الكتاب: تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام المؤلف: أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين (المتوفى: 733هـ) المحقق: قدم له: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، تحقيق ودراسة وتعليق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد الناشر: دار الثقافة بتفويض من رئاسة المحاكم الشرعية بقطر - قطر/ الدوحة الطبعة: الثالثة، 1408هـ -1988م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ابن جماعة، بدر الدين الكتاب: تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام المؤلف: أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين (المتوفى: 733هـ) المحقق: قدم له: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، تحقيق ودراسة وتعليق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد الناشر: دار الثقافة بتفويض من رئاسة المحاكم الشرعية بقطر - قطر/ الدوحة الطبعة: الثالثة، 1408هـ -1988م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) 1 - (1 / أ) الْحَمد لله على نعمه الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، وآلائه الوافية الوافرة، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث بِالْآيَاتِ الباهرة وَالْأَحْكَام الزاهرة، صَلَاة وَسلَامًا دائمين بدوام الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَبعد ... . . فأحق من أهديت إِلَيْهِ أَنْوَاع الحكم والعلوم، وَوَجَبَت لَهُ النَّصِيحَة على الْخُصُوص والعموم: من ولاه الله أُمُور الْإِسْلَام، فنظم أَحْكَامه على أوفق مُرَاد، وَأحسن نظام، وسعى السَّعْي الْجَمِيل فِي مصَالح رَعيته، وشكر نعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي سَرِيرَته وعلانيته. 2 - وَهَذَا مُخْتَصر فِي جمل (1 / ب) من الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة، ونبذ من الْقَوَاعِد الإسلامية، وَذكر أَمْوَال بَيت المَال وجهاته، وَمَا يَصح من عطائه وإقطاعاته، وَمَا يسْتَحقّهُ المرصدون للغزو وَالْجهَاد، وَذكر أكَابِر الْأُمَرَاء والأجناد، وآلات الْقِتَال من السِّلَاح والأعتاد، وَكَيْفِيَّة الْقِتَال، وَمن الْمُخَاطب من أَهله، وتفصيل أَمْوَال الْفَيْء والغنائم وأقسامها، وَمَا يخْتَص بهَا من تَفْصِيل أَحْكَامهَا، وَذكر هدنة الْمُشْركين، وَأَحْكَام أهل الذِّمَّة والمستأمنين. الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 3 - واستندت فِيهِ إِلَى السّنَن والْآثَار، وأقوال عُلَمَاء الْأَمْصَار، فَهُوَ سهل المطالعة لتقرير فهمه، قريب الْمُرَاجَعَة لصِغَر حجمه، وقصدت فِيهِ غَايَة الِاخْتِصَار مَخَافَة الْملَل من الْإِكْثَار، والمرجو من الله تَعَالَى قبُول حسن مقاصده وَحُصُول النَّفْع بفوائده، إِنَّه أكْرم مسؤول (2 / أ) ، وَخير مأمول. وَقد سميته بِمَا يشْعر بِمَعْنَاهُ، ويسفر عَن مُقْتَضَاهُ وَهُوَ " تَحْرِير الْأَحْكَام فِي تَدْبِير أهل الْإِسْلَام ". ورتبته على أَبْوَاب تجمع مَقْصُود الْكتاب: الْبَاب الأول: فِي وجوب الْإِمَامَة، وشروط الإِمَام وَأَحْكَامه. الْبَاب الثَّانِي: فِيمَا للْإِمَام وَالسُّلْطَان وَمَا عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مفوض إِلَيْهِ. الْبَاب الثَّالِث: فِي تَقْلِيد الوزراء وَمَا يحملونه من الأعباء. الْبَاب الرَّابِع: فِي اتِّخَاذ الامراء عدَّة لجهاد الْأَعْدَاء. الْبَاب الْخَامِس: فِي حفظ الأوضاع الشَّرْعِيَّة وقواعد مناصبها المرضية. الْبَاب السَّادِس: (2 / ب) فِي اتِّخَاذ الأجناد والأعتاد لقيامهم بفريضة الْجِهَاد. الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الْبَاب السَّابِع: فِي عَطاء السُّلْطَان وجهاته، وأنواع إقطاعاته. الْبَاب الثَّامِن: فِي تَقْدِير عَطاء الأجناد وَمَا يسْتَحقّهُ أهل الْجِهَاد. الْبَاب التَّاسِع: فِي اتِّخَاذ الْخَيل وَالسِّلَاح والأعتاد للقائمين بِفَرْض الْجِهَاد. الْبَاب الْعَاشِر: فِي وضع الدِّيوَان، وأقسام ديوَان السُّلْطَان. الْبَاب الْحَادِي عشر: فِي فضل الْجِهَاد ومقدماته، وَمن يتأهل لَهُ من حماته. الْبَاب الثَّانِي عشر: فِي كَيْفيَّة الْجِهَاد والقتال وَالصَّبْر على مكافحة الْأَبْطَال. (3 / أ) الْبَاب الثَّالِث عشر: فِي الْغَنِيمَة وأقسامها وتفاصيل أَحْكَامهَا. الْبَاب الرَّابِع عشر: فِي قسْمَة الْغَنِيمَة ومستحقيها وَمَا يجب على الْحُكَّام فِيهَا. الْبَاب الْخَامِس عشر: فِي الْهُدْنَة والأمان وَأَحْكَام الاستئمان. الْبَاب السَّادِس عشر: فِي قتال أهل الْبَغي من أهل الْإِسْلَام. الْبَاب السَّابِع عشر: فِي عقد الذِّمَّة وَأَحْكَامه وَمَا يجب الْتِزَامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 (الْبَاب الأول) (فِي وجوب الْإِمَامَة وشروط الإِمَام وَأَحْكَامه) 4 - قَالَ الله تَعَالَى: {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله} (3 / ب) . وَقَالَ الله تَعَالَى: {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور} . ضمن سُبْحَانَهُ نصْرَة الْمُلُوك بِهَذِهِ الشُّرُوط الْأَرْبَعَة، فَإِذا قَامُوا بِهَذِهِ الشُّرُوط تحقق لَهُم النَّصْر الْمَشْرُوط. 5 - وَيجب نصب إِمَام بحراسة الدّين، وسياسة أُمُور الْمُسلمين، وكف أَيدي الْمُعْتَدِينَ، وإنصاف المظلومين من الظَّالِمين، وَيَأْخُذ الْحُقُوق من مواقعها، ويضعها جمعا وصرفاً فِي موَاضعهَا، فَإِن بذلك صَلَاح الْبِلَاد وَأمن الْعباد، وَقطع مواد الْفساد، لِأَن الْخلق لَا تصلح أَحْوَالهم إِلَّا بسُلْطَان يقوم بسياستهم، ويتجرد لحراستهم؛ وَلذَلِك قَالَ بعض الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الْحُكَمَاء: جور (4 / أ) السُّلْطَان أَرْبَعِينَ سنة خير من رعية مُهْملَة سَاعَة وَاحِدَة. وَنقل الطرطوشي. رَحمَه الله فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض} قيل فِي مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن الله تَعَالَى أَقَامَ السُّلْطَان فِي الأَرْض يدْفع الْقوي عَن الضَّعِيف، وينصف الْمَظْلُوم من ظالمه؛ لتواثب النَّاس بَعضهم على بعض، ثمَّ امتن الله تَعَالَى على عباده بِإِقَامَة السُّلْطَان لَهُم بقوله تَعَالَى: {وَلَكِن الله ذُو فضل على الْعَالمين} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَرُوِيَ فِي الحَدِيث: " السُّلْطَان ظلّ الله فِي الأَرْض يأوي إِلَيْهِ كل مظلوم من عباده، فَإِذا عدل كَانَ لَهُ الْأجر وعَلى الرّعية الشُّكْر، وَإِن جَار كَانَ عَلَيْهِ الإصر وعَلى الرّعية الصَّبْر ". وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِمَام عَادل خير من مطر وابل. وَذَلِكَ لِأَن النَّاس على دين الْملك، فَإِذا عدل لَزِمت الرّعية الْعدْل وقوانينه، (4 / ب) فانتعش الْحق، وتناصف النَّاس، وَذهب الْجور، فترسل السَّمَاء بركاتها، وَتخرج الأَرْض نباتها، وتكثر الْخيرَات وتنمو التِّجَارَات. وَقيل: لَيْسَ فَوق رُتْبَة السُّلْطَان الْعَادِل رُتْبَة إِلَّا نَبِي مُرْسل أَو ملك مقرب. وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ: لَو كَانَت لي دَعْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مستجابة لَدَعَوْت بهَا إِلَى السُّلْطَان، لِأَن فِي صَلَاحه صَلَاح الْبِلَاد والعباد، وَفِي فَسَاده فسادهما. وَقيل: السُّلْطَان من الرّعية كالروح من الْجَسَد، فَإِن استقام مزاجها استقام مزاج جَمِيع أَعْضَائِهِ وحواسه، وَإِن فَسدتْ فسد مزاج الْأَعْضَاء بفسادها، وتعطلت أَحْوَال الْجَسَد. فصل (1) 6 - الْإِمَامَة ضَرْبَان: اختيارية وقهرية: 7 - أما الاختيارية: فلأهليتها عشر شُرُوط وَهِي: أَن يكون الإِمَام ذكرا، حرا، بَالغا، عَاقِلا، مُسلما، عدلا، شجاعاً، قرشياً، عَالما، كَافِيا (5 / أ) لما يَتَوَلَّاهُ من سياسة الْأمة ومصالحها، الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فَمَتَى عقدت الْبيعَة لمن هَذِه صفته - وَلم يكن ثمَّة إِمَام غَيره انْعَقَدت بيعَته وإمامته؛ ولزمت فِي غير مَعْصِيّة الله طَاعَته. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} فقرن طَاعَة ولي الْأَمر بِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رَسُوله، واطلق الْأَمر بطاعتهم وَلم يسْتَثْن مِنْهُ شَيْء إِلَّا الْمعْصِيَة، فَدلَّ ذَلِك على أَن مخالفتهم فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة مَعْصِيّة، وعَلى هَذَا يحمل مَا ورد من تعزيرات عمر رَضِي الله عَنهُ مِمَّن خَالف أمره فِي غير مَعْصِيّة. فصل (2) 8 - وتنعقد الْإِمَامَة الاختيارية: بطريقتين. والقهرية: بطرِيق ثَالِث. 9 - الطَّرِيق الأول فِي الاختيارية: بيعَة أهل العقد والحل: من الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء، والرؤساء، ووجوه النَّاس الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الَّذِي يَتَيَسَّر حضورهم بِبَلَد الإِمَام (5 / ب) عِنْد الْبيعَة، كبيعة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْم السَّقِيفَة. وَلَا يشْتَرط فِي أهل الْبيعَة عدد مَخْصُوص، بل من تيَسّر حُضُوره عِنْد عقدهَا، وَلَا تتَوَقَّف صِحَّتهَا على مبايعة أهل الْأَمْصَار، بل مَتى بَلغهُمْ لَزِمَهُم الْمُوَافقَة إِذا كَانَ الْمَعْقُود لَهُ أَهلا لَهَا. 10 - الطَّرِيق الثَّانِي: اسْتِخْلَاف الإِمَام الَّذِي قبله: كَمَا اسْتخْلف أَبُو بكر رَضِي الله عَنْهُمَا، وَأَجْمعُوا على صِحَّته. فَإِن جعل الإِمَام الْأَمر بعده شُورَى فِي جمَاعَة صَحَّ أَيْضا، ويتفقون على وَاحِد مِنْهُم، كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ بِأَهْل الشورى من الْعشْرَة، وَكَانُوا سِتَّة: عُثْمَان، وَعلي، وَطَلْحَة، الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَالزُّبَيْر، وَسعد، وَعبد الرَّحْمَن، وَاتَّفَقُوا على عُثْمَان، وَلَو عهد بِالْإِمَامَةِ إِلَى فلَان وَبعده إِلَى فلَان صَحَّ أَيْضا، وَكَانَت الْخلَافَة بعده على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مَا رتبه، كَمَا فعل (6 / أ) النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي أُمَرَاء غَزْوَة مؤته. وَيشْتَرط فِي الْخَلِيفَة الْمُسْتَخْلف والمستخلف بعده: أَن يَكُونَا قد جمعا شُرُوط الْإِمَامَة، وَأَن يقبل ولي الْعَهْد ذَلِك بعد الْعَهْد، وَقبل موت الْمُسْتَخْلف لَهُ، فَإِن رده لم تَنْعَقِد الْبيعَة. 11 - وَأما الطَّرِيق الثَّالِث، الَّذِي تَنْعَقِد بِهِ الْبيعَة القهرية: فَهُوَ قهر صَاحب الشَّوْكَة، فَإِذا خلا الْوَقْت عَن إِمَام فتصدى لَهَا من هُوَ من أَهلهَا، وقهر النَّاس بشوكته وَجُنُوده بِغَيْر بيعَة أَو اسْتِخْلَاف، انْعَقَدت بيعَته، ولزمت طَاعَته، لينتظم شَمل الْمُسلمين وتجتمع كلمتهم. وَلَا يقْدَح فِي ذَلِك كَونه جَاهِلا أَو فَاسِقًا فِي الْأَصَح. وَإِذا انْعَقَدت الْإِمَامَة بِالشَّوْكَةِ وَالْغَلَبَة لوَاحِد ثمَّ قَامَ آخر فقهر الأول بشوكته وَجُنُوده، انْعَزل الأول وَصَارَ الثَّانِي إِمَامًا، لما قدمْنَاهُ (6 / ب) الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 من مصلحَة الْمُسلمين وَجمع كلمتهم، وَلذَلِك قَالَ ابْن عمر فِي أَيَّام الْحرَّة: نَحن مَعَ من غلب. فصل (3) 12 - لَو كَانَت شُرُوط الْخلَافَة فِي جمَاعَة صَالِحَة لَهَا، قدم أهل الْحل وَالْعقد أَصْلحهم للْمُسلمين. فَإِن عقدت للمفضول جَازَ عِنْد أَكثر الْعلمَاء. وَلَو كَانَ أحدهم أعلم مثلا وَالْآخر أَشْجَع مثلا: فَالْأولى أَن يقدم مِنْهُمَا من يَقْتَضِيهِ حَال الْوَقْت؛ فَإِن كَانَ عِنْد ظُهُور الْعَدو وخوفه وخلل الثغور، فالأشجع أولى من الأعلم. وَإِن كَانَ عِنْد ظُهُور الْبدع وَقلة الْعلم مَعَ الْأَمْن من الْعَدو وظهوره، فالأعلم أولى. 13 - وَلَا يجوز عقد الْإِمَامَة لاثْنَيْنِ، لَا فِي بلد وَاحِد وَلَا فِي بلدين، وَلَا فِي إقليم وَاحِد وَلَا فِي إقليمين، فَإِن عقد لاثْنَيْنِ فِي وَقت وَاحِد بطلت الْبيعَة وتستأنف لأَحَدهمَا أَو لغَيْرِهِمَا، وَإِن كَانَا فِي وَقْتَيْنِ مَعَ بَقَاء الأول، فالبيعة الثَّانِيَة (7 / أ) بَاطِلَة حَيْثُ كَانَت. الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَإِن جهل السَّابِق مِنْهُمَا استؤنفت الْبيعَة لأَحَدهمَا أَو لغَيْرِهِمَا. فصل (4) 14 - وَصفَة الْبيعَة أَن يُقَال: " بايعناك راضين على إِقَامَة الْعدْل وَالْقِيَام بفروض الْإِمَامَة على كتاب الله وَسنة رَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ". وَلَا تفْتَقر إِلَى الصفق بِالْيَدِ بل يَكْفِي فِيهِ القَوْل. 15 - وَمن عقدت لَهُ الْبيعَة جَازَ أَن يُسمى " خَليفَة " وَأَن يُقَال خَليفَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، لِأَنَّهُ خَليفَة فِي أمته، وَالأَصَح: أَن لَا يُقَال خَليفَة الله، وَلذَلِك عِنْدَمَا قيل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: " يَا خَليفَة الله ". قَالَ: لست خَليفَة الله، وَلَكِنِّي خَليفَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الْبَاب الثَّانِي فِيمَا للخليفة وَالسُّلْطَان وَمَا عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مفوض إِلَيْهِ 16 - لإِمَام الْمُسلمين أَن يُفَوض ولَايَة كل أقليم أَو بلد أَو نَاحيَة أَو عمل إِلَى كفؤٍ للنَّظَر (7 / ب) الْعَام فِيهِ، لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَى ذَلِك لاسيما فِي الْبِلَاد الْبَعِيدَة، كَمَا ولى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عتاب بن أسيد مَكَّة، وَولى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ خَالِد بن الْوَلِيد على الشَّام، وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ على الطَّائِف، الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَأَبا مُوسَى رَضِي الله عَنهُ على زبيد. وَولى عمر رَضِي الله عَنهُ أَبَا عُبَيْدَة على الشَّام، وَأَبا مُوسَى على الْبَصْرَة، وعمار بن يَاسر على الْكُوفَة، وَعَمْرو بن الْعَاصِ على مصر. وَلم يزل ذَلِك عَادَة الْخُلَفَاء لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فصل (1) 17 - إِذا فوض الْخَلِيفَة إِلَى رجل ولَايَة إقليم أَو بلد أَو عمل، فَإِن كَانَ تفويضاً خَاصّا بِعَمَل خَاص: لم يكن لَهُ الْولَايَة فِي غَيره، كَمَا إِذا ولاه الْجَيْش دون الْأَمْوَال أَو الْأَمْوَال دون الْأَحْكَام وَنَحْو ذَلِك. 18 - وَإِن كَانَ تفويضاً عَاما - كعرف الْمُلُوك والسلاطين فِي زَمَاننَا - جَازَ لَهُ تَقْلِيد الْقُضَاة (8 / أ) والولاة، وتدبير الجيوش، وَاسْتِيفَاء الْأَمْوَال من جَمِيع جهاتها، وصرفها فِي مصارفها، وقتال الْمُشْركين والمحاربين. وَلَا ينظر فِي غير الإقليم الْمُفَوض إِلَيْهِ، لِأَن ولَايَته خَاصَّة. 19 - وَيعْتَبر فِي السُّلْطَان الْمُتَوَلِي من جِهَة الْخَلِيفَة مَا يعْتَبر فِيهِ خلا النّسَب لِأَنَّهُ قَائِم مقَامه. الحديث: 17 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فصل (2) 20 - إِذا استولى ملك بِالْقُوَّةِ والقهر والشوكة على بِلَاد، فَيَنْبَغِي للخليفة أَن يُفَوض أمورها إِلَيْهِ استدعاء لطاعته، ودفعا لمشاققته وخوفاً من اخْتِلَاف الْكَلِمَة، وشق عَصا الْأمة، فَيصير بذلك التَّفْوِيض صَحِيح الْولَايَة، نَافِذ الْأَحْكَام. فَإِن لم يكن أَهلا لذَلِك لفقد الصِّفَات الْمُعْتَبرَة جَازَ للخليفة إِظْهَار تَقْلِيده لما ذَكرْنَاهُ من الْمصَالح. وَيَنْبَغِي أَن يعين لَهُ نَائِبا أَهلا لتقليد الْولَايَة، ينفذ الْأُمُور لتَكون صِفَات (8 / ب) النَّائِب جَائِزَة لما فَاتَ من صِفَات المستولي قهرا، فتنتظم الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية. فصل (3) 22 - للسُّلْطَان والخليفة على الْأمة عشرَة حُقُوق، وَلَهُم عَلَيْهِ عشرَة حُقُوق. 23 - أما حُقُوق السُّلْطَان الْعشْرَة: فَالْحق الأول: بذل الطَّاعَة لَهُ ظَاهرا وَبَاطنا، فِي كل مَا يَأْمر بِهِ أَو ينْهَى عَنهُ، إِلَّا أَن الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 يكون مَعْصِيّة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} . وأولو الْأَمر هم: الإِمَام ونوابه عِنْد الْأَكْثَرين. وَقيل: هم الْعلمَاء. وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " السّمع وَالطَّاعَة على الْمُسلم فِيمَا أحب أَو كره مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة ". فقد أوجب الله تَعَالَى وَرَسُوله: طَاعَة ولي الْأَمر، وَلم يستثنِ مِنْهُ سوى الْمعْصِيَة، فَبَقيَ مَا عداهُ على الِامْتِثَال. الْحق الثَّانِي: بذل النَّصِيحَة لَهُ سرا وَعَلَانِيَة. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الدّين النَّصِيحَة " قَالُوا: لمن؟ (9 / أ) " قَالَ لله، وَلِرَسُولِهِ، ولأئمة الْمُسلمين، وعامتهم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الْحق الثَّالِث: الْقيام بنصرتهم بَاطِنا وظاهراً ببذل المجهود فِي ذَلِك لما فِيهِ نصر الْمُسلمين وَإِقَامَة حُرْمَة الدّين، وكف أَيدي الْمُعْتَدِينَ. الْحق الرَّابِع: أَن يعرف لَهُ عَظِيم حَقه، وَمَا يجب من تَعْظِيم قدره، فيعامل بِمَا يجب لَهُ من الاحترام وَالْإِكْرَام، وَمَا جعل الله تَعَالَى لَهُ من الإعظام، وَلذَلِك كَانَ الْعلمَاء الْأَعْلَام من أَئِمَّة الْإِسْلَام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مَعَ زهدهم وورعهم وَعدم الطمع فِيمَا لديهم، وَمَا يَفْعَله بعض المنتسبين إِلَى الزّهْد من قلَّة الْأَدَب مَعَهم، فَلَيْسَ من السّنة. الْحق الْخَامِس: إيقاظه عِنْد غفلته، وإرشاده عِنْد هفوته، شَفَقَة عَلَيْهِ، وحفظاً لدينِهِ وَعرضه، وصيانةً لما جعله الله إِلَيْهِ من (9 / ب) الْخَطَأ فِيهِ. الْحق السَّادِس: تحذيره من عَدو يَقْصِدهُ بِسوء، وحاسد يرومه بأذى، أَو خارجي يخَاف عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمن كل شَيْء يخَاف عَلَيْهِ مِنْهُ على اخْتِلَاف أَنْوَاع ذَلِك وأجناسه، فَإِن ذَلِك من آكِد حُقُوقه وأوجبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الْحق السَّابِع: إِعْلَامه بسيرة عماله: الَّذين هُوَ مطَالب بهم، ومشغول الذِّمَّة بسببهم لينْظر لنَفسِهِ فِي خلاص ذمَّته، وللأمة فِي مصَالح ملكه ورعيته. الْحق الثَّامِن: إعانته على مَا تحمله من أعباء الْأمة ومساعدته على ذَلِك بِقدر المكنة، قَالَ الله تَعَالَى {وتعانوا على الْبر وَالتَّقوى} وأحق من أعين على ذَلِك وُلَاة الْأُمُور. الْحق التَّاسِع: رد الْقُلُوب النافرة عَنهُ إِلَيْهِ، وَجمع محبَّة النَّاس عَلَيْهِ؛ لما فِي ذَلِك من مصَالح الْأمة وانتظام أُمُور الْملَّة. الْحق الْعَاشِر: الذب عَنهُ بالْقَوْل وَالْفِعْل، وبالمال وَالنَّفس والأهل فِي الظَّاهِر (10 / أ) وَالْبَاطِن، والسر وَالْعَلَانِيَة. وَإِذا وفت الرّعية بِهَذِهِ الْحُقُوق الْعشْرَة الْوَاجِبَة، وأحسنت الْقيام بمجامعها والمراعاة لموقعها، صفت الْقُلُوب، وأخلصت، وَاجْتمعت الْكَلِمَة وانتصرت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 24 - وَأما حُقُوق الرّعية الْعشْرَة على السُّلْطَان: فَالْأول: حماية بَيْضَة الْإِسْلَام والذب عَنْهَا، إِمَّا فِي كل إقليم إِن كَانَ خَليفَة، أَو فِي الْقطر الْمُخْتَص بِهِ إِن كَانَ مفوضاً إِلَيْهِ، فَيقوم بجهاد الْمُشْركين وَدفع الْمُحَاربين والباغين، وتدبير الجيوش، وتجنيد الْجنُود، وتحصين الثغور بالعدة الْمَانِعَة وَالْعدة الدافعة، وبالنظر فِي تَرْتِيب الأجناد فِي الْجِهَات على حسب الْحَاجَات وَتَقْدِير إقطاعهم، وأرزاقهم، وَصَلَاح أَحْوَالهم. الْحق الثَّانِي: حفظ الدّين على أُصُوله المقررة، وقواعده المحررة، ورد الْبدع، والمبتدعين، (10 / ب) وإيضاح حجج الدّين، وَنشر الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة، وتعظيم الْعلم وَأَهله، وَرفع مناره وَمحله، ومخالطة الْعلمَاء الْأَعْلَام، النصحاء لدين الْإِسْلَام، ومشاورتهم فِي موارد الْأَحْكَام، ومصادر النَّقْض والإبرام. قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ الْحسن: كَانَ الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَالله غَنِيا عَن الْمُشَاورَة، وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن لَهُم. الْحق الثَّالِث: إِقَامَة شَعَائِر الْإِسْلَام: كفروض الصَّلَوَات، وَالْجمع وَالْجَمَاعَات، وَالْأَذَان، وَالْإِقَامَة، والخطابة، والإمامة، وَمِنْه النّظر فِي أَمر الصّيام وَالْفطر، وأهلّته، وَحج الْبَيْت الْحَرَام وعمرته. وَمِنْه: الاعتناء بالأعياد، وتيسير الحجيج من نواحي الْبِلَاد، وَإِصْلَاح طرقها وأمنها فِي مَسِيرهمْ، وانتخاب من ينظر أُمُورهم. الْحق الرَّابِع: فصل القضايا وَالْأَحْكَام، بتقليد الْوُلَاة والحكام لقطع المنازعات بَين الْخُصُوم، وكف الظَّالِم عَن الْمَظْلُوم، وَلَا يولي (11 / أ) ذَلِك إِلَّا من يَثِق بديانته وأمانته وصيانته من الْعلمَاء والصلحاء، والكفاة النصحاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَلَا يدع السُّؤَال عَن أخبارهم والبحث عَن أَحْوَالهم، ليعلم حَال الْوُلَاة مَعَ الرّعية، فَإِنَّهُ مسؤول عَنْهُم، مطَالب بِالْجِنَايَةِ مِنْهُم. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (كل رَاع مسؤول عَن رَعيته) . الْحق الْخَامِس: إِقَامَة فرض الْجِهَاد بِنَفسِهِ، وبجيوشه أَو سراياه وبعوثه، وَأَقل مَا يجب فِي كل سنة مرّة إِن كَانَ بِالْمُسْلِمين قُوَّة، فَإِن دعت الْحَاجة إِلَى أَكثر مِنْهُ وَجب بِقدر الْحَاجة، وَلَا يخلي سنة من جِهَاد إِلَّا لعذر كضعف بِالْمُسْلِمين - وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى - واشتغالهم بفكاك أَسْرَاهُم، واستنقاذ بِلَاد استولى الْكفَّار عَلَيْهَا. وَيبدأ بِقِتَال من يَلِيهِ من الْكفَّار إِلَّا إِذا قَصده الْأَبْعَد، فَيبْدَأ بقتاله لدفعه. الْحق السَّادِس: إِقَامَة الْحُدُود الشَّرْعِيَّة على الشُّرُوط (11 / ب) المرعية، صِيَانة لمحارم الله عَن التجريء عَلَيْهَا، ولحقوق الْعباد عَن التخطي إِلَيْهَا. ويسوّي فِي الْحُدُود بَين الْقوي والضعيف، والوضيع والشريف. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ أَنهم كَانُوا يُقِيمُونَ الْحُدُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 على الوضيع، ويتركون الشريف، وَايْم الله لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سرقت لقطع مُحَمَّد يَدهَا ". الْحق السَّابِع: جباية الزكوات والجزية من أَهلهَا، وأموال الْفَيْء وَالْخَرَاج عِنْد محلهَا، وَصرف ذَلِك فِي مصارفه الشَّرْعِيَّة، وجهاته المرضية، وَضبط جِهَات ذَلِك، وتفويضه إِلَى الثِّقَات من الْعمَّال. الْحق الثَّامِن: النّظر فِي أوقاف الْبر والقربات، وصرفها فِيمَا هِيَ لَهُ من الْجِهَات، وَعمارَة القناطر وتسهيل سبل الْخيرَات. الْحق التَّاسِع: النّظر فِي قسم الْغَنَائِم وتقسيمها، وَصرف أخماسها إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 مستحقيها، كَمَا سَيَأْتِي تفصيلها فِي بَاب (12 / أ) الْغَنَائِم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْحق الْعَاشِر: الْعدْل فِي سُلْطَانه، وسلوك موارده فِي جَمِيع شَأْنه. قَالَ تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذا قُلْتُمْ فاعدلوا} وَفِي كَلَام الْحِكْمَة: عدل الْملك حَيَاة الرّعية، وروح المملكة، فَمَا بَقَاء جَسَد لَا روح فِيهِ. فَيجب على من حكّمه الله تَعَالَى فِي عباده، وملّكه شَيْئا من بِلَاده، أَن يَجْعَل الْعدْل أصل اعْتِمَاده، وَقَاعِدَة استناده، لما فِيهِ من مصَالح الْعباد وَعمارَة الْبِلَاد، وَلِأَن نعم الله يجب شكرها، وَأَن يكون الشُّكْر على قدرهَا، ونعمة الله على السُّلْطَان فَوق كل نعْمَة، فَيجب أَن يكون شكره أعظم من كل شكر. وَأفضل مَا يشْكر بِهِ السُّلْطَان لله تَعَالَى؛ إِقَامَة الْعدْل فِيمَا حكمه فِيهِ، وَلذَلِك رُوِيَ فِي الحَدِيث (عدل الإِمَام فِي رَعيته يَوْمًا وَاحِدًا أفضل من عبَادَة (12 / ب) سِتِّينَ سنة) . وَرُوِيَ: (مائَة سنة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَلما كَانَ خطر السُّلْطَان جسيماً، ونفعه عميماً، كَانَ أجره عِنْد الله عَظِيما، ومقامه فِي الْجنَّة كَرِيمًا، وَلَو لم يكن فِي أجر الْعدْل مَا فِيهِ، لكَانَتْ مصَالح الْملك وَعمارَة الممالك تَقْتَضِيه، وَلذَلِك كَانَ كسْرَى وَغَيره من كفرة الْمُلُوك فِي غَايَة الْعدْل، مَعَ أَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ ثَوابًا وَلَا عقَابا، لأَنهم علمُوا أَن بِالْعَدْلِ صَلَاح ملكهم، وَبَقَاء دولتهم، وَعمارَة بِلَادهمْ. قَالَ الْحُكَمَاء: الْملك بِنَاء أساسه الْجند، والجند جَيش يجمعهُمْ المَال، وَالْمَال رزق تجلبه الْعِمَارَة، والعمارة عمل يَنْمُو بِالْعَدْلِ. وَقَالَ الْحُكَمَاء: الْعَالم بُسْتَان سياجه الدولة، والدولة سُلْطَان يعضده الْجَيْش، والجيش جند يجمعهُمْ المَال، وَالْمَال رزق تجمعه الرّعية، والرعية عبيد ينشئهم الْعدْل. وَقد اتّفقت شرائع الْأَنْبِيَاء وآراء الْحُكَمَاء والعقلاء أَن الْعدْل سَبَب لنمو البركات ومزيد (13 / أ) الْخيرَات، وَأَن الظُّلم والجور سَبَب لخراب الممالك، واقتحام المهالك وَلَا شكّ عِنْدهم فِي ذَلِك. قيل: نزل ملك متخفياً فَمر بِرَجُل لَهُ بقرة، تحلب حلاب ثَلَاثِينَ بقرة فَعجب مِنْهَا، وعزم على أَخذهَا، فحلبت فِي الْغَد نصف حلبها، فَسَأَلَهُ الْملك عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ: أَظن أَن سلطاننا عزم على أَخذهَا، وظلم الْملك يذهب الْبركَة، فَنوى السُّلْطَان تَركهَا، وَعَاهد الله عَلَيْهِ، فجلبت من الْغَد عَادَتهَا، فعاهد السُّلْطَان ربه أَن يعدل مَا بقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَقيل: كَانَ بصعيد مصر نَخْلَة تحمل سِتِّينَ ويبة، فغصبها السُّلْطَان فَلم تحمل ثَمَرَة وَاحِدَة. فقد ظهر أَن بِالْعَدْلِ قيام الْملك ودوام السُّلْطَان، وَشرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فصل (4) 25 - قد ذكرنَا مَا للسُّلْطَان من الْحُقُوق، وفصلنا ذَلِك بِمَا يُغني عَن (13 / ب) إِعَادَته، وَمَا سوى ذَلِك فالسلطان فِيهِ وَاحِد من الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم: من فرض وَسنة، وَطَاعَة ومعصية، وحلال وَحرَام، وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام. فصل (5) 26 - يجب على السُّلْطَان أَن ينزل نَفسه من الله تَعَالَى بِمَنْزِلَة ولاته ونوابه، لِأَنَّهُ فِي ملك الله الَّذِي أَقَامَهُ فِيهِ يتَصَرَّف، وبشريعته الَّتِي أمره بهَا يعْمل، فَكَمَا أَن من أطاعة من نوابه ونصحه فِي مَمْلَكَته، اسْتحق شكره واستمراره، وَأَن من خَالف مَا حدده لَهُ وأوجبه اسْتحق عَزله وغضبه، فَكَذَلِك حَال السُّلْطَان مَعَ الله تَعَالَى فِي رعاياه، إِن أطاعه فيهم أَو عَصَاهُ. الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 27 - وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي للسُّلْطَان مُشَاورَة الْعلمَاء العاملين الناصحين لله وَرَسُوله وللمسلمين فيعتمد عَلَيْهِم فِي أَحْكَامه، ونقضه وإبرامه، وجدير بِملك يكون تَدْبيره بَين نصيحة الْعلمَاء، وَدُعَاء الصلحاء، أَن يقوم عمده، ويدوم أمده. فصل (6) 28 - (14 / أ) إِذا طَرَأَ على الإِمَام أَو السُّلْطَان مَا يُوجب فسقه، فَالْأَصَحّ أَنه لَا يَنْعَزِل عَن الْإِمَامَة بذلك، لما فِيهِ من اضْطِرَاب الْأَحْوَال، بِخِلَاف القَاضِي إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ الْفسق، فَالْأَصَحّ أَنه يَنْعَزِل. 29 - وَإِذا خرج على الإِمَام طَائِفَة من الْمُسلمين فرامت خلعه، أَو منعته حَقًا عَلَيْهَا لَهُ، سَأَلَهُمْ مَا ينقمون، فَإِن ذكرُوا شُبْهَة أزالها، أَو عِلّة أزاحها، فَإِن أصروا على مشاققته وعظهم، وخوفهم بقتاله لَهُم، فَإِن أصروا على المشاققة قَاتلهم، لقَوْله تَعَالَى {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغى حَتَّى تفئ إِلَى أَمر الله} وَلَا يقاتلهم بِمَا يعم كالمنجنيق وَالنَّار إِلَّا لضَرُورَة، وَلَا يتبع فِي الْحَرْب مدبرهم، وَلَا يدفف على جريحهم، وَلَا يسبي حريمهم، وَلَا الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 يغنم أَمْوَالهم؛ لِأَن الْمَقْصُود دفعهم عَن الْبَاطِل، ورجوعهم إِلَى الْحق. وَلَا يضمن أهل الْعدْل مَا أتلفوه عَلَيْهِم فِي الْحَرْب من نفس وَمَال. (14 / ب) وَمن أسر من رِجَالهمْ حبس إِلَى انْقِضَاء حربهم، ثمَّ يتْرك وَيُؤْخَذ عَلَيْهِ الْعَهْد أَنه لَا يعود إِلَى ذَلِك. فصل (7) 30 - السُّلْطَان فِي لُغَة الْعَرَب: قد يسْتَعْمل فِي المملكة وَالْقُدْرَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان} وَقد يسْتَعْمل بِمَعْنى الْحجَّة، وَمِنْه قَوْله {فأتونا بسُلْطَان مُبين} فَسُمي السُّلْطَان سُلْطَانا إِمَّا لملكته وَقدرته، وَإِمَّا لكَونه حجَّة على وجود الله وتوحيده، لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَسْتَقِيم أَمر الإقليم بِغَيْر مُدبر، فَكَذَلِك لَا يَسْتَقِيم أَمر الْعَالم وَمَا فِيهِ من الحكم بِغَيْر مُدبر حَكِيم، وكما لَا يَسْتَقِيم الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 أَمر سلطانين فِي بلد وَاحِد؛ فَكَذَلِك لَا يَسْتَقِيم أَن يكون للوجود إلهان، قَالَ الله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} . وَقيل: وَهُوَ مُشْتَقّ من السليط، لِأَنَّهُ يضيء بعدله وتدبيره على رَعيته كَمَا يضيء السليط بنوره على أَهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (15 / أ) الْبَاب الثَّالِث فِي تَقْلِيد الوزراء وَمَا يتحملونه من الأعباء 31 - قَالَ الله تَعَالَى {وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيرا} وَلَفظ الوزارة: مَأْخُوذ من الْوزر (بِكَسْر الْوَاو، وَسُكُون الزَّاي) ، وَهُوَ الثّقل لِأَن الْوَزير يتَحَمَّل أثقال الْملك وأعباءه عَن الإِمَام أَو السُّلْطَان. وَقيل: مَأْخُوذ من الْوزر (بِفَتْح الْوَاو وَالزَّاي) ، وَهُوَ الملجأ؛ لِأَن الْوَزير يلتجأ إِلَى تَدْبيره ومعونته. وَقيل: مَأْخُوذ من الأزر وَهُوَ الظّهْر، لِأَن الْملك يقوى على أَعماله بوزيره كقوة الْبدن بظهره. الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فصل (1) 32 - وَيجوز للْإِمَام وَالسُّلْطَان تَقْلِيد الوزارة لمن جمع شُرُوطهَا، لِأَن الإِمَام لَا يقدر على مُبَاشرَة جَمِيع مَا وكل إِلَيْهِ من أَمر الْملَّة ومصالح الْأمة، فَيحْتَاج إِلَى معاضدة وَزِير يشركهُ فِي النّظر وَالتَّدْبِير. 33 - وَلَا بُد من لفظ بالتولية مشْعر (15 / ب) بمقصودها، وتمييزها من غَيرهَا كَسَائِر الولايات وَهُوَ: وليتك الوزارة أَو وزارتي فِيمَا إِلَيّ، أَو فوضت إِلَيْك وزارتي أَو الوزارة أَو النِّيَابَة عني فِيمَا إِلَيّ، لِأَن ولَايَة الوزارة من الْعُقُود الْعَظِيمَة الَّتِي لَهَا خطر وتفاصيل لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر. وَيشْتَرط فِي الْوَزير من الصِّفَات مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ متحمل أعباء المملكة، فَيلْزمهُ حمل أثقالها، وَإِصْلَاح أحوالها، وازاحة اختلالها، وتمييز أقوالها، وانتخاب الْأَكفاء لأعمالها، مَعَ تفقد أَحْوَالهم وكشف حَال أَعْمَالهم، وَأمرهمْ بِالْعَدْلِ، وَلُزُوم الْأَمَانَة، وتحذيرهم عَاقِبَة الظُّلم والخيانة، فَمن أحسن الْقيام بوظيفته، زَاد فِي كرامته، وَمن أَسَاءَ قابله بطرده وإهانته، وَمن قصر عَن غَفلَة بصّره أَو عَن سَهْو أَو خطأ أيقظه وعذره، وَيلْزمهُ الاعتناء بجهات الْأَمْوَال وحسابها ومظان تَحْصِيلهَا، (16 / أ) وتيسير أَسبَابهَا، وَسَيذكر جِهَات الْأَمْوَال إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أَبْوَابهَا من هَذَا الْكتاب. الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 فصل (2) 34 - الوزارة نَوْعَانِ: وزارة تَفْوِيض، ووزارة تَنْفِيذ. 35 - النَّوْع الأول: وزارة التَّفْوِيض. هُوَ أَن يُفَوض إِلَيْهِ الإِمَام أَو السُّلْطَان جَمِيع الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بِهِ، يدبرها بِرَأْيهِ، ويمضيها على اجْتِهَاده، بِهَذَا يسْتَقلّ بالولايات الْعَامَّة من تَقْلِيد الْقُضَاة، والحكام، والولاة، وتجنيد الأجناد، وَصرف الْأَمْوَال، وَبعث الجيوش، وَسَائِر الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة، ثمَّ يطالع الإِمَام أَو السُّلْطَان بِمَا أَمْضَاهُ ودبر؛ لينْظر فِيهَا بِرَأْيهِ واجتهاده، فَيقر مَا يصوبه ويستدرك مَا يردهُ. وَيعْتَبر فِي هَذَا الْوَزير الْمَوْصُوف بوزير التَّفْوِيض مَا يعْتَبر فِي الإِمَام أَو السُّلْطَان، إِلَّا النّسَب فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ كَونه قرشياً. 36 - النَّوْع الثَّانِي: وَزِير التَّنْفِيذ. هُوَ الَّذِي ينفذ عَن الْخَلِيفَة أَو السُّلْطَان (16 / ب) مَا يَأْمر بِهِ، ويمضي مَا حكم بِهِ. ويخبر بِمَا تقدم سُلْطَانه بِهِ من تَقْلِيد الْوُلَاة والحكام، وتجهيز الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الجيوش والبعوث وَغير ذَلِك من الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة، من غير أَن يستبد هُوَ بِشَيْء من ذَلِك. ويعرض هُوَ على السُّلْطَان مَا يرد من الْأُمُور المهمة لِيَتَقَدَّم السُّلْطَان فِيهَا بِمَا يرَاهُ أصوب، وَيشْتَرط فِي وَزِير التَّنْفِيذ هَذَا أَن يكون من أهل الصدْق وَالْأَمَانَة والعفة، والديانة والفطنة والصيانة، وبصيراً بالأمور سالما من الْأَهْوَاء والشحناء بَينه وَبَين النَّاس. وَيشْتَرط ذَلِك فِي وَزِير التَّفْوِيض، وَهُوَ أولى. وَإِذا عزل وَزِير التَّفْوِيض لم يَنْعَزِل عُمَّال التَّفْوِيض فِي الأقاليم بعزله وَإِنَّمَا يَنْعَزِل عُمَّال التَّنْفِيذ من جِهَته، لأَنهم نوابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الْبَاب الرَّابِع فِي اتِّخَاذ الْأُمَرَاء لجهاد الْأَعْدَاء 37 - الْإِمَارَة قِسْمَانِ: عَامَّة، وخاصة. 38 - أما الْإِمَارَة الْعَامَّة: فَهِيَ الْخلَافَة (17 / أ) المنعوت صَاحبهَا بأمير الْمُؤمنِينَ، وَأول من نعت بِهِ من الْخُلَفَاء: عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لما ولي الْخلَافَة، فَصَارَت سنة الْخُلَفَاء خَاصَّة. 39 - وَأما الْإِمَارَة الْخَاصَّة، فأنواع: النَّوْع الأول: من لَهُ النّظر الْعَام فِي الْأَعْمَال الْعَامَّة فِي بعض الأقاليم أَو الْبِلَاد، وهم الْمُلُوك والسلاطين فِي عرف زَمَاننَا هَذَا، وَقد تقدم ذكرهم، ووصفهم وَمَا لَهُم وَمَا عَلَيْهِم. النَّوْع الثَّانِي: من لَهُ نظر خَاص فِي بلد لَا ينظر فِي غَيره، كمن لَهُ النّظر على الْجَيْش خَاصَّة فِي إقليم خَاص أَو على أَمْوَال إقليم خَاصَّة، تحصيلاً وصرفاً، أَو على شرطة ذَلِك الإقليم أَو الْبَلَد، أَو على الحجيج خَاصَّة إِلَى أَن يعودوا، أَو على جَيش أَو سَرِيَّة إِلَى أَن يرجِعوا، أَو نَحْو ذَلِك من الولايات الْخَاصَّة. الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 النَّوْع الثَّالِث: وَهُوَ الْمَقْصُود بِهَذَا الْبَاب، من جعل لَهُ النّظر على طَائِفَة من الْجند، لَا ينظر فِي غَيرهم، وَلَا يحكم على من عداهم (17 / ب) كالأمراء الْمَشْهُورين فِي عرف هَذَا الزَّمَان فِي الْبِلَاد المصرية والشامية - حرسهما الله تَعَالَى وَسَائِر بِلَاد الْإِسْلَام - أَرْبَاب الاقطاعات المرصدين للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى، فَإِن لكل وَاحِد مِنْهُم طَائِفَة مَعْدُودَة من الْجند ينظر فِي أُمُورهم، ويتكلف بتدبيرهم. 40 - وكل تِلْكَ الْأَنْوَاع من الْإِمَارَة جَائِزَة وَسنة. فقد ثَبت أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَمر الْأُمَرَاء فِي الْبِلَاد: كعتاب بن أسيد على مَكَّة. وَكَانَ يُؤمر على الْبعُوث والسرايا، وجنبات الْجَيْش، ويعقد لَهُم الرَّايَات، فأمّر عَمه حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ على سَرِيَّة، وَعقد لَهُ الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الرَّايَة، وَكَانَ أول أَمِير، وَأول راية عقدت فِي الْإِسْلَام وَأمر عُبَيْدَة بن الْحَارِث بعده، وَعقد لَهُ الرَّايَة. وَأمر أَبَا عُبَيْدَة على جَيش الْخبط وَأمر عَمْرو بن الْعَاصِ فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَأمر زيد بن حَارِثَة فِي غَزْوَة مُؤْتَة (18 / أ) ، وَقَالَ: إِن أُصِيب زيد، فجعفر بن أبي طَالب، فَإِن أُصِيب جَعْفَر، فعبد الله بن رَوَاحَة. وَأمر أُسَامَة بن زيد وسنه ثَمَان عشرَة سنة. وَكَانَ من أمرائه: الزبير بن الْعَوام وخَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَأمر أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَبَا عُبَيْدَة الْجراح، ومعاذ بن جبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وشرحبيل بن حسنه، وَيزِيد بن أبي سُفْيَان، حِين بَعثهمْ إِلَى الشَّام فَأمر كل وَاحِد مِنْهُم على طَائِفَة، وَجعل أَبَا عُبَيْدَة أَمِير الْجَمَاعَة، وَكَذَلِكَ فعل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فَدلَّ ذَلِك على السّنة فِي اتِّخَاذ الْأُمَرَاء عُمُوما وخصوصاً. وَقد ورد فِي الحَدِيث " من أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي، وَمن أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله، وَمن عصى أَمِيري فقد عَصَانِي، وَمن عَصَانِي فقد عصى الله " وَقَالَ " اسمعوا وَأَطيعُوا، وَإِن اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد حبشِي ". فصل (1) 41 - يَنْبَغِي أَن يكون الْأَمِير الْمُقدم على طَائِفَة من الْجند أَو على الْجَيْش أَو سَرِيَّة، أشجعهم نفسا، وأثبتهم جأشاً، وأصوبهم رَأيا، وَأَحْسَنهمْ خلقا، وأسخاهم يدا، وأعرفهم بِالْحَرْبِ وتدبيرها، ومكايدها، وخدعها، ذَا بسالة ونخوة، وإقدام وجرأة، صارم الْقلب، ثَبت الْجنان، قد مارس الرِّجَال وقارع الْأَبْطَال، ونازل الأقران، خَبِيرا الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 بمواقع الْغرَّة من الْعَدو، عَارِفًا بترتيب المصافات، ومظان الكمناء، ومواطن الحذر، فَإِن انتخاب الْمُقدم من أهم الْأُمُور. وَلذَلِك قَالَ بعض الْحُكَمَاء: ألف ثَعْلَب يَقُودهَا أَسد، خير من ألف أَسد يَقُودهَا ثَعْلَب. وكما قيل: (إِذا كَانَ فِي ألفٍ من الْقَوْم فارسٌ ... مطاعٌ فإنّ الْقَوْم فِي ألف فَارس) فصل (2) 42 - وللسلطان أَن يَجْعَل للأمير من الرزق والإقطاع مَا يقوم بكفايته اللائقة بِحَالهِ، ومنزلته، وَعِيَاله، وخدمه، ودوابه، بِالْمَعْرُوفِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَابه من هَذَا (19 / أ) الْكتاب. وعَلى أَمِير الطَّائِفَة أَن يتفقد أَحْوَالهم، ورزقهم، ومصالحهم، ويأخذهم بِكَمَال الاستعداد، والتهيؤ لمباشرة الْجِهَاد، واتخاذ السِّلَاح وَالْخَيْل والأعتاد، وإدمان الفروسية، ورياضة الْخَيل وممارستها بالمسابقة عَلَيْهَا، وإدمان الرَّمْي والطعان والقوى وَنَحْو ذَلِك من الاستعداد، وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحديث: 42 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 43 - وعَلى طَائِفَة الْأَمِير امْتِثَال أمره، والتزام طَاعَته، وَالرُّجُوع إِلَى تَدْبيره ورأيه لتَكون الْكَلِمَة مجتمعة والآراء متفقة، فَإِن الْخَيْر فِي اجْتِمَاع الْكَلِمَة. فَإِن ظهر لبَعْضهِم صَوَاب خَفِي على أميره، بيّنه لَهُ بأدب، وَإِن نابهم أَمر رَفَعُوهُ إِلَيْهِ. الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْبَاب الْخَامِس فِي حفظ الأوضاع الشَّرْعِيَّة وقواعد مناصبها المرضية 44 - الشَّرِيعَة: هِيَ المحجة الَّتِي جَاءَ بهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وسنها وَأوجب اتباعها (19 / ب) وصونها، وَهِي إِلَى الله أقصد سَبِيل، لِأَن مبناها على الْوَحْي والتنزيل، وَالْخَيْر كُله فِي اتباعها، وَالشَّر كُله فِي ضياعها. 45 - وَقد جعل الله لَهَا حماة يُقِيمُونَ منارها، وَحَملَة يحفظون شعارها. فحماتها: الْمُلُوك والأمراء. وحفاظها: هم الْأَئِمَّة الْعلمَاء. أما الْمُلُوك والأمراء: فقد تقدم شرح صفاتهم وأنواع تصرفاتهم، وَأما الْعلمَاء القائمون بحملها المعنيون بحفظها ونقلها، فهم الْمرجع فِي حلالها وحرامها، ومواقع أَحْكَامهَا. فَمنهمْ: الْكَافِي للْحكم وَالْقَضَاء، وَحمل مَا فِيهِ من الأعباء. وَمِنْهُم: من هُوَ أهل الْفَتَاوَى والوقائع. الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَمِنْهُم: من هُوَ أهل للحسبة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. وَمِنْهُم: من هُوَ أهل للإفادة والتعليم، وَالنَّظَر فِي الْأَوْقَاف وَمَال الْيَتِيم. وشروط الْجَمِيع: عَدَالَة لَا يعدل عَنْهَا، وكفاية لَا يجوز الْخُلُو مِنْهَا. 46 - وَالنَّظَر فِي الأوضاع الشَّرْعِيَّة: خَمْسَة أَنْوَاع. 47 - الأول: الْقَضَاء، وَهُوَ أعظمها وَقعا، وأعمها نفعا، وَعَلِيهِ مدَار الْمصَالح عَادَة (20 / أ) وَشرعا. وَلِهَذَا المنصب شُرُوط لَا بُد مِنْهَا، وآداب لَا غنى عَنْهَا. 48 - فَشرط القَاضِي: الْإِسْلَام، وَالْبُلُوغ، وَالْعقل، والذكورة، وَالْعَدَالَة، وَالْعلم، والكفاية، والسلامة. فَلَا يَصح تَوْلِيَة كَافِر أَو صبي أَو نَاقص عقل أَو امْرَأَة أَو فَاسق أَو جَاهِل أَو قَاصِر عَن الْكِفَايَة اللائقة بِالْقضَاءِ أَو أعمى أَو أَصمّ. ونعني بِالْعقلِ: صِحَة التَّمْيِيز، وجودة الفطنة والذكاء. الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ونعني بِالْعلمِ: مَعْرفَته بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة: أصولاً وفروعاً، بِمَعْرِِفَة الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس، ومظان مواقعها. ونعني بالكفاية: قُوَّة النَّفس بِالْحَقِّ، وَحسن التَّصَرُّف فِي الحكم، وسياسة النَّاس فِيهِ. ونعني بالسلامة: صِحَة السّمع، وَالْبَصَر، وَاللِّسَان، لِأَن عديم ذَلِك لَا يبصر الْخُصُوم، وَلَا يسمع كَلَامهم، وَلَا يفهم حكمه، وَلِأَن أبهة القَاضِي تأبى نقص ذَلِك. فصل 49 - وَأما آدابه: فَهُوَ أَن يكون ذَا ديانَة مَشْهُورَة، وسيرة مشكورة، وصيانة مَعْرُوفَة، (20 / ب) وعفة مألوفة، ووقار وسكينة، وَنَفس شريفة، تَامّ الْوَرع، خلياً من الطمع، متنزهاً عَن مُلَابسَة الرذائل ومخالطة الأراذل، شَدِيدا من غير عنف، لينًا من غير ضعف. وَأحد قولي الشَّافِعِي: أَنه لَا يجوز فِي الْبَلَد أَكثر من قَاض وَاحِد لِاجْتِمَاع الْكَلِمَة، وَعدم النزاع، وَعَلِيهِ درج السّلف الماضون صِيَانة للْأَحْكَام. الحديث: 49 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَلَا بُد من لفظ بالتولية إِن كَانَ حَاضرا بِبَلَد السُّلْطَان أَو نَائِبه فِي ذَلِك، وَإِن كَانَ بِبَلَد بعيد لَا يبلغهم الْخَبَر مستفيضاً إِلَيْهِ كتب تَقْلِيده؛ وَأشْهد عَلَيْهِ شَاهِدين، وَإِن كَانَ يبلغهم الْخَبَر مستفيضاً كفى ذَلِك فِي الْأَصَح، وَعَلِيهِ لَو كَانَ الْبَلَد قَرِيبا بِحَيْثُ ينتشر الْخَبَر فِيهِ بولايته ويتفيض اكْتفي بانتشار الْخَبَر، وَأَنه قاضيه. وَقيل: لَا يَكْفِي إِلَّا الْإِشْهَاد. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز الْإِشْهَاد. 50 - النّظر الثَّانِي: فِي الْفَتَاوَى وَالْحَاجة إِلَيْهِ دَاعِيَة (21 / أ) لحَاجَة النَّاس فِي الْإِسْلَام لمعْرِفَة الْحَلَال وَالْحرَام، وَلم يزل الصَّحَابَة والتابعون لَهُم يرجعُونَ إِلَيْهَا، ويعولون فِي دينهم عَلَيْهَا. 51 - وشروط الْمُفْتِي: خَمْسَة: وَهِي: الْإِسْلَام، وَالْبُلُوغ، وَالْعقل، وَالْعلم، وَالْعَدَالَة. وَقد شرحنا ذَلِك فِي شُرُوط القَاضِي، وَمَا عدا هَذِه الْخَمْسَة لَا يشْتَرط فِيهِ. وَيَنْبَغِي أَن يكون خَبِيرا بلغَة بِلَاده، ناصحاً لله وَرَسُوله وعباده. وَلَا يمكّن من الْفَتْوَى من لم يجمع شُرُوطهَا، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من علومها: الْأُصُولِيَّة والفروعية، ومسائلها الإجماعية والخلافية، كي لَا يغترّ النَّاس بِهِ، ويقعوا فِي الْخَطَأ بِسَبَبِهِ. الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَصَحَّ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِن الله لَا ينْزع الْعلم انتزاعاً ينتزعه، وَلَكِن ينتزعه بِقَبض الْعلمَاء، حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم، اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا، فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا، وأضلوا ". 52 - (21 / ب) النّظر الثَّالِث: الْحِسْبَة وحقيقتها: ولَايَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. وَكَانَت فِي الْأَزْمَان السالفة فرعا من فروع الْقَضَاء تَارَة، وَمن جِهَة السُّلْطَان تَارَة أُخْرَى. وشروط ولَايَة الْحِسْبَة: الْإِسْلَام، وَالْعَدَالَة، وَالْعلم، والصرامة، وَمَعْرِفَة الْمُنْكَرَات ووجوه الْمصَالح العموميات. 53 - وَالَّذِي عَلَيْهِ من الْوَظَائِف، فَثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول: حُقُوق الله تَعَالَى، فَينْظر من يخلّ بالواجبات من الطَّهَارَة والصلوات وَالْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات. وَمن يرتكب الْمُنْكَرَات كإظهار الْمُحرمَات، وَشرب المسكرات، وكشف العورات، لاسيما فِي الحمامات، فيزجر فَاعل ذَلِك، ويؤدبه بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال. الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 النَّوْع الثَّانِي: حُقُوق الْعباد المختصة، وَهُوَ النّظر فِي الموازين والمكاييل وصحتها على الْعرف المألوف فِي بَلَده، وَينظر فِي المكيلات، (22 / أ) والموزونات والمزروعات والمعدودات، وأنواع الْعرف والصناعات، فيأمر بإصلاح فَسَادهَا، وجريها على أحسن عوائدها. وَمِنْه أَنْوَاع الْأَشْرِبَة والمركبات: كأنواع المعاجين والمفردات. وَمِنْه، النّظر فِي الشوارع والمجاري. وَمِنْه، النّظر فِي السماسرة والدلالين، وأرباب الصَّنَائِع وَمَا يتسلمونه بِالِاحْتِيَاطِ بالتضمين. وَمِنْه، النّظر فِي أَحْوَال التُّجَّار، والواردين من الْأَمْصَار، والقيم والأسعار. النَّوْع الثَّالِث: مَا يشْتَرك فِيهِ حق الله تَعَالَى، وَحقّ الْعباد. وَمِنْه النّظر فِي الأرقاء والسادة، وَمَا يلْزمهُم شرعا وَعَادَة. وَمِنْه، النّظر فِي أهل الذِّمَّة، فيأمرهم بالغيار وَمَا يميزهم عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الْمُسلمين ويمنعهم مِمَّا منعُوا عَنهُ، ويكف عَنْهُم أَيدي الْمُعْتَدِينَ، وَيُعَزر من وَجب تغزيره (22 / ب) بِاجْتِهَادِهِ، وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف رَعيته وبلاده، وَلَا يبلغ بالتعزير حدا من الْحُدُود. 54 - النّظر الرَّابِع: الْأَوْقَاف الْعَامَّة والخاصة. وَهِي مفوضة إِلَى الْقُضَاة عِنْد الاطلاق، فَإِن خص الإِمَام بهَا من يصلح لَهَا، وفوضها إِلَيْهِ: صَحَّ ذَلِك، وَلَزِمَه الْقيام بأمورها وَالنَّظَر فِي مصالحها، وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْأَوْقَاف الْخَاصَّة والعامة؛ لِأَن الْخَاصَّة ستؤول إِلَى الْعَامَّة، فَإِن كَانَ أهل الْأَوْقَاف الْخَاصَّة قَائِمين بمصالحها وشروطها، أقرهم عَلَيْهَا، وَإِلَّا نَزعهَا مِنْهُم وفوضها إِلَى من يقوم بذلك، أَو يضم إِلَيْهِم من يرشدهم لذَلِك ويمنعهم من ضياعها. 55 - النّظر الْخَامِس: الْأَيْتَام والسفهاء والمجانين، ومصالحهم، وَأَمْوَالهمْ وكفلاؤهم. وَهِي دَاخِلَة فِي ولَايَة (23 / أ) الْقُضَاة عِنْد الاطلاق، كَمَا تقدم فِي الْأَوْقَاف، فَإِن خص الإِمَام بذلك من هُوَ كَاف للْقِيَام بِهِ، فَلهُ ذَلِك، وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين من لَهُ وَصِيّ خَاص، وَبَين من لَا وَصِيّ لَهُ. فَإِن كَانَ الْوَصِيّ قَائِما عَلَيْهِ من النّظر فِي مصَالح الْيَتِيم أَو السَّفِيه أَو الْمَجْنُون، اسْتمرّ الْحَاكِم أَو السُّلْطَان بِهِ، وَلم يتَعَرَّض لَهُ. وَإِن كَانَ مقصّراً أَو متّهماً أسْند مَعَه غَيره، وَإِن كَانَ مُسْتَحقّا للعزل عَزله. الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الْبَاب السَّادِس فِي اتِّخَاذ الأجناد، وإعدادهم وتفريغهم للْقِيَام بِفَرْض الْجِهَاد 56 - اتِّخَاذ الأجناد وحماية الثغور من أهم الْمصَالح وعزم الْأُمُور. قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا خُذُوا حذركُمْ} أَي من الْعَدو. وَمن أَخذ الحذر تَكْثِير الأجناد وادخارهم. (23 / ب) وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} الْآيَة وَمن الإعداد لِلْعَدو كَثْرَة الأجناد. الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَعَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : (اكتبوا لي من تلفظ بِالْإِسْلَامِ) . وغزا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بثلاثمائة وَثَلَاثَة عشر عدد قوم طالوت، وَاعْتمر عمْرَة الْحُدَيْبِيَة بِأَلف واربعمائة. وَفتح مَكَّة بِعشْرَة آلَاف. وغزا حنيناً بِاثْنَيْ عشر ألفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وغزا تَبُوك بسبعين ألفا. وَرُوِيَ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يحمل فِي الْعَام الْوَاحِد على أَرْبَعِينَ ألف بعير. وَلما جِيءَ بِمَال الْعرَاق، قَالَ: لَا وَرب الْكَعْبَة لَا يأوي تَحت سقف حَتَّى أقسمه، وَكَذَلِكَ يفعل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا يَجِيء بِهِ من الْأَمْوَال، وكل ذَلِك دَلِيل على سنة اتِّخَاذ الأجناد، وتكثيرهم، وَأَنه من أهم مصَالح الْإِسْلَام، وَعَلِيهِ جرت (24 / أ) سنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين إِمَام بعد إِمَام، وَلم يزل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالْأَئِمَّة بعده يبذلون الْأَمْوَال فِي اتِّخَاذ الرِّجَال. قَالَ بعض الْعلمَاء: اتّفق حكماء الْعَرَب والعجم على هَذِه الْكَلِمَات وَهِي: الْملك بِنَاء أساسه الْجند، فَإِن قوى الأساس دَامَ الْبناء، وَإِن ضعف الأساس سقط الْبناء. لَا سُلْطَان إِلَّا بجند، وَلَا جند إِلَّا بِمَال، وَلَا مَال إِلَّا بعمارة وَلَا عمَارَة إِلَّا بِعدْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَعَن الْحُكَمَاء: صديق السُّلْطَان جنده، وعدوه مَاله، فَإِن ضعف مَاله ببذله لجنده قوي صديقه وناصره، وَإِن قوي عدوه بِمَنْعه الْجند، ضعف جنده الَّذِي هُوَ ناصره. 57 - وَإِذا كَانَت الْحَاجة إِلَى الْجند كَذَلِك، فَلَا بُد من إدرار أَرْزَاقهم، وسد حاجاتهم، وتفقد أَحْوَالهم، ومصالح عِيَالهمْ، وإلزامهم بِقدر عنائهم، وَلَا يتم ذَلِك إِلَّا (24 / ب) بصلاح جِهَات الْأَمْوَال وصلاحها بعمارة الْبِلَاد، وعمارتها بِالْعَدْلِ بِاتِّفَاق الشَّرْع وَالْعقل. الحديث: 57 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْبَاب السَّابِع فِي عَطاء السُّلْطَان وجهاته وأنواع اقطاعاته 58 - عَطاء السُّلْطَان للأجناد من أهم الْمصَالح الَّتِي تصرف فِيهَا الْأَمْوَال، إِذْ لَا بُد من رزق يجمعهُمْ وَعَطَاء يكفلهم لما أرصدوا لَهُ أنفسهم من حماية الْإِسْلَام، والذب عَنهُ، وَعَن أَهله. 59 - وأرزاق الأجناد قِسْمَانِ: عَطاء، وإقطاع. 60 - الْقسم الأول: الْعَطاء وَله جِهَات: 61 - الْجِهَة الأولى: الْفَيْء وَهُوَ كل مَال وصل إِلَى الْمُسلمين من الْكفَّار بِغَيْر قتال وَلَا إيجَاف خيل وَلَا ركاب الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 62 - وَهُوَ أَنْوَاع: الأول: الْجِزْيَة. الثَّانِي: عشور متاجرهم. الثَّالِث: كل مَال صالحناهم على أَدَائِهِ إِلَيْنَا. الرَّابِع: مَا هربوا عَنهُ فَزعًا من الْمُسلمين. الْخَامِس: مَا جلوا عَنهُ وتركوه (25 / أ) لضرّ أَصَابَهُم. السَّادِس: مَال من لَا وَارِث لَهُ من أهل الذِّمَّة. السَّابِع: مَال من مَاتَ أَو قتل على الرده. 63 - فَإِذا عرف أَمْوَال الْفَيْء، فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي تخميسه كَمَا تخمس الْغَنِيمَة: فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك، وَأحمد، وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَا يُخَمّس بل يصرفهُ السُّلْطَان فِي مصَالح الْمُسلمين، وأهم مصالحهم جَيش الْإِسْلَام، ثمَّ بَقِيَّة الْمصَالح الْعَامَّة: كسد الثغور، وَعمارَة الْحُصُون، وَتَحْصِيل السِّلَاح وَغير ذَلِك، وَسَيَأْتِي تفصيلها إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَللشَّافِعِيّ (25 / ب) قَول: إِن أَمْوَال الْفَيْء تخمس، وَيصرف خمسه إِلَى جِهَات الْخمس، وَسَيَأْتِي تفصيلها إِن شَاءَ الله تَعَالَى. والأخماس الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة: يصرفهَا السُّلْطَان فِي جَيش الْإِسْلَام على الحديث: 62 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 قدر كفايتهم وحاجاتهم، فَإِن فضل مِنْهُ شَيْء فَلهُ أَن يردهُ عَلَيْهِم، وَله أَن يصرفهُ فِي سلَاح وكراع عدَّة لَهُم. فصل (1) 64 - فَإِن كَانَ فِي مَال الْفَيْء عقار من أراض أَو دور وَنَحْو ذَلِك، كَانَ وَقفا على مصَالح الْمُسلمين يصرف ريعه ومغله فِيهَا. وللسلطان أَن يُعْطي من الفىء لمن فِي عطائه مصلحَة عَامَّة: كالرسل والقضاة، وَالْعُلَمَاء، والمفتين، ومعلمي الْقُرْآن وَالْعلم، والمؤلفة قُلُوبهم، كَمَا أعْطى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي الحديث: 64 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وعيينه بن حُصَيْن الْفَزارِيّ، وَالْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ، والعيون (وهم الجواسيس) ، واشباه ذَلِك مِمَّا منفعَته عَامَّة. (26 / أ) وَأما من لَيْسَ فِي عطائه مصلحَة عَامَّة، بل قصدت مصلحَة خَاصَّة، كمن يُعْطي لمُجَرّد ظن صَلَاحه أَو لوجاهته من غير حَاجَة إِلَى مَا يُعْطي، وَلَيْسَ بعالم يُفْتى، وَلَا حَاكم يقْضِي وَلَا مقَاتل يُغني، فَلَا يجوز صرف مَال الْمُسلمين إِلَيْهِ، بل يكون ذَلِك من خَاص مَال السُّلْطَان الْمُعْطِي. وَكَذَلِكَ لَا يُوقف عَلَيْهِ شَيْء من عقار بَيت المَال والفيء أَو على أَوْلَاده، وَأَوْلَاد أَوْلَاده، إِلَّا أَن يكون ذَلِك لمصْلحَة عَامَّة لَا يقوم بهَا غَيره، فيتوصل بذلك إِلَى تَحْصِيل تِلْكَ الْمصلحَة، وَذَلِكَ لِأَن مغل هَذَا الْعقار للْمُسلمين كلهم، فَلَا يخص بِهِ وَاحِد مِنْهُم من غير نفع عَام لَهُم وَيحرم الْبَاقُونَ. وَأما وقف ذَلِك على جِهَة عَامَّة لمصْلحَة الْمُسلمين فَيجوز: كالوقف على الْمَسَاجِد والمدارس وَالْعُلَمَاء والمفتين وَالْأَئِمَّة والمؤذنين وَنَحْو (26 / ب) ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الْجِهَة الثَّانِيَة لعطاء الْجند: الْخراج! 65 - وَهُوَ مَا يضْرب على رِقَاب الْأَرَاضِي الخراجية من عين أَو غلَّة على مَا يرَاهُ السُّلْطَان أَو نَائِبه، فَيصْرف ذَلِك فِي عَطاء الْجند لما فيهم من مصَالح الْمُسلمين. 66 - والأراضي العامرة ضَرْبَان: خَرَاجِيَّة وعشرية 67 - الضَّرْب الأول: الخراجية وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع: النَّوْع الأول: أَرض فتحهَا الْمُسلمُونَ صلحا على أَن تكون للْمُسلمين ويسكنها أَهلهَا الْكفَّار بخراج مَعْلُوم يؤدونه إِلَيْنَا. فَهَذِهِ الأَرْض فَيْء، وخراجها أُجْرَة وَلَا تسْقط بِإِسْلَامِهِمْ بل يُؤْخَذ مِنْهُم الْأُجْرَة، وَلَو صَارُوا أهل ذمَّة أَخذ مِنْهُم الْخراج والجزية مَعًا النَّوْع الثَّانِي: ارْض فتحت عنْوَة، وَقسمت بَين الْغَانِمين، ثمَّ الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 اسْتَنْزَلَهُمْ الإِمَام عَنْهَا فرضاهم بعوض أَو بِغَيْر بعوض، ووقفها على الْمُسلمين وَضرب عَلَيْهَا الْخراج (27 / أ) ، كَمَا فعل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بسواد الْعرَاق، وعَلى الصَّحِيح فِيهِ: فَهَذِهِ خَرَاجِيَّة أَيْضا، يضْرب السُّلْطَان عَلَيْهَا الْخراج بِمَا يرَاهُ. النَّوْع الثَّالِث: أَرض جلا عَنْهَا الْكفَّار وهربوا خوفًا من الْمُسلمين، وَقُلْنَا تصير وَقفا للْمُسلمين كَمَا تقدم، فَيضْرب الْخراج على من يسكنهَا أَو ينْتَفع بهَا مُسلما كَانَ أَو ذِمِّيا بِمَا يرَاهُ الإِمَام. فَهَذِهِ الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة من الْأَرَاضِي الخراجية للْإِمَام أَن يضْرب عَلَيْهَا الْخراج، وَله أَن يشغلها بمعاملة أَو مُزَارعَة إِن رأى صِحَّتهَا، كَمَا عَامل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أهل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج مِنْهَا من تمر أَو زرع. أما أَرضًا صالحنا أَهلهَا على أَن تكون ملكا لَهُم وَعَلَيْهِم خراج يؤدونه إِلَيْنَا، فَهَذَا الْخراج فِي الْحَقِيقَة جِزْيَة فَيسْقط بِإِسْلَامِهِمْ إِن (27 / ب) أَسْلمُوا أَو بانتقال ملكهَا إِلَى مُسلم، لِأَنَّهُ لَا جِزْيَة على مُسلم. فصل (2) 68 - وَالْخَرَاج مُقَدّر بِمَا تحتمله الأَرْض بِالنِّسْبَةِ إِلَى جودتها ورداءتها، وأنواع زروعها، وقيم غلاّتها، وقلتها، وَكَثْرَتهَا، وسقيها، ومؤنتها وبحيث يكون عدلا بَين أَهله وَبَيت المَال من غير حيف على إِحْدَى الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الْجِهَتَيْنِ. وَلذَلِك ضرب عمر رَضِي الله عَنهُ الْخراج على أَرض السوَاد مُخْتَلفا فِي بعضه. فَضرب فِي بعضه على كل جريب: قَفِيزا ودرهما، وَأمر عُثْمَان بن حنيف بمساحة نَاحيَة مِنْهُ، وَوضع مَا تحتمله الأَرْض. فَوضع على الجريب من الْكَرم: عشرَة. وَمن النّخل: ثَمَانِيَة. وَمن قصب السكر: سِتَّة. وَمن الرّطبَة: خَمْسَة. وَمن الْبر: أَرْبَعَة. وَمن الشّعير: دِرْهَمَيْنِ. فأمضاه عمر، وَعمل فِي نواحي الشَّام بِخِلَاف ذَلِك مُرَاعَاة لما تحتمله كل أَرض. والجريب (28 / أ) : عشر قصبات. والقصبة: سِتَّة أَذْرع. والقفيز: عشر الجريب. فصل (3) 69 - وَإِذا حدث فِي ارْض الْخراج مَا يَقْتَضِي زِيَادَة: كظهور عين أَو اشْتِغَال أَرض فعلاها مَاء، أَو مَا يَقْتَضِي نقصا: كانقطاع مَاء وَنَحْوه، فَإِن وثق بدوامه عمل مَا فِيهِ الْعدْل بَين أَهله وَبَيت المَال. الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَإِن كَانَ لَا يوثق بدوامه لم يزدْ وَلم ينقص. وَيُؤْخَذ الْخراج من الأَرْض الخراجية وَإِن لم تزرع. وَتُؤْخَذ الزروع وَالثِّمَار الْوَاجِبَة مَعَ الْخراج. وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَمَالك، وَأحمد، رَحِمهم الله؛ لِأَن الْخراج أُجْرَة، وَالْعشر زَكَاة، وجهتهما مُخْتَلفَة فَلَا يسْقط أَحدهمَا بِالْآخرِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يجمع بَين أَخذ الْعشْر وَالْخَرَاج، وَلَا يَصح تضمين مغلات (28 / ب) الْخراج، وَالْعشر، والجزية، بل يسْتَوْفى مِنْهُ مَا وَجب ويؤدى مِنْهُ مَا حصل. 7 - الضَّرْب الثَّانِي من الْأَرَاضِي: العشرية. وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع أَيْضا: النَّوْع الأول: أَرض أَحْيَاهَا الْمُسلمُونَ ابْتِدَاء أَو وَاحِد مِنْهُم، كالبصرة وَغَيرهَا من الْبِلَاد، والأراضي الْموَات الَّذِي ابْتَدَأَ مُسلم إحياءها فَهَذِهِ الأَرْض ملك صَحِيح عشري، لَا خراج عَلَيْهِ وَلَا أُجْرَة، بل تُؤْخَذ زَكَاة زروعه وثماره الشَّرْعِيَّة. النَّوْع الثَّانِي: أَرض أسلم أَهلهَا عَلَيْهَا ابْتِدَاء من غير قتال وَلَا صلح عَلَيْهَا، فَهَذِهِ أَيْضا عشرِيَّة لَا خراج عَلَيْهَا، بل يُؤْخَذ زَكَاة ثمارها وزروعها كَمَا تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 النَّوْع الثَّالِث: أَرض ملكهَا الْمُسلمُونَ عنْوَة، وَقسمت بَين الْغَانِمين، وَاسْتمرّ ملكهم عَلَيْهَا أَو من ملكهَا عَنْهُم بطرِيق شَرْعِي، فَهَذِهِ أَيْضا عشرِيَّة كَسَائِر الْأَمْلَاك الإسلامية (29 / أ) لَا خراج عَلَيْهَا بل يُؤْخَذ مِنْهَا عشر ثمارها وزروعها على الْوَجْه الشَّرْعِيّ الْمُتَقَدّم. وَمَا يُؤْخَذ من هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة باسم الْخراج فظلم بَين لَا يُجِيزهُ شرع، وَلَا يَقْتَضِيهِ عقل. 71 - الْجِهَة الثَّالِثَة لعطاء الأجناد: خمس من الْغَنِيمَة وَمن الْفَيْء، إِن قُلْنَا يُخَمّس، وَهُوَ سهم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] المرصد لمصَالح الْمُسلمين بعده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَمَا سَيَأْتِي، وأهم الْمصَالح أرزاق الأجناد؛ لأَنهم حماة الْإِسْلَام، فَيصْرف إِلَيْهِم مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله. 72 - الْجِهَة الرَّابِعَة لعطاء الأجناد: بَيت المَال. فَيضْرب مِنْهُ أرزاق الأجناد على قدر حاجاتهم؛ لِأَن بَيت مَال الْمُسلمين لمصالحهم، وتجنيد الأجناد آكدها. وَبَيت المَال: عبارَة عَن الْجِهَة الْمَخْصُوصَة بِاسْتِحْقَاق مَا يسْتَحقّهُ (29 / ب) الْمُسلمُونَ مُطلقًا، وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بحرز مَخْصُوص أَو مَكَان مَعْلُوم. الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فَكل مَال اسْتَحَقَّه الْمُسلمُونَ مُطلقًا وَلم يخْتَص بصنف مَخْصُوص مِنْهُم، وَلَا بِقوم مُعينين، فَهُوَ من حُقُوق بَيت المَال. 73 - وجهاته: سِتّ الأولى: سهم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهُوَ خمس الْخمس من الْغَنِيمَة والفيء إِن قُلْنَا بِهِ كَمَا تقدم، وَسَيَأْتِي فِي الْغَنِيمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مرصد لمصَالح الْمُسلمين بعده [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الثَّانِيَة: مَال الْخراج الْمُقدم ذكره. الثَّالِثَة: مَال من مَاتَ من غير وَارِث معِين من الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة. الرَّابِعَة: كل مَال ضائع لَا يعرف مَالِكه. الْخَامِسَة: أَمْوَال الْجِزْيَة. السَّادِسَة: عشر أَمْوَال الْكفَّار الْمَأْخُوذ من تجاراتهم. الْقسم الثَّانِي من أرزاق الأجناد: الإقطاع 74 - مَا يقطعهُ السُّلْطَان ثَلَاثَة أَنْوَاع: إقطاع تمْلِيك، وإقطاع استغلال (30 / أ) ، وإقطاع ارفاق. الحديث: 73 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الأول: إقطاع التَّمْلِيك، وَهُوَ ثَلَاثَة أضْرب. 75 - الأول: إقطاع الْموَات الَّذِي لم يعمر وَلم يملك قطّ، فللسطان إقطاعه لمن يحييه ويعمره، فَيكون بإحيائه ملكا لَهُ كَسَائِر أملاكه، وَيكون أَحَق بِهِ، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أقطع الزبير بن الْعَوام من (موَات) النقيع حضر فرسه، فَلَمَّا انْتهى من رمي سَوْطه قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَعْطوهُ مُنْتَهى سَوْطه ". وَيجوز لكل أحد إحْيَاء الْموَات بِغَيْر إِذن الإِمَام لقَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من أحيى أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ ". وَقَالَ أَبُو حنيفَة - رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يَصح الْإِحْيَاء إِلَّا بِإِذن الإِمَام الضَّرْب الثَّانِي: مَا فِيهِ أثر عمَارَة جَاهِلِيَّة، وَصَارَت بطول خرابها مواتاً عاطلاً، فَيجوز للسُّلْطَان إقطاعه إقطاع تمْلِيك، وَحكمه حكم الْموَات. وَيجوز إحياؤه بِغَيْر إِذن السُّلْطَان على الْأَصَح. الحديث: 75 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فَإِن كَانَت هَذِه الْعِمَارَة الْقَدِيمَة المعطلة إسلامية (30 / ب) وَعرف مَالِكهَا فَهِيَ لَهُ أَو لوَرثَته. وَلَا يجوز إقطاعها وَلَا إحياؤها، فَإِن تعذر معرفَة مَالِكهَا لم تملك بِالْإِحْيَاءِ، بل هِيَ من أَمْوَال بَيت المَال، وَللْإِمَام أَن يقطعهَا. الضَّرْب الثَّالِث: عَامر فِي بِلَاد الْحَرْب الَّتِي لم يملكهَا الْمُسلمُونَ بعد، ويتوقع فتحهَا فَيجوز للسُّلْطَان أَن يقطعهُ لمن يملكهُ عِنْد فَتحه، فَإِذا فتحت كَانَ أَحَق بهَا من غَيره؛ فقد رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أقطع تميماً الدَّارِيّ جيرون وَبَيت عينون من أَرض الشَّام قبل فَتحه، وَرُوِيَ أَنه أقطع أَبَا ثَعْلَبه الْخُشَنِي أَرضًا فِي الرّوم، وَهِي فِي أَيْديهم، وَكتب لَهُ بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فصل (4) 76 - وَمَا سوى ذَلِك من الْأَرَاضِي الخراجية وَغَيرهَا من بَيت المَال، فَلَا يجوز إقطاعها إقطاع تمْلِيك؛ لِأَنَّهَا كالوقف المؤبد على مصَالح الْمُسلمين، فَلَا يَصح تمليكها بإقطاع وَلَا غَيره، وَلَكِن السُّلْطَان يسْتَعْمل فِيهَا مَا هُوَ (31 / أ) الْأَصْلَح من استغلاله لبيت المَال أَو ضرب خراج عَلَيْهِ لمن يعْمل فِيهِ ان رأى ذَلِك، أَو يقطعهَا إقطاع الاستغلال. 77 - النَّوْع الثَّانِي من الإقطاع: إقطاع الاستغلال كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد فِي زَمَاننَا هَذَا بالديار المصرية والبلاد الشامية - حرسهما الله تَعَالَى - وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحدهمَا: أَن يقطع السُّلْطَان بعض الْأَرَاضِي الَّتِي يجوز إقطاعها لمن يستغلها بِنَفسِهِ ونوابه من غير تمْلِيك وَلَا تأبيد، بِمَا يسْتَحقّهُ من الْكِفَايَة، وَهُوَ جَائِز، فعله أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلم يزل ذَلِك مَشْهُورا بَين الْمُسلمين من غير إِنْكَار. الْقسم الثَّانِي: أَن يقطع السُّلْطَان شَيْئا من الْخراج الْمُقدم ذكره لبَعض الأجناد المرتزقة بِقدر مَا يسْتَحقّهُ لكفايته وَحَاجته، وَهُوَ جَائِز؛ لِأَن لَهُم أرزاقاً مقدرَة بِمَا أرصدوا نُفُوسهم (31 / ب) لَهُ من حماية بَيْضَة الإٍ سَلام وَأَهله. الحديث: 76 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَإِذا كَانَ رزق الجندي وَقدر الْخراج المقطع عَلَيْهِ معلومين: للسُّلْطَان والجندي، جَازَ إقطاعه ذَلِك مَا يرَاهُ من الْمدَّة. فَإِن كَانَ الْخراج مقاسمة فِي مُزَارعَة كعادة غَالب أَرض الشَّام، فجواز إقطاعه مُرَتّب على جَوَاز الْمُزَارعَة. وَالرَّاجِح: جَوَازهَا وجوازه. وَالْمُخْتَار عِنْدِي: جَوَاز إِجَارَة الإقطاع الْمدَّة السَّابِقَة مُدَّة مُعينَة بِهِ. وَفِيه وَجه: أَنه لَا يجوز. وَلَا وَجه لَهُ عِنْدِي مَعَ الْحَاجة إِلَى إِجَارَته ومزارعته، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ حوانيت ودوراً. فصل (5) 78 - إِذا أقطع السُّلْطَان ذَلِك مُدَّة مُعينَة، وَاسْتمرّ المقطع على أَهْلِيَّته واستحقاقه، اسْتمرّ إقطاعه عَلَيْهِ إِلَى انْقِضَاء تِلْكَ الْمدَّة، وَإِن مَاتَ فِي أثْنَاء الْمدَّة انحل إقطاعه بِمَوْتِهِ، وَيعود من حِين مَوته إِلَى بَيت المَال، ولورثته مَا يَخُصُّهُ الْمدَّة الْمَاضِيَة إِلَى مَوته، فَإِن لم يكن لَهُ (32 / أ) شَيْء مُسْتَحقّ أعْطى ذُريَّته مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من عَطاء الذَّرَارِي ترغيباً للأجناد فِي التفرغ للْجِهَاد. وَإِن طَرَأَ لَهُ فِي أثْنَاء الْجِهَاد زمانة أَو مرض يُخرجهُ عَن أَهْلِيَّة الْجِهَاد الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَالعطَاء، فَالْأَصَحّ: بَقَاء إقطاعه عَلَيْهِ ترغيباً للأجناد فِي التصدي للْجِهَاد، لِأَن علمه بِحل إقطاعه لعذره، يقبض نَفسه من الِاشْتِغَال بالجندية خوفًا من ضيَاعه عِنْد عذره، وضياع عِيَاله بعد مَوته، ويهتم بِمَا يعود عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم. فصل (6) 79 - لَا يجوز إقطاع شَيْء من أَرَاضِي الْمُسلمين إقطاعاً مُؤَبَّدًا على رجل ثمَّ على أَوْلَاده وعقبه لما قدمْنَاهُ؛ لِأَن ذَلِك يَجعله كالأموال الموروثة فَإِن أقطع إنْسَانا مُدَّة حَيَاته خَاصَّة: فقد قيل: لَا يَصح. وَالأَصَح: صِحَّته. وَلَا يجوز الإقطاع من أَرَاضِي الْفَيْء وَالْخَرَاج لغير مُسلم؛ لِأَن الأَرْض حَقهم، وَلَا لمن لَيْسَ لَهُ (32 / ب) نفع عَام على الْمُسلمين؛ لِأَن ذَلِك كُله وصلات الْأُمَرَاء والملوك مُخْتَصَّة بِأَمْوَالِهِمْ. وَلَا يجوز إقطاع أهل الْفَيْء مَال الصَّدقَات. الحديث: 79 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: يجوز صرف كل وَاحِد من مَال الْفَيْء وَالصَّدقَات فِي كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ. فصل (7) 80 - للسُّلْطَان أَن يسترجع مَا أقطعه بعد تَمام السّنة، وَأما فِي السّنة الَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِن حل عَطاء المقطع قبل حُلُول خراجها لم يسترجع الإقطاع، وَإِن حل خراجها قبل حُلُول عطائه جَازَ لَهُ أَن يسترجع الإقطاع، ويعوضه من ديوَان الْعَطاء. فصل (8) 81 - غير الْجَيْش من أهل الْعَطاء: إِن كَانَ رزقهم على عمل دَائِم، لَا يَصح نظرهم فِيهِ إِلَّا بِولَايَة السُّلْطَان أَو نوابه فِي ذَلِك: كالقضاة، والعمال، وَكتاب الدِّيوَان، جَازَ إقطاعهم بأرزاقهم على مَال الْخراج سنة. وَفِي (33 / أ) جَوَاز مَا زَاد على سنة: خلاف الْأَصَح: جَوَازه. 82 - وَأما من لَيْسَ عمله دَائِما: كالجباة، وَمن يقوم بِعَمَل برّ يَصح التَّطَوُّع بِهِ كالأئمة والمؤذنين، فَيجوز حوالتهم على مَال الْخراج، وَلَكِن بعد الحديث: 80 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 استحقاقهم أَرْزَاقهم وحلول ذَلِك على من هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يجوز قبل ذَلِك، وَلَا يجوز إقطاع ذَلِك لَهُم على سَبِيل الإقطاع. 83 - وَكَذَلِكَ لَا يجوز الإقطاع على مَال الْجِزْيَة، وَلَا على خراج الأَرْض الَّتِي صولح عَلَيْهَا الْمُشْركُونَ على أَن تكون لَهُم؛ لِأَنَّهُ غير موثوق بِهِ، لجَوَاز أَن يسلمُوا فَيسْقط ذَلِك عَنْهُم. فَإِن أُحِيل بذلك بعد اسْتِحْقَاقه وحلول رزق مستحقيه جَازَ، وَيكون حِوَالَة لَا إقطاعاً كَمَا تقدم. 84 - وَكَذَلِكَ لَا يجوز إقطاع الزَّكَاة من الْعشْر وَغَيره؛ لِأَن الزَّكَاة لأصناف خَاصَّة يستحقونها عِنْد وُجُوبهَا إِذا كَانُوا بِصفة الِاسْتِحْقَاق عِنْد ذَلِك. وَلَا يجوز إقطاعها قبل وُجُوبهَا لاحْتِمَال تلف (33 / ب) المَال قبل الْحُلُول، أَو خُرُوج المقطع عَن صفة اسْتِحْقَاقهَا، فَيبْطل الإقطاع وَلَا يبْقى لَهُ فَائِدَة، فَإِن أقطع بهَا بعد وُجُوبهَا المتصف بِصفة الِاسْتِحْقَاق لَهَا جَازَ، وَيكون كالحوالة وَلَا يسْتَقرّ ملكه على ذَلِك إِلَّا بِقَبْضِهِ؛ لذَلِك لَا تصير دينا لأَهْلهَا على رب المَال بِمُجَرَّد ذَلِك الإقطاع. 85 - والأصناف المستحقون لِلزَّكَاةِ الْمَذْكُورَة فِي كتاب الله تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَيجب قسمتهَا على من يُوجد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية عِنْد الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رَضِي الله عَنْهُمَا، وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة - رَضِي الله عَنْهُمَا، يجوز صرفهَا إِلَى صنف وَاحِد من أَهلهَا. 86 - النَّوْع الثَّالِث: إقطاع الإرفاق. وَهُوَ ضَرْبَان: 87 - (34 / أ) الضَّرْب الأول: الْمَعَادِن الْبَاطِنَة فِي الأَرْض الَّتِي لَا يتَوَصَّل إِلَى نيلها إِلَّا بِعَمَل، كمعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس وَالْحَدِيد وَنَحْو ذَلِك، فَيجوز للْإِمَام أَن يقطع مِنْهَا قدرا يَتَأَتَّى للمقطع الْعَمَل فِيهِ وَالْأَخْذ مِنْهُ. وَإِذا أقطع السُّلْطَان شَيْئا من ذَلِك، فَالْأَصَحّ: إِنَّه إقطاع إرفاق، لَا يملك بِهِ المقطع وَفِيه الْمَعْدن، بل يملك الإرفاق بِهِ مُدَّة عمله فِيهِ ومقامه عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لأحد إزعاجه عَنهُ فَإِن تَركه وَأعْرض عَنهُ، زَالَ حكم الإقطاع، وَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَقيل: إِنَّه يملكهُ كَسَائِر أملاكه، وَهُوَ ضَعِيف. أما الْمَعَادِن الظَّاهِرَة: وَهِي الَّتِي يكون نيلها ظَاهرا لَا يحْتَاج إِلَى عمل: كالملح، والكحل، والنفط، والقار، والكبريت، والحمر. الحديث: 86 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فَهَذَا كُله لَا يجوز للسُّلْطَان إقطاعه، وَلَا يَصح، بل هُوَ مُشْتَرك بَين عَامَّة الْمُسلمين، لَا يخْتَص بِهِ (34 / ب) أحد عَن أحد: كالأنهار الْجَارِيَة، والعيون السارحة، لما رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أقطع أَبيض بن حمال ملح مأرب فَلَمَّا أعلم أَنه كَالْمَاءِ الْعد من ورده أَخذه " رد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إقطاعه. 88 - الضَّرْب الثَّانِي من إقطاع الإرفاق: مَا بَين العمائر من الشوارع، والطرق، والرحاب، ومقاعد الْأَسْوَاق، فَإِذا لم يكن ملك أحد، وَلَا يضر الْمَارَّة، فَالْأَصَحّ: أَنه يجوز للسُّلْطَان أَن يقطعهُ لمن يرتفق بِهِ بِالْجُلُوسِ وَالْبيع وَالشِّرَاء خَاصَّة من غير بِنَاء وَلَا نَحوه، وَيكون المقطع أَحَق بِهِ من غَيره، وَلَيْسَ للسُّلْطَان وَلَا لأحد أَن يَأْخُذ على ذَلِك عوضا، سَوَاء جلس بِإِذن السُّلْطَان أَو بِغَيْر إِذْنه، فَإِن سبق أحد إِلَى مَا لم يقطعهُ السُّلْطَان من ذَلِك جَازَ لَهُ الارتفاق بِمَا ذَكرْنَاهُ، فَإِن قَامَ عَنهُ بمتاعه كَانَ لغيره أَن يرتفق بِهِ. الحديث: 88 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فصل (9) 89 - يجوز للسُّلْطَان أَن يحمي بقْعَة (35 / أ) من الْموَات، لرعي إبل الصَّدَقَة والجزية، وخيل الْمُجَاهدين، ومواشي الْفُقَرَاء والضعفاء عَن الإبعاد فِي طلب النجعة؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : حمى النقيع. وَحمى أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الرّبذة. وَحمى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من السَّرف. وَلَا يجوز للسُّلْطَان أَن يحمي جَمِيع الْموَات وَلَا المَاء العدّ، وَلَا أَن يحمي لنَفسِهِ خَاصَّة، وَلَا للأغنياء خَاصَّة، بل إِذا حمى لمصَالح الْمُسلمين كَمَا ذَكرْنَاهُ جَازَ. وَلَا يجوز لغير السُّلْطَان أَن يحمي شَيْئا. وَإِذا حمى السُّلْطَان حمى، فَإِن كَانَ عَاما يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير. وَإِن كَانَ خَاصّا بالفقراء، منع مِنْهُ الْأَغْنِيَاء. وَإِذا زَالَت الْحَاجة، أَو ظهر لَهُ الْمصلحَة فِي تَغْيِير الْحمى، فَلهُ نقضه، وَلَيْسَ لأحد أَن يحمي مواتاً حماه السُّلْطَان، وَلَا يملكهُ إِن فعل ذَلِك. الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْبَاب الثَّامِن فِي تَقْدِير عَطاء الأجناد وَمَا يسْتَحقّهُ أهل الْجِهَاد 90 - كَانَ (35 / ب) النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُسَوِّي بَين النَّاس فِي قسم الْغَنِيمَة، وَلَا يفضل فِيهِ أحدا على أحد: لشرف، وَلَا لشجاعة، وَلَا قدم هِجْرَة، وَلَا غير ذَلِك من الصِّفَات المحمودة. وَكَانَ أَبُو بكر وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يريان التَّسْوِيَة بَين النَّاس فِي الْعَطاء، وَلَا يفضلان بسابقة وَلَا غَيرهَا. وَبِه قَالَ مَالك، وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا. وَلَيْسَ معنى التَّسْوِيَة أَن يُسَوِّي بَينهم فِي قدر الْعَطاء، بل مَعْنَاهُ أَن يُعْطي كل إِنْسَان على قدر حَاجته وكفايته، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 91 - وَكَانَ عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا يريان التَّفْضِيل بالسابقة فِي الدّين وَالْهجْرَة، وَعَملا بِهِ فِي خِلَافَتهمَا. وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ. الحديث: 90 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَلما نَاظر عمر أَبَا بكر حِين سوى بَين النَّاس، فَقَالَ: أتسوي بَين من هَاجر الهجرتين، وَصلى الْقبْلَتَيْنِ، وَبَين من أسلم عَام الْفَتْح خوف (36 / أ) السَّيْف. فَقَالَ أَبُو بكر: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. " إِنَّمَا عمِلُوا لله، وَإِنَّمَا أُجُورهم على الله، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغ ". فَقَالَ عمر: " لَا أجعَل من قَاتل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كمن قَاتل مَعَه ". 92 - وَلما اسْتخْلف وَوضع الدِّيوَان فضل بالسابقة، وَجعل الْعَطاء طَبَقَات: الطَّبَقَة الأولى: من شهد غزَاة بدر من الْمُهَاجِرين، فَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم فِي السّنة خَمْسَة آلَاف دِرْهَم. وَمِنْهُم: عُثْمَان، وَعلي وَطَلْحَة، وَالزُّبَيْر، وَغَيرهم. وَفرض لنَفسِهِ خَمْسَة آلَاف، وَلم يزدْ. وَألْحق بهم الْعَبَّاس، وَالْحسن، وَالْحُسَيْن، لمقامهم من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَلم يفضل أحدا على أهل بدر إِلَّا أَزوَاج رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَإِنَّهُ فرض لكل وَاحِدَة عشرَة آلَاف. الحديث: 92 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وزادت عَائِشَة أَلفَيْنِ لمحلها وَمحل أَبِيهَا من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الطَّبَقَة (36 / ب) الثَّانِيَة: من شهد بَدْرًا من الْأَنْصَار، فَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم. الطَّبَقَة الثَّالِثَة: من هَاجر قبل الْفَتْح مثل: خَالِد بن الْوَلِيد، وَعَمْرو ابْن الْعَاصِ وَغَيرهمَا، فَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَفرض لِابْنِهِ عبد الله مَعَهم، وَكَانَ قد هَاجر مَعَه، فَلَمَّا رُوجِعَ فِيهِ قَالَ: إِنَّمَا هَاجر تبعا لِأَبِيهِ، فَرضِي الله عَنهُ وأرضاه. الطَّبَقَة الرَّابِعَة: من أسلم بعد الْفَتْح: كَأبي سُفْيَان وَابْنه مُعَاوِيَة، وَصَفوَان بن أُميَّة، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل، فَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم فِي السّنة أَلفَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وساوى بهم الْأَحْدَاث من أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. وَمِنْهُم ابْنه عبيد الله وَلكنه فضل أسَامَه بن زيد، وَعمر بن أبي سَلمَة لمكانتهما من رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فأسامة ابْن مَوْلَاهُ وَعمر ربيبه. والطبقة الْخَامِسَة: بعد هَؤُلَاءِ كمن أسلم فِي آخر أَيَّام رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وفاضل بَين أهل (37 / أ) هَذِه الطَّبَقَة على قدر مَنَازِلهمْ وجهادهم وقراءتهم الْقُرْآن، فَفرض لَهُم من أَلفَيْنِ إِلَى ألف إِلَى خَمْسمِائَة إِلَى ثَلَاثمِائَة، وَلم ينقص أحد من الرِّجَال عَن ثَلَاثمِائَة دِرْهَم، وَفرض للطفل مائَة دِرْهَم، فَإِذا ترعرع فمائتي دِرْهَم. وَرُوِيَ أَنه قَالَ: لَئِن كثر المَال لأفرضنّ لكل وَاحِد أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم: ألفا لفرسه، وألفاً لسلاحه، وألفاً لسفره، وألفاً يخلفها عِنْد أَهله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 فصل (1) 93 - إِذا اتسعت أَمْوَال بَيت المَال لم يزدْ على قدر كِفَايَته كَمَا سَيَأْتِي، لِأَن بَيت المَال لَا يوضع إِلَّا فِي الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة، وَإِنَّمَا يعْطى المجاهدون مِنْهُ لما أرصدوا نُفُوسهم لَهُ من الْجِهَاد وأسبابه، وَكلهمْ فِي ذَلِك سَوَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ فِي المَال سَعَة جَازَ أَن يُزَاد المرتزقون مِنْهُ على قدر الْكِفَايَة. فصل (2) 94 - للسُّلْطَان أَن (37 / ب) يَأْخُذ من بَيت المَال كِفَايَته اللائقة بِحَالهِ، وَأَهله وعبيده وإمائه، وخدمه، وغلمانه، ودوابه، بِالْمَعْرُوفِ من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير. قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: إِنِّي أنزلت نَفسِي من مَال الله تَعَالَى بِمَنْزِلَة ولي الْيَتِيم، إِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ. فصل (3) 95 - ويفرض السُّلْطَان لكل وَاحِد من الْأُمَرَاء والأجناد من الْعَطاء أَو الاقطاع قدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كِفَايَته اللائقة بِحَالهِ، ومروءته، ومنزلته فِي الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الزَّوْجَات، والاولاد، وَالْعَبِيد والاماء والخدم، وَالدَّوَاب من مُؤنَة كسْوَة ومسكن، وخيل، وَسلَاح، وحاجة سفر. ويراعى فِي ذَلِك الزَّمَان وَالْمَكَان، والرخص، والغلاء، وَعَادَة الْبَلَد فِي المطاعم والملابس الشَّرْعِيَّة، فيكفيه بذلك المؤونات كلهَا ليتفرغ للْجِهَاد، والاستعداد لَهُ، وإرصاد (38 / أ) نَفسه لَهُ. وَكَذَلِكَ إِذا نفقت دَابَّته أَو تلف سلاحه فِي الْحَرْب وَلم يكن محسوباً عَلَيْهِ فِي عطائه أَو إقطاعه عوضه عَنهُ. وَلَا يعْطى لِعبيد أَو دَوَاب أَو ملابس مُحرمَة يتخذها للزِّينَة الْمُجَرَّدَة من غير مصلحَة تتَعَلَّق بِالْجِهَادِ؛ فَإِن كَانَ فيهم مصلحَة فِي الْجِهَاد جَازَ. فصل (4) 96 - يحرم على الرِّجَال لبس الذَّهَب والتحلي بِهِ، والتختم مُطلقًا فِي السِّلَاح وَغَيره، عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأبي حنيفَة، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا إِلَّا فِي اتِّخَاذ سنّ أَو أنف أُنْمُلَة فَإِنَّهُ يجوز للْحَاجة، وَيحرم على الرِّجَال أَيْضا لبس الْحَرِير الْخَالِص كالديباج والمروزي إِلَّا فِي علم الثَّوْب وسجفه، الحديث: 96 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فَإِنَّهُ جَائِز بِشَرْط أَلا يُجَاوز الِاسْم، وَيحرم مَا أَكْثَره حَرِير كبعض أَنْوَاع العنابي. وَيحرم افتراشه واتخاذ الستور مِنْهُ كلبسه. وَعَن أبي حنيفَة: جَوَازه. وَيجوز للرِّجَال تحلية آلَات الْحَرْب بِالْفِضَّةِ خَاصَّة وَهِي: السَّيْف وَالرمْح، والسكين، والمنطقة (38 / ب) ، بِشَرْط أَلا يسرف فِيهِ. وَفِي تحلية السرج، واللجام، والقلادة، والثغر: خلاف، وَالأَصَح: أَنه لَا يجوز. وَأما الذَّهَب فَلَا يجوز التحلية بِهِ فِي شَيْء من ذَلِك. وَيحرم اسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة على الرِّجَال وَالنِّسَاء. والديباج الثخين الَّذِي لَا يقوم غَيره مقَامه فِي دفع السِّلَاح، يجوز لبسه فِي شدَّة برد أَو مفاجأة حَرْب أَو حُصُول حكة فِي جسده. وَيجوز لِبَاس الصّبيان الْحَرِير. وَيجوز للنِّسَاء التحلي بِالذَّهَب مُطلقًا وَلبس الْحَرِير مُطلقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فصل (5) 97 - يَنْبَغِي أَن يكون لتفرقة الْعَطاء وَقت معِين، إِمَّا فِي السّنة أَو فِي بَعْضهَا. فَإِن كَانَ فِي بَيت المَال شَيْء فللمرتزقة الْمُطَالبَة بِهِ. وَإِن لم يكن فِي بَيت المَال أَو أعوز، فَلَيْسَ لَهُم الْمُطَالبَة حَتَّى يجْتَمع فِي بَيت المَال، وَيكون مَا تَأَخّر (39 / أ) لَهُم دينا على بَيت المَال، فَإِذا حصل وفيِّ لَهُم حَقهم. وللسطان أَن يقترض لَهُم على بَيت المَال. 98 - وَيجوز صرف مَا للمرتزقة عَن السّنة الْقَابِلَة إِذا كَانَ فِي بَيت المَال سَعَة، وَأَن يصرف فِي السِّلَاح، وَعمارَة الْحُصُون، ومصالح الْمُسلمين. فصل (6) 99 - إِذا مَاتَ بعض المرتزقة من الأجناد اسْتمرّ عطاؤه على بَنَاته وزوجاته إِلَى أَن يتزوجن مَا يكفيهن وعَلى صغَار أَوْلَاده الذُّكُور إِلَى أَن يبلغُوا ويستقلوا بِالْكَسْبِ أَو يَرْغَبُوا فِي أَهْلِيَّة الْجِهَاد وعَلى الْأَعْمَى والزمن مِنْهُم أبدا قدر الْكِفَايَة. الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 كل ذَلِك لترغيب أهل الْجِهَاد، وتوفير خواطرهم عَلَيْهِ، وتطييب قُلُوبهم على عِيَالهمْ بعدهمْ. 100 - وَإِذا مَاتَ المرتزق فِي أثْنَاء الْحول صرف إِلَى ورثته مَا يَخُصُّهُ من السّنة من عَطاء. . وَإِن مَاتَ بعد الْحول صرف حَقه فِي السّنة إِلَى ورثته. فصل (7) 101 - (39 / ب) إِذا أَرَادَ بعض الأجناد إِخْرَاج نَفسه من المرتزقة وَترك الِاشْتِغَال بِالْجِهَادِ وأسبابه: فَإِن كَانَ مِمَّن يسْتَغْنى عَنهُ فِي ذَلِك، جَازَ لَهُ ذَلِك. وَإِن كَانَ مِمَّن يحْتَاج إِلَيْهِ: لشجاعته، وتجربته، وَحسن رَأْيه وتدبيره: لم يجز لَهُ ذَلِك، وَلَا يجوز للسُّلْطَان أَن يُمكنهُ من ذَلِك، وَإِن كَانَت لَهُ سَعَة يتَمَكَّن بهَا من تَحْصِيل أَسبَاب الْجِهَاد من غير عَطاء السُّلْطَان، فتبرع بترك الْعَطاء من قِيَامه بِأَسْبَاب الْجِهَاد من مَاله، فَهُوَ أفضل وَأعظم أجرا. الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فصل (8) 102 - إِذا ندب السُّلْطَان أَو نَائِبه جَيْشًا أَو سَرِيَّة لقِتَال مَشْرُوع فامتنعوا من غير عذر، سقط عطاؤهم وانحل إقطاعهم. وَإِن كَانَ لَهُم عذر من كَثْرَة الْعَدو كَثْرَة لَا تحْتَمل أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يعد عذرا لمثلهم، لم تسْقط أَرْزَاقهم لقِيَام عذرهمْ. الحديث: 102 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الْبَاب التَّاسِع فِي اتِّخَاذ الْخَيل وَالسِّلَاح والأعتاد للقائمين بِفَرْض الْجِهَاد 103 - (40 / أ) قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} . وَفسّر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْقُوَّة: بِالرَّمْي. يَنْبَغِي للسُّلْطَان وَغَيره من الْأُمَرَاء والأجناد اتِّخَاذ جِيَاد الْخَيل بنية نصر دين الله تَعَالَى وَالْجهَاد فِي سَبيله، واتخاذ جيد السِّلَاح الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْقِتَال اقتداءاً برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين بعده. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : (من احْتبسَ فرسا فِي سَبِيل الله، إِيمَانًا بِاللَّه وَتَصْدِيقًا بوعده، فَإِن شبعه وريّه وبوله وروثه حَسَنَات فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة) خَ، س. الحديث: 103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَقَالَ: (الْخَيْر مَعْقُود فِي نواصي الْخَيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) قيل: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: (الْأجر وَالْغنيمَة) . وَقَالَ: (الْجنَّة تَحت ظلال السيوف) . وَلَا يقْصد بذلك الْفَخر وَالْخُيَلَاء (40 / ب) فيفوته الْأجر، ويلحقه الْوزر كَمَا سَيَأْتِي فِي الحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل (1) 104 - وَكَانَ للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وللخلفاء الرَّاشِدين، وَمن بعدهمْ: خيل وَسلَاح، لغزوهم فِي سَبِيل الله تَعَالَى. أما خيل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقيل: سِتَّة، وَقيل: أَكثر، وَهِي: السكب والمرتجز، والورد، والظرب، واللحيف، واللزاز، وَالْبَحْر، وسبخة، والسحاء. فاما السكب: فَهُوَ أول فرس ملكه، وغزا عَلَيْهِ، سمي بذلك لخفة مَشْيه كسكب المَاء، وَكَانَ كميتاً، وَقيل: أدهم، أغر محجلاً، طلق الْيَمين. الحديث: 104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَأما المرتجز: فَهُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ من الْأَعرَابِي، وَشهد لَهُ بِهِ خُزَيْمَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَكَانَ أَبيض، وَسمي المرتجز: لحسن صهيله وَأما الْورْد: فأهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ، ثمَّ وهبه النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لعمر يحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله، وَسمي الْورْد لِأَنَّهُ كَانَ بَين الْأَحْمَر والأشقر. وَأما الظرب (41 / أ) (على وزن شرب) فأهداه لَهُ فَرْوَة الجذامي والظرب فِي اللُّغَة: الرابية، سمى بذلك لسمنه وعظمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَأما اللحيف (بِوَزْن الْخَفِيف) ، فأهداه لَهُ فَرْوَة الجذامي أَيْضا. وَقيل: غَيره، وَسمي بذلك لطول ذَنبه، كَأَنَّهُ يلتحف بِالْأَرْضِ وَأما اللزاز: فَسُمي بذلك لشدَّة رموحه فِي مَشْيه وتلززه. وَأما الْبَحْر: فَاشْتَرَاهُ من قوم بِالْيمن، وَسبق عَلَيْهِ. وَأما سبْحَة: فَكَانَت شقراء ابتاعها من قوم جُهَيْنَة، وسابق عَلَيْهَا وَسميت بذلك لجريها. وَسبح الْفرس: جريه، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {والسابحات سبحا} وَأما السحاء فَقيل: هِيَ الْبَحْر، وَقيل: غَيره. فصل (2) 105 - وَكَانَ لَهُ بغلتان: احداهما: شهباء؛ وَتسَمى دُلْدُل، لسرعة مشيها. والدلدل: هُوَ عَظِيم الْقُنْفُذ، أهداها لَهُ الْمُقَوْقس صَاحب مصر، الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَأهْدى مَعهَا جاريتين: مَارِيَة (41 / ب) وَسِيرِين، وَحِمَارًا اسْمه " يَعْفُور " وَخَصِيًّا اسْمه " مابور " وَقَدحًا من زجاج. وَالْبَغْلَة الثَّانِيَة: تسمى " فضَّة " أهداها لَهُ فَرْوَة الجذامي. وَقيل: صَاحب أيله، وَكَانَت بَيْضَاء كالفضة فسميت بذلك. 106 - وَأما إبِله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَكَانَت لَهُ نَاقَة يُقَال لَهَا: العضباء والقصواء، والجدعاء، وَهِي الَّتِي كَانَت لَا تسبق، وناقة أُخْرَى تسمى " فَرْوَة ". وناقة أُخْرَى تسمى " النعوم ". وَكَانَت لَهُ عشرُون نعجة. 107 - واما سلاحه فَكَانَ لَهُ سِتَّة أسياف: العضب، قيل: كَانَ وَرثهُ عَن أَبِيه. وَذُو الفقار، أَصَابَهُ يَوْم بدر فِي الْغَنِيمَة، وَكَانَ لمنبه بن الْحجَّاج. سمي بذلك لحفر صغَار حسان كَانَت فِيهِ. الحديث: 106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 والجنف: سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ معوجّاً، وَلَعَلَّه الَّذِي سمي الْآن " القلاجون ". والمخذم: سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ قَاطعا، والخذم: الْقطع. (42 / أ) أَو البتار: لِأَنَّهُ كَانَ قَاطعا أَيْضا، والبتر: الْقطع أَيْضا. والرسوب: سمي بذلك لشدَّة مضيه فِيمَا ضرب فِيهِ والقلعي: وَهُوَ سيف أَصَابَهُ من سلَاح بني قينقاع. 108 - وَأما رماحه فَأَرْبَعَة: رمح مِنْهَا يُسمى " المثني "، وَثَلَاثَة أَصَابَهَا من بني قينقاع. وَكَانَ لَهُ: عترتان، والعترة: هِيَ الحربة الصَّغِيرَة. الحديث: 108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَأما قسيه فأربع: الروحاء، والبيضاء، والصفراء، والكتوم. وَأما أدراعه فَثَلَاثَة: إِحْدَاهَا: ذَات الفضول، ودرعان أصابهما من بني قينقاع. وَكَانَت لَهُ جعبة لسهامه تسمى " الكافور ". وترس يُسمى: الزّلوق. ومنطقة من أَدِيم منشور فِيهَا ثَلَاث حلق من فضَّة، وإبزيمها وطرفها من فضَّة. وَكَانَ لَهُ راية سَوْدَاء يُقَال لَهَا: " الْعقَاب "، ولواء: أَبيض. وَكَانَ لَهُ مغفر لبسه يَوْم الْفَتْح. وبيضة: وَهِي الخوذة (42 / ب) لبسهَا يَوْم أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 فصل (3) 106 - يَنْبَغِي لكل أحد من الْمُجَاهدين أَن يعلم الرماية والادمان عَلَيْهَا، وعَلى ركُوب الْخَيل، وعَلى الفروسية بنية الاستعداد للْجِهَاد، وَكَذَلِكَ كل مَا هُوَ من أَسبَاب الْقِتَال: كاللعب بِالرِّمَاحِ والمزاريق. وَيسْتَحب الْمُسَابقَة والمناضلة على مَال يشْتَرط للسابق والناضل، ويثاب باذل المَال لذَلِك، لِأَنَّهُ فِي طَاعَة ومصلحة الْمُسلمين. وللسلطان أَن يبْذل ذَلِك من بَين المَال للسابق. فَإِن كَانَ المَال المبذول فِي ذَلِك من غَيرهمَا أَو من أَحدهمَا خَاصَّة صَحَّ من غير مُحَلل، وَإِن كَانَ بذل المَال مِنْهُمَا لم يَصح العقد، وَلَا يحل المَال إِلَّا بِمُحَلل كُفْء لَهُم يدْخل مَعَهم فِي عقد الْمُسَابقَة أَو المناضلة إِن سبق أَخذ، وَإِن سبق لم يغرم، ليخرج العقد بذلك عَن الْقمَار؛ وَلذَلِك يُسمى " محللا " لِأَنَّهُ يحلل (43 / أ) العقد وَأخذ المَال. والقمار: وَهُوَ أَن لَا يَنْفَكّ أحد من أهل الحلبة عَن غنم أَو غرم، وَهُوَ حرَام، فَإِذا كَانَ فيهم من يَأْخُذ إِن سبق وَلَا يغرم إِن سبق حل العقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فصل (4) 110 - وَيصِح عقد الْمُسَابقَة: على الْخَيل، وَالْإِبِل، وعَلى المناضلة بالنشاب والنبل، وعَلى اللّعب بِالرِّمَاحِ والمزاريق. وَالأَصَح: صِحَّتهَا على الأفيلة وَالْبِغَال وَالْحمير. 111 - وَلَا تجوز على المصارعة، وَلَا على الْعَدو، وَلَا تطيير الطُّيُور، وَلَا على صرعها بالبندق وَنَحْوه. وَلَا على الصولجان والسباحة وَالشطْرَنْج. فصل (5) 112 - يجب فِي عقد الْمُسَابقَة والمناضلة: تعْيين الْموقف، والغاية، وَعدد الأرشاق، وَصفَة الرَّمْي، والإصابة فِي الْغَرَض، وَتَعْيِين الأفراس وَالرُّمَاة، وَقدر المَال الْمَشْرُوط وَصفته، وَلَا يجب تعْيين القسي. والسبق فِي الْخَيل بأعناقها. وَقيل: بقوائمها. وَفِي الْإِبِل: بأكتادها الحديث: 110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فصل (6) 113 - (43 / ب) عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: (يمن الْخَيل فِي الشّقر) . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (عَلَيْكُم بِكُل كميتٍ أغر محجل أَو أشقر أغر محجل) . وَقَالَ: (خير الْخَيل الأدهم الأقرح الأرثم، ثمَّ الأقرح المحجل، طلق الْيَمين، فَإِن لم يكن أدهم فكميت على هَذِه الشية) . وَصَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام: (كَانَ يكره الشّكال فِي الْخَيل) , وَهُوَ أَن يكون رجل مُطلقَة وَثَلَاث محجلة، أَو وَاحِدَة محجلة وَثَلَاث مُطلقَة. وَقَالَ رَاشد بن سعد: كَانَ السّلف يستحبون الفحولة، لِأَنَّهَا أجرأ على الْحمل وأجسر. الحديث: 113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الْبَاب الْعَاشِر فِي وضع الدِّيوَان وأقسام ديوَان السُّلْطَان 114 - لفظ الدِّيوَان: يجوز أَن يكون مأخوذاً من قَوْلهم دوَّن الْأَشْيَاء أَي جمعهَا، لِأَنَّهُ يدني بَعْضهَا بِبَعْض. وَقيل الديوانه بِالْفَارِسِيَّةِ: اسْم للشياطين، فَسُمي الْكتاب بذلك لحذقهم فِي الْكِتَابَة. وَقيل أَصله أَن كسْرَى اطلع على كِتَابه وهم يحسبون (44 / أ) مَعَ أنفسهم وَلَهُم حَرَكَة فَقَالَ: ديوانه أَي مجانين، فسموا بذلك ثمَّ حذفت الْهَاء تَخْفِيفًا، ثمَّ أطلق ذَلِك على الدفتر الْمَوْضُوع لحفظ مَا يتَعَلَّق بالسلطان من ضبط الجيوش، وَالْأَمْوَال، والأعمال والعمال. 115 - وَأول من وضع الدِّيوَان فِي الْإِسْلَام عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لما كثرت جنود الْإِسْلَام وأمواله، واحتيج إِلَى ضبط ذَلِك، فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَة فِيهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِهِ عُثْمَان بن عَفَّان، وخَالِد بن الْوَلِيد. الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَغَيرهمَا، فَأمر عقيل بن أبي طَالب ومخرمة بن نَوْفَل وَجبير بن مطعم، وهم من شباب قُرَيْش. قَالَ: اكتبوا النَّاس على مَنَازِلهمْ، وَأَن يبدأوا ببني هَاشم ثمَّ يقدموا الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَذَلِكَ فِي الْمحرم سنة عشر من الْهِجْرَة، وَقيل: سنة عشْرين، وَفِيه فتحت مصر، وَفتح (44 / ب) الشَّام سنة أَربع عشرَة. فصل (1) ديوَان السُّلْطَان 116 - تَنْقَسِم أُصُوله إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام: الحديث: 116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 117 - الأول: ديوَان الْجَيْش: وَيَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يَضَعهُ، وَيثبت فِيهِ اسماء جَمِيع الأجناد المرتزقة المرصدين للْجِهَاد من الْأُمَرَاء وَغَيرهم. فقد روى حُذَيْفَة أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " اكتبوا لي من تلفظ بِالْإِسْلَامِ "، الحَدِيث. فيصلح ذَلِك دَلِيلا على أَنه من السّنة، ولاتفاق الصَّحَابَة عَلَيْهِ، وَلِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَيْهِ، فتكتب اسماء المرتزقين، وَقدر أَرْزَاقهم. وَإِنَّمَا يثبت فِي الْجَيْش اسْم من اتّصف بست صِفَات وَهِي: الذُّكُورَة، وَالْبُلُوغ، وَالْحريَّة، وَالْإِسْلَام والسلامة من النَّقْص الْمَانِع لِلْقِتَالِ والإقدام على الحروب، وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْقِتَال. فَلَا يثبت فِيهِ: امْرَأَة، وَلَا صبي، وَلَا مَجْنُون، وَلَا عبد، وَلَا ذمِّي، وَلَا ضَعِيف لَا يصلح لِلْقِتَالِ: كالأعمى، والزمن (45 / أ) ، ومقطوع الْيَد وَلَا الْأَعْرَج رَاجِلا، فَإِن كَانَ الْأَعْرَج فَارِسًا جَازَ اثباته فِي الدِّيوَان. وَلَا يثبت فِي ديوَان الْجَيْش من ضعفت همته عَن الحروب، أَو قلت مَعْرفَته بِالْقِتَالِ، أَو تجبن نَفسه عَن الْإِقْدَام لِأَنَّهُ عَاجز عَن الْقِتَال فَلَا يرصد لَهُ، فَإِن كَانَ هَؤُلَاءِ فِي عِيَال الْمقَاتل الْقَادِر عَلَيْهِ حسبوا من الحديث: 117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 عِيَاله تبعا، وَأعْطِي تَتِمَّة كفايتهم وَلَا يستقلون بالعطاء. وَجوز أَبُو حنيفَة: إِفْرَاد العبيد بالعطاء، وَهُوَ مَذْهَب أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَمنعه الشَّافِعِي: وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَلَا يجوز لمن علم فِي نَفسه فقد أَهْلِيَّة الْجِهَاد وَالْعجز عَنهُ أَن يكْتب نَفسه فِي الْمُجَاهدين أَو يتَنَاوَل مَا هُوَ مرصد لَهُم لنَفسِهِ. فصل (2) 118 - إِذا ثَبت فِي الدِّيوَان اسْم رجل، فَإِن كَانَ مَشْهُور الذّكر نبيه الْقدر كالأكابر من الْأُمَرَاء (45 / ب) وَغَيرهم اكْتفى بشهرته، وَلم يحسن ذكر صفته وحليته، لِأَن ذَلِك لَا يَلِيق بِهِ. وَإِن لم يكن مَشْهُورا، ذكر اسْمه، وَنسبه، وقبيلته، وسنه، وَصفته، وحلاه بِمَا يتَمَيَّز عَن غَيره، وَيعرف بهَا وَبِه عريفه، ليتعرف أَحْوَاله، ويحضره عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ. وَللْإِمَام ونائبه أَن يَأْخُذ الْبيعَة على الْجند عِنْد إثباتهم فِي الدِّيوَان. الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فصل (3) 119 - وَيكْتب فِي الدِّيوَان قدر أرزاق المرتزقين فِيهِ إِن كَانُوا من أهل الْعَطاء. وَقدر إقطاعاتهم، وجهاته، ونواحيه إِن كَانُوا من أهل الإقطاع، فَإِن كَانُوا عربا أَو عربا وعجماً، يرتب اسماءهم فِيهِ على النّسَب كَمَا فعل عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَيقرب الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهُوَ سيدنَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مُحَمَّد بن عبد الله، بن عبد الْمطلب، بن هَاشم بن عبد منَاف، بن قصي (46 / أ) ، بن كلاب، بن مرّة، بن كَعْب، بن لؤَي، بن غَالب، بن فهر، بن مَالك، بن النَّضر، بن كنَانَة، بن خُزَيْمَة، بن مدركة، بن إلْيَاس، بن مُضر، بن نزار بن معد، بن عدنان. فَيبْدَأ ببني هَاشم ثمَّ بني عبد المطلب بن عبد منَاف ثمَّ بني عبد منَاف ثمَّ كَذَلِك بَطنا بعد بطن. فَإِن اسْتَوَى بطْنَان فِي الْقرب، قدم من فِيهِ أَصْهَار رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وقريش: هُوَ النَّضر بن كنَانَة. وَقيل: هُوَ فهر بن مَالك. وَإِذا فرغ من قُرَيْش بَدَأَ بالأنصار لآثارهم الحميدة فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: يقدم كنَانَة، وَمن يليهم فِي النّسَب. الحديث: 119 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وأنساب الْعَرَب: سِتّ مَرَاتِب وَهِي: الشّعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة. فالشعب: يجمع الْقَبَائِل كمضر. والقبيلة: تجمع العمائر مثل كنَانَة. والعمارة (46 / ب) : تجمع الْبُطُون كقريش. والبطون: تجمع الأفخاذ كتيم وعدي. والفخذ: تجمع الفصائل كهاشم وَأُميَّة. فصل (4) 120 - فَإِذا فرغ من الْعَرَب رتب الْعَجم بعدهمْ، وَإِذا لم يعرف أنسابهم رتبهم على الْأَجْنَاس من الْبلدَانِ كالترك وَالروم والهند وَنَحْو ذَلِك، وَيقدم أقدمهم وأسبقهم إِلَى الْإِسْلَام، ثمَّ أقربهم إِلَى السُّلْطَان ثمَّ أطوعهم لله تَعَالَى، وللسلطان هَذَا كُله فِي الْقَبَائِل. أما فِي آحَاد الْأَشْخَاص فَيقدم بِالسَّبقِ إِلَى الْإِسْلَام ثمَّ بِالدّينِ والورع، ثمَّ بِالسِّنِّ، ثمَّ بالشجاعة، فَإِن اسْتَووا فِي ذَلِك كُله قدم بِاجْتِهَادِهِ أَو أَقرع بَينهم. وَهَذَا كُله مُسْتَحبّ لَا وَاجِب، فَإِن خَالفه فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَلَا جنَاح، وَالْحَمْد لله. الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فصل (5) 121 - يسْتَحبّ أَن يكون للأجناد: عرفاء، ونقباء. يعرض على السُّلْطَان أَحْوَالهم، وَيرْفَع إِلَيْهِ أخبارهم، ويجمعهم عِنْد (47 / أ) الْحَاجة إِلَيْهِم، فقد رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] جعل عَام خَيْبَر على كل عشرَة عريفاً، وَكَانَ للْأَنْصَار اثْنَا عشر نَقِيبًا: ثَلَاثَة من الْأَوْس، وَتِسْعَة من الْخَزْرَج، وَقَالَ فِي غزَاة هوَازن لما استنزل الْأَنْصَار عَن السَّبي: ارْجعُوا حَتَّى يرفع إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمركُم. وَيجب أَن يكون العرفاء والنقباء أُمَنَاء تقاة. الدِّيوَان الثَّانِي: ديوَان رسوم الْأَمْوَال المختصة بِالْأَعْمَالِ: 122 - ووظيفته أَن يُمَيّز كل عمل بِمَا يتَمَيَّز بِهِ غَيره، ويفصل نواحيه عِنْد اخْتِلَاف أَحْكَامهَا، وَيبين مَا فتح عنْوَة، وَمَا فتح صلحا، وَحكم أراضيه الخراجية والعشرية، والسقي من البعل، وَمِقْدَار مساحته، ومبلغ ضريبته من عين، أَو غلَّة، أَو مقاسمة بِثلث أَو نصف أَو ربع. وَمَا هُوَ خراج، وَمَا هُوَ جِزْيَة - كَمَا تقدم - وَتَسْمِيَة أربابه (47 / ب) ، وَمِقْدَار ارتفاعه، وَعدد مَا فِي كل نَاحيَة من أهل الذِّمَّة، وَمَا على كل وَاحِد مِنْهُم من مقادر الْجِزْيَة، واعتبارهم كل سنة، ليثبت من بلغ الحديث: 121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَيسْقط من مَاتَ. وَيبين مَا فِي ذَلِك الْعَمَل من الْمَعَادِن، وأعدادها، وأجناسها، وأنواعها وَمَا فِيهِ من عشور وتجارات الْكفَّار، وَنَحْو ذَلِك. فصل (6) 123 - إِذا غير السُّلْطَان أَحْكَام الْبِلَاد فِي مقادير الرسوم الْعُرْفِيَّة فِي الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة، فَإِن كَانَ الشَّرْع يُجِيز ذَلِك، وَالِاجْتِهَاد فِيهِ: جَازَ، وَيصير الثَّانِي هُوَ الْحق حِينَئِذٍ. وَإِن مَنعه الشَّرْع كَانَ حيفاً مردوداً سَوَاء بِزِيَادَة أونقصان؛ لِأَن الزِّيَادَة حيف على الرّعية وَالنُّقْصَان حيف على بَيت المَال. فصل (7) 124 - وَأما مَا يُؤْخَذ من الضرائب والأعشار من تِجَارَات الْمُسلمين المنقولة من بلد إِلَى بلد، وعَلى مَا يُبَاع من أَنْوَاع الْأَمْوَال، فمحرم شرعا لَا يبيحه شرع، وَلَا يُجِيزهُ عدل، بل هُوَ (48 / أ) مكوس مُعينَة وظلامات بَيِّنَة. الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الدِّيوَان الثَّالِث: ديوَان الْعمَّال على جِهَات الْأَعْمَال: 125 - وَهُوَ يشْتَمل على ذكر ضبط سِتَّة أَشْيَاء: الْمولى ّ، وَالْمُتوَلِّيّ، وَالْعَمَل، وزمنه، وَمَا تصح بِهِ التَّوْلِيَة، والمقرر على الْعَمَل. 126 - الأول الْمولي: وَشَرطه: أَن يكون جَائِز النّظر فِيمَا ولي فِيهِ، نَافِذ التَّصَرُّف فِيهِ كَالْإِمَامِ، وَالسُّلْطَان، ووزير التَّنْفِيذ. فَإِن ولي على الْعَمَل من لَيْسَ لَهُ فِيهِ نظر من جِهَة ولي الْأَمر، لم تصح التَّوْلِيَة، وَلَا تصرف الْمُتَوَلِي من جِهَته. 127 - الثَّانِي الْمُتَوَلِي: وَشَرطه أَن يكون موثوقاً بأمانته، مُسْتقِلّا بكفايته لما فِيهِ، جَامعا لشروطه. وَلَا يجوز تَوْلِيَة الذِّمِّيّ فِي شَيْء من ولايات الْمُسلمين إِلَّا فِي جباية الْجِزْيَة من أهل الذِّمَّة أَو جباية مَا يُؤْخَذ من تِجَارَات الْمُشْركين. فَأَما مَا يجبى من الْمُسلمين من خراج أَو عشر أَو غير ذَلِك فَلَا يجوز تَوْلِيَة (48 / ب) الذِّمِّيّ فِيهِ، وَلَا تَوْلِيَة شَيْء من أُمُور الْمُسلمين، قَالَ تَعَالَى: {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَمن ولى ذِمِّيا على مُسلم فقد جعل لَهُ سَبِيلا عَلَيْهِ. الحديث: 125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعضٍ وَمن يتولهّم مِنْكُم فإنّه مِنْهُم} ، وَلِأَن تَوْلِيَة الْكَافِر على الْمُسلم تَتَضَمَّن إعلاءه عَلَيْهِ، وإعزازه بِالْولَايَةِ، وَذَلِكَ مُخَالف للشريعة وقواعدها. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} . ونسأل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. 128 - الثَّالِث، الْعَمَل الْمولى عَلَيْهِ: وَشَرطه، أَن يكون متميزاً عَن غَيره عِنْد الْمولي، وَالْمُتوَلِّيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفسه، وَإِلَى مَحَله: كالقضاء والحسبة، كقضاء إقليم كَذَا وحسبة بلد كَذَا، وَأَن يكون مَعْلُوم الْعَمَل والرسوم والحقوق إِن كَانَ لَهَا تعلق بذلك الْعَمَل. 129 - الرَّابِع، زمن الْولَايَة وقدرها (49 / أ) : فَإِذا قدرت الْولَايَة بِزَمن لم ينظر بعْدهَا، أَو بِعَمَل مُقَدّر لم ينظر بعد فَرَاغه مِنْهُ: كخراج سنة كَذَا، أَو جِزْيَة عَام كَذَا، فَإِذا مَضَت الْمدَّة الْمعينَة أَو فرغ الْعَمَل الْمُقدر انْقَضتْ الْولَايَة، وَإِن لم يقدر الْولَايَة بِمدَّة مُعينَة وَلَا عمل مُقَدّر، وأطلقت إطلاقاً جَازَ، ثمَّ ينظر فَإِن كَانَ الْعَمَل دَائِما: كالقضاء، والحسبة، والشرطة، جَازَ نظره دَائِما مَا لم يعْزل عَنهُ. الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَإِن لم يكن ذَلِك الْعَمَل دَائِما، فَإِن لم يكن مَعْهُود الْعود: كقسمة الْغَنِيمَة فِي غزَاة، انْقَضتْ الْولَايَة بفراغه عَنهُ. وَإِن كَانَ مَعْهُود الْعود: كالخراج، والجزية، وَالْعشر. فقد قيل: إِن إِطْلَاق التَّوْلِيَة يَقْتَضِي عَاما وَاحِدًا وَقيل: يحمل على الدَّوَام مَا لم يعْزل. 130 - الْخَامِس، مَا تصح بِهِ التَّوْلِيَة: وَتَصِح بِاللَّفْظِ كَسَائِر الْعُقُود كَقَوْلِه: قلدتك كَذَا، ووليتك (49 / ب) كَذَا فِي بلد كَذَا، أَو فِي اقليم كَذَا. وَتَصِح بتوقيع الْمُتَوَلِي بِخَطِّهِ فِي الولايات السُّلْطَانِيَّة، وَإِن لم يتَلَفَّظ لِأَن الْعرف جارٍ بذلك وقاض بِهِ. ثمَّ إِن خصّه وَحده بِالْعَمَلِ كَانَ عزلا لمن قبله، وان نَص على اشتراكهما اشتراكا فِيهِ، وان أطلق الْولَايَة حمل على الْعرف فِي ذَلِك، فَإِن كَانَ الِاشْتِرَاك اشْتَركَا، وان كَانَ الِانْفِرَاد انْفَرد بِهِ، وَكَانَ عزلاً للْأولِ، وان لم يكن قبله فِيهِ عَامل انْفَرد بِهِ وَحده. 131 - السَّادِس: الْمُقَرّر على الْعَمَل: فَإِن كَانَ مَعْلُوما اسْتَحَقَّه إِذا وفى عمله حَقه، فَإِن قصر فِيهِ سقط مِنْهُ مَا يُقَابل مَا قصر فِيهِ، وَإِن زَاد لم يسْتَحق زِيَادَة لِأَنَّهُ فِي زِيَادَته: إِمَّا مُتَبَرّع أَو مُتَعَدٍّ، فَلَا يسْتَحق شَيْئا. وان كَانَ الْمُسَمّى على الْعَمَل مَجْهُولا: بَطل عقده، وَاسْتحق أجره مثل عمله. وَإِن لم يسمّ لَهُ شَيْء فقد قيل: لَا يسْتَحق شَيْئا، وَقيل: يسْتَحق أجره مثل عمله. الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَقيل: إِن كَانَت عَادَته أَخذ الْجَارِي على عمله (50 / أ) اسْتحق أُجْرَة مثله وَإِلَّا فَلَا. وَإِن كَانَ فِي الدِّيوَان مُقَرر مُقَدّر، وَقد عمل جمَاعَة بِهِ، فَهُوَ أُجْرَة الْمثل وَلَا تصير أُجْرَة بِعَمَل وَاحِد فَقَط. فصل (8) 132 - وَيسْتَحق الْعَامِل مقرره من أول وَقت نظره فِيهِ، وَيَأْخُذ من عمله ان كَانَ فِيهِ مَال من جنسه وَإِلَّا فَمن بَيت المَال، وَإِذا أذن للْمولى الْعَامِل أَن يسْتَخْلف من يَنُوب عَنهُ جَازَ، وَإِن منع مِنْهُ لم يجز. وان اطلق نظر: فَإِن كَانَ عَلَيْهِ الْقيام بِجَمِيعِهِ لم يجز أَن يَسْتَنِيب. الدِّيوَان الرَّابِع: دخل بَيت المَال وخرجه. 133 - وَبَيت المَال عبارَة عَن الْجِهَة كَمَا تقدم، فَكل مَال اسْتَحَقَّه الْمُسلمُونَ مُطلقًا من غير تَخْصِيص لمستحق معِين فَهُوَ من حُقُوق بَيت المَال، وَذَلِكَ: كخمس الْخمس، وَمَال الْخراج وَغَيره مِمَّا تقدم من جِهَات بَيت المَال. وَقد تقدم تَفْصِيله فِي بَاب الْعَطاء، فَكل مَال مرصد (50 / ب) لمصَالح الْمُسلمين فَهُوَ من مَال بَيت المَال. الحديث: 132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وكل حق وَجب صرفه فِي مصَالح الْمُسلمين فَهُوَ حق على بَيت المَال، فَإِذا صرف فِي جِهَته كَانَ مُضَافا إِلَى بَيت المَال سَوَاء أخرج من حرز أم لَا. وكل مَا صَار من أَمْوَال الْمُسلمين إِلَى عماله أَو خرج مِنْهَا من أَيْديهم، فَحكم بَيت المَال جَار عَلَيْهِ فِي دخله وخرجه. أما مَا يسْتَحقّهُ مُسلم معِين أَو قوم مخصوصون من الْمُسلمين: كأربعة أَخْمَاس الْغَنِيمَة، وزكوات الْأَمْوَال، فَلَيْسَتْ فِي حُقُوق بَيت المَال؛ لِأَن الْغَنِيمَة مُسْتَحقَّة لمن حضر الْوَاقِعَة، وَالزَّكَاة لأصناف مَخْصُوصَة فَلَا يجوز صرفهَا فِي غَيرهم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة، كاعتبار الزروع، وَالثِّمَار وصدقات الْمَوَاشِي من حُقُوق المَال يصرفهَا الإِمَام بِرَأْيهِ. وَكَذَلِكَ مَا يُؤْخَذ من أَمْوَال الْمُسلمين فِي تجاراتهم ومعايشهم من المكوس (51 / أ) والضرائب، فَإِن ذَلِك كُله ظلم بَين، وحيف مُتَعَيّن، وَلَيْسَ من بَيت المَال فِي شَيْء. فصل (9) 134 - إِذا ضَاقَ بَيت المَال عَن مصارفه، قدم مِنْهَا مَا يضر بِتَأْخِيرِهِ دينا عَلَيْهِ، كأرزاق الْجند وَنَحْوهَا. الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فَإِن ضَاقَ عَن جَمِيع مصارفه فللسلطان أَن يقترض على بَيت المَال مَا يصرفهُ فِي مصارفه، وَهُوَ يُوفي ذَلِك إِذا اجْتمعت أَمْوَاله، وعَلى من ولي بعده أَمر الْمُسلمين قَضَاء ذَلِك إِن لم يتَّفق للمقرض قَضَاؤُهُ. وَإِن فضل مَال بَيت المَال عَن مصارفه: فقد قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: يدّخر الْفَاضِل لما يَنُوب الْمُسلمين من حَادث. وَمذهب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى: يصرف فِيمَا فِيهِ صَلَاح الْمُسلمين من الْجند وَعمارَة الْحُصُون، وَتَحْصِيل السِّلَاح والكراع وَغير ذَلِك من مصالحهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْبَاب الْحَادِي عشر فِي فضل الْجِهَاد، ومقدماته، وَمن يتأهل لَهُ من حماته 135 - قَالَ الله تَعَالَى: {مَا كَانَ لاهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله وَلَا يَرْغَبُوا بانفسهم عَن نَفسه ذَلِك بأنّهم لَا يصيبهم ظما وَلَا نصبٌ وَلَا مخمصةٌ فِي سَبِيل الله وَلَا يطؤن موطئاً يغِيظ الكفّار وَلَا ينالون من عدوٍ نيلاً إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عملٍ ٌ صالحٌ انّ الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفقُونَ نَفَقَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَلَا يقطعون وَاديا إِلَّا كتب لَهُم لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما} الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَقَالَ تَعَالَى: {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مائَة حَبَّة وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء وَالله وَاسع عليم} وَعَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أفضل عمل الْمُؤمن، الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ". وَسُئِلَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أَي النَّاس أفضل؟ فَقَالَ " مُؤمن يُجَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله ". وَقَالَ: " من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمهما على النَّار ". وَقَالَ: " الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كالقانت الصَّائِم الَّذِي لَا يفتر حَتَّى يرجع إِلَى أَهله بِمَا رَجَعَ من أجر أَو وغنيمة أَو يتوفاه فيدخله الْجنَّة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " عينان لَا تمسهما النَّار: عين بَكت من خشيَة (52 / أ) الله وَعين باتت تحرس فِي سَبِيل الله ". وَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لغزوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". فصل (1) 136 - الْأَصَح أَن الْجِهَاد فِي عهد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ فرض كِفَايَة، كَمَا هُوَ الْآن، لقَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كافّة فلولا نفرمن كل فرقةٍ مِنْهُم طائفةٌ} وَقيل: كَانَ فرض عين على كل من كَانَ من أهل الْجِهَاد، لقَوْله تَعَالَى {انفروا خفافا وثقالا} وَأجِيب بِأَن ذَلِك يحمل على وَقت الْحَاجة إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يصير فرض عين، وَعَلِيهِ قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " واذا استنفرتم فانفروا ". الحديث: 136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فصل (2) 137 - الْجِهَاد قِسْمَانِ: فرض كِفَايَة، وَفرض عين. الْقسم الأول: فرض الْكِفَايَة: 138 - وَهُوَ الَّذِي إِذا قَامَ بِهِ من فِيهِ الْكِفَايَة سقط الْوُجُوب عَن البَاقِينَ، فَإِذا (52 / ب) كَانَ الْكفَّار مستقرين فِي بِلَادهمْ لم يقصدوا بِلَاد الْإِسْلَام، وَلم يتَعَرَّضُوا لَهَا، فجهادهم فرض كِفَايَة: إِذا قَامَ بِهِ بعض الْمُسلمين سقط الْإِثْم عَن البَاقِينَ. ثمَّ إِن كَانَ الْمُسلمُونَ مستظهرين على عدوهم فَأَقل مَا يُجزئ فِي كل سنة غَزْوَة، فَلَا يجوز خلو دين الْإِسْلَام عَنْهَا، إِمَّا بِنَفس الإِمَام أَو نَائِبه فِي سَرِيَّة أَو جَيش وَنَحْوه، فَإِن عطل السُّلْطَان سنة من غير عذر أَثم، وَإِن دعت الْحَاجة إِلَى أَكثر من غَزْوَة فِي السّنة وَجب بِقدر الْحَاجة. وَإِن دعت الْحَاجة إِلَى تَأْخِيره عَن السّنة لضعف الْمُسلمين - وَالْعِيَاذ بِاللَّه - أَو لقلَّة عَددهمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عدوهم أَو غير ذَلِك من الْأَعْذَار أَو إِلَى هدنة الْكفَّار، جَازَ تَأْخِيره عَن السّنة بِقدر الْحَاجة بذلك الْعذر لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هادن قُريْشًا عشر سِنِين. الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الْقسم الثَّانِي: الْجِهَاد الَّذِي هُوَ فرض الْعين: 139 - وَهُوَ الَّذِي يجب (53 / أ) على كل أحد يُعينهُ، وَلَا يُجزئ فِيهِ أحد عَن أحد، وَهُوَ إِذا نزل الْكفَّار على بلد، فَإِن الْجِهَاد قد صَار فرض عين على كل قَادر عَلَيْهِ من أهل ذَلِك الْبَلَد، فَيجب عَلَيْهِم الدّفع والتهييء وَالتَّأَهُّب لذَلِك بِمَا يُمكنهُم، يَسْتَوِي فِي ذَلِك السَّيِّد وَالْعَبْد، والبالغ والمراهق، وَلَا يجب فِي الْحَال اسْتِئْذَان العَبْد سَيّده وَلَا الْوَلَد وَالِده، وَلَا من عَلَيْهِ الدّين صَاحبه، بل تجب الْمُبَادرَة إِلَيْهِ بِقدر الْحَاجة، فَإِن لم يكن فِي أهل ذَلِك الْبَلَد كِفَايَة فِي دفع الْعَدو النَّازِل بهم، وَجب على كل من قرب مِنْهُم النفير إِلَيْهِم ومساعدتهم على دفع الْعَدو عَنْهُم، ثمَّ على ذَلِك الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ كَذَلِك إِلَى أَن تحصل الْكِفَايَة، فَإِذا حصل سقط الْإِثْم عَن بَاقِي الْمُسلمين، وَلَا يعطل الْوُجُوب لعدم المركوب لمن دونه مَسَافَة الْقصر، بل يجب عَلَيْهِ النفير إِلَيْهِم، وَإِن كَانَ رَاجِلا وَكَانَ قَادِرًا على الْمَشْي (53 / ب) . وَكَذَلِكَ إِذا أسر الْكفَّار مُسلما وَجب علينا النهوض إِلَيْهِم لخلاصه إِذا توقعنا خلاصه بذلك. فصل (3) 140 - الْجِهَاد الَّذِي هُوَ على الْكِفَايَة: إِنَّمَا يجب على الْمُسلمين، الْبَالِغين، الذُّكُور، الْعُقَلَاء، الْأَحْرَار، والأصحاء المستطيعين، وَمَتى فقد هَذِه الْأَوْصَاف السَّبْعَة لم تجب عَلَيْهِ. الحديث: 139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فَلذَلِك لَا يجب: على أهل الذِّمَّة، وَالصبيان، والمجانين، وَالنِّسَاء، وَالْعَبِيد والمرضى بِمَا يمْنَع الْقِتَال، والفقراء العاجزين عَن مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من سلَاح وَغَيره لَهُم ولعيالهم فِي سفرهم. وَلَا يجوز اسْتِئْجَار الْمُسلم على الْجِهَاد، لِأَنَّهُ إِذا حضر الْقِتَال تعين عَلَيْهِ، فَيصير الْجِهَاد فِي حَقه فرض عين، وَفرض الْعين لَا يجوز أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ. 141 - وَلَيْسَ مَا يَأْخُذهُ الأجناد من الْعَطاء والإقطاع أُجْرَة وَلَا مَا تَأْخُذهُ المتطوعة بِالْجِهَادِ من الصَّدقَات أجره، وَلكنه حق لَهُم، وَجعل لما أرصدوا نُفُوسهم لَهُ. (54 / أ) أما الْجعَالَة على الْجِهَاد، وَأخذ الْجعل عَلَيْهِ: فجوزه مَالك وَأَبُو حنيفَة لما رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " للغازي أجره، وللجاعل أجره وَأجر الْغَازِي ". وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز الْغَزْو بِجعْل، لِأَن الْجِهَاد يتَعَيَّن عَلَيْهِ بالحضور، فَلَا يجوز أَخذ الْجعل عَلَيْهِ. الحديث: 141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فصل (4) 142 - يسْتَحبّ للسُّلْطَان وَغَيره أَن يرغب النَّاس فِي الْجِهَاد، وَأَن يبْذل لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من سلَاح وَغَيره. 143 - وَيكرهُ الْغَزْو بِغَيْر إِذن السُّلْطَان أَو الْأَمِير النَّائِب من جِهَته. 144 - وَلَا يجوز لمن عَلَيْهِ دين حَال أَن يُجَاهد بِغَيْر إِذن غَرِيمه، فَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا جَازَ، وَقيل: إِن قَامَ بِهِ كَفِيل جَازَ. وَقيل: إِن كَانَ من الأجناد المرتزقة جَازَ. 145 - وَلَا يجوز لمن أحد أَبَوَيْهِ أَو جده مُسلم أَن يُجَاهد بِغَيْر إِذْنه، فَإِن أذن الْأَب الْمُسلم أَو صَاحب الدّين ثمَّ رَجَعَ قبل حُضُور الْوَقْعَة رجعُوا، إِلَّا إِذا كَانَ (54 / ب) فِي رجوعهم كسر قُلُوب الْمُسلمين أَو تخذيلهم فَلَا يجوز لَهُم ذَلِك. أما بعد حُضُور الْوَاقِعَة وَقيام الْقِتَال فَيجب المصابرة وَيحرم الرُّجُوع. فصل (5) 146 - لَا يستعان فِي الْجِهَاد بمشرك أَو ذمِّي إِلَّا إِذا علم السُّلْطَان حسن رَأْيه فِي الْمُسلمين وَأمن من خيانتهم، وَكَانَ الْمُسلمُونَ قَادِرين عَلَيْهِم لَو اتَّفقُوا مَعَ الْعَدو. الحديث: 142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فَإِذا وجدت هَذِه الشُّرُوط الثَّلَاثَة جَازَت الِاسْتِعَانَة بهم. وَقيل: لَا يجوز استصحابهم فِي الْجَيْش مَعَ موافقتهم الْعَدو فِي المعتقد، فعلى هَذَا تكون الشُّرُوط أَرْبَعَة. فصل (6) 147 - يسْتَحبّ للسُّلْطَان إِذا أَرَادَ غزَاة أَن يورّي بغَيْرهَا؛ اقْتِدَاء برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؛ وَلِأَن ذَلِك من مكايد الحروب، إِلَّا إِذا دعت الْحَاجة إِلَى اظهاره لبعد الشقة وكلفة ذَلِك السّفر وَنَحْو ذَلِك. وَيسْتَحب أَن يبْعَث الجواسيس والطلائع قبل الْخُرُوج وَبعده، ليطلع على أَخْبَار الْعَدو وقوته. (55 / أ) ويبث الجواسيس فِي عَسْكَر الْعَدو أَيْضا إِن أمكن ليطلع على أخبارهم حَالا فحالا، فَيعلم مِنْهُم رُؤَسَاء الْعَدو، وعددهم؛ وفرسانهم، وَيُوجه إِلَيْهِم بضروب من الخداع، وتقوية الأطماع إِن أمكن. وَمن خدع الْحَرْب أَن ينشئ إِلَيْهِم كتبا وأجوبة مزورة الحديث: 147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 واخباراً مدلسة، وَيكْتب على السِّهَام وَيَرْمِي بهَا إِلَيْهِم، ويبث فِي عَسْكَرهمْ مَا يَنْفَعهُ فعله، وكل ذَلِك وَردت بِهِ السّنة. وَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْحَرْب خدعة " وَبِالْجُمْلَةِ، فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل الْحِيَل فِي حُصُول الظفر أَولا، وَيكون الْقِتَال آخر مَا يرتكبه فِي نيل ظفره، فَإِن الْحَبل فِي الحروب وجودة الرَّأْي أبلغ من الْقِتَال، لِأَن الرَّأْي أصل والقتال فرع عَلَيْهِ، وَعنهُ يصدر، وَقد أَجَاد أَبُو الطّيب فِي قَوْله: (الرَّأْي قبل شجاعة الشجعان ... هُوَ أول وَهِي الْمحل الثَّانِي) ((55 / ب) فَإِذا هما اجْتمعَا لنفسٍ حرةٍ ... بلغت من العلياء كل مَكَان) (ولربما طعن الْفَتى أقرانه ... بِالرَّأْيِ قبل تطاعن الفرسان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فصل (7) 148 - إِذا بعث السُّلْطَان أَو نَائِبه جَيْشًا أَو سَرِيَّة، فالسنّة أَن يُؤمر عَلَيْهَا أَمِيرا، ويعقد لَهَا الرَّايَة، ويوصيه بتقوى الله، ويوصيه بجيشه أَو سريته خيرا، كَذَلِك كَانَ يفعل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؛ وَلِأَنَّهُ أجمع لكلمتهم ورأيهم. الحديث: 148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَيَنْبَغِي أَن يكون أَمِير الْجَيْش أَو السّريَّة أَو الثغر ذَا شجاعة وبسالة، ورأي وحزم، كَمَا قدمنَا فِي بَاب الْإِمَارَة. وَإِذا مَاتَ أَمِير الْجَيْش أَو السّريَّة أَو الثغر وخافوا ضيَاعه، وَجب عَلَيْهِم أَن يؤمروا أحدهم كَمَا فعل أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي غزَاة مُؤْتَة لما تَأمر خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ، وَرَضي بِهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَإِن كَانَ السُّلْطَان مَعَ الْجَيْش، فالسّنة أَن يعْقد لنَفسِهِ ولأجناده الرَّايَات والألوية (56 / أ) ، وَأَن يكون لكل قوم راية يعْرفُونَ بهَا، ويرجعون إِلَيْهَا، وَتَكون الرَّايَات مُخْتَلفَة الألوان والأشكال، وَقد نبهت على ذَلِك وشرحته فِي كتاب " مُسْتَند الأجناد فِي آلَات الْجِهَاد ". وَيَنْبَغِي أَن يكون صَاحب الرَّايَة: من أثبت النَّاس جنَانًا، وأصدقهم بَأْسا، وأربطهم جأشاً، وأصبرهم على مُلَابسَة الْأَهْوَال، وَدفع الْأَبْطَال، لِأَن الرَّايَة هِيَ مرد الْجَيْش وعلامة أَهله. فصل (8) 149 - السنّة أَن يكون الْخُرُوج للْجِهَاد بكرَة يَوْم الْخَمِيس اقْتِدَاء برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِن فَاتَهُ الْخَمِيس فالإثنين أَو السبت. وَيسْتَحب أَن الحديث: 149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 يستنصر بالصلحاء والضعفاء ويسألهم الدُّعَاء، لقَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " إِنَّمَا تنْصرُونَ وترزقون بضعفائكم ". ويجتهد عِنْد ارادة سَفَره فِي تَقْدِيم مَا يُرْضِي الله تَعَالَى من رد الْمَظَالِم وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وأفعال الْبر، وَأَن يسْتَخْلف على الرّعية الْمُخلفين بعده من هُوَ (56 / ب) أصلح لَهُم، فَفِي الحَدِيث ورد جَمِيع ذَلِك، وقصدنا اختصاره لاختصار الْكتاب. فصل (9) 150 - السّنة للسُّلْطَان أَو نَائِبه أَن يعرض من مَعَه فِي الْجَيْش من الْمُقَاتلَة المرتبين فِي الدِّيوَان والمتطوعين من غَيرهم، ويتصفح أَحْوَالهم فِي خيولهم، وعددهم وأسلحتهم، ودوابهم وأتباعهم. وَلَا يَأْذَن لمخذّل، وَلَا لمن يرجف الْمُسلمين، وَلَا لمن يتَوَهَّم أَنه عين لِلْعَدو. والمخذّل: من يخوف النَّاس بِكَثْرَة الْعَدو أَو ضعف الْمُسلمين وَنَحْو ذَلِك. والمرجف: من يَحْكِي مَا يضعف بِهِ قُلُوب الْمُسلمين من قتل كَبِير فيهم أَو كسر سَرِيَّة مِنْهُم أَو هزيمَة بَعضهم أَو مجىء مدد لِلْعَدو. الحديث: 150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فَإِن حضر المخذل أَو المرجف الصَّفّ، وقاتلوا، فلاشيء لَهُم من الْغَنِيمَة. وَلَا يَأْذَن لطفل وَلَا مَجْنُون، وَيجوز الْإِذْن للمراهق وَالْمَرْأَة إِذا كَانَ فيهمَا جلادة وغناء فِي الْحَرْب أَو نفع للمجاهدين من حفظ مَتَاع أَو خدمَة أَو مداواة جرحى أَو معالجة مرضى، فقد دلّت السّنة الصَّحِيحَة (57 / أ) على ذَلِك. فصل (10) 151 - يَنْبَغِي أَن لَا يدْخل الْحَرْب من الْخَيل وَالدَّوَاب ضَعِيفا وَلَا كسيراً وَلَا حطيما كَبِيرا وَلَا ضرعاً صَغِيرا لِأَنَّهَا لَا تغني، وَرُبمَا كَانَ دُخُولهَا وَهنا على الْجَيْش لوهن صَاحبهَا بِسَبَبِهَا. ويتفقد مَا يحمل وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من صَلَاح وَمؤنَة. ويتفقد السِّلَاح والآلات الْمُحْتَاج إِلَيْهَا. الحديث: 151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَيكرهُ الْأَجْرَاس فِي أَعْنَاق الدَّوَابّ لقَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا كلب أَو جرس ". وَنهى أَن تقلد الْخَيل الأوتار، فَقيل: لكيلا تخنق بهَا عِنْد الجري. وَقيل: لأَنهم كَانُوا يعلقون فِيهَا الْأَجْرَاس. فصل (11) 156 - يجب على مقدم الْجَيْش أَن يرفق بهم فِي السّير إِلَّا لضَرُورَة إِلَى خِلَافه، لِأَن الرِّفْق بهم أحفظ لقوتهم، وَأبقى لدوابهم. وسير آخر اللَّيْل مُسْتَحبّ وَسنة، وَيكرهُ فِي أَوله. وعَلى الْمُقدم فيهم أَن يهتم لجيشه بتحصيل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من زَاد وعلوفة، وتيسير (57 / ب) ذَلِك عَلَيْهِم بالإعانة على جلبة إِلَى مَوَاطِن حاجاتهم إِلَيْهِ، وتسهيل مَوَاضِع مِيَاههمْ. ويتحرى فِي سيرهم ونزولهم مَا هُوَ أرْفق بهم وبدوابهم، لِكَثْرَة المرعى والمياه، وَمَا يكون، أيسر سلوكاً، وأسهل مسيرًا، وأحرس أكنافا. الحديث: 156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فصل (12) 153 - على أَمِير الْجَيْش أَن يَأْخُذهُمْ بِحُقُوق الله الْمعينَة، وحدوده المبينة، وَإِقَامَة شَعَائِر أَحْكَام الدّين، والإنصاف بَين المتشاجرين، وإعانة المظلومين على الظَّالِمين، فَفِي الحَدِيث: (مَا أفسد جيشٌ إِلَّا سلط عَلَيْهِ الرَّعْلَة، وَلَا غلّ جيشٌ إِلَّا قذف الله فِي قُلُوبهم الرعب، وَلَا زنا جَيش قطّ إِلَّا سلّط عَلَيْهِم الموتان) . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: أَيهَا النَّاس، اعْمَلُوا صَالحا قبل الْغَزْو، فَإِنَّمَا تقاتلون بأعمالكم، وَلِأَن من عرض نَفسه للقاء وَالْقَتْل فِي سَبيله فَهُوَ جدير بِأَن يصلح عمله، وَيحسن خاتمته، وَيقبل على الله بكليته، لينال إِحْدَى الحسنيين: إِمَّا شَهَادَة (58 / أ) على حسن عمل، أَو سَلامَة وغنيمة مَعَ طول أجل. فصل (13) 154 - يَنْبَغِي لأهل الْجَيْش أَلا يشتغلوا بِمَا يشغل قُلُوبهم من تِجَارَة أَو زراعة أَو بِنَاء رباع للمباهاة؛ لِأَن ذَلِك كُله يشغل عَن صدق النِّيَّة فِي الْجِهَاد، ويصد عَن المصابرة عِنْد اللِّقَاء ويفتر الْعَزْم عَن طلب الشَّهَادَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَفِي الحَدِيث: " إِن نبيّاً من الْأَنْبِيَاء غزا، فَقَالَ: لَا يغزون مَعَ رجل بنى بِنَاء لم يكلمهُ، وَلَا رجل تزوج امْرَأَة لم يدْخل بهَا، وَلَا رجل زرع زرعا لم يحصده ". فصل (14) 155 - على مقدم الْجَيْش أَن يحسن سياسته وحراسته؛ بِحِفْظ المكامن والتحرز من غرو الْعَدو، وَأَن يحوط سوادهم بحرس يحرسهم فِي أَوْقَات الرَّاحَة والدعة فِي نُفُوسهم وَأَمْوَالهمْ. وَلَا يحتقر الْعَدو، وَإِن كَانَ ذليلاً، وَلَا يأمنه وَإِن كَانَ حَقِيرًا، فكم أسهر برغوث بطلاً جسيماً، وَمنع الرقاد ملكا عَظِيما. وَفِي الحَدِيث: (الحزم سوء الظَّن) . ولبعض الشُّعَرَاء: (58 / ب) فَلَا تحقرن عدوا رماك ... وَإِن كَانَ فِي ساعديه قصر) (فَإِن السيوف تجزّ الرّقاب ... وتعجز عَمَّا تنَال الإبر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَكَذَلِكَ يتحَرَّى فِي منازلتهم الْعَدو؛ وَمَا هُوَ أرْفق بهم مقَاما، وَأكْثر ماءاً، وَأَعْدل هواءاً وأحرس أكنافا، وَأقرب إِلَى الظفر، وأعون على الْعَدو. ويراعي مصلحَة ضعيفهم وقويهم، وأميرهم وسوقيهم، فَإِن بَعضهم عون لبَعض. فصل (15) 156 - يسْتَحبّ أَن يشاور أهل التجارب والرأي فِيمَا أعضل، وَيرجع إِلَى ذَوي الحزم وَالْعلم فِيمَا أشكل، وَيَأْخُذ مَا عِنْدهم، فَإِن ذَلِك أقرب إِلَى الحزم وَالظفر، وَأبْعد عَن الْخَطَأ والخطر. قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : {وشاورهم فِي الْأَمر} . قَالَ الْحسن: كَانَ وَالله غَنِيا عَن مشاورتهم، وَلَكِن أَرَادَ أَن يسن للْأمة، وَعنهُ: مَا تشَاور قوم إِلَّا هُدُوا لأَرْشَد أُمُورهم. وَقيل: من كثرت مشاورته، حمدت إمارته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَلِأَن فِي المشورة تطييب الْقُلُوب (59 / أ) ، واجتماع الْكَلِمَة، وَظُهُور الحكم، وَرب رَأْي صَحِيح لَا يبديه صَاحبه قبل أَن يسْأَل عَنهُ، وَلَا سِيمَا مَعَ الْمُلُوك والعظماء، لما فِي النُّفُوس من مهابتهم وتعظيمهم، وَلِأَن الْأَدَب مَعَهم يَقْتَضِي ذَلِك، فَإِذا بسطوا بِسَاط الْمُشَاورَة انْشَرَحَ الصَّدْر لإِظْهَار الرَّأْي. والحكماء يعدون المشورة من أساس المملكة وقواعد السلطنة وَمَا زَالَت الْمُشَاورَة من عادات الْأَنْبِيَاء، حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمر بِذبح وَلَده عَزمَة، وَمَعَ ذَلِك لم يدع مشاورته مَعَ صباه. قَالَ بعض الْحُكَمَاء: يَنْبَغِي للْملك أَن يستشير خَالِيا، فَإِنَّهُ أحزم فِي الرَّأْي، وَأبْعد عَن غائلة الحقد من بعض على بعض، ثمَّ يظْهر ذَلِك للْجَمَاعَة، وَيرجع إِلَى مَا يتَرَجَّح أَنه الصَّوَاب. وَقيل: من طلب الرُّخْصَة عِنْد المشورة أَخطَأ رَأْيه، أَو فِي المداواة زَاد مَرضه، أَو فِي الْفتيا أَثم. وَقيل: أصدق الْخَبَر تصدقك المشورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الْبَاب الثَّانِي عشر فِي كَيْفيَّة الْقِتَال (59 / ب) وَالصَّبْر على مقارعة الْأَبْطَال 157 - قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين} وَقَالَ بعض الْعلمَاء: جمع الله تَعَالَى لنا فِي هَذِه الْآيَة جَمِيع آدَاب الحروب. أول مَا يبْدَأ السُّلْطَان أَو نَائِبه بِقِتَال من يَلِيهِ من الْكفَّار، لقَوْله الحديث: 157 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظةً وَاعْمَلُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} ثمَّ كَذَلِك الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. وَإِذا دخل الْجَيْش دَار الْحَرْب أَمر بالتعبئة لَهُ، والتحصن بِلبْس آلاته، وسلاحه، كَمَا فعل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِأَصْحَابِهِ ببدر؛ وَلِأَن ذَلِك أحوط، وأهيب عِنْد نزُول الْعَدو. وَأَن يَجْعَل لكل طَائِفَة شعاراً يعْرفُونَ بِهِ، ليتميز الْمُسلم عَن الْكَافِر عِنْد اللِّقَاء. وَكَانَ شعار الْمُسلمين يَوْم بدر (حم لَا ينْصرُونَ) وَفِي غَزْوَة أُخْرَى (يَا مَنْصُور (60 / أ) أمت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فصل (1) 158 - وَلَا يُقَاتل من لم تبلغه الدعْوَة الإسلامية - شرفها الله تَعَالَى وعظمها - حَتَّى يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال، فَإِن كَانُوا مِمَّن بلغتهم الدعْوَة اسْتحبَّ ذَلِك قبل الْقِتَال، وَلَا يجب؛ لأَنهم قد علموه فَيجوز بياتهم أَيْضا، ثمَّ إِن كَانُوا مِمَّن لَا يقرونَ بالجزية: كعباد الْأَوْثَان، وَالْمَلَائِكَة، والأصنام، قَاتلهم إِلَى أَن يسلمُوا، وَلَا يقبل مِنْهُم غير ذَلِك. وتسبى نِسَاؤُهُم، وَأَوْلَادهمْ، وتنهب أَمْوَالهم. وَإِن كَانَ مِمَّن يقر بالجزية: كاليهود، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس، قَاتلهم إِلَى أَن يسلمُوا أَو يبذلوا الْجِزْيَة ويلتزموا أَحْكَام الذِّمَّة، وحكمهم فِي السَّبي والنهب إِذا قوتلوا كغيرهم. فصل (2) 159 - ويرتب زعيم الْجَيْش جَيْشه عِنْد المصاف، كَمَا فعل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم بدر، ويعول فِي كل جِهَة (60 / ب) على من يرَاهُ كُفؤًا لَهَا ويرتب الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الكمين من كل جِهَة يخْشَى فِيهَا من كمين؛ كَمَا فعل رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي أحد، ويمد كل جِهَة يمِيل الْعَدو عَلَيْهَا بمدد، يقويها بِهِ. وَيُقَوِّي نفوس الْجَيْش بِذكر أَسبَاب الظفر والنصر وبتقليل الْعَدو وَضَعفه وتخاذله واختلافه وَشبه ذَلِك، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذ يريكموهم إِذا لتقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا} 160 - ويحرض النَّاس على الْقِتَال، وَالصَّبْر عَلَيْهِ، والثبات لَهُ، وَيذكر مَا أعد الله تَعَالَى لَهُم من علو الدَّرَجَات، وعظيم القربات، وأنواع الكرامات. قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ} وَلِأَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خرج يَوْم بدر من الْعَريش يحرض النَّاس على الْجِهَاد فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَا يقاتلهم الْيَوْم رجل فَيقْتل (61 / أ) صَابِرًا محتسباً مُقبلا غير مُدبر إِلَّا أدخلهُ الله الْجنَّة ". الحديث: 160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وَقَالَ فِي موطن آخر: " إِذا لقيتموهم فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَن الْجنَّة تَحت ظلال السيوف ". وَبِالْجُمْلَةِ، ففضائل ذَلِك لَا تحصى فيذكر مِنْهُ مَا يحضر، ويرغب أهل الْآخِرَة بِمَا عِنْد الله تَعَالَى من الْأجر وَالثَّوَاب الجزيل، ويرغب أهل الدُّنْيَا بالنصر وَالْغنيمَة وَالنَّفْل، كَمَا سَيذكرُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى؛ لِأَن الله تَعَالَى جمع بَينهمَا فِي ترغيبه فِي الْقِتَال فَقَالَ: {وَمن يرد ثَوَاب الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمن يرد ثَوَاب الْآخِرَة نؤته مِنْهَا} وَقيل: ثَوَاب الدُّنْيَا، الْغَنِيمَة. وثواب الْآخِرَة، الْجنَّة. فصل (3) 161 - وَيَنْبَغِي أَن يُوصي الْجَيْش جَمِيعه أَنه إِن حصلت - وَالْعِيَاذ بِاللَّه - هزيمَة فموعدنا مَوضِع كَذَا، وَإِن حصلت أُخْرَى فموعدنا كَذَا، ليتقوى الْجَيْش بعضه بِبَعْض عِنْد اجتماعه، إِمَّا لِكَثْرَة الْقِتَال أَو للتحصن (61 / ب) من بيات أَو غَلَبَة. الحديث: 161 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فصل (4) 162 - يسْتَحبّ عِنْد التقاء الصفين: الدُّعَاء، والاستنصار، والإكثار من ذكر الله تَعَالَى وَالتَّكْبِير من غير إِسْرَاف فِي رفع الصَّوْت، لِأَن الله تَعَالَى علق رَجَاء الْفَلاح بذلك فَقَالَ: {واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون} وَاخْبَرْ عَن جَيش طالوت أَنهم لما دعوا الله تَعَالَى بِالصبرِ والثبات والنصر، هزموا أعداءهم. وَمن دُعَاء النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِنْد لِقَاء الْعَدو: (اللَّهُمَّ منزل الْكتاب، ومجرى السَّحَاب، وهازم الْأَحْزَاب، اهزمهم وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم.) وَقَالَ لما نزل خَيْبَر: (الله أكبر، خربَتْ خَيْبَر) وَكَانَ إِذا لم يُقَاتل أول النَّهَار، آخر الْقِتَال حَتَّى تَزُول الشَّمْس، وتهب الرِّيَاح، وَينزل النَّصْر. وَهَذَا على حسب الْأَحْوَال وَمَا يَقْتَضِيهِ الْوَقْت. الحديث: 162 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فصل (5) 163 - الأَصْل الْأَعْظَم أَن يَنْوِي كل مُجَاهِد بقتاله نصر دين الله وإعلاء كَلمته، وَإِبْطَال مَا يُخَالف الْإِسْلَام، وَأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فبذلك يحصل الْأجر وَالثَّوَاب (62 / أ) الجزيل، ويسهل عَلَيْهِ مَا يلاقيه فِي نَفسه وَمَاله. وليحذر فِي تِلْكَ الْحَال الَّتِي تبَاع فِيهَا الْأَرْوَاح، وتنال فِيهَا الأرباح، أَن يقْصد بجهاده مغنما، أَو إقطاعاً، أَو حمية لغير الله تَعَالَى، أَو إِظْهَار شجاعة أَو رِيَاء أَو سمعة، فَإِن ذَلِك خسران ظَاهر وغبن متظاهر. فقد صَحَّ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه سُئِلَ عَن الرجل يُقَاتل للمغنم، وَيُقَاتل للذّكر، وَيُقَاتل ليرى مَكَانَهُ، فَمن فِي سَبِيل؟ فَقَالَ: " من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فَهُوَ فِي سَبِيل الله ". فَدلَّ بذلك أَن مَا سواهُ لَيْسَ فِي سَبِيل الله. فصل (6) 164 - مصابرة الْعَدو عِنْد التقاء الصفين وجلاد الجمعين، من أعظم القربات وَأفضل الْعِبَادَات، والآيات وَالْأَخْبَار فِي ذَلِك وفضله كثير الحديث: 163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} وَكَقَوْلِه: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ انفسهم واموالهم بِأَن لَهُم الجنّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التّوراية وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} {62 / ب} وَكَقَوْلِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف ". قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ الدنو من الْقرن حَتَّى يعلوه ظلّ سَيْفه وَلَا يولي عَنهُ. فصل (7) 165 - يَنْبَغِي أَن يتحفظ بسلاحه لوقت الْحَاجة إِلَيْهِ، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ يَوْم بدر: " إِذا أكثبوكم فَعَلَيْكُم بالنّبل، واستبقوا نبلكم ". الحديث: 165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 مَعْنَاهُ: وَلَا ترموهم على بعد فيضيع عَلَيْكُم نبلكم، بل إِذا دنوا مِنْكُم وقاربوكم، فارموهم، وَفِي رِوَايَة: " إِذا أكثبوكم فارموهم، وَلَا تسلّوا السيوف حَتَّى يغشوكم " وَمن عجز عَن الْقِتَال لإثخان جراحه أَو عدم سلَاح، أَو مرض مَانع أَو تلف فرسه وَلم يقدر على الْقِتَال رَاجِلا، جَازَ لَهُ أَن ينْصَرف لهَذِهِ الْأَعْذَار، وَيَنْوِي بانصرافه أَنه متحرف لقِتَال أَو متحيزاً إِلَى فِئَة لِئَلَّا يكون مولّياً. فصل (8) 166 - إِذا لم يزدْ عدد الْكفَّار على مثلي عدد الْمُسلمين مَعَ تقاربهم فِي الْقُوَّة والضعف، فالهزيمة حرَام، ومعصية كَبِيرَة، تسْقط الْعَدَالَة (63 / أ) إِلَّا أَن يكون متحرفاً لقِتَال أَو متحيزاً إِلَى فِئَة؛ لِأَن الله الحديث: 166 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 تَعَالَى أوجب على الْمِائَة أَن يثبتوا للمائتين، وعَلى الْألف أَن يثبتوا للألفين، فَمن انهزم من غير عذر - كَمَا قدمنَا - فقد ارْتكب كَبِيرَة، وباء بغضب من الله، نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه. قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن يولهّم يومئذٍ دبره إِلَّا متحرفاً لقِتَال أَو متحيزاً إِلَى فئةٍ فقد بَاء بغضبٍ من الله وماويه جهنّم وَبئسَ الْمصير} فدلت الْآيَة على أَن الْهَزِيمَة من غير عذر من الْكَبَائِر الْعِظَام، وموبقات الآثام. والمتحرف لِلْقِتَالِ: هُوَ الَّذِي يستجر الْعَدو إِلَى مَوضِع أعون على الْقِتَال، أَو لكمين رتّبه، أَو ليكمن لَهُم فِي مَوضِع هُوَ أَشد عَلَيْهِم كالتحول من متسع إِلَى مضيق لَهُم، أَو مضيق لَهُ إِلَى متسع عَلَيْهِ، أَو لاستقبال شمس أَو ريح وَشبه ذَلِك. والمتحيز إِلَى فِئَة: هُوَ الَّذِي ينْصَرف لقصد طَائِفَة يستنجدها أَو ينجدها أَو شبه ذَلِك. هَذَا كُله عِنْد الْقُدْرَة على الْقِتَال. فَإِن عجز عَن الْقِتَال (62 / ب) مُطلقًا - كَمَا قدمْنَاهُ - جَازَ الِانْصِرَاف، إِلَّا أَن يكون فِي انْصِرَافه هزيمَة الْمُسلمين وخذلانهم دون ثباته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فصل (9) 167 - إِذا زَاد عدد الْكفَّار على ضعف عدد الْمُسلمين مَعَ تقاربهم فِي الْقُوَّة والضعف، كَمَا إِذا التقى ألف من أبطالنا بِثَلَاثَة آلَاف أَو أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ من أبطالهم مثلا. فقد قيل: لَا تجوز الْهَزِيمَة بِحَال. وَالأَصَح: جَوَاز ذَلِك. لَكِن إِن ظنُّوا الظفر بالعدو إِن ثبتوا، فَيَنْبَغِي الثَّبَات، وَإِن غلب على ظنهم الْهَلَاك إِن ثبتوا وَجب الْفِرَار حَقنا لدماء الْمُسلمين، وإبقاء عَلَيْهِم، إِلَّا أَن يكون فِي ثباتهم نكاية بالكفار فَلَا يجب الْفِرَار. فصل (10) 168 - أما إِذا لم يتقاربوا فِي الْقُوَّة والضعف، كألف من أبطالنا فِي قبالة أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ من ضعفائهم، فَإِنَّهُ لَا تجوز الْهَزِيمَة بِحَال. وَكَذَا لَو كَانَ ألف من ضعفائنا فِي قبالة ألف وَتِسْعمِائَة أَو خَمْسمِائَة من أبطالهم، فَالْأَصَحّ: جَوَاز الْهَزِيمَة مُرَاعَاة (64 / أ) للأوصاف فِي الْقُوَّة والضعف، وَهَذَا كُله فِي التقاء الْجَمَاعَة مَعَ الْجَمَاعَة لقُوَّة بَعضهم بِبَعْض لَا فِي الْوَاحِد. الحديث: 167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أما الْمُسلم الْوَاحِد، فَيجوز لَهُ الْهَزِيمَة من الْكَافرين، وَلَا يجب عَلَيْهِ ملاقاتهما، لما قدمْنَاهُ من قُوَّة الْجَمَاعَة بَعضهم بِبَعْض، إِلَّا أَن يعلم من نَفسه الْقُوَّة عَلَيْهِمَا، وَيجوز للنِّسَاء وَالصبيان الْهَزِيمَة بِكُل حَال؛ لأَنهم لَيْسُوا من أهل الْقِتَال. فصل (11) 169 - لَا يجوز لزعيم الْجَيْش من سُلْطَان أَو غَيره أَن يبارز بِنَفسِهِ؛ لما فِي ذَلِك من وَهن الْجَيْش بمصابه إِن أُصِيب. وَإِنَّمَا بارز النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أُبيَّ بن خلف يَوْم أحد وَقَتله؛ لِأَنَّهُ كَانَ واثقاً بنصر الله تَعَالَى لَهُ، بِخِلَاف غَيره من زعماء الجيوش. 170 - أما غير زعيم الْجَيْش فَيجوز لَهُ المبارزة إِذا علم من نَفسه بلَاء فِي الْحَرْب وَقُوَّة على قراع الْأَبْطَال، وَيجوز لَهُ الدُّعَاء إِلَيْهَا، والاجابة إِلَى من دَعَاهُ إِلَيْهَا أَيْضا. (64 / ب) وَالْمُسْتَحب أَلا يبارز وَلَا يُجيب من دَعَاهُ إِلَّا باذن زعيم الْجَيْش؛ لِأَن لَهُ نظرا فِي تعْيين الْأَبْطَال. الحديث: 169 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَلما خرج يَوْم بدر عتبَة والوليد ودعوا إِلَى المبارزة، أَمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عليا وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث فبرزوا إِلَيْهِم، فَقتل حَمْزَة عتبَة، وَقتل عَليّ الْوَلِيد، وأثخن كل وَاحِد من عُبَيْدَة وَشَيْبَة صَاحبه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز أَن يبتدأ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهَا، فَإِن دَعَا الْكَافِر إِلَى المبارزة اسْتحبَّ لمن عرف فِي نَفسه الْقُوَّة أَن يجِيبه. فَإِن شَرط الْكَافِر أَن لَا يقاتله غَيره، وَفِي لَهُ بذلك إِلَّا أَن ينهزم أَو يثخن الْمُسلم، فَإِن شَرط أَن يتَعَرَّض لَهُ حَتَّى يرجع إِلَى الصَّفّ، وَفِي لَهُ بِشُرُوطِهِ. فصل (12) 171 - يجوز للْمُسلمِ أَن يقتل من ظفر بِهِ من الْكفَّار الْمُحَاربين سَوَاء كَانَ مُقَاتِلًا أَو غير مقَاتل، وَسَوَاء كَانَ مُقبلا أَو مُدبرا؛ لقَوْله تَعَالَى: الحديث: 171 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (65 / أ) {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وخذوهم واحصروهم واقعدوا لَهُم كل مرصد} 172 - وَيكرهُ الْمُسلم أَن يقتل أَبَاهُ الْكَافِر أَو قَرِيبه، إِلَّا إِذا ذكر الله تَعَالَى أَو رَسُوله بِسوء، أَو كَانَ فِي بَقَائِهِ هزيمَة للْمُسلمين، فَحِينَئِذٍ يقْتله، وَلَا يكره لَهُ ذَلِك. 173 - وَالأَصَح: أَن الراهب وَالشَّيْخ الضَّعِيف وَالْأَعْمَى والمزمن، يقتلُون أَيْضا بِكُل حَال، وَقيل: إِن لم يكن لَهُم رَأْي فِي الْحَرْب، وَلم يقاتلوا لم يقتلُوا، أما إِذا قَاتلُوا أَو كَانَ لَهُم رَأْي فِي الْحَرْب قتلوا بِلَا خلاف؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يُنكر على قَاتل دُرَيْد بن الصمَّة يَوْم هوَازن، وَكَانَ لَهُ مائَة وَعِشْرُونَ سنة؛ وَقيل: وَسِتُّونَ سنة، لِأَنَّهُ كَانَ صَاحب رَأْي فِي الْحَرْب، وَكَانَ قد أَشَارَ عَلَيْهِم أَلا يصحبوا الذَّرَارِي. 174 - وَلَا يجوز قتل نسَاء الْكفَّار، وَلَا ذَرَارِيهمْ إِلَّا إِذا قَاتلُوا أَو تترس بهم الْكفَّار، ودعت الضَّرُورَة إِلَى قَتلهمْ (65 / ب) ورميهم، وَسَيَأْتِي حكمهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحديث: 172 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 175 - وَلَا يجوز قتل رَسُول الْكفَّار؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ لرَسُول " لَوْلَا أَن الرَّسُول لَا يقتل لضَرَبْت عُنُقك "؛ وَلِأَن انتظام الْمصَالح يمْنَع ذَلِك. فصل (13) 176 - يجوز محاصرة الْكفَّار فِي حصونهم وقلاعهم، وَأخذ الْبعُوث عَلَيْهِم، وَتَشْديد الْأَمر عِنْد الدُّخُول وَالْخُرُوج، وَقطع الْميرَة، وتغوير الْمِيَاه، وَقطع الْأَنْهَار وَالْأَشْجَار، واضرام النَّار، وَالرَّمْي بالنفط أَو المنجنيق، وتخريب مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: {واحصروهم} . وَلِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حاصر الطَّائِف، ورماه بالمنجنيق، وَحرق كرومه وَحصر بني النَّضِير، وَحرق نَخْلهمْ. فَإِن غلب على ظَنّه حُصُول ذَلِك للْمُسلمين وَلم تدع لذَلِك حَاجَة فَالْأولى أَن لَا يَفْعَله. الحديث: 175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَيقتل الْخَنَازِير، وتراق الْخُمُور، ويتلف (66 / أ) كل مَالا يجوز أَن ينْتَفع بِهِ من كتبهمْ. 177 - وَلَا يجوز عقر الْخَيل وَلَا إِتْلَاف غَيرهَا من الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم إِلَّا لحَاجَة إِلَى ذَلِك لمأكله أَو دفع عَدو. فَإِن غنمنا مِنْهُم الْخَيل وَغَيرهَا من الْحَيَوَان فلحقونا وعجزنا عَن دفعهم، وخفنا أَن يتقووا بذلك علينا، جَازَ لنا عقر الْحَيَوَان واتلاف المَال. أما النِّسَاء وَالصبيان فَلَا نقتلهم، وَإِن خفنا لُحُوق الْكفَّار واستردادهم منا فصل (14) 178 - إِذا حاصر الْمُسلمُونَ قلعة، فَطلب أَهلهَا أَن ينزلُوا على حكم حَاكم، جَازَ، بِشَرْط أَن يكون عدلا ثِقَة مَأْمُونا، وَلَا يحكم إِلَّا بِمَا فِيهِ الْحَظ للْمُسلمين، كَمَا حكم سعد بن معَاذ فِي بني قُرَيْظَة لما سَأَلُوا أَن ينزلُوا على حكمه. فَحكم بقتل مقاتلهم وَسبي ذَرَارِيهمْ. وَلَا يمْنَع من محاصرة حصونهم، ورميهم بالنَّار والمجانيق إِلَّا أَن يكون الحديث: 177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 أَسِير مُسلم أَو تَاجر أَو نِسَاؤُهُم وأطفالهم وَاحْتمل إصابتهم؛ لِأَن ذَلِك يصير وَسِيلَة إِلَى ترك (66 / ب) مقاتلهم فِيهَا. فصل (15) 179 - إِذا تترس الْكفَّار فِي حَال الْقِتَال بأسرى الْمُسلمين أَو الذميين لم يجز رميهم إِلَّا إِذا كَانَ الْكَفّ عَنْهُم يضر بِالْمُسْلِمين، وتكثر نكاية الْكفَّار فيهم، فَحِينَئِذٍ يجوز رميهم على قصد قتال الْكفَّار، ويتوقى الْمُسلمين بِقدر الْإِمْكَان. وَمن أصَاب فِي هَذِه الْحَالة مُسلما فيهم فَقتله، ثمَّ علم بقتْله لم يجب عَلَيْهِ الْقصاص، وَلَا دِيَة، إِذا لم يعلم عِنْد الرَّمْي أَن عين الْمَقْصُود بِالرَّمْي كَانَ مُسلما، وَإِنَّمَا تجب الْكَفَّارَة. وَحكم الْأُسَارَى والسبي، وَالْأكل من أَمْوَال الْكفَّار فِي دَار الْحَرْب وَمَا يتَعَلَّق بذلك يذكر فِي بَاب الْغَنَائِم مفصلا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل (16) 180 - إِذا فتح الله تَعَالَى بنصر الْمُسلمين على عدوهم، وَفتح بِلَادهمْ، وَلم يخشوا مَا يخَاف، فَيُسْتَحَب الْإِقَامَة ثَلَاثًا فِي مَكَان النَّصْر، لما روى أَبُو طَلْحَة أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا ظهر على قوم أَقَامَ بالعرصة ثَلَاثًا. الحديث: 179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وسر ذَلِك، وَالله (67 / أ) تَعَالَى أعلم: إراحة الْأَبدَان، وتذاكر النِّعْمَة بالنصر، وتجديد الشُّكْر عَلَيْهِ، واظهار الْقُوَّة، وَالْجَلد على الْأَعْدَاء. وَيكرهُ نقل رُؤُوس قَتْلَى الْكفَّار. وَقيل إِن كَانَ فِي نقلهَا نكاية لم يكره بل يسْتَحبّ. فصل (17) 181 - يسْتَحبّ تلقي الْغُزَاة، لوُرُود السّنة بذلك، وَكَانَ الصَّحَابَة يخرجُون لتلقي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا قدم من غَزْوَة، وَيسْتَحب للغازي والحاج وَغَيرهمَا من الْمُسَافِرين إِذا أشرف على بَلَده أَن يُحَرك دَابَّته قليلاٍ، وَيَقُول: " آيبون تائبون، عَابِدُونَ، لربنا حامدون، صدق الله وعده، وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده ". وَيسْتَحب أَن يدْخل الْبَلَد ضحى، وَأَن يبْدَأ بِالْمَسْجِدِ، فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، اقْتِدَاء برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الحديث: 181 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الْبَاب الثَّالِث عشر فِي الْغَنِيمَة، وأقسامها، وتفاصيل أَحْكَامهَا 182 - (67 / ب) قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْمَلُوا أنّما غَنِمْتُم من شيءٍ فان لله خمسه وَلِلرَّسُولِ ولذى الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان} وَقَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا وَاتَّقوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم} وَفِي قَوْله تَعَالَى: {مِمَّا غَنِمْتُم} اشارة وتنبيه على اخراج الْخمس. وَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أحلّت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي ". وَقسم [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غَنَائِم: بدر، وخيبر، وهوازن بَين الْمُسلمين كَمَا سنذكر. الحديث: 182 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَقسم الصَّحَابَة غَنَائِم الشَّام وَالْعراق. وَأول غنيمَة قسمت فِي الْإِسْلَام: غنيمَة بدر بعد أَن جعلهَا الله تَعَالَى لرَسُوله فَقَسمهَا بَين أَصْحَابه. وَأول غنيمَة خمست غنيمَة بني قينقاع، وَكَانَت فِي نصف شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة بعد وقْعَة بدر بقريب من شهر. وَالْغنيمَة فعيلة بِمَعْنى مغنومة، وَهُوَ صفة للأموال أَي أَمْوَال مغنومة، واشتقاقها فِي اللُّغَة من الْغنم، وَهُوَ الْفَائِدَة (68 / أ) وَقد تسمى الْغَنَائِم أنفالاً، وَالنَّفْل الزِّيَادَة. وَكَانَت فِي شرع من قبلنَا لَا تحل لأحد، بل تجمع الْغَنَائِم فِي مَكَان فتنزل نَار من السَّمَاء فتأكلها، فَخص الله تَعَالَى هَذِه الْأمة بحلها لَهُم، تكريماً لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فصل (1) الْغَنِيمَة فِي الشَّرْع: مَا أَخذه الْمُسلمُونَ من الْكفَّار قهرا، إِمَّا بِقِتَال، أَو بايجاف خيل أَو ركاب أَو بمصافّ أَو بحصار أَو كمين، فَكل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 غنيمَة وَلَيْسَ بفيء؛ لِأَن الْفَيْء مَا أَخذ من أَمْوَالهم بِغَيْر قهر، كَمَا تقدم فِي بَاب عَطاء الأجناد. وَكَذَلِكَ مَا تَرَكُوهُ وهربوا عَنهُ، أَو صالحونا عَلَيْهِ، أَو أخذناه من تِجَارَتهمْ، وَشبه ذَلِك كَمَا تقدم. 184 - إِذا عرف ذَلِك فالغنيمة الْمَأْخُوذَة قهرا، قِسْمَانِ: أَحدهمَا: يجب تخميسه، وقسمته بِالْإِجْمَاع، وَهُوَ الْغَنِيمَة الْعَامَّة. وَالثَّانِي: لَا يجب قسمته، وَلَا يجب تخميسه عِنْد بعض الْعلمَاء، وَهُوَ السَّلب وَالنَّفْل، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك وَبَيَانه شافياً (68 / ب) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل (2) 185 - إِذا كسر جَيش الْمُسلمين جَيش الْكفَّار، أَو فتح الْمُسلمُونَ بَلَدا، أَو حصناً عنْوَة، فَذَلِك الْبَلَد وكل مَا فِيهِ من الْأَمْوَال غنيمَة مخمسة بِلَا خلاف، وَكَذَلِكَ كل مَا أَصَابُوهُ من أَمْوَالهم فِي المصاف، أَو أَخَذُوهُ بِغَلَبَة وَمنعه فِي غير مصَاف، غنيمَة مخمسة مقسومة يجب تخميسها وقسمتها بِلَا خلاف كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى؛ الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 لقَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا إنمّا غَنِمْتُم من شيءٍ فإنّ لله خمسه وَلِلرَّسُولِ ولذى الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السّبيل} بِخِلَاف الْفَيْء فَإِن السّلف اخْتلفُوا فِي وجوب تخميسه. فصل (3) 186 - الْغَنِيمَة الْعَامَّة، أَرْبَعَة أَقسَام: لِأَنَّهَا إِمَّا أسرى أَو سبي أَو عقار أَو غير ذَلِك من الْأَمْوَال: كذهب أَو فضَّة، وخيل، وَسلَاح، وملابس، وأثاث، وسأفصل حكم كل وَاحِد من هَذِه الْأَقْسَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 187 - الْقسم الأول: الأسرى. وهم الرِّجَال الْأَحْرَار الْعُقَلَاء (69 / أ) الْمُقَاتِلُونَ إِذا أَخذهم الْمُسلمُونَ قهرا بالغلبة. فقولنا: الرِّجَال الْأَحْرَار، احْتِرَازًا من النِّسَاء، وَالصبيان، والأرقاء لَهُم، فَإِن هَؤُلَاءِ سبي وَمَال. وَقَوْلنَا: الْعُقَلَاء الْمُقَاتِلُونَ، احْتِرَازًا من المجانين، والشيوخ الَّذين لَا قتال فيهم، وَلَا رَأْي لَهُم. وَقَوْلنَا: إِذا أَخذهم الْمُسلمُونَ قهرا، احْتِرَازًا مِمَّن أَخذ بصلح أَو بِأَمَان أَو أسلم قبل الظفر بِهِ؛ فَإِن لهَؤُلَاء الْأَصْنَاف أحكاماً تخصهم، تَأتي فِي موَاضعهَا مبينَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فصل (4) 188 - إِذا أسر الرجل الْحر الْعَاقِل، فالسلطان أَو نَائِبه مُخَيّر فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى بَين أَرْبَعَة أُمُور، وَهِي: الْقَتْل، والاسترقاق، والمنّ، وَالْفِدَاء بِمَال أَو بأسرى مُسلمين؛ لقَوْله تَعَالَى {فامّامّناً بعد وإمّا فدَاء} وَلِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قتل النَّضر بن الْحَارِث وَأَبا عزة، وَسَوَاء الْكِتَابِيّ والوثني. وَقيل: كل من لَا يقر على دينه (69 / ب) لَا يسترق إِذا أسلم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يخيّر السُّلْطَان فِيهِ بَين الْقَتْل والاسترقاق خَاصَّة الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَلَيْسَ لَهُ الْمَنّ وَلَا الْفِدَاء. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَن يمن عَلَيْهِ، وَيُخَير فِي الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة. وَلَا يخْتَار فِي ذَلِك إِلَّا مَا فِيهِ الْحَظ للْمُسلمين، فَإِن لم يظْهر لَهُ ذَلِك فِي الْحَال حَبسه إِلَى أَن يظْهر لَهُ. وَمِثَال ذَلِك: أَن يكون ذَلِك الْأَسير شَدِيد النكاية بِالْمُسْلِمين ويئس من إِسْلَامه فَقتله أولى، أَو يكون مرجوّ الْإِسْلَام مُطَاعًا فِي قومه، فالمنّ عَلَيْهِ أولى، أَو يكون كثير المَال وبالمسلمين حَاجَة إِلَى المَال، أَو إِلَى أَسِير عِنْدهم فالفداء أولى، أَو يكون فِيهِ خدمَة أَو عمل يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ فالاسترقاق أولى. فَإِن أخْتَار الْقَتْل: ضربت رقبته من غير تَمْثِيل وَلَا تحريق بالنَّار، وَإِن اخْتَار الْفِدَاء بِالْمَالِ كَانَ ذَلِك المَال من جملَة الْغَنِيمَة، وَإِن اخْتَار الاسترقاق كَانَ من جملَة الْغَنِيمَة كالسبي، وَإِن اخْتَار الْمَنّ (70 / أ) عَلَيْهِ لمصْلحَة رَآهَا أَو الْفِدَاء بأسير من الْمُسلمين، سقط من أصل الْغَنِيمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فصل (5) 189 - إِذا اسْترق أَسِير لَهُ مَال، وَكَانَ عَلَيْهِ دين لمُسلم قبل الْحَرْب، فَإِن كَانَ مَاله قد غنم قبل استرقاقه أَو مَعَه فَهُوَ غنيمَة، وَيبقى الدّين فِي ذمَّته إِلَى أَن يعْتق، وَإِن لم يكن مَاله غنم قبل استرقاقه، وفى ّ للْمُسلمِ دينه من ذَلِك المَال وَالْبَاقِي غنيمَة. 190 - وَإِذا اسْترق السُّلْطَان كَافِرًا جَازَ بَيْعه للذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك. وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز بَيْعه لَهما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُبَاع من الذِّمِّيّ دون الْحَرْبِيّ. 191 - وَإِذا كَانَ الْأَسير شَيخا كَبِيرا أَو رَاهِبًا وَلَا رَأْي فِيهِ وَلَا قتال، فَإِن قُلْنَا يجوز قَتلهمْ - كَمَا تقدم - تخير السُّلْطَان فيهم بَين الْأُمُور الْأَرْبَعَة الْمُقدم ذكرهَا. وَإِن قُلْنَا لَا يجوز قَتلهمْ تخير بَين الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة. 192 - وَهَذَا حكم الْأَسير (70 / ب) إِذا أسلم فِي الْأسر فَإِنَّهُ يسْقط حكم الْقَتْل خَاصَّة، وَيتَخَيَّر السُّلْطَان فِيهِ بَين الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة وَهِي: الْمَنّ، والاسترقاق، وَالْفِدَاء. الحديث: 189 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فصل (6) 193 - إِذا كَانَ مَعَ الْأَسير زَوجته وَأَوْلَاده الصغار، فَلهُ فِي نَفسه حكم الأسرى فِي التَّخْيِير بَين الْأُمُور الْأَرْبَعَة، ولزوجته حكم السَّبي دون التَّخْيِير. وَإِذا أسر الزَّوْجَانِ مَعًا انْفَسَخ نِكَاحهمَا بالأسر عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك، سَوَاء كَانَ قبل الدُّخُول أَو بعده؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ يَوْم " أَوْطَاس ": " لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع، وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض " وَلم يفرق بَين مُزَوّجَة وَغَيرهَا، وَلَا بَين من سبيت وَحدهَا، أَو مَعَ زَوجهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أسراً مَعًا دَامَ النِّكَاح بَينهمَا، وَإِن سبي أَحدهمَا الحديث: 193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 انْقَطع نِكَاحهمَا، فعلى مُقْتَضى مذْهبه لَا تحمل مسبية أسر زَوجهَا فِي تِلْكَ (71 / أ) الْوَاقِعَة. وَهَذِه الْمَسْأَلَة يجب أَن يتَنَبَّه لَهَا، ويحث عَنْهَا من يحْتَاط لدينِهِ من أهل مذْهبه وَغَيرهم. أما الزَّوْجَانِ الرقيقان إِذا أسرا، فَالْأَصَحّ: أَن النِّكَاح مُسْتَمر بَينهمَا؛ لِأَنَّهُمَا من الْغَنِيمَة، ورقهما مُسْتَمر. فصل (7) 194 - إِذا أسلم الْكَافِر قبل الظفر بِهِ عصم بذلك دَمه من الْقَتْل، وَمَاله من الْغَنِيمَة، وصغار أَوْلَاده من السَّبي، وَكَذَا زَوجته إِذا أسلمت مَعَه قبل الظفر بهَا، وَلَا يعْصم بِإِسْلَامِهِ زَوجته المستمرة على الْكفْر، وَلَا أَوْلَاده الْبَالِغين الْكفَّار من الْأسر. فَإِن كَانَت زَوجته سبيت قبل إِسْلَامه، أَو كَانَت المسبية زَوْجَة ذمِّي، فَالْأَصَحّ: فسخ النِّكَاح بَينهمَا. 195 - وَلَو أعتق مُسلم، أَو ذمِّي عبدا فلحق بدار الْحَرْب ثمَّ أسرناه، فَالْأَصَحّ: أَنه إِن كَانَ عَتيق ذمِّي اسْترق، وَإِن كَانَ عَتيق مُسلم لم يسترق؛ كَيْلا يبطل حق الْمُسلم بِولَايَة عَلَيْهِ. الحديث: 194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَلَا يدْخل فِي حكم الأسرى الْمَذْكُور (71 / ب) من ظفر بِهِ بصلح أَو بِأَمَان، بل هُوَ بَاقٍ على أَمَانه كَمَا تقدم. 196 - الْقسم الثَّانِي من الْغَنِيمَة: السَّبي وهم أَطْفَال الْكفَّار، وَنِسَاؤُهُمْ، وأرقاؤهم، فَكل هَؤُلَاءِ غنيمَة للْمُسلمين وَلَا يجوز قَتلهمْ. فَإِن أسلمت الْمَرْأَة قبل أَن تسبى فَهِيَ حرَّة، فَإِن كَانَت ذَات زوج وَلم يسلم، لم يَنْفَسِخ نِكَاحهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا. وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهُ أَيْضا فِي الْمُهَاجِرَات إِلَيْنَا فِي هَذَا الزَّمَان. 197 - وَإِذا قسمت السبايا بَين الْغَانِمين على الْوَجْه الشَّرْعِيّ، لم يحل وَطْء الْحَامِل حَتَّى تضع، وَلَا وَطْء من تحيض حَتَّى تحيض حَيْضَة تَامَّة، وَلَا من لَيْسَ تحيض حَتَّى تستبرأ بِشَهْر. وَقيل: بِثَلَاثَة أشهر، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الْبكر وَالثَّيِّب، وَالصَّغِيرَة والكبيرة. وَأما التَّلَذُّذ بهَا من غير وَطْء فقد اخْتلفت الْعلمَاء فِيهِ. الحديث: 196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 فصل (8) 198 - للسُّلْطَان أَن يفادي بِالسَّبْيِ بِغَيْر استطابة قُلُوب الْغَانِمين، (72 / أ) فَإِن فاداه بِمَال فَهُوَ غنيمَة مكانهم، وَإِن فاداه بأسرى من الْمُسلمين عوّض عَنْهُم من سهم الْمصَالح. 199 - وَلَيْسَ للسُّلْطَان أَن يمن على السَّبي إِلَّا باستطابة قُلُوب الْغَانِمين كَمَا فعل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي سبي هوَازن، وَذَلِكَ إِمَّا بعفوهم عَن حُقُوقهم مِنْهُ أَو بِمَال يعوضهم بِهِ من سهم الْمصَالح، وَمن امْتنع مِنْهُم عَن ترك حَقه فَلَيْسَ لَهُ إِلْزَامه بذلك. فصل (9) 200 - إِذا كَانَ فِي السَّبي طِفْل وَلم يكن مَعَه أحد أَبَوَيْهِ فِي ذَلِك الْجَيْش، حكم بِإِسْلَام الطِّفْل تبعا للسابي عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة - رحمهمَا الله تَعَالَى - وَإِن كَانَ مَعَه أحد أَبَوَيْهِ فِي الْجَيْش تبعه فِي الدّين، وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: تبع السابي مُطلقًا، وَقَالَ مَالك - رَحمَه الله تَعَالَى: إِن كَانَ مَعَ أَبِيه تبعه وَإِن كَانَ مَعَ أمه تبع السابي. الحديث: 198 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَحَيْثُ قُلْنَا يتبع السابي فَلَا يحل بَيْعه من كَافِر وَلَا المفاداة (72 / ب) بِهِ من كَافِر. فصل (10) 201 - إِذا قتل الْمُسلم ولدا من الْكفَّار، أَو امْرَأَة، أَو رَقِيقا أَثم، وَلَزِمَه قِيمَته، وردهَا إِلَى الْمغنم إِلَّا إِذا قَاتلُوا فَيجوز قَتلهمْ فِي حَال الْقِتَال خَاصَّة. 202 - إِذا كَانَ مَعَ الْمَرْأَة ولد صَغِير أَو ولد ولد صَغِير، لم يفرق بَينهمَا فِي الْقِسْمَة وَلَا فِي بيع وَلَا هبة. وَكَذَلِكَ يحرم التَّفْرِيق بَينه وَبَين الْأَب فِي ذَلِك على الْأَصَح. فصل (11) 203 - مَا ظفر بِهِ من السَّبي قبل تخميسه وقسمته وَجب رده إِلَى الْمغنم، وَلَا يجوز التَّصَرُّف فِيهِ بِبيع، وَلَا هبة، وَلَا وَطْء، وَلَا استمتاع حَتَّى يقسم الْقِسْمَة الشَّرْعِيَّة. 204 - وَإِن ظفر بِشَيْء مِنْهُ بعد الْفَرَاغ من التخميس وَالْقِسْمَة، أَو مَعَ عدم وُقُوعهَا كَمَا هُوَ الْغَالِب فِي زَمَاننَا، فطريق خلاصه فِيهِ أَن يَدْفَعهُ إِلَى الحديث: 201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 السُّلْطَان أَو الْغَانِمين إِن عرفهم وحصرهم وَأمكن رده إِلَيْهِم أَو إِلَى الْحَاكِم، كَسَائِر الْأَمْوَال الضائعة، ليفعل فِيهِ (73 / أ) حكم ذَلِك، وَكَذَلِكَ كل مَا ظفر بِهِ من سَائِر أَمْوَال الْغَنَائِم. فصل (12) 205 - إِذا قسم السَّبي الْقِسْمَة الشَّرْعِيَّة بعد تخميسه كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَمن حصل لَهُ بِالْقِسْمَةِ جَارِيَة ملكهَا، وَجَاز لَهُ وَطْؤُهَا بعد استبرائها، وَجَاز لَهُ استيلادها وَبَيْعهَا، وهبتها، وعتقها وأنواع التَّصَرُّف الشَّرْعِيّ فِيهَا، وَفِي الطِّفْل أَيْضا. أما قبل الْقِسْمَة فَلَا تملك الْغَنِيمَة فِي الْأَصَح. 206 - وَيجوز للسُّلْطَان أَن يخص فِي الْقِسْمَة بعض الْجَيْش بِبَعْض الْأَعْيَان، وَقيل: ملك شركَة. فصل (13) 207 - إِذا وطىء بعض الْغَانِمين جَارِيَة فِي الْمغنم قبل الْقِسْمَة عزّر وَلم يحد، عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى. وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: يحدّ، وَعَلِيهِ كَمَال مهرهَا على الْأَصَح، وَيجْعَل فِي الْمغنم. الحديث: 205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَقيل على قَوْلنَا: تملك قبل القسيمة، ويحط عَنهُ من الْمهْر بِقدر حِصَّته مِنْهَا أَن عرف قدرهَا، ويحط الْجَمِيع (73 / ب) إِن وَقعت فِي نصِيبه، فَإِن أحبلها لم تصر بذلك الْوَطْء أم ولد إِلَّا إِذا وَقعت فِي نصِيبه بِالْقِسْمَةِ فَتَصِير أم ولد، وَالْولد حر نسيب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: هُوَ رَقِيق تجب قِيمَته، وَجعلهَا فِي الْمغنم. فصل (14) 208 - فَإِن قيل: عَمت الْبلوى فِي هَذَا الزَّمَان بترك التخميس، وَالْقِسْمَة الشَّرْعِيَّة فَكيف الطَّرِيق إِلَى حل المسبيات مَعَ ذَلِك؟ قلت: صرح الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ بِأَن الْوَرع، وَالِاحْتِيَاط فِي هَذَا الزَّمَان ترك التَّسَرِّي. فَإِن قصد طَرِيقا شَرْعِيًّا فقاصد ذَلِك: إِمَّا يَقْصِدهُ بِالنِّكَاحِ بعد عتقهَا أَو بالتسري مَعَ بَقَاء رقها. فَإِن قصد ذَلِك بِنِكَاح بعد عتقهَا وَكَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهَا، وَهُوَ من الْجَيْش الْغَانِمين لِلْجَارِيَةِ أَو وصلت إِلَيْهِ من جهتهم بطرِيق شَرْعِي من بيع أَو هبة: إِمَّا من آحَاد الْجَيْش أَو مِمَّن اشْترى مِنْهُم أَو مِمَّن الحديث: 208 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 اشْترى مِمَّن اشْترى مِنْهُم، فطريقه أَن يعْتق الْجَارِيَة، فتعتق حِصَّته ويسري (74 / أ) الْعتْق إِلَى بَقِيَّة الْجَارِيَة بِمُجَرَّد الْعتْق فِي الْأَصَح. فَإِذا اعتقت كَانَ ولاؤها لَهُ، وَجَاز لَهُ وَلغيره أَن يَتَزَوَّجهَا بِولَايَة الْحَاكِم أَو بولِي شَرْعِي إِن كَانَ لَهَا ولي شَرْعِي من أَب أَو أَخ أَو غَيرهمَا. فَإِن تزَوجهَا غير الْمُعْتق فبإذنه وَإِذن الْحَاكِم مَعَه احْتِيَاطًا لاحْتِمَال أَن يكون غَيره من الْغَانِمين قد اعْتِقْ حِصَّته مِنْهَا وسرى عَلَيْهِ وَلم يعرف، فَيكون ولايتها للْحَاكِم. وَلأَجل الِاحْتِيَاط يَنْبَغِي أَن لَا يَتَزَوَّجهَا أَو يُزَوّجهَا لَهُ، إِلَّا بعد دفع الْقيمَة إِلَى من يسْتَحق الدّفع إِلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، خُرُوجًا من خلاف من قَالَ: لَا يسري الْعتْق إِلَّا بِدفع الْقيمَة. فصل (15) 209 - فَإِن قصد حل الْوَطْء مَعَ بَقَاء الرّقّ، وَكَانَ ذَلِك الْجَيْش غير مَحْصُورين وَلَا يُمكن ضبطهم، فطريقه أَن يَشْتَرِي الْجَارِيَة من السُّلْطَان أَو نَائِبه فِي ذَلِك، فيتقلد السُّلْطَان تخميس ذَلِك الثّمن وقسمته بَين أَهله. وَإِن كَانَ الغانمون لِلْجَارِيَةِ (74 / ب) مَحْصُورين بِحَيْثُ يُمكن إِيصَال أَرْبَعَة أخماسها إِلَيْهِم، بِأَن يَكُونُوا سَرِيَّة فِي عدد مَحْصُور مَعْرُوف، فطريقه أَن يصرف الْخمس مِنْهَا إِلَى السُّلْطَان أَو نَائِبه أَو إِلَى الْحَاكِم ثمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ؛ ليصرف ثمنه فِي مصارف الْخمس الشَّرْعِيَّة، وَيدْفَع أَرْبَعَة أخماسها إِلَى غانميها المعروفين، ثمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُم فَيحل لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ بَقَاء رقها كَغَيْرِهَا من الْإِمَاء الخلص. الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 هَذَا كُله إِذا كَانَت الْجَارِيَة غنيمَة أخذت بِقِتَال أَو إيجَاف خيل أَو ركاب، فَأَما إِذا كَانَت الْجَارِيَة قد أخذت بِسَرِقَة أَو اختلاس أَو دخلت شرذمة متلصصة إِلَى دَار الْحَرْب وَأخذُوا الْجَارِيَة، فَفِيهِ للأئمة خلاف يَأْتِي تَفْصِيله فِي فصل يَأْتِي بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْقسم الثَّالِث من الْغَنِيمَة: الأرضون 210 - وكل عقار أَو أَرض استولى عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ قهرا أَو فَارقهَا الْكفَّار بقتل أَو أسر أَو جلاء فَهِيَ غنيمَة. 211 - (75 / أ) وَاخْتلف الْأَئِمَّة فِي حكمهَا: فَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى: تخمس، وتقسم كَسَائِر الْغَنَائِم، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قسم أَرض خَيْبَر بَين الْغَانِمين، فَإِن اسْتَنْزَلَهُمْ السُّلْطَان عَنْهَا فرضوا بِتَرْكِهَا بعوض أَو بِغَيْر عوض جَازَ، وَتصير وَقفا على الْمُسلمين كَمَا فعل عمر رَضِي الله عَنهُ بِأَرْض سَواد الْعرَاق. وَقَالَ مَالك - رَحمَه الله تَعَالَى: الأَرْض المغنومة وقف على الْمُسلمين وَلَا تخمس وَلَا تقسم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة - رَحمَه الله تَعَالَى: يتَخَيَّر السُّلْطَان بَين قسمتهَا كَسَائِر الْغَنَائِم وَبَين أَن يقفها على الْمُسلمين كأراضي سَواد الْعرَاق وَبَين أَن يَتْرُكهَا فِي أَيدي الْكفَّار كمكة لما فتحت. الحديث: 210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَعَن أَحْمد - رَحمَه الله تَعَالَى: رِوَايَات كالأقوال الثَّلَاثَة. فصل (16) فِي معرفَة مَا فتح من الْبِلَاد صلحا أَو عنوه: 212 - مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فتحت صلحا عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عقد (75 / ب) لَهُم الْأمان بممرّ الظهْرَان وَقَالَ: " من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن، وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن، وَمن ألْقى السِّلَاح فَهُوَ آمن " وَأمر بقتل نفر بأعيانهم سماهم واستثناهم من الْآمنينَ، وَمَا قتل وَلَا أسر وَلَا قسم مَالا وَلَا أَرضًا وَلَا رباعاً، فَدلَّ على الصُّلْح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رحمهمَا الله تَعَالَى: فتحت عنْوَة. وَعَن أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: رِوَايَتَانِ كالمذهبين الحديث: 212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: فتح أَسْفَلهَا عنْوَة بِدُخُول خَالِد بن الْوَلِيد عنْوَة، وَفتح أَعْلَاهَا صلحا، وَمِنْه دخل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فغلب حكم جِهَة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَبيع رباع مَكَّة وتملكها وإيجارها: جَائِز عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رحمهمَا الله تَعَالَى: لَا يجوز. وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد. 213 - وَأما الشَّام ففتحت أراضيه عنْوَة، وَأما مدنه فَفتح بَيت الْمُقَدّس (76 / أ) ونابلس والأردن وفلسطين وَبصرى وأجنادين صلحا. وَأما دمشق فَدَخلَهَا أَبُو عُبَيْدَة من بَاب الْجَابِيَة صلحا، ودخلها خَالِد ابْن الْوَلِيد من الْبَاب الشَّرْقِي عنْوَة، والتقوا فِي أواسط الْبَلَد، فَكَانَ الْفَتْح لأبي عُبَيْدَة لِأَنَّهُ كَانَ أَمِير الْجَمَاعَة. وَأما حمص ففتحت عنْوَة. الحديث: 213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَأما حماة، وشيزرا، وبانية ففتحت صلحا. وَأما حلب وقنسرين فعنوةً. 214 - وَأما مصر، فَقيل فتحت صلحا وَقيل عنْوَة، وَقيل: بَعْضهَا صلحا، وَبَعضهَا عنْوَة. وَالأَصَح: أَنَّهَا فتحت مرَّتَيْنِ. الأولى، صلحا ثمَّ نكثوا، فَفَتحهَا عَمْرو ثَانِيًا عنْوَة. وَالْحكم للعنوة. 215 - وَأما سَواد الْعرَاق، فَالْأَصَحّ: أَنه فتح عنْوَة ثمَّ استنزل عمر - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - الْغَانِمين عَنهُ برضاهم، وَجعله وَقفا على الْمُسلمين، وَالْخَرَاج الْمَأْخُوذ مِنْهُ أُجْرَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك - رحمهمَا الله تَعَالَى: فتح صلحا. وللأئمة فِيهِ بحوث (76 / ب) كَثِيرَة وَاخْتِلَاف لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر. الحديث: 214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 216 - الْقسم الرَّابِع: مَا سوى الأسرى والسبي وَالْعَقار، من سَائِر الْأَمْوَال المنقوله: كالذهب، وَالْفِضَّة، وَالْخَيْل، والمواشي، وَالدَّوَاب، وَالسِّلَاح، والملابس، والحلي، والأثاث، والحبوب وَغير ذَلِك. فَكل ذَلِك غنيمَة يجب تخميسه وقسمته إِلَّا مَا يسْتَثْنى مِنْهُ كالسلب، وَسَيَأْتِي تَفْصِيله إِن شَاءَ الله تَعَالَى؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قسم أَمْوَال بني قينقاع، وخيبر، وأموال حنين وَغير ذَلِك من الْغَنَائِم. وَكَذَلِكَ فعل الصَّحَابَة بعده رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. فصل (17) 217 - إِذا كَانَ فِي الْغَنِيمَة كتب، فَإِن كَانَت من الْعُلُوم الْجَائِزَة شرعا: كعلوم الشَّرِيعَة، والطب، والحساب، وَالشعر، دخلت فِي الْمغنم تخميساً وَقِسْمَة. وَإِن كَانَت من الْعُلُوم الْمُحرمَة كالكفريات، وَالسحر، أتلفت بالإحراق وَغَيره. فَإِن أمكن غسل رقوقها وَالِانْتِفَاع بِهِ، فعل، وَدخلت فِي الْمغنم. وَإِن كَانَت (77 / أ) من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور، فقد قيل: تحرق، وَقيل: كالقسم الثَّانِي. الحديث: 216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فصل (18) 218 - إِذا كَانَ فِي الْغَنِيمَة بزاة أَو صقور أَو سنانير، أَو غير ذَلِك مِمَّا يملك وَيجوز بَيْعه فَهُوَ غنيمَة تخمس وتقسم. وَإِن كَانَ فِيهَا كلاب صيد أَو مَاشِيَة أَو زرع، فللسطان أَن يخص بهَا مَا شَاءَ، وَلَا تحسب من سَهْمه لِأَنَّهُ لَا قيمَة لَهَا، وَإِن أمكن قسمتهَا قسمت، وَإِن لم يُمكن وتشاحوا فِيهَا أَقرع بَينهم. فَإِن أعرض الْكل عَنْهَا دفعت لأهل الْخمس، وَلَا تحسب عَلَيْهِم. فصل (19) 219 - يجوز للمجاهدين خَاصَّة أكل مَا يصيبونه فِي دَار الْحَرْب من طَعَام وَلحم وفواكه وَذبح حَيَوَان مَأْكُول لأكلهم، وَكَذَا علف دوابهم من تبن، وشعير، وَغير ذَلِك. وَلَا يحْسب عَلَيْهِم شَيْء من ذَلِك فِي الْقِسْمَة، وَالْفَقِير والغنى، والمحتاج وَغَيره فِي ذَلِك سَوَاء. الحديث: 218 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 220 - وَلَا يجوز إطْعَام الصقور والبزاة وَنَحْوهَا (77 / ب) من ذَلِك بل يَشْتَرِي لَهَا صَاحبهَا أَو تحسب عَلَيْهِ فِي الْقِسْمَة من الْغَنِيمَة، بِخِلَاف الْآدَمِيّين وَالدَّوَاب فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى ذَلِك فِي الْجِهَاد، وَلَا يحْتَاج إِلَى الصقور والبزاة. 221 - وَلَا يجوز بيع شَيْء من ذَلِك وَلَا قرضه لغير الْمُجَاهِد؛ فَإِن فعل ذَلِك وَجب رده إِلَى الْمغنم، وَإِن أقْرضهُ لمجاهد فَلهُ بدله فِي دَار الْحَرْب خَاصَّة، وَيكون من الْمَوْجُود فِي دَار الْحَرْب لَا من مَال الْمُقْتَرض، فَإِن دخلا دَار الْإِسْلَام قبل رد الْبَدَل، وَهُوَ فِي يَد الْمُقْتَرض، رد إِلَى الْمغنم، وَلَو فضل فِي أَيدي الْغُزَاة شَيْء من ذَلِك رد إِلَى الْمغنم ليقسم بَينهم، وَلَو قل الطَّعَام أَو تنَازع المحتاجون فِي الْمَوْجُود قسمه السُّلْطَان بَينهم بِقدر حَاجتهم. وَحكم مَا بَين دَار الْحَرْب وَدَار الْإِسْلَام فِي جَمِيع ذَلِك، كَحكم دَار الْحَرْب. فصل (20) 222 - مَا يهديه مقدم الْكفَّار لمقدم الْمُسلمين، إِن لم تكن حَرْب قَائِمَة فَهِيَ لَهُ خَاصَّة. وَأما إِذا كَانَت الْحَرْب قَائِمَة لَا يخْتَص (78 / أ) بهَا الحديث: 220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 المهدى إِلَيْهِ، بل يدْخل فِي الْغَنِيمَة عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد رَحِمهم الله تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: تكون لمقدم الْمُسلمين. وَهِي رِوَايَة عِنْد أَحْمد. فصل (21) 223 - إِذا دخل دَار الْحَرْب رجل مُسلم، أَو شرذمة قَليلَة خُفْيَة فَأخذُوا مَالا سَرقَة من الْكفَّار أَو سبوا سبيا، أَو اختلس الْمُسلم من الْحَرْبِيّ مَالا أَو أَخذه على وَجه السّوم وهرب أَو جَحده، فقد قيل: يخْتَص بِهِ الْآخِذ، أَو الشرذمة، وَلَا يُخَمّس، وَلَا يقسم. وَاخْتَارَهُ الإِمَام الْغَزالِيّ وَغَيره. وَقيل: هُوَ غنيمَة، يُخَمّس، وَيقسم. الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 224 - وَكَذَلِكَ الحكم لَو غزت سَرِيَّة متلصصين بِغَيْر إِذن السُّلْطَان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة؛ إِن كَانَ لَهُم قُوَّة الِامْتِنَاع خمس وَقسم، وَإِن لم يكن لَهُم قُوَّة الِامْتِنَاع، فَهُوَ لَهُم خَاصَّة. وَرُوِيَ عَنهُ إِن ذَلِك لبيت المَال، فَإِن أَخذ شَيْء من ذَلِك بِالْقِتَالِ وَالْغَلَبَة فَهُوَ غنيمَة يُخَمّس وَيقسم. فصل (22) 225 - لَو وجد مُسلم لقطَة فِي دَار الْحَرْب، (78 / ب) فَإِن أمكن أَن تكون لمُسلم عرفهَا، قيل: مُدَّة التَّعْرِيف، وَقيل: يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة. وَإِن لم يُمكن أَن تكون لمُسلم أوعرفها فَلم تعرف، قيل: هِيَ غنيمَة. وَقيل: يخْتَص بهَا الْوَاجِد لَهَا. 226 - لَو دخل صبي أَو امْرَأَة أَو حَرْبِيّ دَار الْإِسْلَام بِغَيْر أَمَان، وَاخْتَارَ السُّلْطَان استرقاقه أَو ندّ مِنْهُم بعير أَو فرس إِلَى دَار الْإِسْلَام فَأَخذه مُسلم، فقد قيل: ذَلِك فِي حكم الْفَيْء كَمَا سبق حكمه. وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: هُوَ لمن أَخذه. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى: إِن كَانَ حَرْبِيّا فَهُوَ لمن أَخذه، وَإِن كَانَ بَعِيرًا أَو فرسا فَهُوَ فَيْء. الحديث: 224 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 فصل (23) 227 - الْمُبَاحَات فِي دَار الْحَرْب: كالحشيش، والحطب، وصيد الْبر، وَالْبَحْر، يملكهَا من أَخذهَا، وَيخْتَص بهَا كدار الْإِسْلَام؛ فَإِن كَانَ عَلَيْهِ أَمارَة ملك مُتَقَدم نظر، فَإِن أمكن أَن يكون لمُسلم عرف لِأَنَّهُ لقطَة، (79 / أ) ، وَإِن لم يكن فغنيمة. فصل (24) 228 - إِذا بعث السُّلْطَان سَرِيَّة إِلَى جِهَة من دَار الْحَرْب، وَالسُّلْطَان وَبَقِيَّة الْجَيْش مقيمون ببلدهم، اخْتصّت السّريَّة بأَرْبعَة أَخْمَاس مَا غنمته دون الْجَيْش، وَإِن كَانَ الْجَيْش فِي جِهَة أُخْرَى من دَار الْحَرْب اشْتَركُوا فِي تغنمة السّريَّة والجيش. 229 - وَإِن بعث أَمِير الْجَيْش سريتين إِلَى جِهَة وَاحِدَة وتقاربا بِحَيْثُ يتعاونان عِنْد الْحَاجة، فَمَا تغنمه كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مُشْتَرك بَين الْجَمِيع كالجيش مَعَ الْوَاحِدَة. فصل (25) 230 - يجوز إِذا قَالَ الْأَمِير قبل قيام الْحَرْب من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ. فقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد بن حَنْبَل (فِي رِوَايَة) رحمهمَا الله تَعَالَى: الحديث: 227 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 يَصح، وَمن أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ. وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن مَالك رَحمَه الله تَعَالَى. وَقَالَ بِهِ: بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي: إِنَّه لَا يَصح. وَيجب رد مَا أَخذه إِلَى الْمغنم لظَاهِر (79 / ب) قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا إِنَّمَا غَنِمْتُم من شيءٍ فإنّ لله خمسه وَلِلرَّسُولِ} وَلِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى اشتغالهم عَن الْقِتَال بتحصيل مَا يخْتَص بهم. فَإِن قَالَ أَمِير الْجَيْش ذَلِك بعد الْفَتْح وَالظفر، فَلَا يَصح، وَلَا أثر لَهُ بِاتِّفَاق. فصل (26) 231 - الْغلُول فِي الْغَنِيمَة: حرَام بِاتِّفَاق، وَهُوَ أَن يخفي عَن الإِمَام أَو نَائِبه شَيْئا من الْغَنِيمَة، وَإِن قل أَو يخون فِي شَيْء مِنْهَا، قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة} وَقيل مَعْنَاهُ: يَأْتِي بِهِ يحملهُ على ظَهره. الحديث: 231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَقيل مَعْنَاهُ: ياتي هُوَ بوزره. وَثبتت فِي السّنة فِي التَّغْلِيظ فِي ذَلِك أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْهَا: إِنَّه كَانَ للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غُلَام اسْمه (مدغم) فَبَيْنَمَا هُوَ يصنع رَحل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بوادي الْقرى جَاءَهُ سهم غرب فَقتله، فَقَالُوا: هَنِيئًا لَهُ الْجنَّة. فَقَالَ (80 / أ) النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " كلا، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن شملته لتحرق عَلَيْهِ فِي النَّار " كَانَ غلّها من فَيْء الْمُسلمين، فَسمع رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله: أصبت شراكين لنعلين لي فَقَالَ: " لَك مثلهمَا فِي النَّار " وَعنهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا يحل لمن يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يَبِيع مغنماً حَتَّى يقسم ". قلت: يَنْبَغِي لمن يتحرز فِي دينه أَن يُلَاحظ هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ من اشْترى شَيْئا من الْغَنِيمَة وَبَاعه قبل الْقِسْمَة. فصل (27) 232 - من غل شَيْئا من الْمغنم وَإِن قل وَجب رده إِلَى الْمغنم ليقسم. الحديث: 232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَتجب عَلَيْهِ التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار من ذَلِك، فَإِن كَانَت جَارِيَة لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا الِاسْتِمْتَاع بهَا، وَلَا بيعهَا، فَإِن بَاعهَا فَحكم من اشْتَرَاهَا مِنْهُ كَذَلِك، إِلَّا أَن يسْلك مَا قدمْنَاهُ من الطّرق الْمُتَقَدّمَة، وَلَا يغتر بِمن افتى بذلك (80 / ب) من أهل عصرنا، فَإِنَّهُ مَرْدُود عَلَيْهِ عِنْد السّلف وَالْخلف. قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: رَحمَه الله تَعَالَى: يحرق مَال الغال إِلَّا أَن يكون حَيَوَانا أَو مُصحفا عُقُوبَة لَهُ على غلوله، وَلَا يحرق السَّبي الَّذِي غله؛ لِأَنَّهُ حق الْغَانِمين. وَهَذَا كُله إِذا لم يقل السُّلْطَان أَو نَائِبه قبل الْقِتَال: من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ، فَإِن قَالَ، فقد قدمنَا حكمه، وَالْخلاف فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الْبَاب الرَّابِع عشر فِي قسْمَة الْغَنِيمَة ومستحقيها، وَمَا يجب على الْحُكَّام فِيهَا 233 - قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا انما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ ولذى الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السّبيل ان كُنْتُم امنتم بِاللَّه ومآ انزلنا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان. .} . وَقد قدمنَا وَصَحَّ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خمّس غَنَائِم بني قينقاع وَقسمهَا، وَهِي أول غنيمَة خمست فِي الْإِسْلَام، وَقسم غَنَائِم خَيْبَر، وحنين وَغَيرهمَا. والاجماع على وجوب ذَلِك (81 / أ) عِنْد إِمْكَانه، وَلَا يقسم ذَلِك مَعَ قيام الْقِتَال ودوامه، كَيْلا يشْتَغل النَّاس بِهِ على الْقِتَال، وليتحقق الظفر بالعدو، واستقرار الْملك فِي الْغَنَائِم، فَإِذا انْقَضى الْقِتَال وانجلى الْقِتَال قسمت. الحديث: 233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَالْقِسْمَة فِي دَار الْحَرْب أولى عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ. فَإِن أَخّرهُ إِلَى دَار الْإِسْلَام جَازَ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ: لَا تقسم إِلَّا فِي دَار الْإِسْلَام. وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ: تقسم الْأَمْوَال فِي الْحَرْب، والسبي فِي دَار الْإِسْلَام. وَقَالَ قوم من الشَّافِعِيَّة: يعْتَمد الإِمَام مَا يرى فِيهِ الْمصلحَة. فصل (1) 234 - فِي تَرْتِيب قسْمَة الْغَنَائِم: وَهِي أَن يبْدَأ مِنْهَا بالأسلاب، ثمَّ بالمؤن عَلَيْهَا، ثمَّ تخميسها، ثمَّ بالرضخ من أَرْبَعَة أخماسها، ثمَّ يقسم أخماسها الْأَرْبَعَة، ثمَّ يقسم الْخمس على أَهله. (81 / ب) أول مَا يبْدَأ من الْغَنَائِم بأسلاب الْقَتْلَى، فَمن عرف قَاتله أعْطى سلبه، لَكِن بأَرْبعَة شُرُوط نذكرها بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَبِه قَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى. الحديث: 234 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى: إِن سبق شَرط السُّلْطَان أَو نَائِبه بذلك قبل الْقِتَال اسْتَحَقَّه قَاتله، وَإِلَّا فَلَا. وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى: إِن قَتله فِي المبارزة اسْتحق سلبه والا فَلَا. وَلَا تخمس الأسلاب بل تسلم كلهَا لصَاحِبهَا. وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: يُخَمّس كَسَائِر الْغَنِيمَة وَيُؤْخَذ السَّلب من أصل الْغَنِيمَة. وَقَالَ مَالك: تحسب من خمس الْخمس؛ وَدَلِيل ذَلِك كُله قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة، فَلهُ سلبه ". وَلما سَأَلَ عَن قَاتل الجاسوس، فَقيل: قَتله ابْن الْأَكْوَع، فَقَالَ: " لَهُ سلبه أجمع ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَأعْطى أَبَا قَتَادَة أسلاب قتلاه يَوْم بدر، وَكَانُوا قَرِيبا من عشْرين قَتِيلا. فصل (2) 235 - شُرُوط اسْتِحْقَاق السَّلب أَرْبَعَة: الأول: أَن يرتكب الْغرَر فِي قَتله، كِفَايَة شَره، فَلَو رَمَاه من حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ أَو رمى إِلَى (82 / أ) الْكفَّار فَأَصَابَهُ السهْم فَقتله لم يسْتَحق سلبه. الشَّرْط الثَّانِي: أَن يقْتله فِي حَال قيام الْقِتَال، فَإِن قَتله مُنْهَزِمًا مَعَ جَيش الْكفَّار لم يسْتَحق سلبه، وَإِن قَتله وَهُوَ مول وَحده أَو ليكر، فَلهُ سلبه. الشَّرْط الثَّالِث: أَن يقْتله فِي حَال امْتِنَاعه، فَلَو قَتله وَهُوَ أَسِير أَو مثخن بالجراحة لم يسْتَحق سلبه. الشَّرْط الرَّابِع: أَن يَقْهَرهُ بِمَا يَكْفِي شَره: اما بقتْله أَو بإثخانه الْجِرَاحَات، أَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، أَو يَد وَرجل مَعًا، أَو بعميه، أَو بأسره فِي الْأَصَح. الحديث: 235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَشرط قوم خَامِسًا: وَهُوَ أَن يكون الْقَاتِل مِمَّن لَهُ سهم، فَإِن كَانَ من أهل الرضخ. كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَة لم يسْتَحق سلبه. وَلَو اشْترك اثْنَان فِي قَتله أَو إثخانه اشْتَركَا فِي سلبه، وَلَو قطع أَحدهمَا يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ ثمَّ قَتله الآخر، فالسلب للقاطع؛ لِأَنَّهُ أَزَال امْتِنَاعه. وَإِن قطع وَاحِد إِحْدَى يَدَيْهِ وَقَتله الآخر، فَالْأَصَحّ: أَن السَّلب للْقَاتِل (82 / ب) . وَلَو قتل امْرَأَة أَو صَبيا لم يقاتلا، لم يسْتَحق سلبه. فصل (3) 236 - وَالسَّلب: مَا فِي يَد الْقَتِيل من ملبوس وَفرس وَسلَاح ومنطقة وعدة فرس، وجنيب يُقَاد مَعَه أَو بَين يَدَيْهِ. وَلَيْسَ من السَّلب بَقِيَّة أَمْوَاله الَّتِي فِي عَسْكَرهمْ، بل غنيمَة عَامَّة فِي الْأَصَح، وَكَذَا الحقيبة المشدودة وارءه. الحديث: 236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فصل (4) 237 - إِذا فرغ من الأسلاب أخرج من الْغَنِيمَة مُؤنَة حفظهَا ونقلها، ثمَّ يُخَمّس مَا بَقِي من أَمْوَال الْغَنِيمَة على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا، فَيقسم على خَمْسَة أسْهم، وَيجوز أَن يَجْعَل جِنْسا فِي قسم وجنسا فِي قسم آخر، وَكَذَا قسمتهَا بَين الْغَانِمين، لِأَن الِاعْتِبَار بِالْقيمَةِ لَا بأعيان الْأَمْوَال. فَإِذا خمست أَقرع بَين السِّهَام الْخَمْسَة، وَهُوَ أَن يكْتب خمس أوراق يكْتب فِي إِحْدَاهَا: لله أَو الْمصَالح، وَيكْتب فِي الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة للغانمين، ثمَّ تطوى الأوراق وتسوى، وَيَضَع من لم يحضر ذَلِك كل (83 / أ) ورقة على خمس، فَالَّذِي يخرج عَلَيْهِ يتَعَيَّن للخمس وَبَاقِي الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة للغانمين. فصل (5) 238 - إِذا فرغ من التخميس بِالْقُرْعَةِ وتعينت الْأَخْمَاس، بَدَأَ من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة بالرضخ قبل الْقِسْمَة بَين الْغَانِمين. وَأهل الرضخ أَرْبَعَة أَصْنَاف وهم: الصَّبِي، وَالْمَرْأَة، وَالْعَبْد، وَالْكَافِر، إِن أحضرهُ الإِمَام لمصْلحَة رَآهَا. فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة يرْضخ لَهُم وَلَا يُسهم. الحديث: 237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " أعْطى عبدا حضر مَعَه سَيْفا وَلم يُسهم لَهُ " وَكَانَ يَغْزُو بِالنسَاء وَلم يُسهم لَهُنَّ. واستعان بيهود من بني قينقاع، فرضخ لَهُم وَلم يُسهم. وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: يُسهم للصَّبِيّ الْمُرَاهق إِذا أطَاق الْقِتَال، وَلَا يرْضخ للنِّسَاء. وَأما تجار الْعَسْكَر، وَأهل الْحَرْف وَالْأَجْر، فَالْأَصَحّ: أَنهم إِن قَاتلُوا أسْهم لَهُم وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يُسهم لَهُم، وَقيل: يرْضخ لَهُم. والرضخ: مَا يُعْطِيهِ أَمِير الجيوش لهَؤُلَاء الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة، (83 / ب) وَتَقْدِيره إِلَى رَأْيه واجتهاده، لَكِن لَا يبلغ بِهِ سهم الْمُقَاتلَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فصل (6) إِذا فرغ من الرضخ قسم الأخمآس الْأَرْبَعَة بَين الْغَانِمين من أهل السِّهَام، وهم كل من شهد الْوَقْعَة بنية الْغَزْو من الرِّجَال الكاملين الْمُسلمين، الْأَحْرَار، والأجناد المرتزقة والمتطوعة فِيهِ سَوَاء، والمقاتل وَغَيره فِيهِ سَوَاء إِذا كَانَا فِي الصَّفّ. والحاضر فِي أول الْقِتَال أَو فِي أَثْنَائِهِ والقتال قَائِم سَوَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة - رَحمَه الله تَعَالَى: إِذا دخل المدد دَار الْحَرْب والقتال قَائِم استحقوا، وَإِن لم يدركوا الْقِتَال أَو فتح الْحصن. وَمن مرض فِي أثْنَاء الْقِتَال لم يبطل حَقه. وَمن مَاتَ أَو مَاتَت فرسه قبل الْقِتَال لم يُسهم لَهما. وَإِن مَاتَ بعد الْقِتَال أسْهم لَهما. وَإِن مَاتَ أثناءه، فَالْأَصَحّ: أَنه يُسهم للْفرس إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْقِتَال وَلَا يُسهم للفارس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: إِذا مَاتَ الْفرس أَو الْفَارِس بعد دُخُول دَار الْحَرْب (84 / أ) أسْهم لَهُ. فصل (7) 240 - يجب التَّسْوِيَة بَين أهل السِّهَام، فَلَا يفضل أحد على أحد، إِلَّا الْفَارِس على الراجل، فُيعطى للراجل سهم، وللفارس ثَلَاثَة أسْهم، سهم لَهُ وسهمان لفرسه. وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَعَامة الْعلمَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: للفارس سَهْمَان، سهم لَهُ، وَسَهْم لفرسه. وَالسّنة الصَّحِيحَة حجَّة عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن كَانَ الْفرس عتيقا أسْهم لَهُ سَهْمَان. وَإِن كَانَ هجينا أَو مقرفا أَو برذونا أسْهم لَهُ سهم وَاحِد. الحديث: 240 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 والعتيق: مَا أَبَوَاهُ عربيان. والبرذون: مَا أَبَوَاهُ عجميان. والهجين: مَا أَبوهُ عَرَبِيّ وَأمه عجمية. والمقرف: عَكسه. 241 - وَمن حضر بأفراس لم يُسهم إِلَّا لوَاحِد مِنْهَا. وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: يُسهم لفرسين. 242 - وَلَا يُسهم للْفرس الأعجف فِي الْأَصَح. 243 - وَلَو قَاتل على فرس مَغْصُوب، فالسهمان لصَاحِبهَا إِن كَانَ حضر الْوَقْعَة، وَإِن كَانَ غَائِبا (84 / ب) فللمقاتل، ولصاحبها أُجْرَة مثلهَا. وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: السهْمَان لصَاحِبهَا مُطلقًا. 244 - وَلَا سهم لغير الْفرس، بل يرْضخ، ويرجح الْبَعِير والفيل على الْبَغْل، والبغل على الْحمار. الحديث: 241 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فصل (8) 245 - إِذا كَانَ فِي مقاتلة من ظهر فِي الْحَرْب غناؤه، وَحسن فِي الْعَدو بلاؤه، فللسطان أَن يزِيدهُ من سهم الْمصَالح عَن سَهْمه من الْغَنِيمَة بِقدر تَأْثِيره فِي الْحَرْب؛ فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : نفل سَرِيَّة. وَالنَّفْل: زِيَادَة مَال على سهم الْغَنِيمَة يُعْطِيهِ الْأَمِير لمن يفعل مَا فِيهِ نكاية فِي الْعَدو، أَو وُقُوع ظفر، أَو دلَالَة على حصن، أَو حفظ مكمن أَو دفع شَرّ وَنَحْو ذَلِك لوَاحِد أَو جمَاعَة بأعيانهم. وَيجوز لمُطلق كَقَوْلِه: من دلَّنِي على قلعة كَذَا فَلهُ كَذَا، أَو من فتح بَاب الْحصن أَو من قتل فلَانا أَو أحضر فلَانا، فَمن فعل ذَلِك اسْتحق الْمَشْرُوط لَهُ. وَيجوز أَن يكون النَّفْل من سهم الْمصَالح، وَإِن شَرطه من أصل الْغَنِيمَة كثلث أَو ربع على قدر (85 / أ) الْعَمَل والخطر فِيهِ، وَتَقْدِيره إِلَى اجْتِهَاد أَمِير الْجَيْش. وَفِي الحَدِيث: " أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ ينفل فِي الْبدَاءَة الرّبع وَفِي الرّجْعَة الثُّلُث ". الحديث: 245 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 والبداءة: هِيَ السّريَّة الَّتِي يبعثها الْأَمِير قبل دُخُوله دَار الْحَرْب مُقَدّمَة لَهُ. وَالرَّجْعَة: هِيَ السّريَّة الَّتِي يردهَا إِلَى جِهَة الْعَدو وَبعد توجهه إِلَى دَار الْإِسْلَام، وانما زَاد الرّجْعَة لِأَنَّهَا تعود بعد التَّعَب، وتيقظ الْعَدو، وتباعد الْجَيْش بِخِلَاف الْبدَاءَة. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الثُّلُث وَالرّبع الْمَذْكُور: فَقيل: ثلث الْغَنِيمَة أَو ربعهَا. وَقيل: هُوَ أَن يُزَاد بِقدر ثلث سَهْمه أَو ربعه. وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي جِهَة هَذَا النَّفْل: فَقيل: من أصل الْغَنِيمَة. وَقيل: من خمس الْخمس المرصد للْمصَالح. وَقيل: من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة. فصل (9) 146 - من أعرض عَن نصِيبه قبل الْقِسْمَة جَازَ، ويتوفر نصِيبه على البَاقِينَ، وَلَا يجوز للْجَمِيع (85 / ب) أَيْضا على الْأَصَح. وَلَا يجوز إِعْرَاض الْقَاتِل عَن سلبه فِي الْأَصَح. وَلَا إِعْرَاض ذَوي الْقُرْبَى عَن نصِيبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 أما بعد الْقِسْمَة، فَلَا يجوز الْإِعْرَاض بعد الْقِسْمَة لِأَن الْملك قد اسْتَقر، وَلَا تملك الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة، وَلذَلِك يجوز للأمير أَن يخص بَعضهم بِبَعْض الْأَعْيَان فِي الْقِسْمَة: وَقيل: تملك بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَإِن لم تقسم. فصل (10) 247 - إِذا سرق بعض الْغَانِمين شَيْئا من الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة عزّر، وَإِن لم يحد بِالْقطعِ. وَإِن سرق ذَلِك بعد الْقِسْمَة، فَإِن كَانَ ذَلِك من الْخمس لم يقطع، وَإِن كَانَ من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة وَهُوَ قدر حِصَّته لم يقطع، وَإِن كَانَ زَائِدا على حِصَّته بِقدر نِصَاب الْقطع: قطع. فصل (11) 248 - إِذا فرغ من قسْمَة الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة قسم الْخمس الَّذِي عَزله بِالْقُرْعَةِ، وَاخْتلف فِي قسمته: فَقَالَ الشَّافِعِي وَأكْثر الْعلمَاء: يقسم على خَمْسَة أسْهم كَمَا ورد فِي الْقُرْآن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة - رَحمَه الله تَعَالَى (86 / أ) : يقسم على ثَلَاثَة أسْهم، وَأسْقط الْقسمَيْنِ الْأَوَّلين. الحديث: 247 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَقَالَ مَالك - رَحمَه الله تَعَالَى -: يصرفهُ الإِمَام فِيمَا يرَاهُ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يقسم على سِتَّة أسْهم، سهم لله تَعَالَى يصرف فِي مصَالح الْكَعْبَة، والخمسة الْبَاقِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن. وَالْقسم الأول من الْخَمْسَة على قَول الشَّافِعِي: سهم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَيصْرف بعده فِي مصَالح الْمُسلمين من أرزاق الأجناد، وسد الثغور، وَبِنَاء الْحُصُون، وَتَحْصِيل السِّلَاح وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وَالْأَئِمَّة والمؤذنين وَنَحْو ذَلِك من مصَالح الْإِسْلَام. وَالْقسم الثَّانِي: لِذَوي الْقُرْبَى، وهم: بَنو هَاشم، وَبَنُو عبد الْمطلب ابنى عبد منَاف، وهم الَّذين تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة، وَيَسْتَوِي فِيهِ أغنياؤهم وفقراؤهم؛ للذّكر مثل حَظّ الأنثنيين، وَيَسْتَوِي (86 / ب) فِيهِ الْبعيد والقريب. وَقيل: غنيمَة كل إقليم لمن فِيهِ مِنْهُم. السهْم الثَّالِث: الْيَتَامَى والفقراء خَاصَّة. واليتيم: من هُوَ دون الْبلُوغ وَلَا أَب لَهُ، وَلَا يتم بعد الْبلُوغ، وَلَا لمن مَاتَت أمه من النَّاس وَأَبوهُ حَيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 السهْم الرَّابِع: الْمَسَاكِين، وهم المحتاجون إِلَى مَا ينفقونه على أنفسهم وعيالهم أَو تَتِمَّة حَاجتهم. السهْم الْخَامِس: أَبنَاء السَّبِيل، وهم الْفُقَرَاء المسافرون المحتاجون والمنشئون للسَّفر. فصل (12) 249 - إِذا غلب الْكفَّار الْمُسلمين على شَيْء من أَمْوَالهم لم يملكوها، بل هِيَ بَاقِيَة ملك أَصْحَابهَا، فَإِن ظفر بهَا الْمُسلمُونَ فصاحبها أَحَق بهَا قبل الْقِسْمَة، فَإِن لم يعلم حَتَّى قسمت، عوض من وَقع ذَلِك فِي سَهْمه عَنهُ من خمس الْخمس، وَدفع ذَلِك إِلَى مَالِكه. وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة - رحمهمَا الله تَعَالَى -: يملكُونَ مَا أَخَذُوهُ بالقهر وَالْغَلَبَة. (87 / أ) ثمَّ إِن أَخذهَا الْمُسلمُونَ فصاحبها قبل الْقِسْمَة أَحَق بهَا، وَبعد الْقِسْمَة أَحَق بِقِيمَتِهَا، وَسَوَاء فِي ذَلِك - عندنَا - الْعقار، وَالْمَتَاع، والبلاد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى -: إِذا اتَّصل الْعقار والبلاد بِبِلَاد الْحَرْب ملكوه، وَإِن لم يتَّصل فَهُوَ بَاقٍ على حكمه. الحديث: 249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الْبَاب الْخَامِس عشر فِي الْهُدْنَة وَالْأَمَانَة، وَأَحْكَام الاستئمان 250 - قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لَهَا وتوكل على الله إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} والهدنة: مُشْتَقَّة من الهدون، وَهُوَ السّكُون؛ لِأَن الْهُدْنَة تسكن ثائرة الْحَرْب والفتن. وَيجوز للأمام ونائبه عقد الْهُدْنَة لإقليم معِين أَو نَاحيَة مُعينَة إِذا اقْتَضَت مصلحَة الْمُسلمين ذَلِك، إِمَّا لإراحة جَيش الْإِسْلَام، أَو لترتيب أُمُورهم، أَو لزِيَادَة استعدادهم أَو لتوقع إِسْلَام الْكفَّار أَو قبولهم الْجِزْيَة بِغَيْر (87 / ب) قتال. وَلَا يجوز عقد الْهُدْنَة من غير الإِمَام أَو نَائِبه؛ لما يَتَرَتَّب على ذَلِك من الْمَفَاسِد، بِخِلَاف الْأمان لوَاحِد من الْكفَّار، فَإِنَّهُ يجوز من آحَاد الْمُسلمين كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحديث: 250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فصل (1) 251 - تجوز الْهُدْنَة غير مُؤَقَّتَة بِمدَّة مَعْلُومَة بِأَن يشْتَرط الإِمَام أَن لَهُ نقضهَا مَتى شَاءَ، وَيجوز أَن تكون مُؤَقَّتَة بِمدَّة مَعْلُومَة، فَإِن لم يكن بِالْمُسْلِمين ضعف جَازَت الْهُدْنَة إِلَى أَرْبَعَة أشهر فَمَا دونهَا، وَلَا تجوز أَكثر من أَرْبَعَة أشهر فِي الْأَصَح. وَقيل: يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا إِلَى مَا دون السّنة، وَلَا يجوز إِلَى سنة كَامِلَة، قولا واحداُ إِلَّا أَن تكون بجزية. وَإِن كَانَ بِالْمُسْلِمين ضعف جَازَت الزِّيَادَة على أَرْبَعَة أشهر إِلَى سنة أَو أَكثر مِنْهَا على قدر الْحَاجة إِلَى عشر سِنِين، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هادن قُريْشًا عشر سِنِين، وَلَا يجوز الزِّيَادَة على عشر سِنِين أصلا، قولا وَاحِدًا، بِاتِّفَاق، فَإِن (88 / أ) زَاد عَلَيْهَا وَلَو يَوْمًا وَاحِدًا، فَالزِّيَادَة بَاطِلَة. الحديث: 251 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فصل (2) 252 - لَا تصح الْهُدْنَة بِشَرْط أَن لَا يستفك مِنْهُم أسرى الْمُسلمين، وَلَا أَن تكون الْجِزْيَة أقل من دِينَار كل سنة، وَلَا على أَن يدْفع إِلَيْهِم مَالا، وَلَا على أَن ترد عَلَيْهِم الْمَرْأَة إِذا جَاءَت مسلمة، وَنَحْو ذَلِك من الشُّرُوط الْفَاسِدَة شرعا، فَإِن عقدت الْهُدْنَة بِشَيْء من هَذِه الشُّرُوط لم تصلح الْهُدْنَة. فصل (3) 253 - إِذا صَحَّ عقد الْهُدْنَة إِلَى مُدَّة وَجب الْكَفّ عَنْهُم إِلَى انْقِضَاء تِلْكَ الْمدَّة أَو ينْقض الْعَهْد، فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة أَو صَرَّحُوا بِنَقْض الْعَهْد أَو فعلوا مَا يُوجب نقضه أَو خالفوا شرطا من الشُّرُوط انْتقض عَهدهم كَمَا إِذا قَاتلُوا الْمُسلمين، أَو كاتبوا أهل الْحَرْب فيهم، أَو أطلعوهم على عورات الْمُسلمين أَو قتلوا مُسلما، فَإِذا انْتقض عَهدهم جَازَ بياتهم والإغارة عَلَيْهِم، وَأَخذهم على غرَّة (88 / ب) وَإِن نقضه بَعضهم وَلم يُنكر الْبَاقُونَ بقول وَلَا فعل انْتقض عهد الْجَمِيع، وَإِن أَنْكَرُوا عَلَيْهِم، واعتزلوهم وأعلموا الإِمَام انهم مقيمون على الْعَهْد لم ينْقض عَهدهم. الحديث: 252 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فصل (4) 254 - إِذا خَافَ الإِمَام من المهادنين خِيَانَة جَازَ أَن ينْبذ إِلَيْهِم عَهدهم. قَالَ الله تَعَالَى {وَإِمَّا تخافن من قوم خِيَانَة فانبذ إِلَيْهِم على سَوَاء إِن الله لَا يحب الخائنين} وَإِذ نبذ إِلَيْهِم عَهدهم بَلغهُمْ المأمن، فَإِن كَانُوا نسَاء أَو أطفالاً بَلغهُمْ أَهَالِيهمْ، وَلَا يقتل مَا فِي أَيْدِينَا من رهائنهم، فَإِن الْكفَّار لما نقضوا عَهدهم فِي زمن مُعَاوِيَة امْتنع الْمُسلمُونَ من قَتلهمْ، وَقَالُوا: وَفَاء بغدر، خير من غدر بغدر. وَعَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إدّ الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك ". فصل (5) 255 - يجوز لآحاد الْمُسلمين أَن يُؤمنُوا آحادا من الْكفَّار؛ إِذا كَانَ الْجِهَاد لَا يتعطل بأمانهم فِي نَاحيَة كالواحد، وَالْعشرَة (89 / أ) ، وَالْمِائَة وَأهل حصن. الحديث: 254 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَلَا يَصح أَمَان نَاحيَة أَو بَلْدَة إِلَّا للْإِمَام أَو نَائِبه فِيهِ. وَيصِح الْأمان من كل مُسلم، مُكَلّف، مُخْتَار، يَسْتَوِي فِيهِ الْحر وَالْعَبْد، والغني وَالْفَقِير، وَالرجل وَالْمَرْأَة؛ لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم ". وَقَالَ لأم هانىء: " قد أجرنا من أجرت يَا أم هانىء ". وَلَا يَصح أَمَان الْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَالْمكْره عَلَيْهِ، كَمَا لَو أكْرهُوا أَسِيرًا على أَمَان لَهُم. فصل (6) 256 - يحصل الْأمان بِكُل لفظ يُفِيد مَعْنَاهُ صَرِيحًا كَانَ أَو كِنَايَة مَعَ النِّيَّة. فالصريح، قَوْله: أمنتك أَو أَنْت آمن، أَو أَنْت فِي أماني، أَو الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 أجرتك، أَو أَنْت مجار، وَلَا بَأْس عَلَيْك وَلَا خوف عَلَيْك. وَمِنْه قَول الْفَارِسِي " متوس ". وَالْكِنَايَة مَعَ النِّيَّة، قَوْله: كن كَيفَ شِئْت، أَو أَنْت على مَا تحب، أَو طب نفسا. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَا بَأْس عَلَيْك، وَلَا خوف (89 / ب) عَلَيْك كِنَايَة. وَالْإِشَارَة والرسالة سَوَاء كَانَ الرَّسُول مُسلما أَو كَافِرًا. وَلَا يتم الْأمان إِلَّا إِذا علم الْكَافِر الْأمان وَقَبله، فَإِن رده بَطل، وَلَا يتَعَدَّى الْأمان إِلَى مَا خَلفه الْكَافِر فِي دَار الْحَرْب من أهل وَمَال إِلَّا إِذا شَرط لَهُ ذَلِك، وَلَا تجوز زِيَادَة مُدَّة الْأمان على أَرْبَعَة أشهر. فصل (7) 257 - وَإِنَّمَا يَصح أَمَان الْكَافِر فِي حَال امْتِنَاعه، فَأَما بعد أسره وإثخانه فَلَا يَصح أَمَانه. الحديث: 257 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَإِذا صَحَّ الْأمان بِشُرُوطِهِ لم يجز للْإِمَام وَلَا لغيره إِبْطَاله إِلَّا إِذا استشعر من الْكَافِر خِيَانَة. وَلَا يجوز أَمَان من يتَضَرَّر الْمُسلمُونَ بأمانه كالجاسوس، وَإِذا تجسس ذمِّي لكَافِر انْتقض عَهده، وَإِن تجسس مُسلم لكفار عزّر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: يُعَاقب ويطال حَبسه. وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: ذَلِك إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام. فصل (8) 258 - إِذا دخل حَرْبِيّ إِلَى دَار الْإِسْلَام بِغَيْر أَمَان من الإِمَام أَو نَائِبه (90 / أ) أَو آحَاد الْمُسلمين جَازَ قَتله واسترقاقه، وجازا لمنّ عَلَيْهِ، والمفاداة بِهِ، كَمَا تقدم، وَيكون مَاله فَيْئا لِأَنَّهُ حصل بِغَيْر قتال، فَإِن ادّعى أَنه دخل فِي رِسَالَة كف عَنهُ إِلَى أَن يتَحَقَّق أمره. الحديث: 258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 فصل (9) 259 - إِذا اسْتَأْذن الْحَرْبِيّ فِي دُخُول دَار الْإِسْلَام وَرَأى الإِمَام الْمصلحَة فِي دُخُوله إِمَّا لتِجَارَة ينْتَفع بهَا الْمُسلمُونَ أَو رِسَالَة أَو لشَيْء يَأْخُذهُ من تِجَارَته جَازَ لَهُ ذَلِك إِلَّا مَكَّة وحرمها، فَإِنَّهُ لَا يُمكن دُخُوله إِلَيْهِ بِحَال إِلَّا إِذا أذن لَهُ حَيْثُ يجوز أَن يُقيم الْيَوْم وَالْعشرَة وَنَحْوه من الْمدَّة الْقَرِيبَة، فَإِن طلب تَطْوِيل الْمدَّة جَازَ أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْمقَام إِلَى أَرْبَعَة أشهر، وَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا. وَإِذا أَقَامَ الْمدَّة الَّتِي أذن لَهُ فِيهَا فَحكمه فِيهَا حكم أهل الذِّمَّة فِي الذب عَنهُ وَعَن مَاله وَمَا يتَعَلَّق بِهِ، وَفِي جَرَيَان أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِ. الحديث: 259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْبَاب (90 / ب) السَّادِس عشر فِي قتال أهل الْبَغي من أهل الْإِسْلَام وَمَا يجب قِتَالهمْ على الإِمَام 260 - قَالَ الله تَعَالَى {وان طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ أقتتلوا فاصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت احديهما على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغى حَتَّى تفىء إِلَى أَمر الله فَإِن فآءت فاصلحوا بَينهمَا بِالْعَدْلِ واقسطوا إِن الله يحب المقسطين} الَّذين يخالفون الإِمَام بِالْخرُوجِ عَلَيْهِ، وَترك الانقياد لَهُ، والامتناع من أَدَاء حق وَجب عَلَيْهِم، ينقسمون إِلَى: أهل الْبَغي، وَإِلَى غَيرهم. فَأهل الْبَغي: هم الخارجون عَن طَاعَة السُّلْطَان والانقياد إِلَيْهِ بِتَأْوِيل وشوكة تمنعهم. الحديث: 260 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَغَيرهم: هم الَّذين يخرجُون عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُم تَأْوِيل وَلَا شَوْكَة، أَو لَهُم شَوْكَة بِلَا تَأْوِيل أَو تَأْوِيل بِلَا شَوْكَة. وَأَحْكَام الْقسمَيْنِ مُخْتَلفَة، وَنَذْكُر ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 261 - فَإِذا خرج على الإِمَام طَائِفَة من الْمُسلمين لَهُم شوكه ومنعة، وقصدت خلعه أَو تركت الانقياد لطاعته، أَو منعت حَقًا من الْحُقُوق الْوَاجِبَة، بِتَأْوِيل أظهرته، وَلم يقدر على ردهَا إِلَى طَاعَته (91 / أ) إِلَّا بقتالها، فهم الْبُغَاة. فَيبْدَأ السُّلْطَان أَولا بمراسلتهم بِمَا ينقمونه، ويناظرهم فِيمَا يَظُنُّونَهُ، فَإِن ذكرُوا شُبْهَة أزالها بِجَوَاب يرجعُونَ إِلَيْهِ، وان شكوا مظْلمَة أزالها، فَإِن رجعُوا إِلَى طَاعَته كف عَنْهُم، وَإِن أَبَوا قَاتلهم، فَإِن تَابُوا قبلت تَوْبَتهمْ، وَترك قِتَالهمْ، وَإِن أصروا وَجب قِتَالهمْ، وَلَا يكفرون بالبغي، بل هم عصاة، ومخطئون فِيمَا تأولوه. وَأما الخارجون عَن طَاعَة الإِمَام بِتَأْوِيل من غير شَوْكَة لَهُم أَو بشوكة بِلَا تَأْوِيل بل عناداً، فَلهم حكم الْبُغَاة، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل (1) 262 - قد بَينا أَن الْبُغَاة هم الَّذين خَرجُوا عَن طَاعَة الإِمَام بِتَأْوِيل وَلَهُم شَوْكَة ومنعة، فَلَا بُد فِي صفة الْبُغَاة من شرطين: التَّأْوِيل والشوكة. فالتأويل: كَمَا تَأَول مانعوا الزَّكَاة. وَأما الشَّوْكَة والمنعة: فتتحقق بمطاع يجمع كلمتهم، وَأَن يَكُونُوا الحديث: 261 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 (91 / ب) بِحَيْثُ يحْتَاج الإِمَام فِي دِرْهَم إِلَى الطَّاعَة إِلَى بذل مَال وإعداد رجال، وَنصب قتال، ولهؤلاء أَحْكَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى تصرفاتهم، وَإِلَى كَيْفيَّة قِتَالهمْ، وَإِلَى ضَمَان إتلافاتهم، وَسَيذكر م فصل ا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فصل (2) 263 - فِي تصرفاتهم: شَهَادَة عدُول الْبُغَاة مَقْبُولَة بِنَاء على أَنهم لَا يفسقون، وَأَحْكَام قضاتهم فِي النواحي الَّتِي استولوا عَلَيْهَا نَافِذَة إِذا كَانُوا عُدُولًا، وحكموا بِالْحَقِّ وَالْعدْل. وَإِمَّا إِذا كَانَ شاهدهم فَاسِقًا لم تقبل شَهَادَته، أَو كَانَ حاكمهم يرى استحلال دِمَاء أهل الْعدْل، أَو حكم بِمَا يُخَالف نصا أَو إِجْمَاعًا أَو قِيَاسا جلياً لم ينفذ حكمه وَيجب رده. وَلَو ورد من قَاضِي الْبُغَاة على قَاضِي الْعدْل كتاب بِحكم، وَهُوَ مِمَّن ينفذ قَضَاؤُهُ جَازَ الْعَمَل بِهِ، وَالْأولَى رده. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يجوز قبُوله. الحديث: 263 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَإِن لم يعلم هَل مِمَّن ينفذ قَضَاؤُهُ أم لَا؟ فَفِي قبُوله وَالْعَمَل بِهِ: قَولَانِ: قَالَ ابْن كج: اخْتِيَار الشَّافِعِي (92 / أ) رَحمَه الله تَعَالَى، الْمَنْع. وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. ويعتد بِمَا فَعَلُوهُ من إِقَامَة الْحُدُود، وَأخذ الزكوات، وجباية الْخراج والجزية، وتفريق أرزاق المرتزقه على جندهم، فَإِذا أعَاد أهل الْعدْل إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَة لم يطالبوا بذلك من ذَلِك بل يعْتد بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوهُ مِنْهُ، فَإِن لم يعلم أهل الْعدْل بذلك وادعاه الْمَأْخُوذ مِنْهُم نظر: إِن كَانَ زَكَاة أَو حدّاً قبل قَوْله مَعَ يَمِينه. وَأَن كَانَ جِزْيَة أَو خراجاً لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 264 - أما الَّذين لَهُم تَأْوِيل بِلَا شَوْكَة، أَو لَهُم شَوْكَة بِلَا تَأْوِيل فَلَا ينفذ قَضَاء قاضيهم، وَلَا يعْتد باستيفائهم الْحُدُود، والحقوق. وَقيل: يعْتد بذلك من أَصْحَاب الشَّوْكَة كَيْلا يتَضَرَّر أهل تِلْكَ النَّاحِيَة بِتَعَدُّد أَخذ ذَلِك مِنْهُم. فصل (3) 265 - أما كَيْفيَّة قِتَالهمْ: فَإِن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ ردهم إِلَى الطَّاعَة وَدفع شرهم، فَإِذا أمكن (92 / ب) بِوَجْه لم يعدل إِلَى أَشد مِنْهُ مهما أمكن ردهم، فَإِن أصروا قَاتلهم، وان اسْتمْهلُوا مُدَّة وَظهر للْإِمَام أَن قصدهم النّظر والمشاورة فِي الطَّاعَة أمهلهم، وان ظهر أَن عزمهم الِاجْتِمَاع وانتظار مدد لَهُم لم ينظرهم، وَمَتى أمكن ردهم بأسر لم يقتل، وَإِذا أمكن بِجرح لم يثخن، وَإِذا أمكن بإثخان لم يذفف، فَإِن لم يكن إِلَّا بالتحام الْقِتَال واشتداد الْحَرْب فقد خرج الْأَمر عَن الضَّبْط، وَلَا يتبع فِي الْحَرْب مدبرهم، وَلَا يذفف على جريحهم، وَلَا يُقَاتل من ألْقى سلاحه وَترك الْقِتَال. الحديث: 264 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَكَذَلِكَ إِذا انهزم جندهم وَتَفَرَّقُوا، وَبَطلَت شوكتهم، وَزَالَ اتِّفَاقهم. وَلَو ولوا ظُهُورهمْ وهم مجتمعون تَحت راية زعيمهم اتبعناهم، وَلم نكف عَنْهُم حَتَّى يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة، وَلَو تخلف أحدهم لضَعْفه لم نَقْتُلهُ وَلَا نتتبعه، وَمن ولى مِنْهُم متحرفا لقِتَال أَو متحيزاً إِلَى فِئَة قريبَة اتبع وقوتل، وَإِن كَانَت الفئة (93 / أ) بعيدَة لم يتبع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتبعُون، وَيقْتلُونَ، وَلَا يقتل أسيرهم وَلَا مثخنهم، وَجوز أَبُو حنيفَة قَتلهمَا صبرا. 266 - وَمن أسر مِنْهُم من الْمُقَاتلَة حبس إِلَى انْقِضَاء الْحَرْب، وتتفرق جموعهم، وتؤمن غائلة اجْتِمَاعهم، إِلَّا أَن يرجع إِلَى طَاعَة الإِمَام. وَمن أسر من نِسَائِهِم، وصبيانهم، وعبيدهم حبسوا إِلَى انْقِضَاء الْحَرْب ثمَّ يطلقون. وَقيل: إِن كَانَ حَبسهم يردهم إِلَى الطَّاعَة وَاتِّبَاع الْحق لم يطلقوا حَتَّى يطيعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 267 - وَإِن ظفر بِشَيْء من سِلَاحهمْ لم نرده إِلَيْهِم حَتَّى تَنْقَضِي الْحَرْب، ونأمن من غائلتهم بتفرقهم أَو عودهم إِلَى الطَّاعَة، وَيرد عَلَيْهِم غير آلَات الْحَرْب من الْأَمْوَال عِنْد الْقِتَال. فصل (4) 268 - وَلَا يجوز قِتَالهمْ بِمَا يعم أَثَره: كالمجانيق، وَالنَّار، وَإِطْلَاق السُّيُول الجارفة إِلَّا إِذا قاتلونا بذلك، واحتجنا إِلَى الدّفع بِمِثْلِهَا. (93 / ب) وَإِن تحَصَّنُوا فِي حصن فِيهِ رعية غير بغاة لم نرمهم بِنَار أَو منجنيق، بل نحصرهم ونضيق عَلَيْهِم. 269 - وَلَا يستعان على قِتَالهمْ بكفار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: يجوز. 270 - وَلَا بِمن يرى قَتلهمْ مُدبرين لعداوة أَو مُخَالفَة اعْتِقَاد. الحديث: 267 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 271 - وَإِن اسْتَعَانَ علينا أهل الْبَغي بِأَهْل الْحَرْب وعقدوا لَهُم ذمَّة لم تلزمنا ذمتهم، بل حكم الْحَرْبِيين بِحَالهِ فنقتلهم مُدبرين ومأسورين، ونسترق أَوْلَادهم، ونغنم أَمْوَالهم. 272 - وان استعانوا بِأَهْل الذِّمَّة فأطاعوهم غير مكرهين لَهُم فحكمهم حكم الْبُغَاة. فصل (5) 273 - لَا يضمن الْعَادِل مَا يتلفه على الْبَاغِي حَال الْقِتَال من نفس أومال، وَكَذَا مَا يتلفه الْبَاغِي إِذا كَانَ بِسَبَب الْقِتَال وَمن ضَرُورَته. وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد رَحِمهم الله تَعَالَى. 274 - أما فِي غير الْقِتَال فمضمون (94 / أ) عَلَيْهِمَا. وَمَا لَيْسَ من ضَرُورَة الْقِتَال مَضْمُون على الْبَاغِي خَاصَّة. وَلَو استولى بَاغ على أمة أَو مُسْتَوْلدَة فَوَطِئَهَا وَجب عَلَيْهِ الْحَد، فَإِن الحديث: 271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 كَانَت مُكْرَهَة وَجب الْمهْر أَيْضا، فَإِن أولدها، فَالْوَلَد رَقِيق لصَاحب الْجَارِيَة. فصل (6) 275 - وَلَو اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ باغيتان على الإِمَام لم يعن أحداهما على الْأُخْرَى إِلَّا إِذا رجعت إِلَى طَاعَته، وَإِذا أَمن عَادل بَاغِيا نفذ أَمَانه. وَلَو اقْتتلَتْ طَائِفَتَانِ فِي طلب رياسة أَو نهب مَال أَو غصبه من غير خُرُوج على الإِمَام فهما ظالمتان، وعَلى كل وَاحِدَة ضَمَان مَا تتلفه على الْأُخْرَى من نفس وَمَال. الحديث: 275 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الْبَاب السَّابِع عشر فِي (94 / ب) عقد الذِّمَّة وَأَحْكَامه أَو مَا يجب بالتزامه 276 - قَالَ الله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} لَا يَصح عقد الذِّمَّة إِلَّا من الإِمَام أَو نَائِبه فِي ذَلِك، وَيجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِلَيْهِ؛ إِلَّا أَن يكون الطَّالِب لَهُ مِمَّن يخَاف مكره أَو تجسسه للْكفَّار. وتعقد الذِّمَّة لمن لَهُ كتاب: كاليهود، وَالنَّصَارَى، أَو لمن لَهُ شُبْهَة الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 كتاب: كالمجوس، وتعقد للصابئة، والسامرة إِن وافقوا أهل الْكتاب فِي العقائد. وَلَا تعقد الذِّمَّة لعبدة الْأَوْثَان، وَلَا لمرتد عَن الْإِسْلَام، وَلَا لمن دخل فِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية بعد النّسخ والتبديل. وتعقد لمن أحد أَبَوَيْهِ كتابيّ فِي الْأَصَح. وَقيل: إِن كَانَ أَبوهُ وثنيّاً لم تعقد لَهُ. 277 - وَصُورَة عقد الْجِزْيَة، أَن يَقُول الإِمَام أَو نَائِبه: أقررتكم أَو أَذِنت لكم فِي الْإِقَامَة فِي دَار الْإِسْلَام على أَن تبذلوا الْجِزْيَة وتنقادوا لأحكام الْإِسْلَام. وَلَا بُد من لفظ مِنْهُم يدل على قبُول ذَلِك، فَإِذا قبلوا (95 / أ) ذَلِك دخلُوا فِي عقد الذِّمَّة، وَلَا يَصح عقد الذِّمَّة مؤقتاً. الحديث: 277 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فصل (1) 278 - أقل الْجِزْيَة دِينَار خَالص أَو قِيمَته فِي كل سنة، وَلَا يجوز أَن ينقص عَنهُ، وَيسْتَحب أَن يُؤْخَذ من الْغَنِيّ أَرْبَعَة دَنَانِير، وَمن الْمُتَوَسّط دِينَارَانِ، وَمن الْفَقِير دِينَار، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وان شَرط أَكثر من أَرْبَعَة دَنَانِير جَازَ، وَمنعه مَالك. وَأما أقل من دِينَار فَلَا. وَاعْتِبَار الْغنى فِي حَال الاداء، لَا فِي حَال العقد. وَيجب أَخذ الْجِزْيَة فِي آخر الْحول، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: فِي أول الْحول. الحديث: 278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 279 - إِذا أسلم الذِّمِّيّ أَو مَاتَ بعد السّنة أَو فِي أَثْنَائِهَا لم تسْقط جِزْيَة مَا مضى، وَلَو لم يُعْط الْجِزْيَة سِنِين أَخذ مِنْهُ الْجَمِيع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رَحمهَا الله تَعَالَى: تسْقط. وَيقدم أجزية الْمَيِّت على الْوَصَايَا (95 / ب) وَالْمِيرَاث كَسَائِر الدُّيُون. وَتُؤْخَذ الأجزية فِي آخر الْحول بِرِفْق كَسَائِر الدُّيُون. وَقيل: بل تُؤْخَذ على وَجه الإهانة وَالصغَار. فصل (3) 280 - لَو سَأَلَ من يقر بالجزية أَن تُؤْخَذ مِنْهُ باسم الصَّدَقَة لَا باسم الْجِزْيَة، فللإمام أَن يجِيبه إِلَى ذَلِك بِشَرْط تضعيفها بِمِثْلِهَا، فَيُؤْخَذ من الْمِائَتَيْنِ عشرَة دَرَاهِم، وَمن مائَة دِينَار خَمْسَة دَنَانِير، وَمن الْألف خمسين، وَكَذَلِكَ فِي الْمَوَاشِي؛ لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أجَاب نَصَارَى الْعَرَب إِلَى ذَلِك وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة عَلَيْهِ. الحديث: 279 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فصل (4) 281 - إِذا عقد السُّلْطَان الذِّمَّة مَعَ قوم كتبت أَسمَاؤُهُم، وحلاهم، وأسنانهم وأديانهم، وَيجْعَل على كل طَائِفَة مِنْهُم عريفاً يضبطهم، ويعرّف بِمن مَاتَ مِنْهُم أَو أسلم أَو غَابَ أَو قدم أَو بلغ، ويحصرهم عِنْد أَدَاء الْجِزْيَة. فصل (5) 282 - لَا جِزْيَة على صبي، وَلَا رَقِيق أَو من بعضه رَقِيق، وَلَا امْرَأَة، وَلَا خُنْثَى، وَلَا على مَجْنُون مطبق، وَمن بلغ من أطفالهم عقد مَعَه الذِّمَّة إِن شَاءَ. وَقيل: يُؤْخَذ مِنْهُ مثل جِزْيَة أَبِيه. 283 - وَمن يَنْقَطِع جُنُونه تلفق لَهُ أَيَّام الْإِفَاقَة، فَإِذا بلغت سنة أخذت (96 / أ) جزيتهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُرَاعى الْأَكْثَر، فَإِن كَانَ جُنُونه أَكثر من إِفَاقَته سَقَطت الْجِزْيَة، وَإِن كَانَت إِفَاقَته أَكثر وحبت. الحديث: 281 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 284 - وَتجب الْجِزْيَة على الزَّمن، وَالْأَعْمَى، والراهب، وَالشَّيْخ الفاني، وَالْفَقِير الْعَاجِز على الْكسْب، وَمن كَانَ من هَؤُلَاءِ مُعسرا عَنْهَا أمْهل عَلَيْهِ إِلَى حِين ميسرته ثمَّ يُطَالب بِالْجَمِيعِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد - رَحِمهم الله تَعَالَى - لَا جِزْيَة عَلَيْهِ فِي حَال عَجزه. فصل (6) 285 - إِن صَحَّ عقد الْجِزْيَة، فَلهم علينا الْكَفّ عَن أنفسهم وَأَمْوَالهمْ ومعابدهم الَّتِي يجوز بَقَاؤُهَا لَهُم، وَعَن خمورهم مَا لم يظهروها، فَإِن أظهروها أرقناها وَلَا ضَمَان فِيهَا. وعلينا دفع من قصدهم بِسوء من الْمُسلمين وَغَيرهم إِذا كَانُوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام، فَإِن سكنوا دَار الْحَرْب لم يجب الدّفع عَنْهُم. فصل (7) 286 - فِيمَا يلْزمهُم بِعقد الذِّمَّة (96 / ب) : وَهُوَ مَا كتبه عمر بن الْخطاب رَضِي عَنهُ على نَصَارَى الشَّام لما فَتحه، وَهُوَ: الحديث: 284 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أَنهم يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون، وَأَن يلتزموا بِأَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِم: من حد الزَّانِي، والقاذف، وَالسَّارِق، وتضمين الْغَاصِب وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام، وان لَا يمنعوا أحدا من الْمُسلمين الْمُسَافِرين من النُّزُول فِي كنائسهم، وَأَن يطعموهم الطَّعَام، ويضيفوهم ثَلَاثًا، ويوسعوا لَهُم ولدوابهم أَبْوَاب الْكَنَائِس، وَلَا يضْربُوا فِيهَا النواقيس إِلَّا ضربا خفِيا، وَلَا يرفعوا فِيهَا أَصْوَاتهم بِالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاة بِحَيْثُ يسمعهم الْمُسلمُونَ، وَلَا يجتمعوا فِيمَا كَانَ مِنْهَا من خطط الْمُسلمين، وَلَا يحدثوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام ديراً، وَلَا كَنِيسَة، وَلَا قلاية، وَلَا صومعة رَاهِب، وَلَا يجددوا مَا خرب مِنْهَا، وَلَا يأووا فِيهَا، وَلَا فِي شَيْء من مَنَازِلهمْ (97 / أ) جاسوساً لعدو الْمُسلمين، وَلَا يظهروا شركا، وَلَا يدعوا إِلَيْهِ، وَلَا يظهروا صليباً على كنائسهم، وَلَا فِي شَيْء من طرق الْمُسلمين وأسواقهم، وَلَا كتابا من كتبهمْ، وَلَا يتعلموا الْقُرْآن، وَلَا يعلموه أَوْلَادهم، وَلَا يمنعوا أحدا مِنْهُم، أَو من غَيرهم، من الدُّخُول فِي الْإِسْلَام إِذا أَرَادَهُ، وان يوقروا الْمُسلمين، ويقوموا لَهُم من مجَالِسهمْ، ويعظموهم، ويرشدوهم فِي سبلهم وطرقاتهم، وَلَا يطلعوا فِي مَنَازِلهمْ، وَلَا يتشبهوا بِالْمُسْلِمين فِي هيئاتهم أَو ملابسهم فِي قلنسوة أَو عِمَامَة، وَلَا سَرَاوِيل، وَلَا نَعْلَيْنِ، وَلَا فرق شعر، وَلَا يتكلموا بكلامهم، وَلَا يكتبوا بِكِتَابِهِمْ، وَلَا ينقشوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 خواتمهم بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يركبُوا الْخَيل بالسروج، وَلَا يتقلدوا بِالسُّيُوفِ، وَلَا يتخدوا شَيْئا من السِّلَاح، وَلَا يحملوه مَعَهم فِي حضر، وَلَا سفر، وَلَا يبيعوا الْخُمُور وَلَا يظهروا (97 / ب) شعانين وَلَا باعوثا، وَلَا يجاوروا الْمُسلمين بالخنازير، وَلَا يظهروا مَعَ موتاهم نَارا فِي طَرِيق الْمُسلمين، وَلَا يرفعوا أَصْوَاتهم فِي جنائزهم، ويكشفوا وُجُوه موتاهم، وَلَا يجاوروا بموتاهم موتى الْمُسلمين، وَلَا يكتموا أَمر من غش الْمُسلمين، وَلَا يتخذوا من الرَّقِيق مَا جرت عَلَيْهِ سِهَام الْمُسلمين، وان يجزّوا مقادم رؤوسهم ويلغوا نواصيهم، ويشدوا الزنانير فِي أوساطهم، وَلَا يمشوا إِلَّا بزنار، ويلزموا زيهم حَيْثُ كَانُوا، وَلَا يضْربُوا أحدا من الْمُسلمين، وَلَا يرغّبوا أحدا فِي دينهم، وَلَا يدعوا إِلَيْهِ أحدا، وَلَا يُشَارك أحد مِنْهُم مُسلما فِي تِجَارَة إِلَّا أَن يكون أَمر التِّجَارَة إِلَى الْمُسلم، وَلَا يشتروا من سبينَا شَيْئا، وَمن ضرب مُسلما فقد خلع عَهده، وَمَتى غيروا شَيْئا من ذَلِك أَو خالفوا مَا شرطوه على أنفسهم وقبلوا الْأمان عَلَيْهِ فَلَا ذمَّة، وَحل مِنْهُم مَا يحل من أهل المعاندة (98 / أ) والشقاق. وَهَذَا مَضْمُون كتاب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي بعضه مَا فِيهِ من اخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة الْأَعْلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فصل (8) 287 - فِي حكم مساكنهم وكنائسهم ومراكبهم: يمْنَعُونَ من رفع الْبناء على بِنَاء جيرانهم الْمُسلمين، وَهُوَ حق الدّين فَلَا يسْقط بِرِضا الْجَار، وَيمْنَعُونَ من الْمُسَاوَاة أَيْضا، وَإِذا كَانَ بِنَاء الْجَار الْمُسلم فِي غَايَة الْقصر، فَإِن تملكوا دَارا عالية أقرُّوا عَلَيْهَا، فَإِن انْهَدَمت منع من رَفعهَا، والمساواة كَمَا لَو ابتدأه. 288 - وَلَيْسَ لَهُم أَحْدَاث كَنِيسَة أَو دير أَو صومعة فِي بِلَاد أحدثها الْمُسلمُونَ: كالقاهرة، وَالْبَصْرَة، والكوفة. وَلَا فِي بلد أسلم أَهلهَا: كالمدينة النَّبَوِيَّة، واليمن. وَلَا فِي بلد فتحهَا الْمُسلمُونَ عنْوَة: كمصر، وبر الشَّام، وَبَعض بِلَاده حرسهما الله تَعَالَى. الحديث: 287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فَكل مَا أحدث من الْكَنَائِس فِي هَذَا (98 / ب) النَّوْع من الْبِلَاد وَجب هَدمه. وَأما الْكَنَائِس الْقَدِيمَة قبل الْإِسْلَام، فَإِن كَانَت فِي بلد فتح عنْوَة: كمصر، وبر الشَّام وَبَعض بِلَاده، وَجب هدمها. وَإِن كَانَت فِي بِلَاد فتحت صلحا، وشرطوا فِي صلحهم بَقَاء الْكَنَائِس بقيت، وَقد ذكرت فِيمَا بعد أَسمَاء الْبِلَاد الَّتِي فتحت صلحا وعنوة فِي الْبَاب الثَّالِث عشر، وكل كَنِيسَة جَازَ إبقاؤها فَقيل: يمْنَعُونَ من ترميم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 مَا استهدم مِنْهَا. وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِي قَول، وَقيل: لَا يمْنَعُونَ مِنْهُ، وَهُوَ قَول آخر للشَّافِعِيّ. وَحَيْثُ يجوز ترميمه، فَقيل: يجب إخفاؤه وبناؤه لَيْلًا وداخل الْحَائِط. وَقيل: لَا يجب، وَلَا يجوز توسيعه، وَإِن قل الْمِقْدَار قطعا. 289 - وَيمْنَعُونَ من ركُوب الْخَيل، وَقيل: من البغال النفيسة، وَلَا يركبون بالسروج، وَركب الْحَدِيد، بل على البراذع عرضا (99 / أ) بِجعْل الرجلَيْن فِي جَانب وَاحِد، وَيكون الركب إِن احتاجوا إِلَيْهَا من خشب، ويلجأون إِلَى أضيق الطّرق مَا لم يقعوا فِي وهدة أَو صدمة، وَترك صُدُور الطّرق للْمُسلمين. فصل (9) 290 - فِي كف ألسنتهم وافعالهم: وَعَلَيْهِم كف اللِّسَان عَن ذكر الله تَعَالَى وَالْقُرْآن، وَالْإِسْلَام بِمَا لَا يجوز. وَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط ذَلِك عَلَيْهِم فِي عقد الذِّمَّة، وَإِن من يذكر الله تَعَالَى وَرَسُوله بِمَا لَا يَنْبَغِي: انْتقض عَهده وَحل دَمه. وَسَنذكر مَا ينْقض بِهِ عَهدهم وَالْخلاف فِيهِ إِن شَاءَ الحديث: 289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الله تَعَالَى، وَعَلَيْهِم أَن لَا يسمعوا الْمُسلمين شركهم أَو صلَاتهم أَو قراءتهم أَو معتقداتهم فِي الْمَسِيح وعزير، وَعَلَيْهِم الْكَفّ عَن التَّعَرُّض لحريم الْمُسلمين وَمَا فِيهِ أذاهم. فصل (10) 291 - فِي الغيار: وَعَلَيْهِم أَن يتميزوا عَن الْمُسلمين فِي اللبَاس بالغيار على ثِيَابهمْ الظَّاهِرَة والعمائم والقلانس، وَالْأولَى باليهود الْأَصْفَر، وبالنصارى الْأَزْرَق، وبالمجوس الْأسود أَو الْأَحْمَر، وَشد الزنار بِحَبل خَارج الثِّيَاب لَا بمنديل أَو منْطقَة، وتشد الْمَرْأَة الزنار بصوف الثِّيَاب، وَيكون أحد طرفيها أسود وَالْآخر أَحْمَر. وَإِذا دخلُوا الْحمام جعلُوا عَلَيْهِم جلاجل أَو فِي أَعْنَاقهم خَوَاتِم من حَدِيد أَو رصاص. الحديث: 291 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وَقيل: تمنع نِسَاؤُهُم من الحمامات مَعَ المسلمات، وتجز نواصيهن ويمنعن من إرْسَال الضفائر. فصل (11) 292 - وَيمْنَعُونَ من الْمقَام بالحجاز: وَهُوَ مَكَّة، وَالْمَدينَة، واليمامة، والطائف، وخيبر، وَجدّة، ومخاليفها وَهِي قراها. وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى، فَإِن مر لتِجَارَة لم يقم أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام. وَلَا يُمكن أحد من الْكفَّار دُخُول حرم مَكَّة بِحَال، وحدوده مَعْرُوفَة مَشْهُورَة، فَإِن جَاءَ كَافِر برسالة إِلَى ولي الْأَمر أَو بِأَمْر مُهِمّ، وَكَانَ السُّلْطَان فِي الْحرم، خرج إِلَيْهِ إِلَى الْحل، أَو بعث من يسمع رسَالَته الحديث: 292 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وَكَلَامه، وَلَا يدْخلُونَ سَائِر الْمَسَاجِد إِلَّا بِإِذن الْمُسلمين لحَاجَة لَهُ أَو للْمُسلمِ لَا لنوم أَو أكل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: يجوز من غير إِذن. وَقَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى: لَا يجوز لَهُم دُخُول الْمَسَاجِد بِحَال. فصل (12) 293 - لَا يصدرون فِي الْمجَالِس وَلَا يوادون، وَلَا يبدأون بِالسَّلَامِ، فَإِذا سلمُوا، قُلْنَا: و " عَلَيْكُم "، وَلَا يوقرون، وَلَا يجلس أحدهم فَوق مُسلم، وَلَا يرفع صَوته عَلَيْهِ، وَلَا يسْقِيه خمرًا، وَلَا يعرضه عَلَيْهِ، وَلَا يجِيبه إِذا طلبه. وَلَا يسْتَأْجر الْمُسلم فِي مذلة الْأَعْمَال. فصل (13) فِيمَا ينْقض بِهِ عَهدهم 294 - إِذا امْتنع الذِّمِّيّ: من أَدَاء الْجِزْيَة، والتزام أَحْكَام الْملَّة، أَو قاتلنا، انتفض عَهده بِأحد هَذِه الثَّلَاثَة، سَوَاء شَرط عَلَيْهِ ذَلِك أَو لم الحديث: 293 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 يشرط، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا ينْتَقض إِلَّا إِذا كَانَت لَهُ مَنْعَة أَو لَحِقُوا بدار الْحَرْب. وَإِن ذكر الله تَعَالَى أَو رَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَو دين الْإِسْلَام أَو الْقُرْآن بِمَا لَا يجوز، قَالَ مَالك وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى: ينْتَقض، وَبِه قطع بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَقَالَ بَعضهم: إِن شَرط عَلَيْهِ الْكَفّ عَنهُ أَو النَّقْض انْتقض عَهده وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْتَقض إِلَّا أَن يكون لَهُم مَنْعَة، أَو يلْحقُوا بدار الْحَرْب، أَو إِن فعل مَا فِيهِ ضَرَر على الْمُسلمين أَو خَانَهُمْ فِي نفس أَو مَال، وَهِي سَبْعَة أَشْيَاء: بِأَن يَزْنِي بِمسلمَة أَو أَصَابَهَا بِنِكَاح، أَو فتن مُسلما عَن دينه، أَو قطع عَلَيْهِ الطَّرِيق، أَو آوى جاسوساً للْكفَّار، أَو دلّ على عَورَة للْمُسلمين، أَو قتل مُسلما. فَالْأَصَحّ: أَنه إِن شَرط عَلَيْهِ الْكَفّ، والنقض بِهِ انْتقض، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى: ينْتَقض مُطلقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: ينْتَقض إِلَّا بزنى الْمسلمَة ونكاحها وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا ينْتَقض بِشَيْء من جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ إِلَّا أَن يكون لَهُم مَنْعَة أَو يلْحقُوا بدار الْحَرْب. وَسَوَاء قُلْنَا فِي جَمِيع ذَلِك: ينْتَقض أَو لَا ينْتَقض، فَلَا بُد من حَدهمْ وتعزيرهم ثمَّ يجْرِي عَلَيْهِم النَّقْض إِن نقضناه. فصل (14) 295 - وَلَا ينْتَقض الْعَهْد بِمَا منعُوا مِنْهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ضَرَر على الْمُسلمين: كَتَرْكِ الغيار، وَإِظْهَار الْخمر، وَمَا يعتقدونه فِي الْمَسِيح وعزير وكبناء كَنِيسَة، وَرفع بنائهم على الْمُسلمين، وركوب الْخَيل وَرفع أَصْوَاتهم فِي قراءتهم وَشبه ذَلِك، بل يعزرون عَلَيْهِ. وَقيل: إِن شَرط النَّقْض بِهِ انْتقض وَإِلَّا فَلَا ينْتَقض، بل يعزرون، وَحَيْثُ حكم بِنَقْض الْعَهْد قتل إِذا قدر عَلَيْهِ. وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى. الحديث: 295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263