الكتاب: جوامع السيرة النبوية المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- جوامع السيرة ط العلمية ابن حزم الكتاب: جوامع السيرة النبوية المؤلف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] المقدمة بسم الله الرّحمن الرّحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أخبرنى بتصانيف أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسى الظاهرى، شيخنا الإمام الأوحد الرحاله أبو حيان محمد بن يوسف بن على ابن حيان الأندلسى الجيانى رحمه الله تعالى، قال: أخبرنى بتصانيف الإمام أبى محمد وجميع رواياته، الكاتب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائى القرطبى بمدينة تونس وغيره، قالوا: أخبرنا قاضى الجماعة على مذهب أهل الحديث، أبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقى (ح) «1» وأخبرنا الحافظ القاضى أبو على الحسن بن عبد العزيز بن أبى الأحوص عن ابن بقى أيضا، قال: أخبرنا القاضى الخطيب أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعينى، وهو آخر من حدث عنه، قال: أخبرنا أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم رحمة الله عليه. وكان فى صدر الأصل الذى كتبت منه: «كتب إلى القاضى أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعينى من حمص الأندلس، قال: أنبأنا أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى الحافظ، قال: وقرأت على أبى محمد بن عبد الله بن محمد ابن مرزوق اليحصبى الأندلسى بمصر، عن أبى بكر عبد الباقى بن محمد بن بريال الحجارى، قال رحمه الله تعالى» :   (1) «ح» اختصار كلمة «تحويل» ، وهو اصطلاح للمحدثين يستخدمونه للإشارة إلى تحويل الإسناد من أوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 باب نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- واسمه شيبة الحمد- ابن هاشم، - واسمه عمرو- بن عبد مناف- واسمه المغيرة- ابن قصى- واسمه زيد- بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ههنا انتهى النسب الصحيح الذى لا شك فيه. وعدنان بلا شك من ولد إسماعيل الذبيح. «2» رسول الله، ابن إبراهيم خليل الله ورسوله، صلى الله على سيدنا محمد، وعليهما وعلى جميع رسله وأنبيائه. وفى عبد المطلب يجتمع معه عليه السلام: بنو على، وجعفر، وعقيل- بنى أبى طالب-، وبنو العباس، وبنو الحارث، وبنو أبى لهب وفى عبد مناف يجتمع معه: بنو أمية، وسائر بنى عبد شمس، وبنو المطلب، وبنو نوفل. وفى قصى يجتمع معه: بنو عبد العزى، وبنو عبد الدار، الذين منهم حجبة الكعبة. وفى كلاب يجتمع معه: بنو زهرة، وأمه منهم، وهى آمنة بنت وهب. ابن عبد مناف بن زهرة.   (1) انظر نسبه فى زاد المعاد ج 1 وابن كثير. (2) الذبيح: سمى بهذا الاسم تأكيدا لقوله تعالى فى سورة الصافات الآية 102: (يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك ... ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وفى مرة يجتمع معه: بنو تميم بن مرة، وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة. وفى كعب يجتمع معه: بنو عدى، وبنو جمح، وبنو سهم. وفى لؤى يجتمع معه: بنو عامر بن لؤى. وفى غالب يجتمع معه: بنو تيم الأدرم. وفى فهر يجتمع معه: بنو الحارث، وبنو محارب. وفهو هذا: هو أبو قريش كلها، من لم يكن من ولده فلا نسب له فى قريش، ومن كان من ولد فهر فهو قرشى. وفى كنانة يجتمع معه: كل من ينتمى إلى كنانة من بنى عبد مناة، وملك، وملكان، وحدال، وعمرو بن كنانة. وفى خزيمة يجتمع معه: بنو أسد، والقارة، وهم بنو الهون بن خزيمة. وفى مدركة يجتمع معه: بنو هذيل. وفى إلياس يجتمع معه: بنو تميم وإخوتهم، وبنو ضبة، ومزينة، والرباب، وخزاعة، وأسلم. فأما الرباب فهم: تيم، وعدى، وثور، وعكل. وفى مضر يجتمع معه: قبائل قيس كلها: سليم، ومازن، وفزارة، وعبس، وأشجع، ومرة، وسائر بنى ذبيان، وغطفان؛ وعقيل، وقشير، والحريش، وجعدة، والعجلان، وكلاب، والبكاء، وهلال، وسواءة، وبنو جشم، وبنو نصر، وثقيف، وسعد، وسائر هوازن، ومحارب، وعدوان، وفهم، وباهلة، وغنى، والطفاوة، وسائر قيس. وفى نزار يجتمع معه: قبائل ربيعة، كبكر، وتغلب، وعنز- بنى وائل، وعبد القيس وقبائلها، وعنزة، والنمر بن قاسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وفى معد يجتمع معه: إياد، بلا شك. وفى عدنان يجتمع معه: بنوعك، وغافق. وفى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، يجتمع معه: بنو إسرائيل، ومن عرف نسبه من بنى عيصاد بن إسحاق أخى يعقوب، وذلك لا يوجد اليوم. وأما قضاعة وقبائل قحطان، وهم أهل اليمن، فالله أعلم بتشعبهم، إلا أنهم يجتمعون معه فى نوح، بلا شك، وبالله تعالى التوفيق. مولده ومبعثه وسنه ووفاته صلى الله عليه وسلم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وعاش يتيما، إذ مات أبوه وهو عليه السلام لم يكمل له ثلاث سنين «1» ، وماتت أمه وهو لم يستكمل سبع سنين. وكفله جده عبد المطلب، ومات عبد المطلب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانى سنين. ثم كفله عمه أبو طالب، وكان به رفيقا، وقد خفف الله تعالى بذلك من عذابه، فهو أخف أهل النار عذابا. وأتته عليه السلام النبوة من عند الله عز وجل، وهو فى غار حراء، وهو عليه السلام ابن أربعين سنة، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، أسلم فيها رجال من أصحابه ونساء. ثم هاجر إلى المدينة، إذ أكرم الله الأنصار رضوان الله عليهم بذلك، فأقام بالمدينة عشر سنين.   (1) يرى بعض المؤرخين هذا والأرجح أن أباه مات وهو جنين فى بطن أمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مات عليه السلام بها، وقبره فيها، فى المسجد، فى بيته الذى كان بيت عائشة أم المؤمنين رضوان الله عليها، وفيه دفن صلى الله عليه وسلم. ابتدأه وجعه فى بيت عائشة، واشتد أمره فى بيت ميمونة أم المؤمنين رضوان الله عليها، فمرض فى بيت عائشة بإذن نسائه، رضوان الله عليهن، بذلك. وصلى الناس عليه أفذاذا «1» ، وكفن فى ثلاثة أثواب بيض سحولية قطنية، ليس فيها قميص ولا سراويل ولا عمامة؛ ولحد له فى قبره، وهو الحفرة تحت جرف القبر. وتولى غسله على والعباس عمه، والفضل، وقثم، ابنا العباس، وأسامة بن زيد مولاه، وشقران مولاه أيضا، رضى الله عنهم. ودخل فى قبره على بن أبى طالب رضوان الله عليه، والفضل، وقثم، وشقران، وقيل: أوس بن خولى الأنصارى. وقد قيل: إن المغيرة بن شعبة نزل فى قبره بحيلة. وسجى ببرد حبرة، ووضعت فى قبره قطيفة كان يتغطاها. ومات وله ثلاث وستون سنة- ولد ليوم الاثنين، لثمان بقين من ربيع الأول، ونبى يوم الاثنين لأيام خلت من ربيع الأول، وهاجر يوم الاثنين، لأيام خلت لربيع. ومات صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثمان خلون لربيع الأول؛ وقد قيل غير ذلك. ولم يختلف فى أنه عليه السلام مات يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء، وقيل: يوم الثلاثاء.   (1) أفذاذا: فرادى ليس لهم إمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وكانت علته اثنى عشر يوما، وقيل: أربعة عشر يوما، ابتدأ به صداع وتمادى به، وكان ينفث فى علته شيئا يشبه نفث آكل الزبيب. ومات بعد أن خيره الله عز وجل بين البقاء فى الدنيا ولقاء ربه عز وجل فاختار عليه السلام لقاء ربه تعالى. أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» 1- منها القرآن، الذى دعا العرب وغيرهم- مذبعثه الله عز وجل، قرنا قرنا إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة- إلى أن يأتوا بمثله إن شكوا فى صدقه، فأعجز الله تعالى عن ذلك جميع البلغاء، ومنع الجن عن ذلك وغيرهم، قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «2» وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «3» . 2- وشق الله تعالى له القمر بمكة، إذ سألته قريش آية، فأنزل الله تعالى فى ذلك: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ «4» . 3- وأطعم النفر الكثير فى منزل جابر، وفى منزل أبى طلحة يوم الخندق:   (1) أعلام: أى علامات النبوة، وهى المعجزات. (2) سورة البقرة الآية 22. (3) سورة يونس الآية 38. (4) سورة القمر الآيتان 1، 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مرة ثمانين رجلا من أربعة أمداد من شعير وعناق. ومرة أكثر من ذلك، من أقراص من شعير، حملها أنس بن مالك فى يده. ومرة أطعم جميع الجيش، وهم تسعمائة، من تمر يسير أتت به ابنة بشير بن سعد فى يدها، فأكلوا منه حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة. 4- ونبع الماء من بين أصابعه، فشرب منه العسكر كلهم وهم عطاش، وتوضأوا كلهم، كل ذلك من قدح صغير ضاق عن أن يبسط فيه صلى الله عليه وسلم يده المكرمة. وأهراق «1» من وضوئه فى عين تبوك، ولا ماء فيها، ومرة أخرى فى بئر الحديبية، فجاشتا بالماء، فشرب من عين تبوك أهل الجيش، وهم ألوف، حتى رووا كلهم، وفاضت إلى يوم القيامة. وشرب من بئر الحديبية ألف وأربعمائة، حتى رووا كلهم، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء. 5- وأمر عليه السلام عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أن يزود أربعمائة راكب من تمر كان فى اجتماعه كربضة البعير، فزودهم كلهم منه، وبقى بجثته كما كان. 6- ورمى الجيش بقبضة من تراب، فعميت عيونهم، ونزل بذلك القرآن فى قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «2» 7- وأبطل عز وجل الكهانة بمبعثه، فانقطعت، وكانت ظاهرة موجودة.   (1) أهراق أى صب من ماء وضوئه فى البئر فغاض ماءها. (2) سورة الأنفال الآية 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 8- وحن إليه الجذع الذى كان يخطب إليه، إذ عمل له المنبر، حتى سمع منه جميع الحاضرين مثل صوت الإبل، فضمه إليه، فسكن. وموضع الجذع معروف إلى اليوم، موقف عليه. 9- ودعا اليهود إلى تمنى الموت، وأخبرهم أنهم لا يتمنونه، فحيل بينهم وبين النطق بذلك، وهذا منصوص فى القرآن. 10- وأخبر بالغيوب. وأنذر بأن عمار تقتله الفئة الباغية. وأن عثمان رضى الله عنه تصيبه بلوى وله الجنة. وأن الحسن بن على رضوان الله عليهما سيد يصلح الله به بين فئتين. عظيمتين من المسلمين، فكان كل ذلك. وأخبر عن رجل قاتل فى سبيل الله عز وجل بأنه من أهل النار، فظهر ذلك، بأن ذلك الرجل قتل نفسه. وهذه الأشياء لا تعرف البتة بشىء من وجوه تقدمة المعرفة، لا بنجوم، ولا بكتف، ولا بخط، ولا بزجر. 11- واتبعه سراقة بن مالك بن جعشم، فساخت قدما فرسه فى الأرض، ثم أخرجهما وأتبعه دخان، حتى استعاذه سراقة، فدعا له، فانطلقت الفرس. 12- وأنذر بأن ستوضع فى ذراعيه سوار كسرى، فكان كذلك. 13- وأخبر بقتل الأسود العنسى الكذاب ليلة قتله، وهو بصنعاء اليمن، وأخبر بمن قتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 14- وأنذر بموت النجاشى، وبينه وبينه البحر الملح، ومسيرة أيام فى البر، وخرج هو وجميع أصحابه إلى البقيع، فصلوا عليه فوجد قد مات ذلك اليوم، إذ ورد الخبر بذلك. 15- وخرج من بيته على مائة من قريش ينتظرونه ليقتلوه بزعمهم، فوضع التراب على رءوسهم، ولم يروه. 16- وشكا إليه البعير بحضرة أصحابه وتذلل له. 17- وقال لنفر من أصحابه: أحدكم فى النار ضرسه مثل أحد، فماتوا كلهم على الإسلام وارتد منهم واحد: وهو الرحال الحنفى، فقتل مرتدا مع مسيلمة الكذاب، لعنهما الله تعالى. 18- وقال لآخرين منهم: آخركم موتا فى النار، فسقط آخرهم موتا فى النار، فاحترق فمات. 19- ودعا شجرتين فأتتاه فاجتمعتا، ثم أمرهما فافترقتا. 20- وكان صلوات الله وسلامه عليه نحو الربعة، فإذا مشى مع الطوال طالهم. 21- ودعا النصارى إلى المباهلة بالتلاعن، فامتنعوا، وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك هلكوا كلهم، فعلموا صحة قوله، فامتنعوا. 22- وأتاه عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة، وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب، وهما فارسا العرب وفاتكاهم، عازمين على قتله، فحال الله بينهما وبين ذلك؛ وضرب بين أربد وبينه، صلى الله عليه وسلم، مرة بعامر، ومرة بسور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ودعا عليهما، فهلك عامر فى وجهه من منصرفه عنه عليه السلام، وأهلك أربد الصاعقة، أحرقته، لعنهما الله. 23- وأخبر أنه يقتل أبى بن خلف الجمحى، فخدشه يوم أحد خدشا لطيفا، فكانت منيته منها. 24- وأطعم السم، فمات من أكله معه لحينه، وعاش هو صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأربع سنين؛ وكلمه ذراع الشاة المسمومة بأنه مسموم. 25- وأخبر أصحابه يوم بدر بمصارع صناديد قريش، ووقفهم على مصارعهم رجلا رجلا، فلم يتعد واحد منهم ذلك الموضع. 26- وأنذر بأن طوائف من أمته يغزون فى البحر، وقال لأم حرام بنت ملحان: أنت منهم؛ فكانت منهم؛ وصح غزو طائفة من أمته فى البحر. 27- وزويت «1» له الأرض، فأرى مشارقها ومغاربها، وأنذر ببلوغ ملك أمته ما زوى له منها، فكان ذلك؛ وبلغ ملكهم من أول المشرق إلى بلاد السند والترك إلى آخر المغرب من سواحل البحر المحيط بالأندلس وبلاد البربر، ولم يتسعوا فى الجنوب والشمال كل الاتساع، أعنى مثل اتساعهم شرقا وغربا، فكان كما أخبر سواء بسواء. 28- وأخبر فاطمة ابنته رضوان الله عليها أنها أول أهله لحاقا به، فكان كذلك.   (1) فرويت: أى طويت وتكشفت له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 29- وأخبر نساءه رضوان الله عليهن بأن أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به، فكانت زينب بنت جحش الأسدية أطولهن يدا بالصدقة، وأو لهن موتا بعده. 30- ومسح ضرع شاة فدرت، فكان ذلك سبب إسلام عبد الله ابن مسعود. ومرة أخرى فى خيمتى. أم معبد الخزاعية. 31- وندرت «1» عين بعض أصحابه، وهو قتادة، فسقطت، فردها، فكانت أصح عينيه وأحسنهما. 32- وتفل فى عينى على رضوان الله عليه، وهو أرمد، يوم خيبر، فصح من حينه، ولم يرمد بعدها، وبعثه بالراية وقد قال: لا ينصرف حتى يفتح الله عليه، فكان كما قال، لم ينصرف كرم الله وجهه، إلا بالفتح. 33- وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه. 34- وأصيبت رجل بعض أصحابه، فمسحها، فبرئت من حينها. 35- وقل زاد جيش كان فيه، فدعا بجميع ما بقى من الزاد، فاجتمع منه شىء يسير جدا، فدعا عليه بالبركة، ثم أمرهم فأخذوا، فلم يبق وعاء فى العسكر إلا ملئ. 36- وحكى الحكم بن أبى العاص مشيته مستهزئا، فقال له: كذلك فكن، فلم يزل يرتعش إلى أن مات.   (1) نذرت: أى خرجت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 37- وخطب أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة بن مرة بن تشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وكان أبوها أعرابيا جافيا، سيد قومه، فقال: إن بها بياضا، وكانت العرب تكنى بهذا البرص، فقال له صلوات الله وسلامه عليه: لتكن كذلك؛ فبرصت من وقتها، وانصرف أبوها، فرأى ما حدث بها، فتزوجها ابن عمها، يزيد بن جمرة بن عوف ابن أبى حارثة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد، وهو المعروف بابن البرصاء. إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم؛ وإنما أتينا بالمشهور المنقول تقل التواتر. وبالله التوفيق. حجه صلى الله عليه وسلم وكم اعتمر فى الاسلام حج صلى الله عليه وسلم واعتمر قبل النبوة وبعدها قبل الهجرة، حججا وعمرا لا يعرف عددا. ولم يحج بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهى حجة الوداع، سنة عشر. واعتمر بعد أن هاجر إلى المدينة عمرتين مفردتين، قصد لهما وأتمهما: إحداهما: عمرة القضية، قصد لها من المدينة سنة سبع، فأتمها فى ذى القعدة؛ والأخرى: عمرته من الجعرانة، عام ثمان، إثر وقعة حنين فى ذى القعدة أيضا. واعتمر عمرة ثالثة، قرنها مع حجته التى ذكرنا، قصد لهما من المدينة، أهل بهما فى ذى القعدة، وأتمهما فى ذى الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وكان خرج ليعتمر من المدينة، فصده المشركون وقد بلغ الحديبية، فحل عليه السلام بها ونحر الهدى، ورجع هو وأصحابه، رضوان الله عليهم أجمعين. غزواته صلى الله عليه وسلم غزا صلوات الله وسلامه عليه خمسا وعشرين غزوة، وهى على ترتيبها: أولها غزوة ودان وهى الأبواء، ثم غزوة بواط وهى من ناحية رضوى، ثم عزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الأولى يطلب كرز بن جابر، ثم بدر الثانية، وهى البطشة التى أعز الله تعالى فيها الإسلام، وأهلك رءوس الكفرة، ثم غزوة بنى سليم حتى بلغ قرقرة الكدر، ثم غزوة السويق يطلب أبا سفيان بن حرب، ثم غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر، ثم غزوة نجران، ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم بدر الآخرة، ثم دومة الجندل، ثم غزوة الخندق، وهى آخر غزوة غزاها أهل الكفر إليه، ثم غزوة بنى قريظة، ثم غزوة بنى لحيان من هذيل، ثم غزوة ذى قرد، ثم غزوة بنى المصطلق من خزاعة، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة الفتح- فتح مكة- ثم غزوة حنين إلى هوازن، ثم الطائف، ثم تبوك. قاتل منها فى تسع: وهى بدر المعظمة، وهى بدر القتال، وهى بدر البطشة، وقاتل صلى الله عليه وسلم فى أحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف. وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام قاتل فى وادى القرى والغابة، ولم يكن فى سائرها أصلا، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بعوثه صلى الله عليه وسلم 1- بعث صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث بن المطلب أسفل ثنية المرة. 2- وبعث حمزة بن عبد المطلب إلى ساحل البحر من ناحية العيص. وكان هذان البعثان متقاربين جدا أو معا، فلذلك اختلف فى أيهما كان قبل، وهما أول بعوثه، وأول راية عقدها. 3- وبعث سعد بن أبى وقاص إلى الخرار. 4- وبعث عبد الله بن جحش إلى نخلة. 5- وبعث زيد بن حارثة مولاه إلى القردة. 6- وبعث محمد بن مسلمة الأنصارى إلى قتل كعب بن الأشرف. 7- وبعث مرثد بن أبى مرثد الغنوى إلى الرجيع. 8- وبعث المنذر بن عمرو الأنصارى إلى بئر معونة. 9- وبعث عبد الله بن عتيك إلى قتل سلام بن أبى الحقيق، بخيبر. 10- وبعث أبا عبيدة بن الجراح إلى ذى القصة، من طريق العراق. 11- وبعث عمر بن الخطاب إلى تربة، من أرض بنى عامر. 12- وبعث على بن أبى طالب إلى اليمن. 13- وبعث غالب بن عبد الله الليثى إلى الكديد، إلى بنى الملوح من بنى كنانة. 14- وبعث على بن أبى طالب إلى بنى عبد الله بن سعد، من أهل فدك. 15- وبعث ابن أبى العوجاء السلمى إلى بنى سليم. 16- وبعث عكاشة بن محصن الأسدى إلى الغمرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 17- وبعث أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومى إلى قطن، ماء لبنى أسد بناحية نجد. 18- وبعث محمد بن مسلمة الأنصارى من بنى حارثة بن الأوس، إلى القرطاء، من هوزان. 19- وبعث بشير بن سعد الأنصارى، من بنى الحارث بن الخزرج، إلى ناحية خيبر. 20- وبعث زيد بن حارثة إلى الجموم، من أرض بنى سليم. 21- وبعث زيدا أيضا إلى جذام، من أرض حسمى. 22- وبعث زيدا أيضا إلى الطرف، من ناحية نخل من طريق العراق. 23- وبعث أبا بكر رضى الله عنه إلى فزارة. 24- وبعث أبا عامر الأشعرى عم أبى موسى إلى أوطاس. 25- وبعث زيدا أيضا إلى فزارة، فقتل أم قرفة وغيرها. 26- وبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر. 27- وبعث مرة أخرى عبد الله بن عتيك إلى خيبر، لقتل أبى رافع بن أبى الحقيق. 28- وبعث عبد الله بن أنيس الجهنى لقتل خالد بن سفيان الهذلى، فقتله عبد الله، بعثه عليه السلام لذلك وحده، وجعل له عليه السلام آية عند لقائه أن تأخذ عبد الله رعدة، فكان كما قال عليه السلام. 29- وبعث الأمراء: عليهم زيد بن حارثة، فإن قتل فعليهم جعفر بن أبى طالب، فإن قتل فعليهم عبد الله بن رواحة. فقتلوا كلهم رضوان الله عليهم بمؤتة فى أول الشام، لقوا هنالك عساكر النصارى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الروم ومتنصرة العرب، وأخذ الراية خالد بن الوليد، فانحاز بالمسلمين. 30- وبعث كعب بن عمير الغفارى إلى ذات أطلاح، من أرض الشام. 31- وبعث عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى إلى بنى العنبر من بنى تميم. 32- وبعث غالب بن عبد الله الليثى إلى أرض بنى مرة، فأصابوا فى الحرقات من جهينة. 33- وبعث خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة من بنى كنانة. 34- وبعث خالدا أيضا إلى اليمن. 35- وبعث عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من أرض بنى عذرة، وأمده بجيش عليهم أبو عبيدة. 36- وبعث عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى إلى بطن إضم. 37- وبعث ابن أبى حدرد أيضا إلى الغابة. 38- وبعث عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل. 39- وبعث أبا عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر. 40- وبعث عمرو بن أمية الضمرى إلى قتل أبى سفيان صخر بن حرب ابن أمية، فلم يمكنه ذلك ولم يتهيأ له. 41- وبعث زيد بن حارثة إلى مدين. 42- وبعث سالم بن عمير إلى أبى عفك، من بنى عمرو بن عوف، فقتله. 43- وبعث عمرو بن عدى الخطمى إلى عصماء بنت مروان، من بنى أمية ابن زيد، فقتلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 44- وبعث بعثا أسر فيه ثمامة بن أثال الحنفى. 45- وبعث علقمة بن مجزز المدلجى. 46- وبعث كرز بن جابر خلف الذين قتلوا الرعاء وسملوا عيونهم. 47- وبعث أسامة بن زيد إلى الشام، وهو آخر بعوثه، مات صلى الله عليه وسلم قبل أن ينفذه، فأنفذه أبو بكر الصديق، رضوان الله عليهم ورحمته وبركاته، وبالله التوفيق. صفته وأسماؤه صلى الله عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا الآدم «1» ، ولا بالجعد القطط، ولا السبط، رجل الشعر، أزهر اللون، مشربا بحمرة فى بياض ساطع، كأن وجهه القمر حسنا، ضخم الكراديس، أوطف الأشفار «2» ، أدعج العينين، فى بياضهما عروق حمر رقاق، حسن الثغر، واسع الفم، حسن الأنف، إذا مشى كأنه يتكفأ، إذا التفت التفت بجميعه، كثير النظر إلى الأرض، ضخم اليدين لينهما، قليل لحم العقبين، كث اللحية واسعها، أسود الشعر، ليس لرجليه أخمص، إذا طول شعره فإلى شحمة أذنيه ومع كتفه، وإذا قصره فإلى أنصاف أذنيه، لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبة. وهو: محمد، صلى الله عليه وسلم، وأحمد، والماحى: يمحو الله به الكفر، والحاشر: يحشر الناس على عقبيه، والعاقب: ليس بعده نبى، والمقفى، ونبى التوبة، ونبى الملحمة، وسماه الله تعالى: رءوفا رحيما.   (1) الآدم: الأسمر. والأمهق، أى الذى ليس بياضه شديدا. (2) الكراديس، أى ضخم عظم المفاصل وطويل أهداب العينين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وكان على نغض كتفه الأيسر خاتم النبوة، كأنه بيضة حمام، لونه لون جسده، عليه خيلان «1» ، ومن فوقه شعرات. أمراؤه صلى الله عليه وسلم باذان الفارسى على اليمن كلها، وهو باذان بن ساسان بن بلاش، ابن الملك جاماسف، بن الملك فيروز بن يزدجرد الملك، بن بهرام جور الملك، فلما مات باذان ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن باذان صنعاء وأعمالها فقط. وولى المهاجر بن أبى أمية بن المغيرة كندة والصدف. وولى زياد بن لبيد البياضى الأنصارى حضر موت. وولى أبا موسى الأشعرى زبيد وعدن ورمع والساحل. وولى معاذ بن جبل الجند. وولى عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس مكة وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان، وهو دون العشرين سنة. وولى أبا سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس نجران. وولى يزيد بن أبى سفيان صخر بن حرب على تيماء. وولى خالد بن سعيد بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس على صنعاء بعد قتل شهر بن باذان، وقتل شهر بن باذان، رحمة الله عليه، الأسود العنسى الكذاب لعنه الله. وولى أخاه عمرو بن سعيد على وادى القرى.   (1) خيلان جمع خال وهى الشامة فى جسم الانسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وولى أخاهما الحكم بن سعيد على قرى عرينة، وهى فدك وغيرها. وولى أخاهم أبان بن سعيد على مدينة الخط بالبحرين، وهى التى تنسب إليها الرماح. وولى العلاء بن الحضرمى حليف بنى سعيد بن العاص على القطيف بالبحرين. وولى عمرو بن العاص على عمان وأعمالها. وولى عثمان بن أبى العاص الثقفى على الطائف. وولى محمية بن جزء بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو بن زبيد الزبيدى على الأخماس التى بحضرته، صلى الله عليه وسلم، قيل: وهو حليف بنى جمح. وولى على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، على الأخماس باليمن، والقضاء بها. وولى معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى حليف بنى أمية بن عبد شمس على خاتمه صلى الله عليه وسلم. وولى عدى بن حاتم على صدقات بنى أسد. وولى مالك بن نويرة اليربوعى على صدقات بنى حنظلة بن زيد مناة ابن تميم. وولى قيس بن عاصم المنقرى، والزبرقان بن بدر على صدقات بنى سعد ابن زيد مناة بن تميم. وولى عمر بن الخطاب على بعض من الصدقات أيضا، وجماعة كثيرة على الصدقات أيضا، لأنه كان على كل قبيلة وال يقبض صدقاتها. وولى أبا بكر الصديق على موسم سنة تسع، وخليفته على ولاية الأمور كلها أبو بكر الصديق رضى الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فصل كان عمرو بن عبسة السلمى صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجاهلية «1» . وكان عياض بن حمار بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، حرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجاهلية، ويعنى ذلك أن قريشا كانت من الحمس، وكانت بنو مجاشع من الحلة، وهما دينان من أديان العرب فى الجاهلية، فكان الحل لا يطوف بالبيت إلا عريانا إلا أن يعيره رجل من الحمس ثيابا يطوف بها؛ فكان عياض يطوف فى ثياب رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعياض هذا: ابن عم الأقرع ابن حابس بن عقال لحا. وكان الضحاك بن سفيان الكلابى سيافه، صلى الله عليه وسلم؛ وبالله التوفيق. كتابه صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب، وعثمان، وعمر، وأبو بكر، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبى بن كعب الأنصارى، وحنظلة بن الربيع الأسيدى، ويزيد ابن أبى سفيان، وزيد بن ثابت الأنصارى من بنى النجار، ومعاوية بن أبى سفيان. وكان زيد بن ثابت من ألزم الناس لذلك، ثم تلاه معاوية بعد الفتح. فكانا ملازمين الكتابة بين يديه، صلى الله عليه وسلم، فى الوحى وغير ذلك، لا عمل لهما غير ذلك.   (1) يقول بعض المؤرخين إنه لم يكن صديقا للرسول عليه السلام فى الجاهلية وإنما كان سباقا إلى الإسلام حتى قيل إنه كان ربع الإسلام عند إسلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فصل كان قيس بن سعد بن عبادة الساعدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. ووقف المغيرة بن شعبة الثقفى على رأسه بالسيف يوم الحديبية. وكان بلال بن رباح على نفقاته. وكانت أم أيمن دايته. وكان أنس بن مالك خادمه. وكان ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعى، والد الفقيه قبيصة بن ذؤيب، صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى أهدى، والناظر عليها. وقد أذن عليه رباح الأسود مولاه، وأبو موسى الأشعرى. وكان ابن أم مكتوم الأعمى، وهو من بنى عامر بن لؤى، واسمه عمرو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، واسمه جندب، بن هزم بن رواحة بن حجر ابن عبد بن معيص بن عامر بن لؤى: مؤذنه مع بلال. وحجمه أبو طيبة من الأنصار. وكان شعراؤه الذين يذبون عن الإسلام بألسنتهم: كعب بن مالك الأسلمى، وعبد الله بن رواحة من بنى الحارث بن الخزرج، وحسان بن ثابت من بنى النجار، كلهم من الخزرج من الأنصار. وخطيبه ثابت بن قيس بن الشماس. وفارسه أبو قتادة الأنصارى. وضيفه أبو أيوب خالد بن زيد من بنى النجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 واتخذ صلى الله عليه وسلم خاتم ذهب، ثم رماه وتبرأ منه؛ واتخذ خاتم فضة، فصه منه، نقشه: محمد، رسول، الله، ثلاثة أسطر: كان يحبسه فى خنصره المقدس فى يساره، وربما فى يمينه المقدسة، يجعل فصه إلى باطن كفه، ونهى أن ينقش أحد على نقشه، كما نهى أن يتكنى أحد بكنيته، فلا يحل شىء من ذلك. فلم يزل الخاتم فى يده إلى أن مات، ثم فى يد أبى بكر، ثم عمر، ثم فى يد عثمان، فلما كان فى السنة السادسة من خلافته سقط من يده فى بئر أريس؛ فنزحت البئر، وأخرج منها أكوام من طين، فلم يوجد الخاتم، فإنا الله وإنا إليه راجعون، فإنه كان أثرا مباركا فذهب. رسله صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل الفتح وبعد الحديبية، رسله إلى الملوك: 1- فبعث دحية بن خليفة الكلبى، إلى قيصر ملك الروم، واسمه هرقل. 2- وبعث عبد الله بن حذافة السهمى إلى كسرى أبرويز بن هرمز، ملك الفرس. 3- وبعث عمرو بن أمية الضمرى، إلى النجاشى ملك الحبشة. 4- وبعث حاطب بن أبى بلتعة اللخمى، إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، ومصر. 5- وبعث عمرو بن العاص؛ إلى جيفر وعياذ ابنى الجلندى الأزديين، ملكى عمان. 6- وبعث سليط بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤى، إلى هوذة بن على، الملك على اليمامة، وإلى ثمامة بن أثال، الحنفيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 7- وبعث العلاء بن الحضرمى إلى المنذر بن ساوى العبدى ملك البحرين. 8- وبعث شجاع بن وهب الأسدى، من أسد خزيمة، إلى الحارث ابن أبى شمر الغسانى، وابن عمه جبلة بن الأيهم، ملكى البلقاء من عمل دمشق. 9- وبعث المهاجر بن أبى أمية المخزومى، إلى الحارث بن عبد الملك الحميرى، أحد مقاولة اليمن. 10- وبعث معاذ بن جبل إلى جملة اليمن، داعيا إلى الإسلام، فأسلم جميع ملوكهم، كذى الكلاع وذى ظليم وذى زرود وذى مران وغيرهم. وأسلم سائر الملوك الذين ذكرنا قبل أنهم أرسل إليهم عليه السلام. وأسلم قومهم، حاشا قيصر والمقوقس وهوذة وكسرى والحارث بن أبى شمر والنجاشى، وهو غير الذى هاجر إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات ذلك رضوان الله عليه مسلما، وأتى الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته، فنعاه إلى المسلمين، وخرج بهم إلى البقيع، وصف أصحابه صفوفا، وصلى عليه، وكبر عليه أربعا، وكان يكتم قومه إسلامه خوفا منهم. وتأخر إسلام ثمامة بن أثال، ثم أسلم مختارا بعد ذلك. وأما قيصر فهم بالإسلام، فغلبه قومه، فلم يسلم. وأما المقوقس فقارب، وهادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مأبورا وهو عبد مجبوب، والبغلة الشهباء، التى كانت تسمى الدلدل، وجاريتين: إحداهما مارية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» ، والأخرى أختها سيرين، وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن، فهو ابن خالة إبراهيم   (1) ومن أجلها قال عليه الصلاة والسلام: «أوصيكم بأهل مصر خيرا فإن لكم فيهم نسبا وصهرا» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما البغلة فكان يركبها إلى أن مات، ثم كانت عند على بن أبى طالب إلى أن مات، قيل: ثم صارت عند عبد الله بن جعفر ابن أبى طالب، وكان يجش لها الشعير لطول عمرها، إلى أن نفقت أيام معاوية. وأما كسرى فكان أقبح القوم ردا، ومزق كتابه، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمزق الله ملكه أولا، ثم ملك الفرس جملة. وكان صلوات الله وسلامه عليه له رسل كثير إلى قبائل العرب. نساؤه صلى الله عليه وسلم أول أزواجه صلى الله عليه وسلم: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب، تزوجها عليه الصلاة والسلام وهو ابن خمس وعشرين سنة، وماتت رضى الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وكانت قبله عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فولدت له عبد الله، ثم خلف عليها أبو هالة، واسمه هند بن زرارة بن النباش ابن عدى بن حبيب بن صرد بن سلامة بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم، فولدت له ابنين ذكرين، وهما: هند والحارث، وابنة اسمها زينب. فأما هند بن هند فشهد أحدا، وسكن البصرة، وروى عنه الحسن بن على ابن أبى طالب. وأما الحارث فقتله أحد الكفار عند الركن اليمانى. فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى، وكانت قبله عند ابن عمها السكران بن عمرو بن عبد شمس؛ فمات عنها. ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبى بكر الصديق، واسمه عبد الله، ابن أبى قحافة، واسمه عثمان، بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب، لم يتزوج بكرا غيرها. تزوجها بمكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وهى بنت ست سنين، وبنى بها بعد الهجرة بسبعة أشهر فى شوال، وهى بنت تسع سنين، وبقيت معه تسع سنين وخمسة أشهر، وماتت سنة ثمان وخمسين. ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب بعد الهجرة بسنتين وأشهر، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمى، فمات عنها، وتوفيت سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان، وهو أمير المدينة. ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد الله ابن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، قتل يوم بدر. وتوفيت زينب فى حياته بعد ضمه لها بشهرين، وقال الزهرى: بل كانت عند عبد الله بن جحش الأسدى المستشهد يوم أحد. وتزوج أم سلمة، واسمها هند، بنت أبى أمية، واسمه حذيفة، ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى. وكانت قبله عند أبى سلمة، واسمه عبد الله. بن عبد الأسد المخزومى، فولدت له عمر. وسلمة، ودرة، وزينب؛ وهى آخر نسائه موتا، ماتت سنة تسع وخمسين، وكذلك ذكر أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادى فى تأريخه: أنها توفيت فى سنة تسع وخمسين، وقال ابن أبى خيثمة: قبل معاوية بسنة. وقال عطاء: آخرهن موتا صفية، وهذا وهم. وتزوج زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير ابن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وكانت قبله صلى الله عليه وسلم عند زيد بن حارثة مولاه، وهى أول نسائه موتا بعده، ماتت فى أول خلافة عمر، وهى التى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 زوجها الله تعالى منه «1» ، ولما فتحت البلاد وآتاها عمر ما فرض لها بكت وأعولت ودعت إلى الله عز وجل أن لا يريها عاما قابلا حتى تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما فارقته من التقلل فى الدنيا، فماتت قبل تمام العام. ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار، واسمه حبيب، بن الحارث بن عابد بن مالك بن جذيمة، وهو المصطلق، من خزاعة. وكانت قبله عند رجل من بنى عمها، اسمه عبد الله بن جحش الأسدى، وتوفيت سنة ست وخمسين فى ربيع الأول، وصلى عليها مروان، قاله الواقدى. ثم تزوج أم حبيبة، واسمها رملة، وقيل هند، بنت أبى سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس، فيما بعد الحديبية، سيقت إليه من بلاد الحبشة، وكانت هنالك مهاجرة مسلمة، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدى، فارتد إلى النصرانية، ثم مات إلى النار. قيل: إن النجاشى أصدقها أربعمائة دينار ذهبا، وماتت فى خلافة أخيها معاوية، سنة أربع وأربعين، فيما قاله أبو حسان الزيادى، وقال أيضا مثله الواقدى. وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حيى بن أخطب، من بنى النضير، من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هرون بن عمران أخى موسى بن عمران عليهما السلام، وهو عمران بن قاهاث بن لاوى بن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقوب بن رسول الله صلى الله عليه وسلم إسحق بن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم رسول الله وخليله. وكانت قبله تحت كنانة بن أبى الحقيق. قال الواقدى رحمه الله تعالى: وفى سنة خمسين ماتت صفية بنت حيى، وقاله أيضا أبو حسان الزيادى.   (1) وفيها نزلت آية سورة الأحزاب 37: «فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم ... ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ثم تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن هرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهى خالة خالد بن الوليد وعبد الله ابن عباس. وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابى رهم بن عبد العزى ابن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبى طالب: بل كانت تحت حويطب بن عبد العزى أخى أبى رهم. وهى آخر من تزوج صلى الله عليه وسلم، تزوجها بمكة فى عمرة القضاء بعد إحلاله، وبنى بها بسرف، وبها ماتت أيام معاوية، وذلك سنة إحدى وخمسين، قاله خليفة. وقبرها هناك معروف. وبعث فى الجونية ليتزوجها، فدخل عليها ليخطبها، فاستعاذت بالله منه، فأعاذها، ولم يتزوجها، وردها إلى أهلها. ولم يصح عنه عليه السلام أنه طلق امرأة قط، إلا حفصة بنت عمر، ثم راجعها، بأمر الله له بمراجعتها. وأراد صلى الله عليه وسلم طلاق سودة بنت زمعة، إذ أسنت، وتوقع أن لا يوفيها حقها؛ فرغبت أن يمسكها، ويجعل يومها لعائشة بنت أبى بكر، فأمسكها. ولم يبق من نسائه أمهات المؤمنين امرأة إلا تخيرته؛ إذ أنزل الله تعالى آية التخيير «1» ، ومن ذكر غير هذا فقد ذكر الباطل المتيقن.   (1) وهى الآية 29، والآية 30 من سورة الأحزاب: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ... » إلى قوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وصح أن صدقاته لنسائه كان لكل امرأة خمسمائة درهم، هذا الثابت فى ذلك، إلا صفية، فإنه أعتقها وجعل عتقها صداقها، لا صداق لها غير ذلك البتة، فصارت سنة بعده عليه السلام. وأولم على زينب بنت جحش بشاة واحدة فكفت الناس، قال أنس ابن مالك: ولم نره أولم على امرأة من نسائه بأكثر من ذلك. وأولم على صفية وليمة ليس فيها شحم ولا لحم، إنما كان السويق والتمر والسمن. وأولم على بعض نسائه، لم تسم لنا، بمدين من شعير، فكفى ذلك كل من حضر. وكان ينفق على نسائه كل سنة عشرين وسقا من شعير، وثمانين وسقا من تمر. هكذا رويناه من طريق فى غاية الصحة، وروينا من طريق فيها ضعف: أن هذا العدد لكل واحدة منهن فى العام، فالله أعلم، فقد كان لكل واحدة منهن الإماء والعبيد والعتقاء فى حياته، صلى الله عليه وسلم ورضى عن جميعهن رضوانا يوجب لهن الجنة. أولاده صلى الله عليه وسلم كل أولاده من ذكر وأنثى فمن خديجة بنت خويلد، حاشا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التى أهداها له المقوقس، لم يولد له من غيرها. فالذكور من ولده: القاسم، وبه كان يكنى، هو أكبر ولده، عاش أياما يسيرة، ولد له قبل النبوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وولدان آخران اختلف فى اسم أحدهما، إلا أنه لا يخرج الرواية فى ذلك عن «عبد الله» و «الطاهر» و «الطيب» . وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان له ولد اسمه عبد العزى قبل النبوة، وهذا بعيد، والخبر مرسل، ولا حجة فى مرسل. وأما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين، ومات قبل موت أبيه صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، يوم كسوف الشمس. وبناته: زينب؛ أكبر بناته، تزوجها أبو العاصى، اسمه القاسم، بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وكانت خديجة أم المؤمنين خالة ابى العاصى. لم يكن لزينب زوج غير أبى العاصى، وماتت عنده سنة ثمان من الهجرة، قاله خليفة. ومات أبو العاصى فى خلافة عمر. فولدت زينب لأبى العاصى: عليا، ومات مراهقا، وأمامة، تزوجها على بن أبى طالب بعد فاطمة فلم تلد له، ومات عنها، فتزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فماتت عنده ولم تلد له. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: رقية، تزوجها عثمان بن عفان، لم يكن لها زوج غيره، فولدت له ابنا اسمه: عبد الله، مات وله أربع سنين، ثم ماتت رقية بعد يوم بدر بثلاثة أيام. وكان له صلى الله عليه وسلم أيضا: فاطمة رضوان الله عليها، وتزوجها أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه، فولدت له: الحسن، فهو أكبر ولده- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وابنا مات صغيرا اسمه المحسن. تزوج زينب بنت على عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، فولدت له على بن عبد الله، له عقب. وتزوج أم كلثوم عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فولدت له زيدا، لا عقب له ولا لأمه. وماتت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، ولم يكن لها زوج غير على. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم، وهى أصغر بناته، كانت مملكة بعتبة بن أبى لهب فلم يدخل بها فطلقها، فتزوجها عثمان بن عفان، فماتت عنده فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة تسع من الهجرة، قاله خليفة بن خياط، ولم تلد له. أخلاقه صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم، كما وصفه ربه تعالى «1» . وكان صلوات الله عليه وسلامه أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمس قط يده امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه. وكان عليه الصلاة والسلام أسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، فإن فضل، ولم يجد من يعطيه ويجنه الليل، لم يأو منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله تعالى إلا قوت عامه فقط، من أيسر ما يجد   (1) فى الآية رقم 4 من سورة القلم: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 من الشعير والتمر، ويضع سائر ذلك فى سبيل الله تعالى. لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى يحتاج قبل انقضاء العام. يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم فى مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن. أشد الناس حياء، لا يثبت بصره فى وجه أحد. يجيب دعوة العبد والحر. ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، ويكافئ عليها ويأكلها ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها. تستتبعه الأمة والمسكين، فيتبعهما حيث دعواه. ولا يغضب لنفسه، ويغضب لربه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه. عرض عليه الانتصار بالمشركين، وهو فى قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده فى عدد من معه، فأبى وقال: إنا لا نستنصر بمشرك. ووجد أصحابه قتيلا من خيارهم وفضلاء أصحابه، يهد البلاد العظيمة والعساكر الكثيرة فقد مثله منهم، فلم يحف «1» لهم من أجله على أعدائه من اليهود الذين وجده مقتولا بينهم، بل وداه مائة ناقة من صدقات المسلمين، وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به. وودى بنى جديمة، وهم غير موثوق بإيمانهم، إذ وجب بأمر الله تعالى ذلك.   (1) فى الأصل: يجف. وحاف عليه: ظلمه وجار عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ومرة يأكل ما وجد، لا يرد ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضر، ولا يتورع عن مطعم حلال، إن وجد تمرا دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بر أكله، وإن وجد حلواء أو عسلا أكله، وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به، وإن وجد بطيخا أو رطبا أكله. لا يأكل متئكا ولا على خوان، منديله باطن قدميه. لم يشبع من خبز بر ثلاثا تباعا حتى لقى الله تعالى، إيثارا على نفسه، لا فقرا، ولا بخلا. يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز. يمشى وحده بين يدى أعدائه بلا حارس. أشد الناس تواضعا، وأسكتهم فى غير كبر، وأبلغهم فى غير تطويل، وأحسنهم بشرا. لا يهوله شىء من أمور الدنيا. ويلبس ما وجد، فمرة شملة، ومرة برد حبرة يمانيا، ومرة جبة صوف، ما وجد من المباح، لبس خاتم فضة، فصه منه، يلبسه فى خنصره الأيمن، وربما فى الأيسر. يردف خلفه عبده أو غيره. يركب ما أمكنه، مرة فرسا، ومرة بعيرا، ومرة حمارا، ومرة بغلة شهباء، ومرة راجلا حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة. يعود كذلك المرضى فى أقصى المدينة. يحب الطيب، ويكره الريح الردية. يجالس الفقراء، ويواكل المساكين، ويلزم أهل ... «1» فى أخلاقهم، ويستألف أهل الشرف بالبر لهم.   (1) هنا سقط فى الأصل ولعلها (المروءة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 يصل ذوى رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر. يمزح ولا يقول إلا حقا، يضحك فى غير قهقهة، ويرى اللعب المباح فلا ينكره، ويسابق أهله على الأقدام، ويرفع الأصوات عليه فيصبر. له لقاح «1» وغنم، يتقوت هو وأهله من ألبانها. وله عبيد وإماء، لا يتفضل عليهم فى مأكل ولا ملبس. ولا يمضى له وقت فى غير عمل لله تعالى، أو فيما لابد له من صلاح نفسه. يخرج إلى بساتين أصحابه، ويقبل البر اليسير، ويشرب النبيذ الحلو، ولا يحقر مسكينا لفقره وزمانته، ولا يهاب ملكا لملكه، يدعو هذا وهذا إلى إلى الله تعالى مستويا. أطعم السم، وسحر، فلم يقتل من سمه، ولا من سحره، إذ لم ير عليهما قتلا، ولو وجب ذلك عليهما لما تركهما. قد جمع الله له السيرة الفاضلة، والسياسة التامة. وهو صلى الله عليه وسلم أمى لا يقرأ ولا يكتب، ونشأ فى بلاد الجهل والصحارى، فى بلد فقر، وذى رعية غنم. ورباه الله تعالى محفوفا باللطف، يتيما لا أب له، ولا أم، فعلمه الله جميع محاسن الأخلاق «2» ، والطرق الحميدة. وأوحى إليه جل وعلا أخبار   (1) أى له أبل حلوب. (2) يقول عليه السلام: «أدبنى ربى فأحسن تأديبى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز فى الآخرة، والغبطة والخلاص فى الدنيا، ولزوم الواجب، وترك الفضول من كل شىء. وفقنا الله تعالى لطاعته عليه الصلاة والسلام فى أمره، والتأسى به فى فعله، إلا فيما يخص به، آمين، آمين. جمل من التاريخ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد متقربا إلى الله عز وجل فى غار معروف بغار حراء، حبب إليه عليه صلوات الله وسلامه ذلك، لم يأمره بذلك أحد من الناس، ولا رأى من يفعل ذلك فتأسى به، وإنما أراده الله تعالى لذلك، فكان يبقى فيه عليه الصلاة والسلام الأيام والليالى، ففيه أتاه الوحى. وأول ما أتاه جاءه الملك فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ؛ فغطه حتى بلغ منه الجهد «1» ، ثم أرسله، فقال: اقرأ؛ فقال: ما أنا بقارئ؛ فغطه الثانية كذلك، ثم أرسله، فقال: اقرأ، مرتين أو ثلاثا، فقال له: ماذا أقرأ؟ فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «2» . وهذا أول ما نزل من القرآن. فأتى بها النبى صلى الله عليه وسلم خديجة أم المؤمنين، فكانت أول من آمن. ثم آمن من الصبيان على، ثم آمن من الرجال أبو بكر الصديق ابن أبى قحافة واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى ابن غالب بن فهر. وقيل: أول من آمن بعد خديجة أم المؤمنين: أبو بكر.   (1) غطه: أى ضمه ضما شديدا ليختبره جبريل. (2) سورة العلق الآيات 1- 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ثم على بن أبى طالب، واسم أبيه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر. وزيد بن حارثة، وبلال. ثم أسلم عمرو بن عبسة السلمى، وخالد بن سعيد بن العاصى بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف. وسعد بن أبى وقاص، واسم أبى وقاص مالك ابن وهيب بن عبد مناف بن قصى بن كلاب. ثم عثمان بن عفان بن أبى العاصى بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصى بن كلاب. والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب. وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ابن كلاب. وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وخالد بن سعيد، وعمرو بن عبسة، وسعد بن أبى وقاص: من أولهم إسلاما، وكان سائر من ذكرنا بدعاء أبى بكر الصديق لهم إلى الإسلام. وقد قيل إن سعدا أيضا أسلم بدعاء أبى بكر، غير خالد وعمرو، فإنهما أسلما سابقين بدعائه عليه السلام. ثم أسلم أبو عبيدة، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب ابن ضبة بن الحارث بن فهر. وأبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى. وإخوته قدامة، وعبد الله، والسائب. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى. وكان أبوه زيد قد رفض الأوثان فى الجاهلية ووحد الله عز وجل، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة. وأسماء بنت أبى بكر الصديق. وفاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أخت عمر بن الخطاب، زوجة سعيد بن زيد. وعمير بن أبى وقاص، أخو سعد بن أبى وقاص: وعبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة، حليف بنى زهرة، وكان يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط، وكان سبب إسلامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب من غنمه شاة حائلا فدرت «1» . ومسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب ابن محلم بن عائذة بن يثيع بن مليح بن الهون بن خزيمة بن مدركة، وهم القارة وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن ابن عامر بن لؤى بن غالب بن فهر. وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة.   (1) الشاة الحائل هى غير الحامل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وامرأته أسماء بنت مخربة التميمية. وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدى بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى، وهو زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعامر بن ربيعة العنزى، من عنز وائل. حليف آل الخطاب. وعبد الله بن جحش بن رئاب بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. حليف بنى أمية بن عبد شمس. وأخوه أبو أحمد بن جحش، وكان أعمى. وجعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب. وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك الخثعى. وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ابن عمرو بن هصيص بن كعب. وامرأته بنت المجلل بن عبد الله بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب بن فهر. وأخوه حطاب بن الحارث. وامرأته فكيهة بنت يسار. ومعمر بن الحارث بن عمرو بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى. والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب. وامرأته رملة بنت أبى عوف بن صبرة بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى. والنحام واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد مناف بن عوف بن عبيد ابن عويج بن عدى بن كعب بن لؤى. وعامر بن فهيرة أزدى، أمه فهيرة مولاة أبى بكر الصديق. وأمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن يثيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو، من خزاعة، امرأة خالد بن سعيد بن أبى العاصى. وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود أخو سليط بن عمرو، المذكور قبل. وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، حليف بنى عدى بن كعب. وخالد، وعاقل، وعامر، وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب ابن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، حلفاء لبنى عدى ابن كعب. وعمار بن ياسر، عنسى من مذحج، مولى لبنى مخزوم. وصهيب بن سنان من بنى النمر بن قاسط، حليف آل جدعان من بنى تيم بن مرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 والأرقم بن أبى الأرقم، واسمه عبد مناف، بن أبى جندب، واسمه أسد، ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم. ثم عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط، وقيل: به أتم الله أربعين من الصحابة، ولعل ذلك كان وعمرو بن عبسة لم يكن بمكة وعمير بن أبى وقاص كان صغيرا، ولعل أيضا بينهم مثل هذا. وأول من أهراق دما فى سبيل الله فسعد بن أبى وقاص، وكان مع قوم من المسلمين يصلون، فاطلع عليهم قوم من المشركين، فقاتلوهم، فضرب سعد رجلا منهم بلحى جمل فشجه «1» . ثم أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء إلى الله عز وجل، وجاهرته قريش بالعداوة والأذى، إلا أن أبا طالب عمه كان حدبا عليه، مانعا له، وهو باق على دين قومه. وكان المجاهرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذى والعداوة، أولهم وأشدهم من قومه: عمه أبو لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، أحد المستهزئين. وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف: عتبة، وشيبة، ابنا ربيعة بن عبد شمس. وعقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن ربيعة بن أمية بن عبد شمس، أحد المستهزئين. وأبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أحد المستهزئين.   (1) ضربه فشجه أى ضربه بعظم رأس جمل فشج رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 والحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس، أحد المستهزئين. ومعاوية بن المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس. ومن بنى عبد الدار بن قصى: النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى. ومن بنى عبد العزى بن قصى: الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى أحد المستهزئين. وابنه: ربيعة بن الأسود. وأبو البخترى العاصى بن هشام بن أسد بن عبد العزى بن قصى ومن بنى زهرة بن كلاب: ابن خاله، وهو الأسد بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وأخوه: العاصى بن هشام. وعمهما: الوليد بن المغيرة، والدخال بن الوليد. وابنه: أبو قيس بن الوليد. وابن عمه: قيس بن الفاكه بن المغيرة. وابن عمهم: زهير بن أبى أمية بن المغيرة، أخو أم سلمة أم المؤمنين. والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وصيفى بن السائب، من بنى عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ومن سهم بن هصيص بن كعب بن لؤى: العاصى بن وائل بن هاشم «1» ابن سعيد بن سهم بن هصيص، والد عمرو. وابن عمه: الحارث بن عدى بن سعيد بن سهم بن هصيص. ومنبه، ونبيه، ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم ابن هصيص. ومن بنى جمح: أمية، وأبى، ابنا خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ابن هصيص بن كعب بن لؤى. وأنيس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح، أخو أبى محذورة. والحارث بن الطلاطلة الخزاعى. وعدى بن الحمراء الثقفى. فاشتد هؤلاء ورؤساء سائر قبائل قريش على من أسلم منهم، يعذبون من لا منعة عنده، ويؤذون من لا يقدرون على عذابه، والإسلام على هذا يفشو فى الرجال والنساء. ولقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب أمرا عظيما. ورزقهم الله تعالى على ذلك من الصبر أمرا عظيما، لما ذخر الله عز وجل لهم فى الآخرة من الكرامة، فطعن الفاسق عدو الله أبو جهل سمية أم عمار بن ياسر بحربة فى قبلها فقتلها، رضوان الله عليها. وكان سادات بلال من بنى جمح يأخذونه ويبطحونه على الرمضاء فى حر   (1) وفيما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مكة، يلقون على بطنه الصخرة العظيمة، ثم يأخذونه ويلبسونه فى ذلك الحر الشديد درع حديد، ويضعون فى عنقه حبلا، ويسلمونه إلى الصبيان يطوفون به، وهو فى كل ذلك صابر محتسب، لا يبالى بما لقى فى ذات الله تعالى، رضوان الله عليه. وأسلم ياسر والد عمار. وأسلم سلمة بن الوليد. والوليد بن الوليد بن المغيرة. وأبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة، وغيرهم. وأعتق أبو بكر بلال بن رباح، وأمه حمامة، مولدة، وأعتق عامر بن فهيرة، وأعتق أم عبيس، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية لبنى عدى ابن كعب، كان عمر بن الخطاب يعذبها على الإسلام، وذلك قبل أن يسلم. وقيل إن أبا قحافة قال: يا بنى أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أعتقت قوما جلدا يمنعونك؛ فقال له أبو بكر: يا أبة إنى أريد ما أريد. قيل: ففيه أنزل الله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى «1» . إلى آخر السورة. رضوان الله ورحمته وبركاته على الصديق. فلما كثر المسلمون واشتد العذاب والبلاء عليهم أذن الله تعالى لهم فى الهجرة إلى أرض الحبشة، وهى فى غربى مكة، وبين البلدين صحارى السودان، والبحر الآخذ من اليمن إلى القلزم. فكان أول من خرج من المسلمين فارا بدينه إلى أرض الحبشة: عثمان بن عفان مع زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس مراغما لأبيه، هاربا ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك   (1) سورة الليل الآيتان 17، 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ابن حسل بن عامر بن لؤى، مسلمة مراغمة لأبيها، فارة بدينها إلى الله تعالى، فولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبى حذيفة. ومن بنى أسد بن عبد العزى: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. ومن بنى عبد الدار بن قصى: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار. ومن بنى زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة. ومن بنى مخزوم: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم. ومعه امرأته أم سلمة هند بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أم المؤمنين. ومن بنى جمح: عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح. ومن بنى عدى بن كعب: عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب. ومعه امرأته ليلى بنت أبى حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج ابن عدى بن كعب. ومن بنى عامر بن لؤى: أبو سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى. وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى. وقد قيل: إن أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ومن بنى الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء، وهو سهيل بن وهب ابن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث. ثم خرج بعدهم جعفر بن أبى طالب، ومعه امرأته أسماء بنت عميس، فولدت هناك بنيه: محمدا، وعبد الله، وعونا. وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرق بن خمل بن شق بن رقبة بن مخدج الكنانى. وأخوه خالد بن سعيد. معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر ابن بياضة بن يثيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو، من خزاعة، فولدت له هناك سعيدا، وابنة حبة، وهى أم خالد التى تزوجها الزبير بعد ذلك، فولدت له خالد بن الزبير، وعمرو بن الزبير. ومن حلفائهم من بنى أسد بن خزيمة: عبد الله بن جحش بن رئاب ابن يعمر بن صبرة. وأخوه عبيد الله، معه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان أم المؤمنين، فتنصر هنالك، ومات مرتدا. وقيس بن عبد الله، رجل منهم، معه امرأته بركة بنت يسار، مولاة أبى سفيان بن حرب بن أمية. ومعيقيب بن أبى فاطمة، عديد «1» لبنى العاص بن أمية، وهو من دوس.   (1) العديد: هو حليف القوم وليس منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وقد ذكر قوم فيمن هاجر إلى الحبشة أبا موسى الأشعرى، وأنه كان حليف عتبة بن ربيعة، وليس كذلك، لكنه خرج فى عصابة من قومه مهاجرا من بلاده بأرض اليمن يريد المدينة، فركب البحر، فرمتهم السفينة إلى أرض الحبشة، فأقام هنالك حتى أتى إلى المدينة مع جعفر بن أبى طالب. وكان أيضا ممن هاجر إلى أرض الحبشة: عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور، أخى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، حليف بنى نوفل ابن عبد مناف، وهو الذى بنى البصرة وأسسها أيام عمر. والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد. ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن الأسد. وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد. وطليب بن عمير بن وهب بن أبى كثير بن عبد بن قصى. وقد انقرض جميع بنى عبد بن قصى. وسويبط بن سعد حريملة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار. وجهم، ويقال جهيم، بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار. معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن أقيش ابن عامر بن بياضة بن يثيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو، من خزاعة، وابناه: عمرو بن جهم، وخزيمة بن جهم: وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وعامر بن أبى وقاص، أخو سعد بن أبى وقاص. والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة؛ معه امرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة بن سعيد، ولدت له هنالك عبد الله ابن المطلب. وعبد الله بن مسعود، وأخوه عتبة بن مسعود. والمقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرد بن عمرو ابن سعد بن دهير بن لؤى بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبى أهون بن فائش ابن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وهو المقداد بن الأسود حليف بنى زهرة. والحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة؛ معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، فولدت له هنالك: موسى، وزينب، وعائشة، وفاطمة. وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، عم طلحة ابن عبيد الله. وشماس بن عثمان بن الشريد بن هرمى بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة؛ واسم شماس هذا: عثمان، وهو ابن أخت ربيعة. وهبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وأخوه عبد الله بن سفيان. وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ومعتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كليب بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو، من خزاعة، وهو معتب بن حمراء حليف بنى مخزوم. والسائب بن عثمان بن مظعون، وعماه: قدامة وعبد الله ابنا مظعون. وحاطب وحطاب ابنا الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن خذافة ابن جمح، ومع حاطب زوجته بنت المجلل بن عبد الله بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى؛ وابناه منها: محمد والحارث ابنا حاطب؛ ومع حطاب زوجته فكيهة بنت يسار. وسفيان بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، ومعه ابناه: جابر وجنادة ابنا سفيان، وأمهما حسنة، وأخوهما لأمهما شرحبيل ابن حسنة؛ وهو شرحبيل بن عبد الله بن عمرو بن المطاع الكندى، وقيل إنه من بنى الغوث بن مر أخى تميم بن مر. وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح. وخنيس بن حذافة بن قيس. وقيس وعبد الله ابنا حذافة. ورجل من بنى تميم اسمه سعيد بن عمرو، وكان أخا بشر بن الحارث ابن قيس لأمه. وهشام بن العاص بن وائل، أخو عمرو بن العاص. وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهشم بن سعيد بن سهم. وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعيد بن سهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وإخوته: الحارث بن الحارث، ومعمر بن الحارث، وبشر بن الحارث. ومحمية بن جزء الزبيدى، حليف لهم. ومعمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد ابن عويج بن عدى بن كعب. وعدى بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان. وابنه النعمان بن عدى. ومالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى. ومعه امرأته عمرة بنت السعدى بن وقدان بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى. وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبدود. وسعد بن خولة من أهل اليمن، حليف لبنى عامر بن لؤى. وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود. وعماه: سليط بن عمرو، والسكران بن عمرو. ومعه: امرأته أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبدود. وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وعياض بن غنم بن زهير بن أبى شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر. وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبى شداد. وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبى شداد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث ابن فهر. ثم إن قريشا بعثت إلى النجاشى عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى وعمرو بن العاص، ليردا هؤلاء القوم إليهم، فعصم الله تعالى النجاشى من ذلك، وكان قد أسلم ولم يقدر على إظهار ذلك خوف الحبشة، فمنعهم منهما، وانصرفا خائبين. ثم أسلم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعز الإسلام به، وبعمر، وكان قد أسلم خباب بن الأرت. وجعل الإسلام يزيد ويفشو؛ فلما رأت ذلك كفار قريش أجمعوا على أن يتعاقدوا على بنى هاشم وبنى المطلب ابنى عبد مناف ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم، ففعلوا ذلك وكتبوا فيه صحيفة، وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم: كافرهم ومؤمنهم، فصاروا فى شعب أبى طالب محصورين، حاشا أبا لهب وولده، فإنهم صاروا مع قريش على قومهم، فبقوا كذلك ثلاث سنين، إلى أن تألف قوم من قريش على نقضها، فكان أحسنهم فى ذلك أثرا هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى، فإنه لقى زهير بن أبى أمية بن المغيرة المخزومى، فعيره بإسلامه أخواله، وكانت أم زهير عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأجابه زهير إلى نقض الصحيفة، ثم مشى هشام إلى مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف، فذكره أرحام بنى هاشم والمطلب ابنى عبد مناف، فأجابه مطعم إلى نقضها. ثم مشى إلى أبى البخترى بن هشام ابن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصى، فذكره أيضا بذلك، فأجابه ثم مشى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد الغعزى، فذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 بذلك، فأجابه. فقام هؤلاء فى نقض الصحيفة، وأوحى إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لجماعتهم: إن الله تعالى قد أرسل على تلك الصحيفة، وكانت معلقة فى الكعبة، فأكلت الأرضة كل ما فيها، حاشا ما كان فيها من اسم الله تعالى، فإنها لم تأكله. فقاموا بأجمعهم راجين أن يجدوها بخلاف ما قال لهم، فلما فتحوها وجدوها كما قال صلى الله عليه وسلم سواء سواء فخزوا، وقوى القوم المذكورون، فنقضوا حكم تلك الصحيفة. وأراد أبو بكر أن يهاجر فلقيه بن الدغنة فرده. ثم اتصل بمن كان فى أرض الحبشة من المهاجرين أن قريشا قد أسلمت، وكان هذا الخبر كذبا، فانصرف منهم قوم: منهم عثمان بن عفان، وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وامرأته سهلة بنت سهيل، وعبد الله بن جحش، وعتبة بن غزوان، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وسويبط بن سعد بن حرملة، وطليب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة أم المؤمنين، وشماس بن عثمان وسلمة بن هشام بن المغيرة، وعمار بن ياسر، وعثمان وقدامة وعبد الله بنو مظعون، والسائب بن عثمان بن مظعون، وخنيس بن حذافة السهمى، وهشام بن العاصى بن وائل، وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبى حثمة، وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى من بنى عامر بن لؤى، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، والسكران بن عمرو، وامرأته سودة بنت زمعة، وسعد بن خولة، وأبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبى شداد، وسهيل بن وهب، وهو سهيل بن بيضاء، وعمرو بن أبى سرح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فوجدوا البلاء والأذى على المسلمين الذين بمكة. فبقوا صابرين على الأذى إلى أن هاجروا إلى المدينة. حاشا السكران بن عمرو، فإنه مات بمكة قبل أن يهاجر، فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته سودة بنت زمعة؛ وحاشا سلمة بنت هشام، فإنه حبسه عمه وأخوه حتى ذهبت بدر وأحد والخندق؛ وحاشا عياش بن أبى ربيعة، فإنه هاجر إلى المدينة، فاتبعه أبو جهل والحارث ابن هشام، وهما ابنا عمه وأخواه لأمه، فذكراه سوء حال أمه، فرقت نفسه، فرجع، فثقفوه «1» إلى أن مضت بدر وأحد والخندق، فهاجر حينئذ هو وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد بن المغيرة؛ وحاشا عبد الله ابن سهيل بن عمرو، فإنه حبس إلى أن خرج مع الكفار يوم بدر، فهرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووافق بعد نقض الصحيفة أن ماتت خديجة وأبو طالب، فأقدم عليه سفهاء قريش، فخرج إلى الطائف يدعو إلى الإسلام فلم يجيبوه «2» ، فانصرف إلى مكة فى جوار المطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف، وجعل يدعو إلى الله عز وجل. وأسلم الطفيل بن عمرو الدوسى، ودعا قومه، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له آية، فجعل الله تعالى فى وجهه نورا، فقال: يا رسول الله، إنى أخشى أن يقولوا هذه مثلة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار ذلك النور   (1) ثقفوه: قدروا عليه وحبسوه عندهم. (2) فى رحلته هذه إلى الطائف اشتد الإيذاء به صلى الله عليه وسلم قال فى حديثه المشهور: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهو انى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك، أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فى سوطه، فهو المعروف بذى النور. وأسلم بعض قومه، وأقام الطفيل فى بلاده إلى أن هاجر بعد الخندق فيما بين السبعين إلى الثمانين بيتا من قومه، فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر. الإسراء وأسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، بجسده، إلى بيت المقدس. المعراج الشريف وعرج به جبريل صلوات الله تعالى وسلامه عليهما إلى السموات، فمشى فى السموات سماء سماء، ولقى من لقى فيهن من الأنبياء؛ ولقى آدم فى سماء الدنيا، ورأى عنده نفوس أهل السعادة عن يمينه ونفوس أهل الشقاوة عن يساره، ورأى عيسى ويحيى فى السماء الثانية، ورأى يوسف فى الثالثة، ورأى إدريس فى الرابعة، وهرون فى الخامسة، ورأى فى السادسة موسى، وقيل: إبراهيم، ورأى فى السابعة أحدهما، ورأى الجنة وهى جنة المأوى، وسدرة المنتهى فى السماء السادسة. وفى تلك الليلة فرضت الصلوات الخمس «1» . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تعالى، فلا يجد من قبائل العرب مجيبا، لما ذخر الله تعالى للأنصار من الكرامة، إلى أن قدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى   (1) يقول صلى الله عليه وسلم: «فرضت على الصلاة خمسين صلاة فنزلت إلى السماء السادسة فررت بموسى بن عمران فقال: إن أمك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك واسأله التخفيف فرجعت إلى ربى فحط عنى خمسا ومازلت بين ربى وموسى حتى انتهيت إلى أن وضعت إلى خمس فى المدد وخمسين فى الأجر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الإسلام، فلم يبعد ولم يجب، ثم انصرف إلى المدينة، فقتل فى بعض جروبهم. قدوم الأنصار يطلبون الحلف من قريش ولقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ودعاؤهم إلى الاسلام ثم قدم إلى مكة أبو الحيسر أنيس بن رافع فى مائة من قومه من بنى عبد الأشهل يطلبون الحلف من قريش، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال إياس بن معاذ منهم وكان شابا حدثا: يا قوم، هذا والله خير مما جئنا له. فضربه أبو الحيسر وانتهره، فسكت، ثم لم يتم لهم الحلف، فانصرفوا إلى بلادهم بالمدينة، ومات إياس بن معاذ، فقيل إنه مات مسلما. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقى عند العقبة فى الموسم ستة نفر من الأنصار، كلهم من الخزرج، وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، واسم النجار: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة. وعوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار، وهو بن عفراء. ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج. وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة. وعقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة. وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة. فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فكان من صنع الله تعالى لهم أنهم كانوا جيران اليهود، فكانوا يسمعونهم يذكرون أن الله تعالى يبعث نبيا قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أظل زمانه، فقال بعضهم: هذا والله النبى الذى يتهددكم به اليهود، فلا يسبقونا إليه. فآمنوا وأسلموا، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا وبينهم حروب فننصرف إليهم وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه، فعسى الله أن يجمع كلمتهم بك، فإن اتبعوك فلا أحد أعز منك. فانصرفوا إلى المدينة، فدعوا إلى الإسلام، حتى فشا فيهم، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى إذا كان العام القادم قدم من الأنصار اثنا عشر رجلا، منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا، حاشا جابر بن عبد الله، فلم يحضرها منهم، وحضرها سبعة منهم. العقبة الأولى والسبعة: معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك ابن النجار، وهو بن عفراء أخو عوف المذكور قبل. وذكوان بن عبد قيس بن خلدة- وقيل خالد- بن مخلد بن عامر بن زريق. وذكوان هذا رحل إلى مكة، فسكنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مهاجرى أنصارى؛ قتل يوم أحد. وعبادة بن الصامت بن قيس بن الأصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بن حارثة. وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بنى غصينة، ثم من بلى، حليف لهم. والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج بن حارثة. فهؤلاء خمسة من الخزرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ومن الأوس بن حارثة رجلان، وهما: أبو الهيثم مالك بن تيهان، وهو من بنى عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة؛ وعويم بن ساعدة، من بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة. فبايع هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة على بيعة النساء، ولم يكونوا أمروا بالقتال بعد، فلما حان انصرافهم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بن أم مكتوم؛ ومصعب بن عمير، يعلم من أسلم منهم القرآن والشرائع، ويدعو من لم يسلم إلى الإسلام. فنزل بالمدينة على أبى أمامة أسعد بن زرارة؛ وكان مصعب بن عمير يؤمهم. فجمع بهم أول جمعة بالإسلام، فى هزم حرة بنى بياضة، فى نقيع يقال له: نقيع الخضمات، وهم أربعون رجلا. فأسلم على يد مصعب بن عمير خلق كثيرا من الأنصار؛ فأسلم فى جملتهم: سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وأسلم بإسلامهما جميع بنى عبد الأشهل فى يوم واحد، الرجال والنساء، ما نعلمه تأخر عن الإسلام أحد منهم، حاشا الأصيرم، وهو عمرو بن ثابت بن وقش، فإنه تأخر إسلامه إلى أحد، فأسلم فاستشهد، ولم يسجد لله تعالى قط سجدة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة. ولم يكن فى بنى عبد الأشهل منافق ولا منافقة، كانوا كلهم مخلصين، رضوان الله عليهم. ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها مسلمون رجالا ونساء، حاشا بنى أمية بن زيد، وخطمة، وواقف، وهم بطون من الأوس، وكانوا سكانا فى عوالى المدينة، فأسلم منهم قوم، كان سيدهم أبو قيس صيفى بن الأسلت الشاعر، فتأخر إسلامه وتأخر إسلام قومه إلى أن مضت بدر وأحد والخندق، ثم أسلموا كلهم، والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ثم رجع مصعب بن عمير إلى مكة، وخرج فى الموسم جماعة كثيرة ممن أسلم من الأنصار، يريدون لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى جملة قوم كفار منهم بعد على دين قومهم، ومن دين قومهم الحج على ما كانت العرب عليه حالتئذ، فوفوا مكة، وكان فى جملتهم البراء بن معرور، فرأى أن يستقبل الكعبة فى الصلاة، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، فصلى كذلك طول طريقه، فلما قدم مكة ندم، فاستفتى النبى صلى الله عليه وسلم، فأنكر ذلك عليه، فراجع الحق رحمه الله تعالى. فواعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق. فلما كانت تلك الليلة دعا كعب بن مالك ورجال من بنى سلمة عبد الله بن عمرو بن حرام، وكان سيدا فيهم، إلى الإسلام، ولم يكن أسلم بعد، فأسلم تلك الليلة وبايع، وكان ذلك سرا ممن حضر من كفار قومهم، فخرجوا فى ثلث الليل الأول متسللين من رحالهم إلى العقبة. العقبة الثانية فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزررهم، وأن يرحل هو إليهم وأصحابه، وحضر العقبة تلك الليلة العباس بن عبد المطلب متوثقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والعباس على دين قومه بعد لم يسلم؛ وكان للبراء بن معرور فى تلك الليلة المقام المحمود فى الإخلاص لله تعالى والتوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولحقه أبو الهيثم بن تيهان، والعباس بن عبادة بن نضلة. وكان المبايعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ثلاثة وسبعين وامرأتين. واحتار رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر نقيبا، وهم: أسعد بن زرارة، وقد ذكرناه قبل من الستة ومن الاثنى عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن حارثة. ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، وقد ذكرناه قبل فى الستة والاثنى عشر. والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم ابن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ابن الخزرج. وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة بن سعد؛ والد جابر. وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن ثعلبة بن طريف ابن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة. والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة. وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصيرم بن فهو بن ثعلبة، وقد ذكرنا نسبه قبل فى الاثنى عشر. وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس ابن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. فهؤلاء تسعة من الخزرج، منهم واحد من بنى عمرو بن الخزرج، وهو أسعد بن زرارة؛ وواحد من بنى عوف بن الخزرج، وهو عبادة بن الصامت؛ واثنان من بنى الحارث، وهما عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع؛ واثنان من بنى كعب بن الخزرج، وهما سعد بن عبادة والمنذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ابن عمرو؛ وثلاثة من بنى جشم بن الخزرج، وهم عبد الله بن عمرو والبراء ابن معرور ورافع بن مالك. وثلاثة من الأوس وهم: أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد ابن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب ابن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس بن حارثة، وقد انقرض جميعهم، آخر من بقى من بنى السلم رجل مات أيام الرشيد، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد صح إنذار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن الناس يزيدون والأنصار لا يزيدون. ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة. وقد عد قوم أبا الهيثم بن تيهان مكان رفاعة، والله أعلم. هذه تسمية من شهد العقبة من غير النقباء رضوان الله عليهم ورحمته منهم من الأوس من بنى عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة: سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل. ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ظهير بن رافع بن عدى بن زيد بن جشم بن حارثة. وأبو بردة بن نيار، واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن دهل بن هنى بن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، حليف لهم. ونهير بن الهيثم، من بنى نابى بن مجدعة بن حارثة؛ ثم من آل البراق ابن قيس بن عامر بن نابى. ومن بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك، واسم البرك: امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو: ومعن بن عدى بن الجد بن العجلان بن ضبيعة، حليف لهم من بلى، استشهد يوم اليمامة. وعويم بن ساعدة، حليف لهم من بلى. فجميع من شهدها من الأوس أحد عشر رجلا. وشهدها من الخزرج ثم من بنى النجار، وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو ابن الخزرج: أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم ابن مالك بن النجار. ومعاذ ومعوذ وعوف، وهم بنو عفراء، وأبوهم الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار، استشهد يوم اليمامة. ومن بنى عمرو بن مبذول، واسم مبذول عامر بن مالك بن النجار: سهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، وهو مبذول. ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار، وهم من بنى حديلة: أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار. وأبو طلحة، وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار. ومن بنى مازن بن النجار: قيس بن أبى صعصعة، واسم أبى صعصعة: عمرو بن زيد بن عوف ابن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن، وكان على الساقة «1» يوم بدر. وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن؛ فجميعهم أحد عشر رجلا. وشهدها من بلحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.   (1) الساقة: هى مقدمة الجيش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، والد النعمان بن بشير. وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد بن الحارث بن الخزرج ابن جشم بن الحارث بن الخزرج، وهو الذى أرى النداء «1» . وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. وعقبة بن عمرو بن ثعلبة بن يسيرة بن عسيرة بن جدارة بن عوف بن حارث بن الخزرج، وهو أبو مسعود البدرى، وهو أصغر من شهد العقبة سنا هو وجابر بن عبد الله. ومن بنى جشم بن الحارث، ثم من بنى بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج: زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدى بن أمية بن بياضة. وفروة بن عمرو بن ودفة بن عبيد بن عامر بن أمية بن بياضة. وخالد بن قيس بن مالك بن عجلان بن عامر بن بياضة. ومن بنى زريق بن عامر أخى بياضة بن عامر: ذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق بن عامر. ومن بنى سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ابن الخزرج، ثم من بنى عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة:   (1) النداء: هو الأذان، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يجعل للمسلمين شيئا يجتمعون به إلى الصلاة فاقترح عليه الصحابة عدة أشياء فرفضها إلى أن ألهم الله عبد الله بن زيد هذه الر؟؟؟ وهى الأذان فأقرها عليه السلام وأمره أن يحفظها إلى بلال ليؤذن بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد. والطفيل بن مالك بن خنساء. ومن بنى سواد بن غنم بن كعب بن سلمة: الشاعر كعب بن مالك بن أبى كعب بن القين بن كعب بن سواد ابن غنم. وسليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم. وقطبة بن عامر بن حديدة. وأخوه يزيد بن عامر. وأبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم. وابن عمه لحا صيفى بن سواد بن عباد. وثعلبة بن عنمة بن عدى بن نابى بن عمرو بن سواد بن غنم. وأخوه عمرو بن عنمة. وابن عمهما لحا عبس بن عامر بن عدى. وابن عمهم لحا خالد بن عمرو بن عدى. وعبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك بن غنم بن كعب بن تيم بن نفاثة بن إياس بن يربوع بن البرك بن وبرة، حليف لهم قضاعى. ومن بنى حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم، وكان من أحدثهم سنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وثابت بن الجذع، واسم الجذع: ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام ابن كعب. وعمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة بن الحارث بن حرام بن كعب. وخديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر، حليف لهم من بلى. ومن إخوة بنى سلمة، وهم بنو أدى بن سعد بن على: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدى بن كعب بن عمرو ابن أدى. فجميع من شهدها من بنى سلمة وحلفائهم ثلاثون رجلا؛ وقد زاد بعضهم فيهم أوس بن عباد بن عدى بن كعب بن عمرو. ومن بنى عوف بن الخزرج: العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ابن عوف، وهو مهاجرى أنصارى، هاجر إلى مكة، إلى النبى صلى الله عليه وسلم فكان معه بها، استشهد يوم أحد، رضى الله تعالى عنه. وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة حليف لهم من بنى غصينة من بلى. وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة، وهؤلاء هم القوافل. ومن بنى الحبلى، واسمه سالم بن غنم بن عوف: رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم. وعقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن الهلال بن الحارث بن عمرو بن عدى بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 عيلان بن مضر، حليف لهم، هاجر أيضا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة؛ فهم خمسة رجال. ومن بنى كعب بن الخزرج النفيبان اللذان ذكرناهما قبل، وهما سعد ابن عبادة والمنذر بن عمرو، فقط. والمرأتان: نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، وهى أم عمارة، قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد ابن عاصم بن كعب. والأخرى أسماء بنت عمرو بن عدى بن نابى بن عمرو ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وهى أم منيع. وكانت هذه البيعة سرا عن كفار قومهم، فلما تمت هذه البيعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالا. فقيل: أول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومى، وقيل: إنه هاجر قبل بيعة العقبة بسنة، وحال بنو المغيرة بينه وبين امرأته، ابنة عمهم، وهى أم سلمة أم المؤمنين، فأمسكت بمكة، نحو سنة، ثم أذن لها فى اللحاق بزوجها، فانطلقت، وشيعها عثمان بن طلحة بن أبى طلحة بن عبد الدار، وهو كافر، إلى المدينة، وكان أبو سلمة نازلا فى قباء. ثم هاجر عامر بن ربيعة حليف بنى عدى بن كعب، معه امرأته ليلى بنت حثمة بن غانم. ثم عبد الله وأبو أحمد ابنا جحش الأسديان، وكان أبو أحمد مكفوفا، وكانت تحته الفرعة بنت أبى سفيان بن حرب، وكان شاعرا، وأمه أميمة بنت عبد المطلب؛ وهاجر جميع بنى جحش بنسائهم، فعدا أبو سفيان على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 دارهم فتملكها إذ بقيت يبابا لا أحد بها، وهى دار أبان بن عثمان اليوم التى بالردم. فنزل هؤلاء الأربعة: أبو سلمة، وعامر، وعبد الله، وأبو أحمد، على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر فى بنى عمرو بن عوف بقباء. وقدم أيضا عكاشة بن محصن، وعقبة وشجاع ابنا وهب، وأربد بن حميرة، ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن رقيش، وأخوه يزيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وربيعة بن أكثم، والزبير بن عبيدة، وتمام بن عبيدة، وسخربة بن عبيدة، ومحمد بن عبد الله بن جحش؛ وهؤلاء كلهم من بنى أسد ابن خزيمة، حلفاء بنى أمية بن عبد شمس. ومن نسائهم: زينب بنت جحش، أم المؤمنين، وحمنة بنت جحش، وجذامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيبة بنت نباتة، وأمامة بنت رقيش، وأم حبيبة بنت جحش. ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبى ربيعة، فى عشرين راكبا، فقدموا المدينة، فنزلوا فى العوالى فى بنى أمية بن زيد، وكان يصلى بهم سالم مولى أبى حذيفة؛ وكان هشام بن العاصى قد أسلم، وواعد عمر بأن يهاجر معه، واتعدا عند التناضب من أضاة بنى غفار فوق سرف، فحبسه قومه من الهجرة. ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام أتيا المدينة وكلما عياش بن أبى ربيعة، وكان أخاهما لأمهما وابن عمتهما، وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها، ولا تستظل حتى تراه، فرقت نفسه فرجع معهما، فكتفاه فى الطريق وبلغاه مكة فحبساه بها مسجونا، إلى أن تخلص بعد ذلك فهاجر إلى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وكان من جملة القادمين مع عمر بن الخطاب أخوه زيد بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعمر وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر، وكلهم من بنى عدى بن كعب؛ وواقد بن عبد الله التميمى، وخولى، ومالك بن أبى خولى من بنى عجل بن لجيم، حلفاء لبنى عدى، وخنيس بن حذافة السهمى، وكان متزوجا بحفصة أم المؤمنين بنت عمر، رضى الله عنه، ونزلوا بقباء على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر فى بنى عمرو بن عوف. ثم قدم طلحة بن عبيد الله، فنزل هو وصهيب بن سنان، على خبيب ابن إساف، فى بنى الحارث بن الخزرج بالسنح، ويقال: بل نزل طلحة على أبى أمامة، أسعد بن زرارة، وأخذت قريش كل ما كان اكتسبه صهيب منهم، وكان ذا مال، وكان حليف بنى جدعان. ونزل حمزة بن المطلب، وحليفه أبو مرثد كناز بن حصين الغنوى، وزيد بن حارثة الكلبى، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- على كلثوم بن الهدم، أخى بنى عمرو بن عوف بقباء، ويقال: على سعد بن خيثمة، ويقال: بل نزل حمزة على أسعد بن زرارة. ونزل عبيدة والطفيل والحصين بنو الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وابن عمهم مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وسويبط ابن سعد بن حريملة، أخو بنى عبد الدار، وطليب بن عمير أخو بنى عبد قصى، وخباب بن الأرت مولى عتبة بن غزوان- على عبد الله بن سلمة أخى بنى العجلان بقباء. ونزل عبد الرحمن بن عوف فى رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع فى بنى الحارث بن الخزرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ونزل الزبير بن العوام، وأبو سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى- على المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة، دار بنى جحجبى. ونزل مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار- على سعد ابن معاذ بن النعمان فى بنى عبد الأشهل. ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبى حذيفة، وعتبة ابن غزوان المازنى من بنى مازن بن منصور، أخى سليم وهوازن ابنى منصور على عباد بن بشر بن وقش أخى بنى عبد الأشهل فى دارهم. وسالم ليس مولى أبى حذيفة، ولكنه مولى ثبيتة بنت يعار بن زايد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، سيبته وأعتقته، فانقطع إلى أبى حذيفة، فتبناه، فنسب إليه، وكانت ثبيتة هذه، فيما ذكر، امرأة أبى حذيفة. ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت، أخى حسان بن ثابت، فى بنى النجار. ويقال: أنزل العزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة وكان عزبا. ولم يبق بمكة أحد من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى بن أبى طالب وأبو بكر، أقاما بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا من حبس كرلها. وأراغت «1» قريش قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورصدوه على باب منزله طول ليلهم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب رضى الله عنه أن يضطجع على فراشه. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطمس الله تعالى على أبصارهم فلم يروه، ووضع على رءوسهم ترابا، ونهض، فلما أصبحوا خرج إليهم على رضى الله عنه فعلموا أن النبى صلى الله عليه وسلم قد فاتهم.   (1) أراغت: أى أرادت وعزمت وأعدت الأمر لقتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة مع أبى بكر الصديق، فدفعا راحلتيهما إلى عبد الله بن أريقط الديلى، رجل من بنى بكر بن عبد مناة، كافر، حليف العاص بن وائل السهمى والد عمرو بن العاص، ولكنهما وثقا بأمانته، وكان دليلا بالطرق، فاستأجراه ليدل بهما إلى المدينة، ويتنكب عن الطريق العظمى، وكانت أم أريقط سهمية. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة فى ظهر دار أبى بكر الصديق رضى الله عنه، التى فى بنى جمح، ليلا، فنهضا نحو الغار الذى فى الجبل، الذى اسمه ثور بأسفل مكة، فدخلا فيه. وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه، وأن يريجها عليهما ليلا ليأخذا منها حاجتهما. وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبى بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بالغنم، فيعفى أثرهما. فلما فقدته قريش أتبعته بقائف معروف فقاف الأثر حتى وقف عند الغار، فقال: هنا انقطع الأثر، فنظروا، فإذا بالعنكبوت وقد نسج على قم الغار من وقته، فأيقنوا أنه لا أحد فيه، فرجعوا، وفتح الله تعالى فى الوقت فى جانب الغار بابا واسعا خرجا منه، فى صخرة صلد صماء لا تؤثر فيها المعاول، فأما لها الله عز وجل، وهى اليوم ظاهرة، لا يشك من رآها أنها لو ردت لسدت المكان، ولا يختلف أحد أن ذلك الباب لو كان هنالك حينئذ لرأته قريش جهارا. وجعلوا فى النبى صلى الله عليه وسلم مائة ناقة لمن رده عليهم، فلما مضت لبقائهما فى الغار ثلاثة أيام، أتاهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما، وأتتهما أسماء بسفرتهما، وشقت نطاقها، وربطت به السفرة وعلقتها، فركبا الراحلتين، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة؛ فلذلك سميت أسماء ذات النطاقين. وحمل أبو بكر مع نفسه جميع ماله وهو نحو ستة آلاف درهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وخطروا «1» على سراقة بن مالك بن جعثم، فركب فرسه واتبعهم ليردهم بزعمه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه، فساخت يدا فرسه فى الأرض، ثم استقل، فأتبع يديه دخان، فعلم أنها آية، فناداهم: قفوا على. وأمنهم من نفسه، فوقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقه، ورغب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبا بكر أن يكتب له. وسلك بهم الدليل أسفل مكة إلى الساحل أسفل من عسفان إلى أسفل أمج، ثم اجتاز قديدا، ثم سلك الخرار، إلى ثنية المرة، إلى لقف، إلى مدلجة لقف، إلى مدلجة مجاج، إلى مرجح ذى الغضوين، إلى بطن ذى كشد، إلى جداجد، إلى الأجرد، إلى ذى سلم من بطن تعهن بقرب السقيا، إلى العبابيد، إلى القاحة إلى العرج. فوقف بهم بعض ظهرهم «2» ، فحمل رجل من أسلم، يقال له: أوس بن حجر، رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل يقال له بن الرداء، وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ليرده إليه من المدينة، ثم أخذ بهم من العرج إلى ثنية العائر عن يمين ركوبة، إلى بطن رئم، إلى قباء، حين اشتد الضحاء «3» يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت لربيع الأول، قرب استواء الشمس. وأول من رآه رجل يهودى من سطح أطمه، فصاح بأعلى صوته: «يا بنى قيلة هذا جدكم» - يريد: حظكم- وقد كانت الأنصار انتظروه حتى قلصت الظلال، فدخلوا بيوتهم، فخرجوا، فتلقوه مع أبى بكر فى ظل نخلة، فذكر أنه عليه السلام نزل على كلثوم بن الهدم بقباء، وقيل على   (1) خطروا على سراقة المقصود بها: مروا على باله وأراد أن يفوز بالجائزة لو لحقهم. (2) بعض ظهرهم: أى بعض إبلهم التى يركبون ظهورها. (3) الضحاء: أى إلى أعلى حتى كادت تصل إلى كبد السماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 سعد بن خيثمة. وقيل: نزل أبو بكر بالسنح على خبيب بن إساف أخى بنى الحارث بن الخزرج. وأقام على بن أبى طالب رضى الله عنه بمكة حتى أدى ودائع كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس، ثم لحق بالمدينة، فنزل مع النبى صلى الله عليه وسلم. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أياما وأسس مسجدها. ثم ركب ناهضا كما أمره الله تعالى، فأدركته الجمعة فى بنى سالم بن عوف، فصلاها فى المسجد الذى فى بطن الوادى وادى، رانوناء؛ فرغب إليه العباس بن عبادة، وعتبان بن مالك، ورجال بنى سالم، أن يقيم عندهم فقال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، وكان عليه السلام على ناقته. فمشى الأنصار حواليه، حتى إذا وازت دار بنى بياضة، تلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، ورجال من بنى بياضة، فدعوه إلى البقاء عندهم، فقال دعوها: فإنها مأمورة. فمشى إلى دار بنى ساعدة، فتلقاه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، ورجال من بنى ساعدة، فدعوه إلى البقاء عندهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة؛ فمشى حتى إذا وازت دار بنى الحارث بن الخزرج تلقاه سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن رواحة، فدعوه إلى البقاء عندهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة؛ فمشى إلى بنى عدى ابن النجار، وهم أخوال عبد المطلب، فتلقاه سليط بن قيس، وأبو سليط أسيرة بن أبى خارجة، ورجال من بنى عدى بن النجار، فدعوه إلى البقاء، فقال: دعوها فإنها مأمورة؛ فمشى، فلما أتى دار بنى مالك بن النجار بركت على باب مسجده، وهو يومئذ مربد «1» لغلامين من بنى مالك بن النجار، وهما: سهل وسهيل، وكانا فى حجر معاذ بن عفراء، وكان فيه أيضا خرب   (1) المربد عبارة عن مكان متسع تجفف فيه التمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ونخل وقبور للمشركين؛ فبركت الناقة، فبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهرها لم ينزل، فقامت ومشت غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يثنيها، ثم التفتت خلفها، فرجعت إلى مكانها الذى بركت فيه، فبركت فيه ثانية، واستقرت. وقد قيل إن جبار بن صخر من بنى سلمة كان من صالح المؤمنين جعل بنخسها منافسة لبنى النجار: أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، فكان لأبى أيوب وعيد على ذلك. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الناقة، فحمل أبو أيوب رحله، فأدخله داره، ونزل عليه السلام دار أبى أيوب. وسأل عن المربد، فأخبر، فأراد شراءه للمسجد، فأبت بنو النجار من بيعه، وبذلوه لله عز وجل دون ثمن. وقد روينا أن النبى صلى الله عليه وسلم أبى أن يأخذه الا بالثمن، فالله أعلم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فبنى من اللبن، وجعلت عضادتاه الحجارة، وسواريه جذوع النخل، وسقفه الجريد، بعد أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت، وبالنخل فقطع، وبالخراب فسويت، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل المسلمون فيه، حسبة لله تعالى. ثم وادع اليهود، فلم يبق إلا أشهرا يسيرا حتى مات أبو أمامة أسعد بن زرارة بالذبحة، فلم يجعل عليه السلام نقيبا بعده. وآخى بين المهاجرين والأنصار: فآخى بين جعفر بن أبى طالب، وهو غائب بالحبشة، ومعاذ بن جبل؛ وآخى بين أبى بكر الصديق رضى الله عنه وخارجة بن زيد بن الحارث؛ وآخى بين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك من بنى سالم؛ وآخى بين أبى عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ أخى بنى عبد الأشهل؛ وآخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع أخى. بنى الحارث بن الخزرج؛ وآخى بين الزبير بن العوام وبين سلمة بن سلامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ابن وقش، وقيل: بل كعب بن مالك الشاعر أخى بنى سلمة، وقيل: بل بين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك؛ وآخى بين عثمان بن عفان وأوس ابن ثابت أخى حسان بن ثابت؛ وآخى بين سعيد بن زيد بن عمرو وبين أبى بن كعب؛ وآخى بين مصعب بن عمير وبين أبى أيوب مضيفه؛ وآخى بين أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة وبين عباد بن بشر بن وقش أخى بنى عبد الأشهل؛ وآخى بين عمار بن ياسر وبين حذيفة بن اليمان العبسى حليف بنى عبد الأشهل، ويقال: بل ثابت بن قيس بن شماس؛ وآخى بين أبى ذر الغفارى وبين المنذر بن عمرو المعنق ليموت، وهو نقيب من بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج؛ وآخى بين حاطب بن أبى بلتعة حليف بنى أسد بن عبد العزى وبين عويم بن ساعدة أخى بنى عمرو بن عوف؛ وآخى بين سلمان الفارسى وبين أبى الدرداء عويمر بن ثعلبة أخى بنى الحارث بن الخزرج، وآخى بين بلال وبين أبى رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمى. فرض الزكاة ثم فرضت الزكاة بالمدينة حينئذ. وأسلم عبد الله بن سلام، وكفر جمهور اليهود، وظاهرهم قوم من الأوس والخزرج منافقون، يظهرون الإسلام مداراة لجمهور قومهم من الأنصار، ويسرون ما يسخطون الله تعالى به من الكفر. فممن ذكر منهم، من الأوس، ثم من بنى لوذان بن عمرو بن عوف: روى بن الحارث. ومن بنى حبيب بن عمرو بن عوف: الحارث بن سويد بن الصامت، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم قودا؛ وكان أخوه خلاد بن سويد من فضلاء المسلمين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وكانت لأخيهما الخلاس بن سويد نزغة، ثم لم ير منه إلا خير وصلاح وإسلام إلى أن مات؛ ونبتل بن الحارث. ومن بنى ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: بجاد بن عثمان بن عامر، وأبو حبيبة بن الأزعر، وهو أحد أصحاب مسجد الضرار، وعباد بن حنيف- وكان أخواه سهل وعثمان ابنا حنيف من خيار المسلمين. ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف: جارية بن عامر بن العطاف، وقد ذكر ابناه زيد ومجمع، ولم يصح عن مجمع إلا الخير والقرآن والإسلام، لكنه استضر بأبيه، وبأن قدمه- وهو حدث- وأصحابه، ليؤمهم فى مسجد الضرار. ومن بنى أمية بن زيد بن مالك: وديعة بن ثابت، وهو من أهل مسجد الضرار. ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك خالد بن حزام، وبشر ورافع ابنا زيد، ومن النبيت، ثم من بنى حارثة: مربع بن قيظى، وأخوه أوس بن قيظى. ومن النبيت، ثم من بنى ظفر: حاطب بن أمية بن رافع، وكان ابنه يزيد بن حاطب من الفضلاء؛ وقزمان حليف لهم، قاتل يوم أحد فأبلى، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو من أهل النار. فعجب الناس من ذلك، فلما اشتد به الألم قتل نفسه. ولم يكن فى بنى عبد الأشهل منافق ولا منافقة، إلا أن الضحاك بن ثابت، أحد بنى كعب، كان يتهم بذلك. ومن الخزرج، ثم من بنى النجار: رافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس، وقيس بن عمرو بن سهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ومن بنى جشم بن الخزرج، ثم من بنى سلمة: الجد بن قيس. ومن بنى عوف بن الخزرج: عبد الله بن أبى سلول، كهف المنافقين ورأس أهل النفاق، وكان ابنه عبد الله بن عبد الله من صلحاء المسلمين؛ ووديعة، وسويد، وداعس، ومالك بن أبى قوقل. وكان قوم من اليهود قد تعوذوا بالإسلام وهم يبطنون الكفر. منهم: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، ورافع بن حرملة، ورفاعة بن زيد ابن التابوت، وسلسلة بن برهام، وكنانة بن صوريا. غزوة الأبواء فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة باقى ربيع الأول من مقدمه المدينة، وهو أول التأريخ، وربيع الآخر فى العام كله إلى صفر سنة اثنتين من الهجرة، وهو آخر العام من مقدمه، لم يتحرك. ثم خرج غازيا فى صفر المؤرخ، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة، حتى بلغ ودان، فهى غزوة الأبواء، فوادع فيها بنى ضمرة بن عبد مناة ابن كنانة، وعقد ذلك معه سيد بنى ضمرة: مخشى بن عمرو؛ ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق حربا. وهى أول غزاة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم بعث حمزة بن عبد المطلب بن هاشم وبعث عبيدة بن الحارث فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة الأبواء، أقام بالمدينة بقية صفر، وربيع الأول، وصدر ربيع الآخر؛ ووجه فى هذه الإقامة عبيدة بن الحارث فى ستين راكبا من المهاجرين، أو ثمانين، ليس فيهم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الأنصار أحد، فنهض حتى بلغ أحياء، وهو ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقى بها جمعا عظيما من قريش، قيل: إنه كان عليهم عكرمة بن أبى جهل، وقيل: بل كان عليهم مكرز بن حفص بن الأخيف. فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبى وقاص، وكان فى ذلك البعث، رمى بسهم؛ فهو أول سهم رمى به فى سبيل الله تعالى. وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد ابن عمرو، وعتبة بن غزوان، وهو الذى بنى البصرة بعد ذلك، وكان قديمى الإسلام، إلا أنهما لم يجدا السبيل إلى اللحاق بالنبى صلى الله عليه وسلم. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا حمزة عمه حينئذ فى ثلاثين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، إلى سيف البحر من ناحية العيص، فلقى أبا جهل فى ثلاثمائة راكب من كفار قريش، أهل مكة، فحجز بينهم مجدى بن عمرو الجهنى، وكان موادعا للفريقين، فلم يكن بينهم قتال. وكان بعث حمزة وبعث عبيدة متقاربين، واختلف فى أيهما أسبق، قيل: إلا أنها أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين. غزوة بواط ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ربيع الآخر المؤرخ، وهو صدر العام الثانى من مقدمه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، واستعمل على المدينة السائب بن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا ولا حربا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 غزوة العشيرة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى، ثم خرج غازيا، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومى، وأخذ على نقب بنى دينار بن النجار، وأخذ على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، فثم له مسجد، وموضع أثافى طعامه معلوم هنالك، وبها ماء يقال له: المشيرب، ثم ترك الخلائق بيساره، وسلك شعب عبد الله إلى اليسار حتى هبط يليل، فنزل بمجتمع يليل والضبوعة، ثم سلك فرش ملل حتى لقى الطريق بصخرات اليمام إلى العشيرة من بطن ينبع، فأقام هنالك باقى جمادى الأولى، وليالى من جمادى الآخرة، ووادع فيها بنى مدلج، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حربا. غزوة بدر الأولى فلم يقم النبى صلى الله عليه وسلم بعد العشيرة إلا نحو عشر ليال، حتى أغار كرز بن جابر الفهرى على سرح المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلبه، حتى بلغ واديا يقال له: سفوان، فى ناحية بدر، ففاته كرز، فرجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. بعث سعد بن أبى وقاص وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فى خلال هذه الغزوة سعد بن أبى وقاص فى ثمانية رهط من المهاجرين، فبلغ الخرار، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وقيل: إنه إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلب كرز بن جابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 بعث عبد الله بن جحش ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر الأولى- كما ذكرنا- إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادى الآخرة، ورجب، وشعبان. وبعث فى رجب المذكور عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدى، ومعه ثمانية رجال من المهاجرين، وهم: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة. وعكاشة بن محصن بن حرثان الأسدى. وعتبة بن غزوان بن جابر المازنى. وسعد بن أبى وقاص. وعامر بن ربيعة العنزى. وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم. وخالد بن البكير، أخو بنى سعد بن ليث. وسهيل بن بيضاء الفهرى. وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لعبد الله بن جحش، وهو أمير القوم، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولا يكره أحدا من أصحابه. ففعل ذلك عبد الله بن جحش، فلما فتح الكتاب وجد فيه: «إذا نظرت فى كتابى فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا أو عيرا لقريش، وتعلم لنا من أخبارهم» . فلما قرأ عبد الله بن جحش الكتاب قال: سمعا وطاعة. ثم أخبر أصحابه بذلك، وبأنه لا يستكرههم، وأما هو فناهض، ومن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع. فمضوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 كلهم معه، فسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع- يقال له: بحران- أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كان يعتقبانه، ونفذ عبد الله فى سائرهم حتى ينزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة، فيها عمرو بن الحضرمى، واسم الحضرمى: عبد الله، وعثمان ابن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى بنى المغيرة. فتشاور المسلمون وقالوا: نحن فى آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم. ثم اتفقوا على ملاقاتهم، فرمى عبد الله بن واقد التميمى عمرو بن الحضرمى فقتله، وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله، ثم قدموا بالعير والأسيرين، قد أخرجوا الخمس من ذلك فعزلوه، فذكر أنها أول غنيمة خمست. فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم ما فعلوا فى الشهر الحرام، فسقط فى أيدى القوم، فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ «1» الآية، إلى قوله: حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا. فقبض النبى صلى الله عليه وسلم الخمس، وقسم الغنيمة، وقبل الفداء فى الأسيرين: ورجع سعد وعتبة سالمين إلى المدينة. وهذه أول غنيمة غنمت فى الإسلام، وأول أسيرين أسرا من المشركين، وأول قتيل قتل منهم. وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد يوم بئر معونة. وأما عثمان بن عبد الله فمات بمكة كافرا.   (1) سورة البقرة الآية 217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 صرف القبلة وصرفت القبلة «1» عن بيت المقدس حينئذ، على سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد روى أن أول من صلى نحو الكعبة أبو سعيد بن المعلى الأنصارى، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتحويل القبلة، فصلى ركعتين إلى الكعبة. وقيل: بل صرفت على ثمانية عشر شهرا، وقيل: على ستة عشر شهرا، لم يقل أحد أكثر ولا أقل. غزوة بدر الثانية وهى أكرم المشاهد، وهى بدر البطشة، وهى بدر القتال. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا- إلى رمضان من السنة الثانية، ثم اتصل به عليه صلوات الله تعالى وسلامه أن عيرا لقريش عظيمة فيها أموال كثيرة مقبلة من الشام إلى مكة، فيها ثلاثون رجلا من قريش، عميدهم أبو سفيان بن حرب، أو قيل: أربعون رجلا؛ من جملتهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص؛ فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه العير، وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج، ولم يحتفل فى الحشد، لأنه إنما قصد العير، ولم يقدر أنه يلقى حربا ولا قتالا، فاتصل بأبى سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إليهم، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى، فبعثه إلى أهل مكة مستنفرا لهم إلى نصر عيرهم، فنهض إلى مكة، واستنفر، فنفر أهل مكة، وأوعبوا «2» إلا اليسير، وكان ممن تخلف أبو لهب، ونفر سائر أشرافهم.   (1) صرفت القبلة: حولت أى حول الرسول والصحابة وجوههم من بيت المقدس إلى الكعبة المعظمة. (2) أوعبوا: أى خرجوا كلهم لملاقاة المسلمين ولم يتخلف إلا قلة قليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لثمان خلون من رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم- من بنى عامر بن لؤى- على الصلاة بالمسلمين، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، ودفع الراية: الواحدة إلى على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، والثانية إلى رجل من الأنصار، وقيل: كانتا سوداوين؛ وكان مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ، سبعون بعيرا يعتقبونها «1» فقط، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى بن أبى طالب، ومرثد بن أبى مرثد، يعتقبون بعيرا؛ وكان حمزة، وزيد بن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة- موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعتقبون بعيرا؛ وكان أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، يعتقبون بعيرا؛ وجعل على الساقة قيس بن أبى صعصعة من بنى النجار. وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ. فسلك صلى الله عليه وسلم على نقب المدينة إلى العقيق، إلى ذى الحليفة، إلى ذات الجيش، إلى تربان، وقيل: تربان، إلى ملل، إلى غميس الحمام من مريين إلى صخيرات اليمام، إلى السيالة، إلى فج الروحاء، إلى شنوكة، إلى عرقه الظبية. ونزل عليه السلام سجسج، وهو بئر بالروحاء، ثم رحل فترك طريق مكة عن يساره، وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا، فسلك وادى رحقان، بين النازية ومضيق الصفراء، ثم إلى مضيق الصفراء، فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنى، حليف بنى ساعدة، وعدى ابن أبى الزغباء الجهنى، حليف بنى النجار- إلى بدر، يتجسسان أخبار أبى سفيان وعيره.   (1) يعتقبونها: أى يركبها بعضهم ثم ينزل هذا البعض عنها ويركبها البعض الآخر وذلك ن قلة فى الرواحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ثم رحل، فأخبر عن جبلى الصفراء، وأن اسميهما: مسلح ومخرئ، وأن سكانهما بنو النار وبنو حراق، بطنان من غفار، فكره النبى صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء، فترك الجبلين، وترك الصفراء على اليسار، وأخذ ذات اليمين على وادى ذفران؛ فلما خرج منه نزل. وأتاه الخبر بخروج نفير قريش لنصر العير، فأخبر أصحابه، رضوان الله عليهم، واستشارهم فيما يعملون. فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا، فتمادى فى الاستشارة وهو يريد ما يقول الأنصار، فبادر سعد بن معاذ، وسارع فى فنون من القول الجميل، وكان فيما قال: لو استعرضت هذا البحر بنا لخضناه معك، فسر بنا يا رسول الله على بركة الله تعالى. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «سيروا وأبشروا، فإن الله عز وجل قد وعدنى إحدى الطائفتين» . ثم رحل من ذفران، فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر إلى الدبة، ونزل الحنان، وهو كثيب عظيم كالجبل على ذات اليمين، ثم نزل قريبا من بدر، وركب مع رجل من أصحابه مستخبرا ثم انصرف، فلما أمسى بعث عليا والزبير وسعد بن أبى وقاص فى نفر إلى بدر يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية «1» لقريش، فيها أسلم غلام بنى الحجاج السهمين، وأبو يسار عريض غلام بنى العاص بن سعيد الأمويين، فأتوا بهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى. فسألوهما: لمن أنتما؟ فقالا: نحن سقاة قريش. فكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخبر، وكانوا يرجون أن يكونا من العير، لعظم الغنيمة فى العير وقلة المثونة فيها، ولأن الشوكة فى نفر قريش شديدة. فجعلوا يضربونهما، فإذا آذاهما الضرب قالا: نحن من عير أبى سفيان. فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم   (1) الراوية هى الناقة التى يستقى عليها القوم الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قال: أخبرانى أين قريش؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب. وأخبراه أنهم ينحرون يوما عشرا من الإبل ويوما تسعا، فقال صلى الله عليه وسلم: «القوم بين التسعمائة إلى الألف» . وكان بسبس بن عمرو وعدى بن أبى الزغباء اللذين بعثهما عليه السلام يتجسسان له الأخبار، مضيا حتى نزلا بدرا، فأناخا بقرب الماء، ثم استقيا فى شن لهما، ومجدى بن عمرو بقربهما، فسمع عدى وبسبس جاريتين من الحى وإحداهما تقول لصاحبتها: أعطينى دينى؛ فقالت الأخرى: إنما تأتى العير غدا فأعمل لهم ثم أقضيك. فصدقها مجدى بن عمرو، ورجع عدى وبسبس بما سمعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدم وحده حتى أتى ماء بدر، فقال لمجدى: هل أحسست أحدا؟ فقال: لا، إلا باثنين أناخا إلى هذا التل، واستقيا الماء ونهضا. فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعير ففته فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب. فرجع سريعا، وقد حذر فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجا، وأوحى إلى قريش يخبرهم بأنه قد نجا والعير، فارجعوا، فأبى أبو جهل وقال: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، ونقيم عليها ثلاثا، فتهابنا العرب أبدا. ورجع الأخنس بن شريق الثقفى بجميع بنى زهرة، فلم يشهد بدرا أحد منهم، وكان حليفهم ومطاعا فيهم، فقال: إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت. وكان قد نفر من جميع بطون قريش جماعة، حاشا بنى عدى بن كعب فلم ينفر منهم أحد، فلم يحضر بدرا مع المشركين عدوى ولا زهرى أصلا. وقد قيل إن ابنين لعبد الله الأصغر بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ابن كلاب شهدا بدرا مع المشركين، وقتلا يومئذ كافرين، وهما عما مسلم والد الفقيه محمد بن مسلم الزهرى. فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إليه مطر عظيم أرسله الله تعالى مما يليهم، ولم يصب منه المسلمين إلا ما لبد لهم الأرض، يعنى دهس الوادى، وأعانهم على السير. فنزل عليه السلام على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، وأشار عليه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح بغير ذلك، وقال يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلك الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: بل هو الرأى والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بنا حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القلب «1» ، ثم نبنى عليه حوضا فنملأه، ونشرب ولا يشربون. فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأى وفعله؛ وبنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش يكون فيه، ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الوقعة، فعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفر من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، ومصرع فلان، فما عدا واحد منهم مضجعه الذى حده رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تراءت قريش فيما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحى فحزر لهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فقط، فيهم فارسان: الزبير والمقداد بن الأسود، ثم انصرف. ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش ولا يكون حرب، فأبى أبو جهل، وساعده المشركون على ذلك.   (1) القلب بضم القاف واللام هى الآبار كثيرة الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وبدأت الحرب: فخرج عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، يطلبون البراز، فخرج إليهم عبيدة بن الحارث، وحمزة ابن عبد المطلب، وعلى بن أبى طالب، فقتل الله عتبة وشيبة والوليد، وسلم حمزة وعلى بن أبى طالب، وضرب عتبة عبيدة فقطع رجله، ومات بالصفراء- وكان قد برز إليهم عوف ومعوذ ابنا الحارث، وهما ابنا عفراء، وعبد الله بن رواحة الأنصاريون، فأبوا إلا قومهم. وكانت وقعة بدر يوم الجمعة فى اليوم السابع عشر من رمضان. وعدل عليه السلام الصفوف، ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر وحده. وكان أول قتيل قتل من المسلمين، مهجع مولى عمر بن الخطاب، أصابه سهم فقتله. وسمع عمير بن الحمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على الجهاد، فيرغب فى الجنة، وفى يده تمرات يأكلهن، فقال: بخ بخ، أما بينى وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلنى هؤلاء؟ ثم رمى بهن وقاتل حتى قتل، رضى الله عنه، وقد فعل. ثم منح الله المسلمين النصر فهزم المشركون، وسعد بن معاذ وقوم من الأنصار وقوف على باب العريش يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب، فقال: دونك هذا. فلما أخذه عكاشة وهزه عاد فى يده سيفا طويلا شديدا أبيض، فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل، رضوان الله عليه، فى الردة أيام أبى بكر. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب، فرموا به، وطم عليهم التراب. وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثقل عبد الله بن كعب ابن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نزل الصفراء قسم بها الغنائم كما أمر الله تعالى. وضرب عنق النضر بن الحارث بن كلدة من بنى عبد الدار؛ ثم لما نزل عرق الظبية، ضرب عنق عقبة بن أبى معيط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس. تسمية من شهد بدرا من المسلمين رضى الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم والمطلب ابنى عبد مناف: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعمه حمزة بن عبد المطلب. وابن عمه على بن أبى طالب بن عبد المطلب. ومن مواليه: زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس ابن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف ابن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة. وأنسة، وهو حبشى. وأبو كبشة، وهو فارسى ومن حلفاء بنى هاشم: أبو مرثد كناز بن حصين بن يربوع بن عمرو بن عمير بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم بن غنى بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان، حليف حمزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وابنه مرثد بن أبى مرثد. وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. وأخواه: الطفيل والحصين ابنا الحارث. ومسطح، واسمه: عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف- اثنا عشر رجلا. ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان، تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة، فتوفيت، وجاءت البشرى بالفتح حين دفنت، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه من الغنيمة وبأجره من المشهد، فهو بدرى. وأبو حذيفة، واسمه: قيس، وقيل: مهشم، بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. وسالم مولى أبى حذيفة، وهو حينئذ يدعى: ابن أبى حذيفة. ومن مواليهم: قيل: إن صبيحا مولى أبى العاص بن أمية تجهز للخروج، فمرض فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومى، ثم شهد صبيح بعد ذلك المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن حلفائهم: عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. وعكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وأخوه: سنان بن محصن. وأخوه: أبو سنان بن محصن. وابنه: سنان بن أبى سنان. وشجاع بن وهب بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير. وأخوه: عقبة بن وهب. ويزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر. ومحرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كبير. وربيعة بن أكثم بن سنحبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة. ومن خلفاء بنى كبير بن غنم: ثقف، ومالك، ومدلج- وقيل: مدلاج- وهم من بنى سليم. وأبو مخشى سويد بن مخشى الطائى. ثمانية عشر رجلا. ومن بنى نوفل بن عبد مناف بن قصى: عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، حليف بنى نوفل. وخباب مولى عتبة بن غزوان، وهو غير خباب بن الأرت؛ رجلان. ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وحاطب بن أبى بلتعة اللخمى، حليف لهم. وسعد الكلبى، مولى حاطب. ثلاثة رجال. ومن بنى عبد الدار بن قصى بن كلاب: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. وسويبط بن سعد بن حرملة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار رجلان. ومن بنى زهرة بن كلاب بن مرة: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة. وسعد بن أبى وقاص، واسم أبى وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف ابن زهرة. وأخو عمير بن أبى وقاص. ومن حلفائهم: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو ابن سعد بن دهير بن لؤى بن ثعلبة بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة. ومسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن محلم بن غالب ابن عائذة بن يثيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة، من القارة. وذو الشمالين بن عبد غمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن خزاعة. وهو غير ذى اليدين، ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 يسمى بالخرباق، وهو من بنى سليم بن منصور. قيل إن اسم ذى الشمالين: عمير بن عبد عمرو، وكان أعسر، وكان ذو اليدين طويل اليدين. وخباب بن الأرت، وهو تميمى، وقيل خزاعى، وله عقب بالكوفة. ثمانية رجال. ومن بنى تيم بن مرة: أبو بكر الصديق، وهو عبد الله بن أبى قحافة رضى الله عنه، واسمه: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كلاب. وبلال بن رباح، حبشى مولى أبى بكر. وعامر بن فهيرة، أسود، مولى أبى بكر، من مولدى الأسد. وصهيب بن سنان، من النمر بن قاسط، حليف بنى جدعان. وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، كان بالشام فى تجارة، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، فهو بدرى. خمسة رجال. ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وشماس، واسمه: عثمان بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمى بن عامر ابن مخزوم. والأرقم بن أبى الأرقم عبد مناف بن أبى جندب، واسمه: أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وعمار بن ياسر العنسى، مولى فهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وعيهامة، واسمه: معتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كليب بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى، حليف لهم خمسة رجال. ومن بنى عدى بن كعب: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى. وأخوه: زيد بن الخطاب. وعمرو بن سراقة. وأخوه: عبد الله بن سراقة. وكان سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل غائبا بالشام، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، فهو بدرى. ومهجع مولى عمر بن الخطاب. ومن حلفائهم: واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة التميمى. وخولى، ومالك، ابنا أبى خولى العجليان. وعامر بن ربيعة العنزى. وعامر، وعاقل، وخالد، وإياس، بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب ابن غيرة بن سعد بن ليث. أربعة عشر رجلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب: عثمان، وقدامة، وعبد الله، بنو مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة ابن جمح. والسائب بن عثمان بن مظعون. ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح خمسة رجال. ومن بنى سهم بن هصيص بن كعب بن لؤى: خنيس بن حذافة بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم. رجل واحد. ومن بنى عامر بن لؤى بن غالب بن فهر: أبو سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل. وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قينس بن عبدود. وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى. خرج مع المشركين، فلما التقى الجمعان فر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووهب بن سعد بن أبى سرح. وحاطب بن عمرو. وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو. وسعد بن خولة، حليف لهم من اليمن. سبعة رجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ومن بنى الحارث بن فهر: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبى شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب. وسهيل بن ربيعة بن هلال بن أهيب، وهو بن بيضاء. وأخوه: صفوان بن وهب. وعمرو بن أبى سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة. وعياض بن زهير. ستة رجال. فجميع البدريين من المهاجرين رضوان الله عليهم ستة وثمانون رجلا، منهم ثلاثة لم يشهدوها ووجب لهم أجر من شهدها وسهم كمن شهدها، وهم: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد؛ والباقون شهدوها بأنفسهم، منهم من صليبة قريش واحد وأربعون رجلا: من بنى هاشم ثلاثة؛ ومن بنى المطلب أربعة؛ ومن بنى عبد شمس واحد؛ ومن بنى عبد العزى واحد؛ ومن بنى عبد الدار اثنان؛ ومن بنى زهرة ثلاثة؛ ومن بنى تيم واحد؛ ومن بنى مخزوم ثلاثة؛ ومن بنى عدى أربعة؛ ومن بنى جمح خمسة؛ ومن بنى سهم واحد؛ ومن بنى عامر خمسة؛ ومن بنى الحارث ستة. والخمسة والأربعون موالى وحلفاء، منهم موالى أحد عشر، وهم: زيد بن حارثة، وأنسة، وأبو كبشة، وخباب، وبلال، وعامر بن فهيرة وسالم، ومهجع، وسعد الكلبى، وصهيب، وعمرو بن عوف مولى سهيل؛ وإن عد عمار فهم اثنا عشر. منهم عرب: زيد، وسعد، وصهيب، وعمار؛ وباقيهم عجم. ومنهم ثلاثة وثلاثون حليفا: منهم من أسد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 خزيمة واحد؛ ومن بنى كنانة أربعة، ومن بنى تميم اثنان، اختلف فى أحدهما فقيل إنه خزاعى؛ ومن غنى اثنان؛ ومن سليم ثلاثة؛ ومن مازن أخى سليم واحد، ومن طيئ واحد؛ ومن عجل اثنان؛ ومن عنز واحد:؛ ومن اليمن غير منسوب واحد. والبدريون من الأوس بن حارثة من الأنصار، ثم من بنى عمرو بن مالك ابن الأوس، ثم من بنى عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل. وأخوه: عمرو بن معاذ. والحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان. والحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس. وسعد بن زيد بن مالك بن عبيد بن كعب بن عبد الأشهل. وسلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعورا بن عبد الأشهل. وابن عمه: عباد بن بشر بن وقش. وسلمة بن ثابت بن وقش. ورافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعورا. ومن حلفائهم: الحارث بن خزمة بن عدى بن أبى بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بن حارثة، خرج عن قومه وحالف بنى زعورا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ومحمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، خرج عن قومه وحالف بنى عمه: بنى زعورا. وسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى بن مجدعة بن حارثة، خرج أيضا عن قومه وحالف بنى عمه: بنى زعورا. وأبو الهيثم بن التيهان. وعبيد بن التيهان. وعبد الله بن سهل، وقيل: إنه صليبة من بنى زعورا؛ خمسة عشر رجلا. ومن بنى ظفر، واسمه كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر. وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد، وعبيد هذا هو مقرن، سمى بذلك لأنه أسر أربعة من المشركين فقرنهم كلهم وساقهم، وأحدهم عقيل بن أبى طالب. ونصر بن الحارث بن عبد «1» بن عبيد بن ظفر. وعمه: معتب بن عبيد «2» .   (1) فى الجمهرة: 323: الحارث بن عبد رزاح، وانظر أيضا ابن سعد 3- 2-: 27. (2) فى الأصل: وابن عمه معتب بن عبيد، وهو خطأ. والواقدى: 158 وتلميذه بن سعد يعدان معتب بن عبيد بلويا حليفا لبنى ظفر؛ ونسبه ابن عمارة الأنصارى إلى بنى ظفر، وقال: إنه معتب بن عبيد بن سواد بن الهثيم بن ظفر؛ وعلق على هذا بقوله: فمن لم يعرف نسبه فى بنى ظفر جعله فى بل لمكان أخيه عبد الله بن طارق. وقد ترجم له كل من أبى عمر وابن الأثير مرتين: مرة فى معتب، ومرة أخرى فى مغيث. وفى رواية عن ابن إسحاق أن اسمه: معتب ابن عبدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ومن حلفائهم: عبد الله بن طارق البلوى: خمسة رجال. ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: مسعود بن سعد بن عامر بن عدى بن جشم بن مجدعة بن حارثة. وأبو عبس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن مجدعة بن حارثة. ومن حلفائهم ثم من بلى: أبو بردة بن نيار، واسمه: هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب ابن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هنى بن بلى بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة. ثلاثة نفر. ومن بنى عوف بن مالك بن الأوس، ثم من بنى ضبيعة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس: عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح، واسم أبى الأقلح: قيس بن عصمة ابن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة. ومعتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة، وقد ذكر قوم معتب بن قشير فى المنافقين، وهذا باطل، لأن حضوره بدرا يبطل هذا الظن بلا شك. وأبو مليل بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة. وعمير بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف. وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث ابن بخرج، وهو عمرو بن خنس- أو خنيس، ويقال: خنساء- بن عوف ابن عمرو بن عوف بن الأوس، حليف لهم. خمسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ومن بنى أمية بن زيد بن عوف: أبو لبابة بشير، ومبشر، ورفاعة، بنو عبد المنذر بن زيد بن زنبر بن أمية بن زيد. وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد. وعويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن زيد بن أمية بن زيد. ورافع بن عنجدة، وهى أمه. وعبيد بن أبى عبيد. وثعلبة بن حاطب. وزعموا أن أبا لبابة والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعا إلى المدينة، وأمر أبا لبابة عليها، وضرب لهما بسهمهما وأجرهما. وقد قال قوم: إن ثعلبة بن حاطب منع الزكاة فنزلت فيه: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ «1» الآيات، وهذا باطل، لأن شهوده بدرا يبطل ذلك بلا شك. ثمانية رجال. ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك بن عوف: أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث بن عبيد بن زيد. ومن حلفائهم من بلى: معن بن عدى بن الجد بن العجلان. وثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان.   (1) سورة التوبة الآية 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وابن عمه لحا: زيد بن أسلم بن ثعلبة. وربعى بن رافع بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان. وخرج عاصم بن عدى بن الجد بن العجلان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرده وضرب له بسهمه وأجره. ستة رجال. ومن بنى معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن زيد بن معاوية. ومالك بن نميلة المزنى، حليف لهم. والنعمان بن عصر البلوى، حليف لهم. ثلاثة رجال. ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك: عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك، واسم البرك: امرؤ القيس ابن ثعلبة بن عمرو بن عوف. وعاصم بن قيس بن ثابت بن النعمان بن أمية بن البرك. وأبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة: وأخوه: أبو حبة بن ثابت. وسالم بن عمير بن ثابت بن النعمان بن أمية بن البرك. والحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة: وخوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك. رده رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره. سبعة رجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ومن بنى جحجبى بن كلفة بن عوف بن مالك: المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبى ابن كلفة. ومن حلفائهم: أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان بن عامر بن الحارث بن مالك ابن عامر بن أنيف بن جشم بن عبد الله بن تيم بن إرش بن عامر بن عبيلة ابن قسميل بن فران بن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. رجلان. ومن بنى امرئ القيس بن مالك بن الأوس، ثم من بنى غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم. ومنذر بن قدامة بن عرفجة بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة، وقيل: مالك بن قدامة. وعمه: الحارث بن عرفجة. وتميم مولى سعد بن خيثمة. خمسة رجال. فجميع من شهد بدرا من الأوس بنفسه، ومن ضرب له بسهمه وأجره، واحد وستون رجلا. وكان الأوس أقل عددا من الخزرج، وتأخرت منهم مع ذلك قبائل عن الإسلام، ولكنهم كانوا أقوى وأنجد، وكانوا يسكنون العوالى على بعد من المدينة، فلذلك قل عدد من حضر منهم المشاهد. والبدريون من الخزرج بن حارثة من الأنصار، ثم من بنى الحارث، ثم من بنى امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ابن الخزرج بن حارثة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 خارجة بن زيد بن أبى زهير، وكانت ابنته تحت أبى بكر الصديق، فولدت له أم كلثوم. وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس. وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس ابن مالك. وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس. أربعة رجال. ومن بنى زيد بن مالك أخى امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة المذكور: بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك. وأخوه: سماك بن سعد. رجلان: ومن بنى عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج: سبيع بن قيس بن عيشة، وقيل: عبسة، بن أمية بن مالك بن عامر ابن عدى. وأخوه: عباد بن قيس. وعبد الله بن عبس. ثلاث رجال. ومن بنى أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ابن الخزرج. يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر، وهو الذى يقال له: بن فسحم. واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ومن بنى جشم وزيد ابنى الحارث بن الخزرج؛ وهما التوأمان: خبيب بن إساف بن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم. وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد. وأخوه: حريث بن زيد بن ثعلبة: وسفيان بن بشر بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد. أربعة رجال. ومن بنى جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج: تميم بن يعار بن قيس بن عدى بن أمية بن جدارة. وعبد الله بن عمير. وزيد بن المرن بن قيس بن عدى بن أمية بن جدارة، وقيل: هو زيد ابن المزين. وعبد الله بن عرفطة بن عدى بن أمية بن جدارة. أربعة رجال. ومن بنى الأبجر، وهم بنو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج: عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الأبجر، وهو خدرة واحد. ومن بنى عوف بن الخزرج، ثم من بنى عبيد بن مالك بن سالم بن غنم ابن عوف بن الخزرج، يسمى سالم الحبلى لعظم بطنه: عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول، وسلول امرأة، وهى أم أبى بن مالك بن الحارث بن عبيد. وأوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث بن عبيد. رجلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ومن بنى جزء بن عدى بن مالك بن سالم، وبنى ثعلبة بن مالك: زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزء. وعقبة بن وهب بن كلدة، حليف لهم من بنى عبد الله بن غطفان. ورفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم. وعامر بن سلمة بن عامر، حليف لهم من اليمن، ويقال: عمرو بن سلمة، وهو من بلى. وأبو خميصة معبد بن عباد بن قشير بن المقدم بن سالم بن غنم. وعامر بن البكير، حليف لهم، ويقال: هو عامر بن العليس. ستة رجال. ومن بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، ثم من بنى العجلان بن زيد بن غنم بن سالم. نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان. رجل. وقد صح أن عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان حضرها؛ فهم حالتئذ رجلان. ومن بنى أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف؛ وقد قيل: إنه غنم بن عوف أخو سالم بن عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت. وأخوه: أوس بن الصامت. رجلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ومن بنى دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم: النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد، والنعمان هو قوقل. ومن بنى قربوس بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم، ويقال: قريوس ابن غنم: ثابت بن هزال بن عمرو بن قربوس. رجل واحد. ومن بنى مرضخة وعمرو، ابنى غنم بن أمية بن لوذان: مالك بن الدخشم بن مرضحة، ويقال: مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة. والربيع بن إياس بن عمرو بن غنم بن أمية بن لوذان. وأخوه: ورقة بن إياس. وعمرو بن إياس، حليف لهم من اليمن، ويقال: إنه أخو الربيع وورقة. ومن حلفائهم: المجذر بن ذياد بن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة بن مالك بن غصينة ابن عمرو بن بتيرة بن مشنوء بن قسر بن تيم بن إراش بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلى بن عمرو بن قضاعة. واسم المجذر: عبد الله. وعبادة بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة. ونحاب بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة، وقيل: نحاث. وعبد الله بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم. وقد قيل أيضا: إن عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهرانى، حليفهم شهد بدرا، وقد قيل: إن عتبة هذا من بهز، من بنى سليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ومن بنى كعب بن الخزرج، ثم من بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج، ثم من بنى ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة: أبو دجانة: سماك بن خرشة، وقيل: سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة. والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة. رجلان. ومن بنى عمرو بن الخزرج بن ساعدة: أبو أسيد: مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حازم بن عمرو ابن الخزرج بن ساعدة. ومالك بن مسعود بن البدن. رجلان. ومن بنى طريف بن الخزرج بن ساعدة: عبد ربه بن حق بن أوس بن وقش بن ثعلبة بن طريف ومن حلفائهم: كعب بن حمار بن ثعلبة الجهنى. وضمرة، وزياد، وبسبس، بنو عمرو. وعبد الله بن عامر، من بلى. ومن بنى جشم بن الخزرج، ثم من بنى سلمة بن سعد بن على بن أسد ابن ساردة بن تزيد بن جشم: خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 والحباب بن المنذر بن الجموح. وعمير بن الحمام بن الجموح. وتميم مولى خراش بن الصمة. وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام. ومعاذ بن عمرو بن الجموح. ومعوذ بن عمرو. وخلاد بن عمرو بن الجموح. وعقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام. وحبيب بن أسود، مولى لهم. وثابت بن الجذع، واسم الجذع: ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام. وعمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة. وبشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدى ابن غنم بن كعب بن سلمة. والطفيل بن مالك بن خنساء. والطفيل بن النعمان بن خنساء. وسنان بن صيفى بن صخر بن خنساء. وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء. وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء. وجبار بن أمية بن صخر بن خنساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وخارجة بن حمير: وأخوه: عبد الله بن حمير، حليفان لهم من أشجع، من بنى دهمان. وقد قيل: إن جبار بن صخر هو ابن أمية بن خناس. ويزيد بن المنذر بن سرح بن خناس. ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس. وعبد الله بن النعمان بن بلدمة. والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن عدى بن كعب. وسواد بن رزن بن زيد بن ثعلبة، وقيل: سواد بن زريق بن زيد ابن ثعلبة. ومعبد بن قيس بن صخر بن حرام. وعبد الله بن قيس بن صخر بن حرام. وعبد الله بن عبد مناف بن النعمان بن سنان. وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان، وليس هذا جابر بن عبد الله ابن عمرو بن حرام الذى طال عمره وكثرت عنه الرواية، ذلك لم يشهد بدرا ولا أحدا، وأول مشاهده غزوة حمراء الأسد، ثم ما بعدها متصلا إلى الخندق: وخليدة بن قيس بن النعمان. والنعمان بن يسار، مولى لهم. وأبو المنذر: يزيد بن عامر بن حديدة. وقطبة بن عامر بن حديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وسليم بن عمرو بن حديدة. وعنترة مولاه، وقيل: إن عنترة هذا من بنى سليم بنى بن منصور، ثم من بنى ذكوان. وعبس بن عامر بن عدى. وأبو اليسر: كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم. وسهل بن قيس بن أبى كعب بن القين بن كعب بن سواد. وعمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم. خمسة وثلاثون رجلا. ومن بنى أدى بن سعد، أخى سلمة بن سعد: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدى بن كعب بن عدى ابن أدى. وقد قيل فى نسبه: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عباد بن ابن عدى بن كعب بن عمرو بن أدى بن سعد، أخى سلمة بن سعد. رجل واحد. ومن بنى زريق بن عبد حارثة بن غضب بن جشم بن الخزرج: قيس بن محصن بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق بن عبد حارثة. وأبو خالد: الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد. وجبير بن إياس بن خالد بن مخلد. وأبو عبادة: سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد. وأخوه: عقبة بن عثمان. وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وعبادة بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق بن عبد حارثة. وأسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة. والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة. ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق. وأخوه: عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق. وعمهما: مسعود بن سعد بن قيس. ورفاعة بن رافع بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة وأخوه: خلاد بن رافع. وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان. وزياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدى بن أمية بن بياضة. وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة. ورجيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة. وعطية بن نويرة بن عامر بن عطية بن عامر بن بياضة. وخليفة بن عدى بن عمرو بن مالك بن عامر بن فهيرة بن بياضة. ورافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدى بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن حارثة، أخى زريق بن حارثة. ومن بنى عمرو بن الخزرج بن النجار، وهو: تيم الله بن ثعلبة بن عمرو ابن الخزرج: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم ابن مالك بن النجار. وثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم ابن مالك بن النجار. وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم ابن مالك بن النجار. وسراقة بن كعب بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف ابن غنم بن مالك بن النجار. وسهيل بن رافع بن أبى عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار. وعدى بن أبى الزغباء، حليف لهم من جهينة. ومسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار. وأبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النجار. ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد. ومن بنى سواد بن مالك بن غنم: عوف، ومعوذ، ومعاذ، بنو الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار، وهم بنو عفراء. والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار. وعبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وعصمة، حليف لهم من أشجع. ووديعة بن عمرو، حليف لهم من جهينة. وثابت بن عمرو بن زيد بن عدى بن سواد بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار. وقد قيل: إن أبا الحمراء مولى الحارث بن رفاعة شهد بدرا. وثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول، واسم مبذول: عامر بن مالك بن النجار. وسهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك. والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك، كسر به بالروحاء، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. عشرون رجلا. ومن بنى معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، وهم بنو حديلة: أبىّ بن كعب بن قيس بن عبيدة بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. رجلان. ومن بنى عدىّ بن عمرو بن مالك بن النجار، وهم بنو مغالة، وهى كنانية: أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار. وأبو شيخ بن أبىّ بن ثابت بن المنذر بن حرام، وقال بعضهم: هو أبو شيخ: أبىّ بن ثابت، أخو حسان بن ثابت وأوس بن ثابت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وأبو طلحة: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة ابن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار، أربعة رجال. ومن بنى عدى بن النجار: حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدى بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار. وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدى بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار، وهو أبو حكيم. وسليط بن قيس بن عمرو بن عتيك بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار. وأبو سليط: أسيرة بن عمرو، وهو أبو خارجة، بن قيس بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار. وثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدى بن عامر. وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار. ومحرز بن عامر بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار. وسواد بن غزية بن أهيب، حليف لهم من بلى. وأبو زيد: قيس بن سكن بن قيس بن زعورا بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار. وأبو الأعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام. وسليم بن ملحان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وحرام بن ملحان، وهو مالك بن خالد بن زيد بن حرام. عشرة رجال ومن بنى مازن بن النجار: قيس بن أبى صعصعة، واسم أبى صعصعة: عمرو بن زيد بن عوف بن؟؟؟ عمرو بن غنم بن مازن بن النجار. وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول. وعصمة، حليف لهم من بنى أسد بن خزيمة. وأبو داود: عمير بن عامر بن مالك بن خنساء بن مبذول. وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول. وقيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن ابن النجار. ستة رجال. ومن بنى دينار بن النجار: النعمان بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار. والضحاك بن عبد عمرو، أخوه. وسليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار. وجابر بن خالد بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار. وسعد بن سهيل بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار. ومن بنى قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار بن النجار: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 كعب بن زيد بن قيس. وبجير بن أبى بجير، حليف لهم من بنى جذيمة بن رواحة من بنى عبس. فجميع من شهد بدرا من الخزرج مائة رجل وسبعون رجلا. وجميع أهل بدر ثلاثمائة رجل وتسعة عشر رجلا. منهم من غاب عنها وضرب له بسهمه وأجره، ثمانية رجال، والباقون شهدوها بأنفسهم، وهم ثلاثمائة وأحد عشر رجلا؛ رضوان الله عليهم أجمعين. وقد ذكر فيمن شهد بدرا: عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج. وابن أخيه: عصمة بن الحصين بن وبرة. وهلال بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن عدى بن زيد بن ثعلبة بن مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج. ذكر شهداء بدر رضوان الله عليهم أجمعين عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. وعمير بن أبى وقاص، أخو سعد بن أبى وقاص، قتل يومئذ وله ستة عشر عاما. وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعى، حليف بنى زهرة. وعاقل بن البكير الليثى، حليف بنى عدى بن كعب. ومهجع، مولى عمر بن الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وصفوان بن بيضاء، من بنى الحارث بن فهر- فهؤلاء ستة من المهاجرين. ومن الأنصار، ثم من الأوس: سعد بن خيثمة بن عمرو بن عوف. ومبشر بن عبد المنذر بن زنبر- فهم أيضا رجلان. ومن بنى الحارث بن الخزرج: يزيد بن الحارث، وهو بن فسحم بن الحارث بن الخزرج. ومن بنى سلمة: عمير بن الحمام. ومن بنى حبيب بن عبد حارثة: رافع بن المعلى. ومن بنى النجار: حارثة بن سراقة. وعوف، ومعوذ، ابنا عفراء. فهم ستة من الخزرج. فالجميع أربعة عشر رجلا. ذكر من قتل من المشركين يوم بدر وقتل من كفار قريش ومن تبعهم سبعون رجلا، فمن مشاهيرهم: حنظلة بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية، وكان من قتلته: زيد ابن حارثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وعبيدة بن سعيد بن العاص، قتله الزبير. وأخوه: العاص بن سعيد، قتله على رضى الله عنه. وعقبة بن أبى معيط، قتله عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح صبرا، وقيل: قتله على رضى الله عنه. وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس. وشيبة بن ربيعة. والوليد بن عتبة. والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. وابن عمه: طعيمة بن عدى، قتل صبرا. وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. وابنه: الحارث بن زمعة. وأخوه: عقيل بن الأسود. وابن عمه: أبو البخترى العاص بن هشام بن الحارث بن أسد. ونوفل بن خويلد بن أسد، قيل: قتله ابن أخيه الزبير، وقيل: على والنضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار، ضربت عنقه صبرا بالصفراء. وعمير بن عثمان، عم طلحة بن عبيد الله. وأبو جهل بن هشام، اشترك فى قتله: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعوذ بن عفراء؛ ووجده عبد الله بن مسعود وبه رمق، فحز رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وأخوه: العاص بن هشام. وابن عمهما: مسعود بن أبى أمية بن المغيرة، أخو أم سلمة أم المؤمنين، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، أخو خالد بن الوليد. وابن عمه: أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة. والسائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقد اختلف فيه، فقيل: إنه لم يقتل يومئذ بل أسلم بعد ذلك. ومنبه بن الحجاج. وابنه: العاص بن منبه بن الحجاج. وأخوه: نبيه. وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح. وابنه: على بن أمية. وأسر مالك بن عبيد الله بن عثمان، أخو طلحة بن عبيد الله، فمات أسيرا. وحذيفة وهشام ابنا أبى حذيفة بن المغيرة. وذكر أنه قتل وأسر من بنى مخزوم وحلفائهم من المشركين يوم بدر أربعة وعشرون رجلا. ومن بنى عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا. ومن مشاهيرهم ممن أسر يوم بدر، من بنى هاشم: العباس بن عبد المطلب. وعقيل بن أبى طالب، أخو على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. ومن بنى المطلب بن عبد مناف: السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف والنعمان ابن عمرو بن علقمة بن المطلب. ومن بنى عبد شمس: عمرو بن أبى سفيان بن حرب. والحارث بن أبى وجزة بن أبى عمرو بن أمية. وأبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوج ابنته زينب. وخالد بن أسيد بن أبى العيص. وأربعة حلفاء لهم. ومن بنى نوفل بن عبد مناف: عدى بن الخيار بن عدى بن نوفل بن عبد مناف. وعثمان بن عبد شمس بن جابر، ابن عم عتبة بن غزوان، لحا. ومن بنى عبد الدار: أبو عزيز بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، أخو مصعب ابن عمير. ومن بنى أسد بن عبد العزى: السائب بن أبى حبيش بن المطلب بن أسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 والحارث بن عائذ بن عثمان بن أسد. ومن بنى مخزوم: خالد بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وصيفى بن أبى رفاعة بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وابن أخيه: عبد الله بن أبى المنذر بن أبى رفاعة. والمطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. وخالد بن الأعلم الخزاعى، ويقال: عقيلى، حليف لهم، وهو القائل: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما وهو أول من فر يوم بدر، فأدرك وأسر. وأمية بن أبى حذيفة بن المغيرة. والوليد بن الوليد، أخو خالد بن الوليد. وعثمان بن عبد الله بن المغيرة. وأبو عطاء: عبد الله بن أبى السائب بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. ومن بنى سهم: أبو وداعة بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم، وهو أول أسير فدى. ومن بنى جمح: عبد الله بن أبى بن خلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وأخوه: عمرو بن أبى. وأبو عزة: عمرو بن عبد الله بن عمير بن أهيب بن حذافة بن جمح. ومن بنى عامر: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى. وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود. ومن بنى أسد بن عبد العزى: عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصى. غزوة بنى سليم ولم يتم للنبى صلى الله عليه وسلم بعد منصرفه من بدر إلا سبعة أيام، ثم خرج بنفسه يريد بنى سليم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى، وقيل: ابن أم مكتوم. فبلغ ماء يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاثة أيام، ثم انصرف ولم يلق حربا. غزوة السويق ثم إن أبا سفيان، لما انصرف فل بدر، آلى أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فى مائتى راكب، حتى أتى العريض فى طرف المدينة، فحرق أصوارا من النخل، وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له، وجدهما فى حرث لهما، ثم كر راجعا. فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، واستعمل على المدينة أبا لبابة ابن عبد المنذر. وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرقرة الكدر، وفاته أبو سفيان والمشركون، وقد طرح الكفار سويقا كثيرا من أزوادهم، يتخففون بذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فأخذها المسلمون، فسميت غزوة السويق؛ وكان ذلك فى السنة الثانية من ذى الحجة بعد بدر بشهرين وكسر. غزوة ذى أمر فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية ذى الحجة، ثم غزا نجدا يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجد صفرا كله، ثم انصرف ولم يلق حربا. غزوة بحران فأقام عليه السلام بالمدينة ربيعا الأول، ثم غزا يريد قريشا، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فبلغ بحران، معدنا بالحجاز، ولم يلق حربا، فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى من السنة الثالثة، ثم انصرف إلى المدينة. غزوة بنى قينقاع ونقض بنو قينقاع، من اليهود، عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحاصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزلوا على حكمه، فشفع فيهم عبد الله بن أبى بن سلول، وألح فى الرغبة، حتى حقن له رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم. واستعمل على المدينة فى حصاره لهم أبا لبابة بشير بن عبد المنذر، وحاصرهم خمس عشرة ليلة. وهم قوم عبد الله بن سلام- مخفف- وكانوا فى طرف المدينة، وكانوا سبعمائة مقاتل، فيهم ثلاثمائة مدرع، مدرعون بدروع الحديد، ولم يكن لهم زرع ولا نخل، وإنما كانوا تجارا وصاغة، يعملون بأموالهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 البعث إلى كعب بن الأشرف وكان كعب بن الأشرف من طيئ، أمه من بنى النضير، وكان عدوا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فحض رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله، فانتدب لذلك محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامه بن وقش أبو نائلة، أحد بنى عبد الأشهل وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش، والحارث بن أوس بن معاذ، وهما من بنى عبد الأشهل، وأبو عبس بن جبر، أخو بنى حارثة. فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا غير ما يعتقدون، على سبيل جواز ذلك فى الحرب. فقدموا إليه سلكان بن سلامة، فقصد له، وأظهر له موافقته على الانحراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه ضيق حالهم، وكلمه فى أن يبيعه وأصحابه طعاما فيرهنوه سلاحهم، فأجابهم إلى ذلك. فرجع سلكان إلى أصحابه، فخرجوا، وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد فى ليلة مقمرة. فأتوا كعبا، فخرج إليهم من حصنه، فتماشوا، فوضعوا عليه سيوفهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا «1» كان معه فى ثنته «2» فقتله، وصاح الفاسق صيحة شديدة، انذعر بها أهل الحصون حواليه، فأوقدوا النيران؛ وجرح الحارث بن أوس فى رجله ببعض سيوف أصحابه أو فى رأسه، فنزفه الدم، فتأخر ونجا أصحابه، فسلكوا على بنى أمية بن زيد إلى بنى قريظة، إلى بعاث،   (1) المغول- بكسر الميم وسكون الغين- سوط فى جوفه سوط دقيق يهلك به المضروب. (2) الثنة فى الإنسان: ما تحت السرة فى أسفل البطن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 إلى حرة العريض، فانتظروا صاحبهم هنالك، فوافاهم، فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر الليل وهو يصلى، فأخبروه، وتفل على جرح الحارث ابن أوس فبرأ، وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على قتل اليهود. وحينئذ أسلم حويصة بن مسعود، وقد كان أسلم قبله محيصة بن مسعود، وهما من بنى حارثة. غزوة أحد فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد قدومه من بحران، جمادى الآخرة، ورجبا، وشعبان، ورمضان، فغزته كفار قريش فى شوال سنة ثلاث، وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بنى كنانة وغيرهم، وخرجوا بنسائهم لئلا يفروا، فأتوا فنزلوا بموضع يقال له: عينين، وهو بقرب أحد على جبل ببطن السبخة من قناة، على شفير الوادى، مقابل المدينة. فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا: أن فى سيفه ثلمة، وأن بقرا تذبح، وأنه أدخل يده فى درع حصينة؛ فتأولها: أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأول الدرع المدينة. فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يخرجوا إليهم، وأن يتحصنوا بالمدينة، فإن قدموا منها قاتلهم على أفواه الأزقة، ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الرأى عبد الله بن أبى بن سلول، وألح قوم من فضلاء المسلمين، ممن أكرمه الله تعالى بالشهادة فى ذلك اليوم- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخروج إلى قتالهم، حتى دخل النبى صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته «1» وخرج، وذلك يوم الجمعة فصلى على رجل من بنى النجار مات، يقال له: مالك بن عمرو، وقيل:   (1) اللأمة: الدرع وقد يسمى السلاح كله لأمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 بل اسمه محرز بن عامر؛ فندم الذين الحوا عليه، وقالوا: يا رسول الله إن شئت فاقعد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ألف من أصحابه، واستعمل على المدينة بن أم مكتوم للصلاة بمن بقى بالمدينة من المسلمين. فلما صار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشوط بين المدينة وأحد، انصرف عبد الله ابن أبى بن سلول بثلث الناس مغاضبا إذ خولف رأيه، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر، يذكرهم الله عز وجل والرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا عليه، ورجع عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبى من ذلك من أن يستعين بمشرك. فسلك عليه السلام مع المسلمين حرة بنى حارثة، وقال: من يخرج بنا على القوم من كثب؟ فقال أبو خيثمة، أحد بنى حارثة: أنا يا رسول الله. فسلك به بين أموال بنى حارثة، حتى سلك فى مال لمربع بن قيظى، وكان منافقا ضرير البصر، فقام الفاسق يحثو التراب فى وجوه المسلمين، ويقول: إن كنت رسول الله فإنى لا أحل لك أن تدخل حائطى، وزاد فى القول، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال: لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر. وضربه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل بقوسه، فشجه فى رأسه. ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد، فى عدوة الوادى إلى الجبل، فجعل ظهره إلى أحد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، وقد سرحت قريش الظهر والكراع «1» فى زروع بالصمغة من قناة للمسلمين؛   (1) الظهر المقصود به هنا الإبل. أما الكراع فهو الخيل التى يحارب عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القتال، وهو فى سبعمائة؛ وقيل: إن المشركين كانوا فى ثلاثة آلاف، فيهم مائتا فرس، وقيل: كان فى المشركين يومئذ خمسون فارسا. وكان رماة المسلمين خمسين رجلا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بنى عمرو بن عوف من الأوس، وهو أخو خوات بن جبير، وعبد الله يومئذ معلم بثياب بيض. فرتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلف الجيوش، فأمره أن ينضح المشركين بالنبل، لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم. وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين «1» ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، أخى بنى عبد الدار. وأجاز عليه السلام يومئذ سمرة بن جندب الفزارى، ورافع بن خديج من بنى حارثة، ولهما خمسة عشر عاما؛ كان رافع راميا. ورد أسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعمرو بن حزم، وهما من بنى مالك بن النجار، والبراء بن عازب، وأسيد بن ظهير، وهما من بنى حارثة، وعرابة بن أوس، وزيد بن أرقم، وأبا سعيد الخدرى؛ ثم أجازهم عام الخندق، بعد ذلك بسنة. وكان لعبد الله بن عمر يوم أحد أربعة عشر عاما، وكان سائر من رد معه فى هذه السن أيضا. فجعلت قريش على ميمنتهم فى الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم فى الخيل عكرمة بن أبى جهل. ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه بحقه «2» إلى أبى دجانة سماك بن خرشة أخى بنى ساعدة، وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب.   (1) ظاهر بين درعين: أى لبس واحدة فوق الأخرى. (2) حق سيف رسول الله أن يضرب بهذا السيف فى أعداء الله ورسوله حتى ينحنى السيف من شدة الضرب به فى رقاب الأعداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وكان أبو عامر عبد عمرو بن صيفى بن مالك بن النعمان أحد بنى ضبيعة، وهو والد حنظلة غسيل الملائكة، وكان أبوه- كما ذكرنا- فى الجاهلية قد ترهب وتنسك، فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء، ففر مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فى جماعة من فتيان الأوس، فلحق بمكة، وشهد يوم أحد مع المشركين، وكان سيدا فى الأوس، فوعد قريشا بانحراف قومه إليه، وكان هو أول من لقى المسلمين يوم أحد فى عبدان أهل مكة والأحابيش؛ فلما نادى قومه وعرفهم بنفسه، قالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق. قال: لقد أصاب قومى بعدى شر. ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا. وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أمت أمت. وأبلى يومئذ أبو دجانة، وطلحة، وحمزة، وعلى، وأبلى أنس بن النضر بلاء شديدا عجز عن مثله كثير ممن سواه؛ وكذلك جماعة من الأنصار، أصيبوا يومئذ مقبلين غير مدبرين. وقاتل الناس، فاستمرت الهزيمة على قريش. فلما رأى ذلك الرماة قالوا: قد هزم الله أعداء الله. قالوا: فما لقعودنا ها هنا معنى، فذكر لهم أميرهم عبد الله بن جبير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بأن لا يزولوا، فقالوا: قد انهزموا؛ ولم يلتفتوا إلى قوله، فقاموا، ثم كر المشركون، فأكرم الله تعالى من أكرم من المسلمين بالشهادة، ووصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل رضوان الله عليه؛ وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه المكرم، وكسرت رباعيته «1» اليمنى والسفلى بحجر، وهشمت البيضة «2» فى رأسه المقدس، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية لعلى بن أبى طالب بعد مقتل مصعب،   (1) الرباعية: إحدى الأسنان الأربعة التى تلى الثنايا، بين الثنية والناب. (2) البيضة: الخوذة التى يضعها الفارس على رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار. وكان الذى نال مما ذكرنا من نحو النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن قميئة الليثى، وعتبة بن أبى وقاص. وشد حنظلة الغسيل بن أبى عامر على أبى سفيان، فلما تمكن منه، حمل شداد بن الأسود الليثى، وهو ابن شعوب، على حنظلة فقتله؛ وكان حنظلة قتل جنبا كما قام من امرأته، فغسلته الملائكة، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قد قتل أصحاب اللواء من المشركين حتى سقط، فرفعته عمرة بنت علقمة الحارثية للمشركين، فاجتمعوا إليه. وقد قيل: إن عبد الله بن شهاب الزهرى، عم الفقيه محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، هو الذى شج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جبهته «1» ، وألبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سقط فى حفرة، قد كان حفرها أبو عامر الأوسى مكيدة للمسلمين. فخر النبى صلى الله عليه وسلم على جنبه، فأخذه على بيده، واحتضنه طلحة، حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومص مالك بن سنان- والد أبى سعيد الخدرى- الدم من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ونشب حلقتان من حلق المغفر «2» فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح بثنيتيه، وعض عليهما حتى ندرت ثنيتا أبى عبيدة، وكان الهتم يزينه. ولحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكر دونه نفر من المسلمين رضوان الله عليهم، كانوا سبعة، وقيل أكثر، حتى قتلوا كلهم، وكان آخرهم عمارة بن يزيد بن السكن.   (1) كان الدم يسيل من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم» . (2) المغفر: شبيه بالدرع له حلق يجعل على رأس الفارس يتقى ضربات فى الحرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ثم قاتل طلحة «1» بعد ذلك كقتال الجماعة، حتى أجهض المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية قتالا شديدا، وضربت عمرو بن قميئة بالسيف ضربات، فوقعت درعان كانتا عليه، وضربها عمرو بالسيف فجرحها جرحا عظيما على عاتقها. وترس أبو دجانة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك، وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص: ارم فداك أبى وأمى. فأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفرى، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعينه على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أصح عينيه وأحسنهما. وانتهى أنس بن النضر- عم أنس بن مالك- إلى جماعة من الصحابة، قد ألقوا بأيديهم، فقال لهم: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهم: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم استقبل الناس، ولقى سعد بن معاذ، فقال: يا سعد، إنى والله لأجد ريح الجنة من قبل أحد. فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه، وجد به سبعون ضربة. وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحو عشرين جراحة، بعضها فى رجله، فعرج منها. وأول من ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بعد الحملة كعب بن مالك الشاعر من بنى سلمة، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا   (1) وقال عنه النبى الكريم: «من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشى على الأرض فلينظر إلى طلحة» تكريما له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اصمت. فلما عرفه المسلمون لاثوا به «1» ، ونهضوا معه نحو الشعب، فيهم: أبو بكر، وعمر، وعلى، وطلحة، والزبير، والحارث بن الصمة الأنصارى، وغيرهم. فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعب، أدركه أبى بن خلف الجمحى، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم طعنه بها فى عنقه، فكر أبى منهزما، فقال له المشركون: والله ما بك من بأس. فقال: والله لو بصق على لقتلنى. وكان قد أوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل بمكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أقتلك. فمات عدو الله بسرف، مرجعه إلى مكة. وملأ على درقته من المهراس «2» فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم، فوجد له رائجة، فعافه، وغسل به وجهه، ونهض إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان قد بدن «3» ، وظاهر بين درعين، فجلس طلحة بن عبيد الله، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره، ثم استقل به طلحة حتى استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وحانت الصلاة، فصلى صلى الله عليه وسلم قاعدا والمسلمون وراءه قعودا. وانهزم قوم من المسلمين، فبلغ بعضهم إلى الجلعب دون الأعوص. منهم: عثمان بن عفان، وعثمان بن عبيد الأنصارى، غفر الله عز وجل ذلك لهم، ونزل القرآن بالعفو عنهم بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ «4» إلى آخر الآية.   (1) لاثوا به: لا ذوا به، وانضموا إليه وذهبوا معه إلى الشعب وهم خلق كثير من الصحابة. (2) المهراس: ماء بأحد وقيل: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء. (3) بدن: أسن وضعف وقيل: عظم بدنه وكثر لحمه. (4) سورة آل عمران الآية 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وكان الحسيل بن جابر، وهو اليمان والد حذيفة، وثابت بن وقش، شيخين كبيرين فاضلين، قد جعلا فى الآطام مع النساء والصبيان والهرمى؛ فقال أحدهما لصاحبه: ما بقى من أعمارنا إلا ظمء حمار «1» ، فلو أخذنا سيوفنا فلحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله تعالى يرزقنا الشهادة. ففعلا ذلك، ودخلا فى المسلمين؛ فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ، وقيل: إن متولى قتله كان عتبة بن مسعود، أخا عبد الله بن مسعود، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين. وكان مخيريق أحد بنى ثعلبة بن الفطيو؟؟؟ من اليهود، فدعا اليهود مخيريق إلى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق واجب. فقالوا له: إن اليوم السبت. فقال: لا سبت لكم. فأخذ سلاحه، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل، وأوصى أن يكون ما له لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء، فيقال: إن بعض صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من مال مخيريق. وكان الحارث بن سويد بن الصامت منافقا، فخرج يوم أحد مع المسلمين، فلما التقى المسلمون عدا على المجذر بن ذياد البلوى، وعلى قيس بن زيد أحد بنى ضبيعة، فقتلهما، وفر إلى الكفار، وكان المجذر فى الجاهلية قتل سويدا- والد الحارث المذكور. - فى بعض حروب الأوس والخزرج. ولحق الحارث بن سويد بمكة، فأقام هنالك، ثم إنه حينه الله «2» تبارك وتعالى فانصرف إلى قومه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء، فنهض عليه السلام إلى قباء فى وقت لم يكن يأتيهم فيه، فخرج إليه الأنصار أهل قباء،   (1) الظم: مقدار ما يكون بين الشربتين وأقصر الأظماء ظم الحمار وهذا المثل يضرب القرب الأجل. (2) حينه الله: أى كتب عليه الهلاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فى جملتهم الحارث بن سويد عليه ثوب مورس «1» فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة بأن يضرب عنق الحارث بن سويد. فقال الحارث: فيم يا رسول الله؟ فقال: فى قتلك المجذر بن ذياد يوم أحد غيلة. فما راجعه الحارث بكلمة، وضرب عويم عنقه، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلس. وقد روى أنه قال: يا رسول الله، والله ما قتلته شكا فى دينى، ولكنى لما رأيته لم أملك نفسى، إذ ذكرت أنه قاتل أبى. ثم مد عنقه وقتل. وكان عمرو بن ثابت بن وقش، من بنى عبد الأشهل، يعرف بالأصيرم- يأبى الإسلام. فلما كان يوم أحد، قذف الله تعالى فى قلبه الإسلام للذى أراد به من السعادة، فأسلم، وأخذ سيفه ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم. فقاتل، فأثبت بالجراح، ولم يعلم أحد بأمره؛ فلما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل فى القتلى يلتمسون قتلاهم، فوجدوه وبه رمق يسير، فقال بعضهم لبعض: والله إن هذا الأصيرم. فأجابه: لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر. ثم سألوه: يا عمرو، ما الذى أتى بك؟ أحدب على قومك أم رغبة فى الإسلام؟ فقال: بل رغبة فى الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابنى ما ترون. فمات من وقته؛ فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هو من أهل الجنة. قيل: وكان أبو هريرة إذا بلغه أمره يقول: ولم يصل لله قط. وكان فى بنى ظفر رجل أتى «2» لا يدرى ممن هو، يقال له قزمان، فأبلى يوم أحد بلاء شديدا، وقتل سبعة من وجوه المشركين، وأثبت جراحا، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، فقال: هو من أهل النار. فقيل لقزمان:   (1) المورس: الثوب المصبوغ بالورس وهو نبت أصفر يميل إلى الا حمرار. (2) الأتى: الغريب وأصل الأتى: السيل الذى يأتى من بلد إلى بلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أبشر بالجنة. فقال: بماذا أبشر؟ والله ما قاتلت إلا عن أحساب قومى. ثم لما اشتد عليه الألم أخرج مهما من كنانته، فقطع به بعض عروقه، فجرى دمه حتى مات. ومثل بقتلى المسلمين. وأخذ الناس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قريش، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدفنوا فى مضاجعهم، وأن لا يغسلوا، ويدفنوا بدمائهم وثيابهم. ذكر من استشهد من المسلمين يوم أحد حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله وحشى، غلام بنى نوفل بن عبد مناف وأعتق لذلك، رماه بحربة، فوقعت فى؟؟؟. ثم إن وحشيا أسلم، وقتل بتلك الحربة نفسها مسيلمة الكذاب يوم اليمامة. وعبد الله بن جحش حليف بنى أمية، وقيل: إنه دفن مع حمزة فى قبر واحد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يحفروا ويعمقوا، ويدفنوا الرجلين والثلاثة فى قبر واحد، ويقدموا أكثرهم قرآنا. وذكر سعد بن أبى وقاص قال: قعدت أنا وعبد الله بن جحش صبيحه يوم أحد نتمنى، فقلت: اللهم لقنى من المشركين رجلا عظيما كفره، شديدا حرده «1» ، فيقاتلنى فأقتله، قيل: فآخذ سلبه. فقال عبد الله بن جحش: اللهم لقنى من المشركين رجلا عظيما كفره، شديدا حرده، فأقاتله فيقتلنى، قيل: ويسلبنى ثم يجدع أنفى وأذنى، فإذا لقيتك فقلت: يا عبد الله بن جحش، فيم جدعت؟ قلت: فيك يا ربى. قال سعد: فو الله لقد رأيته آخر ذلك النهار وقد قتل، وإن أنفه وأذنه لفى خيط واحد بيد رجل من المشركين؛ وكان سعد يقول: كان عبد الله بن جحش خيرا منى.   (1) الحرد الشديد: الغضب والغيظ والحقد على الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ومصعب بن عمير، قتله ابن قميئة الليثى. وعثمان بن عثمان، وهو شماس بن عثمان المخزومى. ومن الأنصار، ثم من الأوس، ثم من بنى عبد الأشهل: عمرو بن معاذ بن النعمان، أخو سعد بن معاذ. والحارث بن أنس بن رافع. وعمارة بن زياد بن السكن. وسلمة وعمرو، ابنا ثابت بن وقش. وأبوهما: ثابت بن وقش. وأخوه: رفاعة بن وقش. وصيفى بن قيظى. وحباب بن قيظى. وعباد بن سهل. والحارث بن أوس بن معاذ، ابن أخى سعد بن معاذ. واليمان، وهو الحسيل بن جابر، والد حذيفة حليف لهم. ومن أهل رالج من بنى عبد الأشهل أيضا: إياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن الأعلم بن زعورا بن جشم. وعبيد بن التيهان. وحبيب بن زيد بن تيم. ومن بنى ظفر: يزيد، أو زيد، بن حاطب بن أمية بن رافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ومن بنى عمرو بن عوف، ثم من بنى ضبيعة بن زيد: أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد. وحنظلة الغسيل بن أبى عامر بن صيفى بن النعمان بن مالك. ومن بنى عبيدة بن زيد: أنبس بن قتادة. ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف: أبو حبة بن عمرو بن ثابت، أخو سعد بن خيثعة لأمه. وعبد الله بن جبير بن النعمان، أمير الرماة. ومن بنى السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس: خيثمة، والد سعد بن خيثمة. ومن حلفائهم من بنى العجلان: عبد الله بن سلمة. ومن بنى معاوية بن مالك: سبيع بن حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة. ومن بنى خطمة: عمير بن عدى، ولم يكن فى بنى خطمة يومئذ مسلم غيره. ومن بنى النجار، ثم من بنى سواد: عمرو بن قيس. وابنه: قيس بن عمرو بن قيس بن زيد بن سواد. وثابت بن عمرو بن زيد. وعامر بن مخلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ومن بنى مبذول بن مالك بن النجار: أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالك بن مبذول. وعمرو بن مطرف. ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار: أوس بن ثابت بن المنذر، أخو حسان بن ثابت. ومن بنى عدى بن النجار: أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار. وقيس بن مخلد، من بنى مازن بن النجار. وكيسان، عبد لهم. ومن بنى الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبى زهير. وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير- دفنا فى قبر واحد. وأوس بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب. وهو أخو زيد بن أرقم. ومن بنى الأبجر، وهم بنو خدرة: مالك بن سنان، والد أبى سعيد الخدرى. وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الأبجر. وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الأبجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج: ثعلبة بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج ابن ساعدة. وثقف بن فروة بن البدن. ومن بنى طريف رهط سعد بن عبادة: عبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف. وضمرة، حليف لهم من جهينة. ومن بنى عوف بن الخزرج، ثم من بنى سالم، ثم من بنى مالك بن العجلان بن يزيد بن غنم بن سالم: نوفل بن عبد الله. والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان. والنعمان بن مالك بن ثعلبة بن فهر بن غنم بن سالم. والمجذر بن ذياد البلوى، حليف لهم. وعبادة بن الحسحاس- دفن هؤلاء الثلاثة: النعمان والمجذر وعبادة- فى قبر واحد. ومن بنى سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر بن عبد الله، اصطبح الخمر فى صبيحة ذلك اليوم، ثم قتل من آخره شهيدا، وذلك قبل أن تحرم الخمر. وعمر بن الجموح بن زيد بن حرام- دفنا فى قبر واحد، وكانا صديقين جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وابنه خلاد بن عمرو بن الجموح. وأبو أيمن، مولى عمرو بن الجموح. ومن بنى سواد بن غنم: سليم بن عمرو بن حديدة. ومولاه: عنترة. وسهيل بن قيس بن أبى كعب. ومن بنى زريق بن عامر: ذكوان بن عبد قيس. وعبيد بن المعلى بن لوذان- فجميعهم خمسة وستون رجلا. وقد ذكر أيضا فى شهداء أحد من الأوس: مالك بن نميلة، حليف بنى معاوية بن مالك. ومن بنى خطمة، واسم خطمة: عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس: الحارث بن عدى بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة. ومن الخزرج، ثم من بنى سواد بن مالك: مالك بن إياس. ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار: إياس بن عدى. ومن بنى سالم بن عوف: عمرو بن إياس. فتموا سبعين، رضوان الله عليهم؛ ولم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد حين دفنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ذكر من قتل من كفار قريش يومئذ اثنان وعشرون رجلا فيهم من بنى عبد الدار: طلحة، وأبو سعيد، وعثمان، بنو أبى طلحة- واسم أبى طلحة: عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار. ومسافع، وجلاس، والحارث، وكلاب، بنو طلحة بن أبى طلحة المذكور. وأرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. وابن عمه: أبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. وابن عمهما: القاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. وصؤاب مولى أبى طلحة. ومن بنى أسد بن عبد العزى: عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد، قتله على. ومن بنى زهرة بن كلاب: أبو الحكم بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى، حليف لهم، قتله على. وسباع بن عبد العزى الخزاعى، حليف لهم. ومن بنى مخزوم: هشام بن أبى أمية بن المغيرة، أخو أم سلمة أم المؤمنين. والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة. وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة. وخالد بن الأعلم، حليف لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ومن بنى جمح: أبو عزة الشاعر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره يوم بدر، ثم من عليه وأطلقه بغير فداء، وأخذ عليه ألا يعين عليه، فنقض العهد، فأسر يوم أحد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه صبرا، وقال له: والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين. وأبى بن خلف- رجلان. ومن بنى عامر بن لؤى: عبيدة بن جابر. وشيبة بن مالك بن المضرب- رجلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 غزوة حمراء الأسد وكانت وقعة أحد يوم السبت، النصف من شوال من السنة الثالثة من الهجرة، فلما كان من الغد يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت لشوال، أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الطلب للعدو، وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يخرج معه أحد إلا من حضر المعركة يوم أحد فاستأذنه جابر بن عبد الله أن يفسح له فى الخروج معه، ففسح له فى ذلك. فخرج المسلمون على ما بهم من الجهد والجراح، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ومتجلدا، فبلغ حمراء الأسد، وهى على ثمانية أميال من المدينة، فأقام بها الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة. ومر برسول الله صلى الله عليه وسلم معبد بن أبى معبد الخزاعى، ثم طواه «1» ، ولقى أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء، فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلبهم، ففت ذلك فى أعضاد قريش، وقد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة، فكسرهم خروجه عليه السلام، فتمادوا إلى مكة، فظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خروجه بمعاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية، فأمر بضرب عنقه صبرا، وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مروان. بعث الرجيع وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نصف صفر، فى آخر تمام السنة الثالثة من الهجرة- نفر من عضل والقارة، وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، أخى بنى أسد بن خزيمة. فذكروا له صلى الله عليه وسلم أن فيهم إسلاما، ورغبوا أن يبعث نفرا من المسلمين يفقهونهم فى الدين، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم   (1) طواه: فاته وابتعد عنه وتركه فى طريقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ستة رجال من أصحابه: مرثد بن أبى مرثد الغنوى، وخالد بن البكير الليثى، وعاصم بن ثابت بن أبى الأقلح أحد بنى عمرو بن عوف بن الأوس، وخبيب ابن عدى أحد بنى جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدثنة أحد بنى بياضة بن عامر، وعبد الله بن طارق حليف بنى ظفر. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرثد بن أبى مرثد، ونهضوا مع القوم، حتى إذا صاروا بالرجيع، ماء لهذيل بناحية الحجاز بالهدأة، غدروا بهم، واستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم وهم فى رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف وقد غشوهم، فأخذ المسلمون سيوفهم ليقاتلوهم، فأمنوهم، وخبروهم أنهم لا أرب لهم فى قتلهم، وإنما يريدون أن يصيبوا بهم فداء من أهل مكة. فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فأبوا، وقالوا: والله لا قبلنا لمشترك عهدا أبدا. فقاتلوهم حتى قتلوا؛ وكان عاصم يكنى أبا سليمان وكان قد قتل يوم أحد فتيين من بنى عبد الدار، ابنين لسلافة ابنة سعد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها أن تشرب الخمر فى قحفه «1» ، فرأت بنو هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، فأرسل الله تعالى الدبر «2» فحمته، فقالت هذيل: إذا جاء الليل ذهب الدبر، فأرسل الله تعالى سيلا لم يدر سببه، فحمله قبل أن يقطعوا رأسه، فلم يصلوا إليه، وكان قد نذر أن لا يمس مشركا أبدا، فأبر الله تعالى قسمه بعد موته، رضوان الله عليه. وأما زيد الدثنة، وخبيب بن عدى، وعبد الله بن طارق فأعطوا بأيديهم «3» فأسروا، وخرجوا بهم إلى مكة، فلما صاروا بمر الظهران انتزع   (1) القحف- بكسر القاف- العظم الذى فوق الدماغ، وهو النصف الأعلى من الجمجمة. (2) الدبر- بفتح الدال المشددة- اسم لجماعة النحل والزنابير. (3) أعطوا بأيديهم: صدقوا المشركين وانقادوا معهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 عبد الله بن طارق يده من القرآن، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم، ورموه بالحجارة حتى مات، رضوان الله عليه، فقبره بمر الظهران. وحملوا خبيب بن عدى وزيد بن الدثنة، فباعوهما بمكة، فصلب خبيب بالتنعيم، رضوان الله عليهم؛ وهو القائل إذ قرب ليصلب: ولست أبالى حين أقتل مسلما ... على أى شق كان فى الله مضجعى وذلك فى ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع وهو أول من سن الركعتين عند القتل. وابتاع زيد بن الدثنة صفوان بن أمية، فقتله بأبيه، رضوان الله على زيد. وقال أبو سفيان لحبيب أو لزيد: يسرك أن محمدا مكانك يضرب عنقه وأنك فى أهلك؟ فقال: والله ما يسرنى أنى فى أهلى وأن محمدا فى مكانه الذى هو فيه يصيبه شوكة تؤذيه. بعث بئر معونة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقية شوال، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، ثم بعث أصحاب بئر معونة فى صفر، فى آخر تمام السنة الثالثة من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد. وكان سبب ذلك أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة، وهو ملاعب الأسنة، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد، لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك، لرجوت أن يستجيبوا لك. فقال صلى الله عليه وسلم: إنى أخشى عليهم أهل نجد. فقال أبو براء: أنا جارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو، أحد بنى ساعدة، وهو الذى يلقب: المعنق ليموت، فى أربعين رجلا من المسلمين، وقد قيل فى سبعين من خيار المسلمين، منهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان- أخو أم سليم، وهو خال أنس بن مالك- وعروة بن أسماء بن الصلت السلمى ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى، وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصديق وغيرهم؛ فنهضوا فنزلوا بئر معونة، وهى بين أرض بنى عامر وحرة بنى سليم، ثم يعثوا منها حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، عامر بن الطفيل. فلما أتاه لم ينظر فى كتابه، ثم عدا عليه فقتله، ثم استنهض إلى قتال الباقين بنى عامر، فأبوا أن يجيبوه، لأن أبا براء أجارهم، فاستغاث عليهم بنى سليم، فنهضت معه عصية ورعل وذكوان، وهم قبائل من بنى سليم، فأحاطوا بهم، فقاتلوا، فقتلوا كلهم رضوان الله عليهم، إلا كعب بن زيد أخا بنى دينار بن النجار، فإنه ترك فى القتلى وفيه رمق، فارتث «1» من القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق رضوان الله عليه. وكان عمرو بن أمية فى سرح المسلمين، ومعه المنذر بن محمد بن عقبة ابن أحيحة بن الجلاح، فنظر إلى الطير تحوم على العسكر، فنهضا إلى ناحية أصحابها، فإذا الطير تحوم على القتلى، والخيل التى أصابتهم لم تزل بعد؛ فقال المنذر بن محمد لعمرو بن أمية: فما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر. فقال الأنصارى: ما كنت لأرغب بنفسى عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو. فقاتل حتى قتل، وأخذ عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر، جز ناصيته عامر بن الطفيل، وأطلقه عن رقبة كانت على أمه. وذلك لعشرين بقين من صفر مع الرجيع فى شهر واحد.   (1) ارتث: رفع وبه جراح وتقول: ارتث الرجل إذا رفع من المعركة وفيه بقية حياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فرجع عمرو بن أمية، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بنى كلاب، وقيل من بنى سليم، حتى نزل مع عمرو بن أمية فى ظل كان فيه، وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو، فسألهما: من أنتما؟ فانتسبا له، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه أصاب ثأرا من قتله أصحابه. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد قتلت قتيلين لأدينهما. وهذا سبب غزوة بنى النضير . غزوة بنى النضير ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى بنى النضير، مستعينا بهم فى دية ذينك القتلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية، فلما كلمهم قالوا: نعم. فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبى بكر وعمر وعلى ونفر من أصحابه إلى جدار من جدرهم. فاجتمع بنو النضير، وقالوا: من رجل يصعد على ظهر البيت، فيلقى على محمد صخرة، فيقتله، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش ابن كعب؛ فأوحى الله تعالى بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام ولم يشعر بذلك أحدا من أصحابه ممن معه. فلما استلبثه أصحابه «1» رضى الله عنهم قاموا فرجعوا إلى المدينة، وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم بما أوحى الله تعالى إليه مما أرادته اليهود، وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. ونهض إلى بنى النضير فى أول السنة الرابعة من الهجرة، فحاصرهم ست ليال، وحينئذ نزل تحريم الخمر. فتحصنوا منه فى الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل وإحراقها، ودس عبد الله بن أبى بن سلول ومن معه من المنافقين إلى بنى النضير: إنا معكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم،   (1) استلبثه أصحابه: أى استبطأه أصحابه لأنه غاب عنهم بعد أن استأذن منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وإن أخرجتم خرجنا معكم، فاغتروا بذلك. فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح. فاحتملوا بذلك إلى خيبر. ومنهم من صار إلى الشام، وكان ممن سار معهم إلى خيبر أكابرهم: حيى بن أخطب وسلام بن أبى الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق؛ فدانت لهم خيبر. فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بنى النضير بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطى منها أبا دجابة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، وكانا فقيرين. ولم يسلم من بنى النضير إلا رجلان: يامين بن عمير بن كعب بن عمرو ابن جحاش، وأبو سعد بن وهد- أسلما، فأحرزا أموالهما، وذكر أن يامين بن عمير جعل جعلا لمن قتل ابن عمه عمرو بن جحاش لما هم به فى رسول صلى الله عليه وسلم. وفى قصة بنى النضير نزلت سورة الحشر. غزوة ذات الرقاع ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بنى النضير بالمدينة شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى، فى صدر السنة الرابعة بعد الهجرة. ثم غزا نجدا، يريد بنى محارب وبنى ثعلبة بن سعد بن غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفارى، أو عثمان بن عفان، ونهض حتى نزل نخلا. وإنما سميت هذه الغزوة ذات الرقاع لأن أقدامهم رضى الله عنهم نقبت «1» ، وكانوا يلفون عليها الخرق، فلذلك سميت ذات الرقاع.   (1) نقبت الأقدام: أى رقت منها الجلود ولفوا عليها رقاعا من قماش ومنها جاءت اللسمية غزوة ذات الرقاع كما قال أبو موسى الأشعرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فلقى صلى الله عليه وسلم بنخل جمعا من غطفان، فتواقفوا، إلا أنه لم يكن حرب، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف. وفى انصرافهم من تلك الغزوة أبطا جمل جابر، فنخسه عليه السلام، فانطلق متقدما للركاب، وابتاعه منه عليه السلام، ثم رده عليه ووهبه الثمن وزيادة قيراط، فلم يزل عند جابر متبركا به، حتى أخذه أهل الشام فى جملة ما انتهبوه بالمدينة يوم الحرة. وفى هذه الغزوة أيضا أتى رجل من بنى محارب بن خصفة، اسمه غورث ابن الحارث، فأخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزه، وقال: يا محمد من يمنعك منى؟ قال: الله. فرد غورث السيف مكانه، فنزل فى ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ «1» . وفى هذه الغزوة رمى رجل من المشركين رجلا من الأنصار كان ربيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجرحه وهو يقرأ سورة من القرآن، فتمادى فى القراءة ولم يقطعها لما أصابه. غزوة بدر الثالثة وكان أبو سفيان يوم أحد نادى: موعدنا وإياكم بدر فى عامنا المستقبل. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم؛ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم: منصرفه من ذات الرقاع بالمدينة، بقية جمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجبا، ثم خرج فى شعبان من السنة الرابعة للميعاد المذكور. فاستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول، ونزل فى بدر، فأقام هنالك   (1) سورة المائدة الآية 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ثمان ليال. وخرج أبو سفيان فى أهل مكة، حتى نزل مجنة من ناحية الظهران، وقيل: بلغ عسفان، ثم بدا لهم فى الرجوع، واعتذر بأن العام عام جدب. غزوة دومة الجندل وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام بها إلى أن انسلخ ذو الحجة من السنة الرابعة من الهجرة، ثم غزا عليه السلام إلى دومة الجندل فى شهر ربيع الأول، ابتداء العام الخامس من الهجرة، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة. وانصرف عليه السلام من طريقه قبل أن يبلغ دومة الجندل، ولم يلق حربا. غزوة الخندق ثم كانت غزوة الخندق فى شوال من السنة الخامسة من الهجرة، هكذا قال أصحاب المغازى؛ والثابت أنها فى الرابعة بلا شك، لحديث ابن عمر: «عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردنى، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازنى» . فصح أنه لم يكن بينهما إلا سنة واحدة فقط، وأنها قبل دومة الجندل بلا شك. وسببها: أن نفرا من اليهود، منهم سلام بن أبى الحقيق، وكنانة ابن الربيع بن أبى الحقيق، وسلام بن مشكم- النضريون، وهوذة بن قيس، وأبو عمار- الوائليان. وهم حزبوا الأحزاب: خرجوا فأتوا مكة داعين إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواعدين من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك؛ ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان، فدعوهم إلى مثل ذلك، فأجابوهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى على بنى فزارة، والحارث ابن عوف بن أبى حارثة المرى فى بنى مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة ابن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من أشجع. فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الخندق على المدينة، فعمل فيه صلى الله عليه وسلم بيده، فتم الخندق؛ وكانت فيه معجزات، منها: أن كدية صخر «1» عرضت فى الخندق كلت المعاول عنها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا ونضح عليها ماء، فانهالت كالكثيب «2» ؛ وأطعم النفر العظيم من تمر يسير، إلى غير ذلك. وأقبلت الأحزاب حتى نزلت بمجتمع السيول من رومة، بين الجرف وزغابة، فى عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من كنانة وغيرهم. ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى، إلى جانب أحد. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة آلاف من المسلمين، وقد قيل: فى تسعمائة فقط، وهو الصحيح الذى لا شك فيه، والأول وهم؛ حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، فنزلوا هنالك والخندق بينهم. واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأمر بالنساء والذرارى فجعلوا فى الآطام. وكان كعب بن أسد رئيس بنى قريظة موادعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه حيى بن أخطب، فلم يزل به، وكعب يأبى عليه، حتى أثر فيه، ونقض كعب عهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومال مع حيى.   (1) كدية صخر: هى الصخرة العظيمة. (2) انهالت: تفتت وسقطت. الكثيب ما تجرف من الرمل وانزاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذ بلغه الأمر- سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وهما سيدا الأوس والخزرج، وخوات بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف، وعبد الله بن رواحة أخا بنى الحارث بن الخزرج، ليعرفوا الأمر، فلما بلغوا بنى قريظة وجدوهم مكاشفين بالغدر، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاتمهم سعد بن معاذ، وانصرفوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرهم إن وجدوا غدر بنى قريظة حقا أن يعرضوا له الخبر ولا يصرحوا، فأتوا فقالوا: عضل والقارة؛ تذكيرا بغدر القارة بأصحاب الرجيع. فعظم الأمر، وأحيط بالمسلمين من كل جهة؛ واستأذن بعض بنى حارثة فقالوا: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة وخارجة عن المدينة، فأذن لنا نرجع إلى ديارنا. وهم أيضا بالفشل بنو سلمة، ثم ثبت الله كلتا الطائفتين، ورحم القبيلتين؛ وبقى المشركون محاصرين للمسلمين نحو شهر، ولم يكن بينهم حرب، إلى أن أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن بن حذيفة، والحارث بن عوف بن أبى حارثة، رئيسى عطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، وجرت المراوضة «1» فى ذلك، ولم يتم الأمر، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله، أشىء أمرك الله به فلا بد لنا منه؟ أم شىء تحبه فنصنعه، أم شىء تصنعه لنا؟ قال: بل شىء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أنى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطيقون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا، فحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام،   (1) المراوضة: المساومة والمجاذبة، والمراوضة فى البيع: أن تواضف الرجل بالسلعة ليست عندك، ويسمى بيع المواصفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وهدانا له، وأعزنا بك وبه- نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف. فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، وتمادوا على حالهم. ثم إن فوارس من قريش، منهم: عمرو بن عبدود، أخو بنى عامر بن لؤى، وعكرمة بن أبى جهل، وهبيرة بن أبى وهب المخزوميان، وضرار ابن الخطاب أخو بنى محارب بن فهر، خرجوا على خيلهم. فلما وقفوا على الخندق، قالوا: هذه مكيدة والله ما كانت تعرفها العرب. وقد قيل: إن سلمان أشار به. ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه وجاوزوه، وجالت بهم خيلهم فى السبخة بين الخندق وسلع، ودعوا إلى إلى البراز، فبارز على بن أبى طالب عمرا فقتله، وخرج الباقون من حيث دخلوا، فعادوا إلى قومهم. وكان شعار المسلمين يوم الخندق: «حم، لا ينصرون» . وكانت عائشة أم المؤمنين مع أم سعد بن معاذ فى حصن بنى حارثة، وكان من أحصن حصن بالمدينة. وكانت صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فارع، أطم حسان بن ثابت، وكان حسان بن ثابت فيه مع النساء والصبيان. ورمى فى بعض تلك الأيام سعد بن معاذ بسهم قطع منه الأكحل، ورماه حبان بن قيس بن العرقة، وقد قيل: بل رماه أبو أسامة الجشمى حليف بنى مخزوم، وقيل: إن سعدا دعا- إذ أصيب رضوان الله عليه- فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها، فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لى شهادة، ولا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ولما اشتدت الحال وصعب الأمر أتى نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف ابن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم؛ فقال: يا رسول الله، إنى قد أسلمت، وإن قومى لم يعلموا بإسلامى، فمرنى بما شئت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة. فخرج نعيم فأتى بنى قريظة، وكان ينادمهم فى الجاهلية، فقال: يا بنى قريظة، قد عرفتم ودى إياكم، وخاصة ما بيننا وبينكم. قالوا: صدقت فقال: إن قريشا وغطفان ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، ولا تقدرون عن التحول عنه، وقريش وغطفان ليسوا كذلك ولا مثلكم، إن رأوا ما يسرهم وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم؛ ولا طاقة لكم بمحمد إن تركتم معه، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا. فقالوا: لقد أشرت بالرأى. ثم نهض إلى قريش، فقال لأبى سفيان: قد عرفتم صداقتى لكم، وبلغنى أمر لزمنى أن أعرفكموه، فاكتموا عنى. قالوا: وما هو؟ قال: اعلموا أن اليهود قد ندموا على ما فسخوا من عهد محمد، وقد أرسلوا إليه أن يأخذوا منكم رهنا يدفعونه إلى محمد، ويرجعون معه عليكم. فشكرته قريش على ذلك. ثم نهض حتى أتى غطفان فقال لهم مثل ما قال لقريش. فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة أربع أرسل أبو سفيان وغطفان إلى بنى قريظة: إنا لسنا بدار مقام، فاغدوا للقتال فأرسل اليهود إليهم: إن اليوم يوم سبت، ومع ذلك لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا. فردوا إليهم الرسول: والله لا نعطيكم فاخرجوا معنا. فقال بنو قريظة: صدق والله نعيم. فلما رجع الرسل إليهم بذلك قالوا: صدقنا والله نعيم. فأبوا من القتال معهم، وأرسل الله تعالى عليهم ريحا عظيمة كفأت قدورهم وآنيتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم حذيفة من اليمان عينا، فأتاه بخبر رحيلهم ورحلت قريش وغطفان. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب، رجع عن الخندق إلى المدينة، ووضع المسلمون سلاحهم، فأتاه جبريل عن الله تعالى بالنهوض إلى بنى قريظة، وذلك بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم. ورأى قوم من المسلمين يومئذ جبريل عليه السلام فى صورة دحية الكليى على بغلة عليها قطيفة ديباج، ثم مر عليهم دحية بعد ذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يصلى أحد العصر إلا فى بنى قريظة: ونهض المسلمون، فوافاهم وقت العصر فى الطريق، فقال بعض المسلمين: نصلى، ولم نؤمر بتأخيرها عن وقتها. وقال آخرون: لا نصليها إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصليها. فذكر أن بعضهم لم يصلوا العصر إلا ليلا؛ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعنف من الطائفتين أحدا. أما التعنيف فإنما يقع على العاصى المتعمد المعصية وهو يعلم أنها معصية؛ وأما من تأول قصدا للخير، فهو- وإن لم يصادف الحق- غير معنف؛ وعلم الله تعالى أننا لو كنا هناك ما صلينا العصر فى ذلك اليوم إلا فى بنى قريظة ولو بعد أيام؛ ولا فرق بين نقله صلى الله عليه وسلم صلاة فى ذلك اليوم إلى موضع بنى قريظة، وبين نقله صلاة المغرب ليلة مز دلفة، وصلاة العصر من يوم عرفة إلى وقت الظهر، والطاعة فى ذلك واجبة. رجع الخبر: فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية على بن أبى طالب رضى الله عنه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ونازل رسول الله صلى الله عليه وسلم حصونهم، فأسمعوا المسلمين سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له بألا يدنو منهم من أجل ما سمع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا. فلما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم أمسكوا عما كانوا يقولون. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بئر من آبارهم يقال لها «بئر أنا» وقيل «بئر أنى» ، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة، وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد ثلاث خصال، وهى: إما الإسلام؛ وإما قتل ذراريهم ونسائهم ثم القتال حتى يموتوا؛ وإما تبيت النبى صلى الله عليه وسلم ليلة السبت- ظنا منه أن المسلمين قد أمنوا منهم. وأبو كل ذلك، وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر- أخا بنى عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس- فأرسله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما أتاهم اجتمع إليه رجالهم والنساء والصبيان، فقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. وأشار إليهم أنه الذبح. ثم ندم أبو لبابة من وقته وعلم أنه قد أذنب، فانطلق على وجهه ولم يرجع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فكتف نفسه إلى عمود من أعمدة المسجد، وقال: لا أبرح مكانى هذا حتى يتوب الله عز وجل على. وعاهد الله تعالى ألا يدخل أرض بنى قريظة أبدا، ولا يكون بأرض خان الله ورسوله فيها وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو أتانى لا ستغفرت له، فأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذى أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه. فنزلت التوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمر لبابة «1» ، فتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاقه بيده، وقيل: إنه رضوان الله تعالى عليه أقام مرتبطا بالجذع ست ليال لا يحل إلا للصلاة. ونزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، إذ حكم فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأسلم ليلة نزولهم ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من هدل، من بنى عم قريظة والنضير.   (1) والآية التى تيب فيها على أبى لبابة هى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة التوبة الآية 102) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وخرج فى تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظى، وكان قد أبى من الدخول معهم فى نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجا، ولم يعلم أين وقع. فلما نزلت بنو قريظة على حكمه، صلى الله عليه وسلم، قالت الأوس: يا رسول الله، قد فعلت فى بنى قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذاك إلى سعد بن معاذ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ فى خيمة فى المسجد، تسكنها رفيدة الأسلمية- وكانت امرأة صالحة تقوم على المرضى، وتداوى الجرحى- ليعوده النبى صلى الله عليه وسلم من قريب. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد ليؤتى به فيحكم فى بنى قريظة، فأتى به على حمار، وقد وطئ له بوسادة أدم، وأحاط به قومه، وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن فى مواليك. فقال لهم سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه فى الله لومة لائم. فرجع بعض من معه إلى ديار بنى عبد الأشهل، فنعى إليهم رجال بنى قريظة، فلما أظل سعد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للمسلمين: قوموا إلى سيدكم. فقام المسلمون، فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم. فقال: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من هاهنا- فى الناحية التى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال سعد: إنى أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذرارى والنساء. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة «1»   (1) الأرقعة هنا هى السموات السبع واحدها رقيع وسميت بذلك لأن بعضها يرفع بعضا. وقال بعضهم الرقيع السماء الدنيا لا غير، وكأنها رقعت بالنجوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع سوق المدينة اليوم، فخندق بها خنادق، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت أعناقهم فى تلك الخنادق. وقتل يومئذ حيى بن أخطب والد أم المؤمنين صفية، وكعب بن أسد، وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة. وقتل من نسائهم امرأة واحدة، وهى بنانة امرأة الحكم القرظى، التى طرحت الرحى على خلاد بن سويد بن الصامت فقتلته، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت، وترك من لم ينبت. ووهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا، فاستحياهم، منهم عبد الرحمن بن الزبير، أسلم وله صحبة. ووهب أيضا صلى الله عليه وسلم رفاعة بن شمويل القرظى لأم المنذر سلمى بنت ليس من بنى النجار، وكانت قد صلت القبلتين، فأسلم رفاعة وله صحبة، وكان ممن لم ينبت. واستحيا عطية القرظى، وله صحبة. وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بنى قريظة، فأسهم للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهما، وكان الخيل يومئذ فى المسلمين ستة وثلاثين فرسا. ووقع للنبى صلى الله عليه وسلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة، إحدى نساء بنى عمرو بن قريظة، فلم تزل فى ملكه حتى مات صلى الله عليه وسلم. فكان فتح بنى قريظة فى آخر ذى القعدة متصلا بأول ذى الحجة فى السنة الرابعة من الهجرة. فلما تم أمر بنى قريظة أجيبت دعوة الرجل الصالح: سعد بن معاذ رضوان الله عليه، فانفجر عرقه فمات. وهو الذى اهتز عرش الرخمن لموته يعنى سرور حملة العرش بروحه، رضى الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ذكر من استشهد يوم الخندق ويوم بنى قريظة ذكرنا هما معا لأنهما متصلان، لم يكن بينهما فصل. أصيب يوم الخندق: سعد بن معاذ من بنى عبد الأشهل. وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو. وعبد الله بن سهل- كلاهما من بنى عبد الأشهل. ومن بنى سلمة بن الخزرج: الطفيل بن النعمان وثعلبة بن عنمة. ومن بنى دينار بن النجار بن الخزرج: كعب بن زيد، أصابه سهم غرب فقتله «1» . وأصيب من المشركين يوم الخندق: من بنى عبد الدار: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم مات منه بمكة. وقيل: بل هو عثمان بن منبه بن السباق.. ومن بنى مخزوم بن يقظة: نوفل بن عبد الله بن المغيرة، اقتحم الخندق فقتل فيه   (1) سهم غرب: أى لا يعرف من رمى بهذا السهم ولا من أين جاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ومن بنى عامر بن لؤى: عمرو بن عبدود. وابنه: حسل بن عمرو، من بنى عامر بن لؤى. واستشهد يوم بنى قريظة من المسلمين: خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو، من بنى الحارث بن الخزرج، طرحت عليه امرأة من بنى قريظة رحى فقتلته. ومات فى الحصار: أبو سنان بن محصن بن حرثان الأسدى، أخو عكاشة ابن محصن، فدفنه النبى صلى الله عليه وسلم فى مقبرة بنى قريظة التى يتدافن فيها المسلمون السكان بها إلى اليوم. ولم يصب غير هذين. ولم يغز كفار قريش المسلمين بعد الخندق، والحمد لله رب العالمين. بعث عبد الله بن أبى عتيك إلى قتل سلام ابن أبى الحقيق، وهو أبو رافع ولما فتح الله تعالى فى الكافر كعب بن الأشرف على يدى رجال من الأوس، رغبت الخزرج فى مثل ذلك تزيدا فى الأجر والغناء فى الإسلام؛ فتذكروا أن سلام بن أبى الحقيق من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على مثل حال كعب بن الأشرف، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قتله، فأذن لهم. فخرج إليه خمسة نفر من الخزرج، كلهم من بنى سلمة: وهم: عبد الله ابن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعى، ومسعود بن سنان، وخزاعى بن الأسود، حليف لهم من المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان. فنهضوا حتى أتوا خيبر ليلا، وكان سلام ساكنا فى دار مع جماعة، وهو فى علية منها، فتسوروا الدار، ولم يدعوا بابا من أبوابها إلا استوثقوا منه من خارج، ثم أتو العلية التى هو فيها، فاستأذنوا عليه، فقالت امرأته: من أنتم؟ فقالوا: أناس من العرب فقالت: هذا كم صاحبكم فأدخلوا. فلما دخلوا أغلقوا الباب على أنفسهم، فأيقنت بالشر وصاحت، فهموا بقتلها، ثم ذكروا نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء، فأمسكوا عنها؛ ثم تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه، أبيض فى سواد الليل كأنه قبطية «1» ، ووضع عبد الله بن عيتك سيفه فى بطنه حتى أنفذه، وعدو الله يقول: قطنى قطنى «2» . ثم نزلوا. وكان عبد الله بن عتيك سيئ البصر، فوقع فوثئت رجله وثئا شديدا، فحمله أصحابه حتى أتوا منهرا من مناهرهم «3» ، فدخلوا فيه واستتروا. وخرج أهل الآطام، وأوقدوا النيران فى كل وجه، فلما يئسوا رجعوا، فقال المسلمون: كيف لنا وأن نعلم أن عدو الله قد مات؟ فرجع أحدهم، ودخل بين الناس، ثم رجع إلى أصحابه فذكر لهم أنه وقف مع الجماعة، وأنه سمع امرأته تقول: والله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسى وقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد! ثم إنها نظرت فى وجهه فقالت: فاظ وإله يهود. قال: فسررت، وانصرف إلى أصحابه فأخبرهم بهلاكه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه وتداعوا فى قتله، فقال صلى الله عليه وسلم: هاتوا سيوفكم. فأروه إياها، فقال عن سيف عبد الله بن أنيس: هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام.   (1) القبطية: ثياب من كتان منسوبة إلى القبط وتجمع على قباطى. (2) قطنى قطنى: أى حسبى وكفانى هذا والنون هنا للوقاية حتى ينطق بسكون الطاء. (3) المنهر: الشق فى الحصين وهو شق نافذ يخرج منه الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 غزوة بنى لحيان وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح بنى قريظة بقية ذى الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا الأول، وربيعا الآخر، وجمادى الأولى، ثم خرج- وهو الشهر السادس من فتح بنى قريظة، فى الشهر الثالث من السنة السادسة من الهجرة، كذا قالوا، والصحيح: أنها السنة الخامسة- قاصدا إلى بنى لحيان، مطالبا بثأر عاصم بن ثابت وخبيب بن عدى وأصحابهما، المقتولين بالرجيع، وذلك إثر رجوعه من دومة الجندل. فسلك صلى الله عليه وسلم على غراب، جبل بناحية المدينة على طريق الشام- إلى مخيض، ثم إلى البتراء، ثم أخذ ذات اليسار فخرج على يين «1» ، ثم على صخيرات اليمام، ثم أخذ المحجة من طريق مكة، فأغذ السير حتى نزل غران، وهو واد بين أمج وعسفان، وهى منازل بنى لحيان، إلى أرض يقال لها: ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا فى رءوس الجبال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذ فاته غرتهم- فى مائتى راكب من أصحابه، حتى نزل عسفان، وبعث عليه السلام رجلين من أصحابه فارسين، حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرا، ورجع عليه السلام قافلا إلى المدينة. غزوة ذى قرد وفى غزوة بنى لحيان قالت الأنصار: إن المدينة خالية منا، وقد بعدنا عنها، ولا نأمن عدونا يخالفنا إليها، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على كل نقب من أنقابها ملكا يحميها بأمر الله عز وجل. ثم قفل حينئذ، فما هو إلا أن نزل المسلمون المدينة وبقوا ليالى، وأغار عليهم عيينة بن حصن فى بنى عبد الله بن غطفان، فاكتسوا لقاحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها رجل من بنى غفار وامرأة، فقتلوا الغفارى، وحملوا المرأة واللقاح.   (1) اليين: اسم مكان وهو واد فيه عين قرب المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وكان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمى، وكان ناهضا إلى الغابة، فلما علا ثنية الوداع نظر إلى خيل الكفار، فصاح، فأنذر المسلمين، ثم نهض فى آثارهم، فأبلى بلاء عظيما، ورماهم بالنبل حتى استنقذ ما كان بأيديهم. فلما وقعت الصيحة بالمدينة، فكان أول من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن الأسود، ثم عباد بن بشر بن وقش من بنى عبد الأشهل، وسعد بن زيد من بنى عبد الأشهل، وأسيد بن ظهير أخو بنى حارثة، وعكاشة بن محصن الأسدى. ومحرز بن نضلة الأسدى الأخرم، وأبو قتادة الحارث بن ربعى أخو بنى سلمة، وأبو عياش بن زيد بن الصامت أخو بنى زريق. فلما اجتمعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم سعد بن زيد وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبى عياش معاذ بن ماعص، أو عائذ بن ماعص، وكان أحكم للفروسية من أبى عياش. وأول من لحق بهم: فمحرز ابن نضلة الأخرم، فقتل رضى الله عنه، وكان على فرس لمحمود بن مسلمة من بنى عبد الأشهل، أخذه إذ كان صاحبه غائبا، فلما قتل رجع الفرس إلى آريه «1» فى بنى عبد الأشهل؛ وقيل: قتله عبد الرحمن بن عيينة بن حصن، فركب فرسه، ثم قتل سلمة عبد الرحمن، واسترجع الفرس. وكان اسم فرس المقداد: سبحة، وقيل: بعزجة، وفرس معاذ بن وقش: لماع؛ وفرس عكاشة بن محصن: ذو اللمة؛ وفرس سعد بن زيد: لاحق؛ وفرس أبى قتادة: جروة؛ وفرس أسيد بن ظهير: مسنون؛ وفرس أبى عياش؛ جلوه؛ والفرس الذى ركب الأخرم: الجناح.   (1) رجع الفرس إلى آريه: رجع إلى مكانه الذى كان يربط به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وولى المشركين منهزمين، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء يقال له ذو القرد، ونحر ناقة من لقاحة المسترجعة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ويوما، ثم رجع إلى المدينة. وأقبلت امرأة الغفارى على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتت المدينة نذرت أن تنحرها، فأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا نذر فى معصية، ولا لأحد فيما لا يملك، وأخذ عليه السلام ناقته. غزوة بنى المصطلق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة، ورجبا. وباقى العام، ثم غزا بنى المصطلق من خزاعة فى شعبان من السنة السادسة من الهجرة واستعمل على المدينة أبا ذر الغفارى، وقيل: بل نميله بن عبد الله الليثى، وأغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق، وهم غارون، على ماء يقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فقيل من قتل منهم، وسبى النساء والذرية. ومن ذلك السبى كانت جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار سيد بنى المصطلق فوقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها. وأصيب فى هذه الغزوة هشام بن صبابة الليثى، من بنى ليث بن بكر ابن عبد مناة بن كنانة. أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت خطأ، وهو يظنه من العدو. وفى رجوع رسول صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة قال عبد الله بن أبى بن سلول: «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» ، وذلك لشر وقع لبنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 جهجاه بن مسعود «1» الغفارى أجير عمر بن الخطاب، وبين سنان بن وبر الجهنى، حليف بنى عوف بن الخزرج، فنادى الغفارى: يا للمهاجرين. ونادى الجهنى: يا للأنصار وبلغ زيد بن أرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة عبد الله ابن أبى. فنزل فى ذلك من عند الله تعالى سورة المنافقين. وتبرأ عبد الله بن عبد الله بن أبى من أبيه، وأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله، أنت والله الأعز وهو الأذل، والله إن شئت لتخرجنه يا رسول الله. ووقف لأبيه قرب المدينة، فقال: والله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدخول فتدخل حينئذ. وقال أيضا عبد الله بن عبد الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، بلغنى أنك تريد قتل أبى، وإنى أخشى إن أمرت بذلك غيرى لا تدعنى نفسى أرى قاتل أبى يمشى على الأرض، فأقتله به، فأدخل النار إذا قتلت مسلما بكافر، وقد علمت الأنصار أنى من أبرها بأبيه، ولكن، يا رسول الله، إذا أردت قتلة فمرنى بذلك، فأنا والله أحمل إليك رأسه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، وأخبره أنه لا يسىء إلى أبيه. وقد من مكة مقيس بن صبابة، مظهرا الإسلام، وطالبا دية أخيه هشام بن صبابة، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فأخذها، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، وفر إلى مكة كافرا. وهو الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة، فى جملة من أمر بقتله. وكان شعار المسلمين يوم بنى المصطلق: أمت أمت.   (1) فى الأصل: «ذر» ؛ والتصحيح عن ابن هشام 3، 303، والاستيعاب؛ ويقال فيه أيضا: ابن سعيد؛ انظر طبقات ابن سعد 102: 46 والاستيعاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ولما علم المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية أعتقوا كل ما كان فى أيديهم من بنى المصطلق، كرامة لمصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد أطلق بسببها مائة أهل بيت من قومها. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بنى المصطلق بعد إسلامهم بأزيد من عامين: الوليد بن عقبة بن أبى معيط مصدقا «1» ، فخرجوا ليتلقوه، ففزع، فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم هموا بقتله، فتكلم الناس فى غزوهم، ثم أتى وافدهم منكرا لرجوع مصدقهم، قبل أن يلقاهم، معرفين أنهم إنما خرجوا متلقين له مكرمين لوروده، فنزلت فى ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ «2» وفى مرجع الناس من غزوة بنى المصطلق قال أهل الإفك ما قالوا، وأنزل الله تعالى فى ذلك براءة عائشة أم المؤمنين رضوان الله عليها ما أنزل «3» . وقد روينا من طرق صحاح: أن سعد بن معاذ كانت له فى شىء من ذلك مراجعة مع سعد بن عبادة، وهذا عندنا وهم، لأن سعد بن معاذ مات إثر فتح قريظة، بلا شك، وفتح بنى قريظة فى آخر ذى القعدة من السنة الرابعة من الهجرة، وغزوة بنى المصطلق فى شعبان من السنة السادسة، بعد سنة وثمانية أشهر من موت سعد، وكانت المقاولة بين الرجلين المذكورين بعد الرجوع من غزوة بنى المصطلق بأزيد من خمسين ليلة. وذكر ابن إسحاق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله وغيره: أن المقاول لسعد بن عبادة إنما كان أسيد بن الحضير. وهذا هو الصحيح، والوهم لم يعر منه أحد من بنى آدم، إلا من عصم الله تعالى.   (1) المصدق: العامل الذى يعين لجمع الزكاة من أصحابها. (2) ورة الحجرات الآية 6. (3) راجع الآيات 11- 15 من سورة النور وفيها براءة أم المؤمنين عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 غزوة الحديبية فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، بعد منصرفه من غزوة بنى المصطلق، رمضان، وشوالا، وخرج فى السنة السادسة فى ذى القعدة معتمرا، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة، فأبطأ عنه أكثرهم، وخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب، وساق الهددى، وأحرم بالعمرة من ذى الحليفة، ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب، وخرج فى ألف رجل ونيف، المكثر يقول: ألف وخمسمائة لا تزيد أصلا؛ والمقلل: ألف وثلاثمائة؛ والمتوسط يقول: ألف وأربعمائه. وقد قال بعضهم: كانوا سبعمائة، وهذا وهم شديد البتة، والصحيح بلا شك بين الألف والثلاثمائة إلى ألف وخمسمائة. فلما بلغ قريشا ذلك خرج حمها «1» عازمين على صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، أو قتاله دون ذلك. وقدموا خالد بن الوليد فى خيل إلى كراع الغميم. فورد الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعسفان، فسلك طريقا خرج منه فى ظهورهم، كان دليلهم فيه رجل من أسلم، وذلك ذات اليمين بين ظهرى الحمض، فى طريق أخرجه على ثنية المرار، مهبط الحديبية من أسفل مكة، فلما بلغ ذلك قريشا التى مع خالد، كرت إلى قريش، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان الذى ذكرنا بالحديبية، بركت ناقته، فقال الناس: خلأت «2» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعونى قريش اليوم إلى خطة بسألونى فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك، فقيل له: يا رسول الله، ليس بالوادى ماء. فأخرج سهما من كنانته،   (1) خرج حمها: أى خرج معظمهم وهناك شك هل المقصود جمها بالجيم وهو الأصوب. (2) خلأت: حرنت وامتنعت من السير وهذه الصفة خاص بالناقة فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فغرزه فى جوفه، فجاش بالرواء «1» ، حتى كفى جميع أهل الجيش. وقيل: إن الذى نزل بالسهم فى القليب ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم ابن عمرو بن واثلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن أبى حارثة وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: بل نزل به البراء بن عازب. ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، وطال الخطب إلى أن أتاه صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو، فقاضاه على أن ينصرف عامه ذلك، فإذا كان من قابل أتى معتمرا، ودخل مكة وأصحابه بلا سلاح، حاشا السيوف فى القرب فقط، فيقيم بها ثلاثا ولا مزيد، على أن يكون بينهم صلح متصل عشرة أعوام، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما- من رجل أو امرأة- رد إلى الكفار، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يرد إلى المسلمين. فعظم ذلك على المسلمين، حتى كان لبعضهم فيه كلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما علمه ربه تعالى، وقد علم عليه السلام أن الله تعالى سيجعل للمسلمين فرجا مضمونا من عند الله تعالى، وأنذر المسلمين بذلك، وعلم عليه السلام أن هذا الصلح قد جعله الله تعالى سببا لظهور الإسلام. وأنس الناس بعد نفارهم، وكره سهيل بن عمرو أن يكتب صدر الصحيفة «محمد رسول الله» وأبى على بن أبى طالب، وهو كاتب الصحيفة، أن يمحو بيده «رسول الله» صلى الله عليه وسلم، فمحا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصفة بيده، وأمر الكاتب أن يكتب «محمد بن عبد الله» . وأتى أبو جندل بن سهيل، يرسف فى قيوده، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه بعد أن أجاره مكرز بن حفص، فعظم ذلك على المسلمين، فأخبرهم عليه السلام أن الله سيجعل له فرجا «2» .   (1) جاش بالرواء: فاض ماء كثير من مكان السهم وهذه معجزة له صلى الله عليه وسلم. (2) هنا فى هذا الموقف أنزل الله عز وجل سورة الفتح: «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ... » الآيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وكان قد أتى قوم من عند قريش، قيل: ما بين الأربعين إلى الثلاثين، فأرادوا الإيقاع بالمسلمين، فأخذوا أخذا، فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم العتقاء الذين ينتمون إليهم العتقيون. وكان عليه السلام قبل تمام هذا الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولا، وشاع أن المشركين قتلوه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المبايعة على على الموت، وأن لا يفروا عن القتال، وهى بيعة الرضوان، التى كانت تحت الشجرة، التى أثنى الله تعالى على أهلها، وأخبر عليه السلام أنهم لا يدخلون النار. وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيساره على يمينه، وقال: هذه عن عثمان. فلما تم الصلح المذكور أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحروا ويحلوا، ففعلوا بعد إباء كان منهم وتوقف أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وفقهم الله تعالى ففعلوا وقيل: إن الذى حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية ابن الفضل الخزاعى. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأتاه أبو بصير عتبة بن أسيد ابن جارية هاربا، وكان ممن حبس بمكة، وهو ثقفى حليف لبنى زهرة، فبعث إليه الأزهر بن عبد عوف عم عبد الرحمن بن عوف، والأخنس بن شريق الثقفى، رجلا من بنى عامر بن لؤى ومولى لهم، فأتيا النبى صلى الله عليه وسلم، فأسلمه إليهما، فاحتملاه، فلما صار بذى الحليفة نزلوا، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: أرانى هذا السيف. فلما صار بيده، ضرب به العامرى فقتله، وفر المولى فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره بما وقع. وأظل أبو بصير، فقال: يا رسول الله وفت ذمتك، وأدى الله عنك، أسلمتنى بيد القوم، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 امتنعت بدينى أن أفتتن فيه أو يعبث بى «1» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل امه، مسعر حرب «2» ، لو كان له رجال. فعلم أبو بصير أنه سيرده، فخرج حتى أتى سيف البحر، موضعا يقال له: العيص، من ناحية ذى المروة، على طريق قريش إلى الشام، فقطع على رفاقهم «3» ، فاستضاف إليه كل من فر عن قريش ممن أراد الإسلام، فآذوا قريشا، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يضمهم إلى المدينة. وأنزل الله تعالى بفسخ الشرط المذكور فى رد النساء، ومنع تعالى من ردهن. ثم نسخت براءة كل ذلك، والحمد لله رب العالمين. وهاجرة أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، فأتى أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة فيها، فمنع الله تعالى من رد النساء، وحرم الله تعالى حينئذ على المؤمنين الإمساك بعصم الكوافر، فانفسخ نكاحهن من المسلمين؛ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. غزوة خيبر فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة مرجعه من الحديبية، ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج فى بقية من المحرم غازيا إلى خيبر وذلك قرب آخر السنة السادسة من الهجرة.   (1) فى الأصل: يبعث. (2) مسعر الحرب: موقدها. (3) الرفاق: جمع رفقة، وهم المسافرون، وأكثر ما تسمى «رفقة» إذا نهضوا فى طلب الميرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 واستحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نميلة بن عبد الله الليثى، ودفع الراية إلى على بن أبى طالب، وقيل: إنها كانت بيضاء. وسلك على عصر «1» ، فبنى له بها مسجد «2» ، ثم على الصهباء، ثم نزل بواد يقال له: الرجيع، فنزل بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم- وكانت غطفان قد أرادت إمداد يهود خيبر- فلما خرجوا أسمعهم الله تعالى من ورائهم حسا راعهم، فانصرفوا، وبدا لهم فأقاموا فى أماكنهم. وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الآطام والحصون والأموال مالا مالا. فأول حصونهم افتتح حصن اسمه: ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه رحى فقتلته؛ ثم القموص، حصن بنى ابى الحقيق. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن «3» : صفية بنت حيى بن أخطب. وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، وبنتى «4» عم لها، فوهب عليه السلام صفية لدحية، ثم ابتاعها منه بتسعة أرؤس، وجعلها عند أم سليم. حتى اعتدت وأسلمت، ثم أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، لا صداق لها غيره، فصارت سنة مستحبة لكل من أراد أن يفعل ذلك إلى يوم القيامة. وفى غزوة خيبر حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية، وأخبر أنها رجس، وأمر بالقدور فألقيت وهى تفور بلحومها، وأمر بغسل القدور بعد، وأحل حينئذ لحوم الخيل وأطعمهم إياها.   (1) عصر: بالكسر ثم السكون، ويروى بفتحتين، والأول أشهر وأكثر، واختاره ياقوت: جبل بين المدينة ووادى الفرع. (2) فى الأصل: «بنى» مكان «فبنى» . (3) فى الأصل: منهم. (4) فى الأصل: بنى؛ وقد وردت كلمة «بنتى» فى أكثر كتب السير منصوبة على تقدير فعل محذوف أى: وأصاب بنتى عم لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ثم فتح حصن الصعب بن معاذ، ولم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما منه، ولا أوفر ودكا منه «1» . وآخر ما افتتح عليه السلام من حصونهم: الوطيح والسلالم، حاصرهما بضع عشرة ليلة. وكان شعار المسلمين يوم خيبر: أمت أمت. ووقف إلى بعض حصونهم أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، فلم يفتحاه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية إلى على رضوان الله عليه، ففتحه، وكان أرمد، فتفل فى عينيه، فبرئ. وكان فتح خيبر: الأرض كلها وبعض الحصون عنوة- وهى الأكثر- وبعضها صلحا على الجلاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عزل الخمس، أقر اليهود على أن يعتملوها بأموالهم وأنفسهم، ولهم النصف من كل ما يخرج منها من زرع أو ثمر، ويقرهم على ذلك ما بدا له. فبقوا على ذلك حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة خلافة أبى بكر، وجمهور خلافة عمر؛ فلما كان فى آخر خلافته، بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى مرضه الذى مات فيه أن لا يبقى فى جزيرة العرب دينان. فأمر بإجلائهم عن خيبر وغيرها من بلاد العرب، وأخذ المسلمون ضياعهم من مقاسم خيبر، فتصرفوا فيها. وكان متولى قسمتها بين أصحابها جبار بن صخر من بنى سلمة، وزيد بن ثابت من بنى النجار. وفى فتح خيبر أهدت يهودية تسمى زينب بنت الحارث، امرأة سلام ابن مشكم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية «2» ، قد جعلت فيها السم، وكان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم،   (1) الودك: دهن اللحم الذى يستخرج منه وكذلك الدسم. (2) المصلية: المشوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فلاك منها مضغة، وكان معه عليه السلام بشر بن البراء بن معروف من بنى سلمة، فأكل منه وازدرد لقمة، فقال عليه السلام: إن هذا العظم ليخبرنى أنه مسموم، ولفظ لقمة، ثم دعا باليهودية فاعترفت، ومات بشر من أكلته تلك، رضوان الله عليه، ولم يقتل عليه السلام اليهودية. وكان المسلمون يوم خيبر ألفا وأربعمائة رجل ومائتى فارس. ووقع سهم زبير بن العوام بالخوع من النطاة؛ ووقع أيضا بالنطاة سهم بنى بياضة وبنى الحارث بن الخزرج؛ ووقع بنو عوف بن الخزرج ومزينة فى ناعم من النطاة، ووقع سهم عاصم بن عدى أخى بنى عجلان مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم عبد الرحمن بن عوف، وسهام بنى ساعدة، وبنى النجاة، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، وغفار، وأسلم، وعمر بن الخطاب، وبنى سلمة، وبنى حارثة، وجهينة، وثقيف من العرب-: فى الشق. وكان عبيد بن أوس من بنى حارثة بن عوف، عرف يومئذ بعبيد السهام، لكثرة ما اشترى من سهام الناس يومئذ. اشترى عمر مائة سهم بخيبر، فهى صدقته الباقية إلى اليوم، وإلى يوم القيامة. ذكر من استشهد يوم خيبر ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. وثقف بن عمرو بن سميط بن ثعلبة بن عبد الله بن غنم بن دودان: ورفاعة بن مسروح- وهؤلاء كلهم من بنى أمية بن عبد شمس. ومسعود بن ربيعة، من القارة، حليف بنى زهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وعبد الله بن الهبيب- وقيل: ابن الهبيب- بن أهيب بن سحيم بن غيرة، من بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، حليف بنى أسد بن عبد العزى وابن أختهم. وبشر بن البراء بن معرور، من بنى سلمة، مات من السم الذى أكله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفضيل بن النعمان، من بنى سلمة أيضا. ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق. ومحمود بن مسلمة بن خالد بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ابن الأوس، حليف لبنى عبد الأشهل. وأبو ضياح ثابت بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف، من أهل قباء. ومبشر بن عبد المنذر بن دينار بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو ابن عوف. والحارث بن حاطب. وأوس بن قتادة. وعروة بن مرة بن سراقة. وأوس بن القائد. وأنيف بن حبيب. وثابت بن أثلة. وطلحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 والأسود الراعى، واسمه: أسلم- كل هؤلاء من بنى عمرو بن عوف ومن بنى غفار: عمارة بن عقبة بن حارثة بن غفار بن مليل بن ضميرة، أصابه سهم. ومن أسلم: عامر بن الأكوع. وإثر فتح خيبر قدم من الحبشة: جعفر بن أبى طالب، وامرأته: أسماء بنت عميس، وابناهما: عبد الله ابن جعفر، ومحمد بن جعفر. وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، مع امرأته: أمينة بنت خلف. وابناهما: سعيد، وأمة. وعمرو بن سعيد بن العاص، وكانت امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية قد ماتت بأرض الحبشة. ومعيقيب بن أبى فاطمة، وهو الذى ولى بيت المالى لعمر، وهو حليف آل عتبة بن ربيعة: والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل، وابناه: عمرو بن جهم، وخزيمة بنت جهم. وهو من بنى عبد الدار، وكانت امرأته: أم حرملة بنت عبد الأسود، قد هلكت بأرض الحبشة. والحارث بن خالد بن صخر، من بنى تيم بن مرة، وكانت امرأته: ريطة بنت الحارث بن جبيلة، هلكت بأرض الحبشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحى. ومحمية بن جزء الزبيدى، حليف لبنى سهم، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس. ومعمر بن عبد الله بن نضلة، من بنى عدى بن كعب. وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، من بنى عامر بن لؤى. ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس، من بنى عامر بن لؤى، ومعه امرأته: عمرة بنت السعدى بن وقدان بن عبد شمس العامر. وكان أتى سائر مهاجرة الحبشة قبل ذلك بسنتين، وكان هؤلاء المذكورون آخر من بقى بها. فتح فدك ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤمنهم، ويتركوا الأموال. فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فكانت مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلم تقسم لذلك، ووضعها عليه السلام حيث أمره ربه تعالى: فتح وادى القرى وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادى القرى، فأصيب بها غلام اسمه: مدعم، أصابه سهم غرب فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال عليه السلام: كلا والذى نفسى بيده، إن الشملة التى أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم، تشتعل عليه الآن نارا؛ أو كما قال عليه السلام، فافتتحها عنوة وقسمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 عمرة القضاء فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، أقام بها شهرى ربيع، وشهرى جمادى، ورجبا، وشعبان، ورمضان، وشوالا، فبعث فى خلال ذلك السرايا، ثم خرج فى ذى القعدة فى السنة السابعة من الهجرة، قاصدا للعمرة، على ما عاهد عليه قريشا حين الحديبية، وخرج أكابر قريش عن عن مكة، عداوة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فأتم عليه السلام عمرته، وتزوج هنالك بعد إحلاله ميمونة بنت الحارث، خالة ابن عباس وخالد بن الوليد، فلما تمت الثلاث أوجبت عليه قريش أن يخرج عن مكة، ولم يمهلوه حتى يبنى بأم المؤمنين، فخرج فبنى بها بسرف، وهنالك ماتت أيام معاوية، وبها دفنت، وقبرها هنالك إلى اليوم مشهور. غزوة مؤتة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء، أقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا، ثم بعث فى جمادى الأولى من السنة الثامنة من الهجرة بعث الأمراء إلى الشام. وقد كان أسلم قبل ذلك وبعد الحديبية وبعد خيبر: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة بن أبى طلحة، وهم من كبار قريش. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش زيد بن حارثة، فإن أصابه قدر فعلى الناس جعفر بن أبى طالب، فإن أصابه قدر فعلى الناس عبد الله بن رواحة. وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم، ثم انصرف ونهضوا. فلما بلغوا معان من أرض الشام، أتاهم الخبر: أن هرقل ملك الروم قد نزل أرض بنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 مآب، وهى أرض بنى مآب المذكورين فى كتب بنى إسرائيل، وأنهم كانوا يغاورونهم فى أيام دولتهم، وأنهم من بنى لوط عليه السلام، وهى أرض البلقاء-: فى مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى أهل الشام من لخم، وجذام، وقبائل قضاعة: من بهراء وبلى وبلقين، وعليهم رجل من بنى إراشة من بلى، يقال له: مالك بن راقلة. فأقام المسلمون فى معان ليلتين، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فيأمرنا بأمره أو يمدنا. فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم، إن الذى تكرهون للتى خرجتم تطلبون- يعنى الشهادة- وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، وما نقاتلهم إلا بهذا الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا فهى إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة. فوافقه الجيش على هذا الرأى، ونهضوا، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء، لقوا الجموع التى ذكرناها مع هرقل إلى جنب قرية يقال لها: مشارف، وصار المسلمون فى قرية يقال لها: مؤتة، فجعل المسلمون على ميمنتهم قطبة بن قتادة العذرى، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصارى، وقيل: عبادة. واقتتلوا، فقيل الأمير الأول: زيد بن حارثة، ملاقيا بصدره الرماح، والراية فى يده؛ فأخذها جعفر بن أبى طالب، ونزل عن فرس شقراء، وقيل: إنه عقرها، فقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيسراه، فقطعت، فاحتضنها، فقتل كذلك، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. فأخذ عبد الله بن رواحة الراية، وتردد عن النزول بعض التردد، ثم صمم، فقاتل حتى قتل. فأخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بنى العجلان، وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت؛ قال: لا. فأخذها خالد بن الوليد، وانحاز بالمسلمين، فأنذر النبى صلى الله عليه وسلم بقتل الأمراء المذكورين قبل ورود الخبر، فى يوم قتلهم بعينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 تسمية من استشهد يوم مؤتة زيد بن حارثة، الأمير الأول. وجعفر بن أبى طالب، الأمير الثانى بعده. وعبد الله بن رواحة، الأمير الثالث. ومسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة، من بنى عدى بن كعب وهب بن سعد بن أبى سرح، من بنى حسل، ثم من بنى عامر بن لؤى. وعباد بن قيس، وهو وعبد الله بن رواحة من بنى الحارث بن الخزرج. والحارث بن النعمان بن إساف بن نضلة بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار. وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول، من بنى مازن ابن النجار. وأبو كليب، وقيل: أبو كلاب. وأخوه: جابر- ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول. وعمرو، وعامر، ابنا سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن عامر بن ثعلبة ابن مالك بن أفصى، من بنى النجار. هؤلاء من ذكر منهم. وقيل: إن عدد المسلمين يوم مؤتة ثلاثة آلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 غزوة فتح مكة فأقام عليه السلام بعد مؤتة جمادى ورجبا. ثم حدث الأمر الذى أوجب نقص عهد قريش المعقود يوم الحديبية، وهو: أن خزاعة كانت فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم: مؤمنها وكافرها، وكانت كفار بنى بكر بن عبد مناة ابن كنانة فى عقد قريش، فعدت بنو بكر بن عبد مناة على قوم من خزاعة، على ماء لهم يقال له: الوتير، بأسفل مكة. وكان سبب ذلك: أن رجلا يقال له: مالك بن عباد الحضرمى، حليفا لآل الأسود بن رزن، خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله، وذلك قبل الإسلام بمدة، فعدت بنو بكر بن عبد مناة، رهط الأسود بن رزن، على رجل من بنى خزاعة، فقتلوه بمالك بن عباد. فعدت خزاعة على سلمى وكلثوم وذؤيب، بنى الأسود بن رزن، فقتلوهم، وهؤلاء الإخوة أشراف بنى كنانة، كانوا يودون فى الجاهلية ديتين، ويودى سائر قومهم دية دية. وكل هذه المقاتل قبل الإسلام؛ فلما جاء الإسلام حجز ما بين من ذكرنا، واشتغل الناس به. فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية أمن الناس بعضهم بعضا، فاغتنم بنو الديل من بنى بكر بن عبد مناة تلك الفرصة، وغفلة خزاعة، وأرادوا إدراك ثأر بنى الأسود بن رزن. فخرج نوفل بن معاوية الديلى بمن أطاعه من بنى بكر بن عبد مناة، وليس كلهم تابعه، جاء حتى بيت خزاعة، وهم على الوتير، فاقتتلوا، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح وأعانهم قوم من قريش بأنفسهم مستخفين، وانهزمت خزاعة إلى الحرم. فقال قوم نوفل بن معاوية: يا نوفل، الحرم، اتق الله إلهك. فقال الكافر: لا إله له اليوم، والله يا بنى كنانة إنكم لتسرقون فى الحرم، أفلا تدركون فيه ثأركم؟ فقتلوا رجلا من خزاعة يقال له: منبه، وانجحرت فى دور مكة، فدخلوا دار بديل بن ورقاء الخزاعى، ودار مولى لهم اسمه رافع، وكان هذا نقضا للعهد الواقع يوم الحديبية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فخرج عمرو بن سالم الخزاعى ثم أحد بنى كعب، وبديل بن ورقاء، وقوم من خزاعة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغيثين مما أصابهم به بنو بكر بن عبد مناة وقريش، فأجابهم. وأنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أبا سفيان سيأتى ليشد العقد ويزيد فى المدة، وأنه سيرجع بغير حاجة. وندمت قريش على ما فعلت، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد فى المدة، فلقى بديل بن ورقاء بعسفان، فكتمه بديل مسيره إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنه إنما سار فى خزاعة على الساحل؛ فنهض أبو سفيان حتى أتى المدينة، فدخل على بنته أم حبيبة، أم المؤمنين، فذهب ليقعد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطوته دونه، فقال لها فى ذلك. فقالت: هو من أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس عليه. فقال: لقد أصابك بعدى شر يا بنية. ثم أتى النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد، فكلمه، فلم يجبه بكلمة. ثم ذهب أبو سفيان إلى أبى بكر الصديق، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتى له، فأبى أبو بكر من ذلك، فلقى عمر فكلمه فى ذلك، فقال عمر: أنا أفعل ذلك؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، فدخل على على بيته، فوجد عنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسن وهو صبى، فكلمه فيما أتى له، فقال له على: والله ما نستطيع أن نكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمر قد عزم عليه. فالتفت إلى فاطمة فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تأمرى بنيك هذا فيجير بين الناس؟ فقالت: ما بلغ بنى ذلك، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال على: يا أبا سفيان، أنت سيد بنى كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم ألحق بأرضك. فقال: أترى ذلك مغنيا عنى شيئا؟ قال: ما أظن ذلك، ولكن لا أجد لك سواه. فقام أبو سفيان فى المسجد فقال أيها الناس، إنى قد أجرت بين الناس. ثم ركب فانطلق راجعا إلى مكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 حتى قدمها، وأخبر قريشا بما فعل وبما لقى، فقالوا له: ما جئت بشىء وما زاد على بن أبى طالب على أن لعب بك. ثم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سائر إلى مكة، فأمرهم بالتجهز لذلك، ودعا الله تعالى أن يأخذ عن قريش بالأخبار «1» . فكتب حاطب بن أبى بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم فيه بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، فدعا على بن أبى طالب والزبير والمقداد، وهم فرسان، فقال لهم: انطلقوا إلى روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب لقريش. فانطلقوا، فلما أتوا المكان الذى وصف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوا المرأة فأناخوا بها، ففتشوا رحلها كله فلم يجدوا شيئا، فقالوا: والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على: والله لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب. فحلت قرون رأسها، فأخرجت الكتاب منها؛ فأتوا به النبى صلى الله عليه وسلم، فلما قرئ عليه قال: ما هذا يا حاطب؟ فقال حاطب: يا رسول الله، والله ما شككت فى الإسلام، ولكنى ملصق فى قريش، فأردت أن أتخذ عندهم يدا يحفظوننى بها فى شأفتى بمكة وولدى وأهلى. فقال عمر: دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعل الله تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عشرة آلاف، واستحلف على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفارى، وذلك لعشر خلون من رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، بين عسفان وأمج، فأفطر بعد صلاة العصر، وشرب على راحلته علانية ليراه الناس، وأمر بالفطر، فبلغه صلى الله عليه وسلم   (1) نص الحديث: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 أن قوما تمادوا على الصيام فقال: أولئك العصاة. فكان هذا نسخا لما تقدم من إباحة الصيام فى السفر. ولم يسافر صلى الله عليه وسلم بعدها فى رمضان أصلا، فهذا الحكم فى السفر ناسخ لما قبله، ولم يأت بعد شىء ينسخه، ولا حكم يرفعه. فلما نزل مر الظهران، ومعه من بنى سليم ألف رجل، ومن مزينة ألف رجل وثلاثة رجال، وقيل: من بنى سليم سبعمائة، ومن غفار أربعمائة، ومن أسلم أربعمائة، وطوائف من قيس وأسد وتميم وغيرهم، ومن سائر القبائل أيضا جموع. وقد أخفى الله تعالى عن قريش الخبر تدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم وجسون خائفون؛ وقد خرج أبو سفيان، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام، يتجسسون الأخبار. وقد كان العباس بن عبد المطلب هاجر فى تلك الأيام، فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة، فبعث ثقله إلى المدينة، وانصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا. فالعباس من المهاجرين من قبل الفتح، وقيل: بل بل لقيه بالجحفة. وذكر أيضا أن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة، أخا أم سلمة أم المؤمنين، لقياه بنيق العقاب مهاجرين؛ فاستأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأذن لهما، فكلمته أم سلمة، فأذن لهما، فاسلما. فلما نزاوا بمر الظهران أسفت نفس العباس على ذهاب قريش، إن فجئهم الجيش قبل أن يأخذوا «1» لأنفسهم فيستأمنوا «2» ، فركب بغلة النبى صلى الله عليه وسلم ونهض، فلما أتى الأدراك وهو يطمع أن يرى حطابا أو صاحب لبن   (1) فى الأصل: يأخذا. (2) فى الأصل: «فيستامنون» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 يأتى مكة فينذرهم، فبينما هو يمشى كذلك، إذ سمع صوت أبى سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتساءلان، وقد رأيا نيران عسكر النبى صلى الله عليه وسلم، وبديل يقول لأبى سفيان: هذه والله نيران خزاعة. فيقول له أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران. فلما سمع العباس كلامه ناداه: يا أبا حنظلة. فميز أبو سفيان صوته، فقال: أبو الفضل؟ قال: نعم. فقال له أبو سفيان: ما الشأن؟ فداك أبى وأمى. فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس، واصباح قريش! فقال له أبو سفيان: وما الحيلة؟ فقال له العباس: والله إن ظفر بك ليقتلنك، فارتدف خلفى وانهض معى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأردفه العباس، فأتى به العسكر، فلما مر على نار عمر، نظر عمر إلى أبى سفيان فميزه، فقال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد. ثم خرج يشتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسابقه العباس، فسبقه العباس على البغلة، وكان عمر بطيئا فى الجرى، فدخل العباس ودخل عمر على أثره، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد، فأذن لى أضرب عنقة. فقال العباس: يا رسول الله، قد أجرته. فراده عمر الكلام، فقال العباس: مهلا يا عمر. فلو كان من بنى عدى بن كعب ما قلت هذا، ولكنه من بنى عبد مناف. فقال عمر: مهلا، فو الله لإسلامك، يوم أسلمت، كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بى إلا أنى قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله إلى رحله، ويأتيه به صباحا، ففعل العباس ذلك. فلما أتى به النبى صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يأن لك؟ ألم تعلم أنه لا إله إلا الله؟ فقال أبو سفيان: بأبى أنت وأمى، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننت أنه لو كان معه إله غيره لقد أغنى. ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أبا سفيان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ألم يأن لك، ألم تعلم أنى رسول الله؟ فقال: بأبى أنت وأمى، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه والله فإن فى نفسى منها شيئا حتى الآن. فقال فقال له العباس: ويحك، أسلم قبل أن تضرب عنقك. فأسلم، فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من كان لا يقاتل من أهل مكة، من أهل مكة، بنص جلى لا إشكال فيه، فمكة مؤمنة بلا شك، ومن ثم لم تؤخذ عنوة بوجه من الوجوه، ولو أمن مسلم من أى المسلمين قرية من دار الحرب على أن يغلقوا أبوابهم ولا يقاتلوا، على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، لكان أمانا صحيحا، وللزم ذلك كل مسلم، ولحرمت دماؤهم وأموالهم وديارهم، وللزمهم الإسلام أو الجلاء، إلا أن يكونوا كتابيين، فيباح لهم القرار، على الجزية والصغار، فكيف أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم! فمن قال: إن مكة صلح على هذا المعنى، فقد صدق؛ ومن قال: إنها صلح على أنهم دافعوا وامتنعوا حتى صالحوا، فقد أخطأ؛ وأما من قال: عنوة، فقد أخطأ على كل حال. والصحيح اليقين: أنها مؤمنة على دمائهم وذراريهم وأموالهم ونسائهم، إلا من قاتل أو اسثتنى فقط. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الجبل أو الوادى «1» ليرى جيوش الله تعالى. ففعل ذلك العباس، وعرض عليه القبائل، قبيلة   (1) خطم الجبل: مقدمة، وخطم كل شىء مقدمه، وخطم الدابة مقدم أنفها. وهو هنا شىء يخرج من الجبل تضيق به الطريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قبيلة، إلى أن جاء موكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والأنصار، رضوان الله عليهم، خاصة، كلهم فى الدروع والبيض. فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والأنصار، فقال: والله ما لأحد بهؤلاء من قبل. والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. فقال العباس: إنه النبوة يا أبا سفيان. قال: فهذا إذن. فقال العباس: يا أبا سفيان، النجاء إلى قومك «1» . فأسرع أبو سفيان. فلما أتى مكة عرفهم بما أحاط بهم، وأخبرهم بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من دخل داره، أو المسجد، أو دار أبى سفيان. وتأبش «2» قوم ليقاتلوا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رتب الجيش. وكان قد جعل الراية بيد سعد بن عبادة، ثم بلغه أنه قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع الراية إلى الزبير بن العوام، وقيل: إلى على بن أبى طالب، وقيل: إلى قيس بن سعد ابن عبادة، وكان الزبير على الميسرة، وخالد بن الوليد على الميمنة، وفيها أسلم وغفار ومزينة وجهينة، وكان أبو عبيدة بن الجراح على مقدمة موكب النبى صلى الله عليه وسلم، وسرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش من ذى طوى، وأمر الزبير بالدخول، من ذى كداء، فى أعلى مكة، وأمر خالدا بالدخول من الليط، أسفل مكة، وأمرهم بقتال من قاتلهم. وكان عكرمة بن أبى جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، قد جمعوا جميعا بالخندمة ليقاتلوا، فناوشهم أصحاب خالد القتال. وأصيب من المسلمين رجلان، وهما: كرز بن جابر، من بنى محارب بن فقر، وخنيس.   (1) النجاء إلى قومك: السرعة أى أسرع إليهم وأعلمهم بما رأيت. (2) تأبش قوم تجمعوا وتجيشوا ليقاتلوا المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ابن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعى، حليف بنى منقذ، شذا عن جيش خالد فقتلا.. وأصيب أيضا من المسلمين سلمة بن الميلاء الجهنى. وقتل من المشركين نحو ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا. وكان شعار المسلمين يوم الفتح وحنين والطائف: فشعار الأوس: يا بنى عبيد الله؛ وشعار الخزرج: يا بنى عبد الله؛ وشعار المهاجرين: يا بنى عبد الرحمن. وأمن النبى صلى الله عليه وسلم الناس كما ذكرنا، حاشا عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح، وعكرمة بن أبى جهل، والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصى، ومقيس بن صبابة، وقينتى بن خطل، وهما: فرتنا وصاحبتها، وسارة، مولاة لبنى عبد المطلب. فأما ابن خطل- وهو من بنى تيم الأدرم بن غالب، كان قد أسلم وبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقا، وبعث معه رجلا من المسلمين، فعدا عليه وقتله ولحق بالمشركين- فوجد يوم الفتح وقد تعلق بأستار الكعبة، فقتله سعيد بن حريث المخزومى وأبو برزة الأسلمى. وأما عبد الله بن سعد بن أبى سرح، فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بمكة فاختفى، وأتى به عثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخاه من الرضاعة، فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسكت عليه السلام ساعة، ثم أمنه وبايعه. فلما خرج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: هلا قام إليه بعضكم فضرب عنقه؟ فقال رجل من الأنصار: هلا أو مأت إلينا؟ فقال: ما كان لنبى أن يكون له خائنة الأعين. فعاش حتى استعمله عمر، ثم ولاه عثمان مصر. وهو الذى غزا إفريقية، ولم يظهر منه بعد إسلامه إلا خير وصلاح ودين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وأما عكرمة بن أبى جهل ففر إلى اليمن، فاتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فردته، فأسلم، وحسن إسلامه. وأما الحويرث بن نقيذ، وكان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقتله على بن أبى طالب يوم الفتح. وأما مقيس بن صبابة، فكان قد أتى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما، ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله لقتله أخاه خطأ، فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثى، وهو ابن عمه. وأما قينتا ابن خطل، فقتلت إحداهما، واستؤمن للأخرى، فأمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاشت إلى أن ماتت بعد ذلك بمدة، وكانتا تغنيان بهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما سارة، فاستؤمن لها أيضا، فأمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاشت إلى أن أطأها رجل فرسا بالأبطح فماتت. واستتر رجلان من بنى مخزوم عند أم هانئ بنت أبى طالب، فأمنتهما، فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانها لهما، وكان على رضوان الله عليه قد أراد قتلهما، وقيل: إنهما الحارث بن هشام، وزهير بن أبى أمية أخو أم سلمة، فأسلما، وكانا من خيار المسلمين. وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة، ودعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة بعد أن مانعت أم عثمان دونه، ثم أسلمته. فدخل صلى الله عليه وسلم الكعبة، ومعه أسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، ولا أحد معهم، وأغلقوا الأبواب، وتموا حينا، وصلى صلى الله عليه وسلم فى داخلها، ثم خرج وخرجوا، ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وأبقى له حجابة البيت، فهى فى ولده إلى اليوم، فى ولد شيبة بن عثمان بن طلحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الصور التى داخل الكعبة وخارجها، وتكسير الأصنام التى حول الكعبة وبمكة. وأذن له بلال على ظهر الكعبة. وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانى يوم الفتح، فأخبر أنه قد وضع مآثر الجاهلية حاشا سدانة البيت، وسقاية الحاج. وأخبر أن مكة لم يحل القتال فيها لأحد قبله، ولا لأحد بعده، وأنها لم تحل لأحد غيره، ولم تحل له إلا ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس، لا يسفك فيها دم. ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأصنام وهى مشددة بالرصاص، فأشار إليها مقضيب كان فى يده وهو يقول: جاء الحق وزقق الباطل. فما أشار لصنم منها إلا خر لوجهه. وتوقعت الأنصار أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأخبرهم أن المحيا محياهم، والممات مماتهم. ومر بفضالة بن عمير بن الملوح الليثى، وهو عازم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شىء، كنت أذكر الله. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: استغفر الله. ووضع يده على صدره، فكان فضالة يقول: والذى بعثه بالحق، ما رفع يده عن صدرى حتى ما أجد على ظهر الأرض أحب إلى منه. وهرب صفوان بن أمية إلى اليمن، فاتبعه عمير بن وهب الجمحى بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فرجع فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنظره أربعة أشهر. وكان بن الزبعرى السهمى الشاعر قد هرب إلى نجران، ثم رجع فأسلم وهرب هبيرة بن أبى وهب المخزومى، زوج أم هانئ بنت أبى طالب إلى اليمن، فمات كافرا هناك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة، يدعو إلى الإسلام، ويأمرهم بقتال من قاتل. وفى جملتهم خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، فقتل منهم وأخذ، فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم ذلك، وبعث عليا بمال إليهم، فودى لهم قتلاهم، ورد إليهم ما أخذ منهم. ثم بعث خالد بن الوليد إلى العزى، وكان بيتا بنخلة تعظمه قريش وكنانة وجميع مضر، وكان سدنته بنو شيبان من سليم خلفاء بنى هاشم فهدمه. وكان فتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان. غزوة حنين فلما بلغ فتح مكة هوازن، جمعهم مالك بن عوف النصرى، واجتمح إليه ثقيف، وقومه بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم، وبنو سعد بن بكر، ويسير من بنى هلال بن عامر، ولم يشهدها من قيس عيلان غير هؤلاء، وغاب عن ذلك عقيل وبشر ابنا كعب بن ربيعة بن عامر، وبنو كلاب ابن ربيعة بن عامر، وسائر إخوتهم، فلم يحضرها من كعب وكلاب أحد يذكر، وساق بنو جشم مع أنفسهم شيخهم وكبيرهم وسيدهم فيما خلا: دريد بن الصمة، وهو شيخ كبير لا ينتفع به، لكن يتيمن بمحضره ورأيه، وهو فى هودج لضعف جسمه. وكان فى ثقيف سيدان لهم، فى الأحلاف: قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفى بنى مالك: ذو الخمار سبيع ابن الحارث بن مالك، وأخوه: أحمر بن الحارث والرياسة فى الجميع إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 مالك النصرى، فحشد من ذكرنا، وساق مع الكفار أموالهم وماشينهم ونساءهم وأولادهم، ليحموا بذلك فى القتال، فنزلوا بأوطاس. فقال لهم دريد: مالى أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ فقالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم وعيالهم. فقال: أين مالك؟ فقيل له: هو ذا. فسأله دريد: لم فعلت ذلك؟ فقال مالك: ليكون مع الناس أهلهم وأموالهم فيقاتلوا عنهم. فقال له دريد: راعى ضأن والله، وهل يرد المنهزم شىء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه وإن كانت عليك فضحت فى أهلك ومالك. ثم قال: ما فعل كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد. قال: غاب الجد والحد، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم كما فعلت كعب وكلاب. فمن شهدها من بنى عامر؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر. قال: ذانك الجذعان: عمرو ابن عامر وعوف بن عامر، لا ينفعان ولا يضران! يا مالك! إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن «1» إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى ممتنع ديارهم، وعلياء قومهم، ثم الق الصباة على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك. فأبى مالك ذلك، وخالفت هوازن دريدا واتبعوا مالك بن عوف، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده، ولم يغب عنى: يا ليتنى فيها جذع ... أخب فيها وأضع «2»   (1) بيضة هوازن: أصلهم وموضع سلطانهم ومكان دعوتهم. (2) فى هذا البيت يتمنى أن يكون شابا خلال هذه الحرب لم تحطمه الأيام أخب فيها أى أجرى وأضرب يمينا وشمالا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشاء، عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى، فأتى بعد أن عرف مذاهبهم، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصدهم. واستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية بن خلف دروعا، قيل: مائة درع، وقيل: أربعمائة درع. وخرج فى اثنى عشر ألف مسلم، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة، وألفان من مسلمة الفتح. واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس، ومضى عليه السلام. وفى جملة من اتبعه: عباس بن مرداس فى بنى سليم، والضحاك بن سفيان الكلابى، وجموع من بنى عبس وذبيان. وفى مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء، وكان لهم فى الجاهلية شجرة معروفة فى مكان معروف تسمى: ذات أنواط، يخرج إليه الكفار يوما معروفا فى العام يعظمونها، فتصايح جهال الأعراب: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: قلتم، والذى نفس محمد بيده، كما قال قوم موسى: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ «1» ، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم. ثم نهض، فلما أتى وادى حنين، وهو واد حدور من أودية تهامة، وهوازن قد كمنت فى جنبتى الوادى، وذلك فى عماية الصبح «2» ؛ فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد، فولى المنهزمون لا يلوى أحد على أحد، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرجعوا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر:   (1) سورة الأعراف، الآية: 138. (2) عماية الصبح: أى قبل انتشار الصوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وعمر، وعلى، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه جعفر، والفضل ابن العباس، وقثم بن العباس، وجماعة من غيرهم؛ والنبى صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، واسمها: دلدل، والعباس آخذ بحكمتها «1» ، فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن ينادى: يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار! يا معشر أصحاب الشجرة وكان العباس جهير الصوت جدا، وروينا أنه أمره أن ينادى: يا معشر المهاجرين، بعد ذلك. فلما نادى العباس بمن ذكرنا، وسمعوا الصوت، ذهبوا ليرجعوا، وكان الرجل منهم لا يستطيع أن يثنى بعيره لكثرة المنهزمين، فيأخذ درعه فيلبسها، ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره، ويكر راجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى إذا اجتمع حواليه منهم نحو المائة، استقبلوا هوازن، واشتدت الحرب بينهم، وقذف الله تعالى فى قلوب هوازن- حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرعب، ولم يملكوا أنفسهم، ورماهم بقبضة حصى بيده، فما منهم أحد إلا أصابته، وفى ذلك يقول جل ثناؤه: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «2» . وقد ذكر عن بعض هوازن. ممن أسلم منهم بعد ذاك، أنه قال: لقينا المسلمين فما لبثنا أن هزمناهم واتبعناهم، حتى أتينا إلى رجل راكب بغلة شهباء، فلما رآنا زبرنا وانتهرنا، فما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا، وما تراجع سائر من كان مع النبى صلى الله عليه وسلم إلا وأسرى هوازن بين يديه. وثبتت أم سليم فى جملة من ثبت فى أول الأمر، محتزمة ممسكة خطام جمل لأبى طلحة وفى يدها خنجر.   (1) حكمة الدابة: ولجامها والشكيمة التى تكون على أنف الحصان. (2) سورة الأنفال الآية 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وانهزمت هوازن، وملك الأموال والعيال، واستحر القتل فى بنى مالك من ثقيف. فقتل منهم خاصة يومئذ سبعون رجلا، فى جملتهم رئيساهم: ذو الخمار، وأخوه عثمان، ابنا عبد الله بن ربيعة بن الحارث، ولم يقتل من الأحلاف إلا رجلان، لأن سيدهم قارب بن الأسود لما رأى أول الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وفر بقومه. وهرب مالك بن عوف النصرى مع جماعة منهم، فدخل الطائف مع ثقيف، وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس. وتوجه بنو غيرة من الأحلاف من ثقيف إلى نخلة، فاتبعت طائفة من خيل المسلمين من توجه نحو نخلة، وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس من بنى سليم: دريد بن الصمة فقتله، وقيل: إن قاتل دريد هو عبد الله بن قنيع بن أهبان ابن ثعلبة بن ربيعة. وفى هذه الغزوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انقضائها: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من اجتمع من هوازن بأوطاس، أبا عامر الأشعرى، واسمه عبيد، وهو عم أبى موسى الأشعرى، فقتل أبو عامر بسهم، رماه سلمة بن دريد، وأخذ أبو موسى الراية وشد على قاتل عمه فقتله. واستحر القتل فى بنى نصر بن معاوية؛ وقيل: رمى أبا عامر أخوان، وهما: العلاء وأو فى ابنا الحارث، أصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته، ثم قتلهما أبو موسى. وقيل: بل قتل تسعة إخوة من المشركين يدعو كل واحد منهم إلى الإسلام، ثم يحمل عليه فيقتله، ثم حمل عليه عاشرهم، فقتل عاشرهم أبا عامر، ثم أسلم ذلك العاشر بعد ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 واستشهد يوم حنين من المسلمين: أيمن بن عبيد، وهو ابن أم أيمن، أخو أسامة بن زيد لأمه. ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، جمح به فرسه، ويقال له «الجناح» فقتل. وسراقة بن الحارث بن عدى بن العجلان، من الأنصار. وأبو عامر الأشعرى. وكانت وقعة هوازن، وهو يوم حنين، فى أول شوال من السنة الثامنة من الهجرة. وأما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوازن نساءهم وأبناءهم، وإعطاؤه صلى الله عليه وسلم من أعطى من أموالهم من سادات قريش، وأهل نجد، وغيرهم من رؤساء العرب-: فهو مذكور بعد غزوة الطائف . وكان منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين إلى الطائف، ولم يعرج صلى الله عليه وسلم على مكة. غزوة الطائف قال أبو محمد على بن أحمد رحمه الله تعالى: لم يشهد عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة الثقفيان يوم حنين، ولا حصار الطائف، كانا بجرش، يتعلمان صنعة المجانيق والدبابات. فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طريقه من الجعرانة إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية، فابتنى بها صلى الله عليه وسلم مسجدا، فصلى فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وذكر أن رجلا من بنى هذيل ببحرة الرغاء حين نزلها طالب بدم، فأقاده صلى الله عليه وسلم. وكان بالمكان المذكور حصن لمالك بن عوف النصرى، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بهدمه، فهدم. ثم سلك الطريق من بحرة الرغاء، فسأل عن اسمها، فقيل له: الضيقة، فقال: بل هى اليسرى، ثم نزل تحت سدرة يقال لها: الصادرة، بقرب مال رجل من ثقيف، فتمنع الرجل منه فى أطمه، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بهدم ماله، فهدم وأخرب ثم نزل بقرب الطائف، فتحصنت منه ثقيف، وحاربهم المسلمون، فأصيب من المسلمين رجال بالنبل، فزال عن ذلك المنزل إلى موضع المسجد المشهور اليوم، وكان واديا يقال له: العقيق، فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، ويقال: بل بضع عشرة ليلة، وهو الصحيح بلا شك. وكان معه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة. فموضع المسجد اليوم بين منزلهما، فى موضع مصلاه صلى الله عليه وسلم. وتولى بنيان ذلك المسجد عمرو بن أمية بن وهب بن مالك الثقفى. ورماهم صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق، ثم دخل نفر من المسلمين تحت دبابة ودنوا من سور الطائف، فصب عليهم أهل الطائف سكك الحديد المحماة، ورموا بالنبل، فأصابوا منهم قوما. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب أهل الطائف، واسترحمه بن مسعود فى ماله، وكان بعيدا عن الطائف، فكف عن قطعه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل عن الطائف، وحينئذ نزل أبو بكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسلم، وعبيد من أهل الطائف؛ قيل: إن الأزرق، والد نافع بن الأزرق صاحب الأزارقة، منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 واستشهد على الطائف: سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية. وعرفطة بن جناب، حليف لبنى أمية من الأزد. وعبد الله بن أبى بكر الصديق، أصابه سهم، فاستمر منه مريضا حتى مات منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خلافة أبيه. وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة المخزومى، أخو أم سلمة، أم المؤمنين. وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزى، حليف بنى عدى بن كعب. والسائب بن الحارث بن قيس بن عدى. وأخوه: عبد الله بن الحارث، السهميان. وجليحة بن عبد الله، من بنى سعد بن ليث: وثابت بن الجذع، من بنى سلمة من الأنصار. والحارث بن سهل بن أبى صعصعة، من بنى مازن بن النجار. والمنذر بن عبد الله، من بنى ساعدة. ومن الأوس: رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية. وكان بجير بن زهير بن أبى سلمى، الشاعر ابن الشاعر، حسن الإسلام، ممن شهد حنينا والطائف. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، وأتاه هناك وفد هوازن مسلمين راغبين، فخيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عيالهم وأبنائهم وبين أموالهم، فاختاروا عيالهم وأبناءهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلموا المسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فى ذلك، ففعلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم. وقال المهاجرون والأنصار: أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن عن أن يردا عليهم ما وقع لهما من الفىء، وساعدهما قومهما. وامتنع العباس بن مرداس السلمى، فطمع أن يساعده قومه بنو سليم، فأبوا، وقالوا: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فرد عليهم صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم، وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضا رضوا بها. وكان عدد سبى هوازن ستة آلاف إنسان، منهم الشيماء أخت النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وهى بنت الحارث بن عبد العزى، من بنى سعد بن بكر بن هوازن، فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها وأحسن إليها، ورجعت إلى بلادها مختارة لذلك. وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال بين المسلمين، ثم أعطى من نصيبه من الخمس المؤلفة قلوبهم؛ وهم: أبو سفيان بن حرب بن أمية، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، والحارث بن الحارث بن كلدة أخو بنى عبد الدار، وقد قال بعضهم: الحارث بن الحارث هذا من مهاجرة الحبشة، فإن صح ذلك فقد أعاذه الله تعالى من أن يكون من المؤلفة قلوبهم الذين أعطوا فى هذه السبيل، وهو أخو النضر بن الحارث الذى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقه صبرا يوم بدر- والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى بن أبى قيس، والعلاء بن جارية الثقفى، حليف بنى زهرة، وصفوان بن أمية الجمحى، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، والأقرع بن حابس التميمى؛ أعطى كل واحد من هؤلاء مائة بعير. وأعطى عباس بن مرداس السلمى أقل من ذلك، فقال شعرا يخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتم له المائة. ومالك بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عوف النصرى، وقد كان فر عن الطائف ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء أصحاب المئين. وأعطى صلى الله عليه وسلم يومئذ عدى بن قيس بن حذافة السهمى خمسين من الإبل؛ وسعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل؛ ولمخرمة بن نوفل الزهرى، وعمرو بن وهب الجمحى، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب أخى بنى عامر بن لؤى- بأقل من مائة لكل واحد منهم. وممن أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عددا دون ذلك: طليق بن سفيان بن أمية ابن عبد شمس، وخالد بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس، وشيبة ابن عثمان بن أبى طلحة بن عبد العزى- وكان يذكر نفسه عن أنه أراد الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فتغشاه أمر لا يقدر على وصفه، قال: فعلمت أنه ممنوع من عند الله-، وأبو السنابل بن بعكك بن حارثة بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وزهير بن أبى أمية بن المغيرة، أخو أم سلمة أم المؤمنين، وخالد بن هشام ابن المغيرة المخزومى، وهشام بن الوليد، أخو خالد بن الوليد، وسفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، والسائب بن أبى السائب ابن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة، أخو بنى عدى بن كعب، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم العدوى، وأحيحة بن أمية الجمحى، ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدى بن الديل، من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة، وعلقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة، وخالد بن هوذة بن خالد- الملقب بالحلس- بن ربيعة بن عمرو، فارس الضحياء، بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأخوه: حرملة بن هوذة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فكان لشباب الأنصار فى ذلك كلام لم يرض به أشياخهم ولا خيارهم، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمة الله تعالى عليهم بالإسلام، وبه عليه الصلاة والسلام، وأنه إنما أعطى قوما حديثى عهد بالإسلام وبمصيبة، يتألفهم على الإسلام، فرضوا، رضوان الله عليهم «1» . وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم جعيل بن سراقة الضمرى، وأنه لم يعطه شيئا، فأخبر أنه خير من طلاع الأرض «2» مثل عيينة، تألف عيينة، ووكل جعيل بن سراقة إلى إسلامه. وكان هذا القسم بالجعرانة؛ ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة إلى مكة، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين لذى القعدة. وكانت قصة الطائف فى ذى القعدة من السنة الثامنة من الهجرة. وكانت مدة غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم- مذ خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها وأوقع بهوازن وحارب الطائف إلى أن رجع إلى المدينة-: شهرين وستة عشر يوما. واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع النصرى، وهو الذى كان رئيس الكفار يوم حنين، على من أسلم من قومه، ومن سلمة، وفهم وثمالة. وأمره صلى الله عليه وسلم بمغاورة ثقيف ففعل، وضيق عليهم، وحسن إسلامه وإسلام من معه وإسلام جميع المؤلفة قلوبهم، حاشا عيينة بن حصن فلم يزل مغموزا.   (1) وفيهم يقول صلى الله عليه وسلم: « ... لو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» . (2) طلاع الأرض: ملء الأرض وأكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وكان المؤلفة قلوبهم- مع حسن إسلامهم- متفاضلين فى الإسلام، منهم الفاضل المجتهد: كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام؛ وفيهم خيار دون هؤلاء: كصفوان بن أمية، وعمرو بن وهب، ومطيع بن الأسود، ومعاوية بن أبى سفيان؛ وسائرهم لا نظن بهم إلا الخير. وكان ممن أسلم، يوم الفتح وبعده، من الأشراف «1» نظراء من ذكرنا، ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانهم، وقوة نياتهم فى الإسلام لله تعالى، فلم يدخلهم مدخل من أعطاه-: عكرمة أبى جهل، وعتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية، وجبير بن مطعم. واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد؛ وهو شاب، ابن نيف وعشرين سنة، وكان فى غاية الورع والزهد، فأقام الحج بالمسلمين تلك السنة. وهو أول أمير أقام الحج فى الإسلام، وحج المشركون على مشاعرهم. وأتى كعب بن زهير بن أبى سلمى تائبا مادحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قبل ذلك يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل صلى الله عليه وسلم إسلامه ومدحه، وأثابه. غزوة تبوك هذه آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه. وكان رجوع النبى صلى الله عليه وسلم من عمرته بعد حصار الطائف- كما ذكرنا- فى آخر ذى القعدة من سنة ثمان.   (1) فى الأصل: الأعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فأقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا الأول، وربيعا الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة. فلما كان فى رجب من سنة تسع من الهجرة، أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو الروم؛ وذلك فى حر شديد حين طاب أول الثمر، وفى عام جدب. وكان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يغزو إلى وجه إلا ورى بغيره، إلا غزوة تبوك، فإنه صلى الله عليه وسلم بينها للناس، لمشقة الحال فيها، وبعد الشقة، وقوة العدو المقصود. فتأخر الجد بن قيس أخو بنى سلمة وكان متهما، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البقاء، وهو غنى قوى، فأذن له وأعرض عنه، ففيه نزلت: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي، أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا «1» . وكان نفر من المنافقين يجتمعون فى بيت سويلم اليهودى، عند جاسوم يثبطون الناس عن الغزو. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله فى نفر، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل ذلك طلحة، فاقتحم الضحاك بن خليفة، وكان فى البيت، فوقع فانكسرت رجله. وفر أيضا ابن أبيرق، وكان معهم. وأنفق ناس كثير من المسلمين واحتسبوا. فأنفق عثمان رضى الله عنه نفقة عظيمة، روى أنه حمل فى هذه الغزوة على تسعمائة بعير، ومائة فرس، وجهز ركابها، حتى لم يفقدوا عقالا ولا شكالا «2» . وروى أيضا أنه أنفق فيها ألف دينار. وهذه الغزوة أتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاءوه، وهم سبعة: سالم بن عمير من بنى عمرو بن عوف، وعلبة بن زيد أخو بنى حارثة، وأبو ليلى   (1) سورة التوبة الآية 49. (2) الشكال: هو حبل تربط به قوائم الدابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 عبد الرحمن بن كعب أخو بنى مازن بن النجار، وعمرو بن الحمام أخو بنى سلمة، وعبد الله بن المغفل المزنى، وقيل: هو عبد الله بن عمرو المزنى، وهرمى بن عبد الله أخو بنى واقف، وعرباض بن سارية الفزارى. فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا عنده ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون. فذكر أن ابن يامين بن عمرو بن كعب النضرى حمل أبا ليلى وعبد الله بن مغفل على ناضح «1» له يعتقبانه «2» وزودهما تمرا. واعتذر المخلفون من الأعراب، فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونهض عليه صلوات الله وسلامه، واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة، وقيل: بل سباع بن عرفطة، وقيل: بل على بن أبى طالب. وضرب عبد الله بن أبى بن سلول عسكره بناحية غازية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عسكره فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين؛ وهذا باطل، لأنه لم يتخلف معه إلا ما بين السبعين إلى الثمانين فقط، وإنما وقع هذا يوم فى أحد، وفيه أيضا نظر؛ وقد قيل: إنه لم يكن يومئذ من معه أقل العسكرين. والصحيح: أنه كان فى دون ما معه صلى الله عليه وسلم يوم أحد. وأما من كان مع عبد الله بن أبى فى غزوة تبوك، ممن تخلف معه بعد مسيره عليه السلام، فأهل النفاق وأصحاب الريب فى العدة المذكورة. وخطر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر بلاد ثمود، فأمرهم ألا يتوضأ أحد من مائهم، ولا يعجنوا منه، وما عجنوا منه فليعلفوه الإبل، وأمرهم   (1) الناضح: البعير الذى يستقى عليه الماء. (2) يعتقبابه: يركب أحدهم مرة والثانى مرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أن يستعملوا فى كل ذلك من ماء بئر الناقة، وأمر ألا يدخلوا عليهم بيوتهم إلا أن يدخلوها باكين. ونهاهم صلى الله عليه وسلم أن يخرج أحد منهم منفردا دون صاحبه، فخرج رجلان من بنى ساعدة متفرقين، أحدهما للغائط، فخنق على مذهبه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له فشفى. والآخر خرج فى طلب بعير له فرمته الريح فى أحد جبلى طيئ فردته طيئ بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعطش الناس فى هذه الغزوة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، فأرسل سبحانه سحابة فأمطرت. وأضل عليه السلام ناقته، فقال بعض المنافقين: محمد يدعى أنه يعلم خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته؟ فأتى الوحى بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع ناقته، فأخبر أصحابه بذلك، وابتدروا المكان الذى وصف، فوجدوها هنالك. قيل: إن قائل هذا القول زيد بن اللصيت القينقاعى، وكان منافقا، وقيل: إنه تاب بعد ذلك، وقيل: لم يتب. وفى هذه الغزوة ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وقد رأى أبا ذر يتبع أثر الجيش قاصدا اللحاق به صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» . وكان كذلك كما قال صلى الله عليه وسلم. وفضح الله تعالى بالوحى قوما من المنافقين، فتوا فى أعضاد المسلمين بالتخذيل لهم، فتاب منهم مخشن بن حمير، ودعا إلى الله تعالى أن يكفر عنه عنه بشهادة يخفى بها مكانه، فقتل يوم اليمامة، ولم يوجد له أثر. وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم يحنة بن رؤبة صاحب أيلة على الجزية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وبعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك الكندى، صاحب دومة، وأخبره أنه يجده يصيد البقر، فاتفق أن قرب خالد، من حصن أكيدر فى الليل، وقد أرسل الله تعالى بقر الوحش، فباتت تحك القصر بقرونها، فنشط أكيدر ليصيدها، فخرج فى الليل، فأخذه خالد، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفا عنه ورده وصالحه على الجزية. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة، ولم يتجاوزها. وكان فى طريقه ماء قليل، فنهى أن يسبق أحد إلى الماء، فسبق رجلان فاستنفدا ماءه، فسبهما صلى الله عليه وسلم، ثم وضع يده فيه، وتوضأ بماء يبض منه، ثم صبه فيه ودعا بالبركة، فجاشت بماء عظيم غزير، كفى الجيش كله. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك الموضع يصير جنانا، فكان كذلك. وفى منصرفه صلى الله عليه وسلم أمر بهدم مسجد الضرار. وأمر مالك بن الدخشم أخا بنى سالم، ومعن بن عدى أو أخاه عاصم بن عدى أخا بنى العجلان-: بهدم المسجد وحرقه. فدخل مالك بن الدخشم منزله فأخرج منه شعلة نار، فأحرقا المسجد وهدماه. وكان الذين بنوه: خذام بن خالد، من بنى عبيد بن زيد، أحد بنى عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الضرار. ومعتب بن قشير، من بنى ضبيعة بن زيد. وأبو حبيبة بن الأزعر، من بنى ضبيعة بن زيد. وعباد بن حنيف، من بنى عمرو بن عوف. وجارية بن عامر، وابناه: مجمع بن جارية، وزيد بن جارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 ونبتل بن الحارث، من بنى ضبيعة. وبخرج، من بنى ضبيعة. وبجاد بن عثمان، من بنى ضبيعة. ووديعة بن ثابت، من بنى أمية بن زيد. وقد ذكر بعضهم فيه: ثعلبة بن حاطب، وهذا خطأ، لأن ثعلبة بدرى. ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مساجد بين تبوك والمدينة مسماة: مسجد تبوك، ومسجد بثينة مدران، ومسجد بذات الزراب، ومسجد بالأخضر، ومسجد بذات الخطمى، ومسجد بألاء، ومسجد بطرف البتراء من ذنب كواكب، ومسجد بشق تارا، ومسجد بذى الجيفة، ومسجد بصدر حوضى، ومسجد بالحجر، ومسجد بالصعيد، ومسجد بوادى القرى، ومسجد بالرقعة فى شقة بنى عذرة، ومسجد بذى المروة، ومسجد بالفيفاء، ومسجد بذى خشب. وفى هذه الغزاة تخلف كعب بن مالك من بنى سلمة، ومرارة بن الربيع من بنى عمرو بن عوف، وهلال بن أمية الواقفى، وكانوا صالحين، فنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كلامهم مدة خمسين يوما، ثم نزلت توبتهم. وكان المتخلفون لسوء نياتهم من أهل المدينة نيفا وثمانين رجلا. وكان رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك فى رمضان سنة تسع. إسلام ثقيف ولما كان فى رمضان سنة تسع المؤرخ، منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، أتاه وفد ثقيف. وقد كان عروة بن مسعود الثقفى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين والطائف، قبل أن يدخل عليه السلام المدينة، فأسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وكان سيد ثقيف، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرجوع إلى قومه ودعائهم إلى الإسلام، فخشى عليه منهم وحذره، فأبى ووثق بمكانه منهم، فانصرف ودعاهم إلى الإسلام فرموه بالنبل، فمات، فأوصى عند موته أن يدفن خارج الطائف مع الشهداء الذين أصيبوا إذ حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفن هناك، رضوان الله عليه. ثم إن ثقيفا رأوا أنهم لا طاقة لهم بما هم فيه من مغاورة جميع العرب، وكان رئيسهم عمرو بن أمية أخا بنى علاج وعبد يا ليل بن عمرو بن عمير، وهو من الأحلاف من بنى غيرة، وهم فخذ من ثقيف، فاتفقوا على أن يبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد يا ليل بن عمرو ورجلين من الأحلاف، وهما: الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل بن غيلان، وثلاثة من بنى مالك، وهم: عثمان بن أبى العاص بن بشر بن عبد دهمان أخو بنى يسار، ونمير بن خرشة بن ربيعة أخو بنى الحارث، وأوس بن عوف؛ وقد قيل: إنه قاتل عروة بن مسعود؛ فخرجوا حتى قدموا المدينة. فأول من رآهم بقناة: ابن عمهم المغيرة بن شعبة، وكان يرعى فى نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فترك عندهم الركاب، ونهض مسرعا ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم، فلقى أبا بكر، فاستخبره عن شأنه، فأخبره المغيرة بقدوم وفد قومه للإسلام، فأقسم عليه أبو بكر أن يؤثره بتبشيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فكان أبو بكر هو الذى بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر. فرجع المغيرة ورجع معهم، وأخبرهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا، وحيوه بتحية أهل الجاهلية، فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة فى ناحية المسجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذى يختلف بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذى كتب لهم الكتاب، وكان الطعام يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يأكلونه حتى يأكل منه خالد. وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك لهم الطاغية مدة ما، لا يهدمها؛ فأبى عليهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسألوا أيضا أن يعفو من الصلاة، فأبى عليهم صلى الله عليه وسلم من ذلك. وسألوا ألا يهدموا أو ثانهم بأيديهم، فأجابهم إلى ذلك. وأمر عليهم عثمان بن أبى العاص، وكان أحدثهم سنا، لأنه عليه السلام رآه أحرصهم على تعلم القرآن وشرائع الإسلام؛ فأسلموا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبى العاص بتعليمهم شرائع الإسلام. ومما أمره به: أن يصلى بهم، وأن يقتدى بأضعفهم، أى لا يطول عليهم إلا على قدر قوة أضعف من يصلى وراءه. وأمره أيضا أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا. ثم انصرف إلى بلادهم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة، لهدم الطاغية، وهى اللات. فأقام أبو سفيان بماله بذى الهرم، وقال للمغيرة: ادخل أنت على قومك. فدخل المغيرة وشرع فى هدم الطاغية، وأقام قومه دونه: بنو معتب، خشية أن يرمى؛ وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين اللات وينحن عليها. وهدمها المغيرة، وأخذ مالها وحليها. وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال الطاغية دين عروة بن مسعود؛ ورغب إليه قارب بن الأسود بن مسعود أن يقضى دينه الذى تحمل به عن أبيه. ففعل ذلك. وقد كان أبو مليح بن عروة بن مسعود، وقارب بن الأسود. قد أسلما قبل إسلام ثقيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 حجة أبى بكر الصديق رضى عنه وبعث على بن أبى طالب رضى الله عنه يسورة «براءة» يقرؤها على الناس فى الموسم وحج بالناس عام تسع فى ذى الحجة أبو بكر الصديق. أميرا على الناس فى الحج. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب رضوان الله عليه بسورة براءة، يقرؤها على الناس فى الموسم، نابذا إلى كل ذى عهد عهده، ومبطلا كل عقد سلف، على ما نص فى السورة من الأحكام. وبالله تعالى التوفيق. فصل ثم تواترت وفود العرب مذعنة بالإسلام، إلا من خذله الله تعالى: كعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وأربد بن قيس بن جزء ابن خالد بن جعفر بن كلاب، فإنهما وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيا الإسلام فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما؛ فهلك عامر بالغدة، وهلك أربد بالصاعقة. ووفد من بنى تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عطارد بن حاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم المنقرى، ومالك بن وقش بن عاصم، والحتات، وهو الذى آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان، ونعيم بن يزيد، وقيس بن الحارث. وقد كان الأقرع بن حابس أسلم قبل ذلك. وقدم من بنى سعد بن بكر: ضمام بن ثعلبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وقدم الجارود العبدى، والأشج العصرى، وغيرهما من وفود عبد القيس وكانوا قد قدموا قبل فتح مكة فأسلموا حينئذ. وقدم وفد بنى حنيفة، فيهم مسيلمة، فلما رجعوا تنبأ لعنه الله تعالى، وارتد معه من العرب من خذله الله تعالى من قومه. وثبت ثمامة بن أثال. رضوان الله عليه، على الإسلام. ووفد زيد الخيل الطائى، وافد طيئ. وقدم فروة بن مسيك المرادى، وافد قومه، فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مذحج كلها بجميع قبائلها. ووفد عمرو بن معد يكرب، فأسلم. وقدم صرد بن عبد الله الأزدى، وافد الأزد. وبعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن. وأسلم فروة بن عمرو الجذامى، وهادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه صاحب ما يليه من بلاد الروم فصلبه. وبعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بنى الحارث بن كعب بنجران، فأسلموا حجة الوداع ثم حج عليه السلام حجة الوداع، خرج لها من المدينة بعد أن صلى الظهر يوم الخميس لست بقين لذى القعدة، وبات بذى الحليفة، وأهل منها قارنا بين الحج والعمرة، وكان معه الهدى: مائة من الإبل، بعضها حملها صلى الله عليه وسلم مع نفسه، وبعضها، وهو نحو الثلث، أتى بها على بن أبى طالب رضى الله عنه من اليمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ودخل عليه الصلاة والسلام مكة من أعلاها، يوم الأحد لأربع خلون لذى الحجة سنة عشر. وأمر فى طريقه من شاء أن يهل بحج فليفعل، ومن شاء أن يهل بعمرة فليفعل، ومن شاء أن يقرن بينهما فليفعل. فلما قرب من مكة أمر من كان معه هدى أن يقرن بين عمرة وحجة، وأمر كل من لا هدى معه أن يفسخ حجة بعمرة ولا بد. وسئل عن تمتعهم تلك، ألعامهم ذلك أم للأبد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل لأبد أبد، دخلت العمرة فى الحج إلى يوم القيامة. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضى الله عنها- إذ حاضت، وكانت قد أهلت بعمرة- أن تضيف إليها حجة، وتعمل كل ما يعمل الحاج، حاشا الطواف بالبيت. وطاف صلى الله عليه وسلم لعمرته وحجه طوافا واحدا. وتطيب لإحرامه حين أحرم، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت، بطيب فيه مسك، بقى ظاهرا فى رأسه المقدس أكثر من ثلاثة أيام بعد إحرامه. وأمر بمحرم مات بعرفة أن يكفن فى ثوبيه، ولا يمس بطيب، ولا يخمر وجهه ولا رأسه. وأمر الناس ألا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت، إلا الحائض التى طافت قبل حيضها بالبيت طواف الإفاضة. ثم رجع إلى المدينة من أسفل مكة قبل طلوع الشمس يوم الأربعاء الرابع عشر لذى الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وفاته صلى الله عليه وسلم ثم لما أسلم الناس علم صلى الله عليه وسلم أنه راحل إلى ربه تعالى، فخرج صلى الله عليه وسلم فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت بعد نحو عشرة أعوام. ثم لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذى مات فيه، كان فى بيت ميمونة أم المؤمنين، ثم استأذن صلى الله عليه وسلم نساءه أن يمرض فى بيت عائشة أم المؤمنين، فأذن له فى ذلك. وعرض عليه عند إغمائه أن يلدوه، فنهاهم عن ذلك، فتمادوا على أمرهم ولدوه. واللد: شىء كانت تصنعه العرب، وهو دواء فى شقى الفم. فلما أفاق أمر بالاقتصاص منهم كلهم، فلدوا كلهم، حاشا عمه العباس، فإنه لم يحضر ذلك الفعل إذ لدوه. ولدت سودة أم المؤمنين وهى صائمة. فلما كان يوم الخميس- قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربع ليال- اجتمع عنده جمع من الصحابة، فقال عليه السلام: ائتونى بكتف ودواة أكتب لكم كتابا، لا تضلون بعدى. فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه كلمة أراد بها الخير، فكانت سببا لامتناعه من ذلك الكتاب، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندنا كتاب الله، وحسبنا كتاب الله. وساعده قوم، حتى قالوا: أهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال آخرون: أجيبوا بالكتف والدواة يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لا تضلون بعده. فساء ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالخروج من عنده، فالرزية كل الرزية ما حال بينه وبين ذلك الكتاب. إلا أنه لا شك لو كان من واجبات الدين ولوازم الشريعة لم يثنه عنه كلام عمر ولا غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وكان فى تلك المرضة قال لعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها: لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فأكتب كتابا وأعهد عهدا، لئلا يتمنى متمن أو يقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. فلم يكن، والله أعلم، الكتاب الذى أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتبه، فلا يضل بعده، إلا فى استخلاف أبى بكر. وقد ظهرت مغبة ذلك، وكاد الناس يهلكون فى الاختلاف فيمن يلى أمر المسلمين بعد، وفى الذى يلى من بعد من قام بعده، وإلى زمن على، والأمر كذلك فيمن بعد على. وبالجملة فالكتاب كان رافعا لهذا النزاع، ولو لم يكن فيه إلا الاستراحة من سفك الدماء فى أمر عثمان ومن بعده؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فلقد هلكت فى هذا طوائف، وتمادى ضلالهم إلى اليوم. وصلى عليه السلام وراء أبى بكر فى الصف صلاة تامة، وصلى أبو بكر بالناس تلك الأيام، بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك إليه. وخرج صلى الله عليه وسلم فى بعض تلك الأيام وهو متوكئ على على والعباس، وأبو بكر قد أخذ فى الصلاة بالناس، فقعد عن يسار أبى بكر، وأبو بكر فى موضع الإمام، وصار أبو بكر واقفا عن يمينه فى موضع المأموم، يسمع تكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى النبى صلى الله عليه وسلم بالناس، يؤمهم قاعدا وهم خلفه. فصار ذلك مؤيدا لما سبق من صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس جالسا. وكان فى هذا إجازة وقوف المذكر فى مثل هذه الصلاة عن يمين الإمام. وهذه آخر صلاة صلاها صلى الله عليه وسلم بالناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ثم إن الله تعالى توفى نبيه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين. حين اشتد الضحى، فى اليوم الثانى عشر من ربيع الأول، عند تمام عشر سنين من الهجرة. وآخر ما رأوه رجال من أصحابه، ففى صلاتهم الصبح من يوم الاثنين المؤرخ. وانقطع الوحى بموته صلى الله عليه وسلم، واستقر الدين. وصلى الناس عليه أرسالا، لم يؤمهم أحد. ودفن فى بيت عائشة أم المؤمنين، نصف ليلة الأربعاء، بعد موته بيوم ونصف يوم ونصف ليلة. وغسله العباس، والفضل وقثم ابناه، وعلى بن أبى طالب، وأسامة بن زيد، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوس بن خولى، أحد بنى عوف ابن الخزرج، من الأنصار بدرى. فكان أسامة وشقران يصبان الماء. وكفن فى ثلاثة أثواب قطن سحولية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة ولا سراويل ولا درع. أدرج فيها عليه السلام فقط. وحفر له أبو طلحة الأنصارى، ولحد له فى جانب القبر، وجبل أسامة اللبن. ودلاه فى قبره على بن أبى طالب، والفضل وقثم ابنا العباس، وشقران، وأوس بن خولى. وبسطت تحته قطيفة له كان يفرشها فى حياته. وقد قيل: إن عبد الرحمن ابن الأسود الزهرى أدخله معهم فى قبره. وكانت مدة مرضه عليه السلام اثنى عشر يوما، ابتدأه الصداع يوم الخميس، وقيل: بل أربعة عشر يوما. وقالت عائشة أم المؤمنين: كان ينفث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه يشبه نفث آكل الزبيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وخير عليه السلام عند موته، فاختار لقاء ربه تعالى، قالت عائشة: سمعته يقول ببحة شديدة: «بل الرفيق الأعلى» . ومات صلى الله عليه وسلم مستندا إلى صدرها. نسأل الله تعالى، مستشفعين به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى جل ثناؤه، أن يجمع بيننا وبينه، وأن يحجبنا ببركة متابعته عن النار، وأن يصلى عليه، وأن يغفر لأمته أجمعين، وأن يجعلنا من أمته. آمين. تم الكتاب بحمد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 محتويات الكتاب الصفحة المقدمة 3 باب نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم 4 مولده ومبعثه وسنه ووفاته صلى الله عليه وسلم 6 أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم 8 حجه صلى الله عليه وسلم وكم اعتمر فى الإسلام 14 غزواته صلى الله عليه وسلم 15 بعوثه صلى الله عليه وسلم 16 صفته وأسماؤه صلى الله عليه وسلم 19 أمراؤه صلى الله عليه وسلم 19 فصل- كتابه صلى الله عليه وسلم 22 رسله صلى الله عليه وسلم 24 نساؤه صلى الله عليه وسلم 26 أولاده صلى الله عليه وسلم 30 أخلاقه صلى الله عليه وسلم 32 جمل من التاريخ 36 الإسراء والمعراج 54 قدوم الأنصار يطلبون الحلف من قريش 55 العقبة الأولى 56 العقبة الثانية 58 تسمية من شهد العقبة من غير النقباء 60 غزوة الأبواء 76 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الصفحة بعث حمزة بن عبد المطلب وبعث عبيدة بن الحارث 76 غزوة بواط 77 غزوة العشيرة- غزوة بدر الأولى- بعث سعد بن أبى وقاص 78 بعث عبد الله بن جحش 79 صرف القبلة- غزوة بدر الثانية 81 تسمية من شهد بدرا من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 78 ذكر شهداء بدر رضوان الله عليهم أجمعين 114 ذكر من قتل من المشركين يوم بدر 115 غزوة بنى سليم 120 غزوة السويق 120 غزوة ذى أمر 121 غزوة بحران 121 غزوة بنى قينقاع 121 البعث إلى كعب بن الأشرف 122 غزوة أحد 123 ذكر من استشهد من المسلمين يوم أحد 132 ذكر من قتل من كفار قريش يوم أحد 138 غزوة حمراء الأسد 140 بعث الرجيع 140 بعث بئر معونة 142 غزوة بنى النضير 144 غزوة ذات الرقاع 145 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الصفحة غزوة بدر الثالثة 146 غزوة دومة الجندل 147 غزوة الخندق 147 ذكر من استشهد يوم الخندق وبنى قريظة 156 بعث عبد الله بن أبى عتيك إلى قتل سلام بن أبى الحقيق وهو أبو رافع 157 غزوة بنى لحيان 159 غزوة ذى قرد 159 غزوة بنى المصطلق 161 غزوة الحديبية 164 غزوة خيبر 167 ذكر من استشهد يوم خيبر 170 فتح فتك 173 فتح وادى القرى 173 عمرة القضاء 174 غزوة مؤتة 174 تسمية من استشهد يوم مؤتة 176 غزوة فتح مكة 177 غزوة يوم حنين 187 غزوة يوم الطائف 192 غزوة تبوك 198 إسلام ثقيف 203 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الصفحة حجة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وبعث على بن أبى طالب رضى الله عنه بسورة براءة يقرؤها على الناس فى الموسم 206 فصل 206 حجة الوداع 207 وفاته صلى الله عليه وسلم 209 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216