرّة أخرى فى العشر الاول بعد السبعمائة فجرى سنة كاملة أو أزيد ثم انخرق فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة فى الحجاز فكثر الماء وعلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 من جانبى السدّ ومن دونه مما يلى جبل وعر وتلك النواحى فجاء سيل طام لا يوصف ولو زاد مقدار ذراع فى الارتفاع وصل الى المدينة وكان أهل المدينة يقفون خارج باب البقيع على التل الذى هناك فيشاهدونه ويسمعون خريرا توجل القلوب دونه فسبحان القادر على ما يشاء* ومن العجائب انّ فى السنة التى ظهرت فيها هذه النار احترق المسجد الشريف النبوى بعد انطفائها وسيجىء وزادت دجلة زيادة عظيمة فغرق أكثر بغداد وتهدّمت دار الوزير وكان ذلك انذارا لهم وليتهم اتعظوا* ذكر احتراق المسجد النبوى قال المؤرّخون احترق المسجد النبوى ليلة الجمعة أوّل شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وستمائة فى أوّل الليل ونقل أبو شامة انّ ابتداء حرقه كان من زاويته الغربية من الشمال وسبب ذلك كما ذكره أكثرهم انّ أبا بكر بن أوحد الفراش أحد القوام بالمسجد الشريف دخل الى حاصل المسجد هناك ومعه نار فغفل عنها الى ان علقت فى بعض الالات التى كانت فى الحاصل وأعجزه اطفاؤها ثم احترق الفراش المذكور والحاصل وجميع ما فيه* وقال القسطلانى دخل أحد قومة المسجد فى المخزن الذى فى الجانب الغربى من أخريات المسجد لاستخراج قناديل لمنائر المسجد فاستخرج منها ما احتاج اليه ثم ترك الضوء الذى كان فى يده على قفص من أقفاص القناديل وفيه مشاق فاشتعلت فيه النار وبادر لان يطفئه فغلبته وعلقت بحصر المسجد وبسطه وأقفاص وقصب كان فى المخزن ثم تزايد الالتهاب وتضاعف الى ان علا الى سقف المسجد* وفى العبر للذهبى ان حرقه كان من مسرجة القوّام* قال المؤرّخون ثم دبت النار فى السقف بسرعة آخذة قبلة وأعجزت الناس عن اطفائها بعد أن نزل أمير المدينة واجتمع معه غالب أهل المدينة فلم يقدروا على اطفائها وما كان الا أقل من القليل حتى استولى الحريق على جميع سقف المسجد الشريف واحترق جميعه حتى لم يبق خشبة واحدة سالمة قال القسطلانى وتلف جميع ما احتوى عليه المسجد الشريف من المنبر النبوى والابواب والخزائن والشبابيك والمقاصير والصناديق وما اشتملت عليه من كتب وكسوة الحجرة وكان عليها أحد عشر ستارة* ثم ذكر القطب حكما لذلك وأسرارا ككون تلك الزخارف لم ترضاه عليه السلام وأنشد ابراهيم بن محمد الكنانى رئيس المؤذنين هو وأبوه قال وجد بعد الحريق فى بعض جدران المسجد بيتان وهما شعر لم يحترق حرم النبىّ لريبة ... يخشى عليه وما به من عار لكنه أيدى الروافض لامست ... تلك الرسوم فطهرت بالنار وأوردهما المجد هكذا شعر لم يحترق حرم النبىّ لحادث ... يخشى عليه ولادها والعار لكنما أيدى الروافض لامست ... ذاك الجناب فطهرته النار ولم يسلم سوى القبة التى أحدثها الناصر لدين الله لكونها بوسط صحن المسجد وببركة المصحف الشريف العثمانى وعدة صناديق كبار* ذكر الاحتراق الثانى قال المؤرّخون احترق المسجد النبوى ثانى الاحتراقين أوّل الثلث الاخير من ليلة الثالث عشر من شهر رمضان عام ست وثمانين وثمانمائة وذلك انّ رئيس المؤذنين وصدر المدرسين الشيخ شمس الدين محمد بن الخطيب قام يهلل حينئذ بالمنارة الشرقية اليمانية المعروفة بالرئيسة وصعد المؤذنون بقية المنائر وقد تراكم الغيم فحصل رعد قاصف أيقظ النائمين فسقطت صاعقة أصاب بعضها هلال المنارة المذكورة فسقط شرقى المسجد وله لهب كالنار وانشق رأس المنارة وتوفى الرئيس المذكور لحينه صعقا ففقد صوته من كان على بقية المنائر فنادوه فلم يجب فصعد اليه بعضهم فوجده ميتا وأصاب ما نزل من الصاعقة سقف المسجد الاعلى بين المنارة الرئيسة وقبة الحجرة النبوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 فثقبه ثقبا كالترس وعلقت النار فيه وفى السقف الاسفل ففتح الخادم أبواب المسجد قبل الوقت المعتاد وقبل اسراجه ونودى بالحريق فى المسجد فاجتمع أمير المدينة وأهلها بالمسجد الشريف وصعد أهل النجدة منهم بالمياه لاطفاء النار وقد التهبت سريعا فى السقفين وأخذت لجهة الشمال والمغرب فعجزوا عن اطفائها وكلما حاولوه لم تزدد الا التهابا واشتعالا فحاولوا قطعها بهدم بعض ما أمامها من السقف فسبقتهم لسرعتها وتطبق المسجد بدخان عظيم فخرج غالب من كان به ولم يستطيعوا المكث فكان ذلك سبب سلامتهم وهرب من كان بسطح المسجد الى شماليه ونزلوا بما كان معهم من حبال الدلاء التى استقوا بها الماء لخارج المسجد على الميضأة والبيوت التى هناك وما حول ذلك وسقط بعضهم فهلك ونزل طائفة منهم الى المسجد من الدرج فاحترق بعضهم ولجأبقيتهم الى صحن المسجد مع من حالت النار بينه وبين أبواب المسجد ممن كان اسفل منهم ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن المسكين المعروف بالعوفى فمات بعد أيام لضيق نفسه بسبب الدخان واحترق من الخدام الزينى سند نائب خازندار الحرم ومات جماعة تحت هدم الحريق من الفقراء وسودان المدينة وجملة من مات بسبب ذلك بضع عشرة نفسا وكان سلامة من بقى بالمسجد على خلاف القياس لانّ النار عظمت جدّا حتى صار المسجد كبحر لجىّ من نار ولها زفير وشهيق وألسن تصعد فى الجوّ وصار لهبها يؤثر من بعيد حتى أثرت فى النخلات التى فى صحن المسجد* وفى سنة أربع وخمسين وستمائة خرج الطاغية العنيد مبيد الامم هولاكو فأخذ قلعة الموت من الاسماعيلية وقتلهم وأخرب نواحى الرى وبذلت السيوف على عوائدهم فتوجه الكامل محمد صاحب ميافارقين الى خدمة هولاكو فأعطاه القرمان ثم نزل هولاكو باذربيجان وأخذها* وفى سنة خمس وخمسين وستمائة ثارت فتنة مهولة ببغداد بين السنية والرافضة أدّت الى نهب عظيم وخراب وقتل عدّة من الرافضة فغضب لها وتنمر ابن العلقمى الوزير وجسر التتار على العراق ليشتفى من السنية* وصول هولاكو الى بغداد وفى أوّل سنة ست وخمسين وستمائة وصل الطاغية هولاكو بن تولى بن جنكيزخان المغلى بغداد بجيوشه وبالكرج وبعسكر الموصل فخرج الدويدار بالعسكر فالتقى طلائع هولاكو وعليهم ياجونوس فانكسر المسلمون لقلتهم ثم أقبل ياجونوس فنزل على بغداد من غربيها ونزل هولاكو من شرقيها فقال الوزير ابن العلقمى للخليفة المستعصم بالله انى أخرج الى القاآن الاعظم فى تقرير الصلح فخرج الكلب وتوثق لنفسه ورجع فقال انّ القاآن قد رغب فى أن يزوّج بنته بابنك وأن تكون الطاعة له كالملوك السلجوقية ويرحل عنك فخرج المستعصم فى أعيان دولته وأكابر الوقت ليحضروا العقد فضربت رقاب الجميع وقتلوا الخليفة رفسوه حتى مات ودخلت التتار بغداد واقتسموها وكل أخذ ناحية وبقى السيف يعمل أربعة وثلاثين يوما وقلّ من سلم فبلغت القتلى ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة فعند ذلك نادوا بالامان ثم أمر هولاكو بضرب عنق ياجونوس لكونه كاتب الخليفة وأرسل الى صاحب الشام يهدّده ان لم يخرب أسوار بلاده كذا فى دول الاسلام* وفى تاريخ الجمالى يوسف سبب قتل المستعصم بالله انه لما ولى الخلافة لم يستوثق أمره لانه كان قليل المعرفة بتدبير الملك نازل الهمة مهملا للامور المهمة محبا لجمع المال أهمل أمر هولاكو وانقاد الى وزيره ابن العلقمى حتى كان فى ذلك هلاكه وهلاك الرعية فانّ وزيره ابن العلقمى الرافضى كان كتب كتابا الى هولاكو ملك التتار فى الدشت انك تحضر الى بغداد وانا أسلمها لك وكان قد داحل قلب اللعين الكفر فكتب هولاكو انّ عساكر بغداد كثيرة فان كنت صادقا فيما قلته وداخلا فى طاعتنا فرّق عساكر بغداد ونحن نحضر* فلما وصل كتابه الى الوزير دخل الى المستعصم وقال ان جندك كثيرة وعليك كلفة كبيرة والعدوّ قد رجع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 من بلاد العجم والصواب انك تعطى دستور الخمسة عشر ألفا من عسكرك وتوفر معلومهم فأجابه المستعصم لذلك فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر من الديوان ثم نفاهم من بغداد ومنعهم من الاقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الاولى ومحا اسم عشرين ألفا من الديوان ثم كتب الى هولاكو بما فعل وكان قصد الوزير بمجىء هولاكو أشياء منها انه كان رافضيا خبيثا وأراد أن ينقل الخلافة من بنى العباس الى العلويين فلم يتم له ذلك من عظم شوكة بنى العباس وعساكرهم فافكر أن هولاكو اذا قدم يقتل المستعصم وأتباعه ثم يعود الى حال سبيله وقد زالت شوكة بنى العباس وقد بقى هو على ما كان عليه من العظمة والعساكر وتدبير المملكة فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غير ممانع لضعف العساكر ولقوّته ثم يضع السيف فى أهل السنة فهذا كان قصده لعنه الله* ولما بلغ هولاكو ما فعل الوزير ببغداد ركب وقصدها الى أن نزل عليها وصار المستعصم يستدعى العساكر ويتجهز لحرب هولاكو وقد اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتال هولاكو وخرجوا الى ظاهر بغداد ومشى عليهم هولاكو بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا وصبر كل من الطائفتين صبرا عظيما وكثرت الجراحات والقتلى فى الفريقين الى أن نصر الله تعالى عساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلفهم وأسروا منهم جماعة وعادوا بالاسرى ورؤس القتلى الى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدوّ فأرسل الوزير ابن العلقمى فى تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط الدجلة فخرج ماؤها على عساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقى فرسا يركبها وكان الوزير قد أرسل الى هولاكو يعرّفه بما فعل ويأمره بالرجوع الى بغداد فرجعت عساكر هولاكو الى ظاهر بغداد فلم يجدوا هناك من يردّهم فلما أصبحوا استولوا على بغداد وبذلوا فيها السيف ووقع منهم أمور يطول شرحها والمقصودان هولاكو استولى على بغداد وأخذ المستعصم أسيرا ثم بذل السيف فى المسلمين فلم يرحم شيخا كبير الكبره ولا صغير الصغره* ولما أخذ الخليفة أسيرا هو وولده وأحضر بين يديه أمر به هولاكو فأخرج من بغداد وأنزله بمخيم صغير بظاهر بغداد هو وولده ثم فى عصر ذلك اليوم وضع الخليفة وولده فى عدلين وأمر التتار برفسهما الى أن ماتا فى المحرّم سنة ست وخمسين وستمائة ثم نهبت دار الخلافة ومدينة بغداد حتى لم يبق فيها لا ما قلّ ولا ما جلّ ثم أحرقت بغداد بعد أن قتل اكثر أهلها حتى قيل ان عدّة من قتل فى نوبة هولاكو يزيد على ألفى ألف وثلاثين ألف انسان وانقرضت الخلافة من بغداد بقتل المستعصم هذا وبقيت الدنيا بلا خليفة سنين الى أن أقام الملك الظاهر بيبرس البند قدارى بعض بنى العباس فى الخلافة حسبما يأتى ذكره على سبيل الاختصار* وكانت خلافة المستعصم خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما وتقدير عمره سبع وأربعون سنة وزالت الخلافة من بغداد قال الشاعر خلت المنابر والاسرة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام وأما الوزير العلقمى فلم يتم له ما أراد من أن التتار يبذلون السيف فى أهل السنة فجاء بخلاف ما أراد وبذلوا السيف فى أهل السنة والرافضة كلهم وهو فى منصبه مع الذل والهوان وهو يظهر قوّة النفس والفرح وأنه بلغ مراده فلم يلبث أن أمسكه هولاكو بعد قتل المستعصم بأيام ووبخه بألفاظ شنيعة معناها انه لم يكن له خير فى مخدومه ولا فى دينه فكيف يكون له خير فى هولاكو ثم انه قتله أشرّ قتلة فى أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة الى سقر لا دنيا ولا آخرة* وفى دول الاسلام وهو الوزير المدبر المتبر مؤيد الدين محمد بن محمد بن العلقمى قرّر مع هولاكو أمورا فانعكست عليه وعض يده ندما وبقى يركب اكديشا فنادته عجوز يا ابن العلقمى أهكذا كنت تركب فى أيام المستعصم واستشهد ببغداد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 العلامة استاذ دار الخلافة محيى الدين يوسف بن الجزرى وأولاده وفيها نزل هولاكو على آمد وبعث اليه صاحب ماردين بالتقادم مع ولده الملك المظفر فقبض واشتدّت الاراجيف بقصد التتار الى الشام ونزح الخلق الى مصر فقبض الامير قطن على ابن استاذه الملك المنصور بن المعز وتسلطن ولقب بالملك المظفر ونازلت التتار فى آخر العام حلب ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وستمائة وهولاكو قد عدّى الفرات بجيوشه لمحاصرته حلب فنزلوها ففى اليوم الثامن أخذوا حلب وركبوا السور الخارج ونزلوا فوضعوا السيف يومين وأبادوا الخلق ثم أخذوا قلعة حلب الداخلة بالامان وعصت قلعة دمشق وحاصرتها التتار وبالاخرة نزل أهلها وسكنها نائب التتار وسلموا قلعة بعلبك وأخذوا نابلس وغيرها بالسيف* (خلافة المستنصر بالله أبى العباس أحمد بن الخليفة الظاهر بالله محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضىء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفى محمد العباسى الاسود) * وكانت أمه حبشية وقد تقدّم بقية نسبه وكان بطلا شجاعا قدم مصر وعرفوه وهو عم المستعصم المقتول بويع المستنصر هذا بالخلافة بالقاهرة* وقصته انه كان معتقلا ببغداد فى وقعة التتار ولما حضر الى الديار المصرية فى تاسع شهر رجب ركب السلطان الظاهر بيبرس التركى القفجاقى البندقدارى ثم الصالحى النجمى وخرج الى تلقيه فى موكب عظيم فتلقاه وأكرمه وأنزله بقلعة الجبل وقصد السلطان اثبات نسبه الى العباس وتقريره فى الخلافة لكونها كانت شاغرة من يوم قتل المستعصم من سنة ست وخمسين الى يوم تاريخه فعمل السلطان الموكب وأحضر الامراء والقضاة والعلماء والفقهاء والصالحاء وأعيان الصوفية بقاعة الأعمدة من قلعة الجبل وحضر السلطان وتأدب مع المستنصر وجلس بغير مرتبة ولا كرسى وأمر باحضار العربان الذين حضروا مع المستنصر من العراق فحضروا وحضر طواشى من البغاددة فسألوا منه هذا هو الامام أحمد بن الخليفة الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله فقال نعم وشهد جماعة بالاستفاضة وهم جمال الدين يحيى نائب الحكم بمصر وعلم الدين بن دستق وصدر الدين بن برهوت الجزرى ونجيب الدين الحرانى وسديد الدين البرمينى نائب الحكم بالقاهرة عند قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الاعز فسجل على نفسه بالثبوت فلما ثبت قام قاضى القضاة قائما وأشهد على نفسه بثبوت النسب وبايعه فتمت بيعة المستنصر بالخلافة وكتب السلطان الى النوّاب والملوك بأن يخطبوا باسمه واسم السلطان الظاهر ثم ان الخليفة خلع على السلطان بيبرس خلعته فلبسها السلطان ونزل من القلعة فى موكبه وشق القاهرة وهى فرجية سوداء بتركيبة زركش وعمامة سوداء وطوق من ذهب وسيف بداوى ثم كتب للسلطان تقليدا عظيما فلما تم ذلك كله أخذ السلطان فى تجهيز المستنصر وارساله الى بغداد فرتب له الامير سابق الدين أتابكا والسيد الشريف أحمد أستادارا والامير فتح الدين بن الشهاب خازندارا والامير ناصر الدين صبرم دويدارا وبلبان الشمسى وأحمد بن أيدمر اليعمرى دويدارين أيضا والقاضى كمال الدين السخاوى وزيرا وعين له السلطان خانه وسلاح خزانه ومماليك كبارا وصغارا أربعين نفرا وأمر له بمائة فرس وعشر قطار من الجمال وعشر قطار من البغال وعين له البيوتات على العادة وجهز معه خمسمائة فارس ثم تجهز السلطان أيضا وخرج بعساكره الى دمشق ثم من دمشق جرّد معه الامير بلبان الرشيدى وسنقر الرومى ومعهما طائفة من العساكر المصرية والشامية وأوصاهما أن يوصلا المستنصر الى الفرات ثم ودّع السلطان الخليفة وسافر الخليفة فى ثالث ذى القعدة من سنة تسع وخمسين وستمائة وسار الى أن نزل على الرحبة فلقى عليها الامير على بن خديشة من آل فضل فى أربعمائة فارس فرحلوا فى خدمة الخليفة الى أن نزل مشهد على ثم قصد هيت فاتصل خبره بقرابغا مقدّم التتار ببغداد وبات المستنصر ليلة الاحد ثالث المحرّم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 سنة ستين بجانب الانبار فلما أصبح وصل قرابغا المذكور بمن معه من عساكر التتار فاقتتلوا فانكسر مقدّم التتار ووقع أكثرهم فى الفرات* وكان قرابغا قد أكمن جماعة من عسكره فخرج الكمين وأحاط بعسكر الخليفة فقتلوا عسكر الخليفة ولم ينج منهم الا من طوّل الله فى عمره وأضمرت البلاد الخليفة المستنصر وعدم فى الوقعة ولم يعلم له خبر الى يومنا هذا* وقد اختصر ناقصة المستنصر وبيعته من خوف التطويل* وفى دول الاسلام فى سنة تسع وخمسين وستمائة تجمع فى أوّلها خلق من التتار من الذين بالجزيرة وغيرهم فأغاروا على حلب وساقوا الى حمص عند ما سمعوا بقتل السلطان الذى كسرهم فالتقاهم صاحب حمص الملك الاشرف وصاحب حماة وحسام الدين الجوكندار وعدّتهم ألف وأربعمائة فارس والتتار فى ستة آلاف فحمل المسلمون حملة صادقة فكان لهم النصر ووضعوا السيف فى الكفرة حتى حصدوا أكثرهم وانهزم مقدّمهم بيدو باسوء حال والعجب انه ما قتل من المسلمين سوى رجل واحد* وفى سنة ستين وستمائة فى رمضان أخذت التتار الموصل بعد حصار تسعة أشهر أخذوها بخديعة وطمنوا الناس حتى خربوا السور ثم وضعوا السيف فى الخلق تسعة أيام ثم قتلوا صاحبها الصالح اسمعيل بن بدر الدين لؤلؤ وفيها وقع الحرب بين هولاكو وبين ابن عمه بركه صاحب مملكة القفجاق فانكسر هولاكو وقتلت أبطاله* (خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن محمد بن الحسن بن على الفتى بن الراشد بالله منصور بن المسترشد الفضل بن المستظهر أحمد بن المقتدى عبد الله بن الامير محمد الذخيرة الهاشمى العباسى) * أمير المؤمنين أوّل خلفاء مصر من بنى العباس قدم الى مصر فى يوم الخميس السادس والعشرين من صفر سنة ستين وستمائة فأنزله الظاهر بيبرس الصالحى النجمى البند قدارى بالبرج الكبير من قلعة الجبل ورتب له من الرواتب ما يكفيه فأقام على ذلك الى ثامن المحرّم سنة احدى وستين وستمائة فعقد له الملك الظاهر مجلس البيعة بالايوان من القلعة وحضر الوزير والقضاة والامراء وأرباب الدولة وقرئ نسب الحاكم هذا على قاضى القضاة وشهد عنده جماعة فأثبته ثم مدّ يده فبايعه بالخلافة ثم بايعه السلطان ثم الوزير ثم الاعيان على طبقاتهم وخطب له على المنبر وكتب السلطان الى النوّاب والى ملوك الاقطار أن يخطبوا باسمه ثم أنزله السلطان الى مناظر الكبش فأسكنه بها الى ان مات* وفى دول الاسلام فعند ذلك قلد السلطنة للملك الظاهر ومن الغد خطب الحاكم بأمر الله المذكور خطبة أوّلها الحمد لله الذى أقام لال العباس ركنا وظهيرا* هلاك هولاكو وفى أيامه فى سنة أربع وستين وستمائة مرض طاغية المغول هولاكو بن تولى بن جنكيزخان الذى أباد الامم ببغداد وحلب وكان ذا سطوة وهيبة شديدة وحزم ودهاء وخبرة بالحروب مات على دينه بعلة الصرع بمراغة وبنوا على قبره قبة بقلعة تلا وقام بعده ابنه أبغا وفى رجب سنة خمس وستين وستمائة مات صاحب مملكة القفجاق بركه بن نوشى بن جنكيزخان وقام بعده منكوتمر ابن أخيه* وفى سنة ست وستين وستمائة مات صاحب الروم ركن الدين كيقباد بن السلطان كيخسرو بن كيقباد السلجوقى وكان هو وأبوه من تحت أوامر التتار فقتلوه فى هذه السنة وله نحو من ثلاثين سنة* وفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة مات بالروم الصدر القونوى وببغداد خواجا نصير الطوسى* وفى سنة أربع وسبعين وستمائة نازلت التتار فى ثلاثين ألفا البيرة فكبسهم أهل البيرة وأحرقوا المجانيق فترحلوا بعد حصار تسعة أيام وفى سنة ست وسبعين وستمائة فى رجبها مات شيخ الاسلام شيخ الشافعية القدوة الزاهد العلم محيى الدين يحيى بن شرف الدين النووى وله خمس وأربعون سنة ونصف وله سيرة مفردة فى علومه وتصانيفه ودينه ويقينه وورعه وزهده وقناعته باليسير وتعبده وتهجده وخوفه من الله تعالى وقبره بنوى يزار* وقعة التتار فى حمص وفى سنة ثمانين وستمائة كانت وقعة حمص أقبلت التتار كالسيل وعدّوا الفرات وانجفل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 الخلق وتهيأ السلطان بدمشق فنازل الرحبة ثلاثة آلاف وجاء منكو تمر بن هولاكو بمائة ألف من ناحية حلب وخرج الجيش المنصور مع السلطان المنصور وحضر الى خدمته سنقر الاشقر فاحترمه السلطان وحضر أيدمش السعدى والحاج ازدمر فكان المصاف شمالى حمص فى رجب بكرة الخميس وكان الجيش المنصور يقارب خمسين ألف راكب فاستظهر العدوّ أوّلا وكسروا الميسرة واضطربت الميمنة وثبت السلطان أيده الله بمن حوله من أبطال المسلمين وبقى المصاف الى بعد العصر وثبت الفريقان وكثر القتل وأشرف الاسلام على خطة صعبة ثم تناجى الكبار مثل بيسرى وسنقر الاشقر وعلاء الدين طيبرس وأيدمش السعدى وأمير سلاح بكتاش وطرنطاى المنصورى ونائب الشام لاجين وحملوا على التتار عدّة حملات الى أن جرح منكو تمر فاشتغلت التتار فقيل انّ الجارح له ازدمر ساق وخرق فى التتار الى عند مقدّمهم منكوتمر وطعنه برمحه فاستشهد ازدمر رحمه الله ونزل النصر وركب المسلمون أقفية التتار واستجرّ بهم القتل وبقى السلطان واقفا فى نحو ألف فارس عند الماء وقد رجعت التتار الذين كسروا الميسرة فمرّوا بالسلطان والكوسات تضرب فلما جاوزوه حملت الخاصكية عليهم فانهزموا لا يلوون وذهبت فرقة على سلمية وفرقة على الرستن بأسوء حال ثم نزل السلطان بعد هوىّ من الليل مؤيدا مظفرا ولله المنة وزينت البلاد وعاشت العباد ووصل خبر النصر بكرة بعد أن عاين أهل دمشق من نصف الليل الى بكرة سكرات الموت وتودّعوا من أولادهم وأحبابهم فان عدوّهم كانوا كفارا لا يبقون على مسلم لو ملكوا واستشهد نحو المائتين منهم ازدمر وسيف الدين الرومى وشهاب الدين توتل وناصر الدين الكاملى وعز الدين بن النصرة وهلك متكوتمر من تلك الطعنة ومات أخوه الطاغية أبغا بعد شهرين وكان كافرا سفاكا للدماء مات بهمدان وله نحو من خمسين سنة وتملك بعده أخوه الملك أحمد الذى أسلم* وفيها مات بالموصل الامام شيخ الوقت موفق الدين أحمد بن يوسف الكواشى الزاهد المفسر وله سبعون سنة* وفى أوّل سنة احدى وثمانين وستمائة مات منكو تمر بن هولاكو عاش ثلاثين سنة وكان ذا شجاعة واقدام وكفر نفس وجرآءة على الله وعلى عباده تمرّض من جرحه واعتراه صرع حتى هلك* وفى سنة ثلاث وثمانين وستمائة مات صاحب خراسان والعراق وأذربيجان والروم أحمد بن هولاكو بن تولى بن جنكيزخان وكان قد دخل به الاحمدية النار بين يدى هولاكو فوهبه لهم وسماه أحمد فأسلم وهو صبى وتسلطن بعد أبغا وراسل السلطان الملك المنصور فى الصلح عاش بضعا وعشرين سنة قتله أرغون بن أبغا وملك البلاد بعده* وفيها توفى صاحب حماة الملك المنصور محمد بن الملك المظفر الايوبى وكانت دولته اثنتين وأربعين سنة وأمه هى غازية أخت السلطان الملك الصالح أيوب وتملك بعده ابنه الملك المظفر* وفى سنة سبع وثمانين وستمائة توفى بمصر الزاهد القدوة الشيخ ابراهيم بن معصار الجعبرى وله ثمان وثمانون سنة وشيخ الاطباء علاء الدين على بن أبى الحزم بن النفيس الدمشقى صاحب التصانيف بمصر وكان من أبناء الثمانين* وفى سنة تسعين وستمائة مات أرغون بن أبغا ملك التتار وكان ظلوما غشوما مات على كفره شابا وكان مقداما شجاعا جبارا شديد القوى يصفّ ثلاثة أفراس ويقف الى جنب أوّلها ويطفر فى الهواء فيركب الثالثة وهو والد قازان وخربنده* وفى سنة ثلاث وتسعين وستمائة مات كنجتو بن هولاكو طاغية التتار تسلطن بعد موت أرغون فى سنة تسعين ومالت طائفة الى بيدو ابن أخيه فملكوه ووقع الخلف بينهم ثم قوى بيدو وقاد الجيوش فالتقى الجمعان فقتل كنجتو واستقل بيدو بالممالك فخرج عليه نائب خراسان غارى بن أرغون وجمع الجيوش وطلب الملك* وفى سنة أربع وتسعين وستمائة دخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 ملك التتار غازان بن أرغون فى الاسلام وتلفظ بالشهادتين باشارة نائبه نوروز ونثر الذهب واللؤلؤ على الخلق وكان يوما مشهودا ثم لقنه نوروز شيئا من القرآن ودخل رمضان فصامه وفشا الاسلام فى التتار وفيها توفى شيخ الحرم الحافظ الفقيه محب الدين أحمد بن عبد الله الطبرى مصنف الاحكام عن تسع وسبعين سنة* وفى سنة ثمان وتسعين وستمائة مات ببغداد ياقوت المستعصمى الرومى صاحب الخط البديع* وفى سنة تسع وتسعين وستمائة مات من مشايخ دمشق المسند شرف الدين أحمد بن هبة الله بن عساكر وله خمس وثمانون سنة وشيخ المغرب الواعظ القدوة العارف بالله أبو محمد عبد الله بن محمد المرجانى بتونس* وفى سنة سبعمائة ألبست النصارى واليهود بمصر والشام العمائم الزرق والصفر واستمرّ ذلك* وفى سنة احدى وسبعمائة فى صفر ختق شيخ الحنفية العلامة ركن الدين عبيد الله بن محمد السمرقندى البارسا مدرس الظاهرية وألقى فى بركتها وأخذ ماله ثم ظهر قاتله أنه قيم الظاهرية فشنق على حائطها* وفى ربيع الاوّل ثبت على قاضى ماردين ونقل ثبوته الى قاضى حماة انه وقع هناك برد على صورة حيات وعقارب وطيور ورجال وسباع* وفى ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الاولى سنة احدى وسبعمائة توفى أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسى فى سلطنة الناصر محمد بن قلاوون الثانية ودفن بجوار السيدة نفيسة فى قبة بنيت له وكانت خلافته أربعين سنة وأشهرا وهو أوّل خليفة دفن بمصر من بنى العباس* (خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبى العباس أمير المؤمنين الهاشمى العباسى ثانى خلفاء مصر) * وقد تقدّم بقية نسبه فى ترجمة أبيه الحاكم بويع بالخلافة بعهد من أبيه فى جمادى الاولى سنة احدى وسبعمائة وعمره عشرون سنة وقرئ تقليده بعد عزآء والده وخطب له على المنابر على العادة وسكن مكان والده* وفى سنة اثنتين وسبعمائة مات قاضى القضاة بقية الاعلام تقىّ الدين محمد بن على بن دقيق العيد بالقاهرة وله سبع وسبعون سنة* وفى سنة ثلاث وسبعمائة فى شوّالها مات صاحب العراق غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بقرب همدان مسموما وكان شابا لم يتكهل وتملك بعده أخوه خربنده محمد* وفى سنة خمس عشرة وسبعمائة مات المفتى الاصولى صفىّ الذين محمد بن عبد الرحيم الارموى ثم الهندى بدمشق عن احدى وسبعين سنة وكان شيخ الشيوخ ومدرس الظاهرية وفيها مات صاحب الشرق خربنده بن ارغون بن أبغا المغولى عن بضع وثلاثين سنة وكان قد أظهر الرفض وأمر قبل هلاكه ببذل السيف فى أهل باب الازج لامتناعهم عن اقامة الخطبة على شعار الشيعة فما أمهله الله فمات بهيضة شديدة وملكوا بعده ولده أبا سعيد فأظهر السنة وأقام المستكفى بالله فى الخلافة الى أن سافر فى صحبة الملك الناصر محمد بن قلاوون الى البلاد الشامية فى نوبة غازان ثم رجع وأقام بالقاهرة على عادته الى سنة ست وثلاثين وسبعمائة فتغير الملك الناصر عليه وأمره بسكنى القلعة فسكن بقلعة الجبل أربعة أشهر وسبعة عشر يوما ثم أمره بالنزول الى داره بالكبش فنزل اليها وسكنها على عادته مدّة الى أن بلغ السلطان ما غيره عليه فرسم له يوم السبت ثانى عشر ذى الحجة من سنة ست وثلاثين وسبعمائة بالتوجه الى قوص والسكن بها فسافر وأقام بقوص الى أن مات فى مستهل شعبان سنة احدى وأربعين وسبعمائة وورد الخبر على السلطان بموته وأنه قد عهد لولده أحمد بشهادة أربعين عدلا وأثبت قاضى قوص ذلك فلم يمض الناصر عهده لما كان فى نفسه منه وطلب ابراهيم بن محمد المستمسك بن الحاكم أحمد فى يوم الاثنين ثالث شهر رمضان واجتمع القضاة بدار العدل على العادة فعرّفهم السلطان بما أراد من اقامة ابراهيم المذكور فى الخلافة وأمرهم بمبايعته فأجابوه بعدم أهليته وأن المستكفى قد عهد لولده أحمد واحتجوا بما حكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 به قاضى قوص فكتب السلطان بقدوم أحمد المذكور الى القاهرة وأقام الخطباء بمصر وغيرها نحو أربعة أشهر لا يذكرون فى خطبتهم اسم الخليفة فلما قدم أحمد من قوص لم يمض السلطان عهده وطلب ابراهيم ثانيا وعرّفه قبح سيرته وما سمع عنه فأظهر التوبة منها والتزم سلوك طريق الخير فاستدعى السلطان القضاة وعرفهم انه قد أقام ابراهيم فى الخلافة فأخذ قاضى القضاة عز الدين بن جماعة يعرّفه عدم أهليته فلم يلتفت السلطان الى كلامه وقال له انه قد تاب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فبايعوه ولقب بالواثق وكانت العامة تسميه المستعطى فانه كان قبل ذلك يستعطى من الناس ما ينفقه* واستمرّ ابراهيم فى الخلافة على زعم الملك الناصر الى ان مات الناصر وتسلطن ولده المنصور أبو بكر فى يوم الخميس حادى عشرى ذى الحجة سنة احدى وأربعين وسبعمائة فلما كان يوم السبت سلخ الحجة طلب الملك المنصور القضاة والاعيان واجتمعوا بجامع القلعة للنظر فى أمر أحمد المستكفى فاتفق الامر على خلافة أحمد المذكور بعهد أبيه اليه بمقتضى المكتوب الثابت على قاضى قوص فبويع ولقب بالحاكم بأمر الله على لقب جدّه وكان لقب به فى حياة أبيه* وقد اختلف المؤرّخون فى خلافة ابراهيم هذا فمنهم من عدّه فى الخلفاء لكون السلطان أقامه وبايعه ومنهم من لم يعدّه لكون المستكفى كان عهد لولده أحمد والناظر فى أمرهما بالخيار لما عرفته فان شاء أثبت وان شاء نفى والله أعلم* (خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن المستكفى سليمان) * أمير المؤمنين الهاشمى العباسى المصرى بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه بقوص فى العشرين من شعبان سنة احدى وأربعين وسبعمائة ولما بلغ الناصر محمد بن قلاوون موت المستكفى لم يمض خلافة الحاكم هذا وبايع ابراهيم ولقبه بالواثق بالله فدام ابراهيم على ذلك الى ان مات الناصر وتسلطن بعده ولده المنصور أبو بكر فعزل ابراهيم وبايع الحاكم هذا وقد تقدّم ذلك كله مفصلا فاستمرّ الحاكم فى الخلافة وسكن بالكبش على عادة أبيه وجده الى ان توفى سنة أربع وخمسين وسبعمائة ولم يعهد لاحد وكانت خلافة الحاكم نحو أربع عشرة سنة تخمينا* (خلافة المعتضد بالله أبى بكر بن المستكفى بالله سليمان بن الحاكم) * ولما توفى الحاكم جمع المتولى لتدبير مملكة مصر الامير شيخون العمرى الناصرى الامراء والقضاة وجمع بنى العباس وعقد بسبب الخلافة مجلسا عظيما وتكلموا فيمن يبايع بالخلافة الى أن وقع الاتفاق على أبى بكر بن المستكفى أخى الحاكم بأمر الله المتوفى فى سنة أربع وخمسين وسبعمائة واستمرّ فى الخلافة الى ان توفى بالقاهرة فى ليلة الاربعاء الثامنة عشر من جمادى الاولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وعهد بالخلافة الى ولده المتوكل محمد فكانت مدّة خلافته عشر سنين هكذا أرّخه بدر الدين حسن بن حبيب فى تاريخه المسمى بدرة الاسلاك فى تاريخ الاتراك* (خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بن المعتضد بالله أبى بكر بن المستكفى سليمان) * أمير المؤمنين الهاشمى العباسى المصرى بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه بعهد منه اليه فى سابع جمادى الاخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة والمتوكل هذا تخلف من أولاده لصلبه خمسة خلفاء وهم العباس وداود وسليمان وحمزة ويوسف الاتى ذكرهم فى محلهم وهذا شئ لم يقع لخليفة وأما أربعة فتخلف من بنى عبد الملك بن مروان وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام وأما ثلاثة اخوة فالامين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد والمستنصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل والمقتفى والمقتدر والقاهر بنو المعتضد والراضى والمقتفى والمطيع بنو المقتدر وأما الاخوان فالمقتفى والمسترشد أبناء المستظهر* قال الشيخ عماد الدين بن كثير ودام المتوكل فى الخلافة الى ان خلعه الامير ايبك البدرى فى ثالث شهر ربيع الاوّل سنة تسع وسبعين وسبعمائة واستخلف عوضه زكريا بن ابراهيم ولقب بالمعتصم ثم أعيد المتوكل هذا ثانيا حسبما يذكر وكانت خلافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 المتوكل فى هذه المرة نحو ستة عشر سنة* (خلافة المعتصم بالله أبى يحيى زكريا بن ابراهيم بن الحاكم أحمد ابن محمد بن حسن بن على الفتى) * أمير المؤمنين الهاشمى العباسى المصرى بويع بالخلافة بعد المتوكل وسبب خلافته ان أيبك البدرى لما ملك الديار المصرية بعد قتل الاشرف وقع من المتوكل هذا أمور حقدها عليه أيبك فلما انفرد أيبك بالحكم أمر نفيه الى قوص فخرج المتوكل ثم شفع فيه فعاد الى بيته ثم أصبح أيبك من الغد وهو رابع شهر ربيع الاوّل سنة تسع وسبعين وسبعمائة فاستدعى نجم الدين زكريا ابن ابراهيم المتقدّم ذكره وخلع عليه واستقربه خليفة عوضا عن المتوكل من غير مبايعة ولا خلع المتوكل نفسه ولقب زكريا بالمعتصم ودام فى الخلافة على زعم من يثبت ذلك الى رابع عشرى شهر ربيع الاوّل خلعه أيبك وأعاد المتوكل ثانيا وسببه انه لما كان رابع عشرى الشهر المذكور تكلم الامراء مع أيبك فيما فعله مع المتوكل ورغبوه فى اعادته فأذعن واستدعاه وخلع عليه باعادته الى الخلافة فكانت مدّة خلافته فى هذه المرة شهرا الاعشرة أيام* (خلافة المتوكل على الله فى المرة الثانية) * تقدّم ذكر نسب المتوكل فى خلافته فى المرة الاولى ولما أعيد الى الخلافة طالت أيامه ودام الى ان تسلطن الظاهر برقوق فلما كان شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة قبض عليه برقوق وحبسه بقلعة الحبل وأرسل الظاهر برقوق خلف زكريا الذى كان تخلف فى أيام أيبك فى سلطنة المنصور على بن الاشرف وخلف أخيه عمر وشاور الامراء فى أمرهما ثم وقع اختيارهم على عمر فولاه الخلافة عوضا عن المتوكل هذا ولقبه الواثق بالله ودام المتوكل فى الحفظ بقلعة الجبل الى ان أعيد الى الخلافة ثالث مرّة* (خلافة الواثق بالله أبى حفص عمر بن المعتصم ابراهيم كان ولاه ابن قلاون الخلافة بن المستمسك بالله محمد ومحمد هذا ليس بخليفة ابن الحاكم بأمر الله أحمد الهاشمى العباسى المصرى أمير المؤمنين بويع بالخلافة لما خلع الظاهر برقوق المتوكل حسبما تقدّم ذكره وتم أمره فى الخلافة ودام فيها الى ان مرض ومات فى يوم الاربعاء سابع عشرى شوّال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فكانت خلافته نحو ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأياما ولما توفى كلم الناس الظاهر برقوق فى اعادة المتوكل فلم يقبل وأرسل فأحضر أخاه المعتصم زكريا الذى كان ولاه أيبك تلك الايام اليسيرة وخلع عليه وأقره عوضا عن الواثق* (خلافة المعتصم بالله ابى يحيى زكريا بن المستعصم ابراهيم بن المستمسك بالله) * محمد أمير المؤمنين الهاشمى العباسى تقدّم ان المستمسك بالله لم يكن خليفة بويع بالخلافة ثانيا على قول من أثبت خلافته الاولى بعد موت أخيه الواثق عمر فى آخر شوّال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ودام فى الخلافة فى هذه المرة الى ان خرج الامير تمربغا الافضلى المدعو منطاس والاتابك يلبغا الناصرى اليلبغائى نائب حلب* وفى سنة احدى وتسعين استدرك الملك الظاهر فرطه وما وقع منه فى حق المتوكل فانه كان من يوم خلعه من الخلافة فى سجنه بقلعة الجبل وأرسل بطلبه وخلع عليه باستقراره فى الخلافة على عادته بعد ان حبس فى سنة خمس وثمانين الى هذه السنة وعزل المعتصم زكريا ولزم داره الى أن مات* (خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد) * أعبد الى الخلافة ثالث مرّة فى سنة احدى وتسعين وسبعمائة وسبب اعادته ان الظاهر برقوق كان أفحش فى أمر المتوكل وعزله فلما قوى امر الناصرى ومنطاس أشاعا عن الظاهر بما فعله مع المتوكل بالبلاد الشامية فنفرت القلوب منه لهذا المعنى وغيره فلما بلغه ذلك استشار فى أمره فأشار عليه أكابر دولته بتلافى أمر المتوكل واعادته الى الخلافة ففعل ذلك وأنعم على المتوكل بأشياء كثيرة وأكرمه غاية الاكرام وتصافيا بحيث ان برقوق لما خلع من السلطنة فى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بالمنصور حاجى وصار الناصرى مدبر مملكته ووقع لبرقوق ما وقع من الخلع والحبس بالكرك لم يتكلم فيه المتوكل بكلام قادح بالنسبة الى من تكلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 فى حق برقوق من أصحابه لا من أعدائه لما أيسوا من عوده فلما أعيد الظهر برقوق الى ملكه لم ينقم على المتوكل بشىء فى الظاهر ودام المتوكل فى الخلافة الى ان مات فى الدولة الناصرية فرج بن برقوق فى ليلة الثلاثاء ثامن عشرى رجب سنة ثمان وثمانمائة فكان مجموع خلافته بما كان فيها من الخلع والحبس سنين نحوا من خمس وأربعين سنة تخمينا* (خلافة المستعين بالله أبى الفضل العباس بن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد) * تقدّم بقية نسبه فى تراجم آبائه أمير المؤمنين والسلطان بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى يوم الاثنين مستهل شعبان سنة ثمان وثمانمائة بعهد منه اليه وتم أمره فى الخلافة الى أن سافر الناصر فرج الى البلاد الشامية فى سنة أربع عشرة وثمانمائة لقتال شيخ ونوروز وهى السفرة التى قتل فيها كان المستعين هذا فى صحبته فلما انكسر الناصر من الاميرين ودخل الشام يوم مات الوالد أو قبله بيوم فولى عوض الوالد فى نيابة دمشق دمرداش المحمدى وتجهز لحرب أعدائه فلم ينتج أمره وانكسر ثانيا وحوصر بدمشق وقد استولت الامراء على الخليفة هذا والقضاة وطال الامر بين الامراء والسلطان الناصر فلم يجد الامراء بدّا من خلع الناصر وسلطنة المستعين هذا فتسلطن المذكور بعد مدافعة كثيرة على كره منه* ولما تسلطن المستعين عظم أمره الى أن قتل الناصر فرج وعاد الامير شيخ المحمودى بالمستعين الى الديار المصرية وقد صار نوروز الحافظى نائبا على دمشق وأخذ شيخ يسير مع المستعين على قاعدة الخلفاء لا على قاعدة السلاطين فعظم ذلك على المستعين وكان فى ظنه انه يستبد بالامور فجاء الامر على خلاف ذلك فصار فى قلعة الجبل كالمسجون بها وليس له من الامر شئ وأخذ الامير شيخ فى أسباب السلطنة الى أن تم له ذلك وتسلطن فى يوم الاثنين مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة على كره من المستعين وخلع المستعين من السلطنة من غير أمر موجب لدلك بل بالشوكة فكانت مدّة سلطنة المستعين سبعة أشهر وخمسة أيام وليس له فيها الا مجرّد الاسم فقط واستمرّ فى الخلافة وهو محتفظ به بقلعة الجبل الى ذى الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة فخلعه المؤيد شيخ من الخلافة أيضا بأخيه المعتضد داود وأرسله الى سجن الاسكندرية فسجن بها الى ان أطلقه الاشرف برسباى ورسم له بالسكنى فى الاسكندرية فسكن بها الى ان مات فى يوم الاربعاء العشرين من جمادى الاخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون ولم يبلغ الاربعين ودفن بالاسكندرية وعهد بالخلافة الى ولده يحيى يعنى انه لم يخلع منها بطريق شرعى* (خلافة المعتضد بالله أبى الفتح داود بن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد أمير المؤمنين) * الهاشمى العباسى بويع بالخلافة بعد خلع أخيه المستعين فى يوم الخمس سادس عشر ذى الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة وأقام المعتضد فى الخلافة سنين حتى انه تسلطن فى أيامه عدّة سلاطين وكان فيه كل الخصال الحسنة سيد بنى العباس فى زمانه أهلا للخلافة بلا مدافعة كريما عاقلا حلو المحاضرة يجل طلبة العلم وأهل الادب جيد الفهم له مشاركة فى أشياء كثيرة من الفنون بالذوق والمعرفة وكان يجتهد فى السير على قاعدة الخلفاء مع جلسائه وندمائه فيضعف موجوده عن هذا الامر وربما يحمل الديون بسبب ذلك وكان يحب معاشرة الناس وله أوراد فى كل يوم وتوفى بعد مرض طويل بعد ان عهد الى أخيه سليمان بالخلافة فى يوم الاحد رابع شهر ربيع الاوّل سنة خمس وأربعين وثمانمائة وشهد السلطان الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلى المؤمنى من تحت القلعة ودفن عند آبائه بالمشهد النفيسى خارج القاهرة* (خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان بن المتوكل على الله محمد بن المعتضد أبى بكر بن الحاكم أحمد ابن المستكفى بالله سليمان بن الحاكم أحمد بن محمد بن الحسن بن على الفتى بن الراشد) * الهاشمى العباسى أمير المؤمنين بويع بالخلافة بعد أخيه داود بعهد منه اليه فى العشر الاوّل من شهر ربيع الاوّل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 سنة خمس وأربعين وثمانمائة فأقام فى الخلافة الى أن مات فى يوم الجمعة ثانى المحرّم سنة خمس وخمسين وثمانمائة بعد ان مرض عدّة أيام ولم يعهد لاحد من اخوته ومات وهو فى عشر الستين تخمينا وحضر السلطان جقمق الصلاة عليه بمصلى المؤمنى تحت القلعة وعاد امام جنازته الى المشهد النفيسى ماشيا وتولى حمل نعشه فى بعض الاحيان وكان المستنكفى رئيسا كيسا عاقلا دينا كثير الصمت منعزلا عن الناس قليل الاجتماع بهم لم يسلك طريقة أخيه داود مع ندمائه وأصحابه هذا مع العقل التام والسيرة الحسنة والعفة عن المنكرات* (خلافة القائم بأمر الله أبى البقاء حمزة بن المتوكل على الله محمد أمير المؤمنين الهاشمى العباسى) * رابع الاخوة من أولاد المتوكل بويع بالخلافة بعد موت أخيه المستكفى سليمان من غير عهد وهو انه لما توفى سليمان أجمع رأى السلطان الظاهر جقمق على تولية حمزة المذكور لانه أسنّ من بقى من اخوته وأمثلهم فاستدعاه فى يوم الاثنين خامس المحرّم سنة خمس وخمسين وثمانمائة بالقصر السلطانى من قلعة الجبل وحضر الامراء والقضاة وأعيان الدولة وأجمعوا على بيعة حمزة المذكور فبايعوه ولقب بالقائم بأمر الله واستمرّ القائم فى الخلافة الى أن كانت الفتن وتسلطن الاتابك اينال العلائى ووقع بين الخليفة وبين السلطان هذا أمور يضحك السفهاء منها ويبكى من عواقبها اللبيب فطلب السلطان القائم بأمر الله الى القلعة ووبخه بالكلام فأراد القائم أن يلحن بحجته وكان فى لسانه مسكة تمنعه من الكلام فلم يقف السلطان لجوابه وأمر به فقبض عليه وحبس بالبحرة من قلعة الجبل ثم استدعى السلطان أخاه يوسف من الغد وهو يوم الخميس ثالث شهر رجب سنة تسع وخمسين وثمانمائة وخلع عليه بعد أن حكم القاضى بخلع القائم ودام القائم محتفظا به بقلعة الجبل الى يوم الاثنين سابع شهر رجب رسم السلطان بتوجهه الى سجن الاسكندرية فسار معه جماعة الى ان أوصلوه الى جزيرة أروى وأنزلوه الى النيل من تجاه بولاق التكرور وتوجه الى الاسكندرية فسجن بها الى سنة احدى وستين وثمانمائة أفرج عنه من سجن الاسكندرية ورسم له أن يسكن بها فى بيت كما كان أخوه العباس وأقام به الى أن مات* (خلافة المستنجد بالله أبى المحاسن يوسف بن المتوكل على الله أمير المؤمنين الهاشمى العباسى) * بويع بالخلافة بعد ان خلع الاشرف اينال أخاه القائم حمزة من الخلافة فى يوم الخميس ثالث شهر رجب سنة تسع وخمسين وثمانمائة ونقل القاضى الشافعى علم الدين صالح البلقينى عن علماء مذهبه انّ للسلطان أن يعزل الخليفة ويولى غيره فهذه المندوحة فى خلع القائم حمزة وولاية يوسف المستنجد* قال الشيخ صلاح الدين الصفدى فى شرح لامية العجم قلت* وكذلك العبيديون الذين يسمون بالفاطميين خلفاء مصر فأوّل من ملك منهم بالمغرب المهدى ثم القائم ثم ابنه المنصور ثم المعز وهو أوّل من ملك مصر منهم ثم العزيز ثم كان السادس الحاكم فقتلته أخته وولت ابنه الظاهر ثم المستنصر ثم المستعلى ثم الامر ثم الحافظ ثم كان السادس الظافر فخلع وقتل ثم ولى ابنه الفائز ثم العاضد وهو آخرهم* وكذلك بنو أيوب فى ملك مصر فأوّلهم صلاح الدين الملك الناصر ثم ابنه العزيز ثم أخوه الافضل بن صلاح الدين ثم العادل الكبير أخو صلاح الدين ثم الكامل ولده ثم كان السادس العادل الصغير فقبض عليه أرباب دولته وخلعوه وولى الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم ولده المعظم توران شاه وهو آخرهم* قال وكذلك دولة الاتراك فأوّلهم المعز عز الدين أيبك الصالحى ثم ابنه المنصور ثم المظفر قطز ثم الملك الظاهر بيبرس ثم ابنه السعيد محمد ثم السادس العادل سلامش بن الظاهر بيبرس فخلع وملك السلطان الملك المنصور قلاوون الالفى انتهى* ذكر الخلفاء الفاطميين بالاختصار قال الدميرى قد ذكر دولة العبيديين وغيرهم من ملوك مصر على الاجمال مختصرا وها أنا أذكرهم مفصلا مبينا وذلك ان الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله القدّاح وذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 انه كان يعالج العيون ويقدحها ابن ميمون بن محمد بن اسمعيل بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم قدم الى سلمية قبل وفاته وكان له بها ودائع وأموال من ودائع جدّه عبد الله القداح فاتفق انه جرى بحضرته ذكر النساء فوصفوا له امرأة يهودى حدّاد مات عنها زوجها وهى فى غاية الحسن والجمال ولها منه ولد يماثلها فى الجمال فتزوّجها وأحبها وحسن موضعها منه وأحب ولدها وعلمه فتعلم العلم وصارت له نفس عظيمة وهمة كبيرة وكان الحسين يدعى انه الوصى وصاحب الامر والدعاة باليمن والمغرب يكاتبونه ويراسلونه ولم يكن له ولد فعهد الى ابن اليهودى الحدّاد وهو عبيد الله المهدى أوّل من ولى من العبيديين ونسبتهم اليه وعرّفه أسرار الدعوة من قول وفعل وأين الدعاة وأعطاه الاموال والعلامات وأمر أصحابه بطاعته وخدمته وقال انه الامام الوصى وزوّجه ابنة عمه فوضع حينئذ المهدى لنفسه نسبا وهو عبيد الله بن الحسين بن على بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب وبعض الناس يقول انه من ولد القدّاح فلما توفى الحسين وقام بعهده المهدى انتشرت دعوته وأرسل اليه داعيته بالمغرب يخبره بما فتح الله عليه من البلاد وانهم ينتظرونه فشاع خبره فى الناس أيام المكتفى وطلب فهرب هو وولده أبو القاسم نزار الملقب بالقائم وهو يومئذ غلام ومعهما خاصتهما ومواليهما يريدان المغرب فلما وصلا الى افريقية أحضر الاموال منها واستصحبها معه فوصل الى رفادة فى العشر الاخير من شهر ربيع الاخر سنة سبع وتسعين ومائتين ونزل فى قصر من قصورها وأمر بأن يدعى له فى الخطبة يوم الجمعة فى جميع تلك البلاد ويلقب بأمير المؤمنين المهدى وجلس للدعاة فى يوم الجمعة فأحضروا الناس بالعنف ودعوهم الى مذهبه فمن أجاب أحسن اليه ومن أبى حبسه* فابتداء دولتهم فى سنة سبع وتسعين ومائتين فأوّلهم المهدى عبيد الله ثم ابنه القائم نزار ثم ابنه المنصور اسماعيل ثم ابنه المعز معدّ وهو أوّل من ملك مصر من العبيديين وكان ذلك فى سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة ودعى له فيها يوم الجمعة العشرين من شعبان على المنابر وانقطعت خطبة بنى العباس من مصر والديار المصرية وكان الخليفة اذ ذاك العباسى المطيع لله الفضل بن جعفر* وفى يوم الثلاثاء سادس شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة دخل المعز مصر بعد مضى ساعة من اليوم المذكور* وفى مورد اللطافة دخل المعز الديار المصرية ومعه ألف وخمسمائة جمل موسوقة ذهب عين وكان دخوله اليها فى سنة احدى وستين وثلثمائة وكان قد أرسل قبل ذلك مملوكه الخادم جوهر الصقلبى بجيوش عظيمة الى مصر فملكها جوهر بعد أمور وبنى القاهرة فى سنة ستين وثلثمائة وجوهر المذكور هو صاحب الجامع الازهر وهو من كبار الرافضة الشيعة* ولما ثم بناء القاهرة أرسل جوهر الى المعز فجاء وسكنها وملكها والشام فى رمضان سنة احدى وستين وثلثمائة وكان الخليفة يومئذ ببغداد من بنى العباس أمير المؤمنين المطيع لامر الله فمن حينئذ صار ببغداد وسائر ممالك المشرق الى أعمال الفرات وحلب يخطب فيها باسم خلفاء بنى العباس ومن حلب الى بلاد المغرب يخطب فيها باسم الخلفاء الفاطميين ومن جملة ذلك الحرمان الشريفان وكان المعز أيضا سبابا خبيثا الا انه كان فاضلا عاقلا أديبا حاذقا ممدوحا وفيه عدل للرعية* وتوفى المعز فى شهر ربيع الاخر سنة خمس وستين وثلثمائة وله ست وأربعون سنة وكذا فى حياة الحيوان* ثم انّ العزيز بن المعز ولى الامر بعد أبيه ثم ابنه الحاكم أبو العباس أحمد وهو السادس من العبيديين فقيل انه خرج عشية يوم الاثنين سابع عشر شوّال سنة احدى عشرة وأربعمائة وطاف على عادته فى البلد ثم توجه الى شرقى حلوان ومعه راكبان فردّهما وانتظره الناس الى ثالث ذى القعدة ثم خرجوا فى طلبه فبلغوا ذيل القصر وأمعنوا فى الجبل فشاهدوا حماره على ذروة الجبل مضروب اليد بسيف فتبعوا الاثر فانتهوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 الى بركة هناك ونزل شخص فيها فوجد سبع جبات مزرّرة وفيها أثر السكاكين فلم يشكوا حينئذ فى قتله ثم ابنه الظاهر أبو الحسن ثم ابنه المستعين ثم ابنه المستعلى ثم ابنه الامر ثم الحافظ عبد المجيد بن أبى القاسم محمد بن المستنصر ثم ابنه الظاهر وهو السادس فقتل* ولم يل الخلافة بعده الا اثنان الفائز ثم العاضد عبد الله بن يوسف بن الحافظ* وانقضت دولة العبيديين فى سنة ست أو سبع وستين وخمسمائة وذلك فى أيام المستضىء بنور الله أبى محمد الحسن بن المستنجد العباسى وخلفهم بمصر السلطان السعيد الشهيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وهو أوّل ملوك بنى أيوب بالديار المصرية كذا فى حياة الحيوان* ذكر ملوك الاكراد والاتراك والجراكسة الذين تولوا سلطنة مصر وفى مورد اللطافة أصل بنى أيوب من دوين بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء وبعدها نون وهى فى آخر عمل اذربيجان من جهة ايران وبلاد الكرد وهم أكراد روادية كانوا فى خدمة زنكى بن آق سنقر ثم بعده فى خدمة ولده نور الدين محمود صاحب الشأم وهو الذى أرسلهم الى الديار المصرية ونصبهم فيها* وفى حياة الحيوان ثم بعد صلاح الدين يوسف ابنه الملك العزيز عثمان ثم اخوه الافضل ثم الملك العادل الكبير أبو بكر بن أيوب ثم ابنه الكامل محمد ثم ابنه الملك العادل الصغير وهو السادس فخلع ثم الملك الصالح أيوب بن الكامل ثم ابنه الملك المعظم توران شاه ثم أخوه الاشرف يوسف وهو ابن شجرة الدرّ ثم المعز أيبك وهو أوّل ملوك الترك بالديار المصرية* وقد ذكر من ولى مصر من الاتراك الذين مسهم الرق وهم اثنان وعشرون* أيبك وقطز وبيبرس وقلاوون وكتبغا ولاجين وبيبرس وبرقوق وشيخ وططر وبرسباى وجقمق واينال وخشقدم ويلباى وتمر بغا وقايتباى وقانصوه وطومان باى وجان بلاط وقانصوه الغورى وطومان باى* وسيجىء ذكرهم بهذا الترتيب وفى حياة الحيوان ثم ولى بعد المعز أيبك ابنه المنصور على* وفى مورد اللطافة فى أيام المنصور هذا قدم هولاكو ملك التتار الى بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله ثم ملك حلب والشأم ثم قصد جهة الديار المصرية* وفى أيام المنصور هذا فى سنة خمس وخمسين وستمائة وقع تفريط من الخدّام الذين بحرم النبىّ صلى الله عليه وسلم فاحترق المسجد ثم ظهرت بعد ذلك نار كبرى بالحرّة قريبا من المدينة الشريفة فكانت تخفى بالنهار وتظهر بالليل يراها الناس من مسافة بعيدة ويظهر لها دخان عظيم وأقامت على ذلك أياما كثيرة وقد سبق ذكرها ثم المظفر قطز وهو السادس فقتل بعد ما خرج الى التتار من الديار المصرية والتقاهم بعين جالوت يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وهزمهم أقبح هزيمة انتهى ثم الظاهر بيبرس البندقدارى ثم ابنه السعيد محمد بركه خان ثم أخوه العادل سلامش ثم المنصور قلاوون ثم ابنه الاشرف خليل ثم القاهر وهو السادس أقام نصف يوم وقتل ثم الناصر بن المنصور فخلع مرّة بالعادل كتبغا وخلع نفسه مرّة أخرى فتسلطن مملوك أبيه المظفر بيبرس ثم العادل كتبغا ثم المنصور لاجين والمظفر بيبرس* وفى مورد اللطافة أورد بعد لاجين الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم بيبرس الجاشنكير انتهى والمنصور أبو بكر بن الناصر بن المنصور ثم أخوه الاشرف كحل فخلع ثم قتل وهو السادس ثم أخوهم الناصر أحمد ثم أخوهم الصالح اسماعيل ثم أخوهم الكامل شعبان ثم أخوهم المظفر حاجى ثم أخوهم الملك الناصر حسن ثم أخوهم الملك الصالح صالح وهو السادس فخلع وسجن وأعيد الملك الذى كان قبله وهو الملك الناصر حسن ثم المنصور على بن الصالح ثم الاشرف شعبان بن حسين بن الناصر ثم أخوه الصالح حاجى بن الاشرف ثم الظاهر برقوق* وفى مورد اللطافة وهو السلطان الخامس والعشرون من ملوك الترك والثانى من الجراكسة ان صح انّ بيبرس الجاشنكير كان جاركسيا والا فهو الاوّل* وفى حياة الحيوان ثم أعيد حاجى ولقب المنصور ثم أعيد برقوق ثم ولده الناصر فرج ثم أخوه العزيز ثم أعيد فرج فخلع وقتل ثم الخليفة المستعين بالله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 العباسى ثم الملك المؤيد أبو النصر شيخ ثم ابنه الملك المظفر أحمد فخلع ثم الملك الظاهر ططر ثم ولده الملك الصالح محمد فخلع ثم الملك الاشرف أبو النصر برسباى ثم ابنه الملك العزيز يوسف فخلع ثم الملك الظاهر جقمق ثم ولده الملك المنصور عثمان فخلع ثم الملك الاشرف اينال ثم ولده الملك المؤيد أحمد فخلع ثم الملك الظاهر خشقدم وهو أوّل من ملك الديار المصرية من الاروام ان لم يكن أيبك التركمانى والمنصور لاجين من الاروام والا فهو الثالث منهم كذا فى مورد اللطافة ثم الملك الظاهر يلباى ثم الملك الظاهر تمربغا ثم الملك الاشرف قايتباى كذا فى حياة الحيوان وهو الجاركسى المحمودى الظاهرى* وفى مورد اللطافة وهو الحادى والاربعون من ملوك الترك بالديار المصرية* قال الشيخ مؤرّخ القدس القاضى محب الدين العليمى الحنبلى فى كتاب الاعلام مولده فى سنة ست وعشرين وثمانمائة ودخل الديار المصرية فى سنة ثمان وقيل فى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة فى سلطنة الملك الاشرف برسباى وكان من مماليكه ثم انتقل الى الملك الظاهر جقمق فأعتقه وهو جاركسى الجنس فنسبته بالمحمودى الى جالبه الى مصر الخواجا محمود وبالظاهرى الى معتقه الملك الظاهر جقمق بويع بالسلطنة وجلس على سرير الملك بعد طلوع الشمس بعشر درجات من يوم الاثنين سادس شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بعد خلع تمربغا ووقع فى أيامه وقائع وحوادث* منها انه فى سنة تسع وسبعين ظفر بشهوار الذى كان تغلب على جزء من المملكة بين حلب والروم وأمر به فعلق على باب زويلة ومات من يومه وحج حجتين حجة قبل سلطنته سنة سبع وسبعين وثمانمائة وحجة فى سلطنته سنة أربع وثمانين وثمانمائة ومدّة سلطنته تسع وعشرون سنة وأربعة أشهر وعشرون يوما واجتهد فى أيام سلطنته فى بناء المشاعر العظام فى المواضع الكرام كعمارة مسجد الخيف بمنى ومسجد نمرة بعرفة المعروف بابراهيم الخليل وقبة عرفه والعالمين اللذين تميزت عرفة بهما وسلالم المشعر الحرام بالمزدلفة وعمر بركة خليص وأجرى العين اليها وذلك كله فى سنة أربع وسبعين وثمانمائة* ثم فى السنة التى تليها عمر عين عرفة بعد انقطاعها وعمر سقاية سيدنا العباس وأصلح بئر زمزم والمقام وعلو مصلى الحنفى وجهز فى سنة تسع وسبعين وثمانمائة للمسجد الحرام منبرا عظيما وعين للكعبة كل سنة كسوة وأنشأ بجانب المسجد الحرام عند باب السلام مدرسة وبجانبها رباطا للفقراء يفرّق لهم كل يوم دشيشة وكذا أنشأ بالمدينة النبوية مدرسة وبنى المسجد الشريف بعد الحريق وجدّد المنبر والحجرة ورتب لأهل المدينة من المقيمين فيها والواردين عليها ما يكفيهم من البر والدشيشة* وعمل أيضا ببيت المقدس مدرسة وبصالحية قطيا جامعا وجدّد من جامع عمرو بن العاص بعض جهاته وتوفى فى آخر نهار الاحد قبل المغرب السابع والعشرين من ذى القعدة ودفن فى ضحى يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذى القعدة سنة احدى وتسعمائة من الهجرة النبوية وله خمس وسبعون سنة وكان شيخا طوالا أبيض اللون حسن الشكل منوّر الوجه فصيح اللسان عامله الله باللطف والاحسان* ثم ولى السلطنة بعده ابنه الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباى الجاركسى الابوين كانت أمّه من مشتريات أبيه أخت الظاهر قانصوه الذى ولى السلطنة بعد قتله* قال الشيخ مؤرّخ القدس فى كتاب الاعلام لما مرض والده مرض الموت ومكث أياما واشتدّ مرضه اجتمع أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز يعقوب العباسى والقضاة واركان الدولة من أهل الحل والعقد بقلعة الجبل فبايعوا الملك الناصر محمد بن قايتباى بالسلطنة وهو يومئذ شاب فى سنّ البلوغ ولبس شعار الملك وجلس على السرير يوم السبت السادس والعشرين من ذى القعدة سنة احدى وتسعمائة واستقرّ الامير قانصوه خمسمائة أتابك العساكر ثم فى عشية اليوم الثانى من سلطنته وهو نهار الاحد توفى والده الملك الاشرف قايتباى كما تقدّم واستمرّ الملك الناصر محمد بن قايتباى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 فى السلطنة الى أن وثب عليه الاتابك قانصوه خمسمائة واستدعى الخليفة والقضاة وأثبت عجز الملك الناصر عن السلطنة والقيام بالملك وخلعه فى يوم الاربعاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى سنة اثنتين وتسعمائة وكانت مدّة ملكه فى هذه المرّة الاولى ستة أشهر ويومين وتسلطن الاشرف قانصوه خمسمائة بعد خلع الناصر محمد بن قايتباى ثم فقد قانصوه خمسمائة فى وقعة خان يونس وكانت مدّة سلطنته ثلاثة أيام كما سيجىء* ثم يوم السبت مستهل جمادى الاخرة سنة اثنتين وتسعمائة جدّدت البيعة للناصر محمد بن قايتباى وأعيد الى السلطنة المرة الثانية بعد ثبوت رشده ثم شرع فى المخالطة ومباشرة الاوباش وارتكاب الفواحش فقتل شر قتلة وكان ذلك فى يوم الاربعاء قبل غروب الشمس الخامس والعشرين من ربيع الاوّل سنة أربع وتسعمائة وكانت مدّة سلطنته فى المرة الثانية سنة وستة أشهر ونصف* ومجموع مدّة ولاية الناصر محمد فى المرّتين سنتان وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما وتسلطن الملك الاشرف قانصوه خمسمائة بعد خلع الناصر محمد بن قايتباى* قال الشيخ السخاوى فى كتابه الضوء اللامع قانصوه الاشرفى القايتبايى وأيضا يعرف بخمسمائة ترقى الى ان صار دوادارا ثم رأس العساكر لابن أستاذه الناصر محمد بن قايتباى ثم تولى الاتابكية ثم خالف عليه وخلعه من السلطنة وتسلطن هو مكانه فى يوم الاربعاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى سنة اثنتين وتسعمائة فتحرك العسكر فهرب قانصوه خمسمائة الى غزة ثم فقد فى وقعة خان يونس ولم يعرف موته ولا حياته وكانت مدّة سلطنته ثلاثة أيام ثم جدّدت البيعة للملك الناصر محمد بن قايتباى ثم قتل كما ذكرناه* ثم بعد قتله تولى السلطنة بعده خاله الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه الجاركسى الاشرفى القايتبايى وجلس الخليفة والقضاة بالقلعة وبايعوا الملك الظاهر قانصوه بالسلطنة وقت صلاة الجمعة السابع عشر من ربيع الاوّل سنة أربع وتسعمائة وهو يومئذ شاب له نيف وعشرون سنة واستمرّت سلطنته سنة وثمانية أشهر واثنى عشر يوما وقيل ثمانية أشهر ويومين الى أن وثب الاتابك صهره زوج أخته والدة الملك الناصر محمد وتسلطن واختفى الظاهر قانصوه يوم السبت التاسع والعشرين من ذى القعدة سنة خمس وتسعمائة واستمرّ مختفيا أزيد من نصف شهر فتولى الملك جان بلاط ثم ظفر بالظاهر قانصوه ليلة الاحد فقبض عليه من المكان الذى اختفى فيه وأرسله الى الاسكندرية فقيد وسجن فى البرج وأقام بالاسكندرية سبع عشرة سنة وولد له بها فلما تغيرت دولة الجراكسة وملك الديار المصرية السلطان سليم العثمانى فى أوّل سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة أمر بقتله مع الامراء فقتل صبرا فى الاسكندرية وعمره نحوا من أربعين سنة وكان ابتداء سلطنة جان بلاط يوم الاثنين ثانى ذى الحجة سنة خمس وتسعمائة وكانت مدّة ولايته نصف عام ونصف شهر ويوما واحدا* قال الشيخ مؤرّخ القدس فى كتاب الاعلام كان الملك الاشرف أبو النصر جان بلاط من أعيان مماليك الاشرف قايتباى استقرّ فى السلطنة وجلس على سرير الملك يوم الاثنين ثانى شهر ذى الحجة سنة خمس وتسعمائة بعد مضى ثلاثين درجة من النهار وكانت مدّة ملكه ستة أشهر وستة عشر يوما* ثم تولى السلطنة بعده الملك العادل طومان باى الاشرفى القايتبايى قال الشيخ مؤرّخ القدس فى كتاب الاعلام كان الملك العادل سيف الدين طومان باى الاشرفى من أعيان مماليك الاشرف قايتباى فحضر الخليفة والقضاة وأركان الدولة وبويع بالسلطنة وألبس شعار الملك وجلس على السرير بعد الظهر من يوم السبت ثامن عشر جمادى الاخرة وكانت مدّته من حين تغلبه بالشام أربعة أشهر وخمسة وعشرين يوما ومن حين مبايعته بقلعة الجبل بالديار المصرية ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرين يوما* ثم تولى السلطنة بعده الملك الاشرف أبو النصر سيف الدين قانصوه الغورى الظاهرى الاشرفى* نسبته الى طيقة الغور والى الظاهر خشقدم والى الاشرف قايتباى فانه كان من مماليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الظاهر خشقدم ثم انتقل الى الاشرف قايتباى مولده كان فى حدود الخمسين وثمانمائة تقريبا عما أخبر ولما كان يوم الاثنين مستهل شوّال سنة ست وتسعمائة من الهجرة النبوية حضر قلعة الجبل أمير المؤمنين المستمسك بالله والقضاة الاربعة والامراء وأصحاب الحل والعقد وأجمع رأيهم على سلطنة الدوادار الكبير الامير قانصوه الغورى فبويع بالسلطنة وألبس شعار الملك وجلس على التخت فى اليوم المذكور وهو نهار عيد الفطر ثم بنى فى سلطنته سور جدّة ودائرة الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب ابراهيم وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة وبنى بركة وادى بدر وعدّة خانات وآبار فى طريق الحاج المصرى منها خان فى عقبة أيلة والازلم ومدرسة أنشأها علوسوق الجملون بالقاهرة والتربة المقابلة لها من جهة القبلة مع أوقافها وأنشأ مجرى الماء من مصر العتيقة الى قلعة الجبل وعمر بعض أبراج الاسكندرية* وفى سنة سبع عشرة وتسعمائة توفى السلطان بايزيد صاحب الروم وتسلطن ابنه السلطان سليم فى الروم* وفى سنة عشرين وتسعمائة عزم السلطان سليم على قتال شاه اسمعيل المعروف بالصوفى ولاقاه صبح يوم الاربعاء ثانى شهر رجب بموضع يقال له چالدران من توابع تبريز وهزمه ثم سار بالعساكر المنصورة حتى نزل تبريز وصلى فيها الجمعة وخطب فيها باسم السلطان سليم ثم رجع الى بلاد الروم* وفى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة انتقل ملك مصر الى ملوك بنى عثمان فأوّل من ملكها منهم وهو عاشرهم السلطان سليم ابن السلطان بايزيد بن السلطان محمد وذلك أنه وقعت فتنة بينه وبين صاحب مصر قانصوه الغورى فقصد كل منهم الاخر فى عسكرين عظيمين فالتقيا بموضع يقال له مرج دابق من نواحى حلب شماليها مسافته منها نحو مرحلة وكان المصاف والوقعة يوم الاحد الخامس والعشرين من رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وقيل هذه وقعة ثانية فى الريدانية بمصر بمرج دابق وقيل بل صبح يوم الاثنين تسع وعشرين من ذى الحجة من السنة المذكورة ودام الحرب وصبر الفريقان من أوّل النهار الى ما بين صلاتى الظهر والعصر ثم نزل نصر العثمانية وانهزم الجراكسة وقتل سلطانهم قانصوه الغورى وفتحت البلاد الشامية ثم المصرية وكانت مدّة ولاية الغورى خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسا وعشرين يوما وبعد الوقعة مكث السلطان سليم فى بلاد الشام أشهرا وفى مدة مكثه تسلطن بمصر الملك الصالح طومان باى الجركسى الاشرفى القايتبايى وهو ابن أخى قانصوه الغورى ولقب بالاشرف كعمه وهو السادس والاربعون من ملوك الترك والعشرون من ملوك الجراكسة* ومدّة ولايته ثلاثة أشهر ونصف وبه انقرضت دولة الاتراك والجراكسة فلدولة الاتراك مائتان وسبعون سنة ان كان أوّلهم المعز ايبك التركمانى وأوّل ولايته بمصر فى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ولدولة الجراكسة مائتان وأربع عشرة سنة ان كان أوّلهم السلطان بيبرس الجاشنكير وكانت ولايته فى شوّال سنة ثمان وسبعمائة وان كان أوّلهم السلطان سيف الدين برقوق فتكون مدّتهم مائة وثمانيا وثلاثين سنة وولايته فى رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة* وكان ابتداء سلطنة السلطان سليم فى الديار الشامية والمصرية ثانى يوم حرب قانصوه الغورى مستهل المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة ثم عين الامير مصلح الدين أمير اللحاج فسار بحرا ورفقته كسوة الكعبة المعظمة ثم عاد الحاج برّا وتأخر الامير مصلح الدين لعمارة قبة عالية على مقام الحنفية بالمسجد الحرام وأمر السلطان سليم أيضا بعمارة فى صالحية دمشق على قبر شيخ الصوفية محيى الدين بن العربى نفعنا الله ببركاته ثم توفى السلطان سليم فى الليلة السادسة من شوّال ليلة الجمعة سنة ست وعشرين وتسعمائة وكانت ولادته تقريبا فى سنة خمس وسبعين وثمانمائة* وكانت مدّة ملكه بعد أبيه تسع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام وقيل ثمان سنين وثمانية أشهر وتسعة أيام وملكه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 بالديار المصرية ثلاثة أعوام ثم تولى السلطنة بعده ابنه السلطان سليمان وهو الحادى عشر من ملوك بنى عثمان تسلطن بعد موت أبيه بسبعة أيام يوم الاحد خامس عشر وقيل سابع عشر من شوّال سنة ست وعشرين وتسعمائة فى أوّل القرن العاشر وتسلطن تسعة وأربعين سنة ومدّة عمره خمس وسبعون وتسلطن ولده السلطا سليم سبع سنين وتوفى فى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وتسلطن ولده السلطان مراد خان نصره الله فى التاريخ المذكور والله أعلم بالصواب يقول الفقير الى ربه الصمد مصطفى بن محمد مصحح المطبعة ومنشيها ومطرز أمورها وموشيها الحمد لله ذى العظمة والكبرياء الذى أفاض على العالمين جميع الالاء والنعماء والصلاة والسلام على مركز دائرة الوجود ومطلع أهلة العناية والجود وعلى آله وأصحابه الذين ساروا بسيرته الغرّا ففتحوا البلاد وانقادت لاوامرهم الناس طوعا وقهرا (وبعد) فانّ من أجل ما يتحلى به أهل الفضل والكمال وتنبعث اليه رغبات أرباب المناصب والاعمال فن التاريخ الجليل الغنى فضله عن البرهان والدليل اذ هو من أعظم ما تستمدّ منه العقول السليمه وتستخرج به ما خفى دركه من حل الامور العظيمة وتستضىء بأنواره البصائر ويهتدى به الى سبيل الرشاد التائه الحائر وانما تأخذ كل نفس بقدر الاستعداد فى الامور وعلى حسب ما ألهمها الله من التقوى والفجور كما يشير اليه قول أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرّم الله وجهه رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع ... اذا لم يك مطبوع كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع هذا مع كون ثماره على طرف الثمام لا يحتاج فى اجتنائها الى كبير جدّ واهتمام هنىّ الجنى سهل المقتنى روض بتأرج؟؟؟ من رياحينه الارجاء وتنتشر روائحه الى جميع البلاد والانحاء لا سيما بواسطة فنّ الطبع الجميل فانه الذى تكفل بذلك وهو نعم الكفيل واذا تحلى بنفائس الضبط والتصحيح كان أرغب لطالبه من محاسن الاغيد المليح ولما كان التاريخ الجليل النفيس المشهور بين الانام بالخميس قد ذكر أحوال العالم من ابتداء التكوين وتكلم على كل جيل بما فيه تبصرة لاهل اليقين لا سيما سيرة النبىّ المصطفى وأصحابه الكرام ذوى الوفا فانه جمع فيها كل شارده وبلغ الطالب مقاصده بادرت الى تكثير نسخه بالطبع والتمثيل حتى يعمّ نفعه الحقير والجليل وكنت قد عنيت باصلاح تحريفه واظهار صوابه من تصحيفه وتعديل ما انحرف من مزاج عباراته بمعالجات أخذتها من غضون اشاراته وكتبت على هامشه معانى بعض الالفاظ المحتاجة الى البيان ناقلا لها من القاموس اذ هو المعوّل عليه فى هذا الشان فهاك نسخة عظيمة فاغتنمها فانها أعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 غنيمه قلما يسمح الزمان بمثلها أو تنسج أيدى الايام على نولها ولما رفلت فى ملابس حسن الختام متجلية لعشاقها كالبدر التمام أنشد الشاب الاديب واللبيب النجيب حضرة على بيك فهمى نجل ذى الجناب الرفيع رفاعة بيك فقال تلك الثريا أم ضياء الفرقد ... أم نظم درّ أم سبائك عسجد أم ساطعات زواهر فى أفقنا ... أم يانعات ازاهر للمجتدى أم مبدعات فرائد منظومة ... أم مودعات فوائد المتفرّد فى طبع حسن أسفرت أضواؤه ... عن حسن طبع للخميس الأوحد سعة اطلاع مؤلف حبر لنا ... بث الحوادث بالحديث المسند فكأنّ مرآة الزمان أمامه ... رسمت أشعة ذهنه المتوقد فأتى بتاريخ العصور مرتبا ... لقديمها بالسبق والمتجدّد فله اليد الطولى على من قبله ... وبغيره من بعده لا يهتدى ان قلت مصباح صدقت وان تقل ... شمس المعارف لم تكن بمفند سير الملوك بطيه منشورة ... سنن السلوك يسومه من يقتدى فالفضل كسبىّ بطول تجارب ... والطبع وهبىّ لحبر أمجد طبع سما بسنا مطالع حسنه ... وحلا بمرواه صفاء المورد فى بدئه تسمو براعة مطلع ... وبختمه حسن التخلص يبتدى من رام طبع الحسن فى تاريخه ... يجد الخميس بحسن طبع مفرد 17 741 120 81 324 1283 وكان تمام طبعه وظهور نوره وينعه بالمطبعة الوهبية الكائنة بباب الشعرية أحد الاخطاط المصرية فى أواخر رجب الفرد لسنة ثلاث وثمانين بعد المائتين والالف من هجرة من خلق على أكمل وصف عليه أنمى صلاة وأزكى سلام وعلى آله وأصحابه الكرام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 * (فهرست الجزء الثانى من تاريخ الخميس) * صحيفه 2 الموطن السادس فى وقائع السنة السادسة من الهجرة 2 سرية محمد بن مسلمة الى القرطا 3 قصة ثمامة بن أثال الحنفى 3 كسوف الشمس 3 غزوة بنى لحيان 4 زيارة النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمه 5 غزوة الغابة وتعرف بذى قرد 9 سرية عكاشة الى غمر مرزوق 9 سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة 9 سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم 9 سرية زيد أيضا الى العيص 9 سرية زيد الى الطرف 9 سرية زيد الى حسمى 10 سرية كرز الى العرنيين 11 سرية زيد الى وادى القرى 11 سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل 12 بعث على بن أبى طالب الى بنى سعد 12 بعث زيد الى أم قرفة 12 سرية عبد الله بن عتيك الى قتل أبى رافع 14 حديث الاستسقاء 15 سرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى 15 سرية زيد بن حارثة الى مدين 16 غزوة الحديبية 20 ذكر بيعة الرضوان 25 بيان حكم الظهار 26 وفاة أم رومان أم عائشة رضى الله عنها 26 تحريم الخمر 27 ذكر الحشيشة وأشباهها 28 مضار الحشيشة 28 صفة الميسر صحيفه 29 الموطن السابع فى وقائع السنة السابعة من الهجرة 29 ذكر اتخاذ الخاتم 29 ارسال الرسل الى الملوك 30 كتابه عليه السلام الى النجاشى 30 كتاب النجاشى اليه عليه السلام 31 كتاب النبى الى قيصر 33 صورة كتاب النبى الى هرقل 34 كتاب النبى الى كسرى 37 كتاب النبى الى المقوقس 38 كتاب النبى الى الحارث الغسانى 39 كتاب النبى الى ثمامة وهوذة الحنفيين 40 سحر النبى صلى الله عليه وسلم 41 سرية أبان بن سعيد قبل نجد 41 اسلام أبى هريرة 42 قصة جراب أبى هريرة 43 غزوة خيبر 52 سم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشاة 55 قسمة غنائم خيبر 56 استصفاء صفية 58 فتح فدك 58 طلوع الشمس بعد غروبها لعلى رضى الله عنه 58 فتح وادى القرى 59 نوم الرسول عن صلاة الصبح 59 بناء الرسول عليه السلام بأم حبيبة 60 سرية عمر بن الخطاب الى تربة 60 سرية بشر بن سعد الى بنى مرّة 61 بعث غالب الليثى الى الميفعة 61 سر بشر بن سعد الى يمن وجبار 61 سرية ابن عمر الى قبل نجد 61 كتابه الى جبلة بن الايهم 61 قتل شيرويه أباه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 صحيفه 61 هدية المقوقس 62 الكلام فى عمرة القضاء 64 تزوّجه عليه السلام بميمونة رضى الله عنها 65 الموطن الثامن فى وقائع السنة الثامنة من الهجرة 65 اسلام خالد وعمرو بن العاص وعثمان الحجبى 67 بعث غالب بن عبد الله الى فدك 68 اتخاذ المنبر 69 حنين الجذع 70 أوّل قود فى الاسلام 70 سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر 70 سرية كعب بن عمير الى ذات اطلاح 70 سرية مؤتة 73 ذكر زيد بن حارثة 74 ذكر جعفر بن أبى طالب 75 سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل 75 سرية أبى عبيدة الى سيف البحر 76 سرية أبى قتادة الانصارى الى خضرة 76 سرية أبى قتادة الى بطن اضم 76 سرية عبد الله بن أبى حدرج الى الغابة 77 غزوة فتح مكة 85 ذكر الاصنام التى كانت فى البيت 90 ذكر الرجال الاحد عشر الذين أهدر دمهم يوم فتح مكة الاوّل عبد الله بن خطل 90 الثانى عبد الله بن سعد بن أبى سرح 91 الثالث عكرمة بن أبى جهل 92 الرابع حويرث بن نقيد 92 الخامس المقيس بن صبابة الكندى 93 السادس هبار بن الاسود 93 السابع صفوان بن أمية 94 الثامن حارث بن طلاطلة 94 التاسع كعب بن زهير 94 العاشر وحشى بن حرب صحيفه 94 الحادى عشر عبد الله بن زبعرى 94 ذكر النساء اللاتى أهدر النبىّ دماءهنّ يوم الفتح أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان 94 الثانية والثالثة قريبة والفرتنا الرابعة مولاة بنى خطل والخامسة مولاة بنى عبد المطلب 95 السادسة أم سعد أرنب 95 اسلام أبى قحافة والد أبى بكر 95 اسلام حكيم بن حزام 95 سرية خالد بن الوليد الى العزى 95 ذكر منشأ اتخاذ الاصنام 96 بعث عمرو بن العاص الى سواع 97 بعث سعد بن زيد الى مناة 97 بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة 99 غزوة حنين 107 سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس 109 سرية الطفيل بن عامر الى ذى الكفين 109 غزوة الطائف 113 اسلام مالك بن عوف 116 بعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد 116 بعث العلاء الحضرمى الى ملك البحرين 117 اسلام عروة بن مسعود 117 تزوّجه عليه السلام بمليكة الكندية 118 ولادة ابراهيم من مارية القبطية 118 الموطن التاسع فى حوادث السنة التاسعة من الهجرة 118 بعث عيينة بن حصن الى بنى تميم 119 بعث الوليد بن عقبة الى بنى المصطلق 120 بعث قطبة بن عامر الى خثعم 120 بعث الضحاك بن سفيان الكلابى الى بنى كلاب 120 بعث علقمة بن مجزز الى الحبشة 120 بعث على بن أبى طالب الى الفلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 صحيفه 121 اسلام كعب بن زهير 121 تتابع الوفود 122 هجره صلى الله عليه وسلم نساءه 122 غزوة تبوك 128 سرية خالد بن الوليد الى اكيدر 129 موت عبد الله ذى البجادين 130 هدم مسجد الضرار 131 قصة كعب بن مالك 133 قصة اللعان 134 اسلام ثقيف 137 هدم اللات 138 كتاب ملوك حمير 139 رجم الغامدية 139 وفاة النجاشى 140 وفاة أم كلثوم 140 وفاة ابن سلول 141 حج أبى بكر بالناس 142 الموطن العاشر فى حوادث السنة العاشرة من الهجرة 142 بعث أبى موسى الاشعرى الى اليمن 142 ذكر معاذ بن جبل 142 وصيته عليه السلام لمعاذ 143 ذكر أبى موسى الاشعرى 144 بعث خالد بن الوليد الى عبد المدان بنجران 144 بعث على بن أبى طالب الى اليمن 145 بعث جرير بن عبد الله الى ذى الكلاع 146 بعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى أهل نجران 146 قصة بديل وتميم الدارى 146 وفاة ابراهيم ابن رسول الله عليه السلام 146 كسوف الشمس 147 طلوع جبريل مجلس النبى فى صورة رجل 147 قدوم فيروز الديلمى الى المدينة 148 حجة الوداع 150 نفيسة صحيفه 153 اتيان الصبى وتكلمه بين يدى النبىّ يوم ولد 153 موت باذان 153 نزول آية الاستئذان 154 الموطن الحادى عشر فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة 154 استغفاره عليه السلام لاهل البقيع 154 سرية أسامة بن زيد الى أهل ابنى 155 ظهور الاسود العنسى 157 قتل الاسود العنسى 157 قصة مسيلمة الكذاب 159 قصة سجاح 160 قصة طليحة بن خويلد 160 ابتداء مرضه عليه السلام 162 اسراره عليه السلام الى فاطمة 166 ذكر سنه عليه السلام 166 ذكر وقت موته عليه السلام 167 ذكر بيعة أبى بكر رضى الله عنه 170 ذكر غسله عليه السلام 171 ذكر تكفينه عليه السلام 171 ذكر الصلاة عليه عليه السلام 171 ذكر قبره عليه السلام 172 ذكر وقت دفنه عليه السلام 172 ذكر الندب عليه صلى الله عليه وسلم 173 ذكر ميراثه وتركته وحكمه فيها 174 ذكر رؤيته عليه السلام فى المنام 174 ذكر زيارته وسائر المشاهد بالمدينة 177 الفصل الاوّل من الخاتمة 177 ذكر خدمه عليه السلام 178 ذكر مواليه عليه السلام 180 ذكر مولياته عليه السلام 181 ذكر امرائه عليه السلام 181 ذكر كتابه عليه السلام 182 ذكر رسله عليه السلام 183 قضاته ومؤذنوه عليه السلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 صحيفه 184 شعراؤه عليه السلام 184 خيله ودوابه عليه السلام 186 بغاله عليه السلام 187 حميره عليه السلام 187 غريبة 187 ابله عليه السلام 188 أسلحته عليه السلام 189 أدراعه عليه السلام 189 رماحه وأقواسه وأتراسه ورايانه عليه السلام 190 لباسه وثيابه عليه السلام 192 وفوده عليه السلام 197 وفد صداء 197 وفد سلامان 197 وفد الازد 198 رؤيا زرارة 198 وفد بجيلة 199 الفصل الثانى فى ذكر الخلفاء الراشدين وخلفاء بنى أمية والعباسيين 199 ذكر صفة أبى بكر رضى الله عنه 199 ذكر خلافته رضى الله عنه 201 ذكر بدء ردّة الاعراب 205 ذكر وصية أبى بكر لخالد بن الوليد 205 ذكر مسير خالد الى بزاخة 208 رجوع بنى عامر وغيرهم الى الاسلام 211 ذكر تقديم خالد الطلائع امامه 220 قصة زرقاء اليمامة 221 بعث أبى بكر العلاء الحضرمى الى البجرين 222 ذكر غزو الشام 225 كتاب أبى عبيدة الى أبى بكر 227 مكالمة عمرو بن العاص مع أبى بكر 228 أوّل وقعة فى الشام 229 توجه خالد بن الوليد من العراق الى الشام 230 كيفية سلوك خالد فى القفار صحيفه 231 كتاب خالد الى آبى عبيدة 231 اغارة خالد على بنى تغلب 232 عدّة الجيش الذى دخل الشام مع خالد 233 ذكر وقعة اجنادين 235 كتاب خالد بالفتح الى أبى بكر رضى الله عنهما 235 وقعة مرج الصفر 236 ذكر مرض أبى بكر ووفاته رضى الله عنه 237 ذكر أولاد أبى بكر رضى الله عنه 238 ذكر مقتل محمد بن أبى بكر 239 ذكر عمر بن الخطاب رضى الله عنه 240 صفة عمر رضى الله عنه 240 ذكر خلافة عمر رضى الله عنه 242 ذكر كتابه وقضاته وامرائه 242 ذكر قصة النيل 243 كرامة فى نداء عمر لسارية وهو على المنبر 244 صفة أبى عبيدة بن الجرّاح 245 ترجمة بلال رضى الله عنه 246 ترجمة ابن أم مكتوم 247 ترجمة خالد بن الوليد رضى الله عنه 247 ذكر الخبر عن آخر أمر عمر ووفاته رضى الله عنه 248 ذكر مقتله رضى الله عنه 250 ذكر أولاد عمر رضى الله عنه 252 قصة عبد الرحمن بن عمر وهو المجلود فى الحدّ 254 ذكر عثمان بن عفان 254 صفة عثمان 254 ذكر خلافة عثمان رضى الله عنه 255 ذكر كاتبه وقاضيه وأميره 257 ترجمة عبد الرحمن بن عوف 257 ترجمة العباس عم النبى 257 ترجمة عبد الله بن مسعود 258 ترجمة أبى ذر الغفارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 صحيفه 258 ذكر مقتل عثمان رضى الله عنه 264 ذكر تاريخ قتل عثمان رضى الله عنه 264 ذكر دفنه رضى الله عنه 265 ذكر شهود الملائكة عثمان 265 ذكر مدّة خلافته 266 ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه بحسب الامكان 274 ذكر ولد عثمان رضى الله عنه 275 ذكر على بن أبى طالب رضى الله عنه 275 ذكر صفته رضى الله عنه 276 ذكر خلافة على رضى الله عنه 278 ذكر من توفى فى خلافة على من مشاهير الصحابة 279 ذكر مقتل على رضى الله عنه 280 ذكر قاتله وما حمله على قتله 282 ذكر موضع دفنه 283 ذكر أولاد على رضى الله عنه 286 ذكر الائمة الاثنى عشر 289 ذكر خلافة الحسن بن على رضى الله عنهما 289 ترجمة الاشعث بن قيس الكندى 291 فائدة غريبة 291 ذكر خلافة معاوية بن أبى سفيان 292 وفاة عمرو بن العاص 292 ذكر وفاة الحسن بن على 293 ذكر وصيته لاخيه الحسين 293 ذكر أولاد الحسن 294 ذكر من توفى من كبار الصحابة فى زمن الحسن 296 ذكر وفاة معاوية وموضع قبره 297 ذكر أولاده وقضاته وأمرائه 297 ذكر خلافة يزيد بن معاوية 297 ذكر مقتل الحسين بن على رضى الله عنهما 299 ذكر سنّ الحسين بن على رضى الله عنهما 300 ذكر أولاد الحسين 300 ذكر وفاة يزيد ومدفنه وذكر أولاده صحيفه 301 ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية 301 ذكر خلافة عبد الله بن الزبير 304 ذكر مقتل ابن الزبير 306 ذكر أولاد عبد الله بن الزبير 306 ذكر خلافة مروان بن الحكم 308 ذكر خلافة عبد الملك بن مروان 309 وفاة عبد الله بن عباس 309 هدم قصر الامارة بالكوفة 310 أوّل ضرب الدنانير فى الاسلام 311 ذكر وفاة عبد الملك بن مروان 311 ذكر خلافة الوليد بن عبد الملك 312 غريبة 313 آخر من مات من الصحابة 314 ذكر وفاة الوليد 314 ذكر خلافة سليمان بن عبد الملك 314 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة سليمان بن عبد الملك 315 ذكر وفاة سليمان بن عبد الملك 315 ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز 317 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة عمر بن عبد العزيز 317 ذكر وفاة عمر بن عبد العزيز 318 ذكر خلافة يزيد بن عبد الملك 318 ذكر من مات من المشاهير فى خلافته 318 ذكر خلافة هشام بن عبد الملك 319 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة هشام ابن عبد الملك 320 خلافة الوليد الزنديق بن يزيد 321 ذكر خلافة يزيد بن الوليد 321 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة يزيد ابن الوليد 322 ذكر خلافة ابراهيم بن الوليد 322 ذكر خلافة مروان الحمار آخر خلفاء بنى أمية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 صحيفه 322 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة مروان الحمار 323 ملخص أخبار بنى أمية 324 ذكر دولة بنى العباس وخلافة السفاح 324 ذكر خلافة أبى جعفر المنصور 325 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة أبى جعفر المنصور 325 سبب بناء بغداد 326 ترجمة الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان 329 وفاة المنصور 329 ذكر خلافة المهدى أبى عبد الله محمد 330 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المهدى 330 ظهور عطاء المقنع الساحر 331 ذكر خلافة موسى الهادى 331 ذكر خلافة هارون الرشيد 332 ترجمة الامام مالك وذكر من مات من المشاهير فى خلافة هارون الرشيد 333 ذكر خلافة الامين محمد بن الرشيد هارون 333 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الامين 334 ذكر خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد هارون 334 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المأمون 335 ترجمة الامام الشافعى محمد بن ادريس 336 ذكر خلافة المعتصم محمد بن الرشيد هارون 337 خلافة الواثق بالله هارون بن المعتصم 337 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الواثق بالله 337 خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم 338 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المتوكل على الله 339 خلافة المنتصر بالله محمد بن المتوكل صحيفه 340 خلافة المستعين بالله أحمد بن المعتصم 340 خلافة المعتز بالله محمد 341 خلافة المهتدى بالله محمد 342 وفاة حافظ العصر البخارى 342 خلافة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل 343 خلافة المعتضد بالله أبى العباس أحمد 345 خلافة المكتفى بالله على بن المعتضد 345 خلافة المقتدر بالله أبى الفضل جعفر 346 خلافة عبد الله بن المعتز 346 خلافة المقتدر بالله فى المرّة الثانية 347 ترجمة حسين بن منصور الحلاج 349 خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد 349 خلافة المقتدر بالله ثالث مرّة 350 قلع الحجر الاسود من الكعبة ونقله الى هجر 351 خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد 351 خلافة الراضى بالله أبى العباس محمد 352 خلافة المتقى لله أبى اسحاق ابراهيم 353 خلافة المستكفى بالله أبى القاسم عبد الله 353 خلافة المطيع لله أبى القاسم الفضل 353 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المطيع لله 354 خلافة الطائع لله أبى بكر عبد الكريم 355 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الطائع لله 355 غريبة 355 خلافة القادر بالله أبى العباس أحمد 356 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة القادر بالله 357 خلافة القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله 357 ذكر من مات من المشاهير فى خلافته وما وقع من الغرائب فى زمنه 359 خلافة المقتدى بأمر الله 359 ذكر من مات من المشاهير فى خلافته 360 خلافة المستظهر بالله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 صحيفه 360 ذكر من مات من المشاهير فى زمنه 360 عجيبة فى ذكر صبية عمياء تتكلم على أسرار الناس 361 خلافة المسترشد بالله 362 خلافة الراشد بالله 362 خلافة المقتفى لامر الله 363 خلافة المستنجد بالله 363 سبب حفر الخندق حول الحجرة النبوية 366 خلافة المستضئ بالله 366 خلافة الناصر لدين الله 367 وقعة خوارزم شاه مع التتار وابتداء ظهورهم 369 خلافة الظاهر بأمر الله 370 خلافة المستنصر بالله 370 بقية أخبار التتار 372 خلافة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسية ببغداد 372 ظهور النار خارج المدينة المنوّرة 375 ذكر احتراق المسجد النبوى 375 ذكر الاحتراق الثانى 376 وصول هولاكو الى بغداد 378 خلافة المستنصر بالله أبى العباس أحمد صحيفه 379 خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد أوّل خلفاء العباسية بمصر 379 هلاك هولاكو 379 وقعة التتار فى حمص 381 خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان 382 خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد 382 خلافة المعتضد بالله أبى بكر 382 خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد 383 خلافة المعتصم بالله أبى يحيى زكريا 383 خلافة الواثق بالله أبى حفص عمر 383 خلافة المعتصم بالله أبى يحيى زكريا ثانى مرّة 383 خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد 384 خلافة المستعين بالله أبى الفضل العباس 384 خلافة المعتضد بالله أبى الفتح داود 384 خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان 385 خلافة القائم بأمر الله أبى البقاء حمزة 385 خلافة المستنجد بالله أبى المحاسن يوسف 385 ذكر الخلفاء الفاطميين بالاختصار 387 ذكر ملوك الاكراد والاتراك والجراكسة الذين تولوا سلطنة مصر تم فهرست الجزء الثانى من تاريخ الخميس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399