الكتاب: الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المؤلف: أحمد عجاج كرمى (المتوفي: معاصر) الناشر: دار السلام - القاهرة الطبعة: الأولى، 1427 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحمد عجاج كرمى الكتاب: الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المؤلف: أحمد عجاج كرمى (المتوفي: معاصر) الناشر: دار السلام - القاهرة الطبعة: الأولى، 1427 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] شكر وتقدير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بعد أن منّ الله عز وجلّ عليّ بالانتهاء من إعداد هذا البحث أتوجه بجزيل الشكر، وخالص الوفاء، ووافر الامتنان، إلى أستاذي الفاضل الدكتور صالح درادكة الذي كان لتوجيهاته وإرشاداته النافعة أثر كبير في خروج هذا البحث بثوبه الحالي، فبارك الله في علمه، وجزاه عني خير الجزاء. كما أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل الدكتور محمد ذنيبات من قسم الإدارة العامة، لملاحظاته القيمة التي وجهت البحث من الناحية الإدارية، وكذلك أشكر الإخوة والأصدقاء على تعاونهم وتشجيعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 المختصرات والرموز لقد أشير للمصادر والمراجع في الهوامش على النحو التالي: 1- عندما يرد المصدر أو المرجع لأول مرة تذكر المعلومات كاملة عن المؤلف، وعن الكتاب، ثم يحال عليه بعد ذلك. مثال: الطبري، محمد بن جرير (ت 310 هـ) تاريخ الأمم والملوك، بيروت، دار سويدان، د. ت، ج 2، ص 57، سيشار إليه (الطبري، تاريخ) . 2- في حالة استعمال مصدر مخطوط يذكر اسم المؤلف واسم الكتاب، ومكان وجود المخطوط، ورقم الشريط إن وجد. مثال: الجزائرلي، محمد بن محمود بن حسين (ت 1216 هـ) . اختصار السعي المحمود في نظام الجنود (مخطوط) مصور في الجامعة الأردنية، رقم الشريط (12) . 3- استعملت الرموز والمصطلحات التالية: م: مجلد. ج: جزء. ق: قسم. ص: صفحة. ت: توفى. م. ن: المصدر نفسه. ر. ن: المرجع نفسه. د. ت: دون تاريخ (أي أن تاريخ النشر غير مذكور) . د. ن: دون ناشر (أي أن مكان النشر أو اسم الناشر غير مذكور) . ق. هـ: قبل الهجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 المحتويات مقدمة 7 تمهيد 15 الفصل الأول: «الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام» 25 مفهوم مصطلح الإدارة 27 الإدارة في القبيلة العربية 29 الإدارة في مكة 35 الإدارة في يثرب 50 الفصل الثاني: «إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة» 57 إدارة الدعوة الإسلامية في مكة قبل الهجرة 59 إدارة الدعوة الإسلامية في يثرب قبل الهجرة 69 ملامح الإدارة في الهجرة النبوية 73 إجراات الرسول صلّى الله عليه وسلم الإدارية في المدينة بعد الهجرة 76 الفصل الثالث: «التنظيم الإداري للدولة» 91 إدارة البلدان وتقسيماتها الإدارية 93 الإدارة الدينية 112 الكتابة والكتاب 118 إدارة العلاقات العامة (الدبلوماسية الإسلامية) 128 الفصل الرابع: «الإدارة المالية» 143 إدارة المال حتى قيام الدولة 145 إيرادات الدولة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم 147 تنظيم شؤون الزراعة 164 تنظيم شؤون التجارة 169 تنظيم شؤون الصناعة 174 تنظيم حفظ الأموال العامة 179 الفصل الخامس: «الإدارة العسكرية» 183 التمويل 185 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الخدمات المساعدة 193 القيادة 199 التخطيط وأساليب القتال 212 الفصل السادس: «إدارة شؤون القضاء» 221 القضاء في المدينة المنورة 223 القضاء في الأمصار 237 المظالم 240 الحسبة 243 الخاتمة 245 ملحق رقم (1) 248 ملحق رقم (2) 251 قائمة المصادر والمراجع 255 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد: فإن من الأمور المسلم بها، أن النظم الإدارية تشكل جانبا مهمّا من جوانب الحضارة الإسلامية. سواء كان ذلك في مجال الحكم، أو المال، أو الجانب العسكري، أو القضائي. ومع هذا، فإنه لم يكتب حتى الان بحث شامل يكشف الخطط الإدارية التي نشأت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم. وتزداد أهمية الدراسة إذا علمنا أن الممارسات والتنظيمات الإدارية في فترة الرسالة هي الأساس الذي قامت عليه التنظيمات الإدارية فيما بعد، وبلغت ذروة تطورها في عصر العباسيين. لم تكن الإحاطة بجوانب هذا البحث مهمة سهلة وميسرة؛ وذلك لأن الفترة التي تناولتها الدراسة كانت فترة مبكرة جدّا، والدولة فيها تجربة جديدة أرست مجموعة من القواعد في شتى الميادين، وهذه الفترة هي فترة النشوء والتكوين، وأن معظم المصادر التي أخذت منها مادة البحث لم تكن معاصرة لتلك الفترة، بل كانت متأخرة عنها كثيرا، مما جعل هذه المصادر تتناولها معتمدة على الروايات، باستثناء ما ورد من إشارات في القران الكريم؛ إذ هو أهم المصادر وأوثقها، ولكون المصادر كتبت في فترة متأخرة، فإن مهمة الباحث في غاية الصعوبة؛ إذ عليه أن يكون حذرا في أخذ الروايات خشية أن يقع فريسة لتضارب الروايات وتناقضها. ثم إن أغلب المصادر تهتم بالنواحي السياسية والعسكرية، فتذكر أخبارا عن حياة النبي صلّى الله عليه وسلم وغزواته المختلفة دون أن تشير إلى النواحي الإدارية إلا عرضا. أضف إلى ذلك تنوع المصادر التي تتناول هذه الفترة بين مؤلفات في الحديث والسير والتاريخ والتفسير والفقه والجغرافية والأدب، مما يضطر الباحث إلى تقليب صفحات كثيرة، وذلك لقلة المعلومات وتبعثرها، الأمر الذي يتطلب دراسة فاحصة للمصادر بأنواعها. لقد اعتمدت في هذه الدراسة على ما ورد في القران الكريم من توجيهات ربانية لبناء المجتمع الجديد، ثم الحديث الصحيح معتمدا على كتب الصحاح ومبعدا الروايات القابلة للطعن، وأخذت من كتب التاريخ والسير ما يوافق هذا المنهج، ولم أستخدم المراجع الحديثة إلا للتعرف على المصادر، أو للوقوف على وجهات النظر الحديثة إزاء بعض القضايا في فترة الدراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 هذا، وقد قسمت الرسالة إلى ستة فصول رئيسية مع مقدمة وتحليل للمصادر وخاتمة تبين أهم نتائج الدراسة. اشتمل الفصل الأول «الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام» ؛ على بيان «مفهوم مصطلح الإدارة» وتتبعها في ايات القران الكريم والحديث الشريف والمعاجم اللغوية، حيث تبين أن الكلمة حديثة الاستعمال بلفظها، وإن كانت موجودة في واقع الحال على شكل ممارسات عملية. كما تناول هذا الفصل مبحث «الإدارة في القبيلة العربية» ؛ إذ كانت القبيلة هي أساس النظام الاجتماعي عند أهل البادية، وكان عندهم مجموعة من الممارسات الإدارية، فهناك شيخ للقبيلة ينبغي أن تتوافر فيه صفات معينة، وله حقوق وعليه واجبات تعارفت عليها القبائل، دون أن يوجد دستور منظم أو نظام إداري واضح المعالم، مرسوم الخطوات. واختص المبحث الثالث بالحديث عن «الإدارة في مكة» متضمنا موضوع الإدارة المدنية لمكة ممثلة بملأ قريش الذي كان يدير أمر مكة على أساس أن التشاور والتراضي بين بطون مكة وأفخاذها، وكذلك الحديث عن الوظائف الإدارية المرتبطة بوجود بيت الله الحرام والكعبة فيها، مثل: الرفادة والسدانة والسقاية والإفاضة والأموال المحجرة والأيسار، وغيرها من الوظائف المقسمة بين البطون القرشية، والإدارة المالية الناجحة لمكة والمتمثلة بأخذهم الإيلاف من رؤساء الدول، وشيوخ القبائل في الجهات الأربع، مما أتاح لها تعاملا مستقلّا وامنا مع جميع هذه الدول والقبائل على طول الطرق التجارية في الشرق والغرب، ثم تحدث هذا الفصل عن الإدارة العسكرية والوظائف المتعلقة بها، مثل: القبة والأعنة والقيادة واللواء، والإدارة القضائية المتمثلة بوجود بعض القضاة في الأسواق العربية يحكمون بين الناس ويفضّون منازعاتهم. وتناول المبحث الرابع «الإدارة في يثرب» مبينا بعض الأمور الإدارية والمالية والعسكرية التي كانت موجودة في يثرب قبل الإسلام، سواء كان ذلك عند سكانها اليهود أو العرب، والتي لم تختلف كثيرا عن حياة القبائل في البادية إلا بالاستقرار الذي فرضته الحياة الزراعية. واشتمل الفصل الثاني «إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة» على مبحث «إدارة الدعوة في مكة قبل الهجرة» وتناول التخطيط لنشر الدعوة من خلال مرورها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 بمرحلتين مهمتين، هما: مرحلة الدعوة الفردية (السرية) ، ومرحلة الدعوة الجماعية (العلنية) ، وكان لكل مرحلة من هاتين المرحلتين تخطيط خاص، اقتضاه واقع الحال والظروف المحيطة بالدعوة وأتباعها. وفي مبحث «إدارة الدعوة في يثرب قبل الهجرة» تم الحديث عن إرسال مصعب بن عمير إلى يثرب ليدعو أهلها إلى الإسلام، وكان يلقب هناك «بالمقرئ» مما يشير إلى توجه جديد في التنظيم الإداري يتم بعيدا عن العصبية القبلية. وما تلا ذلك من بيعة هؤلاء الأنصار للرسول صلّى الله عليه وسلم وإنشاء نظام النقباء سيكون هؤلاء كفلاء على أقوامهم، ويكوّنون رجال الإدارة في الدولة بعد ذلك. وتناول مبحث «ملامح الإدارة في الهجرة النبوية» التخطيط للهجرة، وخروج الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه إلى يثرب ضمن خطة محكمة اتّبع فيها مبدأ تقييم العمل، والسرية الكاملة في التخطيط والتنفيذ. وفي المبحث الأخير لهذا الفصل «الإجراات الإدارية بعد الهجرة» تم الحديث عن دور الإدارة الجديدة للمدينة في تقسيم الدور على المهاجرين، واستيعابهم في المجتمع الجديد، وبناء المسجد ليكون مركزا للحكم والإدارة، والمؤاخاة بين المسلمين لإيجاد مجتمع مترابط أمام الأخطار الخارجية والداخلية التي تهدد المجتمع الجديد، وإنشاء السوق التجارية ليتميز المسلمون في تعاملهم، وتخليص الاقتصاد المدني من سيطرة اليهود القائمة على الاستغلال والجشع، وكان عقد الصحيفة بين مواطني المدينة الإجراء الإداري الكبير الذي نظم به النبي صلّى الله عليه وسلم أمر المدينة، وبيّن حقوق الأفراد وواجباتهم، وربط المجتمع كله بجميع فئاته بالقيادة الجديدة المتمثلة بالرسول صلّى الله عليه وسلم وبذلك استكملت الدولة أركانها المتمثلة بوجود أمة وأرض ودستور ينظم شؤونها الداخلية والخارجية. وتناول الفصل الثالث «التنظيم الإداري للدولة» مبحث «إدارة البلدان وتقسيماتها» ، حيث بيّن موضوع إدارة الدولة المتمثلة بالرسول صلّى الله عليه وسلم والنقباء والمستشارين، وشمل موضوع تقسيمات الدولة إلى واحدات إدارية أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم لكل واحدة من هذه الواحدات واليا من قبله، أو أقرّ زعيما أو شيخا على منطقة من المناطق أو قبيلة من القبائل، وبيّن هذا المبحث واجبات وحقوق هؤلاء الولاة، وشروط التعيين والاختيار لمن يتولى إدارة من الإدارات؛ إذ لابد أن تتوافر فيه صفات التقوى والورع والكفاءة والخبرة؛ لمكافأة متطلبات الوظيفة وحاجاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وتناول مبحث «الإدارة الدينية» إدارة الصلاة وأماكن العبادة، حيث أوجد النبي صلّى الله عليه وسلم من يقوم على أمر الصلاة، سواء كان من الأئمة أو المؤذنين أو الخدم الذين تتوافر فيهم الصفات المطلوبة للقيام بوظائفهم، وكذلك ما يتعلق بالحج، فكان يعين أميرا للحج مع وجود بعض الوظائف المرتبطة بهذا الموسم، مثل: السقاية والرفادة والسدانة، والتي بقيت مع البطون والأفخاذ التي كانت تقوم عليها في الجاهلية، وأما بالنسبة إلى إدارة الصوم فتتمثل بمراقبة بداية الشهر ونهايته، ومعاقبة المجاهرين والمنتهكين لحرمة الصوم وادابه. وشكّل مبحث «الكتابة والكتّاب» جانبا مهمّا من جوانب التنظيم الإداري للدولة فكان هناك عدد من الكتّاب وزعوا في مجموعات تخصصية للقيام بمهامهم المختلفة، وكان هناك من تعلم أكثر من لغة من أجل تسهيل التعامل بين الدولة والدول أو المجموعات المجاورة، وقام النبي صلّى الله عليه وسلم بتشجيع العلم والتعلم، وأرسل بعثات تعليمية إلى أنحاء الجزيرة؛ للقيام بمهمة نشر الإسلام والتعليم. حيث أرادت الدولة أن يكون العلم والتعلم شاملا لجميع فئات المجتمع وسمة عامة من سماته. وتناول مبحث «إدارة العلاقات العامة» الدبلوماسية الإسلامية ممثلة بسفراء النبي صلّى الله عليه وسلم وطريقة اختيارهم؛ إذ لابد أن تتوافر فيهم صفات الذكاء والفطنة وجمال الهيئة والخلقة؛ لأنهم يمثلون أمتهم في القضايا المختلفة، وما راعته الدبلوماسية الإسلامية من قواعد متبعة في إعطائهم حق الأمان (الحصانة) ، والحرية، والتكريم في الاستقبال وفي الانصراف، كما بيّن هذا المبحث دبلوماسية الرسول صلّى الله عليه وسلم في عقد المعاهدات، وربط القبائل مع الدولة بمواثيق ضمنت للدولة ولاء هؤلاء وطاعتهم، وضمنت للقبائل الحرية الذاتية في تنظيم أمورها الداخلية. أما الفصل الرابع «الإدارة المالية للدولة» فقد تضمن الحديث عن «إدارة المال قبل الهجرة» ، حيث كانت متطلبات الدعوة بسيطة، وكان الأفراد ينفقون عليها من تبرعاتهم الخاصة، وبعد الهجرة وتأسيس الدولة في المدينة بدأت الواردات تتدفق على الدولة، وكانت تشمل الغنيمة والفيء والجزية والزكاة والصدقات المختلفة، فاقتضى هذا وجود وظائف خاصة لحفظ الأموال المختلفة، وإرسال العمال لجمع الصدقات، وإنشاء جهاز إداري كامل لهذه الغاية سماه القران الكريم ... وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ... [التوبة: 60] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وفي مبحث «تنظيم شؤون الزراعة» تمّ الحديث عن دور الدولة في حفز المسلمين على الزراعة والاهتمام بها، وتنظيم الزراعة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، حيث زرع النخيل في بساتين سميت بالحوائط، قام بزراعتها الأنصار مع بعض الأجراء من الموالي، وكانت الدولة تتدخل لتنظيم المعاملات وحل المشكلات المترتبة على العلاقات الزراعية. وهناك مبحث «تنظيم شؤون التجارة» بيّن دور الإدارة النبوية في تنظيم المعاملات التجارية، وذلك في إطار إجراات تنظيمية فرض على التجار الالتزام بها، وفرضت رقابة على أسواق المدينة؛ لتجنب التلاعب بالبيع أو الشراء أو الاحتكار، وذكر هذا المبحث- بشكل موجز- النقود المتداولة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم وتمثلت بالدينار الرومي، والدرهم الفارسي، وكذلك الحديث عن الموازين والمكاييل التي قامت الدولة بضبطها ورقابتها. أما «تنظيم شؤون الصناعة» فهو أحد مباحث هذا الفصل، وقد بيّن مجموعة من الصناعات المختلفة، ودور الدولة في إدارتها وتشجيعها، لينتهي الحديث عن أماكن حفظ المال في الدولة في هذه الفترة، والتي تمثلت ببيت النبي صلّى الله عليه وسلم أو بيوت أصحابه، وأحيانا كان يأتي المال فيوضع في المسجد حتى يقسم بين المسلمين، هذا بالنسبة إلى الأموال النقدية، أما الأموال العينية، فكانت توضع حسب نوعها، فأما المزروعات والثمار والتمر وغيره فوضعت في علّية خاصة فوق المسجد، وأما الحيوانات فقد قامت الدولة بحماية أرض لمعيشتها ورعيها، حيث كانت تستخدم هذه الأنعام في مصلحة المسلمين العامة. وتناول الفصل الخامس «الإدارة العسكرية» موضوع تسليح وتموين المقاتلة، وكان يتمّ ذلك بأن يقوم كل مسلم بتسليح وتموين نفسه، وحث النبي صلّى الله عليه وسلم الموسرين بأن يجهزوا من لا جهاز له من المسلمين، وقامت الدولة بدورها في تجهيز المقاتلة عن طريق شراء السلاح وعقد المعاهدات التي فرضت في بعض القبائل أو تزويد المسلمين بالطعام والسلاح والثياب، في حين شكّلت الغنائم رافدا اخر في إعداد المقاتلة أحسن إعداد. وفي مبحث «الخدمات المساعدة للمقاتلة» تناولنا إجراات الرسول صلّى الله عليه وسلم وأمرائه في تزويد المقاتلة بهذه الخدمات مثل الأدلّاء، والعيون، والحاشر، والفعلة، والشعراء، والخدمات الطبية، والتي كانت ضرورية لقيام المقاتلة بواجبهم على أكمل وجه. وشمل هذا الفصل مبحث «تنظيم أمور المقاتلة الداخلية» من حيث الأمرة وتسلسل الرتب القيادية، وصفات الأمير ومؤهلاته إلى تقسيمات المقاتلة وتعبئتهم في أثناء جمعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وسيرهم وراحتهم ومبيتهم وصلاتهم وقتالهم، وما إلى ذلك من وجود الرايات والألوية والشعارات والشارات المختلفة في معارك المسلمين، وذلك كجزء من الإعداد المطلوب لتحقيق الهدف المرسوم. وفي ختام الفصل تم الحديث عن «إدارة المعركة وأساليب القتال» ، فمن التخطيط للاستفادة من كل الإمكانات المتوافرة، كالعوارض الطبيعية وطبيعة الأرض، والتمويه على الأعداء، والحرب النفسية المضادة، ومراعاة روح المقاتلين المعنوية، إلى التعرض إلى أساليب القتال من حيث الكيفيّة التي تبدأ بها المعركة، وأوقات اللقاء المطلوبة، والاداب المتبعة، سواء كانت النتيجة نصرا أو هزيمة. وتناول الفصل السادس «إدارة شؤون القضاء» مبحث «القضاء في المدينة» ، حيث كان النبي صلّى الله عليه وسلم هو القاضي والمشرع والمنفذ، وذلك من خلال ايات القران التي رسمت نظاما كاملا في الحكم بين الناس، وعرض إلى الإجراات التي يسلكها القاضي في مجلس الحكم من المساواة بين الخصوم، والعدل، ووسائل الإثبات المختلفة، واستئناف الحكم وتمييزه، ومكان القضاء، حيث ورد أنه كان يتم في المسجد أو البيت أو الشارع، ولم يكن هناك مكان خاص؛ لقلة القضايا المطروحة، وميل المجتمع في هذه الفترة إلى السهولة واليسر والبساطة. وكان يتم تنفيذ الأحكام من قبل الخصوم أنفسهم، وفي حالة وجود حد أو تعزير كان النبي صلّى الله عليه وسلم يكلف من يقوم بذلك، دون أن يكون وظيفة ثابتة لأحد منهم، وهناك إشارات إلى وجود السجن في هذه الفترة، ولم يكن له مكان خاص، إنما تم بسجن بعض المتهمين في المسجد، أو حظيرة قريبة منه، أو عند المتهم نفسه. وتناول مبحث «القضاء في الأمصار الإسلامية المختلفة» أسماء القضاة الذين قضوا في حضور الرسول صلّى الله عليه وسلم في المدينة، وأسماء أولئك الذين أرسلهم النبي صلّى الله عليه وسلم للقضاء في الأمصار المختلفة كوظيفة مستقلة، أو أن يكون القضاء ضمن الوظيفة العامة لكل وال من الولاة. وفي مبحث «المظالم» تم الحديث عن بعض القضايا التي اعتبرت من باب قضاء المظالم، حيث لم تكن هذه الولاية قائمة بذاتها، فكان الولاة يقومون بأنفسهم برفع مظالم الرعية عنها. وتضمن موضوع «الحسبة» الحديث عن ممارسة النبي صلّى الله عليه وسلم لهذه المهمة بنفسه أو تعيين من يقوم بها، وتم ذلك على نطاق ضيق محدود؛ وذلك لأن الدولة بكل مؤسساتها كانت في مرحلة النشوء والتكوين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وبعد ذلك، فإن كان في هذه المحاولة شيء جديد، فبتوفيق من الله، وإن كان غير ذلك، فهذا جهدي جهد المقل راجيا من الله أن يكون إشارة لبدء بحوث جادة تبحث في هذه الفترة، والتي تعدّ الأساس والقاعدة للتاريخ الإسلامي في جميع عصوره. «والله من وراء القصد» حافظ أحمد عجاج الكرمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 تمهيد إن البحث في النظام الإداري للدولة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم يتطلب الرجوع إلى مصادر متنوعة، في طليعتها القران الكريم وتفسيره، والحديث وشروحه، والسير والتاريخ (الطبقات، التراجم، الأنساب) ، والفقه والأدب والجغرافية، وقد أفيد من هذه المصادر جمعيا وبدرجات متفاوتة، وبخاصة مصادر التفسير والحديث والسير والفقه. فقد أفادت مصادر التفسير في توضيح كثير من الإشارات القرانية التي وردت كقواعد عامة لتنظيم المجتمع الجديد «1» ، حيث أشار القران إلى مجموعة من الوظائف في مكة قبل الإسلام، مثل: السقاية، والرفادة، والعمارة، والنسيء، والأيسار، وكذلك أشارت الايات إلى إيلاف مكة وتجارتها قبل الإسلام، ثم ذكر بعض المعلومات الأولية عن الشورى، والعدل، والطاعة، كقواعد وأسس للنظام السياسي الإسلامي، ثم نزلت ايات تبين أحكام الأمور المالية، مثل: الغنائم وتوزيعها، والجزية، والفيء، والزكاة ومصارفها، ولكن بقيت هذه الايات عبارة عن إشارات عامة جاءت الأحاديث النبوية (القولية والفعلية) لتفسير وتوضيح أحكام هذه القواعد؛ ولذا نجد أن المفسرين قد اعتمدوا كثيرا على الحديث النبوي وأقوال الصحابة- الذين عاصروا وشهدوا هذه الفترة- في تفسير الايات، وقد أفدت فوائد جمة من تفسير الطبري (ت 310 هـ) «2» ، والكشاف للزمخشري (ت 538 هـ) «3» ، وتفسير الرازي (ت 606 هـ) «4» ، والجامع لأحكام القران للقرطبي (ت 670 هـ) «5» ، والدر المنثور للسيوطي (ت 911 هـ) «6» . وقدمت كتب الصحاح في الحديث معلومات رئيسية وقيمة أفادت في فصول الرسالة كلها، ولا سيما فصلي الإدارة المالية، وإدارة شؤون القضاء، حيث اعتمدت على الروايات الصحيحة الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان المحدثون قد قاموا بدراسة سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم ووضعوها في كتبهم تحت باب سموه (المغازي والسير) أدمجوا فيها الأحاديث الموثوق بصحتها، والتي يمكن للمؤرخ الوثوق بصحتها والاعتماد عليها في   (1) انظر مثلا: البقرة: اية (43، 83، 110، 177، 277) وال عمران: اية (159) والتوبة: اية (60) والروم: اية (39) والذاريات: اية (19) والمعارج: اية (24، 25) . (2) الطبري، تفسير (ج 13، ص 494- 496) . (3) الزمخشري، الكشاف (ج 3، ص 384) . (4) الرازي، تفسير (ج 27، ص 206) . (5) القرطبي، الجامع (ج 16، ص 75) . (6) السيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 144، 145) ، (ج 7، ص 370) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 دراسة الأحداث التي جرت في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم وبالإضافة إلى الاستفادة من كتاب «المغازي والسير» أفادت كتب «الإمارة» و «الأحكام» و «الاعتصام بالكتاب والسنة» و «الحج» و «الجهاد» و «البيوع» و «الغنائم» و «الفيء» و «الجزية» و «الصدقة» و «الأقضية» و «الشهادة» و «الحدود» و «التفسير» و «الوصايا» في بيان كثير من النظم الإدارية والمالية والقضائية المتبعة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم، وكانت أشهر المصادر التي اعتمد عليها البحث هي مسند الإمام أحمد (ت 241 هـ) «1» ، وصحيح البخاري (ت 256 هـ) «2» ، وصحيح مسلم (ت 261 هـ) «3» ، وسنن أبي داود (ت 275 هـ) «4» وسنن ابن ماجه (ت 275 هـ) «5» ، وصحيح الترمذي (ت 279 هـ) «6» ، وسنن النّسائي (ت 303 هـ) «7» . وكان لكتب السير والطبقات دور كبير في جميع فصول الرسالة، فابن إسحاق (ت 151 هـ) في سيرته «8» قدم معلومات وافية عن حكومة المدينة، وقد استفدت منه في استنباط كثير من المعلومات المهمة التي تحيط بظروف قيام حكومة المدينة، وسياسة الرسول الإدارية والمالية، وهذا المصدر يمتاز من غيره بوصفه أول من أعطى صورة متكاملة للسيرة النبوية. وتمدنا كتابات ابن إسحاق (ت 151 هـ) بأخبار كثيرة وتفعيلية عن فترة الرسالة، وقد روى معظم مادة كتابه في السيرة عن عروة بن الزبير (ت 92 هـ) ، والزهري (ت 124 هـ) ، وهو يستخدم منهجا محددا لعرض الغزوات؛ حيث يقدم ملخصا للمحتويات في المقدمة ويتبعه بخبر جماعي (قالوا) من أقوال أوثق أسانيده، ثم يكمل الخبر الرئيسي بالأخبار الفردية التي جمعها من المصادر الاخرى.   (1) أحمد، المسند (ج 1، ص 148) ، (ج 4، ص 227) ، (ج 5، ص 173) . (2) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 17- 233) (ج 5، ص 222) (ج 6، ص 2- 20) . (3) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1357، 1389، 1443، 1506، 1510، 1511) . (4) أبو داود، السنن (ج 2، ص 337، 338) (ج 3، ص 355- 357) (ج 5، ص 337) . (5) ابن ماجه، السنن (ج 1، ص 4) (ج 2، ص 775، 778، 786) . (6) الترمذي، صحيح (ج 4، ص 213) (ج 6، ص 72، 74، 154) . (7) النّسائي، السنن (ج 6، ص 252) (ج 7، ص 154) (ج 8، ص 247) . (8) قام ابن هشام بتهذيب هذه السيرة فسميت سيرة ابن هشام. انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 111- 113، 125، 130، 550، 566، 642، (م 2، ص 266، 530) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ويقدم الواقدي (ت 207 هـ) في المغازي «1» معلومات قيمة عن المغازي النبوية، فذكر عن تنظيم المقاتلة وتسليحها، وتعبئتها، وأساليب قتالها، والرايات، والألوية، ويذكر بشكل مفصل غنائم كل غزوة وقسمتها، وهو يتبع خطة ثابتة في عرضه للمغازي، فيبدأ بذكر عام خروج الغزوة ورجوعها ويتبعه بأخبار الغزوة، ويذكر في النهاية نائب النبي صلّى الله عليه وسلم على المدينة، وبعض الأشعار والايات التي تحتوي على إشارة للحادث الذي يعالجه، وقوائم بأسماء الغزاة. وأفاد البحث من كتاب الطبقات لابن سعد (ت 230 هـ) «2» حيث قدم معلومات وافية عن أحداث السيرة في الفترة المكية، وفي المغازي، وكان يذكر بشكل كبير نواب النبي صلّى الله عليه وسلم على المدينة، وأسماء كتّابه وقضاته وولاته وأمراء سراياه وغزواته، كما أن ابن سعد (ت 230 هـ) يشير إلى الوظائف الإدارية التي كان يشغلها الرجل الذي يترجم له، ومن خلال التفصيلات التي يذكرها في تراجمه للرجال تتضح مادته الغزيرة بالأخبار، والتي أوقفتنا على معالم الحياة العلمية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية وغيرها، وابن سعد من تلاميذ الواقدي (ت 207 هـ) ، وكان على اتصال برجال الحديث، وتقيد في طبقاته بأسلوب مدرسة الحديث في تدوين الأحداث، وإثبات الأسانيد المختلفة للمتون المختلفة، ومن حيث إثبات الرواية المنقولة بالسماع على الرواية المنقولة عن الصحف المدونة، ويروي ابن سعد مادة كتابه في السيرة وتراجم الصحابة عن الشعبي (ت 103 هـ) ، والزهري (ت 124 هـ) ، وابن إسحاق (ت 151 هـ) ، وهشام الكلبي (ت 204 هـ) ، والواقدي (ت 207 هـ) ، ويمتاز عن غيره بنقده للروايات بصورة مختصرة، فنجده يقول مثلا: «وهذا الثبت أنه ... » «3» «والثبت كذا ... » «4» . وذكرت كتب التاريخ أخبار النبي صلّى الله عليه وسلم وسيرته، فقد أورد خليفة بن خياط (ت 241 هـ) «5» معلومات تحدد تواريخ التولية بالنسبة إلى الولاة والعمال في الأمصار، فهو يعطينا قوائم بأسماء الولاة والعمال والقضاة والكتّاب في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم. أما الأزرقي (ت 245 هـ) مؤرخ مكة فقد قدم في كتابه «أخبار مكة» «6»   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 17، 18، 144، 179، 262، 378) (ج 2، ص 707) (ج 3، ص 1018، 1028) . (2) ابن سعد، الطبقات، الجزء الأول كاملا (ج 2، ص 15، 69، 606) . (3) م. ن (ج 2، ص 6) . (4) م. ن (ج 2، ص 24) . (5) خليفة بن خياط، تاريخ (ج 1، ص 61، 62) . (6) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 44- 46، 59، 63- 66) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 معلومات وافرة عن مكة وبشكل مفصل، والوظائف المتعلقة بالكعبة والبيت الحرام، مثل: السقاية، والرفادة، والسدانة، وغيرها من الوظائف الموزعة على بطون قريش وأفخاذها. أضف إلى ذلك، فإن الأزرقي (ت 245 هـ) قد وضّح بشكل كبير الإدارة المالية لمكة المتمثلة بالإيلاف والتجارة والأسواق وأوقاتها وإدارتها، وأورد إشارات عن إدارة مكة العسكرية المتمثلة بوجود بعض الوظائف المتعلقة بذلك، مثل: «القبة والأعنة» و «القيادة واللواء» ، وينفرد هذا المصدر بأنه يعدّ من أقدم المصادر التي وضعت في تواريخ المدن، أما أسانيده فهي موثوقة بشكل كبير فيما يتعلق بأخبار مكة بعد الرسالة، وهو يأخذ أخباره عن الزهري (ت 124 هـ) وابن إسحاق (ت 151 هـ) ، أما ما يتعلق بأخبار مكة قبل الرسالة، فهي ليست بنفس درجة الأخبار الاخرى، وكثير منها يوردها من غير إسناد. وكذلك أورد ابن حبيب (ت 150 هـ) في المحبر «1» ، والمنمق «2» أخبارا كثيرة عن مكة قبل الإسلام وبعده، ولا سيما فيما يتعلق بالوظائف المتعلقة بالكعبة، وبيت الله الحرام، والأحلاف الموجودة، مثل: حلف الفضول والمطيبين، وينفرد ابن حبيب بذكر قوائم بأسماء المعلمين الذين قاموا بمهمة التعليم في الجاهلية وصدر الإسلام. وقدم البلاذري (ت 279 هـ) في فتوح البلدان «3» معلومات ذات قيمة كبيرة، وذلك بإيراده معلومات واسعة عن الفتوح والإدارة والكتابة والخط والخاتم. وأفاد البلاذري (ت 279 هـ) كذلك كثيرا من كتب الفقه والخراج، وهذا يفسر لنا كثرة معلوماته في النواحي الاقتصادية والإدارية، وهو يستعمل الرواية في الأحداث والأخبار، كما يهتم بالأسانيد، ولكن ذلك لم يكن بصفة ثابتة ومستقرة، فنجده في بعض الأحيان يروي الخبر عن مجاهيل، فقد يروي عن جماعة لم يذكر أسماءهم فنجده يقول مثلا: (حدثني فلان عن أشياخ من أهل الطائف) «4» ، وهو من جهة أخرى يذكر الروايات بدون ترجيح، وأحيانا أخرى يرجح أو يضعف، وعباراته في نقد الروايات مختصرة، كأن يقول في عبارات الترجيح: «الأول أثبت» «5» أو «ذلك   (1) ابن حبيب، المحبر (ص 263- 268، 246، 233) . (2) ابن حبيب، المنمق في أخبار قريش (ص 83، 84) . (3) البلاذري، فتوح البلدان (ص 24، 28، 67، 81، 85، 93، 94، 97) . (4) م. ن (ص 75) . (5) م. ن (ص 128، 141، 146) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أثبت» «1» أو «الأول أصح وأثبت» «2» ، والكتاب يعدّ من المصادر الأساسية في أخبار الأقاليم المفتوحة والتنظيمات الإدارية المتبعة فيها، ويعتمد بصورة أساسية على روايات الواقدي (ت 207 هـ) ثم الزهري (ت 124 هـ) . أما كتابه أنساب الأشراف «3» فيعتمد طريقة الترجمة للأشخاص، والجزء الأول من الكتاب في سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم وكثير من أصحابه البارزين فيقدم معلومات عن الشخص، مولده ونسبه ونشأته، ويشير إلى الأعمال التي قام بها في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فهو ذو أهمية خاصة في بيان أسماء ولاة النبي صلّى الله عليه وسلم، وأمرائه، وعماله على الصدقات، ومؤذنيه، وشعرائه، وقضاته، وكانت روآياته في كثير منها مسندة، ويعتمد في روآياته على الزهري (ت 124 هـ) ، وابن إسحاق (ت 151 هـ) ، والواقدي (ت 207 هـ) وغيرهم، ثم يعتمد الرواية التي يعتقد أنها الأصح أو الأقرب للصحة. ويبدأ القسم الثاني في تاريخ اليعقوبي (ت 292 هـ) «4» بمولد النبي صلّى الله عليه وسلم، ويشمل بعثته ورسالته، وكان يقتصر على ذكر الحوادث المهمة، ولكنه ذكر قوائم بأسماء الولاة والقضاة والعمال الذين بعثهم النبي صلّى الله عليه وسلم، ويلاحظ أن اليعقوبي يغافل الالتزام بالسند، وكما أنه لا يعنى كثيرا بالتدقيق والتمحيص ومحاولة الترجيح، واعتمد كثيرا على المعلومات التي قدمتها مصادر الشيعة؛ تبعا لميله وهواه في التشيع لال علي رضي الله عنه. وأخذت من تاريخ الطبري (ت 310 هـ) «5» في جميع فصول الرسالة؛ إذ إن الكتاب يعدّ من المصادر الأساسية، ولا غنى لكل باحث يكتب في التاريخ أو الإدارة عنه، فلقد استفاد البحث كثيرا من النصوص التي ضمنها في حولياته، ولا سيما فيما يتعلق بالولاة من حيث سنوات التولية، والعزل، والقضاة، والأمراء، ومن يتولى الحج بالناس في تلك السنة، وكذلك أعطى معلومات قيمة عن الغزوات والمعارك التي حدثت في هذه الفترة، مع ذكر أخبارها بالتفصيل، من استعداد إلى الخروج، فالقتال، فتوزيع الغنائم، إلى غير ذلك، أما مصادره فهي متنوعة وغزيرة، وأهمها القران الكريم، والسنة النبوية، والسيرة والفقه، والشعر العربي. وتأثر الطبري بشكل كبير بعلم الحديث الذي استعمل الأسانيد، فيذكر الروايات المختلفة التي استوعبت سائر من سبقه من المؤرخين   (1) م. ن (ص 133، 141، 166) . (2) م. ن (ص 169، 317، 353) . (3) البلاذري، أنساب الأشراف، الجزء الأول كاملا. وانظر: (ج 1، ص 293، 343، 346) . (4) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80، 81، 83) . (5) الطبري، تاريخ (ص 434، 451) ، (ج 3، ص 16، 169، 489، 452، 553) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 والرواة، مثل: الشعبي (ت 103 هـ) ، وقتادة (ت 118 هـ) ، والزهري (ت 124 هـ) ، وابن إسحاق (ت 151 هـ) ، والواقدي (ت 207 هـ) ، وابن سعد (ت 230 هـ) ، وعمر ابن شبة (ت 262 هـ) ، ويمتاز الطبري بأنه استطاع أن يربط بين هذه الروايات بشكل دقيق، إلا أنه لا يرجح بين الروايات، بل إنه أحيانا يقدم الرواية الأقوى سندا قبل غيرها، ولكنه لا يتوانى عن إيراد جميع الروايات الاخرى المتناقضة، أو حتى غير المعقولة، ويترك القارئ ليواجه جميع الروايات ويتحرى بنفسه حقائق الأمور. وكان لكتب الفقه نصيب في هذه الدراسة، وبخاصة كتاب الخراج لأبي يوسف (ت 182 هـ) «1» ، الذي أفاد البحث بشكل كبير في فصل الإدارة المالية، فذكر مقومات قيمة عن أحكام الغنائم والصدقة والجزية والخراج والعشور، ويعدّ من أقدم المصنفات التي وصلتنا في هذا الباب، وقد ظهرت بعده كتب في الدراسات المالية، تضمنت الكثير من الأمور التي تبين النظم المالية التي يغلب عليها التنظيم والأعمال الإدارية، وينفرد هذا الكتاب بأنه وضع على صورة سؤال وجواب، وكان يستدل في أحكامه بالايات القرانية، والأحاديث النبوية، وبعمل الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي التابعين، وكان يعتمد بروآياته عمن سبق بأسانيد متصلة أو منقطعة أو مرسلة، وقد جمع فيه مؤلفه بين الدراسة الفقهية الشرعية والوقائع التاريخية ونقد فيه بعض الانحرافات الموجودة في عصره. وكان لكتاب شرح السير الكبير للشيباني (ت 189 هـ) «2» دور كبير في بناء فصل «الإدارة العسكرية» حيث قدم معلومات فقهية تفصيلية في التسليح والتموين واختيار الأمير «تسلسل الإمرة» ، وواجبات الأمير وحقوقه، وفيه معلومات مفيدة عن أهمية اللواء والراية، وسير المعارك وشعاراتها وشاراتها المختلفة، وأساليب القتال وادابه، ويجمع الشيباني (ت 189 هـ) بين أسلوبي مدرسة الحديث ومدرسة الفقه، فيذكر الروايات مسندة موثقة، ثم يستخرج منها أحكاما فقهية تفصيلية. وأفدت من كتاب الخراج ليحيى بن ادم (ت 203 هـ) «3» بعض المعلومات المتعلقة   (1) أبو يوسف، الخراج (ص 18، 50، 51، 190، 198، 208) . (2) الشيباني، كتاب شرح السير الكبير (ج 1، ص 15، 17، 119، 214) . (3) يحيى بن ادم، الخراج (ص 33، 34، 35، 37، 42، 72) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بالتدابير المتبعة في تقسيم وإدارة أمور المال وبخاصة الخراج والجزية. وقدم أبو عبيد (ت 224 هـ) «1» في كتابه الأموال، معلومات فقهية كثيرة فيما يتعلق بالإدارة المالية، من غنيمة وفيء وجزية وصدقة وخراج وغيرها، ويمكن القول إن كتاب الأموال هو عبارة عن موسوعة ضخمة جمع لنا مؤلفه فيها معظم الأحكام الشرعية المتعلقة بالنظم المالية المتبعة في الصدر الأول من تاريخ الإسلام، ويجمع ابن سلام (ت 224 هـ) بين أسلوب مدرسة الحديث وأسلوب مدرسة الفقه، فيذكر روايات مسندة، وفي نفس الوقت يفصل في الأحكام الشرعية، فهو يقوم بتقديم الايات والأحاديث والاثار عن الصحابة والخلفاء الراشدين بأسانيدها، ثم يعقب على الأخبار بإيضاح مدلولها ويشرح ما فيها من الغريب، ويورد أحيانا اراء الفقهاء في القضية التي هي موضوع البحث. وموقف أبي عبيد (ت 224 هـ) من سرد الأدلة أنه يقوم بنقدها والاستدلال عليها، والقطع فيها برأي معين، وأحيانا يقوم بنقد الأسانيد وتبيين عللها، كما أنه يورد النصوص كما جاءت، فإذا شك فيها قال: «شك أبو عبيد» «2» أو «كلام هذا معناه» «3» وهذا يدل على مدى الدقة في نقل النصوص ونقدها. أما الماوردي (ت 450 هـ) في كتابه الأحكام السلطانية «4» ، فقد قدم معلومات فقهية مهمة تناقش المسائل المهمة في أمور الولايات على البلدان، والولاية على الحج والصلاة، والخراج، والجزية، والزكاة، ومصارفها، والقضاء، والحسبة، والمظالم، ولكنه يركز بشكل كبير على العصر الذي يعيش فيه، أما حديثه عن فترة الرسالة فكان فقط للاستشهاد أحيانا أو الاستدلال على حكم فقهي، فعلى الباحث أن يكون على حذر ولا سيما إذا كان يبحث في فترة مبكرة من تاريخ النظم الإسلامية. وكان للمصادر اللغوية والأدبية والشعرية دور كبير في توضيح كثير من معاني الكلمات الغريبة أو المصطلحات المستعملة، أو الدلالة على وظيفة من الوظائف أو ولاية من الولايات، فابن منظور (ت 711 هـ) في «اللسان» «5» ، والفيروز أبادي   (1) أبو عبيد، الأموال (ص 4، 15، 17، 455، 456 ... إلخ) . (2) م. ن (ص 114، 217، 322، 338، 363، 400) . (3) م. ن (ص 276) . (4) الماوردي، الأحكام السلطانية (ص 5، 22، 24، 29، 30) . (5) ابن منظور، اللسان (ج 1، ص 639، 802) (ج 5، ص 162) (ج 7، ص 414) (ج 9، ص 238، 457) (ج 14، ص 199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 (ت 816 هـ) في «القاموس المحيط» «1» ، والزّبيدي (ت 1205 هـ) في «تاج العروس» «2» ذكروا معاني وافية لبعض المصطلحات، مثل: البداوة، والحضر، والعريف، والربيئة، والخلع، والتغريب، والمرباع، والصفايا، والنشيطة، والفضول، وغيرها من المصطلحات المختلفة، سواء كان ذلك في الأمور الإدارية أو المالية أو العسكرية أو القضائية. أما المصادر الأدبية التي أفيد منها فتتمثل في عيون الأخبار لابن قتيبة (ت 276 هـ) «3» ، والكامل في اللغة والأدب والنحو الصرف للمبرّد (ت 285 هـ) «4» ، والعقد الفريد لابن عبد ربه (ت 328 هـ) «5» ، والأغاني للأصفهاني (ت 356 هـ) «6» ، ونهاية الأرب للنويري «7» ، فقد أفادت هذه المصادر بشكل خاص في فصل «الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام» ، فبيّنات بعض صفات شيخ القبيلة، بصفته الرئيس الإداري لقبيلته وحقوقه وواجباته، وأعطت معلومات جيدة عن طبيعة السلطة الإدارية في القبيلة، وكيفية انتقال هذه السلطة من شيخ إلى اخر أو من بطن إلى اخر، وذكرت بعض المعلومات عن إدارة مكة المدنية والدينية والمالية، وذكرت بشيء من التفصيل أخبار قصي بن كلاب الذي يعدّ المؤسس الأول للإدارة في مكة، ولكن يلاحظ على هذه الكتب أنها غير مسندة وتذكر كثيرا من المعلومات التي لا يقبلها العقل والمنطق. وأفيد من المصادر الشعرية مثل، ديوان لقيط بن يعمر الإيادي (شاعر جاهلي) «8» ، وديوان الأقوه الأودي (شاعر جاهلي) «9» ، وديوان عامر بن الطفيل (ت 10 هـ) «10» ، وديوان الأصمعي (ت 216 هـ) «11» ، في بيان الصفات الواجب توافرها في من يتولى إدارة القبيلة والتي تؤهله للاستمرار في مركزه، وذكرت شيئا عن مجلس القبيلة والتي سمته «بمجلس السراة» ، وذكرت بعض الوظائف التي كانت بمكة، إذ كان العرب يعبرون عن كثير من قضاياهم بطريق الشعر والأقوال البليغة والحكم.   (1) الفيروز أبادي، القاموس (ج 2، ص 31، 32) . (2) الزّبيدي، تاج العروس (ج 4، ص 201) (ج 5، ص 278) (ج 8، ص 187) . (3) ابن قتيبة، عيون الأخبار (ج 1، ص 226) . (4) المبرد، الكامل (ص 166) . (5) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 235، 236) . (6) الأصفهاني، الأغاني (ج 5، ص 34) . (7) النويري، نهاية الأرب (ج 15، ص 429) (ج 16، ص 35) . (8) لقيط بن يعمر، ديوانه (ص 46- 48) . (9) التميمي، الطرائف الأدبية (ص 3) . (10) عامر بن الطفيل، ديوانه (ص 13) . (11) الأصمعي، الأصمعيات (ص 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 واعتمد الباحث على مجموعة من المصادر الجغرافية في بيان التقسيمات والأعمال التابعة لمكة والمدينة، والتعريف بمنطقة من المناطق أو مدينة من المدن، فكان لكتاب ابن الفقيه (ت 340 هـ) مختصر كتاب البلدان «1» ، وكتاب ابن خرداذبه (ت 280 هـ) المسالك والممالك «2» ، وكتاب المسعودي (ت 346 هـ) مروج الذهب «3» ، والتنبيه والأشراف «4» ، وكتاب المقدسي (ت 380 هـ) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم «5» ، وكتاب ياقوت الحموي (ت 626 هـ) «معجم البلدان» «6» ، دور كبير في ذلك، ويواجه الباحث عادة مشكلة أن هذه المصادر لم تكن تميز بين وضع الجزيرة وتقسيماتها في فترة الرسالة المبكرة، وبين ما حدث من تغييرات على التقسيمات الإدارية في فترات لاحقة. ولكن تبقى هذه المصادر ذات قيمة كبيرة في التعريف بالأماكن المختلفة، ولا سيما كتاب المسعودي (ت 346 هـ) الذي اعتمد بشكل كبير على الجغرافية في تأريخه للأحداث، وجمع بين أسلوبي مدرسة التاريخ ومدرسة الجغرافية، ولذلك فهو يعدّ من رواد المدرسة الجغرافية التاريخية. وأفيد من بعض المصادر المتفرقة، مثل: كتاب أخبار القضاة لوكيع (ت 306 هـ) «7» في بيان كثير من الأمور المتعلقة بالقضاء في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم، وبخاصة أسماء القضاة الذين قضوا في حضرة النبي صلّى الله عليه وسلم، أو أرسلوا إلى الجهات المختلفة، وذكر في ذلك مجموعة من الأحاديث المسندة عن النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يتفرد في البحث في أمور القضاء في صدر الإسلام، ولكنه لا ينقد روآياته، ولا يرجح في حالة ورود أكثر من رواية لحديث معين. وقدمت كتب الاستيعاب لابن عبد البر (ت 463 هـ) «8» ، وأسد الغابة لابن كثير (ت 630 هـ) «9» ، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (ت 825 هـ) «10» ترجمة وافية للصحابة، ذكر خلالها اسم الشخص ونسبه، ومشاركته في الأحداث البارزة في   (1) ابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان (ص 26) . (2) ابن خرداذبه، المسالك والممالك (ص 128) . (3) المسعودي، مروج الذهب (ج 2، ص 289) . (4) المسعودي، التنبيه والأشراف (ص 245، 246) . (5) المقدسي، أحسن التقاسيم (ص 79، 80) . (6) ياقوت، معجم البلدان (ج 4، ص 142) (ج 1، ص 249، 529) . (7) وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 15، 45، 46، 82، 83) . (8) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1403) (ج 4، ص 1562) . (9) ابن الأثير، أسد الغابة (ج 3، ص 246) (ج 4، ص 224، 225) . (10) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 164) (ج 3، ص 258، 259) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 زمن النبي صلّى الله عليه وسلم والوظائف التي شغلها، ومن خلال ذلك تعرفنا إلى كثير من الكتّاب، والولاة، والقضاة، والعمال على الصدقات، ومن أرسلوا في مهمة تعليمية أو سياسية أو إدارية، واعتمد هؤلاء في الترجمة للصحابة على من سبقهم مثل ابن سعد (ت 320 هـ) ، والبسوي (ت 277 هـ) في كتابه «المعرفة والتاريخ» ، وغيرها من كتب السير والتاريخ، ولكنهم يذكرون كثيرا من المعلومات غير مسندة. وقدم الخزاعي (ت 741 هـ) «1» معلومات زاخرة تفيد في توضيح معالم النظام الإداري للدولة في هذه الفترة، ويعدّ كتاب الخزاعي من الكتب النادرة التي تخصصت في ذكر أسماء الوزراء، والكتّاب، والمعلمين، والسفراء، والعمال، وقادة الجيش، والحرف، والصناعات، والوظائف المتعلقة بالأمور المالية، مثل «صاحب المغنم» و «صاحب الخمس» ، وعمال الصدقات، وأمين بيت المال، فهو بحق كتاب ضخم يجمع الروايات المسندة عن الوظائف في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكنه مع ذلك لا يربط بين النصوص لاستخراج كنه النظام الإداري للدولة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم. وأفاد الباحث أيضا من شرح النووي (ت 676 هـ) لصحيح مسلم «2» . وشرح ابن حجر (ت 852 هـ) لصحيح البخاري في كتابه «فتح الباري» «3» في فهم كثير من الأحاديث النبوية، وكذلك كتاب السهيلي (ت 581 هـ) «الروض الأنف» «4» . وكتابي ابن خالدون (ت 808 هـ) «المقدمة» «5» و «التاريخ» ، وكتاب السمهودي (ت 911 هـ) «وفاء الوفا في أخبار دار المصطفى» «6» ، وغيرها من المصادر التي أفادت في فصول الرسالة المختلفة. هذا، وقد أفيد من بعض المراجع الحديثة «7» بدرجات متفاوتة، إلا أن الرسالة اعتمدت في مجملها على المصادر الأولية.   (1) الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 45، 68، 87، 728، 738) . (2) النووي، شرح صحيح مسلم (ج 12، ص 35- 105) . (3) ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 131- 147) . (4) السهيلي، الروض الأنف (ج 4، ص 292، 296) . (5) ابن خالدون، المقدمة (ص 219) . (6) السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 134، 135، 136، 137، 147) . (7) انظر قائمة المراجع في نهاية الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الإدارة في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلم الفصل الأول الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام أولا: مفهوم مصطلح الإدارة. ثانيا: الإدارة في القبيلة العربية. ثالثا: الإدارة في مكة. رابعا: الإدارة في يثرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الفصل الأول الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام أولا: مفهوم مصطلح الإدارة إن كلمة الإدارة لم ترد في أي اية من ايات القران الكريم، وقد جاء في القران كلمة «تديرونها» في الاية الكريمة: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها [البقرة: 282] كما جاءت كلمة «تدور» في الاية الكريمة: يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ [الأحزاب: 19] وقد أورد المعجم المفهرس مجموعة من الايات فيها مشتقات الفعل الثلاثي «دار» تحت مادة «دور» «1» ومن خلال مراجعة كتب فهارس الحديث تبينّ أن الكلمة لم ترد في أيّ حديث من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم «2» . وذكرت معاجم اللغة كلمة «دور» ومشتقاتها، ولكنها لم تذكر كلمة «إدارة» إلا أن الرازي (ت 666 هـ) في «الصحاح» «3» ، وابن منظور (ت 711 هـ) في «اللسان» «4» ، والفيروز أبادي (ت 816 هـ) في القاموس المحيط «5» ، والزّبيدي (ت 1205 هـ) في «تاج العروس» «6» ، ذكروا كلمات قريبة منها ولم يذكروها بلفظها. أما دوزي فقد ذكر كلمة «أدار» وقال: «أدار السياسة: أي دبر أمورها وساس الرعية، وكذلك «أدار» بمعنى جهد في العمل» «7» ، وهذا يؤكد أنها حديثة الاستعمال بلفظها؛ ولذلك فقد عرفها علماء الإدارة المحدثون بقولهم: «الإدارة تتكون   (1) محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم، ط 2، بيروت، دار الفكر (1401 هـ، 1981 م) (ص 264، 265) . (2) محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ليدن، مطبعة بريل (1962) ، (ج 2، ص 157، 158) . (3) الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، (ت 666 هـ) ، مختار الصحاح، بيروت، دار الكتب العلمية د. ت (ص 215، 216) . (4) ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، (ت 711 هـ) ، لسان العرب، بيروت، دار صادر سنة (1968 م) ، (ج 4، ص 295- 300) . (5) الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، (ت 816 هـ) ، القاموس المحيط، القاهرة، المكتبة التجارية، د. ت (ج 2، ص 31- 32) . (6) الزّبيدي، محمد مرتضى (ت 1205 هـ) ، تاج العروس، بنغازي، دار ليبيا، د. ت (ج 3، ص 213- 218) . (7) دينهارت دوزي، تكملة المعاجم العربية ترجمة: محمد سليم النعيمي، العراق، وزارة الثقافة سنة (1981 م) (ج 4، ص 434) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 من جميع العمليات التي تستهدف تنفيذ السياسة العامة» «1» وهذا التعريف يشمل مختلف الميادين المدنية والاقتصادية والعسكرية والقضائية وغيرها.   (1) هذا التعريف يعتمده علماء الإدارة في الغرب، وعنهم نقله سليمان محمد الطماوي، مبادئ علم الإدارة العامة، ط 3، بيروت، دار الفكر العربي سنة (1965 م) ، (ص 21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الفصل الأول الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ثانيا: الإدارة في القبيلة العربية عاش العرب في جزيرتهم وفق نمطين من المعاش فرضتهما طبيعة بلادهم، هما: الحضر والبداوة، فأما أهل الحضر فهم سكان الحواضر والقرى، وكانوا يعيشون على التجارة والزراعة وتربية الماشية، وأما أهل البداوة فهم سكان الصحراء «أهل البادية» ويعيشون على ألبان الإبل ولحومها «1» . كانت القبيلة هي أساس النظام الاجتماعي عند أهل البادية، وتعدّ أكبر الواحدات السياسية التي عرفها العرب «2» ، ومارسوا من خلالها نشاطاتهم السياسية والإدارية والاقتصادية. لم نلمح في الحياة القبلية منهجا منظما للإدارة، وإن كانت هناك مجموعة من الممارسات والأعراف التي أصبحت مع الوقت تقاليد راسخة لا يستطيع أفراد القبيلة الخروج عنها. وأول ما يواجهنا في إدارة القبيلة مركز «الشيخ» الذي يقوم بالإشراف على القبيلة ويطلق عليه أسماء متعددة، منها: «الرئيس» و «الأمير» و «الزعيم» «3» ولكن أشهرها جميعا لقب «الشيخ» الذي يفترض فيه أن يكون ذا خلال حميدة، وسجايا   (1) ابن العبري غريغوريوس أبو الفرج بن أهارون (ت 1256 هـ) ، مختصر تاريخ الدول، تحقيق: أنطوان صالحاني اليسوعي، بيروت، دار الرائد اللبناني سنة (1403 هـ، 1983 م) (ص 158) . وانظر: ابن منظور، اللسان (ج 5، ص 163) . الزّبيدي، التاج (ج 3، ص 146) الالوسي محمود شكري، بلوغ الأرب في أحوال العرب، بغداد، دار السلام سنة (1314 هـ، 1896 م) (ج 1، ص 12) . (2) قال القلقشندي (ت 821 هـ) مقسما طبقات القبائل العربية: 1- الشعب: وهو النسب الأبعد مثل عدنان وقحطان. 2- القبيلة: فرع من الشعب مثل ربيعة من عدنان. 3- العمارة: فرع من القبيلة مثل قريش من مضر. 4- البطن: فرع من العمارة مثل عبد مناف من قريش. 5- الفخذ: فرع من البطن مثل بني هاشم من عبد مناف. 6- الفصيلة: فرع من الفخذ مثل بني العباس من هاشم. 7- العشيرة: وهم رهط الرجل. انظر: القلقشندي أبو العباس أحمد بن علي (ت 812 هـ) نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، تحقيق إبراهيم الإبياري، القاهرة، الشركة العربية للنشر سنة (1959 م) (ص 13) ، حسين مولوي، الإدارة العربية، ترجمة إبراهيم العدوي، القاهرة، المطبعة النموذجية سنة (1958) (ص 11) . (3) الألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 18) . وإبراهيم أحمد العدوي، النظم الإسلامية، مكتبة الأنجلو المصرية، سنة (1392 هـ) (ص 11، 12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 طيبة، تمكنه من إدارة القبيلة في الحرب والسلم. ولقد أفاضت كتب الأدب والشعر في ذكر هذه الصفات، واحددتها بالسخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان «1» ، وقد جمع هذه الصفات الشاعر «2» في قوله: فقلّدوا أمركم- لله درّكم- ... رحب الذّراع بأمر الحرب مضطلعا لا مشرفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عضّ مكروه به خشعا ما انفك يحلب در الدهر أشطره ... يكون متّبعا طورا ومتّبعا حتى استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لا قحما ولا ضرعا «3» ويظهر أن هذه الصفات تنبع من البيئة التي يعيشها هؤلاء الأعراب، فهم بحاجة إلى من يمد لهم يد العون، ويدافع عنهم ويحنو عليهم، ولعل هذا كان واضحا في أذهان الأعراب فقال سلم بن نوفل: «نحن لا نسود إلا من يوطئنا رحله، ويفرشنا عرضه، أو يملكنا ماله» «4» . أضف إلى ذلك عراقة النسب، لنفور طباع العرب من أن يحكم القبيلة أحد من غيرها، وسداد الرأي وكمال التجربة «5» ، كل ذلك ضروري لمن يتصدى لإدارة القبيلة وقيادتها.   (1) الشيرازي، عبد الرحمن بن نصر عبد الله (ت 774 هـ) النهج المسلوك في سياسة الملوك (مخطوط) شريط رقم (527) صور من مكتبة بودليان أكسفورد تحت رقم (383) مجموعة بودلي، مركز الوثائق والمخطوطات الجامعة الأردنية ورقة رقم (37) . والألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 18) . والعدوي، نظم (ص 11) أحمد إبراهيم الشريف، مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول، القاهرة، دار الفكر العربي سنة (1965 م) (ص 49) . (2) الشاعر هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، وهو شاعر جاهلي قديم توفي في حدود سنة (250) قبل الهجرة. انظر: ديوانه، تحقيق خليل إبراهيم العطية، العراق، نشر وزارة الإعلام د. ت (ص 46- 48) . النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 732 هـ) نهاية الأرب في فنون الأدب، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب د. ت (ج 6، ص 17) . (3) شزر مريرته: شدة العزيمة والشكيعة، القحم: الكبير في السن. والضرع: الصغير في السن. انظر: النويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 17) . (4) ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدنيوري (ت 276 هـ) عيون الأخبار، لبنان، دار الكتاب العربي، سنة (1925 م) نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية (ج 1، ص 326) . وانظر: المبرد أبا العباس محمد بن يزيد (ت 282 هـ) الكامل في اللغة والأدب والنحو والصرف، تحقيق محمد أحمد الدّالي، ط 1، بيروت الرسالة سنة (1406 هـ، 1986 م) (ص 166) . (5) ابن الأثير أبو الحسن علي بن أبي الكرم بن محمد (ت 630 هـ) أسد الغابة في معرفة الصحابة، طهران، المكتبة الإسلامية د. ت (ج 1، ص 136) . والنويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 75) . وحسن إبراهيم، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (ط 7) ، المكتبة التجارية الكبرى سنة (1964 م) (ج 1، ص 52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ويفترض أن يقوم الشيخ بإدارة القبيلة من خلال فض المنازعات، وإقامة الضيافات لضيوف القبيلة وأفرادها، وإجارة المستجيرين الذين يلجؤون إلى القبيلة «1» ، ورعاية شؤونهم جميعا- هذا في حالة السلم- أما في الحرب فهو يتقدم الصفوف، ويساعد من لا عتاد له، ويضع خطط الحرب، وأن يكون رمزا لأفراد قبيلته وباعثا لهممهم «2» ، وعند انتهاء الحرب يقوم بالإشراف على توزيع الغنائم، ويتحمل باسم القبيلة الدّيات التي تترتب على أفراد القبيلة، وعليه أن يقوم بفك من يقع من أبناء عشيرته أسيرا «3» . ويلاحظ أن شيخ القبيلة لم يكن مطلق الحرية في إدارة القبيلة، فهو ابتداء لابد أن ينال رضا أفراد القبيلة؛ إذ إن بعض القبائل لم تكن تحبذ مبدأ الوراثة في تولية شيخ القبيلة «4» فقد يعزل الشيخ أحيانا، وتنتخب القبيلة رئيسا اخر من أسرة أخرى، أو أن الرئاسة تنتقل من الشيخ إلى ابن أخيه أو من فخذ إلى اخر. ويظهر أن أولئك الذين توالت الرئاسة في نسلهم ثلاثة أجيال نادرة «5» ، ويمثل هذه النظرية قول عامر بن الطفيل (ت 10 هـ) «6» . إنّي وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المندوب في كل موكب فما سوّدتني عامر عن قرابة ... أبى الله أن أسمو بأم أو أب ولكنني أحمي حماها وأتّقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكب «7» وقد علل ابن خالدون (ت 808 هـ) ذلك بقوله: (إن الرئاسة تأتي من قوة   (1) عبد العزيز الدوري، النظم الإسلامية، بغداد، وزارة المعارف د. ت (ص 8، 9، 12) . والعدوي، نظم (ص 12) الشريف، مكة والمدينة (ص 28) . (2) جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط 1، بيروت، دار العلم للملابين، (1970) (ج 4، ص 345) . (3) ابن قتيبة، عيون الأخبار (ج 1، ص 226) . جواد علي، المفصل (ج 4، ص 348) . (4) الألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 18) . والعدوي، نظم (ص 11، 12) . (5) ابن خالدون عبد الرحمن محمد الحضرمي (ت 808 هـ) المقدمة، ط 3، بيروت، دار إحياء التراث العربي د. ت (ص 153) . (6) هو سيد بني عامر في الجاهلية، أدرك الإسلام، وفد إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ولكنه لم يسلم، توفي سنة (10 هـ) . انظر: ابن الأثير، أسد الغابة (ج 3، ص 84) . ابن حجر أحمد بن علي بن محمد بن علي (ت 852 هـ) الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت، دار الكتاب العربي د. ت (ج 2، ص 251) . (7) عامر بن الطفيل، ديوانه (رواية أبي بكر محمد بن القاسم) ، جمع كرم البستاني، بيروت، دار صادر، سنة (1399 هـ، 1979 م، ص 13) . وانظر: ابن قتيبة، عيون الأخبار (ج 1، ص 227) والمبرد، الكامل (ص 212) المنكب: العريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 العصبية، وشرف النسب والخلال الكريمة، وهذه خلال تضعف من الابن إلى الحفيد حتى إذا كان الرابع ابتعد عن طريقهم، وأضاع الخلال الكريمة الحافظة لبناء مجدهم، واحتقرها، وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف، وإنما هو أمر موجب لهم منذ النشأة بمجرد انتسابهم، فيربأ بنفسه عن أهل عصبيته ويرى الفضل له عليهم) «1» . ورئيس القبيلة الناجح في إدارته هو الرئيس الفطن الذي يستمد رأيه من رأي أشراف القبيلة ووجوهها. ويمكن أن نطلق على هؤلاء تسمية (مجلس شورى، أو هيئة عليا، أو مشيخة القبيلة، أو كما أطلق عليه شعراؤهم مجلس السراة) ، ويقول الشاعر الجاهلي مبينا وظيفة هؤلاء «2» : والبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا إذا تولّى سراة القوم أمرهم ... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا «3» لقد كان لهؤلاء «السراة» رقابة على الرئيس (الشيخ) ، ولهم مجامع للمداولة في شؤون الحرب والسلم، وأما مركزهم الذي يجتمعون فيه فهو بيت رئيس القبيلة أو البيوت التي يجلس فيها مساء للسمر «4» . أما دستور القبيلة فهو مجموعة من التقاليد والأعراف الذي حفظته القبيلة من موروثات الاباء والأجداد، فهم يعتزون بهذه وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: 23] ولعل هذا القانون ينحصر في كلمة (العصبية) إذ منها تنبع قواعده وأعرافه «5» . ونلمح كذلك في التنظيمات القبيلة مجموعة من الأشخاص- غير الشيخ ومشيخة القبيلة (سراة القوم) - ولهم دور إداري بارز في حياة القبيلة منهم «العريف» «6» وهذا   (1) ابن خالدون، المقدمة (ص 154) . (2) هو الشاعر الجاهلي «الأفوه الأودي» وهو صلاءة بن عمرو بن مالك بن أود، لقب بالأفوه؛ لأنه كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان، فهو من كبار شعراء الجاهلية القدماء. انظر: عبد العزيز الميمني، الطرائف الأدبية، مجموعة من الشعر القديم تحقيق: عبد العزيز الميمني، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة سنة (1937 م) (ص 3) . (3) الميمني، الطرائف الأدبية (ص 10) . (4) الدوري، نظم (ص 7) . والشريف، مكة والمدينة (ص 26، 27) . ومولوي، الإدارة العربية (ص 23) . (5) الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري (ت 518 هـ) مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السنن المحمدية (1955 م) ، (ج 1، ص 17) . (6) ابن منظور، اللسان (ج 9، ص 238) . الألوسي، بلوغ الأرب (ج 2، ص 186) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ينطبق جيدا على من يتولّى أمر القبيلة، ولا سيما في القبائل التي تتبع الدول، فيكون العريف عينا للملك على القبائل، و «النقيب» «1» وهو شخصية إدارية، ولكنه أقل أهمية من شخصية الرئيس. ولكن يلاحظ أن هناك تداخلا بين المهمة الإدارية لكل من العريف والنقيب فجعلهم بعضهم شخصا واحدا، و «الرائد» «2» ومهمته الإدارية أن يبحث للقبيلة عن الماء والكلأ للنزول عليه، وهذه مهمة خطيرة؛ لأن عليها تتوقف حياة الماشية عماد حياة القبيلة. ولقد كان هناك وظائف عسكرية مهمة في القبيلة منها: «الربيئة» «3» ويقوم بمهمة تسقط أخبار العدو؛ لئلّا يدهمهم على حين غرة، و «الفارس» «4» الذي تتوقف عليه نتيجة المعركة وحسمها، و «حامل الراية» «5» وظيفة أخرى، به يستمد المقاتلون صمودهم، وتحت ظل رايته يقاتلون، وعليها يجتمعون ويلتفون، وهناك «العرّافون» و «الكهنة» و «الشعراء» «6» ، ولهؤلاء جميعا دور بارز في حياة القبيلة العربية. أما القانون الجنائي الذي تمثل في عقوبة «الخلع» «7» و «التغريب» «8» فيطبق على المجرمين الذين يرتكبون جرائم كبيرة، كالقتل أو السرقة أو الخيانة، وغير ذلك. وتشير المصادر إلى أن القانون القبلي ضمن لرئيس القبيلة مجموعة من الحقوق الأدبية والمادية. أما الأدبية: فأهمها توقيره واحترام شخصه، وطاعته والدفاع عن عرضه وشرفه «9» . وأما المادية: فهي مجموعة من الامتيازات التي يمتاز بها عن أفراد قبيلته،   (1) الأصفهاني الحسين بن محمد (ت 502 هـ) المفردات في غريب القران، تحقيق محمد سيد كيلاني، بيروت دار المعرفة، د. ت (ص 503) . وابن منظور، اللسان (ج 9، ص 238) . والألوسي، بلوغ الأرب (ج 2، ص 185) . (2) الزّبيدي، التاج (ج 2، ص 359) . الألوسي، بلوغ الأرب (ج 2، ص 185) . (3) ابن منظور، اللسان (ج 1، ص 802) الزّبيدي، التاج (ج 1، ص 68) . (4) جواد علي، المفصل (ج 5، ص 496) . (5) م. ن (ج 4، ص 345) . (6) الالوسي، بلوغ الأرب (ج 2، ص 5، ص 84، 85، 239) طبعة دار الكتاب العربي، مصر. (7) الخلع: وهي عقوبة الطرد؛ إذ تتبرأ القبيلة من الشخص المخلوع، وتخرجه من ديارها، وتسقط عنه حماية القبيلة. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 8، ص 79) . جواد علي، المفصل (ج 5، ص 587) . (8) التغريب: النفي عن البلد أو الأرض، وكانوا يستعملون هذه لمن يستهتر بعرف القبيلة. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 1، ص 639) . الزّبيدي، التاج (ج 1، ص 411) . (9) ابن خالدون، المقدمة (ص 143) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فله «المرباع» «1» و «الصفايا» «2» و «النشيطة» «3» و «الفضول» «4» ، وقد جمعها الشاعر «5» في قوله: لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول «6» أضف إلى ذلك، أنه كان بإمكان الشيخ أن يحمي نفسه حمى خاصّا لإبله ومواشيه كما فعل كليب بن ربيعة سيد بني تغلب «7» . وهكذا، فإنه يمكننا القول: إن الوظائف الإدارية في القبيلة العربية اقتصرت على خدمة القبيلة، وتحقيق حاجتها الداخلية، والمحافظة على واحدتها، ولم تتطور لتصبح هذه الوظائف منهجا إداريّا واضح المعالم مرسوم الخطوات.   (1) المرباع: ما يأخذه رئيس القبيلة وهو ربع الغنيمة. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 9، ص 457) . الزّبيدي، التاج (ج 5، ص 340) . جواد علي، المفصل (ج 5، ص 265) . (2) الصفايا: ما يصطفيه الرئيس لنفسه من خيل وسلاح وجواري. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 9، ص 457) . والزّبيدي، التاج (ج 5، ص 340) . (3) النشيطة: وهو ما أصاب من الغنيمة قبل أن يصير إلى أفراد القبيلة. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 7، ص 414) والزّبيدي، التاج (ج 5، ص 340) . (4) الفضول: ما عجز عن قسمته لقلته. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 8، ص 101) . والزّبيدي، التاج (ج 5، ص 340) . (5) هو الشاعر عبد الله بن عنمة بن حرثان بن ثعلبة، وهو شاعر إسلامي مخضرم. انظر: ترجمته في الإصابة (ج 5، ص 94) . أحمد شاكر، المفضليات، جمع وتحقيق: أحمد شاكر، وعبد السلام هارون (ط 3) دار المعارف سنة (1964 م) (ص 378) . (6) الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب (ت 216 هـ) الأصمعيات، تحقيق أحمد محمود شاكر، وعبد السلام هارون (ط 2) مصر دار المعارف سنة (1964 م) (ص 37) . وانظر: ابن منظور: اللسان (ج 8، ص 101) . والزّبيدي، التاج (ج 5، ص 340) . (7) الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 هـ) الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، مكتبة الجاحظ (ج 1، ص 320) . ابن دريد أبو بكر الحسن بن دريد (ت 321 هـ) الاشتقاق، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة السنة المحمدية (1387 هـ، 1958 م) (ص 338) . والأصفهاني أبو الفرج علي بن الحسين ابن محمد (ت 306 هـ) الأغاني، راجعه: عبد الله العلايلي واخرون (ط 2) بيروت، دار الثقافة سنة (1376 هـ) (ج 5، ص 34) . ابن منظور: اللسان (ج 14، ص 199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الفصل الأول الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ثالثا: الإدارة في مكة «1» إن المعلومات المتوافرة عن الأحوال الإدارية في هذه المنطقة محدودة جدّا، وأغلبها مستمدّ من الأوضاع السائدة في مكة ويثرب قبل الإسلام، التي كان فيها- أي مكة- تنظيمات قائمة لسدّ الحاجة، وتأمين الدفاع عن مكة وتنظيم شؤون العبادة فيها. وتشير المصادر «2» إلى دور شخصيتين مهمتين في تكوين النظام الإداري لمكة وهما: قصي بن كلاب، وهاشم بن عبد مناف، وقد تعاقبت على مكة قبل ذلك مجموعة من القبائل، ابتداء بولاية إسماعيل عليه السّلام وانتهاء بولاية خزاعة، حيث كانت تلي أمر البيت فهم حجابه وخزانه والقوام به «3» . وأول ما يواجهنا في إدارة قصي «الإدارة المدنية» ، إذ استطاع أن يجمع قبائل قريش من الشعاب، ورؤوس الجبال، وقسّم مكة أرباعا بين قومه، فبنوا المساكن، وكانوا ينكرون البناء بمكة تعظيما للبيت، ولا يدخلون مكة نهارا، فإذا جاء الليل خرجوا إلى منطقة الحل، فلما جمع قصي قومه أذن لهم ببناء البيوت «4» ، فنزل بنو بغيض بن عامر   (1) مكة: «سميت بهذا الاسم؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة، أو من الازدحام. وقيل: مكة اسم المدينة، وبكة اسم البيت وتسمى أيضا: الرأس، وصلاح، وأم رحم، وأم القرى، وغيرها» . ابن الفقيه أبو بكر أحمد بن محمد الهمداني (ت 340 هـ) مختصر كتاب البلدان، ليدن بريل سنة (1302 هـ، 1885 م) (ص 16، 17) . وانظر: الزمخشري، الكشاف (ج 1، ص 446، 447) . السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين (ت 911 هـ) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، (ط 1) بيروت، دار الفكر العربي سنة (1403 هـ، 1983 م) ، (ج 2، ص 266) . (2) ابن هشام أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري (ت 218 هـ) السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقّا واخرون (ط 2) القاهرة، دار الكنوز الأدبية (1955 م) (م 1، ص 111- 113) . وابن سعد محمد بن سعد (ت 230 هـ) الطبقات الكبرى، بيروت، دار صادر د. ت (ج 1، ص 52) . والأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد (ت 250 هـ) أخبار مكة (ج 1) بيروت مكتبة خياط د. ت (ج 1، ص 44- 46) . والفاسي: تقي الدين أبو الطيب محمد بن أحمد (ت 832 هـ) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، مكتبة النهضة الحديثة سنة (1956 م) (ج 1، ص 357، 358) (ج 2، ص 23) . (3) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 59) ابن إسحاق، وابن كثير أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، بيروت، دار المواحد (1402 هـ) (ج 1، ص 60، 61) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 55) . وابن حبيب محمد بن حبيب بن أمية (ت 245 هـ) المنمق في أخبار قريش، تصحيح خورشيد أحمد فاروق (ط 1) حيدر أباد، مطبعة المعارف العثمانية سنة (1384 هـ، 1964 م) ، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وبنو تيم، وبنو محارب بن فهر بظواهر مكة، فسمّوا «قريش الظواهر» «1» وسميت سائر البطون ب «قريش البطاح» وبذلك سمي قصي مجمعا «2» فقال شاعرهم: أبو كم قصيّ كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر وأنتم بنو زيد أبوكم ... به زيدت البطحاء فخرا على فخر «3» استطاع قصي بهذا الفعل أن يكسب ودّ قومه، فنصّبوه رئيسا عليهم، وكان أول رجل من ولد كعب بن لؤي ترأس عليهم وأطاعوه «4» . أنشأ قصيّ لقومه دار الندوة «5» كمركز للحكم والإدارة في مكة، (فكانوا لا ينكحون ولا يتشاورون في أمر، ولا يعقدون لواء بالحرب إلا منها، ولا يدخلها إلا من بلغ سن الأربعين، وكانت الجارية إذا حاضت تدخل دار الندوة، ثم يشق عليها قيم الدار درعها، ثم تنحجب، وكان قصي يفعل ذلك بيده، ثم أصبحت سنة من بعده   - (ص 83، 84) . الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 60، 61) . والبلاذري أحمد بن يحيي بن جابر (ت 279 هـ) أنساب الأشراف د. ت (ج 1، ص 39) . اليعقوبي، أحمد بن يعقوب بن جعفر (ت 292 هـ) تاريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر (1960 م) (ج 1، ص 240) . (1) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 73) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 39) . الطبري، محمد بن جرير (ت 310 هـ) تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، مصر، دار المعارف د. ت (ج 2، ص 51) . ابن الأثير أبو الحسن علي بن أبي الكرم (ت 630 هـ) الكامل في التاريخ، بيروت، دار الكتاب العربي سنة (1967 م) (ج 2، ص 13) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 55) ابن حبيب، المنمق (ص 83، 84) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 63، 64) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 239) . اليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 240، 241) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 13) . (3) الشعر لحذافة بن غانم بن عامر القرشي. انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 71) . وابن حبيب، المنمق (ص 84) واليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 240) والطبري، تاريخ (ج 2، ص 256) . (ابن الكلبي) . وابن عبد ربه، شهاب الدين أحمد محمد بن محمد الأندلسي (ت 328 هـ) العقد الفريد تحقيق: محمد سعيد العريان، دار الفكر د. ت (ج 3، ص 235) . (4) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 124) (ابن إسحاق) . والأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 61- 64) . واليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 240، 241) . ذكرت هذه المصادر: أن أهل مكة نصّبوا قصيّا ملكا، ويبدو لي أن هذه التسمية غير دقيقة، بدليل أن قريشا رفضوا أن يتملك عليهم أحد- كما هو واضح- في قصة عثمان بن الحويرث. انظر: الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 143، 144) . والفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 108) . (5) قال السهيلي: «دار الندوة: هي الدار التي كانوا يجتمعون فيها للتشاور. ولفظها مأخوذ من لفظ الندي والنادي والمنتدى، وهو مجلس القوم يندون حوله، وهذه الدار صارت بعد بني الدار إلى حكيم بن حزام فباعها بمائة ألف درهم في زمن معاوية» . السهيلي أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد (ت 581 هـ) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، مصر، دار الكتب المصرية د. ت (ج 2، ص 55) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 حيث كانوا يتبعون ما كان عليه في حياته كالدين المتبع) «1» . ومن هذه الدار كانت تنطلق قوافل قريش للتجارة، وفي فنائها تحط القوافل إذا رجعت «2» ، فكانت تشكل مركز مكة الرئيسي في معاملاتها الخاصة والعامة. وكان أهل مكة يجتمعون في فناء الكعبة، ويسمى «بنادي القوم» أما دار الندوة فلا يدخلها إلا سادات القوم ووجوههم، وأولو الرأي والشورى فيهم، وهؤلاء يمثلون عادة العشائر والقبائل المختلفة، وكانت هناك نواد خاصة للبطون والأفخاذ تنظر فيها أمورها الخاصة ومشاكلها الداخلية «3» . وكان هؤلاء الذين يدخلون دار الندوة يسمون «الملأ» «4» وهم رجال الإدارة في مكة ينظمون شؤونها العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دون الخضوع لقانون مكتوب أو دستور منظم، وترد الإشارة القرانية وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: 23] «5» ، لتوضح مواد هذا القانون وعناصره. ويلاحظ أن قرارات هؤلاء في معالجة ما يعرض من مشكلات، وما يجد من قضايا مختلفة، وما يتخذ من إجراات، لم تكن ملزمة لأهل مكة إلا بالإجماع عليها، ويشير إلى ذلك الفاسي (ت 832 هـ) بقوله: «لم يكن أحد من هؤلاء متملكا على بقية قريش، إنما ذلك بتراضي قريش عليه» «6» . وربما قام وجوه العشائر والأسر بدور أكثر فاعلية من دور «الملأ» ، ولا سيما في الأمور التي لم تكن تخص مكة بشكل عام «7» .   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 125) (ابن إسحاق) . وانظر ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 77) . والأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 65، 66) . واليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 241) . والطبري، تاريخ (ج 2، ص 258، 259) . وابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 21) . وابن خالدون، عبد الرحمن محمد الحضرمي (ت 808 هـ) تاريخ ابن خالدون (ج 1، ص 16، 17) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 125) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 258، 259) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 13) . (3) الدوري، نظم (ص 10) . جواد علي، المفصل (ج 4، ص 48) . (4) وردت كلمة (الملأ) كثيرا في القران بمعنى جماعة، يجتمعون على رأي. ويبدو أن المراد بها في أكثر تلك المواضع: علية القوم من ذوي الرأي والمكانة. وذكر أن الملأ: التشاور، تشاور الأشراف والجماعة في أمرها. انظر: الطبري محمد بن جرير (ت 310 هـ) تأويل اي القران تحقيق محمد محمود شاكر، مصر، دار المعارف د. ت (ج 5، ص 291) . والأصفهاني أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 هـ) المفردات في غريب القران، تحقيق محمد سيد الكيلاني، بيروت، دار المعرفة (ص 473) . والزّبيدي، التاج (ج 1، ص 119) . (5) الزمخشري، الكشاف (ج 3، ص 484) . والرازي، تفسير (ج 27، ص 206) . والقرطبي، الجامع (ج 16، ص 75) . والسيوطي، الدر المنثور (ج 7، ص 370) . (6) الفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 108) . وانظر: جواد علي، المفصل (ج 4، ص 48، 49) . والدوري، نظم (ص 10) . (7) جواد علي، المفصل (ج 4، ص 48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 لم يكن أهل مكة يخضعون لحكم ملكي أو وراثي، فليس هناك ملك متوج، ولا رئيس واحد يحكمها، وإن كان هناك شخص بارز في «الملأ» هو بمثابة رئيس الملأ إلا أنه لا يستطيع أن يقرر أمرا بعيدا عن مجلس «الملأ» «1» ، وهكذا فإن هناك تشابها كبيرا بين مجلس «الملأ» في مكة، وبين مجلس «شيوخ أثينا» - في القديم- الذين كانوا يجتمعون في المجلس (EKiesia) للنظر في الأمور «2» . لقد تطورت الممارسات الإدارية في مكة لتصبح «المشورة» وظيفة خاصة يقوم بها أناس من ذوي الرأي والعقل والحنكة، وكان بنو أسد هم أصحاب هذه الوظيفة، فكان أهل مكة إذا أرادوا أمرا ذهبوا إلى «يزيد بن زمعة» (ت 8 هـ) من بني أسد، فيعرضونه عليه «فإذا وافقهم والاهم عليه، وإلّا تخيّر وكانوا له أعوانا» «3» . وقد حاول بعضهم أن يخترق النظام الإداري لمكة ويعلن نفسه ملكا عليها، فذهب «عثمان بن الحويرث» «4» إلى قيصر، وطلب منه أن يملّكه على قريش، مقابل أن يدخل قريشا في طاعة روما، ويبدو أن الحكام البيزنطيين رأوا في عثمان الشخصية التي يمكنهم بها أن يلعبوا دورا ما في الجزيرة العربية، ولكن أهل مكة رفضوا أن يتملك عليهم عثمان، وانتهى الأمر باغتياله في بيت أحد أقربائه في مكة «5» . أما «الإدارة الدينية» في مكة فتشمل الوظائف الخاصة بالكعبة ومناسك الحج، وقد قسمت هذه الوظائف بعد وفاة قصي بين بطون مكة وأفخاذها «6» .   (1) قال تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] . قال ابن عباس: «القريتان: مكة والطائف، والرجلان: عروة بن مسعود والوليد بن المغيرة» . انظر: الرازي، تفسير (ج 27، ص 209) . والقرطبي، الجامع (ج 16، ص 83) . السيوطي، الدر المنثور (ج 7، ص 374) . (2) جواد علي، المفصل (ج 4، ص 47) . (3) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . وانظر: الألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 249) . أحمد أبو الفضل، مكة في عصر ما قبل الإسلام، (ط 1) ، الرياض، مطبوعات الملك عبد العزيز سنة (1398 هـ، 1978 م) (ص 60) . (4) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 144) . والزبير بن بكار (256) جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق محمود شاكر (ج 1) القاهرة، دار العروبة (1381 هـ) (ص 209، 210) . والفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 108) . وجواد علي، المفصل (ج 4، ص 92) . (5) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 144) . العقد الفريد، ابن بكار، جمهرة (ص 210) . والفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 108) . ابن حزم، جمهرة (ص 118) . الزّبيدي، مصعب بن عبد الله (236 هـ) نسب قريش، نشرة بروفنسال، دار المعارف د. ت (ص 210) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 130) (ابن إسحاق) . وابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 72، 73) . - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وأهم هذه الوظائف وظيفة «الرفادة» ، فقد فرض قصي على قريش خرجا تخرجه من أموالها، وتدفعه إليه، فيصنع به طعاما يقدمه للحجاج في أيام عرفات ومنى، على اعتبار أن الحجاج هم ضيوف الله «1» ، فقال لهم كما يروي ابن إسحاق (ت 151 هـ) «يا معشر قريش، إنكم جيران الله، وأهل بيته، وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيف الله، وزوّار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج، يصدروا عنكم، ففعلوا» «2» . ويدل هذا العمل على حكمة قصي؛ لأن إمداد الحجاج بالطعام يدعوهم إلى القدوم إلى مكة، ويكسب سكان الحرم وأهله احتراما وتقديرا لدى القبائل الضاربة في أعمال البوادي، والنازلة على خطوط القوافل وطرقها، وظهر هذا الكلام في شعر الأعراب الذين مدحوا قصيّا فقالوا: - اب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زبد قصي لحما «3» ولبنا محضا وخبزا هشما لقد أفاضت المصادر في ذكر فضائل هاشم وكرمه؛ إذ اشتهرت هذه الوظيفة في زمنه «4» ، فكان يطعمهم الخبز والثريد، فقال الشاعر يمدحه ويصف كرمه: عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة مسنتين عجاف سنت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف «5» ويظهر أن الذي كان يتولى الرفادة من بني هاشم هم الأغنياء؛ لأنها تحتاج إلى مال وثروة، فوليها المطلب بن هاشم، ومن بعده عبد المطلب، فأقامها للناس، وشرف في قومه، فكانت هذه الوظيفة في نسله، فوليها العباس بن عبد المطلب «ت 32 هـ» ، وظهر الإسلام وهو على ذلك، فأقره رسول الله صلّى الله عليه وسلم «6» .   - الأزرقي، أخبار مكة (ج 2، ص 66، 67) (ابن إسحاق) . والبلاذري، أنساب (ج 1، ص 52) . (1) ابن هشام، السيرة (م 1 ص 130) . وابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 72، 73) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 130) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 73) . والبلاذري، أنساب (ج 1، ص 53) . (3) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 51) . (4) ابن هشام، السيرة (م 1 ص 130) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 73) . الأزرقي، أخبار مكة (ج 2 ص 67) (ابن إسحاق) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 52) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 251- 254) (محمد بن أبي بكر) . (5) الشعر للشاعر عبد الله بن الزبعري. انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 136) . القالي أبا علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (ت 356 هـ) ذيل الأمالي والنوادر ط 3 مطبعة إسماعيل بن يوسف د. ت (ص 201) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1 ص 135، 136، 147) . وابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 81- 83) . - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وهكذا، فإنه نظرا لشح الماء في مكة، واضطرار الناس إلى جلبه من أماكن بعيدة، قام هاشم وحفر بئرا، كما فعل قصي من قبل، فيسر بذلك الماء لمكة «1» ، وتكمن أهمية السقاية من كون مكة بلدا شحيحا في مياهه، حارّا في مناخه. أصبحت وظيفة السقاية بالغة الخطورة، بعد أن طمرت بئر زمزم، وكانت عملية السقاية تتم عن طريق جمع الماء في حياض من أدم، كانت على عهد قصي توضع بفناء الكعبة، وينقل إليها الماء العذب من الابار على الإبل في المزاود والقرب، وربما قذف فيها التمر والزبيب لكسر ملوحتها «2» . أخذ هاشم يسقي الحجاج؛ قربة إلى رب البيت مادام حيّا، فكان يفعل ذلك طوال حياته «3» ، ثم استقرت هذه الوظيفة في عقبه، فتشير الروايات إلى أن عبد المطلب جهز الحجاج بالماء العذب «4» ثم حفر بئر زمزم «5» ، فكان يقدم الماء ويمزجه بالزبيب «6» . ويبدو أن موضوع السقاية لم يقتصر على الماء، بل تعدى ذلك إلى أن يقدم عبد المطلب للحجاج الحليب مع العسل «7» ، وقام بوظيفة السقاية بعده ابنه العباس (ت 32 هـ) «8» . هناك روايات تبين مدى التنافس بين أشراف مكة في توفير ماء الشرب للحجاج «9» ، فقيل: إن سويد بن هرمي، كان أول من أعطى الحجاج الحليب ليشربوا «10» ، كما أعطى أبو أمية بن المغيرة «زاد الراكب» وأبو وداعة السهمي الحجاج عسلا «11» .   - والأزرقي أخبار مكة (ج 1، ص 71) . والطبري، تاريخ (ج 2، ص 251- 254) (محمد بن أبي بكر) . والنويري، نهاية الأرب (ج 17، ص 313) . الحلبي، نور الدين أبو الفرج علي بن برهان (ت 1044 هـ) إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون «السيرة الحلبية» (ج 1، ص 16، 17) . الألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 250) . (1) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 78) . والأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 69) . والزّبيدي، تاج العروس (ج 3، ص 36) . (2) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 66) . والطبري، (ابن إسحاق) . والنويري، نهاية الأرب (ج 16، ص 35) . والحلبي، السيرة (ج 1، ص 16) . كسر ملوحتها: تحليتها. (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 78) . والنويري، نهاية الأرب (ج 16، ص 35) . (4) المسعودي، علي بن الحسين (ت 346 هـ) مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دار الأندلس سنة (1965 م) (ج 3، ص 103) . (5) المسعودي، مروج (ج 2، ص 103) . الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 70) . (6) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 70) . (7) م. ن (ج 1، ص 70) . (8) السيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 144، 145) . ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . (9) الزّبيدي، نسب قريش (ص 32، 197، 198) . (10) م. ن (ص 342) . (11) ابن حبيب، المحبّر (ص 177) . كستر، الحيرة ومكة وتميم وصلتها بالقبائل العربية، ترجمة يحيى الجبوري، جامعة بغداد، سنة (1396 هـ، 1976 م) (ص 55، 56) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وتشير الاية إلى هذا التنافس، حيث أصبحت هذه الوظيفة من مفاخر قريش الكبرى، قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ «1» [التوبة: 19] وهكذا؛ يبدو لنا أن السقاية لم تكن وظيفة فردية بقدر ما كانت ذات صفة أو سلطة رسمية. وأما السدانة «الحجابة» وهي رعاية البيت «2» ، والقيام على خدمة الزائرين، فكانت من الوظائف المهمة، ولا سيما أن الكعبة تعدّ من أقدس مقدسات العرب، فكانت ولايتها إلى بني عثمان من عبد الدار، ثم وليها عبد العزى بن عثمان ثم أبو طلحة (عبد الله بن عبد العزى) ، ثم وليها ولده، حتى كان فتح مكة فأبقاها النبي صلّى الله عليه وسلم مع عثمان بن طلحة «ت 42 هـ» «3» . ويلاحظ أن هذه الوظيفة بقيت في نسل عثمان إلى يومنا هذا، ذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «خذوها يا ال عثمان خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم» «4» . وكذلك فإن «العمارة» كانت من مفاخر قريش؛ إذ أشار القران الكريم إلى ذلك بقوله: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ [التوبة: 19] وكان يقوم بها العباس (ت 32 هـ) وشيبة بن عثمان، وكانت هذه الوظيفة تعني أن يمنع من يتكلم بالسوء في البيت الحرام «5» . وكانت هناك وظائف إدارية دينية أخرى، ولكنها أقل شأنا من سابقاتها، فالإفاضة من مزدلفة كانت في «عدوان» ، حيث لا يفيض الناس حتى يفيض من يتولى هذه المهمة من عدوان، يتوارثون ذلك أبا عن جد، حتى كان اخرهم الذي قام عليه الإسلام «أبو سيارة عميلة بن الأعزل» «6» . وأما الأموال التي تسمى للالهة، وهي «الأموال المحجرة» ، فكانت وظيفة للحارث ابن قيس من بطن سهم «7» . وكان صفوان بن أمية (ت 41 هـ) من جمح، يتولى عملية   (1) انظر: الطبري، تفسير (ج 14، ص 172) . (2) الألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 24، 249) . أبو الفضل، مكة في عصر ما قبل الإسلام (ص 60، 69) . (3) الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 22) . ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي، (ت 456 هـ) ، جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون، مصر، دار المعارف (1382 هـ، 1962 م) (ص 127) . أبو الفضل، مكة (ص 60) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، 412) . (5) الطبري، تفسير (ج 14، 172) . وابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 271) . وابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1 ص 120، 121) . وابن كثير، السيرة النبوية (ج 1، ص 95) . (7) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . والألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 249) . وأبو الفضل، مكة (ص 60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 «الايار» إذ كانت الأزلام تضرب عند هبل «1» . ويمكن القول إن هذه الوظيفة كانت ذات هدف اقتصادي؛ إذ تجمع الأموال باسم الالهة، وقد أبطلها الإسلام، وأشارت الاية إلى ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة: 90] . وكانت «صوفة» وهي من جرهم تتولى أمر «الإجازة» بالناس من عرفة إذا نفروا إلى منى، وبقيت كذلك حتى قاتلهم قصي، وتولى هو هذه الوظيفة، وهناك روايات تشير إلى أنها (أي جرهم) تولت ذلك حتى انقرض اخرهم «2» ، وبعد تقسيم الوظائف الإدارية بين بطون قريش وأفخاذها، ورثت تميم هذه الوظيفة، كما يقرر ابن حزم (ت 456 هـ) في جمهرته «3» . وهناك وظيفة أخرى غريبة هي «النسيء» فكانت تلي ذلك كنانة، فكانوا ينسئون الشهور، يلي ذلك منهم بنو ثعلبة بن الحارث بن مالك، وكانوا يسمون «القلامسة» فكان يقوم «القلمس» أيام التشريق، فيسألونه أن يؤخر المحرم، فيؤخر «المحرم» «4» . وقد أشارت الاية إلى هذه الوظيفة وجعلتها جزا من الكفر: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً [التوبة: 37] . أما «الإدارة المالية» لمكة فلها أهمية خاصة، ويمكن القول: إن الوظائف الدينية في كثير من جوانبها ترتبط ارتباطا وثيقا بإدارة مكة الناجحة لشؤون تجارتها وأموالها. تقع مكة في واد غير ذي زرع، لذلك كان عماد حياة أهلها التجارة، وهناك إشارة تبين أن قريشا كانوا تجارا، ولم تكن تجارتهم تتجاوز مكة، فكان التجار يحملون تجارتهم إلى مكة يبيعون بضائعهم لأهلها «5» ، وبقيت تجارتهم كذلك حتى ذهب هاشم إلى الشام، وأظهر من الكرم وحسن المعاملة ما جعل قيصر يسمع به ويقربه، وطلب من قيصر أن يكتب له كتابا يؤمن به تجارة مكة، وكذلك فعل هاشم مع   (1) م. ن (ج 3، 26) . م. ن (ج 1، 249) . م. ن (ص 60) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 119) . والطبري، تاريخ (ج 2، ص 257) (ابن إسحاق) ابن كثير، السيرة (ج 1، ص 95) . الشيخ الرئيسي أبو البقاء وهبة الله الحلّي (المتوفى في النصف الأول للقرن السادس) . المناقب المزيدية تحقيق صالح درادكة ومحمد خريسات ط 1 مكتبة الرسالة عمان (1404 هـ، 1984) (ص 321- 323) . (3) ابن حزم، جمهرة (ص 12، ص 303) . وكستر. الحيرة (ص 78، 79) . (4) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 43) . وابن حبيب، المحبّر (ص 156، 157) المنمق (ص 273) . والطبري، تاريخ (ص 280) . وابن حزم، جمهرة (ص 189) . وأبو البقاء، المناقب المزيدية (ص 320) . (5) القالي، ذيل الأمالي (ص 201) . وكستر، الحيرة ومكة (ص 43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 سادات القبائل وأشرافهم «1» ، وبحسب روايات المصادر، يكون هاشم أول من أخذ الإيلاف «2» ، ثم أخذه المطلب من اليمن، وعبد شمس من الحبشة، ونوفل- أصغرهم- من العراق «3» ، وبذلك استطاع أهل مكة أن يديروا تجارة دولية واسعة شملت هذه الدول جميعا. ويلاحظ أن هاشما قد جعل للقبائل جزا من أرباحه، وأشركهم في تجارة مكة، يقول الجاحظ (ت 255 هـ) : «وشرك في تجارته رؤساء القبائل من العرب، وجعل لهم ربحا» «4» ، وقال: «فكان المقيم رابحا، والمسافر محظوظا» «5» . أما على المستوى الداخلي، فقد استطاع هاشم أن يشرك الفقراء مع الأغنياء في التجارة، وصارت القوافل مشروعا مشتركا، يشترك فيها أهل مكة جميعا، وقد ظهر هذا في أبيات مطرود بن كعب القائل: والخالطين فقيرهم بغنيّهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي «6»   (1) ابن حبيب، المنمق (ص 31- 40) . المحبّر (ص 162) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 252) (محمد بن الكلبي) . القالي، ذيل الامالي (ص 201) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 16) . (2) سمى ابن سعد (ت 230 هـ) الإيلاف (حلفا) . ويستعمل ابن حبيب (ت 245 هـ) كلمة (الإيلاف) . ويستعمل البلاذري (ت 279 هـ) كلمة (عصام) ، ويستعمل الطبري (ت 310 هـ) الكلمتين (عصام وجعل) . ويستعمل القالي (ت 356 هـ) كلمة (العهد) . انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 75- 80) . ابن حبيب، المحبّر (ص 162) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 59) . الطبري، (ج 2، ص 252) . القالي، ذيل الأمالي (ص 201) . (3) ابن حبيب، المنمق (ص 31- 40) . المحبّر (ص 162) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 59) . اليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 242) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 252) . (محمد بن الكلبي) . القالي، ذيل الأمالي (ص 201) . العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله (ت 395 هـ) الأوائل، تحقيق محمد السيد الوكيل، المدينة المنورة، سنة (1966 م) (ص 17) . والثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (ت 429 هـ) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر، دار المعارف سنة (1965 م) (ص 115، 116) . وصالح درادكة، إيلاف قريش، مجلة دراسات تاريخية، جامعة دمشق، العددان: (17، 18) ، (1984 م) (ص 55) . (4) الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 هـ) رسائل الجاحظ، جمع حسن السندوبي، القاهرة، المكتبة التجارية سنة (1933 م) (ص 70) . والثعالبي، ثمار القلوب (ص 115، 116) . القالي، ذيل الأمالي (ص 201) . (5) الجاحظ، رسائل (ص 71) . (6) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 58) (ابن الكلبي) . واليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 241، 242) . الطبرسي، وأبو علي الفضل بن الحسين، مجمع البيان في تفسير القران، تحقيق السيد هاشم الرسولي الملالي، والسيد فضل الله اليزدي الطباطبائي (ط 1) بيروت، دار المعرفة (1406 هـ، 1986 م) (ج 10، ص 827- 831) (سورة قريش) . وكستر، الحيرة ومكة (ص 51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وبهذه الإدارة الجيدة من هاشم على المستويين الخارجي بأخذ الإيلاف من رؤساء الدول والقبائل العربية، والداخلي بإشراك أصحاب المبالغ الصغيرة مع الأغنياء، توسعت تجارة قريش، وأصبحت تلعب دورا مهمّا في التجارة الدولية في ذلك الوقت. وبحكم موقع مكة ودورها التجاري وتوسطها القبائل العربية، أصبحت مكة سوقا للتبادل التجاري، تحصل القبائل العربية منها على حاجاتها، واستطاعت مكة أن تحافظ على هذا المركز بأن حرّمت الظلم في أسواقها، ومن أجل هذه الغاية كان حلف الفضول «1» ، حيث تعاقدت خمسة بطون قرشية ألاتدع مظلوما إلا نصرته «2» ، ويظهر أن هذا الحلف جاء بعد حصول نوع من التجاوزات في الأسواق المكية، وترد إشارات إلى أن هذه الأسواق كانت تدار بطريقة دقيقة، فكان لكل سوق قوم ينظمون شؤونه، ويحافظون على الأمن والنظام فيه، وكان هناك من يحمل السلاح في الأسواق لردّ المظالم «3» . ويشير إلى ذلك اليعقوبي (ت 292 هـ) بقوله: «وكان في العرب قوم يستحلون المظالم إذا حضروا هذه الأسواق فسموا المحلين، وكان فيهم من ينكر ذلك وينصب نفسه لنصرة المظلوم والمنع من سفك الدماء وارتكاب المنكر فيسمون الذادة المحرمين» «4» . وتشير الروايات إلى دقة إدارة هذه الأسواق، فلكل سوق تاريخ معين يفترض ألا تتجاوزه، فيسمى لها تاريخ معين تبدأ فيه، ويسمى لها تاريخ تنتهي فيه، وقد ذكر هذه التواريخ مفصلة ابن حبيب (ت 245 هـ) في المحبّر «5» ، واليعقوبي (ت 292 هـ) في التاريخ «6» ، والقلقشندي (ت 821 هـ) في صبح الأعشى «7» .   (1) قال النبي صلّى الله عليه وسلم عن حلف الفضول: «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه» رواه أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) . مسند أحمد، بيروت، دار صادر، المكتب الإسلامي. د. ت (ج 1، ص 190، 193) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 122) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 126- 128) . وابن حبيب، المحبّر (ص 167) . المنمق (ص 45- 50) . والمقدسي، مظهر بن طاهر (ت 360 هـ) كتابه البدء والتاريخ، بغداد مكتبة المثنى سنة (1899 م) (ج 4، ص 137) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 122) . وابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 126) . وابن حبيب، المنمق (ص 45- 50) . المحبّر (ص 167) . واليعقوبي، تاريخ (ج 3، ص 17، 18) . والفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 99، 100) . (3) جواد علي، المفصل (ج 7، ص 369) . (4) اليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 271) . (5) ابن حبيب، المحبر (ص 263- 268) . (6) اليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 236) . (7) القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد (ت 821 هـ) صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القاهرة، وزارة الثقافة المصرية د. ت (ج 1، ص 410) (نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وظهر في مكة نظام «الحمس» وهو ذو دلالة اقتصادية، وكانت مكة تطبقه على غير القرشيين، وهناك صلة بين نظام «الإيلاف» ونظام «الحمس» «1» ، فالإيلاف امتازت به مكة عند القبائل العربية والدول المجاورة خارج مكة، و «الحمس» امتازت به مكة عند القبائل داخل مكة أيام الموسم «2» . وتشير المصادر إلى أن مكة أصبحت سوقا مالية، فقد لعب الصيارفة دورا رئيسيّا في الحياة الاقتصادية، فكان هؤلاء يديرون عملية تبادل السلع والعملات، ويقرضون التجار، وأحيانا كان يلجأ الصيرفي إلى التجار في حالة الإفلاس، فيشير المبرد (ت 285 هـ) : «أنه افتقر رجل من الصيارفة بإلحاح الناس في أخذ أموالهم التي كانت لديه ... فسأل جماعة من الجيران أن يسيروا معه إلى رجل من قريش كان موسرا لمبادلته ... فذهبوا إليه» «3» وهذا يدل على أن الصيارفة كانوا يتاجرون بالأموال، فهم مركز مصرفي أخذا وعطاء. بقي أن نذكر في إدارة مكة المالية قضية «الضرائب» التي كانت تأخذها مكة. فقد اصطلحت قريش أن تأخذ ممن كان ينزل عليها في الجاهلية حقّا دعته «حق قريش» «4» ، فكانوا يأخذون من الغريب القادم إليهم عن هذا الحق بعض ثيابه أو بعض بدنته التي ينحر. ونجد مثلا على ذلك (أن ظويلم- مانع الحريم- خرج يريد الحج فنزل على المغيرة بن عبد الله المخزومي، فأراد المغيرة أن يأخذ منه ما كانت قريش تأخذ فامتنع عليه ظويلم) «5» . وكانت هناك ضريبة «العشر» مقررة في كل سوق، يستوفيها عشارون ممن يبيع ويشتري المشرف على السوق ومن في أرضه يقام «6» . ومن هنا، فقد تنافس هؤلاء   (1) الحمس: قال ابن إسحاق: «وقد كانت قريش- لا أدري أقبل الفيل أم بعده- ابتدعت قضية الحمس، فقالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت، فأصبحوا لا يعظمون شيئا من الحل كما يعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت بكم العرب، فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها» . انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 199) . وانظر الأزرقي، أخبار (ج 1، ص 118، 119) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، 199) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 72) . ابن حبيب، المحبّر (178، 179) . الأزرقي، أخبار مكة (ج 1، ص 119- 123) . الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 هـ) البلدان، نشره صالح العلي مستلة من مجلة كلية الاداب بغداد مطبعة الحكومة سنة (1970) (ص 472) . ودرادكة، الإيلاف مجلة دراسات تاريخية عدد (17، 18) (ص 54- 55) . (3) المبرد، الكامل (ص 459) . (4) ابن دريد، الاشتقاق (ص 282) . (5) سمي مانع الحريم؛ لأنه امتنع من دفع ثيابه أو بعض بدنته لأهل مكة، انظر ابن دريد، الاشتقاق (ص 282) . (6) ابن منظور، اللسان (ج 4، ص 568) . الزّبيدي، التاج (ج 3، ص 400) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الأشراف على رياسة السوق؛ لأنهم كانوا يأخذون «المكس» أيام السوق «1» ، ولعل هذه الأموال التي تعثر بها البضاعة، كان نصيب منها يذهب للإنفاق على الحجابة والرفادة، وتحمل الأشناق ونفقات الدفاع عن المدينة «2» . ولنا أن نتصور كيف يكون هناك نظام معين لحفظ السجلات، تحفظ بمقتضاه معاهدات التحالف والاتفاقيات التجارية. أما «الإدارة العسكرية» في مكة، فكانت ضرورية لحماية الأمن والدفاع عن مكة وتجارتها. وتذكر الروايات أن الذين كانوا يدافعون عن الحرم هم قريش «الظواهر» إذ كانوا أصحاب بأس وشدة فسموا «المناسر» «3» ، أما «قريش البطاح» فكانوا أهل غنى وجاه وسيادة فسموا «الضب» للزومها الحرم «4» . وكان هناك جماعة متطوعة للدفاع عن مكة وهم «الأحابيش» فتحالفوا هم وأهل مكة «تحالفوا بالله إنّا ليد على غيرنا ما سجا ليل وأوضح نهار، وما رسا حبشي مكانه» «5» . ويظهر أن أهل مكة رأوا في الأحابيش قوة يمكن استغلالها في الدفاع عن الحرم فعقدوا معهم حلفا، وقد وصف شاعر الأحابيش هذا الحلف بقوله: إنّ عمرا وإنّ عبد مناف ... جعلا الحلف بيننا أسبابا «6» ويصف اليعقوبي (ت 212 هـ) هذا الحلف بقوله: «وكان تحالف الأحابيش على الركن، يقوم رجل من قريش والاخر من الأحابيش، فيضعان أيديهما على الركن فيحلفان بالله وحرمة البيت والمقام والركن والشهر الحرام على النصر على الخلق جميعا حتى يرث الله الأرض ومن عليها ... فسمي حلف الأحابيش» «7» .   (1) ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626 هـ) معجم البلدان، بيروت، دار صادر، دار إحياء التراث العربي، سنة (1979 م) (ج 4، ص 142) . (2) جواد علي، المفصل (ج 7، ص 480) . (3) المناسر: طلائع الجيش. انظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 39، 40) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 13) . (4) م. ن (ج 1، ص 40) . م. ن (ج 2، ص 13) . (5) وهم بنو المصطلق والحياء بن سعد بن عمرو وبنو الحارث بن خزيمة اجتمعوا بذنب حبشي، وهو جبل بأسفل مكة؛ فسموا بذلك. وقيل: سموا بذلك لاجتماعهم، والتحابش هو: التجمع في كلام العرب. انظر: ابن رشيق أبا علي الحسن ابن رشيد القيرواني (ت 456 هـ) العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ط 1) مصر، مطبعة السعادة (1383 هـ، 1964 م) (ج 3، ص 194) . ابن منظور، اللسان (ج 6، ص 378) . (6) م. ن (ج 2، ص 194) . م. ن (ج 6، ص 17، 278) . ابن حبيب، المحبّر (ص 246) . والبلاذري، أنساب (ج 1، ص 53، 79) . (7) اليعقوبي، تاريخ (ج 1، ص 212) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وفي حالة النفير كان الأغنياء يشاركون في تمويل الأفراد وتسليحهم، فهذا عبد الله بن جدعان كان في حرب الفجار على قومه «بني تيم» وأمدهم بالسلاح والمال، فأعطى مائة رجل سلاحا كاملا، وذلك «يوم شعطة» ، غير ما ألبس من بني قومه والأحابيش «1» وحمل مائة رجل على مائة بعير، قيل: ألف رجل على بعير وذلك يوم شرب «2» . ولا شك في أن الأغنياء غيره كانوا يشاركون بالنفقة على السلاح والتجهيز للحرب في حالة تعرض مكة للخطر. وكان من ضمن استعداد مكة للحرب أنها أوجدت بعض الوظائف في السلم عهدت إلى أصحابها القيام، منها: «القبة والأعنة» «3» وكانت هذه الوظيفة إلى مخزوم فوليها منهم خالد بن الوليد (ت 21 هـ) ، وكان هناك من تخزن مكة عنده سلاحها وهو «عبد الله بن جدعان» فإذا احتاجوا إليه وزعه بينهم «4» . ومن الوظائف التي كان لها علاقة بالإدارة العسكرية «القيادة» و «اللواء» ، وكانت لبني أمية حيث تولاها منهم أبو سفيان بن حرب «ت 22 هـ» ، وبقي يقوم بها حتى جاء الإسلام «5» . وكانت راية مكة تسمى «العقاب» «6» . ويبدو أن التنظيم العسكري كان يقتضي أن يتولى سادات مكة قيادة أحيائهم، فيقود كل سيد شعب أبناء قومه، ويوجههم حيث يرى في المعركة «7» ، أما التنسيق بين خطط المقاتلين لإنجاح المعركة فيكون أمره إلى من يتولى قيادة قريش «8» ، فيتولى إدارة المعركة، وتوجيه قيادات القبائل، لتنفيذ الخطة العامة. أما «الإدارة الدبلوماسية» لمكة، فتشمل بعض الوظائف البسيطة التي تنظم علاقاتها   (1) المقدسي، البدء والتاريخ (ج 4، ص 134، 135) . والجوهري إسماعيل بن حماد (ت 393 هـ) ، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية تحقيق أحمد عبد الغفور (عطار/ ط 1) بيروت، دار العلم للملابين سنة (1979 م) (ج 2، ص 878) . وابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 359- 361) . والنويري، نهاية الأرب (ج 15، ص 427) . ومحمد أحمد جاد المولى، أيام العرب في الجاهلية، مطبعة عيسى البايي الحلبي. د. ت (ص 331) . (2) النويري، نهاية الأرب (ج 15، ص 429) . والعصامي عبد الملك بن حسين بن عبد الملك (ت 1111 هـ) ، نمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، قطر، المطبعة السلفية. د. ت (ج 1، ص 196) . (3) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 2، ص 226) . وابن الأثير، أسد الغابة (ج 2، ص 93) . جاد المولى، أيام العرب (ص 329) . (4) جاد المولى، أيام العرب (ص 329) . (5) ابن حبيب، المحبّر (ص 164، 165) والأزرقي، أخبار (ج 1، 71) . وابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . وابن خالدون، تاريخ (ج 1، ص 16) . والألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 248، 249) . (6) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 436) . وابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 588- 590) . (7) الأزرقي، أخبار (ج 1، ص 63- 66) . (8) جواد علي، المفصل (ج 5، ص 250) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الخارجية، «فالسّفارة» عرفت كوظيفة إدارية «لبني عدي» فكان أهل مكة إذا أرادوا أن يبعثوا سفيرا بعثوا عمر بن الخطاب (ت 23) «1» وقبلوا سفارته في حالة السلم أو الحرب، وكانت هذه المهمة تحتاج إلى فطنة خاصة، ومعرفة بالقبائل وأوضاعها وأنسابها فكانوا «يبعثونه منافرا أو مفاخرا ورضوا به» «2» . وهناك إشارات تفيد أن «البريد» عرف في مكة قبل الإسلام، وقد ظهر ذلك في شعر ينسب إلى «ورقة بن نوفل» قاله عندما قتل عثمان بن الحويرث في بيت «ابن جفنة الغساني» فاتهم به، وكان يعرف ب «راكب البريد» «3» فقال ورقة: وركب البريد مخاطرا عن نفسه ... ميت المظنة للبريد المقصد «4» لقد أتقن المكيون بناء العلاقات وعقد المعاهدات مع جميع الأطراف، ولعل في الإيلاف مصداقا لذلك. واستطاعت مكة أن تلعب لعبة التوازن بإتقان بين الشرق والغرب في ذلك الحين، وحافظوا على سياسة الحياد في تعاملهم مع الروم والفرس، فكان لديهم المرونة والقدرة على التحرك واستثمار العلاقة العدائية بين الفرس والروم «5» . لقد حاول الروم غير مرة احتواء مكة، ولكنهم باؤوا بالفشل «6» . واستطاع المكيون أن يحافظوا على معاهدتهم الخارجية المتمثلة بالإيلاف «وأن يحافظوا على تقاليد الحكم في المجتمع المكي المتمثلة بقيادة الملأ» . ومن الإدارات التي يشار إليها في مكة «الإدارة القضائية» حيث كان هناك قضاة يحكمون بين الناس، فكان عامر بن الظرب يجلس في الأسواق والمواسم فيأتيه الناس من شتى القبائل فيحكم بينهم «7» . ويلاحظ أن القضاة بعد عامر كانوا من بني تميم «8» ، وقد افتخر الشعراء التميميون في قصائدهم بالواجبات التي قامت بها تميم ومنها القضاء بين الناس، فيقول الفرزدق (ت 114 هـ) :   (1) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . وابن الجوزي عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ) ، تاريخ عمر بن الخطاب، تحقيق أسامة عبد الكريم الرفادي. د. ت (ص 22) . أبو الفضل، مكة (ص 60) . (2) ابن الجوزي، تاريخ عمر (ص 22) . (3) مصعب الزبيري، نسب قريش (ص 210) . (4) م. ن (ص 261) . (5) إبراهيم بيضون، الإيلاف القرشي، مجلة تاريخ العرب والعالم، عدد (43، 1982) (حلقة رقم 2) (ص 29) . (6) كما حدث مع عثمان بن الحويرث الذي قتلته مكة نتيجة لذلك، انظر: الأزرقي، أخبار (ج، ص 143، 144) . والزبير بن بكار، جمهرة (ص 209، 210) . والفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 108) . وبيضون، الإيلاف القرشي (ص 30) . (7) ابن حبيب، المحبر (ص 181، 182) . (8) م. ن (ص 182) . وابن حزم، جمهرة (ص 208) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وعمي الذي اختارت معد حكومة ... على الناس إذ وافوا عكاظ بها معا هو الأقرع الخير الذي كان يبتني ... أواخي مجد ثابت أن ينزّعا «1» ويشير ابن حبيب (ت 245 هـ) إلى أسماء قضاة تميم، ويذكر أن اخرهم كان سفيان بن مجاشع، هو اخر من اجتمع له الموسم والقضاء في عكاظ حتى جاء الإسلام «2» . وهناك وظيفة أخرى لها علاقة بالقضاء وهي الأشناق «3» وكانت لأبي بكر (ت 13 هـ) ، وهي من بني ابن تيم، فكان إذا احتمل منها شيئا أعطته قريش بدل ما تحمل من المغارم «4» . ويظهر أن هذه الوظيفة كانت ثابتة لأبي بكر. فإن قام بها غيره لم يعط شيئا منها «5» . وهذا يدل على أن تقدير الأشناق لصاحبه فقط وإن كان يقوم به غيره أحيانا. وهكذا استطاعت مكة أن تصل إلى درجة من التنظيم الإداري كان في جوهره تنظيما قبليّا «6» ، تطور بحسب مقتضيات المصالح المكية، وبقيت مكة تحافظ على هذا التنظيم بوظائفه المختلفة حتى قام الإسلام، فألغاها النبي صلّى الله عليه وسلم باستثناء السدانة والسقاية والرفادة؛ إذ هي خدمات عامة ضرورية، إلا أن أهميتها قد خفت، لا سيما أن هذه الوظائف مرتبطة بشكل كبير بموسم الحج، وهو موسم وقتي محدود.   (1) الفرزدق، همام بن غالب صعصعة (ت 114 هـ) شرح ديوان الفرزدق، شرح إيليا الحاوي، (ط 1) بيروت، دار الكتاب اللبناني، سنة (1983 م) (ج 2، ص 430) . (2) ابن حبيب، المحبّر (182) . وكستر، الحيرة ومكة (ص 78) . (3) أي تحمل الديات والمغارم. انظر: الزّبيدي، التاج (ج 6، ص 400، 401) . (4) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . والزّبيدي، التاج (ج 6، ص 400، 401) . والألوسي، بلوغ الأرب (ج 1، ص 249) . وأبو الفضل، مكة (ص 60) . (5) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 3، ص 236) . (6) انظر: تفاصيل ذلك في: الشريف، دور الحجاز (ص 16) . H.Lammens, Lamecguealev aile del, Hegiy, extract from melange univ.st, joseph, Birut ix, fasc. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الفصل الأول الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام رابعا: الإدارة في يثرب «1» تختلف الروايات التي تصور لنا أول من سكن يثرب، إذ تذكر بعض الروايات أن أول من سكن يثرب هم العماليق ثم تغلب عليهم اليهود «2» ، وبعد سيل العرم «3» في اليمن قدم العرب «الأوس والخزرج» ونزلوا يثرب إلى جانب اليهود «4» . إن المعلومات عن إدارة يثرب قليلة ومضطربة، وهي عبارة عن إشارات قليلة بعكس المعلومات عن إدارة مكة، ومن هنا، فإننا لا نعرف عن يثرب إلا النزر القليل. ولعلنا من خلاله نعطي صورة أولية عن إدارة يثرب قبل الإسلام. «فإدارة يثرب المدنية» كانت بيد اليهود ابتداء؛ إذ كان اليهود قد نزلوا في شعاب المدينة فأقاموا فيها المزارع والبساتين «5» ، وكان اليهود يخضعون في حكمهم للأحبار   (1) يثرب: «سميت بذلك؛ لأن أول من سكنها بعد التفرق يثرب بن فانية بن مهلهل بن أزم، وقد ذكر لها السمهودي أسماء كثيرة: أشهرها طيبة والباقية والمباركة وغيرها» . انظر: ابن الفقيه، مختصر (ص 23) . والبكري عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (487) . معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت، سنة (1945 م) (ج 2، ص 1389) . ياقوت، معجم (ج 5، ص 430) . والسمهودي جمال الدين أبو المحاسن عبد الله بن السيد الشريف (ت 1011 هـ) وفاء الوفا في أخبار دار المصطفى، مطبعة الاداب والمؤيد، مصر سنة (1326 هـ) (ج 1، ص 7- 19) . (2) الأصفهاني، الأغاني (ج 19، ص 94) . والسهيلي، الروض (ج 4، ص 290) . وابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 286) . وجواد علي، المفصل (ج 4، ص 133) . (3) ذكرت قصة سيل العرم في القران، انظر: سورة الزخرف: اية (15، 16) . سيل العرم: ماء أحمر أرسله الله في السد فغار الماء. وقيل: العرم: اسم الوادي، وقيل: المطر الشديد الذي أرسله الله عليهم. انظر: الزمخشري، الكشاف (ج 3، ص 385) . والقرطبي، الجامع (ج 14، ص 285) . وأبا حيان أثير الدين أبا عبد الله بن يوسف (ت 754 هـ) البحر المحيط (ط 1) مطبعة السعادة، مصر سنة (1328 هـ) (ج 8، ص 269) . والسيوطي، الدر المنثور (ج 6، ص 691) . (4) ابن رستة أبو علي أحمد بن عمران (توفي نحو 300 هـ) الأعلاق النفسية ليدن، نسخة مصورة عن بغداد، مكتبة المثنى سنة (1891 م) (ص 630) . وابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 655) . وابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 288، 289) . والسمهودي، وفاء (ج 1، ص 125) . (5) ابن رستة، الأعلاق (ص 63) . وابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 655، 658، 680، 681) . وابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 288، 289) . والسمهودي، وفاء (ج 1، ص 125، 126) . وسيديوا، تاريخ العرب العام، ترجمة عادل زعيتر، دار إحياء الكتب العربية (1367 هـ، 1948 م) (ص 51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الذين يرجع إليهم اليهود في كل قضاياهم السياسية والإدارية والقضائية «1» . وقد أشارت الاية القرانية إلى ذلك فقال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31] «2» . ويبدو أن هؤلاء الأحبار كانوا يرهقون الناس بأخذهم الأموال مقابل المعاملات التي يقومون بها من زواج وطلاق وقضاء وغيرها، فقال الله تعالى ينعي عليهم ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ [التوبة: 34] «3» . ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة إن قلنا: إن الإدارة عند اليهود كانت إدارة دينية بحتة يقوم بها الأحبار ورجال الدين اليهودي. أما الإدارة المدنية عند العرب الذين نزلوا بجانب اليهود، فكانت قد نظمت بأن انقسمت يثرب إلى دوائر زراعية «4» ، كل دائرة تابعة لبطن من البطون، وكل بطن من البطون الكبيرة يضم طائفة من البطون الصغيرة، يشرف عليها شيخ كل بطن من البطون، كما أشار إلى ذلك السمهودي (ت 1011 هـ) في كتابه «5» . ومع الوقت أصبح هناك شبه توازن في نظام الحكم بين بطون يثرب الكبيرة، فكانت كل البطون تثور إذا أراد بطن كبير أن يستأثر بالنفوذ «6» ، إذ إن إقامة نوع من الحكم يهيمن على الشؤون العامة لم يكن ممكنا، فلم تذكر الروايات أن أهل يثرب قد خضعوا لرئيس واحد، ويبدو أن الحروب التي قامت بين الأوس والخزرج كانت نتيجة لهذا التنافس القبلي على الرياسة، واحتلال مركز الصدارة في يثرب «7» . ولعل اليهود كان لهم الدور الأكبر في إثارة هذه النزاعات.   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 550، 564، 566) (ابن إسحاق) . ولفنستون إسرائيل، تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، لجنة التأليف والنشر، القاهرة (1927 م) (ص 21، 22) . (2) انظر: الزمخشري، الكشاف (ج 2، ص 185، 186) . والسيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 174) . (3) انظر: ابن كثير، مختصر تفسير ابن كثير، اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني (ط 7) بيروت، دار القران الكريم (1402 هـ، 1981 م) (ج 2، ص 138، 139) . (4) السمهودي، وفاء (ج 1، ص 134، 135) . الشريف، دور الحجاز (ص 50) . (5) السمهودي (ج 1، ص 134، 135) . وعن بطون الأوس والخزرج وتقسيماتها انظر: ابن الأثير، الكامل. (ج 1، ص 656- 658) . والسمهودي (ج 1، ص 136، 137، 146، 147، 148، 149) . (6) السمهودي، وفاء (ج 1، ص 152- 156) . ولفنستون، تاريخ (ص 118) . (7) عن الحروب بين الأوس والخزرج انظر: ابن رستة، الأعلاق (ص 64) . وابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 659، 663، 665، 672، 673، 676، 677، 678، 680، 681، 682) . والسمهودي، وفاء (ج 1، ص 152- 156) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ويلاحظ أنه في أواخر عهد يثرب بالجاهلية، حاول أهلها أن يصلوا إلى صيغة مشتركة من أجل حكمها وإدارتها، وذلك بأن يحكم يثرب أحد زعماء الأوس عاما، وأحد زعماء الخزرج عاما اخر؛ أي أن يكون الحكم بالتناوب «1» . فاصطلحوا ابتداء أن يكون عبد الله بن أبي بن سلول (ت 9 هـ) ملكا عليهم «2» ، ولم نجد في الروايات ما يشير إلى وجود «ملأ» ليثرب، أو مكان للاجتماع «كدار الندوة» ، ولكن بعض الإشارات تفيد أن وجهاء كل بطن كان لهم مكان يجتمعون فيه يسمى «السقيفة» «3» . أما «إدارة يثرب المالية» فتتمثل في أن اليهود قد استوطنوا هذه المنطقة لخصوبتها، فأقاموا الحوائط وحفروا الابار للشرب والسقي «4» ؛ ولذلك فقد عرفت يثرب وما حولها بكثرة نخلها، ويلاحظ أن اليهود والعرب قد أداروا هذه الزراعة بنجاح كبير، فزرعوا النخل على شكل صفوف في بساتين منظمة، حتى إن البطون والقبائل نزلت ونظمت نفسها في شعاب، وفي الشعاب بساتين، وفي البساتين قنوات وابار «5» . ساعدت خصوبة التربة مع وجود الماء في يثرب على زراعة أنواع مختلفة من المزروعات، ولعل أشهرها جميعا «النخيل» ، وعليه كان يعتمد أهل يثرب في طعامهم وتجارتهم «6» .   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 584، 585) . والبيهقي أبو بكر أحمد بن حسين (ت 458 هـ) ، دلائل النبوة تعليق عبد المعطي القلعه جي، (ط 1) دار الكتب العلمية، بيروت (ج 1، ص 449، 500) . ومحمد رأفت عثمان، رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي، مطبعة السعادة القاهرة، د. ت (ص 9) . (2) ابن حبيب، المحبّر (ص 233) . وابن حزم، جمهرة (ص 354، 355) . وابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 680، 681) . وابن خالدون (ج 2، ص 289، 290) . والمقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 هـ) إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع، تحقيق محمود محمد شاكر (ط 2) الشؤون الدينية قطر، د. ت (ج 1، ص 99) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 584، 585) . والبيهقي، دلائل (ج 1، ص 499، 500) . وجواد علي، المفصل (ج 4، ص 253) . (4) الطبري، تاريخ (ج 2، ص 357) . (رواية ابن إسحاق) . وابن منظور، اللسان (ج 7، ص 279، 280) . (5) م. ن (ج 2، ص 357) (ابن إسحاق) . م. ن (ج 2، ص 279، 280) . والزّبيدي، التاج (ج 5، ص 123) . والسمهودي، وفاء (ج 1، ص 133- 135) . (6) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 76، 95، 96، 97، 101، 102) . والخزاعي علي بن عمر التلمساني (ت 789 هـ) ، تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، تحقيق أحمد محمد أبي سلامة، القاهرة (1980 م) (ص 712، 713) . والكتاني، عبد الحي الإدريسي الحسني الفاسي (لم يعرف تاريخ وفاته) نظام الحكومة النبوية المسمى «التراتيب الإدارية» ، دار إحياء التراث العربي، بيروت د. ت (ج 1، ص 400- 403) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 افتخر أهل يثرب بإتقانهم زراعة النخيل، حتى إننا نجد كعب بن مالك (ت 50 هـ) افتخر على مكة يوم الخندق (5 هـ) بأن قومه غرسوا النخيل حدائق تسقى بالنضح من ابار حفرت على زمن عاد، وأن لهم الزرع الذي يتباهى بسنبله الجميل «1» . وكانت إدارة هذه المزارع والابار عن طريق أصحابها فيحفرون الابار «2» . ليستفيدوا من مياهها، وقد يكرونها لغيرهم مقابل أجرة معينة «3» . وكان لليهود دور كبير في زراعة يثرب، فأدخلوا أنواعا من الأشجار، وطرقا جديدة للحراثة والزراعة «4» . أما الصناعة فقد اشتهر بها اليهود، فكان يهود بني قينقاع يشتهرون بصناعة «الصياغة» «5» ، وكان هناك كثير من الصناعات المعتمدة على الزراعة «6» ، وكذلك أعمال الحدادة والتجارة والخواصة كانت نشيطة في المدينة «7» . وكانت صناعة الأسلحة قد احترف بها اليهود والعرب «8» . وكذلك صناعة النسيج التي تقوم بها النساء «9» ، كما كانت الخياطة والدباغة من الصناعات التي يديرها الناس بإتقان «10» . أضف إلى ذلك وجود البنائين الذين يبنون المنازل ويصنعون الطوب، وصناع يصنعون انية المنازل وأدواتها مما يستعمل الناس في حياتهم اليومية «11» .   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 263- 266) . هذه الابار مثل الغاب واليزدي، انظر: شعر كعب بن مالك يصف ذلك في قصيدته بعد الخندق. ابن هشام، السيرة (م 2، ص 263- 266) . (2) من هذه الابار (غرس) وهي من أجودها، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «نعم البئر غرس» وهناك بئر (أبي أنس) و (بضاعة) و (والبقع) ، كان أهل يثرب يشربون منها ويسقون نخليهم. انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 503) والزّبيدي، تاج العروس (ج 4، ص 201) (غرس) (ج 5، ص 278) (بضع) . وجواد علي، المفصل (ج 7، ص 213، 214) . (3) جواد علي، المفصل (ج 7، ص 214) . (4) ولفنستون، تاريخ اليهود (ص 17) . (5) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 78، 79) . قال: «جاءت فاطمة إلى رجل صواغا من بني إسرائيل بإذخر لتبيعه وتستعين به على وليمة عرسها» . وانظر: الواقدي، المغازي (ص 178، 179) . ولفنستون، تاريخ اليهود (ص 19) . (6) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 79، 80، 81) . (7) م. ن (ج 3، ص 79، 80، 86، 87) . وابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 43) . والمقريزي، إمتاع الأسماع (ج 1، ص 245) . والخزاعي، الدلالات (ص 724، 725، 728) . وابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 463 هـ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمد البجاوي، مكتبة النهضة، مصر. د. ت (ج 1، ص 55) . (8) الخزاعي، الدلالات (ص 728، 738، 750) . والسمهودي، وفاء (ص 198، 199) . (9) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 79، 80، 86، 87) . (10) م. ن (ج 3، ص 79، 80، 86، 87) . (11) الشريف، دور الحجاز (ص 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 لم يشتهر أهل يثرب بالتجارة كأهل مكة، ومع ذلك فقد خرجوا في قوافل تجارية إلى الشام والهند «1» . وكان اليهود قد استولوا على السوق التجارية في يثرب، فكانوا يجلبون إلى سوقها من البضائع ما يحتاج إليه أهلها «2» ، كما كانت «الساقطة» تنزل يثرب ومعها البر والشعير والزيت والتين والقماش «3» ، كما اشتغل اليهود أيضا بالصيرفة والربا «4» ، وكان الأعراب يحفظون عندهم ودائعهم، وأشارت ايات القران الكريم إلى ذلك «5» ، فكان العرب يقترضون من اليهود المال والطعام مقابل ربا فاحشا يفرضونه عليهم «6» ، ويلاحظ أن أهل يثرب قد تعاملوا مع أهل البادية «7» . وكذلك كان لهم تعامل مع القوافل المكية التي تمر بهم «8» . ومع أن أسواق يثرب كانت بيد اليهود وكانوا يسيطرون بشكل كبير على الحياة الاقتصادية فيها، إلا أن هذا لم يمنع أهل يثرب من أن يرحلوا إلى الأسواق العربية في عكاظ ومجنة وذي الجماز «9» . وأن يستوردوا ما يحتاجون إليه من الزيت والنبيذ والعطور والمسك وغيره «10» . أما «الإدارية العسكرية» فهي تتمثل في أن يثرب على شاكلة مكة، فهي بغير سور ولا حائط يحيط بها، وتعويضا عن ذلك، فقد ابتنى اليهود والعرب الحصون والاطام من الحجارة القوية «11» . فكان اليهود يخزنون فيها أموالهم وثمارهم وكل غال عندهم،   (1) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 71، 72) . «قال: عن زيد بن ثابت قال: خرجنا تاجرين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله عن الصرف، فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس» . وانظر: البلاذري، فتوح (ص 20) . وجواد علي، المفصل (ج 7، ص 313، 314) . (2) الواقدي، محمد عمر بن واقد (ت 207 هـ) ، كتاب المغازي، تحقيق مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت. د. ت (ص 16) . (3) الساقطة: الذين يتسقطون الأخبار، ولم يعرف هل هم من الروم أم اليهود أم العرب. انظر: جواد علي، المفصل (ج 4، ص 141) . (4) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 77، 78) . والطبري، تفسير (ج 9، ص 291، 292) . (5) الطبري، تفسير (ج 6، ص 519- 521) . انظر: سورة ال عمران [اية: 75] . (6) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 77، 78) . والطبري، تفسير (ج 9، ص 291، 292) . وابن كثير، مختصر (ج 1، ص 464) . (7) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 81- 83) . والسمهودي، وفاء (ج 1، ص 540، 544، 545) . (8) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 450) . (9) البخاري، صحيح البخاري (ج 3، ص 81، 82) . (10) الخزاعي، تخريج (ص 643) . (11) الطبري، تاريخ (ج 2، ص 575) (ابن إسحاق) . وابن منظور، اللسان (ج 12، ص 19) . والزّبيدي، التاج (ج 8، ص 187) . والسمهودي (ج 1، ص 144- 155) . ولفنستون، تاريخ اليهود (ص 16) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فيدخلون إليها في الليل ولا يخرجون منها إلا صباحا «1» . وتشير كتب السير إلى مجموعة من حصون اليهود، وأشهرها حصن كعب بن الأشرف (قتل سنة 3 هـ) ، وحصون بني قريظة وغيرها «2» . وكان للعرب مجموعة من الحصون، ويلاحظ أن الحرب بين الأوس والخزرج جعلتهم يحافظون على هذه الحصون ويحصنونها، فكانوا يتحاربون على تلك الحصون والاطام حتى صاروا يؤرخون «عام الاطام» «3» ، واشتهر أيضا أطم «الصناجي» وغيره، وقد أشارت كتب السيرة إلى مجموعة من هذه الحصون «4» . لقد كان اليثربيون أهل قوة وجلد وصبر على الحروب، ولا سيما وأن الحروب التي وقعت بينهم قد أكسبتهم مهارة عسكرية فائقة، جعلتهم يقولون للنبي في بدر: «وما نكره أن تلقى بنا عدونا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء» «5» . لقد كانت يثرب تملك من القوة الحربية ما تستطيع به فعلا أن تحمي نفسها «6» . وكان لديهم من الأسلحة ما يستطيعون به الوقوف أمام القبائل الطامعة في خيرات يثرب «7» . أضف إلى ذلك؛ أن يثرب كانت موطنا من مواطن صناعة الأسلحة، وبخاصة صناعة الدروع، وقد اشتهر بصناعتها اليهود «8» ، وكذلك صناعة السهام وهي تعدّ من أجود السهام «9» . وتشير الروايات إلى أن زعماء البطون هم الذين كانوا يقومون على تعبئة الناس وقيادتهم في الحروب، كما يظهر من دراسة الحروب التي خاضوها قبل الإسلام،   (1) الواقدي، المغازي (ص 184) . (2) م. ن (ص 184) . وابن هشام، السيرة (م 2، ص 51، 58، 235، 237) . وابن سعد، الطبقات (ج 2 ص 31- 34) . ولفنستون، تاريخ اليهود (ص 16) . (3) المسعودي علي بن الحسين (ت 346 هـ) التنبيه والإشراف، تحقيق عبد الله إسماعيل الصاوي، القاهرة، دار الصاوي (1938) (ص 176، 177) . (4) الزّبيدي، التاج (ج 10، ص 217) . (5) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 615) . وابن سعد (ج 1، ص 217، 218) (قالوا) الحلبي، السيرة الحلبية (ج 2، ص 199) . (6) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 364) . (7) م. ن (ج 1، ص 364) . والشريف، دور الحجاز (ص 59) . (8) الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 728) . والسمهودي، وفاء (ص 198، 199) . والشريف، دور الحجاز (ص 59) . (9) الخزاعي، تخريج (ص 728) . وانظر: الواقدي، المغازي (ص 184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وكانت اخرها حرب «بعاث» ثم جاء الإسلام «1» . وهكذا؛ فإن يثرب قد حرمت من وجود غاية واحدة يجتمع عليها أهلها بالمقارنة مع مكة، ولم يكن لها من التنظيم الإداري كما كان لمكة، وكان المجتمع اليثربي مجتمعا قبليّا، كل قبيلة لها نظامها وقيادتها التي تقوم بإدارتها على أساس قبلي بحت، وبذلك ظلت الحياة القبلية تفرض نفسها في يثرب، ويمكن القول: إننا لم نلمح فرقا كبيرا بينها وبين حياة القبائل في أنحاء الجزيرة إلا بالاستقرار الذي فرضته الحياة الزراعية على أهلها.   (1) ابن رستة (ص 64) . وابن الأثير (ج 1، ص 659، 662، 665، 672، 673، 676، 677، 678، 680، 681) . والسمهودي، وفاء (ج 1، ص 152- 156) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الإدارة في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلم الفصل الثّاني إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة أولا: إدارة الدعوة الإسلامية في مكة قبل الهجرة. ثانيا: إدارة الدعوة الإسلامية في يثرب قبل الهجرة. ثالثا: ملامح الإدارة في الهجرة النبوية. رابعا: إجراات الرسول صلّى الله عليه وسلم الإدارية في المدينة بعد الهجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الفصل الثاني إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة أولا: إدارة الدعوة الإسلامية في مكة قبل الهجرة كان التخطيط لنشر الدعوة الإسلامية «الهدف الأول» لإدارة الدعوة في مكة، وهذا يستدعي منا السير مع أحداث الدعوة للتعرف إلى خطة الرسول صلّى الله عليه وسلم في نشر دعوته، ويمكننا أن نقسم هذه الفترة إلى قسمين، هما: الدعوة السرية (الفردية) ، والدعوة الجهرية (الجماعية) . ولكل مرحلة من هاتين المرحلتين طبيعتها الإدارية الخاصة بها. كانت الظروف السائدة في مكة- فترة الدعوة الأولى- تستدعي من النبي صلّى الله عليه وسلم أن يعرض دعوته على من يثق به من أهله وأصدقائه، فعرضها أولا على زوجته خديجة (ت 3 ق. هـ) فامنت به، ثم عرضها على صاحبه أبي بكر (ت 13 هـ) فامن به، وعلى ابن عمه وربيبه علي بن أبي طالب (ت 39 هـ) فامن به كذلك «1» . وبهؤلاء الثلاثة بدأت دعوة الإسلام. ويلاحظ أن ظروف هذه الفترة جعلت النبي صلّى الله عليه وسلم يتدرج في عرض هذه الدعوة، ولا سيما أن المعتقدات التي ينادي بها تخالف معتقدات أهل مكة، فكان لا بد من السرية والاستخفاء بالتبليغ ليعد لها أرضا صلبة تقف عليها «2» ، ولم يكن هذا الاستخفاء موقفا سلبيّا لا حركة فيه، بل كان موقفا إيجابيّا في دوافعه واثاره؛ لأنه كان موقف التأسيس والتربية والإعداد وتخير المواد لبناء المجتمع الإسلامي «3» . قام النبي صلّى الله عليه وسلم بناء على ما سبق باختيار دار يختفي فيها- هو وأصحابه- وهي دار الأرقم بن أبي الأرقم (ت 53 هـ) . والتي كان منها يدير دعوته ويربي أصحابه ويبتعد بهم عن أذى المشركين.   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 240، 245، 249) . البخاري، الصحيح (ج 5، ص 58) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 112) . الساعاتي، أحمد عبد الرحمن البنا، الفتح الرباني في شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ط 1) (1375 هـ) ، (ج 20، ص 213، 214) . (2) انظر تفاصيل ذلك في ابن هشام، السيرة (م 1، ص 262) (ابن إسحاق) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 199) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 116) . (الواقدي) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 306- 307) . (3) محمد الصادق عرجون، محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم (ط 1) دمشق، دار القلم (1405 هـ، 1985) ، (ج 1، ص 596) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 إن المعلومات المتوافرة في المصادر لا تبين تاريخا مضبوطا للوقت الذي اختفى فيه النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه في دار الأرقم، فالروايات في ذلك مضطربة «1» ولكننا نستخلص من خلال هذه الروايات أن ذلك كان في أواخر السنة الثالثة للبعثة؛ أي في اخر الفترة الأولى من الدعوة في مكة (الفترة السرية) . وكذلك فإن الروايات مضطربة في مدة الاستخفاء، فبعض المصادر تجعل هذه المدة شهرا «2» . وغالب المصادر «3» لا تحدد هذه المدة، وكذلك لا توضح لنا الروايات كيفية هذا الاستخفاء، هل كان في الليل أم في النهار؟ ولكنه يفترض ألّا يكون اختفاء تامّا؛ لأن ذلك يؤدي إلى مزيد من الشكوك والارتياب في سلوك النبي محمد صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه من المعروفين المشهورين في الأوساط المكية. وإذا ما تفحصنا الروايات التي تحدثت عن دار الأرقم، فيمكننا أن نستخلص الأسباب الكامنة وراء اختيار النبي صلّى الله عليه وسلم لدار الأرقم مركزا لدعوته، فالأرقم ابتداء لم يكن معروفا بإسلامه «4» . فلا يخطر ببال القرشيين أن يتم لقاء محمد صلّى الله عليه وسلم بأصحابه في داره، وكذلك فإن الأرقم من بني مخزوم «5» ، وبنو مخزوم هم الذين يحملون لواء التنافس مع بني هاشم «6» ، واللقاء في بيت من بيوتهم يعني أن ذلك الاجتماع الخطير يتم في قلب صفوف العدو. وإذا ما عرفنا أن الأرقم (ت 53 هـ) كان عند إسلامه ما زال شابّا صغيرا لا يجاوز السابعة عشرة من عمره «7» ، ويوم تفكر قريش بالبحث عن   (1) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 24، 25) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 131) . ابن حجر، أسد الغابة (ج 1، ص 600) . المقريزي، إمتاع (ص 18) . الحلبي، السيرة (ج 1، ص 319) . ابن كثير، السيرة (ج 1، ص 441) . الهندي، علاء الدين علي المتقي (ت 975 هـ) ، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال (ط 2) حيدر أباد، دائرة المعارف العثمانية (1388 هـ، 1968 م) (ج 15، ص 240) . (2) أحمد الشنتناوي واخرون، دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة أحمد الشنتناوي واخرون (1352 هـ، 1930 م) ، (ج 1، ص 631) . (3) انظر مثلا: ابن كثير، السيرة (ج 1، ص 441) . الحلبي، السيرة (ج 1، ص 319) . عماد الدين خليل، دراسة في السيرة (ط 5) ، بيروت، الرسالة، النفائس (1401 هـ، 1981 م) ، (ص 64) . (4) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 253، 345) (ابن إسحاق) . ابن حجر، أسد الغابة (ج 1، ص 60) . المقريزي، إمتاع (ص 18- 20) . (5) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 253) . الشنتناوي، دائرة المعارف الإسلامية (ج 1، ص 631) . (6) ابن حجر، أسد الغابة (ج 1، ص 60) . الهندي، كنز العمال (ج 15، ص 241) . الزركلي، الأعلام (ج 1، ص 288) . (7) انظر تفاصيل هذا التنافس في: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 316) . الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 محمد وأصحابه فلن تبحث عنه في بيوت الشباب الصغار، بل تتجه إلى بيوت كبار الصحابة أو في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم نفسه «1» ، أضف إلى ذلك أن دار الأرقم كانت في مكانها تعدّ امنة إلى حد بعيد، فقد ذكر ابن سعد (230 هـ) أن دار الأرقم كانت قريبة من الصفا؛ أي أنها مقابل دار الندوة «2» . وهذا يبعد الشك عنها؛ إذ لا يمكنهم أن يفكروا بأن محمدا يجلس بأصحابه في دار قريبة منهم؛ ولهذا فلم نسمع أبدا أن قريشا داهمت هذا المكان وكشفت مكان اللقاء، إنما كان أقصى ما وصلت إليه هو شكها أن يكون اللقاء عند الصفا، فقد قال الرجل لعمر بن الخطاب (ت 23 هـ) عندما أراد أن يسلم: «اذهب إلى محمد في دار عند الصفا» » . كان من اثار الدعوة السرية أنها تمكنت من السير إلى القلوب والعقول لأعداد مميزة من فتيان قريش «4» وذوي بيوتاتها «5» والوافدين عليها من غير أهلها «6» . ويلاحظ أنه في هذه المرحلة لم يقع أي صدام بين هؤلاء المؤمنين وبين أهل مكة، بل إن المؤمنين كانوا لا يتدخلون في أي شأن من شؤون غيرهم في نقد أو مواجهة؛ إذ لابد من المحافظة على السرية التامة للدعوة وأتباعها «7» .   - (ت 748) ، السيرة النبوية، تحقيق حسام الدين القدسي، بيروت، دار الهلال (1927 م) ، (ص 93، 94) . ابن سيد الناس، فتح الدين بن محمد بن محمد (ت 734 هـ) ، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (ط 1) بيروت، دار الافاق (1977 م) ، (ج 1، ص 140) . (1) توفي الأرقم سنة (53 هـ) وقيل (55 هـ) ، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وأسلم الأرقم في أوائل البعثة، فيكون عمره يوم إسلامه سبع عشرة سنة. انظر: ابن حجر، أسد الغابة (ج 1، ص 60) . الهندي، كنز العمال، (ج 15، ص 240) . الشنتناوي، دائرة المعارف (ج 1، ص 63) ، قال: «أسلم وهو حدث» . الزركلي، الأعلام (ج 1، ص 288) . (2) منير محمد الغضبان، المنهج الحركي للسيرة النبوية (ط 1) الزرقاء، مكتبة المنار (1404 هـ، 1984 م) ، (ص 49) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 243) . (4) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 145) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 203) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 153) . الهندي، كنز العمال (ج 15، ص 241) . (5) أمثال: علي بن أبى طالب، ومصعب بن عمير، الأرقم بن أبي الأرقم، انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 253) . ابن حجر، أسد الغابة (ج 1، ص 60) . (6) أمثال: أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وحمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب، انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 249، 250، 291، 342) ، والبخاري، الصحيح (ج 5، ص 60) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 232) . (7) أمثال: أبو ذر الغفاري، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي. انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 261، 317) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 221، 222) ، (ج 5، ص 59) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 157) (هشام ابن الكلبي) . ابن الأثير (ج 2، ص 59، 60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وبعد ثلاثة أعوام «1» من الدعوة السرية (الفردية) أمر الله سبحانه وتعالى نبيه فقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] «2» وبذلك بدأت الدعوة في مكة مرحلة جديدة هي مرحلة الدعوة الجهرية (الجماعية) . اختار النبي صلّى الله عليه وسلم للدخول في هذه المرحلة- مكانا خاصّا وكلمات خاصة يخاطب بها أهل مكة، فوقف النبي صلّى الله عليه وسلم عند الصفا، وهو مكان يجتمع فيه المكيون بشكل كبير، ونادى بأعلى صوته: (واصباحاه) «3» ، ويلاحظ أن هذه الكلمة التي افتتح بها النبي دعوته لأهل مكة هي كلمة تسترعي الانتباه، فهو يعني أن هذا الصباح ليس ككل الصباحات، بل إنه صباح له وجه خاص. وتشير المصادر إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم مرّ بسوق عكاظ وعليه جبة حمراء وهو يقول: «أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتنجحوا» ، وكان يتبعه أبو لهب (ت 2 هـ) يكذّبه «4» ، فكان لابد للنبي أن يلين في دعوته إلى أبعد الحدود، فرأى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجمع بني عبد المطلب على طعام يصنعه لهم حتى أكلوا فشبعوا دعاهم إلى الإسلام «5» . أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم أن دعوته بدأت تدخل مرحلة حرجة تستدعي مزيدا من الصبر وضبط النفس، ولابد من اتخاذ كل الوسائل للحفاظ على علاقة الود بينه وبين قومه، ولكن قريشا شعرت أن الدعوة الجديدة تعني إحداث تغير كامل في بنية التنظيمات القائمة، وإحداث خلخلة كاملة لكل معتقدات قريش وموروثاتها الدينية والاجتماعية والإدارية.   (1) عرجون، محمد رسول الله (ج 1، ص 597) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 262) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 199) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 166) (كلاهما عن الواقدي) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 24) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 318) . (3) ابن إسحاق، محمد بن إسحاق يسار (ت 151 هـ) ، كتاب المغازي، تحقيق محمد حميد الله، تركيا، (1401 هـ، 1986 م) ، (ص 156) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 262، 263) ، (ابن إسحاق) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 118) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 25) . الطبري، تاريخ (ج 1، ص 319) (ابن عباس) . البيهقي، أبو بكر أحمد بن حسين (458) السنن الكبرى (ط 1) حيدر أباد، المطبعة العثمانية (1354) ، (ج 9، ص 6) (عائشة) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 200) (الواقدي) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 121) . الطبري، تاريخ (ص 319) (ابن عباس) . البيهقي، السنن (ج 9، ص 7) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 219) . (5) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 25) . وانظر: الطبري، تاريخ (ج 2، ص 321) (أبو عوانة) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 تذكر المصادر أن قريشا حاولت بشكل ما وبصورة حازمة أن تقف أمام هذا التغير الذي يدعو إليه محمد صلّى الله عليه وسلم وذلك بكل ما أوتيت من قوة «1» ، ويشير ابن سعد (ت 230 هـ) إلى محاولة مبكرة من زعماء قريش لإيقاف دعوة النبي باغتياله والتخلص من الدعوة والداعية فيقول: «فقالوا: وما خير من أن يغتال محمد «2» ولكن أبا طالب وقف بحزم تجاه هذه المحاولة المكية، إذ جمع فتيان بني هاشم وبني المطلب ثم طلب منهم أن يتسلح كل منهم بحديدة صارمة ثم قال لأهل مكة: والله لو قتلتموه ما بقّيت منكم أحدا حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم» «3» . ويبدو أن هذا الحزم من قبل أبي طالب (ت 3 ق. هـ) جعل أهل مكة- بعد ذلك- يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على قتل النبي صلّى الله عليه وسلم. كانت خطة النبي صلّى الله عليه وسلم في هذه المرحلة ألّا يصطدم أصحابه مع مشركي مكة، ونزلت الاية القرانية تؤيد هذا الاتجاه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [النساء: 77] «4» . وربما كانت الحكمة في ذلك أن هذه الفترة كانت فترة تربية وإعداد ومحاولة تربية نفس العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه أو من يلوذ به، وكذلك فإن الدعوة السليمة كانت أشد أثرا في مثل بيئة قريش. والتي قد يدفعها القتال إلى زيادة العناد وإلى نشأة ثارات دموية جديدة وتجنب إحداث مذبحة ومقتلة في داخل كل بيت؛ إذ لم تكن هناك سلطة نظامية تعذب المؤمنين وتفتنهم، إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء أمورهم، وإذا ما عرفنا أن النخوة العربية في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يتحمل الأذى ولا يتراجع، وأن أعداد المسلمين حينذاك كانت قليلة، وانحصارهم في مكة يعني أن الصدام يؤدي   (1) ابن إسحاق، المغازي، (ص 126، 127) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 28) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 320) (ابن إسحاق) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 2، ص 223، 224) (علي بن أبي طالب) . (2) انظر تفاصيل هذه المقاومة في: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 268، 269) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 201) . البخاري، الصحيح (ج 5، ص 58) . النووي، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف (676 هـ) ، شرح صحيح مسلم (ط 3) بيروت، دار إحياء التراث العربي (1404 هـ) ، (1984 م) ، (ج 12، ص 151، 152) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 122- 158) (الواقدي) ، (ج 1، ص 130) (قالوا) (ج 1، ص 158) (مجاهد) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 223- 323، 324) (السّدي) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 301- 303) . (4) م، ن (ج 1، ص 201، 202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 إلى إفناء الجماعة «1» المسلمة والقضاء عليها، عندها نعلم كم كانت هذه الخطة ناجحة في تجنب الوقوع في مثل هذه الإرباكات لدعوة ما زالت وليدة لم تعمق جذورها في الأرض ولم تخرج فروعها في السماء. لقد تعرض المؤمنون لأشد أنواع الابتلاء والأذى، وكان ذلك مدعاة إلى أن يشكوا أمرهم إلى رسول الله غير مرة، فيروي لنا البخاري (ت 256 هـ) شكوى خباب بن الأرت (ت 37 هـ) «2» ، ويروي لنا النّسائي (ت 303 هـ) بعض هذه الشكاوى حين قال هؤلاء لرسول الله: «إنّا كنّا في عز ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا» «3» . لقد كانت المعارضة المكية تصدر- في غالبها- عن أناس كانوا يتنافسون دائما مع بني هاشم على الوظائف الإدارية في مكة؛ ولم تكن تصدر عن عقيدة واقتناع، وإلى ذلك دل قول أبي جهل (ت 2 هـ) الذي يرويه ابن إسحاق (ت 151 هـ) : «قال: تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا «4» على الركب، وكنّا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، متى ندرك مثل ذلك؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه» «5» . ضاقت مكة بدعوة النبي صلّى الله عليه وسلم، واشتد الأمر على المستنصفين من المؤمنين «6» فتحرك النبي صلّى الله عليه وسلم لحماية أصحابه في عدة محاور، فوجه بعض الأغنياء من الصحابة لشراء بعض هؤلاء العبيد المستضعفين وإعتاقهم، وبالفعل فقد أعتق أبو بكر الصديق (ت 13 هـ) واحده سبعة من هؤلاء «7» ، وكانت هناك محاولات لحماية المؤمنين عن طريق دخولهم   (1) انظر: الزمخشري، الكشاف (ج 1، ص 543) . الطبري، تفسير (ج 8، ص 549) . القرطبي، الأحكام (ج 5، ص 281) . السيوطي، الدر المنثور (ج 2، ص 594) . (2) سيد قطب، في ظلال القران، د. ت (ج 12، ص 452- 454) . (3) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 56، 57) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 176) (الواقدي) . (4) النّسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) السنن، شرح الحافظ جلال الدين السيوطي (ط 1) تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، حلب مكتبة المطبوعات الإسلامية، (1986 م) ، (ج 6، ص 3) . (5) تحاذينا: يحاذي: أقعى، وربما جعلوا الجاذي والحاذي سواء، وقد تكون الكلمة (تحاذينا) بالحاء المهملة، وهو تصحيف، ابن هشام، السيرة (م 1، ص 316) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 316) . وانظر: الذهبي، السيرة (ص 93، 94) ، ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 140) . (7) انظر تفاصيل اضطهاد المشركين لضعاف المسلمين في: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 317- 321) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 203) . (الزهري) . البخاري، الصحيح (ج 5، ص 56) . الطبري، تاريخ (ج 2، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 في جوار بعض زعماء المشركين، فدخل عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة، ودخل أبو بكر في جوار ابن الدغنة ثم رده عليه «1» ، ولكن الإجراء الكبير الذي قام به النبي صلّى الله عليه وسلم لحماية أصحابه هو أن يهاجروا إلى الحبشة (8 ق. هـ) «2» وكانت هذه الهجرة دليلا قاطعا على دقة تخطيط النبي وإدارته لدعوته بنجاح، فهو عليه السّلام يدرس الموقف جيدا ويعلم أن الحبشة فيها ملك لا يظلم «3» . ويبدو أن هذه الخطوة قد اتت أكلها في خلخلة الصف المكي، فقد أحدثت هزة عنيفة في أوساط البيوت الكبيرة من قريش وهم يرون أبناءهم الكرام يهاجرون بعقيدتهم من مكة في بيئة قبلية تهزها هذه الأمور هزّا عنيفا «4» . ولعلنا ندرك أيضا المعنى الاخر الذي أراده النبي صلّى الله عليه وسلم في كسب تأييد النجاشي المعنوي لهؤلاء النفر فكتب كتابا إلى النجاشي يقول فيه: « ... وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ونفرا معه من المسلمين جاؤوك فأقرهم ... » «5» أما الجانب الإعلامي لهذه الخطوة فقد كان مقصودا، فقد جعل القبائل في مكة وخارجها تحاول أن تتعرف إلى هذا الدين الجديد الذي يدفع أصحابه إلى الهجرة مما أخرج الدعوة من إطارها المحلي إلى إطار أوسع يشمل الجزيرة العربية كلها. ويفترض أن تكون مكة قد شعرت بخطر هذا على سيادة قريش وسمعتها مما جعلها   - ص 328، 329) (عروة بن الزبير) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 66- 73) . ابن عبد البر، نظم الدرر (ص 50) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 220) ، (ج 20، ص 222) . (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 317- 319) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 194، 195، 196) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 370- 373) (الزهري) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 321، 322) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 203، 204) . البخاري، الصحيح (ج 5، ص 64) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 198، 199) . ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حيان ابن أحمد التميمي (ت 354 هـ) ، كتاب الثقات، (ط 1) ، حيدر أباد، المطبعة العثمانية (1397 هـ) ، (ج 1، ص 57، 58) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 328، 329) (عروة بن الزبير) . الزرقاني، محمد بن عبد الباقي (ت 1122 هـ) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (ط 1) القاهرة، المطبعة الأزهرية (1328 هـ) ، (ج 1، ص 271) . (4) قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده» . انظر: الطبري، تاريخ (ج 2، ص 328) (عروة بن الزبير) . البيهقي، السنن (ج، ص 9) . (5) انظر تفاصيل ذلك في: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 322) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 205، 206) (الواقدي) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 334) ، (ج 2، ص 235) . ابن الأثير، الكامل، (ج 2، ص 84) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 2، ص 226) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 تسارع في إرسال وفد يحمل الهدايا إلى النجاشي لرد هؤلاء الخارجين على أعراف قومهم «1» ولكن حجة المسلمين كانت أقوى من حجة الوفد القرشي، فلم تفلح سفارة قريش في ردهم، وتحققت فراسة النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن فيها ملكا لا يظلم» «2» . وكان هذا الفشل على الصعيد السياسي والإعلامي الذي لحق بقريش قد جعلها تفكر بطريقة أكثر شراسة تجاه المسلمين المتبقين في مكة، فاجتمعوا على مقاطعة النبي صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين وكتبوا بذلك صحيفة (6 ق. هـ) وضعوها في جوف الكعبة «3» ، وبالفعل استمر الحصار على المسلمين ثلاث سنوات كاملة جعل النبي صلّى الله عليه وسلم يتحرك على جميع الأصعدة لفك الحصار عن المؤمنين، فحاول ابتداء تحريك عاطفة القرابة والرحم عند بعض المكيين لإبطال هذا الطوق الذي فرضته مكة، واستطاع أن ينجح في ذلك، بأن وقف بعض وجهاء مكة أمام أبي جهل (ت 2 هـ) ودعا هؤلاء أهل مكة إلى نقض الصحيفة، ولم يستطع أبو جهل أن يقف أمام رغباتهم، ولعل دقة التخطيط واختيار هذه الوجوه الفاعلة في مكة كان له أثر كبير في نجاح الخطة مما جعل أبو جهل يصف ذلك بقوله: «إن هذا أمر قضي بليل» «4» . تابع النبي صلّى الله عليه وسلم دعوته عارضا ذلك على القبائل في المواسم «5» ، ولم يكن هذا العرض بطريقة عشوائية؛ بل كان بعد دراسة متأنية وفاحصة لأمر كل قبيلة ومدى مؤهلاتها، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يذهب إلى القبائل ومعه أبو بكر الصديق (ت 13 هـ) فيقول: «ممن القوم؟ فيقولون: من بني فلان» . ويبدو أن هذا السؤال كان يقصد به   (1) البيهقي، دلائل (ج 2، ص 209) . القلقشندي، صبح الأعشى (ج 6، ص 379) ، محمد عبد الله الحيدر أبادي، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، بيروت، دار النفائس، (1403 هـ، 1983 م) ، (ص 43) . (2) انظر: سفارة عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ملك الحبشة في: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 333) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 232) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 330) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 79) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 225) . (3) ابن هشام، السيرة (ج 1، ص 337، 338) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 80، 81) . (4) ابن إسحاق، المغازي (ص 140، 141) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 350، 351) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 208- 210) ، (الواقدي) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 229، 230) ، (الواقدي) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 335، 336) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 87- 90) . (5) انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 375، 376) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 210) . البلاذري، أنساب (ج 11، ص 235، 236) . (الواقدي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 التعرف إلى القبيلة وعددها ومدى قدرتها على مجابهة قريش والخروج على سلطانها «1» ؛ لذلك فإن النبي صلّى الله عليه وسلم سأل إحدى القبائل فقالوا: نحن بنو شيبان. فقال أبو بكر: «أليس بعد هؤلاء عز في قومهم» «2» فسألهم النبي صلّى الله عليه وسلم: «كيف العدد فيكم؟» . فقالوا: نزيد على الألف وما تغلب ألف من قلة. قال: «فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟» . فقالوا: مرة يدال لنا، ومرة يدال علينا، والنصر من عند الله» «3» . وبعدما رأى النبي صلّى الله عليه وسلم وأحس من قومه الصدود، وبعد دراسة أحوال القبائل جميعا رأى أن أقوى القبائل العربية وأعزها بعد قريش «4» . هي قبائل الطائف (ثقيف وهوازن) وهاتان القبيلتان تحملان لواء التنافس مع قريش، وقامت بينهما حروب كثيرة نتيجة لذلك؛ ففكر النبي صلّى الله عليه وسلم بالخروج إلى الطائف «5» ، ويلاحظ في هذا الخروج أن النبي صلّى الله عليه وسلم يفكر لأول مرة في نشر الدعوة خارج مكة، وتغير مركز الانطلاق، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل أيضا بعدما ضرب النبي صلّى الله عليه وسلم في الطائف وأغروا به سفهاؤهم وعبيدهم «6» . ولمّا أراد الله أن يظهر دينه خرج النبي صلّى الله عليه وسلم يعرض دعوته على القبائل- كما كان يفعل- فعرض له نفر من الخزرج فدعاهم، وكان هؤلاء يسمعون من اليهود جيرانهم أنه قد أظلهم زمان نبي، فلما سمعوا منه قالوا: «لا يسبقكم إليه يهود» ثم قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك» «7» . وفي العام القابل قدم اثنا عشر رجلا من أهل يثرب فبايعوا   (1) ابن إسحاق، المغازي (ص 215- 219) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 422- 425) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 216) ، (الزهري) . أبو البقاء، المناقب المزيدية (ص 417- 419) . (2) أبو البقاء، المناقب المزيدية (ص 417- 419) . (3) م، ن (ص 419، 420) . (4) م، ن (ص 419، 420) . (5) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 419- 421) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 212) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 237) (قالوا) . النووي، شرح صحيح مسلم (ج 12، ص 55) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 344، 345) (ابن إسحاق) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 421) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 212) ، (الواقدي) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 237) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 345) (ابن إسحاق) . الساعاتي، الفتح (ج 20، ص 243) . (7) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 428، 429) . وانظر ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 218) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 239) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 354) (ابن إسحاق) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 95، 96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى التي سميت ب «بيعة النساء» «1» ، ويشير ابن إسحاق (ت 151 هـ) إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث مصعب بن عمير (ت 3 هـ) وأمره أن يعلمهم القران، فكان يسمى «المقرئ» «2» . في حين يشير ابن سعد (230 هـ) إلى أن الأنصار كتبوا إلى رسول الله كتابا «ابعث إلينا رجلا يفقهنا في الدين ويقرئنا القران» «3» . وبذلك بدأت مرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية.   (1) بيعة النساء. أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ [الممتحنة: 12] انظر: البخاري، الصحيح (ج 5، ص 70) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 433) . ابن سعد، الطبقات، (ح 1، ص 220) . البلاذري، أنساب، (ج 1، ص 239) (قالوا) . الطبري، تاريخ (ج 1، ص 306) (ابن إسحاق) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 430) . الطبري، تاريخ (ج 1، ص 357) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 96) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 220) . انظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 239) (قالوا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الفصل الثاني إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة ثانيا: إدارة الدعوة الإسلامية في يثرب قبل الهجرة قام مصعب بن عمير (ت 3 هـ) بمهمة عظيمة في يثرب، فكان عليه أن يطلع على أحوالها عن قرب، ويتعرف إلى طبيعة أهلها وحقيقة شعورهم تجاه الدعوة ورسولها وليعطي صورة صادقة لهذا البلد الذي توجهت إليه أنظار الرسول عليه السّلام؛ ليكون منطلقا للدولة الإسلامية، وليخرج الرسول صلّى الله عليه وسلم بتقدير صحيح ويتصرف على أساسه بسرعة ودقة، وحتى لا يتكرر الموقف الذي واجه الرسول صلّى الله عليه وسلم في الطائف «1» . لقد كانت دعوة مصعب بن عمير (ت 3 هـ) بالمقرئ «2» . تفيد أن هناك توجها جديدا في الرئاسة لتنظيم الدعوة الإسلامية بعيدا عن القبيلة وأعرافها. فكان هذا المقرئ يتولى دعوة الناس إلى الإسلام وتعليمهم أحكامه، أضف إلى ذلك إمامته المؤمنين في الصلاة، وبذلك غدت يثرب- بفضل هذا الرئيس المقرئ- تشهد طلائع تنظيم إداري جديد يقوم على أساس الدين بمفاهيمه الجديدة. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم على اتصال مباشر مع مصعب. وتشير الروايات أن مصعبا كتب كتابا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يستشيره في أن يجمع بهم بعد أن دخل الإسلام إلى كل بيت من بيوت الأنصار «3» ، فرد النبي عليه السّلام على كتاب مصعب بقوله: «أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبنائكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين» «4» . ويلاحظ أن ذكر اليهود هنا كان يعني أن الدعوة بدأت مرحلة جديدة من التحدي وإثبات الوجود، ولا سيما في   (1) العدوي، نظم (ص 107) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 434، 435) (ابن إسحاق) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 357) (ابن إسحاق) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 96) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 437) . (4) الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام (ت 211 هـ) المصنف، تحقيق حبيب الله الرحمن الأعظمي (ط 1) ، (1390 هـ، 1971 م) ، (ج 3، ص 160) (رقم الحديث 1546) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 220) . حميد الله، مجموعة الوثائق (ص 53) . الأحمدي، علي بن حسين بن علي، مكاتيب الرسول، بيروت، دار صعب، د. ت (ج 1، ص 239) ، المقصود صلاة الجمعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 يثرب التي يكثر فيها اليهود ولهم دور كبير في خلخلة أمنها واستقرارها. لقد مكث مصعب في يثرب عاما واحدا استطاع خلاله أن يوجد قاعدة صلبة للدين الجديد، تمثل ذلك في عدد المؤمنين الذين جاؤوا إلى الموسم في مكة للالتقاء مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويبايعوه البيعة الثانية والتي سميت «بيعة العقبة الثانية» «1» . لقد كان أمر التهيئة لمباحثات البيعة قد تم بتخطيط دقيق وفيها تم تحديد معالم الدولة الجديدة وقيادتها، فقد تحرك الوفد اليثربي إلى مكة بسرّية تامة، فلم يكن أحد من قومهم يعلم بهدف خروجهم، ولما وصلوا مكة «تواعدوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أواسط أيام التشريق في منى» «2» ، وكان التخطيط النبوي يقتضي أن يخرج هؤلاء لموعد اللقاء خروجا منظما. يقول كعب بن مالك (ت 50 هـ) : «حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم نتسلل تسلّل القطا» «3» . ويشير ابن سعد (ت 230 هـ) إلى ذلك بقوله: «فخرج القوم يتسللون الرجل والرجلان وقد سبقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «4» . وكانت الخطوة التالية من التخطيط المحكم كما يشير المقريزي (ت 845 هـ) هو تأمين مكان الاجتماع بالحراسة اليقظة، فقال: وجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم والعباس ... فأوقف العباس (ت 32 هـ) عليّا على فم الشعب عينا له وأوقف أبا بكر (ت 13 هـ) على فم الطريق الاخر عينا له «5» . فلم يعلم أحد من الصحابة بهذا اللقاء السري إلا من كان له مهمة خاصة من الحراسة والمراقبة وهما علي وأبو بكر رضى الله عنهما. وهكذا؛ فقد تم اللقاء بين الأنصار وبين رسول الله بنجاح كامل وبايع النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه من الأنصار، ثم قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن موسى أخذ من بني إسرائيل   (1) كانت هذه البيعة على السمع والطاعة في العسر واليسر والمكره والمنشط وعدم منازعة الأمر أهله، وأن يقول بالجد، وعدم الخوف في الله لومة لائم» . انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 454) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 222، 223) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 354) (الواقدي) . ابن حبان، كتاب الثقات (ج 1، ص 111، 112) . (2) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 440) (ابن إسحاق) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 239، 240) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 369) (ابن إسحاق) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 2، ص 272) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 441) (ابن إسحاق) ، وانظر. الطبري، تاريخ (ج 2، ص 362) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 98) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 221) . وانظر: البيهقي، سنن (ج 9، ص 9) . (5) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 اثني عشر نقيبا فأخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا» «1» . ولكن ابن سعد (ت 230 هـ) يروي رواية أخرى تشير إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم هو الذي اختار النقباء وقال لهم: «فلا يجدن منكم أحد في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لي جبريل عليه السّلام» «2» . ويؤيد هذا الرأي ما أشار إليه مالك بن أنس (ت 179 هـ) بقوله: «كنت أعجب كيف جاء من قبيلة رجل، ومن قبيلة رجلان حتى حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل كان يشير إليهم يوم البيعة» «3» . ولكن يلاحظ من خلال استعراض أسماء هؤلاء النقباء أنهم كانوا من المنظور إليهم في أقوامهم ولهم مكانة اجتماعية مميزة، وذلك كان ضروريّا لتقتنع هذه القبائل بهم، ومن خلال نظام النقباء الذي أحدثه النبي صلّى الله عليه وسلم استطاع أن يحافظ على التقسيمات القبلية للبطون والأفخاذ في المدينة ويسخرها في نفس الوقت لخدمة النظام الجديد. لقد تم اختيار النقباء، وكان هذا أول تنظيم إداري عملي حدد النبي صلّى الله عليه وسلم فيه مسؤولية هؤلاء النقباء ووضع لهم نظاما خاصّا في الإتصال والحركة بوصفهم نواة للمجتمع الجديد، فقال لهم: «أنتم كفلاء على قومكم» «4» . وهذه الكفالة كانت توجب على هؤلاء أن يحافظوا على انضباط قومهم والتزامهم بمبادئ الدين الجديد ولم يعف النبي صلّى الله عليه وسلم نفسه من المسؤولية فقال: «وأنا كفيل على قومي» «5» وينتظر أن يكون هؤلاء النقباء هم رجال النظام الإداري للدولة القادمة، ووصل هذا النظام إلى درجة دقيقة من الدقة واتباع التسلسل الهرمي في المسؤولية بحيث جعل النبي صلّى الله عليه وسلم «أسعد بن زرارة (ت 1 هـ) نقيبا للنقباء» «6» . وكانت مهمة أسعد تصل أحيانا إلى أن يفوض عن النبي صلّى الله عليه وسلم في حالة غيابه، فيروي البلاذري (ت 279 هـ) : «أن سليط بن قيس (ت 13 هـ) حضر يوم   (1) إشارة إلى قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: 12] . وانظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 443، 444) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 253) (الواقدي) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 362) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 99) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 222، 223) . (3) الذهبي، السيرة (ص 207) . ويرى سرجنت «أن عدد النقباء اثنا عشر هو مجرد مصادفة وليس مخططا» . انظر: .Sarjeant, Constitution of Medina, Islamic Guar lerly, London, 1978, part 1, p.p.10. (4) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 443- 444) . وانظر: ابن سعد، الطبقات، (ج 1، ص 222، 223) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 253) (الواقدي) . (5) الأجزاء والصفحات نفسها. (6) ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 603) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 253) (الواقدي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 العقبة ليبايع فوجد الناس قد تفرقوا فبايع أسعد بن زرارة (ت 1 هـ) نقيب النقباء، وحضر مالك بن الدخشم وقد تفرق الناس فبايع أسعد أيضا» «1» . وعند ما نقارن قائمة النقباء بالقبائل المذكورة أسماؤها في وثيقة الحلف يتضح أن كل قبيلة من قبائل الخزرج كان يمثلها نقيب أو اثنان، وأن ثلاثة نقباء كانوا يمثلون الأوس، وهذا العدد يتناسب مع عدد كل من القبيلتين الكبيرتين الذين حضروا البيعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ويفترض أن تكون مهمة هؤلاء النقباء قد استمرت بعد الهجرة. ويذكر الحاكم (ت 405 هـ) «أنه لما مات أسعد بن زرارة (سنة 1 هـ) نقيب بني النجار جاء قومه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: مات نقيبنا فنقّب علينا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «أنا نقيبكم» «2» ولم تشر المصادر إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد عين نقباء جددا بدل أولئك الذين ماتوا أو استشهدوا في بدر (2 هـ) وأحد (3 هـ) والخندق (5 هـ) «3» . ويبدو أن هذه القبائل كانت تعين نقباءها بنفسها، وأما (بنو النجار) فقد جاؤا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ لأنهم أخواله، ولهذا فقد قال لهم: «أنتم أخوالي، وأنا نقيبكم» «4» فكانت هذه فضيلة لبني النجار. لقد اتى التنظيم المبكر للجماعة الإسلامية أكله في إعداد العدة لتهيئة الظروف المناسبة لهجرة النبي وأصحابه إلى يثرب، وبهذه الهجرة انتقلت الدعوة الإسلامية إلى مرحلة جديدة من التنظيم الإداري والسياسي.   (1) البلاذري، أنساب، (ج 1، ص 252) (الواقدي) . (2) الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ) ، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت (ج 3، ص 186) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 661) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 398) (ابن إسحاق) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 72) . (3) مثل سعد بن خيثمة، استشهد يوم بدر (ت 2 هـ) . وسعد بن الربيع، استشهد يوم أحد (سنة 3 هـ) . وعبد الله ابن رواحة، استشهد يوم مؤتة (سنة 8 هـ) . وسعد بن معاذ، استشهد في الخندق (سنة 5 هـ) . وكان هؤلاء من النقباء، انظر ابن هشام، السيرة (ج 1، ص 707) ، (ج 2، ص 25) ، (ج 2، ص 379) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 611) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الفصل الثاني إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة ثالثا: ملامح الإدارة في الهجرة النبوية علمت قريش بخبر الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فازدادوا اضطهادا للمسلمين «1» وكان هذا مدعاة إلى أن يستأذن المسلمون في الهجرة إلى إخوانهم في الدين، فلم يأذن لهم النبي ابتداء، ثم إن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لهم: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض فيها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة» «2» فأذن النبي صلّى الله عليه وسلم لهم بالهجرة، وأشار البخاري (ت 256 هـ) إلى ذلك بقوله: قال صلّى الله عليه وسلم: «إني رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ... هاجر ... » «3» ويلاحظ أن المسلمين خرجوا إلى المدينة جماعات جماعات حتى لا يسترعوا الانتباه إليهم، فقال ابن سعد (ت 230 هـ) : «فخرج المسلمون تباعا يترافدون بالمال والظهر» «4» وتأخر النبي صلّى الله عليه وسلم في مكة؛ إذ ليس من الحكمة أن يخرج في البداية؛ لأنه القائد والمخطط والمراقب للموقف عن كثب والمتابع للأخبار، وإصدار القرارات المناسبة لذلك أمر مهم في مثل هذه الحالة. وتذكر المصادر أن قريشا بدأت تعدّ خطتها لمنع الرسول صلّى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، وتشير الايه القرانية إلى هذا الإعداد فيقول الله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال: 30] «5» . لقد شعر النبي صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر بذلك الإعداد المحكم فكان لابد من رسم خطة   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 337، 379) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 257، 258) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 210) . (2) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 71) . وانظر: البيهقي، السنن (ج 9، ص 9) . (3) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 75) . وانظر: ابن هشام، السيرة (ج 1، ص 468) . وأحمد، المسند (ج 6، ص 198) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 226) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 277) ، الذهبي، السيرة (ص 213) . (5) انظر: تفاصيل هذا الاجتماع في ابن هشام، السيرة (م 1، ص 484) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 260) . الطبري، تفسير (ج 13، ص 494- 496) . تاريخ (ج 1، ص 370) . الزمخشري، الكشاف (ج 2، ص 154، 155) . ابن العربي، الجامع (ج 2، ص 84) . أبا حيان، البحر المحيط (ج 4، ص 487) . السيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 51- 53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 محكمة؛ للخروج دون الاصطدام بقريش، وقد وضعت هذه الخطة على أسس سليمة فطلب النبي صلّى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب (استشهد 39 هـ) أن ينام في فراشه؛ حتى يظن هؤلاء أن النبي صلّى الله عليه وسلم ما زال في فراشه «1» ، وكل ذلك كان يتم بسرية تامة، فلا يعلم بالخروج إلا من كان له دور مرسوم في تنفيذ الخطة. ابتدأ بتنفيذ الخطة المرسومة بأن خرج النبي صلّى الله عليه وسلم من بيته وجاء إلى بيت صاحبه أبي بكر، وكان ذلك في وقت الهاجرة «2» إذ يغلب على هذه الساعة هجوع الناس، فلا يسترعى إليه الانتباه، ثم إن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج هو وأبو بكر من مكان خاص في بيت أبي بكر. يقول ابن إسحاق (ت 151 هـ) : «خرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته» «3» ، وفي الجهة المقابلة، فكان من المنتظر أن يعد أبو بكر الصديق بقية الأمور، اشترى راحلتين قويتين وتركهما عند عبد الله بن أريقط وقد استأجره أبو بكر «يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما» «4» . أخذ النبي صلّى الله عليه وسلم طريقه إلى غار ثور جنوب مكة «5» باتجاه اليمن؛ لأنه يفترض في الملاحقين أن يتجهوا إلى الشمال وهم يعلمون أن وجهة النبي إلى المدينة الواقعة إلى الشمال من مكة، ولهذا يقول المباركفوري: «ولما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعلم أن قريشا ستجد في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالا، فقد سلك الطريق الذي يضاده تماما» «6» . لقد اتجه النبي إلى غار ثور وذلك بعد أن تدارس الموقف مع أبي بكر وأفراد عائلته ولا سيما أولئك الذين لهم دور في الخطة، فاتبع «مبدأ تقسيم العمل» فقام عامر بن فهيرة (ت 4 هـ) بإخفاء اثار أقدامهما «إذ أمره أبو بكر- وهو مولاه- أن   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 482) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 227) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 260) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 372) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 103) . (2) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 73، 75) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 280) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 485) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 260) (قالوا) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 378) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 104) . (4) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 76) . الحاكم، المستدرك (ج 3، ص 8) . (5) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 75) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 486) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 261) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 378) . (6) المباركفوري، حقي الرحمن، الرحيق المختوم «مكة المكرمة» ، رابطة العالم الإسلامي، (1980 م) ، (ص 183) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 يرعى غنمه نهاره ثم يريحهما عليهما- أي يأتيهما- إذا أمسى في الغار» «1» ، أما أسماء بنت أبي بكر (ت 64 هـ) فكان دورها في الخطة أن تأتي ليلا بالطعام إلى الغار «2» ، ويبدو أن اختيار أسماء كان مقصودا؛ لأن المرأة لا تثير شك أحد، أما أخوها عبد الله (ت 16 هـ) فكان يقوم بدور مهم في مراقبة تحركات قريش والإتيان بأخبارها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار، وكان اختيار عبد الله (ت 16 هـ) في غاية الحكمة فهو «شاب ثقف لقن» «3» أي حاذق سريع الفهم، فكان يخرج من عندهما بالسحر، ويصبح مع قريش بمكة، كأنه كان قائما فيها فلا يسمع من قريش أمرا يبيتونه إلا وعاه حتى يأتيهما في المساء بخبره «4» . وينتظر أن يقوم كل واحد من هؤلاء بدوره المرسوم في الخطة بدقة متناهية، حتى كان اليوم الثالث، فخف الطلب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج بعد أن توافق التقدير النبوي المسبق الذي ضربه لابن أريقط وتقادير عبد الله بن أبي بكر (ت 16 هـ) عن مكة. لقد أنقذت هذه الهجرة الدعوة الإسلامية وانتقلت بها من مرحلة الضعف إلى القوة ومن الدعوة إلى الدولة، وكانت بداية تكوين خطة جديدة تلائم الأرض الجديدة السيادة فيها للإسلام «وهكذا؛ دخل محمد صلّى الله عليه وسلم المدينة وعلى رأسه إكليل من الغار وكان استقبال الناس له استقبال فاتح عاد منتصرا لا استقبال مهاجر يطلب ملجأ» «5» .   (1) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 76) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 486) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 229) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 26) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 229، 376- 378) . (2) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 78) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 486) . (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 229) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 260) . الساعاتي، الفتح (ج 20، ص 281) . (3) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 75) . (4) مصطفى السباعي، السيرة النبوية، دروس وعبر (ط 5) دمشق، المكتب الإسلامي، (1980 م) ، (ص 64) . (5) أرفنج داشنجتون، حياة محمد (ط 2) دار المعارف، مصر، (1966 م) ، (ص 127) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الفصل الثاني إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة رابعا: إجراءات الرسول صلّى الله عليه وسلم الإدارية في المدينة بعد الهجرة قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة فوجد مجتمعا يختلف عن مجتمع مكة، وجد تنافرا بين عشائر المدينة واختلافا في دياناتها «1» ، فبدأ بالتخطيط لمجتمع جديد، وكانت أول قضية تواجه الإدارة النبوية هي قضية استيعاب المهاجرين الجدد في مجتمع المدينة، فخط النبي صلّى الله عليه وسلم الدور للمهاجرين «فخط لبني زهرة في ناحية المسجد، وجعل للزبير بن العوام بقيعا واسعا، وجعل لطلحة موضع داره، ولال أبي بكر موضع دارهم، وخط لعثمان موضع داره كذلك» «2» وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يقطع أصحابه هذه القطائع مما كان من عفائن الأرض «3» ، أما ما كان من الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له، فكان يقطع من ذلك ما شاء «4» ، وتذكر المصادر أن هناك قوما لم يجدوا أماكن ينزلون فيها فأنزلهم النبي مؤخرة المسجد (الصفة) فسمّوا أصحاب الصفة «5» وكانوا يكثرون ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وكانوا ما يقارب المائة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يتعهداهم ويشرف عليهم «6» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد بنى مسجده قبل ذلك، أو أن تقسيم البيوت وبناء المسجد تم في ان معا وقد اشترى النبي صلّى الله عليه وسلم مكان المسجد واشترك هو والصحابة في بنائه فقال قائلهم: لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل «7» ويلاحظ أن مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم كان مركزا إداريّا للدولة الفتية، فمنه كان   (1) انظر: ابن رستة، الأعلاق (ص 64) ، ابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 659- 665) . السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 152- 156) . (2) ابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان (ص 23) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 270) . السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 518، 519) . (3) عفائن الأرض: مفردها عفن أي فسد، وهو الشيء الذي فسد نتيجة الإهمال. انظر: ابن منظور، لسان العرب (ج 11، ص 288) . (4) السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 518، 519) . (5) انظر أخبار أهل الصفة، وأسماؤهم في: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 255، 256) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 272) (قالوا) الحاكم، المستدرك (ج 3، ص 150) (أبو هريرة) . (6) السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 321) . (7) ابن هشام، السيرة (ج 1، ص 496) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 النبي صلّى الله عليه وسلم يوجه المسلمين في المجتمع الجديد، وفيه يتدارس مع المسلمين الأمور الطارئة ويتخذ القرارات المناسبة «1» ، ولا يخفى أن المسجد كان مكانا للشورى؛ إذ يجتمع الناس في المسجد فيستشيرهم رسول الله في القضايا التي تستجد على الساحة الإسلامية؛ إذ إن استشارة المسلمين في أحد والخندق كانت تتم في المسجد «2» وكان المسجد أيضا مكانا لفض المنازعات، ففيه يقضي النبي صلّى الله عليه وسلم بين المسلمين، ومنه تنطلق الجيوش وتستقبل الوفود، ومنه ينطلق الرسل إلى الملوك والرؤساء وجباة الضرائب «3» ، وكان كذلك دار ندوة للجماعة الإسلامية تبحث فيها جميع شؤونها، أضف إلى ذلك دوره في القيام بالمهمة الروحية فهو مركز عبادة للمسلمين من صلاة وذكر، وغير ذلك. لقد كان بناء المسجد خطوة تنظيمية مهمة قدمت على غيرها من خطوات إدارية تالية ومن خلال الصلاة بروحها الجماعية استطاع الإسلام أن يصل إلى درجة كبيرة من إذابة روح العصبية القبلية، وربط الناس بالمبدأ الجديد وفق أحكام جديدة تقوم على العقيدة والأخوة لا على رابطة الدم والقرابة «4» . وقام المسجد في بقية أجزاء الدولة بنفس هذا الدور؛ إذ لم يوجد مقر اخر للحكم والإدارة طول حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم «5» وبذلك يكون المسجد أول مركز للإدارة في الإسلام «6» . إن الأمر الاخر الذي اهتم به النبي صلّى الله عليه وسلم وكان إجراء إداريّا ضروريّا في هذه المرحلة هو «المؤاخاة» فأشارت المصادر إلى ذلك، فقال ابن إسحاق (ت 151 هـ) : «واخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: «تاخوا في الله أخوين أخوين» ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (ت 39 هـ) فقال: «هذا أخي» ، وهكذا تاخى الصحابة اثنين اثنين» «7» . لقد كانت هذه المؤاخاة ضرورية لإذهاب الوحشة والغربة عن   (1) حسن أبو ذكية، التنظيم الإداري في الفكر الإسلامي (ج 5) جامعة الملك عبد العزيز، (1401 هـ، 1981 م) . والقطب محمد طبلية، نظام الإدارة في الإسلام، القاهرة، دار الفكر العربي، (1985 م) ، (ص 72) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 63) (ابن إسحاق) ، (ج 2، ص 224) . (3) محمد كرد علي، الإدارة العربية (ص 45، 46) . (4) فرج الهوني، النظم الإدارية (ص 24، 25) . (5) كرد علي، الإدارة (ص 46) . (6) محمد جوهين، التنظيمات الإدارية في الإسلام، القاهرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب، (1984 م) ، (ص 147) . وفرج الهوني، النظم الإدارية (ص 25) . (7) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 504- 507) (ابن إسحاق) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 238) . ابن حبيب، المحبر (ص 70- 75) . الذهبي، السيرة (ج 1، ص 143) . ابن حجر، الفتح (ج 15، ص 132) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ليشد بعضهم بعضا ولا سيما أن المهاجرين تركوا كل المقومات الأساسية للحياة في مكة «1» . وهكذا كانت المؤاخاة خطوة مهمة في توحيد المجتمع الجديد تضاف إلى ما سبقها من خطوات، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد فكر جديّا بنظام يحل محل نظام «الأحلاف» الذي كان سائدا في الجاهلية فوضع نظام المؤاخاة بديلا عن ذلك. لقد قدم الأنصار للمهاجرين أكثر مما توقعوه إذ «قالت الأنصار للرسول صلّى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ اقسم بيننا وبينهم النخل. قال: «لا» . قال: «تكفونا المؤنة وتشركونا في التمر» . قالوا: سمعنا وأطعنا» «2» . لقد دلّت الروايات على أن المهاجرين عملوا في مزارع الأنصار مقابل أجرة معينة عن طريق المزارعة «3» . ولم يقتصر كرم الأنصار على ذلك؛ بل وصل إلى حد أن قال سعد ابن الربيع (ت 3 هـ) لعبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ) أخيه في النظام الجديد: «إني أكثر الأنصار مالا فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. قال: بارك الله لك في أهلك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع» «4» ، وكان هذا التكافل الرائع هو القوة الوحيدة التي يمتلكها المجتمع المسلم في البداية، ومن ثم فإن هذا الإجراء كان ضروريّا لتفادي وقوع المهاجرين في مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة؛ ولا سيما أنهم يتقنون التجارة في حين كانت المدينة دار صناعة وزراعة «5» . كان المتاخون يتوارث بعضهم بعضا، فلما عزّ الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [الأحزاب: 6] «6» . فنسخت هذه الاية ذلك التوارث الذي أقر بموجب نظام المؤاخاة، وبقي من معاني المؤاخاة النصر والنصيحة، وإلى هذا يشير الإمام النووي (ت 676 هـ) بقوله: «أما   (1) ابن حبيب، المحبر (ص 70- 75) . الزرقاني، المواهب (ج 15، ص 373) . (2) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 39) . النووي، شرح صحيح مسلم (ج 12، ص 99) . (3) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 39) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 141) . (4) البخاري، الصحيح (ج 5، 39، 88) . قال السمهودي: «إن السوق كانت في بني قينقاع، ثم حول السوق بعد ذلك» . انظر: السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 539) . (5) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 39، 88) . أحمد إبراهيم الشريف، الدولة الإسلامية الأولى، دار القلم، سنة (1965 م) ، (ص 67- 69) . (6) انظر: الزمخشري، الكشاف (ج 2، ص 170) . أبا حيان، البحر المحيط (ج 4، ص 523) . السيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 117) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ما يتعلق بالإرث فيستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء، وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فباق لا ينسخ» «1» . ولا شك في أن التوارث كان لمعالجة ظروف طارئة مرت بها الدعوة الإسلامية في المدينة، فكان هذا إجراء إداريّا سريعا للتغلب على هذه المشكلة، ومن المنتظر أن يكون المهاجرون قد ألفوا جو المدينة وتعرفوا إلى سبل الرزق فيها «2» . وأصابوا من غنائم بدر (2 هـ) ما سد حاجتهم، فرجع التوارث إلى وضعه الطبيعي المنسجم مع الفطرة البشرية والقائم على أساس الرحم والقرابة. ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم أولى اهتماما كبيرا للناحية الاقتصادية لارتباطها بالكيان السياسي، وقد كانت قبائل اليهود تحتكر التجارة والأسواق وبيدهم عصب الاقتصاد في المدينة، ومثل هذا الوضع يجعلهم دولة داخل دولة وكان هناك عدة أسواق «3» أشهرها سوق بني قينقاع، وكان هذا السوق هو السوق الرئيسي للمدينة، وكان العرب (الأنصار) يتعاملون فيه بيعا وشراء. لقد تنبه النبي صلّى الله عليه وسلم إلى خطورة هذه السيطرة اليهودية، فكان لابد من إجراء إداري سريع يحوّل هذه السيطرة للأمة الجديدة، فيروى أن النبي صلّى الله عليه وسلم ذهب إلى أكبر سوق لليهود فألقى عليه نظرة فاحصة، ثم بحث عن مكان اخر في المدينة يعدل هذا السوق أو يفوته في المساحة والمركز والنظام «4» . فقد روى ابن ماجه (ت 275 هـ) : «أن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت موضعا للسوق أفلا تنظر إليه؟. قال: بلى، فقام معه حتى جاء موضع السوق، فلما راه أعجبه وركض برجليه، وقال: «نعم سوقكم هذا فلا ينتقض ولا يضربن عليكم خراج» «5» . ويذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلم «ذهب ابتداء إلى سوق النبك، فنظر إليه فقال: «ليس لكم هذا بسوق» ثم رجع إلى   (1) مسلم، الصحيح (ج 4، ص 1960) (في الهامش) . (2) العمري، المجتمع المدني (خصائصه وتنظيماته) (ص 77) . (3) منها سوق بزباله، وسوق بالجسر، وسوق بالصفاصف بالقصبة، وسوق في منطقة تسمى مزاحم، وهذه أسماء أماكن في المدينة المنورة. انظر: السمهودي، وفاء الوفا، (ج 1، ص 539) . (4) أحمد محمد، الجانب السياسي في حياة الرسول (ط 1) الكويت، دار القلم، (1402 هـ) ، (ص 69) . (5) ابن ماجه، أبو عبد الله بن يزيد القزويني (ت 275 هـ) ، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، د. ت (ج 2، ص 751) ، (قال ابن ماجه: ضعيف) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 هذه السوق فطاف به ثم قال: «هذا سوقكم» «1» . ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يراقب الأسواق بنفسه وقد طلب بعض الصحابة من الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يسعر للناس، ولكن الرسول امتنع من ذلك، فقد مر النبي صلّى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاما في السوق بسعر أرفع «2» من سعر السوق فقال: «تبيع في سوقنا بسعر هو أرفع من سعرنا؟!» قال: نعم يا رسول الله. قال: «صبرا واحتسابا؟» قال: نعم يا رسول الله. قال: «أبشروا فإن الجالب إلى سوقنا كالمجاهد في سبيل الله، وإن المحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله» «3» . واستطاع المسلمون بحسن تعاملهم أن يحوّلوا الناس من سوق اليهود إلى سوقهم مما جعل كعب بن الأشرف اليهودي (ت 3 هـ) يدخل إلى سوق المسلمين ويقطع أطنابها «4» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا» فنقلها من موضع بقيع الزبير إلى سوق المدينة» «5» . ولعل هذا الأسلوب التهجمي الصارم الذي اتبعه كعب ابن الأشرف (ت 3 هـ) كان في أوائل أشهر الهجرة حيث لا يزال لليهود نفوذ قوي، ويلاحظ أيضا أن كعب بن الأشرف شعر أن مصالح اليهود الاقتصادية قد أصبحت في خطر نتيجة منافسة السوق الجديد. لقد كان هذا التصرف من كعب- وهو من يهود قينقاع- حافزا للنبي صلّى الله عليه وسلم بأن يفكر جديّا بطرد اليهود من المدينة، وكان بنو قينقاع أول من طرد «6» وبعدها استطاع النبي صلّى الله عليه وسلم أن يمسك بزمام الاقتصاد المدني ويوجهه الوجهة الإسلامية الخالية من كل استغلال وجشع. وكان من أعظم الإجراات الإدارية التي قام بها الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة القيام بكتابة دستور المدينة الذي ينظم العلاقات بين سكانها، ويعد ذلك   (1) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 163) . (2) أرفع: أي أقل من سعر السوق. (3) السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 546) . (4) أطنابها: الأطناب جمع طنب، وهي ما يشد به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق، انظر: ابن منظور، اللسان (ج 1، ص 561) . (5) السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 539، 540) . ويبدو أن هذا التصرف وغيره من التصرفات العدائية جعلت النبي صلّى الله عليه وسلم يفكر باغتيال كعب بن الأشرف (سنة 3 هـ) وبالفعل تم اغتياله من قبل مجموعة من المسلمين. انظر: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 151) . (6) صالح أحمد العلي، إدارة الحجاز في العهود الإسلامية الأولى، مجلة الأبحاث، بيروت، الجزء (21) أذار، (1968 م) ، (ص 31، 32) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الخطوة الأساسية في إقامة حكومة المدينة. أشارت المصادر إلى هذا الدستور بعدة ألفاظ، فابن إسحاق (ت 151 هـ) - وهو مصدرها الأول- يطلق عليها «الصحيفة» «1» وأطلق عليها ابن سيد الناس (ت 734 هـ) اسم «الموادعة» «2» ، وأطلق عليها البعض أسماء أخرى مثل «الوثيقة» و «الكتاب» و «المعاهدة» و «الدستور» ... إلى غير ذلك «3» . إن تسمية ابن سيد الناس (734 هـ) للصحيفة باسم (الموادعة بين المسلمين واليهود) غير دقيقة؛ لأن هذه التسمية لا تعطي صورة حقيقية عن محتويات الصحيفة والتي تشمل كثيرا من المواد الخاصة بالمسلمين، أما كلمة «صحيفة» فتعني أنها إعلان من جانب الرسول صلّى الله عليه وسلم يبيّن فيها الأمور الواجب تنفيذها «4» ، ويبدو أن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد من إصدارها هذا الأمر، فهي بيان مسجل للتنظيمات الإدارية المراد اتباعها فبدأ بقوله: «هذا كتاب من محمد ... » «5» . ولعل من المفيد أن نذكر قضية مهمة بالنسبة إلى هذه الصحيفة، فكتب الحديث هذه المعتبرة لم ترو نص الكتاب كاملا، وأقدم مصدر ورد فيه النص كاملا هو ابن إسحاق (ت 151 هـ) دون إسناد «6» . ولم يذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) المصدر الذي أخذ منه، في حين يذكر البيهقي (ت 458 هـ) في سننه المواد المتعلقة بالمسلمين ولم يذكر المواد الخاصة باليهود، وأسندها البيهقي (ت 458 هـ) إلى ابن إسحاق كذلك «7» ، أما ابن سيد الناس (ت 734 هـ) وابن كثير (ت 774 هـ) فقد ذكراها دون إسناد وهما ينقلان عن ابن إسحاق (ت 151) «8» . ويذكر ابن سيد الناس (ت 734 هـ) أن ابن خيثمة أورد الكتاب فأسنده هذا الإسناد: «حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 501، 502، 503، 504) . (2) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 238) . (3) انظر: صالح أحمد العلي، تنظيمات الرسول الإدارية، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد (17) ، سنة (1969 م) ، (ج 17، ص 51) . Akiya goto, The Constitution of Medina, orievt volume, XVIII, 1982, P.P.1.Sarjeant, P.P.1 . (4) العلي، تنظيمات الرسول (ج 17، ص 51) . (5) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة رقم 1، (ص 59) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 501- 504) (ابن إسحاق) . (7) البيهقي، السنن (ج 8، ص 106) . (8) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 238- 240) . ابن كثير، السيرة (ج 2، ص 320- 322) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أبيه عن جده أن رسول الله كتب كتابا ... » «1» . أما رواية أبو عبيد (ت 224 هـ) في الأموال فهي عن «ربحي بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح أنهما قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله كتب كتابا ... » «2» . إن أولئك الذين ينكرون صحة هذه الصحيفة «3» . يعتمدون على أن كتب الحديث الصحيحة لم ترو نص هذا الكتاب مع أنها أوردت مقتطفات تشمل عددا من مواد هذه الصحيفة؛ ولا سيما تلك التي تتعلق بتنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار، فقد أورد جزا من هذه الصحيفة الإمام أحمد (241 هـ) في مسنده «4» وأبو داود (ت 275 هـ) في سننه «5» والبيهقي (ت 458 هـ) في سننه كذلك «6» . أما نصوص الصحيفة فهي مكونة من جمل قصيرة ومعقدة التركيب. ويكثر فيها التكرار ويستعمل كلمات وتعابير كانت مألوفة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم ثم قلّ استعمالها فيما بعد حتى أصبحت صعبة على غير المتعمقين بدراسة هذه الفترة «7» ، ولعل النظرة الفاحصة للأسلوب والمحتوى يجعلنا نطمئن إلى صحة هذه الصحيفة وهي تمثل في بعض موادها ذلك التنظيم الذي كان سائدا في الجاهلية من حيث الترابط القبلي والاعتراف بقوة العصبية، والصحيفة في مجملها توافق روح القران دون الإشارة إليه صراحة؛ إذ إن القران لم يذكر كثيرا من الحوادث المهمة التي حدثت في المجمع المدني «8» .   (1) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 238) . (2) أبو عبيد، القاسم بن سلام (ت 224 هـ) ، الأموال، تحقيق محمد خليل محمد هراس (ط 1) القاهرة، مطبعة الكليات الأزهرية، (1968 م) ، (ص 184) . (3) أنكرها يوسف العش في تعليقه على كتاب، فلها وزن، الدولة العربية وسقوطها، وهو كتاب نقله عن الألمانية، ترجمة يوسف العش، دمشق، جامعة دمشق، (1956) ، (ص 20، 21) (الهامش) . (4) أحمد بن حنبل، المسند (ج 1، ص 171) ، (ج 2، ص 204) ، (ج 3، ص 242) . (5) ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ) ، عون المعبود في شرح سنن أبي داود، نشره حسن إيراني، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت (ج 8، ص 229، 230) . (6) البيهقي، السنن (ج 8، ص 106) . (7) العلي، تنظيمات الرسول (ص 51، 52) . (8) من ذلك: اعتبار المسلمين أمة واحدة وهذا يوافق قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ال عمران: 110] . التعاون والتراحم وهذا يوافق قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: 219] . وجوب الخضوع للدولة ووافق هذا قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59] وانظر: الشريف، الدولة الإسلامية الأولى (ص.Sarjeant P.P 7 (76 -74 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وهذه الصحيفة في الأصل صحيفتان (وثيقتان) «1» . أحدها يختص بالمهاجرين والأنصار، والاخرى بالمسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى، وقد اختلفت المصادر في تحديد تاريخ مضبوط لكتابة هذه الصحيفة، فبعضهم يرى أنها كتبت قبل بدر «2» وأما البعض الاخر فيرى أنها كتبت بعد بدر «3» في حين ذكر اخرون أن إحدى الوثيقتين كتبت قبل بدر والاخرى بعد معركة بدر (سنة 2 هـ) «4» وليس لدينا نص قاطع يثبت ويقطع بصحة رواية دون الاخرى. تبدأ الصحيفة ببيان الأطراف المشتركة فيها، ولا نعلم إذا كانت مواد الصحيفة قد صيغت بعد مفاوضات، أو أنها كانت كالمعاهدات الاخرى؛ لأن نص الكتاب لا يذكر طرفا اخر «5» . ويرى سيرجنت «أن الوثيقة تحمل تواقيع وأختام الأطراف المتعاقدة وأن ابن إسحاق لم يورد هذه الأسماء لعدم حصوله على النسخة كاملة» «6» . «هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم» «7» ثم قررت الصحيفة أن هؤلاء أمة دون الناس، والأمة مجموعة أحلاف؛ إذ إن الأفخاذ والقبائل تركت كما كانت وأصبحت أعضاء في الأمة وعد المهاجرين فخذا واحدا «8» وأما الفرد فيشارك في الأمة مشاركة مباشرة عن طريق الفخذ والقبيلة وعلاقة الفخذ بالأمة تتضح في أنه يدفع النفقات غير الخاصة كالدين وفداء الأسرى كما كان من قبل؛ إذ لم يكن يوجد خزينة مركزية انئذ؛ ولذا نصت الصحيفة «إنهم أمة واحة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم فيتعاقلون بينهم» «9» . وكلمة (الأمة) شملت أيضا   (1) قال سيرجينت: «إن دستور المدينة الذي كتبه النبي صلّى الله عليه وسلم ... كان يتألف من ثماني وثائق، وإنها صدرت في مناسبات متعددة خلال السنوات السبع الأولى من حياة محمد في المدينةSarjeant ,P.P -1 - « (2) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 380) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 402) . (الواقدي) . السهيلي، الروض (ج 4، ص 295، 296) . أبو عبيد، الأموال، رقم (518) ، ص، فلهاوزن، الدولة العربية، (ص 11، 12) . الدوري، نظم (ص 17، 18) . (3) ابن القيم، عون المعبود (ج 8، ص 228- 230) . العلي، تنظيمات الرسول (ص 530) . (4) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرات (24- 27) ، (ص.Go to P 16.Sarjeant.P. 1. (61 (5) العمري، المجتمع المدني، «خصائصه وتنظيماته الأولى» ، (ص 129) . .Sarjeant ,P.P. 10 -9 (6) (7) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة 1، (ص 59) . (8) الدوري، نظم (ص 18) . (9) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (2، 3) ، (ص 59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 طوائف المدينة الاخرى كاليهود، وإن كانوا لا ينتمون إليها انتماء وثيقا كالمهاجرين والأنصار؛ ولذلك لم تقع عليهم نفس الواجبات وليس لهم نفس الحقوق «1» . لقد كانت التكليفات بين الأفخاذ والبطون ضرورة لسد العجز الذي قد ينشأ عن عدم وجود بيت مال «المهاجرين من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم «2» بالمعروف والقسط بين المؤمنين» «3» . ويلاحظ في المواد التالية أن الصحيفة كررت هذه المادة مع بقية الأفخاذ والبطون، وذكر منها بني عوف وبني ساعدة وبني الحارث وبني جشم وبني النجار وبني عمرو بن عوف وبني النبيت وبني الأوس «4» وبذلك فإن الصحيفة لم تشر إلى الحيّين الكبيرين (الأوس والخزرج) بل ذكرت البطون الصغيرة؛ لأن أثرها أقوى في المجتمع اليثربي إضافة إلى أن هذه التكليفات تقوم بها البطون الصغيرة دون القبائل الكبيرة «5» . وكان على هذه البطون أن تسكن في مكان واحد كنوع من التنظيم للمجتمع المدني وأن يتعاون هؤلاء في حمل هذه التكاليف كالدين وغيره، فقالت الصحيفة: «لا يتركون مغرما بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل» «6» وهذا يوضح جليّا أن النبي صلّى الله عليه وسلم يكن يريد تحطيم القبيلة، إنما كان يريد أن يتخطى العصبية محاولا تشذيبها وتوجيهها بحيث يستفاد منها وفق مفاهيم الدين الجديد الداعية إلى التكافل في المجتمع الإسلامي. أما كلمة «طائفة» الواردة في هذه المادة أن كل طائفة ... «7» . فيقصد بها فروع (بطون) القبائل دون الأفراد، ولعل في هذا نوعا من التخصيص أكثر دقة بأن تتحمل هذه الطوائف أخطاء أفرادها الصغار دون أن يحمل ذلك للقبيلة الكبيرة «8» . ونصت الصحيفة أيضا «أنه لا يخلف مؤمن مولى مؤمن دونه» «9» وفي هذا إقرار   (1) الشريف، دور الحجاز (ص 87، 88) . (2) عانيهم: العاني، الأسير. انظر: ابن هشام (م 1، ص 502) . (3) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (3) ، (ص 59) . (4) م. ن، فقرة (14، 15) ، (ص 59، 60) . (5) انظر: العلي، تنظيمات الرسول الإدارية (ص 57) . (6) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (12) ، (ص 60) . العقل: الدّية، يعقله القتيل يعقله عقلا: وداه، انظر ابن منظور، لسان العرب (ج 11، ص 60) . السهيلي، الروض الأنف (ج 4، ص 292- 295) . (7) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (3) ، (ص 59) . (8) إبراهيم بيضون، الحجاز والدولة الإسلامية (ط 1) بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر، (1403 هـ، 1983 م) ، (ص 106) . (9) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (12 ب) ، (ص 60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 لقضية الموالاة التي كانت سائدة في الجاهلية والإسلام، وبهذا حاول أن يمنع إحداث مشاكل اجتماعية وسياسية وإدارية لمجتمع حديث عهد بالجاهلية، وأن ينظم هذه القضية بين الموالي ومن يوالونهم؛ حفاظا على واحدة المجتمع الإسلامي. وإذا أخل أحد بالأمن أو اعتدى أو أفسد فقد جعلت الصحيفة الأمة كلها مسؤولة عن حماية هذا الأمن وردع المفسد «1» وتمكين السلطة من القصاص العادل من المجرم، وليس لأحد من عشيرته أن يعترض على ذلك، وكان ذلك يعني أن تتواحد السلطة وألّا يكون هناك عوائق قبلية وعشائرية أمام سيادة القانون «وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه ولو كان ولد أحدهم» «2» ويفهم من ذلك أن السعي إلى تطبيق هذه الحدود واجب ديني، وهذا واضح من النص (المؤمنين المتقين) ، وكلمة «المتقين» تعني أن هذه التنظيمات والالتزام بها هو من التقوى التي يجب على المؤمنين الالتزام بها «3» . ويفترض أن تكون هذه الإجراات قد خطت خطوات واسعة لإيقاف الخصومات بين عشائر المدينة، وبذلك تحول الثأر الذي كانت تقوم به العشيرة إلى عقوبة تقوم بها الأمة ممثلة في سلطتها الحاكمة «4» . التي أصبحت هي المنوطة بتعقب المجرمين والقيام على أمن الأفراد في المجتمع الجديد ثم وضحت الصحيفة حدود العقوبات الجنائية، فكانت المادة التي تدل على أن دم الكافر لا يكافئ دم المسلم «ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر» «5» . وما ورد من أنهم «أمة دون الناس» «6» . والذي جاء دامغا لأهل الصحيفة لم يشمل هؤلاء في أمور الدماء، ولعل ذلك كان الإطار السياسي الذي جمع بين هؤلاء في الإنفاق والدفاع عن أرض يعيش فيها هؤلاء جميعا «7» . ويفترض أن تكون هذه المادة قد أعطت المجتمع نوعا من الاستقرار ونسيان الدماء التي أريقت في الجاهلية، فألغى الإسلام تلك الدماء وأكد   (1) الدوري، نظم (ص 19) . العدوي، نظم (ص 120) . (2) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (13) ، (ص 60) . دسيعة: عظيمة. انظر: ابن هشام (م 1، ص 502) . (3) العمري، المجتمع المدني، خصائصه وتنظيماته الأولى (ص 132) . (4) الدوري، نظم (ص 20) . (5) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (14) ، (ص 60) . (6) م. ن، فقرة (2) ، (ص 59) . M.Walt:Mahammad at Medina ,P.P. 188 -208 (7) وانظر: صفوان السيد، الأمة والجماعة والسلطة، دار اقرأ (ط 1) (1404 هـ، 1984 م) ، (ص 54) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 على مفهوم العقيدة الجديدة دون رابطة الدم والقرابة «ولا ينصر كافرا على مؤمن» «1» . وأعطت الصحيفة قيمة كبيرة لأفراد المجتمع المسلم حتى إن أحدهم كان باستطاعته أن يجير الاخرين إلا من حددت الصحيفة عدم إجارتهم «وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم» «2» وبذلك أقرت هذه المادة مبدأ الجوار- الذي كان معروفا قبل الإسلام- وجعله حقّا لكل مسلم ولكنه حصر الموالاة بين المؤمنين. والولاء تعني المحبة والتعاون والنصرة، فلا يجوز إذا أن يوالي المؤمن كافرا لقوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [ال عمران: 28] وجاءت الايات القرانية تؤيد هذه الموالاة وتجعلها جزا من الإيمان إذ قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ [الممتحنة: 1] وقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «3» . انتقلت الصحيفة لاعتبار الحرب والسلم جزا من سيادة الدولة، فلا يجوز لأي فرد أو قبيلة أن تسالم أو تحارب دون الرجوع إلى الدولة، فنصت الصحيفة «وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم» «4» وهذا طبيعي في جو أحاط المسلمين فيه من الأخطار الشيء الكثير، والرسول عليه السّلام بصفته رئيسا للدولة هو الذي يعلن الحرب أو السلم وعلى سائر أهل الصحيفة أن يتبعوا النبي صلّى الله عليه وسلم في حربه وسلمه. وأشارت الصحيفة في بعض موادها إلى نوع من التنظيم العسكري، فهناك تناوب بين المسلمين في الخروج للغزو في سبيل الله «وإن كل غازية غزت منا يعقب بعضها بعضا» «5» وكان هناك نص خاص يجعل أهل المدينة صفّا واحدا أمام أي خطر خارجي أو داخلي سواء أصاب فردا أم مجموعة أفراد «وأن المؤمنين يبئ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه» «6» . وذكرت الصحيفة مواد خاصة تنظم طريقة التعامل مع قريش وهي العدو الرئيسي   (1) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (15) ، (ص 60) . (2) م. ن، فقرة (1) ، (ص 60) . (3) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (17) ، (ص 60) . (4) العمري، المجتمع المدني- خصائصه وتنظيماته الأولى (ص 132، 133) . (5) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (18، 19) ، (ص 60) . (6) م. ن، فقرة (20) ، (ص 60) : يبئ: أباءه به أي: قتله به، جعله بواء له. انظر: السهيلي، الروض الأنف، (ج 4، ص 295) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 للدولة الجديدة؛ ولذا منعت الصحيفة أهلها- ولا سيما المشركين واليهود- أن يجيروا أحدا من أهل مكة، وبذلك استطاع النبي صلّى الله عليه وسلم أن يضبط أمور غير المسلمين في المدينة «لا يجير مشرك مالا لقريش ونفسا، ولا يحول دونه على مؤمن» «1» وينتظر أن يكون المشركون قد أثاروا موضوع إجارة المؤمنين- كما في مادة سابقة- ولكن الوضع هنا يختلف تماما، فمكة في حالة حرب وعداء مع المسلمين، والسماح لهؤلاء بإجارتهم يعني إحداث شرخ كبير في أمن المدينة ودفاعاتها. وحددت الصحيفة بعض ملامح النظام القضائي الجديد في المدينة، وجاءت المواد الخاصة بالقضاء كإطار قضائي للمواد الاخرى، ومن خلالها حددت العقوبات على الجنايات المختلفة فنصت الصحيفة «وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلّا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيام عليه» «2» فالقاتل يقتل إلّا أن يعفو وليه، وعلى الأمة جميعا أن تمكن السلطة والقضاء من أخذ الحق من القاتل، وهذا التأكيد كان ضروريّا في مجتمع قبلي يقف مع ابن القبيلة ظالما كان أو مظلوما، ويلاحظ أن الربط الدائم بين الإيمان وبين تطبيق هذه المواد فقال: «وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وامن بالله واليوم الاخر أن ينصر مشركا أو يؤويه، وأن من نصره أو اواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل» «3» . ويفهم من مواد الصحيفة أن السلطات الإدارية والقضائية والعسكرية جعلت بيد حاكم المدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فهو المرجع الأعلى في كل خلاف سواء كان بين المؤمنين أنفسهم أو بينهم وبين جيرانهم، فهو عليه السّلام يشرف على جميع الميادين التطبيقية لجميع ما قررته الصحيفة «4» «وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مردّه إلى الله عزّ وجلّ» «5» . أما القسم الاخر من الصحيفة فينظم العلاقات بين المؤمنين وبين اليهود القاطنين في المدينة وأطرافها، فقد ألزمت هذه الصحيفة اليهود بدفع قسط من نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة «6» وذلك في مادتين من مواد الصحيفة «وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» «7» والاخرى «وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم   (1) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (2 ب) ، (ص 60) . (2) م. ن، فقرة (21) ، (ص 60، 61) . (3) م. ن، فقرة (5، 22) ، (ص 61) . (4) العدوي، نظم (ص 126) . (5) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (23) ، (ص 61) . (6) العمري، المجتمع المدني (ص 123) ، وانظر.Go to P.P 9 -10 (7) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (24، 38) ، (ص 61، 62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة» «1» . ويتضح من النص أن كل فئة تدبر أمورها الخاصة في النفقة، أما في حالة الدفاع عن المدينة فلابد أن تشترك كل فئة بنصيبها من النفقة، وهذا واضح من قوله «وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» «2» ، وينتظر أن تكون هذه المواد قد جعلت أهل يثرب واحدة واحدة في حالة الحرب، وأن المجتمع الجديد يحتاج إلى مثل هذه الواحدة للدفاع عن كيانه في ظل الأخطار المحيطة به. ويبدو لنا من خلال استقراء حوادث السيرة أن اليهود لم يشتركوا في الدفاع عن المدينة لا سيما في الحروب الدفاعية كأحد والخندق وما ورد من إشارات في ذلك تفتقر إلى الصحة، فرواية الزهري (ت 124 هـ) : «كان اليهود يغزون مع رسول الله فيسهم لهم» «3» . هي من مراسيل الزهري والعلماء لا يحتجون بهذه المراسيل «4» . أما الحديث الاخر فهو «أن النبي استعان بيهود قينقاع» الذي ورد عن طريق الحسن ابن عمارة (ت 124 هـ) وأخرجه البيهقي (ت 458 هـ) فقال عنه: متروك «5» وهناك مجموعة أخرى من الأحاديث لم تثبت صحتها. وكذلك؛ فإن اليهود من الناحية العلمية لم يشتركوا في الدفاع عن المدينة وهناك أحاديث تمنع اليهود من ذلك فقد ذكر الحاكم (ت 405 هـ) : أن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج حتى إذا بلغ خلف ثنية الوداع إذا كتيبة، فقال: «من هؤلاء؟» قالوا: بنو قينقاع- وهم رهط عبد الله بن سلام- قال: «وأسلموا» قالوا: لا، بل هم على دينهم، قال: «قولوا لهم فيرجعوا فإنّا لا نستعين بالمشركين» «6» . ويظهر من بقية المواد التي تخص اليهود أن النبي صلّى الله عليه وسلم ترك لهم حرية المعتقد فلا يكره أحد على دين من الأديان، وكان ذلك يعني قمة التسامح الديني الذي أقره الإسلام ودعا إليه. وطبقه المسلمون في أول دستور أعلنه الإسلام في المدينة المنورة «لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم» «7» أما الجرائم الفردية فلا يؤخذ بها إلا صاحبها دون أن يتعدى ذلك إلى الجماعة كلها «إلا من ظلم وأثم فإنه لا   (1) م. ن، فقرة (37) ، (ص 62) . (2) م. ن، فقرة (38) ، (ص 62) . (3) أبو عبيد، الأموال (ص 296) . (4) البيهقي، السنن (ج 9، ص 37) . (5) م. ن (ج 9، ص 37) . (6) الحاكم، المستدرك (ج 2، ص 122) ، قال عنه: «صحيح ولم يخرجاه» أي البخاري ومسلم. (7) مجموعة الوثائق، فقرة (31) ، (ص 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 يوتغ إلّا نفسه وأهل بيته» «1» . ثم عددت الصحيفة أحياء اليهود وأن لهم جميعا هذه الامتيازات التي أعطيت ليهود بني عوف «وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ... » «2» أما الإطار السياسي العام الذي يجمع أهل الصحيفة والذي ينتظر منه أن يكون مقدمة لانضمام اليهود إلى أمة الإسلام، وهو أمل راود النبي صلّى الله عليه وسلم- على ما يبدو- في السنة الأولى لمقدمه إلى يثرب. ويلاحظ أن المسلمين اعتبروا كتلة واحدة تربطهم رابطة الإسلام، أما اليهود فلم تعاملهم الصحيفة على أنهم كتلة واحدة بل ذكرت قبائلهم «بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الأوس وبني ثعلبة وبني الشطيبة» «3» وموالي هؤلاء تبع لهم في الحكم «وإن بطانة يهود كأنفسهم» «4» ذكرهم متفرقين، ولعل ذلك كان يقصد منه أن يتمكن النبي صلّى الله عليه وسلم من معاقبة كل قبيلة تنقض العهد دون أن يأخذ قبيلة بجريرة الاخرى، وهذا ظهر جليّا في الخطوات التالية التي قام بها النبي صلّى الله عليه وسلم تجاه اليهود ويبدو أن مادة «على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى» «5» لم تتكرر هنا مع قبائل اليهود؛ لأن الصحيفة تركت لليهود إدارة شؤونهم الخاصة فيرجعوا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم في الأمور ذات الإطار العام ويرجعوا إلى أحبارهم في المسائل الشخصية والدينية، ولكن كان بإمكان اليهود أن يلجؤوا إلى الرسول ليحكم بينهم، ويفهم ذلك من الاية القرانية فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة: 42] ولا شك في أن احتكامهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلم كان متأخرا؛ لأن هذه الاية من سورة المائدة وهي نزلت في فترة متأخرة من حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم في المدينة «6» . وحددت الصحيفة حرية أهل المدينة في الخروج منها، فلابد أن يكون ذلك بعد أخذ الإذن من النبي صلّى الله عليه وسلم، وبذلك ضيق على اليهود والمشركين والمنافقين ولا سيما الاتصال بأعدائه المكيين، وأنه لا يجوز لأحد أن يعلن الحرب أو السلم إلا بإذن قيادة المدينة «لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلّى الله عليه وسلم» «7» وكانت المادة الاخرى قد ضيقت على   (1) م. ن، فقرة (31) ، (ص 61) . يوتغ: يهلك نفسه. قال: وتغ الرجل وأوتغه غيره أي: أهلكه انظر: السهيلي، الروض الأنف (ج 4، ص 395) . (2) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (24- 35) ، (ص 61) . (3) وردت كذلك، بني الشطنة. انظر، إسرائيل ولنفستون، تاريخ اليهود (ص 114) . (4) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقره (24- 35) ، (ص 61) . (5) م. ن، فقرة (3- 11) ، (ص 59، 60) . (6) العمري، المجتمع المدني (ص 128) . (7) حميد الله، مجموعة الوثائق، فقرة (36) ، (ص 61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 هؤلاء «وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها» «1» وبذلك أمّن النبي صلّى الله عليه وسلم كل السبل لحماية المدينة وسكانها. واعتبرت المدينة حرما فنصت الصحيفة «وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم، وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها» «2» والحرم لا يحل انتهاكه وبذلك أصبحت المدينة بحدودها- وهي يومئذ تمثل دولة الإسلام- محرمة كما هي مكة. ثم جعلت الصحيفة النبي صلّى الله عليه وسلم الرئيس الأعلى للدولة فهو يفصل في الخصومات الداخلية «وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عزّ وجل وإلى محمد صلّى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة» «3» . ويلاحظ أن الصحيفة ختمت بتأكيدات أخرى وجب الالتزام بها «وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره» «4» ، ثم أمّن أهل الصحيفة جميعا «وأنه من خرج امن ومن قعد امن إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن بر واتّقى، ومحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «5» . ويفترض أن يكون زمن انتهاء مفعول هذه الصحيفة هو بعد غزوة الخندق (سنة 5 هـ) إذ بعدها أخرج الرسول صلّى الله عليه وسلم اخر قبائل اليهود بني قريظة (سنة 5 هـ) فلم يعد معنى للحلف مع اليهود، كما أن صلح الحديبية (سنة 7 هـ) فتح الباب أمام الرسول صلّى الله عليه وسلم للتحالف مع من شاء من القبائل «6» ، وبعد فتح مكة (سنة 8 هـ) توسعت الدولة لتشمل الجزيرة العربية كاملة وهذا يتطلب اخر عاما لا تنظيما إقليميّا محليّا. ويتضح مما سبق أن إدارة الرسول صلّى الله عليه وسلم في المدينة كانت تهدف إلى تكوين أمة مترابطة، للأفراد فيها حرية العمل وإبداء الرأي، وللسلطة المركزية حق إدارة الأمن والقضاء والحرب والسلم على أن تكون التقوى والأخلاق الفاضلة أساس أعمالهم وتصرفاتهم. وبهذا النص المكتوب استكملت عناصر تكوين الدولة وفق مفهوم الدولة الحديث القائم على أركان ثلاثة هي: الأمة والأرض والسيادة الداخلية والخارجية على أرضها وشعبها.   (1) م. ن، فقرة (43) ، (ص 62) . (2) م. ن، فقرة (39- 41) ، (ص 62) . (3) م. ن، فقرة (42، 62) . (4) م. ن، فقرة (42) ، (ص 62) . (5) م. ن، فقرة (47) ، (ص 62) . (6) الدوري، نظم (ص 22، 23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الإدارة في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلم الفصل الثّالث التنظيم الإداري للدولة أولا: إدارة البلدان وتقسيماتها الإدارية. ثانيا: الإدارة الدينية. ثالثا: الكتابة والكتّاب. رابعا: إدارة العلاقات العامة (الدبلوماسية الإسلامية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الفصل الثالث التنظيم الإداري للدولة أولا: إدارة البلدان وتقسيماتها الإدارية ترجع الأسس العامة لإدارة البلدان إلى ما بعد فتح مكة (سنة 8 هـ) ؛ إذ امتدت دولة الإسلام تدريجيّا إلى المناطق المجاورة إلى أن شملت مكة ثم بلاد الحجاز والجزيرة العربية كافة. كان للرسول صلّى الله عليه وسلم الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا «1» ، وسلطاته الإدارية تشمل الدولة كلها فيما يتعلق بتحديد الأهداف ورسم السياسات العامة. لقد شارك الرسول صلّى الله عليه وسلم في إدارة الدولة مجموعة من خيرة الصحابة الذين يشهد لهم بالعقل والفضل والبصيرة، واختير هؤلاء الرجال من أولئك السابقين إلى الإسلام والذين لهم نفوذ وقوة في أقوامهم، وجاء في مقدمة هؤلاء العاملين في الميدان الإداري سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار «2» ، ويلاحظ أن بعض المصادر أطلقت عليهم اسم النقباء «3» ، في حين أطلق عليهم بعض المحدثين اسم «مجلس الشورى» أو «مجلس النقباء» «4» ، ويبدو أن إطلاق هذا المصطلح جاء متأخرا. فلم يكن هناك مجلس ثابت له قواعد ومواعيد محددة، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يستشير «5» الواحد بالرأي فيراه صوابا فيأخذ به، وإن كان يخالف رأيه كما حصل مع حباب بن المنذر (ت 20 هـ) في اختيار موقع القتال في بدر (2 هـ) «6» وكما أشار سلمان الفارسي (ت 35 هـ) على رسول الله صلّى الله عليه وسلم   (1) قال الماوردي في تعريف الإمامة: «موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به» . انظر: الماوردي، أبو الحسن محمد بن حبيب (ت 450 هـ) ، الأحكام السلطانية والولايات الدينية (ط 1) القاهرة، شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، (1960 م) ، (ص 5) . (2) أحمد، المسند (ج 1، ص 148) . (3) روى الإمام أحمد (ت 241 هـ) قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما من نبي كان قبلي إلا أعطي سبعة نقباء وزراء نجباء، وإني أعطيت أربعة عشر نقيبا حمزة وجعفر وعلي وأبو بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وسلمان وعمار وحذيفة وأبو ذر والمقداد وبلال والحسن والحسين» . انظر: أحمد، المسند (ج 1، ص 148) . (4) انظر مثلا: عبد القادر مصطفى، الوظيفة العامة في النظام الإسلامي (ص 25) . شيباني، نظام الحكم والإدارة، (ص 24) . العدوي، نظم (ص 189، 190) . (5) يذكر الترمذي (ت 279 هـ) قول أبي هريرة: «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلّى الله عليه وسلم» انظر: الترمذي، الصحيح (ج 4، ص 213) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 620) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 15) . البلاذري، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 بحفر الخندق حول المدينة، فأخذ برأيه وأمر بالحفر (5 هـ) «1» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يستشير الاثنين والثلاثة، فكان غالبا ما يستشير أبا بكر (ت 13 هـ) ، وعمر بن الخطاب (ت 23 هـ) «2» ، وكما فعل في غزوة الأحزاب (5 هـ) «3» إذ استشار سعد بن معاذ (ت 5 هـ) ، وسعد بن عبادة (ت 15 هـ) واستشار أسامة بن زيد (ت 54 هـ) ، وعلي بن أبي طالب (ت 39 هـ) في فراق أهله «4» . وكذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلم يستشير الحاضرين، فيروي ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لجيشه يوم بدر (2 هـ) : «أشيروا علي أيها الناس..» «5» وذكرت المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم استشار جمهور الناس عن طريق ممثلين عنهم كما حدث بعد غزوة حنين (سنة 8 هـ) ، إذ قدم وفد هوازن إلى النبي صلّى الله عليه وسلم مسلما فطلب النبي صلّى الله عليه وسلم من الناس أن يعطوا رأيهم في رد المغانم التي غنموها فاختلف الناس «6» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم لهم: «إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا «7» . فكانت الشورى قاعدة حكم النبي صلّى الله عليه وسلم كما أشارت الايات الكريمة في قوله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ال عمران: 159] ، وقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] . وقد أطلقت بعض المصادر على أولئك الذين استشارهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بشكل كبير اسم «الوزراء» ، فقال الحاكم (ت 405 هـ) : «كان أبو بكر الصديق من النبي صلّى الله عليه وسلم مكان الوزير فكان يشاوره في جميع أموره» «8» . ونجد رواية أخرى عند الترمذي (ت 279 هـ)   - أنساب (ج 1، ص 293) . (1) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 66) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 343) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 566) (الواقدي) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 178) . (2) ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «وايم الله لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا» انظر: أحمد، المسند (ج 4، ص 227) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 223) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 69) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 346) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 573) (الزهري) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 301) (ابن إسحاق) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 615) (عائشة) . (5) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 615) (ابن إسحاق) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 293) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 489) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 86، 87) (ابن إسحاق) . (7) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 131، 193، 194، 212) . (8) الحاكم، المستدرك (ج 3، ص 63) . وانظر: السيوطي، تاريخ الخلفاء (ص 60) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 تقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا له وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر» «1» وقد يتبادر إلى الذهن أن الوزارة كوظيفة إدارية كانت معروفة في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكن يبدو أن ما ورد من روايات في ذلك لم تعد كونها معاني عامة لكلمة وزير المعروفة قديما، والتي وردت على لسان موسى عليه السّلام: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي [طه: 29، 30] «2» أما الوزارة كوظيفة إدارية ثابتة فنشأت فيما بعد، وتبلورت في زمن العباسيين «3» ، ولذا قال الحاكم (ت 405 هـ) عبارته الدقيقة: «كان أبو بكر.. مكان الوزير» «4» فهو يعمل عمل الوزير دون أن يسمى وزيرا، قال ابن خالدون (ت 808 هـ) : «كان يشاور أصحابه، ويفاوضهم في مهماته العامة والخاصة، ويخص أبا بكر بخصوصيات أخرى، حتى كان العرب الذين عرفوا الدول وأحوالها من كسرى وقيصر والنجاشي يسمون أبا بكر وزيره، ولم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين لذهاب الملك بسذاجة الإسلام» «5» وبهذا المعنى كان أبو بكر يفوض عن النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض القضايا، فقد روى البخاري (ت 256 هـ) أن امرأة أتت النبي صلّى الله عليه وسلم وطلبت أن تعود، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر» «6» . ويفيد النص أن أبا بكر كان يفوض من قبل النبي صلّى الله عليه وسلم في تصريف شؤون الدولة وتلبية حاجات المواطنين. لقد أشارت المصادر إلى مجموعة من الوظائف الإدارية المرتبطة برئيس الدولة (منها: أن بعض المسلمين كان يعمل حاجبا لرسول الله) فكان يقوم هؤلاء بالإذن عليه في بعض الأوقات، وهناك إشارات تبين أن سفينة ورباح الأسود (من موالي رسول الله) وأنس بن مالك (ت 91 هـ) قاموا بهذه المهمة بتكليف من الرسول صلّى الله عليه وسلّم «7» . ولكن يلاحظ أن «الحجابة» هذه لم تكن لها مراسيم وأعراف أو أنظمة معقدة. بل كان   (1) الترمذي، الصحيح (ج 13، ص 142) . قال: «هذا حديث حسن صحيح» . انظر: الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 40) . (2) قال الأصفهاني: «الوزير من الوزر وهو الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل، والوزير: المتحمل ثقل أميره وشغله، انظر: الأصفهاني، المفردات (ص 521) . (3) انظر تفاصيل ذلك في: الماوردي، الأحكام السلطانية (ص 22- 29) . (4) الحاكم، المستدرك (ج 3، ص 63) . (5) ابن خالدون، المقدمة (ص 237) . (6) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 5) . (7) انظر: الطبري، تاريخ (ج 3، ص 171، 172) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 109) . (ج 2، ص 487) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ج 1، ص 51) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 هؤلاء يتطوعون في الإذن على رسول الله في الأوقات التي كان يحب أن يخلو فيها بنفسه في المسجد أو في حجرة من حجرات أزواجه «1» . وقد وجدت هناك وظيفة «أمين السر» ، وارتبطت بشكل كبير بالإدارة العليا للدولة ممثلة برسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتشير روايات المصادر أن هذه الوظيفة كانت طيلة فترة الرسالة لحذيفة بن اليمان (ت 36 هـ) فيروي الترمذي (ت 279 هـ) : «أن حذيفة بن اليمان كان صاحب سر رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقربه منه وثقته به وعلو منزلته عنده» «2» ، ومن هنا فقد انفرد حذيفة في معرفة كثير من الأسرار التي لم يعلمها غيره خاصة معرفة أسماء المنافقين وأخبارهم، ومعرفة أخبار الفتن التي تقع بين المسلمين «3» . وكانت هناك وظائف إدارية ذات طبيعة إعلامية وهي وظيفة «الشعراء والخطباء» : فكان هؤلاء يذودون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بألسنتهم، ويعيبون على قريش عبادتهم للأصنام، ويردون على شعراء المشركين وخطبائهم، وبذلك كانوا يمثلون بشعرهم حربا إعلامية شديدة التأثير في بيئة قبلية احتل الشعراء والبلغاء فيها مكانة خاصة. وكان من أشهر هؤلاء حسان بن ثابت (ت 54 هـ) «4» وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يشجعه لما يشعر به من أهمية دوره في إبراز محاسن الإسلام، والذود عن حرماته، فيروي البخاري (ت 256 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لحسان: «أهجوهم وروح القدس معك» «5» وفي رواية لمسلم (ت 261 هـ) : «يا حسان أجب عن رسول الله، اللهم أيّده بروح القدس» «6» ، وكان لشعر عبد الله بن رواحة (ت 8 هـ) «7» وكعب بن مالك (ت 50 هـ) دور كبير في المعارك المختلفة، فكانت مهمتهم أن يحرضوا المجاهدين على القتال، وأن يتصدّوا للمشركين وشعرائهم «8» .   (1) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 109) . (2) الترمذي الصحيح (ج 13، ص 216) . وانظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 335) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 47) . (3) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 318) . (4) انظر: أشعار حسان في الرد على المشركين في ابن هشام، السيرة (م 2، ص 16، 18، 19، 23، 563، 566) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 116، 117) (الواقدي) . (5) البخاري، الصحيح (ج 1، ص 123) ، (ج 4، ص 136) . (6) مسلم، الصحيح (ج 4، ص 1913، 1932، 1935) . (7) انظر: محمد رشيد رضا، محمد رسول الله، بيروت، دار الكتب العلمية (1365 هـ، 1975 م) ، (ص 388، 389) . (8) انظر: أشعار عبد الله بن رواحة (ت 8 هـ) في ابن هشام، السيرة (م 2، ص 188، 371، 375، 376، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وكان ثابت بن قيس الخزرجي (ت 12 هـ) يقوم بمهمة «الخطابة» ، فيرد على خطباء الوفود، يروي ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن وفد بني تميم جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، (9 هـ) ، فقام شاعرهم وخطيبهم، فقالا شعرا ونثرا، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم حسان بن ثابت (ت 54 هـ) ، وثابت بن قيس (ت 12 هـ) بإجابتهما ففعلا «1» ، وهكذا فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم يختار من أصحابه أهل الكفاءة لمكافأة متطلبات الوظيفة وحاجاتها. كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يوصي بالرئاسة حيث يوجد العمل الجماعي، وذلك يظهر من قوله: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» «2» ، وكانت هذه قاعدة عامة يطبقها النبي صلّى الله عليه وسلم في كل أحواله، فكان يدير الدولة بنفسه، ويشرف على شؤون الأقاليم البعيدة عن طريق استعمال عدد كبير ممن يجد فيهم الكفاءة من أصحابه. ففي المدينة «عاصمة الدولة» أشرف النبي صلّى الله عليه وسلم على إدارتها إشرافا مباشرا، وكانت المناطق القريبة من المدينة تابعة إداريّا للرسول. وتشير المصادر إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يعين نائبا له «3» على إدارة المدينة في حال خروجه للجهاد أو الحج، فيصلي بالناس، ويشرف على تنفيذ متطلبات الناس المتبقين في المدينة، وكان أول من استعمل على المدينة ابن أم مكتوم (ت 15 هـ) فيذكر خليفة بن خياط (ت 240 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعمله ثلاث عشرة مرة «4» ويبدو أن استخلاف ابن أم مكتوم غالبا ما كان من أجل   - 377، 378، 379) . وانظر: أشعار كعب بن مالك (ت 50 هـ) في ابن هشام، السيرة (م 2، ص 562) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 294) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 116) (الواقدي) . (1) انظر: خطبه في ابن هشام، السيرة (م 2، ص 562) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 294) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 116) (الواقدي) . ابن حزم، جوامع السيرة (ص 28) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 200) . (2) أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) سنن أبي داود، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت، (ج 3، ص 81) . وفي حديث: «الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب» (ج 3، ص 81) . (3) أول لقب لقب به نواب الرسول صلّى الله عليه وسلم وممثلوه هو لقب (أمير) والواقع أن هذا اللقب استعمل قبل الإسلام، ولكن استعماله كان يحمل معنى دنيويّا بحتا، أما في ظل الحكم الإسلامي فأصبح يحمل المعنى الديني والدنيوي معا، ويلاحظ أن الموظفين في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم كانوا يسمون عمالا وأمراء وولاة، ومن هنا فإنا نجد تداخلا في التسمية، فترد في المصادر إشارات إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعمل فلانا أو أقر فلانا أو ولّى فلانا.. إلخ. انظر: الأعظمي، الألقاب (ص 451) . (4) انظر: خليفة من خياط، تاريخ (ج 1، ص 61) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1198، 1199) . ذكرت كتب السير أنه استعمل في غزوة الأبواء، وبواط، وذي العشيرة، والسويق، وغطفان، وأحد، وحمراء الأسد، وذات الرقاع، وبدر، وبني النضير، والغابة، وغيرها. انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 36، 39، 49، 58) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 555) (الواقدي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الصلاة بالناس؛ وذلك لكونه ضريرا، وقد اتضح هذا من قول الحلبي (ت 1044 هـ) : «إن استخلاف ابن أم مكتوم إنما كان على الصلاة بالمدينة دون القضايا والأحكام، فإن الضرير لا يجوز أن يحكم بين الناس؛ لأنه لا يدرك الأشخاص، ولا يدري لمن يحكم ولا على من يحكم» «1» ، وأيد ذلك الزرقاني (ت 122 هـ) حيث قال: «استعمل ابن أم مكتوم- أي على الصلاة بالناس- لأن المدينة لم يبق فيها إلا القليل الذين لا يتخاصمون» «2» . وذكرت المصادر عددا ممن أنابهم الرسول صلّى الله عليه وسلم على إدارة المدينة في حالة خروجه إلى الغزاة «3» ، ويلاحظ من جريدة الأسماء الذين اختارهم الرسول صلّى الله عليه وسلم لذلك أنه لم يقتصر على اختيار شخص معين، ولكن بقي الإسلام والكفاءة والأمانة هي أسس الاختيار والتولية، أما ما ذكر عن الأقسام التابعة إداريّا للمدينة، وأشارت إليهما المصادر الجغرافية «4» ، فلم تكن على هذه الصورة في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم، وربما حدثت في السنين التالية عندما استقر الوضع الإداري للجزيرة العربية وفي المناطق الشمالية خاصة. وكانت «مكة» واحدة إدارية، وتأتى في أهميتها بعد العاصمة، ولا سيما أنها تشتمل على المشاعر المقدسة، والتي يحج المسلمون إليها في كل عام، وقد انضمت مكة إلى الدولة الإسلامية في السنة الثامنة للهجرة بعد الفتح وعين عليها النبي صلّى الله عليه وسلم عتاب   (1) الحلبي، السيرة (ج 2، ص 270) . (2) الزرقاني، المواهب (ج 20، ص 24، 25) . (3) من هؤلاء سعد بن عبادة (ت 15 هـ) في غزوة ودان (1 هـ) ، وسعد بن معاذ (ت 5 هـ) في غزوة بواط، وأبو سلمة من عبد الأسد (ت 3 هـ) في غزوة ذي العشيرة، وأبو لبابة «بشير بن عبد المنذر» (ت 36 هـ) في غزوة السويق، وغزوة قينقاع، وعثمان بن عفان في غزوة ذي أمر، وغزوة غطفان، وذات الرقاع، وسباع بن عرفطة في غزوة دومة الجندل وغزوة خيبر، وعلي بن أبي طالب في غزوة تبوك، وأبو دهم بن الحصين في غزوة الفتح وغيرهم. انظر: ابن هشام، السيرة م 1، ص 590، 591، 598) ، (م 2، ص 46، 49، 209، 213، 399) . ابن سعد، الطبقات، (ج 2، ص 8، 9، 29، 30، 34، 35، 61، 62، 106، 120، 121، 165) . (4) أشارت هذه المصادر إلى أماكن وصفتها بأنها أعراض تابعة إداريّا للمدينة، فذكر ياقوت (626 هـ) أن النخيل من أعراض المدينة، أي من قراها القريية منها. ويذكر السمهودي (ت 1011 هـ) أن (ذو عظم) من أعراض المدينة، وينقل البكري (ت 478 هـ) أن من أعراض المدينة فدك والفرع ورهاط، ويذكر ابن خرداذبه (توفي نحو 280 هـ) أن من أعراض المدينة تيماء، ودومة الجندل، ومنها فدك وقرى عرينة والوحيدة وتمرة وخضرة وغيرها، ويذكر ابن الفقيه (توفى نحو 340 هـ) مجموعة من الأعمال التابعة للمدينة. ويبدو من القوائم السابقة أن هذه الأعمال أو الأعراض تبعت المدينة في فترة لاحقة. انظر: ياقوت، معجم (ج 1، ص 2450) ، (ج 5، ص 4502) . السمهودي، وفاء الوفا (ج 4، ص 267) . البكري، معجم (ص 1201) . ابن خرداذبه أبا القاسم عبيد الله (توفي نحو 280 هـ) المسالك والممالك، بغداد مكتبة المثنى، د. ت (ص 128) . وابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان (ص 26) . العلي، إدارة الحجاز (ص 10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ابن أسيد بن أبي العاص (ت 13 هـ) واليا كما في رواية ابن إسحاق (ت 151 هـ) «1» ، في حين يذكر موسى بن عقبة (ت 141 هـ) «2» أن النبي صلّى الله عليه وسلم عين معاذ بن جبل (ت 19 هـ) على مكة يعلّمهم القران ويفقههم في الدين «3» . ويمكن الجمع بين ما قاله ابن إسحاق (ت 151 هـ) وابن عقبة (ت 141 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم عين عتابا أميرا ومعاذا إماما ومعلما؛ إذ إن عتاب بن أسيد من مسلمة الفتح، ولم يحصل على قسط وافر من العلم والفقه. وبقي عتاب بن أسيد من مسلمة الفتح، ولم يحصل على قسط وافر من العلم والفقه. وبقي عتاب بن أسيد على إدارة مكة حتى وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم فأقره أبو بكر على ولايته حتى وفاته (ت 13 هـ) «4» ، ويمكن القول: إن إدارة عتاب الناجحة لشؤون مكة أدت بشكل واضح إلى ثبات أهل مكة على الإسلام بعد ردة العرب في أواخر حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم وسائر خلافة أبي بكر رضي الله عنه «5» . وكانت الطائف- بعد إسلامها (9 هـ) - واحدة إدارية، واستعمل النبي صلّى الله عليه وسلم على إدارتها عثمان بن أبي العاص (ت 42 هـ) وقد اختير عثمان مع صغر سنه «6» ويعلل ذلك قول أبي بكر الصديق (ت 13 هـ) : «يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم إني رأيت هذا الغلام منهم أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القران» «7» وكانت قد جرت عادة الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ عام الوفود (9 هـ) أن يختار من بين الوافدين عليه أصلحهم لتولّي   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 500) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 137) . الأزرقي، أخبار مكة (ج 2، ص 40) . (2) الأزرقي، أخبار مكة (ج 2، ص 40) (موسى بن عقبة) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 500) . الفاسي، العقد الثمين (ج 7، ص 366، 367) . أحمد بن السيد زيني دحلان، أمراء البلد الحرام (ط 2) بيروت، الدار المتحدة للنشر، (1401 هـ، 1981 م) ، (ص 7) . (4) العسكري، الأوائل (ص 222) . ابن حزم، جمهرة (ص 113) . ابن حجر، أسد الغابة (ج 3، ص 358، 359) . (5) تذكر بعض المصادر الجغرافية أعمالا تابعة لمكة. وهذه الأعمال تبعت مكة في فترة لاحقة. انظر: ابن خرداذبة، المسالك والممالك (ص 128) . اليعقوبي، البلدان (ص 316) . المقدسي، أبا عبد الله محمد بن أحمد (ت 287 هـ) ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق دي خوية، ليدن، مطبعة بريل، (1906 م) ، أوفست، مكتبة الخياط، بيروت، (ص 79، 80) . شيخ الربوة شمس الدين أبا عبد الله محمد بن أبي طالب الأنصاري، (ت 727 هـ) ، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، د. ت (ص 215) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 540) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 99) . ابن حزم، جوامع السيرة (ص 24) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1035) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 540) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 99) . قال أبو بكر: «رأيت هذا الغلام ... » والغلام في اللغة هو الممتلئ شبابا، ويقدر ما بين الخامسة عشرة والعشرين. انظر: ابن سيده، المخصص (ج 1، ص 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 شؤون المنطقة التي ينتمي إليها الوفد، وذلك بما يتوافر لهذا الأمير من مؤهلات دون النظر للسن، وعلى أساس ذلك كان اختيار عثمان لإدارة شؤون الطائف. ويشير ابن إسحاق (ت 151 هـ) إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم زود عثمان بتعليمات إدارية أولية فقال له: «يا عثمان تجاوز في الصلاة، واقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة» «1» ويفيد هذا النص أن المهمة الإدارية الأولى لعثمان كانت إقامة الصلاة، فكان لابد من تحديد كيفية التعامل تجاه المصلين، لأنهم حديثو عهد بالإسلام. أما بقية الأمور الإدارية، فقد تركت لعثمان يقوم بها حسب معرفته بطبيعة الطائف وعلى أساس النظم السائدة فيها، وبقي عثمان على إدارتها في حياة النبي صلّى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وجزا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «2» . وكانت «اليمن» واحدة إدارية، وكانت قبل الإسلام تتبع فارس، وولي أمرها من قبل كسرى باذان بن ساسان (ت 10 هـ) ، فأسلم وحسن إسلامه وأصبح أهلها جزا من رعايا الدولة الإسلامية. فأبقى النبي صلّى الله عليه وسلم باذان على إدارتها، ولم يشرك معه فيها أحدا حتى وفاته (ت 10 هـ) «3» فرأى النبي صلّى الله عليه وسلم بعد وفاة باذان أن يقسم اليمن إلى عدد من الأقسام الإدارية، فكانت «صنعاء وأعمالها» واحدة إدارية، وجعلها لشهر بن باذان «4» ، وبعد مقتله تولى إدارتها خالد بن سعيد (ت 14 هـ) ، وكانت «مأرب» واحدة إدارية وجعلها لأبي موسى الأشعري (ت 42 هـ) ، وتشمل منطقة زبيد وعدن ورمغ والساحل «5» ، وكانت «الجند» واحدة إدارية، وجعلها لمعاذ بن جبل (ت 19 هـ) «6» ، في حين يرى ابن خالدون (ت 808 هـ) أن الجند كانت ليعلى بن أمية «7» . وكانت «نجران» واحدة إدارية جعلها النبي صلّى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (ت 51 هـ) ، ثم تولى   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 541) . (2) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1035) . (3) ابن حزم، جوامع السيرة (ص 23) . المالقي، أبو القاسم بن رضوان (ت 783 هـ) ، الشهب اللامعة في السياسة النافعة، تحقيق على سامي النشار (ط 1) الدار البيضاء، ودار الثقافة، (1984 م) ، (ص 341) . وابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 843) . (4) ابن حزم، جوامع (ص 23) . ابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 843) . (5) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 93، 94) . ابن حزم، جوامع (ص 23) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1403) . ابن حجر، أسد الغابة (ج 3، ص 246) . ابن خالدون تاريخ (ج 2، ص 843) . (6) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 97، 98) . ابن حزم، جوامع (ص 24- 33) . الحاكم، المستدرك (ج 3، ص 274) . ابن عبد البر الاستيعاب (ج 3، ص 1043) . (7) ابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 843، 844) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 إدارتها بعده أبو سفيان بن حرب (ت 32 هـ) «1» ، أما همذان فجعلت لعامر بن شمر الهمذاني «2» ، وكانت «عك والأشعرين» واحدة إدارية، وجعلها لطاهر بن أبي هالة «3» . لقد كانت اليمن قبل الإسلام تتبع نظاما إداريّا متقدما نوعا ما؛ إذ قامت فيها مجموعة من الدول المتحضرة، ويتصور أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلم قد أرسل ولاته لإدارة اليمن حسب النظم الموجودة قبل الإسلام؛ ولا سيما خاصة تلك التي لا تتعارض مع الدين الجديد «4» . أما «حضرموت والصدف» فكانت واحدة إدارية، وجعلها النبي صلّى الله عليه وسلم كما يشير البلاذري (ت 279 هـ) لزياد بن لبيد (ت 41 هـ) «5» . وهناك إشارة إلى أن وائل بن حجر بن ربيعة كان قيلا من أقيال حضرموت وكان أبوه ملكا من ملوكهم وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم، ويقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلم بشّر به قبل قدومه فقال: «يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت راغبا في الله ورسوله، وهو بقية أبناء الملوك، فلما دخل عليه رحب به وأدناه من نفسه وقرّبه من مجلسه وبسط له ردائه، ودعا له ولولده، واستعمله على حضرموت وكتب له كتابا إلى الأقيال والعباهلة» «6» وهذا الخلاف يدفعنا إلى القول إن النبي صلّى الله عليه وسلم استعمل وائل بن حجر على بعض حضرموت في حين كان زياد بن لبيد (ت 41 هـ) الحاكم الإداري العام من قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم. أما منطقة «البحرين» فكانت ابتداء جزا من مملكة فارس، وكان سكانها من العرب واليهود والمجوس، فأرسل النبي صلّى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) إلى المنذر ابن ساوى يدعوه إلى الإسلام، فأسلم المنذر وحسن إسلامه «7» . فأبقاه النبي صلّى الله عليه وسلم على إدارة البحرين وقال له: «إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته   (1) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 93، 94) . وفي رواية للواقدي (ت 207 هـ) «لم يذهب إلى نجران وبقي في المدينة» . انظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 529، 530) . (2) ابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 843، 844) . (3) م. ن (ج 2، ص 843، 844) . (4) عرفت اليمن الإدارة المستقلة والسيادة الكاملة في أزمنة كثيرة، منها حقبة التباعية، فقد كان هناك مجالس تمثل الشعب تمثيلا نيابيّا، فقد كان هناك مجلس قبلي إلى جانب مجلس الشعب، كما كانت تمثل القبائل المختلفة في الهيئات التشريعية، وكانت إدارة البلاد بيدها. انظر: ديتلف نلسون ورفاق، التاريخ العربي القديم، ترجمة: فؤاد حسين علي وزكي محمد حسن. القاهرة، مكتبة النهضة الحديثة، د. ت (ص 133- 143) . (5) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 529) . (6) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1562) . القيل: الملك من ملوك حمير وجمعه أقيال وقيول. العباهلة: هم الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 11، ص 580) . (7) ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 576) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 236) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 106، 107) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1086) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 36، 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 أو مجوسيته فعليه الجزية» «1» ، ويشير ابن سعد (ت 330 هـ) إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعمل العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) وبعث معه أبا هريرة «2» والذي أراه أن المنذر كان يدير البحرين وفق النظم الإدارية الموجودة، وكان دور العلاء مساعدة المنذر في نقل البلاد من النظم السائدة إلى النظم الإدارية وفق تعاليم الدين الجديد التي امن بها المنذر ومجموعة من أهل البحرين، وكان دور أبي هريرة (ت 59 هـ) تعليم الناس وتفقيههم الإسلام وأحكامه، ويتضح ذلك من إشارة لابن إسحاق (151 هـ) حيث قال: «والعلاء عنده- أي عند المنذر- كان أميرا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم على البحرين» «3» . ويذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم كتب للعلاء كتابا جاء فيه «فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوى من يقتضي منه ما اجتمع عنده من الجزية، فعجله بها، وابعث معهما ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور» «4» ويفيد النص أن المنذر كان يقوم بجمع الجزية على حين، بينما يقوم العلاء بجمع صدقات المسلمين. وبهذه الطريقة يستطيع أن يتعرف إلى طبيعة البلاد وأهلها حتى تنتقل إليه إدارتها فيما بعد. لقد قام أهل البحرين بشكوى العلاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولم تسعفنا المصادر عن طبيعة هذه الشكوى وأسبابها. ولكن النبي صلّى الله عليه وسلم استجاب لطلبهم وعزل العلاء واستعمل على إدارتها أبان بن سعيد بن العاص (ت 15 هـ) «5» ، وأوصاه النبي صلّى الله عليه وسلم بأهل البحرين خيرا فقال له: «استوص بعبد القيس وأكرم سراتهم» «6» . وأشارت المصادر إلى أن «عمان» كانت واحدة إدارية جمعها النبي صلّى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص (ت 43 هـ) «7» في حين يشير خليفة بن خياط (ت 240 هـ) في رواية أن إدارة عمان كانت لأبي زيد الأنصاري «8» ، وهذه الرواية غريبة تخالف بقية الروايات؛ إذ إن عمرا بقي على إدارة عمان حتى وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم «9» .   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 236) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 108، 109) . القلقشندي، صبح الأعشى (ج 6، ص 367) . الحلبي، السيرة (ج 3، ص 283) . حميد الله، مجموعة الوثائق (ص 146) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 236) . (3) ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 576) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 276) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (64) ، (ص 153) . (5) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 111) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 36) . (6) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 360، 361) . (7) خليفة بن خياط، تاريخ (ج 1، ص 62) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1187) . المالقي، الشهب اللامعة (ص 341) . ابن الأزرق، بدائع (ج 1، ص 284) . (8) خليفة بن خياط، تاريخ (ج 1، ص 62) . (9) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1187) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وكانت هناك مجموعة من المناطق الإدارية الصغيرة في الجزيرة، فكانت قرى عرينة (تبوك وخيبر وفدك) واحدة إدارية، واستعمل النبي صلّى الله عليه وسلم على إدارتها عمرو بن سعيد بن عبد الله بن العاص (ت 12 هـ) «1» و «وادي القرى» وكان على إدارتها الحكم بن سعيد بن العاص «2» ، و «جرش» وكان على إدارتها صرد بن عبد الله الأزدي «3» ، و «دبا» واستعمل على إدارتها حذيفة بن اليمان (ت 36 هـ) «4» و «الخط» واستعمل على إدارتها أبان بن سعيد بن العاص (ت 15 هـ) لفترة من الوقت ثم أرسله واليا من قبله على البحرين «5» و «وادي العقيق» ، واستعمل على إدارتها بلال بن الحارث المزني (ت 60 هـ) «6» ، لقد كانت هذه القرى مستقلة قبل الإسلام ولم تكن تابعة إداريّا لدولة من الدول المجاورة مما جعل النبي صلّى الله عليه وسلم يعين لكل واحدة منها واليا مستقلّا. أما القبائل العربية المتناثرة في أنحاء الجزيرة، فقد أرسلت وفودا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم أعلن بعضها الإسلام، وقبل البعض الاخر الدخول في حماية المسلمين. وقضت طبيعة النظام البدوي والأوضاع السائدة في الجزيرة، أن يعامل الرسول صلّى الله عليه وسلم هذه القبائل معاملة تعطيها الاستقلال الذاتي في إدارة شؤونها، فلم يعين النبي صلّى الله عليه وسلم على هذه القبائل ولاة من قبله، بل أقر زعماء هذه القبائل على ما هم عليه وطالبهم بالمحافظة على الأركان الأساسية في الإسلام- إن كانوا مسلمين- أو الالتزام بشروط المسلمين إن كانوا غير مسلمين، وترك لهم إدارة شؤونهم المحلية حسب ما لديهم من تقاليد وأعراف «7» وبذلك اتسعت الدولة، وأصبح حكمها يعتمد اللامركزية (الإدارة غير المباشرة) واكتفت بخضوع القبائل لسلطتها والموالاة لها. وقد أشارت المصادر إلى بعض هذه القبائل، فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلم علي بن الحارث بن   (1) خليفة بن خياط، تاريخ (ج 1، ص 61، 62) . وانظر: ابن حزم، جوامع (ص 242) . جمهرة (ص 80) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1178) . (2) ابن حزم، جوامع (ص 24) . جمهرة (ص 80) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 337، 338) . (4) م. ن (ج 5، ص 527) . (5) ابن حزم، جوامع (ص 24) . (6) ياقوت، معجم (ج 4، ص 139) . ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 164) . (7) العلي، إدارة الحجاز (ص 36) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 كعب بن قيس على قبيلته بني الحارث بن كعب «1» ، ورفاعة بن زيد الجذامي على قومه، وكتب له النبي صلّى الله عليه وسلم كتابا بذلك «2» ، وقضاعي بن عمر على قبيلته بني عذرة «3» ، وصرد بن عبد الله الأزدي على قومه، وكانوا يسكنون في منطقة جرش فاستعملهم النبي صلّى الله عليه وسلم على جرش أيضا «4» ، وقيس بن مالك الهمذاني على قومه همذان وكتب له كتابا أمرهم به «أن يسمعوا له ويطيعوا» «5» ، وأقر امرأ القيس بن الأصبع الكلبي على قومه بني كلب «6» وقيس بن مالك الأرصبي على قومه، ويشير ابن سعد إلى كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي كتبه لقيس، حيث قال فيه: «أما بعد: فإني استعملتك على قومك عربهم وحمورهم ومواليهم» «7» ، ويذكر ابن حجر كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم لخزيمة بن عاصم الذي استعمله بموجبه على قومه حيث جاء فيه: «إني بعثتك ساعيا على قومك فلا يضاموا ولا يظلموا» «8» ، ويلاحظ أن كلمة (ساعيا) تدل على أن هؤلاء الأمراء كانوا يقومون بجمع ما يستحق على أقوامهم من أموال الصدقة وغيرها ثم يبعثونها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهذا كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى عبادة بن الأشيب العنزي جاء فيه: «إني أمّرتك على قومك ممّن جرى عليه عملي وعمل بني أبيك، فمن قرئ عليه كتابي هذا فلم يطع، فليس له من الله معون» «9» ، ويشير ابن إسحاق (ت 151 هـ) إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى رفاعة بن زيد جاء فيه: «إني بعثته على قومه عامة، ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله ورسوله» «10» . ويلاحظ من خلال الكتب السابقة أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يبعث مع بعض الأمراء كتابا   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 594) . (2) م. ن (ج 2، ص 596) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 270) . (4) م. ن (ج 1، ص 338) . قال ابن سعد: «صرد بن عبد الله الأزدي، تولى أمر قومه وحارب بهم أهل جرش حتى تولى أمرها زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم» . انظر: ابن سعد: الطبقات (ج 5، ص 527) . (5) م. ن (ج 1، ص 340، 341) . (6) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 243) (سيف) . (7) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 341) . وانظر: ابن الأثير، أسد الغابة (ج 4، ص 224، 225) . ابن حجر، الإصابة (ج 3، ص 258، 259) . حمورهم: هي مجموعة من البطون، منها قدم وال ذي مران، وال ذي لعوة. انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 341) . (8) ابن الأثير، أسد الغابة (ج 2، ص 116) . ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 427، 428) . (9) ابن الأثير، أسد الغابة (ج 3، ص 104) . وانظر: ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 267) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (234) ، (ص 223) . الأحمدي، مكاتيب (ج 1، ص 238) . (10) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 596) (ابن إسحاق) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 354) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 140) (ابن إسحاق) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (175) ، (ص 280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يجوز لنا أن نطلق عليه (كتاب التعيين) ، يطلب فيه من القبيلة أن تطيعه ولا تخالف أمره، ويفترض أن جميع هذه القبائل التي بعثت وفودا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قد ولي عليها النبي رجلا يدير أمرها، وما ذكر سابقا يعطي صورة أولية عن وضع القبائل الاخرى في الجزيرة وعلى حدود فارس والروم. لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يتخير أمراءه من الصحابة الذين اشتهروا بالعلم والكفاية والكفاءة والجاه والسلطان ولديهم المقدرة على بعث الإيمان في قلوب من يرسلون إليهم «1» ؛ لأن مهمة هؤلاء لم تكن إدارية فقط، بل كانت مهمة دعوية تعليمية فهم يعلمون الناس الإسلام ويؤمونهم في الصلاة. لقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم في اختياره لهؤلاء الأمراء يغلب اعتبارات الكفاءة على اعتبارات السن أو الغنى أو غير ذلك. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم لا يخضع لتأثير الضغوط، لتغيب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ويتضح هذا من عدة حوادث، فهذا العباس (ت 32 هـ) عم النبي صلّى الله عليه وسلم حين طلب أن يوليه ولاية قال له النبي صلّى الله عليه وسلم بكل صراحة ووضوح: «يا عم رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والاخرة» «2» وطلب رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم عملا فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنا لا نستعمل على عملنا من أراده» «3» ، وكذلك أجاب أبا ذر الغفاري (ت 24 هـ) حين سأله قائلا: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها» «4» وفي رواية لمسلم (ت 261 هـ) في الصحيح قال: «إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمّرنّ على اثنين، ولا تلينّ مال يتيم» «5» ، فرغم سبق أبي ذر في الإسلام ومكانته العظيمة التي عبر عنها النبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «ما أقلت الغبراء وما أظلت الخضراء رجلا أصدق   (1) انظر: محمد كرد علي، الإدارة الإسلامية (ص 12) . (2) الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، صحيح الجامع الصغير وزيادته، دمشق، المكتب الإسلامي (1972 م) ، (ج 6، ص 295) . (3) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 115) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1456) . أحمد، المسند (ج 4، ص 409) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 9) . (4) أحمد، المسند (ج 5، ص 173) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 210) . (5) مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 218، 219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 لهجة من أبي ذر «1» » إلا أنه مع ذلك رفض طلبه في توليته أمرا إداريّا لا يتناسب مع صفات أبي ذر، فعبر له عن ذلك مبديا له ضعفه دون حرج. ولعل من الأمور الواضحة البينة في هذا المجال ما أشار إليه البخاري (ت 256 هـ) في روايته عن أبي موسى الأشعري (ت 52 هـ) حيث قال: «دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: أمّرنا يا رسول الله، وقال الاخر مثله، فقال: «إنّا لا نولي هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه» «2» ؛ وذلك لأن الولايات أمانة والتسرع إلى تحمل الأمانة خيانة؛ لأنه لا يطلبها إلا طامع فيها، متطلّع إلى مكسب مادي أو معنوي. ولقد وجه النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه إلى عدم التسرّع في طلب الإمارة فيشير البخاري (ت 256 هـ) إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة (ت 51 هـ) : «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها» «3» . وحذّر النبي صلّى الله عليه وسلم من تولية غير الكفؤ في إدارة من الإدارات فقال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» «4» ، وفي رواية لمسلم (ت 261 هـ) : «ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجتهد لهم، وينصح، إلّا لم يدخل معهم الجنة» «5» . ولا يفهم من ذلك أن يبتعد أصحاب الكفاات عن تولي إدارات الدولة المختلفة فقد سمع النبي صلّى الله عليه وسلم رجلا يقول: بئس الشيء الإمارة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها وحلّها» «6» ، وجعل النبي صلّى الله عليه وسلم للإمام العادل منزلة رفيعة عند الله يوم القيامة فقال:   (1) أحمد، المسند (ج 2، ص 175) . ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ) . سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت (ج 1، ص 55) . الترمذي، الصحيح (ج 13، ص 210) . (2) ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 147) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 206، 207) . (3) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 79) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1456) . (4) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 80) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 214) . (5) مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 215) . (6) ابن سلام، الأموال (ص 10) ، وروى البخاري (ت 256 هـ) حديثا بنفس المعنى: «إنكم ستحرصون على الإمارة وستصير ندامة وحسرة يوم القيامة، فبئس المرضعة ونعمت الفاطمة» . انظر: البخاري، صحيح (ج 9، ص 79) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل ... » «1» . لقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعرف طاقات أصحابه معرفة دقيقة، ويتضح ذلك مما رواه الترمذي (ت 279 هـ) عن النبي صلّى الله عليه وسلم حيث قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأحزمهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح» «2» ، وكانت هذه الإشارة من النبي صلّى الله عليه وسلم توجّه الأمة لمعرفة خصائص كل واحد منهم للإفادة من كفاءتهم وقدراتهم في الإدارات المختلفة. وتشير المصادر إلى الصيغة التي كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يتبعها في تعيين الولاة، فكانت تتم إما بصورة «شفوية» يضمنها النبي صلّى الله عليه وسلم الاختصاصات، ووصايا أخرى، أو تكون بصورة «مكتوبة» كما يتضح من كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (ت 51 هـ) حين ولاه نجران «3» ، وكتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى عبادة بن الأشيب العنزي «4» ، ورفاعة بن زيد حين ولاهم على أقوامهم «5» . ويفترض أن يقوم هؤلاء الولاة بالدور نفسه الذي يقوم به النبي صلّى الله عليه وسلم في إدارة المدينة، فيقوم الوالي بتدبير أمر الجند في بلده، وتنظيمهم وقيادتهم في جهاد من يليه من الكفار، والنظر في الأحكام، وفض المنازعات، وجباية الخراج والزكاة والجزية، وحماية أمر الدين، وتطبيق الحدود. وتعليم الناس الإسلام وإمامتهم في الصلاة إلى غير ذلك من الأمور «6» . ويلاحظ أن هذه المهمات قد اتضحت من خلال كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى عمرو بن   (1) البخاري، الصحيح (ج 13) . مسلم، الصحيح (ج 2، ص 715) . (2) الترمذي، الصحيح (ج 13، ص 202) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 594- 596) . وانظر: الطبري، تاريخ (ج 3، ص 128، 129) (ابن إسحاق) . القلقشندي، صبح الأعشى (ج 10، ص 9) . المقريزي، إمتاع (ص 501، 502) . ابن طالون الدمشقي، أعلام السائلين (ص 135- 138) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (105) ، (ص 206- 209) . (4) ابن الأثير، أسد الغابة (ج 3، ص 104) . ابن حجر، الإصابة (ص 267) ، حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (234) ، (ص 223) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 596) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 354) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 140) (ابن إسحاق) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 594- 596) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 89، 97) . فتوح، (ص 95) . الماوردي، الأحكام السلطانية (ص 302) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 حزم (ت 51 هـ) حين ولاه على نجران فجاء فيه «عهد من رسول الله لعمرو بن حزم حيث بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كله ... وأمره أن يأخذ الحق كما أمره أن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به. ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في ... ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه» «1» . وكان الوالي يقوم بهذه المهمات مجتمعة، أو تقسم بين أكثر من رجل، ويتضح ذلك من أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث عليّا إلى اليمن قابضا للأخماس، وخالدا متوليا للحرب، ومعاذا وأبا موسى معلمين للقران وقبض الصدقات «2» . ويذكر ابن عبد ربه (ت 328 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على نجران فولاه الصلاة والحرب، ووجه راشد بن عبد ربه السلمي أميرا على المظالم والقضاء «3» . ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يهمل أمر ولاته، فهو يسأل عن سيرتهم ويتحرى أخبارهم، ومن المعايير البسيطة في الرقابة الإدارية على سلوك الولاة ما رواه مسلم (ت 261 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» . قال: فقام إليه رجل من الأنصار أسود- كأني أنظر إليه- فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال «مالك» . قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الان، من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره ... » «4» وهناك عدة حوادث عملية حدثت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم تدل على ذلك، فقد عزل النبي صلّى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) عن إدارة البحرين؛ لأن وفد عبد القيس شكاه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وولى بدلا منه أبان بن سعيد بن العاص (ت 15 هـ) وقال له: «استوص بعبد القيس وأكرم سراتهم» «5» . وكانت الرقابة الإدارية للنبي صلّى الله عليه وسلم مباشرة. فقد حاسب النبي صلّى الله عليه وسلم أحد عماله يسمى   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 594- 596) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 128، 129) (ابن إسحاق) . المقريزي، إمتاع (ص 501، 502) . (2) ابن حزم، جوامع (ص 20، 23، 24، 30) . (3) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 6، ص 11) . (4) أحمد، المسند (ج 4، ص 192) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 222) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 10، 11) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 360، 361) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 «ابن اللتبية» «1» عندما بعثه على عمل فجاء، فقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فغضب النبي صلّى الله عليه وسلم وقال قولته المشهورة التي تبين أن الوظيفة العامة تكليف ومسؤولية وليست مغنما ومكسبا: «ألا جلس في بيت أمه، فينظر أيهدى إليه أم لا؟» «2» ويلاحظ أيضا أن الرقابة كانت تتركز في الأمور المالية وعلى عمل الولاة تجاه الرعية خاصة. كان لهؤلاء الولاة مجموعة من الحقوق ضمنتها لهم الدولة، فلهم الطاعة في المعروف كما يتضح من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» «3» ، فربط طاعة الولاة بطاعة الله ورسوله؛ ولا سيما في البيئة العربية القبلية التي لا تعرف الطاعة، قال ابن حجر «ت 852 هـ» : «قيل: كانت قريش، ومن يليها من العرب، لا يعرفون الإمارة، فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم هذا القول ... » «4» ، وكان على الرعية أن تنصح لأمرائها. ويشير إلى ذلك البخاري (ت 256 هـ) ، ومسلم (ت 561 هـ) في رواية لهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم حيث يقول: «الدين النصيحة» ، قلنا: لمن يا رسول الله؟. قال: «لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» «5» . وقد ضمنت الدولة لهؤلاء الولاة حقوقا مادية، فكان يعين لكل منهم راتبا يكفيه، وتشير الروايات إلى أن أول راتب محدد كان لعتاب بن أسيد (ت 13 هـ) والي مكة، فقد رزقه النبي صلّى الله عليه وسلم درهمين عن كل يوم (راتب يومي) «6» نظير إدارته، فقال لأهل مكة: «أصبت في عملي الذي استعملني رسول الله صلّى الله عليه وسلم بردين معقدين كسوتهما غلامي كيسان، فلا يقولن أحدكم: أخذ مني عتاب كذا، فقد رزقني رسول الله صلّى الله عليه وسلم كل يوم درهمين فلا أشبع الله بطنا لا يشبعه كل يوم درهمان» «7» وكان هناك بعض   (1) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 160) ، (ج 9، ص 36، 88) . (2) أحمد، المسند (ج 5، ص 423، 424) . البخاري، الصحيح (ج 2، ص 160) . (ج 9، ص 36، 88) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 220) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 354، 355) . (3) أحمد، المسند (ج 2، ص 244، 252، 253) . النّسائي، السنن (ج 7، ص 154) . ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 131) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 223) . (4) ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 131) . (5) البخاري، الصحيح (ج 1، ص 22) . مسلم بشرح النووي (ج 12 ص 26- 27) . (6) العدوي، نظم (ص 194) . أبو سن، الإدارة (ص 27) . (7) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 13، ص 1023، 1024) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 3، ص 358، 359) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الولاة يأخذون رواتبهم «عينية» وليست نقدية، فراتب عتاب كان يتضمن بالإضافة إلى النقود شيئا عينيّا «بردين معقدين» وقد يكون الراتب عينيّا، إذا استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم قيس بن مالك الهمذاني على قومه، وخصص له قطعة من الأرض يأخذ نتاجها، وكتب له النبي صلّى الله عليه وسلم كتابا جاء فيه «فأقطعه النبي من ذرة يسار مائتي صاع، ومن زبيب خيوان مائتي صاع جار ذلك لك ولعقبك من بعدك أبدا أبدا» «1» . ويفيد النص أيضا أن النبي صلّى الله عليه وسلم فرض راتبا لورثة الموظف بعد موته وهذه إشارة إلى وجود نوع من الضمان الاجتماعي في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام. وعند تحديد الرواتب كانت تراعى حالة الموظف العائلية، فكان الأهل «المتزوج» يعطى حظين، و «الأعزب» يعطى حظّا واحدا «2» ، وهذا يشعر بشكل واضح إلى وجود بعض العلاوات في الراتب في حالة وجود الزوجة والأولاد في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام. وأخذت الدولة على عاتقها توفير الضروريات الحياتية للموظف، ويشير إلى ذلك الإمام أحمد (ت 241 هـ) في مسنده فذكر حديث الرسول صلّى الله عليه وسلم إذ يقول: «من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتّخذ منزلا، أو ليس له زوجة فليتزوج، أو ليس له دابة فليتخذ دابة» «3» فكانت هذه الحوافز كافية لتوفير حالة الاستقرار النفسي للموظف كي يقوم بعمله على أكمل وجه. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد خصص رزقا لرجال إدارته حتى ولو كانوا أغنياء، ولم يقبل أن تكون عمالة أحدهم صدقة على المسلمين، فتشير المصادر «أن عبد الله بن السعدي «4» (ت 57 هـ) قدم على عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي في أعمال   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 340، 341) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 4، ص 224، 225) . الأحمدي، مكاتيب (ج 1، ص 235، 236) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (112) (ص 232، 233) . نسار: جبال صغار وقعت عندها واقعة الرباب بين هوازن وسعد بن عمرو بن تميم، وقيل: النسار ماء لبني عامر بن صعصعة. انظر: ياقوت، معجم البلدان (ج 5، ص 283) . خيوان: مخلاف باليمن وهو منسوب إلى قبيلة هناك. انظر: ياقوت، معجم البلدان (ج 2، ص 415) . (2) أحمد، المسند (ج 6، ص 25، 29) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 359) . (3) أبو عبيد، الأموال (ص 377) . أحمد، المسند (ج 4، ص 192) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 354) . (4) عبد الله بن السعدي، وهو عبد الله بن قدامة بن عبد شمس القرشي، سكن المدينة، وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع قومه، سمي أبوه «بالسعدي» لأنه استرضع في بني سعد بن بكر، وتوفي سنة (57 هـ) . انظر ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 920) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة (الأجرة) ، فكرهتها؟، فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريد إلى ذلك؟، قلت: إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «خذه فتموّله وتصدّق به فما جاءك في هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك» «1» . وانطلاقا من تعيين الرواتب الكافية للولاة. وتوفير جميع الاحتياجات النفسية والمادية لهم، فقد منعهم النبي صلّى الله عليه وسلم من قبول الهدايا من أفراد الرعية واعتبر ذلك غلولا فقال: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» «2» . وبعد أن ضمن لكل موظف الزوجة والخادم والمسكن والدابة قال: «فمن اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق» «3» . وفي قصة ابن اللتيبة قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، فرفع يديه حتى ظهرت عفرة إبطيه» ثم قال: «اللهم هل بلغت ثلاثا» «4» . وبذلك ضمنت الدولة في رجال إدارتها أن يؤدوا خدماتهم بأمانة وصدق وإخلاص.   (1) أحمد، المسند (ج 1، ص 197) . ابن حجر، فتح الباري (ج 7، ص 176- 181) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 353) . (2) أبو داود، السنن (ج 3، ص 353) . (3) م. ن (ج 3، ص 354) . (4) أحمد، المسند (ج 5، ص 423) . البخاري، الصحيح (ج 3، ص 209) ، (ج 8، ص 182) ، (ج 9، ص 88) أبو داود، السنن (ج 3، ص 355) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 218- 222) . العفرة: بياض الإبط. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 4، ص 585) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الفصل الثالث التنظيم الإداري للدولة ثانيا: الإدارة الدينية كانت إدارة الصلاة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم على رأس سلّم الأولويات وتتضمن اختيار الأئمة والمؤذنين، والمحافظة على أوقات الصلاة وأدائها، والمساجد وادابها ونظافتها. كان النبي صلّى الله عليه وسلم يؤم المسلمين في المدينة، وعندما مرض النبي صلّى الله عليه وسلم وقال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» «1» ومع أن عائشة حاولت أن تصرف الأمر عن أبيها؛ لأنه ضعيف الصوت رقيق القلب، إلا أن النبي صلّى الله عليه وسلم أصرّ على ذلك قائلا: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» «2» ، ويدل هذا النص على أن إمامة المسلمين في الصلاة تتجاوز المعنى العبادي إلى المعنى السياسي في إمامة المسلمين بشكل عام، ويتضح ذلك من قول ابن خالدون (ت 808 هـ) : «استدل الصحابة في شأن أبي بكر باستخلافه في الصلاة على استخلافه في السياسة في قولهم: ارتضاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا، فلولا أن الصلاة أرفع من السياسة لما صح القياس» «3» . ويفترض في من يتولى هذه المهمة (إمامة الصلاة) أن يكون من القارئين لكتاب الله المتفقهين في أحكامه، الورعين الوجلين في قيامهم بين يدي الله، ويتضح هذا من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» «4» ، ويشير البلاذري (ت 279 هـ) : «إلى أن المهاجرين لمّا قدموا إلى المدينة قبل مقدم رسول الله إليها نزلوا فيها، فكان سالم مولى أبي حذيفة (ت 12 هـ) يؤمهم؛ لأنه أكثرهم قرانا وفيهم عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد» «5» . وأشار ابن حزم (ت 456 هـ) إلى ذلك بقوله: «ينبغي على الإمام أن يولي الصلاة رجلا قارئا للقران، حافظا له، عالما بأحكام الصلاة والطهارة، فاضلا في دينه خطيبا   (1) أحمد، المسند (ج 4، ص 412، 413) . البخاري، الصحيح (ج 1، ص 169، 172، 173، 174) . مسلم بشرح النووي (ج 4، ص 137، 140، 142، 144) . النّسائي، السنن (ج 2، ص 75) . الترمذي، الصحيح (ج 13، ص 135) . (2) المصادر والصفحات نفسها. (3) ابن خالدون، المقدمة (ص 219) . (4) مسلم بشرح النووي (ج 5، ص 172، 174) . أبو داود، السنن (ج 1، ص 159) . (5) البلاذري، أنساب (ج 10، ص 258) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فصيحا معربا» «1» . أما في الأمصار فكان يتولى إمامة الصلاة الولاة، وقد أشار الكتاني إلى ذلك بقوله: «ولاية الصلاة أصل في نفسها، فإن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا جعل الصلاة إليه. ولكن لما فسدت الولاة ولم يكن منهم من ترضى حالته للإمامة، بقيت الولاية في يده بحكم الغلبة، وقدم للصلاة من ترضى حالته للإمامة، سياسة منهم للناس، وإبقاء على أنفسهم» «2» . ويقوم من يلي هذا الأمر بإقامة الصلوات جميعا، يتضح هذا من قول المالقي (ت 783 هـ) : « ... تكون له الجمعة والعيدان، والصلوات الخمس المفروضات والكسوف والاستسقاء في جميع البلدة التي ولي صلاتها» «3» . لقد كان الولاة يؤمون الناس في الصلاة في حواضر الأمصار، أما بقية المساجد فيقوم أهل البلدة بتعيين من يتولّى ذلك، ويتضح هذا من إشارة ابن خالدون (ت 808 هـ) : «إن المساجد في المدينة صنفان: مساجد عظيمة كثيرة الغاشية معدة للصلوات المشهورة، فأمرها راجع للخليفة، ومساجد محلّة قوم فأمرها راجع إلى الجيران ولا تحتاج إلى نظر خليفة أو سلطان» «4» . ومن الوظائف التي تتبع ولاية الصلاة (وظيفة المؤذن) وهو الذي يدعو الناس إلى الصلاة باللفظ المعروف، وقام بذلك في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم عدة أشخاص «5» ، فكان بلال بن رباح (ت 20 هـ) يؤذن للنبي صلّى الله عليه وسلم في مسجد المدينة وفي الأسفار «6» ، وأذن ابن أم مكتوم أذان الإمساك في رمضان «7» ، وأذن أبو محذورة أوس بن معير (ت 59 هـ) للرسول في المسجد الحرام بعد الفتح (8 هـ) «8» . ويفترض في من يتولى المهمة أن يكون ندي الصوت، متقنا لحركات الأذان،   (1) المالقي، الشهب اللامعة (ص 322) . (2) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 93) . (3) المالقي، الشهب اللامعة (ص 322) . (4) ابن خالدون، المقدمة (ص 219) . (5) منهم بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم، وأبو محذورة، وسعد بن عائذ القرظ، وعثمان بن عفان، وثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسمرة بن مغير، وزياد بن الحارث الصدائي. انظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 526- 528) . مسلم بشرح النووي (ج 4، ص 82، 83) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 509) . مسلم بشرح النووي (ج 4، ص 82، 83) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 526) . (7) مسلم بشرح النووي (ج 4، ص 82) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 526) . (8) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 526) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1752) (الواقدي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 جهوريّ الصوت. ذكر ابن عبد البر (ت 463 هـ) «أنّ أبا محذورة كان أحسن الناس أذانا، وأنداهم صوتا، وكان يرفع صوته بالأذان حتى قال له عمر: كدت أن ينشق مريطاؤك» «1» ، وكان سعد بن عائذ القرظ يتولى مهمة الأذان في مسجد قباء «2» ، ويشير البلاذري (ت 279 هـ) إلى: «أن عثمان بن عفان كان يؤذن بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند المنبر أي يوم الجمعة» «3» . كان من واجبات المؤذن أن يحفظ أوقات الصلاة، ثم يرفع الأذان في وقته، ويتضح هذا مما رواه مسلم (ت 261 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم لبلال بن رباح وهو عائد من خيبر (7 هـ) : «أكلأ لنا الصبح» «4» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يرشد هؤلاء إلى أوقات الصلاة، ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق (ت 211 هـ) في مصنفه من قول ثوبان مولى النبي صلّى الله عليه وسلم: أذنت مرة، فدخلت على النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت: قد أذنت يا رسول الله، فقال: «لا تؤذن حتى تصبح» ، ثم جئته أيضا فقلت: قد أذنت، فقال: «لا تؤذن حتى تراه هكذا» ، وجمع بين يديه ثم فرّقها «5» . أما بالنسبة إلى رواتب هؤلاء المؤذنين فلم تسعفنا المصادر- التي بين أيدينا- في معرفة ما إذا كانوا يقومون بهذا الأمر تطوعا، أم يتقاضون أجرا كما هو الحال بالنسبة إلى الوظائف الاخرى. وكان يقوم على تنظيف المساجد أناس متطوعون، فيروي الإمام مسلم (ت 261 هـ) أن امرأة سوداء كانت تنظف المسجد في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم فلما ماتت قام النبي صلّى الله عليه وسلم على قبرها، وذلك تقديرا واحتراما لها «6» ، ويشير ابن حجر (ت 854 هـ) إلى: «أن تميم الداري وفد مع مولى له يقال له «فتح» إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنه أسرج فيه بالقنديل والزيت، وكانوا لا يسرجون قبل ذلك إلا   (1) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1752) . مريطاؤك: هي ما بين السرة إلى العانة. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 7، ص 401) . (2) الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 116، 117) . (3) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 526) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 76) . (4) مسلم بشرح النووي (ج 5، ص 182) . أبو داود، السنن (ج 1، ص 302) . ابن ماجه، السنن (ج 1، ص 227) . (5) عبد الرزاق، المصنف (ج 1، ص 491) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 76) . (6) مسلم بشرح النووي (ج 7، ص 25، 26) . وانظر: الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 126) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 بسعف النخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من أسرج مسجدنا؟» ، فقال تميم: غلامي هذا، فقال: «ما اسمه؟» قال: فتح، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «بل اسمه سراج» «1» . وعلى كل حال فإن هذه الوظائف لم تكن ثابتة لأشخاص بأعينهم، بل كان يقوم المسلمون بها ابتغاء الأجر والثواب، وأصبحت في عهود لاحقة وظائف ثابتة لخدمة المسجد، وكنسه، وتنظيفه، وبسط حصره، وتسوية حصاه إن كان مبسوطا بالحصى «2» . أما «إدارة الحج» فاقتضت أن يقوم النبي صلّى الله عليه وسلم أو من ينوب عنه بإقامة الحج للناس، فيقوم بأداء مناسك الحج، ثم يتبعه الناس، وقد كانت مناسك الحج قبل الإسلام وظائف مقسمة بين بطون مكة وأفخاذها، ولما فتح النبي صلّى الله عليه وسلم مكة سنة (8 هـ) . ولّى على الحج عتاب بن أسيد أميره على مكة ليقيم الحج للناس، وذلك على ما كانت العرب تحج عليه «3» . وفي السنة التاسعة أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالناس (أميرا على الحج) ، وكان الناس مؤمنهم وكافرهم يحجون معا، حتى نزلت سورة براءة، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلم عليّا إلى الموسم كي يبلغ الناس أحكام هذه السورة، ومنها ألّا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك أبدا «4» ، فيقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [التوبة: 28] «5» . وفي السنة العاشرة حج النبي صلّى الله عليه وسلم بالناس حجة الوداع وكانت فيها الخطبة المشهورة التي يبين النبي صلّى الله عليه وسلم فيها كثيرا من الأحكام النهائية، وأبلغهم أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وأشهد الناس على ذلك «6» . وكان أمير الحج يقوم بمهمات متعددة، فهو الذي يجمع الناس، ويشرف على شؤونهم، ويصلح بين الخصوم، ويلزمه أن يقوم بجميع مناسك الحج، لتقتدي به   (1) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 184) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 118- 123) . (2) المالقي، الشهب اللامعة (ص 322) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 500) . ابن حبيب، المحبّر (ص 11، 12) . (4) انظر: البخاري، الصحيح (ج 7، ص 80، 81) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 122، 123) (الواقدي) . (5) انظر: الطبري، تفسير (ج 14، ص 190- 198) . القرطبي، الجامع (ص 8، 104، 106) . والسيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 164، 165) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 603، 604) . وابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 172) . وابن حبيب المحبر (ص 12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الناس، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم» «1» ، ويفترض فيه أن يكون خطيبا، فقد خطب النبي صلّى الله عليه وسلم بالناس في خطبته التي اشتهرت «بخطبة حجة الوداع» «2» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يجلس في البيت الحرام لاستقبال المسلمين من جميع أمصار الدولة للرد على استفساراتهم، والاستماع إلى شكاياتهم، ويتضح هذا من قصة «الزبية» التي اختلف فيها أهل اليمن، فقضى بينهم علي بن أبى طالب (استشهد 39 هـ) . حتى جاؤوا إلى الحج (10 هـ) فعرضوا الأمر على الرسول صلّى الله عليه وسلم فاستمع إليهم وقضى بينهم «3» . وكانت «السقاية» من الوظائف التابعة للحج، وبقيت هذه الوظيفة- كما كانت في الجاهلية- للعباس بن عبد المطلب (ت 32 هـ) ، ويتضح هذا من رواية لمسلم (ت 261 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم مرّ على بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: «انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلوه فشرب» «4» ، وكذلك وظيفة «العمارة» وهي المحافظة على البيت، والاحتفاظ بمفاتيح الكعبة، وبقيت- كما كانت في الجاهلية- لعثمان بن أبي طلحة من بني عبد الدار (ت 32 هـ) ، وقد دفع النبي صلّى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة إلى عثمان قائلا: «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» «5» . وهاتان الوظيفتان الوحيدتان اللتان أبقاهما الإسلام من وظائف مكة قبل الإسلام، ويشير إلى ذلك الطبري (ت 310 هـ) بقوله: «قال النبي صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح: ألا كلّ مأثرة أو دم يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج ... » «6» .   (1) أحمد، المسند (ج 3، ص 301، 332، 367) . الدارمي، السنن (ج 2، ص 66، 67) . أبو داود، السنن (ج 2، ص 489) . النّسائي، السنن (ج 5، ص 247، 248) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 603، 604) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 172) . ابن حبيب، المحبر (ص 12) . (3) وكيع محمد بن خلف حبان (ت 306 هـ) ، أخبار القضاة، تحقيق عبد العزيز مصطفى المراغي (ط 1) القاهرة، مطبعة الاستقامة، (1369 هـ، 1950 م) ، (ج 1، ص 95- 97) . (4) مسلم بشرح النووي (ج 8، ص 194) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 113) . (5) الذهبي، تاريخ (ج 1، ص 460) . ابن تيمية، السياسة الشرعية (ص 4، 5) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 110) . (6) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 61) (ابن إسحاق) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أما إدارة «الصوم» فهي غير معقدة، ويقوم ولي الأمر بتحديد بدء الشهر القمري ونهايته. وقد حدد النبي صلّى الله عليه وسلم بداية شهر الصوم ونهايته فقال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» «1» وحدد الفقهاء شرطا للرؤيا أن يكون ذلك من قبل شخصين عدلين يصح الصيام والإفطار برؤيتها «2» ، وعليه أيضا معاقبة المخالفين لأحكام الصيام والمنتهكين لحرمته.   (1) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 34، 35) . مسلم بشرح النووي (ج 7، ص 189، 190) . النّسائي، السنن (ج 4، ص 133) . ابن ماجه، السنن (ج 1، ص 529، 530) . (2) الشافعي، الأم (ج 2، ص 94) . ابن قدامة، المغني (ج 3، ص 9، 10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الفصل الثالث التنظيم الإداري للدولة ثالثا: الكتابة والكتاب عرف العرب في الجاهلية منزلة الكتابة، وعدّوها أحد الأركان الثلاثة لاعتبار الرجل من الكاملين، ويشير ابن سعد (ت 230 هـ) إلى ذلك بقوله: «الكامل عندهم في الجاهلية وأول الإسلام الذي يعرف يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي» «1» ومع أن العرب كانوا يأنفون من بعض الأعمال ويحتقرون صاحبها، إلا أن صنعة الكتابة لم تكن كذلك، فقد مارس مهنة التعليم كبار الأشراف في الجاهلية «2» . لقد كانت الأمية سائدة بشكل كبير في الجزيرة العربية، ويؤكد ذلك ما رواه البخاري (ت 256 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» «3» وتشعر بذلك الاية الكريمة: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] «4» وقوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: 2] «5» . ويقول البلاذري (ت 279 هـ) : «دخل الإسلام، وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب ... » «6» ، وهناك إشارات تدل على أن الذين كانوا يعرفون الكتابة في المدينة أحد عشر شخصا «7» . ونحن لا يمكننا أن نعدّ هذه الإحصائية دقيقة خاصة أن مكة كانت موقعا تجاريّا ودينيّا وهذا يستدعي وجود عدد أكبر من المتعلمين، فقد ذكر ابن حبيب (ت 245 هـ) جريدة بأسماء المعلمين الذين كانوا يلمون القراءة والكتابة في الجاهلية   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 542) . (2) منهم بشر بن عبد الملك السكوني أخو أكيدر صاحب دومة الجندل، وسفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس ابن عبد مناف بن زهرة. وعمرو بن زرارة بن عدس (وكان يسمى الكاتب) . انظر: ابن حبيب، المحبر (ص 457) . وابن قتيبة، المعارف (ص 326، 553) . وابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 394) . (3) أحمد، المسند (ج 2، ص 122) . البخاري، الصحيح (ج 3، ص 35) . (4) انظر: القرطبي، الجامع (ج 14، ص 351) . السيوطي، الدر المنثور (ج 6، ص 470) . (5) انظر: القرطبي، الجامع (ج 18، ص 92) . السيوطي، الدر المنثور (ج 8، ص 152) . (6) البلاذري، فتوح (ص 660، 661) . وكان منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة وأخوه خالد ونافع بن ظريب بن عمرو وحاطب بن بلتعة وسعيد بن العاص. انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 134) . ابن حبيب، المحبر (ص 475) . (7) ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) ، تأويل مختلف الحديث، تحقيق محمد زهدي النجار، بيروت، دار الجيل (1973 م) ، (ص 287) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وأول الإسلام «1» . وعندما جاء الإسلام أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن ينظم أمر الحكومة التي أنشأها في المدينة، فاستعان بعدد كبير من أصحابه الذين يعرفون القراءة والكتابة، وقد قسم النبي صلّى الله عليه وسلم هؤلاء الكتّاب إلى مجموعات تخصصية. فكانت هناك مجموعة اختصت بكتابة «الوحي» ، ومن أشهرهم زيد بن ثابت (ت 56 هـ) ، فكان ملازما لكتابة الوحي عن النبي صلّى الله عليه وسلم وذلك لكفاءته وأمانته، مما جعله يستمر في كتابة الوحي حتى وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم «2» . وكان ممن كتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب (ت 22 هـ) ، إذ كان يكتب له الوحي عند مقدمه إلى المدينة «3» ، وكتب له بشكل أقل عبد الله بن أبي السرح (ت 37 هـ) «4» ، وخالد بن سعيد (ت 14 هـ) «5» ، والعلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) «6» ، وبعد فتح مكة كتب له معاوية بن أبي سفيان (ت 60 هـ) «7» ، واختص عدد بكتابة «الرسائل والإقطاع» . ويشير المسعودي (ت 346 هـ) إلى أن «عبد الله بن أرقم كان من المواظبين على كتابة الرسائل» «8» ويذكر ابن عبد البر (ت 463 هـ) أن «عبد الله بن أرقم   (1) ابن حبيب، المحبر (ص 475- 477) . (2) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245) . ابن حزم، جوامع السيرة (ص 26، 27) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 865، 866) . الذهبي، السيرة (ج 2، ص 429، 430) . الأنصاري، محمد بن علي ابن أحمد (ت 783 هـ) ، المصباح المضيء في كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي (ط 1) الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية (1396 هـ، 1976 م) ، (ج 1، ص 112) . (3) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 58) . قال: (وهو أول من كتب في نهاية الرسالة، وكتب فلان) . (4) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 532) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 82) . ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد (ت 421 هـ) ، تجارب الأمم، تصحيح: هـ. ف أموروز، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت، (ج 1، ص 191) . (5) البلاذري، أنساب (ج 10، ص 532) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245) . الجهشياري، الوزراء والكتّاب (ص 12) . ابن مسكويه، تجارب (ج 1، ص 291) . المزّي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف (ت 742 هـ) ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق بشار عواد معروف (ط 2) بيروت مؤسسة الرسالة، (1403 هـ، 1983 م) ، (ج 1، ص 196) . الأنصاري، المصباح المضيء (ج 1، ص 107) . (6) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 532) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 246) . ابن مسكويه، تجارب الأمم (ج 1، ص 291) . (7) المصادر والصفحات نفسها. (8) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245، 246) . وانظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 64) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 395) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 كان يجيب الملوك وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب. ويأمره أن يطينه ويختمه وما يقرؤه لأمانته عنده» «1» . ويفيد النص أنهم كانوا يكتبون الكتاب أولا ثم يعرضونه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأخذ موافقته، وكان باستطاعة النبي صلّى الله عليه وسلم أن يبدل أو يغير في نص الكتاب، ولم يكن الكتاب يأخذ شكله النهائي إلا بعد موافقة النبي صلّى الله عليه وسلم. ويتبع هذه المجموعة وظيفة «ترجمة» ، فكان زيد بن ثابت (ت 56 هـ) يقوم بالترجمة من اللغات الفارسية والرومية والقبطية والحبشية والعبرية إذ تعلمها زيد من أهلها القاطنين في المدينة «2» وكانت مهمة زيد أن يكتب للنبي صلّى الله عليه وسلم بهذه اللغات، ويرد على الكتب التي ترد فيترجمها للنبي صلّى الله عليه وسلم. ثم يكتب بردها بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويتضح هذا من رواية البخاري (ت 256 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم لزيد بن ثابت: «تعلم كتاب يهود فإني ما امن يهود على كتابي» . فتعلمها زيد، وأصبح يقرأ للنبي صلّى الله عليه وسلم ما يكتبه يهود، ويكتب إلى اليهود ما يريده النبي صلّى الله عليه وسلم «3» . وتذكر المصادر أسماء مجموعة كتبوا للنبي صلّى الله عليه وسلم رسائله وإقطاعاته منهم أبي بن كعب (ت 22 هـ) «4» وثابت بن قيس (ت 12 هـ) «5» وخالد بن سعيد (ت 14 هـ) «6» وعلي بن أبى طالب (ت 39 هـ) «7» ، ومعاوية بن أبي سفيان (ت 60 هـ) «8» وغيرهم. وكان يكتب «العهود والمواثيق» جماعة أشهرهم علي بن أبى طالب (ت 39 هـ) ،   (1) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 865) . وانظر: ابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 50) . (2) أحمد، المسند (ج 5، ص 182) . الجهشياري، الوزراء والكتاب (ص 12) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 865) . ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 2، ص 215) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 119- 120) . (3) ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 216) . وانظر: ابن حبان، الثقات (ج 1، ص 246) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 203) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 267) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 83) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 68، 69) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 170) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 267، 286، 288) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 359) . المزّي، تهذيب الكمال (ج 1، ص 196) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 5، ص 341) . عبد الرازق المناوي «ت 1031 هـ» العجالة السنية على ألفية السيرة النبوية، تحقيق إسماعيل الأنصاري (ط 1) الرياض، مؤسسة النور، د. ت (ص 245، 246) . (6) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245) . الجهشياري، الوزراء والكتاب (ص 12) . الأنصاري، المصباح المضيء (ج 1، ص 107) . المناوي، العجالة السنية (245، 246) . (7) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 83) . (8) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 267، 268، ص 286) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 83) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ويشير إلى ذلك ابن عبد البر (ت 463 هـ) بقوله: «كان الكاتب لعهوده إذا عاهد وصلحه إذا صالح علي بن أبي طالب» «1» وكتب له كذلك جهيم بن الصلت «2» والمغيرة بن شعبة (ت 50 هـ) «3» والأرقم بن أبي الأرقم (ت 55 هـ) «4» ، والزبير بن العوام (ت 36 هـ) «5» وغيرهم. وأشارت المصادر أن الحصين بن نمير كان يكتب حوائج النبي صلّى الله عليه وسلم «6» ، وقام الزبير ابن العوام (ت 36 هـ) وجهيم بن الصلت بكتابة أموال الصدقات «7» وقام حذيفة بن اليمان (ت 36 هـ) بمهمة كتابة خرص الثمار «8» ، ومعيقب بن أبي فاطمة بكتابة مغانم رسول الله صلّى الله عليه وسلم «9» . وكان عبد الله بن الأرقم (ت 44 هـ) والعلاء بن عقبة يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم، وفي دور الأنصار بين الرجال والنساء «10» . ولقد بلغ من اهتمام النبي صلّى الله عليه وسلم بالجهاز الإداري الكتابي أن عين خليفة لكل كاتب إذا غاب عن عمله، وأسند هذه الوظيفة إلى حنظلة بن الربيع، وذلك حتى لا تتعطل   (1) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 82) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 69) . (ج 2، ص 470) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 50) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 174- 176) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 268) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 83) . ابن الأثير، أسد الغابة (ج 1، ص 50) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 268) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80- 83) . ابن مسكويه، تجارب الأمم (ج 1، ص 291) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 268، 269) . ابن سيد الناس، عيون الأثر، (ج 2، ص 395) . (5) المناوي، العجالة السنية (ص 245) . (6) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245) . ابن مسكويه، تجارب الأمم (ج 1، ص 291) ، ابن تغري بردي، مورد اللطافة، ورقة (8) . (7) المسعودي، التنبيه والإشراف، (ص 245، 246) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 395) . الأنصاري، المصباح المضيء (ج 1، ص 114) . (8) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 246) . ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 2، ص 215- 216) . القلقشندي، صبح الأعشى (ج 1، ص 91) . (9) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 246) . الجهشياري، الوزراء والكتّاب (ص 13) . ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 2، ص 215) . (10) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245) . الجهشياري، الوزراء والكتاب (ص 12) . المناوي، العجالة السنية (ص 247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 حاجات الدولة الإدارية لغياب كاتب بسبب مرض أو غيره «1» . وعلى كل حال فإن الذين كتبوا الكتاب والكتابين والثلاثة كثير عددهم، ويشير إلى ذلك المسعودي (ت 346 هـ) بقوله: «إنه لم يثبت أسماء هؤلاء من جملة أسماء من كتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكتب إلا من ثبت على كتابته واتصلت أيامه، وطالت مدته، وصحت الرواية عن ذلك من أمره دون كاتب الكتاب والكتابين والثلاثة، إذ لا يستحق أن يسمى كاتبا ويضاف إلى جملة كتابه» «2» . كان كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم يكتبون بالخط المقور (النسخي) ، أما الخط المبسوط ويسمى (اليابس) فقد استعمل في النقش على الأحجار وأبواب المساجد. «3» وذهب البعض إلى أن «ديوان الإنشاات» قد وضع في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول القلقشندى (ت 821 هـ) : «إنه- أي ديوان الإنشاات- أول ديوان وضع في الإسلام، وكان قد تم وضعه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم» «4» . ولكن إطلاق كلمة «ديوان» على الكتّاب في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم ليس دقيقا؛ إذ إن «ديوان الإنشاء» نشأ فيما بعد. وإن الكتابة لم تكن وظيفة ثابتة لهؤلاء الكتّاب تجرى عليهم منها الرواتب، وذكرت المصادر الأولية أن عصر عمر بن الخطاب (ت 23 هـ) كان أول من أنشأ الدواوين في الإسلام، ولم يسمّى أي منها ديوان الإنشاء «5» . وكما كان «الكتّاب» يشاركون في إدارة الدولة، كان «المعلمون» يقومون بمثل هذا الدور، فقد قام النبي صلّى الله عليه وسلم بإعداد المعلمين إعداد يؤهلهم للقيام بهذه الوظيفة بجدارة واقتدار «6» . كان من أوائل هؤلاء المعلمين «مصعب بن عمير» (ت 3 هـ) ، حين أرسله النبي صلّى الله عليه وسلم إلى يثرب سفيرا ومعلما. فدعي مصعب «بالمقرئ» «7» وهو لقب جديد أطلق على المعلم ولم يكن معروفا من قبل.   (1) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245، 246) . الجهشياري، الوزراء والكتاب (ص 13) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 396) . ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 2، ص 215، 216) . المزّي، تهذيب الكمال (ج 1، ص 196) . المناوي، العجالة السنية (ص 245) . (2) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 246) . (3) جواد علي، المفصل (ج 8، ص 137) . (4) القلقشندي، صبح الأعشى (ج 1، ص 91) . (5) انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 282) . البلاذري، فتوح (ص 630، 631) . الطبري، تاريخ ج 4، ص 209، 210) (الواقدي) . ابن الأثير، الكامل (ج 3، ص 59) . (6) أبو سن، الإدارة (ص 111) . (7) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وترد أول إشارة إلى التعليم الموجه من قبل الدولة لأبناء المسلمين في بدر (2 هـ) ، إذ طلب النبي صلّى الله عليه وسلم من بعض أسرى بدر أن يعلم كل واحد عشرة من أبناء الأنصار الكتابة مقابل فكاك أسرهم «1» ، فتعلم نتيجة لذلك عدد كبير من غلمان المدينة، فكان زيد بن ثابت (ت 56 هـ) ممن تعلم الكتابة حينئذ، وعلل الماوردي (ت 450 هـ) ذلك بقوله: «وكانت العرب تعظم قدر الخط حتى قال عكرمة: بلغ فداء أهل بدر أربعة الاف حتى إن الرجل ليفادي على أن يعلم الخط، لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره وجلال قدره وظهور نفعه وأثره» «2» . ويذكر الشعبي (ت 103 هـ) أن سبب تخصيص التعليم لأبناء الأنصار دون المهاجرين أن أهل مكة كانوا يكتبون بينما لم يتوافر هذا لأهل المدينة «3» . وقد عرفت كلمة «معلم» بالمعنى المفهوم في أيامنا، يشير إلى ذلك المقريزي (ت 845 هـ) بقوله: «إن غلاما جاء يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك؟، قال: ضربني معلمي، قال: الخبيث يطلب بذحل (ثأر) بدر، والله لا تأتيه أبدا» «4» . وانتشرت الكتابة في المدينة بعد هذه الحادثة، ولم نجد في المصادر الأولية ما يدل على عدد أولئك الذين لم يستطيعوا أن يفدوا أنفسهم. وإلا لكنّا قد عرفنا بشكل إحصائي دقيق عدد أولئك الغلمان الذين شملهم التعليم من أسرى بدر. وتشير المصادر إلى وجود عدد من المعلمين في المدينة، يعلمون الناس بأمر النبي صلّى الله عليه وسلم فكان عبادة بن الصامت (ت 34 هـ) من المعلمين، وكانت مهمته تتمثل في تعليم «أهل الصفة» القران الكريم «5» وهناك إشارات أن النبي صلّى الله عليه وسلم كلف عبد الله بن سعيد بن العاص (ت 12 هـ) أن يعلم الناس الكتابة في المدينة وكان كاتبا محسنا «6» ويذكر ابن حجر (ت 802 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم دفع وردان بن يزيد بن وردان إلى أبان بن سعيد بن العاص   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 22) . (الشعبي) (ص 26) . (حماد بن زياد) الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 71) . المقريزي، إمتاع (ص 101) ، القرطبي، أقضية الرسول (ص 36) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 49) . (2) الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب (ت 450 هـ) ، أدب الدنيا والدين، تحقيق مصطفى السقا، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (1955 م) ، (ص 68) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 22) . (4) المقريزي، إمتاع (ص 101) . (5) أبو داود، السنن (ج 3، ص 701، 702) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 729، 730) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 70) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 48) . (6) ابن حزم، جمهرة (ص 80) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 313) . ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 344) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 (ت 15 هـ) ، ليمولاه ويعلمه القران» «1» ، وكذلك «دفع أبا ثعلبة إلى أبي عبيدة بن الجراح (ت 18 هـ) ، ثم قال له: دفعتك إلى رجل يحسن تعليمك وأدبك» «2» . لقد تجاوز اهتمام الدولة بالتعليم الرجال إلى النساء، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يقوم بنفسه بتعليم النساء، وبلغ من حرصهن على العلم أنهن قلن للنبي صلّى الله عليه وسلم: «غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن» «3» ويذكر البلاذري (ت 279 هـ) أسماء عدد من النساء كن يحسن القراءة والكتابة، فكانت الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس القرشية تحسن القراءة «4» ، وأمرها النبي صلّى الله عليه وسلم أن تعلم حفصة (زوجه) ، فعلمتها رقية تسمى (رقية النملة) «5» ، وذكر أيضا أسماء أم كلثوم بنت عقبة، وعائشة بنت سعد، وكريمة بنت المقداد وغيرهن «6» . ولقد أرادت الدولة أن يكون «العلم والتعليم» سمة من سمات المجتمع المسلم، فطلب النبي صلّى الله عليه وسلم أن يقوم بهذه المهمة كل من يستطيع أن يعلم الاخرين، وندب المجتمع كله للتعلم، ثم حذر من أن يتقاعس أحد عن التعلّم فقال: «ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون» «7» . واهتمت الدولة أيضا بتعليم الناس في غير حاضرة الدولة «المدينة» فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يرسل ببعثات تعليمية إلى القبائل يعلمونهم الإسلام ويفقهونهم فيه، فذكرت لنا كتب السير بعثة عاصم بن ثابت وأصحابه القراء الذين استشهدوا في حادثة الرجيع (3 هـ) «8» وكانوا في مهمة تعليمية، وكذلك الحال بالنسبة إلى القراء السبعين الذين استشهدوا في حادثة بئر معونة (4 هـ) «9» ومع أن نهاية هؤلاء المعلمين كانت مؤسفة، إلا أن ضرورة   (1) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 13، 14) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 40، 41) (2) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 13، 14) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 40، 41) . (3) البخاري، الصحيح (ج 1، ص 36) . (4) البلاذري، فتوح (ص 661) . (5) أبو داود، السنن (ج 4، ص 215) . البلاذري، فتوح (ص 661) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1869) . النملة: قروح تخرج في الجنبين، ويقال: إنها تخرج أيضا في غير الجنب، ترقى فتذهب بإذن الله عزّ وجل، وفي الحديث دليل على أن تعليم الكتابة النساء غير مكروه. انظر: أبا داود، السنن (ج 4، ص 215) (الهامش) . (6) البلاذري، فتوح (ص 661) . (7) الهيثمي، نور الدين بن أبي بكر (ت 807 هـ) ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، القاهرة، مكتبة القدسي، د. ت (ج 1، ص 164) . فقال عنه: «رواه الطبري، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به» . (8) انظر تفاصيل هذه الحادثة في: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 169- 171) . ابن حجر، فتح الباري (ج 15، ص 176) . (9) انظر تفاصيل هذه الحادثة في: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 183- 185) . ابن حجر، فتح الباري (ج 15، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 تبليغ الدعوة، وتعليم الناس كانت مبررا للتضحية بمثل هذا العدد من المعلمين والقراء. وشمل التعليم جميع فئات الأمة، فيذكر ابن حجر (ت 852 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم في أثناء حصاره للطائف نزل إليه إبراهيم بن جابر- وكان من العبيد- فأعتقه وبعثه إلى أسيد ابن خضير (ت 20 هـ) - وكان من المعلمين- وأمره أن يمولاه ويعلمه» «1» ، وكذلك نزل الأزرق بن الحارث فأعتقه وسلمه لخالد بن سعيد بن العاص ليمولاه ويعلمه «2» . وفي الأمصار كان الولاة يقومون بتعليم الناس، ففي كتابه إلى عمرو بن حزم (ت 51 هـ) واليه على نجران قال: «أمره أن يفقههم في الدين ويعلمهم القران» «3» وعين النبي صلّى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد (ت 13 هـ) واليا على مكة، ومعاذ بن جبل (ت 19 هـ) مقرئا ومعلما «4» ، وبعث النبي صلّى الله عليه وسلم أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) إلى البحرين يعلم الناس الإسلام، ويفقههم في أحكامه «5» . كان التعليم يتم في عدة أماكن، فالمسجد ابتداء كان يقوم بدور كبير في هذا الباب، فهو يعدّ من أكثر الأماكن التي يمكن للمسلمين أن يجتمعوا فيها للتعلّم، وهناك مناسبات أوجدها الإسلام لذلك، منها: خطبة الجمعة والعيدين وغيرها من المناسبات. وكان «الكتّاب» معروفا في الحجاز، ويشير البخاري (ت 256 هـ) إلى ذلك بقوله: «إن أم سلمة بعثت إلى معلم الكتاب أن ابعث إليّ غلمانا» «6» وتشعر ترجمة البخاري لعبد الله بن عمر في الأدب المفرد بذلك حيث قال: «إن ابن عمر كان يسلم على الصبيان في الكتّاب» «7» وتذكر بعض المصادر أن عبد الله بن أم مكتوم عندما قدم المدينة نزل في «دار القراء» ، وهي دار مخرمة بن نوفل «8» ، وهذا يوضح أن هذه الدار   - ص 267) . (1) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 15) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 44) . (2) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 29) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 24) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 594، 595) . وانظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1173) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 43، 44) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 500) . الفاسي، العقد الثمين (ج 7، ص 366، 367) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 236) . (6) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 15) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 293) . (7) البخاري، محمد بن إسماعيل، (ت 256 هـ) ، الأدب المفرد، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت (ص 153) . (8) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 205) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 80) قال: «اتخاذ الدار فينزلها القراء، ويتخرج من ذلك اتخاذ المدارس» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 كانت تستخدم في تعليم القراءة والكتابة وقراءة القران خاصة. وكانت «الصفة» مدرسة لتحفيظ القران وتدريس أحكامه، فكان لهؤلاء دوي بالقران تشعر بذلك الاية الكريمة التي نزلت في أهل الصفة فقال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ... [الكهف: 28] . وكانت كنائس النصارى ومدارس اليهود تقوم بدور ما في تعليم القراءة والكتابة، فقد تعلم زيد بن ثابت في مدارس بني ماسكه «1» ، والمدارس بيت القراءة عند اليهود «2» . ولم تسعفنا المصادر بذكر أنظمة التعليم في هذه الفترة إلا بالنزر القليل فهناك إشارات إلى طريقة التأديب، يقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «علموا أبناءكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين» «3» ، وهذا يشير إلى استخدام العقاب البدني في تعليم الصبيان، أما «مواعيد التعليم» فكانت منذ عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم تعقد بعد صلاة الفجر إلى أن تشرق الشمس، ومن بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس «4» . وترد أول إشارة إلى أجور المعلمين بعد بدر (2 هـ) ، إذا طلب النبي صلّى الله عليه وسلم من بعض الأسرى أن يعلّم كل منهم عشرة غلمان من أبناء الأنصار الكتابة في المدينة مقابل فكاك أسرهم «5» ، ويروي أبو دواد (ت 275 هـ) في سننه قول عبادة بن الصامت (ت 34 هـ) : «علّمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقران، فأهدى إليّ رجل منهم قوسا ... فسألت النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها» «6» ويفيد النص أن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد أن يكون التعليم مجانيّا، ويتضح هذا من رواية البيهقي (ت 458 هـ) لقول ابن عباس (ت 67 هـ) : «كانت المصاحف لا تباع   (1) الأصفهاني، الأغاني (ج 17، ص 169، 170) . وانظر: عامر جاد الله أبو جبلة، تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام- رسالة ماجستير، إشراف: عبد العزيز الدوري، قسم التاريخ، الجامعة الأردنية، (1407 هـ، 1987 م) . (ص 34) . (2) ابن عساكر، تهذيب تاريخ دمشق (ج 5، ص 446) . ابن منظور، اللسان (ج 6، ص 80) . وانظر: أبو جبلة، تاريخ التعليم (ص 34) . (3) أبو داود، السنن (ج 1، ص 332، 333) . (4) ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 579 هـ) ، كتاب القصاص والمذكرين، تحقيق مادلين سوارتز، بيروت، دار المشرق، (1971 م) ، (ص 15، 16) . والكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 335) . وانظر: أبو جبلة، تاريخ التربية (ص 126) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 22) ، (الشعبي) (ص 26) (حماد بن زياد) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 71) . (6) أبو داود، السنن (ج 4، ص 701، 702) . وانظر: الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 70) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وكان الرجل يأتي بورقة عند النبي صلّى الله عليه وسلم فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب ثم يقوم اخر فيكتب حتى يفرغ من المصحف» «1» وهذا يوضح أن عملية التعليم «قراءة وكتابة» كانت تؤدى في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم دون أجر، ويذكر البخاري (ت 256 هـ) حديثا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يناقض في ظاهره هذا الاستنتاج حيث جاء فيه: «أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» «2» ويمكننا أن نجمع بين الروايتين بالقول: إن الأجرة على التعليم- لمن كانت هذه المهن وظيفة يتفرغ لها صاحبها- جائزة، ولكن عملية التعليم في هذه الفترة كانت تتم دون أجر؛ لأن الدولة كانت تشجع بشكل كبير مبدأ التعاون والتضحية في سبيل نشر الدين الجديد، فضلا عن أن الصحابة قد أخذوا من الغنائم والفيء ما يسد حاجتهم.   (1) البيهقي، السنن (ج 6، ص 16) . (2) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 121) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الفصل الثالث التنظيم الإداري للدولة رابعا: إدارة العلاقات العامة (الدبلوماسية الإسلامية) كانت كلمة (سفارة) «1» معروفة في مكة قبل الإسلام، وكانت هذه الوظيفة لبني عدي، وتولاها منهم عمر بن الخطاب (ت 23 هـ) «2» أما كلمة «دبلوماسية» فلم تعرف في صدر الإسلام، ويبدو أنها دخلت في معاجم اللغة في فترة متأخرة. استخدمت كلمات معينة في عصر الرسالة وهي «السفارة، الرسول، البريد» وكانت العلاقات التي أقامها الرسول صلّى الله عليه وسلم قاصرة ابتداء على المحادثات الشخصية، وإرسال الكتب، وإيفاد البعثات إلى القبائل وإلى الملوك للتعريف بالإسلام والدعوة إليه، ومن هنا فإن وظيفة البريد (السفارة) كانت من الوظائف الإدارية الهامة التي لاقت اهتماما كبيرا من جانب الدولة، وكان ما وصلنا من كتب ومواثيق ومعاهدات قام بإبرامها النبي صلّى الله عليه وسلم تتجاوز المئتين وخمسين كتابا «3» ، وشملت معاهدات مع اليهود والنصارى، وعقود صلح بين النبي صلّى الله عليه وسلم والقبائل، وكتب إقطاع وأمان ورسائل دعوة إلى رؤساء القبائل والملوك والأمراء، مما يجعلنا نؤكد على أن سفارات الرسول صلّى الله عليه وسلم وكتبه كانت عملا بديعا من أعمال الدبلوماسية والعلاقات الدولية «4» . وقد ذكرت المصادر أسماء هؤلاء الرسل الذين بعثهم النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الملوك، وأرسل معهم كتبا يدعوهم فيها إلى الإسلام، فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك   (1) عرفت السفارات في الجاهلية، ومن أشهرها سفارة عبد المطلب بن هاشم إلى أبرهة وهو في طريقه إلى مكة، ليفاوض على رد الإبل التي استولت عليها طلائع جيشه. انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 48) . (2) ابن الجوزي، سيرة عمر (ص 6) . (3) انظر هذه الوثائق في: حميد الله، مجموعة الوثائق (ص 1- 300) . الأحمدي، مكاتيب الرسول صلّى الله عليه وسلم. (4) يزعم بعض المستشرقين أن هذه الكتب مزورة، ومن هؤلاء مرجليوث حيث يقول: «إن إخبار النبي عن مقتل كسرى ليس وحيا، إنما هو من عيونه التي كانت تأتيه بالأخبار بسرعة» ويقول: «إن رسالة محمد إلى كسرى لم تسلم إليه قط» . ويقول وات «إن إرسال الرسول للرسل (6 هـ) لا يمكننا أن نقبل هذه القضية كما هي؛ لأن محمدا كان رجل دولة حكيما بعيد النظر ولم يفقد عقله بعد النجاح الذي حققه في الحديبية ودعوته هؤلاء في هذا الوقت يسيء إليه أكثر مما يفيده» . Margoliauth, P.S, Mohammd and the kise Islam, London, 1932.P.P 368 وات، محمد في المدينة، (ص 62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الروم «1» ، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس «2» ، وعمرو بن أمية الضمري (ت 60 هـ) إلى النجاشي ملك الحبشة «3» ، وحاطب بن أبى بلتعة (ت 30 هـ) إلى المقوقس ملك مصر «4» ، وعمرو بن العاص (43 هـ) إلى جيفر وعيّاد ملكي عمان «5» ، وسليط بن عمرو (ت 14 هـ) إلى ثمامة بن أثال، وهوذة بن علي ملكي اليمامة «6» ، والعلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) إلى المنذر بن ساوى (ت 11 هـ) ملك البحرين «7» ، وشجاع بن وهب الأسدي (ت 12 هـ) إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك تخوم الشام «8» ، ويذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن عياش بن أبي ربيعة المخزمي هو الذي أرسل إلى الحارث «9» . وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلم مجموعة من الرسل إلى زعماء القبائل، فبعث ظبيان بن مرشد الدوسي إلى بني بكر بن وائل «10» ، وجرير بن عبد الله البجلي (ت 54 هـ) إلى ذي الكلاع بن ناكور «11» ، وعمرو بن أمية الضمري (ت 60 هـ) إلى مسيلمة الكذاب (ت 12 هـ) «12» . وغيرهم «13» . كتب النبي صلّى الله عليه وسلم هذه الرسائل في أواخر السنة السادسة وأوائل السنة السابعة بعد   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 176) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 103) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 649) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 225- 256) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 112) . ابن حجر، فتح الباري (ج 16، ص 256، 257) . قال السهيلي: «وإنما خص النبي صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي بإرساله إلى كسرى؛ لأنه كان يتردد عليهم كثيرا أو يختلف إلى بلادهم» . انظر: السهيل، الروض الأنف (ج 26، ص 590) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 27) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . خليفة، تاريخ (ج 1، ص 63) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 652) (ابن إسحاق) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . خليفة، تاريخ (ج 1، ص 63) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . ابن طالون الدمشقي، أعلام السائلين (ص 92- 96) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 607) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 276) . (8) ابن هشام، السيرة، (م 2، ص 607) . ويبدو أن شجاع بن وهب الأسدي بعث إلى الحارث بن شمر الغساني وإلى جبلة بن الأيهم. انظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 1، ص 267) . (9) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 282) . (10) م. ن (ج 1، ص 281، 282) . (11) م. ن (ج 1، ص 266) . خليفة، تاريخ (ج 1، ص 630) . (12) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 273) . خليفة، تاريخ (ج 1، ص 63) . (13) انظر بقية هذه الرسائل في: ابن طالون، أعلام السائلين (ص 99، 100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 صلح الحديبية «1» . وكان المكسب الأكبر الذي حققه النبي صلّى الله عليه وسلم من مكاتباته تلك أنها جاءت حملة إعلامية على النطاق الدولي لإظهار أن الإسلام للناس كافة «2» . وقد نهج النبي صلّى الله عليه وسلم في اختيار رسله أمرا لا يخرج عن المألوف والعرف الجاري لدى الدبلوماسية الحديثة، من تبادل السفراء، ومراعاة الأناقة، وجمال الخلقة، والكفاات الممتازة بصفتهم ممثلين لأمتهم؛ ولذلك فإن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، ويشير إلى ذلك ابن قتيبة (ت 276 هـ) بقوله: «إن جبريل كان يجيء على صورة دحية الكلبي؛ لأن دحية كان من أجمل أهل زمانه، وأحسنهم صورة» «3» ، وهذا يصدق على بقية رسله فكان معاذ بن جبل (ت 19 هـ) ، وأبو موسى الأشعري (ت 32 هـ) وعبد الله بن حذافة، وعمرو بن العاص (ت 43 هـ) وغيرهم من «أعقل الصحابة وأجملهم صورة، وأحسنهم حديثا، وأطلقهم لسانا وقوة حجة» «4» وكان هؤلاء الرسل من أولئك المشهورين في المجتمع الإسلامي الذين نبهوا في العلم أو الكتابة أو الإدارة «5» ، وقد بلغ من حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على قواعد الدبلوماسية هذه أن قال: «إن أبردتم إليّ بريدا، فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم» «6» . وعبر العرب عن هذه القواعد في أشعارهم وأقوالهم، فقال أحدهم: إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه «7» وقال اخر: إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله أديبا فإن ضيّعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علم الغيوبا «8»   (1) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 473) . (2) عماد خليل، دراسة في السيرة (ص 293) . (3) ابن قتيبة، المعارف (ص 329) . وانظر: الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) ، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط واخرون (ط 2) بيروت، مؤسسة الرسالة، (1402 هـ، 1982 م) ، (ج 2، ص 553، 554) . وابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 473، 474) . الحلبي، السيرة (ج 1، ص 291) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 190) . (4) ابن طالون، إعلام السائلين (ص 18، 19) . (5) صلاح الدين المنجد، النظم الدبلوماسية في الإسلام، بيروت، دار الكتاب الجديد، (1953 م) ، (ص 28) . (6) الألباني، صحيح الجامع الصغير (ج 1، ص 132) . (7) ابن الطقطقي، الفخري في الاداب السلطانية (ص 69، 70) . (8) م. ن (ص 70) . وانظر عن صفات الرسول: ابن الفراء أبا علي الحسين بن محمد (ت 390 هـ) ، رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة، تحقيق صلاح الدين المنجد (ط 2) بيروت، دار الكتاب الجديد، (1382 هـ، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وقد ضمنت الأعراف الدبلوماسية للسفراء بعض الحقوق، فهو يملك حقّا يسمى «الأمان» وهو اليوم يسمى الحصانة، وبذلك يكون امنا هو وزوجه وأولاده، وأتباعه الدبلوماسيون «1» ، وتشير المصادر إلى ذلك في قصة الرسل الذين بعثهم مسيلمة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: «لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» «2» وهذا الحق ضروري لتهيئة أفضل الظروف والضمانات لأعضاء البعثات الدبلوماسية والتيسير عليهم في ممارسة وظائفهم، تقديرا لدورهم الجليل في إنشاء العلاقات السياسية الدولية، ويتضح هذا من قول السرخسي (ت 490 هـ) : «إذا وجد الحربي في دار الإسلام، فقال: أنا رسول، فإن أخرج كتابا عرف أنه كتاب ملكهم كان امنا حتى يبلغ رسالته ويرجع؛ لأن الرسل لم تزل امنة في الجاهلية والإسلام؛ وهذا لأن أمر القتال أو الصلح لا يتم إلا بالرسل؛ فلابد من أمان الرسل ليتوصل إلى المقصود» «3» . وكان من حقوقهم أيضا ألايحبسوا أو يمنعوا من الرجوع إلى قومهم، تذكر المصادر أن قريشا بعثت أبا رافع رسولا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقع في نفسه الإسلام فأراد أن يبقى في المدينة ولا يعود إلى مكة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ارجع إليهم، فإن كان الذي في قلبك الذي فيه الان فارجع» «4» ، وهذا ما جعل ابن القيم (ت 751 هـ) يقول: «قوله: لا أحبس البرد، إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسل مطلقا» «5» . ومما يدخل في إطار الحصانات الدبلوماسية ضمان حرية العبادة للذين يأتون إلى الدولة من المبعوثين، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يأمر أصحابه ألا يتعرضوا إليهم وهم يؤدون واجباتهم الدينية «6» ، وكان هذا باعثا على تقدير من الجهات المرسلة، ويتضح هذا الحق من خلال قصة وفد نصارى نجران، إذ كانوا يؤدون عباداتهم في مسجد   - 1973 م) ، (ص 33- 35) . (1) المنجد، نظم دبلوماسية (ص 80) . (2) الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي (ت 255 هـ) ، السنن، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت (ج 2، ص 235) . وأبو داود، السنن (ج 3، ص 192) . والقرطبي، أقضية رسول الله (ص 63) . (3) السرخسي، محمد بن أبي سهل (ت 490 هـ) ، المبسوط (ط 2) بيروت، دار المعرفة، د. ت (ج 10، ص 92) . وانظر: ابن القيم، زاد المعاد (ج 3، ص 138، 139) . القرطبي. (4) أحمد، المسند (ج 6، ص 8) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 189، 190) . وانظر: ابن القيم، زاد المعاد (ج 3، ص 138، 139) . القرطبي، أقضية (ص 62) . (5) ابن القيم، زاد المعاد (ج 3، ص 139) . (6) مصطفى التازي، الحصانة الدبلوماسية في الإسلام، مؤتمر السيرة الثالث، (م 6) ، (ط 1) ، (1041 هـ) ، (ص 657) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 رسول الله صلّى الله عليه وسلم «1» . وقد كان من عادة النبي صلّى الله عليه وسلم أن يتزين عند استقباله للوفود فيذكر البخاري (ت 256 هـ) أن رجلا أهدى للنبي حلة، فقال له: «لتتجمل بها يا رسول الله للوفود» «2» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يكرم الوفود ويبسط رداءه لبعضهم، ويشركهم في الجلوس إمعانا في إزالة الدهشة، وإدخال المسرة، ذكر ابن ماجه (ت 275 هـ) ، أنه لما وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم زيد الخيل بسط له رداءه، وأجلسه عليه وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» «3» وفي هذا إشارة إلى أن التكريم كان على حسب درجات القوم ومنزلتهم، ويذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم خصص مكانا ينزل فيه ضيوف رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكانت دار رملة بنت الحارث النجارية مكانا معدّا لاستقبال الوفود، وأطلق عليها بعضهم اسم «دار الضيفان» «4» . وكانت «الجوائز» حقّا اخر يتمتاع به السفراء عند استقبالهم ووداعهم، ويتضح هذا من قول ابن خالدون (ت 808 هـ) : «كان النبي صلّى الله عليه وسلم يحسن وفادة الوفود ويحسن جوائزهم، وهذا كان شأنه مع الوفود ينزلهم إذا قدموا ويجهزهم إذا رحلوا» «5» ويشير ابن سعد (ت 230 هـ) إلى هذا التكريم بقوله: «إن وفد بني حنيفة أنزلوا في دار رملة بنت الحارث وأجريت عليهم ضيافة، فكانوا يؤتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا، ومرة خبزا وسمنا» «6» ، وعند ما جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان خالد بن سعيد (ت 14 هـ) يمشي بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانوا لا يأكلون طعاما يأتيهم حتى يأكل منه خالد «7» . ويذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) : «أن بلالا كان يأتيهم بفطرهم وسحورهم في الأيام التي صاموها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «8» . وكما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يستقبل الوفود ويستضيفهم كان يزودهم بما يحتاجونه عند   (1) ابن سعد، الطبقات (ص 357) . (2) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 85) . (3) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 1223) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 316) . السمهودي، وفاء الوفا (ص 555) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 445، 446) . (5) ابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 2، 52) . (6) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 316) . وانظر: الكتابي، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 446) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 540) (ابن إسحاق) . (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 540، 541) (ابن إسحاق) . وانظر: الزرقاني، شرح المذاهب (ج 4، ص 8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 السفر، فيذكر البيهقي (ت 458 هـ) قول النعمان بن المقرن، قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعمائة رجل، فلما أردنا أن ننصرف قال: «يا عمر زود القوم» «1» . وهناك إشارات في المصادر تذكر أن بعض هذه الجوائز كانت تكون- أحيانا- نقدية. فيذكر ابن سعد (ت 230 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم أجاز فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمان باثنتي عشرة أوقية ونش، قال: وذلك خمسمائة درهم» «2» وأجاز النبي صلّى الله عليه وسلم وفود عبد القيس، وبهرام، وغسان، وقضاعة، وغيرهم بمبالغ نقدية مساوية لذلك «3» . لقد كانت الضيافة وحسن الاستقبال عامة للوفود والسفراء حتى في السفر، ويتضح هذا من رواية الإمام أحمد (ت 241 هـ) أن رسول هرقل قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم وهو في تبوك (سنة 9 هـ) . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم معتذرا له من عدم وجود جائزة يجيزه بها فقال: «إن لك حقّا، وإنك لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة لجوزناك بها، ولكن جئتنا ونحن مرملون (مسافرون) فقال عثمان: أنا أكسوه حلّة صفورية، وقال رجل من الأنصار: عليّ ضيافته» «4» . ويتضح من هذا أن كسوة الرسول صلّى الله عليه وسلم وضيافته هما من حقوق الرسول كجزء من الاستقبال والتكريم. ويفترض أن يعامل رسل المسلمين هذه المعاملة. ولذلك فإن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يشترط على بعض الوفود تكريم رسله وضيافتهم. فيذكر ابن سعد (ت 230 هـ) في معرض حديثه عن وفد نجران أن النبي صلّى الله عليه وسلم «اشترط عليهم مؤنة رسله وضمان الحماية لهم» «5» . لقد كانت هذه جزا من قواعد الدبلوماسية في فترة الرسالة، طبقها النبي صلّى الله عليه وسلم في حياته، ووصى بها صحابته عند موته، فقد ذكر البخاري (ت 256 هـ) في صحيحه بابا سماه «باب جوائز الوفود» أخرج فيه حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم أوصى عند موته منها: « ... وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم» «6» . أما بالنسبة إلى الرسائل نفسها فقد كانت تضمن الموضوع الذي أرسلت من أجله فهناك رسائل موضوعها « ... إني أدعوك إلى الله واحده ... » «7» . ويشرح أهداف   (1) البيهقي، الدلائل (ج 5، ص 365) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 450، 451) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 262) . (3) م. ن (ج 1، ص 262، 334، 339) . (4) أحمد، المسند (ج 4، ص 75) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 288) . (6) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 84، 85) . (7) انظر رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم إلى كل من قيصر وكسرى والنجاشي والمقوقس. حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الإسلام وأحكامه. وهناك رسائل موضوعها دعوة أهل الذمة إلى الإسلام « ... ومن بقي على دينه فعليه الجزية» «1» ، « ... ولهم ذمة الله ورسوله» «2» ، وبعضها كان يشرح أحكاما شرعية كما في كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم، واليه على البحرين «3» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يفتتح رسائله بلفظ: «من محمد رسول الله ... » «4» ، فهو يبدأ باسمه ولقبه ثم اسم المرسل إليه ولقبه «5» . يقول القلقشندي (ت 821 هـ) : «وكان العجم يبدؤون بملوكهم إذا كتبوا، والرسول كتب فبدأ بنفسه، وكان أصحاب رسول الله وأمراء جيوشه يكتبون إليه فيبدؤون بأنفسهم كما كان يكتب إليهم» «6» ، ويتضح من خلال هذه الرسائل أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يخاطب الملوك بالمفرد وليس بصيغة الجمع فيقول: « ... إني أحمد الله إليك ... » «7» أو « ... إني أدعوك بدعاية الإسلام ... » «8» ، وخاطب هؤلاء بألقابهم التي اصطلح عليها، ومن ذلك أنه قال لقيصر: «عظيم الروم» «9» ، ولكسرى: «عظيم فارس» «10» وللمقوقس: «صاحب مصر» «11» وللنجاشي: «ملك الحبشة» «12» . وكانت تفتح الرسائل بعد الحمد بقوله: «أما بعد فإني ... » «13» ، ويذكر البخاري   - (26) ، (ص 109) . وثيقة رقم (53) ، (ص 140) . وثيقة رقم (50) ، (ص 136) . وثيقة رقم (22) ، (ص 103، 104) . (1) انظر: كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وهو في اليمن. حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (106/ د) ، (ص 213) . كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الحارث بن كلدة. وثيقة رقم (106) ، (ص 221، 222) . (2) انظر: كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى أذرح والجرباء. وانظر: الحلبي، السيرة (ج 3، ص 160) . (3) انظر: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 594، 596) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 128، 129) (ابن إسحاق) . (4) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (22) ، (ص 103، 104) . وثيقة رقم (26) . (5) المنجد، نظم دبلوماسية (ص 164) . (6) القلقشندي، صبح الأعشى (ج 6، ص 330- 339) . (7) انظر: رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى النجاشي. حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (21) ، (ص 100) . (8) م. ن، رسالة النبي إلى المقوقس، وثيقة رقم (22) ، (ص 103، 104) . (9) م. ن، رسالة النبي إلى قيصر، وثيقة رقم (26) ، (ص 109) . (10) م. ن، رسالة النبي إلى كسرى، وثيقة رقم (53) ، (ص 140) . (11) م. ن، رسالة النبي إلى المقوقس، وثيقة رقم (49) ، (ص 135) . (12) م. ن، رسالة النبي إلى النجاشي، وثيقة رقم (21) ، (ص 100) . (13) انظر: رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المقوقس، وثيقة رقم (49) ، (ص 135) . وانظر: وثيقة رقم (36) . (ص 126) . وثيقة رقم (47) ، (ص 133) . وثيقة رقم (57) ، (ص 146) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 (ت 256 هـ) قول هشام بن عروة (ت 146 هـ) : «رأيت رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم كلما انقضت فقرة فقال: أما بعد ... » «1» ، وربما افتتحها « ... هذا الكتاب ... » «2» ، « ... أسلم أنت ... » «3» ، وكان غالبا ما يختم الرسائل بالسلام «4» ، ثم يذكر في نهاية الرسالة «وكتب فلان» «5» . وإذا كان هناك شهود ذكرهم أيضا «6» في حين كانت تخلو الرسائل من التاريخ إلا في بعضها، كما ورد في معاهدته مع أهل مقنا حيث جاء فيها « ... وكتب علي بن أبي طالب في سنة تسع» «7» . لم تذكر المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يحتفظون عندهم بنسخة من هذه الرسائل، إلا أننا عرفنا أن صلح الحديبية كان قد كتب منه نسختين أخذ أحدهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخذ الاخرى سهيل بن عمرو «8» . ويذكر عبد الله بن عمرو بن العاص (ت 65 هـ) أن أول كتاب كتبه بيديه كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم أهل مكة «9» ، وربما يكون عبد الله قد نقله من نسخة النبي صلّى الله عليه وسلم التي كانت محفوظة لدى بعض المسلمين، مما يدل على وجود نوع من المحافظة على الأوراق الرسمية (الأرشيف) . وهناك بعض النسخ من كتب النبي صلّى الله عليه وسلم المرسلة إلى الجهات وكانت موجودة لدى بعض الصحابة، فكان لدى ابن عباس (ت 68 هـ) العديد من نسخ مكاتيب الرسول صلّى الله عليه وسلم «10» ، واحتفظ أبو بكر بن حزم وعروة بن الزبير (ت 93 هـ) ببعضها أيضا «11» . ويمكن القول: إنهم كانوا ينسخون هذه الكتب قبل أن ترسل إلى الجهات؛ لأنه لا   (1) البخاري، الأدب المفرد (ص 162) . (2) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (19) ، (ص 98) وثيقة رقم (20) ، (ص 98) . وثيقة رقم (22) ، (ص 103) . (3) انظر: رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى النجاشي، حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (21) ، (ص 100) . (4) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (21) ، (ص 100) . وثيقة رقم (23) (ص 104) . وثيقة رقم (24) ، (ص 106) . وثيقة رقم (25) ، (ص 106، 107) . (5) م. ن، وثيقة رقم (191) ، (ص 98) . وثيقة رقم (25) ، (ص 98) . وثيقة رقم (33) ، (ص 120) . وثيقة رقم (41) ، (ص 128) . (6) م. ن، وثيقة رقم (34) ، (ص 124) ، رقم (43) ، (ص 98) . وثيقة، رقم (45) ، (ص 131، 132) . رقم (48) ، (ص 135) . (7) البلاذري، فتوح (ص 33) ، حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (33) ، (ص 120) . (8) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 612) . (9) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 244) . (10) الأعظمي، كتاب النبي (ص 17، 18) . (11) ابن طالون، أعلام السائلين (ص 48- 52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 يمكن لأحد أن يجمع هذه الرسائل المرسلة إلى الجهات المختلفة إن لم يكن هناك صورة محفوظة منها لدى الصحابة. ولعل من المفيد أن نذكر أن عمر في خلافته كان يحتفظ بجميع المعاهدات والمواثيق التي أخذت من الأشخاص المرموقين «1» ، حتى ما مضى على وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم ربع قرن حتى أصبح في المدينة «بيت القراطيس» الذي كان ملصقا بدار عثمان» ، وهو ما يمكن تسميته بأمانة السّر للدولة الإسلامية. وراعى النبي صلّى الله عليه وسلم كون الرسائل الرسمية لا تقبل إلا إذا كانت مختومة، فاتخذ النبي صلّى الله عليه وسلم خاتما، ثم أمر ألّا ينقش على نقشه أحد حتى تتميز المراسلات الرسمية، ولا تخضع لعمليات التلاعب والغش والتزوير، ويتضح هذا من رواية البخاري (ت 256 هـ) من قول أنس بن مالك (ت 91 هـ) : اصطنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاتما فقال: «إنا قد اصطنعنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا فلا ينقشن عليه أحد» «3» . ويظهر أن حفظ الخاتم أصبح وظيفة إدارية يقوم بها أحد الصحابة، ذكر ابن عبد البر (ت 463 هـ) في ترجمته لمعيقيب بن أبي فاطمة قال: «كان على خاتم النبي صلّى الله عليه وسلم يحفظه» «4» ، وهذا ما يدل على حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم على الإفادة من الوسائل والرسوم المعاصرة ما دامت لا تتعارض وأحكام الشريعة وروحها العامة. ونتخلص من الروايات التي بين أيدينا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم أرسل بعض الرسائل مغلقة وختم على ظهر الرسالة بحيث تصبح مغلقة، فلا يفتحها إلا صاحبها، ذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص (ت 43 هـ) إلى جيفر وعبد ابني الخلندي. قال عمرو: «فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه وقرأه» «5» . والظاهر أنهم كانوا يطوون الكتاب ويجعلون عليه شيئا رطبا كالعجين   (1) المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 هـ) ، الخطط المقريزية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت، طبعة بالأوفست، (ج 1، ص 295) . (2) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 22) . (3) البخاري، الصحيح (ج 7، ص 202) . وانظر ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 475) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 425، 426) . وكان نقشه على الشكل التالي: الله رسول محمد. انظر: ابن سعد، الطبقات، (ج 1، ص 258، 470، 471) . (4) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1478، 1479) . وانظر: الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 188) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 262) . وانظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (76) ، (ص 176) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وغيره، فيختمون به فلا يقرأ إلا بعد فض الخاتم، وذلك لئلّا يطلع على ما في الكتاب أحد اخر «1» . أما «الاتفاقيات والعهود» التي عقدها النبي صلّى الله عليه وسلم سواء كان ذلك مع الكيانات السياسية الموجودة، أو القبائل العربية، فقد أظهرت ذكاء الدبلوماسية الإسلامية في التعامل مع الأحداث، وكانت هذه الدبلوماسية تعتمد مصلحة الجماعة الإسلامية، وتأخذ بعناصر ومقتضيات الواقع، ففي صلح الحديبية (6 هـ) - بشروطه المعروفة «2» - ظهرت ملامح هذه الدبلوماسية في التحرك لربط المناطق المختلفة بالمواثيق والعهود وكتب الأمان من أجل فرض العزلة على مكة، ونشر الإسلام بين القبائل، والانفراد بخيبر، ليمنع تحالفها مع قريش وحتى لا تبقى قوة تدعهم القبائل المعارضة في الشمال. يتضح هذا من قول البلاذري (ت 279 هـ) : «والمصلحة المترتبة على إتمام صلح الحديبية ما ظهر من ثمراته الباهرة، وفوائده الظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة، وإسلام أهلها كلهم، ودخول الناس في دين الله أفواجا» «3» . ذكرت لنا المصادر مجموعة كبيرة من العقود والمعاهدات، ومنها معاهدات مع وفد همذان والنخع وكلب وثقيف وأذرح والجرباء وغيرها «4» . كان مضمون هذه المعاهدات متقاربا، فقد ذكر في كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى جرباء وأذرح « ... أنهم امنون بأمان الله، وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار كل رجب، وأن الله عليهم كفيل بالنعم والإحسان إلى من لجأ إليهم من المسلمين» «5» ، وهكذا كانت بقية المعاهدات إلا في بعض التفصيلات التي تخص كل قوم دون غيرهم. كانت تتسم هذه «المعاهدات والاتفاقيات» بالإيجاز في القول وتحاشي استخدام   (1) الأحمدي، مكاتيب (ج 1، ص 32) . (2) كانت شروط الصلح تنص على ما يلي «اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ... من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء ممن مع محمد لم يردوه عليه ... وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهداهم دخل فيه» . انظر: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 317، 318) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 97) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 350) . (3) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 211) . (4) انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 312، 314، 334، 335، 340، 342، 346، 347) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (119/ أ) (ص 294، 295) . رقم (111) ، (ص 231) . ورقم (181) ، (ص 284- 286) . رقم (33) ، (ص 118، 119) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 525) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (31/ أ) (ص 117، 118) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 اللفظ المزخرف والسجع، وكذلك كانت تخلو من ألقاب التعظيم والتفخيم فتذكر أسماء المتعاقدين مجردة «1» ، فكان يقول: «هذه امنة من الله ومحمد النبي الرسول ليحنه بن روبة وأهل أيلة» «2» ، وظل النبي صلّى الله عليه وسلم يحرص على ذكر صفة «رسول الله، والنبي» مستهدفا التذكير بحقيقة وظيفته وتأكيد معانيها في النفوس «3» ، ففي كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى أهل أذرح والجرباء قال: «هذا كتاب من محمد النبي ... » «4» وامتازت هذه العقود بذكر أسماء الشهود عملا بما استنه الرسول صلّى الله عليه وسلم عند عقد معاهدة الحديبية (6 هـ) «5» . ولما كان معظم سكان الجزيرة من القبائل التي تستوطن كل منها مكانا خاصّا بها يسمى «دار» ، ولها تنظيم سياسي، فإن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد الاحتكاك بهذه القبائل، وهذا لم يتم دفعة واحدة؛ إذ إن ظروف القبائل وتنوعها واختلافها يؤدي بالضرورة إلى تنوع المعاملة، فهناك بعض القبائل اكتفى منهم بالموادعة دون إلزامهم بتغيير دينهم «6» ، ويشير إلى ذلك القران في الاية الكريمة: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ... [التوبة: 4] «7» . لقد قسمت هذه الكتب إلى كتب موجهة إلى الأفراد وهي تتضمن «الإقطاعات وما يتعلق بالأمور المالية» ، وهناك كتب موجهة لأفراد عشائرهم بصراحة وهي تبين اعتراف الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذه الزعامة أو تلك على القبيلة، وسلطاتها الإدارية المستقلة وفقا للتقاليد البدوية «8» ، وهناك رسائل موجهة للعشائر دون الأفراد، ولا ندري هل كان إغفال الرسول صلّى الله عليه وسلم لذكر أسماء أفراد بعينهم يرجع إلى عدم وجود رؤساء معتمدين فيها، أم أن هؤلاء لم يؤمنوا بالرسول صلّى الله عليه وسلم فتجاهلهم، وعلى أية حال، فإننا لا نعلم طريقة إدارة هذا   (1) عبد النافع محمود، المعاهدات في الإسلام، مجلة التمدن الإسلامي، مجلد 36، سنة (1386 هـ) ، (ص 36، 37) . (2) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (31/ أ) ، (ص 117، 118) . (3) محمود، المعاهدات في الإسلام (ص 37) . (4) انظر: معاهدة النبي صلّى الله عليه وسلم مع أهل أذرح والجرباء. حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (32، 33/ أ) (ص 118، 119) . (5) انظر صلح الحديبية في: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 324) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 97) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 211) . (6) العلي، إدارة الحجاز (ص 34، 35) . (7) انظر: الطبري، تفسير (ج 14، ص 132) . السيوطي، الدر المنثور (ج 4، ص 130، 131) . (8) العلي، إدارة الحجاز (ص 38) . انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (111) ، (ص 231) . رقم (112) ، (ص 232) . رقم (22) ، (ص 240) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الصنف من العشائر «1» . وكان الالتزام المفروض من خلال هذه المعاهدات على العشائر «طاعة الله ورسوله» «2» وأضاف بعضها «الإسلام وطاعة الله ورسوله» «3» وفي بعضها «الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة» «4» وزاد بعضها « ... ومفارقة المشركين» «5» وفي بعضها «أقبل في حزب الله ... » «6» . إن طاعة الله ورسوله لابد أن تؤدي إلى الإسلام، كما أن الإسلام يستلزم طاعة الله ورسوله، والقيام بفرائضه، وإن عدم ذكر بعض الكتب شرط «مفارقة المشركين» يظهر أنه سمح لهم بإبقاء علاقاتهم بالمشركين ولا سيما أن المسلمين كانت بينهم وبين المشركين في هذه الفترة عهود ومواثيق أشار إليها القران «7» . وقد نصت بعض هذه المعاهدات على «أن لهم النصر على من ظلمهم أو حاربهم..» «8» . ويتضح هذا في معاهداته مع ضمرة وغفار وأشجع وغيرها. وهذا يستدعي أن يقوم بحمايتهم من أي اعتداء أو هجوم. وقد أضاف على بني أسلم شرطا «أن عليهم نصر النبي صلّى الله عليه وسلم» «9» فالاتفاقية معهم هجومية ودفاعية. وقد أقر لعدد من القبائل ولا سيما طيئ وثقيف وجرش، أن كلّا منهم له ما أسلم عليه من أرضه «10» ، ويفترض أن يكون قد طبق هذه الشروط تجاه القبائل   (1) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (81) ، (ص 168) . رقم (13) ، (ص 169) . رقم (85) ، (ص 170) . رقم (89) ، (ص 172) . (2) انظر هذه الوثائق في: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (122) ، رقم (ص 239) . رقم (109) ، (ص 262) . رقم (189) ، (ص 2932) . (3) م. ن، وثيقة رقم (72/ أ) ، (ص 160) . رقم (109) ، (ص 221) . رقم (152) ، (ص 2262) . رقم (19/ 2) ، (ص 293) . رقم (217) ، (ص 321) . (4) م. ن وثيقة رقم (40) ، (ص 127، 128) . رقم (152) ، (ص 262) . رقم (165) ، (ص 271) . رقم (173) ، (ص 278) . رقم (189) ، (ص 293) . رقم (193) ، (ص 298) . رقم (197) ، (ص 301) . (5) م. ن، وثيقة رقم (41) ، (ص 128) . رقم (81) ، (ص 168) . رقم (82) ، (ص 169) . رقم (85) ، (ص 170) . رقم (87) ، (ص 171) . رقم (194) ، (ص 299) . رقم (195) ، (ص 299، 300) . (6) م. ن، وثيقة رقم (175) ، (ص 280) . (7) راجع سورة التوبة: الايات (1- 4) . (8) انظر هذه المعاهدات في: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (66) ، (ص 154، 155) . رقم (159) ، (ص 265) . رقم (161) ، (ص 267) . (9) العلي، إدارة الحجاز (ص 40) . (10) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (120) ، (ص 238) . رقم (122) ، (ص 240) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الاخرى، وإن لم ينصّ على ذلك في معاهداته معهم. وبما أن القبائل كانت تأنف أن يتولى عليها أمير من غيرها، فقد اشترط بعضهم هذا الشرط، ويتضح هذا في معاهداته مع أهل مقنا وبني وائل «1» ، وفي كتابه إلى وائل بن حجر ذكر أنه «يستقي ويترفل على الأقيال» «2» ويفيد ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد أن يربط هذه الواحدات الإدارية الصغيرة في سلسلة ضمن إطار واحد حتى يسهل على المركز إدارتها ومراقبتها. وقد ذكرت بعض هذه المعاهدات شروطا منفردة، منها: «النصح للمسلمين» «3» ، «وضيافتهم» «4» أو «السماح لهم باستعمال المياه» «5» أو «السماح لهم بالمرور من الطرق» » . وكانت هذه المعاهدات تعطي لهؤلاء «ذمة الله ورسوله» «7» و «أمان الله ورسوله» «8» وقد استعملت ذمة الله وأمان الله بشكل ثابت، أما ذمة الرسول فكانت تذكر أحيانا، وجاء في بعضها: «إن الله ورسوله جار على ذلك» «9» ، وفي كتاب: «إن الله ومحمد جار» «10» ، وكان المقصود بالأمان والذمة والجوار أنها اتفاقيات صداقة يضمن فيها الرسول صلّى الله عليه وسلم لهذه القبائل عدم الاعتداء، وكانت كلمة «ذمة» تدل على ضمان حمايتهم من أي اعتداء تقوم به القبائل والقوى الاخرى ضدهم «11» .   (1) م. ن، وثيقة رقم (33) ، (ص 120) . (2) م. ن، وثيقة رقم (98) ، (ص 191) . يترفل على الأقيال، أي يتأمر عليهم. (3) م. ن، وثيقة رقم (98) ، (ص 191) . (4) م. ن، وثيقة رقم (65) ، (ص 153، 154) . رقم (124) ، (ص 241) . (5) م. ن، وثيقة رقم (202) ، (ص 303) . (6) م. ن، وثيقة رقم (87) ، (ص 171) . (124) ، (ص 249) . رقم (196) ، (ص 300) . (7) حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (41) ، (ص 128) . رقم (90) ، (ص 172) . رقم (94) ، (ص 178) . رقم (111) ، (ص 231) ، (ص 1137) ، (ص 252) . رقم (159) ، (ص 267) . رقم (161) ، (ص 268) . رقم (166) (ص 271) . رقم (181) ، (ص 284) . رقم (247، 248) ، (ص 334) . (8) م. ن، وثيقة رقم (72) ، (ص 159) ، رقم (96، 97) ، (ص 181) ، رقم (152) ، (ص 262) . رقم (153) ، (ص 263) . رقم (232) ، (ص 322) . (9) م. ن، وثيقة رقم (95) ، (ص 179) ، رقم (131) ، (ص 246) . (10) م. ن، وثيقة رقم (132/ أ) ، (ص 248) . (11) ابن منظور، اللسان (ج 12، ص 121) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 لقد أراد النبي صلّى الله عليه وسلم بهذه المعاهدات أن يربط هذه القبائل مع الدولة الجديدة، وهي إجراات ضرورية لحماية القوات الإسلامية في صراعها مع الروم الذي ظهرت أول أماراته في معركة مؤتة (8 هـ) ، وهذا يبين أن صورة العالم الذي ستجري عليه الحوادث المقبلة كانت واضحة في ذهن الرسول صلّى الله عليه وسلم «1» . ويتبين من خلال هذا العرض لمعاهدات الرسول صلّى الله عليه وسلم مع القبائل أو رجالها أن أهم ما كان يقدمه لهم هو «الحماية» ، وأهم ما يطلبه هو «الطاعة» ، وترك القبائل تسير حسب نظمها القديمة على ألاتمس سيادة الإسلام، وربما كان انشغال الرسول صلّى الله عليه وسلم بالقضايا الكثيرة التي واجهته بعد فتح مكة (8 هـ) جعلته ينصرف عن العمل على تبديل شكل الهيكل الإداري، ذلك الانصراف الذي أدى إلى قلة الشكاوى والمشاكل التي واجهها «2» ؛ إذ لم يرسل النبي صلّى الله عليه وسلم لهذه القبائل من رجال إدارته إلا بعض عمال الصدقات الذين أرسلوا من مركز الدولة في المدينة المنورة.   (1) انظر: صالح درادكة، مقدمات في فتح بلاد الشام، الندوة الثانية للمؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام الرابع، مجلد 2، عمان، (1987 م) ، (ص 124- 126) . (2) العلي، إدارة الحجاز (ص 40، 41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الإدارة في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلم الفصل الرّابع الإدارة المالية أولا: إدارة المال حتى قيام الدولة. ثانيا: إيرادات الدولة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم. ثالثا: تنظيم شؤون الزراعة. رابعا: تنظيم شؤون التجارة. خامسا: تنظيم شؤون الصناعة. سادسا: تنظيم حفظ الأموال العامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الفصل الرابع الإدارة المالية أولا: إدارة المال حتى قيام الدولة لقد كانت حاجة الدعوة الإسلامية في مكة للمال بسيطة، ومن ثمّ لم يكن لها نظام مالي محدد بإيرادات معينة، وأوجه إنفاق محددة، وتمثلت هذه الاحتياجات في إعانة الفقراء والمحتاجين، أو شراء أولئك العبيد المستضعفين المؤمنين لإنقاذهم من عنت قريش وزعمائها «1» ، في حين كانت أحداث المحاصرة في الشعب تزيد من التلاحم المادي والمعنوي بين هذا العدد القليل من المؤمنين «2» ، وكان صاحب الرسالة صلّى الله عليه وسلم ينفق من مال خديجة (ت 3 ق. هـ) رضي الله عنها «3» . وكانت الايات المكية توجه المسلمين إلى إيجاد روح التكافل بينهم، وترد بذلك إشارات في قوله تعالى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19] ، وقوله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25] «4» . ويرد في الايات المكية إشارات قليلة عن بداية وجوب تنظيم استخدام المال، فقال تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39] ، وهذا يشير إلى بداية تحريم الربا، ووجوب الصدقة، والتي نزلت أحكامها مفصلة في الايات المدنية فيما بعد. وتعدّ الهجرة إلى المدينة بداية نشوء التنظيمات المختلفة للدولة الجديدة، ومن ضمنها نشأت التنظيمات المالية التي يتطلبها الوضع الجديد. كان المسلمون في بداية الهجرة يمولون دعوتهم من تبرعاتهم الخاصة، فتذكر المصادر   (1) انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 317- 319) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 194، 195، 196) . (2) انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 350، 351) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 208- 210) (الواقدي) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 229، 230) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 335، 336) (ابن إسحاق) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 317- 319) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 194، 195، 196) . (4) انظر تفاصيل أوفى حول تفسير الايات فقهيّا في: يوسف القرضاوي، فقه الزكاة (ط 7) بيروت، مؤسسة الرسالة، (1984 م) ، (ج 1، ص 58- 60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أن أبا بكر اشترى راحلتين قويتين من ماله؛ لاستخدامهما في هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلم «1» وهكذا فعل المسلمون المهاجرون إلى المدينة فقد خرجوا تباعا «يترافدون بالمال والظهر» «2» ، وأشارت الايات والأحاديث إلى ضرورة بذل المال في سبيل الله «3» . وقد أدى ذلك إلى زيادة الأعباء المالية الملقاة على عاتق أهل المدينة خاصة «4» . قام النبي صلّى الله عليه وسلم بعدد من الأعمال ذات الصبغة المالية حال هجرته، فأقام سوقا للمسلمين أذن لهم أن يبيعوا ويشتروا فيه دون مقابل، فقال: «هذا سوقكم لا يضربن أحد عليكم بخراج» «5» وكانت «المؤاخاة» «6» ذات صبغة مالية؛ إذ تقضي أن يشترك المتاخون في الأموال؛ لتخفيف المعاناة عن المهاجرين واضطرارهم إلى ترك المال والأهل في مكة. وإذا ما استعرضنا نص الصحيفة التي كتبها النبي صلّى الله عليه وسلم بين مواطني الدولة في المدينة فإننا نجد عددا من المواد تتحدث عن التنظيمات المالية؛ إذ قررت مواد هذه الصحيفة مبدأ التعاون في دفع الديات، وفداء الأسرى «7» ، والاشتراك في النفقات بين المؤمنين واليهود في حالة تعرض المدينة إلى اعتداء خارجي «8» ، إلى غير ذلك من التنظيمات التي كانت نواة للنظام المالي الجديد للدولة الإسلامية.   (1) ابن هشام، السيرة، (م 1، ص 485) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 228) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 245) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 375) . البيهقي، السنن (ج 9، ص 10) . الساعاتي، الفتح الرباني (ج 20، ص 281) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 226) . وانظر: البلاذري، أنساب (ج 1، ص 257) . الذهبي، السيرة (ص 213) . (3) انظر الايات الكريمة: (البقرة: اية: 177، 261، 262، 265) . (التوبة: اية: 41، 44، 81) . (النور: اية: 33) . (الصف: اية: 11) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 18، 19) . أبا داود، السنن (ج 3، ص 11) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 799) . (4) انظر تفاصيل ذلك في: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 234- 238) ، (ج 2، ص 12) . (5) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 751) . البلاذري، فتوح (ص 24) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 163) . (6) انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 238) . البخاري، الصحيح (ج 5، ص 39) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 99) . (7) قالت الصحيفة: «فالمهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف» . انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (1) ، فقرة رقم (2) ، (ص 59) . (8) قالت الصحيفة: «إن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» . انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (1) ، فقرة رقم (38) ، (ص 62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الفصل الرابع الإدارة المالية ثانيا: إيرادات الدولة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم لقد بدأت الأموال ترد على المسلمين بعد نشوء دولتهم في المدينة؛ وذلك نتيجة الانتصارات الحاسمة التي حققها المسلمون في عدد من المعارك، وكذلك فرض الإسلام على رعايا الدولة الإسلامية مجموعة من التكاليف المالية شكلت في مجملها إيرادات الدولة الجديدة. فكانت «الغنيمة والفيء» «1» من أوسع أبواب هذه الإيرادات، حيث أذن الله سبحانه للمسلمين بقتال الكفار، واقتضت مهمة نشر الدعوة، وطبيعة العلاقة العدائية بين المسلمين وقريش انذاك أن يقوم المسلمون بالتعرض لقافلات مكة التجارية، ومحاولة الاستيلاء عليها إضعافا لجبهة قريش من جهة، وتعويض المهاجرين عمّا تركوه في مكة من جهة أخرى. وكانت أول غنيمة غنمها المسلمون بعض العير لقريش، تعرضت لها سرية عبد الله ابن جحش (2 هـ) بالقرب من نخلة- بين مكة والطائف- وكانت تحمل زبيبا وأدما وتجارة أصابها عبد الله (ت 3 هـ) ، وأسر رجلين من رجالها أخذهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم «2» ، وتشير الروايات إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم كره ابتداء هذا الفعل؛ لأنه وقع في الأشهر الحرم، ولكن الايات نزلت تؤيد فعل عبد الله، وترفع الحرج عن المؤمنين «3» . أما عن كيفية تقسيم هذه الغنيمة، فقد ذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) ، والواقدي (ت 207 هـ) أن عبد الله بن جحش لما غنم عير قريش قال لأصحابه: «إن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم   (1) يقول الصنعاني (ت 211 هـ) : «الفيء والغنيمة مختلفان، أصل الغنيمة: مما أخذ المسلمون فصار في أيديهم من الكفار، والخمس في ذلك إلى الأمير يضعه حيثما أمر الله، والأربعة أخماس الباقية للذين غنموا الغنيمة. والفيء: ما وقع من صلح بين الإمام والكفار في أعناقهم وأرضهم وزرعهم وفيما صولحوا عليه مما لم يأخذه المسلمون عنوة، ولم يقهروه عليه حتى وقع فيه بينهم صلح وذلك للإمام يضعه حيث أمر الله» . انظر: الصنعاني المصنف (ج 5، ص 310) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 17) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 602) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 410، 411) . وقد تم افتداء هذين الأسيرين بمبالغ نقدية بلغت أربعين أوقية لكل منهما، والأوقية: أربعون درهما فيكون مجموع الفداء 3200 درهم أضيف إلى المغانم. انظر: الواقدي، المغازي (ج 1، ص 17) . (3) انظر هذه الايات في سورة: (البقرة: اية: 217، 218) . وانظر هذا الخبر في: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 602) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 10، 11) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 خمس ما غنمتم، وذلك قبل أن يفرض الخمس، فعزل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه» «1» . على حين يروي الواقدي «ت 207 هـ» رواية أخرى فيقول: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة، ومضى إلى بدر، حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم» «2» . ويبدو أن رواية الواقدي الثانية أقرب إلى الصحة، لأنّ فرض الخمس لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قد نزل في بدر فقسمت غنيمة عبد الله على أساس ذلك «3» . أما الغنائم التي غنمها المسلمون في بدر «2 هـ» «4» ، فكانت أول غنيمة غنمها المسلمون بعد اصطدام مباشر مع قريش، حيث غنم المسلمون سلاحا وأموالا، وأسروا سبعين رجلا من كفار قريش «5» ، فلما تنازع المسلمون في قسمتها نزلت الايات تجعل أمر الغنائم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم «6» ، ويروي ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قسم هذه الغنائم بين المسلمين بالسوية ثم نزلت اية الخمس «7» كما يذكر ابن سلام «ت 224 هـ» في كتابه الأموال «8» . في حين يرى ابن كثير أن غنائم بدر قسمت بعد نزول اية الخمس فيقول: «والواقع أنها- أي غنائم بدر- خمست كما هو قول البخاري وابن حجر والطبري وهو الصحيح الراجح» «9» ، أما الأسرى فقد تم افتداؤهم بمبالغ مالية مناسبة، وذلك حسبما أشار أبو بكر إذ قال: «نأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم لنا قوة، وعسى أن يهداهم الله فيكونوا لنا عضدا» 1» وقد تراوح فداء الأسير بين أربعة ألاف   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 18) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 603) (ابن إسحاق) . وانظر: الطبري، تاريخ (ج 2، ص 412، 413) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 113، 114) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 18) . (3) القضاة، بيت المال (ص 13) . (4) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 144) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 241، 242) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 86) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 46) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 474) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 144) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 641، 642) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 86) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 46) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 474) . (6) راجع سورة الأنفال: الايات (1، 2) . (7) ابن هشام: السيرة (م 1، ص 642) (ابن إسحاق) . وانظر: الواقدي، المغازي (ج 1، ص 144) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 458) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 130، 131) . (8) ابن سلام، الأموال (ص 426) . (9) ابن كثير، السيرة (ج 2، ص 469) . (10) مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 86) . وانظر: الطبري، تاريخ (ج 2، ص 474) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 درهم، وألف درهم، إلا الفقراء فقد عفى عنهم النبي صلّى الله عليه وسلم مقابل تعليم أبناء الأنصار القراءة والكتابة «1» ، وهكذا فقد أصبحت الغنائم- بعد بدر (2 هـ) - تقسم أخماسا، خمسها لرسول الله، يضعه حيث يشاء، والأربعة أخماس الاخرى توزع على المجاهدين «2» . ترد أول إشارة عن ملامح التنظيم الإداري الذي يقوم على حفظ المال العام في بدر (2 هـ) ، فقد استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن كعب بن النجار (ت 30 هـ) على أنفال بدر قبل قسمتها «3» ، في حين استعمل على الأسرى غلاما له يدعى «شقران» «4» ، ثم استعمل على قسمة الغنائم محيمة بن جزء بن عبد يغوث (ت 25 هـ) ، وقد سمي من يقوم بهذه المهمة فيما بعد باسم «صاحب الغنائم» «5» ، وكان هؤلاء الثلاثة من أوائل من عين في الجهاز الإداري المالي في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم. وبعد غزوة بدر (2 هـ) نقض يهود بني قينقاع العهد مع المسلمين. فكان لابد من طردهم، فحاصرهم النبي صلّى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فرحلوا من المدينة إلى الشام «6» ، وغنم المسلمون أموالا وسلاحا والات صياغة، ولم يكونوا أصحاب أرض، بل اشتهروا بالصناعة ولا سيما صناعة الحلي والمجوهرات «7» فقسم النبي صلّى الله عليه وسلم هذه الغنيمة- بعد أخذ خمسها- على المجاهدين المشتركين في الغزوة «8» .   (1) يقول الواقدي (ت 207 هـ) : «حدثني إسحاق بن يحيى، قال: سألت نافع بن جبير: كم كان الفداء؟ فقال: أرفعهم أربعة ألاف درهم إلى ثلاثة ألاف إلى ألفين إلى ألف درهم للرجل إلا من لا شيء له، فمنّ رسول الله عليه» . انظر: الواقدي، المغازي (ج 1، ص 129) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 660) . (2) أبو يوسف الخراج (ص 18، 19) . ابن سلام، الأموال (ص 453) . (3) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 100) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 643) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 458) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 981) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 500) . (4) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 115) . (5) مسلم بشرح النووي (ج 7، ص 179، 181) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 510) . (6) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 179) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 47) . البلاذري، فتوح (ص 24) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 481) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 137، 138) . (7) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 179) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 481) . (8) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 179) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 481) . الماوردي، الأحكام (ص 139) . الزمخشري، الكشاف (ج 2، ص 159) . انظر تفسير الاية: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... [الأنفال: 41] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وتذكر المصادر أن أول أرض تملّكها المسلمون كانت أرض مخيريق اليهودي (ت 3 هـ) الذي أوصى بها للرسول صلّى الله عليه وسلم فأخذها الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد مقتله في أحد (3 هـ) ، وجعلها صدقة على المسلمين «1» . وعند ما افتتح المسلمون أرض بني النضير (4 هـ) «2» دون «إيجاف خيل أو ركاب» «3» اعتبرت فيئا، وقد أشارت الايات إلى ذلك فقال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ... [الحشر: 6] ، فصارت هذه الأموال فيئا خالصا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء. فأعطى- بعد المشاورة- بعضها للمهاجرين ليغنيهم ويلحقهم بالأنصار، ولم يأخذ الأنصار من هذا الفيء إلا رجلين من الأنصار أعطاهما لسد خلتهما «4» . وخصص باقي الأراضي- وهي سبعة حوائط- لنفقات الرسول صلّى الله عليه وسلم ولحاجة أهله، وما بقي جعله النبي صلّى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله «5» . وفي شوال (5 هـ) كانت وقعة الأحزاب، إذ نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحالفوا المشركين «6» ، فلما هزمت الأحزاب حاصرهم النبي صلّى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ (ت 5 هـ) ، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 262، 378) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 88، 89) . الماوردي، الأحكام (ص 169) . (2) أبو عبيد، الأموال (ص 14- 16، 316- 387) . وانظر: يحيى بن ادم (ت 203 هـ) ، الخراج، شرح أحمد محمد شاكر، بيروت، دار المعرفة، د. ت (ص 33، 34) . وابن هشام، السيرة (م 2، ص 191) . البلاذري، فتوح (ص 27) ، قدامة بن جعفر (ت 328 هـ) ، الخراج وصناعة الكتابة، تحقيق محمد حسين الزبيدي، بغداد، دار الرشيد، (1981 م) ، (ص 257) . (3) انظر: مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 70) . السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، لباب النقول في أسباب النزول (ط 1) بيروت: دار إحياء العلوم (1978 م) ، (ص 208) . (4) يحيى بن ادم، الخراج (ص 35) (محمد بن الكلبي) ، ابن هشام، السيرة (م 2، ص 192) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 58) . البلاذري، فتوح (ص 28) . قدامة، الخراج (ص 257) . وانظر: عبد العزيز الدوري، في التنظيم الاقتصادي في صدر الإسلام، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، (1981 م) ، (ص 76) . ( «الخلة» بالفتح، الحاجة والفقر) . انظر: ابن منظور، اللسان (ج 11، ص 815) . (5) يحيى بن ادم، الخراج (ص 36، 37، 38) (الزهري) . الواقدي، المغازي (ج 1، ص 378) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 70) . البلاذري، فتوح (ج 2، ص 27) . (6) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 496) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 215) . البلاذري، فتوح (32) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 نسائهم وذراريهم وأخذ أموالهم «1» فحكم النبي صلّى الله عليه وسلم بذلك، وقسم أموالهم غنيمة بين المسلمين، فكان للفارس ثلاثة أسهم؛ للفرس سهمان، ولفارسه سهم، وللراجل سهم واحد، ومضت هذه السنة في تقسيم الغنائم منذ ذلك اليوم في مغازي الرسول صلّى الله عليه وسلم «2» . وفي (6 هـ) غنم المسلمون غنائم من بني المصطلق، فقسمها النبي صلّى الله عليه وسلم على المجاهدين الذين شاركوا فيها «3» . وفي السنة السابعة، غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر وغنم من أموالها «4» ، وقد أشارت الاية الكريمة إلى ذلك فقال تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح: 20] ، فخمس رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها بين المجاهدين «5» . أما الأرض فقد سأله أهل خيبر أن يبقيها بأيديهم، ويعاملهم على نصف الثمر ثم قال لهم: «نقركم ما أقركم الله على أنّا إذا شئنا إخراجكم أخرجناكم» «6» ، وبقيت في أيديهم طيلة حياة النبي صلّى الله عليه وسلم وطيلة خلافة أبي بكر الصديق ثم جاء عمر فنزعها من أيديهم وأخرجهم من جزيرة العرب «7» . ويظهر في هذه الغزوة (7 هـ) وظيفة إدارية مالية أخرى، فقد استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم عبد الله ابن رواحة (ت 8 هـ) على خرص الثمر بينه وبين يهود خيبر، واستيفاء نصفه كل سنة «8» ،   (1) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 512) . ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 240) . البخاري، الصحيح (ج 5، ص 44) . البلاذري، فتوح (ص 32) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 587) . (2) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 522) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 244) . أبو عبيد، الأموال (ص 163) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 53) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 591) . قدامة، الخراج (ص 257) . (3) يحيى بن ادم، الخراج (ص 37- 40) . أبو عبيد، الأموال (ص 173- 176) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 64) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 13- 15) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 258، 259) . (4) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 669) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 337) . البلاذري، فتوح (ص 33) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 9) . (5) الزهري المغازي، (ص 84) . الواقدي، المغازي (ج 2، ص 669) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 337) . البلاذري، فتوح (ص 33) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 9) . (6) مسلم بشرح النووي (ج 10، ص 108) . (7) الزهري، مغازي (ص 84) . ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 356) . مسلم بشرح النووي (ج 10، ص 209) . البلاذري، فتوح (ص 40) . ابن حجر، فتح الباري (ج 16، ص 81) . (8) الزهري، المغازي (ص 84، 85) . أبو يوسف، الخراج (ص 51) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 354) . أبو عبيد، الأموال (ص 108) . البلاذري، فتوح (ص 35) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 20) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 222) . الخرص: «إذا حزر ما عليها من تمر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فخرص عبد الله بن رواحة خيبر أربعين ألف وسق «1» . ويبدو أن عبد الله كان خبيرا بخرص الثمر، وربما كان وجوده في يثرب- وهي أرض ثمر وزراعة- قد أكسبه هذه الخبرة، فاختاره النبي صلّى الله عليه وسلم للقيام بهذه المهمة، وفي هذا دلالة على تقديم أصحاب الخبرة على غيرهم في مثل هذه الوظائف، ومن هنا فقد ذكرت الروايات أن عبد الله (ت 58 هـ) كان حاذقا حازما في خرصه، نزيها عادلا في حكمه، فحاول اليهود أن يرشوه فأهدوا إليه مالا فرده عليهم وقال: «لم يبعثني النبي صلّى الله عليه وسلم لأكل أموالكم، وإنما بعثني لأقسم بينكم وبينه، ثم قال: إن شئتم عملت وعالجت وكلت لكم النصف، وإن شئتم عملتم وعالجتم وكلتم النصف، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض» «2» وفي فترة لاحقة- بعد استشهاد عبد الله في مؤتة (8 هـ) - بعث النبي صلّى الله عليه وسلم سهل بن خيثمة، والصلت بن معد يكرب، وفروة بن عمرو، فخرصوا ثمر في سنين متعاقبة «3» . واستعمل النبي صلّى الله عليه وسلم فروة بن عمرو على غنائم خيبر حتى قسمها على مستحقيها «4» ، ويبدو أن هذه المعاملة ليهود خيبر قد استهوت بقية المناطق في شمال الجزيرة، فعندما علم أهل «فدك» بذلك، طلبوا مصالحة النبي صلّى الله عليه وسلم على ما صالح عليه أهل خيبر، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلم إليهم (محيصة بن مسعود) ، فصالحهم تاركا الأرض بأيديهم معاملة على نصف ما تخرج من ثمر «5» ، وصارت فدك فيئا خالصا للرسول صلّى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء؛ لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب «6» . وفي السنة السابعة للهجرة أتى النبي صلّى الله عليه وسلم وادي القرى، فدعا أهلها إلى الإسلام فرفضوا ذلك، فقاتلهم النبي صلّى الله عليه وسلم حتى فتحها عنوة، وغنم الرسول صلّى الله عليه وسلم الأموال والمتاع والأثاث، فخمس الرسول صلّى الله عليه وسلم ذلك، وتركت الأرض بيد أهلها وعاملهم على أساس ما عامل به أهل خيبر وأهل فدك «7» .   (1) أبو عبيد، الأموال (ص 109) . (2) الزهري، المغازي (ص 84) . أبو يوسف، الخراج (ص 51) . البلاذري، فتوح (ص 35) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 222) . (3) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 400) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 107) . المقريزي، إمتاع (ص 302- 323) . (5) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 707) . أبو عبيد، الأموال (ص 173- 176) . البلاذري، فتوح (ص 41) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 20) . الماوردي، الأحكام (ص 170) . (6) السيوطي، لباب النقول (ص 208) . (7) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 711) . البلاذري، فتوح (ص 47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 أما أهل تيماء فهناك رواية عند الواقدي (207 هـ) والبلاذري (ت 279 هـ) تشير إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم صالحهم على الجزية، ولكن يبدو أن هذه الرواية غير دقيقة؛ إذ إن الجزية فرضت في السنة التاسعة للهجرة، في حين صالح النبي أهل تيماء في السنة (7 هـ) ، فلعل كلمة (جزية) دخلت إلى النص في فترة متأخرة أو أن الصلح على تيماء جاء متأخرا في السنة التاسعة للهجرة «1» . وهكذا يلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد اتخذ بعض التدابير العملية بالنسبة إلى الأرض التي دخلت في نطاق الإسلام في الجزيرة العربية، وكانت عادة تدابير تناسب وضع الأمة الجديدة ومهمتها في الحصول على الأراضي وتوفر الأيدي العاملة، لقد أصبحت هذه الأراضي التي دخلها الإسلام في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم عشرية «أي فرض عليها العشر» إن كانت تروى بصورة طبيعية. ويؤخذ عليها نصف العشر إن كانت تسقى بطريق الي (الابار والقنوات والأنهار) «2» وفي رمضان (8 هـ) تم فتح مكة، ولم يغنم النبي صلّى الله عليه وسلم مالا، إذ منّ على أهلها وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» » ، وفي نفس الوقت وقعت غزوة حنين، وغنم المسلمون مغانم كثيرة، من الأغنام والسبي والأموال فيذكر اليعقوبي (ت 292 هـ) : أن المسلمين قد غنموا اثني عشر ألف ناقة «4» ، وقال الواقدي (ت 207 هـ) : «كان السبي ستة الاف، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير، وكانت الغنم لا يدرى عددها، قد قالوا أربعين ألفا ... » ، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم قد غنم فضة كثيرة أربعة الاف أوقية» «5» أي ما يقارب مائة وستين ألف درهم «6» . خرج النبي صلّى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم إلى الجعرانة. وجعل عليه مسعود بن عمرو القاري، وبعد أن جاء وفد هوزان إلى النبي صلّى الله عليه وسلم رد إليهم السبي من النساء والذرية «7» ، أما الغنائم المنقولة من الأموال والإبل والغنم، فقد خمست هذه الغنائم، ووزعت بقية   (1) البطانية، الحياة الاقتصادية (ص 18) . (2) الدوري، في التنظيم الاقتصادي، مجلة العلوم الاجتماعية، (ص 75) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 415) . وانظر: الواقدي، المغازي (ج 2، ص 835) . البلاذري، فتوح (ص 575) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 60) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 61) . (4) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 63) . (5) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 943، 944) . (6) القضاة، بيت المال (ص 24) . (7) ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 488) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 63) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 82) . الجعرانة: اسم مكان قريب من مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الأخماس على المقاتلين باستثناء الأنصار. وأعطى النبي صلّى الله عليه وسلم بعض المؤلفة قلوبهم من الخمس «1» . ويلاحظ أن مصلحة الأمة المسلمة كانت العامل الأول المتبع في توزيع غنائم حنين، فقد أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يستميل قلوب رجالات قريش الذين أسلموا حديثا، كما أراد أن يستميل قلوب زعماء القبائل، من أمثال الأقرع بن حابس (ت 31 هـ) وأبي سفيان بن حرب (ت 32 هـ) وغيرهم «2» . أما الذين يأخذون من أموال «الغنيمة والفيء» من غير المحاربين، فكانوا عدة أصناف، منهم النساء والصبيان والعبيد، فذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أنه شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر (7 هـ) نساء من نساء المسلمين فرضخ لهن «3» ، وقال عمير مولى أبي اللخم: «شهدت خيبر وأنا عبد مملوك، لما فتحها النبي صلّى الله عليه وسلم أعطاني سيفا، فقال: تقلد هذا، وأعطاني من فرث المتاع ولم يضرب لي بسهم» «4» . وكان للشهداء نصيب من غنيمة الغزوة التي شاركوا فيها يعطى لذريتهم، فقد ضرب الرسول صلّى الله عليه وسلم لمن استشهد في بدر (2 هـ) من الغنيمة؛ منهم سعد بن خيثمة ومن ذلك يقول ابنه عبد الله: «أخذنا سهم أبي الذي ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قسم الغنائم، وحمله إلينا عويمر بن ساعدة» «5» ، وضرب الرسول صلّى الله عليه وسلم لرجلين قتل أحدهما ومات الاخر لكل منهما بسهم في غنائم بني قريظة (5 هـ) «6» ، وأسهم لرجل من المسلمين قتل بخيبر «7» ، يقول الأوزاعي (ت 157 هـ) : «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسهم لرجل من المسلمين قتل بخيبر فاجتمعت أئمة الهدى على الإسهام لمن مات أو قتل» «8» .   (1) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 944- 948) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 90) . (2) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 688) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 342) (ابن إسحاق) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 113) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 90، 91) (ابن إسحاق) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 342) (ابن إسحاق) . الرضخ، العطية القليلة وفي الحديث «أمرنا له برضخ» . انظر: ابن منظور، اللسان (ج 3، ص 19) . (4) أبو يوسف، الخراج (ص 198) . الواقدي، المغازي (ج 2، ص 684) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 102) . (6) م. ن (ج 2، ص 521) (قالوا) . انظر: هاني (أبو الرب) ، العطاء في صدر الإسلام، رسالة ما جستير، إشراف: عبد العزيز الدوري، الجامعة الأردنية، (1985 م، ص 25، 26) . (7) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 684) (قالوا) . (8) الشافعي، الأم (ج 7، ص 318) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أما «النساء والصبيان» الذين يحضرون الغزوات فيساهمون في جلب الماء وإسعاف الجرحى، فكان يرضخ لهم من الغنيمة «1» ، قالت امرأة من غفار: «شهدت مع رسول الله خيبر فرضخ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الفيء، فأخذت هذه القلادة في عنقي فأعطانيها» «2» . وتعدّ «الجزية» موردا مهمّا من موارد بيت المال، وهي تتعلق بالأعباء المالية لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي بوصفهم جميعا أبناء وطن واحد ينعمون به ويتحملون تبعاته. اختلف في أول جزية أخذها الرسول صلّى الله عليه وسلم فذكر الزهري (ت 124 هـ) أن «أول من أعطى الجزية أهل نجران» «3» وفي رواية للشعبي (ت 103 هـ) أن أول ما فرض الرسول صلّى الله عليه وسلم الخراج على أهل هجر «4» . وقد أخذت الجزية في السنة التاسعة بعد أن نزلت الاية الكريمة: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة: 29] «5» وتشير المصادر إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم تجهز للقاء الروم في تبوك (9 هـ) ولكنه لم يجد أحدا، فصالح أهلها على دفع الجزية «6» ، وقدم عليه- وهو في تبوك- يحنة بن روبة صاحب أيلة، فصالحه على دفع ثلاثمائة دينار كل سنة، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا، وكان عددهم يومئذ ثلاثمائة رجل «7» . وصالح النبي صلّى الله عليه وسلم «أهل أذرح» على مائة دينار في كل رجب، وصالح أهل   (1) مالك بن أنس (ت 179 هـ) ، المدونة الكبرى، بغداد، مكتبة المثنى، طبعة بالأوفست، (1323 هـ) ، (ج 2، ص 6) . أبو يوسف، الخراج (ص 198) . الشافعي، الأم (ج 4، ص 165) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 432- 443) (ابن إسحاق) . (3) أبو عبيد، الأموال (ص 46) . (4) أبو يوسف، الخراج (ص 129) . (5) انظر: الزمخشري، الكشاف (ج 2، ص 72) . ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) ، تفسير القران العظيم، القاهرة، دار الكتب العربية، د. ت (ج 2، ص 346، 347) . (6) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 990- 992) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 525- 528) . البلاذري، فتوح، (ص 79، 80) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 100) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 525) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 119) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 682) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 820، 821) . البلاذري، فتوح (ص 79) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 68) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 «جرباء» على الجزية «1» . وصالح أهل مقنا على ربع ثمارهم وكتب لهم النبي صلّى الله عليه وسلم كتابا بذلك «2» . ثم جاء خالد بن الوليد بأكيدر الكندي ملك دومة الجندل أسيرا فحقن النبي صلّى الله عليه وسلم دمه، وصالحه على دفع الجزية «3» . وتذكر المصادر أن بعض وفود العرب جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم معلنة إسلامها، فأقرهم النبي صلّى الله عليه وسلم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأرضهم، ووجّه إليهم عماله يعلمونهم الإسلام، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يرسل إلى ولاته كتبا يفصل لهم فيها أحكام الجزية، ذكرت المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل إلى معاذ بن جبل واليه على اليمن كتابا جاء فيه « ... ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتتن عنها، وعليه الجزية، وعلى كل حالم دينار واف أو قيمته من المعافر أو عوضه ثيابا» «4» . وصالح النبي صلّى الله عليه وسلم أهل تبالة وجرش، وجعل على كل حالم من أهلها دينارا، واشترط عليهم ضيافة المسلمين، وأقرهم على ما أسلموا عليه «5» وفي السنة العاشرة جاء وفد نجران، فصالحهم النبي صلّى الله عليه وسلم على الجزية، وكانت تشمل ثيابا وسلاحا وضيافة «6» ، ودخل اليهود مع النصارى في الصلح، ولم يفرق بين العجم والعرب «7» ، يقول البخاري (ت 256 هـ) : إن النبي صلّى الله عليه وسلم صالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب   (1) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 1031) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 525) . أبو عبيد، الأموال (ص 287، 288) . البلاذري، فتوح (ص 80) . (2) انظر: نص الكتاب في: الواقدي، المغازي (ج 3، ص 1032) . أبو عبيد، الأموال (ص 287، 288) . البلاذري، فتوح (ص 80) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (33) ، (ص 120) . (3) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 1027) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 526) . البلاذري، فتوح (ص 82) . أكيدر: هو أكيدر بن عبد الملك وهو من زعماء غسان، وكان نصرانيّا. (4) انظر نص المعاهدة في: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 589) . البلاذري، فتوح (ص 92، 93) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 80، 81) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 120) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 275) . (5) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 754) . ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 588) . البلاذري، فتوح (ص 79) . وانظر: محمد ضيف الله البطانية، في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية «الحياة الاقتصادية في صدر الإسلام» عمان، دار الفرقان، (1407 هـ، 1987 م) ، (ص 20) . (6) انظر نص المعاهدة في: أبي يوسف، الخراج (ص 72، 73) . البلاذري، فتوح (ص 87، 88) . اليعقوبي، تاريخ (ص 830) . حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (94) ، (ص 175، 176) . بلغ ثمن الحلل المأخوذة من أهل نجران ما يقارب 80000 درهم في السنة، انظر: زكريا القضاة، بيت المال في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم (بحث غير منشور) ، ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) ، (ص 27) . (7) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 117) ، (ج 5، ص 217) . وانظر: الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 392) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وعجم، وصالح أهل اليمن وفيهم عرب وعجم «1» ، ويذكر يحيى بن ادم (ت 203 هـ) كتب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم (ت 51 هـ) ومعاذ بن جبل (ت 19 هـ) وفيها التأكيد على فريضة الجزية على جميع أهل الكتاب ممن يقيمون في هذه البلاد «2» . وذكرت المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) إلى البحرين ليدعو أهلها إلى الإسلام أو الجزية «3» ، فصالح أهلها من مجوس هجر والبحرين واليمن، وعاملهم معاملة أهل الكتاب «4» ، قال أبو يوسف (ت 182 هـ) : «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد قبل من مجوس أهل البحرين الجزية وأقرّهم على مجوسيتهم» «5» ، «كما فرض الجزية دينارا أو قيمته من المغافر على كل من بلغ الحلم من مجوس اليمن رجلا كان أو امرأة» » . ويلاحظ أن القران لم يشرع تشريعا مفصلا في الجزية، وأن ما اتخذ من إجراات عملية كانت عبارة عن مجموعة تدابير تتصف بالمرونة وبمراعاة مقتضى الحال، فقد راعى طريقة خضوع البلاد بالقوة أو الصلح، ولاحظ حالتهم المعيشية «7» وقدرتهم المالية، والمحصول أو الصناعة التي اشتهروا بها. ذكر ابن سلام (ت 224 هـ) أن أموال الجزية كانت ترد على العاصمة، فيقوم النبي صلّى الله عليه وسلم بتوزيعها على مستحقيها «8» وذكرت الروايات أن أبا عبيده بن الجراح أتى بمال من البحرين، فوضعه في المسجد حتى وزعه النبي صلّى الله عليه وسلم «9» . وتعدّ «الزكاة» من أهم موارد بيت مال المسلمين، فرضت في السنة الثانية من الهجرة لتكون أحد أركان الإسلام الخمسة، وقد قرنت في القران الكريم بالصلاة «10» .   (1) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 117) ، (ج 5، ص 217) . قدامة، الخراج (ص 273) . (2) يحيى بن ادم، الخراج (ص 72- 73) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 595، 596) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 263) . البلاذري، فتوح (ص 97) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 82) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 278) . (4) الشافعي، الأم (ج 4، ص 173) . أبو عبيد، الأموال (ص 44- 46) . وابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 263) . البلاذري، فتوح (ص 97) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 275) . (5) أبو يوسف، الخراج (ص 15) . (6) أبو عبيد، الأموال (ص 38- 52) . (7) الدوري، نظم (ص 99) . (8) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 119) . (9) أبو عبيد، الأموال (ص 46) . (10) انظر: سورة البقرة: (الايات: 43، 83، 110، 177، 277) . وسورة النساء: (الايات: 77، 162) . وسورة المائدة: (الايات 12- 55) . وسورة الأعراف: (الاية: 156) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ويكفي الاطلاع على مصادر الحديث لمعرفة مدى اهتمام الإسلام بهذا الركن الاجتماعي البارز، فحذر النبي صلّى الله عليه وسلم من منعها، وحث على أدائها؛ تطهيرا للنفس من الشح والبخل، وإعانة للمحتاجين والفقراء «1» . إن البحث في التراتيب الإدارية التي اتبعها النبي صلّى الله عليه وسلم في جمع الزكاة وحفظها وإنفاقها، يظهر أنه قد أنشأ جهازا إداريّا كبيرا لجمع الزكاة وصرفها، وكان ينفق على هؤلاء من واردات الزكاة ذاتها «2» ، وتشير الاية الكريمة إلى ذلك: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ [التوبة: 60] . لقد قام النبي صلّى الله عليه وسلم بتدريب عماله على الصدقات حتى أصبحوا مثالا للنزاهة والشرف والأخلاق في العمل «3» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يزودهم بتوجيهاته وتعليماته، فيذكر ابن سلام (ت 224 هـ) ما جاء في كتابه إلى معاذ بن جبل (ت 19 هـ) وهو في اليمن حيث جاء فيه: « ... إن الله فرض عليكم من أموالكم صدقة ... فإن أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم، وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ولا ستر» «4» ، وكتب النبي صلّى الله عليه وسلم مجموعة من الكتب إلى قبائل العرب بيّن فيها فرائض الصدقة وشروطها «5» . ويلاحظ أن تحصيل وتوزيع الزكاة تطلّب من الدولة دقة اختيار العاملين بحيث تتوافر فيهم خشية الله ويقظة الضمير وحسن السيرة؛ ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلم معظّما شأن هذه الوظيفة: «العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله» «6» . ذكرت لنا المصادر عددا كبيرا من «عمال الصدقات» الذين بعثهم النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الجهات المختلفة من الدولة، فبعث المهاجر بن أبي أمية (ت 12 هـ) إلى صنعاء «7» ، وزياد ابن لبيد الأنصاري (ت 41 هـ) إلى حضرموت «8» ، وعدي بن حاتم (ت 67 هـ) إلى   (1) انظر: البخاري، الصحيح (ج 2، ص 130- 133) . مسلم، صحيح (ج 2، ص 680- 685) . النسائي، السنن (ج 5، ص 66، 67، 75، 78) . (2) القضاة، بيت المال (ص 35) . (3) العدوي، نظم (ص 193، 194) . (4) أبو عبيد، الأموال (ص 551، 552) . (5) انظر: ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 263- 265، 270) . (6) أحمد، المسند (ج 3، ص 465) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 349) . ابن ماجه، السنن (ج 1، ص 578) . الترمذي، الصحيح (ج 3، ص 144) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 301) (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . فتوح (ص 93) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 147) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 قبيلة طيّئ «1» ، وعمرو بن العاص (ت 43 هـ) إلى عمان حيث تقطن قبيلة أزد «2» ، وخالد بن سعيد (ت 14 هـ) إلى مراد ومذحج «3» ، وعلي بن أبي طالب (ت 39 هـ) إلى نجران على الصدقات والجزية «4» ومعاذ بن جبل (ت 19 هـ) إلى اليمن على الصدقات والجزية «5» وعمرو بن حزم (ت 51 هـ) إلى نجران على الصدقات والأخماس «6» وفي رواية للبلاذري (ت 279 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان بن حرب (ت 32 هـ) إلى نجران «7» ، فربما كان ذلك في سنة تالية لبعث عمرو بن حزم، وبعث مالك بن نويرة (ت 12 هـ) على صدقات بني حنظلة «8» ، وفرّق صدقات بني سعد على رجلين منهم، فبعث الزبرقان بن بدر (ت 45 هـ) على ناحية منها، وقيس بن عاصم على ناحية أخرى «9» ، وبعث ابن اللتبية- رجلا من بني أسد- إلى بني سليم «10» ، وأبا موسى الأشعري (ت 43 هـ) على صدقات عدن والساحل «11» ، والعلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) إلى البحرين على الصدقات والجزية «12» وقد بعث العلاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ثمانين ألفا ما أتاه أكثر من قبل ولا بعد «13» ، وأبان بن سعيد (ت 15 هـ) على البحرين بعد العلاء «14» وعبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ) على صدقات كلب «15» ، وعتبة   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 322) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 301) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 531) . (4) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 147) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . أبو عبيد، الأموال (ص 551، 552) . البخاري، الصحيح (ج 2، ص 158) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 81) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 121) . (6) البلاذري، فتوح (ص 95) . (7) م. ن (ص 94) . وانظر: ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 301) . (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . خليفة، تاريخ (ج 1، ص 63، 64) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 147) . ابن حزم، جوامع (ص 24، 25) . (9) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 147) . (10) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 160) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 218) . (11) البلاذري، فتوح (ص 93، 94) . المقريزي، إمتاع (ص 509، 510) . (12) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . البلاذري، فتوح (ص 107- 111) . (13) البلاذري، فتوح (ص 107، 111) . (14) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 600) . (15) خليفة، تاريخ (ج 1، ص 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ابن حصن على صدقات فزارة «1» ، والوليد بن عقبة (ت 61 هـ) على صدقات بني المصطلق «2» ، والحارث بن عوف على بني مرة «3» ، ومسعود بن رحيلة على أشجع وبني عبد الله بن غطفان وبني عبس «4» والأعجم بن سفيان البلوي على عذرة وسلامان وبلى من جهينة» ، وقيس بن عاصم المنقريّ على قضاعة وبطون أسد وغطفان بن صعصعة «6» ، وعباس بن مرداس (ت 18 هـ) على بني سليم «7» وعجز هوازن جشم ونصر وثقيف وسعد بن بكر «8» ، وحذيفة بن اليمان (ت 36 هـ) على صدقات أزد دباء فيما بين عمان والبحرين «9» . ويلاحظ من خلال جريدة الأسماء التي أوردتها المصادر مقدار حجم هذا الجهاز (العاملين عليها) الذي كان يقوم بجمع الأموال المستحقة على أموال المسلمين، ويلاحظ أيضا أن ولاية الصدقات قد تجمع لشخص واحد، مثل عمرو بن حزم (ت 51 هـ) على البحرين «10» ، أو تجميع ولاية الصدقات والجزية لشخص واحد مثل علي بن أبي طالب (ت 39 هـ) ومعاذ بن جبل (ت 19 هـ) «11» ، أو أن الوالي نفسه يقوم بجمع الصدقات وإرسالها إلى النبي صلّى الله عليه وسلم مثل أبي موسى الأشعري (ت 43 هـ) ، والعلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) وغيرهم «12» . لقد كان عامل الصدقات يؤدي مهمته مرة في السنة لفترة معينة إلا أن يكون مستقرّا في المنطقة التي أرسل إليها لكونه واليا عليها أو زعيما من زعماء القبائل فكان يجمع بين وظيفتين في ان واحد «13» . وينتظر من عامل الصدقة أن يقوم بجمع المبالغ المستحقة على أموال الأغنياء وتوزيعها على المستحقين (الأصناف الثمانية المذكورة في اية الصدقات) في منطقة عمله أولا،   (1) م. ن (ج 1، ص 63، 64) . (2) م. ن (ج 1، ص 63، 64) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1553) . (3) خليفة، تاريخ (ج 1، ص 63، 64) . (4) م. ن (ج 1، ص 63، 64) . (5) م. ن (ج 1، ص 63، 64) . (6) م. ن (ج 1، ص 63، 64) . (7) م، ن (ج 1، ص 63، 64) . (8) م. ن (ج 1، ص 63، 64) . (9) ابن سعد، الطبقات (ج 7، ص 101) . (10) البلاذري، فتوح (ص 95) . (11) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 158) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 121، 147) . (12) البلاذري، فتوح (ص 94) . (13) القضاة، بيت المال (ص 36) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وهذا واضح من كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى ملوك حمير، إذ جاء فيه «إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاله، إنما هي زكاة تزكون بها أموالكم، هي لفقراء المسلمين والمؤمنين» «1» ، وفي كتابه إلى معاذ قال له: «فإن أجابوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» «2» . أمّا ما زاد عن الحاجة في منطقة والي الصدقة فكان يبعث به إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم في المدينة ليتم توزيعه على من يأتي من ذوي الحاجة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض الأحيان يبعث إلى عمّاله ليمدوه بالمال اللازم لمواجهة مشكلة طارئة أو حاجة ملحة «3» ، فقد كتب إلى العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) «أما بعد: فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوي من يقبض منه ما اجتمع عنده من الجزية، فعجله بها، وابعث معها ما اجتمع عندك من الصدقة» «4» ، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم قد كتب إلى المنذر بن ساوى (ت 11 هـ) : « ... أما بعد: فإني بعثت إليك قدامة وأبا هريرة فادفع لهما ما اجتمع عندك من جزية» «5» . وكانت طريقة تحصيل الزكاة تتم بدفع مبلغ الزكاة إلى عامل الصدقة عندما يمر عليهم، وكانت طريقة الإقرار المباشر هي الوسيلة الأولى المتبعة في تقدير الزكاة من قبل عامل الصدقة، من توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلم في هذا الشأن «إن حقّا على الناس إذا قدم عليهم المصدق أن يرحبوا به ويخبروه بأموالهم كلها، ولا يخفوا عنه شيئا فإن عدل فسبيل ذلك، وإن كان غير ذلك واعتدى لم يضر إلا نفسه» «6» . وفي هذا توجيه إلى طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المزكين والعاملين على الصدقة القائمة على الود والحب، لا التوتر والكراهية. واتبع جباة الرسول صلّى الله عليه وسلم في تحصيلهم للزكاة طريقة «التقدير الجزافي» وهو ما عرف باسم «الخرص أو التخمين» «7» وهذا يتم في حالة تقدير محصول الثمار، لأنها الطريقة الوحيدة الممكنة، ولقد أحاط الإسلام عملية الخرص بضوابط تحفظ حق الزكاة ولا تجحف بالمزكين، يشعر بذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «خففوا الخرص فإن في المال   (1) البلاذري، فتوح (ص 94) . (2) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 159) . (3) القضاة، بيت المال (ص 37) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 263) . (5) م. ن (ج 1، ص 263) . (6) أبو عبيد، الأموال (ص 558) . (7) الخرص: حزر ما على النخيل من الرطب تمرا، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يبعث الخراص على نخيل خيبر عند إدراك ثمرها فيحزرونه. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 7، ص 21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الوصية والعرية والواطئة والنائبة» «1» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم ينفق من مال الصدقة على الأعراب لسدّ حاجاتهم، وحمل الدماء عنهم، وهذا ضمن الأصناف الثمانية التي ذكرتهم الاية ... وَالْغارِمِينَ ... [التوبة: 60] «2» وذكر أبو عبيد (ت 224 هـ) قول قبيصة بن المخارق: «أنه جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسأله أن يعينه في حمالة (الدية) ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أقم حتى تأتينا الصدقة، فإما أن نعينك، وإما أن نحملها عنك» «3» ، ويعقب أبو عبيد على ذلك بقوله: «قبيصة من أهل نجد وليس من أهل الحاضرة، ولا ممن هاجر إلى المدينة، فرأى له رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن حمل الدماء، لإصلاح الفتق حقّا من مال الصدقة» «4» . لم يلجأ النبي صلّى الله عليه وسلم إلى فرض ضرائب إضافية- بأي شكل من الأشكال- بل كان يدعو إلى التبرع كلما احتاجت الدولة إلى ذلك، وتذكر المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم حذر من إرهاق الرعية بالضرائب، فقال: «لا يدخل الجنّة صاحب مكس» «5» ، وقال: «إن صاحب المكس في النار» «6» ، وقال: «إذا لقيتم عاشرا فاقتلوه» «7» أما «الخراج» - أي ضريبة الأرض- فقد وردت في معاجم اللغة بمعنى الإتاوة والجزية والمال المفروض على الأرض «8» ، والخرج والخراج واحد، وهو شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم، والخراج غلة العبد والأمة «9» ، وقال الزجاج (ت 311 هـ) : «الخراج: الفيء، والخراج: الضريبة والجزية، وقيل للضريبة التي فرضت على رقاب أهل الذمة: «خراج» «10» وجاء الخراج بمعنى الكراء والأجر والثواب» «11» . وأما المدلول الاصطلاحي لكلمة «خراج» فلا يخرج من المدلول اللغوي، إذ   (1) الوصية: ما يوصي به أربابها، العرية: ما يعرى للصلات، الواطئة: ما تأكله السابلة منهم، النائبة: ما ينوب صاحبها من الحوائج. انظر: الماوردي، الأحكام السلطانية (ص 117) . (2) راجع سورة التوبة (اية: 60) . (3) أبو عبيد، الأموال (ص 328) . (4) م. ن (ص 329) . (5) أبو عبيد، الأموال (ص 704، 705) . أحمد، المسند (ج 4، ص 143، 150) الدارمي، السنن (ج 1، ص 393) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 349) . (6) أبو عبيد، الأموال (ص 704، 705) . أحمد، المسند (ج 4، ص 109) . (7) أبو عبيد، الأموال (ص 704، 705) . أحمد، المسند (ج 4، ص 224) . (8) الفيروز أبادي، القاموس (ج 1، ص 191) . ابن منظور، اللسان (ج 2، ص 251، 252) . (9) المصادر والصفحات نفسها. (10) المصادر والصفحات نفسها. (11) أبو عبيد، الأموال (ص 268) . الماوردي، الأحكام (ص 142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 جاءت على ألسنة الفقهاء، بمعنى الفيء، من ذلك قول أبي يوسف (ت 182 هـ) : «فأمّا الفيء يا أمير المؤمنين فهو الخراج عندنا، أي خراج الأرض» «1» ووردت في مكان اخر بمعنى جزية الرأس «2» . ويعد ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلم بأهل خيبر هو الخراج بمفهومه العام؛ إذ إن المصطلح لم يكن شائعا بمعناه المعروف فيما بعد. والخراج بمعناه الاصطلاحي لم يعرف إلا في زمن عمر بن الخطاب «3» ، إلا أن الضريبة التي أطلق عليها عمر اسم «الخراج» أخذها الرسول صلّى الله عليه وسلم من أهل الذمة قبل نزول اية الجزية، وقبل فرض عمر بن الخطاب لها في سواد العراق، وأن هذا الاضطراب في فهم هذه المسألة مرجعه إلى كثرة الاراء الفقهية التي ظهرت حول أنواع الضرائب، وأنواع الأراضي ما بين خراجية وعشرية إلى غير ذلك «4» .   (1) أبو يوسف، الخراج (ص 23) . (2) الماوردي، أحكام. وانظر: صالح درادكة، الجزية والخراج في صدر الإسلام، ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) . (بحث غير منشور) (ص 11، 12) . (3) انظر: عبد العزيز الدوري، نظام الضرائب في صدر الإسلام، مجلة مجمع اللغة العربية، دمشق، (1974 م) ، مجلد (49) ، (ج 2، ص 44- 60) . (4) درادكة، الجزية والخراج (ص 19، 20) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الفصل الرابع الإدارة المالية ثالثا: تنظيم شؤون الزراعة لقد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان أهلها أصحاب مزارع، فحاولوا أن يشركوا المهاجرين في الزراعة، فيذكر البخاري (ت 256 هـ) قول الأنصار للنبي صلّى الله عليه وسلم: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: «لا» ، فقال عليه السلام: «تكفونا المؤونة ونشرككم في التمر» ، قالوا: سمعنا وأطعنا «1» ، ويفيد هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد للمهاجرين أن يتفرغوا للدعوة والجهاد؛ لأن أعمال الزراعة تحتاج إلى وقت كبير بحيث لا يتناسب مع وضع المهاجرين. وذكرت المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم أقطع بعض أصحابه أرضا كي تستعمل في الزراعة، فقد أقطع الزبير بن العوام (ت 36 هـ) أرضا بالمدينة» ، وأقطع عليّا عيونا بينبع، وعمل علي فيها بنفسه «3» ، وربما كان ذلك في فترة متأخرة من حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم؛ إذ استقر وضع المهاجرين وفتحت مكة وسائر أنحاء الجزيرة. وتشير المصادر إلى أن هذه القطائع كانت من الموات الأرض، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يهدف من خلالها إلى «التأليف على الإسلام» وكان ممن أقطع لهذه الغاية زعماء القبائل، من أمثال فرات بن حيان «4» ، والعباس بن مرداس السّلمي (ت 18 هـ) وغيرهما «5» ، وكان هناك نوع من الإقطاع لغرض «إحياء الأرض الموات» فأقطع أبيض ابن حمال المازني الملح الذي بمأرب «6» وسليط الأنصاري أقطعه أرضا ليحييها، ولكنه عاد واستأذن الرسول صلّى الله عليه وسلم بالتخلي عنها فأقطعها الزبير «7» ، وأقطع الزبير (ت 36 هـ) ،   (1) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 39) . وانظر: مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 99) . (2) انظر: حميد الله، مجموعة الوثائق (ص 319) . (3) عمر بن شبة، أبو زيد عمر بن شبة البصري (ت 262 هـ) ، كتاب تاريخ المدينة، تحقيق فهيم محمد شلتوت، المدينة المنورة، (1393 هـ) ، (ج 2، ص 222) . (4) أبو عبيد، الأموال (ص 387، 388، 395) . ابن زنجويه، حميد بن مخلد بن قتيبة الخرساني (ت 251 هـ) ، الأموال، تحقيق شاكر ذيب فياض (ط 1) الرياض، مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، (1406 هـ، 1986 م) (ج 2، ص 613) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 273) . (6) ابن ادم، الخراج (ص 107) . ابن زنجويه، الأموال (ج 2، ص 630) . قدامة، الخراج (ص 216) . (7) أبو يوسف، الخراج (ص 61) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 215، 216) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وأبا بكر (ت 13 هـ) ، وعمر (ت 23 هـ) ، وسهيل بن حنيف، وعبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ) عامرا ومواتا من أموال بني النضير، وتشير بعض الروايات أنه أقطعه غامرا، وهي الأرض الخراب التي لا يبلغها الماء «1» . وكانت هناك بعض الإقطاعات لغرض «السكن» ، فقد أقطع النبي صلّى الله عليه وسلم لبني زهرة من ناحية مؤخرة المسجد، وجعل للزبير بن العوام بقيعا واسعا، وجعل لطلحة بن عبيد الله موضع داره، وكذلك فعل بالنسبة إلى أبي بكر وعثمان وغيرهم من الصحابة «2» . لقد تراوحت صيغ هذه القطائع بين «إني أقطعتك» «3» و «هذا ما أعطى» «4» «وأن لهم» «5» و «ما وهب» «6» و «هب لي» «7» و «أن له» «8» ، ولم تشر المصادر إلى مساحة هذه القطائع، وإن كان بعضها قد أشار إلى أنها قدر رمية السهم «9» أو غدوة الغنم «10» . لقد استطاعت الإدارة النبوية أن تحقق هذه الأهداف مجتمعة، ولكن في كل الحالات لم يقطع النبي صلّى الله عليه وسلم أحدا حقّا لمسلم أو لجماعة، بل كانت من الأراضي التي لم يكن لها مالك «11» ، فيروي ابن سعد (ت 230 هـ) أن حريث بن حسان الشيباني سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا بالدهناء، خاصة دون تميم، وكانت الدهناء مرعى لبني بكر بن وائل وتميم، فوافق الرسول صلّى الله عليه وسلم وهمّ بالكتابة إليه، إلا أن امرأة تدعى قيلة بنت مخرمة كانت في وفد تميم قالت لرسول الله: إنه لم يسألك السوية في الأرض إذ سألك، فقال: «أمسك يا غلام» «12» واسترجع النبي صلّى الله عليه وسلم ملح مأرب الذي   (1) الشيباني، محمد بن الحسن (ت 189 هـ) ، كتاب السير الكبير، إملاء محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق عبد العزيز أحمد، معهد المخطوطات، جامعة الدول العربية، (1972 م) ، (ج 2، ص 611) . (2) ابن الفقيه، مختصر (ص 23) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 270) . (3) انظر: ابن زنجويه، الأموال (ج 2، ص 630) . (4) ابن منظور، محمد بن مكرم (ت 711 هـ) ، مختصر تاريخ دمشق، تحقيق روحية النحاس، دمشق، دار الفكر، (1984 م) ، (ج 2، ص 344، 345) . (5) م. ن (ج 2، ص 335) . (6) الحلبي، السيرة (ج 3، ص 273) . (7) أبو عبيد، الأموال (ص 288) . (8) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق (ج 2، ص 331، 332، 346) . (9) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق (ج 2، ص 334) . (10) م. ن (ج 2، ص 335) . (11) انظر: محمد خريسات، القطائع في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، (بحث غير منشور) ، ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) ، (ص 13) . (12) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 319) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أقطعه أبيض بن حمّال؛ لاشتراك الناس في الملح «1» . لقد اهتم النبي صلّى الله عليه وسلم بتنظيم أمور الزراعة اهتماما كبيرا فأمر باستغلال الأراضي الزراعية، فقال: «من أحيا أرضا ميتة فله أجر، وما أكلت العانية منها فله منها صدقة» «2» ، وكره النبي صلّى الله عليه وسلم أن يمسك أحد أرضا دون استغلالها، فقال: «من كانت له أرض فليحرثها، فإن كره أن يحرثها فليمنحها أخاه، فإن كره أن يمنحها أخاه فليدعها» «3» . لقد وضعت الإدارة النبوية حوافز كبيرة لاستغلال الأراضي وإصلاحها، ووضعت قواعد شرعية سارت عليها الأمة، فقال: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» «4» وروى البخاري (ت 256 هـ) عن عائشة (ت 56 هـ) قالت: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من أعمر أرضا ليست لأحد فهي له» «5» . ويلاحظ من خلال تفحص كتب الحديث المعتمدة اهتمام النبي صلّى الله عليه وسلم بالزراعة حتى إن البخاري (ت 256 هـ) أفرد بابا في صحيحه سماه: «باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه» وقد أورد قوله: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» «6» ، وروى الإمام أحمد (ت 241 هـ) قوله عليه السلام: «لو قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألايقوم حتى يغرسها فليفعل» «7» . كانت هناك مجموعات من الناس تعمل في الزراعة، ففي المدينة كان الأوس والخزرج يعملون بالزراعة بأنفسهم وبالاستعانة بغيرهم، ويبدو أن قبائل المدينة لم تكن تأنف الزراعة، كما كانت تأنفها القبائل العربية الاخرى «8» ، أما اليهود فكانوا أصحاب مزارع ونخيل، وكان لديهم من الخبرة ما يجعلهم يتفوقون على غيرهم في الزراعة «9» ، حتى إن النبي صلّى الله عليه وسلم ترك في أيديهم خيبر ووادي القرى وفدك يزرعونها على الشطر فيما   (1) ابن ادم، الخراج (ص 107) . أبو عبيد، الأموال (ص 390) . ابن زنجويه (ج 2، ص 630) . خريسات، القطائع (ص 29) . (2) الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام (ت 255 هـ) ، سنن الدارمي، دار إحياء السنة النبوية، د. ت (ج 2، ص 267) . العانية: هي الطير وغيرها ممن له روح. (3) م. ن (ج 2، ص 270) . (4) ابن حجر، فتح الباري (ج 10، ص 84) . (5) م. ن (ج 10، ص 86) . (6) م. ن (ج 10، ص 67) . (7) أحمد، المسند (ج 3، ص 191) . (8) عبد العزيز بن إبراهيم العمري، الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم (ط 1) (1405 هـ، 1985 م) ، (ص 114) . (9) أبو عبيد، الأموال (ص 581) . البلاذري، فتوح (ص 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 يخرج منها «1» . وكان هناك من الموالي من يعمل بالزراعة، ولهذا فإن النبي صلّى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف (سنة 9 هـ) ، وأعلن عتق من ينزل إليه من الموالي، نزل إليه ثلاثة وعشرون عبدا من موالي الطائف «2» ، وكانت هناك مجموعات من الأحباش تعمل في حقول المدينة، وقد خرج هؤلاء ولعبوا بحرابهم فرحا بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة «3» . لقد نظمت الزراعة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم تنظيما كبيرا، فقد زرع النخيل في بساتين سميت بالحوائط «4» ، وأوردت المصادر عددا من أسماء هذه الحوائط، منها حوائط مخيريق (ت 3 هـ) السبعة «5» ، وحائط أبي الدحداح الذي تصدق به على المسلمين» ، وكانت هذه الحوائط تحوي نظاما دقيقا للري، إذ تحفر في وسطها الابار الخاصة، وتوضع عليها السواقي، فتقوم السواقي بإخراج الماء فتصبه في القنوات التي تتخلل النخيل أو الأشجار فتسقيها، وكانت هذه البساتين محاطة بأسوار تمنع دخول الناس أو البهائم، ولهذا أطلق عليها اسم «الحوائط» «7» . قام الأنصار بإدارة هذه البساتين بالتعاون مع بعض الأرقاء والأجراء والأجزاء، فكانوا يقومون بحراثتها وزراعتها واستغلالها، وكان البعض الاخر يؤجر هذه البساتين بطريق المزارعة؛ وذلك لعدم قدرتهم على زراعتها «8» . ويلاحظ أن أصحاب هذه البساتين كانوا يأخذون أجرتها إما جزا من ثمرها كما أخذ النبي صلّى الله عليه وسلم من أهل خيبر «9» ، وإما ذهبا وفضة، فقد روى الدارمي (ت 255 هـ) قول سعد بن أبي وقاص: «كنا نكري الأرض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما على   (1) أبو يوسف، الخراج (ص 50، 51) . أبو عبيد، الأموال (ص 431) . مسلم بشرح النووي (ج 10، ص 208) . البلاذري، فتوح (ص 34) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 15) . (2) ابن هشام، السيرة (ج 2، ص 485) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 356، 357) . (3) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 3، ص 386) . (4) ابن منظور، لسان العرب (ج 7، ص 279، 280) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 262) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 88، 89) . (6) ابن حجر، الإصابة (ج 4، ص 59) . (7) العمري، الحرف والصناعات (ص 119، 120) . (8) ومن هذا الباب أعطى النبي صلّى الله عليه وسلم خيبر لليهود لزراعتها واستغلالها على أن له الشطر من ثمرها. (9) انظر: أبو يوسف، الخراج (ص 50، 51) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 337) . أبو عبيد، الأموال (ص 431) . مسلم بشرح النووي (ج 10، ص 208) . البلاذري، فتوح (ص 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 السواقي من الزرع، وبما سقي من الماء منها، فنهانا رسول صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، ورخص لنا في أن نكريها بالذهب والورق» «1» . لقد تدخلت الدولة في تنظيم شؤون الزراعة، وذلك بتنظيم المعاملات، وحل المشكلات المترتبة على العلاقات الزراعية بين أصحاب الأرض أنفسهم، أو بينهم وبين المستأجرين، فقد ورد في كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لثقيف ما نصه: «وما سقت ثقيف من أعناب قريش فإن شطرها- أي شطر ثمرها- لمن سقاها» «2» وذكر البخاري (ت 256 هـ) قول جابر بن عبد الله (ت 74 هـ) : «كانت لرجال فضول أراضين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانوا يؤجرونها على الثلث والربع والنصف، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: «من كانت له فضل أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه» «3» ، كما تعرض النبي صلّى الله عليه وسلم للمشكلات المتعلقة بأمور الرّي وسقي المزروعات، وتوزيع المياه على المزارعين، كما هو واضح من قصة الزبير بن العوام (ت 36 هـ) ، والأنصاري عندما تنازعا في الشرب «4» ، وقضى بمثل ذلك في مياه سيل مهزور ومزينب وبطحان- وهي من السيول التي كانت تسقي المدينة- فقضى لأهل النخل حصتهم من الماء أن يبلغ الماء إلى العقبين، وقضى لأهل الزرع أن يبلغ الماء إلى الشراكين، ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم «5» .   (1) الدارمي، السنن (ج 2، ص 271) . (2) أبو يوسف، الخراج (ص 89) . أبو عبيد، الأموال (ص 277) . (3) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 141) . وانظر: أبو يوسف، الخراج (ص 89) . البيهقي، السنن (ج 6، ص 28) . (4) الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 118) . النسائي، السنن (ج 4، ص 238، 239) . الماوردي، الأحكام (ص 77) . النويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 268) . الشوكاني، نيل الأوطار (ج 9، ص 177) . (5) أبو يوسف، الخراج (ص 90) . يحيى بن ادم، الخراج (ص 106، 107) . السرخسي، المبسوط (ج 23، ص 13) . البيهقي، السنن (ج 6، ص 153، 154) . الماوردي، الأحكام (ص 77) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الفصل الرابع الإدارة المالية رابعا: تنظيم شؤون التجارة حمل المسلمون المهاجرون إلى المدينة معهم نزعة قريش التجارية، فيذكر البخاري (ت 256 هـ) أن عبد الرحمن بن عوف (ت 34 هـ) ما كاد يصل إلى المدينة حتى سأل عن السوق، وبدأ يبيع ويشتري حتى جمع مالا فتزوج «1» ، وكان عمر بن الخطاب (ت 23 هـ) ممن يتاجر بالسوق حتى قال: «ألهاني الصفق بالأسواق» «2» . لقد شعر النبي صلّى الله عليه وسلم في وقت مبكر بضرورة إنشاء سوق تجارية للمسلمين، يستطيع من خلالها أن يخلص الاقتصاد المدني من سيطرة اليهود وجشعهم «3» ، وكانت هذه السوق مكشوفة، وتباع فيها منتوجات المدينة والبوادي المجاورة وما يأتي إليها من الخارج، وذلك في إطار إجراات شرعية تنظيمية كان على التجار الالتزام بها «4» ، فقد منعت الدولة بيع السلع المحرمة (مثل الخمرة، والخنزير) «5» ومنعت جميع أنواع الربا «6» . ونهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن بيع التصرية «7» فقال عليه السّلام: «من اشترى شاة مصراة أو لقحة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام ... » «8» ، ونهى عن الاحتكار فقال: «لا يحتكر إلا خاطئ» «9» وعن بيع الثمار قبل أن   (1) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 39، 88) . (2) م. ن (ج 3، ص 72، 86) . (3) عمر بن شبة، تاريخ المدينة (ج 1، ص 304) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 751) . (4) إبراهيم بيضون، تجارة المدينة في صدر الإسلام، (بحث غير منشور) ، ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) ، (ص 19) . (5) انظر ايات تحريم الخمرة والخنزير: البقرة (اية: 173، 219) ، المائدة (اية: 3، 90، 91) ، الأنعام (اية: 145) . وانظر أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلم في: البخاري، الصحيح (ج 6، ص 67) . الترمذي، الصحيح (ج 3، ص 565) . (6) أنواع الربا: أ- ربا التفاضل: وهو بيع الكيل من التمر الجيد بالكيلين أو الثلاثة من رديء التمر. ب- ربا العينة: وهو أن يشتري شخص سلعة من اخر بثمن معلوم إلى أجل، ويقبض المشتري السلعة ثم يعود ويبيعها من صاحبها بثمن أقل من الثمن الذي اشتراها به، ثم يأخذ ثمنها نقدا على سبيل الدين. انظر: الشافعي، الأم، (ج 3، ص 14، 15) . وانظر ايات تحريم الربا في: البقرة (اية: 275- 278) . وانظر أحاديث تحريم الربا في: البخاري، الصحيح (ج 3، ص 92) . مسلم بشرح النووي (ج 5، ص 2) . (7) انظر تفاصيل ذلك: البطانية، الحياة الاقتصادية (ص 33) . (8) البخاري، الصحيح (ص 93) . الدارمي، السنن (ج 2، ص 251) . (9) الصنعاني، المصنف (ج 8، ص 202) . الترمذي، الصحيح (ج 3، ص 567) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 يبدو صلاحها (ثمار) «1» ، كما نهى عن أن يبيع حاضر لباد «2» ، ونهى عن النجش «3» وتلقي الركبان قبل وصولهم إلى السوق «4» ، وعن بيع الملامسة «5» ، والمنابذة «6» ، والمزابنة «7» ، ونهى عن السمسرة «8» ، والخداع «9» ، والغش «10» ، والحلف «11» ، إلى غير ذلك من التشريعات التي نظمت عمليات البيع والشراء في سوق المدينة. قامت الدولة بمنع التمايز بين التجار أو الخصومة، فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بإحراق خيمة أقامها أنصاري في السوق «12» ، وذلك حتى لا يظهر مميزا عن بقية التجار، وكانت توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلم تقضي بضرورة التسامح بين المتابعين فقال: «رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى» «13» ، وتشير الاية الكريمة إلى هذا الخلق فقال تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280] . وذكر البخاري (ت 256 هـ) قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» «14» . كان النبي صلّى الله عليه وسلم يراقب شؤون السوق بنفسه، وطلب منه بعض الصحابة أن يحدد تسعيرة المواد المعروضة في السوق، فذكر الدارمي (ت 255 هـ) رد النبي صلّى الله عليه وسلم على هؤلاء بقوله: «إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر، وإني أرجو أن ألقى ربي   (1) الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 229، 230) . ابن حجر، فتح الباري (ج 9، ص 213) . (2) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 94) . الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 227) . (3) النجش: بأن يزيد في السلعة ولا يريد شراءها. انظر: البخاري، الصحيح (ج 3، ص 91) . الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 229، 230) . (4) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 95) . الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 227- 229) . (5) الملامسة: وهو اللمس باليد كأن يقول: إذا لمست المبيع وجب البيع. انظر: البخاري، الصحيح (ج 3، ص 91) . مسلم بشرح النووي (ج 5، ص 2) . (6) المنابذة: بأن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينذر إليه الاخر بثوبه دون تراضى أو نظر. انظر: البخاري، الصحيح (ج 3، ص 92) . مسلم بشرح النووي (ج 5، ص 2) . (7) المزابنة: وهو شراء التمر بالتمر وهو على رؤوس النخل، ينظر: مسلم بشرح النووي (ج 5، ص 16، 17) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 658) . الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 332) . (8) السمسرة: وهو أن يتوكل الرجل من الحاضرة للبادية فيبيع ما يجلبونه. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 4، ص 380) . (9) الدارمي، السنن (ج 2، ص 248) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 55) . (10) م. ن (ج 2، ص 248) . م. ن (ج 6، ص 55) . (11) الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 214) . (12) السمهودي، وفاء الوفا (ج 2، ص 249) . بيروت، طبعة إحياء التراث العربي. (13) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 57) . (14) م. ن (ج 3، ص 77) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه بدم ولا مال» » . وترد إشارة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم في فترة لاحقة ولى عمر بن الخطاب أمر السوق في المدينة، في حين ولى سعيد بن العاص أمر السوق في مكة «2» . ولقد قامت الدولة بتنظيم شؤون التجارة، فكان لابد من كتابة الديون كنوع من التوثيق من أجل حفظ حقوق الاخرين، وتشير الاية الكريمة إلى ذلك فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ... [البقرة: 282] وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يكتب ما يبيعه وما يشتريه فيذكر البخاري (ت 256 هـ) نص هذا الكتاب، حيث جاء فيه «هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، اشترى عبدا أو أمة (شك الراوي) لا داء ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم للمسلم» «3» . وكانت المرونة والحرية والانفتاح سمة من سمات الدولة في فترة الرسالة، حيث سمح للمسلمين بالتعامل التجاري بحرية حتى مع الكفار، روى البخاري (ت 256 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم اشترى شاة من مشرك «4» ، وتبايع مع اليهود واقترض منهم فقد اشترى النبي صلّى الله عليه وسلم طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد «5» . أما «النقود المتداولة» في فترة الرسالة، فكانت تتمثل في «الدينار» «6» وهو عملة مضروبة في بيزنطة من الذهب الخالص «7» ، وكان الناس يتعاملون به وزنا إذا كثر، وعدّا إذا قل، وقد أقر الرسول صلّى الله عليه وسلم التعامل مع هذه الدنانير على ما كانت عليه في الجاهلية، وكان «الدرهم» «8» من النقود التي تعامل بها الناس، وهو مضروب في   (1) الدارمي، الصحيح (ج 2، ص 249) . (2) الحلبي، السيرة (ج 3، ص 345) . (3) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 67) . الترمذي، الصحيح (ج 5، ص 220، 221) . حميد الله، مجموعة الوثائق (ص 317) . داء: العيب الباطن في السلعة. غائلة: المغيبة أو المسروقة. الخبثة: الضالة. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 11، ص 509) ، (ج 14، ص 289) . (4) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 105) . (5) م. ن (ج 3، ص 74، 168) . (6) سمير شما، النقود المتداولة في عصر الرسول وعصر الخلفاء الراشدين، بحث مقدم إلى الندوة الثالثة لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، جامعة الرياض، (1402 هـ، 1982 م) ، (ص 5، 6) . (7) الدينار، يزن (4، 25) جرام من الذهب. انظر: شما، النقود المتداولة (ص 6) . (8) الدرهم، يساوي ستين شعيرة. انظر: الريس، الخراج (ص 363) . صبحي الصالح، النظم (ص 427) . شما، النقود المتداولة (ص 6) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 بلاد فارس، وكانت هذه الدراهم تختلف من حيث الوزن والحجم اختلافا كبيرا مما أدى إلى أن يتعامل الناس بها وزنا لا عدّا «1» . ويلاحظ أن الدرهم كان مستعملا بشكل كبير، ولذا فقد كان صداق الرسول صلّى الله عليه وسلم لنسائه- في الغالب- خمسمائة درهم «2» . لقد امتهن بعض الصحابة مهنة «الصيرفة» اتضح ذلك من قول بعض الصحابة: «كنا تاجرين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسألناه عن الصرف، فقال: «إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسّاء فلا يصلح» «3» ، ويذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلم اعتمد سعر السوق اليومي في الصيرفة، روى أبو داود (ت 275 هـ) قول ابن عمر (ت 68 هـ) : «قلت: يا رسول الله إنى أبيع الإبل بالنقيع، فأبيع بالدنانير واخذ الدراهم، وأبيع الدراهم واخذ الدنانير، اخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء» «4» ، وهذا يوضح مدى انتشار هذه المهنة في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم. أما «الأوزان والمكاييل» المستعملة في هذه الفترة، فهي ذاتها التي عرفت قبل الإسلام ولكنها أصبحت مراقبة ومحددة وفقا للمعيار الذي يفرضه صاحب السوق، فعرفت في مكة «الأوزان» لأن طبيعة التعامل يقوم على التجارة في حين عرفت المكاييل في المدينة؛ لأنها ذات طابع زراعي «5» ، وقد جاء في الحديث: «الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة» «6» ، واندرجات وحدات الكيل ما بين المد، والصاع، والوسق «7» والجريب، والقفير، الذي يستخدم أيضا- شأنه شأن الجرايب- كمقياس أرضي «8» ، وكذلك واحدات الوزن متفاوتة بين الدرهم والثقال   (1) البلاذري، فتوح (ص 652، 653) . وقال ابن منظور (ت 711 هـ) : تزن كل سبعة دنانير عشرة من الدراهم، والدنانير الكثيرة عند العرب إذا بلغت أربعة الاف سميت «قنطارا» . اللسان (ج، ص 119) . (2) ابن سلام، الأموال (ص 500) . الماوردي، الأحكام (ص 119) . وانظر: أبا يعلى، محمد بن الحسين بن الفراء (ت 458 هـ) ، الأحكام السلطانية، تحقيق محمد حامد الفقي (ط 3) بيروت دار الفكر، (1394 هـ، 1974 م) ، (ص 125) . (3) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 98) . (4) أبو داود، السنن (ج 3، ص 650، 651) . (5) بيضون، تجارة المدينة (ص 21- 22) . (6) أبو داود، السنن (ج 3 ص 633- 636) . النّسائي، السنن (ج 7، ص 284) . (7) الوسق، ستون صاعا بصاع النبي صلّى الله عليه وسلم. انظر: أبو يوسف، الخراج (ص 53) . (8) أبو يوسف، الخراج. والريس، الخراج (ص 290) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 والقيراط والأوقية والرطل والقنطار «1» ، والتي اعتبرت الواحدات الأساسية للوزن في العهد الأول «2» . وتشير الروايات إلى أنه كان يقوم بالأسواق من يزن للناس، وكانت هذه وظيفة خاصة، يقوم بها بعضهم مقابل الأجر، فقد روى الدارمي (ت 255 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم مر بالسوق، وكان لأهل السوق وزان يزن فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «زن وأرجح» «3» ، ووجدت هذه الوظيفة في سوق مكة، روى النّسائي (ت 303 هـ) عن سماك بن سويد أن قيسا قال: جلبت أنا ومخرقة العبدي بزّا من هجر فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن بمنى ووزان يزن بالأجر، فاشترى منا سراويل، فقال للوزان: «زن وأرجح» «4» ، ومما يشعر بوجود هذه الوظيفة في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم أن البخاري (ت 256 هـ) وضع بابا سماه «الكيل على البائع والمعطي» «5» وقد علق عليه ابن حجر (ت 854 هـ) بقوله: «أي مؤنة الكيل على المعطي، بائعا كان أو موفي دين أو غير ذلك، ويلتحق بالكيل في ذلك الوزن فيما يوزن» «6» . لقد كانت هذه التنظيمات تتناسب مع أهداف الإسلام العامة، في تحقيق معنى العدالة، وبناء مجتمع فاضل يقوم أساسه على الرحمة والحب والإخاء والتعاون.   (1) ابن منظور، اللسان (ج 5، ص 118، 119) . (2) بيضون، تجارة المدينة (ص 21، 22) . (3) الدارمي، السنن (ج 2 ص 260) . أبو داود، السنن (ج 3 ص 631) . الترمذي، الصحيح (ج 7، ص 284) . النّسائي، السنن (ج 6، ص 39، 40) . الكتاني، التراتيب (ج 2، ص 32) . (4) النّسائي، السنن (ج 7، ص 284) . (5) ابن حجر، فتح الباري (ج 9، ص 200) . (6) م. ن (ج 9، ص 200) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الفصل الرابع الإدارة المالية خامسا: تنظيم شؤون الصناعة اشتهرت يثرب قبل الإسلام بزراعتها وصناعتها، وبعد الهجرة قامت حركة عمرانية واسعة، ولعل من أولى أمور الصناعة التي اهتم بها المسلمون «صناعة البناء» إذ احتاج المهاجرون إلى مساكن يسكنونها في المدينة، فخط لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الخطط، وحدد لهم الأماكن التي يبنون عليها «1» . قام النبي صلّى الله عليه وسلم ببناء حجرات زوجاته، وذلك من اللبن وسقفت بجريد النخل وعلى الجريد شيء من الطين «2» ، تشير المصادر إلى مجموعة من الأبنية أسست بعد الهجرة منها المسجد النبوي الشريف بالإضافة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يخط المساجد في منازل القبائل المختلفة ويوجه لهم القبلة، ويختار الأرض الصالحة للمسجد، ويحددها لهم، فقد خط رسول الله صلّى الله عليه وسلم لجهينة مسجدهم في المدينة «3» ، ويذكر السهيلي (ت 581 هـ) أن مساجد القبائل كانت تسعة عدا مسجد رسول الله، وكلها تسمع أذان بلال وتصلي بأذانه «4» . لقد كان للنبي صلّى الله عليه وسلم مجموعة من التوجيهات التنظيمية في البناء استفاد منها الصحابة، كما أخذ عنها الفقهاء بعض الأحكام الفقهية مثل تقديم من يجيد العمل على من لا يجيده بصرف النظر عن تقوى كل منهم، فقد وفد رجل من بني حنيفة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وكان الرجل ممن يحسنون خلط الطين. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يعمل مع الصحابة في المسجد، فقال: «دعوا الحنفي فإنه أضبطكم للطين» «5» ، فأخذ المسحاة وأخذ يعالج الطين ويخلطه والرسول ينظر إليه ويقول: «إن هذا الحنفي لصاحب طين» «6» .   (1) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 270) . ابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان (ص 23) ، عمر بن شبة، تاريخ المدنية (ج 1، ص 246) . (2) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 3، ص 506) . (3) عصر بن شبة، تاريخ المدينة (ج 1، ص 63) . وانظر: العمري، الحرف والصناعات (ص 209) . (4) السهيلي، الروض (ج 4، ص 198) . (5) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 3، ص 489) ، الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 83) . (6) الغزالي، فقه السيرة (ط 7) القاهرة، دار الكتب الحديثة، (1976 م) ، (ص 190) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وأشارت الروايات إلى نوع اخر من البناء وهو بناء الخنادق، ولم يكن العرب يعرفون الخندق كخط دفاعي عن القرى والمدن إلا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم. فقد أشار سلمان الفارسي (ت 35 هـ) بحفر الخندق «1» فاقتنع النبي صلّى الله عليه وسلم بفكرة سلمان، وقام بنفسه بتحديد مواقع الحفر ومسير الخندق «2» جاعلا جبل سلع خلف ظهور المسلمين «3» . وحفر الرسول صلّى الله عليه وسلم ومن معه من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية، وتظهر إدارة النبي في تنظيم العمل بأن قسمه بين المسلمين لإنجاز الحفر في أقصر مدة ممكنة، فجعل لكل عشرة رجال منهم أربعين ذراعا «4» ، أي لكل رجل منهم أربعة أذرع، وقد تعاون المسلمون فكان كل من فرغ من عمله اتجه إلى مساعدة بقية إخوانه؛ لأن الأرض مختلفة من حيث سهولة الحفر وصعوبته، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يتجه لكسر الحجارة التي تستعصي عليهم في أثناء الحفر» . وقد استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم في الحفر مجموعة من الالات من المساحي والمكاتل، استعار بعضها من بني قريظة، بغرض إنجاز عملية الحفر في الوقت المحدد التي كانت ستة أيام فقط «6» . أما صناعة «النجارة» فقد اشتهرت في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم وكان النجارون يخدمون الأغراض العسكرية؛ وذلك باشتراكهم في صنع بعض الأسلحة، فصناعة الدبابة والمنجنيق تعتمد في الدرجة الأولى على النجارين، كما أن صناعة الرماح تدخل ضمنا في النجارة «7» ، ويلاحظ من خلال الروايات أن معظم من كانوا يجيدون النجارة هم في الغالب من الموالى؛ نظرا لنفور العرب واحتقارهم للصناعات وأنفتهم منها. لقد اعتبرت صناعة الأسلحة من أهم الصناعات في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكانت الإدارة النبوية قد اهتمت اهتماما خاصّا بهذه الصناعة، إذ إن الجهاد ونشر الإسلام يحتاج إلى القوة والسلاح؛ لذا نجد اهتماما خاصّا من النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسلاح وإعداده. كانت توجيهات النبي صلّى الله عليه وسلم للمسلمين لصناعة الأسلحة تقوم على حثهم على إتقان هذه الصناعة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن الله يدخل الثلاثة بالسهم الواحد الجنة،   (1) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 4، ص 514) . (2) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 4، ص 515) . (3) سلع: جبل بسوق المدينة. انظر: ياقوت، معجم (ج 3، ص 236، 327) . (4) السمهودي، وفاء الوفا (ج 1، ص 301) . (5) الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 497) . (6) المقريزي، إمتاع (ص 225) . (7) العمري، الحرف والصناعات (ص 231) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 صانعه يحتسب في صنعه الخير، والممد به، والرامي به» «1» . وقال: «ارموا واركبوا ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا» . وقال: «من ترك الرمي بعدما علّمه فقد كفر الذي علّمه» «2» . وقد وجه النبي صلّى الله عليه وسلم المسلمين وحفزهم على صناعة الرماح فقال: «بهذا القوس وبرماح القنا يمكّن الله لكم في البلاد وينصركم على عدوكم» «3» وقال: «ما سبقها- أي الرماح- سلاح إلى خير قط» «4» ، وقد حث الرسول صلّى الله عليه وسلم على المحافظة عليه وإجادته حتى في غير أوقات الحرب فقال: «ستفتح لكم الأرض وتكفوا المؤونة، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه» «5» . واشتهرت صناعة السيوف والخناجر، وكان الصحابة يشحذون سيوفهم بالحجارة «6» ، في حين استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم الدبابة في الهجوم وأرسل اثنين من الصحابة إلى جرش لكي يتعلموا صناعة الدبابات «7» ، وبالفعل استطاع هؤلاء صناعة أول دبابة فاستعملها النبي صلّى الله عليه وسلم في حصار الطائف «8» . ومن الصناعات المشهورة في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم صناعة «الحدادة» ، فيذكر البخاري (ت 256 هـ) أن خباب بن الأرت (ت 37 هـ) عمل حدادا في مكة «9» ، ومما يدل على كثرة الحدادين في هذه الفترة أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما فتح خيبر أحضر معه منها ثلاثين حدادا، وكان هؤلاء يقومون بصناعة ما يحتاج إليه الناس في حياتهم اليومية «10» . وكان هناك من يعمل «بالصياغة» واشتهر بذلك يهود بني قينقاع، يتضح هذا من   (1) الدارمي، السنن (ج 2، ص 205) . وانظر: السخاوي، محمد بن عبد الرحمن بن محمد (ت 902 هـ) ، القول التام في فضل الرمي بالسهام، مخطوطة مصورة في مركز المخطوطات، الجامعة الأردنية، ورقة (11) . (2) السخاوي، القول التام (ص 11) . (3) الدارمي، السنن (ج 2، ص 205) . (4) السخاوي، القول التام، ورقة (16) . (5) م. ن، ورقة (16) . (6) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 4، ص 286) . (7) هما عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة، هما من أشراف ثقيف. انظر: ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 476) ، (ج 3، ص 189) . (8) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 132) . (9) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 79) . وانظر: الشوكاني، محمد بن علي محمد (ت 1250 هـ) ، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (ط 3) بيروت، دار الفكر، (1393 هـ، 1979 م) ، (ج 3، ص 349) . (10) السهيلي، الروض الأنف (ج 3، ص 197) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 75) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 خلال ما ذكرته المصادر من أن النبي صلّى الله عليه وسلم وجد في حصونهم- بعد إخراجهم من المدينة- كثيرا من الات الصياغة «1» ، وقام هؤلاء بصناعة الحلي، واستخدام الذهب والفضة في علاج بعض الأعضاء البشرية التي تصاب في المعارك، ذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن عثمان بن عفان كان يربط أسنانه بالذهب «2» ، وروى ابن حجر (ت 852 هـ) أن الضحاك بن عرفجة «قد أصيب أنفه في إحدى المعارك، فصنع له أنف فضة، فأنتن، فأمره الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب» «3» ، وقام هؤلاء أيضا بصناعة الخواتم، وتحلية السيوف وتزيينها بالذهب أو الفضة تكريما للسلاح واعتزازا به «4» . حاولت الدولة في فترة الرسالة استغلال بعض مناجم المعادن الموجودة في الجزيرة العربية، فقد أقطع النبي صلّى الله عليه وسلم بلالا بن الحارث المزني معادن قبيلته، وهي من أعمال الفرع بالمدينة وكتب له بذلك كتابا «5» ، وهناك إشارة توضح أن النبي صلّى الله عليه وسلم أقطع معدن «الأحسن» قرب المدينة، و «بحران» بعض القبائل من أجل استغلالها وإفادة الدولة منها «6» . واشتهرت أيضا في المدينة صناعة «الخواصة» وهي نسج بعض الأدوات والأثاث من خوص النخيل، وقد تعلم سلمان هذه المهنة واتخذها حرفة يأكل منها «7» ، وظهرت مهنة «الخياطة» بشكل كبير، ذلك بأنّ المجتمع الإسلامي بدأ يتجه إلى الاستقرار الحضري، وهذه مرتبطة بشكل كبير بأهل الحضر، يتضح هذا من قول ابن خالدون (ت 808 هـ) : «وهذه الصناعة مختصة بالعمران الحضري؛ لأن أهل البدو يستغنون عنها، وإنما يشتملون الأثواب اشتمالا، وإنما تفصيل الثياب وتقديرها، وإلحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة وفنونها «8» » ومما يشير إلى وجود هذه المهنة في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم أن البخاري (ت 256 هـ) وضع بابا في صحيحه سماه «باب ذكر الخياط» «9»   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 179) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 481) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 58) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 66) . (3) ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 207) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 65) . (4) العمري، الحرف والصناعات (ص 223) . (5) أبو عبيد، الأموال (ص 398) . البلاذري، فتوح (ص 22) . ونص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بلالا بن الحارث أعطاه معادن القبيلة جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حقّا لمسلم» . وانظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (163) ، (ص 269) . (6) ياقوت، معجم (ج 1، ص 112، 341) . (7) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 2، ص 635) . (8) ابن خالدون، المقدمة (ص 411) . (9) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 79) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وذكر حديثا جاء فيه: أن خياطا دعا الرسول صلّى الله عليه وسلم لطعام صنعه، فقال أنس بن مالك (ت 91 هـ) : فذهبت مع رسول الله إلى ذلك الطعام «1» . ويبدو أن استجابة النبي صلّى الله عليه وسلم كانت ضرورية لإزالة الاحتقار لمثل هذه المهنة في نفوس العرب المسلمين. لقد كانت تقوم هذه الصناعات وتتطور- لا سيما الأسلحة- بتوجيه من الإدارة النبوية وإشرافها المباشر، وكان الهدف الذي أراده النبي صلّى الله عليه وسلم من خلال توجيهاته وتشجيعه للصناعة، أن تصل الأمة إلى درجة من الاكتفاء الذاتي لا سيما في الصناعات الاستراتيجية للدولة كالأسلحة وغيرها. ويمكن القول: إن التنظيمات في المجالات الاقتصادية تطورت بحيث أصبحت بعض المخالفات والجرائم والعلاقات الاجتماعية تعالج بطريقة اقتصادية، فرتبت المهور على الزواج «2» . وجعل لأهل القتيل دية في حالة القتل الخطأ «3» ، وجعل للمتضرر في جسمه وأعضائه حق التعويض عن الضرر الذي أصابه «4» إلى غير ذلك من التوجيهات التي تنظم علاقات الناس وحياتهم.   (1) م. ن (ج 3، ص 79) . (2) قال تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء: 4] . (3) قال تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً [النساء: 92] . وانظر: الشافعي، الأم (ج 6، ص 105) . (4) قال تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ... [المائدة: 45] . وانظر: الشافعي، الأم (ج 6، ص 119- 129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الفصل الرابع الإدارة المالية سادسا: تنظيم حفظ الأموال العامة كانت الأموال التي ترد إلى بيت المال في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم إما نقدية (ذهب، فضة، دينار، درهم) ، وإما عينية (مزروعات، ثمار، حيوانات) . ولكل صنف من هذه الأصناف مكان خاص تحفظ به. فأما «الأصول النقدية» فكانت تحفظ في بيت النبي صلّى الله عليه وسلم أو بيوت أصحابه، وتولى بعض الصحابة وظيفة حفظ هذه الأموال وكتابتها، فيذكر المسعودي (ت 345 هـ) أن الزبير بن العوام (ت 36 هـ) ، وجهيم بن الصلت كانا يكتبان أموال الصدقات «1» ، وقد حض الإسلام بشكل كبير على التوثيق، والكتابة في الأموال الخاصة «كالدين» «2» وهذا ينطبق بشكل أكثر أهمية على أموال الدولة العامة، ويتضح هذا من إشارة الجهشياري (ت 331 هـ) إلى أن حنظلة بن الربيع كاتب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقوم بحفظ وتسجيل ما يرد إلى بيت المال من واردات، ثم يرفع تقريره عن محتويات بيت المال في مدة أقصاها ثلاثة أيام، فيقوم النبي صلّى الله عليه وسلم بتوزيعها «فلا يبيت وعنده شيء عنه» «3» ويذكر البخاري (ت 256 هـ) في هذا الصدد أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أسرع فدخل بيته، فلما سئل عن سبب ذلك قال: «كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة، فكرهت أن أبيته فقسمته» «4» ، ويذكر مسلم (ت 261 هـ) أن قوما من مضر أتو النبي صلّى الله عليه وسلم فتمعر وجهه لما رأى بهم من الفاقة، فدخل بيته فلم يجد شيئا، ثم خطب الناس فطلب منهم التبرع لسد حاجتهم «5» . وتشير المصادر إلى أن توزيع الأموال لم يكن له موعد ثابت، فروى البخاري (ت 256 هـ) : «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتي بمال من البحرين- ثماني مائة ألف   (1) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 245، 246) . وانظر: ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 295) . الأنصاري، المصباح المضئ (ج 1، ص 114) . (2) راجع اية الدين سورة البقرة (اية: 282) . (3) الجهشياري، الوزراء الكتّاب (ص 12، 13) . وانظر: ابن مسكويه، تجارب الأمم (ص 292) . (4) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 140) . (5) مسلم بشرح النووي (ج 7، ص 102، 103) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 درهم- فقال: انثروه في المسجد فما قام من محله حتى أمضاه «1» ولكن في كل الأحوال كانت هذه الأموال توزع في مدة أقصاها ثلاثة أيام من تاريخ وصولها إلى المدينة» » . وكان التوزيع يتم بواسطة سجل تكتب فيه أسماء من يأخذون العطاء في المدينة، فقد ذكر الجاحظ (ت 255 هـ) : «أن حكيم بن حزام محا نفسه من الديوان بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «3» ، ويتضح ذلك من خلال ما ذكره ابن مالك الأشجعي: «أنه كان يدعى إلى العطاء من قبل عمار بن ياسر أيام رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «4» . أما «الأموال العينية» فكانت تجمع في مكان خاص تحت إشراف الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقد ذكر ابن سعد (ت 230 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يستعمل دار رملة بنت الحارث كبيت للمال يجمع فيه الأسرى والغنائم» «5» ، وذكر أحمد (ت 241 هـ) في مسنده قول دكين بن سعيد المازني: «أتينا النبي صلّى الله عليه وسلم وكنا أربعين راكبا وأربعمائة نسأله الطعام فقال لعمر: «اذهب فأعطهم» فقال عمر: يا رسول الله، ما بقي إلّا اصع من تمر ما أرى أن يقضي، قال: اذهب فأعطهم، قال سمعا وطاعة، فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجزته، ففتح» «6» ، ويفيد النص أن فائض المواد الغذائية كانت تحفظ في علية للرسول. وذكره البخاري (ت 256 هـ) : «أن هذه العلية كانت غرفة فوق مسجد وبيوت الرسول صلّى الله عليه وسلم وكان يخلو فيها أحيانا» وتشعر الرواية أن عمر كان يقوم بحفظ هذا الجزء من محتويات بيت المال. ويذكر ابن حجر (ت 852 هـ) «أن بلال بن رباح كان خازن رسول الله صلّى الله عليه وسلم «7» ، وكان يجيز الوفود بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويزودهم بجوائز نقدية وعينية «8» ، وذكر ابن سعد (ت 230 هـ) قول عطاء بن السائب أنه: «لما بويع أبو بكر بالخلافة أصبح غاديا إلى السوق، ومعه أثواب يتجر بها،   (1) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 119) . وانظر العسكري، الأوائل (ص 103) . (2) إشارة إلى حديث حنظلة: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم طلب منه أن يذكره بكل شيء لثالثه» . انظر: الجهشياري، الوزراء والكتاب (ص 12، 13) . (3) الجاحظ، العثمانية (ص 223) . وانظر: ابن الأثير، أسد الغابة (ج 2، ص 41) . (4) البيهقي، السنن (ص 346) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 161) . (6) أحمد، المسند (ج 4، ص 174) . وانظر: أبو داود، السنن (ج 5، ص 403) . حجزته: ثناء المنطق أو دكة السروال. انظر: الرازي، مختار الصحاح (ص 124) . (7) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 106) . (8) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 165) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فلقيه عمر بن الخطاب، فقال: كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟، قال: فمن أين أطعم عيالي؟، قال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة عامر بن الجراح..» «1» ويمكن القول من خلال مجموعة من النصوص السابقة: إنه لم يكن هناك وظيفة ثابتة تسمى «أمين بيت المال» لشخص معين، وإن كان تولاها بشكل كبير بتكليف من النبي صلّى الله عليه وسلم كل من بلال بن رباح وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح. وذكر أبو داود (ت 275 هـ) أنه كان للنبي (وكيل على أموال خيبر يحافظ عليها، ويعطي فيها بأمر الدولة، فقد ذكر قول جابر بن عبد الله (ت 74 هـ) الذي جاء فيه: «أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك اية، فضع يدك على ترقوته» «2» . وهذا يفيد بوجود علاقة سرية بين رسول صلّى الله عليه وسلم وبين وكيله «3» ، مما يدل على الدقة المتبعة في إدارة المال والمحافظة عليه، وتوثيق المصروفات التي يقوم بها الوكيل بأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم وكانت «الأنعام» تشكل جزا من الإيرادات العينية تؤخذ صدقة أو فيئا أو خمسا، فكانت تجمع في مكان خاص، ويقوم الرسول صلّى الله عليه وسلم بإحصائها ووسم ما للصدقة منها؛ لتميزه عن غيره، يتضح هذا مما رواه البخاري (ت 256 هـ) عن أنس بن مالك (ت 91 هـ) قال: «غدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم .... فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة» «4» . وكانت هذا الأنعام تمكث فترة معينة قبل قسمتها، وهذا يتطلب أن يهيئ لها مساحات واسعة لمعيشتها ورعيها، فظهر نتيجة لذلك ما يسمى «بالحمى» ، فحمى النبي صلّى الله عليه وسلم أرض النقيع «5» ، فكانت ترعى فيه الإبل والخيل المعدة للغزو في سبيل الله «6» . لقد راعت الدولة في «الحمى» ألايؤدي إلى التضييق على إبل المسلمين   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 299، 323، 333، 347، 256) . ابن الجوزي، تلقيح مفهوم الأثر (ص 128) . (2) ابن حجر، فتح الباري (ج 4، ص 304) . (3) أبو داود، السنن (ج 4، ص 48) ، وذكر ابن الأثير أن هذا الوكيل هو مروان بن الأجدع الانصاري. انظر: ابن الأثير، أسد الغابة (ج 4، ص 348) . (4) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 160) . (5) الشافعي، الأم (ج 4، ص 47) . أبو عبيد، الأموال (ص 417) . البلاذري، أنساب الأشراف، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت (ج 5، ص 38) . وانظر: صالح أحمد العلي، الحمى في القرن الأول الهجري، مجلة العرب، الرياض، (1389 هـ، 1969 م) ، مجلد (3) ، (ج 7، ص 577- 599) . قال الواقدي: والنقيع على بعد ليلتين من المدينة. وانظر: ياقوت، معجم البلدان (ج 5، ص 301، 302) . (6) أبو عبيد، الأموال (ص 417) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ومواشيهم، يقول الشافعي (ت 204 هـ) : «إنه بلد- أي النقيع- ليس بالوسيع حين حماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووضعه تحت الأحماء لا يضر بأهل المواشي حوله إذ كانوا يجدون فيما سواه سعة لأنفسهم، مواشيهم» «1» وتشير المصادر إلى أن الدولة كانت تستخدم هذه الإبل قبل تقسيمها في المصالح العامة، فذكر البخاري (ت 256 هـ) «أن ناسا من عرينة اجتووا المدينة أي لم يناسبهم جوها، فمرضوا فرخص لهم الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكان إبل الصدقة ليشربوا من ألبانها ويغيروا هواءها ففعلوا» «2» وروى أبو داود (ت 275 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم استخدم إبل الصدقة في الجهاد «3» . أما تنظيم حفظ المال في الأمصار فصورة غير واضحة وربما كانت بيوت الولاة والعمال أو المساجد هي الأماكن المعدّة لحفظ المال كما كان الأمر في عاصمة الدولة ذلك بأنّ كثيرا من هذه الأموال تحتاج إلى وقت طويل حتى يتم جمعها وتوزيعها، وكذلك لا تستحق الصدقة عليها في وقت واحد لاختلاف أنواعها ومواسمها.   (1) الشافعي، الأم (ج 4، ص 47) . (2) البخاري، الصحيح (ج 2، ص 16) . (3) أبو داود، السنن (ج 3، ص 653) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الإدارة في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلم الفصل الخامس الإدارة العسكرية أولا: التمويل. ثانيا: الخدمات المساعدة. ثالثا: القيادة. رابعا: التخطيط وأساليب القتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الفصل الخامس الإدارة العسكرية أولا: التمويل كان على المقاتل ابتداء أن يعد نفسه للجهاد فيشتري جمله أو حصانه ويشتري سلاحه ويحمل معه إذا خرج للقتال زاده ومتاعه «1» ، يذكر أنس بن مالك (ت 91 هـ) في حديثه عن معركة بدر (2 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم أمر من كان ظهره حاضرا بالخروج معه «2» وذكر عمرو بن العاص (ت 43 هـ) قال: «إنه بعث إليّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال: «خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني» فقال: «إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك» «3» وذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يأمر أهله أن يجهزوه عندما يخرج للجهاد «4» . لقد كان قلة إمكانات المسلمين تجعل بعض السرايا تخرج على الأقدام كما يتضح مما ذكره ابن سعد (ت 230 هـ) عن سعد بن أبي وقاص (ت 55 هـ) قوله عن سرية الخرار (2 هـ) : «فخرجنا على أقدامنا» «5» وهذا ما حصل في غزوة ذي العشيرة (2 هـ) إذ كان البعير يتعاقبه الرجلان والثلاثة «6» . وكان المقاتل يستعير- أحيانا- سلاحه من أحد الموسرين على أن يكون له النصف من الغنيمة «7» وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يأمر لمن لا يجد بجهاز من لا يخرج إلى الجهاد بسبب مرض أو غيره، فقد ذكر أنس بن مالك (ت 91 هـ) : أن فتى من الأنصار قال:   (1) عبد الرؤوف عون، الفن الحربي في صدر الإسلام، القاهرة، دار المعارف (1961 م) ، (ص 125) ، العدوي نظم (ص 313) . (2) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1510) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 277) . (3) ابن حجر، الإصابة (ج 3، ص 3) . وانظر أخبار هذه الغزوة في: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 625) . (4) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 101) (ابن إسحاق) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 11) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 7) الخرار: هو موضع بالحجاز، يقال: قرب الجحفة وقيل: واد من أودية المدينة. انظر: ياقوت، معجم البلدان (ج 2، ص 350) . (6) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 9، 10) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 599) قال: عن عصار بن ياسر، قال: «كنت وعلي بن أبي طالب رفيقين في هذه الغزوة» . (7) ابن عبد الحكيم، الحكم بن عبد الرحمن عبد الله (ت 257 هـ) ، فتوح مصر وأخبارها، ليدن (1920 م) ، (ص 63) . وانظر: عواد الجيش والقتال في صدر الإسلام (ط 1) الزرقاء، الأردن، مكتبة المنار (1987 م) (ص 100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الله، إني أريد الجهاد وليس لي مال أتجهز به، قال: «اذهب إلى فلان الأنصاري فإنه قد تجهز ومرض، فقل: إن رسول الله يقرئك السلام ويقول لك: ادفع إليّ ما تجهزت به» ، فقال له ذلك فقال: يا فلانة ادفعي إليه ما جهزتني به ولا تحبسي عنه شيئا فإنك والله إن حبست عنه شيئا لا يبارك الله لك فيه «1» . قال عفان: إن فتى من أسلم. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يحض الموسرين على تجهيز غيرهم من الفقراء فقال: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلّف غازيا في أهله بخير فقد غزا» «2» فاستجاب المسلمون لذلك، ففي تبوك (9 هـ) تصدق عثمان بألف دينار، وقدم ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها «3» فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك» «4» وذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن يامين بن عمير بن كعب النضري (صحابي) زود اثنين من البكائين بناضح له في تبوك «5» . وكذلك حمل العباس (ت 32 هـ) منهم رجلين وحمل عثمان ثلاثة، وتبرع عبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ) بأربعة الاف دينار وهي نصف ماله «6» ، وتبرع أبو بكر بماله البالغ أربعة الاف درهم وجاء عمر بنصف ماله «7» ، وتبرع طلحة في غزوات مختلفة حتى سماه الرسول صلّى الله عليه وسلم طلحة الجود أو طلحة الخير «8» ، وذكر الأصبهاني (ت 430 هـ) في حديثه عن تبوك أن ابن عوف حمل على خمسمائة فرس «9» ، كما قدم سعد بن عبادة (ت 12 هـ) مالا وكذلك محمد بن مسلمة، وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من التمر1» ، في حين أعان نوفل بن   (1) أحمد، المسند (ج 3، ص 207) . وانظر: صحيح مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1506) . (2) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1506) . النّسائي، السنن (ج 6، ص 46) . ابن حجر، فتح الباري (ج 12، ص 132) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 518) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 67) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 102) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1037- 1040) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 518) . ابن سعد، الطبقات (ج 7، ص 78) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 5، ص 4) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 518) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 102) (ابن إسحاق) . الناضح هنا: البعير الذي يستقى عليه الماء. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 2، ص 91) . (6) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 991) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 518) . اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 67) . وانظر: عواد الجيش والقتال (ص 101) . (7) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 991) . (8) م. ن (ج 3، ص 991) . (9) الأصبهاني، حلية (ج 1، ص 99) (الزهري) . (10) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 102) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1037- 1040) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الحارث (ت 15 هـ) بثلاثة الاف رمح «1» . وأوقف بعض المسلمين أموالهم في سبيل الله، فيذكر الشيباني (ت 189 هـ) أن المسلمين صاروا يوقفون الخيل وغيرها من الدواب في سبيل الله «2» . ويتضح مما ذكر الشيباني والماوردي أن دور المسلمين قد تحول- عند الحاجة- إلى تبني مسؤولية تحمل أعباء النفقة على الجيش وتجهيزه «3» ، فيذكر المقريزي (ت 845 هـ) أن النساء في غزوة تبوك تبرعن بحليهن حتى كنّ ينزعنها ويقدمنها تطوعا في سبيل الله، فقد قالت أم سنان الأسلمية: لقد رأيت ثوبا مبسوطا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم في بيت عائشة فيه مسك ومعاضد وخلاخل وأقرطة وخواتيم وقد ملئ بما بعثت به النساء ليعن في جهازهم «4» . وشكلت الغنائم جزا رئيسيّا في تجهيز المقاتلة وإمدادهم بالسلاح وغيره، فقد ذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن المسلمين في بدر ما رجع أحدهم يريد أن يركب إلّا وجد ظهرا حتى حصل بعضهم على البعير والبعيرين وألبس من كان عاريا وأصابوا طعاما من أزوادهم وأصابوا فداء الأسرى الذي أغنى كل عائل «5» ، وذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) قول عبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ) : «حتى إذا كان يوم بدر مررت بأمية بن خلف واقف مع ابنه علي اخذ بيده ومعي أدراع قد استلبتها» «6» وأخذ النبي صلّى الله عليه وسلم سلاحا كثيرا من بني قينقاع (3 هـ) «7» وفي بني النضير وجد من الحلقة خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا «8» وفي بني قريظة غنم المسلمون ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وخمسمائة ترس وجحفة «9» . وصالح أهل خيبر (7 هـ) على أن له الحلقة وسائر السلاح «10» وذكر ابن سعد (ت 230 هـ)   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 47) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 101) . (2) الشيباني، شرح السير الكبير (ج 4، ص 2079) . (3) الشيباني، شرح السير الكبير (ج 1، ص 139) . الماوردي، الأحكام (ص 214- 512) . (4) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 447) . وانظر: الكاندهلوي محمد يوسف محمد، حياة الصحابة (ط 1) حيدر أباد، مطبعة دائرة المعارف العثمانية (1386 هـ) ، (ج 1، ص 405) . عواد، الجيش والقتال (ص 101) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 26) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 20) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 24) . (6) الطبري، تاريخ (ج 2، ص 451) (ابن إسحاق) . (7) م. ن (ص 554) (ابن إسحاق) . (8) البلاذري، فتوح (ص 27) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 58) ابن القيم، زاد (ج 3، ص 129) . وابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 69، 70) . (9) الطبري، تاريخ (ج 2، ص 75) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 245) . (10) البلاذري، فتوح (ص 34) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 110) (ابن عمر) . وابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 179) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما أسر نوفل بن الحارث في بدر قال له: «افد نفسك برماحك التي بجدة» .. ففدى نفسه بها وكانت ألف رمح «1» . ولقد سمح للمقاتل باستخدام الأسلحة من الغنيمة قبل أن تقسم على أن يرد ذلك بعد انتهاء المعركة «2» ، يقول المقريزي (ت 845 هـ) : «وكان من احتاج إلى السلاح ليقاتل به يأخذه من صاحب المغنم ثم يرده إليه» «3» ، ويروي الواقدي (ت 207 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم وجد في حصن النطاة (في خيبر سنة 7 هـ) منجنيقا فاستعمله في القتال وكذلك وجدت الة للحرب في حصن صعب فاستعملت في المعركة «4» . وحاول النبي صلّى الله عليه وسلم أن يوفر السلاح عن طريق استعارة الأسلحة ففي غزوة هوازن (8 هـ) ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدرعا وسلاحا فأرسل إليه يقول: «يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا» فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: «بل عارية وهي مضمونة حتى نؤديها إليك» فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح «5» ، كما اقترض النبي صلّى الله عليه وسلم في حنين أربعين ألف درهم من عبد الله بن أبي ربيعة وردها له بعد عودته من المعركة «6» واقترض كذلك خمسين ألفا أخرى من صفوان بن أمية ثم ردها إليه «7» . وكان الشراء وسيلة أخرى لتوفير ما يحتاجه المسلمون من سلاح فقد أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم قسما من خمس ما غنمه من قريظة مع سعد بن زيد الأنصاري إلى نجد فباعهم واشترى بثمنهم خيلا وسلاحا «8» ، وذكر بريدة بن الحصيب (ت 63 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم اشترى في تبوك (9 هـ) ستة أبعرة فأرسل إلى أبي موسى فقال: «خذها فانطلق   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 31) . وانظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1512، 1513) . الذهبي، السيرة (ج 1، ص 199) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 2، ص 38) . (2) أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) غريب الحديث (ط 1) حيدر أباد، مجلس دائرة المعارف العثمانية (1385 هـ 1966 م) ، (ج 4، ص 457) . (3) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 223) . (4) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 647، 648) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 312- 318) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 103) . (5) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 234) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 244) . (6) الأصفهاني، حلية (ج 8، ص 375) . (7) ابن عساكر علي بن الحسين بن هبة الله (ت 571 هـ) ، تهذيب تاريخ دمشق، تهذيب: عبد القادر بدران (ط 1) دمشق المكتبة العربية د. ت (ج 1، ص 428) . (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 245) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 126) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 251) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 بها إلى أصحابك» «1» وذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن ينفقوا من أموالهم لشراء السلاح والعتاد لتجهيز الفقراء، فأعظم الناس النفقة فقام النبي صلّى الله عليه وسلم بتجهيزهم «2» . وكان من وسائل النبي صلّى الله عليه وسلم في الحصول على الأسلحة أن النبي صلّى الله عليه وسلم شرط على البعض في عقود الصلح التي عقدها على تزويد المسلمين بالأسلحة، فقد ذكر الزهري (ت 124 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم صالح بني النضير على أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة إلا الحلقة «3» ، وصالح النبي صلّى الله عليه وسلم أهل خيبر (7 هـ) «4» وأكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل «5» وأهل مقنا «6» وأهل نجران «7» على ترك السلاح أو دفعه كجزء من الجزية. لقد احتاج المقاتلة أيضا إلى الثياب فقام النبي صلّى الله عليه وسلم بالحصول عليه كذلك عن طريق معاهدات الصلح فكانت معاهدة نجران تنص على: «ألفي حلة: ألف حلة في صفر وألف حلة في رجب» «8» . وكذلك أهل مقنا «صالحهم على ربع ما اغتزلت نساؤهم» «9» . ووجد النبي صلّى الله عليه وسلم في خيبر خمسمائة قطيفة (نوع من الثياب) «10» . وجاء كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل (ت 19 هـ) في اليمن أنه طلب أخذ الجزية أو عدل ذلك من المعافر وهي نوع من الثياب «11» ، وكذلك ذكر أبو يوسف (ت 179 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم فرض على كل من بلغ الحلم من مجوس اليمن دينارا أو قيمته من المعافر «12» . أما الوسيلة الاخرى لتجهيز المقاتلة باللباس فهو ما يحصلون عليه من عدوهم، فذكر   (1) ابن حجر، فتح الباري (ج 8، ص 110) . (2) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 991- 994) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 40) . (3) أبو عبيد، الأموال (ص 14، 15) . البلاذري، فتوح (ص 27) . قدامة، الخراج (ص 257) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 554) (الواقدي) . (4) قدامة بن جعفر، الخراج (ص 258) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 319) . (5) م. ن (ص 270) . (6) البلاذري، فتوح (ص 80، 81) (الواقدي) . ابن حجر، فتح الباري (ج 3، ص 366) . (7) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 166) . البلاذري، فتوح (ص 85) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 271) . (8) البلاذري، فتوح (ص 85) . (9) م. ن (ص 80، 81) (الواقدي) . (10) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 318) . (11) البلاذري، فتوح (ص 67) (ابن إسحاق) . المعافر: حي من همذان وإليهم تنسب الثياب المعافرية. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 4، ص 590) . (12) أبو يوسف، الخراج (ص 78) . البلاذري، فتوح (ص 67) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 108) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ابن سعد (ت 230 هـ) : «أن الرسول صلّى الله عليه وسلم جمع أمتعة بني قريظة وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب» «1» ، وحصل المسلمون على المتاع كذلك في غزوة المريسيع (6 هـ) » ، وغزوة خيبر (7 هـ) «3» . وكان تجهيز الجيش بالطعام يتم بطرق متعددة. فقد كان التمر أغلب زاد الجند يضاف إليه السويق واللحوم مقددة أو طازجة، فكان المحارب يصطحب معه زاده في رحله، ذكر الواقدي (ت 207 هـ) : أن واثلة بن الأسقع الليثي (ت 83 هـ) عندما أراد الخروج مع رسول الله إلى تبوك فقال لأخته: جهزي أخاك جهاز غاز فإن الرسول صلّى الله عليه وسلم على جناح سفر، فأعطته مدّا من دقيق، فعجن الدقيق في الدلو، وأعطته تمرا فأخذه «4» وذكر أيضا أن الرجل في تبوك كان يحمل معه الدقيق والسويق والتمر «5» . وكان تبرع الموسرين بالطعام وسيلة أخرى لتوفير الطعام، فكان سعد بن عبادة خلال حصار بني النضير يأتي المسلمين بالتمر من عنده، كما أمد المسلمين بلحوم الإبل في غزوة حمراء الأسد (3 هـ) فكانوا ينحرون اثنين في يوم وثلاثة في يوم اخر «6» ، وذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن قيس بن سعد بن عبادة (ت 60 هـ) ابتاع في غزوة الخبط (8 هـ) جزورا ونحرها للمقاتلة «7» ، وذكر البلاذري (ت 379 هـ) أن عثمان بن عفان كفى ثلث الجيش مؤونتهم في الغزوة ذاتها «8» وكانت الغنيمة تشكل مصدرا أساسيّا في الحصول على الطعام، وكان العلف بمنزلة الطعام، إذ إن المقاتل مسؤول عن إطعام نفسه وركوبته؛ ولذا فقد سمح للمقاتلين باستخدام الطعام والعلف من الغنيمة «9» فذكر أبو مالك الأشعري قال: بعثنا رسول الله في سرية، وأمر علينا سعد بن أبي وقاص   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 54) . البلاذري، فتوح (ص 32، 33) (ابن عباس) . (2) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 198) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 331) (ابن إسحاق) . وابن حجر، فتح الباري (ج 13، ص 60) . الترمذي، الجامع (ج 3، ص 68) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 9) . (ابن إسحاق) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 109) . (4) الوقدي، المغازي (ج 3، ص 1028) . (5) م. ن (ج 1، ص 338) . (ج 3، ص 1038) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 109) . (6) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 338) . الحلبي، السيرة الحلبية (ج 3، ص 184) . عون، الفن الحربي (ص 106) . (7) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 132) . (8) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 368) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 447) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 110) . (9) الشيباني، شرح السير (ج 3، ص 1017- 1019) . الشافعي، الأم (ج 4، ص 260) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 483) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فسرنا حتى نزلنا منزلا. فقام رجل وأسرج دابته فقلت: أين تريد؟. قال: أريد العلف «1» . وفي سرية عبد الله بن جحش (1 هـ) إلى نخلة قالوا له: إنّا قد أقوينا (أنهكنا الجوع) فأعطنا من الغنيمة «2» . وذكر الشيباني (ت 189 هـ) أن المسلمين في خيبر أصابوا طعاما فأكلوا منه قبل أن تقسم، حيث نفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس والخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا في بطونهم «3» ، وفي هذا ذكر ابن عمر (ت 73 هـ) قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أدوا الخيط والمخيط، وكلوا، واعلفوا، ولا تحملوا» وذكر البخاري (ت 256 هـ) قول ابن عمر (ت 73 هـ) : كنا نصيب في معاركنا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه «4» . ويلاحظ أيضا أن بعض اتفاقيات الصلح قد تضمنت شرطا بضيافة رسل المسلمين أو من مر بهم من رسل المسلمين كما في صلح نجران «5» ، وتبالة وجرش «6» ، وأيلة «7» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يزود المقاتلة بشيء من المؤن، فقد ذكر سعد بن أبي وقاص (ت 55 هـ) في حديثه عن غزوة الغابة (سنة 6 هـ) قال: «قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها» «8» ، وكذلك في غزوة الخبط (سنة 2 هـ) زودهم بجراب تمر وكان يقول: «وكان يقبض لنا أبو عبيدة قبضة من تمر ثم يقسمها تمرة تمرة فنمضغها ونشرب عليها الماء إلى الليل» «9» . وهكذا فإن النبي صلّى الله عليه وسلم حاول بشتى الطرق تجهيز المقاتلة بما يحتاجونه من سلاح وعتاد، وبلغ حرص النبي على ذلك أنه خطط لإعداد السلاح داخليّا لئلّا يتحكم به أحد في الساعات الحرجة، فيذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل عروة بن مسعود (ت 10 هـ) وغيلان بن سلمة إلى جرش ليتعلما صناعة الدبابات والمنجنيقات والعرادات، وهي   (1) الكاندهلوي، حياة الصحابة (ج 1، ص 483) . (2) الزمخشري، محمود بن عمرو (ت 583) ، الفائق في غريب الحديث، (ط 1) ، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، (1364 هـ، 1945 م) ، (ج 2، ص 384) . (3) الشيباني، شرح السير (ج 3، ص 1019) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 112) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 10) . (4) الشيباني، شرح السير (ج 3، ص 1019) (ابن عمر) . (5) ابن حجر، فتح الباري (ج 13، ص 122) . (6) البلاذري، فتوح (ص 185) (الزهري) . (7) م. ن (ص 79) (الزهري) . قدامة، الخراج (ص 296) (الزهري) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 108) . (8) البلاذري، فتوح (ص 180) . قدامة بن جعفر، الخراج (ص 270) . وانظر: عواد الجيش والقتال (ص 108) . (9) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 81) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أضخم الالات الحربية «1» انذاك. ومما يشير إلى المستوى الذي بلغه الجيش في عدته أن النبي صلّى الله عليه وسلم خرج في (7 هـ) لأداء العمرة، وساق معه الهدي، وحمل معه السلاح البيض والرماح وقاد مائة فرس «2» ، وفي فتح مكة (سنة 8 هـ) سار النبي صلّى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد «3» ، وفي حصار الطائف استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم الحسك كالة من الات الحصار لإعاقة تحرك العدو ومنعه من الدنو من معسكر المسلمين «4» .   (1) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 927) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 483) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 366) . البيهقي، دلائل (ج 5، ص 161) . ابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 47، 48) . (2) الصالحي الشامي، سبل الهدى (ج 5، ص 289) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 404) (ابن إسحاق) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 54) . ابن الأثير، الكامل (ج 3، ص 245، 246) . (4) الحسك: شوك مدحرج لا يكاد أحد يمشي عليه إلا من كان في رجليه خف أو نعل، وذلك لمنع العدو من الدنو. انظر: ابن سيده أبا الحسن علي بن إسماعيل (ت 458) ، المخصص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الافاق الجديدة، بيروت، د. ت (ج 6، م 2، ص 74) . ابن منظور، اللسان (ج 6، ص 636) . المقريزي، إمتاع (ص 419) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الفصل الخامس الإدارة العسكرية ثانيا: الخدمات المساعدة لقد كان من مهام «الإدارة النبوية» توفير الخدمات المساعدة للمقاتلة حتى يستطيع هؤلاء أن يقوموا بمهماتهم على أكمل وجه، وقد استخدم النبي هذه الخدمات بتنظيم وفعالية عالية. فاستخدم النبي صلّى الله عليه وسلم: «الأدلاء» لتوفير المعلومات اللازمة عن طبيعة الأرض التي سيقاتل عليها، ففي غزوة غطفان استخدم جبار الثعلبي «1» ، وفي أحد استخدم أبو خيثمة الحارثي (ت 30 هـ) «2» ويقال: أوس بن قبطي أو محيصة بن مسعود الأنصاري «3» ، وكان الدليل إلى حمراء الأسد ثابت بن قيس (ت 45 هـ) من الخزرج «4» ، في حين اتخذ النبي صلّى الله عليه وسلم دليلا من بني عذرة في غزوة دومة الجندل رجلا يقال له مذكور «5» ، وكان دليلهم في غزوة خيبر حسيل بن نويرة الأشجعي «6» ، كما كان الدليل في تبوك (سنة 9 هـ) علقمة الخزاعي «7» . ويلاحظ أن قادة الرسول صلّى الله عليه وسلم وأمراءه استخدموا «الأدلاء» وقد اتخذ أبو سلمة بن عبد الأسدي «الأدلاء» في سريته إلى طليحة الأسدي «8» كما أوصى النبي صلّى الله عليه وسلم أسامة   (1) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 220) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 449) . عواد، الجيش والقتال (ص 118) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 218) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 9) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 14) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 119) . (3) ابن حزم، جوامع (ص 157، 158) . ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 87) ، (ج 3، ص 388) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 119) . عواد، الجيش والقتال (ص 119) . (4) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 112) ، (ج 2، ص 54) . ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 193) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 349) . عواد، الجيش والقتال (ص 118) . (5) ابن القيم، زاد (ج 2، ص 112) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 92) . ابن حجر، الإصابة (ج 3، ص 369) . الذهبي، تاريخ (ج 1، ص 1، 229) . عواد، الجيش والقتال (ص 119) . (6) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 99) . ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 333) . الديار، بكري حسين بن محمد ابن الحسن (ت 619 هـ) ، تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس (ط 1) (1302 هـ) ، (ج 2، ص 48) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 349) . (7) ابن القيم، زاد (ج 2، ص 112) . ابن كثير البداية والنهاية (ج 4، ص 92) . الذهبي، تاريخ (ج 1، ق 1، ص 229) . عواد، الجيش والقتال (ص 119) . (8) ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ابن زيد عندما وجهه في غزوة للشام فقال له: «.. وخذ معك الأدلاء» «1» . لقد كان هؤلاء الأدلاء يقومون بدور كبير في توفير المعلومات، وتحديد مسير الجيش، ومعرفة أماكن الكلاء، فذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم عندما علم بخبر اجتماع قريش له في أثناء مسيره إلى الحديبية (سنة 6 هـ) سأل أصحابه: «من رجل يخرج بنا عن طريقهم التي هم فيها» «2» . ولقد أفاد النبي صلّى الله عليه وسلم من بعض المتعاونين من الأعداء، فاتخذهم أدلاء له مقابل فوائد يأخذونها، فقد استخدم حسيل بن نويرة الأشجعي دليلا له إلى خيبر مقابل إعطائه عشرين صاعا من التمر «3» ، واستخدم أبا سلمة بن عبد الأسدي دليلا من بني أسد وأعطاه نصيبا من المغنم» ، كما تكرر هذا في مسيرة العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) إلى الخط على الساحل حيث جاء نصراني ودله على مخاضة يعبر منها إلى مقصده، واشترط أن يعطى مقابل ذلك أهل بيت هناك «5» . وكان وظيفة «الحاشر» وظيفة أخرى مساعدة، وهو شخص يرافق المقاتلة إلى جهات القتال، وتكون مهمته حشر الجند. يقول الشيباني (ت 189 هـ) : واستعملوا حاشرا لئلّا يتخلفوا عن اللحق بأول الجيش» «6» . وهذه الوظيفة ذات أهمية كبيرة ولا سيما عندما يكون عدد الجند كبيرا. قام النبي صلّى الله عليه وسلم بدور «الحاشر» في بعض الغزوات، فكان في أثناء سيره مع المقاتلة يتقدم مرة ويتأخرة مرة «لينظر في أمورهم، فيساعد الجند المتأخر، ويردف الراجل، ويعفي الضعيف» «7» ولذا قال الهرثمي (ت 234 هـ) : «ليكن خلف ساقتك رجل جلد في قوة من أصحابه، يحشر الجند إليك، ويلحقهم بك، ولا يرضى لأحد منهم   (1) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 355) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 119) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 309) (ابن إسحاق) . (3) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 23) (ابن إسحاق) . ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 336) الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 12، ص 48) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 349) . عواد، الجيش والقتال (ص 120) . (4) ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 62) . عواد، الجيش والقتال (ص 121) . (5) الكلاعي، أبو الربيع سليمان بن موسى (ت 634 هـ) ، حروب الردة، تحقيق أحمد غنيم (ط 2) دار الاتحاد العربي للطباعة (1401 هـ، 1981 م) ، (ص 202) . (6) الشيباني، شرح السير (ج 1، ص 214) . الهرثمي، أبو سعيد الشعراني (ت 234 هـ) ، مختصر سياسة الحروب، تحقيق: عبد الرؤوف عون، القاهرة لجنة التأليف والطباعة، د. ت (ص 29) . (7) الماوردي، الأحكام (ص 35) . النويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 152) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 في التخلف عنك» «1» . وكان يتقدم الجيوش في تحركها «العيون» تكون مهمتهم جمع المعلومات عن الطريق وعن تحركات العدو، وقد اتخذ النبي صلّى الله عليه وسلم العيون في جميع تحركاته، فقد ذكر في قصة الهجرة أن عائشة (ت 58 هـ) قالت: «وكان عبد الله بن أبي بكر (ت 16 هـ) يأتيهما بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن» «2» ، وفي سرية عبيدة بن الحارث (سنة 2 هـ) خرج المقداد بن عمرو (ت 33 هـ) وعتبة بن غزوان (ت 17 هـ) يتواصلان الكفار «3» ، وكانت سرية عبد الله بن جحش (سنة 1 هـ) إلى نخلة ذات هدف استطلاعي، فقد جاء في الكتاب الذي أعطاه له رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد قريشا، وتعلم لنا أخبارهم» «4» ، وبعث الرسول صلّى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد وسعيد بن زيد قبل خروجه إلى بدر بعشر ليالي يتحسسان خبر العير وهي عائدة من الشام «5» . وذكر أنس بن مالك (ت 91 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم بعث بسبس بن عمرو ومدي بن الزغباء إلى بدر طليعة للتعرف إلى أخبار القافلة «6» ، وفي أحد (سنة 3 هـ) أرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم أنسا ومؤنسا ابني فضالة يلتمسان له أخبار قريش فعلمنا أنهما قاربا المدينة «7» . وبعث بعد ذلك الحباب بن المنذر فأتاه بخبر قريش «8» ، في حين كان العباس (ت 32 هـ) يكتب بأخبار المشركين إلى الرسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة «9» ، وفي أحد أرسل العباس رجلا من بني غفار إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم يخبره باستعداد قريش للخروج إليه وجاء في الكتاب: «اصنع ما كنت صانعا إذا وردوا عليك، وتقدم   (1) الهرثمي، مختصر (ص 29) . (2) ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 283) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 361) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 592) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 1، ص 271) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 243) . (4) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 602) . وانظر: الطبري، تاريخ (ج 2، ص 411) ، (ابن إسحاق) . ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 113) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 19، 20) . عون، الفن الحربي (ص 213) . (6) ابن حجر، فتح الباري (ج 21، ص 300) . وانظر: ابن الأثير، الكامل (ج 2، ص 119) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 361) . (7) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 206) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 12) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 115) . (8) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 206) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 12) . (9) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 114) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 في استعداد التأهب» «1» وتفيد هذه الواقعة أن نجاح المسلمين في رصد تحركات قريش كان عاملا أساسيّا في منع قريش من الدخول إلى المدينة ومفاجأة المسلمين قبل استعدادهم. وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يوصي أمراءه باتخاذ العيون؛ إذ إنه لما بعث أسامة بن زيد في بعث الشام قال له: «فخذ معك الأدلاء وقدم الصوت والطلائع» «2» . ويبدو أن التجار قاموا بدور ما كطليعة من الطلائع استفاد منهم الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلقد قدمت قافلة (سنة 9 هـ) ذكرت للنبي صلّى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعوا جموعا كثيرة في الشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأنه استنفر العرب المتنصرة، فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بغزو الروم «3» ، وكذلك قام الأعراب الموالين للرسول صلّى الله عليه وسلم بهذا الدور فيذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن أبا تميم الأسلمي أرسل غلامه مسعود بن هنيدة من العرج «4» على قدميه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره بقدوم قريش وما معهم من العدد والعدة والخيل والسلاح ليوم أحد (3 هـ) «5» . ويفترض أن تكون «العيون» عارفة بلغة القوم الذين يرسلون إليهم، فلقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة يهود؛ لأنه لا يأمنهم على كتابه «6» ، وقد وضع الرسول صلّى الله عليه وسلم منهاجا دقيقا لعيونه، فعلمهم ألّا يحدث أحدهم حدثا يبينه للناس، أو أن يقتل أحدا إلّا إذا أجيز له ذلك، ففي الخندق (سنة 5 هـ) أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى معسكر المشركين وأمره ألّا يحدث حدثا حتى يعود «7» ، وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلم عبد الله ابن أبي حدرد الأسلمي ليقيم متنكرا في هوازن حتى يعلم علمهم ويأتيه بخبرهم «8» وزيادة في الحذر والحيطة يجب ألا يعرف العين العيون الاخرين «9» ؛ وذلك لأن   (1) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 313، 314) . وانظر: اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 47) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 114) . (2) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 12، ص 355) . (3) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 445) . (4) العرج: عقبة بين مكة المدينة على جادة الحاج. انظر: ياقوت، معجم البلدان (ج 4، ص 99) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 310) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 362) . (6) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 94) . ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 865) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 119، 120) . (7) الطبري، تاريخ (ج 2، ص 580) . الحاكم، المستدرك (ج 3، ص 31) . عون، الفن الحربي (ص 214) . (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 439، 440) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 73) (ابن إسحاق) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 263) . (9) الهرثمي، مختصر (ص 24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الحصول على المعلومات الدقيقة عن حالة الجيش وعدده وتسليحه يفيد في وضع الخطة، وهذا يتطلب معلومات أقرب ما تكون إلى الواقع، ولقد ذكر الهروي (ت 611 هـ) مهمات العيون فقال: «إذا خرج بجيشه فليقدم أمامه الجواسيس الثقات يكشفوا له الأخبار ويختاروا له المنازل، ليعلم إذا سار أين ينزل، لئلّا يبقى حائرا ولئلّا ينزل اتفاقا، فربما نزل بأرض قليلة الماء والعلف فيحيط به العدو فيهلكه ... » «1» . وكان على قيادة المقاتلة أن تحذر من عيون الأعداء فيروي الحاكم (ت 405 هـ) «أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل فرات بن حيان- وكان عينا لأبي سفيان- فمر بمجلس الأنصار فقال: إني مسلم، فذهبوا به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: إنه يزعم أنه مسلم فقال: «إن منكم رجالا نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان» «2» . أما «الخدمات الطبية» فهي من الخدمات المساعدة الضرورية في المعارك وقد قامت المرأة بدور كبير في هذا المجال، وذلك بسقاية الجرحى وإعانتهم وتمريضهم. يذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن فاطمة (ت 11 هـ) ضمدت جراح الرسول صلّى الله عليه وسلم في أحد «3» وعندما سار إلى خيبر (7 هـ) أذن لأم سنان الأسلمية بالخروج معه لتكون من جملة واجباتها مداواة الجرحى «4» ، وقد ضربت لها خيمة لهذا الغرض، وفي الغزوة ذاتها جاءت أمية بنت قيس الغفارية في نسوة من بني غفار، فقالت: يا رسول الله، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا نداوي الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال لها: «على بركة الله» «5» . وفي غزوة الخندق (5 هـ) كان لرفيدة الأسلمية خيمة في مسجد رسول الله تداوي الجرحى فلما جرح سعد قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: «اجعلوه في خيمة رفيدة» «6» وفي غزوة   (1) الهروي، علي بن أبي بكر بن علي (ت 611 هـ) ، التذكرة الهروية في الحيل الحربية، تحقيق مطيع المرابط، دمشق، منشورات وزارة الثقافة (1972 م) ، (ص 87) . (2) الحاكم، المستدرك (ج 2، ص 115) . (3) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 249) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 48) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 79) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 292) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 8، ص 293) . وانظر: محمد عزة دروزة، الجهاد في سبيل الله في القران، الحديث، دمشق، دار اليقظة العربية، (1395 هـ، 1981 م) ، (ص 101) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 239) . ابن سعد، الطبقات (ج 8، ص 291) . مسلم، الصحيح (ج 3 ص 1389) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 556) (ابن إسحاق) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 حنين (8 هـ) خرجت النساء لتقوم بعملية التمريض «1» ، وذكرت الربيع بنت معوذ أن من الأعمال التي قامت بها النساء عند خروجهن مع رسول الله مداواة الجرحى «2» ، وذكر الشيباني (ت 189 هـ) أن أم عطية كانت تغزو مع الرسول صلّى الله عليه وسلم لتقوم على المرضى وتداوي الجرحى «3» ، وذكر أنس بن مالك (ت 91 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يغزو بأم سلمة ونسوة من الأنصار معه إذا غزا يسقين الماء ويداوين الجرحى «4» . وكانت المرأة تشارك- أحيانا- بالقتال إلى جانب الرجال فيذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) قول أم سعد بنت سعد بن الربيع أنه لما انهزم المسلمون في أحد قالت أم عمارة: «فقمت أباشر القتال وأذب عنه (أي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم) بالسيف وأرمي عنه بالقوس حتى خلصت إلي الجراح» » ودافعت أم سليم بنت ملحان عن رسول الله في أحد كذلك «6» . وقتلت صفية بنت عبد المطلب يهوديّا في الخندق (5 هـ) «7» . وقام بتمهيد الطرق وإصلاح الجسور أو بنائها وحفر الخنادق أو ردمها أناس مختصون وكان المقاتلة يقومون بمثل هذه الأعمال بأنفسهم، ففي غزوة الخندق (5 هـ) قسم الرسول صلّى الله عليه وسلم أعمال الحفر بين المسلمين «8» وبعث الرسول صلّى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي (ت 48 هـ) عام الفتح ليسهل له الطريق «9» . لقد كانت هذه الخدمات ضرورية لقيام المقاتلة بمهماتهم على أكمل وجه، وحرصت الإدارة النبوية على توفير هذه الخدمات، وأن تكون على درجة عالية من التنظيم والدقة والإتقان.   (1) الكاندهلوي، حياة الصحابة (ج 1، ص 579) . (2) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 41) . ابن حجر، الإصابة (ج 4، ص 301) . (3) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 301) . (4) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 443) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 81، 82) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 446) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 76) (ابن إسحاق) . (7) م. ن (م 2، ص 228) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 577) (ابن إسحاق) . (8) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 41) . الطبري، تاريخ (ج 12، ص 567، 568) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 69- 99) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 220- 223) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 376) . (9) ابن حجر، الإصابة (ج 3، ص 184) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 370) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الفصل الخامس الإدارة العسكرية ثالثا: القيادة كان النبي صلّى الله عليه وسلم يتولى قيادة المقاتلة بنفسه أو يولي واحدا من أصحابه وترد إشارات أنه كان يطلق على من يتولى هذه المهمة لقب «أمير» فقد لقب عبد الله بن جحش (ت 3 هـ) في سرية نخلة (2 هـ) بأمير المؤمنين «1» ، وحصل زيد بن حارثة (8 هـ) لقب أمير في سيرته إلى القردة «2» ، وقال ابن خالدون (ت 808 هـ) : وكانوا يسمون قواد البعوث باسم الأمير .... وقد كانوا في الجاهلية يدعون النبي صلّى الله عليه وسلم أمير مكة وأمير الحجاز. وكان الصحابة يدعون سعد بن أبي وقاص أمير المؤمنين لإمارته على جيش القادسية «3» . ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد تجاوز عن بعض الصفات التي كانت مطلوبة في القائد عند القبيلة العربية قبل الإسلام، فلم تعد القيادة وقفا على شيوخ القبائل، بل صارت مفتوحة للجميع حسب القدرة والكفاءة، وكذلك تجاوز النبي صلّى الله عليه وسلم عن السن، فقد استعمل أسامة بن زيد وهو ابن ثماني عشرة سنة على سرية كان فيها أبو بكر وعمر «4» . وكان هناك من طعن في إمارة أسامة؛ وذلك لصغر سنه وكونه من الموالي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وإنه لخليق للإمارة وكان أبوه خليقا لها» «5» ، وقال: «إني لأؤمر الرجل على القوم فيهم من هو خير منه؛ لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب» «6» . وأبقى النبي صلّى الله عليه وسلم على المؤهلات القيادية الاخرى كالشجاعة، ويتضح ذلك من   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 19) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 11) . ابن القيم، زاد (ج 2، ص 84) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 58) . (2) الطبري، التاريخ (ج 2، ص 482) . (3) ابن خالدون، المقدمة (ص 227) . كانوا في الجاهلية: أي كان الجاهلون من الأعراب يدعونه. (4) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 190، 191) ، (ج 4، ص 65) . ابن الجوزي، صفة الصفوة (ج 1، ص 522) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 355) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 183) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 190، 191) . ابن الجوزي، صفة الصفوة (ج 1، ص 522) . ابن أبي الحديد (ج 1، ص 159- 160) . (6) السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار النهضة (1395 هـ، 1975 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وصف علي بن أبي طالب شجاعة الرسول صلّى الله عليه وسلم في بدر بقوله: «كنا إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه» «1» . ويفترض في الأمير أن يكون من أهل الصبر والتحمل، فيذكر سعد بن أبي وقاص (ت 55 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال يوم نخلة (2 هـ) : «لأبعثن عليكم رجلا أصبركم على الجوع والعطش» فبعث علينا عبد الله بن جحش، فكان أول أمير في الإسلام «2» . ويشترط في الأمير كذلك الكفاءة والخبرة بشؤون الحرب، وقد طبق الرسول صلّى الله عليه وسلم هذا المبدأ فأمّر عمرو بن العاص على سرية فيها أبو بكر وعمر «3» ، يقول ابن تيمية (ت 728 هـ) : «وأمّر النبي صلّى الله عليه وسلم مرة عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم على من هم أفضل منه، وأمّر أسامة بن زيد لأجل ثأر أبيه؛ ولذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة مع أنه قد يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان، وهكذا أبو بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما زال يستعمل خالدا في حرب أهل الردة وفي فتوح العراق والشام، وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى فلم يعزله من أجلها بل عاتبه عليها لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه؛ لأن المتولي الكبير إذا كان خلقه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة، وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ليعتدل الأمر، ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يؤثر استنابة خالد وكان عمر بن الخطاب يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم؛ لأن خالدا كان شديدا كعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر، وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه ليكون أمره معتدلا ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذي هو معتدل حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة» وأمته وسط قال الله تعالى فيهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً [الفتح: 29] » «4» . ولقد أضاف الإسلام إلى مؤهلات الإمارة التقوى والسبق إلى الإسلام فترد الإشارة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا أمّر أميرا على سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا «5» .   (1) الطبري، تاريخ (ج 2، ص 270) وهذا يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يترك عريشة القيادة ويباشر القتال بنفسه. (2) ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 248) . ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 287) . (3) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 64) . النويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 152) . (4) ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، تحقيق علي سامي النشار وأحمد زكي عطية (ط 2) مصر، دار الكتاب العربي، سنة (1951 م) ، (ص 15، 16) . (5) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 93) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1357) . ابن كثير، البداية- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 عرف العرب قبل الإسلام شيئا من تسلسل الرتب القيادية، فمن الرئيس الذي يتمثل بشيخ القبيلة أو رديفه «1» إلى المنكب بدليل قول عامر بن الطفيل (ت 10 هـ) : ولكني أحمي حماها وأتقى ... أذاها وأرمي من رماها بمنكب «2» وكان المنكب مسؤولا عن خمسة عرف حيث عرفت عنهم وقد يعرف بدليل قول طريف بن تميم «3» : أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّهم «4» ويقول علقمة بن عبدة: بل كل قوم وإن غزوا وإن كثروا ... عريفهم بأثافي السر مرجوم «5» وعند ظهور الإسلام كان الرسول صلّى الله عليه وسلم- الرئيس الأعلى للجماعة الإسلامية- يخرج إلى القتال بنفسه «6» أو يؤمر أحد أصحابه ويزودهم بتوجيهاته، ومن ذلك ما كتبه لعبد الله بن جحش في سرية نخلة «7» ، وذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد حين بعثه إلى الشام أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين..» «8» . وكانت الواحدة الصغرى في القيادة «العرافة» ، وقد وردت أول إشارة لها في غزوة حنين (9 هـ) . فيروي الواقدي (ت 307 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم جعل الناس في حنين عرافات على كل عشرة عريفا «9» . وأشار النبي صلّى الله عليه وسلم إلى أهمية العرفاء فقال: «إن العرافة حق، ولابد للناس من العرفاء..» «10» ، وكان العريف مسؤولا عن شؤون عرافته   - والنهاية (ج 4، ص 61) . (1) محمد فرج، فن إدارة المعركة في الحروب الإسلامية، القاهرة، الشركة العربية المتحدة، (1972 م) ، (ص 22) . (2) ابن الطفيل، ديوانه (ص 13) . (3) شاعر جاهلي من فرسان تميم. انظر: الزركلي، الأعلام (ج 3، ص 226) . (4) ابن سيده، المخصص (ج 3، ق 1، ص 132) . ابن منظور، اللسان (ج 3، ص 317) . ابن الأثير، الكامل (ج 1، ص 368) . (5) المفضل الضبي، المفضليات (ص 401) . (6) انظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 612) ، (م 2، ص 44، 45، 46، 65، 190، 234، 282، 289، 308، 328، 399، 440، 529) . (7) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 439) . (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 278) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 184) . (9) الواقدي، المغازي (ج 3، ص 952) . وانظر: الشافعي، الأم (ج 4، ص 158) . الطبري، تاريخ (ج 4، ص 488) (الشعبي) . عون، الفن الحربي (ص 110) . العدوي، نظم (ص 313) . (10) أبو داود، السنن (ج 3، ص 92، 93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 تجاه الأمير؛ ولذا قال شارح سنن أبي داود (ت 275 هـ) : «إن العرافة تدبير أمور القوم والقيام بسياستهم، ولابد للناس من العرفاء ليتعرف على أحوالهم في ترتيب البعوث والأخبار والعطايا والسهام وغير ذلك» «1» ، وتتضح أهمية العريف التنظيمية هذه في غزوة حنين عندما اختلف الناس في سبي هوازن فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلم: «ارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» «2» وذكر ابن حجر (ت 852 هـ) أن جندب بن النعمان الأزدي قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه وجعله النبي صلّى الله عليه وسلم عريف قومه «3» ، وكان رافع بن خديج الأنصاري عريف قومه بالمدينة «4» . وكانت رتبة «النقيب» «5» من الرتب التي ظهرت في هذه الفترة، وكان القران قد أشار إليها في معرض حديثه عن بني إسرائيل، وفي بيعة العقبة الثانية طلب النبي صلّى الله عليه وسلم ممن اجتمع لديه أن يخرجوا اثني عشر نقيبا كي يتحملوا مسؤولية البيعة والدعوة في المدينة «6» . وظهرت رتبة قيادية أخرى هي رتبة «أمير التعبئة» ففي غزوة الفتح (8 هـ) جعل الرسول صلّى الله عليه وسلم من جيشه عدة أقسام ثم وضع على كل قسم منهم أميرا كان يتلقى تعليماته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوضع الزبير على فرقة وأمره أن يدخل مكة من كداء، ووضع سعد بن عبادة على فرقة وأمره أن يدخل من كدي، ووضع خالد على فرقة وأمره أن يدخل من أسفل مكة، وكذلك أبو عبيدة دخل من أعلى مكة «7» ، ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم ولى هؤلاء على جيشه وزودهم بالتعليمات الأولية، إلا أنه ترك لهم حرية الحركة في إدارة المعركة ومواجهة المواقف واتخاذ القرارات الملائمة لواقع الحال دون   (1) م. ن (ج 3، ص 92، 93) . (2) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 489) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 156) . ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 196، 197) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 249) . (3) ابن حجر، الإصابة (ج 1، ص 251) . (4) م. ن (ج 1، ص 496) . (5) قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: 12] . انظر: أبا عبيدة معمر بن مثنى التيمي (ت 210 هـ) ، مجاز القران، تحقيق محمد فؤاد سزكين (ط 1) مصر، (1374 هـ، 1954 م) (ج 1، ص 156) . ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) ، تفسير غريب القران، تحقيق أحمد صقر، بيروت، دار الكتب العلمية، (1398 هـ، 1978 م) ، (ص 141) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 443) (كعب بن مالك) . ابن كثير، السيرة (ج 2، ص 198) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 161) . (7) الصنعاني، المصنف (ج 5، ص 289) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 406) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 117، 118) (ابن إسحاق) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الرجوع إلى القائد الأعلى للمقاتلة. وكان على الأمير أن يقوم بالعناية بجنده والرفق بهم في المسير وعدم تكليفهم فوق طاقتهم، فكان الرسول صلّى الله عليه وسلم في أثناء سير المقاتلة يتقدم مرة ويتأخر مرة أخرى لينظر في أمورهم فيساعد المتأخر ويردف الراجل ويعفي الضعيف «1» . وكان عليه أيضا أن يشرف على عدة القتال والات الحرب «2» وحال الجند، كما عليه أن يستشيرهم في المواقف الحرجة كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلم في بدر «3» ، وأحد «4» ، والخندق «5» ، وغيرها في المعارك. ويقوم الأمير بإثارة حماس جنده وتشجيعهم على القتال، وترد في ذلك إشارة في القران حيث قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ.. [الأنفال: 65] وقد قام النبي صلّى الله عليه وسلم بتحريض أصحابه على القتال في بدر «6» وقام أمراؤه بنفس الدور، فقد حرض عبد الله بن رواحة (ت 8 هـ) جنده في مؤتة فقال: «والله يا قوم إن الذي تكرهون لهو الذي خرجتم تطلبون.. الشهادة» «7» وقال راجزا: أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... تنزلن أو لتكرهنّه إن أجلب الناس وشدوا الرنّه ... ما لي أراك تكرهين الجنّة «8» كان الأمير يتخذ مقرّا لقيادته في ساحة المعركة فقد أشار سعد بن معاذ (ت 5 هـ) على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في بدر أن يا بني له عريشا، فكان ذلك «9» وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يأوي إلى هذا العريش في حالة الراحة أو قبل بداية المعركة، أما في أثناء القتال فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يباشر القتال بنفسه كما هو واضح من سيرته في أحد «10» وحنين «11» ، واتخذ الرسول صلّى الله عليه وسلم قبة من أدم في الخندق يأوي إليها عند انتهاء نوبة حراسته «12» وكذلك فعل   (1) الماوردي، الأحكام (ص 35) . النويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 152) . (2) المراجع والصفحات نفسها. (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 614، 615) . (4) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 214) . (5) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 220) . (6) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 58) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 281) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 375) (ابن إسحاق) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 37) . (8) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 379) (ابن إسحاق) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 39، 40) (ابن إسحاق) . (9) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 55) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 448) (ابن إسحاق) . (10) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 84) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 518، 519) . (11) م. ن (م 2، ص 442، 443) . (12) ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 99) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 225) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 في غزوة المريسيع «1» . لقد كان للأمير مجموعة من الحقوق منها حق الطاعة «2» على جنده حيث ترد الايات بذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] . ويتضح ذلك من قول الرسول صلّى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» «3» وحدد الرسول صلّى الله عليه وسلم هذه الطاعة بقوله: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» «4» وترد في هذا الباب قصة الأمير الذي بعثه النبي صلّى الله عليه وسلم على سرية وأمرهم أن يطيعوه فغضب منهم فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا فيلقوا أنفسهم فيها فرفضوا الأمر «5» . ويلاحظ أن جمع الحطب وإشعال النار من المباحات فأطاعوه في ذلك، أما إهلاك النفس بإلقائها في النار فمن المحرمات فلم يطيعوه وهذا يوضح حدود الطاعة وأصولها. وكان عقد اللواء والراية من علامات تعين الأمير «6» ، ويعقد ابن العربي (ت 543 هـ) مقارنة بين اللواء والراية فيقول: «اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفعه الرياح» «7» وهناك من يرى أن اللواء أصغر حجما من الراية «8» ، ولكن يبدو من خلال الروايات أن اللواء أكبر حجما وهو يكون للجيش كله، أما الرايات فهي للقبائل المختلفة داخل الجيش يحملها قائد تلك القبيلة أو المجموعة «9» . يذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم دفع في بدر لواءه لعلي   (1) ابن القيم، زاد (ج 2، ص 112) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 123) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 197) . (2) الماوردي، الأحكام (ص 48) . (3) أحمد، المسند (ج 2، ص 93، 252، 253، 270) . البخاري، الصحيح (ج 9، ص 66) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1469) . النسائي، السنن (ج 7، ص 154) . ابن ماجه، السنن (ج 1، ص 4) . (4) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1469) . (5) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 166) . الواقدي (ج 3، ص 983) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 163) . أحمد، المسند (ج 2، ص 47، 48) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1469) . (6) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 7) . (7) انظر: الصنعاني، المصنف (ج 5، ص 289) (ابن العربي) . ابن حجر، الفتح (ج 6، ص 126) (الهامش) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 358) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 318) . (8) انظر: الجزائرلي، اختصار ورقة (7) . (9) ابن حجر، الفتح (ج 6، ص 126) . وانظر: مصطفى جواد، الراية واللواء (ص 126) . عواد، الجيش والقتال (ص 2082) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ابن أبي طالب ودفع رايته إلى الخباب بن المنذر، وراية أخرى إلى سعد بن عبادة «1» ، وترد الإشارات إلى عقد الرايات إلى جانب اللواء في أحد «2» ، وخيبر «3» ، وفتح مكة، حيث أفرد لكل قبيلة رايتها «4» . ويتخذ اللواء والراية من قطعة من نسيج «5» ، يذكر خليفة بن خياط (ت 240 هـ) «أن راية رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد كانت مرطا مرحلا أسود من مراحل كان لعائشة» «6» ، وطلب الرسول صلّى الله عليه وسلم من بريدة بن الحصيب ألا يدخل المدينة إلّا ومعه لواء، فجعل بريدة من عمامته لواء «7» . وكان لواء النبي صلّى الله عليه وسلم- في الغالب- من نسيج أبيض اللون ولكنه استخدم ألوانا أخرى لرآياته فكان لون رايته «العقاب» أسود «8» . وفي حنين اتخذت ألوان أخرى لرآياته التي كان يعقدها «9» . وذكر ابن عباس (ت 68 هـ) أن لواء الرسول صلّى الله عليه وسلم كتب عليه لا إله إلا الله محمدا رسول الله «10» . وتتخذ الراية الشكل المربع- في الغالب- فيذكر البراء بن عازب أن راية رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت مربعة «11» وكانت أبعادها ذراعا في ذراع «12» وكانت تعقد على رمح بدليل قول العباس بن مرداس السّلمي في حنين: نصرنا رسول الله من غضب له ... بألف كميّ ما يعد حواسره حملنا له على عامل الرمح راية ... يذود بها في حومة الموت ناصره «13»   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 106) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 58) . (3) م. ن (ج 1، ص 215) . الذهبي، تاريخ (ج 1، ق 1، ص 188) . (4) م. ن (ج 2، ص 800) . ابن حجر، الفتح (ج 6، ص 126) . (5) الدنيوري، الأخبار الطوال (ص 174) . وانظر: مصطفى جواد، الراية واللواء وأمثالها مجلة لغة العرب (ج 8، ص 573) . (6) خليفة، تاريخ (ج 1، ص 67) . (7) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 317) . (8) الصنعاني، المصنف (ج 5، ص 289) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 320- 322) . (9) أبو يوسف، الخراج (ص 208) . الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 211) . (10) ابن حجر، الفتح (ج 7، ص 477) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 357) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 322) . وانظر: الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1255 هـ) ، نيل الأوطار في أحاديث سيد الأخيار، بيروت، دار الجيل، (1973 م) (ج 8، ص 60، 61) . (11) أبو داود، السنن (ج 2، ص 337) . (12) ابن حجر، الفتح (ج 6، ص 126) . الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 211) . (13) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 468، 469) . عامل الرمح: ما يلي السنان وهو دون الثعلب، حواسره: مجموعة الذين لا دروع عليهم، يقال: رجل حاسر إذا لم يكن عليه درج. انظر: ابن هشام، السيرة (ص 468، 469) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ونظرا لأهمية الراية فكانت تدفع إلى خيرة الناس عقيدة وتجربة، ففي إحدى الوقائع أخذ النبي صلّى الله عليه وسلم الراية فهزها ثم قال: «من يأخذها بحقها؟» فقال رجل: أنا، فقال: «امض» ثم جاء رجل فقال: «امض..» «1» وفي هذا دلالة على دقة اختيار النبي صلّى الله عليه وسلم لحامل الراية، وتشير المصادر إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» فدفعها إلى علي بن أبى طالب فانطلق بها «2» . وفي مرحلة متأخرة كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا بعث قائدا يعقد له اللواء ويسلمه له بعد تسمية الله، ثم ينصح له فيركزه أمام المسجد أو أمام بيته ليجتمع عنده الخارجون للغزو بمتاعهم استعدادا للرحيل. ذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أنه لما بعث أسامة إلى البلقاء استدعاه النبي صلّى الله عليه وسلم وعقد له اللواء رمزا للقيادة، فركزه بالجوف خارج المدينة وعسكر الناس حوله. فلما توفي الرسول صلّى الله عليه وسلم عاد أسامة باللواء وركزه أمام بيت النبي صلّى الله عليه وسلم، وظل هكذا حتى بويع لأبي بكر بالخلافة فأمر أن يركز اللواء أمام بيت أسامة ليمضي به «3» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يستعرض أصحابه قبل الخروج إلى المعركة، أو في أثناء السير إلى الجهة التي يقصدها فقد استعرض النبي جنده في بدر وأحد «4» فيرد صغار السن والضعاف. وقد رد النبي صلّى الله عليه وسلم يوم أحد زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم «5» ، ويذكر ابن حجر (ت 852 هـ) في ترجمته لسمرة بن جندب قال: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام قمرية، وعرض عليه سمرة بن جندب فرده، قال سمرة: فقلت: يا رسول الله لقد أجزت غلاما ورددتني، ولو صارعني لصرعته، قال: فدونك فصارعه، قال: فصارعته فصرعته، فأجازني في البعث» «6» .   (1) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 65) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 334) ، (ابن إسحاق) . ابن ماجه، السنن (ج 1، ص 43، 44) . (2) الصنعاني، المصنف (ج 5، ص 288) . البخاري، الصحيح (ج 4، ص 57، 58) . الترمذي، الصحيح (ج 13، ص 171، 172) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 190، 191) . وانظر: عون، الفن الحربي (ص 80) . عواد، الجيش والقتال (ص 213) . (4) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 12) . (5) ابن حبان، الثقات (ج 1، ص 224) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 566) . (6) ابن حجر، الإصابة (ج 2، ص 78، 79) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 232) . وكان القران قد أعذر أصحاب الأمراض والضعاف من القتال فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: 91] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وكان المسلمون جميعا عماد جيش الرسول صلّى الله عليه وسلم يدعوهم للقتال فيجتمعون، وبعد انتهاء المعركة أو العودة من الغزو كان هؤلاء يتفرقون في شؤونهم الخاصة. أما تعبئة المقاتلة فكانت تتم بصورة دقيقة، فقد وردت ابتداء كلمة «عبء» في حديث عبد الرحمن بن عوف (ت 32 هـ) عن غزوة بدر لقوله: «عبأنا النبي صلّى الله عليه وسلم ببدر ليلا» «1» والمقصود بكلمة «عبأ» هنا مع فعله النبي صلّى الله عليه وسلم من ترتيب المقاتلة وصفّهم للقتال في موضعهم وتهيئتهم «2» ، وتعبر كذلك عن كل ما يقوم به المقاتلة من تحركات استعدادا للقتال «3» ، وقد عبأ النبي صلّى الله عليه وسلم المسلمين في أحد (3 هـ) وأشار القران إلى ذلك فقال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [ال عمران: 121] وذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم غدا إلى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح «4» . وعرفت التعبئة الخماسية في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم حيث كان يتم تقسيم القوات في أثناء سيرها إلى المعركة إلى خمسة أقسام: مقدمة وقلب وجناحين (ميمنة وميسرة) وساقة وعلى هذه الهيئة سارت قوات المسلمين إلى بدر «5» ، وأحد «6» ، وبني المصطلق «7» ، وخيبر «8» إذ خرج أهلها يقولون: «محمد والخميس» «9» وكذلك اتبع هذا التنظيم في أثناء سير المقاتلة إلى مكة «10» ، وحنين «11» ، وتبوك «12» ؛ وذلك لأنه يقلل إلى حد أدنى من الخسائر في حالة مباغتة العدو أو مهاجمته.   (1) الترمذي، الصحيح (ج 7، ص 175) . ابن منظور، اللسان (ج 2، ص 661) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 3، ص 271) . (2) ابن منظور، اللسان (ج 2، ص 661) . وانظر: عبد الجبار السامرائي، نظم التعبئة عند العرب مجلة المورد (م 12) عدد (4) تصدر عن وزارة الثقافة العراقية (1953 م) ، (ص 7) . (3) السامرائي، نظم التعبئة (ص 7) . (4) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 319) . أبو عبيدة، مجاز القران (ج 2، ص 103) . ابن قتيبة، تفسير (ص 464) . الطبري، تاريخ (ج 7، ص 159- 163) . (5) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 612) . الطبري، تاريخ (ج 2، 273) . (6) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 215) . (7) المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 215، 216) . (8) الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 47) . ابن حجر، الفتح (ج 7، ص 467) . (9) الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 47) . (10) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 801، 802) . (11) م. ن (ج 3، ص 892) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 326) . (12) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 57) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 لقد كان يراعي في تقسيم القوات وضع أهل التجارب والبأس والنجدة والقوة في القلب أمام الصفوف، وأهل التجارب وأصحاب الرمي وطلاب الكر في الميمنة أما الصفوف وأهل التجارب والحيل ردا للقلب، أما الضعفاء والجبناء فيوضعون عادة خلف الجيش عند المتاع «1» . ويقدم أمام المقاتلة في أثناء سيرهم «الطلائع» وهم أصحاب الخيول السبق الماهرون، فكانوا يقومون بالتعرف إلى الطريق وتحديد أماكن القوات المعادية في حال وجودها «2» . ويذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قدم الزبير بن العوام (ت 36 هـ) أمامه في أثناء سيره إلى مكة وأرسل معه مائتين من المسلمين «3» . أما طريقة سير أجزاء المقاتلة فتخضع لرأي الأمير حسب معطيات الخطة وطبيعة الأرض ومكان وزمان المعركة، فقد ذكر الواقدي (ت 207 هـ) في حديثه عن غزوة الفتح (8 هـ) قال: «ومرت القبائل على قادتها والكتائب على راياتها» «4» . وفي أثناء توقف المقاتلة للراحة أو المبيت يختار الأمير موطئا تتوافر فيه نواحي الأمن والمياه والمرعى، ويمكن الاستفادة من العوارض الطبيعية كالتلال والجبال لأنها تشكل موانع تمنع هجمات العدو المباغتة «5» ، ففي أحد (3 هـ) جعل النبي صلّى الله عليه وسلم أحدا خلف ظهر المسلمين «6» . ثم على الأمير أن يبث الحرس حول المعسكر لدواعي الأمن والحراسة «7» . وقد وردت أحاديث تبين أهمية الحرس فقال عليه السّلام: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» «8» ، وذكر ابن سعد (ت 230 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم جعل محمد بن مسلمة على الحرس في أحد فكان يطوف حولهم في خمسين رجلا «9» ، وكان على حرس الرسول صلّى الله عليه وسلم يوم الحديبية أوس بن خولة وعبادة بن بشر   (1) الهرثمي، مختصر (ص 36، 37) . (2) م. ن (ص 29) . وانظر: السامرائي، نظم التعبئة (ص 13) . (3) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 801) . (4) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 818) . (5) عواد، الجيش والقتال (ص 221) . (6) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 13) . ابن القيم، زاد (ج 5، ص 92) . المقريزي، إمتاع (ص 124، 125) . (7) الهرثمي، مختصر (ص 31، 32) . الهروي، التذكرة (ص 88) . عون، الفن الحربي (ص 209) . (8) الترمذي، الصحيح (ج 7، ص 138) . (9) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 39) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 315) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 119) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ومحمد بن مسلمة «1» وكانت الحراسة في خيبر نوبا بين المسلمين حتى فتح الله حصن النطاة «2» وفي حنين (8 هـ) قام أنس بن أبي مرثد بحراسة المسلمين حتى الصباح «3» ، وفي تبوك (9 هـ) كان على الحرس عباد بن بشر وكان يطوف في أصحابه حول العسكر «4» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلم لا يترك الحرس في أثناء تواجده في المدينة؛ ولا سيما في الأوقات الحرجة، فعندما أغار ابن حصن على سرح المدينة تتبعه النبي صلّى الله عليه وسلم وخلف في المدينة سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة «5» . أما تعبئة المسلمين في أثناء صلاتهم فكانت تتم بالصورة التي أشارت إليها الاية الكريمة: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ... [النساء: 102] وذكر مجاهد (ت 104 هـ) أن هذه الاية نزلت على الرسول في أثناء حصاره للمشركين بعسفان حيث اجتمع المشركون على أن يميلوا على المسلمين ميلة واحدة في أثناء صلاتهم «6» ، وأوضحت الاية مبدأ التعبئة في أثناء الصلاة بأن يقسم المقاتلة إلى قسمين، يصلي أحدهما خلف الإمام، على حين يتولى الاخر عملية الحراسة، ثم يذهب القسم الأول إلى مصافهم ليأتي القسم الاخر فيؤدي الصلاة خلف الإمام «7» ، ويذكر البلاذري (ت 279 هـ) عن أحد الصحابة قوله: «صلينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة الخوف طائفة منا خلفه وطائفة مواجهة للعدو فصلى بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين ثم انصرفوا وجاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم قام كل واحد إلى طائفته..» «8» . ولقد طبق المسلمون هذه التعبئة في صلاتهم في كثير من الوقائع فصلاها النبي صلّى الله عليه وسلم   (1) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 290) . (2) م. ن (ج 1، ص 312) . (3) أبو داود، السنن (ج 2، ص 318) . ابن قدامة، المغني (ج 10، ص 380، 381) . (4) المقريزي، إمتاع (ج 1 ص 470، 471) . (5) م. ن (ج 1، ص 263) . (6) مجاهد أبو الحجاج مجاهد بن جبر (ت 104 هـ) ، تفسير مجاهد، تحقيق عبد الرحمن بن محمد، إسلام اباد د. ت (ص 171، 172) . وانظر: النيسابوري أبا الحسن علي بن أحمد (ت 550 هـ) ، أسباب النزول، بيروت، دار الكتب العلمية (1398 هـ، 1978 م) ، (ص 120) . (7) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1 ص 224- 228) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 66) . الزمخشري، الكشاف (ج 1، ص 559، 560) . (8) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 341) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 في غزوة ذات الرقاع «1» وفي الحديبية «2» . أما التعبئة في أثناء القتال فتكون بأن يصطف المقاتلة بعضهم إلى جانب بعض وهو ما يسمى (بنظام الصفوف) «3» وكان العرب قبل الإسلام يتبعون «نظام الكرّ والفر» ولكن الإسلام أبطل هذا النظام؛ لأنه لا يتناسب وعقيدة المسلم «4» ، يقول ابن خالدون (ت 808 هـ) : «إذا نظرنا إلى القتال بأسلوب الكر والفر نجد أنه مدعاة للهزيمة والفشل» «5» ؛ ولذا فقد جعل الإسلام الفرار من الزحف من الموبقات السّبع «6» ؛ لأنه يؤدي إلى إحداث فوضى في نظام الصف للجيش كله، وقد يتسبب في الهزيمة؛ ولذلك قال الله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ... [الأنفال: 16] . كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يسوّي الصفوف حتى يدعها كالقدح أو الرقيم «7» ، ففي بدر (2 هـ) طعن النبي صلّى الله عليه وسلم في بطن سواد حيث كان خارجا عن الصف قال له: «استو يا سواد» «8» ، وفي أحد (3 هـ) جعل النبي صلّى الله عليه وسلم يمشي على رجليه يسوي الصفوف ويبوئ المؤمنين مقاعد للقتال، حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخّره حتى أقامها كالقدح فلم يزل منكب عن منكب «9» في حين كان النبي صلّى الله عليه وسلم يعين وازعا أحيانا يقوم بهذا العمل كما حصل في غزوة الفتح «10» . استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم نظام الصف في معركة بدر «11» وأحد «12» وفي غزوة   (1) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 61) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 39) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 95) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 223) . (3) انظر تفاصيل ذلك في: السامرائي، نظم التعبئة (ص 8) . (4) الكر والفر: يعني الإغار، وهي عمل قوة خاصة يتم تسليحها وتدريبها بشكل خاص» . انظر: السامرائي، نظم التعبئة (ص 7، 8) . (5) ابن خالدون، المقدمة (ص 271) ولذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ [الصف: 4] . (6) مسلم، الصحيح (ج 1، ص 162) . ابن حجر، الفتح (ج 5، ص 393) . (7) ابن خالدون، المقدمة (ص 271) . وانظر: الزمخشري، الفائق (ج 2، ص 320، 321) . الهرثمي، مختصر (ص 65) . (8) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 56، 57) . ابن هشام، السيرة (م 1، ص 626) . (9) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 221) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 239) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 315) . (10) الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 329) . وانظر: عواد، الجيش والقتال (ص 226) . (11) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 56، 57) . ابن سعد، الطبقات (ج 3، ص 517) . (12) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 239) . البكري أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن (ت 952 هـ) ، غزوة- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 المريسيع «1» وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يجعل في الصف الأول حاملي الرماح لصد هجمات الفرسان ثم يليهم حاملو السهام والسيوف في الصف الثاني والثالث ويقف الفرسان على ميمنة الجيش وميسرته، فإذا التقى الجمعان يحدث عدد من المبارزات الشخصية ثم تزحف صفوف المسلمين قدما واحدة حتى تصطدم بالعدو «2» . وذكرت المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قام بما يسمى «بتعبئة الأمة» وذلك من خلال عد المسلمين وإحصائهم، يذكر البخاري (ت 256 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «اكتبوا لي من تلفّظ بالإسلام من الناس» فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة ... «3» ، وربما أراد النبي صلّى الله عليه وسلم من معرفة أعداد المسلمين قوة المسلمين لوضع خطة ملائمة لهذا العدد وتقدير قوتهم وتكاليف تجهيزهم بالأسلحة والطعام إلى غير ذلك، وقد ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يكتب عدد المقاتلة في بعض الغزوات فيروي البخاري (ت 256 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم» فقال رجل: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة..» «4» ولم تسعفنا المصادر عن طبيعة هذا الإحصاء، أو عن استمرارية الاكتتاب في الغزو، أو تسجيل جميع الجند، والروايات السابقة تدل على أنه حصل في غزوات معينة «5» .   - أحد (مخطوط) مصور في الجامعة الأردنية، مركز الوثائق والمخطوطات شريط رقم (35) ورقة. (1) ابن القيم، زاد (ج 2، ص 112) . (2) السامرائي، نظم التعبئة (ص 9) . (3) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 87) . (4) م. ن (ج 4، ص 87، 88) . (5) انظر تفاصيل هذه المسألة في: عبد العزيز عبد الله السلومي، ديوان الجند نشأته وتطوره في الدولة الإسلامية حتى عصر المأمون، (ط 1) ، مكة المكرمة، مكتبة الطالب الجامعي (1986 م) ، (ص 82- 86) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الفصل الخامس الإدارة العسكرية رابعا: التخطيط وأساليب القتال لم يكن وضع الخطة من مسؤولية الأمير واحده، بل كان ذلك بعد المشاورة مع المقاتلة أو بعضهم، فقد استشار الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه في بدر «1» وأحد «2» كما استشار أصحابه في الخروج من المدينة أو البقاء فيها عند مهاجمة الأحزاب لهم في الخندق (5 هـ) «3» . وقد اهتم القادة باختيار الموقع الملائم لميدان المعركة فقد أشار حباب بن المنذر على الرسول صلّى الله عليه وسلم عند نزوله على حصن النطاة بخيبر قائلا: «إن جميع مقاتلة خيبر فيه وهم يدرون أحوالنا ولا ندري أحوالهم وسهامهم تصل إلينا وسهامنا لا تصل إليهم ولا نأمن بياتهم» «4» وقد قدر أهل ثقيف أهمية مرتفعات حنين فاحتلوها قبل وصول النبي صلّى الله عليه وسلم واحتلوا وادي حنين نفسه «5» . كان من خطط النبي صلّى الله عليه وسلم في غزواته محاولته قطع اتصالات الأعداء وإمداداتهم، فقد ذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم في غزوة خيبر (7 هـ) نزل بجيشه بواد يقال له: الرجيع وذلك ما بين غطفان وأهل خيبر ليحول بينهم وبين أن يمدوا خيبر إذا كانوا مظاهرين لخيبر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم «6» . واهتم الرسول صلّى الله عليه وسلم بطبيعة الأرض التي يقاتل عليها حيث نزل على أدنى ماء في بدر وبنى عليه حوضا وغوّر ما سواه من القلب «7» . كما تجنب النزول في الأرض الموحلة كما فعلت قريش «8» ، قال ابن إسحاق (ت 151 هـ) فأصاب رسول الله منها ما لبد   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 48) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 73- 75) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 214) . البكري، غزوة أحد، ورقة (15) . (3) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 220) . (4) الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 50) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 438، 439) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 128) . (6) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 92) (ابن إسحاق) . ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 181) . (7) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 53، 54) . (8) وقد وضحت الاية هذا المعنى فقال الله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ [الأنفال: 11] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 لهم من الأرض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه «1» وقد أشار الحباب في التحول من قرب حصن النطاة في خيبر؛ وذلك لكونه بين نخيلات في مكان غائر وأرض وخيمة «2» . وينتظر الإفادة من طبيعة الأرض، فقد ذكر أن الرسول صلّى الله عليه وسلم جعل ظهره وعسكره إلى جبل أحد حين خرج للقاء المشركين هناك «3» وقد استفاد النبي صلّى الله عليه وسلم في مسيره إلى أحد من الليل إذ أمر جيشه بالمسير بعد منتصف الليل، وسلك طريقا بين الضفتين حيث يختفي الأفراد، ويخفى الصوت والجلبة في نفس الوقت فقال عليه السّلام: «من يخرج بنا على القوم عن كثيب- أي عن طريق قريب- لا يمر بنا عليهم» فمر به أبو خيثمة حتى دخل في بستان أحد المنافقين «4» ، واستفاد النبي صلّى الله عليه وسلم من جبل سلع في الخندق (سنة 5 هـ) فجعله خلف ظهور المسلمين «5» . وقد تقام بعض العوائق في وجه تقدم العدو كالخنادق كما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة الخندق «6» ، وكذلك اهتم المقاتلون بالظواهر الجوية السائدة في ميدان المعركة ففي بدر (2 هـ) جعل الرسول صلّى الله عليه وسلم الشمس خلفه فكانت في عيون أعدائه فتضعف قوة أبصارهم وتغشي عيونهم عن رؤية خصومهم «7» ؛ ولهذا قال الهروي (ت 611 هـ) : «فليجتهد في أن تكون الشمس في عين العدو» «8» . وكان من خطط الرسول صلّى الله عليه وسلم الحرص على التكتم والسرية في وضع خططه الحربية وتنفيذها؛ لأن ذلك من أهم متطلبات النجاح، فكان إذا أراد أن يغزو غزوة ورى (أظهر) بغيرها «9» ، وذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى   (1) ابن حزم، جوامع (ص 111، ص 112) . ابن القيم، زاد (ج 2، ص 87) . (2) الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 50) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 65) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 507 (ابن إسحاق) . المسعودي، مروج الذهب (ج 2، ص 376، 377) . (4) الحلبي، السيرة (ج 2، ص 291) . وانظر: محمد أبو فارس، غزوة أحد (ط 1) عمان، دار الفرقان (1402 هـ، 1982 م) ، (ص 60) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 200) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 66، 67) . (6) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 470) . المسعودي، التنبيه والإشراف (ص 216) . (7) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 560) . وانظر: ابن العربي المالكي محمد بن عبد الله (ت 543 هـ) ، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت (ج 7، ص 174، 175) . (8) الهروي، التذكرة (ص 97) . (9) ابن سعد، الطبقات (ج 8، ص 167) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 عبد الله بن جحش وأمره ألا يفتحه إلا بعد يومين من مسيره، وهو بذلك يكون أول من ابتكر أسلوب «الرسائل المكتومة» «1» للمحافظة على الكتمان وحرمان العدو من الحصول على المعلومات التي تفيده عن تحركات المسلمين، وفي غزوة بني سليم خرج الرسول صلّى الله عليه وسلم ولم يظهر وجها «2» ، وكذلك فعل في غزوة بني لحيان حيث أظهر أنه يريد الشام ليأخذ القوم على حين غرة، وكذلك فعل في غزوة الفتح فقد أسر الرسول صلّى الله عليه وسلم لكل قائد من قواده، وأمره أن يلقاه في موضع سماه له وأن يكتم ما قاله له «3» . ولقد حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم في قيادته لجنده أن يرفع الروح المعنوية لديهم وبقاءها كذلك، فقد عمد الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى مطاردة أعدائه بعد غزوة أحد حتى بلغ حمراء الأسد «4» ، وفي مؤتة (8 هـ) خطب عبد الله بن رواحة وأثار فيها الروح المعنوية «5» ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم عندما رجعوا: «بل كرار إن شاء الله» «6» وحرص النبي صلّى الله عليه وسلم كذلك على إخفاء بعض الأمور والأخبار التي تضعف الروح المعنوية، ففي أحد (3 هـ) أمر عليّا أن يستطلع سير قريش وأن يخفي ذلك «7» وفي الخندق (5 هـ) بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نقض بني قريظة للعهد فبعث نفرا من المسلمين ليتبينوا الأمر وقال لهم: «انطلقوا فإن كان ما قيل حقّا فألحنوا لي لحنا أعرفه» «8» ، وكذلك حرص على عدم نشر الشائعات بين المسلمين، يتضح هذا من قوله تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] . وكانت «الخدعة» إحدى وسائل النبي صلّى الله عليه وسلم في حربه مع أعدائه فقال: «الحرب خدعة» «9» ، وذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم أذن للنفر الذين بعثهم لقتل ابن الأشرف (3 هـ) أن يقولوا ما يشاؤون من كلام يخدعون به «10» ، وفي الخندق تحرك النبي صلّى الله عليه وسلم من هذا المفهوم «الحرب خدعة» وراوغ عيينة بن حصن ليعطيه   (1) انظر: محمود شيت خطاب، الرسول القائد (ط 5) بيروت، دار الفكر (1394 هـ، 1974 م) ، (ص 94) . (2) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 112) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 279) . ابن القيم، زاد المعاد (ج 2، ص 119) . الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 4) . (4) اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 48) . (5) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 138) . (6) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 107، 108) . (7) م. ن (ج 3، ص 24، 110) (ابن إسحاق) . (8) م. ن (ج 3، ص 27) . (9) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 120) . مسلم بشرح النووي (ج 12 ص 42، 43) . (10) الطبري، تاريخ (ج 3، ص 50، 51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ثلث ثمار المدينة «1» على أن يعود هو وقومه عن حصار المدينة، وربما كان المقصود الحقيقي للنبي صلّى الله عليه وسلم من مراوغة عيينة هو إحداث شرخ كبير في صفوف المشركين وتمزيق روابطهم، وهو نموذج من نماذج السياسة الحكيمة التي أدار الرسول صلّى الله عليه وسلم بها الموقف «2» ، وكذلك توجيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود الذي أسلم حديثا في أنه يخذل عن المسلمين في غزوة الخندق «3» ، وهذا من قبيل السياسة الحكيمة التي أدار الرسول صلّى الله عليه وسلم بها الموقف التي يكون فيها الرأي أنفع من الشجاعة والمواجهة وتدخل تحت معنى «الحرب خدعة» ، يقول ابن العربي (ت 543 هـ) : «الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين وفي الحديث والإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب، بل الاحتياج إليه أكثر من الشجاعة» «4» . واستعمل النبي صلّى الله عليه وسلم في حروبه «الشعار والشارة» وهو ما يسمى في الجيوش الحديثة «بكلمة السر» فالشعار يوقظ في النفس العزة والشجاعة «5» ويستعمل للأهمية «6» فقد روى رافع بن خديج في حديثة عن غزوة أحد: «فكنا أتينا من قبل أنفنا ومعصية نبينا واختلط المسلمون فصاروا يقتتلون على غير شعار ويضرب بعضهم بعضا ما يشعرون من العجلة والدهشة» «7» وأضاف البلاذري (ت 279 هـ) «وضرب بعض المسلمين بعضا حين اختلطوا ولم يدركوا شعارا وأظهر المسلمون الشعار بعد ذلك فجعلوا يصيحون أمت أمت فكف المسلمون بعضهم عن بعض» «8» وأشار الواقدي (ت 207 هـ) إلى أهمية الشعار ليلا في حديثه عن غزوة الخندق فقال: «خرجت طليعتان للمسلمين ليلا فالتقتا ولا يشعر بعضهما ببعض ولا يظنون إلا أنهم العدو فكانت فيهم جراحة وقتل، ثم نادوا بشعار الإسلام (حم لا ينصرون) فكف بعضهم عن بعض، فكانوا بعد ذلك إذا دنا بعضهم من بعض نادوا بشعارهم» «9» . لقد كان لكل فرقة شعار خاص إضافة إلى شعار عامة الجيش؛ ولهذا قال الشيباني (ت 189 هـ) : «وينبغي أن يتخذ كل قوم شعارا إذا خرجوا في مغازيهم، حتى إن   (1) الزهري، المغازي (ص 79) . (2) عرجون، محمد رسول الله (ج 4، ص 179) . (3) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 229- 231) . وانظر: عرجون، محمد رسول الله (ج 4، ص 181، 182) . (4) الشوكاني، نيل الأوطار (ج 8، ص 57، 58) (ابن العربي) . (5) الجزائرلي، محمد بن محمود بن حسين (ت 1267 هـ) ، اختصار السعي المحمود في نظام الجنود (مخطوط) مصور في مركز الوثائق والمخطوطات، الجامعة الأردنية رقم الشريط (12) ورقة (5) . (6) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 71، 234) . (7) م. ن (ج 1، ص 233) . (8) البلاذري، أنساب (ج 1، ص 322) . (9) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 274) . وانظر: المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 334) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 ضل الرجل عن أصحابه نادى بشعارهم، وكذلك ينبغي أن يكون لأهل كل راية شعار معروف، حتى إن ضل الرجل عن أهل رايته نادى بشعارهم فيتمكن من الرجوع إليهم» «1» ؛ ولذلك فقد كان شعار عامة المسلمين في بدر «يا منصور أمت» «2» ، وكان شعار المهاجرين «يا بني عبد الرحمن» ، وشعار الخزرج «يا بني عبد الله» ، وشعار الأوس «يا بني عبيد الله» «3» ، واستعمل شعار «يا منصور أمت» في غزوة المريسيع «4» وخيبر (7 هـ) «5» وفتح مكة (8 هـ) وحنين (8 هـ) والطائف (9 هـ) «6» ، واستعمل شعار «أمت أمت» في أحد (3 هـ) «7» وفي سرية زيد بن حارثة «8» . وكان هناك نداات خاصة يصدرها القادة للجند فعند إغارة عيينة بن حصن على المدينة (6 هـ) نادى ابن الأكوع «القزع. القزع» «9» واستعمل نداء «يا خيل الله اركبي» «10» إذا ما أريد نداء الفرسان لركوب خيلهم فقد نودي بذلك في غزوة الخندق (5 هـ) وبني قريظة (5 هـ) وغزوة ذي قرد (6 هـ) «11» . ويذكر أن بعض المقاتلة كانوا يتخذون «سيما» «12» يعرفون بها في أثناء القتال وهي عبارة عن علامة يعلّم بها المقاتل أو مجموعة من المقاتلين، ففي بدر (2 هـ) نزلت الملائكة مسوّمة (معلّمة) يشير إلى ذلك القران الكريم بقوله: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [ال عمران: 125] وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد طلب من أصحابه أن يسوموا فقال: «تسوموا فإن الملائكة قد تسومت» «13» ويذكر الواقدي (ت 207 هـ)   (1) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 73) . (2) م. ن (ج 1، ص 73) . (3) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 74) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 67) . الجزائرلي، اختصار ورقة (5) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 328) . (4) الشيباني، شرح كتاب السير (ج 1، ص 74) . (5) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 311) . (6) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 634) (م 2، ص 294) . (7) م. ن (م 2، ص 68) . (8) ابن سعد، الطبقات (ج 2 ص 87) . (9) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 282) . (10) الواقدي، المغازي (ج 2 ص 466) . (11) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 80) . الزمخشري، الفائق (ج 1، ص 299) . الديار بكري، تاريخ الخميس (ج 2، ص 6) . (12) أبو عبيدة، مجاز القران (ج 1، ص 103) . الجزائرلي، اختصار، ورقة (5) . (13) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 76) . ابن قتيبة، تفسير (ص 109) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 86) . الجزائرلي، اختصار، ورقة (5) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 329) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 أن أبا دجانة عصب رأسه بعصابة حمراء في بدر، وكان إذا عصبها علم الناس أنه سيقاتل «1» ، وأشار ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن المسلمين كانت شارتهم في بدر الصوف الأبيض يعلقونه في نواصي الخيل واذانها «2» وكان على الزبير في بدر عصابة صفراء «3» ، وفي أحد (3 هـ) كان حمزة معلّما بريشة نعامة يغرزها في صدره دائما «4» وكذلك علّم عبد الله بن جبير (ت 3 هـ) أمير الرماة بثياب بيض «5» ، وكان بنو سليم يعرفون بأنهم إذا خرجوا للقتال وضعوا رماحهم بين اذان خيلهم «6» وأن الأوس والخزرج كان يعرضونها على خيلهم «7» ، ويؤيد هذا المعنى أن وفد بني سليم عندما جاؤوا لعرض إسلامهم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم اشترطوا عليه أن يجعل لواءهم أحمر وأن يجعله شعارهم وشارتهم فأجابهم إلى طلبهم «8» وذكر ابن العربي (ت 543 هـ) : «أن الاشتهار بالعلامة في الحرب سنة ماضية، وهي هيئة باهية قصد بها الهيبة على العدو، والإغلاظ على الكفار، والتحريض للمؤمنين، والأعمال بالنيات، وهذا من باب الجليات لا يفتقر إلى برهان» «9» . ويبدأ القتال عادة بتحريش أحد الطرفين بالاخر، ففي بدر أمر المشركون عمير بن وهب أن يحرش بين الناس، فحمل وناوش المسلمين «10» . وذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن أول من أنشب القتال في أحد أحد المشركين إذ طلع في خمسين من قومه مع عبيد قريش فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتى تراضخوا بها ساعة «11» . ويتلو التحريش عادة طلب المبارزة، وتتخذ المبارزة صورة فردية حينا، ففي بدر خرج عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة وطلبوا المبارزة «12» .   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 76) . ابن هشام، السيرة (م 2، ص 66) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 15) (عروة) . (2) م. ن (ج 1، ص 76) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 87) . (3) المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 76) . (4) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 259) . ابن قتيبة، تفسير (ص 109) . وانظر: عون، الفن الحربي (ص 256) . (5) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 10) . (6) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 456) . (7) م. ن (م 2، ص 456) . والكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 323) . (8) الجاحظ عمرو بن بحر (ت 255 هـ) ، البيان التبيين، تحقيق فوزي عطوى، بيروت، (1968 م) ، (ج 3، ص 99) . (9) ابن العربي، أحكام القران (ج 1، ص 297) . (10) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 65) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 17) . الذهبي، تاريخ (ج 1، ق 1، ص 97) . (11) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 40) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 123) . (12) الشيباني، شرح (ج 1، ص 174) . الواقدي، المغازي (ج 1، ص 68) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ولقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم يوجه جنده إلى أساليب القتال فقال لهم يوم بدر: «إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم» «1» وكان يقول: «إذا جاؤوكم يزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوسا ثم قولوا: اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم» «2» . وقد يتفق أميرا الجيشين المتنازعين على أن المبارزة تحسم النزاع وتحقن دماء الناس، وإذا لم تحقن المبارزة دماء الفريقين بيدأ التزاحف ويلتقي الجيشان كما حصل في بدر «3» وأحد «4» ، وعند اقتراب المهاجمين من صفوف المسلمين تستخدم الرماح وعند الالتحام يفضي المقاتلة إلى السيوف «5» ، فقد أوصى النبي صلّى الله عليه وسلم في بدر أصحابه «إذا أكثبوكم فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم» «6» وطبق المسلمون ذلك بدقة، يقول أحد الصحابة: «فرأيت أصحاب رسول الله يوم بدر لا يسلّون السيوف وقد انتضوا القسي وقد تترس بعضهم عن بعض بصفوف متقاربة لا فرج بينها، والاخرون قد سلّوا السيوف حين طلعوا، فعجبت من ذلك فسألت أحد المهاجرين بعد ذلك فقال: أمرنا رسول الله ألّا نسلّ السيوف حتى يغشونا» «7» . وكانت أحب أوقات اللقاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أول النهار، فإن لم يقاتل أول النهار أخر ذلك إلى وقت الزوال حتى يحل وقت الصلاة وتهب الرياح ويدعو المسلمون «8» . وعن أنس بن مالك (ت 91 هـ) قال: «كان رسول الله إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار» «9» ، وعندما غزا النبي صلّى الله عليه وسلم خيبر لم يغر عليهم حتى أصبح «10» ، وكان من جملة وصايا القادة للمقاتلة أن يلزموا الصمت عند احتدام المعارك، فقد ذكر عبد الله بن عمر (ت 73 هـ) قول   - ص 17) . الطبري، تاريخ (ج 2، ص 445) . (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 67) . البيهقي الدلائل (ج 3، ص 70) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 67) . (3) ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 40، 41) . الذهبي، تاريخ (ج 1، ق 1، ص 96، 97) . (4) ابن كثير، البداية والنهاية (ج 4، ص 105) . (5) انظر قول عبد الله بن حرام في بيعة العقبة الثانية في: ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 7، 8) . (6) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 67) . (7) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 67، 68) . (8) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1362) . ابن حجر، الفتح (ج 12، ص 201) . المالقي، الشهب (ص 402) . (9) أبو يوسف، الخراج (ص 208) . ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 170) . (10) . الترمذي، الصحيح (ج 7، ص 351) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الرسول صلّى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله، فإن اجتمعوا وصاحوا فيكم فعليكم بالصمت» «1» ؛ ولهذا فقد قال عمير بن وهب لأصحابه يوم بدر: «أما ترونهم خرسا يتلمّظون تلمظ الحيّات» «2» وتتضح حكمة ذلك من قول ابن العربي (ت 543 هـ) : «ولعل ذلك أن كثرة الصوت اللفظي والصراخ مكروهة؛ لأن التصويت في ذلك الوقت ربما يكون مشعرا بالفزع والفشل، وفيه دليل على الثبات ورباط الجأش» «3» . أما في حالة الانتصار فكان الرسول صلّى الله عليه وسلم يبعث مجموعة من الخيالة لاتباع فلول العدو، فذكر الواقدي (ت 207 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث في غزوة الفتح نفرا من أصحابه على الطلب فبعث خالد بن الوليد على وجه، وعمرو بن العاص على وجه، وبعث أبا عامر الأشعري إلى عسكر بأوطاس «4» ، وكذلك فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم في حنين عقد لأبي عامر الأشعري على خيل الطلب، وأمره أن يطلب فلول المشركين حيث انهزمت «5» . وأخيرا فإن للقتال عند المسلمين ادابا حرصوا عليها، فقد حرّم الإسلام قتل من لا يقدر على القتال من عدوهم، فقد أوصى الرسول صلّى الله عليه وسلم قوّاده بقوله: «ولا تقتلوا وليدا» «6» ، ذكر ابن عمر (ت 73 هـ) أن الرسول صلّى الله عليه وسلم وجد امرأة مقتولة في بعض مغازيه فأنكر فعل ذلك «7» ، وكان يقول: «ولا تقتلوا وليدا أو امرأة ... » «8» ، وأوصى النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه بعدم الغدر « ... ولا تغدروا ... » «9» ، وعدم المثلة «.. ولا تمثّلوا ... » «10» ، وعدم الاعتداء على الأرض أو العاملين فيها إلا إذا كانت الأرض تزود الأعداء بالمؤن، فقال: «لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا» «11» ، وقام   (1) منكلي محمد بن محمود (ت 778 هـ) ، التدبيرات السلطانية في سياسة الصناعة الحربية، تحقيق صادق محمد الجميلي، مجلة المورد، بغداد، (1404 هـ، 1983 م) ، (م 12، ص 4، 338) . (2) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 62) . (3) أبو داود، السنن (ج 3، ص 4) . (4) الواقدي، المغازي (ج 2، ص 810) . (5) ابن سعد، الطبقات (ج 7، ص 400) . (6) الشيباني، شرح (ج 1، ص 93) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1357) . (7) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1364) . المقريزي، إمتاع (ج 1، ص 412) . (8) مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1364) . ابن سلام، الأموال (ص 53) . (9) الشيباني، شرح (ج 1، ص 93) . مسلم، الصحيح (ج 3، ص 1357) . (10) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 290) . النيسابوري، أسباب (ص 192) . الزمخشري، الكشاف (ج 2، ص 435) . (11) ابن سلام، الأموال (ص 53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 النبي صلّى الله عليه وسلم بقطع نخل بني النضير، وحرق أولها حتى يضعف شوكة اليهود «1» ، وقد جاءت الإشارة القرانية تؤيد هذا الفعل فقال تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [الحشر: 5] وذكر الشيباني (ت 189 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم أوصى أسامة أن يغير صباحا ويحرّق «2» ، وفي غزوة الطائف أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقطع الكروم حتى يضعف من مقاومة أهلها «3» ، ويذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلم مّر بأوطاس- يريد الطائف- فمرّ بقصر بقصر مالك بن عوف فأمر به فحرق «4» . لقد كانت اداب الإسلام تقضي ألايجهز على جريح، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «ألا لا تجهزنّ علي جريح ... » «5» ، وألّا يتبع من هرب من ساحة القتال لقتله « ... ولا يتبعنّ مدبرا ... » «6» ، وكذلك أمر الإسلام بالإحسان إلي الأسرى وعدم قتلهم « ... ولا يقتلن أسيرا ... » «7» ، وجاءت الاية الكريمة تشعر بذلك فقال تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان: 8] .   (1) الواقدي، المغازي (ج 1، ص 372) . الشافعي، الأم (ج 4، ص 258) . البيهقي، دلائل (ج 3، ص 184) . (2) الشيباني، شرح (ج 1، ص 54) . وانظر: الشافعي، الأم (ج 4، ص 258) . (3) الشيباني، شرح (ج 1، ص 55) الشافعي، الأم (ج 4، ص 258) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 133) (الواقدي) . (4) الشيباني، شرح (ج 1، ص 54) . (5) ابن سلام، الأموال (ص 91) . (6) م. ن (ص 91) . (7) م. ن (ص 91) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الإدارة في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلم الفصل السادس إدارة شؤون القضاء أولا: القضاء في المدينة المنورة. ثانيا: القضاء في الأمصار. ثالثا: المظالم. رابعا: الحسبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الفصل السادس إدارة شؤون القضاء أولا: القضاء في المدينة المنورة لم يكن في الجاهلية نظام قضائي محدد، بل كانت الأعراف والعادات والتقاليد تشكل المصدر الرئيسي الذي يعتمد عليه العرب في حل ما يطرأ من مشكلات وما يقع من خصومات «1» . وعندما جاء الإسلام أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بما أنزل الله من أحكام في أمور الدين والدنيا، وجاء ذلك في الايات الكريمة: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ... [المائدة: 49] «2» ، وقوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ... [النساء: 105] «3» ومن هذه الايات استمد النبي صلّى الله عليه وسلم سلطته القضائية، وبدأت ترتسم معالم النظام القضائي الجديد للدولة الإسلامية. لقد ألزم النظام القضائي الجديد المتخاصمين بقبول حكم النبي صلّى الله عليه وسلم، فلم يعد الأمر قبولا من الطرفين بالتحكيم- كما كان الأمر في الجاهلية- يتضح هذا من الاية الكريمة: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65] «4» ، بذلك أصبح هذا النظام محددا وله سلطاته التشريعية والتنفيذية. كان المسلمون ابتداء إذا عرض لهم حادث أو حصل بينهم خلاف رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمعرفة حكم الإسلام فيجيبهم إما بنص القران وإما بقوله وأفعاله بناء على اجتهاده، ولقد تأكد الرجوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بنص الصحيفة التي كتبها النبي صلّى الله عليه وسلم بين   (1) سعود بن سعد ال دريب، التنظيم القضائي في المملكة السعودية على ضوء الشريعة الإسلامية ونظام السلطة القضائية، الرياض، جامعة محمد بن سعود، د. ت (ص 133، 134) . (2) انظر: الطبري، تفسير (ج 10، ص 392- 394) . القرطبي، الجامع (ج 6، ص 212- 214) . السيوطي، الدر (ج 3، ص 96، 97) . (3) انظر: الطبري، تفسير (ج 8، ص 175- 181) . القرطبي، الجامع (ج 5، ص 375- 377) . السيوطي، الدر المنثور (ج 2، ص 669- 671) . (4) انظر: الطبري، تفسير (ج 5، ص 153) . القرطبي، الجامع (ج 5، ص 266- 269) . السيوطي، الدر المنثور (ج 2، ص 584) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 مواطني المدينة حيث جاء فيها: «وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عزّ وجل وإلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «1» . لقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم المشرع والقاضي والمنفذ «2» ، وهو بذلك جمع بين سلطان التشريع، والتنفيذ، والقضاء، وكان تشريعه للأحكام بصفته رسولا بكونه حاكما عامّا، وانتهت هذه المهمة بوفاته، أما أداؤه لوظيفتي القضاء والتنفيذ فكان تكليفه بهما على سبيل العموم، إذا يقوم بهما الخلفاء من بعده كعمل تقتضيه مصلحة الجماعة «3» . وتشعر روايات المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم مارس الوظيفة القضائية بصفته حاكما لا بصفته نبيّا، فقد روى البخاري (ت 256 هـ) قول أم سلمة: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» «4» ، وفي رواية: «إني أقضي بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه» «5» فكان هذا القضاء مبنيّا على الظاهر من الحجج والبراهين دون معرفة السرائر؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لو قضى بين المتخاصمين بصفته نبيّا لعلم صاحب الحق من غيره، ولكنه قضى بصفته حاكما؛ لأن القضاء مرتبط بالحياة ومتغيراتها، ولا يتوافر لهذا رسل وأنبياء دائما. لقد قام النبي صلّى الله عليه وسلم بمهمة القضاء على أنها وظيفة إدارية تتطلب أن يقوم بها بصفته حاكما للمسلمين أو يكلف من ينوب عنه في ذلك، وكانت وجهة أكثر المتخاصمين أن يعرفوا الحكم فينفّذوه «6» ، يروي البخاري (ت 256 هـ) : أن هند بنت عتبة قالت للنبي صلّى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فأحتاج أن اخذ من ماله، قال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» «7» ، ويلاحظ أن كثيرا من القضايا التي اعتبرت قضاء في   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 504) . وانظر: حميد الله، مجموعة الوثائق، وثيقة رقم (1) ، فقرة رقم (42) ، (ص 62) . (2) وذلك بمقتضى الايات التي تجعل من النبي صلّى الله عليه وسلم مشرعا عن ربه. انظر: الايات: المائدة (اية: 48) . الشورى (اية: 13) . الجاثية (اية: 18) . (3) سعود، التنظيم القضائي (ص 135) . (4) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 89) . وانظر: مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 4) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 13، 14) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 83، 84) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 233- 247) . (5) صحيح مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 5، 6) . (6) القضاء: الحكم، قال أهل الحجاز: القاضي: القاطع للأمور والالتزام بها. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 5، ص 186) . (7) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 89) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 7) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 246، 247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم كانت أقرب ما تكون إلى الإفتاء، وقد جعل هذا المفهوم مجموعة من العلماء يؤلفون كتبا كبيرة في أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم «1» . أما عن الإجراات القضائية المتبعة، فإن المعلومات المتوافرة في كتب الحديث الصحيحة عن قضاء النبي صلّى الله عليه وسلم توضح من شؤون القضاء وتنظيمه ما يجعل قواعده راسخة واضحة في بيان أصول المحاكمة، وما ينبغي للقاضي أن يسلكه في مجلس الحكم، وكيفية سير القاضي مع الخصوم.. إلى غير ذلك. فقد بيّن النبي صلّى الله عليه وسلم «أصول المحاكمة» «2» وما ينبغي أن يكون عليه القاضي في لفظه ولحظه في أثناء سماع الدعوى، فذكر أبو داود (ت 275 هـ) قول عبد الله بن الزبير (ت 73 هـ) : «قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم» «3» . فلابد من التسوية بين الخصمين في الجلوس، فلا يكون أحدهما أقرب إليه من الاخر ولا أرفع مجلسا منه، وأحسن الأوضاع في جلوس الخصمين أن يكون بين يدي القاضي لحديث النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم إنه يتحقق بذلك الخضوع التام لحكم الشارع، والشعور بالصغار أمامه كما يحقق المساواة بينهما أيضا «4» . وكذلك أكد النبي صلّى الله عليه وسلم على ضرورة العدل بين المتخاصمين في اللحظ واللفظ والإشارة، وفي ذلك نقل لنا الدارقطني (ت 385 هـ) قول أم سلمة (ت 62 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل في لحظه ولفظه وإشارته ومقعده «5» » وفي رواية «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في المجلس والإشارة والنظر» «6» ونهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن أن يرفع القاضي صوته على أحد الخصوم دون   (1) انظر مثلا: ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد صلّى الله عليه وسلم (ت 235 هـ) ، أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم. القرطبي (ت 457 هـ) ، أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم. الإشبيلي، عبد الملك بن مروان (ت 549 هـ) والغرناطي أبو جعفر أحمد بن عبد الصمد (ت 582 هـ) لهما كتابان بنفس العنوان السابق) . وختم ابن القيّم كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين» بذكر فصول من فتاويه (وأجوبته) . (2) محمد نعيم ياسين، نظرية الدعوى بين الشريعة الإسلامية وقانون المرافعات المدنية والتجارية، عمان، وزارة الأوقاف، د. ت (ص 69) . (3) أبو داود، السنن (ج 4، ص 16) . (4) ابن فرحون المدني، إبراهيم بن علي بن فرحون (ت 799 هـ) ، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، القاهرة، مطبعة مصطفى الحلبي، (1378 هـ، 1958 م) ، (ج 1، ص 46) . (5) الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر (ت 389 هـ) ، سنن الدارقطني، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني، تحقيق عبد الله هاشم المدني، القاهرة، دار المحاسن (1966 م) ، (ج 4، ص 205) . (6) ابن حجر، أحمد بن علي (ت 852 هـ) ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية، تحقيق عبد الله هاشم المدني، المدينة المنورة، مطبعة الفجالة (1964 م) ، (ج 2، ص 169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الاخر، يتضح هذا من رواية الدارقطني (ت 385 هـ) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من ابتلي بالقضاء بين الناس فلا يرفعنّ صوته على أحد ما لا يرفع على الاخر» «1» وفي هذا أمر صريح بوجوب التسوية بين الخصوم في كل ما يمكن العدل فيه. أما عن كيفية سير القاضي مع الخصوم، فينبغي أن يكون ابتداء نظر الخصومات بالترتيب، فيقدم خصومة من جاء أولا على من جاء بعدهن، ولا يقدم واحدا على من جاء قبله لفضل منزلة أو سلطان «2» ، ويتضح هذا من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» «3» ، ثم عليه أن يسمع ما لدى الخصمين أو الخصوم قبل الفصل في القضية، وترد إشارة إلى ذلك في قول النبي صلّى الله عليه وسلم لعلي بن أبى طالب حين بعثه قاضيا إلى اليمن: «فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع كلام الاخر، فإنه أحرى أن يتبين لك وجه القضاء» «4» . ولما كان القاضي يشكّل طرفا مهمّا في عملية التقاضي فلابد أن تكون هذه العملية في وقت صفاء نفسه وذهنه، ومن ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يقضي حاكم بين اثنين وهو غضبان» «5» ؛ وذلك لأن القاضي لا يستطيع تحري الحق حال الغضب، ومثل الغضب الجوع المفرط، والعطش الشديد، وغلبة النعاس «6» ، يتضح هذا من رواية أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان» «7» وقد أكد الماوردي (ت 450 هـ) هذه المعاني بقوله: «ينبغي للقاضي أن يعتمد بنظره الوقت الذي فيه ساكن النفس، معتدل الأحوال ليقدر علي الاجتهاد في النوازل ... ولمّا نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو يدافع الأخبثين، والصلاة لا تحتاج إلى الاجتهاد إلى ما يحتاج إليه الأحكام، فكان دفع الأخبثين في القضاء أولى» «8» .   (1) وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 31) . الدارقطني، السنن (ج 4، ص 205) . (2) محمد نعيم ياسين، نظرية الدعوى (ج 2، ص 45) . (3) البيهقي، السنن (ج 10، ص 139) . (4) أبو داود، السنن (ج 4، ص 11) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 774) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 72) . (5) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 82) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 15) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 16) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 77- 78) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 237) . (6) نعيم ياسين، نظرية الدعوى (ج 2، ص 35) . (7) الدارقطني، السنن (ج 4، ص 206) . وينظر: وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 83) . (8) الماوردي، أبو الحسن محمد بن حبيب (ت 450 هـ) ، أدب القاضي، تحقيق محيي الدين هلال، بغداد، مطبعة الإرشاد، (1391 هـ، 1971 م) ، (ج 1، ص 213- 216) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وبعد سماع الدعوى وأقوال الخصمين من حجج وأجوبة فعلى القاضي أن يصدر حكمه على الفور وإيصال الحق إلى صاحبه، حيث كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقضي بين الخصوم وفي مجلس المخاصمة الواحد، ولم يكن يرجئهم إلى وقت اخر كما قضى بين الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة التي اختصما فيها «1» ، ويذكر البخاري (ت 256 هـ) : «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث أبا موسى إلى اليمن قاضيا وأميرا ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما بلغ معاذ وجد رجلا موثقا عند أبي موسى فألقى أبو موسى لمعاذ وسادة وقال له: انزل، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان يهوديّا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال معاذ: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله تعالى، ثلاث مرات فأمر به أبو موسى فقتل» «2» . لقد حرص القضاء الإسلامي على تحري العدل في كل أحكامه وإجرااته القضائية، ويتضح هذا ممّا ورد في الايات الكريمة: ... وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ... [النساء: 58] وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... [النحل: 90] ومن الأحاديث التي تؤكد هذا المعنى ما رواه البيهقي (ت 458 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم» «3» ، وذكر النسائي (ت 303 هـ) قول ابن عمر (ت 73 هـ) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» «4» ، ولم يكن ذلك مقصورا على المسلمين، بل تعداهم إلى الناس جميعا فقال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: 8] «5» ، ويطلب العدل أيضا في حالة الحكم على الأقرباء أو الأصدقاء، يقول الله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ... [الأنعام: 152] «6» ، وحذّر النبي صلّى الله عليه وسلم من الجور في القضاء، ويتضح هذا مما   (1) النّسائي، السنن (ج 4، ص 238، 239) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 118) . الماوردي، الأحكام (ص 77) . الشوكاني، نيل الأوطار (ج 9، ص 177) . (2) أحمد، المسند (ج 4، ص 409) . البخاري، الصحيح (ج 9، ص 19) . (3) البيهقي، السنن (ج 7، ص 87) . (4) النّسائي، السنن (ج 8، ص 221، 222) . الشوكاني، نيل الأوطار (ج 9، ص 162) . (5) انظر: الطبري، تفسير (ج 10، ص 95) . القرطبي، الجامع (ج 6، ص 109، 110) . السيوطي، الدر المنثور (ج 3، ص 34- 36) . (6) انظر: الطبري، تفسير (ج 12، ص 225- 228) . القرطبي، الجامع (ج 7، ص 136، 137) . السيوطي، الدر المنثور (ج 3، ص 382- 385) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 رواه ابن ماجه (ت 275 هـ) من قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن الله مع القاضي ما لم يجور، فإذا جار وكله إلى نفسه» «1» ، وعند الحاكم (ت 405 هـ) : «فإذا جار تبرأ الله منه» «2» ، وترد في ذلك رواية عند أبي داود (ت 275 هـ) من قوله عليه السّلام: «لعنة الله على الراشي والمرتشي» «3» وزاد الترمذي (ت 279 هـ) في صحيحه «في الحكم» «4» ؛ وذلك لأن الرشوة تؤدي إلى الجور وتصرف الحاكم عن العدل. لقد اقتضى النظام القضائي في الإسلام أن يكون هناك «وسائل إثبات» لكل دعوى، فهي تحتاج ابتداء إلى بينة؛ ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» «5» ويذكر الدارقطني (ت 385 هـ) قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر» «6» . وتعدّ «الشهادة» في مقدمة وسائل الإثبات، ولذا سميت الشهادة بينة ونصابها في القضاء الإسلامي رجلان أو رجل وامرأتان، ويرد ذلك في قوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ... [البقرة: 282] «7» ، وهذا في جميع حالات القضاء باستثناء حالة الزنا الذي يحتاج إلى أربعة شهود لقوله تعالى: ... وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النساء: 15] «8» وقوله: ... وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور: 4] وبيّن النبي صلّى الله عليه وسلم حال الشهود المعتبرين فقال: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة،   (1) ابن ماجه، السنن (ج 3، ص 775) . وانظر: الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 74) . الشوكاني، نيل الأوطار (ج 9، ص 162) . (2) الحاكم، المستدرك (ج 4، ص 93) . (3) أبو داود، السنن (ج 4، ص 9، 10) . وانظر: وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 45، 46) . (4) الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 76) . (5) البخاري، الصحيح (ج 6، ص 43) . مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 12) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 778) . وانظر: ابن القيم الجوزية، أبا عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ) ، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق محمد جميل أحمد، القاهرة، مطبعة المدني، (1381 هـ، 1961 م) ، (ص 103) . (6) الدارقطني، السنن (ج 4، ص 218) . (7) انظر: الطبري، تفسير (ج 6، ص 62- 68) . القرطبي، الجامع (ج 3، ص 389- 398) . السيوطي، الدر المنثور (ج 2، ص 119- 121) . (8) انظر: الطبري، تفسير (ج 8، ص 73- 75) . القرطبي، الجامع (ج 5، ص 82- 85) . السيوطي، الدر المنثور (ج 2، ص 454- 457) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ولا مجلود وذي غمر على أخيه، ولا مجرب عليه شهادة زور، وقانع أهل البيت، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة» «1» ، وقضى النبي صلّى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين «2» ، أما في حالة الإنكار فعلى المدعي اليمين، وترد في ذلك إشارة من خلال حديث وائل بن حجر في قضية الحضرمي والكندي اللذين أتيا النبي صلّى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم للحضرمي: «ألك بيّنة؟» قال: لا، قال: «فلك يمينه ... » «3» ومن وسائل الإثبات كذلك «الكتابة» ، ولا سيما في الوصية، وأورد البخاري (ت 256 هـ) قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلة أو ليلتين- وقيل: ثلاث ليال- إلا ووصيته مكتوبة عنده» «4» . أما «الإقرار» فهو من أقوى وسائل الإثبات، يتضح هذا من خلال قصة ما عز والغامدية اللذين زنيا، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم برجمهما بناء على إقرارهما بارتكاب جريمة الزنا «5» . ومن وسائل الإثبات كذلك «القرائن والأمارات» ومنها: الفراسة، وقد استخدم النبي صلّى الله عليه وسلم «الفراسة» في إثبات الدعوى كما هو واضح مما رواه ابن إسحاق (ت 151 هـ) أنه لما فتح النبي صلّى الله عليه وسلم خيبر عنوة وفتح جانبها الاخر صلحا اشترط عليهم ألايكتموا ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكا (وعاء) فيه مال وحلي لحيي بن أخطب فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم لعم حيي بن أخطب: «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟» قال: أذهبته النفقات والحروب، فقال: «العهد قريب والمال أكثر من ذلك» ، فدفعه النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب ... فقال: رأيت   (1) البيهقي، السنن (ج 10، ص 200) . القانع: التابع، الخائن والخائنة: من الخيانة، وفي الحديث رد شهادة الخائن والخائنة، قال أبو عبيد (ت 224 هـ) : لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما افترض الله على عباده وائتمنهم عليه. انظر: ابن منظور، اللسان (ج 13، ص 145) . (2) أحمد، المسند (ج 1، ص 248) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 33، 34) . ابن القيم، الطرق الحكمية (ص 145) . (3) صحيح مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 2) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 566) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 86، 87) . الدارقطني، السنن (ج 4، ص 216) . (4) البخاري، الصحيح (ج 4، ص 2) . وينظر: مسلم بشرح النووي (ج 11، ص 88) . الترمذي، الصحيح (ج 8، ص 273) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 282، 283) . النّسائي، السنن (ج 6، ص 239) . (5) البخاري، الصحيح (ج 8، ص 207، 208) . مسلم بشرح النووي (ج 11، ص 197، 198) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 573- 576) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 854) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 201، 202) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 240، 241) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 حييّا يطوف في خربة هنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة، فقتل النبي صلّى الله عليه وسلم ابن أبي الحقيق بالنكث الذي نكثوا «1» ، ويعلق ابن القيم (ت 751 هـ) على ذلك بقوله: «فهاتان قرينتان في غاية القوة كثرة المال، وقصر المدة التي ينفقه كله فيها» «2» . وتعدّ «القرعة» أيضا وسيلة من وسائل الإثبات، وقد استخدم النبي صلّى الله عليه وسلم القرعة في عدة مواضع منها: أنه أقرع بين الأعبد الستة الذين أعتقهم سيدهم ولم يكن له مال غيرهم، وأقرع بين رجلين لمّا تنازعا في دابة، وأقرع بين نسائه لما أراد السفر، وكذلك قصة الرجلين اللذين اختصما في مواريث لهما، لم يكن لهما بينة إلا دعواهما وفيها « ... فاقتسما وتوخّيا الحق ثم استهما ثم تحالّا» «3» ، وأخرج البخاري (ت 256 هـ) في صحيحه بابا سماه «باب القرعة في المشكلات» «4» أما ابن ماجه (ت 257 هـ) فأخرج بابا سماه «باب القرعة» «5» . واستخدم النبي صلّى الله عليه وسلم «القافة» كوسيلة من وسائل الإثبات، وهي معرفة الشبيه بشبهه، ومعرفة أثر الأقدام وتمييزه، يتضح هذا مما ورد في قصة العرنيين أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث قافة فأتى بهم «6» ، واستعملت القافة في إثبات نسب أسامة بن زيد، إذ كان أسودا وأبوه أبيض فدخل مجزز- وكان قافيا- فرأى أسامة وزيدا ينامان في لحاف واحد وقد بدت أرجلهما، فقال: هذه الأقدام- يعنى أقدام أسامة- من هذه، فسرّ النبي صلّى الله عليه وسلم «7» ، وقد علق الشافعي (ت 204 هـ) على هذه الحادثة بقوله: «فيه دلالة أن النبي صلّى الله عليه وسلم رضيه وراه علما؛ لأنه لو كان مما لا يجوز أن يكون حكما ما سرّه ما سمع منه- إن شاء الله تعالى- ولا يسر إلا بالحق» «8» . امتاز القضاء في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم «بالاستقلال» فهو لا يقع تحت أي تأثير من شخص أو سلطة أو عرف، واتضح ذلك من خلال قصة المرأة المخزومية التي رواها   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 336، 337) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 106، 107) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 15) (ابن إسحاق) . (2) ابن القيم، الطرق الحكمية (ص 8، 9) . (3) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 237، 238) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 786) . (4) م. ن (ج 3، ص 237، 238) . (5) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 780) . (6) انظر: البخاري، الصحيح (ج 8، ص 201، 202) . مسلم بشرح النووي (ج 11، ص 154- 156) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 533) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 860) . النّسائي، السنن (ج 7، ص 96) . (7) انظر: الشافعي، الأم (ج 6، ص 247) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 787) . ابن القيم، الطرق الحكمية (ص 235) . (8) الشافعي، الأم (ج 6، ص 247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 البخاري (ت 256 هـ) من قول عائشة (ت 58 هـ) : أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكلم أسامة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟!» ثم قام فخطب فقال: «أيّها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الغنيّ تركوه، وإذا سرق الضعيف منهم أقاموا عليه الحدّ، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» «1» ، وترد إشارة تثبت استقلالية القضاء في حديث معاذ بن جبل (ت 19 هـ) عندما أرسله النبي صلّى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن، فقال له: «بم تقضي إذا عرض لك القضاء؟» قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد رأيي ولا الو ... » «2» ويلاحظ أن قوله «لا الو» تفيد الاستقلالية وعدم الخضوع لأي نوع من أنواع الضغوط؛ مما جعل النبي صلّى الله عليه وسلم يؤيد هذا الفهم من معاذ بقوله: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «3» . ومن الإجراات الإدارية التي أقرّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم «مبدأ استئناف الحكم وتمييزه» يتضح ذلك من خلال مسألة الزبية التي قضى فيها علي بن أبى طالب باجتهاده، وأصل هذه المسألة أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها، فسقط فيها واحد من المجتمعين فجذب ثانيا، وجذب الثاني ثالثا، والثالث رابعا فقتلهم الأسد، فاختلفت قبائلهم حتى كادت تقتتل، فرفع ذلك لعلي بن أبي طالب- وكان قاضيا باليمن- فقال لهم: إني قاض بينكم بقضاء فإن قبلتموه فهو نافذ، وإن لم تقبلوه فهو حاجز بينكم حتى تأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فهو أعلم مني بالقضاء، فأمر بهم أن يجمعوا من الذين شهدوا الحادثة دية كاملة ونصف دية، وثلث دية، وربع دية، فقضى للأسفل بربع الدية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة لجذبه لهم، وللذي يليه بثلث الدية، والذي يليه بنصف الدية من أجل أنه هلك فوقه واحد لجذبه، وللأعلى الذي لم يهلك فوقه أحد بالدية كاملة، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، حتى وافوا رسول الله بموسم الحج، فلما قضى الصلاة جلس عند مقام إبراهيم فساروا إليه فقال: «إني أقضي بينكم إن شاء   (1) ابن حجر، فتح الباري (ج 15، ص 94- 102) . (2) أحمد، المسند (ج 5، ص 230) . وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 98) . (3) أحمد، المسند (ج 5، ص 230) . وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 98) . انظر: ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي «السلطة القضائية» (ج 1) ، بيروت، دار الثقافة، (1398 هـ، 1978 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الله» ، فقال رجل من أقصى القوم، إن عليّا قضى بيننا بقضاء اليمن فقال: «وما هو؟» فقصوا عليه القصة، فأجازه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجعل الدية على القبائل الذين ازدحموا «1» . ويفيد هذا النص أن الإسلام قرر في نظمه القضائية جواز استئناف القضايا المحكوم فيها وتميّزها لدى جهة قضائية أخرى. ويلاحظ من خلال روايات المصادر أنه لم يكن هناك مكان خاص (محكمة) يجلس فيه القاضي للقضاء، فقد قضى النبي صلّى الله عليه وسلم في بيته كما يذكر أبو داود (ت 275 هـ) عن أم سلمة قولها: «اختصم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلان من الأنصار في مواريث متقادمة فقضى بينهما في بيتي» «2» وعنها كذلك: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون لدي ... » «3» وهذا يبين أن النبي صلّى الله عليه وسلم قضى بين الخصمين أمام حجرة زوجه أم سلمة رضي الله عنها. وكان «المسجد» مكانا اخر للقضاء، فقد روى البخاري (ت 256 هـ) قول سهل أخي بني ساعدة أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد «4» ، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد أن يتلاعنا حتى إذا أتى على حد أمر بأن يخرج من المسجد، فيقام عليه الحد؛ إذ إن المسجد يجب أن ينزه عن أن تقام فيه الحدود نظرا لقدسيته، يتضح هذا من خلال قصة الرجل الذي اعترف على نفسه بالزنا أمام النبي صلّى الله عليه وسلم في المسجد فسأله: «أبك جنون؟» قال: لا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «اذهبوا به فارجموه» «5» وذكر ابن قدامة (620 هـ) ما يؤيد أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يجلس في المسجد للقضاء، فقال: «وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يجلس في مسجده مع حاجة الناس إليه للحكومة والفتيا وغير ذلك» «6» . وقضى النبي صلّى الله عليه وسلم في «الطريق» ، فقد أخرج البخاري (ت 256 هـ) في صحيحه بابا سماه «باب القضاء والفتيا في الطريق» «7» .   (1) وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 95- 97) . ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ) ، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، بيروت، دار الجيل، د. ت (ج 2، ص 58) . الزبية: حفرة تحفر للأسد والصيد ويغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها، انظر: ابن منظور، اللسان (ج 14، ص 353) . (2) أبو داود، السنن (ج 4، ص 14، 15) . (3) م. ن (ج 4، ص 13، 14) . (4) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 85) . (5) م. ن (ج 9، ص 85، 86) . مسلم بشرح النووي (ج 11، ص 193) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 577) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 854) . (6) ابن قدامة، المغني (ج 11، ص 389) . (7) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 80) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وهكذا يتبين من خلال الواقع العملي الذي كان عليه قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه لم يكن هناك مجلس خاص للقضاء، وأن المحاكمة كانت علنية في المسجد أو البيت أو الطريق «1» ، ولم تكن الأمور معقدة حتى تحتاج إلى وجود موظفين وكتبة يقومون بالكتابة والتدوين وحفظ السجلات والملفات، إلا ما ورد من إشارات عند الجهشياري (ت 331 هـ) أن عبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عقبة كانا يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم، وفي دور الأنصار بين الرجال والنساء «2» ، ولكن لم تأخذ هذه الكتابة شكلا منظما كما حدث في فترة تالية بعد وضع الدواوين وتنظيمها. أما تنفيذ الأحكام فكان يقوم به الخصوم أنفسهم، فلا يوجد هناك جهاز يقوم على متابعة الأمور والأحكام لتنفيذها إلا في القضايا التي تحتاج إلى تنفيذ عقوبات أو حدود. فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يعهد بتنفيذها إلى من يندبه لذلك «3» ، يتضح ذلك من خلال قصة الرجل الذي اعترف على نفسه بالزنا، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم للحاضرين: «اذهبوا به فارجموه «4» » ، وكما في قصة العسيف (الأجير) الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان يعمل عنده فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يا أنيس اغد على امرأة هذا فسلها؛ فإن اعترفت فارجمها» «5» ، قال هشام بن عمار (ت 153 هـ) : فغدا عليها فاعترفت فرجمها «6» ، ولم يكن أنيس الأسلمي جنديّا مخصصا لهذا العمل، وإنما هو رجل من الصحابة حضر هذا القضاء وكان كفؤا للتنفيذ فندب لذلك «7» . وقام قيس بن سعد بن عبادة (ت 60 هـ) بتنفيذ مجموعة من الحدود بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلم مما جعل بعض المصادر تطلق عليه لقب «صاحب الشرطة» فقال البخاري (ت 256 هـ) : «وكان قيس بن سعد بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من   (1) نعيم ياسين، نظرية الدعوى (ج 2، ص 26) . (2) الجهشياري، الوزراء والكتاب (ص 12) . وانظر: ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 2، ص 215، 216) . (3) سعود، التنظيم القضائي (ص 167) . (4) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 85، 86) . مسلم بشرح النووي (ج 11، ص 193) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 577) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 854) . (5) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 853) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 205، 206) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 241) . (6) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 852) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 205- 206) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 241) . (7) سعود، التنظيم القضائي (ص 167) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الأمير» «1» ولم يكن ذلك على سبيل الوظيفة المخصصة له، فكان البخاري (ت 256 هـ) دقيقا حين قال: «بمنزلة صاحب الشرطة» ، إذ إن هذه الوظيفة ظهرت فيما بعد. يقول ابن حجر (ت 852 هـ) : «وعلى هذا فكان قيسا من وظيفته أن يفعل ذلك بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلم يأمره سواء كان ذلك خاصّا أو عامّا، وفي الحديث تشبيه بمعنى حدث بعده؛ لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في الزمن النبوي فأراد أنس، وهو راوي الحديث- تقريب حال قيس عند السامعين فشبههه بما يعهدونه» «2» ، وقام بهذه المهمة كذلك مجموعة من الصحابة بتكليف من الرسول صلّى الله عليه وسلم منهم علي بن أبى طالب، والزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت «3» ، وهذا كان نواة لنظام العسس الذي اتسع فيما بعد، وأصبح يقوم بمهمات كثيرة، منها العسس، وإقامة الحدود، والتعازير إلى غير ذلك «4» . ولما كان من الناس من لا يثنيه الوعظ ولا يقوده للاستجابة إلى الحق، كان من الضروري تنفيذ الأحكام بطريق «التنفيذ الجبري» ، ومن وسائله الترسيم «5» والسجن أو الحبس، وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبس في تهمة، يروي البخاري (ت 256 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد» «6» وذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) في معرض حديثه عن بني قريظة حين نزلوا على حكم سعد بن معاذ (ت 5 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث- امرأة من الأنصار- حتى ضرب أعناقهم» «7»   (1) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 8) . وانظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 3، ص 1289) . ابن القيم، زاد المعاد (ج 1، ص 65) . (2) ابن حجر، فتح الباري (ج 27، ص 156، 157) . (3) ابن سيد الناس، عيون الأثر (ج 2، ص 396) . ابن القيم، زاد المعاد (ج 1، ص 65) . ابن الجوزي، تلقيح مفهوم الأثر (ص 81) . (4) كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، ومنير البعلبكي (ط 1) بيروت، دار العلم للملايين، (1948 م) ، (ص 50، 51) . محمد الشريف الرحموني، نظام الشرطة في صدر الإسلام إلى أواخر القرن الرابع الهجري، الدار العربية للكتاب، (1983 م) ، (ص 52، 53) . (5) أصل الترسيم، مأخوذ من قولهم: رسم كذا أي كتب، والروسم: بالسين والشين، خشبة بها كتابة يختم بها الطعام أو الغلة على البيدر. انظر: ابن منظور: اللسان (ج 11، ص 242) . (6) البخاري، الصحيح (ج 1، ص 127) ، (ج 3، ص 161) ، (ج 5، ص 214، 215) . النّسائي، السنن (ج 2، ص 46) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 294، 295) . (7) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 240) . وانظر: الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 313) . الكتاني، التراتيب- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وروى النسائي (ت 303 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلّى سبيله» «1» وذكر الحاكم (ت 405 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبس في تهمة يوما وليلة، استظهارا واحتياطا» «2» . ويفيد النص أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يتحفظ على بعض الأشخاص المتهمين وهو ما سمّي فيما بعد «بالحبس الاحترازي» ، ويذكر البيهقي (ت 458 هـ) : «أن النبي صلّى الله عليه وسلم حبس رجلا من جهينة أعتق شركا له في مملوك فوجب عليه استتمام عتقه ... » «3» . وتشير المصادر أن السجن لم يكن للرجال فقط، بل تعدى ذلك إلى النساء، فيروي ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل خيلا تجاه قبيلة طيّىء فسبت خيله بنت حاتم الطائي فجعلت في حظيرة بباب المسجد كانت النساء يحبسن بها» . هذا وقد عرف السجن في الأمم الماضية، فتشير الايات إلى ذلك على لسان يوسف عليه السّلام: ... قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي [يوسف: 33] وقوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف: 42] وكذلك وردت إشارة تبين مشروعية السجن، وذلك من خلال حديث القران عن عقوبة الزنا للنساء، وذلك في العهد المكي قبل نزول اية الجلد، فيقول الله تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15] . والحبس في زمن النبي صلّى الله عليه وسلم ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص، ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بيت أو مسجد أو بتوكيل نفس الخصم أو وكيل الخصم عليه «5» . ولهذا سماه النبي صلّى الله عليه وسلم أسيرا، كما روى أبو داود (ت 275 هـ) وابن ماجه (ت 275 هـ) عن الهرماس بن حبيب عن أبيه، قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: «الزمه» ، ثم قال: «يا أخا بني تميم، ما تريد أن تفعل   - الإدارية (ج 1، ص 294- 295) . (1) أبو داود، السنن (ج 4، ص 46، 47) . النّسائي، السنن (ج 8، ص 68) . الحاكم، المستدرك (ج 4، ص 102) . القرطبي، أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم (ص 4) . (2) الحاكم، المستدرك (ج 4، ص 102) . (3) البيهقي، السنن (10) ، (ص 274) . القرطبي، أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم (ص 5) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 579) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 313) . الكتاني، التراتيب (ج 1، ص 300) . (5) ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الدمشقي (ت 728 هـ) ، الفتاوى الكبرى، الطبعة الأولى، (1398 هـ) ، د. ت (ج 35، ص 398) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بأسيرك؟» «1» وفي رواية ابن ماجه (ت 275 هـ) ثم مر بي اخر النهار، فقال: «وما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟» «2» ، «وهذا هو الحبس على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم، ولم يكن على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر حبس معدّ لسجن الناس، وإنما هو تعويق الشخص بمكان من الأمكنة، أو يقام عليه حافظ وهو الذي يسمى الترسيم» «3» .   (1) أبو داود، السنن (ج 4، ص 46) . (2) ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 811) . (3) ابن تيمية، الفتاوى الكبرى (ج 35، ص 399) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الفصل السادس إدارة شؤون القضاء ثانيا: القضاء في الأمصار لم يكن للمسلمين في حاضرة الدولة (المدينة) قاض سوى النبي صلّى الله عليه وسلم؛ إذ إنه تولى القضاء بنفسه، وولاه- أحيانا- غيره من الصحابة في حضرته، ليعلمهم كيفية القضاء بين الناس وأصوله حتى يقوموا بهذا الدور في حال غيابه أو وفاته، أو من أجل تدريبهم واختبارهم قبل إرسالهم للقضاء في أمصار الدولة المختلفة. ذكر الحاكم (ت 405 هـ) أنه أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلم خصمان، فقال لعمر بن الخطاب: «اقض بينهما» «1» ؛ ولذلك قال عثمان بن عفان (ت 35 هـ) لعبد الله بن عمر (ت 73 هـ) في خلافته: «اذهب فاقض بين الناس، قال: أو تعافني يا أمير المؤمنين؟ قال: وما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... » «2» وذكر معقل بن يسار (ت 65 هـ) قال: «أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أقضي وقال: إن الله مع القاضي ما لم يجف عمدا» «3» ويروي الدارقطني (ت 385 هـ) : أن قوما اختصموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خص (بيت من قش) كان بينهم، فبعث حذيفة يقضي بينهم فقضى للذين يليهم معاقد القمط (ما تشد به الأخصاص وغيرها) ، فلما رجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم أخبره فقال: «أصبت وأحسنت» «4» واستقضى النبي صلّى الله عليه وسلم عقبة بن عامر الجهني في خصومة معينة، فقد روى أحمد (ت 241 هـ) قال: جاء خصمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يختصمان فقال: «قم يا عقبة اقض بينهما» ، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أنت أولى بذلك قال: «وإن كان اقض بينهما» «5» وكان هؤلاء الذين قضوا في حضرة النبي صلّى الله عليه وسلم في حادثة أو أكثر كانت ولاية أحدهم تنتهي بالفصل في هذه الحادثة.   (1) المستدرك، الحاكم (ج 4، ص 88) . وانظر: الماوردي، أدب القاضي (ج 2، ص 387) . (2) ابن العربي، عارضة الأحوذي بشرح الترمذي (ج 6، ص 63، 64) . (3) أحمد، المسند (ج 5، ص 26) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 1، ص 258) . وانظر: أحمد عبد المنعم البهتي، تاريخ القضاء في الإسلام، القاهرة، مطبعة لجنة البيان العربي، (1965 م) ، (ص 61، 62) . (4) الدارقطني، السنن (ج 4، ص 229) . وانظر: القرطبي، أقضية الرسول صلّى الله عليه وسلم (ص 87) . (5) الدارقطني، السنن (ج 4، ص 203) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 ولما اتسعت الدولة الإسلامية لتشمل الجزيرة، كان لابد من إرسال الولاة إلى أطراف الدولة المختلفة يعهد إليهم بالقضاء كجزء من أعمالهم في إدارة شؤون الولاية، فبعث عليّا إلى اليمن وقال له: «ادعهم إلى الإسلام ... واقض بينهم» فقال: لا علم لي بالقضاء، فدفع في صدره وقال: «اللهم اهده للقضاء» «1» ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يزود قضاته بمجموعة من التوجيهات، ومن ذلك ما رواه علي قال: بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء، فقال: «إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الاخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء» ، قال علي: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد «2» . وتشعر الروايات أن عليّا بقى قاضيا في اليمن حتى جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع ولم يرجع إليها بعد ذلك «3» . كما بعث معاذ بن جبل وأبا موسى إلى اليمن عام فتح مكة، أي في أواخر السنة الثامنة للهجرة، وقيل: قبل حجة الوداع، ولكن المصادر لا تذكر تاريخا محددا لإرسال كل من علي ومعاذ وأبي موسى إلى اليمن، ويمكن القول أن عليّا ذهب لفترة قصيرة ثم عاد إلى المدينة حيث شارك في حجة الوداع (10 هـ) «4» ثم أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم معاذا وأبا موسى إلى اليمن، وبقيا في اليمن حتى وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم. وكانت اليمن قد قسمت بين معاذ وأبي موسى، فكان لمعاذ الجهة العليا صوب صنعاء (اليمن الشمالي حاليّا) ، وكان من عمله أيضا الجند، وهو مكان يبعد عن صنعاء ثمانية وخمسين فرسخا «5» ، وكانت جهة أبي موسى السفلى (اليمن الجنوبي حاليّا) ، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه صار قريبا من صاحبه، فيزوره ويسلّم   (1) أبو داود، السنن (ج 4، ص 11، 12) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 7) . الحاكم، المستدرك (ج 4، ص 88) . وانظر: وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 84، 86، 87، 88) . (2) أبو داود، السنن (ج 4، ص 11، 12) . ابن ماجه، السنن (ج 2، ص 774) . وانظر: ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 327- 338) . وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 84، 85) . الخزاعي، تخريج الدلالات (ص 264، 265) . (3) ذكرت المصادر كذلك أن عليّا شارك أبا بكر في حجه (9 هـ) ، وشارك الرسول صلّى الله عليه وسلم في حجة الوداع (10 هـ) . انظر: ابن هشام، السيرة (م 2، ص 602) (ابن إسحاق) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 122- 148) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 545، 602) . والطبري، تاريخ (ج 3، ص 122، 148) . (5) ياقوت، معجم البلدان (ج 2، ص 169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 عليه، وكانا قد بعثا واليين وقاضيين يعلّمان الناس القران وشرائع الإسلام، وزودهم النبي صلّى الله عليه وسلم بتوجيهاته فقال: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» «1» . ويلاحظ أن النبي صلّى الله عليه وسلم لجأ إلى أسلوب الاختيار للتأكد من صلاحية المرشح للقضاء وكفاءته قبل إسناد الوظيفة إليه، يتضح ذلك من خلال أسئلة النبي صلّى الله عليه وسلم لمعاذ عندما أرسله قاضيا قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله ... فضرب رسول الله في صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «2» ويذكر ابن إسحاق (ت 151 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح قاضيا إلى نجران، وذلك أن وفد نجران طلبوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبعث معهم رجلا من أصحابه يرضاه لهم يحكم بينهم في أمور اختلفوا بينهم فيها، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلم أبا عبيدة، وقال له: «اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه» «3» ، وكذلك استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد (ت 13 هـ) على مكة بعد فتحها (8 هـ) واليا وقاضيا «4» . وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى الولاة الاخرين فكانوا يقومون بفض الخصومات وتنفيذ الأحكام وتعليم الناس الإسلام «5» . وهذا يفيد أن ولاية القضاء لم تكن مستقلة، بل كانت ضمن الولاية العامة التي تشمل القضاء وغيره.   (1) البخاري، الصحيح (ج 5، ص 204) . وكيع، أخبار القضاة (ج 1، ص 10) . (2) أحمد، المسند (ج 5، ص 230) . أبو داود، السنن (ج 4، ص 18، 19) . الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 68، 69) . البيهقي، السنن (ج 9، ص 86) . (3) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 584) . البيهقي، السنن (ج 9، ص 86) . (4) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 440، 500) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 137) . الأزرقي، أخبار مكة، (ج 2، ص 40) . (5) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 294) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 128، 129) (ابن إسحاق) . المقريزي، إمتاع الأسماع (ص 501، 502) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الفصل السادس إدارة شؤون القضاء ثالثا: المظالم كان حلف الفضول الذي عقدته قريش في دار ابن جدعان لرد المظالم التي تقع في مكة دليلا واضحا على وجود المظالم في الجاهلية «1» ، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد حضر هذا الحلف قبل النبوة، ثم أقره بعدها فقال: «لا يزيده الإسلام إلا شدة» «2» ، وروى أحمد (ت 241 هـ) قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه» «3» ، وهذا يفيد أن إقرار النبي صلّى الله عليه وسلم له يجعله في حكم وكأنه كان. بعد الإسلام، يقول الماوردي (ت 450 هـ) : «إلا أنه صار بحضور رسول الله صلّى الله عليه وسلم له، وما قاله في تأكيد أمره حكما شرعيّا وفعلا نبويّا» «4» . وتشعر الروايات بأن نظر أمر المظالم- في هذه الفترة- كانت داخلة في القضاء، فتذكر المصادر أن النبي صلّى الله عليه وسلم- وهو قاضي المسلمين في المدينة- قد نظر المظالم في الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوام (ت 36 هـ) ورجل من الأنصار فحضره بنفسه وقال: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» ، فقال الأنصاري: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن كان ابن عمتك، فتلون وجهه ثم قال: «اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجذر- أصل الحائط- ثم أرسل الماء إلى جارك» «5» قال الزهري (ت 124 هـ) : «واستوفى النبي صلّى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار   (1) ابن هشام، السيرة (م 1، ص 122) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 126- 128) . ابن حبيب، المحبر (ص 167) . المنمق (ص 45- 50) . اليعقوبي، تاريخ (ج 3، ص 17، 18) . الفاسي، شفاء الغرام (ج 2، ص 99، 100) . (2) أحمد، المسند (ج 2، ص 207) . الدارمي، السنن (ج 2، ص 243) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 338) . (3) أحمد، المسند (ج 1، ص 190، 193) . وانظر: ابن هشام، السيرة (م 1، ص 122) . ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 126- 128) . ابن حبيب، المحبر (ص 167) . المنمق (ص 45- 50) . ويبدو أن النبي صلّى الله عليه وسلم يقصد بحلف المطيبين حلف الفضول، وهو الذي حضره النبي صلّى الله عليه وسلم وكان كثير من المشتركين في حلف المطيبين قد اشتركوا في حلف الفضول. (4) الماوردي، الإحكام (ص 268) . (5) الترمذي، الصحيح (ج 6، ص 118) ، النسائي، السنن (ج 4، ص 238، 239) . الماوردي، الأحكام (ص 77) . النويري، نهاية الأرب (ج 6، ص 268) . الشوكاني، نيل الأوطار (ج 9، ص 177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 عليهما بأمر لهما فيه سعة» «1» وقد عدّ بعضهم هذه القصة من المظالم، لكون أحد المتخاصمين ابن عمة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فظن الأنصاري أن الزبير أخذ هذا الحقّ لقربه من الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكنّ النبيّ بين الحكم الذي ينبغي أن يتبع في أمر السقاية بين الجيران «2» . ومن الحوادث التي وقعت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم واعتبرت من نظر المظالم ما رواه أبو داود (ت 275 هـ) أنه: «كان لسمرة بن جندب عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع الرجل أهله، فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فطلب إليه أن يبيعه أو ينقله فأبى ثم رغبه أن يهبها له، والله يثيبه أكرم مثوبة فأبى، فقال عليه السّلام: «أنت مضار» ، ثم قال للأنصاري: «اذهب فاقلع نخله» «3» وهذا يوضح أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يختر الحكم الذي ينهي الخصومة فقط كبيع النخيل أو هبته، إنما اختار الحكم الذي ينهي الخصومة، ويردع الظالم لإساءته استعمال حقه، فقضى بقلع النخل وهو ما يجاوز حكم القضاء، ويدخل في نطاق نظر المظالم الذي تظهر منه السياسة الشرعية؛ تحقيقا للمصلحة العامة «4» . واعتبر ما وقع لابن اللتبية أساسا واضحا لقضاء المظالم؛ لأن ما أعطي ابن اللتبية من الهدايا كان بسبب استغلال نفوذه الوظيفي «5» ، ولهذا فقد احتاج هؤلاء الولاة والعمال إلى سلطة أعلى من سلطة القضاء، والتي تجمع بين حكم القضاء، وهيبة السلطة، وهو ما سمي فيما بعد «بقاضي المظالم» ، يقول الماوردي (ت 450 هـ) معرّفا نظر المظالم: «هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروطه أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع؛ لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة، وثبت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين» «6» وقد تمثلت هذه الصفات جميعا في رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ينظر في هذه القضية.   (1) الشوكاني، نيل الأوطار (ج 9، ص 178) (الزهري) . (2) سعود، التنظيم القضائي (ص 176، 177) . (3) ابن القيم، عون المعبود (ج 10، ص 64، 65) . (4) صبحي الصالح، النظم الإسلامية (ص 321) . (5) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 209) ، (ج 8، ص 163) ، مسلم بشرح النووي (ج 12، ص 318- 200) . أبو داود، السنن (ج 3، ص 354، 355) . (6) الماوردي، الأحكام (ص 77) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ونظر النبي صلّى الله عليه وسلم المظالم- بهذا المفهوم- في قصة خالد بن الوليد حين قتل مقتلة من قبيلة جذيمة بعد أن أعلن أهلها الخضوع، فاستنكر النبي صلّى الله عليه وسلم ذلك العمل وأرسل علي بن أبي طالب ليرفع المظلمة عن هذه القبيلة، فدفع دية قتلاها، لكون القتل وقع خطأ «1» ، وكذلك عزل النبي صلّى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي (ت 14 هـ) عن البحرين بعد أن شكاه أهلها، وولى بدلا عنه أبان بن سعيد وقال له: «استوص بعبد القيس خيرا، وأكرم سراتهم» » . وهكذا يتبين أنه لم يكن هناك في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم ولاية مستقلة للمظالم، وما ورد من إشارة عند ابن عبد ربه (ت 328 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم: كان قد استعمل أبا سفيان على نجران فولاه الصلاة والحرب، ووجه راشد بن عبد ربه السلمي أميرا على المظالم والقضاء «3» لم تؤيدها المصادر الاخرى، ولكن إن صح الخبر، فإنّ هذا يؤيد ما قلناه من أنه لم يكن هناك ولاية مستقلة للمظالم، بل كانت ضمن ولاية القضاء، فكان الرسول صلّى الله عليه وسلم وولاته يقومون بأنفسهم برفع مظالم الرعية والنظر فيها، يقول ابن العربي (ت 543 هـ) : «هذه ولاية المظالم أحدثها من تأخر من الولاة لفساد الولاية وفساد الناس، وهي عبارة عن كل حكم يعجز عنه القاضي، وينظر فيه من هو أقوى يدا منه» «4» .   (1) ابن هشام، السيرة (م 2، ص 430) (ابن إسحاق) . ابن سعد، الطبقات (ج 2، ص 147) (قالوا) . الطبري، تاريخ (ج 3، ص 67) (ابن إسحاق) . (2) ابن سعد، الطبقات (ج 4، ص 360، 361) . وانظر: حمدي عبد المنعم، ديوان المظالم (ط 1) بيروت، دار الشروق، (1403 هـ، 1983 م) ، (ص 51، 52) . (3) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج 6، ص 11) . (4) ابن العربي، أحكام (ج 4، ص 1631) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الفصل السادس إدارة شؤون القضاء رابعا: الحسبة قام النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بموجب ما ورد من ايات تأمر بذلك، يقول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... [ال عمران: 110] وقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [ال عمران: 104] «1» وقد أصبحت هذه المهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بعد ولاية مستقلة تسمى ولاية «الحسبة» . والحسبة- بهذا المفهوم- وظيفة إدارية مارسها النبي صلّى الله عليه وسلم بنفسه، وقلدها غيره «2» ، يروي مسلم (ت 261 هـ) أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يتجول في أسواق المدينة للمراقبة. وأنه مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: «يا صاحب الطعام ما هذا؟» فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟» ثم قال: «من غش فليس منا» «3» . وذكر البخاري (ت 256 هـ) قول ابن عمر (ت 73 هـ) : «أنهم كانوا- أي الصحابة- يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبعث إليهم من يمنعهم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم» «4» ، وذكر مسلم (ت 261 هـ) قول سالم بن عبد الله أن أباه قال: «وقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في أن يبيعوه في مكانهم، وذلك حتى يؤووه إلى رحالهم» «5» فكانت مراقبة الأسواق جزا من مهام المحتسب، وفي فترة لاحقة استعمل النبي صلّى الله عليه وسلم بعض أصحابه للقيام بهذه المهمة، فاستعمل سعيد بن العاص بن أمية (ت 9 هـ) على سوق مكة بعد الفتح «6» ، وكان أول موظف محتسب في الإسلام، كما استعمل   (1) انظر: الطبري، تفسير (ج 7، ص 90- 92) . القرطبي، الجامع (ج 4، ص 165، 166) . السيوطي، الدر المنثور (ج 2، ص 288، 290) . (2) أبو سن، الإدارة في الإسلام (ص 40) . (3) مسلم، الصحيح (ج 1، ص 99) . (4) البخاري، الصحيح (ج 3، ص 87، 95) وانظر: مسلم بشرح النووي (ج 10، ص 162، 164) . (5) مسلم بشرح النووي (ج 10، ص 170) . (6) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 2، ص 621) ، القلقشندي، صبح الأعشى (ج 5، ص 452) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 عمر بن الخطاب على سوق المدينة «1» . وكان من مهام المحتسب أيضا حث الناس على صلاة الجماعة والجمعة، ويتضح ذلك من خلال حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن امر أصحابي أن يجمعوا حطبا وامر بالصلاة، فيؤذن لها، وتقام، ثم أخالف إلى منازل أقوام لا يحضرون الصلاة فأحرقها عليهم» «2» . وكان الولاة يقومون بهذه المهمة في الأمصار، أو يقلدون من يقوم بها، ولكن المصادر لم تسعفنا بذكر أسماء هؤلاء على اعتبار أن مهمة الحسبة كانت جزا من المهام العامة لكل وال من الولاة. وهكذا يتبين لنا أن ولاية الحسبة قد نشأت في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم، ولكنها كانت في نطاق محدود، شأنها شأن كل ولاية في بدء نشأتها وتكوينها، وتبين كذلك عدم دقة القلقشندي (ت 821 هـ) حين قال: «إن أول من قام بهذا الأمر (الحسبة) ووضع الدرة عمر بن الخطاب في خلافته» «3» .   (1) القلقشندي، صبح الأعشى (ج 5، ص 452) . الكتاني، التراتيب الإدارية (ج 9، ص 287) . (2) البخاري، الصحيح (ج 9، ص 101) . النسائي، السنن (ج 2، ص 107) . (3) القلقشندي، صبح الأعشى (ج 5، ص 452) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الخاتمة توصلت الدراسة إلى النتائج التالية: أن مصطلح «الإدارة» لم يعرف في الجاهلية وصدر الإسلام، فلم ترد هذه الكلمة في الكتاب أو السنة أو أشعار العرب أو المعاجم اللغوية، مما يؤكد أنها حديثة الاستعمال بلفظها، وإن كانت موجودة بمعناها في واقع الحال. أن الوظائف الإدارية في القبيلة العربية اقتصرت على خدمة القبيلة وتحقيق حاجاتها الداخلية والخارجية، ولم تتطور هذه الوظائف لتصبح نظاما إداريّا واضح المعالم مرسوم الخطوات. أن الوظائف الإدارية في مكة قبل الإسلام هي عبارة عن ممارسات إدارية وجدت لخدمة البيت وحماية مكة، وهي في جوهرها أعراف قبلية تطورت بحسب مقتضيات المصالح المكية. كانت الحياة في يثرب قبل الإسلام، حياة قبلية فرضت عليها الحياة الزراعية نوعا من الاستقرار، وهذا أوجد بعض الممارسات الإدارية التي تتطلبها حياة الاستقرار. ظهرت ملامح النظام الإداري في فترة الرسالة من خلال نظام النقباء الذي أوجده النبي صلّى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، وإيجاد التسلسل الهرمي في المسؤولية، وإقرار مبدأ التفويض والإنابة. طبق النبي صلّى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة مبدأ التخطيط، ورسم الأهداف بتقسيم العمل بين أصحابه، للوصول بسلام إلى أرض الدولة الإسلامية الجديدة. قام النبي صلّى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة بإجراات إدارية ضرورية، حيث أسس المسجد الذي يعدّ أول مقر للحكم والإدارة، كما اخى بين المسلمين بطريقة تنظيمية حققت هدفا، وهو التنظيم الاجتماعي داخل الدولة، وأنشأ سوقا تجارية، ووضع دستورا ينظّم أمر المدينة، ويبين حقوق الأفراد وواجباتهم لإيجاد واحدة بين مواطني المدينة في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية. اتبع الرسول صلّى الله عليه وسلم في إدارته لدولته الناشئة أسلوبا مركزيّا، حيث تجمعت كل السلطات في يده، وذلك استجابة لمتطلبات الدولة، كما كان أحيانا يتبع أسلوب اللامر كزية الإدارية؛ مراعاة لحسن إدارة الأمصار النائية. قسم الرسول صلّى الله عليه وسلم الدولة إلى واحدات إدارية شملت مناطق ومدنا، وقبائل، وعين على كل واحدة إدارية واليا يدير شؤونها. مارس النبي صلّى الله عليه وسلم مبدأ «اختيار الأصلح» في تعيين رجال إدارته، وقام بالرقابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الإدارية عليهم، إذ كان يولي مظالم الرعية اهتماما بالغا. أنشأ النبي صلّى الله عليه وسلم جهازا كبيرا من الكتاب، وقسمهم إلى مجموعات تخصصية لمواجهة متطلبات الدولة الناشئة. إن الدولة ممثلة بالرسول صلّى الله عليه وسلم هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ الأحكام الخاصة بالمال، بالطرق والأساليب التي تراها محققة للمصلحة. أنشأ النبي صلّى الله عليه وسلم جهازا إداريّا لجمع الأموال المستحقة وحفظها وتوزيعها على أصحابه، وكان يخضع هؤلاء للرقابة والمحاسبة المركزية المستمرة. اهتم النبي صلّى الله عليه وسلم بتنظيم أمور الزراعة، والتجارة، والصناعة من خلال سنّ التشريعات اللازمة لتنظيم شؤونها. كان يتمّ تجهيز المقاتلة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم عن طريق تبرع المجاهدين أنفسهم، وتبرعات الأغنياء من الصحابة، أو عن طريق استعارة الأسلحة أو شرائها، وكان للغنائم وعقود الصلح دور كبير في تجهيز المقاتلة بالطعام والكساء والسلاح. عرف المسلمون في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم نوعا من التسلسل في الرتب القيادية، فمن العرّيف إلى النقيب، فأمير السرية حتى الوصول إلى أمير المقاتلة جميعهم. لقد اهتم النبي صلّى الله عليه وسلم بوضع الخطط للقتال بالاستفادة من طبيعة الأرض والظواهر الجوية، والتكتم، والعيون للوصول إلى الهدف المنشود وهو النصر على الأعداء. إن القضاء في الإسلام يستمد قوته من الدولة في إلزام المتخاصمين بالتحاكم إليه، وفي تنفيذ أحكامه، حيث منعت الشريعة أصحاب الحقوق من استيفائها بأنفسهم وقوتهم الشخصية. إن ولاية القضاء لم تفصل في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم عن غيرها من الولايات الاخرى؛ نظرا لقلة القضايا، وصغر حجم الدولة والطبيعة البدوية البسيطة للمجتمع. امتاز القضاء في هذه الفترة باستقلال القاضي في الحكم، حيث لم يقيد النبي صلّى الله عليه وسلم أحدا ممن ولّاه القضاء بشيء معين سواء كانت التولية ضمن الولاية العامة أو في قضية خاصة، فقد قال لحذيفة: «اذهب فاقض بينهم» . تقوم أركان المحكمة على القاضي والشهود، وليس هناك كتبة أو موظفون؛ لبساطة نظام الإسلام، وعدم وجود تعقيد في البداية. عرف السجن في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم- بمعناه الشرعي- وذلك بحبس المتهم في مكان ضيق، وقد ثبت بالسنة العملية مشروعية السجن حال الاتهام حتى يتجلى الأمر وتتضح الحقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وجدت المظالم والحسبة في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم على نطاق ضيق ومحدود، وذلك شأن كل ولاية في بدء نشأتها وتكوينها، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يباشرهما بنفسه أو يقلدهما غيره. واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ملحق رقم (1) كتابه صلّى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار واليهود بسم الله الرحمن الرحيم نص الوثيقة «1» : 1- هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش، (وأهل) يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. 2- إنهم أمة واحدة من دون الناس. 3- المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 4- وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 5- وبنو الحارث (بن الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 6- وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 7- وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 8- وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 9- وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 10- وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 11- وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 12- وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف من فداء أو عقل.   (1) نقلتها من كتاب مجموعة الوثائق السياسية؛ لأنه قارن بين سائر الروايات وأثبت الاختلافات في الحاشية انظر منه: (ص 57- 64) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 (12 ب) وألّا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه. 13- وإن المؤمنين المتقين (أيديهم) على (كل) من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظالم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم. 14- ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن. 15- وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. 16- وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم. 17- وإن سلّم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في سبيل الله إلّا على سواء وعدل بينهم. 18- وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا. 19- وإن المؤمنين يبئ بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله. 20- وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه. (21 ب) وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن. 21- وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول (بالعقل) وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه. 22- وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وامن بالله واليوم الاخر أن ينصر محدثا أو يؤويه، وإن من نصره أو اواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. 23- وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد. 24- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 25- وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. 26- وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. 27- وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. 28- وإن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. 29- وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. 30- وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 31- وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. 32- وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. 33- وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم. 34- وإن موالي ثعلبة كأنفسهم. 35- وإن بطانة يهود كأنفسهم. 36- وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد. (36 ب) وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا. 37- وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم. (37 ب) وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم. 38- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 39- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. 40- وإن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم. 41- وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. 42- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره. 43- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها. 44- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب. 45- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين. (45 ب) على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم. 46- وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. 47- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو اثم، وإنه من خرج امن ومن قعد امن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ملحق رقم (2) أسماء الولاة والعمال في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم الاسم نسبه العائلي سنة الوفاة الوظيفة اسم المدينة أو الولاية تاريخ التعيين المصدر عتّاب بن أسيد ابن العاص بنو أميّة 13 هـ وال مكة 8 هـ ابن هشام، السيرة النبوية (ج 2، ص 440) . عثمان بن أبي العاص بنو أميّة 45 هـ وال الطائف 9 هـ م. ن (ص 540) . باذان بن ساسان فارسي 10 هـ وال اليمن 9 هـ ابن حزم، جوامع السيرة (ص 23) . شهر بن باذان فارسي/ وال صنعاء وأعمالها 10 هـ م. ن (ص 23) . خالد بن سعيد ابن العاص قريش/ عبد شمس 14 هـ وال صنعاء وأعمالها 10 هـ البلاذري، أنساب الأشراف (ج 1، ص 93، 94) . معاذ بن جبل الأنصار/ سلمة 19 هـ وال عامل الجند 10 هـ ابن هشام (ج 2، ص 600) . البلاذري، أنساب (ج 1، ص 97، 98) . أبو موسى الأشعري الأشعريون 42 هـ وال عامل مارب 10 هـ البلاذري (ج 1، ص 93، 94) . علي بن أبي طالب بنو هاشم 40 هـ عامل نجران/ اليعقوبي، تاريخ (ج 2، ص 76) . عمرو بن حزم النجار 51 هـ وال عامل نجران 9 هـ م. ن (ج 1، ص 93، 94) . أبو سفيان بن حرب قريش/ عبد شمس 32 هـ وال نجران 10 هـ م. ن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 عامر بن شمر الهمداني همدان/ وال همدان/ ابن خالدون، تاريخ (ج 2، ص 843، 844) . طاهر بن أبي هالة تميم/ وال عك والأشعريين/ م. ن (ص 844) . زياد بن لبيد الأنصار/ بياضة 41 هـ وال عامل بعض حضرموت 9 هـ البلاذري (ج 1، ص 529) . صرد بن عبد الله الأزد/ عامل الصدف 9 هـ ابن هشام (ج 2، ص 600) . وائل بن حجر ربيعة 50 هـ وال بعض حضرموت 9 هـ ابن عبد البر، الاستيعاب (ج 4، ص 1562) العلاء بن الحضرمي مولى عبد شمس 14 هـ وال عامل البحرين 9 هـ ابن سعد، الطبقات (ج 1، ص 236) . المنذر بن ساوي عبد قيس 11 هـ وال البحرين 9 هـ م. ن إبان بن سعيد ابن العاص بنو أميّة 15 هـ وال البحرين 10 هـ م. ن (ص 360، 361) . عمرو بن العاص قريش 43 هـ وال عامل عمان 9 هـ ابن هشام (ج 2، ص 600) . عمرو بن سعيد ابن العاص بنو أميّة 12 هـ وال (تبوك، فدك، خيبر) 9 هـ خليفة بن خياط، تاريخ (ج 1، ص 62) . صرد بن عبد الله الأزد/ وال جرش 9 هـ ابن سعد (ج 1، ص 337) . حذيفة بن اليمان عبس 36 هـ وال دبا 9 هـ م. ن (ج 5، ص 527) . أبان بن سعيد ابن العاص بنو أميّة 15 هـ وال الخط 9 هـ ابن حزم، (ص 24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بلال بن الحارث مزينة 60 هـ وال وادي العقيق 9 هـ ياقوت، معجم البلدان (ج 4، ص 139) . علي بن الحارث بن كعب كعب/ شيخ بنو الحارث 9 هـ ابن هشام (ج 2، ص 594) . قضاعي بن عمرو بنو عذرة/ شيخ بنو عذرة 9 هـ ابن سعد (ج 1، ص 270) . صرد بن عبد الله الأزد/ شيخ الأزد 9 هـ م. ن (ج 1، ص 338) . قيس بن مالك همدان/ شيخ همدان 9 هـ م. ن (ص 240) . امرؤ القيس بن الأصبع بنو كلب/ شيخ كلب 9 هـ الطبري، التاريخ (ج 3، ص 243) . قيس بن مالك الأرجبي أرحب/ شيخ بنو أرحب 9 هـ ابن سعد (ج 1، ص 341) . عبادة بن الأشيب عنز/ شيخ عنز 9 هـ ابن الأثير، أسد الغابة (ج 3، ص 104) . المهاجر بن أبى أمية مخزوم 12 هـ عامل صنعاء/ ابن هشام (ج 2، ص 600) . عدي بن حاتم الطائي طيء 67 هـ عامل طيّء أسد 10 هـ م. ن (ج 2، ص 600) . خالد بن سعيد بنو أميّة 14 هـ عامل مراد ومذحج 10 هـ م. ن مالك بن نويرة تميم 12 هـ عامل بنو حنظلة 10 هـ م. ن الزبرقان بن بدر تميم 45 هـ عامل ناحية من بني سعد 10 هـ م. ن قيس بن عاصم تميم/ عامل ناحية من بني 10 هـ م. ن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 ابن اللتبية الأزد/ عامل بنو سليم/ البخاري، الصحيح (ج 2، ص 160) . الوليد بن عقبة ابن أبي معيط عبد شمس/ عامل بنو المصطلق/ خليفة بن خياط (ج 1، ص 63) . بريدة بن الحصيب أسلم 63 هـ عامل أسلم وغفار/ الواقدي، المغازي (ج 1، ص 385) . عيينة بن حصن فزارة/ عامل تميم 8 هـ م. ن ملاحظات: الوالي: تعني الحاكم الإداري لهذه الواحدة الإدارية. العامل: الذي يقوم بجمع الصدقات أو الجزية. الشيخ: المسؤول عن قبيلة من القبائل وغالبا ما يكون من القبيلة ذاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 المصادر والمراجع أولا: المصادر: أ- المخطوطات: البكري، أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن (ت 952 هـ) . 1- غزوة أحد، مصور في مركز الوثائق والمخطوطات، الجامعة الأردنية، شريط رقم (35) . ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمال الدين بن يوسف بن عبد الله (ت 874 هـ) . 2- مورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة، مصور في مركز الوثائق والمخطوطات، الجامعة الأردنية، شريط رقم (297) . الجزائرلي، محمد بن محمود بن حسين (ت 1267 هـ) . 3- اختصار السعي المحمود في نظام الجنود، مصور في مركز الوثائق والمخطوطات، الجامعة الأردنية، شريط رقم (12) . السخاوي، محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ) . 4- القول التام في فضل الرمي بالسهام، مخطوط مصور بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. العدوي الشيرازي، عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله (ت 774 هـ) . 5- النهج المسلوك في سياسة الملوك، مصور في مركز الوثائق والمخطوطات، الجامعة الأردنية، شريط رقم (527) . مؤلف مجهول. 6- شروط الإمامة وسياسة المملكة، مصور في مركز الوثائق والمخطوطات، الجامعة الأردنية، شريط رقم (560) . ب- المطبوعات: 7- القران الكريم. ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ت 630 هـ) . 8- أسد الغابة في معرفة الصحابة، (5 ج) ، طهران، أوفست، المكتبة الإسلامية (1342 هـ) . 9- الكامل في التاريخ، (13 ج) ، بيروت، دار صادر، (1401 هـ، 1982 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ابن الأزرق، أبو عبد الله بن الأزرق (ت 896 هـ) . 10- بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق: علي سامي النشار، بغداد، دار الحرية للطباعة والنشر، (1397 هـ، 1977 م) . الأزرقي، أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد (ت 250 هـ) . 11- أخبار مكة، (ج 1) ، (رواية أبي محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي) ، بيروت، مكتبة خياط، د. ت. ابن إسحاق، محمد بن إسحاق بن يسار (ت 151 هـ) . 12- سيرة ابن إسحاق (المسماة المبتدأ والمبعث والمغازي) تحقيق: محمد حميد الله الحيدر أبادي، قونية، تركيا، د. ن، (1401 هـ، 1981 م) . الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله (ت 430 هـ) . 13- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، (10 ج) ، (ط 3) ، بيروت، دار الكتاب العربي، (1400 هـ، 1980 م) . الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين (ت 356 هـ) . 14- الأغاني، (23 ج) ، (ط 2) ، بيروت، دار الثقافة، (1376 هـ، 1957 م) . الأصمعي، أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك (ت 216 هـ) . 15- الأصمعيات، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، (ط 2) ، مصر، دار المعارف، (1964 م) . الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد (ت 783 هـ) . 16- المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي ورسلها إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي، (2 ج) ، (ط 1) ، حيدر أباد، مجلس دائرة المعارف العثمانية، (1396 هـ، 1976 م) . البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) . 17- الأدب المفرد، مراجعة: محمد هشام البرهان نشر دولة الإمارات المتحدة، (1400 هـ، 1981 م) . 18- صحيح البخاري، (9 ج) ، القاهرة، دار إحياء التراث العربي، (1958 م) . أبو البقاء، الشيخ الرئيس هبة الله الحلي (توفي في النصف الأول من القرن السادس الهجري) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 19- المناقب المزيدية، (2 ج) ، تحقيق: صالح درادكة، ومحمد خريسات، (ط 1) ، عمان، مكتبة الرسالة، (1404 هـ، 1984 م) . البكري، عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (ت 487 هـ) . 20- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، (2 ج) ، تحقيق: مصطفى السقا، بيروت، عالم الكتب، (1945 م) . البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 هـ) . 21- أنساب الأشراف، (ج 1) ، تحقيق: محمد حميد الله الحيدر أبادي، القاهرة، دار المعارف، د. ت. 22- أنساب الأشراف، (ج 5) ، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت. 23- فتوح البلدان، (ج 1) ، تحقيق: عبد الله أنيس الطباع واخرون، دار النشر للجامعيين، (1377 هـ، 1957 م) . البيهقي، أبو بكر أحمد بن حسين (ت 458 هـ) . 24- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، (7 ج) ، تعليق: عبد المعطى قلعه جي، (ط 1) ، بيروت، دار الكتب العلمية، (1405 هـ، 1985 م) . 25- السنن الكبرى، (10 ج) ، (ط 1) ، حيدر أباد، المطبعة العثمانية، (1354 هـ) . الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 هـ) . 26- صحيح الترمذي، (13 ج) ، شرح: ابن العربي المالكي، (ط 1) ، القاهرة، المطبعة المصرية بالأزهر، (1350 هـ، 1931 م) . ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) . 27- الحسبة في الإسلام، تحقيق: سيد بن محمد بن أبي سعدة، (ط 1) ، الكويت، دار الأرقم، (1403 هـ، 1983 م) . 28- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، تحقيق: علي سامي النشار، وأحمد زكي عطية، (ط 2) ، القاهرة، دار الكتاب العربي، (1951 م) . 29- الفتاوى الكبرى، (37 ج) ، تصوير الطبعة الأولى، د. ن، (1398 هـ) . الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (ت 429 هـ) . 30- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار المعارف، (1965 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الجاحظ، عمرو بن بحر (ت 255 هـ) . 31- البلدان، نشره: صالح العلي، مستلة من مجلة كلية الاداب، بغداد، مطبعة الحكومة، (1970 م) . 32- البيان والتبيين، (3 ج) ، تحقيق: فوزي عطوي، بيروت، (1968 م) . 33- الحيوان، (7 ج) ، تحقيق: عبد السلام هارون، (ط 3) ، بيروت، المجمع العلمي العربي الإسلامي، (1969 م) . 34- رسائل الجاحظ، جمع: حسن السندوبي، القاهرة، المكتبة التجارية، (1933 م) . 35- العثمانية، تحقيق: عبد السلام هارون، بغداد، مكتبة المثنى، (1374 هـ، 1955 م) . الجهشياري، أبو عبد الله محمد بن عبدوس (ت 331 هـ) . 36- الوزراء والكتاب، تحقيق: مصطفى السقا واخرون، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (1938 م) . ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597 هـ) . 37- أدب القصاص والمذكرين، تحقيق: مارلين سوارتز، بيروت، دار المشرق، (1971 م) . 38- تاريخ عمر بن الخطاب، تحقيق: أسامة عبد الكريم الرفادي، د. ن، د. ت. 39- تلقيح مفهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، القاهرة، المطبعة النموذجية، د. ت. 40- صفة الصفوة، (4 ج) ، تحقيق: محمود فاخوري واخرون، (ط 3) ، بيروت، دار المعرفة، (1405 هـ، 1985 م) . الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393 هـ) . 41- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) ، (6 ج) ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، (ط 1) ، بيروت، دار العلم للملابين، (1979 م) . الحاكم، محمد بن عبد الله بن حمدويه النيسابوري (ت 405 هـ) . 42- المستدرك على الصحيحين، (4 ج) ، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد (ت 354 هـ) . 43- كتاب الثقات، (7 ج) ، (ط 1) ، حيدر أباد، المطبعة العثمانية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 (1397 هـ، 1977 م) . ابن حبيب، أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو (ت 245 هـ) . 44- المحبر (رواية أبي سعيد الحسن بن الحسين البكري) ، تصحيح: إيلزه ليختن ستيتر، بيروت، منشورات الافاق الجديدة، د. ت. 45- المنمق في أخبار قريش، تصحيح: خورشيد أحمد، (ط 1) ، حيدر أباد، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، (1384 هـ، 1964 م) . ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (ت 852 هـ) . 46- الإصابة في تميز الصحابة، (4 ج) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة، دار النهضة، د. ت. 47- الدراية في تخريج أحاديث الهداية، تحقيق: عبد الله هاشم المدني، المدينة المنورة، مطبعة الفجالة، (1964 م) . 48- فتح الباري في شرح صحيح البخاري، (28 ج) ، تحقيق: طه عبد الرؤوف واخرون، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، (1398 هـ، 1978 م) . ابن أبي الحديد، عز الدين هبة الله بن محمد (ت 656 هـ) . 49- شرح نهج البلاغة، (17 ج) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط 3) ، بيروت، دار الفكر، (1399 هـ، 1979 م) ، وطبعة القاهرة، دار إحياء التراث العربي، (1363 هـ، 1959 م) . ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي (ت 456 هـ) . 50- جمهرة أنساب العرب، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، دار المعارف، (1382 هـ، 1962 م) . 51- جوامع السيرة النبوية، تحقيق: إحسان عباس وناصر الدين الأسد، القاهرة، دار المعارف، د. ت. الحلبي، علي بن برهان الدين (ت 1044 هـ) . 52- إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون (المشهور بالسيرة الحلبية) ، (3 ج) ، (ط 3) ، القاهرة، المطبعة الأزهرية، (1351 هـ، 1932 م) . ابن حنبل، أحمد بن محمد (ت 241 هـ) . 53- الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، (22 ج) ، ترتيب وشرح: أحمد عبد الرحمن البنا، (ط 1) ، د. ن، (1377 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 54- المسند، (6 ج) ، بيروت، دار صادر والمكتب الإسلامي، د. ت. أبو حيان، أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف (ت 745 هـ) . 55- البحر المحيط، (8 ج) ، القاهرة، مطبعة السعادة، (1328 هـ) . ابن خرداذبه، عبيد الله بن أحمد بن عبد الله (توفي نحو 280 هـ) . 56- المسالك والممالك، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت. الخزاعي، علي بن محمد التلمساني (ت 789 هـ) . 57- تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد الرسول من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، تحقيق: أحمد محمد أبو سلامة، القاهرة، (1401 هـ، 1981 م) . ابن خالدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت 808 هـ) . 58- تاريخ ابن خالدون (المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) ، (8 ج) ، بيروت، دار الكتاب العربي، (1956 م) . 59- مقدمة ابن خالدون، (ط 3) ، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت. خليفة بن خياط (ت 240 هـ) . 60- تاريخ خليفة بن خياط، (2 ج) ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، النجف الأشرف، مطبعة الاداب، (1967 م) . الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر (ت 385 هـ) . 61- سنن الدارقطني، (4 ج) ، تحقيق: عبد الله هاشم المدني، القاهرة، دار المحاسن، (1966 م) . الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي (ت 255 هـ) . 62- سنن الدارمي، (2 ج) ، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ) . 63- سنن أبي داود، (5 ج) ، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد (ت 321 هـ) . 64- الاشتقاق، تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة السنة المحمدية، (1378 هـ، 1958 م) . الديار بكري، حسين بن محمد بن الحسن (ت 966 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 65- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، (2 ج) ، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة عثمان عبد الرازق، (1302 هـ) . الذهبي، أبو عبد الله محمد أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) . 66- سير أعلام النبلاء، (23 ج) ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط واخرون، (ط 2) ، بيروت، مؤسسة الرسالة، (1402 هـ، 1982 م) . 67- السيرة النبوية، تحقيق: حسام الدين القدسي، بيروت، دار مكتبة الهلال، د. ت. 68- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، (4 ج) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة، (1963 م) . الرازي، محمد بن أبي بكر عبد القادر (ت 666 هـ) . 69- مختار الصحاح، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد (ت 502 هـ) . 70- المفردات في غريب القران، تحقيق: محمد سيد كيلاني، بيروت، دار المعرفة، د. ت. ابن رستة، أبو علي أحمد بن عمر بن رستة (ت 290 هـ) . 71- الأغلاق النفيسة، تحقيق: دي خويه، ليدن، مطبعة بريل، (1891 م) . ابن رشيق، أبو علي الحسن القيرواني (ت 456 هـ) . 72- العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة السعادة، (1383 هـ، 1964 م) . الزبيدي، محمد مرتضى (ت 1205 هـ) . 73- تاج العروس، (10 ج) ، بنغازي، دار ليبيا للنشر والتوزيع، (1966 م) . الزبير بن بكار، أبو عبد الله الزبير بن بكار (ت 256 هـ) . 74- جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق: محمود شاكر، (ط 1) ، القاهرة، دار العروبة، (1381 هـ) . الزبيري، مصعب بن عبد الله (ت 236 هـ) . 75- نسب قريش، نشره: ليفي بروفنسال، دار المعارف، (1951 م) . الزرقاني، محمد بن عبد الباقي المالكي (ت 1122 هـ) . 76- شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، (8 ج) ، (ط 1) ، القاهرة، المطبعة الأزهرية المصرية، (1328 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الزمخشري، محمود بن عمر (ت 583 هـ) . 77- الفائق في غريب الحديث، (ط 1) ، القاهرة، إحياء التراث العربية، (1364 هـ، 1945 م) . 78- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، (4 ج) ، بيروت، دار المعرفة، د. ت. ابن زنجويه، حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله (ت 251 هـ) . 79- الأموال، (3 ج) ، تحقيق: شاكر ذيب فياض، (ط 1) ، الرياض، مركز فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، (1406 هـ، 1986 م) . الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري (124 هـ) . 80- المغازي، تحقيق: سهيل زكار، (ط 1) ، دمشق، دار الفكر، (1400 هـ، 1980 م) . الزيلعي، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف (ت 762 هـ) . 81- نصب الراية لأحاديث الهداية، (4 ج) ، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة دار المأمون، (1357 هـ، 1938 م) . السرخسي، محمد بن أبي سهل (ت 490 هـ) . 82- المبسوط، (30 ج) ، (ط 2) ، بيروت، دار المعرفة، د. ت. ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 هـ) . 83- الطبقات الكبرى، (9 ج) ، بيروت، دار صادر، د. ت. السمهودي، علي نور الدين أبو الحسن بن عبد الله (ت 911 هـ) . 84- وفاء الوفا في أخبار دار المصطفى، (2 ج) ، القاهرة، مطبعة الاداب والمؤيد، (1316 هـ) . السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد (ت 581 هـ) . 85- الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، (7 ج) ، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، مصر، دار الكتب المصرية، د. ت. ابن سيد الناس، فتح الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد (ت 734 هـ) . 86- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، (2 ج) ، (ط 1) ، بيروت، دار الافاق الجديدة، (1977 م) . ابن سيده، أبو الحسن علي بن علي بن إسماعيل (ت 458 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 87- المخصص، (17 ج) ، بيروت، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع عن مطبعة بولاق، القاهرة، (1321 هـ) . السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) . 88- تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار النهضة، (1395 هـ، 1975 م) . 89- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، (8 ج) ، (ط 1) ، بيروت، دار الفكر العربي، (1403 هـ، 1983 م) . 90- لباب النقول في أسباب النزول، (ط 1) ، بيروت، دار إحياء العلوم، (1978 م) . الشافعي، محمد بن إدريس (ت 204 هـ) . 91- الأم، (8 ج) ، تحقيق: محمد زهدي النجار، (ط 1) ، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، (1381 هـ، 1961 م) . الشامي، محمد بن يوسف الصالحي (ت 942 هـ) . 92- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، (6 ج) ، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، القاهرة، (1392 هـ، 1972 م) . ابن شبة، أبو زيد عمر بن شبة البصري (ت 263 هـ) . 93- كتاب تاريخ المدينة، (2 ج) ، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، المدينة المنورة، (1393 هـ) . الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1250 هـ) . 94- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير، (9 ج) ، (ط 3) ، بيروت، دار الفكر، (1393 هـ، 1979 م) . 95- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار، (9 ج) ، بيروت، دار الجيل، (1973 م) . الشيباني، محمد بن الحسن (ت 189 هـ) . 96- شرح كتاب السير الكبير، (3 ج) ، تحقيق: صلاح الدين المنجد، القاهرة، مطبعة مصر، (1958 م، 1960 م) . شيخ الربوة، شمس الدين أبو عبد الله محمد أبي محمد (ت 727 هـ) . 97- نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، د. ن، د. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الصنعاني، عبد الرازق بن همام (ت 211 هـ) . 98- المصنف، (11 ج) ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، (ط 1) ، بيروت، المكتب الإسلامي، (1390 هـ، 1970 م) . الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسين (ت 548 هـ) . 99- مجمع البيان في تفسير القران، (10 ج) ، تحقيق: هاشم الرسولي الملالي والسيد فضل الله اليزدي الطباطبائي، (ط 1) ، بيروت، دار المعرفة، (1404 هـ، 1986 م) . الطبري، محمد بن جرير (ت 310 هـ) . 100- تاريخ الأمم والملوك، (10 ج) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط 2) ، بيروت، دار سويدان، د. ت. 101- جامع البيان عن تأويل اي القران، (16 ج) ، تحقيق: محمود محمد شاكر وأحمد شاكر، مصر، دار المعارف، د. ت. ابن الطفيل، عامر (ت 10 هـ) . 102- ديوانه، بيروت، دار صادر، (1399 م، 1979 م) . ابن الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا (ت 709 هـ) . 103- الفخري في الاداب السلطانية والدولة الإسلامية، بيروت، دار صادر، (1386 هـ، 1966 م) . ابن طلاع، أبو عبد الله محمد بن فرج القرطبي (ت 497 هـ) . 104- أقضية رسول الله صلّى الله عليه وسلم (ط 1) ، حلب، دار الوعي، (1396 هـ) . ابن طولون الدمشقي، محمد بن طولون (ت 953 هـ) . 105- إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين، تحقيق: محمد الأرناؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، (1403 هـ، 1983 م) . العامري، عماد الدين يحيى بن أبي بكر (ت 893 هـ) . 106- بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل، (2 ج) ، شرح: جمال الدين محمد الأشخر اليمني، بيروت، دار صادر، د. ت. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 463 هـ) . 107- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، (4 ج) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة، مكتبة النهضة، د. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 108- الدرر في اختصار المغازي والسير، تحقيق: شوقي ضيف، القاهرة، (1386 هـ، 1966 م) . ابن عبد الحكم، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله (ت 257 هـ) . 109- فتوح مصر وأخبارها، ليدن، مطبعة بريل، (1920 م) . ابن عبد ربه، أحمد بن محمد بن عبد ربه (ت 328 هـ) . 110- العقد الفريد، (8 ج) ، تحقيق: محمد سعيد العريان، بيروت، دار الفكر، د. ت. ابن العبري، غريغوريوس أبو الفرج بن أهارون (ت 1286 هـ) . 111- مختصر تاريخ الدول، تحقيق: أنطوان صالحاني اليسوعي، بيروت، دار الرائد اللبناني، (1403 هـ، 1983 م) . أبو عبيد، القاسم بن سلام (ت 224 هـ) . 112- الأموال، تحقيق: محمد خليل هراس، (ط 1) ، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، (1968 م) . 113- غريب الحديث، (ط 1) ، حيدر أباد، طبعة مصورة عن دار المعارف العثمانية، (1385 هـ، 1966 م) . أبو عبيدة، معمر بن المثنى (ت 209 هـ) . 114- مجاز القران، تحقيق: محمد فؤاد سزكن، (ط 1) ، مصر، نشر: محمد سامي أمين، (1374 هـ، 1954 م) . ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله (ت 543 هـ) . 115- أحكام القران، تحقيق: علي محمد البجاوي، (ط 1) ، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، (1376 هـ، 1957 م) . 116- عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، (12 ج) ، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت. ابن عساكر، علي بن الحسن (ت 571 هـ) . 117- تهذيب تاريخ دمشق، (7 ج) ، تهذيب وترتيب: الشيخ عبد القادر بدران، (ط 1) ، بيروت، (1979 م) . العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل (ت 395 هـ) . 118- الأوائل، تحقيق: محمد السيد الوكيل، المدينة المنورة، (1966 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 العصامي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك (ت 1111 هـ) . 119- سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، قطر، المطبعة السلفية، د. ت. الفاسي، تقي الدين أبو الطيب محمد بن أحمد (ت 832 هـ) . 120- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، (2 ج) ، مكتبة النهضة الحديثة، (1956 م) . 121- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، (ج 7) ، تحقيق: فؤاد السيد، القاهرة، (1967 م) . ابن الفراء، الحسين بن محمد (ت 390 هـ) . 122- رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة، تحقيق: صلاح الدين المنجد، (ط 2) ، بيروت، دار الكتاب الجديد، (1972 م) . الفراء، أبو يعلى محمد بن الحسين (ت 458 هـ) . 123- الأحكام السلطانية، تحقيق: محمد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (1357 هـ) . ابن فرحون المدني، إبراهيم بن علي (ت 799 هـ) . 124- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، (2 ج) ، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (1378 هـ، 1958 م) . الفرزدق، همام بن غالب بن صعصعة (ت 114 هـ) . 125- شرح ديوان الفرزدق، شرح: إيليا الحاوي، (ط 1) ، بيروت، دار الكتاب اللبناني، (1983 م) . ابن الفقيه، أبو بكر أحمد بن محمد الهمداني (توفي نحو 340 هـ) . 126- مختصر كتاب البلدان، تحقيق: دي خويه، ليدن، مطبعة بريل، (1302 هـ، 1885 م) . الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817 هـ) . 127- القاموس المحيط، (4 ج) ، القاهرة، المكتبة التجارية، (1913 م) . القالي، أبو علي إسماعيل بن القاسم (ت 356 هـ) . 128- ذيل الأمالي والنوادر، (ط 3) ، مطبعة إسماعيل بن يوسف، د. ت. ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) . 129- تأويل مختلف الحديث، تحقيق: محمد زهدي النجار، بيروت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 دار الجيل، (1393 هـ، 1973 م) . 130- تفسير غريب القران، تحقيق: أحمد صقر، بيروت، دار الكتب العلمية، (1399 هـ، 1978 م) . 131- عيون الأخبار، (4 ج) ، بيروت، دار الكتاب العربي، مصور عن طبعة دار الكتب المصرية، (1343 هـ، 1925 م) . 132- المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، (ط 2) ، بيروت، دار المعارف، (1969 م) . قدامة بن جعفر (ت 338 هـ) . 133- الخراج وصناعة الكتابة، تحقيق: محمد حسين الزبيدي، بغداد، دار الرشيد، (1981 م) . ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد (ت 620 هـ) . 134- المغني ويليه الشرح الكبير، (12 ج) ، بيروت، دار الكتاب العربي، (1392 هـ، 1972 م) . القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 670 هـ) . 135- الجامع لأحكام القران، (20 ج) ، (ط 1) ، القاهرة، دار الكتب المصرية، (1952 م) . القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد (ت 821 هـ) . 136- صبح الأعشى في صناعة الإنشا، (14 ج) ، القاهرة، وزارة الثقافة المصرية، (1963 م) . 137- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، تحقيق: إبراهيم الإبياري، القاهرة، الشركة العربية للنشر، (1959 م) . ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ) . 138- إعلام الموقعين عن رب العالمين، (4 ج) ، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، بيروت، دار الجيل، د. ت. 139- زاد المعاد في هدي خير العباد، (5 ج) ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط واخرون، (ط 2) ، بيروت، مؤسسة الرسالة، والكويت، مؤسسة المنار، (1981 م) . 140- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق: محمد جميل أحمد، القاهرة، مطبعة المدني، (1381 هـ، 1961 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 141- عون المعبود في شرح سنن أبي داود، نشره: حسن إيراني، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) . 142- البداية والنهاية، (8 ج) ، بيروت، دار الفكر العربي، (1398 هـ، 1978 م) ، وطبعة 4، بيروت، دار المعارف، (1401 هـ، 1981 م) . 143- تفسير القران العظيم، (4 ج) ، القاهرة، دار الكتب العربية، د. ت. 144- السيرة النبوية، 4 ج، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، بيروت، دار المعرفة، (1402 هـ، 1982 م) . 145- مختصر تفسير ابن كثير، (3 ج) ، اختصار وتحقيق: محمد علي الصابوني، (ط 7) ، بيروت، دار القران الكريم، (1402 هـ، 1981 م) . الكلاعي، أبو الربيع سليمان بن موسى (ت 634 هـ) . 146- حروب الردة، تحقيق: أحمد غنيم، (ط 2) ، الاتحاد العربي للطباعة، (1401 هـ، 1981 م) . لقيط بن يعمر الإيادي (شاعر جاهلي قديم) . 147- ديوانه، تحقيق: خليل إبراهيم العطية، العراق، نشر وزارة الإعلام، د. ت. ابن ماجه، أبو عبد الله بن زيد القزويني (ت 275 هـ) . 148- سنن ابن ماجه، (2 ج) ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، د. ن، د. ت. المالقي، أبو القاسم بن رضوان المالقي (ت 783 هـ) . 149- الشهب اللامعة في السياسة النافعة، تحقيق: علي سامي النشار، (ط 1) ، الدار البيضاء، دار الثقافة، (1984 م) . مالك بن أنس (ت 189 هـ) . 150- المدونة الكبرى، (6 ج) ، بغداد، مكتبة المثنى، (1970 م) . الماوردي، أبو الحسن علي بن حبيب (ت 450 هـ) . 151- الأحكام السلطانية والولايات الدينية، (ط 3) ، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (1393 هـ، 1973 م) . 152- أدب الدنيا والدين، تحقيق: مصطفى السقا، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (1955 م) . 153- أدب القاضي، (2 ج) ، تحقيق: محيي الدين هلال، بغداد، مطبعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الإرشاد، (1391 هـ) . المباركفوري، أبو العلي محمد بن عبد الرحمن (ت 1353 هـ) . 154- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، (4 ج) ، بيروت، دار الكتاب العربي، د. ت. المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد (ت 285 هـ) . 155- الكامل في اللغة والأدب والنحو والصرف، (4 ج) ، تحقيق: زكي مبارك، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي وأولاده، (1937 م) . مجاهد، أبو الحجاج مجاهد بن جبر (ت 104 هـ) . 156- تفسير مجاهد، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد، إسلام أباد، د. ت. المزي، جمال الدين أبو الحجاج بن يوسف (ت 748 هـ) . 157- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، (7 ج) ، تحقيق: بشار عواد معروف، (ط 2) ، بيروت، مؤسسة الرسالة، (1304 هـ، 1983 م) . المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 346 هـ) . 158- التنبيه والإشراف، تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي، القاهرة، دار الصاوي للطبع والنشر، (1938 م) . 159- مروج الذهب ومعادن الجوهر، (4 ج) ، فهرسة: يوسف أسعد داغر، بيروت، دار الأندلس، (1965 م) . ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد (ت 421 هـ) . 160- تجارب الأمم، تصحيح: هـ. ف أموروز، بغداد، مكتبة المثنى، د. ت. مسلم بن حجاج النيسابوري (ت 261 هـ) . 161- صحيح مسلم، (5 ج) ، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، (ط 1) ، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، (1365 هـ، 1955 م) . المفضل الضبي، المفضل بن محمد بن يعلي (ت 168 هـ) . 162- المفضليات، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون، (ط 3) ، القاهرة، دار المعارف، (1964 م) . المقدسي، محمد بن أحمد (ت 287 هـ) . 163- أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق: دي خويه، ليدن، بريل، (1906 م) ، أوفست، مكتبة الخياط، ببيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 المقدسي، مطهر بن طاهر (ت 322 هـ) . 164- البدء والتاريخ، (6 ج) ، بارين، (1899 م) ، تصوير: مكتبة المثنى، بغداد. المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 هـ) . 165- إمتاع الأسماع بما للرسول صلّى الله عليه وسلم من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع، (2 ج) ، تحقيق: محمود محمد شاكر، (ط 2) ، قطر، طبع الشؤون الدينية، د. ت. 166- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار المعروف: بالخطط المقريزية، (2 ج) ، بيروت، دار صادر، د. ت. المناوي، زين الدين عبد الرؤوف المحقق المناوي (ت 1031 هـ) . 167- العجالة السنية على ألفية السيرة النبوية، تحقيق: إسماعيل الأنصاري، (ط 1) ، الرياض، مؤسسة النور، د. ت. ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 هـ) . 168- لسان العرب، (15 ج) ، بيروت، دار صادر، (1968 م) . 169- مختصر تاريخ دمشق، تحقيق: روحية النحاس، دمشق، دار الفكر، (1984 م) . منكلي، محمد بن محمود (ت 778 هـ) . 170- التدبيرات السلطانية في سياسة الصناعة الحربية، تحقيق: صادق محمود الجميلي، مجلة المورد، (م 12) ، عدد 4، بغداد، (1404 هـ، 1983 م) . الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري (ت 518 هـ) . 171- مجمع الأمثال، (2 ج) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السنة المحمدية، (1955 م) . النسائي، أحمد بن علي بن شعيب بن علي (ت 303 هـ) . 172- سنن النسائي، (9 ج) ، شرح: الحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، (ط 1) ، حلب، مكتبة المطبوعات الإسلامية، (1986 م) . النووي، أبو زكريا يحيي بن شرف النووي (ت 676 هـ) . 173- شرح صحيح مسلم، (18 ج) ، (ط 3) ، بيروت، دار إحياء التراث العربي، (1404 هـ، 1984 م) . النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 732 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 174- نهاية الأرب في فنون الأدب، (23 ج) ، القاهرة، طبعة دار الكتب المصرية، (1933 م) ، نسخة مصورة عنها. النيسابوري، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي (ت 468 هـ) . 175- أسباب النزول، بيروت، دار الكتب العلمية، (1398 هـ، 1978 م) . الهمذاني، أبو محمود الحسن بن أحمد بن يعقوب (ت 334 هـ) . 176- صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن عبد الله، القاهرة، مطبعة السعادة، (1953 م) . الهرثمي، أبو سعيد الشعراني الهرثمي (ت 200 هـ) . 177- مختصر سياسة الحروب، تحقيق: عبد الرؤوف عون، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، د. ت. الهروي، علي بن أبي بكر بن علي (ت 611 هـ) . 178- التذكرة الهروية في الحيل الحربية، تحقيق: مطيع زايد المرابط، دمشق، منشورات وزارة الثقافة، (1972 م) . ابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام (ت 218 هـ) . 179- السيرة النبوية، (2 ج) ، تحقيق: مصطفى السقا واخرون، (1955 م) . علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 هـ) . 180- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، (16 ج) ، (ط 2) ، حيدر أباد، دائرة المعارف العثمانية، (1388 هـ، 1968 م) . الهيثمي، نور الدين بن أبي بكر (ت 807 هـ) . 181- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (9 ج) ، القاهرة، مكتبة القدسي، (1353 هـ) . الواقدي، محمد بن عمر بن واقد (ت 207 هـ) . 182- مغازي رسول الله، (3 ج) ، تحقيق: مارسدن جونس، (ط 3) ، بيروت، عالم الكتب، (1404 هـ، 1984 م) . وكيع، محمد بن خلف بن حيان (ت 306 هـ) . 183- أخبار القضاة، (3 ج) ، تحقيق: عبد العزيز مصطفى المراغي، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة الاستقامة، (1947 م) . ياقوت، شهاب الدين أبو عبد الله بن عبد الله الحموي، (ت 626 هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 184- معجم البلدان، (5 ج) ، بيروت، دار صادر، ودار إحياء التراث العربي، (1979 م) . يحيى بن ادم القرشي (ت 203 هـ) . 185- الخراج، تحقيق: أحمد محمد شاكر، بيروت، دار المعرفة، (1399 هـ، 1979 م) . اليعقوبي، أحمد بن يعقوب بن جعفر بن وهب (ت 284 هـ) . 186- البلدان، (ط 3) ، النجف الأشرف، المطبعة الحيدية، (1927 م) . 187- تاريخ اليعقوبي، (2 ج) ، بيروت، دار صادر، (1960 م) . أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم (ت 182 هـ) . 188- الخراج، (ط 2) ، المطبعة السلفية، (1353 هـ) . ثانيا: المراجع: أ- المراجع العربية: إبراهيم بيضون. 189- الحجاز والدولة الإسلامية، (ط 1) ، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر، (1403 هـ، 1983 م) . أحمد إبراهيم الشريف. 190- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني للهجرة، (ط 1) ، القاهرة، دار الفكر العربي والرسالة، (1968 م) . 191- الدولة الإسلامية الأولى، الكويت، مطابع دار القلم، (1965 م) . 192- مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، القاهرة، دار الفكر العربي، (1965 م) . أحمد حمد. 193- الجانب السياسي في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم (ط 1) ، الكويت، دار القلم، (1402 هـ، 1982 م) . أحمد أبو الفضل عوض الله. 194- مكة في عصر ما قبل الإسلام، (ط 1) ، الرياض، مطبوعات دار الملك عبد العزيز، (1398 هـ، 1978 م) . الأحمدي، علي بن حسين علي. 195- مكاتيب الرسول صلّى الله عليه وسلم، (3 ج) ، بيروت، دار صعب، د. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 أرفنج، واشنجتون. 196- حياة محمد، (ط 2) ، القاهرة، دار المعارف، (1966 م) . الأعظمي، محمد مصطفى. 197- كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم (ط 1) ، بيروت، المكتب الإسلامي، (1394 هـ، 1974 م) . الألباني، محمد ناصر الدين. 198- سلسلة الأحاديث الصحيحة، دمشق، المكتب الإسلامي، (ط 1) ، (1969 م) . 199- بلوغ الأرب في أحوال العرب، (3 ج) ، بغداد، مطبعة دار السلام، (1314 هـ، 1896 م) . برو كلمان، كارل. 200- تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، (ط 1) ، بيروت، دار العلم للملايين، (1948 م) . البطانية، محمد ضيف الله. 201- في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية «الحياة الاقتصادية في صدر الإسلام» ، عمان، دار الفرقان، (1407 هـ، 1987 م) . البهيّ، أحمد عبد المنعم. 202- تاريخ القضاء في الإسلام، القاهرة، مطبعة لجنة البيان العربي، (1384 هـ، 1965 م) . جاد المولى، محمد أحمد. 203- أيام العرب في الجاهلية، مطبعة عيسى البابي الحلبي، د. ت. جواد علي. 204- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، (10 ج) ، (ط 1) ، بيروت، دار العلم للملايين، بغداد، مكتبة النهضة، (1971 م) . حسن إبراهيم حسن. 205- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، (4 ج) ، (ط 7) ، القاهرة المكتبة التجارية الكبرى، ومكتبة النهضة المصرية، (1964 م) . حسن أبو زكية، وعبد العزيز أبو غنيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 206- التنظيم الإداري في الفكر الإداري، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، (1401 هـ، 1981 م) . حمدي أبو حمدية. 207- الإدارة العامة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رسالة ماجستير مطبوعة على الالة الكاتبة، إشراف: محمد ذنيبات، مقدمة إلى كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في الجامعة الأردنية، (1986 م) . حمدي عبد المنعم. 208- ديوان المظالم (نشأته وتطوره واختصاصاته مقارنا بالنظم القضائية الحديثة) ، (ط 1) ، بيروت- القاهرة، دار الروق، (1403 هـ، 1983 م) . حمدي عبد الهادي. 209- الفكر الإداري الإسلامي والمقارن، (ط 2) ، القاهرة، دار الفكر العربي، (1975 م) . درادكة، صالح موسى إبراهيم. 210- العلاقات العربية اليهودية حتى نهاية الخلفاء الراشدين، رسالة دكتوراه مطبوعة على الالة الكاتبة، مقدمة إلى جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، قسم التاريخ، (1397 هـ، 1977 م) . دروزة، محمد عزة. 211- الجهاد في سبيل الله في القران والحديث، دمشق، دار اليقظة العربية، (1395 هـ، 1981 م) . الدوري، عبد العزيز. 212- النظم الإسلامية، (ط 1) ، بغداد، وزارة المعارف، د. ت. دوزي، دبنهارت. 213- تكملة المعاجم العربية، ترجمة: محمد سليم النعيمي، العراق، وزارة الثقافة، (1981 م) . رشيد رضا، محمد. 214- محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بيروت، دار الكتب العلمية، (1965 هـ، 1975 م) . رضوان السيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 215- الأمة والجماعة والسلطة، (ط 1) ، دار اقرأ، (1404 هـ، 1984 م) . الريس، محمد ضياء الدين. 216- الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية، (ط 2) ، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، (1961 م) . الزركلي، خير الدين. 217- الأعلام، (8 ج) ، (ط 6) ، بيروت، دار العلم للملايين، (1984 م) . زيني دحلان، أحمد بن السيد زيني دحلان. 218- أمراء البلد الحرام، (ط 2) ، بيروت، الدار المتحدة للنشر والتوزيع، (1401 هـ، 1981 م) . السباعي، مصطفى. 219- السيرة النبوية دروس وعبر، (ط 5) ، دمشق، المكتب الإسلامي، (1400 هـ، 1980 م) . سعود بن سعد ال دريب. 220- التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية على ضوء الشريعة الإسلامية ونظام السلطة القضائية، الرياض، جامعة محمد بن سعود، د. ت. السلومي، عبد العزيز بن عبد الله. 221- ديوان الجند (نشأته وتطوره في الدولة الإسلامية حتى عصر المأمون) ، (ط 1) ، مكة المكرمة، مكتبة الطالب الجامعي، (1986 م) . سليمان محمد الطماوي. 222- مبادئ علم الإدارة العامة، (ط 3) ، بيروت، دار الفكر العربي، (1965 م) . أبو سن، أحمد إبراهيم. 223- الإدارة في الإسلام، دبي، المطبعة العصرية، (1981 م) . سيد قطب إبراهيم. 224- في ظلال القران، (8 ج) ، د. ن، د. ت. سيديوا، ل. أ. 225- تاريخ العرب العام، ترجمة: عادل زعيتر، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية (1367 هـ، 1948 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الشنتناوي، أحمد. 226- دائرة المعارف الإسلامية، (14 ج) ، د. ن، (1352 هـ، 1932 م) . صبحي الصالح 227- النظم الإسلامية نشأتها وتطورها، (ط 2) ، بيروت، دار العلم للملايين، (1388 هـ، 1968 م) . عامر جاد الله أبو جبلة. 228- تاريخ التربية والتعليم في صدر الإسلام، رسالة ما جستير مطبوعة على الالة الكاتبة، إشراف: عبد العزيز الدوري، مقدمة إلى قسم التاريخ في كلية الاداب في الجامعة الأردنية، (1407 هـ، 1987 م) . عبد الرؤوف عون. 229- الفن الحربي في صدر الإسلام، مصر، دار المعارف، (1961 م) . عبد العزيز تميمي. 230- الطرائف الأدبية (مجموعة من الشعر القديم) ، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، (1937 م) . عبد القادر مصطفى. 231- الوظيفة العامة في النظام الإسلامي وفي النظم الحديثة، (ط 1) ، القاهرة، مطبعة السعادة، (1402 هـ، 1982 م) . العدوي، إبراهيم أحمد. 232- النظم الإسلامية (مقوماتها الفكرية ومؤسساتها التنفيذية في صدر الإسلام والعصر الأموي) ، مكتبة الأنجلو المصرية، (1392 هـ، 1972 م) . عرجون، محمد الصادق. 233- محمد صلّى الله عليه وسلم (4 ج) ، (ط 1) ، دار القلم، (1405 هـ، 1985 م) . عماد الدين خليل. 234- دراسة في السيرة، (ط 5) ، دار النفائس ودار الرسالة، (1401 هـ، 1981 م) . العمري، أكرم ضياء. 235- المجتمع المدني في عهد النبوة (الجهاد ضد المشركين) (ط 1) ، د. ن، (1404 هـ، 1984 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 236- المجتمع المدني في عهد النبوة (خصائصه وتنظيماته الأولى) ، (ط 1) ، المدينة المنورة، مطبوعات الجامعة الإسلامية، (1402 هـ، 1983 م) . العمري، عبد العزيز بن إبراهيم. 237- الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم (ط 1) ، د. ن، (1405 هـ، 1985 م) . فرج، محمد الهوني. 238- النظم الإدارية والمالية في الدولة العربية الإسلامية منذ قيام دولة الرسول بالمدينة حتى نهاية الدولة الأموية، د. ن، (1396 هـ، 1976 م) . فلهاوزن، يوليوس 239- تاريخ الدولة العربية وسقوطها، ترجمة: يوسف العش، دمشق، جامعة دمشق (1956 م) . القاسمي، ظافر. 240- نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (السلطة القضائية) ، (ط 2) ، بيروت، دار الثقافة، (1398 هـ، 1978 م) . القرضاوي، يوسف. 241- فقه الزكاة، (2 ج) ، (ط 2) ، بيروت، مؤسسة الرسالة، (1984 م) . القطب، محمد القطب طبلية. 242- نظام الإدارة في الإسلام، القاهرة، دار الفكر العربي، (1985 م) . الكاندهلوي، محمد يوسف محمد. 243- حياة الصحابة، (3 ج) ، حيدر أباد، دائرة المعارف العثمانية، (1379 هـ) . الكتاني، عبد الحي محمد الحسني الإدريسي. 244- كتاب التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدينة الإسلامية في المدينة المنورة المعروف باسم (نظام الحكومة النبوية) (2 ج) ، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د. ت. كرد علي، محمد. 245- الإدارة الإسلامية في عز العرب، القاهرة، مطبعة مصر، (1352 هـ، 1934 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 كستر، م. ج. 246- الحيرة ومكة وتميم وصلتها بالقبائل العربية، ترجمة: يحيى الجبوري، نشر جامعة بغداد، (1396 هـ، 1976 م) . المباركفوري، صفي الرحمن. 247- الرحيق المختوم، مكة المكرمة، نشر رابطة العالم الإسلامي، (1980 م) . 248- مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، بيروت، دار النفائس، (1983 م) . محمد رأفت عثمان. 249- رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي، القاهرة، مطبعة السعادة، د. ت. محمد الشريف الرحموني. 250- نظام الشرطة في الإسلام إلى أواخر القرن الرابع الهجري، الدار العربية للكتاب، (1982 م) . محمد عبد الله الشيباني. 251- نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى سقوط العباسيين، الرياض، مؤسسة الروبية للنشر والتوزيع، (1399 هـ، 1979 م) . محمد الغزالي. 252- فقه السيرة، (ط 72) ، القاهرة، دار الكتب الحديثة، (1976 م) . محمد أبو فارس. 253- غزوة أحد، (ط 1) ، عمان، دار الفرقان، (1042 هـ، 1982 م) . محمد فرج. 254- فن إدارة المعركة في الحروب الإسلامية، القاهرة، الشركة المصرية للطباعة والنشر، (1391 هـ، 1972 م) . ونسنك وزملاؤه. 255- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف، (7 ج) ، ليدن، مطبعة بريل، (1962 م) . محمد فؤاد عبد الباقي. 256- المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم، (ط 2) ، بيروت دار الفكر، (1400 هـ، 1981 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 محمد محمد جاهين. 257- التنظيمات الإدارية في الإسلام، القاهرة، الهيئة المصرية للكتاب، (1984 م) . محمد محمود فرغلي. 258- البيئة الإدارية في الجاهلية وصدر الإسلام، مجموعة مقالات مستلة من مجلة الحق، السنة الثانية، (1402 هـ، 1982 م) . محمد نعيم ياسين. 259- نظرية الدعوى بين الشريعة الإسلامية وقانون المرجعات المدنية والتجارية، 2 ج، عمان وزارة الأوقاف، د. ت. محمود أحمد سليمان عواد. 260- الجيش والقتال في صدر الإسلام، (ط 1) ، الزرقاء، مكتبة المنار، (1407 هـ، 1987 م) . محمود شيت خطاب. 261- الرسول القائد، (ط 5) ، بيروت، دار الفكر، (1394 هـ، 1974 م) . المنجد، صلاح الدين. 262- النظم الدبلوماسية في الإسلام، بيروت، دار الكتاب الجديد، (1403 هـ، 1983 م) . منير محمد الغضبان. 263- المنهج الحركي للسيرة النبوية، (2 ج) ، (ط 1) ، الزرقاء، مكتبة المنار، (1404 هـ، 1984 م) . مولوي، حسني. 264- الإدارة العربية، ترجمة: إبراهيم أحمد العدوي، القاهرة، المطبعة النموذجية، (1378 هـ، 1958 م) . نظير حسان سعداوي. 265- نظام البريد في الدولة الإسلامية، القاهرة، دار مصر للطباعة، (1372 هـ، 1953 م) . هاني حسين أحمد أسعد. 266- العطاء في صدر الإسلام، رسالة ماجستير مطبوعة على الالة الكاتبة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 إشراف عبد العزيز الدوري، مقدمة إلى قسم التاريخ في الجامعة الأردنية، (1985 م) . واط، مونتجمرى. 267- محمد في المدينة، ترجمة: شعبان بركات، صيدا، بيروت، منشورات المكتبة العصرية، د. ت. ولفنستون، إسرائيل. 268- تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر (1927 م) . ب- المقالات والأبحاث: إبراهيم بيضون. 269- الإيلاف القرشي، (ملحق رقم 2) ، مجلة تاريخ والعالم، عدد 43، (1982 م) . (ص 23- 33) . 270- تجارة المدينة في صدر الإسلام (بحث غير منشور) مقدم إلى ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) . الأعظمي، عواد مجيد. 271- الألقاب السياسية والإدارية والعسكرية في التاريخ الإسلامي، مجلة الأستاذ، (م 15) ، (1967 م، 1968 م) ، (ص 446- 461) . حمد الجاسر. 272- القطائع النبوية في بلاد بني سليم، مجلة العرب، الرياض، دار اليمامة، السنة الثامنة، (ج 1- 8) ، (1973) ، (ص 1- 8) . درادكة، صالح موسى. 273- إيلاف قريش (عوامل السيادة المكية قبل الإسلام) ، مجلة دراسات تاريخية، جامعة دمشق، عدد (17، 18) ، (1984 م) ، (ص 51- 82) . 274- الخراج والجزية في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم (بحث غير منشور) ، مقدم إلى ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) . 275- مقدمات في فتح بلاد الشام، الندوة الثانية للمؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام، الجامعة الأردنية، (م 2، 1987 م) ، (ص 103- 134) . الدوري، عبد العزيز. 276- في التنظيم الاقتصادي في صدر الإسلام، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الكويت، عدد خاص، (1981 م) ، (ص 75- 91) . 277- نظام الضرائب في صدر الإسلام (ملاحظات وتقييم) ، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (م 49) ، (ج 2) ، (1394 هـ، 1974 م) ، (ص 44- 60) . زكريا القضاة. 278- بيت المال في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم (بحث غير منشور) مقدم إلى ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) . السامرائي، عبد الجبار محمود. 279- نظم التعبئة عند العرب، مجلة المورد، (م 12) ، عدد (4) ، بغداد، (1404 هـ، 1983 م) ، (ص 7- 15) . سمير شما. 280- النقود المتداولة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، الندوة العامة الثالثة لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، جامعة الرياض، (1402 هـ، 1982 م) . صالح أحمد العلي. 281- إدارة الحجاز في العهود الإسلامية الأولى، مجلة الأبحاث، الجامعة الأمريكية، بيروت، السنة الحادية والعشرون، (ج 2) ، (1968 م) ، (ص 3- 57) . 282- تنظيمات الرسول الإدارية في المدينة، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد، (م 17) ، (1969 م) ، (ص 50- 65) . 283- الحمى في القرن الأول الهجري، مجلة العرب، (م 3) ، (ج 7) ، السنة الثالثة (1389 هـ، 1969 م) ، (من ص 557- ص 599) . 284- ملكيات الأراضي في الحجاز في القرن الأول الهجري، مجلة العرب، (ج 11) ، (1389 هـ، 1969 م) ، (ص 961- 1005) . عبد الهادي التازي. 285- الحصانة الدبلوماسية في الإسلام، المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية، (ط 1) ، صيدا، المكتبة العصرية، (1401 هـ، 1981 م) ، (ج 6) (ص 651- 664) . محمد خريسات. 286- القطائع في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين (بحث غير منشور) مقدم إلى ندوة مالية الدولة في صدر الإسلام، جامعة اليرموك، (1407 هـ، 1987 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 مصطفى جواد. 287- الألوية والرايات، مجلة لغة العرب، السنة التاسعة، (ج 8) ، بغداد، (1931 م) ، (ص 573- 582) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 السيرة الذاتية للمؤلف أولا: المعلومات الشخصية: الاسم: حافظ أحمد عجاج (الكرميّ) . الجنسية: فلسطيني. مكان الميلاد: طولكرم- فلسطين. تاريخ الميلاد: 21 نيسان 1961. الدين: الإسلام. الحالة الاجتماعية: متزوج- أربعة أطفال. الوظيفة الحالية: مدير مركز ما يفير الإسلامي/ لندن. محاضر (غير متفرغ) في كلية لندن المفتوحة/ المملكة المتحدة. ثانيّا: الشهادات العلمية: 1- الشهادة العليا: الدكتوراه- التخصص: الدراسات الإسلامية وحقل اخر قريب من التخصص (التاريخ الإسلامي) . الشهادة المدرسة/ الجامعة التخصص التخرج التوجيهي 84 مدرسة علار الثانوية- فلسطين أدبي 1980 بكالوريوس 6، 83 (امتياز) كلية الشريعة- الجامعة الأردنية أصول دين- شريعة 1984 ماجستير كلية الدراسات العليا- الجامعة الأردنية دراسات إسلامية (السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي) 1988 الدكتوراه جامعة ويستمنستر- لندن الدراسات الإسلامية 1997 عنوان رسالة الماجستير: الإدارة في عصر الرسول صلّى الله عليه وسلم. عنوان رسالة الدكتوراه: الإدارة في عصر الخلفاء الراشدين. ثالثا: اللغة: 1- العربية- ممتازة- اللغة الأم. 2- الإنجليزية- جيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 رابعا: الخبرات: الوظيفة مكان العمل التاريخ مدير مركز إسلامي مركز ما يفير الإسلامي- بلندن اب 1998- وحتى الان محاضر (دوام جزئي) جامعة لندن- لندن- المملكة المتحدة تشرين ثاني 1997- 2000 محاضر (دوام جزئي) كلية لندن المفتوحة- جامعة دراسات إسلامية يناير 2000- وحتى الان باحث علمي الجامعة الأردنية- عمان أيلول 1985- أيلول 1987 باحث علمي مركز الإيمان للأبحاث- القدس اب 1988- كانون أول- 1990 مدرس مدرسة طارق الثانوية- عمان أيلول 1984- أيلول 1995 مدرس مركز كنز نغتون الإسلامي- لندن تموز 1994- تشرين أول 1997 خامسا: التعليم: لقد قام بتدريس المواد العلمية التالية: 1- مادة فقه السيرة النبوية. 2- مادة تاريخ الخلفاء الراشدين. 3- مادة حاضر العالم الإسلامي. 4- مادة الدعوة الإسلامية. 5- مادة تاريخ الأدب العربي. 6- مادة تاريخ الدولة الإسلامية. 7- مادة الحديث وعلومه. 8- مادة تخريج الأحاديث ودراسة الأسانيد. 9- مادة تاريخ التشريع الإسلامي. سادسا: المنشورات: 1- كتاب الطيور الخضراء (الجزء الأول) (كتاب تاريخي يتحدث عن شهداء الانتفاضة الفلسطينية) صدر عن منظمة الشباب الإسلامي (MAYA) في أمريكا الشمالية عام 1990. 2- كتاب الطيور الخضراء (الجزء الثاني) (كتاب تاريخي يتحدث عن شهداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الانتفاضة الفلسطينية) - صدر عن دار الفرقان عمان 1992 م. سابعا: الرسائل العلمية التي ناقشها: 1- رسالة ماجستير/ بعنوان: القصاص في الشريعة الإسلامية/ للطالب هاني السباعي، مقدمة إلى الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية- قسم الدراسات العليا- لندن- المملكة المتحدة/ نوقشت بتاريخ 3/ 10/ 2002 م. 2- رسالة دكتوراه/ بعنوان: نظام السلطة والإدارة في الولايات (دراسة مقارنة لنظام السلطة والإدارة في الولايات في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وعهود الخلفاء الراشدين/ للطالب محمد علي الأنصاري، مقدمة إلى الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية- قسم الدراسات العليا- لندن- المملكة المتحدة نوقشت بتاريخ 21/ 7/ 2003. ثامنا: المعرّفين: 1- الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري- أستاذ التاريخ الإسلامي- كلية الاداب- الجامعة الأردنية، عمان- الأردن. 2- الأستاذ الدكتور صالح درادكة- أستاذ التاريخ الإسلامي- كلية الاداب- الجامعة الأردنية، عمان- الأردن. 3- الأستاذ الدكتور أحمد نوفل- أستاذ الشريعة الإسلامية- كلية الشريعة- الجامعة الأردنية. 4- البرفسور محمود عبد الحليم- أستاذ الدراسات الإسلامية- جامعة لندن- المملكة المتحدة. 5- الأستاذ الدكتور محمد فريد الشيال- أستاذ الدراسات العربية والإسلامية- مدرسة اللغات- جامعة وست منستر- لندن- المملكة المتحدة. 6- الأستاذ الدكتور موئل عز الدين السامرائي- أستاذ الدراسات الإسلامية- جامعة ويلز- المملكة المتحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285