الكتاب: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر المؤلف: محمد خليل بن علي بن محمد بن محمد مراد الحسيني، أبو الفضل (المتوفى: 1206هـ) الناشر: دار البشائر الإسلامية، دار ابن حزم الطبعة: الثالثة، 1408 هـ - 1988 م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر محمد خليل المرادي الكتاب: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر المؤلف: محمد خليل بن علي بن محمد بن محمد مراد الحسيني، أبو الفضل (المتوفى: 1206هـ) الناشر: دار البشائر الإسلامية، دار ابن حزم الطبعة: الثالثة، 1408 هـ - 1988 م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء الأول كتاب سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر تأليف الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي المفتي بدمشق الشام تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصبحه وعزته آمين. مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم يا من خلق الخلائق وابدع الطرائق وأظهر هذا العالم وجمل هذا الوجود بإيجاد بني آدم أحمدك اللهم وأنت أهل للمحامد على أفضالك المتوالي الترائد وأشكرك أن خلقت الأوصاف العالية والمناقب الغالية ونسبتها لمن اخترته من عبيدك وأوليته من آلائك ومزيدك فضلاً منك وكرماً يقصر عن وصفهما السن الجهابذة العلماء وأصلي وأسلم على نبيك الأعظم ورسولك الأفخر الأفخم سيد العالمين والمرسل إلى كافة الناس أجمعين المنزل عليه في الكتاب المبين وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما تثبت به فؤادك وجاءك في هذا الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وكان صلى الله عليه وسلم وزاده فضلاً وشرفاً ورفعة لديه كثيراً ما يذكر لاصحابه أخبار من مضى من الأمم ليسلكوا بذلك الطريقة المثلى والطريق الأمم فنتوجه اللهم إليك به أذهو الوسيلة العظمى لمن استمسك بسببه أن تصلي عليه وتسلم صلاة وسلاماً يليقان برفيع جنابه الأقدس ويناسبان رفعة مقامه الأنفس وعلى آله وأصحابه واتباعه وأحزابه الذين هم خير الناس بعده وأقرب المقربين عنده الذين به حووا أشرف المناقب وعلوا بالأنتساب إليه أرفع المراتب فتتوجت بذكرهم التراجم والتواريخ وصار ميزان اعتدال صفتهم في المقام المليح أشرف الضوء اللامع من كواكبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 السائرة وبدت دررهم الكامنة تتحلى منهم بالبدور السافرة عد اللهم عليه وعليهم بجميع تحياتك وسائر تسليماتك ابد الآبدين ودهر الداهرين ما تحركت الأقلام بنشر فضائل الأئمة أو جالت البنان في ذكر الماضين من الأمة أما بعد فيقول سيدنا ومولانا العلامة وسندنا وعمدتنا الفهامة شيخ مشايخ الاسلام حلال مشكلات الأنام عمدة الخاص والعام جامع أشتات المعارف والفهوم والمحلى جيد المنطوق بحلى المفهوم السيد الشريف والسند الغطريف الأديب الشاعر والناظم الناثر صدر الدنيا والدين أبو الفضل السيد محمد خليل أفندي ابن المرحوم السيد علي أفندي الاستاذ القلب بهاء الدين محمد أفندي المرادي البخاري الدمشقي النقشبندي مفتي السادة الحنفية بدمشق المحمية لا زال غدق الرحمة حافاً بمرقده الشريف وكامل الرضوان محيطاً بضريحه المنيف إني لم أزل منذ أميطت عني التمئم ونيطت بي العمائم شغفا بمطالعة أخبار الأخيار مولعاً بجمع آثار الفضلاء من نظام ونثار مكباً على الكتب التاريخية منهمكاً في جمع الدوأوين الاخبارية تدعوني إلى ذلك غيرة الفضل كل أونة ويحثني عليه حمية الأدب فنطرد عن عيوني عيون السنة فكنت أصرف في عكاظ المطارحات ذلك نقد عمري وأخباء درر الآثار في خزائن فكري علماً مني بأن علم التاريخ والأخبار ونقل المناقب وحفظ الآثار أمر مهم عظيم وشيء خطره جسيم طالما صرف فيه المحدثون أوقاتهم وحلوا بزينته ساعاتهم وضربوا فيه آباط الابل للبلاد النائية وتحملوا في جمعه المشاق للأماكن القاصية وقد ألف فيه الكبار من العلماء المؤلفات العديمة المثل لان العمدة في نقل أصول الدين على الجرح والتعديل وقد ورد فيه ما يحث كل طالب على طلبه ويحرض كل راغب على مطالعة كتبه من ذلك ما قصد الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم والكلام القديم من ذكر الرسل والأنبياء والسادة النبلاء الأنقياء وما وقع لهم مع أممهم وما أبدوه من حلمهم وحكمهم وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله انزلوا بالناس منازلهم وقوله في كل قرن من أمتي سابقون رواه الترمذي في جامعه المصون وقوله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره رواه الحافظ القاسم الطبراني في معجمه الكبير وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحدث أصحابه بقصص وأخبار عمن مضى ويحمض صلى الله عليه وسلم بذلك حتى لا يعتري الكلال ما في همتهم من المضا وكلمات السلف والخلف في ذلك أشهر من الشمس والنبراس وأكثر من أن تحصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أو تحصر بقياس من ذلك ما ذكره العلامة أبو حيان في وصيته لأولاده بقوله وعليكم بمطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلاً جديداً ولله در القاضي ناصح الدين الأرجاني حيث يقول إذا عرف الإنسان أحوال من مضى ... توهمته قد عاش من أول الدهر وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشران أبقى الجميل من الذكر فقد عاش كل الدهر من كان عالماً ... كريماً حليماً فاغتنم أطول العمر وقد لخص هذه الأبيات شيخ الاسلام البدر محمد ابن الغزي العامري بقوله ومن عرف التاريخ أخبار من مضى ... وخلف علماً أو جميلاً من الذكر كمن عاش كل الدهر بالعز فاغتنم ... بعلم وجود في الدنا أطول العمر ثم رأيت للارجاني أيضاً قوله بالفكر في الأمم الماضين تحسبه ... كأنما عاش فيهم تلكم المددا والذكر في الأمم الماضين ضيره ... كأنما هو موجود وما فقدا فليس الأعلى ذا الوجه أن نظروا ... يصح معنى لقول المرء عش أبدا ولما كان هذا العلم بهذه المثابة العظمى والمنزلة الرفيعة العليا ولم أر من ترجم أهل قرن الثاني عشر من هجرة خير البشر مع ما انطووا عليه من الفضائل وحووه من شرف الشيم وشريف الشمائل عن لي أن أسلك هاتيك المسالك وأكون في سبيل المؤرخين سالك فجمعت هذا التاريخ اللطيف الكامل في التعريف بحال الشخص والتوصيف واجتمع عندي جملة من الرحلات والأثبات والتراجم مع كثرة التنقير والتفحص الكثير والأخذ من الأفواه شفاها وبالمكاتبات إلى البلدان التي كنت لست أراها فكان عندي رحلة الوجيه عبد الرحمن بن محمد الذهبي ورحلة مؤرخ مكة الشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي والنفحة للأمين المحبي وذيلها للشمس محمد المحمودي وثبت العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المسمى لطائف المنة وتذكرته الأدبية ورحلة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الكبرى والصغرى الحجازية والقدسية وغير ذلك من المشيخات والمعاجم والأثبات مما يحتج به فلا يحتاج إلى برهان واثبات وحين تم جمع درره وتفويف حبره سمينه أخبار الاعصار في أخيار الأمصار ويليق أيضاً أن يسمى سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر والله اسأل فيه الحفظ عن الخطأ والخطل والتوفيق للصواب في القول والعمل أنه على ما يشاء قدير وبإجابة سائله حقيق وجدير وقد رتبته على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 حروف المعجم ليسهل منه ما خفى واستعجم فأقول وبالله الاعانة على بلوغ المأمول حرف الهمزة إبراهيم الخلوتي إبراهيم بن أيوب بن أحمد بن أيوب الخلوتي الشافعي الدمشقي الاستاذ الصالح الورع التقي المعتقد العابد ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين وألف ونشأ بها في كنف والده الاستاذ الآتي ذكره في ترجمة أخي المترجم أبي الصفا وأخذ عنه الطريق وعن العارف السيد غازي الحلبي الخلوتي المشهور خليفة الشيخ اخلاص وجلس على سجادة المشيخة وبايع واشتهر وعقد الاختلاء في جامع المرادية بدمشق وكان شيخاً موقراً محترماً جليلاً حسن الصوت صاحب ثروة وعليه تولية وتدريس المدرسة الحافظية وفي آخر أمره كبر سنه لكونه هو أكبر إخوته وتعب من معالجة الناس والدهر فأجلس مكانه أخاه الشيخ أبا السعود الآتي ذكره وفي وصية والده لأولاده يقول له يا إبراهيم افش لاخوانك السلام وأنت أبو البركات وكأنت وفاته في يوم الأحد حادي عشر محرم الحرام افتتاح سن خمس عشرة ومائة وألف ودفن بالتربة الشرقية من مرج الدحداح عند والده وسيأتي ذكر إخوته أبي الصفا وأبي المسعود وأبي الأسعار وإسماعيل في محلاتهم إنشاء الله تعالى إبراهيم الكوراني إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشهراني الشافعي نزيل المدينة للنورة الشيخ الإمام العالم العلامة خاتم المحققين عمدة المسند بن العارف بالله تعالى صاحب المؤلفات العديدة الصوفي النقشبندي المحقق المدقق الأثري المسند النسابة أبو الوقت برهان الدين ولد في شوال سنة خمس وعشرين والف وطلب العم بنفسه ورحل إلى المدينة المنورة وتوطنها وأخذ بها عن جماعة من صدور العلماء كالصفي أحمد بن محمد القشاشي والعارف أبي المواهب أحمد ابن علي الشنأوي وملا محمد شريف بن يوسف الكوراني والاستاذ عبد الكريم بن أبي بكر الحسيني الكوراني وأخذ بدمشق عن الحافظ النجم محمد بن محمد العامري الغزي وبمصر عن أبي العزايم سلطان بن أحمد المزاحي ومحمد بن علاء الدين البابلي والتقى عبد الباقي الحنبلي وغيرهم واشتهر ذكره وعلا قدره وهرعت إليه الطالبون من البلدان القاصية للأخذ والتلقي عنه ودرس بالمسجد الشريف النبوي وألف مؤلفات نافعة عديدة منها تكميل التعريف لكتاب في التصريف وحاشية شرح الأندلسية للقصيري وشرح العوامل الجرجانية والنبراس لكشف الالتباس الواقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 في الاساس وجواب العتيد لمسئلة أول واجب ومسئلة التقاليد وضياء المصباح في شرح بهجة الأرواح وجواب سؤالات عن قول تقبل الله والمصافحة تقبل الله تعالى والمتمة للمسئلة المهمة وذيلها والقول الجلي في تحقيق قول الإمام زين الدين بن علي وتحقيق التوفيق بين كلامي أهل الكلام وأهل الطريق وقصد السبيل إلى توحيد الحق الوكيل وشرح العقيدة المسماة بالعقيدة الصحيحة والجواب المشكور عن السؤال المنظور وإشراق الشمس بتعريق الكلمات الخمس وبلغة المسير إلى توحيد العلى الكبير وعجالة ذوي الأنتباه بتحقيق اعراب لا إله إلا الله وجوابات الغرأوية عن المسائل الجأوية الجهرية والعجالة فيما كتب محمد بن محمد القلعي سؤاله والقول المبين في مسئلة التكوين وأنباه الانباه على تحقيق اعراب لا إله إلا الله وافاضة العلام بتحقيق مسئلة الكلام والالماع المحيط بتحقيق الكسب الوسط بين طرفي الافراط والتفريط واتحاف الزكى بشرح التحفة المرسلة إلى النبي ومسالك الابرار إلى أحاديث النبي المختار ومسلك السداد إلى مسئلة خلق أفعال العباد والمسلك الجلي في حكم سطح الولي وحسن الأوبة في حكم ضرب النوبة واتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف وغير ذلك من المؤلفات التي تنوف عن المائة وكان جبلاً من جبال العلم بحراً من بحور العرفان توفي يوم الأربعاء بعد العصر ثامن عشري شهر ربيع الثاني سنة إحدى ومائة وألف بمنزلة ظاهر المدينة المنورة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى إبراهيم الصالحاني أمين الفتوى إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الغزي المولد والمنشأ الحنفي الشهير بالصالحاني الشيخ الفقيه الفرضي الفلكي الموقت أبو إسحق برهان الدين ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف ورحل إلى القاهرة وأخذ بها عن حسن المقدسي وأبي السعود الحنفي وسليمان المنصوري وحسن الجبرتي وعمر الطحلأوي وغيرهم وقدم دمشق وصار بها أميناً على الفتوى وله من التآليف رسالة في الربع المقنطر وأخرى في العروض وشرح فرائض ابن الشحنة وغير ذلك توفي بدمشق سنة سبع وتسعين ومائة وألف إبراهيم بن سليمان الجينيني إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحنفي الجينيني نزيل دمشق العالم الفاضل الأديب الألمعي العلامة البارع المتقن كان فقيهاً نحريراً مفنناً مؤرخاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 حافظاً للوقائع مطلعاً على غوامض النقول جامعاً للفروع وحائزاً للاصول ولد في حدود الأربعين بعد الألف كما نقلته من خطه وقرأ القرآن وبعض رسائل مقدمات العلوم ثم رحل إلى الرملة وأنتمى فيها إلى خير الدين المفتي الحنفي وعليه تفقه وبه أنتفع ولازمه ملازمة الظل للشبح وكان هو كاتب الأسئلة الفقهية عنده وقد رتب فتأويه المشهورة ورحل في أثناء إقامته إلى دمشق مراراً ثم بعد وفاة شيخه المذكور عاد إلى دمشق واستوطنها وكتب كتباعد يده بخطه وكان له معرفة في أسماء الكتب ومؤلفيها والأسماء والألقاب والوفيات والأنساب واستحضار الفروع الفقهية والعلل الحديثية مع الفضل التام ورحل إلى مصر وأخذ فيها عن مشايخ أجلاء منهم الشيخ علي الشبراملسني والشيخ محمد البابلي وأخذ عن الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ يحيى الشنأوي المغربي والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني ومن مشايخه الشيخ محمد بن دأود العناني المصري والشيخ أحمد العجمي المصري والشيخ أبو بكر ابن الأخرم النابلسي والشيخ عبد القادر بن أحمد العفيفي الغزي وأخذ بدمشق عن الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال الدمشقي والشيخ نجم الدين الفرضي الدمشقي والشيخ رجب بن حسين الحموي الميداني نزيل دمشق ويحيى بن دأود السوبسي الهشتركي وغالب علماء تلك الطبقة وأكمل تاريخ ابن عزم وألف بعض رسائل تاريخية ولم يزل كذلك إلى أن مات وكتب إليه السيد سليمان الحموي نزيل دمشق يطلب منه عاربة الجزء الأول من كتاب الكامل للمبرد بقوله مولاي إبراهيم يا ذا العلا ... ومن هو المدعو بالفاضل تفديك روحي إنني لم أزل ... أرجوك للعأجل والأجل وإنني أصبحت في كربة ... فامنن بتفريج لها شامل وإن حظى قد غدا ناقصاً ... فارسل له جزأ من الكامل لا زلت في عز وفي سؤدد ... ما اخضل روض بالحيا الهاطل وكتب إليه السيد محمد أمين المحبي بقوله لابن عبد العزيز إبراهيما ... خصل كم بهن إبراهيما أدب يخجل الرياض ولفظ ... همت فيه وحق لي أن أهيما وكمال يهفو له كل فهم ... صيغ منه يطلب التفهيما رأيه الصبح والصباح إذا لا ... ح جلا بالضياء ليلاً بهيما وبالجملة فقد كان من محاسن دمشق توفي بها يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير وسيأتي ولده صالح والجينيني نسبة إلى جينين بلده من بلاد حارثة من أراضي الشام مولده بها والله أعلم إبراهيم بن صاري حيدر إبراهيم بن صاري حيدر الدمشقي كان رحمه الله تعالى صالحاً ديناً له فضيلة وكرم ومكارم أخلاق وكان يقرىء أولاد أعيان دمشق واللغة التركية والفارسية ويعلمهم الخط الحسن مع الصيانة والديانة والأمانة ولد في سنة اثنين وخمسين وألف وكان كثير التصديق والإحسان وغالب من قرأ عليه له فضل وخط حسن توفي في يوم الخميس ختام ذي الحجة سنة ثلاث ومائة وألف مطعوناً ودفن في باب الصغير وتأسف الناس عليه كثيراً فإنه لم يخلف مثل والصاري لفظة تركية بمعنى الأصغر والله أعلم إبراهيم الحافظ إبراهيم بن عباس بن علي الشافعي الدمشقي شيخ القرأ والمجودين بدمشق الفاضل المقري الحافظ الخلوتي الكامل الفرضي الفلكي الصالح التقي كان له محبة لمن يقرأ عليه مع رقة الطبع ودماثة الأخلاق ولذيذ العشرة وأما القراآت فإنه كان بها إماماً لم يوجد له نظير في الأقطار الشامية ولد في سنة عشرة ومائة وألف والله أعلم ووالده من ملطية واشتغل بقراءة القرآن ورباه السيد ذيب الحافظ واقرأه واعتنى به كمال الاعتناء وهو أجل أشياخه وأخذ القراآت عن الشيخ مصطفى المعروف بالعم المصري نزيل دمشق وهو عن الشيخ المقري المصري وهو عن اليمني إلى آخر السند وأخذ القراآت أيضاً عن المنير الدمشقي وقرأ في بعض العلوم على محمد بن محمود الحبال ومهر والآن لله له مخارج الحروف كما الآن الحديد لدأود عليه السلام وأم في صلاة اليمانية بالجامع الأموي بعد السيد ذيب الحافظ وكان قبل السيد ذيب في جال شبابه يؤم الناس في اليمانية ثم اعتراه وسواس في النية فترك الإمامة ولازمها السيد ذيب فبعد وفاته عاد لما كان عليه في الأصل ولازمها إلى أن مات واستقام على إفادة الطالبين للقراآت وأنتفع به خلق كثير لا يحصون عدداً من الشام وغيرها وأخذ طريق الخلونية عن الشيخ الاستاذ محمد بن عيسى الكناني الصالحي والفقير ولله الحمد ختمت عليه مجوداً في حال الصغر وعمتني دعواته المباركة وكان أولاً قاطناً في مدرسة سليمان باشا العظيم التي أنشأها عند داره واستقام مدة فيها ثم سرق من خزانة الكتب أشياء فلما شاع ذلك ظنوا أن الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أخذها هو فأخرجوه من المدرسة ظلماً ولم يكن له علم بذلك وشاعت في دمشق هذه الحكاية والي أخذها ظهر بعد ذلك ثم أعطاه والدي رحمه الله تعالى حجرة داخل مدرسة الجد المرادية الكبرى وعين له في كل شهر ما يقوم به وصار الناس يقرأون عليه هناك ولم يزل مقيماً بها إلى أن مات وكان له نظم قليل فأوصلني منه غير هذه الأبيات كتبها مقرظاً على رسالة للمفتي حامد بن علي العمادي سماها اللمعة في تحريم المتعة وهي قوله لله در همام قد أجاد بما ... صاغت أنامله سبكاً لمعتمل رسالة قد كساها الله تكرمة ... ثوب الجمال يسامي فضله الثمل وهي طويلة وكأنت وفاته ليلة الثلاثاء رابع محرم سنة ست وثمانين ومائة بعد الألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالذهبية رحمه الله تعالى إبراهيم المعروف البهنسي إبراهيم بن عبد الحي بن عبد الحق المعروف كأسلافه بالبهنسي الحنفي الدمشقي الفاضل النبيه كان ذكياً أديباً صالحاً له مشاركة في سائر الفنون وأنتهى إليه علم الفلك والهيئة كان له اليد الطولى فيه وعليه المعول به ولد بدمشق في حدود الثمانين بعد الألف ونشأ بها وأخذ عن مشايخها منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عثمان بن الشمعة والشيخ محمد الحبال وغيرهما ومهر وتفوق واشتهر بعمل الزايجة حتى ان الوزير سليمان باشا ابن العظم لما كان والياً على صيدا وكان المترجم فيها قاصداً التوجه إلى الروم اجتمع به وطلب منه تقويماً فصنع له تقويماً خرج منه أن منصب دمشق الشام توجه عليه وأنه في يوم كذا يصل إليه فلما كان اليوم الذي ذكره أرسل إليه وقال له جاء اليوم الذي ذكرته ولم يأت المنصب فقال ما أرى إلا أنه وصل إلى بابكم وكان قد وصل إليه لكن قصد اختباره مرة ثانية وبالجملة فإنه نادرة وقته وعصره وكأنت وفاته في رجب سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ولده عبد الحي وقريبه عبد الرزاق وأخوه السيد أحمد وقريبه فضل الله وبنو البهنسي في الأصل نسبتهم إلى البهنسا بالقصير وبفتح أوله والنون والسين المهملة بلد بصعيد مصر الأدنى والله أعلم إبراهيم الحكيم إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الحكيم الشريف لأمه الحنفي الصالحي الدمشقي رئيس كتاب محكمة الصالحية بدمشق الأديب الشاعر البارع الماهر كان كاتباً منشياً له نظم حسن ونثر لطيف وكتب كتباً كثيرة بخطه وكان خطه حسناً ولد بدمشق في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأخذ عن الاستاذ الكبير الشيخ عبد الغني النابلسي وأنتفع به ولازمه وصحبه وجالسه مدة ست عشرة سنة وكتب تآليفه وحفنه بركاته ونفحائه واستقام في محكمة الصالحية رئيس كتابها إلى أن مات وكأنت حجبه حسنة موثقة حتى كتب مرة حجة إجازة نظمها كما وقع ذلك لابن الوردي وكان أحسن كتابها وأعرفهم وفي آخر عمره لازم الزراعة والمشد في قرية برزه حتى انقطع بها وكان لا يجىء إلى الصالحية إلا قليلاً وانعزل عن المخالطة قبل وفاته بكم سنة حتى كان يقول إذا نزلت إلى دمشق أرى حالي كأنني غريب لكونه بلغ من العمر ما ينوف عن الثمانين وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه هو في الأدب البلبل الصادح أو الزند الذي هو في مرامه قادح قام من المهد إلى الوجد وسلك به من الغور إلى النجد وتمشى في مفاصله تمشي المدام أو تمشي الثمل من الندام فإذا غنى له به رقص وإذا تلى عليه ذكر الغرام زاد هيامه وما نقص فكم لازم فيه الشطح والسبح وأنتهز ليالي لو صادفها الرضى لأعرض عن ليلة السفح لم يزل في ذلك على وتيره وهو في أمره في حيرة وأي حيره يتعهد مراتع الغزلان ويتحمل من التجني ما لا يقوم به ثهلان فطوراً بالعذار له ولوع وطوراً بالخدود الناعمات إلى أن أتاه النذير الزاجر عن اللهو والتبذير فهم بالاقلاع وانخلع من تلك الربقة أي انخلاع وقد نشاء وهو من نور عينيه يكتسب ويطرز الرقاع بما إلى ياقوت ينتسب والخطو والحظ اجتماعهما في شخص متعذر وورودهما معاً على أكمل نحو متعسر وهو من الزمرة التي حبست عليهم الصحبة والرفقة الذين أرضعهم الآخاء افأويقه وسحبه فكم أسمعني من أشعاره ما هو الماء والخمر وما استغنيت به عن منادمة زيد وعمرو وهاك منه نبذاً بديعة تجعلها في حقق الآذان وديعه أنتهى مقاله وكان له لطرف جدي ووالدي أنتماء وأنتساب وهو من أخص الأحباب حتى أنه وقف عقاراته وأملاكه بعد وفاته ووفاة زوجته وأولاده على مدرسة الجد المراديه وقد اطلعت على ديوان شعره فمن ذلك قوله قسماً ببابل لحظك ال ... فتان مع مجدول قدك وبميم مبسمك الشهي ... وما حوى من طيب شهدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وبنون حاجبك الأز ... ج ومسك خال فوق خدك وبسين طرتك التي ... قد أعجمت من شين شدك وبغصن قامتك الرطي ... ب الدل مع رمان نهدك وبصولة الحسن المرن ... ح عطفه في ثنى بردك وبذلتي عند العتا ... ب مخافة من عز صدرك وبما تقاضاه المشو ... ق من الجوى من بعد بعدك ما ملت عنك بسلوة ... يا من شجاني خفق بندك ارفق فإن خاطري ... تصبوا إلى إنجاز وعدك يا من يعز بغيران ... ماس الأماني لثم وردك وبغير كف الوهم حقا ... ليس يمكن حل عقدك أنا ثابت لا أنثني ... بل لا أحل وثيق عهدك وكأنت وفاته سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون في دمشق رحمه الله تعالى إبراهيم بن طوقان إبراهيم بن صالح باشا طوقان الفاضل الألمعي والماجد اللوذعي قرأ القرآن مجوداً له على الشيخ المتقن حسن المغربي وتفقده على عبد الله الشرأبي وجد واجتهد حتى حصل بذلك أعلى الرتب وأنتهت إليه الرياسة في الديار النابلسية ووقع حبه في قلوب الخاصة والعامة والرعية لعفته وأمأنته وصدقه وصداقته وله شعر رقيق ونثر رشيق ومشاركة كلية في النحو والأدب ووقوف تام على كلام فصحاء العرب مات رحمه الله تعالى وأرخه محمد السفاريني في مفرد حيث قال زهد الدنا وجدا فعف نزولها ... ونما إلى الفردوس أحسن منزل إبراهيم الميداني إبراهيم بن عبد الله الميداني الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه الواعظ أبو البها عز الدين ارتحل إلى مصر وجأور بأزهرها وأخذ عن المتصدرين به كالشهاب أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشمس محمد بن سالم الحنفي والنجم عمر بن يحيى الطحلأوي والبدر حسن ان محمد المدابغي وغيرهم ثم رجع إلى دمشق وهو فاضل ودرس بالجامع الأموي ووعظ به على كرسي مرتفع على عادة الوعاظ وحضرت مجالس وعظه وسمعت من فوائده وكأنت وفاته بدمشق في رمضان سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى إبراهيم القرا حصاري إبراهيم بن عثمان بن محمد القرا حصاري القسطنطيني الحنفي شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية ركن الدين المولى الفاضل الفقيه الرئيس النبيذ السيد الشريف الصدر الكبير ولد سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وقدم إلى قسطنطينية وهو صغير ولازم ابن عمه المولى زين العابدين علي قاضي العساكر وزوجه ابنته وصاهره وقار المعقول والمنقول وأخذا الخط المعرف بالتعليق عن الصدر الرئيس المولى رفيع بن مصطفى الكتب قاضي العساكر ورئيس الأطباء في دار السلطنة ودرس بمدارس قسطنطينية ولما ولي قضاء مكة ابن عمه اصطحبه معه وحج وجأور بمكة وولاه نيابة الحكم في جدة ثم عادة إلى قسطنطينية وولى بعض المناصب والأنظار الشرعية كنظر الأوقاف وغيره ثم ولى قضاء سلانيك وبعدها سنة أربع وسبعين ومائة وألف ولي قضاء دمشق ودخلها وكان مريضاً فاستقام قاضياً على العادة وفي هذه المدة كان مفتي الحنفية بدمشق والدي رحمه الله تعالى فتصاحبا وحصلت بينهما محبة ومودة وصحب كل منهما الآخر وحضر دروس والدي الفقهية في المدرسة السليمانية وبعد مدة من السنين ولي قضاء دار السلطنة قسطنيطينية وأعيد إلى قضائها ثانياً وبعدها ولى نقابة الأشراف بدار السلطنة ثم ولي قضاء عسكر أناطولي ثم قضاء عسكر روم ايلي سنة تسعين ومائة وألف ثم أعيد ثانياً إلى المنصب المذكور مع نقابة الأشراف عليه ولما ظهر الحريق الكبير في قسطنطينية في شعبان ورمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف واحترق به ثلثاً قسطنيطينية وأكثر جوامعها ومساجدها والخانقاهات والمدارس وحصل غم عظيم للناس واضطربت العالم ونسب ذلك لبطاءة الوزير محمد عز الدين بن حسين الصدر الأعظم واشتغاله بأمور السلطان وحده وعد ذلك منه فعزل عن الوزارة الكبرى وأبعد عن دار السلطنة وبعده بأيام قلائل عزل عن منصب الفتوى شيخ الاسلام المولى العالم شريف بن أسعد بن إسماعيل الحنفي المفتي واختير من طرف السلطان المترجم أن يكون مفتياً فولى الافتاء في شوال من السنة وأقبلت عليه رجال الدولة وكبراؤها وعظمه السلطان الأعظم أبو النصر غياث الدولة والدين عبد الحميد خان واتسعت دائرته وعظمت دولته وثروته وأقبلت الدنيا عليه من كل طرف وراجعته الكبار والصغار وعلاصيته واشتهر أمره ولما دخلت قسطنطينية اجتمعت به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وزرته في داره وسمعت من فوائده وصحبته وأخبرني أنه أدرك الجد الكبير الاستاذ فخر الدين محمد مراد بن علي البخاري الحنفي واجتمع به وبغيره من العلماء والأولياء والسادات والأدباء والأفاضل وأخذ عنهم وصحبهم وقرأ عليهم في الأقطار العربية وغيرها كالشيخ المحدث أبي عبد الرحمن محمد بن علي الكامل الشافعي الدمشقي والإمام الكبير أبي المواهب محمد بن عبد الباقي مفتي الحنابلة بدمشق والاستاذ العارف ضياء الدين عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي النابلسي وغيرهم وكان يعرف أحوال الدهر وأمور السياسة وله دربة وسعة عقل في نظام الملك والدولة خبير بأحوال الناس بصير بالأمور وعواقبها ملازم العبادة والطاعة حسن الخلق لطيف المعاشرة توفي وهو مفتي الدولة يوم الاثنين سابع عشر جمادى الثانية سنة سبع وتسعين ومائة وألف وصلى عليه في جامع السلطان أبي الفتح محمد خان وحضر الصلاة عليه العلماء والقضاة والرؤساء ودفن بالقرب من جامع السلطان سليم خان داخل قسطنطينية وكنت سنة تسعين ومائة وألف لما ولي قضاء عسكر روم ايلي المرة الأولى كتبت إليه أمدحه من دمشق بهذه القصيدة وهي من شعر الصبا سقاها ربوعا هاطل المزن يحييها ... معاهد أنس قد تعفت مغانيها ولا زالت الأنواء تخصب حيها ... بجود على كر الدهور يحييها بها قد تقضى لي عهود مودة ... نشأت بمغناها ولست بناسيها بها كنت مغبوط المقيل منعما ... وأمرح في النادي بظل مجانيها ورب ليال قد تقضت بسرعة ... كطيف خيال قد مضى في دياجيها بحيث الصفا راح وافراحنا له ... كؤس وندماني الغوالي غوانيها غوان إذا ما الليل وافي كانما ... مكاني سماءهن فيه دراريها غوان نضت الحاظها لي أسهما ... أريشت من الأهداب سبحان باريها ألا ليت شعري هل أفوزن باللقا ... وهل لي بوادي الروم خود الاقيها بلاد بها فرش الرياض جواهر ... ومسك فتيق فائح ترب ناديها تيسر معسوراً وتولى مكارما ... وتجبر مكسوراً وتسعد من فيها وإني وإن شطت فشوقي مضاعف ... إليها وجل القصد تمداح حاميها امام همام واحد صدر وقته ... وكهف ذوي الحاجات ركن مواليها هو العالم النحرير والسند الذي ... ذرى شرف العلياء بالفضل راقيها هو الجهبذ النقاد والحبر من غدا ... أحاديث مجد بالتسلسل يرويها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ملاذ أولي الحاجات كعبه قاصد ... عماد الهدى ركن الفضائل حأويها هو المطمح الأسنى الذي طاب ذكره ... وطود المعالي والسيادة عاليها له في الورى آيات مجد وسؤدد ... بها تزدهي الأيام والدهر يمليها أمولاي يا فرد الدهور وعزها ... ويا خير من شاد المعالي وبانيها إلى بابك الأحمى أبث قوافيها ... تنوب عن التقبيل للذيل أهديها إليك لقد وافت بثوب خجالة ... نسيجة فكر تزدهي فيكم تيها تهنيك فيما نلت من رتب العلا ... منازلها شمس الضحى ليس تحكيها فأنت بدار الملك قطب مدارها ... وأنت بها غوث العفاة لأهليها واعذار عبد أثقل الدهر ظهره ... بجم خطوب ليس يحصى تواليها ودم راقيا أوج المعالي مؤيدا ... وذكرك في داني الديار وقاصيها بعز واقبال وسعد ورفعة ... إلى رتبة فوق الشر يا معاليها مدى الدهر ما غنت سويجعة الربا ... واطرب بالإنشاء للنوق حاديها إبراهيم الأطلسي إبراهيم بن علي بن حسين الأطلسي المحتد الحمصي الحنفي برهان الدين الشيخ العالم الفقيه الفاضل الإمام العمدة الكامل ولد سنة اثنتين وعشرين وألف ومائة وقرأ القرآن العظيم ومقدمات العلوم وارتحل إلى مصر واشتغل بالأخذ والقراءة على أجلائها واستقام بأزهرها أعواماً حتى برع ومهر وأجاز له شيوخه بالافتاء والتدريس وقدم حمص بلدته ودرس بها وأفتى وأقبل عليه أهلها أيام الوزير عثمان بن عبد الله نائب دمشق وكان من مشاهير فقهاء وقته وفضلاء عصره اجتمعت به بمجلس والدي وسمعت من فوائده ثم تقلبت به الأحوال وجرت له أمور أوجبت تكديره وتغريبه أجل أسبابها شراسة خلقه وكثرة طيشه فدخل حلب وقسطنطينية وفي آخر أمره رسم له بفتوى الحنفية بطرابلس الشام فدخلها وأفتى بها حتى مات وبالجملة فقد كان خاتمة فقهاء بلدته الذين رأيتهم واجتمعت بهم وكأنت وفاته بطرابلس سنة ست وتسعين ومائة وألف إبراهيم الرومي إبراهيم بن علي الحنفي الرومي رئيس طائفة الجند المعروفين بالعربجية في الدولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 العثمانية الماجد الفاضل له من الآثار الذيل على كشف الظنون لكاتب جلبي الرومي في أسماء الكتب والالحاقات وترجمة كتاب صدر الشريعة بالتركية وغير ذلك من الآثار وكان بارعاً سيما في علم القرآن أخذه عن المولى عبد الله حلمي الاسلامبولي الآتي ترجمته وله محبة لأهل الفضل وكان يحدثني عنه صاحبنا الفاضل محمد شاكر بن مصطفى العمري الدمشق ويشهد بنبله وقد اطلعت وأنا بالروم برحلتي الثانية سنة سبع وتسعين ومائة على كتابه المذكور وكان عزم على الحج بعد أن حج من جهة مصر فتوفى في الطريق وكأنت وفاته في سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى والعربة هي العجلة بالعربية أنتهى إبراهيم السفرجلاني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الكريم بن أبي بكر المعروف بالسفرجلاني الشافعي الدمشق الفاضل الأديب اللوذعي كان أتم أهل العصر ظرفاً وأشغهم رقة ولطفاً له طبع كما راق نسيم السحر وحسن منظر لا يقنع منه النظر وقد رقت باللطف شمائله وراقت لبصائر المجتلين خمائله شاعراً مفنناً عارفاً لطيفاً حسن المطارحة بارعاً ماهراً وله في المعميات اليد الطولى ولد بدمشق في سادس عشر صفر سنة خمس وخمسين وألف وبها نشأ وقرأ على علماء عصره منهم الشيخ نجم الدين الفرضي في العربية والشيخ إبراهيم الفتال في النحو والمعاني والبيان وقرأ بعض الرسائل على الشيخ عبد الحي العكري الصالحي وغيرهم وأخذ الحديث عن الشيخ محمد بن سليمان المغربي والسيد محمد عبد الرسول البرزنجي المدني وغيرهما من الواردين إلى دمشق وتنبل وأخذ شيئاً من العلوم الحرفية عن ابن سنسول وبرع في الرياضيات وأعمال الأوفاق والاستخدام وغير ذلك من متعلق هذه العلوم وتخرج في الأدب على يد الشيخ عبد الباقي بن أحمد السمان الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين وبرع وظهر أدبه وفضله واخترع أبكار المعاني وصاغ قلائد النظام واشتهر بالأدب ونظم الشعر وديوانه مشهور وعلى كل حال فهو بكل لسان موصوف وبالفضائل معروف وعمه عمر صاحب خيرات ومبرات وله أثار منها المساجد الثلاث الذين عند دارهم بالقرب من الخراب وغير ذلك من الطرقات وغيرها وكان من أخيار التجار ورزق الخطوة التامة في المال والأولاد وغير ذلك وكان فريداً قرانه ووحيد زمانه توفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ودفن بباب الصغير وترك من الأولاد الذكور كثرة وكل منهم سما قدره وعلا وحاز السمو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 والذي نجب منهم واشتهر المولى عبد الرحمن والمولى عبد العزيز فقد بلغ كل منهما من الرفعة والعلا والسيادة والثروة ما طال وطاب واشتهر وشاع وصارت لهما رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وانعقدت أمور دمشق على آرائهما وكل منهما في وقته تصدر للوافدين ملاذاً وعياذا مع الانعامات والمبرات وإكرام العلماء والغرباء وقد فاق المولى عبد الرحمن على المولى عبد العزيز بأشياء تفرد بها عنه منها مكانة من العم والفضل وسنأتي ترجمته وأما المولى عبد العزيز فقد توفى في سنة خمس وخمسين ومائة وألف واتصل والدي بابنتيهما وعلى كل حال فبنوا السفرجلاني ازدان بهم الدهر وسمت دواتهم وعلا صيتهم وعم فضلهم والمترجم ترجمه السيد محمد أمين المحبي في نفحته وأثنى عليه وكان حليف وداده وأليفه الذي ارتبطت عرى علائقه معه في وثيق صدق ومحبة ورفيقه أبان التحصيل وخليله الذي استخلصه لنفسه ولابدع فإبراهيم نعم الخليل كلمة الأدب جمعتهما ولحمة الفضل نظمتهما وذكر له هناك شيأ من شعره وها أنا أذكر من ذلك ما رق أديمه وراق اتساقه وطاب رونقه وازدان اشراقه فمن ذلك قوله مضمناً المصراع الأخير لما غدت وجناته مرقومة ... بعذاره وازداد وجد محبه نادى الشفيق بها زبرجد صدغه ... يا صاحبي هذا العقيق فقف به قال الأمين وأنشدني قوله وهو معنى أبرزه ولم يسبق إليه فاستحق به التبريز وجاء به أنفس من الابريز وهي هذه كفوا الملام ولا تعيبوا زهرة ... في وجنتيه تلوح كالتطريز فالحسن لما خط سطر عذاره ... ألقى عليه قراضة الابريز ثم قال وأنشدني هذه السينية السنية التي هي أشهى من الأمنية تفاتمت من المنية وهي قوله خل طي الفلا لحادي العيس ... وانف همى بالقهوة الخندريس طف بها كي ترى النواظر منها ... عسجدا ذاب في لجين الكموس وترنح عطفي برقة لفظ ... منه عودت لقط درنفيس في رياض كأنما لبست من ... حوك صنعاء أفخر الملبوس قد نحلت من طلها بعقود ... وتجلت في حلة الطأووس وزكا عرف طيبها فحسبنا ... نفحة قد سرت من الفردوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وتغنى مبهرم الكف فيها ... بغنأ يسوق شجو النفوس قد أتينا مسلمين فردت ... هيف باناتها بخفض الرؤس قم نجدد عهودنا يا بن أنس ... في رباها فأنت خير أنيس فأنا في هواك محزون قلب ... بين شوق مقلب ورسيس وامخ العين أن ترى منك يوما ... حسن وجه يخفى ضياء الشموس وسطور كالمسك فوق طروس ... من شقيق أحبب بها من طروس وامط لي عن سين تلك الثنايا ... فعساها تكون للتنفيس ومن شعره أيها الخافق الفؤاد تعلل ... منه يوماً بلثم خدقاني فياقوت وجنتيه خواص ... سيما في إزالة الخفقان وله أيضاً تجنب غمزة الحدق ... وحد عن لفتة العنق فقد جلبا لطرفي ما ... يعانيه من الأرق وجرا للفؤاد هوى ... بوضاح الجبين لقى وخوط لين الأعطا ... ف من ماء النعيم سقى تثنى في غلالته ... تثنى الغصن في الورق ولاح فخلته قرا ... تبدى لي من الأفق وقد وشى بنفسجه ... شقائق خده الشرق تأمل عارضي خدي ... اذبرزا على نسق تجد سطر بن غسق ... على طرسين من شفق وله قوله بروحي ساق قد جلا تحت فرعه ... جبينا كبدر التم عند شروقه سقاني بنجلأويه كأسا من الهوى ... فأسكرني أضعاف سكر رحيقه وقال افترع بكر المعاني تغزلا ... فلى منظر يهديك نحو طريقه فوجهي مثل الروض إذ باكر الخيا ... جنى أقاحيه وغض شقيقه وإن أشبه التفاح خدي حمرة ... فلي نونة تحكي مناط عروقه وله أيضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 رشق الفؤاد بأسهم لم تخطه ... ريم يشوق الريم مهوى قرطه من ذا عذيري في هوى متلاعب ... قد راح بمزج لي رضاه بسخطه أعطيته قلبي وقلت يصونه ... فأضاعه يا ليتني لم أعطه وثناه عن محض المودة رهطه ... فعناء قلبي في الهوى من رهطه وقد اشترطنا أن ندوم على الوفا ... ما كنت أحسبه يخل بشرطه كيف الخلاص ركبت بحراً من هوى ... شوق إليه فشط بي عن شطه علقته ريان من ماء الصبا ... كالروض أخضله الغمام بنقطه غض الشباب فهذه وجناته ... قد كاد يطقر ماؤها من فرطه يجلو عليك صحائفا وردية ... رقم الجمال بها بدائع خطه وتريك هاتيك المعاطف بانة ... تهتز لينا في منمنم مرطه وتخامر الألباب منه فكاهة ... تلهى حليف الكاس عن اسفنطه لو بت تستجلي لطائفه التي ... ضاهت برونقها جواهر سمطه لدهشت اعجاباً بلؤلؤ لفظه ... ومددت كفك طامعاً في لقطه ومن شعره لولا صباح الوجوه بيض ... ماهز اعطا في القريض ولا شجاني غناء شاد ... يوماً ولو أنه الغريض ولا أهاج الجوى لقلبي ... برق له في الدجى وميض أفدى غزالاً دعا فؤادي ... إلى الهوى جفنه الغضيض وخوط بان على كثيب ... داعب أعطافه النهوض ليلى في حبه طويل ... وفرط وجدي به عريض دع عاذلي في حديث دمع ... بلومه دائماً يخوض حديثه يا أخا الهوى في ... إذاعة السر مستفيض كأن ينبوعه لقلبي ... فهو بأسراره يفيض وله أرى العشق يغشى برهة ثم ينقضي ... وحبك في قلبي مدى الدهر لابث ولا عقدة إلا لها من يحلها ... سوى عقدة فيها العيون نوافث يا طيب الهوى أعد جس نبضي ... في هوى من هواه أصبح قوتي وتأمل محاسن الغد منه ... ثم صف لي مفرح الياقوت وله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بالمولوية شادن يبدي لنا ... عجباً عجيباً للقلوب مفرحا ويريك عند الفتل من أذياله ... فلكاً يدور ببدره دور الرحى وله معمياً في حيدر يا نسيم الصبا إذا جئت نجدا ... وتيممت روضها المعطارا حي دارا عنها تنآءت غصون ... قد عهدنا ثمارها الأقمارا وله في عساف طارحت في الدوح الحمام فقل له ... أن النوى رشفت إلى سهامها أبكي على عش نأت أفراخه ... وكؤس أفراح شربت مدامها وله في دلأور قد أبرزها من باطن الابريق ... صهبا تحاكي وجنة المعشوق ما ضر شويدنا جلاء كؤسها ... لو دار بها ممزوجة بالريق وله غير ذلك من بديع الشعر وأحاسنه وكأنت وفاته في سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير وكأنت جنازته حافلة وسيأتي ذكر قريبيه مصطفى وعبد الرحمن والسفرجلاني لا أدري نسبته لأي شيء والله أعلم إبراهي الدكدكجي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المعروف بالدكدكجي الحنفي التركماني الأصل الدمشقي الشاب الفاضل الأديب النبيه الذكي الفائق الصالح الكامل ولد بدمشق في سنة أربع ومائة وألف وأرخ ميلاده الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله بإبراهيم الذي وفى نشأ في كنف والده بطاعة وصيانة وحضر دروس علماء عصره وقرأ المعاني والبيان والنحو على شيخ الاسلام الشمس محمد الغزي العامر مفتي دمشق وعلى الشيخ محمد أبي المواهب مفتي الحنابلة بين العشائين بالجامع الأموي وكذلك على المعمر الشمس محمد بن علي الكاملي في رمضان بعد صلاة الصبح في الجامع الأموي وكذلك على الشيخ المحدث يونس الأزهري ولازم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي كوالده في غالب أوقاته وحضر دروسه واستجاز له والده من دمشق وغيرها جماً غفيراً من العلماء كعبد الله البصري المكي وعثمان النحاس وأبي المواهب الحنبلي ومحمد الكامل وسعدى بن عبد الرحمن بن حمزة المحدث ومحمد بن محمد البديري الدمياطي ابن الميتة وعبد الكريم بن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 العباسي الحنفي المفتي المدني وغيرهم وأبو الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني ومهر وبرع وصار له فضل ونباهة لا تنكر مع طبع رقيق ولطف مع الخاص والعام بمزيد المحبة والصداقة وترجمه الشيخ سعد السمان في كتابه وقال في وصفه غصن تلك الدوحة الندية وشذا تلك الفوحة الدنية كرع من حياض والده العلوم واغترف وأقر لذكائه الزمان واعترف فتهللت به أسارير النباهة وفاق أقرانه وأشباهه بمحيا وسيم وأدب جسيم يستوهب منهما العبير شميمه وتود الدمى لو صار لأجيادها تميمة وصفحة هي سجتجل كل متيم وجفن كم أغرى مغرماً وهيم مع صيانة ملء برده ولطافة كالروض حف بورده وكأنت تميله نفحات الهوى وما أفل نجم اعتنائه ولا هوى مع همة في تنأول الآداب منوطه وفكرة مما لا يعنى قنوطه ولم يزل ينهب أوقاته لذه ويقطع كبد رقبائه فلذه فلذه ويمرح في ميدان الشبيبه ويجيد غزله وتشبيبه إلى أن ذوى غصنه وهو غض وأغمض عن نعيم الدنيا جفنه وغض وله شعر ينبه الغرام ويدعو إلى النشوة من مقل الآرام أنتهى ما قاله ولما توفى والده صار يقرأ العشر مكانه في درس الاستاذ النابلسي إلى أن توفي وقد رأيت لوالده هذه الوصية كتبها إليه وهي قوله زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني بك قد نقلت إليهما لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبوا لأعلى قدميهما ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منجاك نفس الود من نفسيهما كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفاً على خديهما وتمنيا لو صاد فابك راحة ... بجميع ما تحويه ملك يديهما قسيت حقهما عشبة اسكنا ... دار البقا وسكنت في داريهما فتلحقنهما غدا أو بعده ... حتما كما لحقا هما أبويهما ولتندمن على فعالك مثل ما ... ندما هما ندما على فعليهما بشراك لو قدمت فعلاً صالحاً ... وقضيت بعض الحق من حقيهما وقرأت من آي الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما فاحفظ حفظت وصيتي واعمل بها ... فعصى تنال الفوز من بريهما ومن شعره هذه القصيدة ممتدحاً بها الشيخ السيد طه الحلبي وهي قوله انزع الكاس يا نديم وهاته ... ثم نهنه كرى جفون سقاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 واجتلى البشر من وجوه التهاني ... فصفاء الزمان من مسعداته زمن اللهو والخلاعة والبس ... ط حري بالحر بعد فواته قم بنا نفترع فدتك المعالي ... ونسارع فالروض طاب فواته نجتلي فيه اكؤس الود فالرا ... حة والأنس في اجتلا زهراته وبشير الاسعاد أضحى ينادي ... أن داعي السرور قام بذاته وغدا الأنس كاملاً والأماني ... صرن للوعد فيه من منجزاته كيف لا والزمان لا زال فيه ... الشهم طه ممتعاً بحياته الإمام الهمام من قد تسامى ... للمعالي وصرن من حسناته والأعز الأغر من شاد مجدا ... في ذراها بمقتضى عزماته والنبيل النبيه والأروع الأو ... رع غيث الأنام في مكرماته والحسيب النسيب محي ربوع ال ... جود بعد اندراسها بهباته آل بيت الرسول حزتم مقاما ... تجتلى الناس باجتلا نيراته يا وحيد الأفاضل إني أهني ... ك بعرس زهت جميع جهاته عرس عين الكمال روح المعالي ... أحمد المتقين في مسعداته واحد الدهر ثاني الروح حقا ... ثالث النيرين في هالاته دام بالأمن والمسرة يزهو ... بالرقا والبنين طول حياته يا سليل الأمجاد ساجع شكري ... لهج بالثناء في نغماته ولغريد روضة البشر يشدو ... بمديح كالدر في كلماته فأعره سمع الرضى وتجأوز ... عن قصور يلوح في أبياته إن بيتاً حوى بدائع تاري ... خ أحرى بالعفو عن سبئاته نم قرير العيون بالعرس أرخ ... وتنعم بالجود من طيباته واسلم الدهر بالهنا وتسنم ... ذروة المجد لاجتنا ثمراته ولم أظفر له بغيرها من الشعر وكأنت وفاته مطعوناً شهيداً في يوم الخميس تاسع عشر رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن في التربة الكبرى من مرج الدحداح بطرفها القبلي وكثرا تأسف عليه وسيأتي ذكر والده محمد والدكدكجي نسبة تركية وهو صانع الدكديك وهو باللغة التركية ما يوضع ساتراً على ظهر الحصان والجيم باللغة التركية كياء النسبة في اللغة العربية فليحفظ عند ذكر غير المترجم إذا جاء في محله إن شاء الله تعالى والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 السيد إبراهيم بن حمزة السيد إبراهيم بن محمد بن محمد كمال الدين بن محمد بن حسين بن محمد بن حمزة وينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعروف كأسلافه بابن حمزة العالم الإمام المشهور المحدث النحو العلامة كان وافر الحرمة مشهوراً بالفضل الوافر أحد الأعلام المحدثين والعلماء الجهابذة الحنفي الحراني الأصل الدمشقي السيد الشريف الحسيب النسيب ولد في دمشق ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة بين العشائين سنة أربع وخمسين بعد الألف وبها نشاء في كنف والده واشتغل بطب العلم عليه وعلى شقيقه السيد عبد الرحمن وتخرج عليهما وقرأ على جماعة من العلماء والشيوخ وأخذ عنهم منهم الشيخ محمد البطنيني الدمشقي والشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ يحيى الشأوي المغربي الجزايري والشيخ إبراهيم الفتال الدمشقي وقرأ الفقه والأصول على العلامة الحصكفي المفتي الدمشقي وعلى الشيخ محمد المحاسني الدمشقي وأخيه الشيخ إسماعيل المحاسني وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الباقي الحنبلي وولده الشيخ محمد أبي المواهب الحنبل وأخذ النحو عن النجم الفرضي ولازم الشيخ أحمد القلعي والشيخ محمد بن بلبان الصالحي وأخذ عن الشيخ سعودي الدمشقي الغزي والشيخ عبد القادر الصفوري والشيخ رمضان العطيفي والشيخ أبي بكر السليمي والشيخ أحمد الخياط والقاضي كمال الدين المالكي وغيرهم وسمع الصحيحين على والدة بقرآءته وقرآءة أخويه وإجازة جماعة من الأعلام من دمشق وغيرها وسافر إلى الروم وقرأ بها على جماعة منهم المولى عبد الوهاب خواجه السلطان سليمان الثاني والمولى موسى القسطموني قاضي المدينة المنورة والشيخ عبد القادر المقدسي خطيب جامع اسكدار والمولى الفاضل السيد عبد الله الحجازي الحلبي وغيرهم وسافر إلى مصر متولياً نقابة الأشراف فيها في سنة ثلاث وتسعين بعد الألف وأخذ عن علمائها وتولى نيابة محكمة الباب الكبرى بدمشق والقسمة العسكرية والنقابة مرات ودرس بالماردانية في صالحية دمشق في الهداية بالفقه ودرس بالمدرسة الأمجدية والمدرسة الجوزية وقرأ الجامع الصحيح للإمام البخاري في داره في محلة النحاسين في الأشهر الثلاث وحضره جم غفير وكان صدراً من صدور دمشق ذا أبهة ووقار وسكينة وعبادة وأوراد قال العالم الشمس محمد الغزي العامري مفتي الشافعية بدمشق في ثبته حضرت دروسه في بيته وشملتني إجازته ورأيت بخطه في إجازته أن مشايخه يبلغون ثمانين شيخاً منهم الشيخ محمد العناني والسيد أحمد الحموي الحنفي والشيخ خليل ابن البرهان اللقاني والشيخ شاهين الأرمنازي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشيخ إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 البرمأوي والشيخ محمد الشوبري والشيخ محمد الخراشي المالكي والشيخ المقري محمد البقري والشيخ محمد مرداش الخلوتي وغيرهم ومن الحرمين أخذ عن الشيخ أحمد النخلي المكي وعبد الله بن سالم البصري المدني والشيخ حسين بن عبد الرحيم نزيل مكة والشيخ عبد الله اللاهوري ثم المدني والشيخ إبراهيم البري المدني وأخذ عن الفقيه الكبير العلامة خير الدين ابن أحمد الرملي والشيخ محمد بن تاج الدين الرملي والشيخ المحقق عبد القادر البغدادي والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي ثم المدني وكذلك عن الحسن بن علي العجيمي المكي والاستاذ النحرير إبراهيم بن حسن الكوراني نزيل المدينة وغير ما ذكر من الأجلاء وله مؤلفات منها أسباب الحديث مؤلف حافل لخص فيه مصنف أبي البقاء العكبري وزاد عليه زيادات حسنه ومنها حاشية على شرح الألفية لابن المصنف لم تكمل وترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في حقه صغيرهم الذي هو فذلكة حسابهم والجامع الكبير لما تشعب من بحر أنسابهم وله الاطلاع الذي يخفى عنده صميت بن السمعاني ويعدم ابن العديم والرواية التي يشفع حديثها قديم الفضل فالحديث يشهد بفضله القديم وقد طلع من هذا الفلك بدر تستمد منه البدور وحل من المجد صدر تنشرح برؤيته الصدر وعنى بالرحلة من عهد ريعانه فسطع نور فضله بين إشراق الأمل ولمعانه وهو اينما حل حلا وحيثما جل جلا والقلوب على حبه متوافقه وأخبار فضله مع نسمات القبول مترافقه وكنت لقيته بالروم أول ما حليتها فسربت كربتي في تلك الغربة بلقائه وجليتها وانسيت ذنب الدهر لما رأيته ... ودهر به القاه ليس له ذنب وهو الآن بدمشق مقيم بين روح وريحان وجنة ونعيم تحيته فيها سلام وآخر دعواه أجلال واحترام رغبته إلى التوسع في المعلومات ممتده ونفسه باقتناء المعلومات محتده وله في الأدب بسطة وباع وشعر متجمل برونق وانطباع فما رويته من نظمه الذي اتحفني باملائه وجلا عن مرآة فكري صداها باجتلائه أنتهى ما قاله ولم يذكر له من الشعر سوى القصيدة التي سبك فيها نسبه ولم أظفر له بغيرها من الشعر حتى اثبته هنا إلا بشيء نزر وحج في سنة تسع عشرة ومائة وألف فلما عاد مرض ولم يزل حتى توفي بمنزلة ذات الحاج يوم الاثنين تاسع صفر سنة عشرين ودفن بها وبنو حمزة بدمشق رؤساء ساداتها سادة أكرمين وغر ميامين تقلدوا من المعالي غرراً ونثروا من آدابهم درراً فهم آل البيت الذي زكا نجارهم وسما سؤددهم وفخارهم سيادتهم سابغة المطارف حائزون عوارف المعارف من تالد وطارف إلى فضل ومجد وشرف وحسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وسيأتي ذكر أخي المترجم السيد عبد الكريم وابن أخيه السيد سعدى كل في محله وقد ذكر منهم الأمين المحبي في تاريخه وفي نفحته شرذمة أجلاء وغيره من أهل التاريخ كالغزي وابن طولون وأخذ عنهم الحديث وغيره ناس كثيرون وقد أنتشرت فواضلهم وخلدت في الاسفار والله أعلم ونسبتهم إلى حران وهي بالفتح والتشديد مدينة بالجزيرة بالقرب من بغداد والله أعلم إبراهيم النحشي إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد النحشي الخلوني البكغالوني الحلبي العالم العامل الفاضل الكامل الناسك الزاهد التقي العابد أخذ عن علماء بلدته وارتحل إلى الحج صحبة والده في أواخر القرن الحادي عشر وجأور بمكة مدة وأخذ عن علمائها وعلماء المدينة في مدة مجأورته وأخذ عن والده فقه الإمام الشافعي وفنون الحديث والعربية ثم عاد إلى حلب بعد وفاة والده واستقام بها مدة وأخذ عن علمائها ثم ارتحل إلى دمشق وأخذ عن علمائها وعاد إلى حلب بعد استقامته برهة من الزمان بدمشق وكأنت مدرسة المقدمية يومئذ في تصرف أخيه الشيخ العالم عبد الله البخشي الخلوتي فقرر له يده عنها واستقام بها إلى منتهى أجله مشتغلاً بالإفادة والتدريس وأنتفع به خلائق واشتغل في تلك الأوقات بكتابة وقائع الفتأوى الحنفية وإليه أنتهت رياسة فقهاء المذهبين بحلب مع ثباته على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وبرع في فن الحديث الشريف وسائر علومه حتى صار يشار إليه فيه بالبنان وأخذ عن كثير من أعيان هذا الشان وله في الفتأوى الحنفية ثلاث مجلدات أفاد فيها وأجاد وله في فقه الإمام الشافعي تحريرات مفيدة وكأنت له اليد الطولى في سائر العلوم وكان اشتهاره بالفقه في المذهبين وبالحديث وكان عالماً في الورع والزهد صابراً على ما ابتلاه الله به من حصاة كان الشق عنها سبب وفاته وكأنت وفاته في سنة ست وثلاثين ومائة وألف والبكغا لوني نسبة لبكغالون بفتح الموحدة قرية من أعمال حلب والبخشي هو جدهم الكبير أحمد بخشي خليفة الأماسي نسبة إلى أماسيه كان له يد في التفسير وقرأ عليه جماعة كثيرون وترجمه طاش كبرى في الشقائق النعمانية وأثنى عليه في الطبقة التاسعة وذكر أن وفاته كأنت في سنة ثلاثين وتسعمائة وقد رأيت نسبة المترجم إليه محررة في خط أحد الحلبيين كما ذكرناه وسيأتي في تاريخنا هذا ذكر حسن وإسحق أخوي المترجم وذكر ابن أخيه إن شاء الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ابراهيم المرادي إبراهيم بن محمد بن مراد بن علي بن دأود بن كمال الدين الحنفي المعروف بالمرادي البخاري الأصل الدمشقي المولد عمى شقيق والدي السيد الشريف الحبيب النسيب الشاب الفاضل الأديب النبيه الزكي المتفوق كان من نبهاء عصره لطيفاً حسن العشرة حاذقاً بارعاً كاملاً ظريفاً متودداً رقيق الطبع حسن الشمائل ولد بدمشق في سنة ثمان عشرة ومائة وألف تقريباً ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن ونبغ بها وتفوق وطلع مكتسباً للكمال والفضائل وقرأ على بعض الشيوخ وصارت له ملازمة وتدريس في طريق الموالي بدار الخلافة اسلامبول هو وأخوه السيد خليل بعده من شيخ الاسلام المولى قره إسماعيل مفتي الدولة العثمانية ولم يترق بالمدارس كعادتهم لكونه توفى بعد صيرورتها ولم تطل مدته وكان والده جدي حفه الرضوان القدسي يحبه وله به تعلق لنجابته وفضله وأدبه وحسن نباهته وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وتزوج بابنة ابنه الشيخ إسماعيل وكتب للعم المترجم سميه وصاحبه الأديب إبراهيم الحكيم الصالحي بقوله وكان وعده بوعد ولم ينجزه يا ابن الأولى يا جيدا رباب العلا ... يا من به روض المفاخر قد زها لا تنس ما أوعدت في إنجازه ... لا زلت بحر المكرمات وكنزها فأجابه العم المذكور بقوله إني بما أوعدت لست بمخلف ... حاشى لمن رب الفضائل حازها والعفو عما قد أتيت سجية ... منكم وإني مسرع إنجازها وللعم المذكور ماء حب الآس قوله إن من يذكر الحبيب بوصل ... عند مضناه زائد الوسواس ذاك عذب يرى ولو بملام ... هو أحلى من ماء حب الآس وقوله في ذلك بأبي أغيد يصول على الصب ... بلحظ مفوق نعاس وحلا منه للمتيم نطق ... هو أحلى من ماء حب الآس وقوله في ذلك يا فريدا في الحسن أرفق بصب ... داءوه معجز الحب الآسى ثم جد سيدي برشف رضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وفي ذلك مقاطيع شعرية صدرت من أدباء دمشق لأمر اقتضاه ذلك فمن أنشد فيه وأبدع في التشبيه الشيخ محمد بن أحمد الكنجي الذي هو المبتدع لتضمينه والمبتكر لايجاده وافتراع أبكاره وعونه فقال ظبي أنس بدا برونق حسن ... يتهادى بقده المياس وحباني من ثغره برضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس وله يا رسول الرضى ويا خير هاد ... للبرايا ورحمة للناس طيب ذكراك في كل حين ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ سعدى العمري يا مثير الغرام في كل قلب ... ما لجرح اللحاظ غيرك آسى دأو مرضى الهوى برشف رضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول أخيه الشيخ مصطفى العمري بدر تم حلو الشمائل غض ... وافر الظرف بالمحاسن كاسي يحتسي السمع منه طيب حديث ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول المولى حامد العماري المفتي يا حبيبي إذا سألت سوالا ... عز نقلا وفيه نفع الناس انشر الكتب كالجدأول ليلا ... ونهارا مع اجتماع حواس فسروري بنقل قول صحيح ... هو أحلى من ماء حب الآس وله مداعباً رجلاً طلب منه ذلك قال شخص طبخ الكنافة ليلا ... واقتناصى لنقلها واختلاسي واقتطافي قطر القطائف معها ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول المولى سعيد السعسعاني بي ريم يسبي بمسكي خال ... يتلالا في جيده الألماسي علني من رحيق ثغر بكاس ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ أحمد علي المنيني قلت للأهيف الممنع لما ... صعدت ماء خده أنفاسي ماء ورد بوجنتيك لصاد ... هو أحلى من ماء حب الآس وتفنن في ذلك فنقله إلى لغة الألثغ فقال لست أنساه أغيدا قد أثارت ... لثغة منه لوعتي بانبعاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 قام يجلو من المدام كؤسا ... بين مثنى يديرها وثلاث قائلاً هاك من رضأبي كاثا ... هو أحلى من ماء حب الآث ومن ذلك قول الشيخ صادق الخراط يا بروحي من جاء يخطر عجبا ... في حلى الملك كالقنا المياس ناظر للورى بطرف غضوب ... بين قومي ولم يخف من باس قلت لا تغضبن فشتمك عندي ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ محمد المحمودي وفيه التورية قد حباني الاسي بحب عجيب ... قال هذا مفرح الأكياس قد عجنا أجزاء هذا بماء ... ذيب من سكر كما الالماس فرآء الحبيب فاشتاط غيظاً ... قال دعه ولا تخف من باس وتعوض عنه برشف رضاب ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الفاضل محمد ابن رحمة الله الأيوبي مخاطباً محمد الكنجي يا هماما حاز الكلمالات طرا ... بابتكار التخييل والاحتراس دمت في حلبة الفضائل فردا ... حائز السبق زائد الايناس كم لكم من بديع در نظام ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ صالح ابن المزور أسر القلب حب ظبي غرير ... ثوب حسن له المصور كاسي اتخذ الهجر والصدود دلالا ... بفؤاد على المتيم قاسي قلت جد لي بنظرة من محيا ... ك حبيبي فقد عدمت حواسي فحباني منه بساعة وصل ... هي أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ موسى المحاسني بدر تم بدا بحسن اللباس ... يتباهى بقده المياس يزدري بالغصون لينا وقدا ... والظباء لفتة مع استيناس أسكرتني ألفاظه بحديث ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ سعيد الكناني يا سروري من بعد طول التنائي ... بالمقا واعتناق ظبي كناس فبروحي وما حويت بشيرا ... رد إذ جاء ناظري وحواسي عندما دار لي من البشر كاسا ... هو أحلى من ماء حب الآس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ومن ذلك قول الماهر مصطفى ابن بيرى الحلبي بأبي مشرق الجيوب بوجه ... هو كالبدر في دجى الأغلاس قد جلته يد التلاقي علينا ... مسفراً في ملابس الايناس وأمال العناق نحوي عطفا ... يزدهي من قوامه المياس فتجارت سوابقي من دموعي ... قطرتها صواعد الأنفاس فتلقى بفاضل الردن دمعي ... مذ رأى فيض عبرتي ذا انبجاس فتأوهت حين أنكر حالي ... قائلاً وهو بانعطافي مواسي إن دمع السر ورغب التلاقي ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول البارع حسين ابن مصلى زان منها زبرجد الوشم ثغرا ... سكريا معطر الأنفاس أرشفتني رضابه ثم قالت ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الكامل محمد بن عبد الله كتخدا أوجاق اليرليه ما على من قضى ممر الليالي ... صارفاً نقد عمر للكاس يتعاطى مشمولة بمزاج ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قوله أيضاً هات حدث عنها ولا تخش لوما ... واستقنيها بالجام أو بالطاس بنت كرم مزاجها وصفاها ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ خليل بن محمد الفتال جس نبضي الطبيب قال عليل ... في هوى أغيد شديد الباس قلت خل الهوى وعد جس نبضي ... إن هذا يزيد في الوسواس قال إني لناصح بكلامي ... ليس الأمن أعين نعاس قلت صف لي مفرجاً يجل همى ... ويزل حر مهجتي وحواسي قال فارشف من ريقة رشفات ... هي أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الكامل إبراهيم بن مصطفى الاسطواني مخاطباً الكنجي يا فريداً في عصره والمزايا ... من حوى العلم والحجى باقتباس هو خلى الكنجي بحر نظام ... معدن الجو دعا طر الأنفاس لم يدع للمقال معنى بديعا ... يجتني منه حار فيه حواسي أودع السمع من حلاه حديثاً ... هو أحلى من ماء حب الآس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقوله وتعرض لذكر وصف رجل يعرف بابن الفستقي من أهالي الصالحية على طريق المداعبة قلت يوماً للفستقي تأدب ... وأشهد الحق معلناً في الناس قال دعني ولا تكن لي نصوحا ... فاقتي أزعجت جميع حواسي درهم في شهادة الزور عندي ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك ما أنشد فيه الاستاذ الشبح عبد الغني النابلسي بقوله نزل الغيث بعد طول رجاء ... فهنيئاً به لكل الناس وحلا عندهم وطاب كثيراً ... فهو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق روض حسن فيه الحبيب تجلى ... بدلال تيهاً على الجلاس قد سقاني من البعاد بوصل ... هو أحلى من ماء حب الآس ومن ذلك قول الشيخ محمد بن عبيد العطار صاد قلبي بلحظه مذ تبدا ... ينثني بعطفه المياس رشا كامل المحاسن فرد ... في بهاء معطر الأنفاس وصله بغبتي ورشف الماء ... هو أحلى من ماء حب الآس ومما وجد على هامش هذا الكتاب فألحقناه وهو للمولى السيد حسين المرادي المفتي بدمشق الشام بيتين في هذا المعنى ومشطرهم السيد محمد أمين الأيوبي في سبك المعنى طعما ورايحة شامات حب الآس لما إن بدت ... في خده أسبت عقول الناس وتكاملت أوصافه لما غدت ... من صدغه في وجنة الماس فانظر إلى ريق حلا في ثغره ... أشهى وأزهى من سلاف الكاس والثم لما ذاك الثغير لانه ... أزكى شذا من ماء حب الآس وفي ذلك غير ما ذكرنا من المقاطيع وأما الآس ففضائله عظيمة حتى ذكر أن عصا موسى عليه السلام كأنت منه وخضرته دائمة وله زهرة بيضاء طيبة الرائحة وثمرته سوداء ومنها ما هو أبيض كاللؤلؤ بين ورق الزبرجد وعصارة ثمرته رطباً تفعل فعل الثمرة في المنفعة وهي جيدة للمعدة وله خصائص غير ذلك وطبعه بارد يابس مجفف يولد سهر أو دفع مضرته بالبنفسج ويصلح الأمزجة الباردة بالحاصية وأنشد في تشبيهه سليمان بن محمد الطرابلوسي قوله أحبب بقضبان آس في سائر الدهر توجد ... كأنها حين تبدو سلاسل من زبرجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وقال الاستاذ عبد الغني النابلسي ولقد أتينا للحدائق بكرة ... والطل يقطر فوق روض أنفر وكائن حب الآس فوق غصونه ... عقد اللآلي ضمن سلك أخضر وقد قال ابن حجة تتبعت ما قيل في الآس فما ارماني الاقول القائل خليلي ما للآس يعبق نشره ... إذا أشتم أنفاس الرياح البواكر حكى لونه أصداغ ريم معذر ... وصورته آذان خيل نوافر وما خلا عن فائدة وكأنت وفاة العم صاحب الترجمة في يوم الأحد الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وأربعين ومائة وألف بمرض الدق ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق بمقام سيدنا ذي الكفل عليه السلام وقيل في تاريخ وفاته ضريح قد تبوأ السناء ... وفي قاسيون لاح به ضياء حوى من آل خير الخلق شهما ... يدوم لجده منه الرجاء له بالقرب من ذي الكفل كفل ... ويسعد من رعته الأنبياء وفي دار البقا قد نال زافي ... وبالجنات طاب له اشوآء فبالرضوان والفردوس أرخ ... لإبراهيم إذ وفى الهناء إبراهيم بن سفر إبراهيم بن محمد المعروف بابن سفر الحنفي الغزى الشيخ الصوفي العالم الفاضل نشاء في غزة وحين حصل لجده بالاسلامبول عزه أخذ المترجم بنفسه وسافر إلى مصر القاهر وأقام وجد بالطلب في العلوم والتحصيل فنال الحظ الأوفر وتفقه مدة خمس عشرة سنة ومن جملة شيوخه السيد علي الضرير والشيخ سليمان المنصوري وغيرهما ورجع إلى غزة واجتمع بعد سنين بالاستاذ الشيخ مصطفى ابن كمال الدين الصديقي الدمشقي وأخذ عنه الطريق ولقنه بعض أسمائه المنوطه به وصار له ملكة قوية في علوم القوم وخاض في بحرها وعام وهو مع ذلك يفتي على المذهب الحنفي ويقري بعض الطلبة ما أرادوه من منطق وبيان وغير ذلك وكان فيه بقية من الحظوظ النفسانية وهي التي أقعدته أخيراً كسيحاً وبقى في ذلك مدة ومرض بالاستسقاء آخراً ومات وكان له شعر كثير فما وصلني منه قوله من قصيدة ترفق رعاك الله بالصب يا حادي ... ومل بي يا هادي إلى شاطىء الوادي إلى كعبة التطواف وأنزل بشعب من ... تملك قلباً ذاب بالوجد يا حادي ويا راكباً بزلا عراباً وواصلاً ... مقاما لسعدى ربة الخال والنادي ويا هادياً تلك العراب وغادياً ... فديتك يا هادي دخيلك يا غادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 تعرج لهاتيك الخيام بحاجر ... ونحوز رودمل فثمة ميرادي وقل يا حماك الله خلفت مغرما ... أسيراً مشوق القلب من وجده صادي يجن إلى لقيا الأحبة مولع ... يئن إذا برق بدا دون ميعاد كنت على نار الغرام ضلوعه ... إذا هب من سلع نسيم وأجياد وإن بارق من ثهمد لاح نحوه ... وقد فاح عرف الندا وطيب أوراد ترى دمعه يجري صبيباً كعندم ... ويبدي زفيراً لا يحد بتعداد فنوا عليه باللقا بعد بعده ... وحنوا وحيوه تحية أجواد عسى تنطفي نار الفراق بقربكم ... ويطرب قريه على غصن مياد عسى رأفة يد نوبها لمقامكم ... وبلبله يشدو لها فوق أعواد عسى ترحموه عطفة وتكرما ... فيحيى بكم يا سادة القرب والبادي يحن إذا ما الليل جن لما يرى ... ويرقب طرف النجم في سيره العادي يقول وقد ضاقت عليه مذاهب ... ولا كالذي جاب البلاد بلا زاد الأهل مجير لي اخا الكشف والولا ... ومن لي معينا أرتجيه لارشادي بحقك كن لي ناصحاً ومؤيدا ... لمن ألتجي في كشف حجبي وامدادي وقوله مخمساً أبياتاً للشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره حكم الله جل فيها انبهار ... وعلى العقل من مداها استتار فلذا قاله عارف مختار ... رب شخص تقوده الأقدار للمعالي وما لذاك اختيار مائلاً والهداية استقبلته ... ما هلا والعناية اكتنفته خاملاً والارادة استحسنته ... غافلاً والسعادة احتضنته وهو منها مستوجس نفار فتراه إن قال قد قال حقا ... وإذا سار سار بالحق صدقا لا مضراً يخشى ولا يتوقى ... يتعاطى القبح عمداً فيلقا جميلاً ويستر الستار وفقيهاً إن قال في الفقه أفتى ... تقياً حاز الفضائل شتى وأخا الزهد بت دنياه بتا ... وفتى كابد العبادة حتى مل من ذاك ليله والنهار ان يروم الاحسان يلقاه ضرا ... أو يذيع المعروف يرجع شرا أخذا جانباً عن الناس طرا ... يفعل الخير ثم يلقاه شرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وإذا رام جنة فهي نار منح جل قادر مبتديها ... وشؤن لخلقه بمصطفيها فهي حق إن رمت أن تجتليها ... حكم حارت البرية فيها وحقيق بأنها تحتار ليس يدري شخص إذا ما انجلت ... كيف إقبالها ولا إذ تولت غير أنها أحوال في الخلق جلت ... وعطايا من المهيمن دلت إن الله فاعل مختار ومن شعره قوله ساقي الندامى بدالي ... بكأس خمر الدوالي قديمة العصر تجلى ... صرفا بنور الجمال وزمزم الكاس منه ... بريق شهد حلالي وقال لي اشرب وعربد ... واصدح بها لا تبالي شربت شرباً هنياً ... منه بدا ما بدا لي حتى سكرت بحاني ... وما علمت بحالي فغبت عني بسكري ... ولم أزل في توالي سكرى بحاني حلالي ... فيه اعتكاف الليالي فقيل لي ذا حرام ... عليك قلت حلالي وكأنت وفاته كما أخبرت في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن ظاهر غزة رحمه الله تعالى إبراهيم بن محمد الرومي إبراهيم بن محمد الحنفي الرومي أحد الموالي الرومية قدم من ملطية مسقط راسه إلى دار الخلافة قسطنطينية وخدم بها شيخ الاسلام مفتي الدولة مصطفى بن فيض الله الحسيني وصار عنده إماماً ولازم على عادتهم وسلك طريق التدريس حتى صار مدرساً وتنقل بالتدريس على العادة حتى صار قاضياً باسكدار وبعد انفصاله قدم حاجاً صحبة المولى محمد نافع بن محمد قاضي المدينة المنورة وعاد من الحجاز للديار الرومية وكان يترقب صيرورته قاضياً بإحدى البلاد الأربع التي هي ادرنه وبورسه والشام ومصر ورتبتهم بالمقام كرتبتهم بالعدد فولى قضاء دمشق ودخلها وكان دخوله سنة إحدى وتسعين ومائة وألف وباشر أخوه سليمان المدرس أمور النيابة وتعاطى الأحكام ووقع بينه وبين الوزير محمد باشا ابن ابن العظم والي الشامي وأمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الحاج الشريف ماجريات وأحوال يطول شرحها وكان يظهر البله والتغفل في حركاته بعد انفصاله بمدة ولى قضاء المدينة المنورة وعاد إلى دمشق ثانياً وذهب منها وبعد وصوله لدار الخلافة قسطنطينية مات وكأنت وفاته بها في سنة سبع وتسعين ومائة وألف عن سن عالية رحمه الله إبراهيم الراعي إبراهيم بن مراد بن إبراهيم المعروف بالراعي الدمشقي البارع الأديب ترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه راعي ولأ الموده ومراعي ذمة من والاه ووده أشار إلى الأدب فأقبل نحوه يسعى وحمدت في تلقي مراميه عواقب المسعى وجال فيه جولة كرمت فيها خصاله وأرهفت بمواقع أرائه بيضه ونصاله واجتنى من باكورته الثمرة الجنبه ونهل من منهله الشربة الهنية بمنطق يطفي الحرارة ويخمد من جمر الحشا شراره ولحبة كالقطن المندوف فيها اعتياض وطبيعة سالمة من علاج الأدوآء والأمراض وله شعر صادف الإصابة فوق سهمه إلى غرضه فأصابه ليس بمتكلف فيه ولا متعسف ولا هو حريص على جمعه ولا متأسف أنتهى مقله ورحل في خدمة الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي إلى البقاع وبعلبك وذلك في سنة مائة بعد الألف ورحل في خدمته أيضاً للقدس في سنة إحدى بعد المائة وكان الاستاذ له نظر عليه وأخذ عنه وكان عليه كتابة في أوجاق اليرليه ومن شعره قوله لم أكن أرعوي لقول وشاة ... في هوى شادن تملك قلبي غير أن أقول في كل حين ... لخلو الفؤاد الله حسبي وقوله مليح في دمشق غدا فريداً ... يرى أبداً غرامي فيه شب ولم يك دأبه إلا التجافي ... لصب ناره أبداً تشب وقوله بديع جمال الخجل الغصن قده ... لقد تاه في ذاك الجمال وعربدا لئن ضل قلبي في دجى ليل شعره ... فمن وجهه قد لاح نور لنا هدى قوله وزهر الدفل لما راح يزهو ... حكى في حمله للورد لونا كؤس من عقيق قد تبدت ... فتره في رياض الانس عينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ومن ذلك قوله الشيخ البارع أحمد الشراباتي الدمشقي كأن زهور تلك الدفل لما ... تبدت فوق أشجار جسام قناديل من الياقوت أضحت ... معلقة على خضر الخيام وفيه للاستاذ عبد الغني النابلسي قوله وأشجار دفال فوقها الزهر قد بدا ... كجمر على تلك الغصون توقدا والاكتبر أحمر سال ساعة ... فصادفه برد الهوى فتجمدا والا عقود من عقيق تنظمت ... وقد قلدوها ساعة الدوح واليدا ومن قد رآه من بعيد يظنه ... هو الخد ممن قد هويت توردا ويحلف أن الورد فوق غصونه ... بدا فإذا وافاه الكرما بدا وللمترجم مضمنا رشأ أدرا الكأس ليلاً بيننا ... من خمرة تحكي عصارة عندم حتى بدا وجه الصباح فقال لي ... من عادة الكافور إمساك الدم ألم يقول الأمير المنجكي وروضة أنس بات فيها ابن ايكة ... يغرد والنادي الرخيم يشف وقد ضمنا فيها من الليل سابغا ... رداء بأكناف السحاب مسجف وباتت عرانين الأباريق بالطلا ... إلى أن بدت كافورة الصبح ترعف وقد سبق المنجكي إلى ذلك ابن رشيق حيث قال صنم من الكافور بات معانقي ... في بردتين تعفف وتكرم ففكرت ليلة وصله في هجره ... فجرت بقايا أدمعي كالعندم فطفقت أمسح مقلتي بجيده ... من عادة الكافور إمساك الدم قال الخفاجي لكنه جعل جيد محبوبه منديلاً فدنسه فلو قال فجعلت عيني تحت أخمص رجله ... إذ شيمة الكافور إمساك الدم لكان أليق بالأدب ومن ذلك قول ابن برج الأندلسي وأجاد ألا بشروا بالصبح مني باكيا ... اضربه الليل الطويل مع البكا ففي الصبح للصب المتيم راحة ... إذا الليل أجرى دمعه وإذا اشتكى ولا عجب أن يمسك الصبح عبرتي ... فلم يزل الكافور للدم ممسكا وللخفاجي ما يشير إلى ذلك وساق في السرور غداً طبيبا ... له طرف يشير إلى التصأبي رأى في الكاس صب دم الحميا ... فذر عله كافور الحباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ومن ذلك تضمين الشيخ أبي السعود العباسي الشهير بالمتنبي الدمشقي حيث قال قد عض من فوق العقيق بلؤلؤ ... من ثغره حلو اللما والمبسم فحمى رضابا بن سلافة ريقه ... قد لاح من شفق العقيق كعندم خمر له در الثنايا أمسكت ... من عادة الكافور إمساك الدم ومن ذلك تضمين الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وشقائق النعمان حول الماء في ... روض أريض بالربيع منمنم هطل الندى فيه النضارة ممسكاً ... من عادة الكافور إمساك الدم وقوله لواقعة في دمشق قتلت بجلق عصبة لعبت بهم ... أهواؤهم بفعال طاغ مجرم وبشيبة الجأويش كان ختامهم ... من عادة الكافور إمساك الدم قوله ومهفهف يحكي بأبيض جسمه ... في شعره بدراً بليل مظلم وبدا بورد أحمر في كفه ... من عادة الكافور إمساك الدم ومن ذلك قول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرزاق مضمناً ورد الرياض تفتحت أكمامه ... والجلنا رادار كاس العندم والياسمين الغض وافى بعده ... من عادة الكافور إمساك الدم ومن ذلك قول عبد الحي الشهير بالحال مضمناً ولقد وقفت على الطلول وأدمعي ... تجري على خدي كلون العندم وطفقت أسأل ربعهم وديارهم ... شوقاً إليهم باليدين وبالفم فأجابني رسم الديار وقال لي ... حييت من باك بغير توهم لو عاينت عيناك أجياداً لمن ... بانوا لما سالت دماً بمخيم ولجف هذا الدمع منك لأنه ... من عادة الكافور إمساك الدم ومن ذلك قول الشيخ صادق الخراط مضمناً ودعته وبكيت عند فراقه ... بمدامع تحكي عصارة عندم وأتت بشائر قربه في رقعة ... بيضاء ذات تلطف وتكرم فوضعتها فوق العيون فأمسكت ... من عادة الكافور إمساك الدم ومن ذلك قول الشيخ سعيد السمان مضمناً ومورد الوجنا لما إن رنا ... صاد الورى من كل ليث ضيغم وأراش من تلك اللواحظ أسهما ... لصميم أحشاء الكئيب المغرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فنثرت دمعاً في مواقف ذلتي ... من طرفي الجاني بلون العندم لما رآه الطرف أمسك دمعه ... من عادة الكافور إمساك الدم وأنشدني الفاضل الشيخ علي ابن محمد الشمعة مضمناً لذلك بقوله لما بفكري مر طيف خياله ... وأردت أنظر وجنة لم تلثم كادت تسيل لطافة لكنه ... من عادة الكافور إمساك الدم وأنشدني أيضاً الأديب السيد عبد الرحيم اللوجي مضمناً لذلك بقوله لما دنا الآسى ليقصد منيتي ... وأبى الخروج دماء ذاك المعصم ناديته مه يا طبيب فإنه ... من عادة الكافور إمساك الدم وقد ألف صاحبنا الكمال محمد بن محمد الغزي العامري رسالة في ذلك سماها لمعة النور بتضمين من عادة الكافور أكثر فيها من التضمين لهذا المصرع فلتراجع وللمترجم مقتبساً ومكتفياً ومخضر العذار يميس تيها ... وفاتك لحظه للقلب فاتن فقلت له وقد أصمى فؤادي ... وصبر من جفوني الدمع هاتن إلى كم ذا الجفافا كشف قناعا ... عن الخال الذي في الخد ساكن وجد في نظرة تطفي لهيبا ... مقيما في الحشا أبداً وكامن فألوى جيده عني ونادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن ومن ذلك تضمين الشيخ عبد الرحمن الموصلي حيث قال وبي ظبي رقيق الطبع أحوى ... شهي الثغر بالالحاظ فاتن رآني مقبلاً يوماً وقلبي ... به قلق ودمع العين هاتن فقال الآن ملت إليك طبعا ... فكن أبداً من الهجران آمن فقلت له أتحلف لي فنادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن ومن ذلك تضمين الأديب حسين الحلبي المعروف بابن الجزري أقول لرب حسن قد رماني ... فمن يفاتك الأجفان فاتن مميتي كيف تحييني فنادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن ومن ذلك تضمين الشيخ إبراهيم الأكرمي الدمشقي أقول لمن أموت به وأحيا ... مراراً وهو لاهي القلب ساكن أيحيى وصلك الموتى فنادى ... ألم تؤمن فقلت بلى ولكن وللمترجم حيث كان يخدمه الاستاذ عبد الغني النابلسي في رحلة القدس قوله شرفت بالربيع كل الأراضي ... وتباهت به على كل فصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وغدا زهره يفوح علينا ... حيث كنا بالوصل من غير فصل وقال في القدس أيا صخرة الله فيك الهدى ... ومن قد أتاك غدا أسعدا لقد خصنا الله في زورة ... تذكرنا الحجر الأسعدا وله لا يعيب الشعر إلا جاهل بين البرية ... لا تقول الشعر سهل إنما الشعر سجية ومن ذلك للاستاذ عبد الغني النابلسي حيث قال انظم الشعر وجانب قول من حذر منه ... لا يعيب الشعر إلا كل من يعجز عنه وفي ذلك لي من النظم وهو قولي انظم الشعر ولا تصغ إلى قول جهول ... حبذا شيء أتى فيه حديث عن رسول وهوان من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا ولنا من قصيدة هذا المفرد واقطع الأيام فيه ... تحظ في أنس جزيل وللمترجم ذوو جنة حمراء مذ شاهدتها ... أضحى الفؤاد مولهاً بلهيب فسألت روضة حسن ما هذه ... جورى فقالت لا فقلت نصيبي ولا تخفى النورية فإن من أولى الورد الجوري وأحسن من ذلك قول الملك الأشرف رحمه الله تعالى جارت ورود خدودفي أوجه كالبدورفقلت لما تبدتكوني نصيبي وجوري ومن شعر المترجم قوله وظبي من بني الأتر ... اك إذ ما ماس يسبيني فدع يا عاذلي عذلاً ... فما في القلب يكفيني وقوله دمشق سادت على كل البلاد ولم ... ينكر لذا القول ذو عقل وتمييز من بعض أوصافها في الحسن إن وصفت ... ثلوج كانون في أيام تموز وكأنت وفاته في سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى إبراهيم بن مصطفى الحلبي إبراهيم بن مصطفى بن إبراهيم الحنفي الحلبي المداري نزيل قسطنطينية العلامة الكبير والفهامة الشهير آية الله الكبرى في العلوم العقلية والنقلية ذو التصانيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الباهرة الذي هو بكل علم خبير كان من أكابر العلماء الفحول وشهرته تغني عن تعريفه ووصفه ولد بحلب وكان مدارياً في الأصل ففتح الله عليه واشتغل في بدايته على أهل بلدته حلب الشهباء وكان رأى رؤيا فقصها على شيخه ومربيه الشيخ صالح المواهبي شيخ القادرية بحلب فأمره بالقراءة في العلوم فتوجه إلى مصر القاهرة واستقام بها سبع سنين مشتغلاً وأتقن فيها المعقولات ثم توجه إلى بلده فسئل عن المنقول فأظهر أنه لم يحققه كما ينبغي فقالوا له احتياجنا إلى المنقول أكثر من احتياجنا إلى المعقول فسافر إلى الحج على طريق الشام وقدم دمشق وأخذ بها عن جماعة فأخذ التصوف عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ عن الشيخ أبي المواهب ابن عبد الباقي مفتي الحنابلة بها والشيخ الياس الكردي نزيلها وقرأ مفصل الزمخشري على الشيخ محمد الحبال وأخذ عن الشهاب أحمد الغزي العامري وتوجه إلى الحج فأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أبي طاهر بن إبراهيم الكوراني المدني والشيخ محمد حياه السندي والشيخ محمد بن عبد الله المغربي ثم رجع إلى القاهرة فأخذ المعقولات والمنقولات عن السيد علي الضرير الحنفي وكان معيد درسه وأنتفع به كثيراً وعن الشيخ موسى الحنفي والشيخ سليمان المنصوري مفتي الحنفية وعن الشيخ سالم النفرأوي المالكي والشيخ الدفري والشيخ أحمد الملوى والشهاب الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشيخ علي العمادي والشيخ محمد بن سيف والشيخ منصور المنوفي وأذن له المشايخ بالتدريس فاقرأ الدر المختار وهو أول من اقرأه في تلك الديار وأول محشى له فأقرأه في أربع سنوات مع الملازمة التامة وأقرأ الهداية وغيرها وأنتفع به الجل واشتهر بالذكاء والفضيلة وتزاحمت الطلبة على دروسه وصار إماماً ليوسف كنجيه وأنتفع من المذكور بدنيا عريضة وجهات كثيرة إلى أن توفي فآذاه الأمير عثمان الكبير أحد أمراء مصر المعبر عنهم بالصناجق واستخلص جميع ما بيده من الجهات وألزمه بأموال كثيرة فما بقي عنده شيء ففي تلك السنة عزل من طرف المصريين الوزير سليمان باشا العظم من ولاية مصر فأرسلوا للشكاية عليه المترجم مع جماعة فتوجه إلى الدولة العثمانية فما اعتبره واليها وكان رئيس كتابها إذ ذاك الوزير محمد باشا المعروف بالراغب فلما اجتمع به واطلع على غزير فضله وعلمه أخذه إليه وتلمذ له فأقرأه في كثير من العلوم وقابل له النسخ المتعددة منها الفتوحات المكية أتى بأصلها نسخة مؤلفها من قونية وغالب النسخ المقابلة خط المترجم واشتهر إلى أن أعطى الراغب الأطواغ ومنصب مصر فأراد التوجه وأنزل حوائجه في السفينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فمنعته القدرة الالهية وبقي في القسطنطينية واجتمع بشيخ الاسلام عمة الروم المولى عبد الله الشهير بالايراني وكان إذ ذاك قاضي العساكر فصار عنده مفتشاً ومميزاً وقرأ عليه علماء الروم منهم ولد المذكور شيخ الاسلام المولى محمد أسعد ومنهم كنخد الدولة محمد أمين كاشف المشهور بالمعارف وأحد رؤساء الكتاب ملاحق زاده المولى إسحق قاضي العساكر ولازم من ملاجق زاده المذكور على قاعدة المدرسين الموالي ثم لما صار شيخ الاسلام المولى السيد مرتضى ولد شيخ الاسلام المولى السيد فيض الله الشهيد عرضت عليه مؤلفاته فأعطاه تدريس الدولة وسلك طريق المالي إلى أن وصل إلى موصلة السليمانية فأدركته المنية قبل الأمنية وله حاشية على الدر المختار وشرح جواهر الكلام ونظم السيرة في ثلاثة وستين بيتاً وشرح لغز البهاء العاملي وله رسالة في العروض ورسالة في الوفق ورسالة في المعمى وغير ذلك ودرس في جامع السلطان سليم وفي جامع اياصوفية بمشيخة الحديث وكان مكباً على المطالعة والاقراء ليلاً ونهاراً مع عدم مساعدة سنه وانحطاط مزاجه لاستعمال المكيفات ودائماً دروسه تحضر فيها العلماء وغالب محققي الأزهر تلامذته وأما في بلاد الروم فلا يحصون كثرة توفى رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة تسعين ومائة وألف ودفن بقسطنطينية جوار سيدي خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه إبراهيم بن سعد الدين إبراهيم بن مصطفى بن سعد الدين بن محمد بن حسين بن حسن بن محمد بن أبي بكر بن علي الأكحل المعروف كأسلافه بابن سعد الدين الجبأوي السعدي الشافعي الدمشقي القبيباتي شيخ طائفة بني سعد الدين وخاتمة السلف الصالحين الشيخ الأوحد الصالح العمدة صاحب الحالات العجيبة كان شهماً معتقداً له ثروة زائدة وملأة واسعة لأن إيراد بني سعد في وقته كان من المجمع على كثرته وهو ينفقه باكرام الوافدين واستقام على سجادة المشيخة مدة والناس يتبركون به ويخرجون إلى زيارته بالزأوية في القبيبات وأعطاه الله جاهاً ومالاً ودنيا كما اشتهى وشاع ذكره إلى يومنا هذا والحكام تهابه والأعيان تحترمه وتخرج لزيارته وكان من أكابر الصوفية له الشهامة الزائدة والنعم الطائلة وقد توسع في آلات الاحتشام حد التوسع وكان على طريقة أسلافه في البذل والادرارات والميل إلى الشهرة وعلى كل حال فقد كان خاتمة الأجواد من آل بيتهم وبعده لم يخلفه أحد وامتدحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بموشح عمل فيه طريقتهم التي ينشدونها في محل الذكر في أوائل ربع الثاني سنة تسع ومائة وألف امتدحه بقصيدة سنية فأدرت ذكرها هنا وهي قوله ركائب شوقي والحداة بهم تحدو ... إلى الحي حيث البان ينفح والرند وحيث رياض الذكر عابقة الشذا ... تروح بأهل الذكر وجدا كما تغدو سقى الله شعب العامرية يا له ... على البعد من شعب وإن كثر البعد فإن لقلبي في مغانيه وقفة ... بها ضج منى البان والعلم الفرد شجاني وميض البرق من جهة الحمى ... وما مسعدي سعدى ولا منخدي نجد فقلت له يا برق رفقاً بمغرم ... إذا غبت يخفى أو ظهرت له يبدو وأنت فسلم يا نسيم وحيهم ... فأخبار أحبأبي بها قدم العهد ولم أنسهم لكن نسوني وإنما ... لنار غرامي من هبوب الصبا وقد وشوقي إليهم كاملاً لم يزل كما ... لأولاد سعد الدين قد كمل السعد مشايخ وقت عطر الكون ذكرهم ... فما العنبر الوردي يعبق ما الورد وفي كل عصر واحد بعد واحد ... بهم تنظم الذكرى ويتسق العقد وقام بإبراهيم بيت مقامهم ... كما قام شكراً لله بالبيت والحمد فطافت به الراجون من بركاته ... مزايا كمال أودع الأب والجد فتى يهدي أسلافه الغر يهتدي ... ولا زالت القصاد تنحوه والوفد له الصدق في الأحوال مثل جدوده ... قديماً وغير الأسد لا تلد الأسد هم القوم سر يا ابن الجبأوي بسيرهم ... وما هو إلا الجذب في الله والوجد ونفحة قدس ندها من يشمه ... فقد هام حتى ما له مثلهم ند وترتعد الأعضاء منه تواجدا ... بأسرار غيب شاهدانه الشهد صفت لك أوقات الصفا يا ابن مصطفى ... ودار بباب الله دار بها السعد وما كل من سمى باسمك مدحنا ... له بل بهذا المدح أنت هو القصد تجلت بذكر الله ذات ستورنا ... ولا سبب إلا المحبة والود فقمنا بها طوراً ونقعد تارة ... على سنن الأشياخ إذ فعلهم رشد وما القصد إلا الذكر في كل حالة ... كما جاء في قرآننا ذلك القصد سلام على السادات من سكنوا جبا ... بنى القطب سعد الدين من لهم المجد ونسل بني شيبان سادة معشر ... بنور هداهم تبرأ الأعين الرمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يخصهم عبد الغني بتحية ... تغم وتسليم لهم ما له حد على أمد الأوقات ماهينم الصبا ... فمالت غصون في حدائقها ملد ثم لما شاعت في وقتها نسبها إلى مدحه الشيخ إبراهيم المنتسب لبني سعد الدين الشاغوري المتولي على الجامع الأموي وقال إن الشيخ عبد الغني امتدحني بها ولم يمدح الشيخ إبراهيم الجبأوي القبيباتي فأخبر بعض الناس الاستاذ النابلسي بذلك فألحق البيتين اللذين مطلعهما ما صفت لك أوقات الصفا إلى آخرهما وذكر أن مرادنا بالمدح أنت يا ابن مصطفى وليس مرادنا غيرك وعنى الشيخ إبراهيم الشاغوري وكأنت وفاة صاحب الترجمة في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربتهم رحمه الله تعالى إبراهيم بن سعد الدين إبراهيم المكنى بأبي الوفا بن يوسف بن عبد الباقي بن أبي بكر بن بدر الدين بن حسين بن محمد بن سعيد بن أبي بكر بن إبراهيم بن علي الأكحل ابن الاستاذ الشيخ سعد الدين بن موسى الشيباني الجبأوي المعروف كأسلافه بابن سعد الدين الشاغوري الشيخ المبارك المعتقد المجذوب الخلوتي الناجح التقي السالك كان من كبار المشايخ المعتقدين ومن رؤساء المحافل وصلحاء العالم معتقداً عند الخواص والعوام وله في الروم الرتبة السامية والمقام العالي معظماً مبجلاً نعتقده رؤساء الدولة وأركانها حتى السلطان صاحب الخلافة وله زأوية ومريدون في اسلامبول وخلفاء وتلاميذ كثيرة وقد نشر الطريقة المأخوذة عن أسلافهم الكرام في البلاد العربية والرومية وبالجملة فبنو سعد الدين أشهر من كل مشهور وهم قوم مجاذيب صلحاء يغلب عليهم التغفل في الحركات وهم معروفون بالصلاح وقد خرج منهم جماعة أجلاء وزأويتهم وسجادة خلافتهم مقرها في الميدان في محلة القبيبات بدمشق بها يقيمون التوحيد والاذكار غير أن المترجم وأسلافهم كانوا قاطنين في محلة الشاغور البراني ولهم هناك زأوية وأوقاف وكان المترجم مقيماً هناك ويقيم الأوراد والتوحيد والاذكار مستقيماً على السجادة في الزأوية المذكورة وله مريدون وحفدة وكان يغلب عليه الجذب في حركاته والصلاح وتولي تولية وقف الجامع الشريف الأموي وتولاه مدة سنين عديدة وعزل عنه في أثناء ذلك وعادت إليه وكان مسلماً جميع الوقف وأقلامه لكتابه أولاد الخليفة حسن الكاتب وأقاربهم وأخيه مصطفى الكاتب وأقاربهم واستولوا على جميع الإيراد والأقلام وعينوا للشيخ المقدم في كل يوم مقداراً معلوماً والباقي يتصرفون فيه وجروا على ذلك سنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وأياماً والشيخ كان لا يعقل ولا يدرك لأمور الخارجية ولا أحوال الأوقاف فيتلاعبون فيه وفي الوقف كيفما شاؤا ويوجرون الأقلام ويستحكرون ويستأجرون ويبيعون ويشترون بالوكالة عنه والحال إن ذلك كله خلاف الواقع وليس يعلم الشيخ بذلك جميعه بل هم المتولون والوكلاء والوقف كناية عنهم ولم يزالوا كذلك إن أن مات المترجم فإذا بهم الله تعالى واضمحل حالهم وخربت دورهم بسبب ذلك وكان الشيخ من الأولياء المغفلين وأرباب الدولة يعتقدونه وذهب للروم مراراً عديدة وإلى مصر وصارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي الرومية وكأنت سبباً للعبث والهذيان فيه لأنه كان متغفلاً يجلس على حوانيت القهوة ودابته فوقها رقعة الاعتبار وهيئة المدرسين فيصبر العوام وغيرهم يهزأون به لأجل ذلك وكان ياكل البرش المعجون المشهور ويلبس الأثواب المفتخرة المزينة ويجلس بها على حوانيت الأسواق وعلى كل حال فحظه أكثر من عقله وبالجملة فقد كان من المشايخ المشاهير الصلحاء وبعد لم يخلفه أحد من ذريتهم على زأويتهم وكأنت وفاته بدمشق إبراهيم المعروف فندق زاده إبراهيم بن مصطفى بن محمد المعروف بفندق زاده الحنفي القسطنطيني أحد الموالي الرومية المشهورين بحسن الخط الحادث المعروف بالتعليق كان جده من الوعاظ ووالده من أرباب الدورية وهي الطريق الأوسط في القضاء ولد بقسطنطينية وبها نشأ في كنف والده وأخذ الخط المرقوم عن عبد الباقي عارف قاضي العساكر وأذن له وأجازه بالكتبة المعروفة عند أرباب الخطوط وأتقن الخط ومهر به واشتهر وصار مدرساً على عادتهم وتنقل بالمراتب حتى وصل إلى الثمان ومنها أعطى قضاء القدس وبعده ولي قضاء دمشق الشام وبعده قضاء المدينة المنورة وكان مشهور بالخسة وله بها وقائع مشهورة في الروم وفي الشام لم تصدر من غيره توفى بقسطنطينية سنة خمس ومائة وألف إبراهيم صره أميني إبراهيم بن مصطفى صره اميني زاده السيد الشريف الحنفي القسطنطيني أحد الموالي الرومية كان جده كاتب وقف جامع الوالدة في اسلامبول ووالده من الموالي وتوفي معزولاً عن قضاء ازمير وهو نشاء نجيباً وأخذ الخط المعروف بالتعليق عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الاستاذ محمد رفيع كاتب زاده قاضي العساكر في الرم ومهر به وقرأ على بعض الشيوخ في الطب وبرع به وصار من حكماء السلطان ولازم على عادتهم وصار مدرساً وتنقل في مراتب التدريس حتى وصل إلى الثمان وأعطى قضاء بلدة حلب الشهباء وكان تزوج بابنة شيخ الاسلام جلبي زاده إسماعيل عاصم مفتي الدولة وأعقب منها وكأنت وفاته في أواسط سنة ثمان وثمانين ومائة وألف إبراهيم بن أشنق إبراهيم الشهير بابن أشنق الحمصي الولي الصالح الشهير كان رحمه الله ذا لحية عظيمة ينسج العبا ولا يفتر عن ذكر الله تعالى في فراغه وشغله ويأخذ الحال في حال نسجه فلا يفيق إلا وقد نسح على لحيته في بعض الأوقات فينقض النسج عنها وكان يسقي الماء على ظهره مجاناً وهو مشتغل في الذكر وقد شاع عنه الخبر وذاع من الناس بأنه اجتمع به بعض أهل بلدته في جبل عرفات ولم يكن صحبة الحج وأخبر المذكور أنه حج في بعض السنين وكان الحج إذ ذاك في الشتاء في أيام كوانين وهو في عرفة وإذا بالشيخ إبراهيم المترجم ومعه رجال لا يعرفهم فرآه على حالته التي يعهدها عليه في حمص فسلم عليه واستخبر منه متى كان الخروج فأخبره أنه بهذا اليوم بعد التروية منه وعدم التسليم من الرجل واستخبر منه عن حال ولده فقال له بخير هو وحال الخروج رايته ينزع الثلج عن سطح داره ثم إن الرجل فارقه لحظة فلم يجده بعد ذلك بعد مزيد التعب منه في التفتيش عليه فكتم أمره حتى جاء إلى حمص فأخذ هدية وذهب إلى عنده وذكر له قصته معه فقال له أنت من مشاليم الحج فلم يزل يكثر عليه حتى أخذ العهد منه بأنه لا يقبل الهدية منه إلا بالكتمان عليه وكتم أمره إلى أن مات فأخبر حينئذ بذلك عنه وعلى كل حال فإن صاحب الترجمة كما أخبروا عنه من المجمع على ولايتهم معتقد الخاص والعام وكأنت وفاته في نيف وستين ومائة وألف ودفن باطن حمص في جامع وحشي ثوبان رضي الله عنه في إيوان الجامع المذكور من جهة الشرق رحمه الله تعالى إبراهيم الزبال إبراهيم المعروف بالزبال الدمشقي الولي المستغرق المجذوب ترجمه الاستاذ السيد مصطفى الصديقي في كتابه الذي ترجم فيه من لقيه من الأولياء وقال في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وصفه كان خالي البال موصول الأحبال معلوماً بين الرجال وأخبرت أنه قال اذن ل بالظهور وكان على يد شيخنا الياس الكردي المشهور فإنه كان يتردد عليه إلى القميم فاعتقد الناس فيه الاعتقاد الجسيم وصار يقول ما أشهرني إلا الياس نفعنا الله تعالى بهما وأزال عنا الالتباس ولما حج الشيخ الياس آخر حجته مرض وخرج في رجله أحد عشر خراجة فأخبرني بعض جماعة الشيخ أنه جاء الشيخ إبراهيم إلى تلميذه وخليفته المنلا عباس الكردي وقال له إن شيخكم المنلا مريض وأخبر عن عدد خراجاته وعجز عن المشي فلحته وأوصلته لمحله وهو يوصيك ويقول لك الأمر الذي أوصاك به وهو كذا وكذا لا لستره قال فلما جاء الشيخ همت أن أسأله عن صحة ما أخبر به الشيخ إبراهيم قال فد الشيخ المنلا رجله حالاً وقال كان في رجلي أحد عشر خراجة وأراني محلها فتحققت جميع اذكره وحدثني عنه بعض المترددين عليه أنه قال له شككت هل حصل لي سلوك أو لا فأخذت بيدي عكازاً وغرسته في الأرض وقلت في نفسي اللهم إن كنت مننت علي بالسلوك فاشهدني ذلك في هذا العكاز واخضراره قال وخطوت عنه خطوات ورجعت إليه فرأيته قد نبت في رأسه أوراق خضر فحمدت ربي سبحانه وعلمت أنه حصل لي سلوك ولقد كنت أراه ماشياً خلف الحمير يسوقها وهو غارق في حاله فلا أكلمه وكان يأتي إلى المدرسة الباذرائية يغسل رجليه ويصلي ولا يترك الصلاة ومع ذلك فهو مستغرق مدهوش وله أحوال كثيرة ومناقب شهيرة معلومة للشيخ عبد الرحمن السمان وللملازمين له كبعض الخلان أنتهى ما قاله الصديق بخروفه ولم يذكر تاريخ وفاته إبراهيم بن عاشور إبراهيم بن خليل بن عاشور الشافعي قرأ القرآن على والده وتفقه عليه وأنتفع أتم الأنتفاع واستقام على سنن أبيه يفيد ولا يستنكف أن يستفيد رحمه الله رحمة واسعة أبو بكر الجزري أبو بكر إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن عثمان الجزري الأصل الدمشقي المولد الحنفي الشيخ حافظ الدين الأديب الكامل المقري الحافظ كان حسن الصوت صحيح التلأوة والقراءة لطيف الصحبة ولد بدمشق ونشأ بها في حجر والده وكان من المشايخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الصلحاء قدم هو وأخوه الشيخ محمود الجزري إلى دمشق واستوطناها وكان أبو الثناء محمود عارفاً بالأوفاق والزايجه والسيمياء وغالب هذه العلوم تعاطاها بدمشق وراج أمره بها واستقامت أحواله مع صلاح وتقوى واعتقده الناس وله مناقب غريبة في هذه الأشياء وأما والد المترجم فلم يتعاط هذه الأشياء نبغ له هذا وأخوه الشيخ محمد الكاتب تعان الكتابة وقد أدركته وأما المترجم فقأ القرآن على شيخنا البرهان إبراهيم بن عباس الدمشقي وغيره وتلاه مجوداً وأخذ بعض العلوم وقرأ مقدماتها وحضر دروس الأجلاء كالشيخ الإمام المسند أبي الفتوح أسعد بن عبد الرحمن المجلد وأبي عبد الله محمد بن محمد بن سعد الدين العبوي وقرأ على الأول الفقه وعلى الثاني النحو ونظم الشعر وأم وخطب في جامع الصوفا الكائن بالقرب من محلة سوق صاروجا وولي كتابة بعض الأوقاف وحضر دروس والدي في السليمانية وكان يقرأ لديه العشر من القرآن العظيم اجتمعت به كثيراً وكان يزورني وصحبته وسمعت من أشعاره وسمع مني توفي يوم السبت خامس عشر شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بمقبرة مرج الدخداح خارج باب الفراديس ومن شعره ما أنشد من لفظه لنفسه يمدح به بعض الرءساء ويهنيه ببناء مكان ومطلع القصيدة نزهة الروح والفؤاد بناء ... نتهادى في ظله النعماء سيماموئل بروضة أنس ... شاده للمكارم الكرماء هو للسعد طالع ومقر ... للتهاني يدوم منه الثناء بسناء أضاء رونق صرح ... أخجل النيرين منه الصفاء عطر رياه غم قطر دمشق ... حيث فاحت زهوره والشذاه وكذب الرضاب ماء معين ... لفؤاد المشوق منه ارتواء مزريا بالرياض من شعب بو ... وان الذي فيه هامت الشعراء جفه لطف ذي الوقار فأضحى ... روض أمن به أقام البهاء هو صدر الكرام مجد أو فخرا ... أوحد الدهر من له الآراء فاق بالفضل غيره فتراه ... بحر علم تؤمه الفضلآء يا فريد الخصال لا زلت ركنا ... لك يسعى الفخار والعلياء نعم قابلت هلاك فشكرا ... لجزيل العطا ونعم العطاء وحياك الاله أسمى مقام ... ما البدر السما إليه ارتقا ومنه ما قاله معجزاً ومصدراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... ماذا الهيام بأنه وتوجع فأنا الكئيب وأشتكي لك حالتي ... إن كنت مسعد الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... كالقلب حركه الهوى بتولع ولديك منزله الهني ونوره ... في راحتيك وجمره في أضلع وصدرهما وعجزهما الأجلاء من دمشق وأدباؤها فمنهم السيد الماجد العلامة الوالد فقال أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... بالشعب من نحو العذيب ولعلع إني أحن إلى الديار فغردي ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... حمر القنا تدمى بكل مولع رفقا بحالي يا حمامة أنه ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال أبو اللطف شاكر بن مصطفى العمري الدمشقي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... رفقا بصب بالتوله مولع قل المساعد والنصير على الهوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تحكي نحولي في الهوى وتوجعي وبه عقيلك نزهة وغياضه ... في راحتيك وجمره في أضلع وقال الشاكر بن عمر الحموي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هيجة أشواقي ونار تولعي إنا تقاسمنا النضا فغصونه ... مثوى لك ونباته من أدمعي وإذا ادعيت دون ذاك فرطبه ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الشمعة الدمشقي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... قد طاب مغناكي ولذ لمسمعي ورميت في قلبي تباريح الجوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... لك معهد يسق بسح الأدمع وظلاله لي موطن وزهوره ... في راحتيك وجره في أضلعي وقال الشيخ سعيد بن أحمد المقدسي الأصل الدمشقي الصالحي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هل أنت من مرأى سعاد بمسمع فلقد تركت موسدا فرش الضنا ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تلك اليوانع جيدات المطلع ذات النضارة يا حمام لأنه ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال الشيخ نور الدين علي بن خالد الصفدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... ما بين ذات المضى والأجرع أنسيت قولي إذا ضر بي النوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تزهو وتسقى من سحائب أدمعي ولقد حبوتك إذ جعلت أراكه ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال السيد عبد الفتاح بن مصطفى مغيزل الدمشقي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... أشجاك ما أشجى فقد الأربع إني ليسعدني البكاء من الجوى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... لك موطن وقتادة في مضجعي وشذاه تحمله الصبا وخضابه ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الباقي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هلا تذكرت اللقا بالأجرع فبحقه عودي بغربي الحمى ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... ماست بك لك ناره في مدمعي ما تعجبين فقد غدت أفنانه ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال الشيخ محيي الدين يحيى بن يحيى العطار الدمشقي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... هل شمت مثلي من كئيب مولع ذي محنة قد غاب عنه الفه ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... تزهو وتلهى كل صب موجع ومن العجائب كونه هو دائماً ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال الشيخ محمد كمال الدين بن محمد بن محمد الدمشقي الشهير كأسلافه بالغزى الشافعي أحمامة الوادي بشرقي الغضا ... تشدو بندب الألف بين الأجرع إني المشوق وإن ما بك نابني ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغصونه ... اللاتي ذهت بعبيرها المتضوع هي طبق ما حكم الغرام بحالتي ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال مخمساً لما برا جسمي السقام وامرضا ... ورأيت من أهواه عني أعرضا ناديت من قلب تصبره انقضى ... أحمامة الوادي بشرقي الغضا إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي فلعل ما بي قد ألم بلينه ... تلحينك المستعذبات فنونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يكفيك منه الآن ما سيينه ... إنا تقاسمنا الغضا فغصونه في راحتيك وحمره في أضلعي أبو بكر الموروي أبو بكر بن إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم الحروري الأصل القسطنطيني المنشأ الحنفي الوزير حسام الدين أحد وزراء الدولة العثمانية الوزير ابن الوزير العالم الفاضل الكبير الأديب الشاعر البارع الكاتب الماهر ولد في حدود الستين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وقرأ واشتغل وسمع وأخذ الفنون وقرأ الكتب المعقول والمنقول على أجلاء منهم القاضي عماد الدين إسماعيل بن مصطفى القونوي الحنفي وأكثر من الأخذ عنه وأنتفع به ومهر بالأدب والكتابة وكتب الخط المنسوب وبرع بالترسل والانشاء واكب على المطالعة والاستفادة وتفوق وكان عارفاً باللغة العربية والفارسية ينظم وينثره فيهما والتركيت أيضاً وشعره في غاية الجودة وكان كريم الطبع حسن الأخلاق كاملا كثير الحيا لطيف المذاكرة يحفظ النوادر واللطائف ويوردها في محاضراته ويحب العلماء ويكثر من مجالسة الأدباء ويختلط بالشعراء مع الديانة والعفة والصلاح والتقوى وملازمة العبادات والأوراد وصلوات النوافل والاكثار من المستحبات اجتمعت به بدمشق لما قدمها مع أخيه وبقسطنطينية لما دخلها وصحبته وزرته وزارني وسمعت من شعره وسمع من شعري وبيني وبينه محبة ومودة وكان يزيدني إكراماً وتوقيراً كلما اجتمعت به وهو أفضل من اجتمعت به من الوزراء وأكملهم وكان جده ووالده من الوزراء المشهورين بالرأي والتدبير وجده عثمان أمير الأمراء ووالده ولي الوزارة وصار حاكم البحر واشتهر في الدولة وعلا صيته وأخوه أبو عثمان محمد الوزير بعد أن ولي الوزاره وتنقل بالنيابات ولي نيابة جدة ومشيخة الحرم الشريف المكي وتوفي بمكة سنة تسع وتسعين ومائة وألف وكان من الوزراء الأجلاء كثير النبل والذكاء غزير الفضل والأدب اجتمعت به بدمشق لما ولي نيابة صيدا وكان منصرفاً عن نيابة حلب ولمال اشتهر حسن حال المترجم الوزير حسام الدين بين الناس وأكثروا من الثناء عليه أعطاه الوزارة السلطان الأمجد الأعظم غياث الدولة والدين عبد الحميد خان وولاه حكومة البحر كما كان والده وركب البحر ودخل السواحل والثغور واشتغل بتعاطي أمورها وتنظيم أحوالها ثم ولي نيابة بوسنة وحمدت سيرته بها ولما هجم الكفار الرومية على أطرافها جهز عليهم العساكر والجنود وحرضهم على الجهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ونصره الله تعالى عليهم وقتل منهم ألوفاً وأسر أمثالها وعلا شأنه واشتهر وأعطاه الله القبول وشكره الناس ولجوا بالدعاء له وأحبه السلطان وأرسل إليه الأموال الكثيرة والخلع الفاخرة والمراسيم الشريفة أبو بكر باشا أبو بكر باشا ابن إبراهيم الرومي أحد وزراء الدولة العثمانية المشاهير وكان يعرف بالقوجه ومعناه الاختيار الشيخ بالعربية كان من الوزراء المعروفين بالعقل والراي والمعتبرين وصار كمركجياً وأمين دار الضرب ثم صار رئيس الجأويشيه بالديوان السلطاني ومنها خرج بالوزارة ومنصب جدة واستقام بها مدة ثم مصر ثم المورة واغريبوز وثانياً جدة وبوسنه وترخاله وقبرس وصارقبودانا وله من الآثار في قبرس الماء وغيره وقدم دمشق ونزل وهو حاكم البحرين الذين تحت تكلم سلطان الملك العثماني وهما الأبيض والأسود وأخذ السلطانة صفية سلطان واتصل بها وتوفي في جماد سنة ألف ومائة وإحدى وسبعين ودفن في اسلامبول وتربته مخصوصة له وعمى في آخر عمره أبو بكر العلبي أبو بكر بن أحمد بن صلاح الدين المعروف كأسلافه بالعلبي الحنفي القدسي الشيخ العالم الفقيه المحدث المقدام كان زاهداً في الدنيا راغباً في أفعال الخير والصدقات وتولى افتاء الحنفية بالقدس وتوجه لاسلامبول في الديار الرومية فات هناك ولما توجه ودع أحبابه وأقاربه وأشار إليهم أن فيما بعد الاجتماع إن شاء الله في الجنة دار البقاء وكأنت وفاته في اسلامبول في سنة أربع وأربعين ومائة وألف وسيأتي ذكر والده وأقاربه في محلاتهم رحمهم الله تعالى أبو بكر الحلبي أبو بكر بن أحمد بن علي الشافعي القادري الحلبي الشيخ الصالح الورع الزاهد المسلك المرشد مولده بقرية دارة غزة غربي حلب في سنة تسع وتسعين وألف وصحبه شيخه الشيخ محمد هلال وبه أنتفع وعنه أخذ طريق القادرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وخلفه شيخه المذكور في حياته وهذه الفرقة من هذه الطريقة المباركة يخلفون إذا صدر لهم الإذن بعد تكرار الرؤيا مراراً من يختاره الله تعالى أن يكون خليفة في حياتهم وبعد وفاة شيخه جلس في زأويته لقراءة الأوراد وإقامة الاذكار وأنتفع به الناس وأعقب له ولداً يقال له محمد هلال خلفه والده في حياته وألبسه الاخوان تاج والده بعده أخبر الشيخ عبد الله الشهير بابن شهاب أنه كان صاحب الترجمة يوماً بصحن الجامع الموي بحلب عند العامود وعنده جماعة من أحبابه ثلاثة أو أربعة قال فأتيت إليه وقبلت يده فأخذ يباسطني بالسؤال وإذا برجل من الأشراف جاء ليقبل يد صاحب الترجمة فزجره وصاح به اخرج وابعد ولم يرد قربه منه فعطف الشريف إلى نحو باب الجامع الغربي فاتبعته إلى أن خرج الشريف من الباب وسألته عن ذلك فقال إني محدث حدثاً أكبر أو سهوت وله كرامات ظاهرة وبالجملة فقد كان شيخنا صالحاً معتقداً وكأنت وفاته في نهار الخميس الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف قبل العصرود في بالزأوية المعروف به التي دفن بها شيخه بتعصب من أهله وبعض جهال وكان مرضه نحو خمسة أيام بالحمى وأرخ وفاته السيد عبد الله اليوسفي الحلبي بقوله لصاحب هذا الرمس سر غدا يسرى ... ونور جلي واضح حالة الذكر لذا خصه مولاه أسنى مكانة ... وأسمى مقام ساطع بسنا البشر وكان مع الابرار في جنة البقا ... يلوح بهاتيك المنازل كالبدر فقولوا لابناء الطريق وارخوا ... تهنى بفردوس الجنان أبو بكر أبو بكر بن بهرام أبو بكر بن بهرام الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية دار الخلافة وأحد الموالي الرومية كان فاضلاً عالماً مفنناً متقناً خصوصاً بالرياضيات فإنه كان بذلك ماهراً جداً وكان يدخل مجالس الصدور واشتهر سنا قدره وسطعت شمس اقباله وأنتظم عقد سعده ولد بدمشق وبعد تحصيل الاستعداد ارتحل إلى قسطنطينية واستوطنها وأنتسب إلى الصدر الأعظم الوزير أحمد باشا الكبرلي المعروف بالفاضل وابنتسابه إليه سلك طريق الموالي ولازم على قاعدتهم من الموالي شيخ محمد عزتي وبعد انفصاله عن مدرسة بأربعين عثماني كقاعدتهم ترقى في المدارس إلى سنة تسع وتسعين في صفر ففيه أعطى رتبة خامسة سليمانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وفي السنة المذكورة في جمادي الأولى ارتقى إلى أحد المدارس السليمانية وفي سنة إحدى ومائة في جمادي الأولى أعطى قضاء حلب الشهباء مكان خواجه زاده المولى لطف الله وفي سنة اثنين ومائة وألف في جمادي الأولى عزل وصار مكانه قاضياً بحلب المولى إدريس أحد الموالي الرومية ففي السنة المذكورة في جمادي الآخرة كأنت وفاته وكان معتبراً مشتهراً حتى أنه صار معلوماً للسلطان محمد بن إبراهيم خان بسبب همته وتربية الوزير الفاضل المذكور آنفاً وبعده الوزير قره مصطفى باشا المرزيفوتي الشهير وبأمر السلطان المذكور ترجم بالتركيه جفر الاقياجي الكتاب المشهور والآن الذي ألفه في الخزينة السلطانية محفوظ وموضوع رحمه الله تعالى أبو الإسعاد بن أيوب أبو الاسعاد بن أيوب الخلوتي الدمشقي الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها كان من أكابر العلماء المحققين في سائر الفنون حتى كان في علم الابدان غاية لا تدرك ولد بدمشق في سنة ثلاث وخمسين وألف وقرأ العلوم واجتهد في تحصيل المعارف والفنون مدة أعوام وشهور ومن مشايخه العلامة الشيخ إبراهيم الفتال وأجازه الشيخ يحيى الشأوي المغربي وغيرهما ثم ارتحل إلى الروم إلى دار الخلافة واستقام بها إلى أن مات وسلك طريق الموالي بها فلازم من شيخ لاسلام المولى علي ولما كان منفصلاً عن مدرسة بأربعين عثماني في خامس رجب سنة ثمان وتسعين وألف في ابتداء الأحداث أعطى مدرسة رابعة ساري الغلطه ودرس بها وهو أول مدرس درس بها ففي صفر سنة مائة وألف أعطى مدرسة أبهم مكان المولى رجب أحد المدرسين وفي سنة أربع ومائة في ربيع الآخر أعطى مدرسة خاص أوده باشي وفي سنة ستة ومائة وألف في ذي القعدة أعطى مدرسة أولاي خسر وكنخدا مكان المولى بسنوي حسن ففي يوم الجمعة العشرون من الشهر المزبور كأنت وفاته وبسبب اشتغاله بالطلب صار في مارستان أبي الفتح السلطان محمد خان في قسطنطينية رئيس الأطباء وقد أخذ عنه العلوم في تلك الديار خلق كثيرين من الموالي والوعاظ وكتب له والده الاستاذ والكبير وصية مستقلة كما خص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 أخا المولى أبا الصفا بوصية خاصة رحمهم الله تعالى أبو بكر القواف أبو بكر بن عبد القادر بن عبد الله المعروف بالقواف الشافعي الدمشقي العالم الإمام الكامل أحد البارعين والمنسريلين بحلة الفضل ولد في سنة ست ومائة وألف واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الشيخ علي كزبر وأنتفع به وكان مفيداً لدرسه ومنهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ محمد أبو المواهب مفتي الحنابلة والشيخ محمد الكامل والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد العجلوني وغيرهم وروى عنهم جميعهم ما بين السماع والقراءة والاجازة الخاصة والعامة بسائر ما يجوز لهم وعنهم رواية وإجازة بالافتاء والتدريس وأقرأ بالجامع الأموي في النحو وغيره وكان حافظاً لكتاب الله تعالى قرأ الناس عليه بالتجويد وأنتفعوا به وعم بره وفضله وكف في أثناء عمره ثم رد الله له بصره وكأنت وفاته في نهار الاثنين غرة ربيع الثاني سنة سبعين ومائة وألف ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى أبو بكر ابن عراق أبو بكر الشهير بابن عراق الحلبي الفاضل المشهور الشاعر المجيد كان يعاني العطارة في حانوت بالقرب من جامع البهرامية ولد بحلب ونظمه أكثر من أن يحصر وكان حلو المنادمة وله اطلاع على دوأوين المتقدمين وحفظ أشعارهم ومن نظمه قوله إليك يا دهر من انك تحسبني ... أخاف اقتاراً أم أبكي على طلل إني إذا ما رأيت الضيم من جهة ... بسيف أبرى هامة الامل وله غير ذلك وكأنت وفاته في حلب بعد العشرين ومائة وألف وقد ناهز السبعين رحمه الله تعالى أبو بكر الدسوقي أبو بكر بن محمد بن عبد الوهاب بن شرف الدين بن أحمد بن عيسى الدسوقي الدمشقي الشافعي الخلوتي مرشد الدين الشيخ السيد الشريف أحد المشايخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 المشهورين المعتقدين ولد بدمشق سنة أربع وعشرين ومائة وألف وقرأ بها القرآن وغيره من العلوم وأخذ الطريقة الخلوتية عن والده وأقام الذكر والتوحيد على عادتهم في زأويتهم المعروفة بهم الكائنة بالقرب من باب جيرون قريب الجامع الأموي واعتقده الناس وكتب التمائم والتعأويز للمرضى وغيرها واحترمه الكبار والصغار وكان مبجلاً معتقداً اجتمعت به مرات بمجلس والدي وغيره وكان يزورني وأنتفعت بدعواته وكان الوالد يجله ويحترمه ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات توفي يوم الاثنين سابع عشر رمضان سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي وحضرت مع من كان مصلياً عليه ودفن من يومه بمقبرة باب الصغير أبو بكر بن مصطفى باشا أبو بكر بن مصطفى باشا الحنفي القسطنطيني أحد خواجكان الدولة العثمانية وهم باصطلاح الدولة أعان الكتاب وروسائهم كان من أرباب المعارف والكمال والوقار حسن الأخلاق يكتب الخطوط الحسنة كالثلث والنسخي والديواني ماهراً بهم صاحب دراية ومعرفة ولد بقسطنطينية وبها نشأ ودخل السراي السلطانية وصار من علمائها الذين يحدثون السلطان ثم ان السلطان أحمد خان الثالث أخرجه كعادتهم برتبة الخواجكان وأعطاه منصب الموقوفات ثم بعد ذلك صار طغرأى الدولة المعروف بالتوفيعي وأمين الدفتر وكاتب أوجاق البنكجريان ومعناه العسكر الجديد ومثل ذلك من المناصب العالية وكان والده من الوزراء ويعرف بقره كوز مصطفى باشا ومعناه بالعربية أسود العين ولم يزل المترجم على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته بقسطنطينية في شعبان سنة إحدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى أبو بكر ابن قنصه السيد أبو بكر بن منصور المعروف بابن قنصة الشريف لامه الحنفي الحلبي الفاضل الكامل من المنوه بهم في حلب بين روسائها ولد بها في سنة أربع وثمانين وألف وقرأ على الفضلاء بها وبرع وصار مدرساً صاحب رتبة وكان له لدى الحكام في أموره اقدام نفي وأحلى بسببه مراراً منها في سنة أربع وستين ومائة وألف أجلاه الوزير السيد أحمد باشا مع من ساق من أعيان حلب فاستقام في بلدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ببلان إلى أن عزل الوزير المذكور من حلب ووليها صاري عبد الرحمن باشا فعاد إليها واستمر الحال إلى أن مات وكأنت وفاته في يوم السبت خامس جمادي الثانية سنة سبع وسبعين ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة وأعقب ودفن في التربة الأمينية التي مدفون فيها الشيخ أبو يمنى خارج باب قنسرين وقنصة اسم جدته أم والده كأنت من قرية من قرى حلب رحمهم الله تعالى أبو بكر الدراقي أبو بكر المعروف بالدراقي الحمصي كان ورعاً زاهداً نطق بولايته الخاص والعام وكان مشهوراً باستجابة الدعاء وله كرامات كثيرة يطول ذكرها توفي تقريباً في سنة خمسة وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى أبو الذهب محمد بيك أبو الذهب محمد بيك بن عبد الله رئيس الأمراء الكبار بالديار المصرية كان مولى من موالي الأمير علي بيك ثم لما صدر من والي دمشق الوزير عثمان باشا بعض الأمور مع أهل غزة والجاهم في الشكاية عليهم إلى الأمير علي بيك المزبور فعين الأمير علي بيك للركوب على الوزير عثمان باشا والأنتقام منه صاحب الترجمة وجهز معه العساكر الكثيرة والذخائر فتوجه جهة دمشق وكان وصوله إليها يوم الاثنين تاسع عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف وكان معه تسعة صناجق وخمسة من أولاد عمر الظاهر أمير بلدة عكا ومشايخ المنأولة والصفديه أهل البدع والرفض ومعه نحو ثمانين مدفعاً وأربعين ألف مقاتل وكان عثمان باشا لما سمع ما صدر من شكاية أهل غزة وتجهيز العساكر لقتاله من جهة الديار المصرية وكان الأمير علي بيك أرسل لوالدنا مكتوباً يخبره بما صدر من عثمان باشا وانكم إن لم تسلموه نلقاكم بالرجال والأبطال فأخبر والدنا وعثمان باشا الدولة العلية بهذا الأمر فعينت الدولة لقتال العساكر المصري ودفع غائلتهم عن البلاد الشامية والي حلب عبد الرحمن باشا ووالي كليس خليل باشا ووالي طرابلس محمد باشا المزبور وتوفي والدنا في أثناء ذلك قبل وصلو أبي الذهب إلى الشام فلما قدم أبو الذهب بعساكره المار ذكرها ونزل بقرب داريا الكبرى ووصل خبره إلى دمشق خرج للقائه الوزراء الأربع بالعساكر الشامية والأجناد وصارت المعركة في سهل داريا المزبورة وفي أقل من ساعة انكسر العسكر الشامي وفر هارباً كل من خليل باشا وعبد الرحمن باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وعساكرهما وقتل منهم شرذمة قليلة وثبت كافل دمشق عثمان باشا وولده محمد باشا والعساكر الشامية وحصل القتال معهم ثلاثة أيام ثم في ليلة الجمعة رابع عشر صفر المزبور ذهب عثمان باشا فاراً مع ولده محمد باشا وصبحة الجمعة ورد مكتوب من أبي الذهب لعلماء دمشق وأعيانها يطلبهم لمواجهته في ذلك اليوم كل من العلامة علي بن صادق الطستاني مدرس الحديث تحت القبة والمولى أسعد بن خليل الصديقي أحد الرؤساء بدمشق الشريف محمد بن أحمد العاني أحد المدرسين بالجامع الأموي وحين وصلوا عنده طلب منهم تسليم دمشق وأنه لا بد له من أخذها على أي حالة وتوعدهم إن خالفوه أنه يحرقها ويأسر جميع أهلها فأمهلوه بالجواب إلى يوم السبت حتى يجتمعوا ويشأوروا أهل دمشق من الأعيان والعلماء والأوجاقات ففي تلك الليلة ليلة السبت هربت الأعيان وعثمان باشا وولده ورئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري ولم يبق في دمشق مقاتل واستولى على الناس الخوف والفزع والقلق وغص الجامع الأموي بأهالي القرى فإنهم نزلوا جميعاً بأهلهم وأمتعتهم ومواشيهم إليه وكان ذهاب الفارين إلى بلدة حماه ففي صبيحة يوم السبت هاجت الضعفا بدمشق وذهبوا إلى العلماء حيث لم يجدوا من يدافع عنهم وتوسلوا بهم أن يواجهوا المترجم ويسلموه الشام ويدفعوا عنهم غائلته فخرج لملاقاته كل من العلامة علي الطاغستاني المار ذكره ومفتي الشافعية بدمشق السيد محمد شريف بن الشمس محمد الغزي العامري وخطيب الجامع الأموي المولى سليمان بن أحمد المحاسني والعلامة خليل بن عبد السلام الكاملي فلاقوا العساكر عند قرية القدم متوجهة لدمشق لأجل القتال فطلبوا منهم المهلة حتى يواجهوا أبا الذهب فلما دخلوا عليه قابلهم بغاية الاكرام فأخبروه بأنه لم يبق في الشام مقاتل وقالوا له إن البلد لمولانا السلطان مصطفى خان فتسلمها أنت واحقن دماء المسلمين وكف عن أموالهم وكان رئيس جند القول مصطفى أغا المطرجي لما فراعيان دمشق وكافلها وصار ما تقدم أغلق باب القلعة الدمشقية وحاصر فسألهم أبو الذهب المترجم عن القلعة فأخبروه بما وقع وطلبوا منه أن يخرج لهم من ينادي في شوارع دمشق بالأمان ورفع القتال ففعل ذلك ثم رفع القتال عن أهل دمشق وصار عسكره ينزل إليها ولا يتعرضون لأحد من أهلها بأذى ثم بعد أيام حاصر القلعة الدمشقية ونصل لها الأطواب من المرج الأخضر وضربها بالقنابر فصارت تنزل القنابر على أهل البلد ولا تصيب القلعة حتى وقع على سقف الجامع الأموي منها واحدة فخرقته وأزعج الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 لذلك انزعاجاً كلياً فخرج إليه بعض العلماء وأخبروه بما صار وإن هذا الأمر ليس بأمان لأهل دمشق وأخبروه بما فعلت القنابر في البلد واستمر الحال على ذلك إلى يوم الاثنين رابع ربيع الأول هذا لسنة فورد من أورديه كتاب مضمونه أنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا اضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وإن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن إنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وإن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كأنت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وانزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كان السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه وأصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكان الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كان يسميهم بالفدأوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم إنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم إن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقولهأنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا اضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وإن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن إنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وإن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كأنت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وانزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كان السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه وأصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكان الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كان يسميهم بالفدأوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم إنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم إن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقوله ألا فانظروا في الدهر ولا تأمنوا له ... يسالم في بعض ومن شأنه الغدر وإن هو يصفو بعض يوم يرى به ... تباريح أكدار يقل بها الصبر فكم خان من مولى بكت بفراقه ... عيون سماء المجد والغيث والقطر ولا سيما مير اللواء محمد ... وكان له الاسعاد والفتح والنصر فمات على عز ونودي شأنه ... لموتته أرخ به قضى الأمر وجامعه المزبور من أحسن جوامع القاهرة صار للمجأورين بالأزهر به أنتفاع عظيم رحمه الله تعالى أبو السعود الكواكبي أبو السعود بن أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد الشهير كأسلافه بالكواكبي الحنفي الحلبي مفتي الحنفية بها وابن مفتيها نجل السراة الصناديد الذي أشرقت سماء الشهباء بكواكب مجدهم وحسبهم وافتخرت بفضائلهم ونسبهم الذين تسنمو أمراً في المعالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وازدانت بهم الأيام والليالي ولد بحلب في سنة تسعين وألف وبها نشأ وأخذ العلم عن فحول علمائها أجلهم والده أخذ عنه التفسير والمعقولات وأخذ النحو عن الشيخ سليمان النحوي والشيخ عبد الرحمن العادي والفقه عن الشيخ زين الدين أمين الغنوي والحديث عن الشيخ أحمد الشراباتي وبالواسطة والإجازة أخذ عن الشيخ حسن العجيمي المكي وأجازه الشيخ أحمد النخلي وأخذ سائر الفنون من أجلاء العلماء وتولى الافتاء بحلب بعد والده سنة خمس وعشرين ومائة وألف واستمر مفتياً إلى أن توفي وأقرأ التفسير مدة افتائه بالمدرسة الخسروية المشروطة لمفتي حلب قراءة تحقيق والتزم المحاكمة بين ما ناقش به جده العلامة محمد بن حسن الكواكبي مع العلامة عصا والعلامة سعدى جلبي وبين والده وجده فيما تناقشا به وأف في مبدأ غمره لكن لم يسعه عمره فما نظمه في مبدأ عمره وعنوان شبابه رسالة آداب البحث ورسالة الوضع وكتب على منظومة أداب البحث شرحاً مفيداً وباشر تحرير شرح على نظم الرسالة الوضعية فنعته من ذلك شواغل الفتوى ولازم التدريس وتصدى للافادة وأخذ عنه أفاضل حلب وغيرهم جماعة كثيرون وفاق أهل عصره وكان له شعر رقيق وكان رحمه الله لطيفاً خلوقاً عفيفاً نظيفاً شريفاً شفوقاً عالماً محققاً مدققاً رئيساً محتشماً علامة مفرداً علماً وزهداً وورعاً ذا حلم ووقار وصلاح حائزاً للأوصاف الحميدة وكأنت وفاته في ثاني رجب سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن عند آبائه بالتربة التي بداخل المسجد المعروف الآن بمسجد أبي يجبى وسيأتي ذكر والده أحمد إن شاء الله تعالى في محله وبنو الكواكبي طائفة كبيرة أهل فضل ورياسة ولهم طريقة معروفة اردبيلية تنتهي إلى الاستاذ جدهم الكبير الشيخ صفي الدين والحق اسحق الاردبيلي ولهم سيادة الشرف من جهة المذكور وأما المترجم فكان حائزاً للشرفين فإنه كان شريفاً أيضاً من جهة والدته التي هي الشريفة عفيفة ابنة السيد الحسيب الشريف السيد بهاء الدين النقيب الحلبي المعروف هو وآباؤه ببني الزهرا الذين امتدح جدهم الشريف أبا محمد إبراهيم المنتقل من حران إلى حلب أبو العلا المعري في تاريخه وقصائده وكلهم نقباء في حلب وشرفهم أشهر من كل مشهور والله أعلم أبو السعود بن يحيى المتنبي أبو السعود يحيى بن محيي الدين بن محمد بن يحيى بن عبد الحق أخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 عن إسماعيل اليازجي وقرأ على الشهاب أحمد الغزي الدمشقي وحضر دروسه بالفقه والحديث وأجازه وقرأ أيضاً على الياس بن إبراهيم الكردي في فنون كثيرة وصحبه في بعض الأسفار وقرأ أيضاً طرفاً من الفرائض على عبد القادر التغلبي وأخذ عنه وقرأ على عثمان بن حموده ولازمه وأنتفع به الشهير بالمتنبي العباسي الشافعي الدمشقي أحد العلماء والأفاضل الذين طلبت مواردهم بالأدب ومهروا بالعلوم واقتبسوا من مشكاة المنطوق والمفهوم الأديب المجيد الشاعر الواعظ قرأ على أشياخ وأخذ عنهم كالاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي والشيخ محمد بن عبد الهادي والشيخ عبد القادر العمري واستجاز من الاستاذ الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ أبي السعود التاجي القبافبي والشيخ محمد الكامل والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ السيد سلمان القادري الدمشقي وكان من الأدباء المشاهير وجدت له ديواناً نظمه سماه مدائح الحضرات بلسان الاشارات وقد ترجمه السيد محمد الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه أديب محاسنه سافرة النقب ومعانيه لم تستمع أبدع منها مسامع الحقب فهو سلك السبك متقن الرصف جار في خلائقه على أحسن ما يقال من الوصف جرى في حلبه الشعراء ملء العنان فاعترف له السبق بمزية البيان والبنان فيشف أدبه عن عقد الثريا وتحلى شعره تحلى الروضة الريا وقد اجتمعت به مرات حمدت بها مسرات ومبرات فجعلت حجتي عليه مقصوره واثنيته في فمي غير محصور واستمليته من أشعاره فاخرجها في درج وكأنما اطلع لي منها كواكب مجموعة في برج فكتبت ما راق وطاب وكساه الدهر برداء طرزه فصل خطاب فمنه قوله من قصيدة مطلعها خذا حيث بدر التم طاف بها صرفا ... وأبرزها من خدرها تنجلي كشفا وعوجا بسفح كم سفحت مدامعي ... خليلي فيه والهوى يوجب الحنفا فإن به هيفاء ذات محاسن ... إذا ما بدت عاد الأنام إلى الزلفى فريدة حسن قد تثنت فأخجلت ... بكل قوام مائس قد ثنت عطفا أعارت سناها للبلد ورفا شرقت ... وأهدت لورد الروض من عرفها عرفا وقد عمت الاكوان حسناً فما ترى ... سوى أغيديسيك أو غادة هيفا ووجه غزال قد غزانا بلحظه ... وغازلنا بالطرف والمقلة الوطفا فكل مليح راح يختال في الورى ... بثوب جمال عن محاسنها شفا وهي طويلة وقد تخلص فيها بمدحه لشيخه الاستاذ عبد الغني النابلسي منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وأوردنا عين الحياة وقد غدت ... شموس الهدى تجلى بمورده الاصفى وفي جنة العرفان كم سال كوثر ... لديه فأسدى من مياه الهدى غرفا ومغرسه النامي بروض علومه ... قطفنا ثمار الفضل من غصنه قطفا وقوله من قصيدة مطلعها نطق عين الوجود وصف ثناكا ... يا حبيبي والبدر يحكي سناكا وجهك الحق والأنام مرائي ... ايما شاهد المحب رآكا وشموس الجمال عنك تبدت ... مشرقات على الورى بضياكا وبروق الحمى بريق ثنايا ... ثغرك الدر حين يبسم فاكا يا رعى الله حضرة جمعتنا ... يا بديع الجمال في مغناكا حيث شمس المدام يجلو محيا ... ك سناها والراح من معناكا ونداماي كل أحور طرف ... لم يكن عرشه سوى مستواكا وسلمى عنها اللثام أماطت ... فمحتنا واثبتتنا هناكا فشهدنا في ذاتنا ذات حسن ... ورشفنا من ثغرنا للملكا وتبدت عروسة الحي تجلى ... من محياك وانجلت بحلاكا وهي في غيبها النزيه ولكن ... شمسها أشرقت بأفق سماكا فعجبا لوحدة قد تدأنت ... مذ تجلت وما حوت اشراكا يا وحيدا في ذاته أنت وتر ... وكثير بمقتضى اشماكا عينت ذاتك الذوات لعيني ... فاجتلينا الوجود في مجلاكا ولعيني كنت الضيا فلهذا ... بك قرت وما رآك سواكا فلذا إن أقل بنك اني ... أنت قد قلته فإني أناكا أو أقل أنني سواك فقولي ... عنك باد لأنني مرآكا حضرات لها بها صورتني ... كيف شاءت وقلبتني يداكا جنة زخرف الشهود رباها ... فنعمنا فيها بطيب لقاكا فالمثاني تتلو المثاني إذا ما ... كنت تصغي بمسمعي لغناكا وفؤادي يهواك في كل قلب ... وعيوني في كل عين تراكا وإذا ما بدا من الحسن مرآ ... ك لعيني سجدت شكراً هناكا يا حبيباً أفنى هواه محبي ... هـ حبذا حبذا الفنا في هواكا أنت أنت الوجود والكل فان ... يا حبيبي لك الهنا ببقاكا مذ تجليت لي بافق سعودي ... شمت عبد الغني بدر حماكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 شاخصاً للوجود إن شام برقا ... من سماء الشهود طار لذاكا وقال مخمساً إن من في حماه قتلى أباحاكم محبوه اتلفت أرواحاوشذاه لما به الروض فاحا غرد الطير في الرياض وناحا ... وشكا العشق والغرام وباحا وجه حق بدا فلم يبق غيرافاجتلى حسنه ولا تخش ضيراعن ثناه تثنى العوالم خيرا ونسيم الشمال أهدى سحيرا ... من شذا المسك عرفه الفياحا بدر تم فيه المتيم هاماإذ تجلى بجلوسنا الظلاماقد شربنا من راحتيه مداما واجتلينا على الندى والنداما ... بكردن في راسها الشيب لاحا خرمة الذات تلك ذات النعيمفاسقينيها من حادث وقديمهي أم الأفراح برء السقيم بنت كرم تجلى لكل كريم ... وسنا نورها كسا الأقداحا كعبة الحسن كم إليها سعيناوالي قدس ذاها قد سزيناوسنا وجهها يضىء لدينا كلما أظلم الظلام علينا ... اقتبسنا من نورها مصباحا أقبلت تنجلي بسلمى وليلىوأمالت معاطف الغصن ميلاخمرة للعديم تمنح نيلا أشرقت في الكؤس كالشمس ليلا ... فحسبنا أن المساء صباحا وله ومليح أدار كأس سلاف ... واحمرار الخدود للكاس كاسي فأراج الخيال يقطف وردا ... من رياض الخدود بالاختلاس فأرانا لآلئا فوق ورد ... وأسال العقيق حول الآس وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول الأمير المنجكي رحمه الله لقد زارني من بعد عام مودعا ... وطوق الدجى قد صار في راحة الفجر فأخجلته بالعتب حتى رأيته ... يزيح الثريا بالهلال عن البدر وله لو لم يكن راعها فكر تصورها ... من واله وثنتها مقلة الأمل ما قابلت نصف بدر بابن ليلته ... وألقت الزهو فوق الشمس من حجل وفي المعنى قول أبي جعفر محمد من شعراء الدمية قلت هبيني منك تقبيلة ... يا منية القلب وياقوتها فأغمضت من عينها موخرا ... ورصعت بالدر ياقوتها ومثله قول الأديب الألمعي إبراهيم السفرجلاني الدمشقي وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 نظر البنفسج في الشقيق مؤثراً ... فارتاع حتى انهل ماء جهاله فغدا يرصع دره ياقوته ... ويزيح أنجم بدره بهلاله ومنه ما جادت به قريحتي السقيمة وهو قولي حين آن الفراق فاضت دموعي ... وهمى دمعه بخد أنيق فأسلت العقيق فوق لجين ... واسال اللجين فوق العقيق ويقرب منه قول الأديب المفنن الشيخ سعيد السمان الدمشقي حيث قال لولا الحياء وعفتي يا موردي كأس الردى ... لأعدت ياقوت الشفاه وإن أبيت زبرجدا وهو مأخوذ من قول بعض الأندلسيين وهو والله لولا أن يقال تغيرا ... وصبا وإن كان التصأبي أجدرا لأعدت تفاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبر ومن معشرات المترجم قوله جاء بالحق من أنار الدياجى ... فهدانا بنوره الوهاج جل من بالجمال فيه تجلى ... واجتباه لقربه والتناجي جرد العزم فهو خير نبي ... من أولى العزم واضح المنهاج جدد الدين بعد ما فرقته ... عصبة بين زائغ ومداجى جوده عمر الوجود وجدوا ... هـ بحار والخلق كالأمواج جحدته عيون قوم فأطفا ... إذ رمى الله نورها بالعجاج جمع المر بين حق وخلق ... وانطوى الكل فيه بالاندارج جبرائيل الأمين منه يناجي ... بطور الفؤاد وهو المناجي جال في لجة الغيوب وأسرى ... ورأى الله ليلة المعراج جد بعفو يا خير من بذل الجو ... د لعبد ما زال للفضل راجي وله غير ذلك من الشعر المعجب ذكر له منه الأمين في ذيل نفحته كثيراً وكأنت وفاته يوم الأربعاء ثاني عشر صفر سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وفرغ بمرض موته وظائفه بمال وأوصى منها بجانب لطلبة العلم بدمشق رحمه الله تعالى أبو الصفا المفتي أبو الصفا بن أحمد بن أيوب العدوي الحنفي الصالحي الدمشقي الخلوتي الشيخ الإمام الصدر الرئيس العلامة العالم الفاضل البارع المحتشم الفقيه المفسر النحوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 كان مفنناً بالعلوم من القائمين اناء الليل وأطراف النهار والمجتهدين في الأسحار وكان والده استاذاً كبيراً وشيخاً شهيراً جامع بين الولاية والعلم وتوفي في صفر سنة إحدى وسبعين وألف وخلف من الأولاد الذكور خمسة وتوفوا بعد المترجم أبو السعود وأبو الاسعاد وإبراهيم وإسماعيل ذكرنا ترجمة كل منهم في محله وكان له ولد سادس اسمه محمد وكان من فضلاء وقته أديباً مطبوعاً حسن المعاشرة خفيف الروح مع صلاح وتقوى وعبادة وتوفي بعد والده بسنة وكان صار شيخاً بعده فلم تطل مدته وأما المترجم فولد بدمشق في سنة خمس وأربعين وألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم على العارف والده المذكور وقرأ عليه في بعض العلوم وأخذ عنه طريق الخلوتية وأجازه وكتب إليه وصيته وفي وصيته إليه يقول له يا أبا الصفا ستنال المقام العالي والوفا فلا تتكبر ولا تتجبر وقرأ على الشيخ إبراهيم الفتال الدمشقي والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ المنلا محمد أمين اللاري أحد أعلام الدهر وغيرهم من مشايخ دمشق والروم وبرع وتفوق وصارت له فضيلة علم ودرس بالمدرسة العذرأوية وترقى إلى معالي المناصب فولى قضاء قارا إلى أن مات على طريق التأبيد وولى افتاء الحنفية بدمشق بعد وفاة الشيخ إسماعيل الحايك المفتي واستمر مفتياً إلى أن مات وفتأويه متدأولة مرغوبة وكان يتولى نيابة الحكم في محكمة الباب وحج وجأور وولى بمكة المدرسة المرادية لأمر كان وظهر قدره ونمت حرمته وسما صيته وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها ولم يزل كذلك إلى أن مات وبالجملة فقد كان صدراً جليلاً عالماً فاضلاً وكأنت وفاته في عصر يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح والعدوى نسبة إلى عدي بن مسافر الصحأبي رضي الله عنه وأصل أجداده من البقاع العزيز ناحية من نواحي دمشق والله أعلم أبو السعود الخلوتي أبو السعود بن أيوب وتقدم ذكر أخيه أبي الصفا الحنفي الدمشقي الخلوتي الشيخ الكبير المسلك الفاضل الأوحد كان شيخاً مبجلاً عابداً متنسكاً أديباً ولد بدمشق في سنة اثنين وأربعين بعد الألف ونشا في كنف والده وأخذ عنه الطريق وفي وصيته لأولاده يقول يا أبا السعود الطريقة إليك تعود وقد أخذ أيضاً عن السيد العارف بالله تعالى محمد غازي الحلبي الخلوتي الشيخ إخلاص وجلس على سجادة المشيخة وكان أخاه الشيخ إبراهيم كبر سنه فانعزل عن المخالطة وعهد للمترجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 في المشيخة وتوفي بعده في سنة خمس عشرة مائة وألف ثم المترجم بايع واشتهر وأقام عهدهم بالتوحيد والذكر في محلهم بالجامع الأموي وترجمه محمد الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه واسطه عقدهم المقتني وغصن روضتهم المجتني وعبير ذكرهم المردد ولسان حالهم المجدد يروقك محتلاه ومحله يهزا بالبدر معتلاه كرم فرعاً وأصلاً وشرف جنساً وفصلاً وله فضل أضحى تاجاً لراس المناقب وأدب تتوقد به نجوم الليل الثواقب وبيني وبينه موالاة محققه وعهود موثقه وثناء كمائمه عن أزكى من الزهر غب القطر مفتقه ورأيت له أشعاراً في الذروة من الانطباع ثأويه لها في كل قلب بلطف موقعها خلوة في زأوية وقد أثبت منها قصيدة شطريها سينية ابن الفارض فناصفها شطر الحسن كما تناصف حسن الخد بالعارض وهي قوله قف بالديار وحي الابع الرسا ... مخاطب لرسيس الشوق مقتبسا واسترجع القول يا ذا الراي مختبرا ... ونادها فعساها أن تجيب عسى وإن أجنك ليل من توحشها ... فلا تكن آيسالا كان من أيسا خذ من زناد الجوى ناراً مشعشعة ... فأشعل من الشوق في ظلمائها قبسا يا هل درى النفر الغادون عن كلف ... موله هائم كاس الغرام حسا تراه مستصحب الافكار ذا حرق ... يبيت جنح الليالي يرقب الغلسا فإن بكى في قفار خلتها لحجا ... ما شامها ناظر الاهمى وجشا وإن خبت ناره هاج الغرام به ... وإن تنفس عادت كلها ببسا فذو المحاسن لا تحصى محاسنه ... إذا رآه عذول حاسد خنسا ومن أبيت فلا فقد لوحشته ... وبارع الحسن لم أعدم به أنسا قد زارني والدجى يربد من خنس ... وحسن إشراقه بالشهب قد حرسا فالزهر ترمقه عجباً برونقه ... والزهر يبسم عن وجه الدجى علبسا وابتز قلبي قسرا قلت مظلمة ... فحسبي الله ممن قد جنى وقسا حيرتني فأنا المحتار وآ اسفي ... يا حاكم الحب هذا القلب لم حبسا زرعت باللحظ ورداً فوق وجنته ... فأثمرت منه لي في ناظري أسى إن رمت أقطف منه عطر رائحة ... حفا لطرفي أن يحبني الذي غرسا وإن أبى فالاقاحي منه لي عوض ... أوردته القلب حيث الحب فيه رسا جعلت راس مالي مذ ربحت به ... من عوض الثغر عن درفا بخسا إن صال صل عذاريه فلا حرج ... إن عاد منه صحيح الجسم منتكسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فهذه سنة للعشق واجبة ... ان يجن لسعا وأما يجتني لعسا كم بات طوع يدي والوصل يجمعنا ... لم يخطر السوء في قلبي ولا هجا وزاد في عفة إذ كان ذائقة ... في بردتيه التقى لا يعرف الدنسا تلك لليالي التي أعددت من عمري ... يا ليتها بقيت والدهر ما نكسا ويا سقى الله أياماً لنا سلفت ... مع الأحبة كأنت كلها عرسا لم يحل للعين شيء بعد بعدهم ... وما صبى دونها صب الجوى ونسا ولا شممت نسيماً استلذ به ... والقلب مذ آنس لتذكار ما أنسا يا جنة فارقتها النفس مكرهة ... ابقي لصبك في نيل المنى نفسا وحق موثق عهد لا انفكاك له ... لولا التاسي بدار الخلد مت أسى ولم يذكر الأمين له سوى هذا التشطير وكأنت وفاته في ليلة الجمعة رابع عشر رجب سنة عشرة ومائة وألف ودفن بتربتهم برمج الدحداح بالقرب من والده وحضر جنازته أهالي دمشق وأعيانها وخلق كثيرون رحمه الله تعالى أبو الفتح العجلوني أبو الفتح بن محمد بن خليل بن عبد الغني الشافعي العجلوني الأصل الدمشقي المولد الشيخ العالم الفاضل المتقن المحقق كان أحد الشيوخ الأعلام الأفاضل الفقهاء سهل الأخلاق طيب العشرة حسن المطارحة له ديانة واحتيط له بدمشق يوم السبت رابع رمضان سنة ثمان وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده واشتغل بالطلب على جماعة منهم والده والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد البقاعي والشيخ علي كزبر والشيخ محمد الخمسي المغربي نزيل دمشق ومهر وبرع ثم في شعبان سنة سبع وخمسين صرف عنان الهمة نحو مصر فارتحل إليها وأقام هناك مدة سنين مشتغلاً بالتحصيل والدروس اشتغالاً تاماً على قايتباي والشيخ إسماعيل الغنيمي والشيخ سليمان الزيات والشيخ عطية الاجهوري والشيخ خليل المالكي والشيخ محمد الحفنأوي وأخيه الشيخ يوسف والشيخ حسن المدابغي صاحب الحواشي والشيخ علي الصعيدي والشيخ عمر الطحلأوي والشيخ أحمد الجوهري والشيخ علي الحفنأوي والشيخ أحمد الملوي والشيخ أحمد الاشبولي والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ أحمد المغربي البناني والشيخ عبد الله الشبرأوي والشيخ عيسى البرأوي والشيخ محمد الدفري وغيرهم وأخذ عن الاستاذ السيد الشيخ مصطفى الصديقي وحصل على ما حصل من الفضل والاتقان وعاد لدمشق في سنة أربع وستين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وقرأ في الأموي بالسنة المذكورة ولازم التدريس والاقراء والافادة ولزمه الطلبة لللأنتفاع والاستفادة وأقرأ من كتب النحو والصرف والمعاني والمنطق والاصول والحديث وغيرهما في مجالس عامة وخاصة وأنتفع به خلق وأخذ عنه جم غفير وكنت قرأت عليه شيئاً من النحو وكان يقيم الذكر في الجمعات في الجامع الأموي في المشهد المعروف ببني السفر جلاني وطريقته الطريقة الشاذلية المزطارية وهو أخذها عن جماعة منهم والده عن الاستاذ الشيخ محمد المغربي المزطاري إلى أخر السند وكذلك عن الشيخ إبراهيم كرامة الاسكندراني وتنافس هو وخليفة المزطاري الذي هو من بني السفرجلاني بخصوص ذلك وأرادوا أخذ المشهد لأجل ذلك ووقع بينهم ما وقع من الحصام والجدال واستقر الحال على أن ابن الشيخ عبد الرزاق السفرجلاني خليفة المرطاري يكون في المشهد الكائن بالقرب من باب البريد المعروف بمشهد الحرمين وأن يكون المترجم في المشهد الثاني الذي كان يقيم به الذكر الشيخ عبد الرزاق المذكور وصار لكل تلاميذ ومريدون وصار للمترجم تدريس البخاري في مدرسة الوزير إسماعيل باشا العظيم وكان قبل ذلك له بها وظيفة حفاظة الكتب وكان والدي أحدث له في وقف السنانية عشرة دارهم عثمانية في كل يوم وكان يجله ويحترمه وبالجملة فقد كان أحد مشاهير الافاضل بدمشق ولم يزل على حاله إلى أن تبرأ الدار الآخرة وكأنت وفاته في ليلة الجمعة تاسع عشر شوال سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن من اليوم في تربة باب الصغير وسيأتي ذكر والده محمد في محله رحمهما الله تعالى أبو المكارم بن حبيب أبو المكارم محمد بن مصطفى بن حبيب الشيخ الفاضل الأوحد الملقب بالدده الحنفي الارضرومي السيد الشريف نزيل دار السلطنة قسطنطينية وقاضيها وأحد علمائها الاعلام الافاضل قدم دار السلطنة في دولة المرحوم المولى شيخ الاسلام فيض الله المفتي بالدولة العثمانية وأدخله الطريق وسلكه وترقى بالرتب حتى صار قاضياً في الغلطة خارج قسطنطينية ثم ولى قضاء البلدة المذكورة بعد مدة واشتهر وتفوق ونهض للمعالي وتسنم ذراها وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها وعظم شأنه وقدره واتسعت دائرته وكل ذلك لتقرب شيخ الاسلام المذكور للحضرة السلطانية ونفوذ كلمته وإقبال الملك عليه وكان المترجم مع هذا فاضلاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 عارفاً وله من الاثار كتاب السياسة والاحكام مفيد جداً ورسالة في الفقه ورسالة في المولد النبوي وأشعار بالفارسية والتركية وغير ذلك ولما قتل فيض الله المفتي المذكور وأظلمهم ديجورهم وذبلت من رياض الدولة زهورهم وجفت من مسالك الاقبال نهورهم نفى المترجم بالأمر السلطاني إلى بلدة بروسا واستقام بها إلى أن مات نحو ثلاثين سنة وكأنت وفاته بها سنة ست وأربعين ومائة وألف ودده بفتح الدالين وهاء بعدهما لفظة فارسية معناها الشيخ أبو المواهب الحنلي أبو المواهب بن عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر بن عبد الباقي بن إبراهيم بن عمر بن محمد الحنبلي البعلي الدمشقي الشهير جده بابن البدر ثم بابن فقيه فصه مفتي الحنابلة بدمشق القطب الرباني الهيكل الصمداني الولي الخاشع التقي النوراني شيخ القرآ والمحدثين فريد العصر وواحد الدهر كان إماماً عاملاً ملا حجة خبراً قطباً خاشعاً محدثاً ناسكاً تقياً فاضلاً علامة فقيهاً محرراً ورعاً زاهداً آية من آيات الله سبحانه وتعالى صالحاً عابداً غوا صافي العلوم بحراً لا يدرك غوره وكوكب بها على فلك التقى دوره ولد بدمشق في رجب سنة أربع وأربعين وألف ونشأ بها في صيانة ورفاهية وطواعية في كنف والده وقرأ القرآن العظيم وحفظه وجود على والده ختمة للسبع من طريق الشاطبية وختمه للعشر من طريق الطيبه والدرة وقرأ عليه الشاطبية مع مطالعة شروحها وأخذ العلم عن جماعة كثيرين من دمشق ومصر والحرمين وأفرد لهم ثبتاً ذكر تراجمهم فيه فمن علماء دمشق النجم الغزي العامري حضر دروسه في صحيح البخاري في بقعة الحديث في الأشهر الثلاثة مدة مديدة وقرأ عليه الفية المصطلح وأجازه إجازة خاصة وحضر دروسه في المدرسة الشامية في شرح جمع الجوامع في الاصول ومنهم الشيخ محمد الخباز المعروف بالبطنيني والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ إسماعيل النابلسي والد الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ زين العابدين الغزي العامري قرأ عليه في الفرائض والحساب والمنلا محمود الكردي نزيل دمشق والعارف الشيخ أيوب الخلوتي والشيخ رمضان العكاري محمد بن كما الدين الحسني المعروف بابن حمزة والشيخ محمد المحاسني ومحمد بن أحمد بن عبد الهادي ورمضان بن موسى العطفي ورجب بن حسين الحموي الميداني وعلى بن إبراهيم القبردي وأجازه الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 يحيى الشأوي الجزائري المالكي المغربي وأخذ عن الشيخ عيسى الجعفري نزيل المدينة المنورة والشيخ أحمد القشاشي المدني والشيخ محمد بن علان البكري والشيخ غرس الدين الخليلي وإبراهيم بن حسن الكوراني وغيرهم وارتحل إلى مصر في سنة اثنين وسبعين وألف وأخذ فيها عن جماعة منهم الشيخ الشمس محمد البابلي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ سلطان المزاحي والشيخ عبد السلام اللاقاني وعبد الباقي بن محمد الزرقاني ومحمد بن قاسم البقري ومحمد بن أحمد البهوتي وغيرهم ومات أبوه في غيبته بمصر ثم عاد إلى دمشق وجلس للتدريس مكان والده في محراب الشافعية بين العشائين وبكرة النهار لاقراء الدروس الخاصة فقرأ بين العشائين الصحيحين والجامعين الكبير والصغير للسيوطي والشفا ورياض الصالحين للنووي وتهذيب الاخلاق لابن مسكويه واتحاف البرره بمنقب العشرة للمحب الطبري وغيرهما من كتب الحديث والوعظ وأخذ عنه الحديث والقرآت والفرائض والفقه ومصطلح الحديث والنحو والمعاني والبياني أمم لا يحصون عدداً وأنتفع الناس به طبقة بعد طبقة وألحق الأحفاد بالأجداد ولم ير مثله جلداً على الطاعة مثابراً عليها وله من التآليف رسالة تتعلق بقوله تعالى مالك لا تأمنا على يوسف ورسالة في قوله تعالى فبدت لهما ورسالة في تعملون في جميع القرآن بالخطاب والغيبة ورسالة في فواعد القراءة من طريق الطيبة وله بعض كتابة على صحيح البخاري بنى بها على كتابة لوالده عليه لم نكمل وغير ذلك من التحريرات المفيدة وكان يسقي به الغيث حتى استقى به في سنة ثمان ومائة وألف فكان الناس قد قحطوا من المطر فصاموا ثلاثة أيام وخرجوا في اليوم الرابع إلى المصلى صاما فتقدم صاحب الترجمة وصلى بالناس اماماً بعد طلوع الشمس ثم نصب له كرسي في وسط المصلى فرقى عليه وخطب خطبة الاستسقام وشرع في الدعاء وارتفع الضجيج والابتهال إلى الله تعالى وكثر بكاء الخلق وكان الفلاحون قد أحضروا جانباً كثيراً من البقر والمعز والغنم وأمسك المترجم بلحيته وبكى وقال إلهي لا تفضح هذه الشيبة بين عبادك فخرج في الحال من جهة المغرب سحاب أسود بعد أن كأنت الشمس نقية من أول الشتاء لم ير في السماء غيم ولم ينزل إلى الأرض قطرة ماء ثم تفرق الناس ورجعوا فلما أذن المغرب تلك الليلة انفتحت أبواب السماء بماء منهمر ودام المطر ثلاثة أيام بلياليها غزيراً كثيراً وفرج الله الكربة بفضله عن عباده وله كرامات كثيرة وصدقات سرية على طلبة العلم والصالحين وكسبه من الحلال الصرف في التجارة مع التزام العقود الصحيحة حتى في سنة خمس عشرة ومائة وألف كان والياً بدمشق محمد باشا ابن كرد بيرم فأرسل إليه من طرف الدولة العلية أن يضبط بعلبك والعائد منها ويرسله إلى طرفهم لكونها كأنت في يد شيخ الاسلام المولى فيض الله مفتي الدولة العثمانية فحين قتل صارت للخزينة السلطانية العائد منها حتى الحرير وغيره وكان لما وصل إليه الحرير طرحه على التجار بدمشق وأرسلوا منه جانباً إلى أخ الشيخ أبي المواهب صاحب الترجمة وهو الشيخ سليمان فذهب جماعة إلى عند المترجم وترجوا منه برفع هذه الظلمة عنهم فأرسل ورقة مع خادمه ابن القيسني إلى الباشا فلما وصل إليه هدده فهرب من وجهه فلما ذهب كان حاضراً في مجلس الباشا أحد أعيان جند دمشق وهو محمد أغا الترجمان وباش جأويش وغيرهما فأخبروه بمقام الشيخ وعرفوه بحاله من النسك والعلم والعبادة والولاية فلما تحقق ذلك وكان مراده أن يأخذ من الشيخ مالاً لما سمع بخبره من مزبد الثروة أرسل خبرا لا أحد يتعدى على التجار ثم إن التجار وقعوا على الشيخ مرة ثانية فأرسل ورقة أخرى إلى الباشا وذكر أن الرعية لا تحمل الظلم أما أن ترفع هذه المظلمة وأما نهاجر من هذه البلدة والجمعة لا تنعقد عندكم وأيضاً الحرير للسلطان لا لك وزاد على ذلك في الورقة فلما وصلت إليه ترك مراده ورفع الرمية بعدما علم بمقام الشيخ وإن الرعية تقوم عليه إذا فعل ذلك أنتهى وكان المترجم رحمه الله تعالى لا يخاف في الله لومة لائم ولا يهاب الوزراء ولا غيرهم وأصيب بولده الشيخ عبد الجليل قبل وفاته بسبع سنوات فصبر واحتسب ثم بولده الشيخ مصطفى وكان شاباً فصبر واحتسب ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن اختار الله له الدار الباقية وكأنت وفاته في عصر يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وسيأتي ذكر ولده عبد الجليل وحفيده محمد إن شاء الله تعالى ونسبته إلى فصه وهي قرية ببعلبك عن دمشق نحو فرسخ لأن أحد أجداده كان خطيباً بها فلهذا اشتهر بذلك وأجداده كلهم حنابلهالصرف في التجارة مع التزام العقود الصحيحة حتى في سنة خمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 عشرة ومائة وألف كان والياً بدمشق محمد باشا ابن كرد بيرم فأرسل إليه من طرف الدولة العلية أن يضبط بعلبك والعائد منها ويرسله إلى طرفهم لكونها كأنت في يد شيخ الاسلام المولى فيض الله مفتي الدولة العثمانية فحين قتل صارت للخزينة السلطانية العائد منها حتى الحرير وغيره وكان لما وصل إليه الحرير طرحه على التجار بدمشق وأرسلوا منه جانباً إلى أخ الشيخ أبي المواهب صاحب الترجمة وهو الشيخ سليمان فذهب جماعة إلى عند المترجم وترجوا منه برفع هذه الظلمة عنهم فأرسل ورقة مع خادمه ابن القيسني إلى الباشا فلما وصل إليه هدده فهرب من وجهه فلما ذهب كان حاضراً في مجلس الباشا أحد أعيان جند دمشق وهو محمد أغا الترجمان وباش جأويش وغيرهما فأخبروه بمقام الشيخ وعرفوه بحاله من النسك والعلم والعبادة والولاية فلما تحقق ذلك وكان مراده أن يأخذ من الشيخ مالاً لما سمع بخبره من مزبد الثروة أرسل خبرا لا أحد يتعدى على التجار ثم إن التجار وقعوا على الشيخ مرة ثانية فأرسل ورقة أخرى إلى الباشا وذكر أن الرعية لا تحمل الظلم أما أن ترفع هذه المظلمة وأما نهاجر من هذه البلدة والجمعة لا تنعقد عندكم وأيضاً الحرير للسلطان لا لك وزاد على ذلك في الورقة فلما وصلت إليه ترك مراده ورفع الرمية بعدما علم بمقام الشيخ وإن الرعية تقوم عليه إذا فعل ذلك أنتهى وكان المترجم رحمه الله تعالى لا يخاف في الله لومة لائم ولا يهاب الوزراء ولا غيرهم وأصيب بولده الشيخ عبد الجليل قبل وفاته بسبع سنوات فصبر واحتسب ثم بولده الشيخ مصطفى وكان شاباً فصبر واحتسب ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن اختار الله له الدار الباقية وكأنت وفاته في عصر يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وسيأتي ذكر ولده عبد الجليل وحفيده محمد إن شاء الله تعالى ونسبته إلى فصه وهي قرية ببعلبك عن دمشق نحو فرسخ لأن أحد أجداده كان خطيباً بها فلهذا اشتهر بذلك وأجداده كلهم حنابله السيد أبو المواهب العرضي السيد أبو المواهب الحلبي سبط العرضي الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ولد بحلب ونشأ بها ثم رحل إلى قسطنطينية دار الملك بعد تحصيل الاستعداد ولازم من المولى يحيى ابن حكيم باشى السلطان محمد المولى صالح الحلبي قاضي العساكر ولازم على قاعدتهم وعزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً وبعده أنتسب إلى المولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 السيد فتح الله ابن شيخ الاسلام المولى فيض الله الشهيد وتشرف بخدمته وصار مكة وبجباله ففي سنة ست ومائة وألف في ذي الحجة أعطى مدرسة سراي الغلطة وفي سنة ثمان ومائة في ذي القعدة أعطى مدرسة يارحصار وفي سنة عشرة ومائة في صفر صارت له مدرسة الداخل المعارفة بين الموالي وفي اثني عشرة أعطى مدرسه سليمان صوباشي وفي سنة أربعة عشر في محرم صار له انعام بثاني مدرسة شيخ الاسلام المولى زكريا مكان هادي زاده المولى فيض الله مرتبة موصلة الصحن وفي سنة خمسة عشر في ربيع الثاني بسبب واقعة ادرنه وقتل شيخ الاسلام وما جرى نزلت رتبته وصارت له مدرسة بهرانية برتبة الداخل وفي سنة سبعة عشر في رمضان أعطى عن محلول اركه زاده المولى بليغ مصطفى مدرسة حافظ باشا وفي سنة عشرين في صفر صار له انعام مدرسة خديجة سلطان ومن مكاتباته قوله بمينا بمن جعل الارواح جنوداً مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ان شوقي إلى سدى شوق الروضى إلى النسيم وتشوقي لاخباره تشوق الصحة من الجسم السقيم وانه قد استنفد جلدي واحتوى على جميع خلدي وجرح جوار حي وجنح على جوانحي ولو أنني كاتب شوقي إليك لما ابقيت في الارض قرطاساً ولا قلماً والذي جعل الدهر تارات وأودع التنائي الغم والتلداني المسرات لتكاد أنفاسي تحرق بالوجد قرطاسي وأكثر ما أكابد لتذكري تلك الليالي والأيام التي لا أشك في أنها كأنت أضغاث أحلام ليلى لم نحذر حزون قطيعة ولم نمش إلا في سهول وصال فلا أكابد ما كابد من الكرب واتمثل لها بقول شاعر العرب حالت لبعدكم أيامنا فغدت ... سوداً وكأنت بكم بيضاً ليالينا إذ جانب العيش طلق من تالفنا ... ومورد الانس صاف من تصافينا إن الزمان الذي قد كان يضحكنا ... انسا بقربكم قد عاد يبكينا وقد كان من مدة ورد على منه كتاب منطو على أنف كلام وخطاب فسرت به سرور من عاد غائبه إليه ودخل حبيبه من غير وعد عليه وهذا سروري من ملاقاة خطه فكيف سروري إن لقيت جماله وجعلته أنيسي وسميري وجليسي ونديم ضميري وقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً بخير كتاب جاء من خير صاحب وفي خامس عشر شوال يوم الجمعة سنة إحدى وعشرين ومائة وألف كأنت وفاته وكان مشهوراً بالعلوم والمعارف لطيفاً حسن الالفة رحمه الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أبو الوفا بن عبد الصمد بن محمد بن عمر بن سعد الدين بن تقي الدين الشهير كأسلافه بالعلمي الشافعي القدسي هو من بيت الولاية والصلاح لهم الرتبة العلية في القدس وخرج منهم علماء وصلحاء كثيرون وكان المترجم شيخنا كبيراً صالحاً مرشداً من الأخيار حسن الأخلاق صافي السريرة بشوشاً عالماً عابداً عاملاً زاهداً وافر الحرمة مقبول الكلمة مجللاً عند خاصة الناس وعامتهم وكان ذا رأي سديد وفعل رشيد جارياً على مناهج الصوفية ولد في سنة اثنين وخمسين وألف وأدرك جده الاستاذ القطب سيدي محمد العلمي وحفظ عليه القرآن المجيد وقد لبس خرقة الصوفية من أخيه الشيخ عمر العلمي وتلقن منه الذكر وصار شيخنا معظماً وكان بركة زمانه وشيخ الشيوخ بالقدس وكبير الصوفية وله هذه الأبيات في الساعة التي تصنعها الافرنج للأوقات وتحمل مع الانسان لله ساعة انس قد حوت طرفا ... تمشي على عجل في خدمة السعدا تقضي لنا مدة الهجران دورتها ... لطفاً وتدنى قدوم الحبان وعدا دامت بعروتك الوثقاء وصلتها ... محبوة الصدر ما سحت يداك ندا ومن ذلك للأديب الأمير منجك الدمشقي لقد شبهت بالفلك اعتباراً ... لما قد كان من أمر مديري ولكن ذاك منتضح هلالاً ... ومستور هلالي في ضميري وله فيها أيضاً وساعت بلسان الحال قائلة ... لما تشل في أجزائها الفلك الناس تحسب ساعاتي وما عملوا ... بأن أعمارهم تمضي وما ملكوا وكأنت وفاة المترجم في سنة تسع ومائة وألف ودفن بالقدس بتربة مأمن الله وسيأتي ذكر قريبه أحمد وأولاده فيض الله ومحمد ومصطفى في محلاتهم وتقدم ذكر قريبه أبو بكر وعلى كل حال فبنوا العلمي في القدس شهر من كل مشهور وهم بيت ولاية وصلاح وكراماتهم ظاهرة وأحاديث فضائلهم متواترة ورثى المترجم الاستاذ عبد الغني النابلسي الدمشقي بقوله يا دهر ابن أبو الوفا ... وأبو المكارم والصفا ابن الهمام ابن الهمام ابن الإمام المقتفي ... أجداده الشم الانوف وهم من الداء الشفا أهل العلوم ذوي التقى ... والمجد ليس لهم خفا سل قدسهم عنهم وسل أكناف مروة والصفا ... وسل الخليل وأهله وسل الكريم لتعرفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 لله در مهذب ... في القدس كان الارأفا من سادة ملىء الملا كرما بهم وتعففا ... وتقدموا حلما وقد فاقوا هدى وتصوفا يا أيها الوادي المقد ... س إن ركنك قد عفا ابن الذي أخلاقه كأنت أرق والطفا ... ابن الذي أوصافه كالروض شمأله هفا يا قدس مالك لا تنو ... ح تلبها وتلهفا أرضيت عن قرب الاكا رم بالتباعد والجفا ... لا شك قلبك صخرة فاللين منك قد أنتفى والعهد بالاقصى دنا ... بمن لديه تألفا والجسم في قلب القنا ديل استنار وما انطفى ... والكاس يسكب دمعه وبسكب مدمعه اكتفى والطوردك وإنما ... برق التقرب رفرفا يا للفتى العلمي بل شيخ الشيوخ تعرفا ... نور تالق ساعة بين المعالم واختفى وبنوه أنجم أفقه ... عند الكبير تخلفا فيض الهدى فمحمد ثم المقدم مصطفى ... لا زال كوكب سعدهم بالقدس يشرق لا خفا ولهم عن الماضي هنا ... عوض بمن قد خلفا يا أهل ذكر الله لا يكن الفعال تأسفا ... كوني معاني الرسم ان رفع المجيد المصحفا قلم العناية مثبت ... في القدس منكم احرفا وصحائفا منشورة في الناس لن تتخلفا ... وحوادث الدنيا لها أيد تسل المرهفا طوراً وطوراً ترعوي ... فتربك برا مسعفا ما الدهر إلا هكذا منه الجميع على شفا ... سألتني الأوقات في زمن بكم قد أسلفا أيام لذه جمعنا ... بمجالس ملئت وفا ما بال طرفك باكيا ما بال قلبك مدنفا ... فأجبت كيف وأرخى مات التقي أبو الوفا رحم المهيمن روحه ... ولديه أحسن موقفا وحباه من غرف الجنا ن ومنها أن يغرفا ... ما هب عرف صبا وما نغم البلابل شنفا أوقال عبد للغني ... حسبي ومن حسبي كفى أبو يزيد الحنفي أبو يزيد بن يوسف الحنفي القسطنطيني الأيوبي الكاتب المنشي كان والده كنخدا المولى محمد القريمي قاضي العساكر في الدولة ونشأ المترجم وأخذ الخطوط ومهر بالتعليق منها وأخذه عن الاستاذ محمد رفيع كاتب زاده قاضي العساكر وتفوق بالخط المزبور وكأنت وفاته سنة إحدى وسنين ومائة وألف والايوبي نسبة لمحلة أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أيوب خالد الانصاري خارج سورة قسطنطينية رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين أبو يزيد الحلبي أبو يزيد الحلبي العابد المجتهد في العبادة المبارك الدين العفيف الصالح كان يربي الأطفال في مسجد بمحلة المشارقة من رآه أحبه يتبارك به الناس ويأخذون منه التمائم فيجدون بركتها وكف بصره قبل وفاته فانقطع في داره وكان عليه من الجلالة والنور والوقار ما يدهش المتأمل فقير في زي غني ووجهه كأنه المصباح وقد أخبر من يعتقد صدقه قال كنت لا أعرف الشيخ أبا يزيد فذهبت في جنازة أحد المجاذيب فأراني بعض الناس الشيخ أبا يزيد في الجنازة وكان كف بصره فبادرت لتقبيل يده فلما قبلت يده قال لي أنت السيد محمد الذي هو ساكن في دكان الشيخ محمد البني فقلت له نعم وقضيت من ذلك العجب وقد أخبرت عن صاحب الترجمة أنه لم ينزع قميصه نحو اثنتي عشرة سنة نفعنا الله سبحانه بعباده الصالحين وكأنت وفاته في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وله من العمر مائة وخمس سنين ودفن في مدفن ولي الله المعروف بالشيخ سري الدين خارج محلة المشارقة رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أحمد الرسمي أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرسمي الكريدي الحنفي شهاب الدين أبو الكمال المولى العالم الرئيس الصدر الفاضل الأديب الكاتب البارع المنشي اللغوي أحد أعيان دار السلطنة وروسائها المشهورين ولد بجزيرة رسمو المعروفة بكريد الجزيرة الكبيرة التي وسط البحر الأبيض سنة ست ومائة وألف وقرأ القرآن وغيره واشتغل بتحصيل العلوم والانشاء والخط والأدب ودخل قسطنطينية سنة سبع وأربعين ومائة وألف وقرأ بها على أبي عبد الله الحسين بن محمد الميمي البصري وأبي النجاح أحمد ابن علي المنيني الدمشقي وغيرهم وأخذ التفسير والفقه واللغة والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأدب والشعر وتفوق واتقن الانشاء وحسن الترسل واللغة وحفظ الأمثال والشواهد والأغلب من أشعار العرب ووقائعهم وكان حريصاً على تحصيل فائدة مهتماً بجمع الفوائد العلمية والمسائل الأدبية ويكتب الخط المنسوب ويضبط الألفاظ والمسائل التي يثبتها في أجزائه وصاهر المولى الأديب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 زين الدين مصطفى بن محمد رئيس الكتاب وأنتسب إليه فجعله من أعيان الكتاب وأقبل بكليته عليه ورسم له أن يكون من روسائهم وولي بعض المناصب ككتابة الصدر الوزير الأعظم ثم صار رئيس الجأويشية وانعقدت عليه أمور الدولة وفوضت إليه في أيام السلطان أبو التأييد والظفر نظام الدين مصطفى خان في المعسكر السلطاني وكان هو مع من كان في المعسكر السلطاني أيام الغزا والجهاد على الكفار الروسية وحمدت سيرته بين أعيان الدولة وكان الوزراء والأمراء والحكام ينقادون إلى كلامه ويستشيرونه في أمور الدولة وترتيب العساكر وتقليد المناصب واستقام على هذه الحالة قدر خمس سنين ثم بعد وقوع الصلح بين المسلمين والكفار وانقضاء الأمر ورجوع الوزراء والأمراء وأعيان الكتاب صحبة المعسكر السلطاني واللواء الشريف إلى دار السلطنة قسطنطينية صار محاسب الأموال السلطانية وثاني وكلاء بيت المال والروزنامجية الكبيرة وأمين المطبخ السلطاني اجتمعت به في دار السلطنة في جمادي الثانية سنة سبع وسبعين ومائة وألف وسمعت من فوائده وصحبته واطلعني على آثاره منها حديقة الروساء ومنها خميلة الكبراء تشتمل الأولى على تراجم روساء الكتاب في دولة العثمانية والثانية تشتمل على تراجم الخواص والمقربين روساء خدام الحرم السلطاني الأمراء السود والحبشان وسمعت من أشعاره ونثاره الكثير وكان بينه وبين والدي محبة ومودة وله أخذ عن الجد العارف محمد بهاء الدين المرادي الحسيني وكنت أسمع خبره من الوالد وغيره قبل الاجتماع وكان الوالد يراسله ويكاتبه واجتمع به بقسطنطينية وكان خبيراً بالأمور بصيراً بأعقابها له رأي ووفرة عقل وقوة ذكاء وقريحة غير قرية وفضل لا ينكر وأدب غض وحسن ترسل في الألسن الثلاث ولا يكتب إلا جيداً مع حسن الخط والضبط والأعيان والكتاب تتنافس بتحريراته ورسائله وفي آخر أمره ضعف بصره وقل نظره وقويت علي الأمراض والهرم ومات ولده الأديب النجيب عمار الكاتب في حياته فتأسف عليه وحزن لفقده وكدر مصابه توفى وأنا بدار السلطنة في ليلة الأحد ثالث شوال سنة سبع وتسعين ومائة وألف ودفن بمقبرة اسكدار ومن نثره هذه المقامة سماها الزلالية البشارية فيما جرى بين ركبان الجاديه تشتمل على أمثال كثيرة وهي هذه حركني الشوق إلى التنقل يوماً من الأيام مع رفيقي بشار بن بسام أخذا بقول بعض أصحاب الأمالي لا يصلح النفس إذ كأنت مصرفة إلا التنقل من حال إلى حال فنزلنا نحر النهار على عادة الهوز بطفطاف الراموز فأجلنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الأنظار إلى مستعام فارغ عن زحام أنذال الأنام فإذا بشادن قد أشرق الورد من نسرين وجناته واهتز غصن البان من لطف حركاته له رواء وشاهد أحلى شفونا من الفارد يروي الرحال ويشفيهم بمبتسم كابن الغمام وريق كابنة العنب فأشار إلينا بلمحة مغناطيسية ولحظة داهشة مخفيه كأن الثريا علقت في جبينه وفي خده الشعري وفي جيده القمر فانحدرنا نحوه كالماء إلى قراره والغريب إلى جاره وداره فحملنا على قارب نظيف لطيف خال عن الخليط والوصيف فقدم لنا الترحيب والترجيب على ديدن الأديب الأريب ثم أخذ يفحص عن المنصب والمشرب والمذهب والمرغب فنلنا سقاطاً من حديث كأنه جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع فتعجبت من فصاحة لهجته أكثر مما تعجبت من طلأوة بهجته فاستكشفت عن أصله وعترته وعن اسمه وكنيته فقال أسمى زلال بن بلال وأرومتي كريمة الأعمام والأخوال وكنيتي أبو الحسن على الاجمال ثم خاض يتكلم بمنطق تتناثر به اللآلي من الاصداف وتضن بسلاسته الباهرات في مجراها على الرجاف ألذ من الصهباء بالماء ذكره وأحسن من بشر تلقاه معدم قائلاً بأني كنت من أبناء بعض التجار متلمذاً بثروة أي علي الادباء الأخيار فتوفي والدي وذهب المال والنشب تحت كل كوكب فصادني هوى بعض الغزلان بحكم الصبا المنعوت بوصف بعض رنا ظبياً وغنا عندليباً ولا شقائقا ومشى قضيباً فصار ما صار مما لست أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر وقادني المجون والخلاعة إلى هذه الصناعة والاجتهاد أربح بضاعه لكنني لا آلف إلا أصحاب البراعة والبراعه فقال له بشار يا قرة الابصار وخيرة الشمس والأقمار لا أظنك إلا شريف النجار بمدلول إذا عذبت العيون طابت الأنهار فأدمت على هذه الشارة والشيار يكفيك مقلب الليل والنهار ومسير الجواري على البحار عن معأونة الموالي والأنصار إن البطالة والكسل أحلى مذاقاً من عسل الناس في هوساتهم والدب يرقص في الجبل أما القناعة والعمل يدنى المطالب والأمل ملك كسرى تغن عنه كسرة وعن البحر اجتراء بالوثل فقال نعم إذا المرء لم يستأنف المجد نفسه فلا خير فيما أورثته جدوده ثم شرع يشمر عن ساعدين مثل اللجين ويحل أزرار اللبات عن الأجرام الزاهرات كالبدر من حيث التفت رايته يهدي إلى عينيك نوراً ثاقباً فقال لي بشار ملمي إلى خلوقة الدثار لا تعجبوا من بلى غلالته قد زرا زراره على القمر فجلوبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 زلال بتلميح تقبيح الابتذال ومن يبتذل عينيه في الناس لم يزل يرى حاجة محجوبة لا ينالها فقلت لبشار إن كنت ريحاً فقد لاقيت أعطاراً فالزم الصمت وغض أبصاراً لكن الريح كان يحرك العباب والهوى يلعب بالالباب والجنون شعبة من الشباب فقال له بشار يا مطلع البشاره أريد القعود جنبك حتى أعينك تارة فتارة فإن على الجار عوناً لجاره فقال ليس بعشك فادرجي واخطاءت استك فلا تبهرجي فقلت له يا ألطف الخليقه وأطرف ذوي السليقه لا تخيبه فإنه لا يتنشم في الحقيقه الاشمة من أردافك الأنيقه فقال متبسماً تسألني برامتين شلجما ثم أنشد وذاك له إذا العنقاء صارت مربية وشب ابن الخصى فأبى أبو عمرة إلا ما أتاه وتاه في منزعه وما تاه فقال يا زلال ويا منبع الأوس والافضال أجرينا إلى ميسرة نضيره مياؤها غزيره ورياضها للجنان نظيره فقال سقطت على صاحب الخبرة والعوان لا تعلم الخمره فأذهبنا إلى أن خرجنا بموضع يفعم نفحات أزهاره المشام وألقينا المراسي بذي رمرام فأعطيته شيئاً مما تيسر فأحرزه ولاح في وجهه الحفر فنأولني تفاحة أبرزها من جيبه الظريف على نهج التعريض والتلطيف تفاحة تتسور العنبر والغاليه ويغبن من استبدلها بقرطي مارية ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبها وفي الغرب مزكوم لعاد له الشم فقلت له يا علالة الروح وطلالة الغبوق والصبوح لغيري زكاة من جمال فإن يكن زكاة جمال فاذكرا بن سبيل كأني أردت به التعريض لقبلة الوداع فقال لا تطعم العبد الكراع فيطمع في الذراع ثم فاه وأنفاسه مطيبة برامك السبيل أمامك فامش طالباً مرامك ثم ودع وأنشد كأن غراب البين غرد إذا ما دعتك النفس يوماً لحاجة ... وكان عليها للخلاف طريق فخالف هواها ما استطعت فإنما ... هواها عدو والخلاف صديق فقلت له من غاب عنكم نسيتموه وروحه عندكم رهينه أظنكم في الوفاء ممن صحبته صحبة السفينة ثم انصرفت وداعي الشوق يهتف بي. ارفق بقلبك قد عزت مطالبه، ثم قلت لبشار وهو أحير مني من أوضاع ذلك الطرير الطرار تنقل فلذات الهوى في التنقل ورد كل صاف لا تقف عند منهل هلم نتفيأ ظلال هذه الحدائق ونتفرج بتلون الأزهار وتموج الخلائق عسى أن يرشنا بدل الزلال بلل بمفهوم إن لم يكن وابل فطل فأنشد فتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا أراها في الضلال تهيم هيهات يبدل العنبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بالغبار فالجحش لما فاتك الأعيار طار الطأووس فلا يفيد السبه والوله وقد يركب الصعب من لا ذلول له قلت له ويحك اكذب النفس إذا حدثتها وعظم المطالب متى فتشتها وغرد وتمثل بقول الشاعر الأمثل اعلل النفس بالآمال ارقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل فإن الطير يطير بجناحه والمرء بهمته على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وليس الرزق عن طلب حثيث ولكن الق دلوك في الدلاء تجئ بملئها طوراً وطوراً تجئ بحماءة وقليل ماء أنتهى وله هذا اللغز أيها العماد الرميز القمقام المطفئ ورده النمير أنواع الطش والأوام من أناخ نهبرته وفي وصيدك الحضارم المنعام كان خليقاً بمضمون القت مراسيها بذي رمرام أفتنا في سبع فقرات حسان يحسدها بفيض فضلك عقود الجمان وقلائد العقيان وكاد أن يحصل التشوير من بلاغتها للمعلقات الثمان ما ماهية شيء يضاف إلى أول حروفه علم من العلوم الغريبة ويسمى بما عداه العسل والصاحب وشجر من الأشجار الطيبة يرفع على الرؤس والأيدي حين يلازم الأيادي سواء العاكف فيه والبادي يستخدم في الرواح والغديه ويبتهج من دورانه أهل المجالس والأنديه مضاف ولكن لا يرى له رماد ممسوح الاذنين فلا يصغي يوم ينادي المناد تارة أجوف كاسمه وتارة مملو قد رسمه مرة استر من المخدرة وربما ينكشف مثل النيلوفره وقت الظهيرة ترى أحشاؤه من لطافة الجثمان وطوراً تستتر كليتاه من كثافة الجسم مثل حبوب الرمان عريان لا يرى إلا في الأسفار ملابس زماناً بارد الطبع وأخرى يابس يحتاج تارة من حرارة مزاجه إلى الكشف والكشط وإن كان أغنى عن اللباس من الأقرع عن المشط تراها مقنعة أحياناً فيقول خاطبها لا تجعل شمالك جردباناً بعض أجناسها حديث السن ذو الخصب وبعضها مضرب أكل الدهل عليه وشرب أعظم بركة من نخله مريم وإن كأنت موصوفة بالحساسة والكرم فالناس اخوان وشتى في الشيم كل نجاراً بل نجارها ومع هذا اياي من حنيف الحناتم عند جارها مجلوبة من كل أرض كونها كأبي برقش كل لون لونها يجيب إلى دعوتها الملوك وهي لا تجيب وفي التلذذ من النعم التي حواها كالمربوط والمرعى خصيب مهما كأنت لرحيق المسرة وغاية وقايه يضرب لها استق رقاش فإنها سقايه متى كأنت خلية البال تقوم على القدم والرأس وإذا اشتغلت بابنة العنقود أو بأبي العلا فلا تقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الانعكاس خذوا من مشاربها اللطيفة الارباع والانصاف فليس عن التشاف فأجابه عنه العالم الأديب أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد القادر الحموي الكيلاني بقوله أيها الندب الذي صدره للآداب مجموعه ونفيس معاني المعاني بحيزومه مجموعه وأداب الأولين غدت له جبلة تتوارد على صفاء فكره منها ثلة فتلة ما اسم ثلاثي البناء أجوف يحيى سنة من السنين إذا انحرف لواردك وسط الرزق لكان شجرا وإذا تجافى نهايته أورث الاقدام خوراً لا ينهل ولا يعل إلا منعكس الرأس طوراً بحلية النعمان وتارة بحلية بني العباس وأونة للاعاجم بمذهب فيلبس التاج المذهب لا يمل من رشفه الثغور مغرم بالزنج دون الحور مستدلاً بأن الاناب أفضل من الكافور والتامور تخدمه الملوك بالأنامل وتقدم خدمه على أرباب الظبي والعوامل فهو مبتدا الاجسام والمميز رفع قدره في الذكر في أعداد الاقسام ثلثاه جمع إذا شدد آخره وهو فعل يحسن أن تتصل بالفعل أواخره وحرف بانضمام مصحف نقي وجازم بتصحيف بقى وإذا تشوش قلبه أظهر حيواناً وألاح في العين إنساناً وانبا عن جزء من اليعافير عظم شانا وإذا صح قلبه كسب الانسان ومحبته ومكانا وإن لفظت ثالثه وصحفت أوله دل المنادي على خذف من جهله وفي هذه الحالة يشين الصارم وينفح الشذا الفاغم وأعجب بمصحفه مستنكفاً عن الغد إلا إذا أضيف إليها أربعون مما وراءها وانظر حظها واستحفاظها الاسرار في كل حال وصونها ما استودع قلبها اللسان عين مال وإذا جعلت ختام المسك فاتحتها كأنت صيغة كمال وإن حرفته وسلبت لبه أمر بالوقوف وبتكريره مع ذلك يعود ظرفاً لما تتطيب به الانوف وفي هذه الحالة إن لفظه الروم كان من مضافات عالج وعلماً يستخرج الغوامض وهو لدى كل مرغوب ورايج وبحراً ماؤه مفقود وهو من أنفس البحور معدود ومن كان أمله لجهة الصفا مصروفاً حرك ساكنه ونصب نصباً مألوفاً وإذا حرف المعاني أوله وضحه إلى الثاني فإن بالتكلم أمرا ومعلماً جمع القليل ظاهراً وإن فصلت كبد قلبه غدا للرجل رديفاً وللحدوث ضدا إذا لاقى تحريفاً وللغبي والأحمق صفة إذا قابل تصحيفاً وإذا قطعت رأسه في هذه الحالة صار نجيعاً وبعكسه مداده والعطار والسما المنبت ربيعاً له صدر أحاط بالبسيطة وأجزاؤه متشعبة إلى مشوبة ومحيطه يقتحم الطنين من الالوف في تاليبها ويجعل قسمة جموعها بين طريحها وضريبها هو أخرس وكله لسان ولفصاحة البليغ أبدع ترجمان وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 نحيت عنه عدد صدره فقد استخلصت وداده وإياك والتحريف فإنه يكلم فؤاده وأضجر قلبه المجوف يفصح عن ملك ويسمح بملك وملك وملك وإن تقدمت غايته الوسط أذن بالأنتهاء في كل نمط ولو قصدت الاغراب لشاهدت العجب العجاب ولو استعملت الاعداد والرديف لرأيته على الآلاف يليف والقصد رياضة الخاطر لاذاعة المآثر على أنه عفو البداهة والساعة مع قصر الباعة وقلة الصناعة احجية لطيفة في الورق والصحيفة أنتهىك وملك وإن تقدمت غايته الوسط أذن بالأنتهاء في كل نمط ولو قصدت الاغراب لشاهدت العجب العجاب ولو استعملت الاعداد والرديف لرأيته على الآلاف يليف والقصد رياضة الخاطر لاذاعة المآثر على أنه عفو البداهة والساعة مع قصر الباعة وقلة الصناعة احجية لطيفة في الورق والصحيفة أنتهى وكتب ثانياً أبو الكمال الرسمي المترجم والغز بقوله يا من أنسى بروائع البديع ذكر الصاحب وعبد الحميد وأخجل بإنشائه الذي بذ المصاقع منشات القاضي الفاصل وابن العميد ما اسم ثلاثي الشكل قريب من المربع يطأوع في غالب الأشكال ويتبع كسر عينه المفتوحة ثمرة الاكسير الجابر الكسير إذا أحرفنه غدا عين الحمائم وإذا اعتاض عن ذاهب قلبه غاية السعد هتن قطر الغمائم والعجيب تكراره في سطر ومع الجمع يكون أسفاراً صدرها الصدر أبيض الوجه كالعاج يتحلى بألوان نقوش الديباج وإن بدا صدره يهمز غدا وافي الدجنة وبقلبه يهزم الأجنة وبتشويش قلبه محرفاً يمثل عمومي المشترك والمجاز وإن تشوش قلب كامله كان محمولاً على متون الدواب وقرنا أيضاً بلا ارتياب ومع التشديد من محسنات الشراب ومع التصحيف يصلح للبزاز ما فسد من الأثواب وامتاع وصرح ببلد بإقليم الزنج واشتمل معين الاسراع وإذا سلب غاية السمو فرسمه رق وإن حرفته أنتظم من العبيد واشتق وفي قلبه في هذه الحالة عدوكم قتل وافني وإن صحفته تراه فر وحده وله منه ثلاث ومثنى وفي قلب كامله مصحفاً جنة حسناً وإن بان صدره مع العكس والتصحيف وجعلت غاية الرمح قلبه صار للسرور خير رديف وإن حذفت صدره مع القلب والتصحيف وختمته بمبدأ الأمر وصدرته بلام التعريف كان مفتح الدعاء في الابتداء وامام الأبناء وإذا صح قلبه مذيلاً بغاية المعالي غدا منسوباً للضياع وبحذف تالي مقدمه يشعر بالمنعة والدفاع وإذا أخذت حاشيته وجعلت قلب الشام له عيناً أنبأ عن جزيرة وحافظ لا يلحق شينا وإن طرحت أوله ورتبت ما بقي على القلب وجعلت غرة ميقات موسى أو ذاته له صورة قلب أراك قمر السما وأشار بقلبه لبقية نفس أشهب عدما وإذا اطلعت ذارته بعد المائتين أراك إقليم آل جنكيز رؤياء العين وإن ترك على فطرته وغودر على نبعته كان للدنيا جمالاً وبهجه وللافنان جلباباً نضيراً اتقن الربيع نسجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وحسبه فخاراً إنه رونق لكل إنسان ومنتظم في سلك جوهره كل حي من الحيوان والمال مقترن بلفظه يسعف كلاماً زها خطه وكفاه تخيري تبياناً لدى ذوي الفطالة وإن كنت لم أدع مثل الجعبة والكنانة ولم أطلق المجلى الكفر في حلبته عنانه أنتهى والكريدي نسبة إلى كريد أحمد الجبالي أحمد بن إبراهيم الجبالي نسبة إلى المحل المشهور بجبال الزبيب الحسني العلوي الشاذل الشافعي الاسكندري المتصل النسب بسيدي أبي الحسن علي الشاذلي الاستاذ الكامل العالم الصالح الناصح الصوام القوام الفقيه الخاشع المتواضع المشهور بالديانة والصيانة والأمانة ذو الطريقة المرضية الموافقة للكتاب والسنة المحمدية وأفعال السلف الصالح مربي المريدين موصل السالكين أخذ طريق السادة الشاذلية عن الإمام العارف سيدي محمد بن أحمد المزطاري المغربي وكان لا يشترط في الطريق شيئاً إلا ترك المعاصي كلها والمحافظة على الواجبات وما تيسر من المندوبات وذكر الجلالة الشريفة مهما أمكن وقدر عليه وفي كل يوم البسملة مائة مرة والاستغفار مائة ولا إله إلا الله الملك الحق المبين مائة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما أمكن وأقله مائة مرة وكان من دابه ترغيب مريديه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصيهم بقيام الليل والتهجد ولو بركعتين وبصلاة الضحى والتسأبيح وبصلاة ستة ركعات بعد صلاة المغرب وبقراءة سورة الكهف في ليلة الجمعة وبقراءة دلائل الخيرات في كل يوم إن أمكن وإلا فقراءته تماماً يوم الجمعة وكان يأمر بكثرة الاستغفار خصوصاً عقب أداء كل فريضة ثلاثاً وكان يأمر كثيراً بقراءة الحزب الكبير لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه الذي أوله وإذا جاك الذين يومنون بآياتنا فقل سلام إلى آخره كل يوم بعد صلاة الصبح وقبله قراءة حزب الفلاح وبقراءة حزب البحر كل يوم بعد صلاة العصر وفي يوم الجمعة يأمرهم بهذه الصيغة ثمانين مرة بعد صلاة العصر وهي اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الامي وعلى آله وصحبه وسلم وكان يأمرهم بقراءة البردة وغيرها من المدائح النبوية حكى ذلك عنه جميعه تلميذه الشيخ إبراهيم بن محمد كرامة الاسكندري في إجازته لشيخنا أبي الفتح محمد العجلوني وحكى عنه أيضاً أنه قال سمعت شخصاً يقول لي يا ابن الشاذلي لأي شيء إذا جاء المطر كل الناس تهرب منه وإذا جاء النيل كل الناس تفرح به ويهجمون عليه ولو كان يغرقهم فقلت له يا سيدي لا أدري فقال لي يا ابن الشاذلي الناس تهرب من المطر لكونه يأتي من فوق الرؤس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 والنيل تفرح الناس به لكونه يأتي من تحت الأقدام ونقل عنه أنه كان يقول ينبغي لكل منتسب إلى شيخ من مشايخ الطريقة وأعلام الحقيقة أن يعرف من اذكار شيخه وأوراده وأحزابه أو ما تسير أو قدر عليه ليكون داخلاً معه بقدر ما عرفه منه وأخذ عنه فإن الذي ينتسب إلى مذهب الشافعي مثلاً ولا يعرف ما تعبد به من مذهب الشافعي ليس له في تلك النسبة إلا اسمها فقط وكأنت وفاة المترجم كما نقلته من خط تلميذه المقدم ذكره ليلة الخميس وقت العشاء الأخيرة لسبعة عشر خلت من شهر ربيع الثاني سنة سبع وأربعين ومائة وألف بمدينة اسكندرية ودفن بها بجوار سيدي أحمد أبي العباس المرسي وجوار سيدي ياقوت العرشي وكان يوماً مشهوداً وكراماته كثيرة لا تحصى قدس الله سره العزيز ورحمه رحمة واسعة وأموات المسلمين أحمد الحرستي أحمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحنفي الحرستي ثم الدمشقي الشيخ العالم الفقيه الفرضي الحيسوب الفاضل كان أحد الافاضل والفقهاء المفوه بهم والبارعين في علم الفرائض والحساب ولد سنة أربعين وألف وقرأ على المشايخ وعلماء عصره كالعلامة العرضي الشيخ كمال الدين ابن يحيى الدمشقي واشتغل عليه في علم الفرائض والحساب وقراءة كتبها كالترتيب والياسمينية ومرشدة الطلاب ولازمه مدة تزيد على خمس عشرة سنة وأجازه في سنة سبعين وألف ولازم الشيخ إسماعيل الحائك المفتي وقرأ عليه وتزوج بابنته وصار عنده كاتب الفتوى وعند الولي علي العمادي المفتي أيضاً ورأيت له رسالتين في الفرائض والحساب سمى الأولى الكواكب المضية في فرائض الحنفية والثانية المنح السنية في فرائض الحنفية وبالجملة فقد كان عالماً فرضياً وكأنت وفاته في سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن بالروضة في تربة باب الصغير وولده الشيخ أحمد كان من الافاضل والفقهاء الصالحين وجيهاً مقبولاً استقام على أسئلة الفتوى مدة عمره عند بني العمادي وخلف أولاداً ذكوراً وأنجبهم الشيخ أسعد وستأتي ترجمته وكأنت وفاته في يوم الجمعة ثاني وعشرين ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بباب الصغير أيضاً رحمه الله تعالى أحمد مغلباي أحمد بن أبي الغيث الشهير بمغلباي الحنفي المدني خطيب المدينة المنورة وابن خطيبها الشيخ الفاضل العامل الكامل ولد بالمدينة المنورة سنة سبعين وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها وأم بالمسجد الشريف النبوي وخطب به ودرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وأنتفعت به الطلبة وله من التآليف نظم عقيدة السنوسي الصغرى وشرحها وتوفى بالمدينة المنورة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع أحمد الأركلي أحمد بن إبراهيم الاركلي الحنفي نزيل المدينة المنورة الشيخ الفاضل الطبيب المقري الصالح ولد سنة عشر ومائة وألف وكان يطالع في كتب الطب كثيراً وله في ذلك كتابات كان يكتبها على هامش كتبه في الطب وله من التآليف شرح على الشمائل ومقامات ضاهى بها مقامات الحريري توفي بالمدينة المنورة سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بالبقيع أحمد البسطامي أحمد بن أمين الدين البسطامي الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه الفرضي صدر الديار النابلسية قرأ القرآن العظيم على خاله الشيخ عبد الحق الاخرمي وتفقه عليه وحصل له الفضل التام ولما توفى عمه السيد حسن المفتي بنابلس تولى افتاء الشافعية وتصدر للافادة وألف مؤلفات نافعة منها شرح البردة للابوصبري وشرح الأربعين النووية وجمع كتاباً في المواعظ سماه المناهج البسطامية في المواعظ السنية ولم يزل على حالته المرضية إلى أن توفي سنة سبع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين أحمد الكردي أحمد بن الياس الملقب بالارجاني الصغير أو بالقاموس الماشي الشافعي الكردي الأصل الدمشقي الشاعر المفلق اللغوي الماهر كان فاضلاً محققاً فطناً بارعاً متوقد الذهن والفكر وكان والده كردياً من نواحي شهرزور قدم إلى دمشق وتولى خطابة خان قرية النبك وتزوج بامرأة من القرية المذكورة وأولدها عدة بنين وبنات ولد في ابتداء هذا القرن وقرأ على والده بعض مقدمات على مذهب الإمام الشافعي وحبب له الطلب فرحل لدمشق ونزل بمدرسة السميساطية وقرأ على المجأورين بها وأكثر على استاذه الشيخ أحمد المنيني وبه تدرب وصار طبا خافي المدرسة المرقومة غير أنه كان يناضل في الائتقاد ويساهم في الاعتقاد ولم يزل في ضنك من العيش ولم نحل حركاته من طيش وحصلت منه هفوة حمله الجمق بسببها على أنه أقربها لدى الشرع وخشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 من إقامة الحد عليه وكان ذلك بإغراء أحد أعيان دمشق فخرج منه خائفاً وقصد مدينة اسلامبول دار الملك واختص ببعض أركان الدولة وأمن من زمانه تلك الصولة فجعله في خلوته نديم مرامه واختلس برهة التيه ونسى ما كان فيه ومشى مشبة لم يكن ورثها عن أبيه فما استقام حتى نكص على عقبه لزلة قدمها ففارقها وفي النفس منها ما فيها وقدم طرابلس الشام وتزوج بها واستقام وحصل له بعض وظائف ولبث هناك برهة من الأيام ثم قصد وكنه الأصلي ولم يجعله مقره ولا سكنه ثم توجه تلقاء مصر فأحله واليها الوزير الفريد الصدر الوحيد محمد باشا الشهير بالراغب في أسنى المراتب وامتدحه بقصيدة وهي قوله هذي مناي بلغتها لأوانها ... فالحمد للافلاك في دورانها الآن قرت بالتواصل أعين ... طال اغتراب النوم عن أجفانها كم بت في ليل الفراق مردداً ... بيتاً يسلى النفس عن أشجانها يا ليت شعري هل أرا منشداً ... دهما نبذ الدرهم يوم رهانها النيل أيتها السفين فليس لي ... في فارس ارب ولا أرجانها فترشفي من ثغر دمياط المنى ... لأظل ذاك الشعب من بوانها من فوق حماء القرا نوحية ... تثنى بصنعتها على سفانها وجناء لارعى الغضا من همها ... يوماً ولا ورد إلا ضامن شانها سارت فشقت من خضارة أزرقا ... شق الثكول السود من قمصانها وتعسفت أمواج يم مترع ... كالأيم إذ تنساب من كثبانها هندية في الماء ألقت نفسها ... والهند تلقي النفس في نيرانها زنجية غنت لها ريح الصبا ... فغدت تجيد الرقص في أردانها تمشي على الدأماء فعل ولية ... وتطيع جهر أعابدي صلبانها دار متى فتحت تلافي هلكها ... سكانها أسرى يدي سكانها أفتلك فتخاء الجناح تصوبت ... م الجو فهي تسف في طيرانها أم عرمس هوجاء مهما راعها ... صوت الرياح تجد في ذملانها أم مومس ورهاء ليس يليقها ... بعل ولا تأوى إلى أوطانها أم تلك من سرب المها وحشية ... نشأت خلال الماء مع حيتانها آلت على أن لا تقر بمرفأ ... والبر كل البر في أيمانها أو تجلعن من نيل مصر ورودها ... عللاً وتمضي بعد ذاك لشانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وهناك نسلمها إلى أخواتها ... اللائي غدت تمشي على آسانها فتظل بين الموجتين شوارعا ... في النيل سبق الخيل في ميدانها تنفك تحدوها الشمال فإن ونت ... عنها ظللن يقدن في أرسانها تسمو لتنظر قلعة الجبل التي ... تجلو بطلتها صدا أحزانها وإذا أدار الصحب ذكرى راغب ... طارت هوى وعصت على ربانها المشتري طيب المحامد بالبهي ... ويرى قليلاً ذاك في أثمانها والتارك الماضين من أسلافه ... خير محته الناس من أذهانها هو كعبة الوزراء إن بصرت به ... بدرت إلى التقبيل من أركانها أزرى بإنشاآته الكتاب بال ... لسن الثلاث فإذ عنو لبيانها والعرب لو تر مثله لم تفتخر ... في قسها يوماً ولا سحبانها فخر الدولة آل عثمان بمن ... هو كالفريدة من عقود جمانها فيمثله أنتظمت ممالك ملكها ... وبرأيه وثقت عرى سلطانها كم راغب في أن يكون كراغب ... وأرى المواهب في يدي منانها والاسم في الوزراء مشترك ول ... كن ما عتاق الخيل مثل هجانها فإن اغتد وأوزر النصرة دولة ... فهو الشباة لسيفها وسنانها حاطت مهابته الممالك قاعداً ... كالبيض ترهب وهي في أجفانها حتى تسأوى خصبها والأمن من ... أرض العريش لمنتهى أسوانها من بعد ما كأنت مصاعب بفيها ... في السوح منها ملقيات جرانها وتبيغت فيها دماء فسادها ... دهراً فكان البرء في سيلانها لم أدر مرهف عضبه أمضى إلى ... الأعداء أم يده إلى احسانها أبد له لم أنس نائلها وهل ... تنسى الغيوم الغر في تهتانها وخلائقاً مثل الرياض يزينها ... صدح العلوم له على أفنانها يا أيها الدستور والشهم الذي ... ألقت إليه أولوا النهي بعنانها وأخا الصوارم كالبروق كلاهما ... يعلو الرءوس فهن من إخوانها لم أقصر التمداح فيك وانما ال ... بئر النزوع قصرت من أشطانها ضمنك مصر ضم مشتاق إلى ... مرأى علاك وشبكت ببنانها ولطالما سمعت بأنك واحد ال ... دنيا فصدق حدسها بعيانها فافخر بها أعلى المناصب انها ... تخت الملوك الصيد في سلطانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 بهرام سيفك في الرقاب وأنت في ... أعلى سماء العز في كيوانها ولما آب لوطنه الثاني فائزاً من رغائب الراغب بما هو أطرب من هزج المثاني كتب بها إلى شيخه أحمد المنيني وكتب معها ما هذه صورته ربما خطب ببال سيدي أن يسال عن عبده الأقدم وسهم كنأنته الاقوم من حطه وترحاله وتلاعب الدهر بأحواله ليجدد ربوع العهود الدوارس ويضئ ليالي تفرقنا الدوامس فأخبرها إني امتطيت الدهماء وخبطت بها الدأماء في عشري ربيع الثاني من سنة ألف ومائة وإحدى وستين حتى وردنا النيل في أواخر جمادي الأولى من هذه السنة ودخلنا القاهرة المعزية واجتمعنا بمولانا الوزير ذوي القدر الخطير راغب باشا وكنت وأنا في البحر قد بغمت بأبيات في وصف السفينة وتخلصت إلى مدحه فأنشدته إياها كما واجهته فانبسط إليها وأذن وهو بنقد أمثالها قمن والقصيدة المذكورة كتبت لكم إياها في صفحة هذا الطرس وضمخت تلك العروشة بمسك هذا النقس وإنما جلوتها عليكم وزففتها إليكم لما عساكم أن تسايلوا الركبان وتستخبروا كل نوتى وربان ما فعل تلميذنا القديم وصديقنا الحميم وهل بقي له في طرابلس شعراَ وشعور أم جرت عليه اذبالها الدهور وهل خمدت نار فهمه أو فل غرار عزمه وحزمه سيدي والقصيدة ليست تصلح للعرض عليكم ولا أن تتلى بين يديكم ولكنها لما كأنت في وصف السفينة نادرة الاسلوب معطرة بذكر راغب منها الاردان والجيوب أحببت أن أرسلها إليكم لتكون سبباً لذكرنا بعد النسيان ومفخرة لكم عند الاخوان إذ أنا قطرة من بحرك ونفثة من نفثات بيانك وسرحك ولك المثل الأعلى في الآخرة والأولى هذا ثم سيدنا قابلنا بالاكرام والأجلال والاعظام من ارسال الملابس الفاخرة والدراهم الوافره واركأبي الفرس المحلى وفوزي من تقريبه بالقدح المعلى فلما كان بين جماد ورجب رأينا كما قيل من الانقلاب العجب ونزل مولانا من القلعة وحق على من قصده بالسوء الملامة والشنعة وليست بأول عظيمة ارتكبوها وفرعونية ابتدعوها بل شنشنة من اخزم ونكزة من أرقم وقد سلمه الله تعالى من ذلك الكيد وأيده منه بقوة جنان وايد ثم رحلنا من الديار وامتطينا غارب الأسفار وخلصنا من أولئك الطغام وبعدنا من تلك الفجرة الفئام حتى توسطنا طريق البحر بعد أن بلغت الأنفس التراقي والنحر جاء بشير من طرف ذلك الدستوز الوزير بأن باشا أعطى منصب أيدين المختلف وصف أهلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بتعصب عصاتها وأهل الدين فخلينا ذلك الفلك السيار إلى أنتحاء قطع تلك المفأوز والقفار إلى أن انخنا بأحسن مدنها المعروفة كوز الحصار وهو بلد مسور لكنه مطول غير مدور تخترق أكثر بيوته المياه كثير الفواكه والأمراض قليل الأدباء والقراض ما سمعوا بديوان أبي الطيب ولا عرفوا بكر المعاني من الثيب مع أن تلك البلدة نحو عشرين مدرسة كلها العلم الأدب مدرسه ولولا وجود مولانا لما قدرت أمكث ما مكثت ملحوظاً مؤيداً ومن وجد الاحسان قيداً تقيدا سيدي قد كتبت لكم هذه الترهات التي لا حاجة لكم بها ولكنها وسيلة إلى ذكركم إياي وسوآلكم كيف كان مثواي وها إنني استأذنت سيدنا في الصله فأجازني بها مع الاكرام والصله وجئت براً لا بحرا لما قاسيت رعباً وذعرا ويا سيدي وعيشك والحرم إنني نقشت لكم هذا الرقيم من رأس القلم فأسألكم أغماض عين السخط عن كتأبي وأسبال ذيل الودود المحأبي فأجابه بقوله أعيذك بالقرآن العظيم والسبع المثاني يا من ليس له في عصره ثاني ولله أنت من ساحر بيان وناثر عقود جمان وناظم قلائد عقيان ومطأول سحبان ومعارض صعصعة بن صوحان فمن ذا يضاهيك وإلى النجم مراميك وشأوك يدرك وشعبك لا يسلك وها أنت قد اقتعدت النجم مصعدا واعتمت نهر المجرة موردا وسموت إلى حيث النجوم شبائك والمعالي أرائك حتى ملكت المجد بأيد وعلقته من النجدة بقيد وافترعت للمعالي هضاباً وارتشفت من ثغور الأداب رضاباً وجمعت طبع العراق إلى رقة الحجاز واقتطعت كلماتك الجوهرية جانبي الحقيقة والمجاز وملأت المهارق بياناً واريت السحر عياناً وسارت بمناقبك الركبان واعترف لك بالتفرد كل إنسان وأقر بالنزول عن درجتك كل من يزعم أنه مسأوي ونسبت إلى محاسنك محاسن أقوام فتبين أنها مسأوي وبلغت من الفضل والأدب مجمع البحرين ومن شرق البلاد وغربها ملتقى النيرين وما ظنك بمن منذ وافى وطنه لم يزل لا بد البدة الأسد قاعداً للأيام بمرصد والليالي تمنيه بكل أمنية والدهر يعده بمواهب سنيه حتى وثب وثبة الفهد ونهض نهضة النمر فخطا خطوة بلغ بها مصر القاهرة فيها من الأدب ما لو بلغ ابن نباتة لما نبت له لينة من آدابه الوافرة فحق لنا أن نطلق عليه أنه من أهل الخطوة ولا سيما خطوة نال بها عند عزيزها أسنى خطوه ولعمري إن من اهتز لسماع قوافيه عزيز مصر هزة العصفور بلله القطر وتهللت أسارير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 محياه عند القيام بالبشر وطوى ذكر غيره طي السجل للكتاب ونبذ كلامه نبذ الاثم والاصر لجدير بأن يطوى له البعد ويدمث له الحزن وتراض له شماس المطالب وتخضع له أعناق المراتب ويقض شوارد العلى وتطول يده إلى السهى ويصعد حتى يظن الجهول أنه حاجة في السما لا تيأسن إذ ما كنت ذا أدب ... على خمولك أن ترقى إلى الفلك فبينما الذهب الابريز مطرحاً في ... أرضه إذ غدا تاجاً على الملك وأما قافيتك البحريه وعقيلة فكرك القسية فما تركب البحر الاستخراج دررها من معادنها والتقاط جواهرها من مكامن أماكنها وأبديت فيها من البدائع والعجائب ما لم يخصه قلم ولا يراع كاتب ولم تزفها بحمد الله إلا إلى راغب وكفؤ لها من غير مدافع ولا منازع ولقد تدأولها الرأوون من ذوي ولائك وابتهج بها المخلصون من أولى ودك واخائك وكأنت لديهم أحلى من عطف حبيب وارد وأشهى من رشف اللمى من ثغر عطر بارد بل أطيب من شرخ الشباب وأعذب من ماء السحاب وابتدرت إلى رقمها الاقلام وأنتشت من رحيق سلافها الاحلام لفظ كائن معاني السكر تسكنه فمن تجرع كأساً منه لم يفق وأقبل عليه أرباب الفضائل والافضال ولا إقبال الصاحب على ابن هلال ولا سيما ريحانة الفضل والأدب وماء وجه ذوي الأقدار والرتب الموليان الأجلان والسيدان الأفضلان غصنا دوحة النبوة ونيراً فلك الشهامة والفتوه من هما بدران في هالة وشمسان في طفأوة وروحان في جسد والمتحدان اسماً وصفة وإن كانا اثنين في العدد فإنها وقعت منهما موقع الاستحسان فخلداها في صحائف الاذهان بعد أن أثبتناها في جرائد الآداب تذكرة لأولي الألباب هذا وإني قد كتبت لكم هذه العجالة جواباً يعثر في أذيال الحجالة بين عجزناه وشوق آمر وفكر ساه ووجد سامر على أني لو كنت فارغ البال عن كل كرب وبلبال مطلق الأسار صقيل مرآة الأفكار لما كنت إلا معترفاً بالقصور قاضياً على طرف فكري بالكبوة والعثور فكيف والأيام قد تركن بالي كاسفاً وخطوي واقفاً وذهني كليلاً وفكري عليلاً بما فار من طوفان عجائبها وفاض وبلغ الزبى بعد أن أترع الحياض مع تخاذل القوى وهجوم شدائد الهرم والبلوى مما لا ينوء به رضوى وخيانة الحواس الظاهرة والباطنة وظهور محن كأنت أيام الشباب كامنه كما قال من أسلمه الكبر إلى ضعف السلامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 والأوصال أبتات أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك راس البعيران نفرا وإلى الله المشتكى من دهر إذا أساء أصر على إساءته فلقد جمح فأعيى الرواض ولم يبق له سهماً في الوفاض إلا وقد قرطس فيما ينويه من الأغراض ولقد ذكرت في هذا المعنى أبياتاً كنت أنشأتها وأنا في الروم زعمت أني لم أسبق إليها فإذا معناها في أبيات فارسية ومضمونها أن ما بعد الغين من لفظ عالم ألم واحد الآلام وهي إن الزمان لأهل الفضل ذواحن ... يسومهم محنا كالسيل في الظلم فهل ترى عالماً في دهرنا فتحت ... من غمضها عينه الأعلى ألم والجاهل الجاه مقرون بطالعه ... إن النعيم يرى في طالع النعم فافطن لسر خفى دق مدركه ... يناله ذو ذكا والفهم من أمم ولكن هذه الأبيات لا تنطبق على مثلي والأليق بحالي المطابق لامثالي قول صاحب معاهد التنصيص أرى الدهر يمنح جهال ... وأوفر حظ به الجاهل وانظر حظى به نافصا ... أيحسبني أنني فاضل ونحن والسيدان المشار إليهما آنفاً نضرع إليكم أن تشرفوا وطنكم الأصلي دمشق الشام بالزيارة ولو زيارة المام عدة ابام لنبل بروياكم الأوام ومن نار البعاد لهيب الضرام والسلام وللمترجم من قصيدة أرى قوامك من مياس املود ... فما لقلبك من طماء جلمود وإن بخدك مخضر العذار بدا ... فالموت الأحمر في أجفانك السود يا محرقاً بهجير الهجر جسم فتى ... ضم الضلوع على أحشاء مفؤد ومرسلاً من جفون حشؤها سقم ... رواشقاً لا يقيها نسج دأود نعطفا يا غنى الحسن في دنف ... لسائل الدمع منه أي ترديد نهاره الليل إن أوحشت ناظره ... ما لم ير الصبح من ذيالك الجيد يا للعجائب من ريم لواحظه ... ترتاع من سحرها الآساد في البيد يدر نبوأ مني القلب منزلة ... ليت الذراع حظى منه بتوسيد وهو من قول العناياتي حل من منزليه بالطرف والقلب فأضر لو يحل الذراعا ذو مبسم قد حوى در تخلله ... ماء الحياة ولكن غير مورود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وقامة كغضيب البان رنحها ... ماء الصبا الغض لا ماء العناقيد ذوو جنة كجنى الورد ناضرة ... تزيدها نظراتي أي توريد وفي المعنى لبعضهم يا من يجود بموعد من خده ... ويصد حين أقول ابن الموعد ويظل صباغ الحياء بخده ... تعبا يعصفر تارة ويورد هو من قول الأبيوردي نظرت إلى وجه الحبيب وفي الحشا ... تباريح وجد لا تريم ضلوعي فطرزه بالجلنار حياؤه ... وطرز خدي بالشقيق دموعي وقال آخر خالسته نظراً وكان مورداً ... فاحمر حتى كاد أن يتلهبا وقال آخر حلو الفكاهة لا عيب ينقصه ... إلا الصدود واخلاف المواعيد رجع هو من قول بعضهم ولا عيب فيهم غيران سيوفهم ... بهن فلول من قراغ الكتائب وقول الآخر ولا عيب فيه غيران خدوده ... بهن احمرار من عيون المتيم وقول الآخر أحبب به وليالي الأنس تجمعنا ... في ظل عيش مع الأحباب ممدود أزوره وعليه في الدجى مقل ... من الأسنة لم تكحل بتشهيد لا أهب البيض في بيض النحور ولا ... من طعنة في الخدود الحمر أخددي حتى حسبت السها عينا بها سنة ... من الكبرى وسهيلاً قلب رعديد ويا رعى الله أيام الصبا فلكم ... أمسى يلذ بها عذلي وتفنبذي فلم أرى بعدها دهر اليسر سوى ... زمان مفتي الورى ذي الفضل والجود وله من قصيدة خذ جانباً عن سهام اللحظ والحدق ... فدرع صبرك منها الآن ليس بقى وإن شككت بفتك الغيد قاتله ... تصيد أسد الشرى في سالك الطرق فذا فؤادي جريح من لواحظها ... وذي دموعي حكت للوابل الغدق فتى بحب الغواني لا يزال به ... ضرب من السحر أو داء من القلق من كل ماءسة الأعطاف لو رمقت ... مدامعي لم تصل عطفاً على رمقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 تمشي وتسحب ذيل الدل رافلة ... تثنى الغصن في خضر من الورق وربما التفتت شذراً بمقلتها ... للعاشقين وهم صرعى على نسق يا جنة الخلد هلا نهلة لشج ... من كوثر الثغر تطفي لاعج الحرق أعيذ بالميل داجي الشعر منك وبال ... ضحى المحيا وزاهي الجيد بالفلق عجبت منك وأنت الشمس طالعة ... وفي خدودك تبدو حمرة الشفق وليلة بالنجوم الزهر تحسبها ... عروس زنج لها حلي من الورق والنسر مد جناحاً ليس يقبضه ... كأنه حائم جوعاً على لمق وقد تبدى السهى للعين مختفياً ... يحكي لانسان عين في البكا غرق مظعتها بفتاة ظلت أشربها ... من صرف ريقتها في حالك الغسق تقول إذ مال بي سكر الهوى وغدا ... لخصرها ساعدي كالطوق للعنق هأورد خدي مسك الخال نقطه ... طوبى لملتثم منه ومنتشق ولست أنسى لها قولاً وقد علقت ... أيدي النوى بعناني أي معتلق أي البلاد تؤم اليوم مجتدباً ... وما بكأس الندى فضل لمغتبق والجود قد مات من يحيه قلت لها ... يحيى فباب رجاه غير منغلق فتى على البعد إن أضللت ساحته ... هداك باهيي سنا من وجهه الطلق هو من قول البهاء العاملي من قصيدة خمرة إن أضللت ساحتها ... فسنا نور كاسها يهديك منها يا من على السحب قد آلى ليلثمها ... قبل يديه وإن تحنث ففي عنقي يا من مدى الدهر لا تحصى مدائحه ... ومن يرم حصرها بالنطق لم يطلق من لي بدر النجوم الزهر أنظمها ... فغيرها بسوى علياك لم يلق وهاكها من نبات الفكر غانية ... تهدي نسيم الصبا من نشرها العبق بكر من العرب ما قد شان بهجتها ... سبى ولا سمعتها اذن مسترق وقال مضمناً شطر للفتح النحاس الحلبي بنفسك بادر رم بيتك واجتهد ... وإن لم تجد أحكامه واصطناعه ولا تدخل العمار دارك انهم ... متى وجد وأخرقا أحبوا اتساعه وله من قصيدة قد تبدى لنا محيا الصباح ... واستطار الكرى نسيم الرياح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فأجلياها على بكر مدام ... بكرت بالسرور والافراح كاحمرار الشقيق لوناً وإن شئت ... فقل لي شقيقة الارواح شمس راح قد أشرقت في سماء ال ... دن تختال في بروج الراح تفضح الشاربين بالشفق الأح ... مر بعد الغروب أي افتضاح نار فرس وكم سجدت إليها ... وفتى الاغتباق والاصطباح تشبه العسجد المذاب لدى المز ... ج وفي الطعم ذائب التفاح فاسقنيها على محياك يا بد ... ر وجاهر بها على المصباح يا نديمي وللهوى بفؤادي ... منه سهام العيون أي جراح كيف لي بالسلو في الحب أو من ... سجن هذا الغرام كيف سراحي أشتكيك الهوى ولم أشتكي من ... جور عدل القوام شاكي السلاح وجهه روضة الجمال ولكن ... لا يريني بالابتسام الاقاحي لعبت خمرة الدلال بعطفي ... هـ فأمسى ينبه سكران صاحي نافراً إن لمسته نفرة العا ... شق عند استماع قول اللاحي يا شبيه الغصون اسكرت من اح ... داقك النجل خمرة الاقداح صل شهيد البدر حسنك في مع ... ترك الحب يا نبي الملاح طال ليل المحب لم ير صبحا ... طالعاً من جبينك الوضاح إلى آخرها وهي طويلة وله أيضاً قالوا علام تركت جامع جلق ... شهر الصيام وليس ذاك بسائغ قلت المبيح به لترك جماعة ... برد الشتاء ورؤية ابن الصائغ وابن الصائغ المذكور وهو رجل من الطلبة كان من مشهوراً بغلظ الطبع وللمترجم حين كان بالروم في عام أطبق شتاؤه واحتجبت بالغيوم أياماً كثيرة كواكبه وسماؤه فقال للشمس هل تعلمون من خبر ... أم هل وقفتم لها على أثر ضلت طريق المسير أم غرقت ... في البحر أم أقعدت من الكبر أم أسد النجم رام يقنصها ... فاستترت بالغمام من حذر أم حسبتها السماء شمس طلا ... فارتشفتها على سنا القمر فلا تراها الدوام صاحية ... وقد حست من مدامها العطر يا لهف نفسي لفقد نيرة ... كأنت سراج العشي والبكر فالأفق يشكو لطول غيبتها ... والجو يبكي بأدمع المطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ويا شقائي بذا الثناء وهذا ... الوحل قد حل عقد مصطبري طوفان طين لم يعتصم أحد ... في البدو من لوثه أو الحضر زركش أثوابنا ودبجها ... حتى غدت تزدري على الحبر ورب بيت غدا مشيده ... يبكي بدمع للسقف منحدر حتى الزرأبي مع نمارقة ... رأيتهم يسبحون في نهر هذا دم للسحاب منسفك ... بسيف برق عليه مشتهر ومما كتبه لبعض أحبابه في نحو ذلك سيدي كفيت النوائب ووقيت عوادي الغوادي ومس السحائف وتبرأت من غث عيث الأنواء ومن تراكم ركامها المفضي إلى الأقواء وننهى أنه ما خفى عنه ما أتى في هذا العام من حال الشتا ومطره الجاري كتموج البحر العجاج وسحابه المبرق الذي هو والرعد ذو امتزاج وفعلاته التي فعلها في دمشق الشام حتى تعدى النفح وبرزة والمقام فنفر ثلجه البارد طيرها السارح وغرق في لحج السرطان حوتها السابح وشرد أوانس الوحش وأخفر ذممها وألم بفنن الأطواد وشيب لممها ومر بالابذية المشيدة فهدم قوائمها وأشار إلى القصور فاندكت دعائها ولطم خدود الشقيق بأنامل كف وأبكى الكمائم بعد ضحكها من وكفه وصارت الأشجار بين يديه صرعى والنبات لا نصرة ولا مرعى وادي يومه بوقت الصباح مسا وأنسى الرجال حالهم وأبكى النسا اللهم تفويضاً لقضائك وتسليماً لأمرك واستدفا عالملا النازل بمزيد شكرك هذا بدمشق المؤملة للجنوب تصاعفت منها القوى والجنوب فليت شعري كيف بلاد الاقبال وقد مالت إلى اليمين والشمال فهل صينت منه حماة وحميت أو قاحت دملها بتلجها بعد ما دميت وهل أقام العاصي على مدافعته أو أطاع الشريعة وأجاب نهر المرافعة وهل اجتنب السحاب مسانها أو اجتلب لو ترك معرة المعرات وعم الحافل وحلب وكيف كان حال المولى النمر مع الشتاء الجموح والغيث المنهمر وبرد السحب تشقق بمدية الرعود والافق بالبرق مذهب الرايات والبنود والأيام طوت بالقصر منشور طولها واهوية نشرت القتام بمطوى هولها فهل طلعت الشمس بعد مغيبها وأرت حق اليقين لعين مريبها وهل جادت بقرصها لدى نار أو سمحت بعد وصي ثلجها بدينار وهل نسخ شباط أحكام تشرين ونشر بالبشارة ورداً أبيض ونسرين وهل هب من حزيران نافحه فأطفئ من جمر كانون لافحه وهل شممتم للربيع المريع نشر وحظيتم بحسن معدنه البديع بشرى فعطروا مجامعنا منه بنوافح الطيب وشنفو ما معنا بخبر حديثه الغريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وانبؤنا بمنطق ورقه الصأوحة واطباره وهل كسيت بالخلل عرائيس أشجاره فبالله أسرعوا بالجواب والعجل فالعين متاسحة والقلب في وجل لا زالت قائمة بخدمتكم الأقلام والبراعة منشى في البدأ والختام إن صفقت طور الدياجي ... وتسربلت سبل الدواجي فهلا لها مثل اللجين ... كأنما هو فوق عاج تلقى به سحب الشتا ... رمت الدياجي بالدماج ليل تخلله الحيا ... في صبغتي عفص وزاج طمست معالم شمسه ... سحب مصدعة الزجاج شابت نواصي نوئه ... وأتت معتقة الرتاج لقح الثرى بثلوجه ... فغدت مقطعة النتاج ومقت شفوف سحابه ... لكنها دعمت بساج والفجر وهم في الدجى ... واليل مثل الطرف ساجي والرعد قلب واجف ... والجو كالرحل المداجي والبرق نبض عرقه ... تحت الدجى مثل اختلاج سقطت شأبيب الحيا ... وجرت على كل الفجاج عذب فرات سائغ ... لكنه ثمل الاجاج ثلج أقام على الربى ... وكأنه حلب النعاج ملأ البسيطة فضة ... مبثوثة لا لاحتياج صاغ القلائد للربا ... وجلا القلائد للمحاج أتظنني في مدحه ... ذاك المعرض للاهاج قد لج صوت سحابه ... ماء السحائب واللجاج لزم الثرى فكأنه ... قد جاء يطلب بالخراج فلكم رمى رجلاً بكسر ... ثم رأسا بالشجاج فالجرف ذو شرخ به ... والطوف منه في انفلاج ولقد تمرد دأوه ... وطغى على أهل العلاج عمت بلاياه الورى ... ما في الورى منهن ناجي هل في الأنام من الورى ... كنفي يضم إليه لاجي من وجهه شمس الضحى ... وجبينه ذو الانبلاج ليظل يطعن نحره ... منه بأطراف الزجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ويشيمنا برق الربيع ... بروضة ذات ابتهاج نشم نشر زهورها ... من بعد طي واندماج ونسيمها يروى أحا ... ديث المسرة بامتزاج فلما وصل إليه كتب الجواب وأرسله وهو قوله ورد المثال الذي رفع قدراً يروي أحاديث بشر ويسند بشرى فمال العبد بالسرور جانباً وقال بشراي إذ كنت عبداً مكاتباً وكنت كثيراً أرأود نفسي المنازعة أن تجهز إلى باب سعادتكم مطالعه تنبي بما جل بحماة المحروسة وما جرى على ربوعها المأنوسة إلى أن ورد المثال البديع الذي يقصر عن مماثلته البديع أما القصيدة المزرية جواهرها بالجمان الفائقة على نظم العقود الحسان فكادت أن تستوجب قافية الجيم ومعارضها يحتاج في تحصيل القافية إلى التنجيم وإلا فمن يحصل هذه القوافي ويكون في حسن المعارضة موافي وما يقدر على نظم الجواهر إلا الملوك الصيد والأكابر الأكاسر وأما النثر فما النثرة من أمثاله ولا الجوزآء من أشكاله وحق من ملك المولى زمام الكلام وأقدره على صوغ النثر والنظام إن فضل مولانا أشرق في الأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فلا نجد شاعراً إلا تحلى بأشعاره ولا نرى ناثراً إلا اجتلى بديع نثاره خصصت بفضل ليس يوجد مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا وأنهى الجناب أحوال الشتاء العام الذي ثقل على الخاص والعام فقد امتدت على البسيطة سدته وطالت على جميع العالم شدته فنصب خيمته وضرب أوتاد الثلوج وسرح مواشي الريح والبرد بالمروج ورمى الوجود ببنادق برده بشتائها وأعرب عن تراكم ثلجها وأنوائها ووصف من ذلك ما يعجز الخنساء بوصفه ويتحقق السامع منه حقيقة ضعفه فأما حماة فقد حل حماها فأذهل أهلها من المصائب ودهاها فأول الفصل كفاها الله وحماها وأفاض بسمائها أنوار الشمس وضحاها وزين الأفق بدرر الواكب وحلاها وأبدر قمرها في الليل إذا يغشاها ثم تغيرت الأنواء وتراكمت سحبها الثقال وتعاظمت حتى صارت ثقل الجبل وزادت الرعود فارتجت الأرض رجا وبرد الجو فعقد الماء ثلجاً واشتملت قضايا الأنواء على الدوام ودلت بمطابقة الثلوج دلالة التزام فترى وجه البسيطة بفضة مرشوش والجبال عليها منه كالعهن المنفوش فكم من خليل به أمسى مبرداً فاعتزى إلى الكسائي والفراء فانسج وارتدى وأنكر جبال حماه من يراها وتأبضت بالثلوج شراً فشاب قرناها وأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 العاصي فكان أمره عجباً ومنظره يقصر عن وصفه الادبا حمل العاصي فأجرى في حماة نيل مصرا فاعجبو يا قوم منه كان نهراً صار بحراً قد مد حتى جأوز الحد واشتد في حملته وما ارتد ودارت على نواعيره دوائر التلف وحل بجسوره الاقواء فأمست على شرف ودخل المساكن النهرية فارتحل أهلها من حيث طما بها عليها ونهلها فكم من جدار قد انقض وبناء مشيد قد رفض وركن بركن إليه قد سقط وحائط حيط بالدعائم قد هبط وتخوت أخذها الماء غصباً فاحتملها وسقوف اقتلعها من السقوف فانزلها ورواشن أتاها فخلخلها من القواعد وقصور عالية رماها بمنجنيق الرواعد ولطف الله تعالى بزيادة في النهار وأخبر عن حاله حفظاً للجوار ثم صحت السماء وتقشعت السحب وبدا وجه الشمس من الحجب وبشرا شباط بقرب مقدم الربيع وبسط له الفرش بالروض المربع وفاحت نسمات الصاب بنشر عبيره ولاحت أنواع الخصب بورود بشيره وصدحت الورق فرحاً بمقدمه وغنت فتحركت النفس لايام الصبا وحنت وانشرح صدر المصدور واستقر خاطره وتمتع بهذا الخبر سمعه وقر ناظره ونسى ما كان من نكد الأيام وعفا عن المبدا بحسن الختام سفرت فاشرقت الدياجي ... بالنور اشراق السراج خود إذا ابتسمت رأي ... ت الصبح آذن بانبلاج وجناتها تحت الشوا ... لف وردة تحت السياج أردافها مما ثقلن ... إذا مشت ذات ارتجاج باتت تناجيني فيا ... لله ذياك المناجي وسعت إلى بخمرة ... صهباء صافية المزاج بيضاء جلت أن يشو ... ب وصلها انكد الزواج صيغت من الدر البيا ... ض وطوقها المسود ساجي بياضها وسوادها ... ملكت مرادي لاحتياجي وحكت مثال جاءني ... بوزوده زاد ابتهاجي اهدى إلى مسرة ... وبشكره عظم ابتهاجي فعقوده في نظمها ... ذات انفراد وازدواج ألفاظه في نفسها ... برق تألق بالدياجي متضمناً أمر الشتا ... ء وثلجه العسر العلاج قد أوضحت من أمره ... بالشام ما آذى مزاجي فتشابهت فيه البلا ... د فنشره فيها مفاجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أما حماة فإنه ... وافي إليها بانزعاج وأقام فيها مدة ... يسطو عليها في لجاج فكأنه وافى إليها ... طالباً مال الخراج عقدت حمائم سحبه ... ها فوجه للجو داج نصبت فخاخ ثلوجه ... للساريين على الفجاج وأطارت الريح الثلو ... ج كما استطارت بالعجاج قد شاب قرناها بها ... وتأبطت شراً مفاجي ضاعت مصالح أهلها ... فصدورهم ذات انحراج لوانها تصحى لهم ... أضحوا على عزم الهجاج وظمى بها العاصي إلى ... أن صال كالليث اللهاج كم من جواد قد تخلخل ... فانثنى مثل الخراج ورواشن سقطت فهن ... إلى حمى العاصي لواجي وتمازجت آلاتها ... بمياهه أي امتزاج ورفارف مثل الجفون ... إذا علت ذات اختلاج أخذ التخوت فأصبحت ... في الماء كالسفن النواجي ورمى النواعير التي ... كأنت تدور على رواج دارت بها أفلاكها ... منكوسة ذات انعواج فتطايرت أرياشها ... فيها ولا ريش الدجاج فتت مغالفها وكا ... نت قبل مغلقة الرتاج ولسوف ياتيك الربيع ... فيطرد البرد المفاجي وتطيب أوقات الزما ... ن فمالها في الناس هاجي والروض بفتح وردة ... من بعد طي واندماج وترى الأزاهر قد بدت ... في روضها ذات ابتهاج وتزول كافات الشتا ... ء بغير بحث واحتجاج أمر الشدائد لم يزل ... وهمومها ذات انفراج وأسلم ودم لا زلت في ... الأيام ملجا كل راجي وكان قدم خلب صحبة واليها الوزير الراغب المقدم ذكره فتوفي بها وكأنت وفاته يوم الاحد الثاني عشر من رجب سنة تسع وستين ومائة وألف بتقديم تاء التسعين ودفن خارج باب قنسرين بتربة الشيخ ابن أبي النمير رحمه الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أحمد الخالدي أحمد بن حسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف الخالدي الشهير بالجوهري الشافعي القاهري الشيخ الإمام العالم المحقق المدقق النحرير الهمام الفقيه الأوحد البارع أبو العباس شهاب الدين ولد سنة تسع وتسعين وألف وأخذ عن جماعة من العلماء الايمة كالجمالين عبد الله الكنكسي وعبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد الخليفي وأحمد النفرأوي وأحمد بن الفقيه وأحمد الهشتركي وأحمد ابن محمد المرحومي وعن الشموس كمحمد الاطفيجي ومحمد الورزازي ومحمد بن عبد الله السجماسي ومحمد النشرتي وأبي العز محمد بن أحمد العجمي وأخذ أيضاً عن عبد ربه الديوي وابن زكري ومحمد الزرقاني ورضوان الطوخي وعبد الجواد الميداني وعمر بن عبد السلام التطأوني وعبد النمرسي ومنصور المتوفي وأبي المواهب البكري وأبي السعود الدنجيهي وعبد الحي بن عبد الحق الشر نبلالي الحنفي وعمر ابن عبد الكريم اللخخالي والشهاب أحمد بن محمد النخلي وتصدر بالجامع الأزهر للاقراء والتدريس وأخذ عنه جملة من الأفاضل وصار له غاية العز والرفعة بين أبناء عصره وله من المؤلفات حاشية على شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام اللاقاني وغيرها وكان نسبه يتصل بسيدنا خالد بن الوليد الصحأبي الجليل وكان شازلي الطريقة مهاباً محتشماً محترماً فرداً من أفراد العالم علماً وتحقيقاً وكأنت وفاته بالقاهرة سنة إحدى وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة المجأورين رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين أحمد الكيواني أحمد بن حسين باشا بن مصطفى بن حسين بن محمد بن كيوان الشهير بالكيواني الدمشقي مفد الزمان وحسنته الاديب الشاعر والأديب الماهر كان سميدعا عارفاً بارعاً كاملاً كاتباً فاضلاً له يد طولى في العلوم وفنون الآداب ومهارة تامة خصوصاً بالانشاء والنظم والنثرة براعة في الكناية بحيث تفرد بحسن الخط بوقته مع معارف تامة وخط أخذ من الحسن وافر الحظ فلو رآه ابن مقلة لانبهر من صنائع كتابته وياقوت الوقف قلمه عند بدائع براعته ولد بدمشق ونشأ بها وارتحل إلى مصر واستقام بها مدة سنين وطلب العلم على جماعة أجلاء وحضر على الشيخ محمد الدلجي في النحو وعلى أحمد الاسقاطي الحنفي بالفقه وغيرهما من العلماء ومن مشايخه بدمشق الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري الشافعي الدمشقي وأخذ الخط عن الكاتب الشيخ محمد العمري الدمشقي وأجيز بالكتابة المعروفة عند أرباب الخط وأخذه عنه الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ونظم ونثر وسلب برقتهما عقول البشر وكان بدمشق غالب جلوسه في حانوت بسوق الدرويشية يجتمع عنده زمرة الادباء والكمل على لعب الشطرنج وله فيه ارجوزة عجيبة وكان هو أحد أعيان جند أوجاق اليرلية بدمشق والمشار إليه بهم ووالده كان أمير الامراء تولى حكومة القدس وعجلون وغيرها وهذا المترجم كان فيما أعلم وأتحققه درة في جيد دهره وغرة في جبهة عصره ولما وفد إلى دمشق المولى السامي عثمان الشهير بالخلصة صاحب الوقف بدمشق وكتخدا الوزير الأعظم أراد الاجتماع برجل من الأدباء فجىء له بصاحب الترجمة فرآه مستوفي الشروط من جميع أدوات الظرف وطبق مشربه فلما ذهب إلى الروم واصطحبه معه وحصل له منه غايت الأماني والاكرام وصرف كليته إليه واقبل بالتعظيم عليه والذي حصل له منه من الاكرام لم يحصل إلى أحد وكان المولى المذكور يمينه بما يروم وسوداؤه تخيل له أشياء أخر وذهب معه إلى السفر فلما قتل عاد إلى قسطنطينية ومنها عاد إلى الشام وكان رحمه الله مع أدبه سوداؤه تنفره عن الناس ومعاشرتهم وتخيل له أشياء غريبة فبسببها كان يندب زمانه ولما ولي حكومة دمشق الشام الوزير الشهير عبد الله باشا المعروف بالشنجي وكان كاتباً فاضلاً له اطلاع في العلوم ومعرفة حتى انه ألف كتاباً سماه أنهار الجنان في آي القرآن رتبه على طريقة ترتيب ذيباً في الآيات القرآنية وزاد أشياء أخر وكان وزيراً شجاعاً مقداماً سخياً لم تكتحل عين الأوقات والزمان برؤيا مثله ولما وفد إلى دمشق كأنت إذ ذاك مشحونة بالفتن وخروج الأشقياء بها فمهد ما كان وأزال الاشقياء ضر بالسيوف ومحامهم وجاء بعسكر غزير إلى دمشق مختلف الأجناس ثم إنه بعد ذلك أصلحت دمشق وطافت غارت إليه الأدباء وأهلها وقابلهم بمزيد الاكرام مع التوقير والاحترام ومدح بالقصائد الغرر وكان ممن مدحه صاحب الترجمة ولما اجتمع به قابله بالاعزاز ومنحه بالاكرام الوافر وصارت عنده الرتبة العظمى والمقام الأكبر وكان الأديب الشيخ سعيد ابن السمان يسمى ديوان المترجم بالملطمة حسد منه لأنه في محل المشكلات لا يصح أن يصير تلميذاً له لأن المترجم نوع وابن السمان نوع أخر وصحيح القول انه في هذا القرن كالأمير منجك المنجكي في القرن الماضي بل أرجح وإن لم يكن أرجح منه فهو مقارن له وعلى كل حال فهو فرد الدهر أدباً وفضلاً ونظماً ونثراً وترجمه ابن السمان المذكور آنفاً في كتابه الذي ترجم به شعراء دمشق وقال في وصفه بقية القوم الذين مضو وسنوا الندى وفرضوا ودان لهم المجد فرضوا احتفل به الكمال احتفال الصاحب بابن هلال وأحاط بأطرافه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 إحاطة الهالة بالهلال فتقاسمه عضواً عضواً وأودعه من الاناءة ما يطيش دونه رضوى فأنتدب لإقامة برهانه وإحراز السبق في حومة رهانه فرأى عبا بافخاض واعتاص بالجواهر عن الأعراض منتقياً منها الجياد ومختار ما يهزأ بقلائد الأجياد برقة تحسدها الألطاف وفكاهة خنية القطاف ومحاضرات بها لراغب واله وحديث بالرقة لم يسنج على منواله وطبع يسابق حاتم بالكرم وغيره ينفخ في غير ضرم وقلم بنوادر المعاني ندى ومداد عنبري الفوحة ندى وخط نزهة العاشق والروضة الغنا للمستعبر الناشق أشهى من العارض المزرد إذا استدار بالخد للورد وأما شعره فإنه التبر المذاب والرشفات من الثنايا العذاب استخلصه من حكم هي من جوامع الكلم واستودعه ما هو من قول لو وليت سلم فإذا وصف الرياض أغنى عن إملاء ذات الأطواق وإذا ترسل في الغرام علم ابن الدمنة الاشواق أو ندب الاطلال انسى قفا نبك أو أنتقل إلى النشيب في الآرام فما أبو عبادة في حسن السبك إلا أنه من الانفة في مناط الثريا قاد حابها من الأوهام زنداً وريا تخيل له سوداؤه آراء شاسعه يسلك منها سبلاً واسعه فلا يرضى من الأيام إلا بالاستحدام وهي تصول على أمانيه صولة إقدام فيعتبها بقصيد ويوسعها من تأنيبه وتفنبدهذا ترسل في الغرام علم ابن الدمنة الاشواق أو ندب الاطلال انسى قفا نبك أو أنتقل إلى النشيب في الآرام فما أبو عبادة في حسن السبك إلا أنه من الانفة في مناط الثريا قاد حابها من الأوهام زنداً وريا تخيل له سوداؤه آراء شاسعه يسلك منها سبلاً واسعه فلا يرضى من الأيام إلا بالاستحدام وهي تصول على أمانيه صولة إقدام فيعتبها بقصيد ويوسعها من تأنيبه وتفنبده من كل معنى تكاد تشربه في كل مغنى مسامع الأدب على أن غالب شعره في ذلك مشحون لا يشوبه على كثرته غش ولا ملحون وهو ممن جاب البلاد وسبر أغواها والأنجاد وكنت وإياه بمصر والشباب به كلف نختلف لمبادرة الأدب ولا نختف وقد أنسيت به الطارف والتليد واستعوضت بصحبته عن الحميم والوليد وحين عصفت بي إلى الروم رياح القدر رأيت هلاله في أفق سمائها بدر وهو في كنف بعض رؤسائها والحظوة تلحظه وشيم المعالي مطمحه وملحظه ترنو إليه الدنيا وهو يرمقها شزراً حتى عادت إلى طبعها فأوسعته ملامة وزجراً فرجع منها بخفي حنين خأوى الراحة صفر اليدين فكأنما ارته أضغاثا وخيلت له الأجادل بغاثا وأراد أن يستقبل من أمره ما استدير فلم يجد ما قدر وما دبر على المرء أن يسعى لما فيه نفعه ... وليس عليه أن يساعده الدهر وعلى أي حال فله في النظم والنثر القدح المعلى وفي الأساليب البديعة الطرار المحلى وناهيك بابن الحسين أحمد الذي جمرة ذكائه متوقة لا تخمد وقد أثبت له ما تستأخر البلغاء عن الحاقه ويفديه اللبيب بعيونه وأحداقه ثم قال فمن ذلك ما ندب به زمانه بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 قفوا بالناجيات على زرود ... تناج دوراس الدمن الهمود نحى حمى زرود بالقوافي ... ونبك عليه بالدمع البديد على اطلالها وكف الغوادي ... بعرصتها ودمدمة الرعود تعرت من بشاشتها وأضحى ... يسر محولها قلب الحسود وأخلق ثوب جدتها وكأنت ... مفوفة الدر انك والبردود وقد كأنت تهش لزائريها ... منازلها وتضحك للوفود سقى أيامنا بزرود غيث ... يجود مدى الزمان على زرود ليالي باللقا بيض أعبضت ... بأيام من التفريق سود ولي كبد بذاك الجوحري ... تلوب بها من الظمأ الشديد وقلب لا يعنف بالتسلي ... ودمع لا يغير بالخمود وركب أدلجوا والليل مرس ... بكلكاء على قب وقود أبادوا العيس مما كلفوها ... دؤوبا قطع بيد بعد بيد وما زال الهوى والشوق يرمى ... براكبه إلى أمد بعيد إذا أنوا من الأشواق أنت ... من الجهد المبرح والوخيد ترامى كالسهام بهم وترمى ... بخوص عيونهن إلى الورود فقد ألفوا بها قطع الفيافي ... وقد مرنت على حن القتود تشف جسومهم عن جمر وجد ... ويبدو عظمهن من الجلود إلى أن ثار جيش الصبح يسطو ... على الظلماء خفاق البنود فكفوا الزجر عن عيسى تفايت ... وخروا كالسجود على الصعيد فرحت أسائل الركبان عمن ... أضاعوني ولم يرعوا عهودي رمى كبدي بثالثة الأثافي ... زمان حكمه حكم الوليد زمان أخرق قد راح سكرا ... يجر ذيول جبار عنيد يريك الباز من خدم الحبارى ... وأسد الغاب من خول القرود وأجدل مرقب يمسي غراب ... يهدده بأنواع الوعيد وأيام غضاب لا بجرم ... على الأحرار معلنة الحقود دعا داعي الحمام بعز قومي ... فوافوه على خيل البريد وأودعهم لحود ابل جفونا ... كذا الأسياف تودع في الغمود مضوا وبقيت بعدهم فريدا ... أقاسي وحشة الفرد الوحيد أزى عاراً وقد أودوا حياتي ... فآنف من بقاي ومن وجودي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 اكفكف كلما ذكروا دموعي ... فعصيني وثأبي غير جود ترامي همتي في كل مرمى ... وأرسف من همومي في قيودي وأطوي أضلعا ملئت غراماً ... لتقصيري على نفس مديد اعل بآجن رفق وامرى ... عفافة بلغة دون الزهيد ترفق يا زمان فما فؤادي ... بصلد لا يلين ولا جليد وليس القلب من حجر فيبقى ... على هذا ولا أنا من حديد رويدك لا تحأول ماء وجهي ... وهاك ان اشتهيت دم الوريد ولا تحسب حياتي فيك منا ... فإني لست أرغب في الخلود ومن ذلك قوله من قصيدة وهاتفة تملي حديث صبابة ... على غصن عال من الرند ميال فنبه أشواقي ووجدي سجعها ... ولم أك سال عن هواها ولا سالي كان غليل الشوق بين جوانحي ... لسان لهيب دب في جسم زبال فيا حر أشواقي ويا طول غربتي ... وواكبدي الحري وواجسمي البالي رمتني الليالي بالغرف فجذذت ... بسيف النوى قلبي وكفي وأوصالي فإن تردني الأيام أبقى بحسرتي ... ويبقى الهوى والشوق أسرع قتال وإن تبقني حيا لحزني والضنا ... اعش كاسفاً بالابهم وأوجال كفى حزناً طول اغتراب ووحشة ... وقلة أعوان وإخفاق آمال فلا بدع إن قل احتمال منكراً ... تغير حالي بعد خمسة أحوال تنوع أطوار وفقد موانس ... وأعواز أوطار وقلة أشكال وهم بلا حد وطرف بلا كرى ... وقلب بلا أنس وكف بلا مال تنكبك الهم الدخيل فإنه ... إلى الحرا سرى من خيال إلى خال وأسرع من أودى به الهم والأسى ... كريم أهأنت نفسه رقة الحال وغير منه الدم غر خصاله ... وكلفه الاقلال عادات بخال وقوله أرى السحر ما نوحيه أجفانك المرضى ... ولكنه لا يقبل الشرح والعرضا رموز وأسرار معانات حلها ... إلى ما تراه من نحولي بها أفضى يسل على قلبي الفتور مهندا ... من السيف أمضى حين يغمد أو ينضى حمى لحظه السفاح تفاح خده ... فلا شم منه يستفاد ولا عضا ودق عن الادراك والوهم خصره ... فلا هصره يرجى ولا ضمه يقضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ويؤلمني أن لا يزال فم الصبا ... يقبل سراً ورد وجنته الغضا ألا يأبى من كلما أعرضت له ... دموعي بشكوى الشوق أعرض أو أغضى رضيت تلافي في هواه صبابة ... ويا ليته عني بسفك دمي يرضى فافي حياتي أو يجود بها سوى ... عذاب أراه في محبته فرضا وريح أنت تسري برياه موهنا ... ففضت ختام الدمع من مقلتي فضا وصادحة تشكو الفراق مجانة ... وتهجع أحياناً ولم أذق الغمضا وقد لاح من ثغر الصباح ابتسامة ... أحس بها جفن العمامة فارفضا فأودعني تغريدها الحزن والأسى ... وطارت بلبي حيث لم أستطع نهضا وخيل لي وهمي طروق خياله ... فألصقت خدي بالطريق له أرضا فإن كان لا يرضى مجراً لذيله ... بحكم الهوى العذوي الأدما محضا فقد نفض الدمع المورد صبغه ... على أرض خدي مثل ما يشتهي نفضا وحيرني دهر يجوز مع الهوى ... فلم أستطع إبرام أمر ولا نقضا سأندب عصر الوصل ما ذر شارق ... فما كان إلا كوكباً لاح وانقضا وقوله ظبي على ملك الجمال استحوذا ... فابتز صبري بالنفار وأنفذا ما فيه من قضو يقول إذ ... عاينته يا ليت خلقة ذا كذا وملخص الشرح المطول كل من ... لاقاه راح مسبحاً ومعوذا ذكراه تنعش مهجتي وتذيبها ... فهي اتلاف لمهجتي وهي الغذا ويغيم طرفي بالدموع إذا بدا ... مع انه يجلو من المقل القذا وأموت من عطشي إليه وقد جرى ... ماء الحياة بثغره العطر الشذا لا تنطفي حرق الجوى إلا إذا ... قبلته بل ان صدقت ولا أذا وقوله العز لا يشتام إلا ... من ذرى فلك القناعة لا تغلطن فليس إلا ... ما أقول أو الوضاعة رقع سمال الصبر أو ... فالبس جلأبيب الرقاعة وإذا اقتنيت سوى التوكل ... فالبضاعة للاضاعه وله حين كان في الروم مشينا في بلاد ليس فيها ... سوى وحل يموج ولا يحول كأنك راكب فلكاً إذا ما ... مشت بك في مجاريه الخيول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أقول لراسب في الوحل يحبو ... أطلب لك التردد والمقيل فحول وجهه دون انزعاج ... وغنى وهو مضطجع يقول إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما يمر به الوحول وأشعاره كثيرة والذي أوردناه نبذة منها وديوانه شهير ما بين نظم ونثر وغير ذلك ومن نثره ما كتبه على لسان السيد فتح الله الدفتري بدمشق الفلاقنسي حين عوده من قسطنطينية إلى أوحد الدهر رئيس الكتاب بالدولة المولى مصطفى المعروف بالطأوقجي وهي قوله نبتهل إلى الله ولي كل نعمت وكافي كل مهمه أن يجدد من نفح انسه وفيض قدسه ما تزاد به بهجة الحضرة التي لا يدور إلا عليها فلك المجد ولا تشير الأكف إلا إليها ببنان الاعتبار والحمد فهي الجدير بأن تؤتى من أبوابها وتضمح بغوالي الثناء عوالي أعتابها وهي ساحة جناب افتخار أرباب المجد والأجلال قدوة أصحاب السعادة والاقبال أسوة أهل المقادير والرتب زبدة مخض الدهور والحقب دقيقة قريحة الزمان حقيقة نسخة الفضل والبيان فذلكة جموع المحاسن والاحسان مظهر عناية الرب الأكرم الذي علم بالقلم فله القلم الذي له فعل الأمطار في حسن الآثار وسرعة البرق إذا استطار في الأقمار قد سخره الباري لنفع العباد فلا ترى له رشحة مداد إلا بنفحة امداد ولا تسمع له صره إلا لدفع مضره إلا وهو الذي استرق البلاغة في اللغتين والف بين الضرتين بل جمع بين الاختين وهو كفوء للكريمتين أما العربية الفصيحة والخالصة الصريحة الشهية الضم والالتزام المقصورة في الخيام فهي لديه سافرة اللثام وأما الفارسية الدرية والدرة البهية ذات الحلى والحلل والغنج والكحل فقد التجأت إلى بابه ونشأت تحت حجابه فهذبها بحسن التربية وأولدها أبكارا فتى دعاها اجابته بالتلبية إلا وهو قرارة الفيض الرباني وانموذج شرف النوع الانساني أحسن الله تعالى إليه في الأمور كلها كما أجرى على يديه الاحسان في عقدها وحلها وأدام كفايته لابكار المكارم والمعالي ولا زالت تبلغه المقاصد رواحل الأيام والليالي آمين أعاذك رب الناس من كل وحشة ... فإنك في هذا الزمان غريب ولا كان للمكروه نحوك مقصد ... ولا لصروف الدهر فيك نصيب هذا وإذا اجنح الخاطر الكريم ... للسؤال عن حالي الداعي القديم فالحمد لله الملك المنان الذي أحسن فعم بالاحسان قد وصل الداعي بعونه إلى الوطن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مثقلاً بأعباء التفضلات والمنن فاستحسن بسبب دالة الأنتساب إلى رعاية الجناب أن يقرع باب الاحتمال بعرض صورة الحال ملمعة الجد والامحاض بشيء من الملح والأحماض علماً بأن القصة بهذه الكيفية لا تثقل على السح بالكلية وثقة بأن شافع الوداد وجيه عند السيد الأوحد النبيه يمنعه من الملل كما يحمله على اقالة الزلل وجزماً بأن الجناب المومى إلى عنوان مجده مولع بقبول لطف الأدب هزله وجده فالمنهى أن الداعي بعد تلك الكائنات المقضيه وتلبية الاشارة السنية انصرف عن الاعتاب العلية خلد الله تعالى أيامها وأيد أحكامها وأبد أنعامها ولا زالت القدرة الباهرة لاعدائها قاهره ولانصارها ناصره ولا برح سرادق عدلها على الرعايا بالأمن ممدودا والتوفيق بأرائها وحركاتها معقوداً بحرمة سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين فأشرفنا على بحر الخليج وللريح نئيج والملاحون من أجل ذلك في أمر مريج ونحن على الله متوكلون وإلى حرم حمايته ملتجئون فركبنا ظهر ماخرة الحيزوم وكأنها عقاب يحوم وقد نشرت جناح الشراع وكأنه في الخفقان جنان الجبان إذا ترآءت الفئتان والبحر قد عب عبابه وعلت أعلامه وهضابه ولو شبهناه بغزارة كرم أولياء النعم السابغ على الغنج والمحتاج لما كان لنا دليل عند الاحتجاج ما يستوي البحران هذا عذب سائغ شرابه وهذا ملح اجاج وقد تلاطمت كالعساكر أمواجه وأنتفخت من الحنق أوداجه وتشمخت عرانينه وظهرت من العجب والكبر عجائبه وأفانينه ومرأجل صدره تغلي بالحقد وتفور ولهواته ترمي بالزبد فيمور وكأن متونه مهارق وأدراج وكأن السفن مصاقل من عاج فلا وصل إلا ان اروح ملججا ... على أسود من فوق أخضر مزيد شوائل أذناب يخيل أنها ... عقارب دبت فوق صرح ممرد وللموج زفير وهدير وللدسر والألواح صليل وصرير وللريح دوي وصفير وهي بجبال الموج من غير احتشام كما تتلاعب الأيام بالكرام وكأنها حين تعبث به في التمثيل تبحث عن سر في أحشائه دخيل أو تطالبه بذحل وهو يطلبه منها ونحن نطلب سكونه لا سكناه وما كل ما يتمنى فقل في سجن يمشي على زئبق مواج أول مصحوب فيه الارتعاش والانزعاج وأقل مسلوب فيه السكون والرقاد اللذان فيهما راحة الأجساد وكم به من عربيد لا تحمل أخلاقه ولا يستطاع فراقه ولا نفس زمجرة الملاح واستدباره لواقح الرياح واستقباله دوافع الزبد بوجه وقاح والخيزرانة في قبضته كقادمة جناح وكم له من نظرة شزراً ونعرة نكراً وهو يحملق في خطوط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 أمامه ضئيله لتستبين بها سبيله المحيله ودليله فيها من الحديدة ابره لو أخذتها في عشقها للمغناطيس فتره لهمنا هيام الشعرا في كل واد ولأضللنا قصد الطريق والرشاد هذا وأمواج متدافعة متقاذفه ترجف الراجفة فتتبعها الرادفة وتذهب الغاشية المضمحلة فتعقبها الناشئة المستقلة وما كفى البحر مرارة طعمه في الأفواه واحتياج ضيقه إلى قطرة من المياه حتى اكفهر وجهه واسود وتجعد وأربد فكأنه مزج بدم الفرصاد أو خلق من مرائر الحساد أو ذابت فيه من أعداء الدين الأكباد يغر الناظر بالسكون ثم يكون منه ما يكون ولا يسمع للشكوى ولا يرثي للبلوى والماء وإن جعل الله منه الحيوان فقد أسند إليه في الجملة الطغيان في قوله سبحانه في الفرقان إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وما برحت عادته من تجأوز الحد غير عارية وكيف براكبه إذا حلت السحب عز إليها وسيئم المسافر تواليها وهزت البروق سيوفها في كل طريق فاختفت الأبصار بالبريق وأرفضت منه شعل الحريق ومن كابد أخطاره فهو عن استحسان ركوبه يرى وإن استخرج منه الحيلة الفاخرة وأكل اللحم الطري على ان من مزاياه الشريفة حمله عساكر الموحدين إلى غزو أعداء الدين وخلاصة القصة لم تزل السفينة تعلو بنا علو الحق إلى الأفلاك حتى كإننا نمسح وجه السماك ونسبح مع الأملاك وتسفل بنا سفول الباطل إلى الدرك حتى نسبح مع السمك ونحن نرتقص لا من طرب ونرعد والقلوب من الرجف تقوم وتقعد وكأننا في جوفها حب في حوصله ولا نتكلم إلا بالاسترجاع والحوقلة وقد تبرقعت الوجوه بصبغ الورس وثبت المسامع عن الجرس وبطل الحذر والحدس ورب قائل قد كان عمى أوصاني أن لا أركب البحر ولا يراني متهكماً بنفسه بنفس يكاد يتبرأ منه عند خلسه ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم وما برحنا نبدي إلى الله الخشوع وهو أدرى ونتشبث بذيل الاستغاثة جرا وهلم جرا حتى ألقانا تيار الأقدار على المرفأ وما فينا إلا من لكاء النوتى وما تلكأ ثم صافحنا يمين السلامة ونفحتنا بميامن أولياء النعم كل كرامه ثم أبدلنا الغلك بأفلاك السروج وكأننا في السير نجوم وكأنها لنا بروج وطارت بنا خيول البريد وللفرانق بالهمالج عنف شديد يعتادها من وقع صوته أفكل عجيب ولقلوبها اذا نعر وجيب مريب فلا يده عندها بيضاء ولا وجهه إليها حبيب كم من كميت من خوفه كالميت وكم من ابلق كالعقعق قد مسه من سوطه أولق ثم ان وصل إلى المنزل العامر علك الشكيم إلى انصراف الزائر تصيح وعيونها من كراهة طلعته حول وتتمنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 لو تركها غرق في بحار الوحول أو لو تصدق بها للاحتساب وجعلها طعمة للذباب وهزوة للكلاب لكي تستريح من صب صوت العذاب فكم طوينا بها والليل حالك مهامه فسيحة الارجا والمسالك في سعة الصدر الكريم أو قريب من ذلك حتى أشرفنا على البلد المعروف والوطن المألوف فخرج إلى استقبال الداعي كل كبير وصغير ونحن لهم بصدد التوقير إلى أن غصت أفواه الطرق بالناس وأسفرت وجوه المحبين بالاستيناس فقلت لصاحبي انعم صباحا ... لعمرك قد تعارفت الوجوه وأوقد في بعض الأسواق الشموع والشمس في الرابعة والدعوات لأولياء النعم متتابعة والتأمين بالارتفاع حتى من ذوات القناع ولا سيما عند وصول الداعي للدار واجتماعه بمن كان له في الأنتظار من أهل وحرم وأتباع وخدم كان أبكاهم ألم الفراق وتجرعوا مرارة كاسه الدهاق فرب قارة في كنها لم تخرج وطفل من وكنه بعد لم يدرج وكان الارجاف بنا أقعدهم عن النهوض ومنع أجفانهم من لذة الغموض وتخلى عنهم كل صديق كان يعد للمضيق لا تعدن للزمان صديقا ... وأعد الزمان للأصدقاء وبحمد الله تعالى سهام مطاعن الأعداء علينا طاشت وأباطيل الحساد اضمحلت وتلاشت ومودات من قد كانوا دفنوا المعرفة عاشت ومن غضب من غير شيء كان من غير شيء رضاه فلا بلغ حاسد ما يتمناه وبتوفيق الله تعالى قد بذل الداعي ما في طوق الامكان من إكرام كافة الاخوان ولم يبدلا حد منهم صفحة انكار ولا أحوجه إلى مضض الاعتذار على أنني أقضي الحقوق بطاقتي ... وأبلغ في رعى الذمام لهم جهدي وما مثل الداعي ومثل من دبت إليه منهم عقارب النميمة ورموه عن قوس الزور والبهتان بكل عظيمة إلا كما قيل كل يوم يقول لي لك ذنب ... يتجنى ولا يرى ذاك منى فانا الدهر في اعتذار إليه ... وإذا ما رضى فليس يهنى ربما جئته لاسلفه العذ ... ر لبعض الذنوب قبل التجني على أن الأكثر فيما تقولوه وازهقه الله فبطل كما قيل في المثل مكره أخاك لا بطل ورب اشارة عدت كلاماً ... ولفظ لا يعد من الكلام ونثار المترجم من جزيل وأشعاره كثيرة وكأنت وفاته في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى وبنو كيوان بدمشق طائفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 خرج منها امرآء واعيان اجناد ونسبتهم إلى كيوان ابن عبد الله احد كبراء اجناد الشام كان في الاصل مملوكاً لرضوان باشا نائب غرة ثم صار من الجند الشامي وصدر منهم بغي وتطأول في الظلم جداً وكان قتله في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين من محرم سنة ثلاث وثلاثين والف ودفن عند باب دمشق من ابواب بعلبك وارخ وفاته شيخ الادب بدمشق الاديب ابو بكر الغمري بقوله ولما طغى كيوان في الشام واعتدى ... وارجف اهليها وللظلم فصلا فقلت لهم قرّوا عيواناً وارخوا ... ففي بعلبك قتل كيوان اصلا وله ترجمة طويلة في تاريخ الاعين المحبي الدمشقي والله سبحانه اعلم أحمد الدمشقي أحمد بن حسين بن جمال الدين الدمشقي ثم القسطنطيني كان والده المزبور من اهالي دمشق وارتحل إلى قسطنطينية دار الملك وسلك بها طريق الموالي والمدرسين وتنقل بالمدارس إلى ان وصل إلى مدرسة قاسم باشا برتبة التمشلي وصار عند شيخ الاسلام مفتي التخت العثماني المولى على مفتش الأوقاف ومرح في خدمته وتوفي في جمادي الأولى سنة مائة والف وكان مشهوراً بالمعارف العلمية وولده صاحب الترجمة بعد سن التمييز اشتغل بتحصيل المعارف وفن الآداب وكان ممدوح الاطوار والحركات مشتغلاً بكسب العلوم والكمال ثم في سنة سبع وتسعين والف اعطى ملازمة الطريق من المولى محمد الانقروي وعزل عن مدرسة باربعين عثماني ففي سنة خمسة عشر ومائة والف في شوال اعطى رتبة الخارج مكان المولى يحيى زاده المولى عبد الله بمدرسة حاج حمزة وامتاز بين الاقران ولما تولى المولى حسين الطيار قضاء مكة المكرمة وكان المذكور مصاهرة توجه بخدمته فلما كانوا في الطريق على جهة مصر القاهرة بقرب اسكندرية غرقوا جميعاً بالبحر وذلك في شعبان سنة سبعة عشرة ومائة والف رحمهم الله تعالى أحمد بك دست أحمد بن خليل المعروف بيكدست الحنفي النقشبندي الجورياني نزيل مكة المكرمة الشيخ الاستاذ العارف الكامل العمده كان من مشاهير الأجلة والشيوخ الاخيار تلمذ للاستاذ الكبير محمد معصوم بن أحمد الفاروقي السرهندي واخذ عنه الطريقة النقشبندية وسلك على يديه وعمته نفحاته وروته رشحاته وفاض عليه صيب امداده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وبركته فاثمر وأورق واينع وطاب للواردين روضه ودفق بالارشاد حوضه وقدم مكة المكرمة واستقام بها مدة سنين واشتهر وفاق واخذ عنه الطريقة المذكورة اناس كثيرون وكان هو والجد الاستاذ محمد مراد بن علي البخاري قدس سرهما رفيقين التلمذه على الاستاذ محمد معصوم الفاروقي المذكور واعطاهما القبول واشتهر امرهما ظهرت لهما الكرامات واحوال العجيبة وعقدت على ولايتهما خناصر الاتفاق ومدهما الله بمدد وعونه وكأنت وفاة المترجم بمكة المكرمة سنة تسع عشر ومائة والف والجورياني بضم الجيم وكسر الراء ثم مثناة تحتية والف ونون وياء نسبة إلى جوريان وبكدست لفظة مركبة بالفارسية من كلمتين الأولى بك بمعنى واحد والثانية دست بمعنى اليد أي ذو يد واحدة لان الاستاذ المترجم كان عاطل اليد الواحدة فلذا اشتهر بيكدست رحمه الله تعالى أحمد بن رمضان أحمد بن رمضان الملقب بوفقي على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنطيني الاسكداري احد الادباء المشهورين والشعراء البارعين باللغة التركية تزوج اخت الشيخ عيسى شيخ زأوية درغمان التي بالقرب من جامع سلطان سليم خان بقسطنطينية واخذ عنه الطريقة الجلوتية بالجيم وأخذ الخط عن حسين الكاتب المشهور ومهر باتقانه واجاد فنونه وصار واعظاً في جامع الوزير علي باشا الحورللي وله أشعار كثيرة جميعها باللغة التركية وكان مشهوراً بجودة الخط واجادة الشعر وكأنت وفاته سنة احدى وخمسين ومائة والف ودفن في خارج قسطنطينية في تربة قاسم باشا المشهورة رحمه الله تعالى أحمد بن النقطه أحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن النقطة وبابن المغرفة مقاطع جي الخزينة وكاتبها كان من أرباب التوريق وله وقف على ذريته توفي ليلة الخميس ثاني ربيع الأول سنة ثمان عشرة ومائة والف عن اثنين وخمسين سنة أحمد بن سراج أحمد الشهير بابن سراج الدمشقي أحد مجاذيب دمشق الولي المجمع على ولايته ترجمه الاستاذ السيد مصطفى البكري في رسالة ترجم بها من لقيه من الأولياء بدمشق وقال في وصفه أظن أصله من نواحي صفد أو نابلس واقام بجامع السقيفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 نحو ثمان سنين وحروف شهرته مطموسة ثم أنتقل إلى مدرستنا واقام بها مدة خافي الحال إلى ان أذن له بالظهور الكبير المتعال ولقد ذكره الشيخ أحمد الكستي الحلبي الامجد في رسالة شرح بها تطهر بماء الغيب ان كنت ذا سر وقال فيها عند قول الاكبري وقدم اماماً كنت أنت امامه ورد علي مجذوب كردي فسألته عن معنى الامامة فتكلم في معناها بكلام لم أره في كتب خاتم الولاية المحمدية فاخبرني الاخ الشيخ مصطفى بن عمرو ان الشيخ أحمد اخبره قال كان عندي الشيخ أحمد المجذوب وقال لي ما عاينت من مر علي قال فسألته من مر قال أكثر من مائتي رجل من رجال الغيب قال الشيخ أحمد وصدقته فاني أدركت أشباحاً مرت وحكى لي عنه أيضاً قال بينما الشيخ أحمد في البيت والباب مغلق عليه كعادته وقد طبخ له مملوكه الطباخ أوزتين وإذا بالشيخ أحمد لمجذوب داخل عليه وطلب ما يأكله فاني له بأوزة فقال ابن الثانية فقال له كل هذه فإذا أتممتها فإني لك بالاخرى فاخرج من جيبه موسى وقال اشق بطن هذه أو بطنك فقال له وأنا عندي سيف واشار به إلى سيف هنالك وكان مملوكه حسن ذهب إلى السوق ليشتري له حاجة فرآه مجذوب فقال له ان شيخك دخل عليه رجل من رجال الشام يمتحنه فخذ لي ما آكل وانا احميه منه فاشترى له ذلك ورجع فرأى الشيخ أحمد يتحأور مع سيده وهممت مرة على مشأوريه في الذهاب إلى حلب فقلت له مرادي اشأورك على أمر فشره علي والمستشار لا يكون خواناً فقال قف حتى أشأورك أنا أولاً فقلت قل فقال مرادي اذهب إلى حلب فكيف تقول فعلمت انه يحكي على لساني فقلت له أنا أذهب بالنيابة عنك فلوص على هناك جماعتك وجاءني قبل ان اعرفه على الحج وقال لي يا مصطفى كيف تقول مرادهم يرسلوني الآن غفيراً في الحج ففهمت اشارته وقلت له انا اذهب نائباً عنك ثم جاء وانشدني ولو قيدوا المشتاق بقيد بن ماهدا فتحرك مني العزم وسهل الله تعالى بالحج ذلك العام وكنت ليلة الاثنين اعمل ذكراً في المدرسة واناديه أحياناً بباطني فمتى ناديته جاء وإذا غفلت عن مناداته لم يأت فعاتبته مرة فقال انك لم تناد علي فقلت له أنت كل ليلة تحتاج من يناديك فقال كل انسان يعطي حقه وخرجت إلى خلوته مرة فرأيته يكتب في كتاب الفه فقلت له ما هذا الكتاب فقال تراجم اهل الوقت فقلت له ما الذي ترجمتني فيه فقال قلت مصطفى من الامراء فقلت هذا فقط فقال يكفي واخبرني الاخ الشيخ مصطفى قال اتيت مرة اليك فلم القك وكان واقفاً عند الايوان فسلمت عليه فقال لي أنت ما تأتي الا إلى ابن البكري لم تأتي إلي ولا مرة فقلت له أنت مكانك مرتفع وانا عاجز فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 اخرج إلى الحلوة اضيفك قال فلم تسعني مخالفته فخرجت معه وخفت من رائحة النتن ان تؤذيني لصغر الحلوة فعلق غليونه وصار يحكي معي لكن لم اشم رائحة النتن ولم يأت إلى جهتي منه شيء فعلمت انها كرامة له قال وسألته هل يأتي اليك الخضر عليه الصلاة والسلام قال نعم وأي فائدة فانه ينطق حنكاً ويذهب قلت قوله ينطق حنكاً أي يفيد علوماً لم تكن عندنا لان الخضر عليه الصلاة والسلام ما اجتمع بأحد إلا وأفاده علماً لم يكن عنده وقوله أي فائدة اعظم من هذه وقصد التعمية بهذا الكلام وقدم وأخر لأنه من الملأ متيت الكرام وأخبرني ابن الخالة المرحوم السيد عبد الرحمن السرميني في مرض موته انه دخل عليه الخلوة قبل ان يمرض بأيام قليلة فقال له يا عبد الرحمن لنا رجل اسمه عبد الرحمن رايح يموت قال فلما سمعت عبارته هبط قلبي وانا أخشى ان يكون اشار الي ففسحت له في الأجل وقلت له ما بقي في الدنيا عبد الرحمن إلا أنت قال وكنت إذا توعكت أرسلت خلفه فيأتي من غير مهلة والآن ارسلت خلفه مراراً فلم يأت فقلت له هؤلاء ارباب الاحوال كل ساعة في طور وسليته بما أمكن وكان ما اشار به إليه ودخل على الخلوة التي في ايوان البادرائية الكبير وكنت اطالع في كتاب فلم احفل به كعادتي فقال لي انا لا أواخذك لكن لا تفعل هذا مع غيري فقلت جزاك الله خيراً وأوصاني ان لا أجلس بدون سروال وطلب من العم الحاج إبراهيم بن أحمد ابن الطويل كان الله له مرة في عتبه الخلوة مصرية فدفعها إليه فطلب اخرى فدفعها ثم طلب منه اخرى فتوقف عن الدفع فقال له أنت تعطي صدقة عنك هات حقنا فرأيته تنبه وبادر إلى اعطائه وعدله خمساً أخر فأخذها ومضى فسألته عن ذلك فقال قد تذرت وأنا في البحر لاصحاب النوبة سبع مصريات ونسيت النذر فلما طلب مني أولاً وثانياً وثالثاً وذكرتي تذكرت وتحققت انه فهم ووقع له مع رجل مصري يقال له الشيخ عمر واقعة وآخر يقال له السيد مصطفى الدباغ فسلب الأول ولم يلبث ان مات الثاني واشهرت قصتهما واعتقدت الناس فيه وكنت ارسلت له مع الوالد القلبي الشيخ إسماعيل الحرستاني المرحوم من البيت المقدس كتاباً وصدرته بقصيدة مطلعهاصرية فدفعها إليه فطلب اخرى فدفعها ثم طلب منه اخرى فتوقف عن الدفع فقال له أنت تعطي صدقة عنك هات حقنا فرأيته تنبه وبادر إلى اعطائه وعدله خمساً أخر فأخذها ومضى فسألته عن ذلك فقال قد تذرت وأنا في البحر لاصحاب النوبة سبع مصريات ونسيت النذر فلما طلب مني أولاً وثانياً وثالثاً وذكرتي تذكرت وتحققت انه فهم ووقع له مع رجل مصري يقال له الشيخ عمر واقعة وآخر يقال له السيد مصطفى الدباغ فسلب الأول ولم يلبث ان مات الثاني واشهرت قصتهما واعتقدت الناس فيه وكنت ارسلت له مع الوالد القلبي الشيخ إسماعيل الحرستاني المرحوم من البيت المقدس كتاباً وصدرته بقصيدة مطلعها يا نفس في وحب من تهوينه طيبي ... واستشقى عرفه الزاكي على الطيب وسر اهل الهوى ضنى بذاك ولو ... ضنى فنيت لتحظى بالاعاجيب وفي المنى هيمي وجدا من محبته ... وعنك حال تجليه به غيبي وان بدالك منى في السرا ملل ... لومي علي وفي التقصير لي عيبي وحافظي عند ارباب اللسان على ... حفظ اللسان وقومي في المحاريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ولازمي عند ارباب القلوب على ... صون القلوب فهم صقل المخاليب وحاذري فعل اهل الحان تعترضي ... وسلمي كل احوال المجاذيب وصدقي ما يقول السائرون به ... في حال كشفهم من غير تكذيب قوم بأرواحهم جادوا وما بخلوا ... وجدهم بين ترغيب وترهيب وقلبهم فوق نار الشوق قد وضعوا ... ولم يمل لسلو عند تقليب قد هذبوا انفساً منهم مجاهدة ... واضعفوها بتفحيص وتنقيب وكابدوها إلى ان ضاع نشر ندى ... فضاع عقلهم عن وصف تدريب عليهم ابدا ما لاح نجم هدى ... سلام لعب بهم راج لتقريب ما اشتاق نحوهم من ذاق محوهم ... أو ما شجتني اسرار المناهيب وما شدا مصطفى البكري ملتهفا ... في النصح يلي بانواع الاساليب قال الوالد المرحوم صب الله على جدثه مياه الغيوم فلما اسمعتها له قال ابن عرب وقال لي مرة يا مصطفى مرادهم يعملوني قاضي فقلت أي شيء تفعل بالقضاء فقال انا مرادي افرغ لك عنه فقلت أنت ما لقيت تعملني الاقاضيا فقال هذا أمر مليح فتحادثت معه كثيراً فقال يا مصطفى راسين في مكان فقلت له انا تنزلت لك عن الرياسة فقال لا نحن نقسم المدرسة قسمين النصف الذي من جانبك لك والذي من جانبي لي فقلت له وهكذا يكون رضي الله عنه وله حال غريب ومقال عجيب يحكي حكايات عن بعض اناس وبلاد ويضحك لحكيه فيملا بالسرور الفؤاد يدعي بالملكيه لكل ما استحسن وشاهد من باب مشاهدة لله ما في السموات وما في الارض ومما سمعت عنه انه قال نحن لا نفيد قارياً ولا ولد قاري أي نحن معاشر الملامية من شرطنا ان لا نفيد عالماً عارفاً ولا ولده بل نفيد من ليس عنده علم ولا خبر ولا له رسم في هذه الدائرة ولا أثر قال وكان قد أكل بطيخاً ومن أكل البطيخ ولم يغسل لحينه فقد أساء اليها وسمعته يقول من لا يشأورك لا تهنيه بالسلامة وقد رأيته مع جماعة في المنام وانا متوجه في البحر إلى يافا من دمياط ذات الثغر البسام وعلمت انهم ارباب المقام ورأيتهم يتشأورون في امر منهم عشرة ومنهم من يقول سبعة فرأيته قام على قدميه وفتح اصابع يده وقال خمسة فاستفقت وكأنت الرؤيا يوم دخولي السفينة فخشيت ان يكون أشار لايام الاقامة فيها وإذا الامر كما خطر لي سقاه الله من خمرة القرب صافيها وغاينت له غير ما ذكرت ولكن لما قصدت الاختصار على ما قدمت اقتصرت وقد بلغتني وفاته وانا بالبصرة وانها كأنت بدمشق في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومائة والف رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أحمد المحاسني أحمد بن سليمان بن إسماعيل بن تاج الدين بن أحمد الحنفي الدمشقي التميمي الشهير كأسلافه بالمحاسني الشيخ الفاضل العالم الكامل الأوحد البارع الفقيه المفتن المؤرخ ابو العباس شهاب الدين أحد رؤساء دمشق واعيانها واصلائها ولد ليلة الثلاثاء التاسع محرم افتتاح سنة خمس وتسعين وألف ونشأ في حجر والده وتلا القرآن العظيم واخذ عن جملة من أعيان علماء دمشق كالاستاذ الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري والشمس محمد بن علي الكاملي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي وغيرهم وولي خطابة جامع الاموي وتدريس المدرستين الامينية بدمشق والباسطية بصالحيتها وصارت له الاعتبارات المتعارفة بين الموالي وجمع مجاميع حسنة في الفقه والادب وكتب الكثير بخطه وكان حريصاً على الفوائد العلمية وكأنت وفاته في سابع ذي الحجة سنة ست وأربعين ومائة والف ودفن بتربة الباب الصغير. أحمد بن سوار أحمد بن شمس الدين بن زين الدين بن عبد القادر الشافعي الدمشقي المعروف كأسلافه بابن سوار شيخ المحيا بدمشق كان عالماً فاضلاً محققاً ورعا عاملاً زاهداً متبحراً في الفنون كلها معقولاً ومنقولاً لا سيما الحكمة والكلام وله قدم راسخ في الحديث وتوابعه مع حسن الاخلاق ولطف المعاشرة والاحسان إلى فقراء طريقه وطرح التكليف ولد بدمشق في سنة ثمانين بعد الالف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الكاملي والشيخ ابو المواهب الحنبلي والشيخ الزاهد الملا الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ يونس المصري المدرس تحت قبة النسر بالحديث والشيخ عثمان القطان والشيخ محمد المالكي والشيخ إسماعيل الحائك المفتي الحنفي والشيخ السيد عبد الباقي مغيزل والشيخ عبد الرحمن المجلد والملا عبد الرحيم الكابلي نزيل دمشق والشيخ محمد عقيلة المكي وغيرهم وحصل واحتسى كؤس الفضل واغتذى من لبان التحقيق حتى أشير إليه بالبنان فدرس في القبة الباعونية الكائنة داخل الجامع الاموي بالخارج ويحضره جماعة وفي محلته قبر عاتكة مشتغلاً بافادة العلوم والعبادة ولما توفي قريبه العلامة الولي الصالح الشيخ مصطفى اراد ان يصير مكانه شيخاً في عمل المحيا فلم تصر له المشيخة وصارت لأولاد قريبه المذكور فصار يجعل ذكراً وحده ووقع بينهما الخصام التام ثم بعد ذلك حصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 اتفاق بينه وبين قريبه على ان كلاً منهما يعمل ليلة في مشهد المحيا داخل الجامع الاموي والاخرى في جامع البزوري خارج دمشق كما هم عليه الآن ولما صارت الزلزلة العظمى في دمشق ونواحها في سنة وفاته صاموا الناس ثلاثة ايام ودعوا وابتهلوا إلى الله تعالى في مسجد المصلى وكان المترجم هو الذي قدموه للدعاء فدعا وابتهل والناس خلفه وبالجملة فانه كان من العلماء المشهورين بالفضل والصلاح وكأنت وفاته في ثالث شوال سنة ثلاث وسبعين ومائة والف وسيأتي قريبه مصطفى وولداه رحمهم الله تعالى. أحمد الوراق أحمد بن صالح بن أحمد بن صدقة المعروف بالوراق الخلوتي الاخلاصي الحلبي الاديب النظم البارع السميدع كان نادرة الشهباء في الادب ونظم الشعر فاضلاً له اطلاع وفضيلة بالمعاني والبيان والعربية وفنون الادب والعلم ممن اشرقت شمس آدابه واينعت حياض معارفه وراقت مواردها حسن الاخلاق مجيداً ماهراً محبوباً عند الناس ولد في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة والف وكان في ابتداء شبابه يتعاطى صناعة القصب ثم في عام ثمان وأربعين أنتقل إلى باب أموي حلب الشرقي واشتغل ببيع الورق فنسب حينئذ إلى الورق صحب أفاضل الشهباء وجد في الطلب اخذ العربية عن العالم الشيخ محمد الحموي واخذ الفقه والعقائد عن الشيخ قاسم النجار واخذ البديع عن الشيخ قاسم اليكرجي وعن الشيخ محمد المعروف بابن الزمار واجازه علامة بغداد الشيخ صالح البغدادي وسمع معظم صحيح الامام البخاري عن المحدث محمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة عام قفوله من الروم واخذ المصطلح والادب والمعاني والبيان عن الشيخ أبي الفتوح علي الميقتي باموي حلب وأنتفع به كثيراً واستجاز الشيخ صالح الجينيني الدمشقي عام ارتحاله اليها وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة والف فاجازه بثبته وله ادبية وشعر واطلاع على فنون الادب ومعرفة غنه من سمينه فن ذلك قوله متوسلاً بزاكي الاباء والحدود وصاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم زمن الربيع به الازاهر ... تفتر عن ثغر البشائر فانهض إلى روضي المنى ... وانف الهموم عن الضمائر واسمع غناء بلابل ... قد غار منها كل طائر وتمايلت قضب الاراك ... تريك ميلات المفاخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والنهر يحكي ماؤه ... درا اذيب على الجواهر والشمس من حلل الغصو ... ن كأنها غير تناظر وغدت نسيمات الريا ... ض تنم عن سر الازاهر والورد كلل خده ... در من السحب المواطر والاقحوان كأنه ... اجفان صب بات ساهر فاطرب بما صنع الآله ... وكن له يا صاح شاكر منها وأجل الكروب بمدح طه ... المصطفى نور البصائر الفاتح البر الرؤ ... ف محمد زاكي العناصر والعاقب الماحي الذي ... ضاءت بمبعثه الدياجر ذي المعجزات الباهرا ... ت ومن غدا للغي باتر هو سيد سادت به ... آباؤه الغر الأطاهر وبه افتخار أولى الكما ... ل من الأوائل والأواخر طابت ارومة ذاته ... والطيب لا ينفك عاطر منها ما الشمس الا من ضيا ... ء جبينه حازت مفاخر وإذا ألم بصحبه ... ما البدر ما الزهر الزواهر يا قطب دائرة النبيي ... ن الكرام أولى المآثر يا سيد الكونين يا ... من لم يزل للحق ناصر يا رحمة الله التي ... قد نالها باد وحاضر مولاي يا كنز العفا ... مومن غدا بالعفو آمر عفوا رسول الله عن ... ذنب به الوراق حائر اني استجرت بجاهك ال ... احمى المنيع من المضائر وبآلك الاطهار وال ... اصحاب من سادوا العشائر وبصاحبيك توسلي ... لافوز من ظلم العناصر وانال في الآخرى شفا ... عتك التي تمحو الكبائر فلأنت اكرم شافع ... حيث القلوب لدى الحناجر فاقبل ضراعة عاجز ... حين الشدائد غير صابر صلى عليك وسلم ال ... رحمن ما لمحت نواظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وكذاك آلك والصحا ... بة ما شدا في الدوح طائر أو حن مشتاق إلى ... أوطانه أو سار سائر وقوله متوسلاً بأشرف الوسائل وسيد الأواخر والأوائل صلى الله عليه وسلم خطرت فغار الغصن من خطراتها ... ورنت فشمنا السحر في حركاتها غيداء رنحها الصبا بعقاره ... فنضت سيوف الهند من لحظاتها نصبت لنا شرك الغرام شعورها ... فتكابنا والفتك من عاداتها ورمت حواجبها القسي سهام ما ... قد راشت الاجفان من نظراتها طارحتها شكوى الغرام فلم يفد ... الا تماديها على نفراتها ودعوتها أخت الغزال ترفقي ... في مهجة صبرت على زفراتها ومحاجري ترعى النجوم وربما ... اربت على الطوفان في عبراتها لم يرقها الا التكحل من ثرى ... دار يفوح المسك من عنباتها دار الذي وسع البرية فضله ... وله اليد البيضا على ساداتها أعني به طه الذي بجنابه ... لاذت جميع الخلق في شدانها ما في العوالم ذرة الا به ... تكوينها خلقاً واصل حياتها جبلت على الحلق العظيم طباعه ... من ذا يباريه بحسن صفاتها قد طهر الاكوان من دنس الردى ... وازال ما قد كان من شبهانها وبه النجاة من الشدائد كلها ... وخلاص أهل الكرب من كرباتها تالله ما وصلت لعبد نعمة ... الا وكان هو الممد لذاتها مولاي يا ختم الرسالة جد على ... نفس اضر الذنب في حالاتها مالي سواك وأنت أكرم شافع ... في المذنبين مشفع لنجاتها صلى عليك الله ما هبت صبا ... سحرا فهاج الصب من نفحاتها وكذا على الآل الكرام وصحبك ال ... اطهار من كرمت بطيب ذواتها ابدا على مر الجديد مسلما ... لا نال حسن الختم من بركاتها وله مضمناً البيت الاخير يا صاحبي قفا نسائل ساقيا ... ملاء القلوب بلا عج الاشواق تالله لا ادري عشية ان سقى ... ماذا سقى لمعاشر العشاق قد خامرتني والكؤس لحاظه ... فكأننا كنا على ميثاق فاستنشداه عل يخبر صادقا ... فلقد تشاكل امر هذا الساقي احدافه ملئت من الافداح ام ... اقداحه ملئت من الاحداق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وله أيضا اسأت إلى نفسي وغيري جهالة ... بسهو وعمد والمهيمن ساتر وظني بان الله جل جلاله ... جميع ذنوبي حين موتى غافر وله غير ذلك مرض في أوائل شعبان المعظم وانقطع في داره وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر ذي القعدة الحرام سنة تسع وثمانين ومائة والف ودفن في مقبرة جامع البختي تجاه تكية بابا بيرم رحمه الله تعالى واموات المسلمين. أحمد العلمي أحمد بن صلاح الدين المعروف كاسلافه بالعلمي القدسي تقدم ذكر ولده أبي بكر وابن عمه أبي الوفا وكان هذا عالماً فاضلاً صوفياً صالحاً اشتهر حاله بالصلاح والتقوى وكان على قدم العبودية صائماً نهاره وقائماً ليله على نهج الصوفية ولد في يوم السبت سادس شوال سنة خمس وخمسين والف وتنبل واخذ الطريق عن الاستاذ المزطاري المغربي الشاذلي وجعله خليفة له في الديار القدسية ومع ذلك فبنوا لعلمي أهل طريق أيضا وصار يقيم الاذكار وقرأ في العلوم على الشيخ السيد عبد الرحمن اللطفي القدسي وغيره وكان يخطب بالسجد الاقصى المحترم بصوت حسن ويعظ وعظاً يلين القلوب القاسية وكان مع ذلك صاحب فضيلة ومعرفة وبالجملة فقد كان من محققي اهل زمانه ومعتقد اهل عصره وأوانه وكأنت وفاته في ليلة الاحد عاشر شعبان سنة ستة عشر ومائة والف رحمه الله تعالى. أحمد الملوي أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف المجبري الشافعي القاهري الشهير بالملوي الشيخ الامام العلامة المعمر مسند الوقت شيخ الشيوخ واستاذ اهل الرسوخ التحرير المفنن الأوحد صاحب التآليف النافعة ابو العباس شهاب الدين ولد في ثالث شهر رمضان سنة ثمان وثمانين والف ودخل الازهر وطلب العلم واخذ عن جملة من الشيوخ منهم الشيوخ الأجلاء الشهابان أحمد ابن الفقيه وأحمد بن محمد الخليفي وأبو محمد عبد الرؤف البشبيشي والجمالي منصور المنيفي وأحمد بن غانم النفرأوي وأحمد الشبراخيتي وعبد ربه بن أحمد الديوي ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني وعبد الجواد بن القاسم المحلي ومحمد بن عبد الله النكسي وأبو الصلاح أحمد بن محمد الهشتركي ومحمد بن عبد الله السجلماسي ومحمد بن عبد الرحمن بن ذكرى وابو العز بن الشهاب محمد العجمي والشمس محمد بن منصور الاطفيحي ورضوان الطوخي وابو الحسن علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 بن علي الحسيني الحنفي وعمر بن عبد السلام التطأوني وأبو الانس محمد بن عبد الرحمن الملحي وابو الفيض محمد بن إبراهيم الابوتيجي ومحمد ابن أحمد الورزازي وغيرهم واشتهر صيته وعلا ذكره وله من المؤلفات شرحان على رسالة الاستعارات مطول ومختصر وشرحان على السلم للاخضري مطول ومختصر وغير ذلك من المؤلفات وكأنت وفاته سنة احدى وثمانين ومائة والف رحمه الله تعالى. أحمد الدمنهوري أحمد بن عبد المنعم بن خيام الشافعي الحنفي المالكي الحنبلي هكذا كان يكتب بخطه المصري الشهير بالدمنهوري الشيخ الامام العلامة الأوحد آية الله الكبرى في العلوم والعرفان المفنن في جميع العلوم معقولاً ومنقولاً ابو المعارف شهاب الدين ولد في حدود التسعين والف ونشأ طالباً للعلوم فأخذ عن جملة من العلماء كالشهاب أحمد الحليفي وعبد ربه الديوي ومنصور المنوفي وعبد الجواد الميداني وعلي أبي الصفا الشنواني ومحمد الغمري وعبد الوهاب الشنواني وعبد الرؤف البشبيشي وعبد الجواد المرحومي وعبد الدائم الاجهوري ومحمد بن عبد العزيز الحنفي الزيادي وأحمد بن غانم النفرأوي المالكي ومحمد الورزازي وأحمد بن محمد الهشتركي ومحمد بن عبد الله السجلماسي والسيد محمد سلموني المالكي والشهاب أحمد المقدسي الحنبلي وكان عالماً بالمذاهب الاربع أكثر من أهلها قرآءة وله اليد الطولى في سائر العلوم منها الكيمياء والأوفاق والهيئة والحكمة والطب وله في كل علم منها تآليف عديدة وتولى مشيخة الجامع الازهر بعد وفاة الشمس محمد الحفني وله من التأليف شرح على سلم الاخضري في المنطق وشرح على رسالة الاستعارات السمرقندية وشرح على أوفاق قلب القرآن وغير ذلك من التآليف وبالجملة فهو نسيج وحده في هذه الاعصار وكأنت وفاته سنة اثنين وتسعين ومائة والف. أحمد الغزي أحمد بن عبد الكريم بن سعودي بن نجم الدين بن بدر الدين بن رضي الدين بن رضي الدين أيضاً ابن أحمد بن عبد الله بن مفرج بن بدر الشافعي الغزي الاصل العامري الدمشقي مفتي الشافعية بها وابن مفتيها شيخ الاسلام وابن مشايخه واحد ذوي البيوت المشهورة بدمشق ابو العباس شهاب الدين الشيخ الامام العالم العلامة الحبر الفقيه النحوي كان عالماً صدراً رئيساً محققاً مكرماً للناس مقبول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الشفاعة عند الحكام كثير الوعظ اليهم محترماً لديهم له وجاهة كلية واقدام مع التوقير والاحترام من الخاص والعام ولد بدمشق في سنة ثمان وسبعين والف وبها نشأ واشغله والده بطلب العلم بعد ان تأهل لذلك فقرأ عليه في الفقه وعلى الشيخ إسماعيل الحائك المفتي الحنفي في الاصول والنحو وعلى الشيخ محمد أبي المواهب في مصطلح الحديث واجازه السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني وبرع وفضل وساد وتصدر للتدريس بعد وفاة والده فدرس بالمدرسة الشامية البرانية في شرح المنهج وفي الاشهر الثلاث بالجامع الاموي في صحيح البخاري وصنف شرحاً على المنحة النجمية في شرح اللمحة البدرية وشرحاً على نظم نخبة الفكر لجده الرضي لم يشتهر واختصر كتاب جده محدث دمشق الشيخ محمد نجم الدين الغزي المسمى اتقان ما يحسن في الاحاديث الواردة على الالسن وسماه الجد الحثيث في بيان ما لبس بحديث واختصر السيرة النبوية للشيخ العلامة علي الحلبي وشرح منظومة النخبة التي نظمها جده رضي الدين الغزي وله غير ذلك وتولى افتاء السادة الشافعية بعد وفاة والده وحمدت سيرته بها وكان بدمشق مقداماً له القول والكلمة النافذة ويحترمه اعيانها وله مزيد التعظيم عندها إلى ان مات وكأنت وفاته في يوم الجمعة ثاني شعبان سنة ثلاث واربعين ومائة والف ودفن بتربتهم بمقبرة الاستاذ الشيخ ارسلان رضي الله عنهما ورثاه الشيخ سعيد السماني الدمشقي والاديب عبد الرحمن بن محمد البهلول بقصيدة مطلعها قضاء الله من للخلق أوجد ... بنا يمضي تواني الشخص أوجد والعامري نسبة إلى عامر بن لؤي رضي الله عنه والغزي نسبة إلى غزة هاشم ولكن المحقق المتواتر انهم رؤساء العلم في دمشق ابا عن جد من حين وفودهم اليها وأول من قدم منهم إلى دمشق جد المترجم الكبير أحمد بن عبد الله في سنة سبعين وسبعمائة قاله لسخأوي وقال ابن قاضي شهبة تقي الدين في سنة تسع وسبعين وسبعمائة وقطنها واخذ بها عن ائمة اعلام كالشهاب الزهري والشرف الشريشي والنجم ابن الجأبي والشرف عيسى الغزي صاحب كتاب أدب القاضي وشرح المنهاج والبرهان الصنهاجي المالكي واذن له بالافتاء في سنة احدى وتسعين وبرع في الفقه واصوله وناب في الحكم عن القاضي شمس الدين الاحساء في اخر ولايته وعن غيره وولي نظارة البيمارستان النوري فحمدت ديأنته وعفته ودرس بعدة مدارس كالعذرأوية والناصرية والشامية والكلاسة والاتابكية بالصالحية وتصدر للاقراء وجلس لذلك بالجامع الاموي والف مؤلفات منها مختصر المهمات في ثلاث مجلدات وشرح الحأوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الصغير في اربع مجلدات ومنسك كبير جمع فيه فأوعى وشرح جمع الجوامع لابن السبكي وشرح عمدة الاحكام لم يكمله فاكمله ولده الرضى والجواب الرأسي عن مسئلة التقي الفاسي وتحفة المبتغي لمعان ينبغي يشرح من المنهاج قطعة من أوله إلى كتاب الصلاة في مجلدين وله تعليق على صحيح البخاري في ثلاث مجلدات وشرح قطعة من منهاج البيضأوي وجانباً من الفية ابن مالك في النحو وكتاب تراجم رجال البخاري واختصر تاريخ ابن خلكان وغير ذلك وكأنت وفاته بمكة حين كان حاجاً في يوم الخميس سادس شوال سنة اثنين وعشرين وثمانمائة ودفن بالمعلاة وقد انجب فروعاً ازدهت بهن الايام وعمت فضائل علومهم للخاص والعام وإلى وقتنا هذا موجود منهم بقية أفاضل كرام وسيأتي ذكر والد المترجم عبد الكريم واقاربه عبد الحي وعبد الرحمن ومحمد وعلي ان شاء الله تعالى. أحمد بن عبد اللطيف العمري أحمد بن عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن تقي الدين أبي بكر بن زين الدين عبد الهادي وينتهي نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدمشقي الشافعي المعروف بابن عبد الهادي الشيخ الفاضل الاديب البارع الصالح ولد بدمشق في ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثلاثين ومائة وألف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم فقرأ على جماعة منهم الشيخ أحمد المنيني العثماني والشيخ إسماعيل العجلوني والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والشيخ صالح الجنيني والمولي حامد بن علي العمادي المفتي وغيرهم وفضل وبرع وصار له فضيلة ودرس في آخر أمره بالجامع الأموي عند المنارة الشرقية ولما توفي والده صار خليفة مكانه إلى أن مات وكان له نظم جيد وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه من محتد يفتخر به السودد وتذعن له المعالي إذا سهم النسبة سدد تضرع منه الكرم المحض وارتضع من لبنه الخالص الذي لم يشب بمخض فطلع بدره في افق المجد تماماً وتفتق الروض زهوراً وكماماً فقضى له بالتوفيق العزيز وأنزل منه بالمكانة القعساء يحرز حريز ووالده الفرد الذي يشار إليه إذا عدت الافراد والمأخوذ عن كمالاته إذا تليت الأوراد صور الله ذاته من لطف وكونها وسهل على يديه الامور الشاقة وهونها فلورقي ذا جنة لاستفاق أوامر يديه على ذي عاهة برئ باذن الله ولم يحتج إلى أوفاق فدعوته تكف المرتكب عن معاصيه وتأخذ المتهالك بالاعتراض بنواصيه بمنظر بملاء العيون وضاء ويغني عما للبدر من الاضاءة وحلم دون متالع بمراتب ومحاسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 لا تحصيها براعة حاسب ولا مداد كاذب إلى نسبة إلى الفاروق تنتهي ونفس عن استيفاء المكارم لا تنتهي فعطر الله تلك الروح بالنفحات الربانية وانزلها في المحل الاسني من الفراديس الجنانية وخلفه هذا خير خلف كما ان سلفه نعم سلف وله من الشعر ما هو واضح الدلائل إلا أن أبيات قصائده قلائل أنتهى مقاله ومن شعره قوله بادرتني سواجع الالحان ... وحبتني بنشر بشر التهاني مذ رأتني مغري بحفظ عهود ... سالفات جنيت منها التداني وادبرت سلافة الصفو صرفاً ... فازدرينا بها بنات الدنان ان يوماً يمضي بغير نصاب ... ليس عندي يعد في الازمان وعجيب بأن يكون المعنى ... غير صب مكابد الاشجان لا أرى صحوة لمخمور وجد ... أسكرته مدامة الاجفان يا خليلي عرجاً بعناني ... نحو أرض بها تركت جناني وقفا بي على الرياض صباحاً ... واسألاها عن الغواني الحسان واغنما فرصة الزمان فما التس ... ويف الامطية الحرمان بسوى من بجلق من صحأبي ... ولداني بالله لا تذكراني كلما هزني الغرام اليهم ... أصبح الوجد آخذ بعناني ان لي بينهم غزالاً شروداً ... من ظبي النير بين رخص البنان صال باللحظ بين فتك وسفك ... بفؤاد أقسى من الصوان لا وعهد الاحباب لست بسال ... مذهبي في الهوى رأى ابن هاني مراده بقوله رأى ابن هاني قول المذكور سأبكي عليكم مدة العمر انني ... رأيت لبيداً في الوفاء مقصرا بيد أني أرجو الخلاص بمدحي ... والنجائ لوارث النعمان من به قرت العيون ونالت ... ما عنت من كل قاص ودان واستثارت فيه دمشق وطابت ... واكتست فيه حلة الرضوان بقدوم قد قارنته سعود ... انقذتنا من صولة الحدثان وتباشير انسه قد اذاعت ... نشر عرف الهنا بكل مكان لوذعي يصبو بصائب فكو ... ما توارى في غيهب الاذهان ما جد كل ما جد من علاه ... يرتقي فوق هامة الاقران ذو بنان تجري بعشرة انها ... ر من فيض جودهن اليدان خير مستودع كنوز علوم ... نورت صدره بآي المثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 من غدا زند فضله اذ دهتنا ... مشكلات في فضلها كاليماني من كرام ولاؤهم فرض عين ... وكذا مدحهم بكل اسان سبقوا الناس بارتقاء المعالي ... وتساموا فلا ترى من يداني كيف والسابق الخليفة من قد ... كان في الغار للمشفع ثاني قدحوا نسبة إليه ونالوا ... بالنبي الرسول اسني الاماني والتجائي من بينهم لخليل ... العز دوما في كل ما قد دهاني وابق في روضة السرور تهني ... بارتقاء من دونه الفرقدان مع بنيك الانجاب ما صيغ مدح ... في معاليك ناشر للتهاني وقوله من قصيدة بنيل الاماني طاب وقت مجدد ... ووافى الهنا والعيش فينان ارغد ورجعت الورقاء في نغمة الرضى ... تغني على حظ المنى وتغرد ودارت كؤس الانس فينا وقد غدا ... يطوف بها ساق كما الغصن اغيد هلال محا آي الظلام جبينه ... وظبي بجفنيه حسام مجرد رعى الله منه ساعة قد سرقتا ... وغصن التصأبي بالهوى متأود نعمت به والدهر يفتر ثغره ... وقد غاب عنا عاذل ومفند ولم اك ممن يسمع اللوم في الهوى ... ويصغي لاقوال الوشاة ويرصد اخلاي ان رمتم من الدهر مأمناً ... وحصناً منيعاً فيه للعز مقعد فجلوا بباب الفتح ذي الحلم والنهى ... ومن رأيه في المعضلات مهند فتى طيب الأوقات طيب خصاله ... ولم يبق الا ما يروق ويحمد منها امولاي يا كهف العفاة ومن غدت ... خلائقه روضاً سقاه المزرد ونجل الأولى شادواد عائم سؤدد ... تزول الرواسي وهي فينا تخلد تهني باهنى العيد عاد مقامه ... يعيد لنا البشرى كما كان ينجد طلعت طلوع الشمس يمحي بها الدجى ... وأنت بصمصام الفخار مقلد واسديتنا ما لا نقوم بشكره ... من النعم اللاتي عليهن نحسد فدم في أمان الله صدراً مؤملاً ... وكل البرايا بحر جودك تورد مدا الدهر ما جادت قريحة شاعر ... بمدح وما غنى الهزار المغرد وقوله من قصيدة امتدح بها المولى العالم حامد العمادي المفتي مطلعها بشرى بها الدين قد قرت نواظره ... ومن سماء العلا لاحت زواهره وكوكب النصر حياناً بطلعته ... يهدي إلى العز من قلت نواصره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وبلبل البشر يشدو في الرياض على ... غصن المسرات يحبو من يذاكره وعرف طيب ربا الآمال قد نشقت ... نفحاته حيثما فاحت ازاهره والفجر لاح على الافاق معترضاً ... يزيل جيش الدجى عنا عساكره وللمنى امتد من أهل التقى مقل ... قد شاقها لمراقي السعد فاخرة وأعين الشام قرت غب ما يئست ... والدهر عن أهلها عفت نواظره وقد اغيثت بمفتيها الذي ابتهجت ... به الورى وزكت فينا عناصره من كف غرب الأسى عن قرع لامتها ... وقد كفتها عن الشكوى بوادره وقد جلا بمواضي الحزم ما احتكمت ... ايدي الردى فيه واختلت مصادره منها صدر الموالي عماد الدين حامده ... شمس المعارف زاكي الوصف عاطره من أصبح الدهر مختالاً بطلعته ... ومن سمت أنجم الجوزا مفاخره الماجد الجهبذ المولى الذي بزغت ... شموسه فاهتدت فيها معاصره مجرى يراع القضايا بالسداد على ... لوح الهدى لم تزغ عنه ضمائره ما زل عن موقف التقوى له قدم ... ولا انثنت لهوى يوماً سرائره مولاي يا من غدت أقلامه شهبا ... يرمى بها كل شيطان ينافره اعر يتيمة فكر نظرتي كرم ... واغفر قصور معنى كل خاطره وللمترجم معرباً معنى بالفارسية وهو قوله لقد خضت بحر الحرب يطفو عبابه ... ونازلت في الهيجآء كل فتى قرم وقارعت آساد الشرى فقهرتها ... واشبعتها ضرياً يحل عرى العزم فما راعني الا وقطب حاجب ال ... غزال الذي الحاظه للحشا تصمي فلما رأت عيني تهلل وجهه ... ومن حاجبيه حاللاً عقد الزم تيقن طرفي صفحه ورضآءه ... وبشرت قلبي بالعناق وباللثم لأن إذا حلت لأوتار قوسها ... ليوث الوغى كان الدليل على السلم ومن ذلك قول العالم الفاضل أحمد بن علي المنيني طلبت وصالاً من حبيب ممنع ... فأوتر قوس الحاجبين وقطبا وفوق لي سهماً أصاب مقاتلي ... واصمى فوآدا بالصدود معذبا فلما رأى ما برحت بي جفونه ... وقد عيل صبري والسلو تغيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 رثى لي ومن تعبيسه حل عقدة ... وحلل وصلاً كان حوباً وأوجبا كذاك بنوا لهيجاً إذا تم سلمهم ... يحلون أوتار القسي تجنبا ومن ذلك قول ولده الاديب إسماعيل بن أحمد المنيني عيل صبري في حب ظبي غرير ... فاتر اللحظ فاتن الالباب أوترت حاجباه قوس التجافي ... مذ رآني ملك الهوى والتصأبي ثم وافى متيماً بوصال ... بعد بين مبرح واكتئاب وكذا الصيد في النزال إذا ما ... عقدوا السلم حل قوس الحراب ومن ذلك قول الاديب الفاضل مصطفى اسعد اللقيمي بأبي الذي لما تحقق حيرتي ... وغدا بتقطيب الحواجب معرضا وافى وفرق حاجبيه تقطعا ... متبسماً فعلمت منه بالرضى اذ عادة الصيد الملوك بحربهم ... فك القسي إذا الوطيس قد انقضى ومن ذلك قول النبيه السيد محمد الشويكي وافى وقطب حاجبيه مطرقاً ... طرقاً بذا منه الرضى لي وافى وكذلك الفرسان ان هم سالموا ... فكوا القسي واغمدوا الاسيافا ومن ذلك قول الاديب محمد سعيد السمان ومذ زار الحبيب بلا عتاب ... وتقطيب يحاجبه السني علمت رضاءه من غير شك ... وقد امسيت بالعيش الهني لأن الحرب ان خمدت لظاها ... تجل الصيد أوتار القسي وكأنت وفات العمري المترجم في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر والده عبد اللطيف وجده محمد وقريبه سعدي وأخيه مصطفى وقريبه الآخر محمد وبنو عبد الهادي في دمشق مشايخ صلحاء وللناس بهم اعتقاد واصلهم من بيت معروف بقرية صفوريه ولهم أنتساب صحيح إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأول من قدم منهم دمشق الشيخ العارف الكبير المسلك المربي الشيخ عبد الهادي ابن الشيخ عيسى بن عبد اللطيف ونزل بمحلة قبر السيدة عاتكة وأقام هناك إلى أن توفي في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة ودفن بتربة له هناك وقبره مشهور يزار ويتبرك به قال ذلك الحافظ النجم محمد ابن الغزي في كتابه الكواكب وأما ما ذكره المحبي في تاريخه أولاً فلا أصل له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وتزوج حفيده محمد بن أبي بكر عبد الهادي المزبور بنت العارف بالله الشيخ عبد القادر ابن سوار شيخ المحيا بدمشق وجاءه أولاد كثيرون منهم أحمد جد المترجم فنشأ طالباً للعلوم وقرأ وحصل وتوفي في أواخر ذي القعدة سنة تسع بعد الألف ودفن في تربة القصارين في جانب قبر عاتكة والله سبحانه أعلم السيد أحمد التونسي السيد أحمد ابن عبد اللطيف التونسي نزيل دمشق المغربي بن العالم المحقق المتفوق الماهر البارع الفاضل ترجمه الشيخ سعيد ابن السمان في كتابه وقال في وصفه هذا الأديب وان كأنت تونس مسته القوابل فيها الا أن الشام حبته بملء فيها فربض بها ربضة الليث وقال لوطنه منادياً إلى حيث ولاذ ببعض الصدور وجعل لندبه الورود والصدور فأنزله منه منزلة ابن اللبانة من المعتمد وأصبح في لجه المستقبض هو المغترف المستمد فأقبل عليه الدهر بوجه أغر وما أقدمه على هجر ولا به غر وأقطعه من الحظوة نصيباً وأورثه الرعاية فرضاً وتعصيباً فاستكان وتقرب وبعد في مرامه ومارب فتهدلت عليه أغصان الحنو وعطفت عليه الافئدة بالدنو وتابط سفراً وكراسه وأكب على قراءة ودراسه فارتشف من ذلك دون الوشل ولم بالعنا منه حد الفشل وادعى الفضل التام وخاض في ذلك القتام وسولت له نفسه الاماره ما خفرت به الآمال ذمته وذماره وشمخ بعرنين الانفه واستنكف عمن احله كنفه فلم تقبل له خوكه وقال في القفول البركه فند ندو البعير ولم يدرا هو من العيرام من النفير فحل القدس والديار المصرية ورصد من الدهر العطفة الحرية فرق له وحن وسقاه من الأوبة الغمام مرجحن فعاد لما سلف وعانق ذلك العلف فعافته الطباع وقذفته في مهأوي التعريض باليد والباع ومكر به حاله واستدرجه ووضعه من الأعين درجة فدرجه ولم يزل أطواره تتقلب وطويته عليه تتغلب حتى عصفت به مهاب هواء وأكبه على مخطمه عقبى دعواه وقام به الغرام واستأثر ورشقته بما أودى بفواده وأثر وسلم قلبه لمن عذبه واستلذ تهتكه فيه واستعذبه حتى بعدت عليه من التنصل الشقه واستقلت به المضرة والمشقه وانقلب وهو مليم عرضة للتقريع الاليم وما انفك يريه من التجني ما يريه ويطرق سمعه بكل كريه حتى تخطفته أيدي الشتات بعد أن طلق الشام تطليق البتات فما استقر حتى نودي إلى ابن المفر وطواه رمسه كما طوي أمسه وبالجملة فقد كان يستأنس بمذاكرته ويستروح بمحاضرته وله شعر زهري الارج ما عليه في سبكه حرج قد انبت منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 طرفاً وتركت ما يعد سرفاً أنتهى ومن شعره قوله وأرسله إلى الاديب سعيد السمان ملغزاً أيا بابلي السحر في النثر والنظم ... وجامع أشتات الدقائق عن علم ويا من سما فوق السماكين هامة ... ففاق اياساً بالذكاء وبالفهم ويا من غدا في الشام مذهل بدره ... سعيداً فنير الكون مذ لاح في التم نجمت ففقت الناس علماً وحكمةً ... ومن ذا يسأوي انجم الارض بالنجم ابن لي ما اسم رباعي أحرف ... له نشأة أحلى من الضم واللثم فأوله في الذكر أول سورة ... وأمر بلا شك لدى الكسر في الحكم وربعه ان اخرت يأتيك قلبه ... سريعاً كما قد كان في أول الرقم وأوله أيضاً كذلك مثله ... وباقيه يقري الطرد كالعكس في الرسم توان حذفوا اخراه لاح لناظر ... مصحفه فهو الضمير بلا وهم وان حذفوا ربعيه صدراً وآخراً ... هو الحق لا يخفي بعيد عن الوصم ونصفه ان صحفت فه بجماله ... معانيه قد لاحت تروق لذي فهم على ان هذا الاسم قد شاع ذكره ... شبيه سحيق المسك يجلو صدا الغم عزيز فمن قسم المباح فعده ... وصرح بمن تهواه رغماً على الخصم وجد بجواب يا فريد زمانه ... ويا بابلي السحر في النثر والنظم فأجابه بقوله الأقل لموفور النهي ثاقب الفهم ... فريد السجايا أحمد الوصف والاسم ومن جلق الفيحاء قرت عيونها ... بمقدمه اذ لاح كالبدر في التم فتى في الورى أخلاقه وحديثه ... وآدابه كالروض باكره الوسمي لقد طاب أصلاً مثل ما طاب مخبراً ... وفاق أياساً بالنثار وبالنظم انثنى منه بنت فكر كأنها ... بما ضمنت سكري تشير إلى الضم تسايلني ما اسم إذا لاح في الورى ... شذاه أبى الا التحكم في الجسم يمد له العافي بنان صبابة ... فيرشفه ثفراً حماء من اللثم رأينا به قبض النفوس وبسطها ... فهذا على الاداء يشكل في الحكم تلظى حشاياه من الحقد للورى ... فيظهر فوه ما أكن من الظلم على أنه لا يرتضى قط منزلاً ... سوى القلب لا يخشى بذلك من جرم ويغدو على الراحات بالرغم قائماً ... وناهيك ممن يرتقي العز بالرغم عجبت وقد أمسى إلى الحق محرماً ... اناثاً وذكراناً لدى اللثم والشم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 حلال يطوف البيت وهو محرم ... فلم يخل من مدح وذم بلا اثم من النار أمست روحه وحياته ... ولم تدر معنى صوته العرب كالعجم فخذ ما يروق السمع من بنت ليلة ... جواباً معانيه توقد كالنجم ودم سالماً موموق عيش نضيره ... براعيك طرف الامن واليمن والسلم وله من قصيدة أرسلها للشيخ أحمد بن علي المنيني ملغزاً بقوله لعمرك ما ريح الصبا اذ تنسما ... ولا الزهر في الروض الا ريض تبسما ولا طيب انفاس الربيع وحسنه ... ولا ريق محبوب به يذهب الظما ولا ضم خود كالاراكة قدها ... اجادت لمشغوف بها قد تيتما ولا شرب كاس الراح من كف أغيد ... بديع السنا عذب المراشف واللما بأطيب من عرف زكي شممته ... صبيحة وافيت الامام المكرما له الله من مولى أحاديث مجده ... معنعنة تروى وتعدادها نما سليل التقى شمس المعارف أحمد ال ... مزايا وفي أوج السيادة قد سما غدا شافعي في الحب لي وهو مالكي ... وفي مذهب النعمان بحر لقد طما وأحسن ما قيل في هذا المعنى ألا ليت شعري من إلى الوصل شافعي ... لدى أشعري حرت في وصفه الجلي فنعمان خديه لقلبي مالك ... ولا تعجبوا من ردفه فهو حنبلي ولبعضهم في المعنى يا مالكي شافعي ذلي فصل كرما ... ولا تكن رافضي وأقصر عن الملل فجملة الامراني مغرم دنف ... شوقي أمامي وصبري عنك معتزلي وقال الآخر قلت وقد لج في معاتبتي ... وظن ان الملال من قبلي خدك الاشعري حنفني ... وكان من أحمد المذاهب لي حسنك ما زال شافعي أبداً ... يا مالكي كيف صرت معتزلي عودا إلى قصيدة المترجم فمنها أتى بحلال السحر هاروت نطقه ... وأدهش أرباب العقول وأفحما وغاص بحور العلم غواص فكره ... فأبدى نفيس الدر دراً متيما ومنها فيا أحمد الأوصاف يا عالم الورى ... وعلامة الدنيا ويا فاضلاً سما بك اسم خماسي كروض مدبج ... يا فنانه ظبي الاراك ترنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 حوى كل لطف واحتوى كل رقة ... جرى في كتاب الله لا شك مبهما وقد حله قدما كثير أعزة ... وهام أبو نواس فيه وهيما وتصحيفه معنى هو الموت للعدا ... يلوح لذي فهم إذا ما تفهما وان زال من أولاه خمساه فاعتبر ... مصحف باقي الاسم بخلاقه أنتمى لنا في نبي جاء بالحق مرسلاً ... لقوم هم أهل الجهالة والعمى وان قلبوا باقيه ماس بعطفه ... كغصن النقا اذ مال في روضة الحمى وان حذفوا اخراه من بعد قلبه ... غدا اس بنيان كودك محكما ونبتا بديع الحسن كالغصن قد زكت ... روائحه كالمسك اذ ما تنسما امط عنه ستر اللبس لا زلت محسناً ... ودمت لطلاب الافادة منعما وله من قصيدة امتدح بها والدي لكونه كان نزيلاً عنده في مدة اقامته بدمشق هي الأدب النفسي وهي النفائس ... بها غصن عمري بالتأدب مانس ولي غزل فيها الغزالة في الضحى ... إلى لطفه يصبو الغزال الموانس هي البكر بنت الكرم هيفاء ناهد ... كعوب لعوب لا ذلول وعانس من الغرس بيت المجد عنقود كرمها ... فيا حبذا ذا الكرم ربا فارس أدرها لنا قبل الصباح فإنني ... رأيت شراب الليل للنفس آنس ودعني صريعاً بين ندمان حانها ... اهيم بها وجداً وجسمي رامس أدرها بلا مزج ولا تقتلنها ... فما بسبطها الا البسيط المجانس وان شئت فامزجها ولكن بريق من ... له من ظبا البيدا عيون نواعس مليح صبيح الوجه ظبي خباؤه ... له من ظبا الغارات حام وحارس يصيد قلوب الناظرين بلفتة ... بها الأسد في الغيل المنيع فرائس أخالسه في موكب الحسن بغتة ... فيرنو بطرف فاتر ويخالس له غرة كالصبح لا ليل قبلها ... ولكن له شعر هو الليل دامس إذا قيس بالغصن الرطيب يقول من ... يقس بقوامي النبث ما ذاك قايس وان قيس بالبدر المنير يقول لا ... فبدر الدجى من نور وجهي قابس يدير علينا الراح في عسجدية ... تطيب بها بين الندامى المجالس إذا جليت في كأسها عند ذائق ... ترى يا نديمي كيف تجلى العرائس على تاجها اكليل در تناسقت ... فرائده منها تضئ الفوانس وما هي راح الحسن دع عنك ذكرها ... فتلك لمن تسطو عليه الوسأوس مرادى بها خمر المعاني فشربها ... ينافس في احرازه من ينافس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مدام غذاء الروح والجسد الذي ... ترنحه الآداب وهي النفائس فقد تسكر الارواح من غير خمرة ... فغيبتها ذاك الحضور المماسس لراح المعاني نشوة أي نشوة ... إلى شربها تنحو الكرام الاكايس فتفعل بالالباب ما تفعل الطلا ... إذا كان ساقيها الهمام المجالس على على القذر من بحر فضله ... مديد طويل وافر لا يقايس وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي أيضاً مطلعها على مقام دونه الأنجم الزهر ... هو الراح والريحان والورد والزهر تجلت له الأسرار من ملكوتها ... فحفت به الأنوار ما الشمس ما البدر إلى أن سرى في سائر الكون سره ... فنور أسرار الورى ذلك السر وحل حلول القطر في القطر كم فتى ... رآه أتى كالعبد وهو الفتى الحر إذا افتخرت بين المدائن جلق ... وأبدت به تيهاً وحق لها الفخر وقد لبست منها غلائل زينة ... كما زين الغلمان ما زانه النحر زان فخرت مصر وقالت لجلق ... بي النيل نهر هل يقاس به نهر تقول نعم بالشام سبعة أنهر ... كذا بر بر ليس يعد له بر واني أنا الفردوس في الأرض جنة ... ولي بحر فضل بين أقرانه حبر نعم ان في كفيه عشر أنامل ... مقدسة في كل أنملة بحر مرادي وروحي بل ملاذي ومنيتي ... على على القدر دام له العمر فتى في الورى تروى أحاديث فضله ... معنعنة قد طابق الخبر الخبر ورتبته فوق المراتب كلها ... وما ثم في اثنا طريقته وعر فما عزه عز وما قاده هوى ... ولا عابه تيه ولا شأنه كبر ولا هو مثل الغيران زاد رتبة ... يميله من فرط اعجابه السكر وما دابه الا اجتلاب خواطر ... بكل طريق في ميامنه الشكر فقوله مسموع وأمره نافذ ... يقل ما يشا يسمع لقولته الدهر تراه كمثل الغيث والليث في الوفا ... وفي الدفع عمن في حماه له خدر فلا نقص الغيث الهتون بقطره ... ولا مس ليث الغاب في دفعه ضر وله غير ذلك من النظم وكأنت وفاته في حدود السبعين ومائة وألف باللاذقية رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أحمد بن عبد الله بن بهاء الدين بن محفوظ بن رجب العطار المعروف بابن جدي الدمشقي الشيخ الفاضل الأديب الماهر الناظم كان رقيق الحاشية لطيف المذاكرة حسن الخط وله مشاركة جيدة في كل فن وقد ترجمه المين المحبي في نفحته فقال في وصفه سمح سهل لكل ثناء أهل كانما بينه وبين القلوب نسب أو بينه وبين الحياة سبب بمحاضرة أشهى من ريق المحبوب ومحأولة أصفى من ريق الشؤبوب وعلى الجملة فما هو الا تحفة فادم واطروفة منادم ودعوة صحة لمريض واصطباح عيش في روض أريض وبيني وبينه اخوة أو أخيها مشدودة وأبواب التمويهات عنها مسدودة مازلنا في خلسة للود ونهزه وأريحية للحظ وهزه من حين رضعنا للتالف ذلك الدر وجرينا فيه على حكم عالم الذر والله يصوننا في بقية العمر عن الغير كما صاننا عن الشوائب فيما مضى وغبر فمن أريج عاطره الذي نفح به روض خاطره وبليلتي ساجي اللحاظ قوامه ... غصين على دعص تثنيه الصبا يهتز لينا حين يخطر مائساً ... جذلان من مرح الشبيبة والصبا بدر تقمص بالملاحة والبها ... فغدا إلى كل القلوب محببا سلت لواحظه علينا مرهفاً ... ما كان الا في القلوب مجربا يخشى على ورد الخدود للافح ... فغدا بريحان العذار منقبا سأومته وصلاً فحدق لحظه ... متبرماً نحوي والوى مغضبا فكان صفحة خده وعذاره ... تفاحة رميت لتقتل عقربا وقوله من قصيدة طويلة مطلعها عتبي على الدهر عتب ليس يسمعه ... اذ بالهوى والنوى قلبي يروعه بأنوافاً صبحت أشكو بعدما رحلوا ... للبين ما بي يد التفريق تجمعه شكوى يكاد لها صم الصفا جزعا ... كما تصدع قلبي منه يصدعه منها ومن رسيس الهوى داء يصانعني ... طول الزمان إلى ما الحب يصنعه وانثنى من لظى الأشواق في حرق ... إذا وميض الدجى يبدو تلعلعه لم ألق يوم النوى الأحشا قلقاً ... ومدمعاً بأبي الدمع يشفعه يا صاح أين ليالينا التي سلفت ... مرت سراعاً وطيب العيش أسرعه فاعجب لنار ضلوعي كلما حمدت ... أشبها من غروب الجفن أدمعه وبات يذكي ضرامي صادع غرد ... في النير بين بترتام يرجعه يا ورق مهلاً إذا الترجاع من فرح ... بالروض ام فقد ألف عن مرجعه وله من قصيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أفي كل يوم بالنوى نتروع ... ومن حادثات الدهر يشجيك موقع وتشقي برسم قد ترسمه البلى ... وتسقى ثراه كل نكباء زعزع وتندب اطلالاً تعفت رسومها ... وتشكو لربع أعجم ليس يسمع وتصبح هيماً بين قفر تجوسه ... وتمسي ولهاناً وأنت مروع وترمي بطرفيك الهضاب عشية ... وفي كل هضب للأحبة مطلع وقائلة فيما الوقوف وقد خلا ... من القوم مصطاف يروق ومربع فقلت لها أذرى الدموع وهكذا ... أخو الشوق من فرط الصبابة يصنع وما كنت أدري قبل وشك رحيلهم ... بأني إذا بانوا عن الجزع أجزع ولا أن أنفاسي يصدعها الجوى ... إذا لاح برق في الدجنة يلمع فرحت ودمع العين تجري غروبه ... على الخد مني والحمائم تسجع تنوح بشط الواديين ولي حشا ... إذا ما انبرى ترنامها تنصدع فلا كبدي تهدى ولا الشوق مقصر ... ولا لوعني تخبو ولا العين تهجع وقد رحلوا عن أيمن الجزع غدوة ... فلم يبق في قرب التزأور مطمع وقوله ومطعف الأصداغ تختلس النهى ... أبدى التشاغل عن محب واله يبدي تلفت شادن ويدير لح ... ظي جؤذ روا البدر جزء كما له تمثال شكل الحسن لا بل انما ... ذا الحسن مطبوع على تمثاله وقد كان أنشده الأمين المحبي قوله ولما أدار الشمس بدر لا نجم ... يا فوق الهنا بين الهلالين في الغسق عجبت له يبدي لنا البدر طالعاً ... وما غاب عنا بعد في جيده الشفق فنظم المترجم هذا المعنى وأنشده اياه بقوله وساق ميود القد أحور أوطف ... إذا لم يمت بالصد يقتل بالحدق يرينا بافق الكاس شمساً توسطت ... هلالين يمحو نورها آية الغسق ومذ هم يحسوها ترفع جيده ... فبان لنا صبح وما غرب الشفق ومن ذلك قول العالم الشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وقد أجاب بهما الأمين وساق أراثاً من بدائع حسنه ... هلالين والشمس المنيرة في الغسق فهم بها رشفا فقبل مذاقها ... أتى الصبح من أطواقه ورأى الشفق وقوله كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 حث شمس الجام بدر ليلة ... بهلالين أطلا في نسق فبدا من طوقه الصبح وما ... غاب عنا بعد في فيه الشفق وكتب له الأمين المحبي يستدعيه إلى روض طلع علينا هذا اليوم في نضارته يكاد صحوه يمطر من عضارته فلقينا زهره ونظمنا نثره في يوم وشي بخسرواني الديباج وغشى بما يربو على أصناف الجواهر في الابتهاج فمن نور مدرهمه بهج وزهر مدثره رهج يضاحك دره مرجانه وتعبق بصائك المسك أردائه وللنسيم فيه اعتلال اشفاق إذا ما رقد المخمور فيه أفاق والروض رطب الثرى رطب المقيل وليس فيه غير ردف الساقي ثقيل ولم نعدم ندامى بألفاظ عذاب كائنها قند مذاب معرفتهم بأغصان القدود وتفاح الخدود لا بالنصول الحداد والقسي الشداد ولديهم من الفكاهة ولطف البداهة ما إذا جلى فما الراح والتفاح وما ريحان الأصداغ إذا فاح وان شاؤا ألحقوها بحكم متلوه وأخبار في صحف الاحسان مجلوه وعندنا لحن يثير الشجن ويبعث من الشوق ما أجن وحبيب قرب من عهد الصقال خده فلم يجف ريحانه ولم يذبل ورده يزل عن خده الدر فلا يعلق ويمش عليه انمل فيزلق وقد تمنينا فلم نجد غيرك امنيه ولا مثل ادابك غضة جنيه وعلمنا انه ما للأنس مع غيبتك بهجه ولا للعيش دون لقائك مهجه فبالله الا ما انحجت الأوطار وفتحت بمذاكرتك عن جونة العطار ولك الثناء الذي يتجمل به الدهر ويتفتق رياه عن الروض فاح فيه أرج الزهر وكأنت وفاة المترجم في يوم الأحد ثاني عشر شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى مع اشهاده على نفسه لولده الأديب المجيد الشيخ محمد وللشيخ عبد اللطيف العمري ابن عبد الهادي انه تارك الدنيا مقبل على الاخرى يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان ما جاء به رسول الله حق وان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور هكذا أشهد المذكورين على نفسه حين موته ثم أنه ابتدأ في قراءة شهد الله انه لا اله الا هو إلى آخر الآية وسلم وولده المذكور ترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وكان هو ينسخه قرأ عليه كثيراً من مؤلفاته وكتبها وأنا لم أظفر بكيفية أحواله حتى اترجمه ولكن من أراد الاطلاع على شيء من شعره فعليه بالذيل المذكور رحمهم الله تعالى. أحمد البعلي أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحلبي الأصل البعلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الدمشقي الحنبلي الامام الورع الزاهد الفقيه كان عالماً فاضلاً عاملاً بعلمه ناسكاً خاشعاً متواضعاً بقية العلماء العاملين عابداً فرضياً اصولياً لم يكن على طريقته أحد ممن أدركناه مع الفضل الذي لا ينكر ولد في رمضان سنة ثمان ومائة وألف واشتغل بطلب العلم فقرأ على جماعة وأخذ عنهم الحديث وغيره منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ عبد القادر التغلبي وأنتفع به ولازمه ومنهم الشيخ أحمد الغزي العامري الدمشقي ومنهم الشيخ مصطفى ابن سوار شيخ المحيا والشيخ محمد الكاملي والشيخ محمد العجلوني نزيل دمشق والمنلا الياس الكردي نزيل دمشق أيضاً والشيخ عواد الحنبلي الدمشقي وأخذ طريق الحلوتية عن الاستاذ الشيخ محمد بن عيسى الكناني الصالحي الدمشقي والشيخ محمد عقيله المكي والشيخ عبد الله الخليلي نزيل طرابلس الشام وتتبل وتفوق وحاز فضلاً سيما بالفقه والفرائض ودرس بالجامع الأموي وأفاد وأنتفع به الناس سلفاً وخلفاً وله من المؤلفات منية الرائض لشرح عمدة كل فارض والروض الندي شرح كافي المبتدى والدخر الحرير شرح مختصر التحرير في الاصول وغير ذلك من التعليقات في الحساب والفرائض والفقه وكان يأكل من كسب يمينه في حياكة الالاجه وفي آخر عمره ترك ذلك لعجزه وحج ودرس بالمدينة المنورة ولازمه جماعة من أهلها وتولى افتاء الحنابلة بعد الشيخ إبراهيم المواهبي سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وكأنت وفاته في محرم سنة تسع وثمانين بعد الألف ودفن بمقبرة باب الصغير وسيأتي ذكر أخيه عبد الرحمن نزيل حلب رحمهما الله تعالى. السيد أحمد البيروتي السيد أحمد الشهير بابن عز الدين البيروتي ذكره الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الحجازية سنة خمس ومائة وألف وقال كان قدم علينا دمشق سنة ثلاث وتسعين وألف وكان يحضر دروسنا ويلازم عندنا وهو رجل من الأفاضل الكرام ذوي الصلاح والكمال والخير التام أنشدنا من لفظه لنفسه هذين البيتين تاريخ وفاة الولي الصالح الشيخ عيسى الصالحي الكناني شيخ الخلوتية بدمشق الشام وهما قوله حسبنا الله تعالى وكفى ... من هموم أعقبت هماً وبؤساً قد أصبنا يالعمري حيثما ... جاء في تاريخه بالشيخ عيسى ثم قال والسيد أحمد المذكور له قراءة على والدنا المرحوم العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي واجازه وكتب له على نسبه الشريف وكان مولده في سنة اثنين وعشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بعد الألف وأنشدنا من لفظه لنفسه قوله ثمانون عاماً فما فوقهامضت يالعمري بلا فائدهتقضت ولم أك أشعر بها كأني بها ساعة واحدةأيا ضيعة العمر حيث انقضىبآراء سامجة فاسدة فيا ليت ما أهتم بي والدي ... ويا ليتها حارت الوالدة وقال الاستاذ وأنشدنا أيضاً من لفظه لنفسه قوله من الدوبيت صبري وتجلدي بإسماعيلا ... والقلب متيم بإسماعيلا لو قيل تسلي عنهما يا هذا ... قالت عيناي لا وإسماعيلا وهو من قول بلدينا الشيخ أحمد العناياتي النابلسي ثم الدمشقي صبري عدم في حب إسماعيلا ... لا تحسبه في حب إسماعيلا كم قلت له بمن تسميت به ... أنعم بنعم فزاد إسماعيلا وقال الاستاذ ولقد كان بيننا وبين السيد أحمد المذكور موانسات أدبية ومطارحات شعرية في أيام اجتماعه بنا وتردده علينا مع كمال محاضرته وقد جمع لطفاً وليناً وفيه شباهة اعتقادية وطرف جذبة الهيه ثم قال الاستاذ وأنشدنا من لفظه السيد أحمد فوله أرى هذا الوجود خيال ظل ... محركه هو الرب الغفور فصندوق اليمين بطون حوا ... وصندوق الشمال هو القبور وأنشدنا أيضاً من لفظه لنفسه ما خيال الظل الاعبرة لمن اعتبرفاعتبر قولي اياهذا تجده معتبر وكذا الدنيا شخوصتترآءى للنظرثم تمضي وتوليمثل لمح بالبصر وهو من قوم الامام الشافعي رضي الله عنه رأيت خيال الظل أكبر عبرة ... لمن كان في علم الحقيقة راقي شخوص وأشباح تمر وتنقضي ... الكل يفنى والمحرك باقي أنتهى وله غير ذلك ولم تصلني وفاته في أي سنة كأنت وترجمته لئلا يخلو كنا بي منه رحمه الله تعالى وأموت المسلمين. أحمد المنيني أحمد بن علي بن عمر بن صالح بن أحمد بن سليمان بن ادريس بن إسماعيل بن يوسف ابن إبراهيم الحنفي الطرابلسي الأصل المنيني المولد الدمشقي المنشأ الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 العالم العلم العلامة الفهامة المفيد الكبير المحدث الامام الحبر البحر الفاضل المتقن المحرد المؤلف المصنف كان فائقاً ذائقا له مسامرة جيده ولطافة ونباهة من شيوخ دمشق الذين عمت فضائلهم وكثرت فوائدهم وطالت فواضلهم المعيا لغوياً نحوياً أديباً أريباً حاذقاً لطيف الطبع حسن الخلال عشوراً متضلعاً متطلعاً متمكناً خصوصاً في الأدب وفنونه حسن النظم والنثر ولد بقرية منين سحر ليلة الجمعة ثاني عشر محرم افتتاح سنة تسع وثمانين وألف ولما بلغ سن التمييز قرأ القرآن العظيم ثم لما بلغ من السن ثلاثة عشر سنة قدم إلى دمشق وقطن بحجرة داخل السميساطية عند أخيه الشيخ عبد الرحمن وكان له أخ آخر يقال له الشيخ عبد الملك ارتحل لبلاد الروم وصار مفتياً بأحد بلادها وشغله أخوه الشيخ عبد الرحمن المذكور بقراءة بعض المقدمات كالسنوسية والجزرية والاجرومية وتصريف العزى على بعض المشايخ وله رواية في الحديث عن والده عن قاضي الجن عبد الرحمن الصحأبي الجليل الملقب بشمهورش فانه اجتمع به والده في حدود سنة ثلاث وسبعين وألف وصافحه وآخاه وأمره بقراءة شيء من القرآن فقرأه وهو يسمع فلما أتم قراءته قال له هكذا قرأه علينا النبي صلى الله عليه وسلم بين الأبطح ومكة وتكرر اجتماعه به بعد ذلك وقد توفي شمهورش المذكور في سنة تسع وعشرين ومائة وألف وأخبر بوفاته الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ووافق تاريخ وفاته فقد الجني شمهورش ثم ان المترجم طلب العلم بعد أن تأهل له فقرأ على سادات أجلاء ذكرهم في ثبة منهم الشيخ أبو المواهب المفتي الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليلي وجل أنتفاعه عليه والشيخ محمد الكامل والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ يونس المصري نزيل دمشق والشيخ عبد الرحيم الكاملي نزيل دمشق والشيخ عبد الرحمن المعروف بالمجلد والشيخ عبد القادر التغلبي المجلد والشيخ عبد الله العجلوني والشيخ عثمان الشهير بالشمعة والشهاب أحمد الغزي العامري والشيخ نور الدين الدسوقي والشيخ الصالح محب الدين ابن شكر وأخذ عن علماء الحجاز كالامام عبد الله بن سالم المكي البصري والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ محمد البصير الاسكندري المكي والشيخ عبد الكريم الخليفتي العباسي والشيخ أبي الطاهر الكوراتي المدني والشيخ علي المنصوري لصراي نزيل القسطنطينية وعلامة الروم المولى سليمان بن أحمد رئيس الوعاظ بدار السلطنة العلية وأخذ عن الشيخ محمد الحليلي القدسي والشيخ محمد شمس الدين الرملي وأخذ طريق السادة النقشبندية مع بعض العلوم عن الجد الشيخ مراد البخاري الحسيني الحنفي وطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الخلوتية عن الشيخ حسن المرجاني البقاعي الحلوتي الشهير بالطباخ وطريق القادرية عن الشيخ السيد يسن الحموي القادري الكيلاني ومهر وفضل وطهر كالشمس في رابعة النهار ونشرت تلاميذه وقرأ عليه الوالد حصة من العلوم وأخذ عنه الحديث وغيره واجازه بسائر مروياته وأسانيده وتزوج وكان يوده ويحبه ومن تآليفه نحو ألف ومائتي بيت من كامل الرجز نظم بها انموذج اللبيب في خصائص الحبيب وشرحها فتح القريب ومنها شرح رسالة العلامة قاسم بن قطلوبغا في اصول الفقه ومنها شرح تاريخ لعتبي في نحو أربعين كراساً للغة في رحلة الرومية بطلب من مفتي الدولة العثمانية في ذلك الوقت وهو كتاب مفيد وشرح بشروح كثيرة لكن هو استوفى الجميع وزاد عليها زيادات حسنة ومنها النسمات السحرية في مدح خير البرية وهي تسع وعشرون قصيدة على الحروف المعجمة ومنها القول المرغوب في قوله تعالى فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ومنها العقد المنظم في قوله تعالى واذكر في الكتاب مريم ومنها تفح المنان شرح القصيدة الموسومة بوسيلة الفوز والامان في مدح صاحب الزمان وهو المهدي ومنها القول الموجز في حل الملغز ومنها بلغة المحتاج لمعرفة مناسك الحاج لخص فيه منسك الشيخ عبد الرحمن العمادي مع الزيادة الحسنة ومنها مطلع النيرين في اثبات النجاة والدرجات لوالد سيد الكونين ومنها الاعلام في فضائل الشام ومنها الفرائد السنية في الفوائد النحوية ومنها اضاءة الدراري في شرح صحيح البخاري وصل فيه إلى كتاب الصلاة ولم يكمله وله غير ذلك من الرسائل وجمع للوزير الفاضل عثمان باشا الشهير بأبي طوق والي دمشق وأمير الحج كتاب السبعة أبحر في اللغة للامام الجليل مير علي شيرنوأبي ونقله من السواد إلى البياض من مسودة المؤلف وحسنه وجعل له خطبة من انشائه ودرس بالجامع الاموي بشرق المقصورة بأمر من شيخه الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة لما توفي ولده الشيخ عبد الجليل فاستقام إلى أن توفي الشيخ أبو المواهب فبعد وفاته درس بحجرته داخل مدرسة السميساطية إلى أن توجه عليه تدريس العادلية الكبرى فأنتقل اليها ودرس بها وأقام على الافادة في المدرسة المذكورة والجامع الاموي مدة عمره فدرس بالجامع المذكور في يوم الاربعاء في البيضأوي وفي يوم الجمعة بعد صلاتها صحيح البخاري وبين العشائين في بعض العلوم وأنتفع منه خلق كثير وتزاحمت عليه الأفاضل من الطلاب وكثر نفعه واشتهر فضله وعقدت عليه خناصر الأنام مع تواضع ما سق لغيره في عصره وحسن المجانسة ودماثة الاخلاق وغزارة الفضل والمطارحة اللطيفة ورحل إلى دار الخلافة مرتين وكان ابناؤها يحترمونه وله هناك شهرة بسبب شرحه على تاريخ العتبي المقدم ذكره ورحل إلى الحج مرة وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وصارت عليه تولية السميساطية والعمرية وآخراً صار له قضاء قاراً وأحدث له في الجامع الأموي عشرون عثمانياً وربط عليه خطابة في الجامع المذكور وصار بينه وبين الخطيب محمد سعيد بن أحمد المجانسي المجادلة في ذلك والشقاق وشاعت في وقتها ثم استقر الأمر عليها بعد علاج كثير وقد ترجم المترجم تلميذه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شيخ العلم وفتاه ومن بوجوده ازدان الفضل وتاه أشرق بدراً من افق الهدى تقتبس أنواره وأصبح وهو لمعصم العلى دملجه وسواره فاكتحل به انسان الكمال وتعلقت بذيله من أولى الفضائل الآمال وانقلب به الدهر كله حسنات محمود العواقب في الحركات والسكنات تنهل أساريره بشراً وننفح أردانه نشراً بذكاء لو كان لذكاً لما غيرها الأصيل وأصل في باذخ المجد أصيل وخلق يعلم الحلم الاناءة وشيمة تقابل بالحسنة الاساءة فكم من مغفل فضل أعلمه وكم من مستفيد علم علمه فممن عارفه الا هو أبو عذرتها ولا نادرة الا هو مرهف شفرتها فإذا خاض في مشكل تحقيق حصحص الحق وإذا ابتدر مبحث تدقيق حاز السبق واستحق وإذا ارتقى المنبر سجد له كل مصقع وما تكبر وأما الأدب فهو روضة ذات أفنان الآتي من بدائعه ببدائع أفنان فأساليبه فيه حسنة الانطباع تسوغها الأسماع والطباع وحسبك بمن تأهل للكمالات واعتد من قبل غصن شبيبته يمتد ففاق ببيانه ولسانه وابتهج طرف المعارف بانسانه وتزينة صفحات المهارق بتحريره والتقطت فرائد الفوائد من تقريره وأذعنت لمؤلفاته الصناديد وأودعتها الصدور اشفاقاً عليها من التبديد وكان دخل الروم فتطوقت منه بعقد الثريا واقتدحت من أفكاره زنداً وريا فتلقته رؤساء أعيانها وأحلته منها بسواد أعيانها واقترحت عليه فأجاب بما هو كالصبح المنجاب وقصارى الأمر أنه الفرد الذي عليه المعول والمظهر بمعاني بيانه أسرار الأطول والمطول وهو حدقت عين أساتذتي الذي تحرجت عليه وحبوت للأفادة بين يديه وعطرت أوقاتي بأنفاسه واقتبست نور الأماني من نبراسه وتفيات ظل رعايته عمراً ولم أعص له نهياً ولا أمراً ولي في كل لحظة دعوات أرجو لها الاجابة وتوسلات مقرونة بالضراعة والانابة الا يعتري زهرة أيامه ذبول ولم يبرح لابساً من العمر برداً ضافي الذيول فقد أحلني مكان بنيه ومن يحتوي عليه ويدنيه وهاك من آثاره ما هو أشهى للعيون من الوسن وأفتن للمشجون من الوجه الحسن أنتهى مقاله وكان جدي الشيخ مراد المذكور آنفاً أجل أخصائه ومريديه أخو صاحب الترجمة الشيخ عبد الرحمن المنيني وكان قائماً في أمور جدي بالخدمة وغيرها حتى لما بنى المدرسة المعروفة به في سنة ثمان ومائة وألف جعله ناظراً على العمالين والصناع بها وجعله على أوقافها كاتباً وأمين الكتب وغير ذلك من الوظائف وهي الآن على أولادهم وكذلك جدي والد والدي ووالدي بعده لم يزل كل منهما قائماً باحترام صاحب الترجمة كما سبق إلى أن مات وله شعر كثير حسن بديع فمن ذلك قوله من قصيدة مدح بها المولى أسعد مفتي الديار العثمانيةفيه إلى كتاب الصلاة ولم يكمله وله غير ذلك من الرسائل وجمع للوزير الفاضل عثمان باشا الشهير بأبي طوق والي دمشق وأمير الحج كتاب السبعة أبحر في اللغة للامام الجليل مير علي شيرنوأبي ونقله من السواد إلى البياض من مسودة المؤلف وحسنه وجعل له خطبة من انشائه ودرس بالجامع الاموي بشرق المقصورة بأمر من شيخه الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة لما توفي ولده الشيخ عبد الجليل فاستقام إلى أن توفي الشيخ أبو المواهب فبعد وفاته درس بحجرته داخل مدرسة السميساطية إلى أن توجه عليه تدريس العادلية الكبرى فأنتقل اليها ودرس بها وأقام على الافادة في المدرسة المذكورة والجامع الاموي مدة عمره فدرس بالجامع المذكور في يوم الاربعاء في البيضأوي وفي يوم الجمعة بعد صلاتها صحيح البخاري وبين العشائين في بعض العلوم وأنتفع منه خلق كثير وتزاحمت عليه الأفاضل من الطلاب وكثر نفعه واشتهر فضله وعقدت عليه خناصر الأنام مع تواضع ما سق لغيره في عصره وحسن المجانسة ودماثة الاخلاق وغزارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الفضل والمطارحة اللطيفة ورحل إلى دار الخلافة مرتين وكان ابناؤها يحترمونه وله هناك شهرة بسبب شرحه على تاريخ العتبي المقدم ذكره ورحل إلى الحج مرة وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وصارت عليه تولية السميساطية والعمرية وآخراً صار له قضاء قاراً وأحدث له في الجامع الأموي عشرون عثمانياً وربط عليه خطابة في الجامع المذكور وصار بينه وبين الخطيب محمد سعيد بن أحمد المجانسي المجادلة في ذلك والشقاق وشاعت في وقتها ثم استقر الأمر عليها بعد علاج كثير وقد ترجم المترجم تلميذه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شيخ العلم وفتاه ومن بوجوده ازدان الفضل وتاه أشرق بدراً من افق الهدى تقتبس أنواره وأصبح وهو لمعصم العلى دملجه وسواره فاكتحل به انسان الكمال وتعلقت بذيله من أولى الفضائل الآمال وانقلب به الدهر كله حسنات محمود العواقب في الحركات والسكنات تنهل أساريره بشراً وننفح أردانه نشراً بذكاء لو كان لذكاً لما غيرها الأصيل وأصل في باذخ المجد أصيل وخلق يعلم الحلم الاناءة وشيمة تقابل بالحسنة الاساءة فكم من مغفل فضل أعلمه وكم من مستفيد علم علمه فممن عارفه الا هو أبو عذرتها ولا نادرة الا هو مرهف شفرتها فإذا خاض في مشكل تحقيق حصحص الحق وإذا ابتدر مبحث تدقيق حاز السبق واستحق وإذا ارتقى المنبر سجد له كل مصقع وما تكبر وأما الأدب فهو روضة ذات أفنان الآتي من بدائعه ببدائع أفنان فأساليبه فيه حسنة الانطباع تسوغها الأسماع والطباع وحسبك بمن تأهل للكمالات واعتد من قبل غصن شبيبته يمتد ففاق ببيانه ولسانه وابتهج طرف المعارف بانسانه وتزينة صفحات المهارق بتحريره والتقطت فرائد الفوائد من تقريره وأذعنت لمؤلفاته الصناديد وأودعتها الصدور اشفاقاً عليها من التبديد وكان دخل الروم فتطوقت منه بعقد الثريا واقتدحت من أفكاره زنداً وريا فتلقته رؤساء أعيانها وأحلته منها بسواد أعيانها واقترحت عليه فأجاب بما هو كالصبح المنجاب وقصارى الأمر أنه الفرد الذي عليه المعول والمظهر بمعاني بيانه أسرار الأطول والمطول وهو حدقت عين أساتذتي الذي تحرجت عليه وحبوت للأفادة بين يديه وعطرت أوقاتي بأنفاسه واقتبست نور الأماني من نبراسه وتفيات ظل رعايته عمراً ولم أعص له نهياً ولا أمراً ولي في كل لحظة دعوات أرجو لها الاجابة وتوسلات مقرونة بالضراعة والانابة الا يعتري زهرة أيامه ذبول ولم يبرح لابساً من العمر برداً ضافي الذيول فقد أحلني مكان بنيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ومن يحتوي عليه ويدنيه وهاك من آثاره ما هو أشهى للعيون من الوسن وأفتن للمشجون من الوجه الحسن أنتهى مقاله وكان جدي الشيخ مراد المذكور آنفاً أجل أخصائه ومريديه أخو صاحب الترجمة الشيخ عبد الرحمن المنيني وكان قائماً في أمور جدي بالخدمة وغيرها حتى لما بنى المدرسة المعروفة به في سنة ثمان ومائة وألف جعله ناظراً على العمالين والصناع بها وجعله على أوقافها كاتباً وأمين الكتب وغير ذلك من الوظائف وهي الآن على أولادهم وكذلك جدي والد والدي ووالدي بعده لم يزل كل منهما قائماً باحترام صاحب الترجمة كما سبق إلى أن مات وله شعر كثير حسن بديع فمن ذلك قوله من قصيدة مدح بها المولى أسعد مفتي الديار العثمانية تذكر والذكر يجد قديمها ... سطور عهود قد تعفت رسومها فهب به التهيام يسترشد السها ... م إلى ابن امت بالعقائل كومها الا في سبيل الحب قلب كأنه ... غداة ناؤا وحشية ضل ريمها سروا عنقاً في ليلة مدلهمة ... تخيلت ان النائبات نجومها فصرت أرى الأيام تقصر بعدهم ... خطاها كأن قد قيدتها همومها إلى الله ما بي من بقايا صبابة ... فكادت إذا شبت يبين كظيمها فمن خلدي لم يبق الا نسيسه ... ومن مقلة لم يبق الا سجومها ومن شبح لم يبق الا ذمأوه ... ومن أعظم لم يبق الا رسومها ولما تلاقيا وللعين أعين ... أشد من الهندي فبنا سقيمها فأيقنت أن لا حتف الا لوامق ... يخال التداني فرصة يستديمها هنالك من باع الفضائل حلمه ... لعمر العلي بالخرق فهو حليمها وكم لي من ليلى أمطت به المكري ... أراعي نجوماً راع قلبي رجومها تحجب عني الفجر حتى كأنه ... سريرة صب لم يزعها كتومها فبت أراعي النجم فيه وعزمتي ... تشب كنار قد نحاها كليمها سأضرب وجه الأرض لا أنتحي به ... من المجد الا ما أنتحته قرومها إلى أن أعاف البدن وهي لواغب ... وأترك غيطان الفيافي تلومها وأبصر غيلان المنايا تنوشني ... بها الواري أوطار نفسي ترومها فمن لم يكن ذا همة دونها السها ... فسوف تلاقي نفسه ما يضميها لعل النجيات الجياد إذا طوت ... من البيد ما لا يطويه نسيمها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 يجوب بنا بيد أيضل بها القطا ... إلى أسعد المولى الهمام رسيمها إلى ماجد لم يبرح الدهر واهباً ... رغائب لم يسمح بهن يميمها يكتم مهما اسطاع جدواه للورى ... وكيف صرار المسك يخفي شميمها ولا عيب فيه غير أن نواله ... إذا ضنت الانواء فهو سجومها على الخير مقطور بغير تكلف ... سجية طبع عطر الكون خيمها ومن لي بأن أرجي المطي على الدجى ... وتدنو بالآمال مني حلومها لدار هي الدنيا وشهم هو الورى ... وجود هو الانواء سحت غيومها فما روضة غناء جاد نبالها ... من المغدق الهطال جود يرومها توالى على أرجائها غير ضائر ... وأمرع ما بين الرياض هشيمها وظل يباري المندلي عرارها ... ويزهو لعين الناظرين جميمها كأني قد أسقيتها من محاجري ... حياء سقاها من عيوني عميمها باندي يداً منه وأبسط راحة ... تمادي على مر الزمان نعيمها وكم من يد بيضاء من شام نورها ... يقل عاد للدنيا عياناً كليمها أعد نظراً في وجهه تر بهجة ... هي الشمس لا يسطيع طرف يشيمها وقوله من قصيدة ممتدحاً بها المولى خليل الصديقي حين ولي أفناء دمشق الشام ألم والشهب حيرى في دياجيها ... طيف يقرب آمالي ويقصيها فاعجب له من خيال زار مشبهه ... والعين لم تدن من غمض مآفيها اني اهتدي المكاني والكري حقباً ... كراه عن وكر جفني ضل هاديها يزورني والدجى سود غدائره ... وينثني وهي مبيض حواشيها كي لا ينم على خود ممنعة ... لم يطمع الوهم يوماً في تلاقيها مهاة حسن كخوط البان ان خطرت ... فالدل يقطر من اعطا فيها تيها هي الغزالة في أشراقها فلذاً ... تكلف البدر لما رام يحكيها وشاحها خافق يشكو الصدى أبداً ... من فوق أمواج حقف عم طاميها وللحجول نعيم لا يزايلها ... يظل بالري غصاناً مجانيها والحلم في قلبها خلق تزان به ... والقرط يبدي لنا طيشاً وتسفيها تمشي كما لاعبت ريح الصبا غصناً ... أو كالغمامة تخطو في تهاديها لولا دجى شعرها ما ضل ذو شجن ... ولا انثنى عن هدي لولا تثنيها واهاً لقلبي كم يصلي بنار جوى ... وكم يساء بيأس من تجنيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 قل للعقيلة من تيماء تحرسها ... بيض الصفاح وسمر الخط تحميها مالي إذا افتر صبح أو دجى غسق ... أو نص بالعيس يوم البين حأويها تهزني نشوات من تذكرها ... كأنما أنا للصهباء حاسيها وتستثير إذا هبت يمانية ... دواعي الشوق مني من أقاصيها حتى طويت رداء الحلم ممتطياً ... سوابقاً ضل عن رشدي هواديها فخضت بحر حديد من عشائرها ... وجست غيل رماح من أهاليها ما خلت أن يطبيني وصل غانية ... ولا يحل حبي حزمي أمانيها لكن طرفك يا هذي أفاح دمي ... مذموه السحر في عينيك تمويها اتلفت مهجة من يهواك فاحتملي ... غرماً فقد يغرم الاشياء مرديها فان أراك ذو جهل وشي فسلى ... فإنما ينبئ الاشياء داريها هذي شريعة خيراً لخلق ظاهرة ... وذا ابن صديقه بالحق مفتيها وقوله مشطراً أبيات العارف بالله تعالى الاستاذ أبي المواهب البكري المصري ما أرسل الرحمن أو يرسل ... من كل خبر للورى يحصل وما حبا الله لأهل الولا ... من رحمة تصعد أو تنزل في ملكوت الله أو ملكه ... فوق الطباق السبع أو أسفل وما من الألطاف حف الورى ... من كل ما يختص أو يشمل الأوطه المصطفى عبده ... سر الوجود السيد الأكمل خاتم رسل الله مبعوثه ... نبيه مختاره المرسل واسطة فيها وأصل لها ... وليس فيها للسوي مدخل وكل افضال منوط به ... يعلم هذا كل من يعقل فلذ به من كل ما تخشى ... تأمن أذى خطب غدا يثقل ولا تخف سطوة باغ سطا ... فإنه المأمن والمعقل وناده ان أزمة انشبت ... مخالباً من دونها الأنصل وقل إذا نائبة علقت ... أظفارها واستحكم المعضل يا لكرم الخلق على ربه ... وأشرف الرسل الأولى فضلوا وشافع الخلق بفصل القضا ... وخير من فيهم به يسال قد مسني الكرب وكم مرة ... قد ضمني من جاهك الموئل وكم لدى الضيق عن الخلق قد ... فرجت كرباً بعضه يذهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ولن ترى أعجز مني فما ... لدى صبر في البلا يجمل ولست من ضعفي وما حل بي ... لشدة أقوى ولا أحمل فبالذي خصك بين الورى ... بانك الخاتم والأول فصرت ممتازاً على الانبيا ... برتبة عنها العلى تنزل عجل باذهاب الذي أشتكي ... فقلبي المضني به موجل مالي سواك اليوم من ملجأ ... فإن توقفت فمن أسأل فحيلتي ضاقت وصبري انقضى ... وهول أوجالي لا يحمل وضقت ذرعاً بالذي نابني ... ولست أدري ما الذي أفعل وأنت باب الله أي امرء ... لازمه فاز بما يأمل وفضله جم ولكن من ... أتاه من غيرك لا يدخل صلى عليك الله ما صافحت ... أيدي الصبا قضب الربا الميل وما أفاحت كل وقت شذا ... زهر الروأبي نسمة شمأل مسلماً ما فاح عطر الحمى ... مذ جاده صوب الحيا المسبل وما سرى صبحاً نسيم الصبا ... وفاح منه الند والمندل والآل والأصحاب ما غردت ... صوادح منها حلا مقول وما استقلت فوق غصن النقا ... ساجعة املودها مخضل وقوله لا تعجبوا أن قلبي عندما نظرت ... عيناي طلعته يصلي لظى الوهج فوجهه الشمس منا العين قد قبست ... للقلب نار أتسوق الحنف للمهج والشمس أن قابل البلور طلعتها ... تذكي وتحرق ما مسته بالبلج وأصل المعنى فارسي ومنه قول الأديب إبراهيم السفرجلاني اطلاق طرفي في محاسن وجهه ... أذكى الجوى في القلب حتى برحا فحريق قلبي من زجاجة ناظري ... مذ قابلت من وجهه شمس الضحى ومنه قول الفاضل المولى خليل الصديقي ترف كغصن البان يعجب بالبها ... وبوجهه الشمس المنيرة تشرق فكأن عيني عندما نظرت له ... بلورة فيها فؤادي يحرق ومن ذلك قول الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي يقولون ما نار بقلبك أوقدت ... ومن أين تأتي النار أدركك السلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فقلت لهم بلورة العين قابلت ... أشعة شمس الحب فاحترق القلب وقوله أيضاً قال لي من أحب من أين نار ... هي في القلب منك قلت اعتذاراً ان عيني بلورة قذفت في ... وسط قلبي من شمس وجهك ناراً وقوله أيضاً قابلت عيني شعاعاً لاح في شمس الجبين ... فرمت في القلب نار العشق بلورة عيني وللمترجم أقول لما بدا كالغصن يخطر في ... برد حكى الجلنار الغض في الورق جل الذي فتنة للناس صوره ... قوموا انظروا كيف يسري البدر في الشفق هو من قول تاج الدين جعفر وقد رأى غلامين على أحدهما ثوب ديباج أحمر وعلى الآخر ثوب أسود أرى بدرين قد طلعا ... على غصنين في نسق وفي ثوبين قد صبغا ... صباغ الخد والحدق فهذا الشمس في غسق ... وهذا البدر في شفق وقول الآخر ظبي من الترك يرمي قوس حاجبه ... في قلب ناظره سهماً من الحدق تضئ في الحلة الحمراء طلعته ... كأنه قمر قد لاح في الشفق ويقرب من ذلك قول بعضهم في غلام متردي بلباس أزرق ولما بدا في أزرق من قبائه ... يتيه بفرط الحسن في خيلائه خلعت عذارى ثم صحت عواذلي ... قفوا وانظروا بدر الدجى في سمائه وقول الآخر في مليح لابس ثوب أحمر يا طلعة القمر المنير الأزهر ... يا مقلة الظبي الغرير الأحور لو لم تكن غصناً لما لاحت لنا ... أعطاف قدك في لباس أحمر ولبعضهم في مليح لابس ثوباً أصفر بدا قاتلي في أصفر فتعجب ال ... خلائق منه قال ما في من عجب لا بي أرى جسمي سبائك فضة ... فأحببت منها أن تموه بالذهب ولبعضهم في مليح لابس نوباً فستقياً في فستقي اللون لما بدا يميس مثل الغصن المورق من وقد مر على صبه وما الذ المن بالفستق وللمترجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 على السر لا تطلع صديقاً ودعه في ... ضميرك عن كل الأنام مصوناً فان ضمير الفرد مستتر وان ... تثنى تبدي للعيان مبيناً هو من قول بعضهم سرك ان أودعته ثانياً ... فاعلم بأن قد آن أن تفشيه فإن ما اضمر في حالة ال ... افراد تستخرجه التثنيه وللمترجم وصفته ببديع من محاسنه ... بدر غدا يخجل الأغصان بالميد فقام من فرح يسعى للثم يدي ... لما سلكت بمدحي أحسن الجدد فقلت تفديك مني الروح من فطن ... فاق المها والظبا باللحظ والجيد قبل فمي يا رشا ان رمت جائزة ... فإنه بفمي قد صيغ لا بيدي وأصل ذلك يحكي عن عبد الباقي شاعر الروم أنه كان نظم قطعة من الشعر في غلام مشهور بالجمال فلما سمع الغلام القطعة أعجبه ما فيها من التخيل وأقسم أنه يقبل رجله إذا رآه فاتفق انه صادفه في بعض أسواق قسطنطينية وعبد الباقي راكب وجماعته في خدمته فدخل الغلام وأراد يقبل رجله فمنعه من ذلك وقال ما حملك على هذا الك حاجة قال لا وأخبره باليمين الذي حلفه فقال له أنا نظمت الشعر بفمي ولم أنظمه برجلي فخجل الغلام وانصرف ونظم هذه الواقعة الأديب أبو بكر العمري الدمشقي في ثلاثة أبيات وهي قوله قال لما وصفته ببديع ... الحسن ظبي يجل عن وصف مثلي مكن العبدان يقبل رجلاً ... لك كيما يحوز فضلاً بفضل قلت انصف فدتك روحي فإني ... بفمي قد نظمته لا برجلي وقريب منه قول الصاحب ابن عباد وشادن جمالهتقصر عنه صفتيأهوى لتقبيل يديفقلت لا بل شفتي وقوله الوأواء الدمشقي يا بدر بادر إلي بالكاس ... فرب خيراتي على ياس ولا تقبل يدي فان فمي ... أولى به من يدي ومن رأسي وللمترجم يا مانعاً لزكاة حسن صانه ... وبوجنتيه من الجمال نفائس أدى زكاة الحسن بوسا أنني ... لبهاء طلعتك الفقير البائس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أخذه من قول الآخر الحسن مال له زكاة وعندكم جزؤه الكبير ادوا زكاة الجمال بؤساً فها أنا البائس الفقير ومن نثره البديع ما كتبه بعض الموالي في غرض عرض سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك اليك نفثة مصدور قد خزئها اللسان وبثة مضرور انطوى على شوك القتاد منها الجنان قد كنت في ابدائها شفاهاً أقدم رجلاً وأوخر اخرى ثم رأيت حملها على لسان القلم بي أحرى حذراً من مشافهة ذلك الجناب بما لا يدري الاعتذار هوام عتاب وذلك أن الداعي تشرف منذ قريب بالمجلس العالي لا زالت به مشرقة الأيام والليالي وفاز من كعبة المجد بالتقبيل والاستلام وحيا ذلك المحيا بعد لثم الأيدي بسلام فلما استقرت به زمر الناس وحمل كل منهم على ايناس بعد ايناس شمت منه أعزه الله بارقة أعراض ولمحت من جنابه عين أغماض ووجدت أبواب الأقبال محكمة الأقفال وكواعب الالتفات ممنعة بحجب الجلال ولطالما وردت من ألطافه كل عذب نمير وتنزهت من بشراه ونداه بين روضة وغدير واستضحكت ببشاشة الروض الأنيق ورنحت بنسائم لطفه كل غصن وريق كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء فأحدقت بي اذ ذاك الهواجس وتنازعتني الوسأوس وانبثت مطايا افهامي في كل فج عميق وطاشت سهام أفكار في كل مرمى سحيق إلى أن ظهر السبب بما يقضي منه العجب فتمنيت أني كهدهد سليمان لأبرز جلية ما عندي على منصة البيان أو أبوء بالنكال والحسران ولا أتقلب من الكتمان على جمر الغضا وأردد الأمر بين سخط ورضى ومما زاد ذلك ضراماً وملأ القلب كلاماً أنني يوم تشرفت برؤياكم وتوسمت جميل محياكم قصدت الاجتماع بجناب سيدي المولى الأكرم من لا أذكره من الحقوق الا بعهد زمزم لأشكو إليه بثي وحزني وأبين له جلية أمري وشأني فلما آنس مني ذلك سرى كما يسري الطيف الحالك وخرج من المنزل السامي سراً كأنه كلف شيأ نكراً فليت شعري أخالف كريم شيمه أم أخلف عهود كرمه قد كنت عتى التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي فرميت منك بغير ما أملته ... والمرء يشرق بالزلال البارد تالله أنكم لأهل بيت مرفوع العمد بخفض الجناح للمؤمنين وبذل النصح والمعروف لأهل التقى والدين الطافكم وافرة وصلاتكم غامرة فمن أبدى لكم عقوقاً أو غمصكم منناً وحقوقاً فقد ظلم نفسه وخسر يومه اذ نسي أمسه وتعرض للمقت والهوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وأرتدي بجلباب الردى والخسران وكان كالرأس إذا جحد جسده أو كالسارق إذا عق يده ولكن زادكم الله تثبيتاً وصانكم عن أن تسوموا محباً تعنيتاً هل يحسن منكم بعض الظن بعبيد رق لا يروم فداء ولا من ام كيف تشهر صوارم الأعراض على من لا يطيق مع ذوي وده كفاحاً أو يرمي بالقطيعة أسيرحب لا يريد سراحاً ومن أين يشتبه عليكم من سبكت أيدي امتحانكم نضاره وسبرت بصائر نقدكم أسراره كيف وأنتم ملجأه الأسمي وكهفه المنيع الأحمي واليكم مهيعه ومهر به إذا نشب به من الزمان مخلبه وحاشاكم من ضعف الثقة بأهل المحبة والمقه أو أن بروج عليكم زخرفة كلام أو يستوي عندك التبر والرغام أو يرضيكم تبسم كاشح لم يدر ما وراء برقه أو يقنعكم تمويه ظاهره عما جنه من خلقه فلكم قطوب من وداد خالص وتبسم عن غل صدروا غر وإذا غنم عليكم من سحب هلال رمضانه أو أشكل لديكم شيء من شأنه فالاخرى بأمثالكم أحضاره ثم اختباره واستفساره كيلا تصغو إلى بهتان أو يدنو من سماء مجدكم شيطان ومثلكم لا يخفى عليه الحسن من الشين ولا يلتبس عليه الصدق بالمين وها أنا أبرز القضية بجليتها وأعبر عها بحقيقتها والله المطلع على السرائر العليم بما اكنته الضمائر فان تبين بهذا المقال حقيقة الحال وتميز السراب من الشراب والاه لتربص إلى أن يأتي الله بالبيان ويتجلى الأمر للعيان فهو المزيج لما في الضمير وبيده أزمة التقدير وقلوب بني آدم بين اصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء أنتهى. وله أيضاً وصاحب هزني شوق لرؤيته ... ولم تزل ناجيات الوجد تحملن حتى إذا الدهر يوماً حط راحلتي ... بقربه وأنتهزنا فرصة الزمن جأورت منزله كيما أنال به ... انسا يزيل صدا الاكدار والحزن فلم يزدني علي دعوى الطعام كما ... يدعى على سغب ذو الفقر والاحن لم يقض حقي فما لبيت دعوته ... وما بذلك عار عند ذي الفطن ودعت من ذاته رسماً وقلت له ... حتى م الوى على الاطلال والدمن وله راداً على رومي يسمى شهري نعرض لذم أهل الشام بقوله يقولون شهري قد تجأوز حده ... بتنقص أرباب الكمال ذوي القدر فقلت إذا كأنت مذمة ناقص ... فتلك كمال ظاهر عند من يدري وما قد بدا من فيه فيه محقق ... ولا عجز فالنقص من عادة الشهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وله أيضاً يا شقيق الغزال جيداً وطرفاً ... أنت باللحظ قاتلي وحياتك أنني نائل الشهادة حتماً ... بسيوف الجفون من لحظاتك ما لقلبي يصلي من الخد ناراً ... تتلظى في جنتي وجناتك قد تركت الكماة بين قتيل ... وصريع لم يصح من سكراتك وإذا ما تثنيت تخطر تيهاً ... كان حتف العشاق في خطراتك كيف يرجو النجاة من رشقته ... بفتور تلك العيون الفواتك تستلذ لقلوب منها احوراراً ... وهو أمضى من السيوف البواتك من جفك المديد صبري جفاني ... ونفار المنام من نفراتك لم يكن لي إلى سواك التفات ... فتدارك وأو ببعض التفاتك لم يدع لي جفاك غير ذماء ... وبه قد سمحت في مرضاتك أنت في الحل من دمي وبروحي ... مع أهلي أفدي بديع صفاتك وله غير ذلك من الأشعار الرائقة والنثر البديع والعنوان يدل على ما في لصحيفة وكأنت وفاته في يوم السبت تاسع عشر جمادي الثانية سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر أولاده عبد الرحمن وعلي وإسماعيل ان شاء الله تعالى والمنيني نسبة إلى قرية منين من قرى دمشق ولد بها هو ونشأ وأصله من برقائيل بكسر الباء الموحدة وسكون الراء بعدها وقاف ثم ألف ثم ياء مثناة تحتية مكسورة ثم لام قرية من أعمال طرابلس الشام كان والده ولد في برقائيل المذكورة في سنة ثمان وعشرين وألف ثم ارتحل وسنه احدى عشرة سنة إلى دمشق الشام وتوطن بصالحيتها واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم العلامة الشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ علي القبردي الصالحي وتفقه على مذهب الامام الشافعي ثم ارتحل إلى قرية منين المذكورة في سنة ست وأربعين وألف وكان مرجعاً لأهل تلك القرية وغيرها بالفرائض وتوفي بالقرية المزبورة في سنة ثمان ومائة وألف ودفن بها والله أعلم. أحمد السعيد المرادي أحمد السعيد ابن علي بن محمد بن مراد بن علي بن دأود وينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم المرادي الحسيني الدمشقي الحنفي أبو المجد رشيد الدين أخي المولى الامام الأجل العالم الفاضل العديم المناظر والمناضل الذكي النبيل النبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الأديب الألمعي ولد بدمشق سنة خمسين ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ سليمان بن محمد أبي الدنيا بن جمال الدين المصري المقري وعلى الشهاب أحمد بن عبد اللطيف التونسي المغربي وتلاه وحفظ بعض المتون وقرأ في الفقه والتفسير والنحو وأخذ علم التفسير الشريف والحديث وبقية العلوم من منطوق ومفهوم عن أجلاء منهم الامام علاء الدين علي بن صادق بن محمد الطاغستاني الحنفي تريل دمشق قرأ عليه الكثير والشيخ أحمد أثير الدين بن عبيد الله بن عبد الله العطار الشافعي وأنتفع به وأبو الفتوح البرهان إبراهيم بن عبد الله السويدي البغدادي وجده لأمه الامام الكبير أبو النجاح أحمد بن علي المنيني الحنفي والشيخ الفاضل محمد ابن حسين الحصاري الحنفي وغيرهم وبرع وتفوق وكان له ذكاء تام وحذق زائد وقوة حافظة وسرعة حفظ ومتانة مع حسن الأخلاق ودماثة الطبع ونظافة الملبوس وحسن المطارحة والصحبة وجودة الخط وسرعته وكثرة العقل وحسن التدبير والادراك التام وكان الوالد يحبه كثيراً ويثني عليه ويجله وصرفه بأملاكه وعقاراته كيف شاء وأذن له بتعاطي أموره وادارة دائرته فتعاطى ذلك وباشره طبق رضاء الوالد وكان لا يخرج عن ارادته بأمر من الامور ويكلفه الوالد إلى أشياء لا يطيق حملها أحد وهو يتلقاها بالبشاشة والقبول ومع ذلك واشتغاله بامور والده الجلائل كان لا يشغله عن المذاكرة والمطالعة شيء ولا يفتر عن تعاطي مطارحات الأدب بين أصحابه واخوانه ولما كان الوالد يقري الهداية في السليمانية كان يعيد له الدروس واشتهر فضله وأدبه ونبله واعطاه الله القبول وأحبه الناس وذهب إلى دار السلطنة قسطنطينية مع والده وجده وإلى القدس والخليل وعمر الدار التي هي بالقرب من دارنا جوار الحمام العقيقي وصرف عليها المال الكثير وزينها أنواع النقوش وأحجار الرخام واتقن صنعها ولما مات استوحش منها الوالد وباعها بأبخس ثمن وكان يحبني ويودني ويبذل جهده في مرضاتي رحمه الله تعالى مع أنه هو الاكبر سناً وقد رأو كان ينظم الشعر وينثر الاسجاع في الرسائل التي تصدر عن والدي وشعره قليل منه هذه الأبيات نقلتها من خطه لقد كنت أهواها ولم أدر ما الهوى ... وزاد غرامي الآن والعين تدمع ومذ علمت أني شغفت بحبها ... جفتني صديقي دلني كيف اصنع وان شئت أن أسلو هواها بغيرها ... فلا مقلتي ترقا ولا الاذن تسمع فقل لي خليلي هل إلى الوصل شافع ... إلى مالكي أم هل إلى القرب مهيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قوله هل إلى الوصل إلى اخره مأخوذ من قول بعض المتقدمين ألا ليت شعري هل إلى الوصل شافع ... إلى أشعري حرت في وصفه الجلي فنعمان خديه لقلبي مالك ... ولا تعجبوا من ردفه فهو حنبلي وأحسن منه قول الآخر قلت وقد لج في معاتبتي ... وظن ان الملال من قبلي خدك ذا الاشعري حنفني ... وكان من أحمد المذاهب لي حسنك مازال شافعي أبداً ... يا مالكي كيف صرت معتزلي ولما أراد الوالد الحج سنة ثمانين ومائة وألف كتب للأبواب السلطانية ذلك وطلب الاذن فرسم له بالاذن وأن يكتب على مسائل الفتوى ولده أخي المترجم فعزم على الحج وتعاطى لوازم الطريق ثم ان الأخ في غضون تلك الأيام مرض وازداد به المرض حتى مات صباح يوم الاربعاء رابع شوال من السنة المذكورة ودفن داخل دارنا في مدرسة الجد النقشبندية البرانية في محلة سوق صاروجا واجتمع للصلاة عليه وعلى دفنه جميع علماء وكبراء وامراء دمشق ودفنه الوالد بيده وحزن لفقده كثيراً لكنه لم يبد جزعاً وصبر واحتسب وأقام عمي المولي الأجل حسين المرادي مكانه وحج وأنا معه وحزن الناس لفقد الأخ وكثر عليه يوم موته العويل والبكا وكان من نجباء عصره وأفراد مصر، ورثاه جماعة من الادباء أنشدني من لفظه لنفسه صاحبنا الأديب شرف الدين مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد اللوجي الشافعي الدمشقي هذه القصيدة اجمر الغضا بين الجوانح مضرم ... ام الحزن في الاحشاء جاش له الدم ام الدهر أودت نائبات صروفه ... فقلب البرايا بالأسى منه مفعم يؤلمني الفقد المشت فانثنى ... وأدمع عيني كالغمائم سجم ويحسب مسرور الفؤاد من انطوى ... على حرق والقلب منه مقسم الا في سبيل الله نفس زكية ... وراضية مرضية وهي ترحم هو الدرة العلياء قدراً وقيمة ... وجوهرة الفضل التي لا تقوم سأعتب هذا الدهر لو كان يرعوي ... لعتبي أو يصغي لقول ويفهم لما ذاد هاه بالمنية بغتة ... وكان التروي واجباً والتلزم وما هي الا فلتة منه افلتت ... واحسبه من بعد ذلك يندم قضى الله أن يقضي لشرخ شبابه ... فتى وفتى يبقى إلى حين يهرم وذلك ما لا بد منه وكلنا ... مطيع لأمر الله حقاً مسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فأين الورى من عهد حوى وآدم ... إلى عهدنا بل أين حوى وآدم فنحن وهم في الموت في حكم واحد ... ولكن تأخرنا وهم قد تقدموا وانك فيه قد أصبت وان تكن ... مصيبتك العظمى فاجرك أعظم فصبراً جميلاً سيدي ولك البقا ... ولا ريب رب الخلق بالخلق ارحم فأي قلوب لم ينلها تقطع ... وأي نفوس لم ينلها تألم وأي عيون لم تفض يوم فقده ... تترجم عن حزن وبالدمع ترجم وعاد مغنى الطير في الجو نائحاً ... عليه وصار الموج في البحر يلطم يسومونني الصبر العزيز مناله ... وأبى يطاق الصبر والصبر علقم أمولاي لا تحزن لنجل فإنه ... هو اليوم في جنات عدن منعم إذا كان رب العالمين بذا قضى ... فصبراً لما يقضي الاله ويحكم وأنت الذي تهدي الورى وتدلهم ... على الصبر حين الأمر يدهى ويدهم سقى قبره عفواً وغفراً ورحمةً ... ومن كوثر المختار يسقى ويكرم أحمد المدني أحمد بن علي المدني المدرس بمدرسة رستم باشا الشيخ الفاضل العالم الأوحد المفنن البارع في العلوم معقولاً ومنقولاً أبو العباس نجيب الدين ولد بالمدينة المنورة سنة سبعين وألف ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الصفي القشاشي وغيره وفاق أقرانه حتى صار نادرة الدهر ووحيد العصر وألف مؤلفات نافعة منها شرح البسملة في مجلد ضخم وشرح على الاجرومية وشرح على الايساغوجي في المنطق وغير ذلك وكان ولوعاً بجمع الكتب وتصحيحها حتى ما دخل تحت يده كتاب الا وصححه وكتب على هوامشه وكان له اطلاع تام على علم اللغة وكان في الغالب يتتبع الالفاظ الغريبة في خطبه لعقود الانكحة وفي مكاتباته ومراسلاته وكان يؤم بالمسجد الشريف النبوي ويدرس به وأنتفع به جملة من الطلبة وكأنت وفاته في المدينة المنورة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع. أحمد النفرأوي أحمد بن غانم القاهري المالكي الشهير بالنفرأوي الشيخ الامام العالم العامل المحدث الفاضل الفقيه المفنن أفضل المتأخرين أخذ عن الامام الشمس محمد البابلي وطبقته وكان فرداً من أفراد العالم علماً وفضلاً وذكاء وأخذ عنه الشهاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري وأبو ربيع سليمان بن عمر البجيري وغيرهم وكأنت وفاته يوم الجمعة مع أذان العصر عاشر ربيع الثاني سنة عشرين ومائة وألف ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى. أحمد الأسقاطي أحمد بن عمر القاهري الحنفي الشهير بالأسقاطي الشيخ العالم الفقيه المفنن أخذ عن جماعة كالشيخ عبد الحي الشرنبلالي ومحمد أبي السعود والشهاب أحمد الخليفي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وأخذ عنه المسند نور الدين علي بن مصطفى الميقاتي الحلبي الشافعي وأجاز له في ختام رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وكأنت وفاته سنة 5. أحمد البكري أحمد بن كمال الدين بن محي الدين بن عبد القار بن حسن بن بدر الدين بن ناصر الدين ابن محمد شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين بن محمد وينتهي إلى الخليفة الأول امام الأئمة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه الدمشقي الحنفي سبط آل الحسن رضي الله عنه قاضي القضاة نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية كان عالماً علامة مفنناً صدراً رئيساً محتشماً فقيهاً أديباً لا يخلو مجلسه من الفوائد العلمية نير الشيبة بهي المنظر غزير العقل ولد بدمشق في سنة اثنين وأربعين بعد الألف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة بهمة علية منهم الشيخ رمضان العكاري والشيخ محمد المحاسني والشيخ منصور المحلي وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروس الحافظ النجم الغزي العامري ويرع وساد وظهر منه فضيلة وكساه الله تعالى حلة الرياسة من مبدأ أمره فولى نيابة الباب والقسمة العسكرية وارتحل إلى الروم إلى دار الخلافة والملك ولازم على قاعدتهم من المولى شيخ الاسلام محمد الأسيري وبعد عزله عن مدرسته بأربعين عثماني وجهت إليه مدرسة الجقمقية الكائنة بدمشق مع اعتبار رتبة موصلة الصحن ثم سافر ثانياً إلى الروم وفي سنة أربع وتسعين بعد الألف في رجب أعطى مدرسة مولاي خسرو كتخدا بابتداء الداخل ففي رمضان من السنة المذكورة أعطى مدرسة روم محمد باشا وفي سنة خمس وتسعين في جمادي الآخرة أعطى مدرسة بيري باشا وفي سنة ست وتسعين في شعبان أعطى أحد المدارس الثمان ففي سنة ثمان وتسعين في ربيع الأول أعيد إلى مدرسة بيرباشا برتبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ابتداء التمشلي وفي سنة تسع وتسعين في شعباتها أعطى مدرسة شاه سلطان ففي سنة اثنين ومائة وألف في رجب أعطى قضاء المدينة المنورة فلما عزل منها سنة ثلاث قدم دمشق مع الحاج فلما كان من ذي القعدة من سنة أربع ومائة وألف أعطى قضاء دمشق الشام ولم يتفق ذلك لغيره وصار له في ذلك كرامة وهي في الحقيقة كرامة الصديق رضي الله عنه وهي ان جماعة من أعيان دمشق كان بينهم وبينه مخاصمة من جهة وقف فرتبوا أنهم في ثاني يوم يشتكون عليه لقاضي الشام ففي عصر ذلك اليوم جاءه منصب القضاء وهو في داره فركب وجاء إلى المحكمة وأبرز المنشور السلطاني بتولية القضاء ثم عاد إلى داره بقرب المارستان النوري ونقل مجلس الحكم اليها أياماً حتى ارتحل القاضي المعزول وباشر القضاء بعفة ونزاهة وتودد للناس وعدم محاباة في لحق ثم عزل عنها وسافر إلى الروم فولي قضاء بروسة في محرم سنة تسع ومائة ولما عزل في ربيع سنة عشرة ارتحل إلى اسلامبول وأقام بها ثم في ربيع الآخر سنة خمس عشرة ومائة وألف ولي قضاء مكة المكرمة وقدم إلى دمشق في شعبان من السنة المرقومة وحصل لأهل دمشق سرور عظيم في ذلك وامتدح بالقصائد الغر فممن امتدحه الأديب عبد الحي الخال بقوله انادية الافراح أضحت تغرد ... بأندية المجد الأثيل تردد وصوت المثاني والمثالث ما بدا ... لسمعي ام اسحق أم ذاك معبد أم العود لا بل ذاك صوت مبشر ... يبشرنا بالعود والعود أحمد بمقدم مولى دون صهوة طرفه ... منال الثريا لا يطأولها يد امام إذا ما رمت نعت صفاته ... فذلك شيء من علا الشمس أبعد رقى من ثنيات العلوم بواذخاً ... لها في تخوم الفكر أصل مؤطد إلى كعبة العلم الذي صار صدره ... لها حرماً فهام ذي الفضل تسجد وطود فخار قد تسامت به العلى ... وبدر علوم للاضاءة يرصد وبحر نوال لا يضاهي خضمه ... وشمس معال عندها تقصر اليد ونجل أبي بكر وناهيك محتداً ... رفيعاً له الجوزاء تعثو وتحسد إذا قيل من في الناس أو في عزيمة ... من الشم ثم البحر والبحر مزيد لقلنا الذي لو صادف الدهر مغضباً ... لولي وجيش الدهر منه مشرد وذاك ابن خير الخلق بعد محمد ... كذا قال خير لخلق عنه محمد لقد شرفت منه معاهده التي ... بأركانها ضاءت نجوم وفرقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ونيطت عليه في مهاد العلا بها ... تمائم عز بالفخار تقلد أمولاي فيك السعد عاد لنا كما ... أعاد وبالآمال بالخصب أسعد وردنا عطاشاً بحر نائله ومذ ... صدرنا فنادانا الندى منه ان ردوا فلو أن قدرنا أن نشخص شكرنا ... على فضله الطامي الذي لا يحدد لمثلته لكن شكري له ابتدا ... بلا آخر كالبحر والله يشهد وحمدي له حمد لديك مقدم ... ومن يك ذا نجل كهذا فيحمد فاهلاً على مر الزمان ومرحباً ... بمولى على كل الموالي يؤيد اليك أتت خود من الفكر أنتجت ... معان لها حبي القديم يولد فخذها كحوراً لخلد حشا ورتقاً ... خويدمة والذكر فيها مخلد وهاك نظاماً جاء كالنظم باهراً ... بأفق معاليك السعيدة يرشد بقيت كما تختار مولاي راقياً ... إلى رتبة نيران ضدك تخمد ودمت الدهر ما قامت سويجعة الهنا ... على فنن الاقبال يوماً تغرد وكتب إليه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ثالث يومق دومه هذه الأبيات ومعها أرسل له هدية طبقين كبيرين داخلهما حلوى تسمى كل واشكر واخرى نسمي معمولاً مع التضمين في الأبيات ان الحلأوة في شعبان نهديها ... بمقتضى ما أشارت من معانيها فان شكري لكم معمول حضرتكم ... عسى القبول أراه من مساعيها أهدت سليمان يوم العرض هدهده ... جرادة قد أتته وهي في فيها وأنشدت بلسان الحال قائلة ... ان الهدايا على مقدار مهديها لو كان يهدي إلى الانسان قيمته ... لكان يهدي لك الدنيا وما فيها ثم سافر مع الحاج إلى مكة فعزل عنها في سنة ست عشرة وارتحل مع الركب المصري إلى مصر القاهرة فتوفي يوم دخوله اليها وهو الخامس والعشرون من محرم افتتاح سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة أسلافه السادة البكرية بالقرافة في قبر الاستاذ الشيخ زين العابدين الصديقي المصري المتوفي قبله في سنة سبع ومائة وألف وأرخه بعض علماء مصر بقوله مات قطب كبير بمصر وسيأتي ذكر ولده أشعد وحفيده خليل وقريبه مصطفى وبنو الصديق بدمشق نسبتهم من جهة الامهات للنبي صلى الله عليه وسلم فان والدة جدهم الكبير أحمد المعروف بزين الدين شريفة ونسبتهم منها وأول من قدم منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 من مصر إلى دمشق الشيخ محمد بدر الدين جد المترجم المذكور ونسبتهم إلى الصديق شاعت وذاعت وناهيك بنسبة لم يبق من العلماء الأقدمين الأجلاء المشهورين أحدا لأوشهد بحقيقتها وصحتها أنتهى والله أعلم. أحمد العكي المعروف ببطحيش أحمد بن بكر بن أحمد بن محمد بطحيش العكي الحنفي مفتي عكا وعالمها ومحيي ربوعها ومعالمها العلامة الامام المؤلف المحرر التحرير ولد في سنة خمس وتسعين بعد الألف وله من التآليف فتأويه المشهورة الملقبه باسمه وله حاشية على تنوير الأبصار بالفقه وله الألفة الجيبية في علم الميقات وشرح منظومة ابن الشحنة في الفرائض وله مختصر السيرة الحلبية وله حاشية على نزهة النظار في علم الغبار في الحساب وله شرح على ملتقي الأبحر في الفقه وله بعض أشعار رائقة رحمه الله تعالى وأنا أذكر من شعره شيأ فمن ذلك قوله سبقت فما شق الغبي غبارها ... وسمت فما بلغ البليغ مدارها وسرت مساري النجم وهي مصونة ... عن درك غير ذوي النهى أسرارها وتحجبت ببراقع شيحية ... وتسربلت رند الربا وعرارها وحشية ترعى بقيعان الغضا ... قيصومها وبريرها وبهارها ما أوجبت في النفس نبأة خاتر ... الا استزادت بالوجيش نفارها عجباً لها كيف البصير وقد نأت ... عن ذي البصيرة حأول استبصارها وأهله من ذي شطاط عاسف ... لم يهد من طرق الرشاد منارها أيروم اطفاء بكل أفيكة ... من بوح مع برح الخفا أنوارها كيف السبيل لنقض أهرامية ... نقل الوشاة إلى الورى أخبارها وحدا بها الحادي بكل تنوفة ... فيما يحأول ذا العيار سرارها بجعاجع لو جسمت من عنبر ... واستاقها الجاني لمج خيارها غفل فلا معنى يروق لناظر ... فيها ولا سبك يزين فقارها لو كنت معنياً بقول زعانف ... لأمطت عن تلك العقيم خمارها وكشفت عن تلك المريبة جلها ... لترى البرية عرها وعوارها لكن رأيت من السفاه مسامها ... عبثاً وان من المجون سبارها وكفى بمطلعها الركيك وتلوه ... مهما أبانا للغي شنارها وانظر لهاذك النسيب ترابه ... عنفاً يطير من النفوس شرارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وكفى بمخلصها المشوب رقاعة ... ومتى جعلتم في الثغور مدارها قل لي متى ألقى الزمان قياده ... لذويك سقيت المنون خمارها أوما شعرت بضد ما برقشته ... حيث الزيادة جأوزت مقدارها ما أنت في علياء معد معرقاً ... كلا ولم تك في الفخار نزارها لو نافرتك بنو شهاب في العلا ... هل تستطيع هبلت أنت نفارها هل طوقوك بمنة وبضدها ... لولا عوالينا استدمت مرارها فهم إذا عد المفاخر مصقع ... كانوا من الجل الكرام كبارها فاسال معاشرك الكرام فانهم ... أدرى بمن فك الأسار صغارها فهم الأولى تخذوا العوافي سنة ... واستسهلوا من صعبها أوعارها وسواهم أن رام ذاك فمقتف ... تلك الحجاحج تابعاً آثارها وهم الأولى قد عودوا سمر القنا ... والمرهفات طوالها وقصارها فأعرف ولا يجديك ما لم ترعوي ... ان الحمية حركت أوتارها فمن الذي يحمي حماها عنوة ... ان غضها أهل الهوى أخبارها ومن الذي منا استحل أو أقتدي ... ومن الذي تلك الحروب أثارها ومن الذي بادي بظلم واعتدي ... بالجاهلية وأستحل فجارها أمحأوراً نعمي ولست بمحشن ... يا لا نعمت جوارها وحوارها سأورت نعماً لست من أكفائها ... ثكلتك امك لو عرفت نجارها لولا ذكرت صرامها وغرامها ... فصغرت عن ذكراكها ومزارها أتقول نعمي أعرضت لا عن قلا ... منها وهذا موضح أعذارها أخطأت لو تدري مداراة المها ... حتى أثرت بذا اللحي أوغارها فلئن قلتك فرفض مثلك ما عدا ... عين الصواب وقد خفرت جوارها لا بدع من خطأ الصواب وما درى ... ان سيم من خطط الهوان جدارها هب أن لا حرج عليك كما ترى ... لكن قرونتك أعرفن مقدارها أن رمتموا عد السوالف منكم ... لم تبلغوا مما لنا معشارها وقوله سايل بناحينا الأدنى بنا نسبا ... أو في البرية عهداً خيرهم نسبا الحادبون علينا حيث لا حدب ... والمانحون تراث المجد والنشبا والزايلون الردى عنا إذا اشتبكت ... سمر العوالي وأذكت زرقها اللهبا حيث اطلخم الوغى والبيض بارقة ... والقلب تقذف من أقطارها شهبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وانصاع عنها اللجايا صوع نافرة ... من النقا درأت في إثرها طلبا والبهم فيما ترى أما من أولها ... مختار حتف وأما ممعن هربا لم يبق فيها سوى حامي حقيقته ... ان طاش ذو الحلم في آزيها رسيا والضاربون الطلي بالبيض عن عرض ... والها تكون فروج الزعف واليلبا ورب ملمومة الأطراف تحسبها ... بحرا تسمع في لجاته لجبا قد مزقوها بطعنات مملكة ... مثل الشجا في لهاة الحلق قد نشبا ما ضاق ذرعاً قليل المال عندهم ... بل ينقمون ثريا عندهم وهبا كأنما الجود لم يخلق لغيرهم ... طبعاً فلله منجاب وما نجبا ان كان أبقى النوى فيهم أواصرنا ال ... قربى ولم يخرموا من ودهم سبيا واستنطق الحال من تلك الأسرة عن ... طي السريرة ان بشرأوان غضبا فإن رأيت مكان القول ذا سعة ... فبث شوق شبج للنازحين صبا وقل تركت أمراً أعيت مذاهبه ... وصبره من توالي صدكم ذهبا فإن يكن ذاك تأديباً ترون له ... فحسبه بعض ما لاقى بكم أدبا أو كان فيما أتى فيمن أتى فله ... أبوة من أبى الضيم نعم أبا أو لا يكن ذا ولا هذا فعدلكم ... أربى ولن يعدم الراجي بكم أربا هب أنه قد تعدى فوق ما نقلوا ... وكل ما قد أتاه قبل ذاك هبا الست تعلم أن الصفح مغنمة ... سيما الكرام وأن تربو الذنوب ربا فأدركوا من تداعي جسمه أسفاً ... لم يبق غير لفاً منه وقد كربا لا تجعلوا كأسه في الرعد أولها ... وحظه جذا أتلى آية بسبا فليت لوان تريثتم بما أنتحلوا ... حتى تبينتم من جاءكم بنبا لكن في القدر المحتوم متبعة ... يجري المدار بانفغاذ الذي كتبا هذي الليالي وقاك الله سوأتها ... كم أبدعت في بنيها خطة عجبا تباين الخلق شتى في مذاهبهم ... ولم يحوموا على سر هناك خبا بينا ترى المرء مغبوطاً بنعمته ... حتى تراه وشيكاً شاحباً عطبا ان البصر بها من بات ينظرها ... وان زهت لذويها معبراً خربا وأعتد للسير عنها والرحيل إلى ... دار البقاء فكم قاص بها قربا والدهر مكتنع للوثب مجتمع ... فإن رآ رصة من غافل وثبا لله يبقى على الأيام ذو حيد ... فاستبق ذكراً جميلاً للنجاسيا لا زلت مقتدر اللعفو معتذراً ... عمن أتى راغباً وأفاك محتسبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 تحمي النزيل وتهمي بالجزيل وبال ... صفح الجميل تبذ الستبق العربا وله غير ذلك من الشعر وكأنت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. أحمد شاكر الجكواتي أحمد بن عمر بن عثمان المعروف بالشاكر الحموي نزيل دمشق الحنفي الشيخ أبو الصفا فائق الدين الامام العالم الفاضل الصوفي الأديب البارع الشاعر الناظم الناثر أحد الشعراء المشهورين بالصناعة والبلاغة والموصوفين بالنباهة والنباغة ولد في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم وقرأ الفنون والعلوم وأكثر من الأدب ومن أول أمره خرج من بلدته ودخل البلاد وطافها وأجتني من بواكر اللذات قطافها ودخل حلب وبغداد والموصل وطرابلس واللاذقية والقدس ومصر ومكة والمدينة وغيرها من السواحل والثغور ودخل غالب امهات البلاد وعلى قوله انه دخل الهند والعجم والروم وتلك البلاد كما أخبرني ولما كان بحلب أعتنى به هلها وجرت بينه وبينهم مودة والمبادي والمراجع الشعرية والمطارحات الأدبية وامتدح أعيانها ورؤساءها وصارت له شهرة وأحبوه ثم ما دخل مصراً الا وامتدح أعيانها وعلماءها واجتمع بهم وسأجلهم وسأجلوه وأحبهم وأحبوه وفي أواخر أمره قطن دمشق وكان دخلها أولاً مع والده واستوطنها بأهله وكأنت داره في الصالحية بالقرب من السليمية وامتدح أعيان دمشق وكبراءها واشتهر فضله وأدبه واعتبره أهلها وفي أيام سياحته وطوافه في البلاد وسبره الأغوار والأنجاد اجتمع بشيوخ العصر من كل واد وأخذ عن كثير من الأجلاء والأفراد لا يحصيهم الحصر والتعداد ومدائحه فيهم كثيرة عدة يحتويها ديوانه الكبير المشتمل على أشعاره وكان ينقل نوادر وأخبار أو حكايات غريبة وقعت له ورآها في أسفاره حدثني بكثير منها وفي أول أمره تعاطي بدمشق نظم الأشعار والأزجال والموشحات والقصائد والأبيات واصطحب مع الكثير من أهلها وتعاني عمل الكيمياء وأتلف أوقاته بها وانغرم معه جماعة كثيرون وصرفوا أموالهم ولم يرجع عن عملها حتى مات وكان ذلك هو السبب الأعظم لفقره ورثاثة أثوابه وضعف بصر وابتلائه بالأمراض ولازمه جماعة كثيرون من دمشق وغيرها وأخذ وأعنه التصوف وبعض الفنون وكان يقري دروساً خاصة في داره آخر أمره وفي أول أمره تقلبت به الأحوال ورمته الأيام بالبوائق والأهوال حتى أفضى به الحال إلى أن صار في بعض بيوت القهوة ينقل الحكايات والوقايع ويبدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 النوادر واللطائف في أقبح المواضع مع فضله وأدبه الذي لا ينكر ثم ترك ذلك ولازم مطالعة كتب السادة الصوفية وكتاب الفتوحات لأبن العربي رضي الله عنه وغالب كتبه وكتب شيخه الاستاذ الشيخ عبد الغني بن إسماعيل الدمشقي الحنفي المعروف كأسلافه بالنابلسي ولزم الأنفراد والعزلة وكثرت عليه الأمراض وصار الناس يزرونه في داره ويجتمعون به هناك حتى مات اجتمعت به كثيراً في مجالس والدي وبعد موت والدي كان يأتي الي ويزورني من الصالحية ويمدحني بقصائده وأبياته ويحدثني بوقائعه وحكاياه ويسمعني أشعاره ويتحفني بنوادره وفوائده وكنت أوده وأحبه وهو ممن أخذ الطريقة النقشبندية عن جدي العارف بهاء الدين محمد مراد البخاري المرادي وأنتفع بفضائله وحفته بركاته وله في الوالد والجد المدائح الحسنة ذكرت أكثرها في كتأبي مطمح الواجد في ذكر أحوال الوالد الماجد وكنت طلبت من صاحب الترجمة ديوان أشعاره وهو في ثلاث مجلدات سماه حانة العشاق وريحانة الأشواق فنالنيه من يده مجلدة بعد أخرى حتى أتممت مطالعته وهو عندي الآن نسخة منه كتبتها عن الأصل الذي نأولنيه المترجم وصححته عليه ولما مات أبيعت كتبه فاشتراه أحد الطلبة وصار يمدح الأعيان والعلماء بقصائده ويدعى معرفة الشعر ويسرق من الديوان وينسب ذلك إليه حتى اشتهر بدمشق ثم بعد سنين مات هو أيضاً فخرج بين كتبه وأبيع واستكتبت عنه النسخة الموجودة عندي وظهر للناس جلية أمره ويشتمل على سبعة أبواب الباب الأول في نظام كلام الحقيقة الباب الثاني في مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم الباب الثالث في مدح الآل والأصحاب والأولياء العارفين الباب الرابع في الغراميات والغزليات والخمريات الباب الخامس في مدائح الأعيان من العلماء والفضلاء وغيرهم الباب السادس في الأحاجي والمعميات والألغاز الباب السابع يشتمل على القوما والمردوف وكان وكان والزجل المشعر والملحون وكل غريب من هذه الفنون هذا ما عدا قصائد وأبيات وأهاجي صدرت على سبيل الارتجال وواقعات حال لم تحرور لم تقيد تنوف عما جمع وبالجملة فقد كان أكثر أهل وقته نظماً واقتداراً وكل نظمه مليح وقد ذكرت هنا من شعره ما سمعته من لفظه وكتب لي به توفي يوم الأربعاء غرة شهر صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالسليمية ودفن في مقبرة سفح جبل قاسيون ومن شعره المسموع من لفظه والمنقول عن خطه قوله في المديح النبويعره ما سمعته من لفظه وكتب لي به توفي يوم الأربعاء غرة شهر صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالسليمية ودفن في مقبرة سفح جبل قاسيون ومن شعره المسموع من لفظه والمنقول عن خطه قوله في المديح النبوي أشرف الأنبياء والرسل دارك ... ملتجي خائفاً ألم بدارك جاء يشكو اليك ما يلتقيه ... من زمان صعب اللقاء معارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يدعى الخير وهو في الشر هأو ... فاهده للهدى بنور منارك خطفته الأهوال في ساحة الأه ... واء فانجده سيدي باقتدارك قد تعرى من الفلاح وضلت ... نفسه والضلال يعمي المدارك حاش لله أن تخيب عبداً ... عائذاً لائذاً بطول فخارك كيف يشقي ويقهر الضر قلباً ... يجتني يانع الوفا من ثمارك كيف يهوى إلى الهوان كئيب ... يطلب الورد من فيوض شعارك أو لست الغياث والعروة الوث ... قى لمستمسك بحبل مصارك فيما قد أوليت من رتب المج ... د كمالا وماعلا من مطارك وبمسراك حيث صليت بالرس ... ل وأهل السماء في أنتظارك وبما قد حباك ربك تخصي ... ص كمال لم يرض فيه مشارك وبسر بلغته بعد أن قم ... ت تجر الجمال في أطمارك وبعلم من قاب قوسين أدني ... ت إليه قربا لدى جيارك وبكشف الحجاب لما تدلي ... لك وصلى وأنت في أسرارك لا تكلني أرجو سواك ملاذاً ... عند ربي وأنت للقصد تارك لا تدعني مع غربتي وافتقاري ... أرتجي الغير دون غيث أنتصارك أنت سر الوجود لجة بحر ال ... جود والفضل رشح طامي بحارك ووجود الأكوان والعرش والكر ... سي واللوح من سنا أنوارك صل ربي عليه والآل والصح ... ب جميعاً وأنعم وسلم وبارك وقوله مخمساً قصيدة الفتح النحاس برق أهاج سحاب الدمع لائحه ... والقلب يرعد والاحشا تكافحه والصب مذبان في الذكرى فوادحه ... تذكر السفح فانهلت سوافحه وليس يخفاك ما تخفي جوائحه حال المشوق جلي غير منكتم ... والوجد يظهره ناراً على علم فلا تلم أن هما دمعي بمشجم ... صدع الهوى يا عذولي غير ملتئم يدريه بالبان من أشجاه صادحه سر الغرام بدا في أهله علناً ... والعين يبدو بها ما القلب قدكما وأن تسل ما بهذا الحكم علقنا ... هي المنازل أشجانا خلقن لنا فلا يزيد على المشجون ناصحه منازل قام فيها لقلب ملتزماً ... هوى نجوم بها اللاحي لقد رجما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 لا أحمد الدمع لكن عندما سجما ... سقى العقيق من الساري الملثبما شاء العقيق وشاءته صحاصحه يحبي الحيا ربعها من بعد مجدبه ... والزهر تفتر بشراً من جوانبه ولا عفا الودق أرجاها بصيبه ... حتى تخب بأبناء الرجاء به في سندس لا ترى أينا طلائحه تروى الأجارع اذ تروى لها خبراً ... عن مطلق الدمع من قيد الجفون جرى هذا وأن حمدت عند الوصول سرى ... تؤم من طيبة الفيحاء طيب ثرى لا تشتكي السقم أجفان تصافحه هناك تبرأ من ضر ومن علل ... وتبلغ الفوز من قصد ومن أمل يا قلب لا تخش فيها وصمة الوجل ... فثم قبر من الأملاك في زجل وثم عرف من الفردوس نافحه مقام أمن به للخير فيض منن ... ومنزل لنزول الاي فيه سنن وثم من نال عند الحق كل حسن ... وثم أشرف مبعوث وأكرم من تكفلت بغتا الراجي منائحه فالحلق من ظلمة الأعدام أظهرهم ... بنوره الحق أذفى العلم قدرهم ورب قوم لقد ألقوا تصورهم ... قالوا حمدت السري فأمدحه قلت لهم تحصى النجوم ولا تحصى مدائحه لولاه ما كان فرض في الهدى وسنن ... ولا لنا لاح من سر العلوم علن ماذا حصل فيه بالمديح لسن ... وما أقول إذا ما جئت أمدح من جبريل خادمه والذكر مادحه لكن أهل المعاني في فصاحتهم ... تفاضلوا بثناه في رجاحتهم وأحسنوا حين قالوا قصد راحتهم ... مدح الكرام رشاء لأستماحتهم وليس بعوز بحر عم طافحه فهو الكريم الذي أنواء راحته ... فيض وما البحر الا بعض قطرته يا مشتكي ضنكه من عسر يسرته ... ثق بالنبي وقف قدام حضرته وسل فمهم ترمه فهو مانحه من للكئيب الذي منه القوى ضعفت ... عن وصف معناه يا من نفسه شرفت وفكرتي لك وجه العجز قد كشفت ... يا أكرم الخلق فاعذر شاعراً وقفت عن درك أوصافك العليا قرائحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 عبد به قلم الغيب العلي جرى ... هشيم أحواله ريح البلاء ذرى وافا غناك الوفى مع جملة الفقرا ... صفر اليدين غريب الدار منكسرا أتاك والدهر أحنى الظهر فادحه مآثم النفس قد أودت به عللا ... وحاله حال حيث الصبر عنه خلا تلقاه من عظم ما قد طأول الأملا ... يهوى الحياة ولم يسلف له عملا يسر يوم يسر المرء صالحه قد ارتضى الذل في دار الهوان ردا ... ولم يرم لمقام العز ملتحدا أضاع أوقاته باللهو ما ارتشدا ... يا ويله يوم يأتي للحساب غدا ان لم يكن بك مولاه يسامحه اذ كل عبد به حاطت خطيئة ... تعاظمت في مقام العذل محنته ها قد أتاك وقد ساءت بضاعته ... عسى بقربك أن تنفي رعونته وتستحيل إلى الحسنى قبائحه فيصبح السعد بالبشرى مواصله ... قربا وينتج باللقيا مسائله فا احقك فيه أن تعامله ... وما أحثك في حق الجوار له وكيف يوضح معنى منك واضحه إذ أنت في حاله أدري بلا ملق ... يبديه عند غرام فيه أو حرق وليس يخفاك ما يخشاه من فرق ... وانما طالب الحاجات ذو قلق كل على من به تقضي مصالحه أتى فتى فيه من وشك النوى قرح ... لكن بحبك منه الصدر منشرح صب غريب بعيد الدار منجرح ... فاستدن من هو في الأعتاب منطرح غير الأسى ماله خل يطارحه يا كنز جود لقد فاضت كرامته ... للسائلين ولم تسقط غلاقته أن عم شاكر من فتح سماحته ... فالفتح بالباب لا تخفي علاقته لا سيما باب جود أنت فاتحه يا رحمة للورى بالنور قد صرمت ... ليل الضلال بها أهل الهدى سلمت بك ابتدت دورة الأرسال واختتمت ... عليك أزكى صلاة كلما ختمت بالمسك عادت بتسليم فوائحه حاشا، يغلق عن بذل وعن كرم ... أو يمتع المرتجى من سائل عرم فإنني آمن من غلق محترم ... وكيف لا يأمن الأغلاق في حرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 لا يحرم الجود غاديه ورائحه بلطف عرفهما روح الكمال رقى ... يعم من مجدك الاكناف والافقا ولا يزال إلى ناديك متفقاً ... ما امتد للصبح باع الشرق فاعتنقا أو حن نحو لقاء الألف نازحه أو نسمة الوصل للأحباب قد نسمت ... أو بهجة الفجر وجه الليل قد وشمت والآل والصحب ما روض الدجى ابتسمت ... أو أحرف الأمر في أكوانها ارتسمت ثغوره فاستعارتها مصابحه وقوله أيضاً قصر المدح والسنا والثناء ... وانثنى القول عنه وهو عياء عن معالي فرد الصفات وحأوي ... مجمع الفضل من له العلياء أحمد الغيب في الشهادة لا ري ... ب بهذا محمد لامراء قد أفاض الكمال من نوره حي ... ث استفاضت نواله الامناء حيث من نوره بدا العرش والكر ... سي واللوح وأنتشت أشياء وبه الله شق عن ستر غيب ... فبدا العيون منه ضياء واستبان الوجود بعد خفاء ... عدم والوجود ثم هباء ولقد رتبت به رتب العل ... م قديماً وهبت الآلاء منه علمنا ينابع السر والأر ... واح حقاً تفجرت والبهاء فهداه وفضله لجميع ال ... انبيا قبل يظهر الانباء وعلاه عال وما ثم الا ... نور مولى رداؤه الكبرياء فأراد العليم ابراز هذا ... النور من غيبه ليبدو الثناء فتوالت منه الرقائق بالامدا ... د يتلو أيضاً لها الانشاء وتهادت لطائف اللطف فيما ... شاء رب الأرباب كيف يشا حيث كأنت أكوانه بقيام ال ... لا أمر حتى صباحها والمساء ثم دارت أفلاكها وسرت فيها ... نجوم ولاحت الانواء ولقد أعطت الحقائق منها ... حسبما يستعد منها الجلاء لمعاني المولدات من الحيوا ... ن حيث النبات فيه النماء وكذا المعدن الكريم وما في ... كل فرد منها أذى أو دواء كل ذا من ظهور نورك يا من ... سره قد سرت به النعماء حيث قال الرحمن لولاك ما كا ... نت نجوم ولا أظلت سماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ما سمعنا ولا رينا وأنى ... يدرك السمع ذاك والاراء مثل علياك أو فخارك يا من ... في المالي له علا وارتقاء انما الانبياء من قطرات ... قطرت ليس في الحديث امتراء حيث في النور غمست ففاضت ... تلك مما أفاضت الأجزاء كنت نوراً من حفرة الذات بل ... فيك توافت جموعها الأسماء والنبيون كل فرد له مر ... تبة اسم بهاله الالقاء فإذا كنت جامعاً لعلاهم ... كيف ترقى رقيك الأنبياء وقوله يمتدح الوالد يا سيد العلماء والفضلاء يا ... شمس نور الشرع والافتا يا من إذا رام البلغ مديحه ... ألقى يراغ الفهم والأملاء وصريح مدحي فيك من بعض الكنى ... وكنايتي عنه صريح ثنائي وأرى اعترافي بالوفا عن أوجه ... مثل اغترافي بحركم بدلاء أنت العلي مكانة وسقوط تع ... ريف الصفات باسم ذاتك نائي والجوهر الفرد الغني عن وصفه ... أولى لكشف حقيقة الانباء وجميع ما استغلى القريض بمدحكم ... بنوادر الابداع والانشاء أتريد أن تنبي الحجي عن عينه ... والعين حلف مدارك الفصحاء مولاي شهر الصوم هم على السرى ... مستودع الضراء والسراء من بعد ما قامت بساق حقوقه ... سوق الرباح وصفقة الاكداء ولرب غرثان الحشا حلف الكرى ... ما نال منه سوى امتلاء الاحشاء أو قائم يدعو وليس له سوى ... سهر الدجى وتلجلج الاكفاء منح القبول سعادة الابد التي ... تعنو لها الارواح عند بقاء عار على مرشحاً وملمحاً ... لسواك عند ضريعة الحوباء وحمي المرادي كعبة الآمال لل ... فقراء والشعراء والادباء ان لم يجز لي من نداك جوائز ال ... شعرا فاندية إلى لفقراء وانظر بعين الجبر نحو أخي ضنا ... تبدي بها أكسير عين غنائي فالعيد لا زالت عوائد بركم ... فيه أتى بصنائع الكرماء حسبي برود ثنائكم أزهو بها ... ان برها منكم برو دحلاء لا زلت والنجم السعيد وانه ال ... ابجم الذي يسمو على الجوازاء في نعمة الاقبال والاسعاد تح ... ت عناية الرحمن والعلياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ما عاد شهر الصوم بالاعياد في ... منح المراد لشاكر النعماء وله في كاس فيك سلاف ... يروى حديث زلالك قد عمه الحسن لكن ... ختامه مسك خالك وله مضمناً المصراع الأخير أعاذل مهلا لاعدتك النوائب ... أأرغب عمن فيه قلبي راغب أغرك أني ذبت فيك صبابة ... أمانع عنه مهجتي وأجانب ولي كبد تهوي مواقع لحظه ... ندوبا إذا ما البيل اثوى تطالب فكيف أرى يوماً بمن أبصر الهدى ... محياه ان أبدت ضلالي الذوائب نبي جمال جاء في معز اليها ... بفترة جفن للقلوب تحارب تمكن مني حبه فهو مالكي ... بنعمان خد شافعي وهو سالب فدعني من غي الملام وخلني ... فما كل حين تستباح المآرب تخذت هواه دون قومي مذهبي ... وللناس فيما يعشقون مذاهب وله في مليح يصنع الساعات بالروح أفدي غزالاًبالحسن حاز البراعهبريق مبسمه في ال عديب أبدى شعاعهخلا عداراً فأعطىقلبي ضروب الحلاعه فالخد شمس وقوس الجبين زاد ارتفاعهأجاد في صنعة السا مات اجتهاد الصنعهفكم أقول لعليأفوز منك بساعه وله في الورد أرى الوردان مرت به الريح فارساً ... من الشوك قد انضى حدود سيوف وهزقنا أغضانه لاعتراكه ... وستر منه وجهه بكفوفه أنتهى ما أردنا ايراده من نظمه رحمه الله تعالى ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين أحمد الصيدأوي أحمد بن عبد الله الصيدأوي المعروف بالبزري الحنفي الشيخ الفاضل الصالح كان أديباً متكلماً فصيحاً له يد في علم السير مستقيماً على وتيرة الصلاح والتقوى والديانة ولد بصيدا في سنة خمس ومائة وألف وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على مفتيها العلامة الشيخ عبد الغني الآتي ذكره في محله وحصل سيما في علم السير وقرأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 القرآن وختم واحدة من طريق السبع وواحدة من طريق العشرة على الفاضل الأديب الشاعر الوزير عبد الله باشا كوبرلي في مصر القاهرة وقرأ أيضاً على الشيخ أحمد الأسقاطي وعلى الشيخ البقري في القراآت ثم عاد إلى صيدا بعدما ذهب إلى الحج من طريق مصر ومن شعر هذه الأبيات يمدح فيها والي صيدا في سنة احدى وستين ومائة وألف ومنها يخرج ما ينوف على العشرين تاريخاً وهي قوله اهديك بحر أو ماء برقبها وقدراً أتى لقاكااعطاء حي بسر قسم فاعجب بمن جابر روى علاكاآيات مهد بكل مدصواف عقد أصل سناكا بصهر أحمد عالي السجايا ... رفقاً بمولا يحدو حماكا ولم يزل مستقيماً على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته بصيدا في سنة خمس وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. السيد أحمد الفلاقنسي السيد أحمد ابن السيد محمد ابن السيد محمود الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد الأديب المنشئ السيد الشريف أحد حسنات الزمان كان أديباً شاعراً كاتباً بارعاً عارفاً ولد بدمشق وبها نشأ وتذيل وتفوق وتملك أحرار المعاني ونظم ونثر وولي من الكتابات كتابة في وقف الحرمين وصار محاسبه جي بالخزينة العامرة الدمشقية ولما قتل أخوه أهين وحبس وأخذ منه مبلغ من الدراهم فبعدها لم يكن كأوله حتى باع كتبه الذي احتوى عليها وتملكها وكأنت من نفائس الكتب وأغلب متعلقاته وهي وكتب ابن عمه السيد عاصم الآن أغلبهما موجود في خزانة كتب أسعد باشا الكائنة داخل مدرسة والده في سوق الخياطين وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه عند ذكر أخيه أخو المجد وصنوه ونزهة روضه وقنوه في بحبوحة تلك السيادة بسق وفي سلك محامدها اتسق وناهيك بمن ربى بين ذراعي وجهة الأسد واقتبس من مشكاة ذلك الرأي السديد والفكر الأسد واقتطف ما طاب جناه ولم يعتد بما أولى الزمان وما جناه فاعتلق الأدب بردنه واحتفل به من بين تربه وخدته وبرع به ومهر وافترع بكره ومهر ودأنت له قوافيه وخفقت بنباهته بواديه وخوافيه إلى انشاء تزينت به جبهة القراطيس يجذب لانفوس لتلقيه ولا جذب المغناطيس مع اعتناء بما يفضي به مرامه ويغضي إلى ما يبرد به غليله وغرامه وبراعة طليقة البنان تغني عن نشوة بنت الدنان فكم دارت ما بيننا أكوابها فنفخت عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 جنان المحأورة أبوابها ونادى أخيه مشرق تنتحيه الكرام من المغرب والمشرق وهو مستظل بأفيائه ومستقل بالكمال ومشتغل باحياء أحيائه يكتسب ولا يقتصر ولم يلو على ما لا يعني ولا ينتصر على انه سمح اللسان وفي الشعر وافر الاحسان فمما حباني من طرفه الغرر فبعث فيه الفكر من دون غرر أنتهى مقاله ومن شعره هذه القصيدة مدح بها أخاه وهي قوله لا تلمني إذا خلعت العذارا ... فالتصأبي كم أستخف الوقارا ليس للمرء حيلة في قضاء ... والهوى كم تلك الأحرارا اقصر اللوم عاذلي ففؤادي ... كلما لمتني يزيد استعارا قدك لا تشغل المعنى بعذل ... شغل الحلي أهله أن يعارا أمن العدل لوم من سلب الأش ... واق منه الصواب والاختيارا كنت أعصي الهوى قد جذبتني ... يده انقدت طائعاً مختارا حمل القلب مثقلات غرام ... ويح قلبي كم ذا يطيق اصطبارا فتهارى ما بين شوق ملح ... وعناء مقسم أطوارا والدجى منقض بكاء وسهداً ... وزفيراً وانه وافتكارا ودموعي تشب نار غرامي ... وعجيب ماء يؤجج نارا لائمي لو سقيت كأس غرامي ... لم تفق منه صبوة وخمارا علم البين ويحه سهر اللي ... ل جفوني وقلبي الانفطارا وحمام الاراك اضمر جمراً ... في فؤادي وجدد الادكارا ما صفت لي موارد الأنس الا ... أعقب الدهر صفوها أكدارا وبعاد الحبيب انحل جسمي ... وجفاني الرقاد حتى غرارا هان عندي بعد النوى كل صعب ... قمت فيه مخالف الأخطارا الفتنى حوادث الدهر حتى ... تركتني لكل خطب مدارا وفؤادي إذا به جر وجدى ... فجرى الدمع عندما مدرارا أنا لو لم أعلل النفس طورا ... بالتداني وبالأماني مرارا وبظن محقق في همام ... تخذ الحلم والعفاف دثارا كنت أقضى أسى بفرط التياع ... يسلب اللب والفؤاد اضطرارا خير ركن للحادثات معد ... ومقيل لكل كاب عثارا كنت أشكو الزمان من قبل حتى ... رده شاكياً إليه اقتدارا لا يبالي لاج إليه بحال ... أحسن الدهر أم أساء فجارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 هو حصن لكل راج منيع ... بأسه يلبس الليوث صغارا ان تسالمه سالمتك صروف ال ... دهر أولاً فقد منعت القرارا أو تيمم حماه تلقي الاماني ... سافرات وتمس للنجم جارا لأن صعب الزمان منه بعزم ... وببأس قد طبق الأقطارا فكأن القضاء طوع يديه ... كيفما شاء صرف الأقدارا جاد حتى لم يبق طالب رفد ... يشتكي في زمانه الاقتارا حاز غايات كل مجد وفضل ... وعلاء بهمة لن تجارى فإذا ما البليغ جاء بمدح ... كان من بعض وصفه مستعارا بل سما قدره المديح فكاد ال ... مدح فيه بأن يكون احتقارا ليس من حاز بالمناقب فخراً ... مثل من أكسب المعالي افتخارا وله من قصيدة ولقد بليت من الزمان بعصبة ... ألفوا الخنا وفعال ما لا يجمل من كل من نبذ الحفاظ خيانة ... وغدا يؤنب بالمقال ويعذل يرضيك ظاهره وبين ضلوعه ... حقد يئز كما يئز المرجل عشق الضلال طباعه فاباده ... وبسجن عاشقه يموت البلبل يا جانياً ألف المضر بنفسه ... حتى متى تجني علي وتهمل تبدي الوداد وأنت وغد كاشح ... وتظن يخفي ما تسر ويجهل أني غررت بسوء فعلك برهة ... وطفقت أهجر من عليه أعول والآن ألبسني التجارب بردة ... وأنجاب عن عيني ذاك الغيطل قل ما بدا لك يا ابن كل رذيلة ... فلسوف تدري من أصيب المقتل لا تعجلن بما تفوه بذكره ... فلقد يخاف الندلة المستعجل لو كنت تدري ما تقول سفاهة ... لعلمت أنك في مقالك تجهل لا تخد عنك في لسان نبوة ... ينبو المهند وهو ماض صيقل منها ان ابد يوماً للعذول تسامحاً ... فليدر أن عقيب أربي حنظل ان السحاب وان يحمل جهده ... فإذا تصاكك فالصواعق تنزل والكلب يترك خاسئاً في ذلة ... فإذا تحرش بالأذية يقتل ومنها لا تنكري نسجي القريض وتزعمي ... أني بما قد حكت فيه أهزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 اني وان كنت الأخير زمانه ... آت بما لا يستطيع الأول لكنني أبداً أصون فرائدي ... وأرى الهجاء بكل ندل يرذل والصمت أسلم والذي حأولته ... يجدي وبالنطق البلاء موكل وله على طريقة المشجر سلب الفؤاد بقدهوغدا يتيه بصدهلم ينثني قول العذو ل بعذله عن وردهيرنو إلي بلحظهفأذوب خشية رده من منصفي من جور أحور لا يفي في وعدهاني أخاف عليه من مر النسيم ببردهنيل الأماني أن أفوز بحل عقدة بندة وله أيضاً وليلة قد بات طرفي بها ... يرعى الدر أرى مالها من نفاد كأنما الفجر توفي وقد ... تسربل الليل ثياب الحداد هو مأخوذ من قول الوأوآء الدمشقي ولرب ليل طال حين سهرته ... والزهر فيه كأعين الحساد فان بما عمر الدجى لما انقضى ... لبست عليه الشمس ثوب حداد وللمترجم مؤرخاً خنان تجل الوزير سليمان باشا ابن العظم والي دمشق وأمير الحاج بقوله أبت المفاخر والمحامد أن تقيل بغير ظلك وزهت دمشق على البلاد وأهلها فخراً بعدلك هيهات أن تحظى الممالك دهرها يوماً بمثلك وليوث غابات المكارم قادهن زمام فضلك وبلوغ غايات المنى أرختها بختلن نجلك لا زال في برد السيادة والسعادة بين أهلك ببقاء دولتك العلية ناهلاً من فيض سجلك خضعت لك الأعناق من كل الورى بالرق فأملك وله أيضاً لما ألم به الرحيل تصاعدت ... زفراتنا بتنفس الصعداء فعقدت سحباً من دخان تأوهي ... ونضت بروق من لهيب حشاء وطمت فجاج الأرض من برد البكا ... كيما أمتع ساعة بلقاء وله أيضاً رقت فذقت عن الابصار اذ جليت ... في كأسها وبدا في وجهها الخبب كأنما الكاس قد حوى شفقاً ... وقد تراءت لنا من دونه الشهب وله مضمناً المصراع الأول من البيت الأخير وعنفني قومي بحب معذر ... فما زادني التعنيف الاتوددا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 يقولون هل بعد العذار تهتك ... فأمسك رعاك الله عن حبه يدا فقلت معاذ الله اسلو وقد غدا ... فؤادي باشراك العذار مقيدا وكيف أرى الامساك والخيطا سود ... أقبل انبلاج الصبح يمكنني الهدى وأصله قول بعضهم يلومونني في حب ذي عارض بدا ... ومثلي في حب له لا يفتد يقولون أمسك عنه قد ذهب الصبا ... وكيف أرى الأمساك والحيط الأسود وكأنت وفاته بدمشق في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم بالشيخ أرسلان رضي الله عنه وسيأتي ذكر ابن عمه عاصم وأخيه فتح الله ان شاء الله تعالى والفلاقنسي نسبة لفلاقنس قرية من نواحي بلدة حمص قدم منها لدمشق جد المترجم السيد محمود واستقام في محلة القيمرية ينسج الالاجة واشتهرت صنعته والله أعلم. أحمد الحلوي أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن زين الدين الشهير بالحلوي السيد الشريف القادري الحموي الأصل الحلبي المولد والمنشأ الحنفي أبو الفتوح نجيب الدين الشيخ العالم الأديب القدوة المتفوق الأريب البارع ولد بحلب يوم عاشورا سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشابها في حجر أبيه وقرأ العلوم والفنون على الشيخ عبد اللطيف المكتبي الحلبي والشيخ عبد الغني والشيخ حسن بن ملك الحموي والوجيه عبد الرحمن بن مصطفى البكغالوني والامام الشيخ حسن السرميني والشمس محمد بن أحمد المكتبي وأبي الثناء محمود البرستاني والشيخ عبد الوهاب بن مصطفى العداس والامام محمد بن الحسين الزمار وعبد الله البهرمي والحسن الكردي والشمس محمد الرشواني والشيخ عبد السلام الحريري وشعيب بن إسماعيل الكياني والشيخ محمود بن محمد الانطاكي والشيخ نعمة الله الفتال والشيخ عبد الهادي المصري والشيخ محمد بن كمال الدين الكبيسي والشيخ حسن بن عبد الله البخشي وعثمان بن عبد الرحمن العقيلي وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الدمشقي وعلي بن إبراهيم العطار وأبي اليمن محمد بن طه العقاد وأبي الفتوح خليل المصري سبط الشعراني وقاسم النجار وقاسم البكرجي وأبي الفتوح علي بن مصطفى الميقاتي وطه بن مهني الجبريني وأبي المواهب محمد بن صالح المواهبي وعبد الكريم بن أحمد الشراباتي وغيرهم من الواردين إلى حلب كالشمس محمد بن أحمد عقيله المكي ومحمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة ونجم الدين عمر بن نور الله الرملي الحنفي ورحل إلى القسطنطينية ودخل دمشق أربع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 مرات أخرها سنة تسع وثمانين ومائة وألف وأخذ بها عن محمد بن عبد الجليل المواهبي وصالح بن إبراهيم الجنيني والعماد إسماعيل العجلوني ومصطفى ابن الشهاب أحمد الغزي العامري وأجاز له من القاهرة الشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي والنجم محمد بن سالم الحفني وغيرهم وألف المؤلفات النافعة فمنها مطالب السعادات في الصلاة والسلام على سيد السادات مشتمل على ثلاثة مطالب في كل مطلب ثلاثة فصول وتعليقه على كنوز الحقائق كتب منها إلى حرف الحاء والتوضيح والتبيان في أحكام سجدات التلأوة وتعظيم القرآن وسعادة الدارين في بر الوالدين والفوائد البهية في مولد خير البرية والمعاطر الأنسية في الفضائل القدسية والعقد الفريد في تهاني خلاقة السعيد والدر المنظم في أسلاك الذهب في التهاني بسليمانية الرتب والموارد الروية في حديث الرحمة المسلسل بالأولية ومنظومة في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومنظومة في الخصال الموجبة للظلال ومنظومة في التوسل بأهل بدر ورسالة في الشفاعة العظمى ومنظومة في رفع الأيدي نظم فيها ما ذكره الفقهاء وديوان خطب وديوان شعر ومنظومة في أشكال الرمل ورسالة في الانغام والابراج والطبقات والاصول ورسالة في استعمال الاعضاء للشكر واستغراق الحواس للذكر ورسالة فيمن يؤتي أجره مرتين ورسالة في السماع المجرد بالآلات وغير ذلك من مجاميع وفوائد والشعر والترسلات وغيرها ولازم الاذكار في حلب واقامة التوحيد وصار شيخ طريقة القادرية بها واشتهر أمره بين أهلها واجتمعت به في دمشق لما دخلها المرة الرابعة مع نقيب أشراف حلب أبي المعالي محمد بن أحمد بن طه الحلبي توفي في حلب الشهباء في ليلة الخامس والعشرين من جمادي الثانية سنة خمس وتسعين ومائة وألف والحلوي بفتح الحاء واللام نسبة إلى المدرسة الحلوية المعروف بحلب وكل من أقام الذكر نسب اليها ومنهم المترجم أحمد بن سويدان أحمد بن محمد بن سويدان الدمشقي الحنفي الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن الفقيه كان يسكن ميدان الحصا وولد به وطلب العلم وأخذ عن المتصدرين بدمشق من العلماء كالعماد إسماعيل بن عبد الغني النابلسي وهو والد الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي المشهور وعن الشيخ محمد بن تاج الدين المحاسني خطيب دمشق والمحدث عبد العزيز الزمزمي الشافعي مفتي الحرم الشريف المكي والحافظ النجم محمد الغزي العامري والشيخ عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والمحدث محمد بن سليمان المغربي نزيل دمشق وغيرهم من الايمة وأخذ عنه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكأنت وفاته بدمشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أحمد المقدسي أحمد بن محمد بن طه المقدسي الأصل والشهرة الدمشقي الصالحي الشافعي الشيخ الفقيه العالم العامل الصالح الناسك العابد المتفوق البارع أبو العباس شهاب الدين ولد سنة عشر ومائة وألف وأخذ بدمشق عن أفاضلها كالشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري والملا الياس بن إبراهيم الكوراني والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره ولازمه الملازمة الكلية ليلاً ونهاراً وكان جل أنتفاعه به وصارت له الملكة التامة في علوم الحقائق ببركة عود أنفاس الاستاذ المزبور عليه ودرس بصالحية دمشق في الجامع الجديد وترددت إليه الطلبة وأنتفعوا به وله مع الاستاذ المزبور وقانع مشهورة تدل على محبته له وكأنت وفاته بدمشق سنة ثمانين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى. أحمدالزهيري أحمد بن محمد أمين ابن محمد الدمشقي الحنفي الشهير بابن الزهيري سبط بني الموقع أحد الكتاب بمحكمة الباب الشيخ البارع الهمام الكاتب ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن علمائها كالاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره وتزوج بابنة ابنه الشيخ إسماعيل وعرض له قبل موته مرض طويل وكأنت وفاته يوم الاربعاء خامس عشري شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وبنو الزهيري طائفة بدمشق كانوا يتولون كتابة الصكوك بمحاكمها آخرهم المترجم. أحمد الأدهمي أحمد بن صالح بن منصور المعروف بالأدهمي الحنفي الطرابلسي العالم الفهامة الفاضل المتقن الأديب المحقق الجهبذ اللوذعي كان مهذب الأخلاق حلو الشمائل ماجد الأعراق أورق في دمياط عوده النضير اذ للبقاع في الطباع تأثير واشتغل بالعلوم وملك أزمة منطوقها والمفهوم ثم تولى الافتاء بها وبعدها تولى نقابة الاشراف بمصر المحروسة مع ما يليها من الاطراف والبلاد ولم يمكث بها الا قليلاً وأدخل عليه الرحيل فأذاقه الحمام وكان في الانشا له سرعة وفكاهة ونباهة كلية ورأيت من آثاره شرحاً على قصيدة الشيخ أحمد المقري المغربي علامة دهره التي مطلعها سبحان من قسم الحظو ... ظ فلا عتاب ولا ملامه أعمى وأعشى ثم ذو ... بصر وزرقاء اليمامه وقد سماه بالكواكب السنية شرح القصيدة المقرية وهو تأليف حسن مفيد يدل على فضله الغزير وقوة اطلاعه وجزالة تقريره والتحبير والتحرير وأودعه فوائد كثيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ونقولات مستحسنة وأشياء غريبة وقد اصطفاه من أكثر من عشرين كتاباً وكأنت وفاته في سنة تسع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى وكان مولده سنة تسع عشرة ومائة وألف. أحمد السجان أحمد بن علي الشهير بابن السجان الحنبلي البعلي مفتي الحنابلة ببعلبك الشيخ العالم الفقيه الفرضي النحوي الكامل الصالح العالم العلامة الواصل الامام المقري الناسك الناجح الدين الامام قدم دمشق وقطن بها مجأوراً في المدرسة العمرية بصالحية دمشق وقرأ على العلامة الشيخ محمد بن بلبان الصالحي العربية والفرائض والحساب وتفوق بالفقه ومما وقع له بدمشق أن ولده الشيخ محمد تشاجر مع رجل ميازري شريف من أهالي دمشق وتشاتما ثم بعد ذلك وفق بينهما بعض الناس وأصلح بينهما عند نائب الحكم في محكمة الصالحية وهو الفاضل بالشيخ عبد الوهاب العكري وكتب بذلك حجة فبعد مضي أيام خرج ذلك الميازري بالاعلام والمزاهر إلى طرابلس الشام مشتكياً على ولد صاحب الترجمة الشيخ محمد المذكور إلى كافلها الوزير أرسلان باشا اللاذقي المعروف بابن المطرجي فحين وصوله إليه أمر بمباشر من طرفه يطلب سبعمائة قرشمن الشيخ محمد المذكور فلما وصل إليه المباشر ختم دارهم ووالده خرج هارباً إلى جبة عسال ثم أغلظ المباشر على أهله بالتشديد من النساء والرجال وحصلوا المبلغ منهم بعد رهن أسباب وبيع ما أمكن بيعه من الأماكن ثم جاء الشيخ أحمد المترجم إلى دمشق وأخبر بذلك من له التكلم بها فأنتصر له جماعة منهم جدي الكبير قطب العارفين الشيخ مراد الأزبكي نزيل دمشق والمولي الهمام أسعد ابن أحمد الصديقي والقاضي بها وأرسلوا إلى الوزير المذكور كتباً يترجون منه رجوع الجريمة إلى الشيخ أحمد المترجم وذهب إلى عنده هو بنفسه صحبته متولي الجو إلى أحد أعيان جند دمشق صادق أغا ابن الناشف ثم اعطاء أرسلان باشا الجريمة وأكرمه غاية الأكرام وكأنت وفاته في يوم الخميس آخر جمادي الثاني سنة أربع عشرة ومائة وألف ودفن ببعلبك عند الشيخ العارف الولي عبد الله اليوناني الحنبلي رضي الله عنه. أحمد الشراباتي الحلبي أحمد بن عبد الله بن علوان الحلبي الشافعي الشهير بالشراباتي الشيخ الفاضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 العالم العامل المحدث الفقيه الورع الصالح المفنن أبو العباس شهاب الدين ولد بحلب سنة أربع وخمسين وألف ونشأ بها ورحل إلى القاهرة لطلب العلم وأخذ عن جماعة من الأئمة المسندين كأبي العزائم سلطان المزاحي والنور على الشبراملسي والشمس محمد بن علاء الدين البابلي وعنهم أخذ الفقه واصوله وعبد الباقي الزرقاني ثم رجع إلى دمشق وأخذ بها عن الشمس محمد بن علي الكاملي وعن السيد محمد بن كمال الدين ابن حمزة نقيب الاشراف بدمشق والعلامة عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والشيخ محمد البطنيني والقطب أيوب بن أحمد الحلوتي وأخذ أيضاً عن جماعة غيرهم كأبي الوقت إبراهيم بن حسن الكوراني نزيل المدينة المنورة والشهاب أحمد بن محمد الادريسي المغربي نزيلها أيضاً ومحمد بن سليمان المغربي وعبد العزيز الزمزمي وأبي الروح عيسى بن محمد الثعالبي المكي وأحمد بن محمد الحموي المصري وأبي الوفا العرضي الحلبي الشافعي وموسى الرام حمداني البصير الحلبي الشاعر والشيخ خير الدين بن أحمد الرملي الحنفي وعن غيرهم وبرع في سائر العلوم وفاق في معرفة المنطوق والمفهوم ودرس بجامع حلب وأنتفع به الناس ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفاه الله تعالى سنة ست وثلاثين ومائة وألف ودفن خارج باب المقام ولم أقف له على شيء من الشعر وستأتي ترجمة ولده الشيخ عبد الكريم رحمه الله تعالى. أحمد النخلي أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الشهير بالنخلي الصوفي النقشبندي المكي الشافعي الامام العالم العلامة المحدث الفقيه الحبر الفهامة المحقق المدقق التحرير أبو محمد شهاب الدين ترجمة تلميذه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري في ثبته المسمى لطائف المنه فقال ولد سنة أربع وأربعين وألف بمكة المشرفة ونشأ بها وثقلت من ثبته الجامع لمشائخه ومروياته أن أول شيخ قرأ عليه بمكة سنة خمس وخمسين وألف الشيخ العالم العامل عبد الله بن سعيد باقشير المكي الشافعي ثم قرأ على السيد عبد الرحمن بن السيد أحمد الحسني المغربي المكناسي المالكي الشهير بالمحجوب ثم على السيد محمد الرديني اليمني الشافعي ثم على شيخ الاسلام الشمس محمد بن علاء الدين البابلي وسمع عليه صحيح البخاري الافوتا يسيراً فبالاجازة وغالب صحيح مسلم وغالب سنن الترمذي وسنن أبي دأود وجميع السنن الصغرى للنسائي وجميع سنن ابن ماجة والموطا وأطرافاً من الجامعين الكبير والصغير للسيوطي ونوادر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الاصول للحكيم الترمذي والمصأبيح للبغوي وأجازه بخطه اجازة حافلة ومن مشائخه أيضاً الشيخ منصور الطوخي والشهاب أحمد البشبيشي والشيخ يحيى الشأوي وأبو الروح عيسى بن محمد الثعالبي وأبو الوقت إبراهيم بن حسن الكوراني والعلامة محمد ابن علان الصديقي والنور علي بن الجمال والشيخ عبد العزيز الزمزمي وغيرهم وبرع في العلوم ولازم التدريس والافادة بالمسجد الحرام وأنتفع به في افادة العلوم الشرعية وغيرها وكان بشوشاً متواضعاً وافر الحرمة منور الوجه لا يشك الناظر إليه في ولايته وأخذ طريق السادة النقشبندية عن السيد مير كلال بن محمود البلخي وأخذ عنه خلق لا يحصون كثرة وأنتفعوا به وألف ثبتاً جامعاً لاسماء شيوخه وكأنت وفاته بمكة المشرفة في أوائل سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بالمعلى رحمه الله. أحمد الغزي أحمد بن محمد بن زين الدين بن زين العابدين بن زكريا بن البدر محمد الغزي الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح المجذوب المستغرق المكاشف أبو الرضى نور الدين ولد بدمشق سنة احدى وستين ومائة وألف ونشأ بها وتلا القرآن العظيم على الشيخ المقري محمد بن عبد الرحمن المكتبي وقرأ في الفقه ومقدمات العلوم على والده وعلى الشيخ عبد الخالق الزيادي وكأنت وفاته ثاني محرم سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بالباب الصغير. أحمد الراشدي أحمد بن محمد بن شاهين الشافعي القاهري الشهير بالراشدي الشيخ لامام الورع المحقق المدقق الفقيه المحدث الضابط أبو العباس شهاب الدين تفقه على الشيخ مصطفى العزيزي ومحمد العشمأوي وأخذ الحساب والهندسة عن الشمس محمد الغمري وسمع الحديث على كل من عيد بن علي النمرسي وعبد الوهاب بن أحمد الطنتدائي والشمس محمد الورازي برواية النمرسي والطنتدائي عن عبد الله بن سالم البصري نزيل مكة والشمس محمد الزرقاني وتصدر صاحب الترجمة في جامع الأزهر وأخذ عنه خلق كثيرون وله مؤلفات نافعة وتقريرات رائعة وأخذ عنه ثعيلب بن سالم الغشني وغيره وكأنت وفاته سنة ثمان وثمانين ومائة وألف عن ثمانين سنة تقريباً وصلى عليه بالجامع الأزهر بجمع حافر بالناس وازدحم الناس على حمل نعشه وكثر البكاء عليه ودفن بتربة المجأور بن رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. السيد أحمد الصمادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 السيد أحمد ابن السيد محمد بن السيد عبد الرزاق بن السيد إبراهيم بن أحمد بن دأود بن محمد المعروف كأسلافه بالصمادي الحنفي شيخ سجادة الصمادية بدمشق وأحد رجال الدهر المشهورين كان شيخاً عاقلاً عارفاً بالأمور له خبرة واطلاع حسن العشرة لطيف المذاكرة والمحأورة ممن أنجبهم الزمان ولد بدمشق تقريباً سنة سبع ومائة وألف ونشأ بها وكان جده يعرف بابن الواعظ لأن والده الشيخ إبراهيم كان واعظاً فقيهاً عالماً ناصحاً وكان امام المقصورة بالجامع الأموي على مذهب الشافعي وكأنت وفاته سنة أربع وخمسين وألف وترجمه الأمين المحبي في ترجمة قريبه إبراهيم بن مسلم الصمادي وكان ولده الشيخ عبد الرزاق نزهة النفوس مجاناً ضحاكاً بشوشاً وجمع من ذلك مالاً كثيراً وغدا في دمشق معلوماً شهيراً تستأنس به في المجالس أهلها وكان له أخ اسمه دأود حسن الخلق ويجخ للاكتساب وكان عبد الرزاق من ملازمي كبير جند دمشق الشام محمد أغا بن سليمان الترجمان واخصائه ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة اثني عشر ومائة وألف وترك ولدين محمد وعلي فكان علي صاحب خلاعة ومجون ونشأ هو وعلي أغا بن محمد أغا المذكور من حين الصبا على الوفا والصفا وارتحل للديار الرومية ومات بها وكان محمد يلقب بعزرائيل وهو والد السيد المترجم ونشأ ولده هذا في بلهنية لم يمرح في ميدان السرور بين اخوانه واخلائه مع طلاقة تكلم ومحأورة وايراد نكب ومجون ونوادر تستعذب حركاته وتطرب الاخوان حين يبدي نوادره ومضحكاته وكان اعجوبة الدهر لما جبل عليه وأسلافه كلهم مشائخ مشهورون بالتقديم والتبجيل في المحافل لهم بين ابناء الطريق الرتبة المعلومة ثم ان المترجم استظل برواق المولى خليل بن أسعد الصديقي قاضي دار السلطنة العلية لما كان بدمشق واختص به وكان من معدودي أتباعه وأودائه واستقام على سجدة المشيخة شريكاً لقريبه وعالج الدهر وعالجه وخالط الاكابر والاعيان وحصل له الرفعة والشأن حتى دخل سلك المدرسين مع بقاء المشيخة ولم يزل يترقى رتبة عن رتبة حتى قبل وفاته في زمن شيخ الاسلام المولى محمد أمين صالح زاده صارت له رتبة السليمانية وتولى وظائف وتداريس وتوالى كثيرة وعثامنة وارتحل للديار لروية إلى اسلام ولي مراراً عديدة وتردد إلى صدور علمائها وأجلاء رؤسائها وكان له ولولده وجده في وقف السلطان إبراهيم بن أدهم قدس سره الكائن جهاته في قصبة جبله بالقرب من طرابلس الشام معلوم معين من ربع ذلك يتنأولونه من المولين على ذلك وكان المترجم كلما عاد لاسلامبول يزايده ويرقيه ويعالج على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أخذ جميع التولية والسبب في ذلك أنتسابهم إلى السلطان المومى إليه فاز المترجم ولده محمد بن عبد الرازق بن زليخا ابنة محمد بن محمد بن أحمد المرزناتي الصالحي الحنبلي ترجم الامين المحبي أخاها عبد الحق بن محمد بن محمد المذكور ووصفه بأنه كان من مشاهير صوفية الشام مع أدب ومعارف ثم قال ونسبة إلى سلطان الأولياء إبراهيم بن أدهم مستفيضة مشهورة وقد وقفت على كتابات لعلماء دمشق على هذه النسبة كثيرة وكأنت وفاة عبد الحق في جمادي الأولى سنة سبعين وألف أنتهى أقول وقد رأيت النسبة المذكورة عند المترجم ورأيت كتابات لصدور علماء الروم ودمشق وغير ذلك ولم يزل المترجم قائماً بخصوص ذلك بالباع والذراع إلى أن غنى له الدهر وسالمه من الخطوب وأقبل عليه بالأماني والتهاني وكان ذلك في زمن الوزير الصدر محمد راغب باشا فبواسطته ومساعدته له أبداها للسلطان مصطفى خان رحمه الله تعالى ووصلت لحضرته السامية وساعده المذكور في أن تكون على الذرية المرقومة احساناً على طريقة المشروطة بالتوجيه العثماني فكتب على النسبة السلطان المذكور بخطه ووجه التولية للأولاد والذرية احساناً وصدقة وعنونها بخطه الشريف وعمل براءة على موجب ذلك صاحب الترجمة وقدم من الديار الرومية وذهب إلى قصبة جبلة وضبطها وصارت له معيشة ولم يزل متوليها إلى أن مات وكان قديماً جده الشيخ محمد تولى التولية المذكورة في سنة سبع عشرة ومائة وألف ووكل بها حاكم حماه محمد باشا المعروف بابن الارنأود في زمن الوزير عبد الفتاح باشا الموصلي والي طرابلس حصل له حقارة وأراد المذكوران يوقع فيه بطشاً وأخذ منه مبلغاً من الدراهم على طريقة الجريمة والظلم بالجملة فإن المترجم نال منالاً من الثروة والسعة واتساع الدائرة ما ناله أحد من أسلافه وكان في اثناء ذلك يتردد لدمشق أحياناً وفي سنة وفاته عزم على القدوم لدمشق فلما وصل إلى منزلة قرية القطيفة نأوله ساقي الحمام كأس منونه وفقد أنيسه مع خدينه وكأنت وفاته في الساعة العاشرة من ليلة الخميس سادس عشر محرم الحرام افتتاح سنة خمس وتسعين ومائة وألف وحمل منها إلى دمشق ودفن يوم الخميس المذكور في تربة باب الصغير عند أسلافه خارج باب جراح بعد صلاة العصر وقد جأوز التسعين عمره من السنين والصمادي نسبة إلى صماد بضم الصاد قرية من قرى حوران بها أجداده وبنو الصمادي طائفة كثيرون كلهم مشائخ معتقدون وثبت نسبهم من جهة الآباء وسيادتهم في سنة خمس وثمانين وتسعمائة وذكروا انها كأنت عند بني عمهم في نابلس ولم يطلعوا عليها ووضعوا العلامة الخضراء على رؤسهم وبالجملة فهم أهل سيادة وطريق وسيأتي ذكر قريب المترجم عبد القادر وقريبه الآخر مصطفى كل في محله ان شاء الله تعالى. تساع الدائرة ما ناله أحد من أسلافه وكان في اثناء ذلك يتردد لدمشق أحياناً وفي سنة وفاته عزم على القدوم لدمشق فلما وصل إلى منزلة قرية القطيفة نأوله ساقي الحمام كأس منونه وفقد أنيسه مع خدينه وكأنت وفاته في الساعة العاشرة من ليلة الخميس سادس عشر محرم الحرام افتتاح سنة خمس وتسعين ومائة وألف وحمل منها إلى دمشق ودفن يوم الخميس المذكور في تربة باب الصغير عند أسلافه خارج باب جراح بعد صلاة العصر وقد جأوز التسعين عمره من السنين والصمادي نسبة إلى صماد بضم الصاد قرية من قرى حوران بها أجداده وبنو الصمادي طائفة كثيرون كلهم مشائخ معتقدون وثبت نسبهم من جهة الآباء وسيادتهم في سنة خمس وثمانين وتسعمائة وذكروا انها كأنت عند بني عمهم في نابلس ولم يطلعوا عليها ووضعوا العلامة الخضراء على رؤسهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وبالجملة فهم أهل سيادة وطريق وسيأتي ذكر قريب المترجم عبد القادر وقريبه الآخر مصطفى كل في محله ان شاء الله تعالى. أحمد الموقت أحمد بن محمد بن يحيى الشهير بالموقت القدسي المولد الغزي الأصل المالكي ثم الحنفي العلامة المحدث كان له التضلع من العلوم سيما في علم الميقات وفضله مشهور رحمه الله تعالى أنتقل بعض جدوده من غزة هاشم العذبة المورد وهو من ذرية أبي العزم أحد أولياء المغاربة المشاهير وكان بيت المترجم بيت الميقات عن أبيه عن أجداده الثقات في جامع الأقصى فجد وشمر ذيله للطلب بالاجتهاد والاستعداد وبذل أوقات عنفوان شبابه في التحصيل وهجر المضاجع وأسهر الجفون لاقتناص الذخائر وكان له ذكاء مفرط وهمة شامخة وقرأ العلوم ببلدة القدس ولم يذق كربة الغربة أو أن تحصيله للعلوم وأخذ عن الشيخ عامر وعن الشيخ محمد الخليلي ولما انفك يستفيد الغرر ويستزيد حتى جلس على منصة التصدر للأفادة وأجازوه شيوخه فبث العلوم بالأقصى وصار منهلاً للصادر والوارد بعد ما تضلع من أعذب الموارد ونشر العلوم والنتائج وأنتهت له حقائق العلوم العقلية وألقت إليه مقاليدها العلوم النقلية وكان يتعاطى المتاجر الدنيوية بحيث لا تمد عينه إلى أهل التمتعات بكرم الغرباء لا سيما أهل العلم ويمنحهم البشاشة وتولي افتاء الحنفية بالقدس مرتين مدة يسيرة وما طابت له فكأنت عليه عسيرة وكأنت عليه المدرسة الافضلية وجمع بين امامة الصخرة وامامة المالكية وكأنت له الثروة العظيمة ثم آخر عمره لازم العبودية في الدياجر سيما وقت السحر فكأنت يحييه في مغارة الصخرة المشرفة لا يفتر عن ذلك مع الاشتغال بالمطالعة والمراجعة إلى أن توفي وكأنت وفاته في يوم الجمعة عاشر جمادي الأولى سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بمقبرة ما من الله وسيأتي ذكر ولده في محله وولده أحمد كان من أعيان القدس ورؤسائها وتوفي سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. أحمد الكواكبي أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي الحلبي الحنفي مفتي الحنفية بها العلامة الصدر والعلم العالم الأديب الماهر الفرد الوحيد ناشر ألوية الفضل وحامل لوائه والوارث المجد عن آبائه كان من أعيان العلماء محققاً فضيلته شهيرة دائماً مشغولاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 بالمطالعة والعبادة صارفاً عمره بالاشتغالات في العبارات العلمية عابداً فالحاً ولد بحلب في سنة أربع وخمسين وألف ونشأ بها وأخذ العلم عن علمائها الفحول والواردين اليها وقرأ التفسير على والده المحقق المولي الكواكبي والفقه على الشيخ زين الدين أمين الفتوي وأخذ المعقولات عن الفاضل السيد أبي بكر المعروف بنقيب زاده والحديث عن الشيخ أبي الوفا العرضي والآلات عن الشيخ عثمان الشعيفي وأخذ كثيراً من الفنون على كثير من العلماء منهم الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني ثم المدني وبرع وفاق وفهد بفضائله الآفاق وألف وأفاد وصنف وأجاد وكتب على مواضع كثيرة في التفسير ودون حاشية على جزء البنا وحاشية على منظومة والده التي في الفروع المسماة بالفرائد السنية وشرحها الفوائد السمية وحاشية على منظومة والده في الاصول المسماة منظومة الكواكب وشرحها ارشاد الطالب وله تحريرات على المطول والتلويح وغير ذلك لكنه لم يخرج أكثرها من المسودات ولازم المولى شيخ الاسلام علامة الافاق يحيى بن عمر المنقاري ودخل طريق المدرسين والموالي في دار الملك قسطنطينية المحمية وعزل عن مدرسة بأربعين عثماني ففي سنة ست وتسعين وألف توفي والده الشهير العلامة فأعطى مكانه فتوى حلب بلدته مع مدرسة الخسروية باعتبار رتبة السليمانية ففي سنة ست ومائة وألف في ذي الحجة أعطى رتبة قضاء القدس الشريف ثم في سنة عشرين ومائة وألف في شعبانها أعطى قضاء ازنيق على طريق الاربلق في سنة احدى وعشرين ومائة في جمادي الأولى أعطى قضاء طرابلس الشام وبعد عزله توجه إلى القسطنطينية وجرى له مع علمائها مباحث ومذاكرات نفيسة في أنواع العلوم وله في أهلها القصائد اللطيفة والمدائح البديعة الا أنها لم تدون ولما كان قاضياً بطرابلس الشام أنشد فيه ممتدحاً العالم الشيخ محمد التدمري الطرابلسي قوله على فترة قاض أتانا كيوشع ... فردت شموس الفضل بعد الغياهب فقل للمدعي أن رام يبلغ شأوه ... محال ومن يبلغ بلوغ الكواكب وقد ترجم المترجم خاتمة البلغاء السيد الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه سابق حلبة الاحسان والحجة البالغة في فضل الانسان بهمة دونها فلك التدوير وشهاب تابى أن تنطبع في غالب التصوير لا يبعد على قدره نيل السها ولا تعز على شيمته في المعاني سدرة المنتهى وثائقه في المجد ثابتة وأغصان محامده في رياض الشرف نابته فهو أعظم من أن يفي قول بأوصافه وأكبر من ان يقاس طول بمعروفه وأنصافه وهو الآن مفتي تلك الديار وعند حماه تلقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 عصاه التسيار فهو كالكعبة يزار ولا يزور وأم الفضائل بمثله مقلاة نزور وتأليفه وتحريراته وفتأويه وتقريراته مل النواظر والمسامع ورونق المحافل والمجامع ولاقلامه صرير من سرور الصواب بتحرير فتأوي شقت صدور الجواب وله شعر تسمو به البراعة وتعلو وتنمو به فرائد البراعة وتغلو فمنه قوله مضمناً مطلع قصيدة المتنبي دار للمياء كنت أعهدها ... يجمع شمل السرور معهدها أقوت فلا ريمها وربربها ... بها ولا ريمها وخردها لا تلحي أن وقفت أنشدها ... بيت أخي الشعر وهو سيدها أهلاً بدار سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خردها وكف عن عبرة أحدرها ... فيها وعن زفرة أصعدها هل هي الابلوي أحققها ... ونار وجد بالدمع أخمدها ما لبنات الهديل تطربني ... ألحانها عندما ترددها حمائم كلما هتفن ضحى ... يشب من لوعتي توقدها أبكي وتبكي معي فنحن كذا ... تسعدني تارة وأسعدها يا من لنفس عن برئها عجزت ... أسانها واستعاذ عودها ومهجة قد قضت صبابتها ... لها وقد خانها تجلدها ساروا بريا الشباب ناعمة ... يزين أعطافها ناؤدها ما لغصون النقا موشحها ... ولا لسرب المها مقلدها ساروا ولي في حمولهم كبد ... تائهة ما أطيق أرشدها بالله يا حاد بي ركائبها ... قفوا لعلي في الركب أنشدها في كل يوم دار أفارقها ... وأهل دار بالرغم أفقدها ترمي النوى بي وناقتي سعة ... للبيد ينضي المطي فدفدها أرح بمثواك همة تعبت ... وعزبلاً لا تزال تجهدها سينظر الناس بعدها ويرى ... أطواق مدحي لمن أقلدها قيل فأي الكرام تطلب أو ... تقصد والحال أنت أحمدها قلت منجي العباد هاديها ... إذا ما عرت ومرشدها وقوله بالله ان لحظات فتان الهوى ... لحظت فكن للناس أكبر ناسي متهتكاً في هاتك بجماله ... بل فاتك بقوامه المياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وإذا جلست إلى المدام وشربها ... فاجعل حديثك كله في الكاس وتنأول الافراح من حالاتها ... بالزق أو بالدن أو بالطاس واجعل نديمك فيه غير مقصر ... ابن الكرام لبنت كرم حاسي الراح طيبة وليس تمامها ... الا بطيب خلائق الجلاس ومديرها رشأ كأن عيونه ... وسنانة كالنرجس النعاس فاشرب ولا تقنع بحسو قليلها ... فأقل فعل الخمر ميل الرأس وإذا مللت من المدام فثغره ... نعم المدام الطيب الانفاس قوله متهتكاً في هاتك البيت إلى آخره والذي بعده هما لأبي نواس من خمرية له وقوله من قصيدة يا رشادي وابن منى رشادي ... غاب عني مذ غاب عني فؤادي كان عهدي به باطلال سلع ... ضل مني ما بين تلك الوهاد أسرته من ساكنيه مهاة ... فهو في أسرها ليوم المعاد فهو في قبضة الجمال معنى ... في هواها وهالك دون وادي يا خليلي عرجاً نحو سلع ... وأنشداه من رائح أو غادي وأشرحا حالتي وسقمي لمى ... وغرامي بها وطول سهادي وأبكيا لي بين الطأول بدمع ... فدموعي قد آذنت بنفاد عل ذات الحمي ترق لصب ... قد خفي رقة عن العواد وابلغ ما قيل في معناه قول الخالدي أبي بكر رحمه الله تعالى مهدد خانه التفريق في أمله ... اضناه سيده ظلماً بمرتحله فرق حتى لو أن الدهر قاد له ... حيناً لما أبصرته مقلتا أجله وأغرب منه قول أبي الطيب المتنبي ولو قلم ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غبرت من خط كاتب وقول أبي الطيب أيضاً ابلي الهوى اسقا يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسن روح تردد في مثل الخيال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبن كفي بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي اياك لم ترني وألطف منه قول الثماد الواسطي قد كان لي فيما مضى خاتم ... والآن لو شئت تمنطقت به وذبت حتى صرت لو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه وقول كشاجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وما زال يبري أعظم الجسم حبها ... وينقصها حتى لطفن عن النقص فقد ذبت حتى صرت ان أنا زرتها ... آمنت عليها أن يرى أهلها شخصي وقال الأديب أبو بكر العمري الدمشقي كدت أخفي من ضنا جسدي ... عن عيون الجن وأبشر وقال بعضهم براني الهوى بري المدى وإذا بنى ... صدودك حتى صرت انحل من أمس ولست أرى حتى أراك وانما ... يبين هباء الذر في الق الشمس وللمترجم ان لم يكن لي أجداداً سود بهم ... ولم تثبت بنو الشهباء لي شرفا ولم أنل من ملوك العصر منزلة ... لكان فخري في ذا العلم منه كفى وبعد نفيه وأجلائه إلى قبرس وعزله عن الافتاء بلا جناية تقتضي ذلك ارتحل للروم وكان خلاصه على يد الوزير الصدر علي باشا فألف كتاباً باسم السلطان أحمد خان وهو مبني على تعريف السلطان والرعايا وما يجب له عليهم وما يجدهم عليه وجمع به نوادر ومسائر علمية وغير ذلك وأعقبه بنثر هو فرائد جمان ودرر وامتدح الوزير بقصيدة يذكر بها تراكم الخطوب عليه ومطلعها حلف الزمان يمينه مأجورا ... من دون مجدك لا يروم وزيرا وبلابل الافراح غنت في الربا ... طرباً بمن ملأ الوجود سرورا بجدد الدين الذي علم الهدى ... لا زال في ساحاته منشورا صدر له شم المعالي رتبة ... بالصدق يعرف ظاهراً وضميرا انسان عين الدهر جوهره الذي ... ما مثله بين الانام نظيرا ألقت له الدنيا مقاليد الملا ... فغدا العصي بعزمه مأسورا تجري الأمور بوفق ما يختاره ... فالعسر كان ببابه ميسورا ما قابلته كتيبة الا غدا ... سلطانها من بأسه مقهورا فكان وقع سيوفه في حامهم ... قلم يسطر طرسهم تسطيرا كل الولاة لأمره منقادة ... حتى الزمان غدا له مأمورا يا أيها البدر الذي في أفقه ... أضحى على أهل الزمان منيرا بشرت طالعت السعيد بأنه ... في الخافقين بنى علا وقصورا هابتك أجناس الحلائق كلهم ... وغدا الكبر براحتيك صغيرا وعلى قدر شارفت شرفاته ... شرف النجوم غدا لديك حقيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 لك هيبة لولا تبسم سنك ال ... ضحاك ألقت في القلوب سعيرا منها والعبد يعرض حاله فلقد غدا ... بالعزل ظلماً جابراً مكسورا فغدا يكابد همه وغمومه ... في قعر دار لا يريد سمرا يدعو لسلطان البسيطة والذي ... أضحى بنصرة دينه مشهورا بعلاك يرجو أن يكون مؤيداً ... في خدمة تدع الفقير أميرا أيحل من كأنت تراجعه الورى ... من كل مصر أن يرى محجورا فإذا تصادمت الفحول بمشكل ... أضحى بخافيه البهيم بصيرا وغدا يقول الفاضلون بأنه ... فخر غدا للفاضلين أميرا وامنن على قوم كرام لم يروا ... مما دهاهم منقذا ونصيرا كانوا بحال في الغنا متوسط ... حالت إلى حال أراه خطيرا لا زلت في أوج المعالي صاعداً ... متأيداً متأبداً منصورا وأسلم ودم تمضي أمورك في الورى ... كمضاء سيف لم يزل مشهورا وامتدح بالقصائد من دمشق وغيرها فممن مدحه الأمين المحبي المذكور يهيجني للوجد ذكر الحبائب ... وللمدح أشواقي كوصف الكواكبي همام به الشهباء تسمو وتعتلي ... وتجري على مضمارها بالغرائب فتى لبس المجد الموئل فخره ... فكان إذا كشاف كل النوائب إذا فسروا وألتفت الساق بينهم ... ودارت رحاهم في دقيق التشاغب فما عد لو أمنه بمثل ابن عادل ... ولا فخروا بالفخر عند الثعالبي وان حدثوا قال البخاري ليته ... تقدمني يوماً ليسند جانبي وان ذكروا الاسناد سلم مسلم ... فمن فوقه حتى البراء بن عازب ومهما رووا قال الامامان سلموا ... له فهو منا عوض ضربة لازب ومهما نحوا بز الكسائي ثوبه ... وجر به عمرو ذيول المآرب وان وزنوا قال الخليل بن أحمد ... عروض عروضي ثم غير مناسب وان نظموا قال ابن أوس مدائحي ... سبايا وقال البحتري نسائي جواد تناجي الفكر آثار جوده ... بأن ثرى ناديه مثوى المواهب لقد سارت الركبان شرقاً ومغرباً ... بأوصافه الغر النقايا المناقب ترقرق ماء الشرفية ورنقت ... على خلقه الأيام صفو المشارب له سؤدد لو كان للشهب أصبحت ... شموس نهار لا نجوم غياهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وثمة أراء بنجح حوافظ ... تسدد من أطراف سمر سوالب تقلم أظفار المكارم تارة ... وتمسح طوراً عن وجوه المطالب من القوم يثني نحو سدة مجدهم ... عنان القوافي والثنا المتراكب وان كثروا احصوها بفضل بيانهم ... على ذلك التدوير زهر الكواكب كأني وقد أسجيته المدح ريطة ... ثنيت على عطفيه حلة كاعب أحييه بالمدح الذي فاح نشره ... وأودعه قلباً نزوع المآرب ولي أمل أرجو به طول عمره ... يجدد ما أبلته أيدي الحقائب فلا زال يبقى للأنام يفيدهم ... علوماً كحد الماضيات القواضب وكأنت وفاة المترجم في قسطنطينية في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب سنة أربع وعشرين ومائة وألف ودفن خارج باب أدرنة وفي حصر أثاره واستقصائها تجأوز الحد وكمال التطويل رحمه الله تعالى. أحمد السابق أحمد بن محمد بن علي بن عبد القادر العراقي الحدادي المعروف بالسابق الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح الفاضل الأديب اللوذعي الأريب الصوفي كان ممن كرع من حوض العلوم وتفيأ ظلال الكمال والأدب الكامل وله أشعار كثيرة وترجمة الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أحد من جال في ميدان هذا الطابق وجرى في حلبة رهانه فكان هو السابق شرع في طلب الكمال فنال المرام وقال في صوته النوم على الأجفان حرام وجد وما قصر وطمع وربما أبصر وله أشعار أكثرها على لسان القوم قد عام في مداركها أي عوم رأيته وبياضه بالكتم مكتوم راضياً من الزمن بالأمر المحتوم الا أن نكته العذب المساغ بل الذهب الذي هو للأجياد مصاغ وقد أثبت من شعره اللامع ما يطرب به المنشد السامع أنتهى مقاله وأجار له الشيخ مصطفى السواري شيخ المحيا بدمشق بعد أن قرأ عليه الفقه وأصوله وله من التأليف مختصر الاتقان للسيوطي ومن شعره قوله من بحر السلسلة من عرك بالصد للمحب وأغراك ... ترمى بسهام عن اللواحظ سفاك يا ظبي كناسي ويا خلاصة ناسي ... كم عهدي تنسى وليس قلبي ينساك يا نعم جليس ويا أعز أنيس ... لا عاش عزول على تلاقي ولاك يا سالب لبي ويا حشاشة قلبي ... ما لكشف كربي بطيب ساعة لقياك لقياك مرامي وفيك زاد هيامي ... ارحم لسقامي ودع لعاذل ينهاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 أصبحت وجالي من الصدود عجيب ... هل منك مجيب يفك عقدة أسراك قد ردت بنحبي وما درى بي صحبي ... لا تحرق قلبي فإن قلبي مأواك أشمت حسودي وقد نقضت عهودي ... وزدت بصدي وبات طرفي يرعاك يا خير نبي له الفضائل تعنو ... قد حزت فخاراً وقد أعزك مولاك يا صفوة ربي عساك تجبر قلبي ... اذ مدحك دأبي أروم وصف سجاياك لا أقدر أوفى ببعض بعض مديح ... في بدر مليح له المحامد أفلاك وقوله ملغزاً اسم الذي طرزت نظمي به ... أوله يسحر عقل الأديب والثاني يا صاح عذار الذي ... أهواه والباقي دعاء الحبيب وقال مخمساً تذكار عهد بالوصال تقدما ... سلب الرقاد ورض مني الاعظما فلذا أقول من الغرام تبرما ... لله موقفنا العشية بالحمى ودموعنا شرقت بها الالحاظ ولقد كفى من أدمعي ما قد جرى ... ومن الهوى ما بيننا ياما جرى مما يزيد به الفؤاد تسعرا ... والعاذلات هواجع خاط الكرى أجفانها وذوي الهوى ايقاظ آه على ذاك اللقاء وطيبه ... في مربع فاز الشجي بحبيبه أكرم به لو تم لي أحبب به ... فسقى الحياء وأدمعي ربعا به فست القلوب ورقت الالفاظ وقال أيضاً مخمساً ان الذين مضوا لقد حازوا العلا ... بمكارم الأخلاق ما بين الملا قل للذي في عصرنا رام اعتلا ... يكفي الذين تقدموا شرفا على من بعدهم وطئوا على الغبراء قوم كرام شاع سامي فخرهم ... بودادهم ووفائهم وببرهم ان لم أنل فوزاً بسالف عصرهم ... اني لأحيا أن مررت بذكرهم وأموت من نظري إلى الاحياء وقال مخمساً بيتي القاضي رضي الدين الغزي ان من أعرض عنافاته ما يتمنىقد تركناه وقلنا كل خل مل منا ... خلنا بالله منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 عله قد ساء ظناًفبنا أورث ضغنافنجازيه ويعني هو لا يسأل عنا ... نحن لا نسأل عنه وقال مخمساً بيتي الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه تهاجمت الأهوال من كل جانب ... علي ودهري خصني بمصائب وقوم رأوني ذا جفون سواكب ... يقولون ان الصرا كرم صاحب صدقتم ولكن قد تقضي به عمري فيا قوم من لي قد اضر بي العنا ... ولم أدر يوماً أية ساعة الهنا هبوا ان صبري صار طبعاً وديدنا ... إذا كنت ذا صبر ولم أبلغ المنى ومت أنا من يجتني ثمر الصبر وله غير ذلك وكأنت وفاته في سنة احدى وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه ورحمه الله تعالى. أحمد الخليفي أحمد بن محمد بن عطية بن أبي الخير القاهري الشافعي الشهير بالخليفي الشيخ الامام العالم العلامة المفنن الفقيه المحقق أبو العباس شهاب الدين أخذ عن الشمس محمد ابن دأود العناني والجمال منصور بن عبد الرزاق الطبوخي والشهاب أحمد بن عبد اللطيف الشبيشي وغيرهم وكان فرداً من أفراد العالم وكأنت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة وألف ورثاه تلميذه الجمال عبد الله الشبرأوي بقصيدة طويلة مطلعها لا تأمن الدهر ان الدهر خوان ... يعطي ولكن عطايا الدهر حرمان ولا تخل ان عين الدهر نائمة ... الدهر يقظان والانسان وسنان لا تحسبن المنايا عنك غافلة ... لها اليك وان لم تدر امعان كل ابن انثى فان الموت يصرعه ... قد استوى فيه أشياخ وشبان وهي طويلة مشتملة على محاسنه وقد كان آية من آيات الله العظام رحمه الله تعالى أحمد السلامي ابن أغري يبوزي أحمد بن محمد السلامي الشهير بابن أغري يبوزي الدمشقي كان أحد أعيان جند دمشق أديباً نحوياً صوفياً بارعاً منشياً وله شرح على الشاهدي بالعربي وأودعه مقولات مستحسنة وكان مسكنه في دار بمحلة سوق صاروجا وصار تذكره جي دفتر خانة التيمارات التي كأنت سابقاً في دمشق ورفعت عنها وسافر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 إلى الحج الشريف وحبس في قلعة تبوك في سنة خمس عشرة ومائة وألف بأمر من أمير الحاج اذ ذاك الوزير محمد باشا ابن كرد بيرم لما بلغه أنه يتكلم بحقه بعض كلمات لا تليق به وأنه مراده يجعل صرا لبعض العرب وكان أخذه من دمشق كتخدا له ثم بعد مدة أطلقه وعاد إلى دمشق وأخذ بدمشق عن الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه الفتوحات المكية لابن العربي رضي الله عنه ولازمه واختص بصحبته وكان للأستاذ نظر عليه وكان عليه تيمار قرية حلبون بدمشق وترجمه خاتمة البلغاء السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه تذكرة العرب المتوفر فيه من الأدب الأرب بحسن أداء يعرب ويطيب ولطف خلق كل عضو فيه لسان رطيب وله شعر كالروض فتح الندى وجه ثراه فاستيقظ ثواره ونثر كأنه سقيط فيه در وقد تجسمت نوراً أنواره أغرب فيهما أحسن أغراب وأعرب عن فهمه بحسن تخيله أبدع أعراب فكأن حبيباً من لهجته تعلم والوليد على لسانه تكلم وهو رفيقي من عهد معرفتي الرفاق وزميلي في العشيرة التي أسست على محض الوفاق ولي معه مجالسات يستعير منها النسيم فضل التلطف ويأخذ عنها الهزار والغصن حسن الترنم والتعطف فتعطر منها مجامر الزهر في الأندية لنسائم الاسحار حواشي الأذيال والأردية ان سكرت بكلامه فنديمي ذكراه وتهدي لي شمائله الصا فيبعث إليه الروح في مسراه ويتحفني بكل ما يملك لب الاحسان مقتنيه ويدل على ما يثمر جمع الحسن مجتنيه فمما أملاه علي وهداه إلى قوله علقته ذا قوام ماس من هيف ... كالغصن يعطفه من لينه الميد يرنو بفاترة الأجفان فاتنة ... بالسحر غضبانة ما شأنها القود بنغنغ فوق جيد أجيد يفق ... كذائب الدر تحت الدر يتقد ممنطق فوق خصر دق عن نظر ... كالخيزرانة لطفاً كاد ينعقد والردف مثل كثيب هامل ترف ... ان رام نهضا به الا امواج تطرد وقوله علفته ذا نواس مترف غنج ... كأنه كوكب يزهو بأطلسة قد رق لطفاً فلو في لحلم أبصره ... أدماه في الطيف فكري في تخلسه ضنيت سقماً فلو جس الطبيب يدي ... لم يلق منبي عضواً في تجسسه وقد خفيت فلو وهم توهمني ... لما اهتدى لي وهم في توجسه والنفس طارت شعاعاً في تنفسها ... مثل لحباب تفانى في تنفسه وقريب منه قول ابن القيسراني في وصف شمعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 يا حسنها من شمعة ثوب الدياجي احرقتفاعجب لها لابها تفنى إذا تنفست وقول المترجم قد رق لطفاً البيت من قول خالد الكاتب توهمه طرفي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر وصافحه كفي فألم كفه ... فمن لمس كفى في أنامله عقر ومر بفكري خاطراً فجرحته ... ولم أر خلقاً قط تجرحه الفكر وقريب منه قول إبراهيم النظام عجباً أعوازك الماء وأطرافك ماء ... كيف لا يخطفك الظل ويحويك الهواء وخفي اللحظ يدميك وان عز اللقاء ... يا بديعاً كله غنج وشكل وبهاء وقوله رق فلو بزت سرأبيله ... علقه الجو من اللطف يجرحه اللحظ بتكراره ... ويشتكي الايماء بالكف وقوله ومز نرقسم الا له مثاله ... قسمين من غصن ومن رمل فإذا تأمل في الزجاجة ظله ... جرحته لحظة مقلة الطل ومنه قول عبد الصمد البغدادي اضمران اضمر حبي له ... فيشتكي اضمار اضماري رق فلو مرت به ذرة ... لخضبته بدم جاري ولشيخ الاسلام البدر الغزي العامري الدمشقي توهم اني ربما زرت طيفه ... فأمسى شهيداً حيثما لمع الصبح وخيل بأن لي فكرة فيه فأنثنى ... ومن خده من وهم فكري به جرح وقال آخر نظرت إليه نظرة فتحيرت ... دقائق فكري في بديع صفاته فأوحى إليه الوهم اني احبه ... فأثر ذاك الوهم في وجناته وألطف منه قول الأديب اللوذعي مصطفى البأبي الحلبي من قصيدته الميمية صنم كأن الله صوره من الأرواح جسماً ... فكأنما مزج الصبا حتى تكون منه بالما وجناته دقت فكادت من خيال الوهم تدمى خفض عليه أيا نطاق فقد كددت الخصر ضما واخفف مرورك يا نسيم فقد خدشت الخد لثما والمعنى كثيراً ما تدأولت به الشعر أفلنمسك عنه عنان القلم ونقول من شعر المترجم قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 يا ليلة سمحت حواشي بردها ... واحلولكت بظلام هجر مسبل لما اكفهرت أقمرت بجبين من ... رغمت بزورتها انوف العذل فطفقت أفرش في ممر نعالها ... أهداب أجفان بدمع مهطل بتنا جميعاً والنجوم شواخص ... ورقيبها يرنو بطرف أجدل فتنبهت وسناء تمسح عن نوا ... ظهرها الكرى بتذلل وتململ فلحظت ما سترت ذوائبها إذا ... أثر جناه ساعدي ومقبلي عاينت رصة قرطها في جيدها ... تحكي بنفسجة بصفحة جدول وله أيضاً قد زارني في الدجى والشمس طلعته ... حتى ظننت نهاراً حالك الظلم يرد طرفي لآلاء بوجنته ... ويلاه لا نظرة يشفي بها سقمي مشى يرنح خوط البان من هيف ... على نقا خلقت من لؤلؤ هضم صيغ الجمال على تمثال صورته ... فاستغرق الحسن بين الفرع والقدم سبحان من صاغ من ابداع قدرته ... روح الجمال ولكن حل في صنم ومنه قول الحشري وذي دلال كان الله صوره ... من جوهر الحسن لولا أنه شبح وقول المتنبي لعبت بمشيته الشمول وجردت ... صنماً من الأصنام لولا الروح وقول الأديب حسين ابن الجزري الحلبي نتفداك ساقياً قد كساك ال ... حسن من فرقك المضئ لساقك تشرق الشمس من يديك ومن في ... ك الثريا والبدر من أطواقك أوليس العجيب كونك بدراً ... كاملاً والمحاق في عشاقك فتنة أنت اذ تميت وتحبي ... بتلاقيك من تشا وفراقك لست من هذه الخليقة بل ان ... ت مليك أرسلت من خلاقك وللمترجم غير ذلك وكأنت وفاته فجاة بعد ما شرب القهوة يوم الجمعة سابع رجب سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله. أحمد المهمنداري أحمد بن محمد بن عبد الوهاب الحلبي نزيل دمشق والمفني الحنفي بها المعروف بالمهمنداري العالم الجليل العلامة المحقق المدقق البارع كان من أفاضل الأجلاء عالماً ماهراً متضلعاً من علوم شتى حسن الخلق متودداً مع الخلق عفيفاً ولد في سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أربع وعشرين بعد الألف كما نقلته من خط الفاضل الشيخ إبراهيم الجينيني وذكر انه استملاه من لفظه وطلب العلم على جماعة منهم والده العلامة المولى محمد أحد الموالي الرومية المتوفي عن قضاء أيوب بدار السلطنة قسطنطينية في سنة ستين بعد الألف والعالم المحقق الشيخ محمد نجم الدين الحلفأوي الحلبي وغيرهما واتقن كثيراً من العلوم وصار علماً لا يحتاج إلى اشارة وظهر علمه وفضله وقدره وقدم إلى دمشق الشام واستوطنها وألقى بها عصا التسيار وحل بها محل الندى في عيون الأزهار وتصدر للأفادة والتدريس وتولى الافتاء بها في رمضان سنة ست وسبعين بعد الألف وباشرها وفتأويه متدأولة بين الناس وتولى نيابة الباب بدمشق وتدريس السليمانية ولم يعهد منه انه شتم أحداً وذكره العلامة الشيخ إبراهيم الخياري المدني في رحلته الرومية واثنى عليه وقال انه أسمعه بعض مباحث في التفسير له وعلى كل حال فإنه ممن ازدان به الزمان وتباهى وترجمه الأديب السيد محمد الأمين المحبي في نفحته وأثنى عليه وقال في وصفه اتخذ الثريا مصعداً وورد المجرة مقعداً ثم طلع شنباً فكان في ثغر الشام وهب نسيماً فحرك طرباً أغصان البشام واستقر روضها الزاهر استقرار الغمض في الجفن الساهر فقيد الأعين بصفاته كما عقل الأفكار بلحظه والتفاته وهو نسيج وحده استيلاء على الفضل واشتمالاً ووحيد نسجه ابداعاً لتحالف المقول واعتمالاً يتحلى بخلق لو كان للروض ما ذبل في الشتاء نوره وفكر يدرك غور البحر ولا يدرك غوره وحلم ما شيب بوهن وتثبت لم يخف له وزن يصعب أغضابه ويسهل ارضاؤه ويفيض اقباله ولا يتوقع اغضاؤه ويقرب الزمن في عطفه ولا يتراخى المدى إلى لطفه وهناك أدب بسلسل الرقة يتدفق وطبع عن زهر الرياض يتفتق فإذا تفوه بسطت الحجور لالتقاط لآليه وإذا املأ ترك الملأ املأ أماليه وهو أحد من حضرت عنده واقتدحت في الافادة زنده وكان هو وأبي عقيدي صحبه وأليفي مودة ومحبه وبينهما لحمة ليست سداً واتفاق ليس الا ببر فضل وندا وكان أبي يقول فيه لم أر مثله كثرة اناءه وتجنب بذاءة واساءة وتناسب ذات ونعت وتوافق سجية وسمت تروق أنوار خلاله وأدبه تنفس الرياض في خلاله وقد أوردت له من شعره الرقيق ما هو أعذب من ريق الندى في ثغور الشقيق أنتهى ما قاله ومن شعره قوله من قصيدة دون رشف اللمى وضم النهود ... طعنات المثقف الاملود واقتحام المنون اجدران ... اعقب وصلاً بحال كل عميد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 مهج العاشقين منذ قديم ... خلصت للبلاء والتنكيد من لقلبي باغيد قسم القل ... ب بعضب من اللحاظ حديد ألف النفرة التي تعقل العق ... ل وتذري الدموع فوق الخدود قال الامين وكتب إلى والدي حيتك فصل الله ديمة سؤدد نشأت بمجدكوعلتك أنواع السعا دة فاغتنم أشراق سعدكوكذا الفضائل والفواضل والمكارم حشو بردك أما القريض ونسجهفلأنت فيه نسيج وحدكبك جلق فخرت كما بأبيك قد فخرت وجدكمولاي فكري قاصرعن ان يحيط بكنه حدك فاعذر ودم بمسرة ... تبقى على الدنيا بودك فراجعه بقوله هل زهر روض أم زواهرا نجم أم در عقدكأم روضة قد فاح من ريا رباها عرف ندكأم ذي بدور أشرقتفي حينا من أفق سعدك يا مفرد العصر الذيلم تسمح الشهبا بندكأنت الذي افتخرت بفض لك أهلها من عصر مهدكولك المعارف والعوارف واللطائف قدح زندك أرسلت نحوي غادةألفاظها شهدت بشهدكحيت فأحيت مغرما قد كان منتظراً لوعدكواليك مني روضةبالود زاكية بحمدك وافت علي ظماء بهاتبغي الورود لعذب وردكفأقبل بفضلك عذر من يرعى الوفا بوثيق عهدك ودعاه الخطيب المحاسني إلى داره وقمر سعده اذ ذاك في ابداره فلما طابق خير المجلس مخبره وأطلق فيه عوده وعنبر أنشد بدبها قد حللتا بمنزل راق حسناً ... وبهاء وحاز لطفاً عجيبا ضاع مسكاً وكيف ينكر هذا ... منذ ضم الخطيب ضمخ طيبا وقد تنأول هذا الجناس من قولهم بعضهم ملئ المنبر مسكاًمذ به قمت خطيباًأترى ضم خطيباًأم ترى ضمخ طيباً قال الأمين وأنشدني من لفظه لنفسه معنى ما زلت أحمق به فكري وأتمنى لو كان لي بكل شعري وهو هذا مذ رأى الورد على أغصانه ... خد من أهواه في الروض الأنيق صار مفمي فلطيف الطل قد ... رش في جنته كي يستفيق ولصاحب الترجمة مؤرخاً عام اتمام بناء قاعة صدر دمشق حسين باشا المعروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 بابن قرنق في سنة سبع وسبعين وألف الكائنة في صالحية دمشق لقد شيد الشهم الحسين الذي له ... مآثر مجد لا يحيط بها عد بناء إلى أعلى السماكين أرخوا ... هي القاعة الحسنا لطالعها السعد وله في القرنفل قوله قرنفل في الرياض هيئته ... تحكي وقد مد للسحاب يدا فوارة من زبرجد فنقت ... ففار منها العقيق وانجمدا وله فيه أيضاً هذا القرنفل قد بدافي لونه القاني يحمدفكأن مرآه الأنيق لدى الرياض إذا تبددقطع العقيق تناثرتفتخطفته يد الزبرجد ومن ذلك للأديب مصطفى ابن بيري الحلبي فيه الا حبذا في الروض زهر قرنفل ... ذكي الشذا قاني الأديم مورد إذا ما بدا للناظرين حسبته ... مجن عقيق فوق رمح زبرجد وقوله فيه قرنفلنا يحكي وقد ضاع نشره ... ولاح لنا في ثوبه المتوقد صحافاً من الياقوت قد نصبت لها ... سواعد الا انها من زجرجد ومن ذلك قول البارع المجيد السيد عبد الرحمن ابن حمزة الدمشقي أهدى لنا الروض من قرنفلة ... عبير مسك لديه مفتوت كأنما سوقه وما حملت ... من حسن زهر بالطيب منعوت صوالج من زبرجد خرطت ... لها الغوالي كرات ياقوت وقوله وجنى من القرنفل يبدو ... لك عرف من نشره بابتسام فوق سوقي كأنها من أباري ... ق الحميا مساكب للمدام وسدت فوقها السقاة خدوداً ... داميات منها مكان الفدام وقوله قم بنا قرنفل يا نديم فالطير غرد ... لمدام كؤسه تتوقد فلدينا قرنفل قد نماه ... جبل الفتح نشره قد تصعد بين سوق عوج الرقاب لطاف ... شعرات من لينها تتجعد وقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أرى زهر القرنفل قد علته ... قدود ترجحن به قيام أخال لو أنها أعناق طير ... نهض به لقلت هي النعام توقد زهره جمراً لدينا ... وتلك لها من الجمر التقام وقوله في الأبيض ما ترى ناصع القرنفل وافى ... بتحايا الشميم بين الزهور قضب من زبرجد حاملات ... قطعاً فككت من الكافور وللأديب الامير منجك المنجكي قرنفلنا العطري لوناً كأنه ... رؤس العذارى ضمخت بعبير مداهن ياقوت بأعلى زبرجد ... لقد أحكمت صنعاً بأمر قدير ومن ذلك قول الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي كأن قرنفلاً في الروض يسبي ... شذا رياه منتشق الانوف سواعد من زبرجد قائمات ... بلا بدن مخضبة الكفوف وقوله قم يا نديمي لداعي اللهو منشرحاً ... فقد ترنمت الورقاء في الورق وانظر إلى حسن ياقات القرنفل ما ... بين الربا نفخت كالمندل العبق أطفى النسيم لهيباً من مشاعلها ... في ظلمة الروض حتى حمرهن بقي وقوله هيا بنا فالطير صاح مغرداً ... ما ان يقاس لدى الورى بمغرد والروض مدمن القرنفل للندى ... كاسات در في زنود زبرجد وقوله في المشرب بحمرة وزهر قرنفل في الروض يحكي ... قطور دم على صفحات ماء رأى وجنات من أهوى فأغضى ... فبان بوجهه أثر الحياء ومن ذلك قول العلامة السيد الأمين المحبي الدمشقي وافى القرنفل معجباً فينا بمنظره الانيق ... يبدي زنود زبرجد حملت تروساً من عقيق ومن ذلك قول الكاتب الاريب السيد سليمان الحموي وكان محمر القرنفل اذ بدا عطر ندى أفلاذ ياقوت جمعن برستبان زبرجد وفي ذلك للشعراء مقولات كثيرة ومقاطيع شهيرة فلنمسك عنان القلم عن تحريره وللمترجم غير ذلك من الشعر وكان جدي والد والدي اتصل بابنة ابنه المولى الفاضل عبد الرحمن المهمنداري المتوفي في سنة ثمان عشرة ومائة وألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وتوفت قبله بسنة وكأنت وفاة المترجم في ليلة الاثنين ثالث عشر جمادي الثانية سنة خمس ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه وكان يوم موته مطر غزير والمهمنداري نسبة إلى جامع المهمندار بحلب لكون جده كان اماماً به رحمه الله. أحمد الباقاني أحمد بن محمد الشافعي الباقاني النابلسي الشيخ العالم الفقيه المحدث الاصولي المفسر المتكلم النحوي المنطقي الأديب الفاضل كان من العلماء الأجلاء ولد في سنة ثمان عشرة ومائة وألف وأخبر أنه لا يعي نفسه الا في تلأوة القرآن وتجويده والاعتناء بحفظه وحفظ المتون وتحصيل الفنون وحفظ القرآن العظيم على العالم الصالح الشيخ السيد محمد السقيني العباسي النابلسي الشافعي مع جملة من المتون كالجوهرة والسنوسية ومقدمة ابن الجزري وغير ذلك وقرا عليه طرفاً من الفقه ورباه وتخرج عليه وبالغ في نصحه وحثه على الطلب وكان من أكابر الصالحين الأجواد جامعاً بين الشريعة والحقيقة وقد لقي الأكابر وأخذ عنهم العلوم وحضر معه المترجم مجلس الشيخ محمد الخليلي المحدث المقدسي واستدعى منه أن يسمعه الحديث المسلسل بالأولية فأسمعه اياه بسنده ثم قدم المترجم دمشق ومكث فيها مجأوراً مدة وأخذ عن شيوخها أنواعاً من العلوم كالتفسير والحديث والفقه والأدب والتصوف وغير ذلك منهم الاستاذ الشيخ علي بن أحمد كزبر الدمشقي قرأ عليه كتباً عديدة في الفقه ومنهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي حضر في دروسه في البيضأوي وفي صحيح مسلم وفي الشمائل وأجازه اجازة عامة بسائر مؤلفاته ومروياته وقرأ على الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق جملة من الرسائل في التوحيد وغيره ومنهم الشيخ إسماعيل بن محمد جرح العجلوني حضر عليه وسمع منه طرفاً من صحيح البخاري وحضر دروس الشيخ أحمد بن علي المنيني الدمشقي في البخاري وأجازه اجازة خاصة ومنهم الشيخ مصطفى ابن سوار المحيوي حضر دروسه في البخاري وأجازه به وبغيره وقرأ في الفقه والعربية على الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي الدمشقي وحضر دروس الشيخ موسى بن أسعد المحاسني الدمشقي في البيضأوي وغيره وقرأ عليه شرح الكافية للجامي بتمامه مع حاشية عصام الدين عليه وعلى الشيخ محمد بن محمود الجمال الدمشقي وحضره في دروس البيضأوي وقرأ على الشيخ عبد الرحيم المخللاتي الدمشقي رسائل في المنطق وقرأ في النحو على الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 حسن المصري نزيل دمشق وحضر دروس الشيخ عبد الله البصروي الدمشقي ومنهم الشيخ محمد الكردي المعروف بأبي قميص نزيل دمشق قرأ عليه شرح مقدمة الجزري للقاضي زكريا وقرأ على الشيخ محمد بن عبد الغني العجلوني نزيل دمشق وغيرهم وعادت عليه بركاتهم وتنبل وحصل وتفوق وعاد إلى نابلس واستقام يفيد ويقري واشتهر فضله ونبله وأخذ طريق السادة الخلوتية عن العارف الشيخ مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي ولازمه مدة وأثنى عليه الاستاذ المذكور وبالغ في مدحه ورقة فهمه وسعة اطلاعه وألف رسائل في علوم المادة متعددة وكتابة على شرح المنهاج لابن حجر فائقة وبالجملة فقد كان من أخيار العلماء في عصرنا الأخير ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة خمس وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. أحمد البهنسي أحمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عبد الحق المعروف كأسلافه بالبهنسي الحنفي الدمشقي الفاضل الفقيه الأديب كان من الأفاضل المنوه بهم كاملاً بارعاً نبيهاً فائقاً ولد بدمشق في سنة أربع وعشرين ومائة وألف وبها نشأ في صيانة وديانة واشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الشيخ محمد الغزي قرأ عليه في النحو شرح الشذور لمصنفه وشرح الالفية لابن الناظم وشرحها للاشموني مع مطالعة بعض الحواشي ولازم الشيخ إسماعيل العجلوني أيضاً وأخذ عن الشيخ حسن الكردي نزيل دمشق ولازمه مدة ومهر وفضل وحصل فضيلة حسنة وتصدى للاقراء والافادة في النحو والصرف والمعاني والبيان واشتهر وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه فاضل روضه خصيب وفايق فكره مصيب نشاء في حجر الصيانة وترعرع ما بين طاعة وديانة فشمر للتحصيل عن ساق وأطلق العنان في ميدانه وساق فأدرك الخصلة المحسودة وأكبت بها شانيه وحسوده بغض طرف عن المحارم ولواء عن الجرم والجارم فما عهدت له صبوه ولا زلت به كبوه منزل خاطره في رياض طروشه وشاغلاً ضمائره في استنساخ دروسه وكنت واياه نستقبل باردة الطلب وتقابل الصباح بمحأوراته حتى نعود مجس المنقلب الا أنه ما رث جلباب شبابه وما خلق حتى عاد إلى ما منها خلق وذوت ريحانة تلك الرونق وصار عليه الزمان وهو المغلط المحنق وله شعر قليل كنفس الصبا العليل وقد أثبت منه ما هو مستجاد ويشبب به في الأغوار والأنجاد أنتهى مقاله وله الشعر الحسن فمن ذلك قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 لما رأيت بنات نعش أدبرت ... والليل مدمن الظلام رواقا والسحب قد وكفت دموع جفونها ... والرعد صاح وطبق الافاقا أيقنت أن الصبح مات وقد كسى ... الليل السواد لفقده الاشراقا هو ناظر لقول الأديب أحمد بن منقذ لما رأيت النجم ساه طرفه ... والقطب قد ألقى عليه سباتا وبنات نعش في الحداد سوافرا ... أيقنت أن صباحه قد ماتا وللمترجم والله ما كنت أدري أن سيبعدنا ... هذا الزمان وسمط الود ينفصم لكن يد القدر المحتوم قد رقمت ... به فحمد العل الشمل ينتظم وقوله أفديه ريمي المعاطف والطلا ... حلو المراشف مر بي يتبسم يومي بحاجبه أتصبر للهوى ... وبطرفه قلب الشجى يكلم وقوله مضمناً ظبي أنس حاز أنواع البها ... وحكى غصن النقا لما اعتدل رمت منه الوصل كي أحيا به ... فبدا في وجهه ورد الخجل فأنتضى صارم لحظ باتر ... وغدا يشحذه منه الكحل لا تلمني ان سطت ألحاظه ... يا ابن ودي سبق السيف العذل وقوله وإذا رمت رؤية الحب يوماً ... ابتلاني الآله بالرقباء فينادي الفؤاد مما اعتراه ... آه من شدتي وفرط عنائي هكذا الدهر شأنه عكس آما ... ل محب بل ذاك حكم القضاء وقوله من قصيدة مطلعها أبدى السلو لعذال وقد كتما ... وجداً فنم به الدمع الذي انسجما متيم نسجت أيدي الغرام له ... ثوب الضنى فكست جثمانه سقما لا يهتدي الطرف من وهن إليه وقد ... يكاد ريح الصبا يؤذيه ان نسما وكيف يسلو رسيس الحب من لعبت ... به المحبة مذ لم يبلغ الحلما فيا عذولي دع عتب المشوق فلا ... يصغي اليك كأن في سمعه صمما ولا يميل إلى لاحيه في عذل ... فكيف يصبر فان والغرام نما ففي حبائل هذا الظبي قد علقت ... حشاشة والحشا من حبه انفصما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 قد كان يجدي ملام قبل ما عبثت ... به الصبابة أما بعد ذاك فما لا يشرئب إلى نصح النصوح شج ... قد خاض تيار بحر الحب حين طما فيا خليلي هلا تسعفان فتى ... من حمل أعباء داعي الشوق قد سئما يبيت يسبل دمع العين من حرق ... على سعير غضا في القلب قد ضرما وليس بالدمع ما تذري المحاجر بل ... نار الهوى قد أذابت قلبه فهما وقوله لما تمنع عن وصال متيم ... ظبي يصيد بني الهوى بخداع أملت من دهري الفراق سفاهة ... كيما أقبل خده لوداع هو من قول بعضهم أرأيت من يرضى الفراق لألفه ... أنا قد رضيت لنا بأن نتفرقا لأفوز منه بقبلة في خده ... عند الوداع ومثلها عند اللقا وقد يقرب منه ما ذكره ابن خلكان في ترجمة ابن ماهان الخزاعي قال وكان قد مرض فعاده الوزير فلما انصرف عنه كتب إليه ما أعرف أحد أجزى العلة خيراً غيري فإني جزيتها الخير وشكرت نعمتها علي اذ كأنت إلى رؤيتك مودية فأنا كالأعرأبي الذي جزى يوم البين خيراً فقال جزى الله يوم البين خيراً فإنه ... أرانا على علاتها أم ثابت أرانا دبيبات الخدود ولم نكن ... نراهن الا يانعات البواغت ومثله ما كتبه البحتري إلى ابن غانم وقد مرض فعاده الوزير وهو يا أبا غانم غنمت ولا زا ... لت عهاد الوسمى تسقي بلادك ليت أنا مثل اعتلالك نعتل ... ل على أن يعودنا من عادك أبهجت زورة الوزير أودا ... ك جميعاً وأرغمت حسادك وقد رأيت بخط العلامة الأديب السيد محمد الأمين المحبي الدمشقي ما نصه مما اتفق لي أني حصل لي بعض توعك فعادني بعض أصدقائي ممن أوده فكتبت إليه أن يوماً مرضت فيه لعمري ... خير يوم فديته من يوم قد شفاني فيه حضورك عندي ... وبه الفخر نلت من بين قومي وللمترجم مشجراً عذاب جسمي مقيم في هوى عمر ... وحبه عن فؤادي غير منصرف مضى وأخلفني وعد وثقت به ... فزال صبري وزاد الدمع في الذرف رحماك ما فيك من عدل ومعرفة ... فقال نكرتني في العشق فانصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وله لو بيع بالشهباء جامع جلق ... يوماً لأضحى البائع المغبونا هل مثل جامعها الرحيب وماؤه ... يحكيه ماء سيما جيرونا وله جس نبضي الطبيب لما رآني ... ذا نحول وقال داء عضال ألم حل في سويدا فؤادي ... ليس يرجي يا صياح منه نصال قلت حقق مما اعتراني فنادى ... أنت أدرى مما اعتراك الهزال قلت صرح فإنني ذو ذهول ... لست أدري فقال هذا محال كيف ينسى ما خامر القلب واللب ... ب وفي الفكر دائباً لا يزال وأشنى قائلاً بماذا أدأوي ... داء صب أضناه حبا غزال وله يا نجل طه اني محب ... وجدك المصطفى المطهر وقد روينا معنى حديث ... المرء مع من أحب يحشر وله يا فريد العصر يا من هو في العلياء نجم ... لا تسئ ظنك فينا ان بعض الظن اثم ومن ذلك للشيخ منصور الدمشقي خطيب السقيفة قوله عاذلي ظن قبيحاً مذ رأى عشقي ينمو ... ظربي ما هو فيه ان بعض الظن اثم وله أيضاً ظن بالناس ميلاً واتبع الخيرات تسمو ... واجتنب ظناً قبيحاً ان بعض الظن اثم وفي ذلك للعلامة الشيخ عبد الباقي حفيد بن غانم المقدسي المصري صادني خشف ربيب ... فاتن بالحسن يسمو ظن عذالي سلوى ... ان بعض الظن اثم وله وأغيد حيي بتفاحة ... محمره اللوان ذات اصفرار يفضح غصن ألبان أن ماس بال ... الأعطاف والبدر وشمس النهار فقال خذ شاهد جمالي بها ... ان لم يكن للوصل عني اصطبار فعندي اللون خدي إذا ... ضممته للثم غب النفار ولونها الآخر يحكيك إذا ... نأى وقد شط بحبي المزار وله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 سألتها عن فؤادي حين سار بها ... وظل في طرق البيداء يرعاها قالت لدى قلوب لست أحضرها ... فأيها يا معنى قلت أشقاها وأصله قول ماميه الرومي نزيل دمشق سألتها عن فؤادي أين مسكنه ... فإنه ضل عني عند مسراها قالت لدى قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني قلت أشقاها وللمترجم قوله ها هو بليل عذار الوجه حين دجى ... كأنه روضة حفت بأحداق ما ذاك الأغراب البين ينعق في ... اطلال حسن عفت من لثم عشاق أو بدرتم أحاط الحسف دائره ... فأظلم الأفق منه بعد الأشراق وله أقول لعاذل مذ لام جهلاً ... أما تسلو هوى هذا الغلام سلوى والوصال ونوم عيني ... حرام في حرام في حرام أقول هذا النوع تسميه أهل البديع التطريز وهو أن يبتدي المتكلم بذكر جمل من الذوات غير مفصلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب العدد الذي قرره في تلك الجمل الأول وقد أكثر الشعراء في ذلك فمنهم قول عز الدولة أبو منصور بختيار وفاؤك لازم مكنون سري ... وحبك غايتي والهم زادي وخالك مع عذارك في الليالي ... سواد في سواد في سواد ومنه قول بعضهم أيا قمراً تبسم عن أقاح ... ويا غصناً يميل مع الرياح جبينك والمقلد والثنايا ... صباح في صباح في صباح قال الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي في بديعيته المسماة نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبي المختار عند ذكر البيت والكلام عليه وعائشة الباعونية لم تنظم هذا النوع مع أن التطريز من عادة النساء وقد تلطف رضي الله عنه وكأنت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأربعاء ثامن عشر جمادي الأولى سنة ثمان وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. أحمد الكجي أحمد بن محمود بن محمد بن محمد بن جانبك الكجي العصروني الحنفي الدمشقي الأديب كان بارعاً لطيف الطبع والذات ويتولى بدمشق نيابات الحكم كالكبرى والميدان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وترجمه خاتمة البلغاء السيد محمد أمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه روح الفؤاد وانسان الطرف وظرف الرشاقة المملوء من الظرف فظرفه من لب اللباب ولطفه يكيد نشطات الشباب يجتلي أوقاته غرا صقلة فلو تجسمت لكأنت حسناً عقيله فإذا حل بنادي صحب تلقاه قلباً واسعاً وصدراً رحب فتتضاحك له الحدائق والأزهار ويجذل به الجديد ان الليل والنهار وطبعه الربيع في نضارته وعهد الشبيبة في غضارته وهو على الحرص على الشهاب يستر شمس الشيب بالضباب مع أن روض صباه أخلق برده واستعار ثيابه من لا يرده وهو صحيبي منذ عرفت الصحبة وعقيدي في العشرة التي تمحضت للمحبة لم يزل بيتنا عيش حلو غير أن كلامنا من سجو صاحبه خلو فهو في عشق الجمال متفضح وسمته بحسب الغريزة جلي متوضح فلهذا تغلب عليه القلق حتى استعاذ برب القلق وله في صبوته موشحات وشحت بها النوادي وحثت بها المدامة في الحانات والاظعان في البوادي وشعره وان كان قليلاً الا أنه يروي غليلاً فمنه قوله عدنا بوصل عسى تجدي المواعيد ... وأحسن لنا فبهذا تعرف الصيد وأرفق بنفس قضت في راحتيك أسى ... مذ نابها منك تسويف وتنكيد يا ظالماً صدنا من بعد وصلتنا ... الحب ذنب لنا أم هكذا الغيد ان كنت أضمرت تجفونا وليس لنا ... خل وقد عمناهم وتسهيد فأي ليل إذا وافى نسر به ... وبدرتا فيه محجوب ومفقود وأي يوم من الأيام نشكره ... وما به وقفة تشفي ولا عيد وأي باب من الأبواب نسلكه ... إلى منانا وباب الوصل مسدود وأي دخل من الأصحاب كنت له ... عوناً أتتني إذا منه الأناشيد علاء لم يأتنا من نحوكم خبر ... ولم يكن بيننا بيد أباعيد ولم أراك بحال لا أسر به ... ترعاك من دوننا بيد رعاديد فإن منك صلات كنت أعدها ... في كل يوم لها للوصل تجديد وإن منك حديث كنت أسمعه ... أرق مما راقته العناقيد يا من إذا ماس من تيه ومن هيف ... تغار من قده الغصن الاماليد ويا غز الأغز أنا من لواحظه ... بمرهف قد نضته الأعين السعود ان كنت أقسمت حتماً لا تواصلنا ... عدنا بوصل عسى تجدي المواعيد وقوله يمدح بعض امراء دمشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الخير فيك وفي رجالكوالدهر يفخر في مثالكوكذاك يروى عن أبي ك وجدك السامي وخالكولك المودة والفتوةوالحجي شكراً لذلك يتلوهم الفضل الذيما ذال يخبر عن كمالكمنح الآله وذاك من حسن اعتقادك واتكالكيا فخر آل الترجمانوعزهم وأنعم بذلك أنت المذهب والمحببوالتأدب من خصالكوالناس طرا يمدحون ويشهدون بحسن حالكهذا وأنك في الوغىتخف الكواسر من نزالك ما سرت خلف قبيلةوقناك أسبق من نبالكألا أسرت كبيرها والحيش أصبح في اعتقالكوالجود فيك سجيةوالشح لم يخطر ببالك والمجد قد أورثتهمن قومك النجبا وآلكمن رام مجدك فليكن يا واحد الدنيا كذلك وطلب منه امضاء حجة نظماً حين كان نائب الشرع بمحكمة الميدان فكتب لما تأملت ما تحويه أسطره ... وصح عندي ما في طيه وقعا أنفذته واثقاً بالله معتمداً ... عليه دون الورى راض بما صنعا فإنني أحمد الكنجي ابن أبي ال ... ثناء الذي بحبال الله مدرعا وانني النائب الشرعي بمحكمة ال ... ميدان والحر في دنياه من قنعا يا رب فاختم بخير لي وخذ بيدي ... ما طاف بالبيت عبد صالح ودعا ومن شعره ما قاله مخمساً دعوني من مكائدكم دعوني ... فما نظرت مثالكم عيوني فيا تيساً تعمم بالقرون ... تقول أنا لكبير فعظموني ألا ثكلتك أمك من كبير جهلتم نسائر الأشياء جمعاً ... وفيكم صار جل اللوم طبعا فيا لردى الورى جوزيت صنعا ... إذا كان الصغير أعم نفعا فما فضل الكبير على الصغير وله قسماً ومن بالحب قد أبلاني ... اني لغيرك ما لويت عناني يا أيها الظبي الذي ألحاظه ... من غنجهن السقم قد وافاني مالي أراك اضعتني وتركتني ... في حر نار بعضها أضناني وصبوت عني بعد كنت مواصلي ... وأمرت عندي بالجلوس مكاني فلك البقاء فالرب يوم ان تسل ... عني تراجعني فلا تلقاني ان المحب إذا تناهى عمره ... فالدهر لا يعطيه عمراً ثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ومن مقطعاته قوله مضمناً كن حليماً ما تستطيع وأحسن ... لجميع الأخوان والخلان ان من كان محسناً قابلته ... بجميل عوائد الاحسان وقال مداعباً لابن المليحي يا سيد أو حبيباً ... بالخبر لا زلت تذكر تدعى بابن المليحي ... وأنت أبلوج سكر وكأنت وفاته في سابع وعشرين رمضان ليلة القدر سنة سبع ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر ولده محمد ان شاء الله تعالى ورثاه جماعة من الفضلاء الاعلام منهم الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي فقال مؤرخاً أحمد النجي قد ما ... ت فاصبر واصطبر قد أتى تاريخه ... ليلة القدر قبر وقال أيضاً أحمد الكنجي أحمد خل ... فاضل خلقه احتمال وصبر مات شهر الصيام ليلة قدر ... وله من الهه كان جبر يا لميت مبارك كنت حتى ... لك أرخه ليلة القدر قبر ومنهم نابغة الأدباء السيد أمين المذكور فقال يبكيه متى ما بقيت ... قديم ود لا يحول ان كان فارق ناظري ... فله بأحشائي مقيل خطب الكيجي الجليلي ... ولي به الصبر الجميل لو كان يفدي لأفتدا ... هـ الناظر الدامي الكليل ما للأماقي لا تفيض ... لحطبه منها سيول حتى تفيض نفوسنا ... وتضلها منها عقول رحمه الله تعالى ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين أحمد النحلأوي أحمد بن مراد بن أحمد الشهير بالنحلأوي الأحمدي الدمشقي المولى المشهور العارف الخاشع الناسك المستغرق في أبحر المشاهدة والعرفان كأنت له مكاشفات خارقة وكرامات ظاهرة وللناس فيه اعتقاد وافر عظيم وهو بركة الشام وأحواله وأطواره غريبة مع التغفل الالهي والجذب وترددت إليه الناس من الخاص والعام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 يتبركون به وعلى كل حال فقد كان بركة الشام وخلاصة الأولياء الكرام أظهره الله بدراً كاملاً بالولاية وشمساً منيرة بالدراية والهداية نفعنا الله به وببركاته وأعاد علينا من نفحات نفحاته وكان مستقيماً في المدرسة النورية عند محكمة الباب ويقيم الذكر في مدرسة الخاتونية عند المحكة أيضاً وله حفدة ومريدون وتلاميذ وإلى الآن يقام الذكر هناك ورأيت للفاضل السيد محمد الجعفري تلميذه كتاباً ألفه في أحواله ورتبه على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة فالمقدمة في ذكر مولده ومنشأه وتنقلاته وسلوكه وبمدائه والفصل الأول في تجنبه عن الدنيا وزهده فيها وملبوسه وقنعه بالقليل منها والفصل الثاني في حسن مودته وسيرته واقبال الناس عليه ورأفته بهم وشفقته والفصل الثالث في تربيته للمريدين وكلامه حال الشطح والتنبه على انه مع حزب معينين والفصل الرابع في زياراته وبعض كرماته والفصل الخامس في ذكر نبذة تتعلق بفضائل دمشق الشام ذات الثغر البسام والخاتمة في ذكر طائفة ممن لهم في السلوك قدم راسخ ونسب رفيع باذخ شامخ وسماه الجعفري المذكور بالطبيب المدأوي بمناقب الشيخ أحمد النحلأوي وللماهر الشيخ عبد الله الطرابلسي نزيل دمشق رسالة فيه أيضاً وذكره الاستاذ العارف السيد مصطفى الصديقي الحسيني في كتابه الذي ترجم به من اجتمع معه من الأولياء وأثنى عليه وذكر من مكاشفاته اللامعة فمما اتفق لابن عمته قال أتيته بعد المغرب مرة في جامع في القرب من الشاغور البراني فقال لي أجلس إلى أن آتيك فذهب إلى الطهارة قال فرأيت الحائط قد انشق وظهر لي رأس كبير له عيون تقدح جمراً فخفت منه خوفاً شديداً ولم أستطع الفرار ولا القرار وكلما لمحت له بطرفي رأيته يرمقني فلما خرج غاب الرأس فوجدني مذعوراً خائفاً فقال جاؤا يجربونك فلم تثبت قال فقلت له أقسمت عليك بسيد المرسلين من هذا الذي رأيته قال السيد أحمد البدوي رضي الله عنه ومنها ما نقله الاستاذ في ترجمته قال ذهب بعض الاخوان إلى زيارة الشيخ مصطفى بن عمرو فجاء مع الشيخ عبد الرحمن السمان ومعهما غيرهما فقال له الشيخ مصطفى غنى لنا مطا وعيا فتوقف عادته ثم غنى فلقت له أعمل عشرة فأخذ ينشد فأعددت ما يقوله فلم يزد عليها ثم ذكرنا زيارة أبا يزيد البسطامي قدس سره فقال الشيخ عبد الرحمن هيا بنا الساعة فقلت هيا فسرت والمذكور صحبتنا يعني عن النحلأوي فلما وصلنا إلى زيارة سيدي أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه توقف ولم يسر فسألناه عن توقفه فقيل له يقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الاخوان تتعب ويشير للفقير فألحينا عليه فسار فلم يزل سائر فلم أصل إلى قرية ببيلا الا بجهد شديد ويتنابها فقام أهلها باكرامنا أتم قيام وحملونا على دوابهم إلى الزيارة وسرنا بعد زيارة سيدي عقيل المنبجي ومنه إلى الشيخ حياه بن عيسى الحراني وهو معنا وكان يوم الأربعاء فبتنا عنده وأقمنا يوم الخميس وليلة الجمعة وأقامنا الشيخ عبد الرحمن غلساً وقال صلوا الصبح فإن الفجر خرج فلما رآنا أردنا القيام للصلاة رفع رأسه من النوم وقال ايش هذه الصلاة الفجر ما طلع فعجبت من كلامه ثم صلينا وركبنا الطريق على ظهور الدواب فلم يخرج الفجر الا بعد ساعتين فنزلنا عند نهر بردا وأعدنا الصلاة وأخبرني الشيخ عبد الرحمن أنه بعد ذلك قال ومقصودي أن نصل قبل أن يحمي الحر أنتهى ثم قال ولقد عاينا للشيخ أحمد المذكور كرامات كثيرة وقال لنا مرة وكان معنا الشيخ أحمد بن سراج أنا متصرف في ثلثي الأرض وقال ابن سراج قبله أنا متصرف في نصف الأرض فقلت كأن كلام كل واحد منهما بحسب ما يظهر له ثم قال الأستاذ الصديقي وفي خطرتي الأولى للبيت المقدس سنة اثنين وعشرين بعد المائة والألف خرجت ملتحفاً بشال لئلا يعرفني أحد فعارضني عند باب الله وقال لي مصادف العون فعجبت من معرفته لي وحصل لنا لطف في تلك الخطرة وعناية وقال وأخبرت أنه في مبدأ أمره كان يلازم جامع أهل البلوى الملاح فخرج إلى المنارة وألقى نفسه منها إلى الأرض وبدت عليه طوالع الفلاح ووقع له مثل هذا في جامع القرب كما حكى عنه ذلك بعض من إليه تقرب وحدثني عنه بعض الملازمين لصحبته الهائمين بمحبته ما لو أخذنا في سرد ذلك لأدى إلى الاتساع في تلك المسالك والقصد من ذكرهم التنبيه لا الاستيفاء فإن الأولى حظ النبيه أنتهى ما قاله الصديقي وذكر الجعفري المقدم ذكره ان مولده كان سنة احدى وثمانين بعد الألف وتوفي والده وكان سنه اذ ذاك شهرين فنشأ في حجر جدته لأمه رحمهما الله تعالى وربته هو وأخاه الشيخ محمد ثم أنه تعلم القرأن العظيم وهو وأخوه المذكور وفاق الشيخ سائر أقرانه وكان شأنه في صغره أنه يجلس مطرقاً رأسه ناصتاً وأنه كان طلب العلم مدة وقرأ الغاية في فقه السادة الشافعية على العالم الشيخ أحمد الدسوقي ثم لما بلغ تعاطي ضمان الثمار مدة هو وأخوه ومع ذلك كان يدأب نفسه في العبادات وبدهنه بواده التجليات وهو راق على السلم ليجني الزيتون ولاحت له بارقة الجذب وسمع هواتف الأحوال تناديه بدخول ديوان الرجال فنزل عن السلم وفرق جميع ما كان عليه من الملابس والثياب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وأتلف جميع ما عنده من متاع ونحاس وغيره ثم أنه خرج في ساعته هائماً إلى الجبانة المعروفة بباب الصغير وصعد إلى محل عال هناك شاخصاً ببصره إلى السماء واستمر مدة على ذلك قال الجعفري قال أخوه فجئت إلى البيت فسألت عنه فلم أره وكان الشيخ توجه من ساعته إلى الصالحية قال فخرجت أطلب أثره فلم أجده إلى سبعة أيام وفي اليوم الثامن جاءني رجل وأخبرني أنه في الصالحية فخرجت من ساعتي مسرعاً فوجدته واقفاً في السفح خأوي الجوف من الجوع مرخى الزنار ثم قال له أخوه أين كنت يا أحمد فقال أخذوني السادات إلى بغداد ووضعوني في مغارة وشرعوا يذكرون الله تعالى علي ثم جاءني رجل أشعث أغبر وأعطاني غليون وقال أشرب فأخذته وشربت ثم قال له أخوه قم بنا واركب معي حتى نذهب إلى البيت فأبى فألحيت عليه واستنجدت بعض الناس حتى الجأناه إلى الركوب فأركبوه وراء في وسرت حتى وصلنا من سيدي خليل عند باب السرايا فجذبني فسقطت أنا واياه إلى الأرض ثم ألحيت عليه في الرواح معي فأبى وتركني ومضى في سبيله وفي اليوم الثاني وجدته في البيت وشاع خبره واشتهر بين الناس ذكره وصدرت عنه أحوال عجيبة وأخبار غريبة حتى كان الناس يظنون أن حالته هذه حالة جنون وحاشاه انما هي فنون بعدها حركة وسكون واستمر الشيخ على هذا المنوال مدة حتى جئ له برجل من أشياخ طريقة سيدي أحمد الرفاعي قدس سره فكبسه وجاء له بسعوط وسعطه في أنفه فأنتفخ حالاً وجعل يقول قتلتني يا شيخ أحمد يا سيدي العفو فنظر إليه فانطلق معافى لساعته وتاب لوقته فشفى واستمر الشيخ المذكور على منوال ما ذكر مدة طويلة يتطور في تطورات الأحوال إلى سنة عشرين ومائة وألف وفي العام الحادي والعشرين أطلق أمره في التصرف وترقى من ذرى الأحوال إلى ذرى أهل المقامات على ما حدث به بعض أهالي الكشف وقد أخبر بعض الناس أن رجلاً من أهل الله تعالى يقال له الشيخ أسعد الجبأوي حصل له في السنة المذكورة حالة غطوس استغرق فيها معظم النهار فلما أفاق من غيبته سأله ولده الشيخ أحمد عن سبب ما حصل له من هذا الحال فقال ان السادات أهل الباطن اجتمعوا وألبسوا الشيخ أحمد النحلأوي التاج وأخبر بعض الناس أيضاً عن الشيخ إبراهيم الرفاعي أنه قصد زيارة جده وكان مدفوناً في قرية براق فذهب لزيارته فحصل له وارد وحال عظيم فنادى يا رجال الشام فجاء الشيخ أحمد النحلأوي وأنا أقول وبالله التوفيق قد ذكر الجعفري للأستاذ المترجم مقامات كثيرة وغالبها شاهدها في العيان فمنها ما ذكره قال ومن كراماته ما اتفق له وقد كنا عند بعض الاخوان فسقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 صبي من أعلى سطح عال ولم يبق به رمق فحملوه ودخلوا به إلى الشيخ فوضعوه بين يديه فمسكه وهزه فعادت روحه إليه بعدما أيست منه حياته ومنها وكان دخل إلى محله الآن ونصب السلم وصعد إلى السطح ولم يدر أحد ما السبب ثم نزل وبعد حصة من الزمان خرج إلى الشجرة ولد لأهل المحل وتعلق بغصن منها فسقط على السلم ومنها إلى المسطبة فغشى عليه فحمل إليه ووضع بين يديه فأمر يده عليه وهزه فشفى لوقته مما به ومنها ما أخبرني به بعض محبيه قال خرجت إلى الحج فجئت المدينة ليلاً فرأيت صبياناً تجاه شباك الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأون الموالد فقلت لهم قرأو لي أربعين مولداً فصرت أقول هذا المولد على اسم فلان وهذا لصديقي فلان فخطر في خلدي جناب الشيخ حفظه الله تعالى فقلت لهم اقرأو لي مولداً يكون مقدار الجميع ختاماً لهذه الموالد على اسم الشيخ أحمد النحلأوي فقرأوه وختموه وأهدوه للشيخ حفظه الله تعالى فلما ذكروا اسمه مدت يدمن الشباك وبدرت عليهم المصاري فأردت أن آخذ منهم شيأ فلم يمكنوني وقالوا يا سيدنا ان صاحب هذا المولد أعطانا فنظرت إلى الشباك فرأيت رجلاً بصفة جندي واقفاً والشعرية لا يمكن مد اليد منها فعلمت أن الشيخ حضر هنا ومنها وقد اجتمع عنده صبيحة يوم الثلاثاء أشخاص أحدهم من الميدان وآخر من الصالحية والثالث من باب توما فقال أحدهم كان الشيخ نائماً عندي بالأمس فقال له الآخر لا فإنه كان عندي فقال الثالث كل منكما لم يصدق كان بالأمس عندي فحلف كل بالطلاق على ما ادعاه مع أنه كان نائماً في محله تلك الليلة ومنها ما شاهده الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق وأمير الحج قال دخلت الحرم في مكة ليلاً فوجدت الشيخ وجماعته يذكرون الله تعالى فيه ومنها ما أخبرته بعض تلامذته أن الشيخ في الحج يرى عياناً في الطريق وأنه شاهده مراراً ومنها ما أخبر به أنه لما ذهب الوزير سليمان باشا المذكور إلى الدورة جاء إلى عنده الشيخ هو وفقراؤه فلما بلغه زيارة الشيخ قام ولاقاه وانسر غاية السرور فجلس الشيخ والفقراء عنده فطلب من الشيخ الاذن إلى طبريا فقال له ايش لك عندهم فقال له يا سيدي ان حضرة السلطان أرسل جنجانه وفرمان ان أركب عليهم فأجابه بقوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت فتروع الباشا من هذا الكلام ثم ان الشيخ عاد إلى زأويته وبعد خمسة عشر يوم جاء الخبر بأن سليمان باشا توفي وجئ به محمولاً بتخت إلى دمشق ودفن بمقبرة باب الصغير ومنها انقلاب الحجر ذهباً حين نظر إليه قال الجعفري كنا في زيارة سيدي أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه صحبة الشيخ والاخوان وكان الشيخ جالساً بقرب الضريح فجاء رجل من الاخوان بحجر مستدير مقدار خمسة أرطال ووضعه بين يديه وقال له يا سيدي لو كان هذا ذهباً كنا تججنا به وانبسطنا فقال له وقد نظر إلى الحجران لله رجالاً إذا نظروا إلى الحجر يصير ذهباً ثم أمره بحمله فلم يقدر يزعزعه من محله فقال له يا سيدي ما قدرت على رفعه وقد صار ذهباً فنظر إليه ثانياً وقال رده إلى محله فاقتلعه كما جاء به أولاً على هيئة الحجرية ومنها ما حكاه الجعفري المذكور قال كنا ذهبنا لزيارة السيدة زينب بصحبته فجلسنا في أثناء الطريق وأوقدنا ناراً فقال بعض الحاضرين لما أردنا المسير يا سيدي ضع لي راحتين من هذه النار في ذيلي فغرفها براحتيه ووضعها في ذيله وسرنا إلى أن قطعنا الطريق فرماها وهي متوقدة ولم يتأثر ذيل جوخته بها أصلاً وكان جديداً فكأنه لم يوضع فيه شيء أصلاً وقد ذكر الجعفري له كرامات غير الذي ذكرناها ولكن نحن أردنا الاقتصار ولو أردنا التطويل في بعض ما ذكر من مزاياه لأعيي الأوراق نشره وتحريره والقول الصحيح المجمع عليه أنه فرد وقته وولي عصره وكأنت وفاته في سبع عشر جمادي الثانية سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالمدرسة الخاتونية التي كان يقيم بها الذكر عند المحكمة وإلى الآن يتبرك به ويزار ورثاه الأديب عبد الرحمن البهلول بهذه القصيدة مؤخراً وفاته بقولهفلان وهذا لصديقي فلان فخطر في خلدي جناب الشيخ حفظه الله تعالى فقلت لهم اقرأو لي مولداً يكون مقدار الجميع ختاماً لهذه الموالد على اسم الشيخ أحمد النحلأوي فقرأوه وختموه وأهدوه للشيخ حفظه الله تعالى فلما ذكروا اسمه مدت يدمن الشباك وبدرت عليهم المصاري فأردت أن آخذ منهم شيأ فلم يمكنوني وقالوا يا سيدنا ان صاحب هذا المولد أعطانا فنظرت إلى الشباك فرأيت رجلاً بصفة جندي واقفاً والشعرية لا يمكن مد اليد منها فعلمت أن الشيخ حضر هنا ومنها وقد اجتمع عنده صبيحة يوم الثلاثاء أشخاص أحدهم من الميدان وآخر من الصالحية والثالث من باب توما فقال أحدهم كان الشيخ نائماً عندي بالأمس فقال له الآخر لا فإنه كان عندي فقال الثالث كل منكما لم يصدق كان بالأمس عندي فحلف كل بالطلاق على ما ادعاه مع أنه كان نائماً في محله تلك الليلة ومنها ما شاهده الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق وأمير الحج قال دخلت الحرم في مكة ليلاً فوجدت الشيخ وجماعته يذكرون الله تعالى فيه ومنها ما أخبرته بعض تلامذته أن الشيخ في الحج يرى عياناً في الطريق وأنه شاهده مراراً ومنها ما أخبر به أنه لما ذهب الوزير سليمان باشا المذكور إلى الدورة جاء إلى عنده الشيخ هو وفقراؤه فلما بلغه زيارة الشيخ قام ولاقاه وانسر غاية السرور فجلس الشيخ والفقراء عنده فطلب من الشيخ الاذن إلى طبريا فقال له ايش لك عندهم فقال له يا سيدي ان حضرة السلطان أرسل جنجانه وفرمان ان أركب عليهم فأجابه بقوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت فتروع الباشا من هذا الكلام ثم ان الشيخ عاد إلى زأويته وبعد خمسة عشر يوم جاء الخبر بأن سليمان باشا توفي وجئ به محمولاً بتخت إلى دمشق ودفن بمقبرة باب الصغير ومنها انقلاب الحجر ذهباً حين نظر إليه قال الجعفري كنا في زيارة سيدي أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه صحبة الشيخ والاخوان وكان الشيخ جالساً بقرب الضريح فجاء رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 من الاخوان بحجر مستدير مقدار خمسة أرطال ووضعه بين يديه وقال له يا سيدي لو كان هذا ذهباً كنا تججنا به وانبسطنا فقال له وقد نظر إلى الحجران لله رجالاً إذا نظروا إلى الحجر يصير ذهباً ثم أمره بحمله فلم يقدر يزعزعه من محله فقال له يا سيدي ما قدرت على رفعه وقد صار ذهباً فنظر إليه ثانياً وقال رده إلى محله فاقتلعه كما جاء به أولاً على هيئة الحجرية ومنها ما حكاه الجعفري المذكور قال كنا ذهبنا لزيارة السيدة زينب بصحبته فجلسنا في أثناء الطريق وأوقدنا ناراً فقال بعض الحاضرين لما أردنا المسير يا سيدي ضع لي راحتين من هذه النار في ذيلي فغرفها براحتيه ووضعها في ذيله وسرنا إلى أن قطعنا الطريق فرماها وهي متوقدة ولم يتأثر ذيل جوخته بها أصلاً وكان جديداً فكأنه لم يوضع فيه شيء أصلاً وقد ذكر الجعفري له كرامات غير الذي ذكرناها ولكن نحن أردنا الاقتصار ولو أردنا التطويل في بعض ما ذكر من مزاياه لأعيي الأوراق نشره وتحريره والقول الصحيح المجمع عليه أنه فرد وقته وولي عصره وكأنت وفاته في سبع عشر جمادي الثانية سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالمدرسة الخاتونية التي كان يقيم بها الذكر عند المحكمة وإلى الآن يتبرك به ويزار ورثاه الأديب عبد الرحمن البهلول بهذه القصيدة مؤخراً وفاته بقوله زر مقاماً مباركاً بمزايا ... حضرة الشيخ أحمد النحلأوي وتوسل إلى الاله بصدق ... فيه يظفر بكل ما أنت نأوي كان في أهل جلق الشام قطباً ... واضح السر للكمالات حأوي وهو مستغرق بمولاه حقاً ... كشحه عن سواه بالصد طأوي قد أصبنا به فصبر جميل ... عظم الأمر حيث عز التدأوي ولئن غاب شخصه ان فينا ... منه سراً يرجى الدفع البلأوي ان لله في البرايا خواصاً ... ساريات في كل رطب وذأوي أيها الخل خل عنك أنتقاداً ... فهو يغضي إلى ارتكاب المسأوي انما الاعتقاق أسلم قطعاً ... عن ذي العلم ثابت بالفتأوي أمة الدين أجمعت ان ذا من ... سادة صالحين لأوتك غأوي قد حباه الا له رتبة قدس ... وهي علياء لم تنل بالدعأوي دام روح الرضى وريحان فضل ... في ضريح أمسى له متنأوي قد قضى يوم جمعة في جمادي ... آخر في النعيم لا زال ثأوي جاء تاريخه ببيت فريد ... راق معنى لسامع ولرأوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 قدس الحي سر قطب سني ... صادق الحال أحمد النحلأوي أحمد البقاعي أحمد بن ناصر الدين بن علي الحنفي البقاعي ثم الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية العالم الأديب الفاضل الخبير كان من فضلاء الزمان الذين انجنبهم سيما بفنون الأدب وفضله مشهور لا يحتاج إلى شاهد ولد بالبقاع بقرية تل ذي النون المشهورة الآن بتل الذنوب وهي بطريق المالكانه في تصرفنا وقدم إلى دمشق وقطن في حجرة داخل مدرسة لسميساطيه بدمشق واشتغل بطلب العلم على جماعة وشيوخة شيوخ الشيخ أحمد المنيني ومهر وظهر له فضل غض ودرس بالجامع الأموي وأنتمى إلى صدور دمشق بني القاري وكان بدر سعد هم اذ ذاك في ابداره وتغالى بمدحهم ومما يحكي من ذلك ان الأديب مصطفى ابن أحمد الترزي كتب إليه هذين البيتين موبخاً له ومتعرضاً بهما لذم بني القاري وهما قوله ورب عطوف في نهار ضرامه ... يذيب دماغ الضب والأسد الضاري سقاني به ثلجاً كأن جليده ... قريض البقاعي في مديح بني القاري فأجابه بقوله وتعرض إليه لما اشتهر عنه من التشع ليس القريض يروق حسناً نظمه ... ما لم يكن بمديح آل القاري كيف للئيم الرافضي يعيبني ... في مدحهم ويسب من في الغار ولبعض الأدباء هذين البيتين معرضاً بهما للبقاعي المترجم سألت خدينا للبقاعي وامقاً ... به قلت من أي البلاد أخا الجهل رفيقك من تل الذنوب فقال لا ... ولكنه والله يا سائلي بعلي وفي ذلك قول مصطفى الترزي المقدم ذكره مخاطباً بهما المولى عمر القاري أيا عمر القاري ابن مفصحا لنا ... عن الغمر شرواك البقاعي أخي الجهل فاني لم أعرف حقيقة نجره ... ومن أي عفر حيث فرع بلا أصل فقال فاني قد تنأولت أصله ... وأروي الذي أرويه عندي عن أهلي توارثته عن والد بعد والد ... وناهيك عما قد توارثت بالفعل فقلت أمن تل الذنوب فقال لا ... ولكنه والله يا سائلي بعلي وفي ذلك كتب الترزي المذكور للبقاعي المترجم جواباً عن بيتيه بقوله دع الجاهل المغرور بالجهل انه ... يزيد بشتمي ثم ينصب في خفضي فلو كان أهلاً للهجاء هجوته ... ولكنه والله منخرق العرض زعمت بأني عبت شعرك كونه ... يمدح اناس حبهم كان كالفرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ولكن لما ضمنته من سماجة ... وبرد ومن يصغي له عجلاً يقضي وحاشا أمير الغار من أفك مبطل ... كتلك بل حبيه ذخري للعرض فمت كمدا ليس القريض موافقاً ... لطبعك لو تهوى النجوم إلى الأرض وما عيب ذا الشعر الفصيح بمدحهم ... ولكن أيا شالوص شعرك لا يرضى وشالوص اسم رجل من أتباع امراء ناحية البقاع وكان أصل ذهاب المترجم إلى الروم وتوطنه بها كونه منتسباً اليهم وذلك أن المولى محمد بن إبراهيم العمادي المفتي تغبر خاطره عليه وأوشوا له بعض الناس به فتوافق مع القاضي بدمشق اذ ذاك أن يرتب علي البقاعي دعوة قبيحة توجب تعزيره لأجل أن يعزره وأحضر عدة شهود فلما مثل بين يدي القاضي بالمحكمة أثبتوا عليه ذلك الأمر وشهدوا بصحته الشهود الذين من طرف العمادي وأمر القاضي بتعزيره وضربه وأهين اهانة بليغة واشتهرت بدمشق في ذلك الوقت وطنت حصاتها فبعد ذلك لم يستغم بدمشق وسافر إلى دار الخلافة وأنتظم في سلك مواليها واشتهر والذين شهدوا عليه لم تطل مدتهم وماتوا جميعاً وكان دخل اليها في حين سفر المورة وتوجه مع العسكر عسكر ياثم أنه في ختان أولاد السلطان أحمد عمل تاريخاً للختان ودخل طريق الموالي وأخذ عنه ثمة جماعة من علماء رؤساء الروم فهم شيخ الاسلام الولي محمد أمين حياتي زاده ورئيس الكتاب المولى مصطفى الشهير بالطأوقجي وكان يعتقده آغة دار السعادة بشير أغا وتقلب بالمدارس وأقرا دروساً عامة إلى أن وصل إلى قضاء ديار بكر ولم يتول غيره من المناصب وجمع من الأموال شيأً كثيراً ولم يتزوج وترجمه الشيخ سعيد السمان الدمشقي في كتابه وقال في وصفه هذا ممن ساد بنفسه وشمخ بعرنينه على أبناء جنسه في البقاع العزيز ترعرع وفي دمشق برع وتورع ثم قاد بناصيته العجب حتى ظن أنه يخرق الحجب فدعى من أجل ذا عصيبه وكأنت اراؤه غير مصيبة فانسل إلى الروم واليها سعى واستند إلى العراقة ولها ادعى فصادفته العناية وغض عن تلك الجناية فقابلته بوجه الاقبال وقمصته من الشرف أحسن سربال وكان حصل في أبان عمره من العلم ما حصل فببركته توصل إلى ما توصل الا أنه لم يزل من البيضاء والصفراء صفر اليد والجيب فكأنه ينفق من الغيب شاهدته في الروم وهو من الادعاء في مكانة وأي مكانه ينتسب لبيت أسست أصوله قواعده وأركانه ودعواه أو هي من بيت العنكبوت واهية الأدلة مقطوعة الثبوت إذا تكلم بالتركية ضحك وتحقق سامعه ماهيته وما شكك والثمانون تعز به بعمره وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 ملتهى عن الحسناء بزيده وعمره غير أن الزمان بعدها له تنفس وتبسم بعد أن قطب وعبس وجعله بعد رتب التدريس من الموالي وجدد ما رث من ثياب حظه البوالي وبالجملة فأدبه بيت القصيد باسط به ذراعيه بالوصيد وله شعر عجيبة أساليبه يعجبني منه قوافيه وتراكيبه أنتهى مقاله وكان امتدح الوزير الكبير علي باشا المعروف بابن الحكيم في صدارته الأولى مؤرخاً فتح مورة بقوله من قصيدة ما المجد الا بحد السيف والأسل ... والعيش الا بعز الخيل والأسل ان المعالي في هذين من قدم ... وليس يدركها من كان ذا كسل وافت برونقها في كل منقبة ... تعزى إلى أسد في القول والعمل من نال منها أقاصي كل مرتبة ... أدنى فضائله كالوابل الهطل صدر الصدور التي سارت محامده ... في المشرقين مسير الشمس والمثل لا يشغل الفكر الا في اقتناص عدا ... ما بين مؤتسر منهم ومنجدل كأنه والعدى في كل معترك ... سيف يقد بهم كالأعين النجل يختار فكري بأوصاف له تليت ... في صفحة لدهر مثل المندل الخضل فليت شعري أمدح ما أفوه به ... في وصف صدر العلي أم رقة الغزل يستوضح الجيش من لالاء غرته ... ان كان في الليل آثار من السبل يسعى إلى الحرب والأسياف لامعة ... والخيل تعثر في الخطية الذبل فأوضح الملك حتى صار مشكله ... من حسن سيرته كالشمس للمقل لا يختشي العسكر الجرار يوم وغى ... ان جر ذيل القنا في حومة الوجل منها لا زلت تنصر من وافاك ملتجياً ... من كل هول يذيب القلب من وجل حتى أقمت بأبطال الحروب على ... أكناف مورة فانقادت على عجل وخضت منها بحار الحرب ممتطياً ... من نصرة الله خيل العز في الدول وكان طائرك الميمون من ملك ... تروى مفاخره عن أهله الأول ومنها قد صار بيتين في كل يؤرخه ... من بعد هذا كعقد زان ذا عطل في كل حرب دهى الاسلام من نوب ... قد أيد الله فيها أحمداً بعلي لا زال بين الورى أعلاء عدلهما ... ما دام عزهما في السهل والجبل وقال مضمناً لمصراعه الأخير يا رب ظبي كالمدام حديثه ... فيسيغه سمعي وعقلي يطرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قد خلعته شمس النهار بكفه ... مرآة حسن لونها يتذهب والوجه فيها لائح فكأنما ... هي دارة البدر فيها يلعب ومن ذلك تضمين العالم أحمد المنيني عاينته وكأنه من لطفه ... راح تكاد لها اللواحظ تشرب بالعقل والشطرنج يلعب وهو في ... فسطاط حسن للمسرة يجلب يحكي الزمرد خضرة فكأنما ... هي دارة والبدر فيها يلعب ومن ذلك تضمين الناظم الناثر أبي الحسن محمد بن العتر المصري حيث قال يا سائلي عن خصده ونطاقه ... حيث استدار بكل عضو كوكب ثبت جنانك ما استطعت فانما ... هي دارة والبدر فيها يلعب وقوله انظر مناطقه على أعطافه ... والبدر فيها بالترافة يحجب ليست مناطق تستدير وانما ... هي دارة والبدر فيها يلعب وقوله أيضاً وقد نقله إلى العذار خد بأقلام العذار مغضض ... وبأحرف الحسن البديع مذهب لام العذار به تدار كأنما ... هي دارة والبدر فيها يلعب وضمنه الأديب الشيخ محمد سعيد اللقيمي الدمياطي بقوله وممنطق بحلي الجمال مجرد ... وعذاره الزاهي الطراز المذهب نشوان يسبح لاهياً في بركة ... هي دارة والبدر فيها يلعب وأصله بيت الأديب الألمعي سعدي بن عبد القادر العمري من قصيدة وهو مضمن لمصراع الصفي بقوله خفقت مناطق خصره فكأنما ... هي دارة والبدر فيها يلعب ولصاحب الترجمة هذا الجمال بوجه من في وجهه ... قد أدهش الألباب والأبصارا فكأنه المرآة لو من خلفها ... خدشت غداً في وجهها آثارا ومما وقع له من المسأجلة مع العالم الشيخ أحمد المنيني حيث قال وروضة قد بكتها أعين السحب ... فراح يفتر فيها الزهر عن شتب فقال المترجم وبات يعتل في أكنافها سحراً ... ريح الشمال وداعي الشوق والطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فقال المنيني وغرد الطير في أعلى أرايكها ... والنهر صفق بالأمواه من طرب وقد كستها يد الانواء طرز حلي ... للنبت يختال في أثوابه القشب فقال هو وصاغ جدولها للغصن من ورق ... خلاخل الحلي والتيجان من ذهب فقال المنيني يستوقف الطرف من لالاء بهجتها ... نور من النور أو ورد من الحبب إذا شدا بلبل الأفراح ينعشها ... أجابه عند لبب اللهو من كثب وأن سرى نحوها جيش الصبا سحراً ... تدرع النهر واهتزت قنا القضب فقال هو فمن ثراها عبير المسك قابلنا ... وفي حماها نرى الحصباء كالشهب فقال المنيني طبنا بطل نما في حجر دوحتها ... مذ شب يبدو لنا في زي محتجب فقال هو مع كل مولى كان الله صوره ... من زهرة الفضل أو ريحانة الأدب فقال المنيني ان لاح أحجل بدر التم في شرف ... أوفاه بالقول أزرى بابنة العنب ولما ارتحل الأديب سعيد السمان إلى الديار الرومية اجتمع به وتردد إلى داره كثيراً وكان كلما حضر عنده يملي عليه من راح آدابه أكواباً ويفتح له من كل ما ترتاح إليه النفس أبواباً وكتب إليه السمان المذكور هذه القصيدة ظمأى لمنهل ثغرك الوباص ... وتشوقي للقاك واستشخاص مالي وللاحي الملح بلومه ... غلب الغرام ولات حين مناص كيف الخلاص وهل يلذ لمدنف ... دامي الفؤاد وليس بالخراص نسجت عليه يد الهوى ثوب الضنا ... حتى اختفى عن أعين الأشخاص يصغي لترجيع الحمائم في الدجى ... فيئن منه كأنه المخماص ما ساء التبريح في طرق الجوى ... الا الملام وقالة النقاص عذراً له يا ناهجي نهج الهوى ... فدموه في الحب غير رخاص كيف التخلص من يدي رعبوبة ... سلبت حجاه بطرفها القناص رقصت مناطقها وقلبي للقا ... كتراقص الأطيار في الأقفاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وغدت تهز من الدلال معاطفاً ... مرحاً كهز الاسمر الرقاص وسرت فناظر وجهها بدر السما ... شتان بين حدائد وخلاص يا دمية الأهواء رحمة مشفق ... لمتيم يا درة الغواص يرعى الثريا غير أن غرامه ... في كثرة والصبر في استنقاص شوقاً لمراك البديع لكي يرى ... ذاك الجمال بمقلة الأخلاص فتبسمت عن در ثغر اشنب ... يزري بحسن الجوهر البصاص أوما كفاك بأن يزورك طارقاً ... طيفي على رغم الرقيب العاصي من لي بذاك ولم أذق طعم الكرى ... والنوم عن جفن المسهد قاصي من حاز في طرق المعالي رتبة ... عزت مداركها عن الفحاص لولا اشتغالي في امتداح أخي العلا ... من آن من اسر الغرام خلاصي هو أحمد الأوصاف فرد زمانه ... ووحيده من قادة وخواص وحديقة الفضل الجني المجتنى ... حأوي الكمال وأشرف الأعياص قد غاص في بحر البلاغة مخرجاً ... درر الهدى بذكائه الوباص متلفعاً برد المحامد والتقا ... متدرعاً منهن أخير دلاص حيث القوافي تستقل بنظمه ... وتفوه فيها السن القصاص يا ساكناً بحبوحة المجد الذي ... أهل الكمال لهم بذاك تواصي خذها اليك بديعة ألفاظها ... عذراء تمشي مشية العراص وافتك تسأل ما اسم شيء لائح ... في الجوبل في الترب والادعاص يسري فيهدي المدلجين فربما ... سلب النفوس يسيره الحصحاص طوراً تراه مسدداً قوس الردى ... بل فاغراً فاها كما المعراص وتراه طوراً في السرى مستخفياً ... وتراه يستره رفيق نشاص وتراه ممدوداً ونهراً سائحاً ... متدفقاً في روضة وعراص ذو شوكة فيها المنية والأذى ... يسقي السموم كما القنا الوقاص يخشى سطاه ويتقي من بأسه ... وهو الجبان الشخت في الأشخاص فابن معانيه لاقدام على ... كسب المعالي والكمال حواص واسلم ودم ما سار ركب في الدجى ... يطوي الحزون على متون فلاص فأجابه بقوله وافت على رغم العذول العاصي ... هيفاء بين تطأوع وتعاصي تغدو كروض في نهار ملاحة ... وتروح عاترة بذيل عقاص مصقولة الحذين الا انها ... كالسيف يفشي هامة النقاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ضربت قباب محاسن من دلها ... من كل فج يبتغي كصياصي لم تتخذ لقريب معنى حبها ... قلباً سوى الصاد الروي العاصي لو رام لأستنباط ماء وسامة ... من وجهها لحظ رمي برصاص تختال في الخيلا علا وفصاحة ... قد قاد كلاً منهما بنواصي ذو الفضل من بالشعر صار لبيده ... وسعيده في الود والاخلاص من أو تصفح في الصحائف فكره ... ألقت معانيها له بخواص لولا حقوق الشعر عند فحوله ... لجنحت عنه وملت للقصاص لكن أجبت سعيدهم عن اسم ما ... هو عقرب في الجو والاعاص لا زال من شمس المعارف نورها ... يرقى لكوكب فضله الوباص ما سار عن وادي دمشق عشية ... بين الغصون نسيمة كعلاص وكتب إليه الجاب السامي السيد فتح الله الدفتري الفلاقنسي هذه القصيدة مع النثر الآتي ذكره وهي قوله الماجد الصرف الودادخدن السيادة والسدادترب المعارف والعوارف والمساعي والأياديمن شأنه نفع الصديقوقمع أعناق الأعادي ذو خاطر في كل شأنمعضل وأرى الزنادومآثر غر غدا برهانها كالشمس باديفخناصر النقاد قدعقدت عليه باعتقاد لا زال نادي فضلهذات العماد إلى المعادأهدى إليه من تنأي ما يخطر كل ناديومن السلام أرق حينيروق من دمع الغوادي وإذا تكرم بالسؤالعن تلقيم على الودادفالحمد لله المفيد بحمده حمد العبادنعماؤه مع ما نقصركل آن في ازدياد لكن للأشواق ناراًفي الحشا ذات اتقادوعلام لا اشتاقه وبه ابتهاجي واعتداديوهو الذي يصفي الودادعلى التداني والبعاد يغدو على حلل الطريقمن الفضائل والتلادوعلى التصنع والتزين بالملابس غير غاديفي رونق الصمصام مايغنيك عن حلي النجادي لا مثل من يضحي وعنوان الهوان عليه باديلا لاصطناع يد ولا لمنال فضل مستفاديرضى بقهقهة القناني دون حمحمة الجياد والمجد أمر لا ينالبدون كد واجتهادشرف ابن آدم ان نظرت بفضله لا بالعتادوقناعة المجهود بالموجود من جنس الجهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ماء الوجوه أعز منأن يقتني بعد النفادأيداً يضن به الأبي وان غدا سلس القيادوبريقه من لا يبالي بازدراء الازدراد هيهات لا تحسب دم الفرصاد مثل دم الفصادهو من وصفت وما وصفت بغير بحيث وأنتقادالمتعب الحساد والحساد من أهل الفساد يغدو الحسود وكيدهكالجمر من تحت الرمادوالعير يقمص جاهداً ويفوته جري الجواديا ويح أهل الفضل منأهل الجهالة والكياد ان غبت عنهم امعنوافي السب من غير اقتصادمتجأوزين حدودهم سلقاً بالسنة حدادهذا وقد ورد الكتابوشاؤ شوقي في امتداد فاغاث قلباً كان فيالله الترقب دون فاديوجلا العناء بكل معنى مستجد مستجادصد الهموم وراح مروبالرواء لكل صادي فكأنه نفس النسيمإذا تضمخ بالجسادفسقى معاهد أنسنا بلقاكم صوب العهاد الجناب الذي رفع الله سبحانه ذروته العليا على منكب الجوزاء وخفض جناح اعتزازه بالتواضع للأصدقاء وبرأ ساحته من شوائب المعائب كما أسبل تقلب حيائه على غر المناقب وأترع حياضه من زلال الفضائل في أنه مثل مارين رياضه بزخارف الفواضل فلا مرية عند ذوي الألباب في أنه غنى عن كثرة الألقاب مبنى فسطاط مجده بدون أطناب الأطناب وإذ كان ذاك كذاك فغيم تطأول الكوالي مساحة الافلاك وقد جل عطارد عن المس والادرك الا فجدد الله من عبير التحية والتسليم ما يضاعف طيب الندى الكريم ومن الثناء ما تزداد به الحضرة النضرة فتهتز بهجة ومسرة ولا زال الاقبال يغشاها والاكدار تتحاماها وتنحاشاها هذا وان تعارضت السؤال عن كيفية الحال روابط الصداقة الوثيقة التي هي بالنمو حقيقة فالحمد لله الذي ما من نعمة في الوجود الا وهي من جوده الموجود ومن جلائل نعمته سلامة الاخوان الثقاة التي لا نطيب الا معها الحياة ومنها ورد الكتاب البديع الخطاب وقد كان الفؤاد الواجد لطلوع نجمه الزاهر راصد فلما فضت ختامه المسكي يد التوقير أفضت إلى روضة وغدير ونسيم وعبير فشيد دعائم المحبة لا لنقصان وجدد معالم الذكرى وحاشاه من النسيان ثم حاشى رسائل الجناب بعد الآن من الفترة فان أخبار سلامته ذريعة إلى أقصى المسرة وهي منه مبر ولا سيما إذا تضمنت ما يسنح من الطائر الميمون بحاجة يرتاح بانجازها القلب وتقر العيون والسلام فأجابه عنها بأبيات ونثر لما وصلت إليه وهي قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وافت عقود من ودادفي جيد ألفاظ جيادفي كل معنى قد جرى من لفظه ماء الفوادي ... كادت تسيل فصاحة وبلاغة في كل واد فكأنها الغزلان ينشرطيبها مسك المدادعن فكر منشيها بدت توري الحقيقة كالزنادلله فيه سريرةبين الحواضر والبوادي لو أعلنت أجرى بهاالماء الزلال من الجمادولقد علمت بأنه صب إلى بذل الأياديمن ضئضئي نص الكتاب بأنه خير العباد فرع شريف أشبه الأصل الأصيل من المهادجاز الكرام إلى ذرى غايات مجد فيه باديواحتل غارب كل فضللم ينل من عهد عاد خطم الانوف وذلل الأعناق من أهل الفسادما نام شخص منهم الا على شوك القتادحيث انثنوا في شب نيران لهم ذات اتقاد فكأنه من عزهشمس وهم مثل الرمادلم يرمهم بعزائم لكريهة بل للرشادما زال يقحم كل يومخيل علياء الطراد حتى أشام سيوفهبطلى الأشد من الأعاديوالله أيد فتحه بالنصر مع بيض حدادوأناله من كل خيرما يروم من المراد وأباح عفواً بعضهموالبعض صار إلى انقيادهذا الثقاف يقيم مع وج الأنام إلى السدادهذا هو المجد المؤثل والطريف مع التلاد هذا الذي تتلى مدائحه على سمع المعاديصارت بها تحد والحدا ة كما ترى في الارتيادوغدت بما تحدويهترقى على السبع الشداد والشعر مثل مطيةلا تنبري الا بحاديهذا وأهديه السلا م مع الدعاء من الفؤادوأبيحه مدحا مع الود الاكيد المستزاد لا زال يرقى بالسعو ... د وعمره بالامتداد وصلت العذراء من القصائد وفي جيدها عقد من القلائد وعليها من ملابس البديع حلل وهي مفردات من الجواهر وجمل حاكتها كلماته الغر كشجر طيبة ثمرها الدر فعذبت في المغاز له وطابت عند المنادمة والمسأجلة مع نثر يعير النور إلى الكواكب ويغبر في وجه الصأبي الصاحب وكلاهما من شريف ألمعي وأديب لوذعي وفاؤه سموءلي في هذا الزمان وسخاؤه غيث مريع في كل مكان صدقته كعين الصدق صادقه ومودته مع محببه بكل لسان ناطقه يجريان مجرى الروح في الجسد ويستعيذان من شرحا سدا ذا حسد ويرويان عن وشي خلوص الفتح من فتحهما وعن الرياض الغضة من نضارتهما ما يهزأ بخلوص كل ذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 نظافة ويروض ورد ومحاسن اللطافة حرس الله عن الزيغ فكره وأدام على الألسنة حمده وشكره مع دوام حياته في ربوع مسراته ليحظى محبوه برسائله السائرة المشتملة على خصائصه النادرة فقابلتهما بسلام وشوق إليه وثناء كجلائل النعم عليه هذا وعمره مع السلام يطول بجاه جده النبي الرسول آمين وكأنت وفاة المترجم في قسطنطينية دار الخلافة في سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بها والبقاعي نسبة إلى البقاع العزيزي نسبة إلى العزيز عكس الذليل وكأنه نسبة إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قال في التعريف ومقر ولايت كرك نوح وأما البقاع البعلبكي فهو نسبة إلى بعلبك لقربه منها قال في التعريف وليس له مقر ولاية وهاتان الولايتان منفصلتان عن بعلبك وهما مجموعتان لحاكم غير حاكمها والآن يتولى تلك الناحية حاكم من طرف ولاء الحكم في دمشق الشام والله أعلم. الشيخ أحمد العاني أحمد بن هديب بن فرج العاني نزيل دمشق الميداني الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه القرصي الصالح الكامل كان عابداً ديناً نقا ولد ببلده عانه وقدم دمشق بعد ما جأوز العشرين وقطن بها في المدرسة السميساطية واشتغل على جماعة من شيوخها كالعلامة الشيخ الاستاذ عبد الغني النابلسي والعالم الشهاب أحمد الغزي العامري ابن عبد الكريم والمحدث الشيخ محمد الكامل وحضر دروس الشيخ علي كزبر ودرس في بعض مساجد محلته بميدان الحصا وصار اماماً بجامع الدقاق ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته بدمشق في شوال سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمقبرة الشيخ الحضي خارج باب الله رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر ولده محمد ان شاء الله تعالى. الشيخ أحمد الأكرمي أحمد بن يحيى بن محمد المعروف بالأكرمي الحنفي الصالحي الدمشقي خادم مقام سيدي الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قيس سره انشح المعمر الفاضل الأديب الشاعر كان مجموعة معارف تعلو بها الأقدار لكنه حظه نزر فصيره اضبع بين أترابه في زمانه من البدر في اليالي الشتاء كما قيل ان المقدم في حذق لضنعته ... انى توجه منها فهو محروم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وكان المترجم ملازماً تلك العتاب رامياً بنفسه في رحب ذلك الجناب وترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه شيخ هرم يحدث عن سيل العرم مناخاته كلها سكر وأرى وفكاهاته ملؤها شبع ورى وقد عبثت به يد اللأواء فصيرته طوع مقتضيات الأهواء فحاله أضيق من فم الحبيب وأشد غصة من بأس الطبيب الا أنه وان أرهقه الدهر بصرفه ونبا به كأنه سها في طرفه فصفحته يغشي العيون ائتلاقها وشيمته ما غير المكارم اعتلاقها وله شعر جاش به خاطره فجاء كزهر الروض فاح عاطره أنتهى مقاله ومن شعره قوله ثنيت عناني عن فتية ... يرون من العار علمي وكتبي وكانو أصحأبي علي زعمهم ... وكلهم قد تهيا لحربي فأعرضت عنهم لهم قاليا ... ولم آل جهدا بشتم وسب واذ ذاك لو هتفوا بي هلم ... لما كنت يا صاح ممن يلبي وقوله أقول لا هيف أضحى بقلبيمقيراً باختيار وانقيادأيا حلواً للما وأصل محبا ولا تقصد مجبك بالبعادوبرد غلتي بالوصل انيأخاف عليك من حر الفؤاد وقوله سقياً لموقفنا العشية بالحمى ... نشكو الغرام ولفظنا الألحاظ وعواذلي لما تشابه أمرنا ... هجعوا أسى لكنهم ايقاظ فكأننا المعنى المراد لطافة ... وكأنهم في ضمنه ألفاظ وهي عروض أبيات الأمير المنجكي التي هي قوله ومهفهف لولا عقارب صدغه ... لتناهبت وجناته الألحاظ طارحته ذكر الهوى وعواذلي ... لا نائمون ولا هم أيقاظ نبدي الحديث ولا حديث كأنما ... عبراتنا ما بيننا ألفاظ وقوله من قصيدة مطلعها لك لا لغيرك في البرية أعشق ... يا من به ثوب الحشا يتمزق يا مخجل القمر المنير وفاضح ال ... ظبي الغرير لك الجمال المشرق اني أضعت جميع عمري رغبة ... في أن يرى لي من ودادك موثق يا من به أضحى فؤادي راتعاً ... في روضة من حسنه تتنمق وغدا لساني ناطقاً في حبه ... بمدائح تعلو وحمد يشرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 يا عاذلي في غير عذلك مطمع ... كلا فلا قلب يميل فيعشق أمسى وأصبح في هواك بمقلة ... تندى وقلب من جلالك يخفق بالله يا فرد الورى في حسنه ... أرحم فريد هواك فهو الأليق وتلاف قبل تلافه فلقد غدا ... في نزع ثوب الاصطبار يفتق وأسال مضاجعه الضنا ورفيقه ... أعنى النحول ترى الهوى وتصدق ومن مقاطيعه قوله وقالوا الذي تهواه أصبح هاجراً ... وقد كان قدما واهباً لنواله فقلت لهم ماذا يضر لأنني ... شغلت به عن هجره ووصاله قوله شغلت به إلى آخره مضمن من قول بعضهم وقائلة انفقت عمرك مسرفاً ... على مسرف في نيهه ودلاله فقلت لها كفى عن اللوم انني ... شغلت به عن هجره ووصاله وكتب للأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي يمدحه بقوله يا أعلم العلماء والبطل الكمي ... يا من يفيد لكل من لم يعلم شرفت أحمد اذ نطقت بذكره ... ورفعته فوق الثرى بتقدم فالله خير جزائه يجزيكم ... ما دمت أذكركم بقلبي مع فمي فأجابه الاستاذ النابلسي بقوله يا خان دم العربي محيي الدين من ... حاز الفضائل والمقام الأفخمي ثابته ومن التناسب حكمة ... كم دل عنها ذو حجي وتفهم هو حاتمي من سلالة حاتم ... والأكرمي فأنت يا بن الأكرم ومن شعر الأكرمي قوله الا أن هذا الكون يرقص فرحة ... بموجده الحي القوي وذي الشان فلما تحققنا بذاك وكوشفت ... سرائرنا حقاً زمرنا بدخان وله في ذي عمة كبرى وذي عمة كبرى غدوت مسائلاً ... على العلم منه أم على الجهل عمما فقال على مقدار علمي ولو غدت ... على قدر جهلي ضاقت الأرض والسما وله غير ذلك وكأنت وفاته في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر الخير سنة أربع ومائة وألف رحمه الله تعالى. الشيخ أحمد الأحمدي أحمد المعروف بالأحمدي المصري نزيل طرابلس الشام الشافعي الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 العالم العلامة الفاضل المحقق البارع له البراعة والنظم والنثر والفضل والباع الطويل لأقامة دعائم الدليل قال بعض من لقيه لم يتحف أحداً برقيق أشعاره. ولا ينزه طرفاً في حدائق آثاره فهي دائماً بخدور صدره وتحت أذيال ستره. يتطلب دائماً أشعار اخوانه وفقه خلانه ويضعها في أكنانه كما يزن عقلهم بميزانه فعلى الحالين ان أحسنا به الظن نقول هو يعلم بالأذن وان أطعنا النفوس طوع البهائم وركبنا بطون المحارم وامتطينا القلاص الرواسم لوامض برق من الظنون الرواجم فلا يبعد أن نقرع سن الندم على سر طوى عن غير كاتم فالتسليم أسلم والله أعلم وقد وفد إلى طرابلس الشام بالطريقة الأحمدية في سنة خمس وثمانين ومائة وألف واشتهر بها وقد أخبرني من أثق خبره ان المترجم كان آية باهرة في العلوم والفنون وانه في كل علم بحر خضم جامع بين الحقيقة والشريعة ووفد إلى دمشق واجتمعت به وقد رأيت من آثاره بيتين خاطب بهما الفاضل الأديب السيد أحمد البربير الدمياطي وهما قوله ارتجالاً ان حمد الناس منك فضلاً ... فانني لا خفاء أحمد وان يرى من حميد وصف ... فأنت بدر التمام أحمد فأجابه حالاً مدحتكم في الورى بقلبي ... ولم أزل باللسان أحمد لكن بدا في الثنا قصوري ... إذ أنت في الحالتين أحمد وكأنت وفاته بقسطنطينة في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ولم يبلغ في السن ثلاثين سنة رحمه الله تعالى. الشيخ أحمد الشاملي أحمد المعروف بالشاملي الحنفي الدمشقي أحد مشاهير أعلام الفضلا المفيدين بدمشق كان فاضلاً عالماً محققاً تقياً له اطلاع أخذ وقرأ على جماعة أجلاء منهم الشيخ علي ابن الخليفة الدمشقي والشيخ عثمان القطان وكان يدرس بالمدرسة البيرمية الكائنة بالقرب من سراية الحكم بدمشق التي بناها كافلها الوزير محمد باشا الشهير بابن كرد بيرم في سنة سبع عشرة ومائة وألف ولازمه جماعة من الطلبة وأنتفعوا به وكأنت وفاته بدمشق في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بالمديان الأخضر رحمه الله تعالى. أحمد الراشدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أحمد بن محمد بن شاهين الراشدي الشافعي الأزهري الشيخ الامام العالم الفقيه الفرضي الحيسوب أبو العباس نجيب الدين تفقه على الشيخ مصطفى العزيزي والشمس محمد الفرضي العشمأوي وأخذ علم الحساب والهندسة عن الشمس محمد الغمري وسمع الحديث على كل من عيد بن علي النمرسي وعبد الوهاب ابن أحمد بن بركات الطنتدائي والشمس محمد الورزازي النمرسي والطنتدائي عن الجمال عبد الله بن سالم البصري ومحمد الزرقاني وبرع صاحب الترجمة وأنتشر صيته ودرس وأفاد وأخذ عنه جماعة كثيرون منهم ثعيلب بن سالم الفشني وهبة الله بن محمد الناجي وغيرهما وتوفي في سنة ثمانين ومائة وألف عن ثمانين سنة تقريباً رحمه الله تعالى. أحمد الحلبي أحمد الحلبي الشيخ البركة الصالح المعمر الكامل شيخ السجادة بمقام تكية القرقلار بحلب الشهباء تصدر للمشيخة سنة تسع ومائة وألف وتوفي سنة احدى وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. أحمد سكوني أحم المعروف بسكوني الرومي نزيل دمشق أحد الشعراء الروميين المشاهير كان من أتباع الصدر الأعظم قره مصطفى باشا المرزيفوني وزير السلطان محمد خان وبهمته نال بعض المناصب ثم وفد إلى دمشق واستقام بها مقابله جي أوجاق اليرليه إلى أن مات وكان شعره يميل إلى الهجو والملاطفة ودائماً يجري بينه وبين الشاعر المجيد يوسف الشهير بالنأبي الرهأوي مطارحات ومكالمات معلومة شهيرة وشعره بالتركي كثير وكأنت وفاته بدمشق في ربيع الثاني سنة اثنين ومائة وألف رحمه الله تعالى. أحمد التركماني أحمد الحنفي التركماني الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ارتحل اليها في سنة ثمان ومائة وألف وسلك طريق مواليها وحين وفاته كان منفصلاً عن رتبة السليمانية وكان من العلماء الفحول الأفاضل المحققين وله شهرة وفضيلة بين أهالي الروم توفي بعد الخمسين ومائة وألف في قسطنطينية رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 أحمد العقربأوي أحمد العقربأوي الشيخ الامام الفاضل الفقيه الأوحد الهمام شهاب الدين أحد رؤساء العلم بالديار النابلسية رحل إلى مصر واشتغل بالتحصيل بها وقرا على الشيخ عبد الله محمد الشبرأوي والنجم محمد بن سالم الحفني وغيرهما وتصدر للأفتاء على مذهب الامام الشافعي ودرس وأفاد وأنتفع به خلائق كثيرون في تلك البلاد وتوفي في بلدته عقرباً من بلاد نابلس في حدود الثمانين ومائة وألف أحمد الدومي أحمد الدومي الحنبلي الدمشقي قاضي الحنابلة بدمشق الشيخ الفاضل البارع العالم الأوحد أبو العباس نجيب الدين تفقه علي الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروس شيخ الاسلام النجم الغزي العامري تحت القبة وغيرهما وولي القضاء وحمدت سيرته ولم يزل على طريقة مثلي إلى أن توفي نهار الاثنين ثامن شعبان سنة سبع ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين. أحمد الجعفري أحمد بن مصطفى النابلسي الحنبلي الشهير بالجعفري الشيخ العالم الفقيه الصالح البارع أبو الفضل شهاب الدين كان من أعيان الصلحاء كل من يعرفه بصفه بأنه من الصالحين وكان من أكابر بلده وأعيانها المشار اليهم وله فضيلة في فقه مذهبه وتوفي في أوائل شهر رمضان سنة احدى ومائة وألف ببلدة نابلس وسيأتي ذكر أخيه صلاح الدين في حرف الصاد ان شاء الله تعالى. أحمد القطان أحمد ابن القطان المكي الفقيه الصوفي ولد بمكة ونشأ بها وجد واجتهد وكان ذا فهم ثاقب وذكاء مفرط وتصدر للتدريس فأقبلت عليه الطلبة واختص بصحبة العارف بالله تعالى السيد سعد الله ابن غلام محمد الحسيني وأنتفع به وأخذ عنه طريق التصوف وحصل له منه نفحات وعنايات وأخذ عن المترجم الشمس محمد عقيله المكي وغيره وهو من أعيان المحققين توفي سنة تسع ومائة بمكة. السيد إسحق الكيلاني إسحق بن عبد القادر بن إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي وينتهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 إلى الولي الكبير سيدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله تعالى عنه السيد الشريف القادري الحموي الحنفي أبو يعقوب الشيخ المعتقد الكامل أحد المشائخ المشهورين المعظمين ولد في حماه سنة احدى عشرة ومائة وألف كما أخبرني صاحبنا القاضي حسين ابن الرئيس على المستوفي الحموي نقلاً عنه وهو أكبر اخوته يعقوب ومحمد وصالح وعبد الرحمن ونشأ في كنف والده ولما استقر والده وأعمامه واخوته بدمشق وسكنوها استقام معهم وأخذ عن والده الطريقة القادرية ولقنه الذكر واشتهر أمره واحترمه الناس وكان الحكام والقضاة يبجلونه ويحترمونه اجتمعت به بدمشق وكان يدعو لي ويكتب لي بخطه بعض التعأويذ والتمائم وكان الوالد يحترمه ويجله ولم يزل شيخاً معتبراً محترماً حتى مات شهيداً قتله في واقعة أبي الذهب المصريين مع أهالي الشام جماعة من عسكر الأتراك طمعاً في ماله فوق معرة النعمان وهو ذاهب إلى حلب وكان ذلك في شعبان سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارج المعرة والحموي بفتح الحاء والميم نسبة إلى حماة البلد المعروفة المشهورة توطنها أسلافه من قديم الزمان وهم رؤساؤها وأعيانها ومشائخها وأحوالهم غنية عن التطويل وكلهم مشائخ معتقدون وسيأتي ذكر أخيه محمد وابني عمه ان شاء الله تعالى. السيد إسحق المنير السيد اسحق بن محمد بن علي المعروف بالمنير الحسني الشافعي الحموي الأصل الدمشقي الشيخ العالم الصالح كان من خيار الأخيار من الأمة المحمدية وكان والده من المعمرين الأخيار اتفق أهل عصره على صلاحه ودياته وكأنت له كرامات وأحوال عجيبة وكان في جميع أحواله ماشياً على نهج الكتاب والسنة وتوفي في سنة احدى وستين وألف وخلف ثلاثة أولاد أكبرهم السيد حسن كان من خلاصة الخلاصات عانا فقيهاً ورعا زاهداً وكان في عصره فرداً من أفراده جمع بين العلم والعمل وترجمه الأمين المحبي في تاريخه وأثنى عليه وذكر أن وفاته كأنت في شوال سنة أربع وتسعين وألف وأوسطهم السيد عبد الرحمن كان عالماً عاملاً تقياً نقياً توفي سنة تسع وثمانين وألف وثالثهم صاحب الترجمة قال المحبي في تاريخه عند ترجمة والد المترجم ولقد حكى لي بعض الاخوان عن صدوق من الناس انه رأى والدهم فسأله عن مرتبتهم في الولاية فقال أما حسن فكنا نتجارى نحن واياه فسبقنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وأما عبد الرحمن فقد وصل وأما اسحق فمع الركب مجد على الوصول أنتهى وكأنت وفاة المترجم في يوم الاثنين بعد العصر أواخر جمادي الثانية سنة ثمان ومائة وألف ودفن في يوم الثلاثاء في تربة الباب الصغير وسيأتي ذكر ولده أسعد وحفيده عبد الرحيم كل في محله ان شاء الله تعالى. إسحق البخشي اسحق بن محمد البخشي الحنفي الحلبي الخلوتي العالم الجليل الفاضل النبيل مولده بحماه في حدود السبعين وألف واشتغل على والده المذكور وارتحل معه إلى مكة المشرفة في أواخر القرن الحادي عشر وجأور بمكة مدة وتفقه على والده وأخذ عن علماء الحرمين في وقته وعن علماء بلدته وبرع في سائر العلوم واشتهر بلطائف التحريرات في المنثور والمنظوم وله سياحات كثيرة وابتلى بالاغتراب بسبب القضاء وله في علوم العربية والأدب ما يملأ الدلو لعقد الكرب وله نظم القدوري وغيره من الرسائل المفيدة والمراسلات الفريدة ولما اصطحبه معه الوزير قبطان إبراهيم باشا لسفر المورة من البحر وحصل لهم الفتح والنصر انشأ مقامة بحرية ووصف فيها كيفية الذهاب والاياب وكيفية القتال براً وبحراً وما يسره الله من الفتح والنصر بألفاظ عذبة وعبارات أنيقة وشاع ذكرها بين ادباء العصر وكان له نظام كالدر النظيم وتحريرات تفصح عن فضله الجسيم لو دونت لبلغت مجلدات وعاقبة أمره عدل عن القضاء وكأنت وفاته في حلب الشهباء في سنة أربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. إسحق أفندي منلاجق زاده اسحق بن محمد بن اسحق بن يحيى الشهير بابن المنلاجق القسطنطيني الحنفي قاضي العساكر أبو الكمال صدر الدين القاضي الأجل العالم الفاضل الأديب اللوذعي المتكلم الملسان صاحب النوادر والنكات المشهورة ولد بقسطنطينية سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم واشتغل بأخذ العلوم فقراً المقدمات وشرع بأخذ البواقي وتحصيل الكمالات وأخذ عن جماعة منهم الامام أبو العباس أحمد بن ناصر الدين البقاعي الدمشقي نزيل قسطنطينية والمولى الهمام أبو الصفا برهان الدين إبراهيم بن مصطفى بن إبراهيم الحلبي وغيرهم وبرع بالأدب والكمالات وحفظ الأشعار العربية والفارسية واللغة وكان صاحب حافظة قوية سريع الاستحضار يتوقد ذكاء حسن الصحبة والعشرة طارح التكلف بالألفة وقدم دمشق وحج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وأخذ بها عن الامام الشيخ أبي النجاح أحمد بن علي المنيني وعن الجد بهاء الدين محمد بن مراد الحسيني المرادي وقرأ أوائل شرح تاريخ العتبي على مؤلفه المنيني المذكور وسمع من أشعاره ودرس بمدارس دار السلطنة على عادتهم ثم درس باحدى الثمان وأعطى قضاء يكيشهر البلد المعروفة ثم أعطى بعد مدة قضاء مصر واجتمع بعلمائها وامرائها واختلط بهم وأحبوه وأحبهم وكان يحدثني بأخبارهم ويشكر صنيعهم ويمدحهم وولي قضاء دار السلطنة وبعدها ولي قضاء عسكر روم ايلي كان أول اجتماعي به في صفر سنة اثنين وتسعين ومائة وألف بقسطنطينية وسمعت من فوائده وأشعاره ونكاته ونوادره وحدثني بكثير منها وكان بينه وبين والدي محبة ومودة واجتماع كثير وكنت قبل ذهأبي إلى دار السلطنة أسمع أخباره من والدي وهو يثني عليه ويذكر أوصافه ولما اجتمعت به وجدته فوق ما وصف ولما عدت إلى دمشق كنت أراسله بالكتب وكان رحمه الله تعالى من الصدور الأجلاء أرباب لانقض والابرام وله شهرة بدار السلطنة وعمر الدار المعروفة به وصرف عليها الاموال الكثيرة وشرع في بناء دار في ساحل البحر خارج قسطنطينية وصرف على تأسيسها مالاً وافراً ومات وما أتمها وأعطاه الله القبول والجاه والرفعة وكان مع اشتغاله في امور الدولة وتدبير الملك لا يفتر عن المطالعة في كتب العلوم والمذاكرة ومجلسه لا يخلو دائماً عن عالم أو أديب أو شاعر أو كاتب أو رجل صاحب معرفة وله محبة لابناء العرب ويشهد بفضلهم ويتكلم بالعربية الفصيحة وبالجملة فقد كان من الافراد توفي في رابع عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن داخل سور قسطنطنية بمقبرة إبراهيم الوزير حاكم البحر بالقرب من جامع السلطان سليمان خان وحضر للصلاة عليه وعلى دفنه جميع قضاة العساكر والعلماء وأعيان الدولة ومنلاجق بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة وبعدها جيم وقاف تصغير منلا والمنلا باللغة التركية الشيخ العالم. أسعد الإسكداري أسعد بن أبي بكر الاسكداري الأصل المدني الحنفي مفتي المدينة المنورة لشيخ العالم الفاضل الأوحد المفنن الفقيه البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمسين وألف ونشأ بها واشتغل بأخذ العلم وحصل فأخذ الفقه عن مكي افتدى قاضي المدينة المنورة وتزوج بنته وأخذ عنه وعن غيره عدة فنون ونبل وفضل وصار أحد الأعلام المشهورين ودرس بالمسجد الشريف النبوي وتولى افتاء الحنفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مراراً وجمع في الفتأوي كتاباً حافلاً يسمى الفتأوي الأسعدية عليها المعول في بلاد الحجاز وله تحريرات كثيرة كان يكتبها على هوامش الكتب ولتلامذته على الكتب المقروءة عليه تحريرات معزوة إليه وبالجملة فقد كان من أفراد الدهر في علم الفقه ومعرفة الوقائع وتحرير الأسئلة والأجوبة ولم يزل على أحسن حال إلى أن توفي وكأنت وفاته سنة ست عشرة ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. أسعد الحرستي السيد أسعد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحرستي الأصل الدمشقي الشريف لأمه الذكي المتفوق الشيخ الفاضل الكامل الفقيه الفرضي البارع كان دمث الأخلاق له يد طائلة في المسائل الفقهية وله مشاركة في غيرها قرأ على المشايخ وحصل وتخرج على يد العالم الشيخ علي التركماني وقرأ عليه وصار كاتب الفتوي مع المزبور عند المفتي حامد العمادي ثم عند والدي رحمه الله تعالى لكون والده الشيخ أحمد كان كاتب الفتوى عند العمادي المذكور وكان والده من الأفاضل الفقهاء الفرضيين ورأيت لجده رسالتين ألفهما في الفرائض وكان قرأ في هذا الفن على العالم الشيخ كمال الدين ابن يحيى الفرضي الدمشقي المتوفي في سنة ثمان وثمانين وألف والمترجم صار في آخر أمره من الفقهاء البارعين غير أن والده كان يتغضب عليه فلذلك لم يبدر قمر حظه في سماء الاشراق ولم يزل يتجرع من دهره المصائب بدهاق وكان عليه عدة وظائف منها امامة السنانية وغيرها ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف عن نيف وخمسين سنة رحمه الله تعالى. أسعد البكري أسعد بن أحمد بن كمال الدين وتقدم ذكر والده الصديقي الحنفي الدمشقي الرئيس الفاضل الهمام المقدام الكامل البارع الألمعي كان صدر أعيان دمشق وواحدهم ممن تسامى وعلا واشتهر ذكره وشاع صيته من ذوي المفاخر والمحامد الرؤساء الأجلاء مقبول الشفاعة عند الحكام معتبراً موقراً لدى الخاص والعام وبالجملة ففضائله ومحامده تكاثرت واشتهرت في وقته مع الجاه العريض والرفعة والشان والسمو للمعالي ولد بدمشق تقريباً في سنة ثلاث وستين وألف وبها نشأ وترقى ومهر وتفوق وابتهجت به الأوقات وازدان به الدهر وأينع روض سعوده وبسق غصنا يترنح في خميلة السيادة والسعادة تؤمن الوفود وتقصده الأفاضل والمداح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وتولى نيابة الحكم في محكمة الباب وفي المحكمة الكبرى والقسمة مراراً وأعطى رتبة قضاء القدس وكأنت عليه وظائف وتوالي كثيرة وتملك العقارات والأملاك الوافرة وبنى الدار والجنينة في قرية جرمانا خارج دمشق وأتقن بناءها وجاءت نزهة وبهجة وصار يذهب إلى هناك ويدعو الأعيان والأحباب وكأنت في وقتها أحسن مكان يوجد في القرى وارتحل للروم والي مصر وحج إلى بيت الله الحرام وفي سنة ثمان عشرة ومائة وألف في يوم السبت ثاني وعشرين ذي الحجة الحرام من السنة المذكورة توجه إلى جهة صيداً هو والمولى عبد الرحمن بن أحمد القاري والمولى سليمان بن إسماعيل المحاسني الخطيب بالجامع الأموي والأمام بأمر سلطاني على طريق الأجلاء والنفي وكان ذلك باشارة والي دمشق الوزير سليمان باشا البلطجي وصنعه وكان السبب أنه أراد أخذ قرض من التجار وأحداث بعض مظالم فمنعه المذكورون فعرض للدولة بخلاف ذلك ثم استقاموا في صيدا إلى خامس عشر ربيع الأول سنة تسع عشرة ومائة وألف ففيه ورد الأمر السلطاني ثانياً باطلاقهم والعفو عنهم بأمر من السلطان أحمد خان وعند وصولهم إلى دمشق خرجت الناس خاصة وعامة كباراً وصغاراً إلى ملاقاتهم وصار لهم الكرام الوافر ولما وصلوا إلى عند الوزير المذكور خلع عليهم الملابس الفاخرة واستعفى منهم واعتذر لديهم غاية الاعتذار وممن امتدح المترجم الشيخ عبد الرحمن البهلول بقصيدة مطلعها من عذيري في حب ظبي مصون ... ذي قوام يزري بهيف الغصون وعيون ترمي الحشا بسهام ... ذقت من رشقهن ريب المنون وهي طويلة ومنهم الأديب عبد الحي الحال فمن مدائحه فيه قوله هذه القصيدة التي مطلعها قادنا في الشباب والعنفوان ... قائد الغي للوجوه الحسان فأطعناه برهة وعصيتا ... لائماً نصحه من الهذيان وعكفنا على العروس جهاراً ... حين زفت من دنها للقناني وطويت الحشا على الشرب حتى ... خلت ان المدام فيه طواني بين غيد وتمرد وغدير ... وغياض وغلمة كالغواني كل ظبي إذا بدا وتثنى ... ستر البدر منه بالأغصان منها يا ليالي السعود والبسط والقص ... ف ونيلي لصادقات الأماني كم خلعت العذار في ساعة الله ... ومطيعاً أوامر الشيطان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 غير أني رعيت أمر معادي ... وطرحت المخل في ايماني ثم أني أحسنت ظني بالله ... لعلمي بواسع الغفران وبحب الرسول والآل والصحب ... وحسبي فحبهم قد كفاني فيهم قد كفيت أمر مالي ... وبنجل الصديق جور زماني الامام الذي هو الجوهر الفرد ... وحيداً في حل صعب المعاني هو بين الأعلام واسطة العقد ... وحأوي السباق يوم الرهان ومنها أنفق المال في الجهاد وفي حب ... التهامي وطاعة الرحمن أورثتك الجدود بيت فخار ... شدته بالعلوم في كل آن ورفعت العماد منه بأيد ... أركزت أمه بأعلى مكان هي أيد تضمنتها أيادي ... صيرت حاتماً أخاً خسران تخجل السحب والغمام إذا ما ... أمسكت والظنون ليس تعاني من شهرت اليمين في لنيل سيلا ... وسنوح اليسار كالسيحان قلت بحران يا خليلي قل لي ... عمرك الله كيف يجتمعان الامان الامان أنا غرقنا ... من ندى راحتيك في بحران يا امام الكرام يا كعبة الجود ... وبيت العطا وركن الاماني يا عباب العلوم يا مجمل الفضل ... ونهر الروى وبحر البيان يا محل الآمال يا موطن القصد ... وربع النوال والاحسان يا غياث الملهوف يا كهف من قد ... طرقته طوارق الحدثان دم مهنا كما تحب وتختا ... ر أميناً على مدى الازمان وامتدحه الشيخ صادق الخراط بقصيدة مطلعها طيور التهاني بالمسرات غردوا ... فان المعالي قطبها الآن أسعد وأنتم حداة البسط للشام يموا ... فتلك العدا فيها من الغيظ انكدوا ونال ابن صديق النبي كرامة ... بها مات ذلاً من له كان يحسد وأنت لقد وفيت يا دهر بالمنى ... وجدت بما كنا نروم ونقصد فلا زلت توفي الوعد يا دهر دائماً ... وتخلف للحساد ما أنت موعد ولا زلتم يا آل صنو محمد ... على الناس يعلو قدركم ويشيد وهي طويلة وكتب إليه ممتدحاً داره الكائنة في قرية جرمانا بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أسعد الدهر قد بنيت دياراً ... عش بسعد في ظلها الممدود من رآها يقول من غير شك ... هذه الدار من جنان الخلود وقال أيضاً لا زلت يا دار طول الدهر عامرة ... ولا تعداك اقبال واسعاد ولا برحت بيمن السعد مشرقة ... يرتاح في ربعك المعمور قصاد وكتب إليه السيد الأمين المحبي يمدحه حين ولي نيابة حكومة الشرع بقوله ليس بالفخر مدحة المعشوق ... انما الفخر مدحة الصديقي ماجد كل ماجد من علاه ... يرتقي فوق هامة العيوق لوذعي يكاد بالفكر يدري ... ما درى الغيب من خيال رقيق فاضل أبدعته أيدي قدير ... لترى فيه صنعة التخليق جمعت فيه ما تفرق دهراً ... فتعجب للجمع والتفريق ولي الشام نائباً فاطمأنت ... كل أسرارنا بمحض الوثوق أيها الفاضل العريق الذي ند ... عوه فينا بالفاضل المنطيق ان لي ذمة تشبثت فيها ... من معاليك بالصدقي الصدوق انأمن حاله لديك عيان ... وسكوتي يغنيك عن تنميقي فارغ ودي بقيت في كل أمر ... نافذ القول عاملاً بالحقوق وبالجملة فقد كان المترجم من رؤساء دمشق المنوه بهم والمعول عليهم وكأنت وفاته فجأة في ليلة الجمعة بعد المغرب الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف ودفن يوم الجمعة في تربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه بمشهد عظيم حافل وكان قبل موته حصل له عارض سودأوي ومرض فانزوى في داره وعولج كثيراً ولم يفده شيء إلى أن مات ورثاه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بقصيدة مطلعها عزيز قوم كان لا يذلبمهو على أسلافه يذلأوصافه محض الثنا مشيرة بأنهم لفضلهم محلمن نسل صديق النبي ليس فيباطنه حقد وليس غل ونسل طه المصطفى أيضاً كمايعرف من عقد له وحلوآأسفي على شريف طبعه ذاك الذي بالجود لا يذلكان هماماً كيفما قصدتهوجدته لا يعتريه كل يحل كل مشكل لكل منأموره تكاد لا تحلتواضع يزينه مع رفعة وهو الكثير ما هو الأقلوكان ركناً في دمشق عمدةللكل يحتاج إليه الكل مهذب الأخلاق صعب المرتقىحديثه الشهي لا يملكأنه الروض ذهت أزهاره وكلل الأوراق منه الطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 السيد أسعد المنير السيد أسعد بن اسحق بن محمد بن علي الشهير بالمنير الشافعي الحسيني الحموي الأصل الدمشقي المولد الشيخ الامام العالم البارع المقري كان ديناً صيناً خيراً كثير الحياء وافر الديانة مصون اللسان عن اللغو ولد بدمشق في سنة ثمان وثمانين بعد الألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل لذلك فقرأ على جماعة منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي لازمه مدة مديدة وقرأ عليه ختمة للسبع من طريق الشاطيبة وقرء عليه ختمة للعشر من طريق الطيبة ولازم الشيخ عثمان الشمعة وقرأ وسمع عليه كتباً في عدة فنون منها شرح القطر للفاكهي في النحو مع حاشية يس ومختصر المعاني والبيان وشرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا وغير ذلك وام في لمحراب الأول بالجامع الأموي شريكاً للشيخ محمد الغزي العامري مفتي الشافعية بدمشق ودرس بالمدرسة البونسية بالشرق الأعلى وجلس للتدريس بالجامع الأموي واقرأ في النحو والقراآت وقرأ عليه القرآن العظيم للسبع وللعشر جماعة وأنتفعوا به ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن مات وكأنت وفاته مطعوناً في شهر رمضان سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة سلفه بالقرب من ضريح الصحابة بالباب الصغير رضي الله تعالى عنهم. أسعد بن عابدين أسعد بن عابدين الشهير بابن كوله بضم الكاف واللام الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح الدين الصوفي كان يتكلم بعلوم الحقائق ويظهر من مكنوناتها الخفايا والرقائق صحب لاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي مدة تزيد على أربعين سنة وتقل له الاستاذ بفمه وبارك عليه ووضع يده الشريفة على صدره وصار بعد ذلك يتكلم في الحقائق ويملي من علوم القوم الرقائق مع أنه كان أميالاً يقرا ولا يكتب ومع ذلك يقضي منه بالعجب في معرفته لغامضات علوم العارفين وكأنت وفاته بدمشق سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. أسعد الإيراني أسعد بن عبد الله بن خليل الشهير بابن المولى أبو سعيد الايراني والملقب بالهندي لسمرته القسطنطيني الحنفي شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية يمين الدين العالم الأجل الصدر الكبير المهاب المحتشم الفاضل الذكي الأديب البارع ولد سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 تسع عشرة ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده العلامة الكبير أبي محمد عبد الله الشهير بالوصاف وقرأ واشتغل بالفنون وسمع الكثير واكب على التحصيل وأخذ الخط المنسوب المعروف بالتعليق عن رئيس هذه الصناعة في وقته المولى رفيع مصطفى الكاتب رئيس الاطبا ومهر وتفوق وجود الخط وأتقنه واعطاه الله القبول والذكاء وأكثر من مطالعة كتب اللغة والأدب ونظم ونثر بالألسن الثلاث واشتهر من حين شبيبته ودرس على عاداتهم وتنقل في التداريس العلمية ثم ولي قضاء الغلطة ولما ولي والده مشيخة الاسلام في الدولة تزايد قدره وعظم حاله وكان والده من أفراد الزمان علماً وأدباً وجاهاً ولقب بالايراني لكونه أرسل سفيراً ورسولاً من طرف الدولة العثمانية إلى الدولة الايرانية أيام الخارجي الشهير نادر علي شاه المنبوزبطهما سب قولي خان سلطان العجم ثم أعطى المترجم قضاء مكة وبعدها قضاء قسطنطينية بالرتبة ولم يتصرف بالقضاء بل بالرتبة كما هو داب الدولة العثمانية ثم أعطى قضاء عسكر أناطولي وباشر الأحكام وبعد انصرافه وعزله ولي قضاء عسكر روم ايلي سنة ست وسبع وثمانين ثم في سنة تسعين ومائة وألف ولاه السلطان الأعظم أبو النصر غياث الدولة والدين عبد الحميد خان مشيخة الاسلام وصار مرجع الخاص والعام وأفتى وأفاد واشتهر في الأمصار والبلاد وامتدحه الشعراء وأقبلت عليه الأدباء وكان حسن الأخلاق عالماً محققاً أديباً أريباً حسن النظم والنثر لطيف الصحبة والمذاكرة كثير اللطائف والنوادر ولما دخلت إلى قسطنطينية في صفر سنة اثنين وتسعين ومائة وألف كان شيخ الاسلام فذهبت إليه مع قاضي دمشق المولى محمد أمين ابن شيخ الاسلام ولي الدين المفتي ولما رآني قام واقفاً وقال أهلاً ومرحباً بابن شيخنا رحم الله جدك سيدنا الاستاذ الشيخ مراد اجتمعت به وقبلت يده وتشرفت بزيارته ولما مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف حضرت غسله وجنازته والصلاة عليه ولم أر مدة عمري أبيض من جسده جسداً ولا أطرى منه وكان بالمجلس حاضراً المولى اسحق بن محمد المنلاجق قاضي عسكر انا طولي فأثنى هو أيضاً عن الجد وأكثر من المدح واجتمعت به بعدها غير مرة ولما كنت بدمشق قبل اجتماعي به رقأبي إلى المدرسة السليمانية وأرسل إلى رؤس المرسوم الصادر باشارته وأبقى ابن عمي أبا طاهر عبد الله بن طاهر المرادي في منصب فنودي دمشق وكتب له به كتاباً وأرسله إليه تمرض وأنا بقسطنطينية واشتد به المرض ولا زال يكثر حتى قرب من الموت وهو في هذه الحالة لم يعزله السلطان عن المشيخة ورسم له أن يجعل حتماً للفتأوي يكتب الجواب كاتب الفتوى وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 يختم به لعجزه عن الكتابة فقال له المقربون والوزير الأعظم يا سيدنا ان المولى أسعد الايراني للآخرة أقرب وتعطلت امور الدولة وضاجت ذوو الحاجات وأرباب المطالب والصرار على ابقائه في المنصب مضر للدولة ويحصل منه تنكر والأمر اليك فقال لا بد أن أسأل عنه رئيس الأطباء فإنه أن أخبرني بما ذكرتموه أعزله ولما حضر بين يديه رئيس الأطبا سأله عن مرضه وعلته وحاله وأخبره بضعفه وأنه للآخرة أقرب ولا ينتج من دائه فرسم بعزله وأحضر قاضي عسكر روم ايلي المولى شريف ابن شيخ الاسلام المولى أسعد ابن شيخ الاسلام المولى إسماعيل بن إبراهيم المفتي ألبسه خلعة مشيخة الاسم البيضا وهي فروج من الجوخ الأبيض حشوها السمور الأسود لا يلبسها الا شيخ الاسلام المنصوب وكان ذلك في اليوم السادس والعشرين من جمادي الثانية سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ثم لم يلبث الا ستة أيام ومات في ثاني رجب من السنة وصلى عليه في جامع أبي الفتح السلطان محمد خان مجمع حافل حضره ما عدا السلطان جميع الوزراء وقضاة العساكر والرؤساء والأعيان ودفن عند والده في مقبرة أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه خارج قسطنطينية وقبره معروف رحمه الله تعالى. الشيخ أسعد المجلد أسعد بن عبد الرحمن بن محي الدين بن سليمان الشهير بالمجلد لكون والده في مبدأ أمر كان مشتغلاً بتجليد الكتب الحنفي السليمي الدمشقي ولي الله تعالى بلا تراع العالم العابد الزاهد الورع الفاضل الشيخ الأجل كان صواماً قواماً محافظاً على العبادات والطاعات ولد بدمشق في سنة سبع وتسعين وألف ونشأ بها في كنف والده وطلب العلم على جماعة بعد أن تأهل منهم العلامة والده قرأ عليه في النحو والصرف والفقه ومصطلح الحديث ومنهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ عبد القادر التغلبي وأعاد دروس الشيخ صالح الجنيني في يوم الجمعة تجاه النبي الحضور يحيى عليه السلام وكان يقرئ بالجامع الأموي تجاه سيدي يحيى عند محراب المالكية ويعظ بعد المغرب تجاهه ودرس بالمدرسة العادلية الصغرى وبالمدرسة الجمالية بصالحية دمشق وأنتفع به جماعة من الطلبة وما قرأ عليه أحد الا وصار له الفتوح ببركة خلوصه وكان ملازماً للديانة والصيانة ونشر العلم والانزواء عن الناس وشرف النفس وعدم التردد إلى أهل الدنيا ولما صارت الزنزانة العظمى بدمشق ونواحيها في سنة ثلاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وسبعين ومائة وألف تعطل نصفه من حائط وقع عليه وبقي سطيحاً إلى أن مات وكأنت وفاته في شهر رمضان وهو صائم سنة ثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وسيأتي ذكر والده عبد الرحمن ان شاء الله تعالى. أسعد أفندي العبادي أسعد بن أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن محمد المعروف بالعبادي الحنفي الدمشقي الأديب الفاضل الكامل الماهر اللوذعي أحد من اتصف بالبراعة والنظم والأدب اشتغل بطلب العلم على جماعة منهم الشيخ محمد الحبال ومنهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ عنه ولازمه وكان في مبدأ أمره يحضر دروسه في الفتوحات المكية وغيرها وتلمذ له وقرأ المطول وغيره على الشيخ عبد السلام الكاملي وتفوق وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أبي سلك شعب الأدب وابتدر لنظم شمله وأنتدب فأعلم حبره وطرز وأبرز من مصوناته ما أبرز واقتض شوارده وأحرز برقة لو سرى بها النسيم لما استيقظ الوسنان أو ما زجت الرحيق لما استفاق النشوان خالية من شائبة تخالط طبعه أو تكدر من صافي فكره نبعه تستعبد من المعاني أحرارها وتظهر في سبك الألفاظ أسرارها لم تقطع علائقه من الاشتهار وتأبى خلائقه الاستظهار يستهويه الزهر والأعجاب ويرده التيه إلى الاحتجاب ولم يزل مرتبكاً بنفسه متعلقاً بتخمين آماله وحدسه تسير به في مهأوي الأوهام الا ما تضيق به منه الافهام فطوراً تؤربه الهمة فلم يقتدر وتارة تقعده عما يهم به ويبتدر فهو في ذلك كثير النجوى قليل الجدوى الا أنه في الخيلات الشعرية باقعة وملحة وسط لقلوب واقعة فكأنما اقتطفها من زهر على ضفة نهر أو اختلسها من أنفاس الصبا إذا سرت بها إلى سمع الربا فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها أمل يرنح غصنه الوعد ... وسطور شوق حطها البعد وتذكر ثمراته لهب ... يذكيه مني الحب والوجد ونواطر شحت بأدمعها ... قد صاد طائر غمضها الصد أفدى الذي الأوهام تجرحه ... ترفاً ويحسد خده الورد ريم ملاعبه جوانحنا ... وقلوبنا لا البنان والزند يرنو بأجفان مهندها ... ماضي الشبا قلبي له غمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 غصانة بالسحر فاترة ... مكحولة ما راعها سهد تخطو فهل ريحانة لعبت ... بقوامها النسمات أم قد حلو الحديث منعم بهج ... تحمي رياض جماله الأسد أتراه صاغ حديثه درراً ... في الجيدام هذا هو العقد وأظنه غصب الكواكب من ... فلك الذي يسمو به المجد مولى ملوك العز تخدمه ... والدهر في أبوابه عبد منها قد طوق الاعناق نائله ... فلراحتيه الشكر والحمد لو مس أعواداً ذوت حملت ... أو مس صلداً أورق الصلد من مثله أو من يفاخره ... وله رفيق المصطفى جد واليك يا روض الكمال أتت ... ورقاء نظم بالثنا تشد سكرت بخمرتها العقول وقد ... سجدت لكوكب حسنها القصد تهدي للعالي عقد تهنية ... بك يا وحيد أماله ند وقوله ممتدحاً بها الاستاذ الأعظم الشيخ زين العابدين البكري المصري حين كان بمصر صحبة الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الحجازية سنة خمس ومائة وألف حث كاس الصبوح قبل الصباح ... واسقنيها مع الوجوه الصباح بنت كرم لو برزت جنح ليل ... لغنينا بها عن المصباح بكردن تنفي الهموم عن القل ... ب وتبقى الهنا مع الافراح واردها على ما بين ورد ... يا نديمي وسوسن وأقاح من يدي شادن مليح المحيا ... ناعم الخد فيه يحلو افتضاحي أهيف أغيد رخيم دلال ... ان تثني يزري بسمر الرماح هو بدر يسعى وفي اليد منه ... شمس راح تدار في الأقداح عاطنيها فإنني لست أخشى ... من زماني بأن يقص جناحي كيف أخشى من الزمان واني ... عبد رق للسيد الجحجاح الامام الهمام خدن المعالي ... واحد الدهر زين أهل الفلاح وهو غيث الورى وغيث البرايا ... من رآه رأى جميع النجاح من رقي ذرورة الكمال وأضحى ... قبلة القاصدين والمداح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وجهه الطلق ليس يلقاك الا ... بالتهاني والبشر والانشراح لبس المجد حلة وتحلي ... بالكمالات والتقى والصلاح وهو زين العباد نجل أبي بكر ... وسبط البتول ذات السماح دام في نعمة وعز وسعد ... وكمال ما أن له من براح أمد الدهر ما تألق برق ... وتغنت حمامة الادواح وقوله مضمناً سمير الاماني كيف يرتاح باله ... وآماله قد غلقت بالكواكب يؤرقه حب أذاب فؤاده ... وفهم معاني رمز قيس الحواجب تخذت الهوى روضاً ونوحي حمامة ... فأنبت ورداً من دموعي السواكب أروم وصالاً من هلال ممنع ... بسمر القنا والمرهفات القواضب ادار على الياقوت ذوب زبرجد ... وأطلع صبحاً تحت ليل الذوائب فيا غصن الريحان عطفاً على الذي ... أحاطت به الأشواق من كل جانب فكم أجتني زهر الأسى وإلى متى ... أعلل قلبي بالأماني الكواذب فليت ربي الآمال تثمر بالمنى ... وينزاح بأسى عن وجوه مطالبي لا لثم جيداً واضحاً وذؤابة ... فبين الضحى والليل كل العجائب وللأديب محمد الكنجي مضمناً أيضاً أعد نظرة يا صاح علك أن ترى ... فؤادي الذي قد ضل عند الكواعب فهن اللواتي سقنه ليد الردى ... وأغرين فيه كل عين وحاجب وهن أمرن الطرف أن يهجر الكرى ... وعلقنه في سهده بالكواكب وهن بعثن الموبقات إلى الحشا ... وأسلمنه من غيه للنوائب أمطن نقابات المحاسن فانمحت ... لشمس محياهن دجن الغياهب أبحن دم العشاق حتى جعلته ... خضاباً لا نملهن دون الرواجب تحالفن أن لا يرعين لعاشق ... ذماماً ولا يحفظن عهد الصاحب أسلن على أجيادهن أفاحماً ... من الفرع أدناهن تحت الترائب فخلت وأيم الله كل عجيبة ... فبين الضحى والليل كل العجائب ومما اتفق أن المترجم رحمه الله تعالى رأى في منامه ليلة الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة سنة ثمان عشرة ومائة وألف أن رجلاً أطلعه على خمسة أبيات في مدح الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فقرأ الأبيات فلما استيقظ من النوم لم يحضره من الأبيات الا مصراع واحد وهو أرج الشيخ عطر الكون طيباً فضمن ذلك فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 أن يكن عطر الربا عرف زهر ... عندما واصل القبول الجنوبا وزها الروض بالعبير فهذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا ثم ضمنه أيضاً الفاضل الكريم الكامل الشيخ محمد الدكدكجي فقال طيب زهر الرياض ان فاح فينا ... وحبا الجسم من شاذه نصيبا فعبير العلم الآلهي من قل ... ب امام الوجود أحيى القلوبا هو عبد الغني شيخ البرايا ... من لأهل الكمال صار حبيبا لا تلمني يا صاح ان قلت عنه ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا حفظ الله ذاته أمد الده ... ر ولا زال للقلوب طبيبا وقد أحسن جداً لا سيما وهي أبيات خمسة كما أخبر صاحب الواقعة ثم قال الشيخ محمد الدكدكجي أيضاً ان ذلك الخزام والشيخ ان ... بدا بقاسون منه عرفا رطيبا لا عجيب من عرفه ان هذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا وقال الأديب الفاضل الشيخ صادق الخراط ان زهر العلوم من روضة الفض ... ل الينا أهدى عبيراً رطيبا فسكرنا من نشره وطربنا ... وفتى الحب من يكون طروبا وسمعنا هداتنا الحق تشدو ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا فهو شيخ الوجود قطب البرايا ... من سنا علمه أنار القلوبا ذاك عبد الغني فرد المعالي ... من شهدناه للقلوب حبيبا دام يرقي أوج العلى بكمال ... عرفه يفضح الصبا والجنوبا ما تبدي طير المعارف يحكي ... في رباه مؤذناً وخطيبا وقال أخوه الفاضل الشيخ أمين الخراط عجب الصحب من شميم عبير ... فاح في قاسيون يحيي القلوبا قلت لا تعجبوا لرياه هذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا وقال الفاضل الكامل الشيخ سعدي العمري نفحة الروض عطرت كل ناد ... حين وافى بها النسم رطيبا أن يكن عرفها يضوع فهذا ... أرج الشيخ عطراً لكون طيبا وقال إبراهيم ابن الراعي ان روض الكمال أهدى الينا ... كل وقت شذاه مسكاً وطيبا مذ بدا عرفه لنا قلت هذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وقال البارع الفطن خليل الصديقي زهر روض الكمال مذ لاح فينا ... هيج الشقوق منه عرفاً وطيبا أن يكن نشره العبير فهذا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا وقال الاستاذ عن نفسه شيخنا الأكبر الذي نحن نمشي ... منه في روض علمه تقريبا لا عجيب أن قيل في المدح عنا ... أرج الشيخ عطر الكون طيبا وللمترجم يا سقى عهدنا بأيام وصل درر الغيث عن جيوب السحاب حيث ريحأنتي نضارة قد ورياضي محاسن الأحباب ومدامي خمر العيون اللواتي البستني ثوب الهوى والتصأبي يا سقاه عهداً مضى بشموس في غصون سكري بخمر الشباب ما تذكرته على الكاس الا رقصت أدمعي كرقص الجلب هو من قول الباخرزي وسكرت من خمر الفراق ورقصت ... عيني الدموع على غناء الحأبي ومنها يا نديمي والشوق ورد دمعي لظباء ألحاظها أصل ما بي ما عليهم لو سامحونا بكاس حملتها أنامل العناب وله أسدلن هاتيك الذوائب ... فغدا النهار كما الغياهب وبسمن عن درر فاش ... رقت المشارق والمغارب وسفرن فاختفت الشمو ... س مهابة تحت الغياهب ونظرن عن حدق المها ... يا قلب خذ عنهن جانب كم ليلة للنجم بت ... لأجلهن هوى أراقب حتى دنانير النجو ... م من السماء غدت ذوائب وله أنادم فكري في هواك فينقضي ... نهاري وليلي في كواذب آمالي ولي مقلة قد طال عمر سهادها ... وقد ذل من جوار لنوى دمعها الغالي وطرف رجا قد كحل الياس جفنه ... وربع اصطباري عنك يا منيتي خالي وميلة أغصان يحركها الهوى ... فتشدو بأعلاها حمائم بلبال هواك بقلبي ليس تمحي سطوره ... ولو محت الأقدار أسطر آجالي ولولاك عاطيت الزمان سلافة ... من العتب أحلى من سلافة جريال ولكنني أخشى بأن يسمع الصبا ... فينقل أسراري إلى سمع عذالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ولولاك ما كأنت حميا مطامعي ... تدار بأقداح الأماني على بالي وله ريم أطار فؤادي في تقلبه ... تكاد تشزبه الالحاظ من ترفه تخفي الشموس حياء من محاسنه ... كأنما الحسن قد أبداه من طرفه أشكو هواه إلى كاسي فتلهبه ... أنفاس نيران قلب ذاب من أسفه يفديه منى وان عز اللقاء به ... قلب تحالفت الأهوا على تلفه وله مضمناً لمجمر العود فعل زادني عجباً ... كأنه البدر يبدو في دجى الظلم طلبته فسعى في أفق مجلسنا ... سعياً على الرأس لا سعياً على القدم وللأديب مصطفى الصمادي مضمناً أجاد قمقم ماء الورد خدمته ... بمجلس كان فيه أحسن الخدم سعى يقبل أيدينا يودعنا ... سعياً على الرأس لا سعياً على القدم وللمترجم انظر لقمقم ماء الورد حين بدا ... تتلوه مبخرة العود الشذي الزكي كان هذا وهذا في ضيائهما ... عمود صبح تلته شمس أفلاك وللسيد مصطفى الصمادي لقد تدأنت الينا شمس مبخرة ... تروي أحاديثها عن عنبر عبق تخفي كواكب ندمان السرور إذا ... بدت كما الشمس تخفي أنجم الأفق وله يا بروحي رشيق قد تبدي ... حاملاً قمقماً ومجمر ند لاح كالبدر والبخور سحاب ... قد تغشاه ممطراً ماء ورد وللأستاذ عبد الغني النابلسي ان ضيف الكرام يلقى سروراً ... وانشراحاً وفرط أنس وود ثم في آخر الجلوس سحاباً ... من بخور قد أمطرت ماء ورد وللصمادي المذكور ان يكن في ختام مجلس أنس ... بحضور البخور تفريق شملي فمن الورد فال وارد خير ... ومن العود فال عود لوصلي ومن ذلك قول النبيه إبراهيم الراعي وقمقم ماء الورد قد فاح عرفه ... وطيب شذا عود القماري أجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 يقول لنا قم قم وعد نحو حينا ... تجدد اكراماً وعودك أحمد وهي من قول النبيه عبد الرحمن الموصلي ولم أطلب المأورد عند فراقنا ... وعود القماري كي أزيد به ودا ولكنني بالعود أبغي تفاؤلاً ... بعود وماء الورد أبغي به وردا وللأستاذ عبد الغني النابلسي وجموع من سادة في دمشق ... يا سقى الله عهد تلك الجموع نظمتهم بسلكهن ليال ... زاد فيها الثنا لسان الشموع ثم كانوا إذا المجالس تمت ... واراد وافراق تلك الربوع رفعوا للدعاء منهم أكفاً ... فملتها قماقم بالدموع ثم جاءت مباخر داخلات ... تحت أذيالهم لفرط الخضوع صاعدات أنفاسها ببخور ... من جوى نار قلبها الموجوع نفح عود وصوت عود اشارا ... لي بعود مكرر ورجوع ومن هذا القبيل قول العالم محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري لما رأى قمقم المأورد عزمكم ... على الذهاب ونار الوجود تضطرم اشار للكف اذ حأنت بفرقة ... مقبلاً ودموع العين تنسجم وللفاضل أحمد المنيني عاكساً للمعنى بقوله وأجاد لقمقم ماء الورد أعظم منه ... لدفع ثقيل مثل صخرة جلمود يقول له قمقم وان دمت جالساً ... فعما قليل سوف تخرج بالعود وللمترجم في تشبيه اللعلع يا حسن لعلعة جناها أغيد ... والحسن يجني من رياض جماله فكائنه غصن الرجاء بوصله ... تعلوه جمرة شوق قلبي الواله وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في التشبيه ولعلعة ككاس من عقيقجوانبه طوال مع قصاروداخله فتيت المسك يعلو سواد صبائغ ضمن اصفراروفيه منارة بيضاء حفتبست مشارف ذات اخضرار وتحمله يد خضراء تحكيأصابعها مسامير النضاريقول إذا رآها المرء جلت وعزت قدرة نسبت لباري وله جميل المحيا قد أدرت على النهى ... من اللحظ والطرف الكحيل كؤسا وحزت سناء لو تقسم بعضه ... على الزهر صارت في السماء شموسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وله وهو في بيت ابن حمزة قالوا شذا العود أحيى القلب عاطره ... وعطر الكون ريا مجمر العود فقلت هذا شدا طيب النوال سرى ... في العود اذ وضعته راحة الجود وقال الاستاذ عبد الغني النابلسي شاع في الناس ان للعود عرفا ... ظاهرا تفهم الأحبة رمزه صدقوا في الذي يقولون لكن ... هو عود من كف أولاد حمزه وله غير ذلك وكان نظم أبياتاً مضمناً البيت الأخير منها فقال أيا ربة الخال التي من دلالها ... تدار علينا قرقف وشمول ويا بهجت الأنوار يا من بعادها ... له في جراحات الفؤاد نصول ويا بانة في روض حسن ترنحت ... ويا من بألحاظ الغزال تصول تلاهيت عنا واشتغلت بغيرنا ... وليس لنا منك الحياة بديل فيا دعدان أغراك واش بمينه ... وصدك عنا عاشق ورسول زنى القوم حتى تعلمي عند وزنهم ... إذا رفع الميزان كيف أميل فلما وقف عليها بعض نبهاء عصره كتب تحتها هذا البيت وهو وزنتك يا خلي فملت فأيقنت ... بأنك يا روح الغرام ثقيل فحين بلغه الخبر عز به المصطبر ولم يلبث سوى أيام قلائل ومات وكأنت وفاته في أوساط ربيع سنة خمس وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وبنو العبادي فيما يزعمون ينسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج الصحأبي الجليل رضي الله عنه فعليه يكون العباد بضم العين والعامة تكسرها وهو غلط مشهور والآن لم يبق منهم سوى الأسباط والله أعلم. أسعد الطويل أسعد بن محمد بن علي بن محمد بن محمود المعروف بابن الطويل الشافعي الدمشقي لشيخ لعالم البارع الفاضل الأديب كان من ادباء دمشق النبهاء الظرفاء مع خلق حسن ورقة وطلاقة محيا وتوقد ذكاء ولد بدمشق في سنة اثنين وثمانين وألف وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة من علماء عصره كالشيخ عثمان الشمعة قرأ عليه جانباً كبيراً من شرح الكافية للجامي وحصة وافرة من شرح التلخيص المختصر وغير ذلك ولازم درس الاستاذ لشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ عنه وكان الاستاذ يميل إليه وحصل فضلاً وأدباً واشتهر بالشعر والأدب وكان رفيقاً للشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 سعدي العمري لا ينفك أحدهما عن الآخر وقد أبيض شعر لمته ولم يقعده في التصأبي عن همته وهو لا يفتر عن أنتهاز الفرص ويقطع أوقاته بين روض وغدير وغزال غرير مشتغلاً بذلك منهمكاً وبالجملة فهو بالعشرة ممن طال غرامه فساد واشتهر ما صرف عن أبائه والأجداد وقد ترجمه خاتمة الأدباء السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من الشعر وقال في وصفه شاب نبيه القدر تراه فتستريب بصفحته البدر سقى منبته بماء الفضل فاخضر عوده وأخصب ربيع كماله لما لاحت في سمائه سعوده نشا أبدع من تصفح صفحه وأعار النسيم من عرفه نفحه يستضئ المقتبس بجماله ويتبسم الزمان بكماله وله همة في تحصيل المعارف لم تزل ولا تزال سابغة المطارف حتى قرت به العيون ووفاه الدهر ما بذمته من الديون ولي فيه عدات وثيقة الزمام كامنات كمون النور في غض الكمام وقد حلف بالزيادة وعليه ان يبر يمينه فقاله للأقبال قابل وطله عند أهل المعرفة وابل وله أدب مغانيه فساح وشعر معانيه فصاح أثبت منه ما يتقد به السمع والطرف وتعلم أنه خالص العيار عند أهل النقد والصرف فمنه قوله في صدر رساله وهو أول شعر قاله سلام مشوق قد تزايد وجده ... ودر ثناء قد تنظم عقده وأزكى تحيات أخص بهديها ... اماماً علا فوق السماكين مجده هو العالم النحرير علامة الورى ... سليل أولى التحقيق من خاب ضده رفيع الذرى من خصه الله بالتقى ... رفيق العلى غوث الزمان وفرده إليه يد التقصير أهدت تحية ... وأزكى سلام فاح في الكون نده وأبدت إليه الاعتذار بأنها ... قريبة عهد النظم حياه عهده فلا زال في أوج المكارم دائماً ... مدا الدهر ما روض المنى فاح ورده وما مستهام الشوق أهدى جنابه ... سلام مشوق قد تزايد وجده وقوله وقد أرسلها للشيخ صادق الخراط أيا مربع الأحباب حييت من عهد ... ولا زلت مرعى للأحبة من بعدي لقد خلفوني مغرماً وترحلوا ... أكابد شوقاً في الحشا زائد الوقد أجيرتنا لا أوحش الله منكم ... لقد خنتم عهدي وملتم عن الود الا هكذا الأحباب تنسى عهودهم ... ام الدهر بالهجران قد خصني وحدي رويدك يا حادي الظعون بمهجة ... اذيبت بنيران التباعد والصد ورفقاً بمن في الركب أوهنه الجوى ... ويصبو إلى تلك المعاهد من نجد الا أين نجد بل وأين ظباؤها ... وأين كحيل الطرف من زاد في البعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 غزال سبا كل البرية طرفه ... وصال على أسد الشرى منه بالقد إذا ما تبدى أخجل الشمس وجهه ... وان لاح بدر التم ناداه يا عبدي له وجنة حمراء زينها الحيا ... ومبسمه يحكي الهلال مع الشهد لقد زارني أفديه من كل حاسد ... على غفلة الحراس من غير ما وعد وقد سرني قرب التواصل والوفا ... كما سرني مدحي سليل ذوي المجد هو السادة الغر الذين تقدموا ... وقد أنجبوا فرداً وناهيك من فرد هو الصادق المفضال أوحد عصره ... كريم خصال ليس تحصر بالعد هو الحبر كشاف الملمات كلها ... وبيت ذوي التحقيق واسطة العقد همام رقي أوج المعالي بفضله ... وفاق على كل الأفاضل بالجد له همة علياء في كل مشكل ... وداب على حفظ المودة والعهد الا يا وحيداً في المحامد والعلا ... ومن فقت في فن القريض على الند اليك لقد أهديت مدحي وأنه ... لجهد مقل أوهن الفكر بالكد فسامح وقيت السوء عثرة وامق ... فأنت لأحرى بالسماحة عن نقد دم في ثياب العز ترفل دائماً ... مدا الدهر ما صاح الهزار على الرند فأجابه الشيخ صادق المذكور بقوله أتت من حلي الاسعاد ترفل في برد ... فقلنا أضاء البدر من فلك السعد ووافت لدى الاصباح من غير موعد ... ويا حبذا الحسناء زارت بلا وعد أتت تتهادى يخجل البان قدها ... إذا رنحت عطفيه ريح الصبا النجدي تجر ذيول التيه في موكب اليها ... وتنتشر عرف الطيب من ذلك البرد تسايل عن ربع الأحبة تارة ... وطوراً تحيي ما مضى فيه من عهد حفيظة ود لا تزال على المدا ... تدير علينا بالوفا اكؤس الود مليكة حسن لم تزل بجمالها ... نواظرنا في القرب تشخص والبعد تصورها الأفكار منا إذا نات ... فنشهد حسناً باهراً جل عن حد لطلعتها الأقمار تسجد طاعة ... وتركع أجلالاً لها قضب الرند تشير إلى نحو القلوب بطرفها ... فتستلب الأرواح من داخل الجلد أقامت شموس الحسن في باب عزها ... حيارى وأمسى عندها البدر كالعبد عرفنا هواها قبل أن تعرف السوى ... فكان لدى الأحشاء أحلى من الشهد سقى الله دهراً قد تقضي لنا بها ... بليلة أنس اذ أمنا من الضد وباتت تعاطينا كؤس حديثها ... فتمنحنا عقداً ثميناً على عقد وتذكرنا ما قد مضى من عهودنا ... لدى الورضة الغناء والمسهد السعدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 زماناً به كنا نرى الدهر طائعاً ... معيناً على الشكوى حفيظاً على العهد تقضي فلا والله ما كان عيشنا ... به غير مر الطيف زار بلا قصد يميناً بما جادت به من ودادها ... لأني حفيظ في هواها على ودي ولست الذي ان حاربته يد النوى ... يميل إلى السلوان لو ذاب بالوقد فيا عاذلاً قد رام نصحي مذ نأت ... رويدك اني لا أميل إلى الرشد هواها حياتي ما حييت وان أمت ... معي أبداً يبقى إلى النشر في لحدي وان هي أولتني التباعد والجفا ... ومالت بوشي الحاسدين إلى الصد فها أنا لم أبرح مقيماً على الوفا ... أكايد أشواقاً جنتها يد الوجد أشاغل أوقاتي بنظم فرائد ... من المدح في سلك من الشكر والحمد أحيي بها خدن المكارم والتقى ... سليل العلا أرثاً عن الأب والجد فريد المعالي من سجاياه أصبحت ... تجل عن الأحصاء في موقف العد له من حلي الأفضال أفخر حلة ... يتيه بها في الناس كالعلم الفرد ففي الفضل كم أضحى به الدهر معجباً ... وفي اللطف كم أمسى مصاناً عن الند فما نسمات الروض باكرها الحيا ... فازري شذاها بالعبير وبالند تمر على زهر الروأبي عشية ... فتكسوه برداً من شذاها على برد بالطف من أخلاقه وصفاته ... وأعطر من أنفاسه عندما يبدي ولا الجوهر المكنون تاه به الحجي ... بأفخر من ألفاظه درر العقد فيا واحد الدنيا ويا أوحد العلا ... ويا من رقى أوج السعادة والمجد اليك كغصن البان وافت بخجلة ... فريدة حسن زانها رونق الخد تبثك مدحاً كاللالي منظماً ... وتخشى من التقصير غايلة النقد فسامح أخا الاسعاد فكرتي التي ... غدت في بحار الطمس غرقى عن الرشد ودم وابق وأسلم بالأماني منعما ... مدا الدهر ما غنت سويجعة الرند وقوله من التفريع وما لحظات من عيون جآذر ... تبيح دم العشاق بالسحر والفتك إذا شامها صب يقول لصحبه ... خليلي من فرط الغرام قفا نبكي يا صعب من يوم الوداع لأنه ... أطال به شوقي وقد لذ لي هتكي وقوله من التفريع أيضاً وما حالة الخنساء بالوجد والأسى ... وقد رابها طول التباعد من صخر تنوح فيبد ومن ضمائرها الجوى ... وتزري عقود الدمع كالعقد في النحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 بأكثر مني لوعة وصبابة ... إذا شمت هذا الظبي يجنح للهجر وقوله كذلك وما لوعة المديون وافي غريمه ... وليس له شيء يوفيه دينه وقد شام أبناء الزمان تنصلوا ... من اللطف والمعروف فاستلم حينه بأثقل من لطف الثقيل وليتني ... أموت ولا يلتام بيني وبينه قلت وهذا التفريع بالفاء من أنواع البديع ويسميه بعضهم النفي والجحود وقد وقع في كلام الشعراء قديماً وحديثاً من ذلك قول كثير عزة وما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى حمحامها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها ولبعضهم وما روضة حل الربيع نطاقها ... وجرت بها الأنواء حاشية البرد إذا حررت فيها النعامى لثامها ... ثنى عطفه الحوذات والتف بالرند بأطيب نشراً من خلائقه التي ... تنم برياها على العنبر الورد وكأنت وفاة صاحب الترجمة يوم الأحد سادس عشر جمادي الآخرة سنة خمسين ومائة وألف ودفن في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر عمه عبد الحي ان شاء الله تعالى. أسعد المالكي أسعد بن محمد بن محمد بن يحيى بن أحمد المالكي الشريف لأمه مفتي المالكية بدمشق أحد الأفاضل المشاهير كان عالماً فاضلاً له تحقيق وتدقيق في العلوم سيما بالمعقول كاملاً معرضاً عن الناس لا يخلو من سوداء في طبعه ولد بدمشق تقريباً في سنة سبع وسبعين وألف ونشأ بها واشتغل على جماعة من الشيوخ وحضر دروس الشيخ محمد الحبال في تفسير البيضأوي واجازه الاستاذ المحدث الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل الحرمين والمتوفي بدمشق وتفوق وكساه الله حلة الفضل ودرس بالجامع الأموي ولزمه جماعة وبالجملة فإنه كان ممن اشتهر بالفضل وكأنت وفاته في يوم الأربعاء سابع المحرم افتتاح سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية بمرج الدحداح وسيأتي ذكر أخيه يوسف في محله رحمهما الله تعالى. الشيخ إسماعيل المنيني إسماعيل بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الخطيب والامام بجامع بني أمية أحد الأعيان الأفاضل كان عالماً فاضلاً أديباً لوذعياً كاملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ً له أدب وفضيلة محتشماً موقراً ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ونشأ في كنف والده واشتغل عليه بالقراءة وعلى غيره كالشيخ السيد محمد بن محمد العبيبي والشيخ عبد الرحمن الكفرسوسي والشيخ صالح الجنيني وحضر دروس الشيخ علي الطاغستاني نزيل دمشق وكذا قراء بعضاً على الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق واكتسى من مبدأه حلة الفضل وتفوق ومهر بصناعة الشعر والأدب واقرأ في داره بعض العلوم ودرس في الجامع الأموي وخطب بعد والده وأخيه بالأموي وكأنت عليه وظائف وعقارات وقد كان في داره ملازم المطالعة والمذكرة مشتغلاً بنفسه عن غيره وارتحل إلى قسطنطينية حين توفي أخوه الشيخ عمر المنيني في سنة تسع وسبعين ومائة بسبب وظائفه ثم في رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة لما توفي عمي شقيق والدي المولى السيد حسين المرادي وكان مفتي الحنفية بدمشق برتبة قضاء القدس اختير مفتياً المولى محمد أسعد بن خليل الصديقي فنصب برأي واليها وأمير الحاج الوزير الكبير محمد باشا ابن العظيم وقاضي البلدة اطلقجي زاده المولى حافظ السيد محمد أمين وغيرهما ثم لما وصل إلى الحبر إلى الروم وكان مفتي الدولة العثمانية اذ ذاك شيخ الاسلام المولى إبراهيم نجل الوزير الصدر عوض باشا فوجه الافتا إلى صاحب الترجمة مع رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وكان قبل ذلك له رتبة ايكنجي التمشلي وجاء الخبر بذلك إلى دمشق وقيل في تاريخ فتائه والسعد نادى ارخوا ... بدمشق إسماعيل مفتى فباشرها مدة أشهر ثم عزل ووجهت الافتاء من شيخ الاسلام المولى محمد أمين صالح زاده لابن ابن ابن عم والدي المولى السيد عبد الله بن السيد محمد طاهر ابن السيد عبد الله بن السيد مصطفى بن الاستاذ الجد سيدي السيد محمد مراد قدس سره برتبة قضاء القدس كما سبق لوالدي وعمى وقد ترجم المترجم الشيخ سعيد الشمان في كتابه وقال في وصفه درة تلك البحر الفياض ويتيمته العصماء التي ما للحسن عنها اعتياض اقتبل الكمال وما هل هلاله ولا اشتدت أواخيه ولا أوصاله فسالت به غرة المجد وطالت وانجذبت إليه الافئدة ومالت وهو في حجر والده تبتسم في وجهه الآمال وتتفرس فيه النجابة من دون احتمال يدنيه دون اخوته ويمرنه على اكتساب الفضل ويدربه فحصل على ما حصل وما عهده من الشبيبة تنصل ولا بدع فالأصل طيب وقد سقى من ذلك الصيب والتربة الزكية لا تنبت الا زهراً والافق الصافي لا يطلع الا بدراً وزهراً أنتهى مقاله ثم باشر امور الفتيا وكتب على المسائل مدة أشهر وكان ورود المرسوم إليه في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ثم عزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 عنها ووليها ابن عمي المولى الشريف عبد الله بن طاهر المرادي ودخل دمشق في أواسط سنة تسع وثمانين وكان الوالد يجله ويحترمه واتصل بأخته أم الخير خديجة والدة الأخ الفاضل أحمد السعيد المار الذكر وتزوج بها وأيضاً عمي المار ذكره تزوج بأخته الثانية ام اليمن خانم وجاءه منها ولده أبو الفخر مصطفى وبيننا وبينهم محبة قديمة ومودة وله في الوالد المدائح ذكرت أغلبها في مطمح الواجد وكان والده وعمه أبو الفرج عبد الرحمن المنيني من أصحاب الجد الاستاذ الشيخ مراد بن علي البخاري وصحباه في السفر والحضر عدة سنين وهما من خواص تلامذته القائمين بخدمته والملازمين لحضرته والمستظلين باقياء فضائله وخضرته توفي صاحب الترجمة يوم الأربعاء ثالث ذي الحجة ختام سنة اثنين وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الشريف الأموي ودفن في مقبرة مرج الدحراح خارج باب الفراديس ومن شعره ما أنشدنيه من لفظه لنفسه يمدح بها بعض الأعيان أيها السائق المجد تصبر ... عمرك الله فالفؤاد تفطر وقف الركب ساعة عل طرفي ... بسنا الا هيف المحجب يظفر أو ما قد علمت ان فؤادي ... صاده من ظبائها العين جؤذر ثم عج بي نحو الربوع ففيها ... قد تركت الفؤاد بالحب مؤسر في هوى أغيد من الشمس أبهى ... فلذا البدر من محياه أسفر أكحل الطرف لين العطف أحوى ... كامل الظرف أهيف القد أحور ذو جبين كالبدر من ليل شعر ... وثنايا سلسا لها العذب شكر ولحاظ لسحر باب تعزى ... ولعمري بل منه أمضى وأسحر صاد عقلي بحسنه مذ تبدى ... قلت جل الذي لحسنك صور ورماني بالصد والبعد عنه ... ان حظي منه الصدود مقدر وكساني ثوب السقام نحولا ... ولقتلي سيف اللواحظ أشهر فشهودي عليه عند مدمعي ... ولعمري يمين ان هو أنكر وهواني قد لذ لي من هواه ... ان خلع العذار في الحب يغفر آبا لوصل لو يبل أو أمى ... من لهيب من هجره يتسعر لا مني في هواه من ليس يدري ... وأخو الوجد والصبابة يعذر فاذيعوا يا امة العشق شوقي ... لمليح من الجاذر انفر قد كوى مهجتي بنار التجافي ... ولقوس الصدود والهجر أوتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ولئن فوق النبال لقتلي ... لذت بالأوحد الهمام الموقر ذي المزايا الغر الحسان اللواتي ... من جبين الزمان حقاً تسطر وآياد تزري بكعب اياد ... وسجايا من مسك دارين أعطر سيد ما جد أديب أريب ... أروع باسل همام غضنفر أحرز المجد وامتطى العز طفلاً ... وهو بحر وللمكارم مصدر في اكتساب العلوم قد راض فكراً ... وبنيل الكمال للطرف أسهر وإذا ما أجنه جنح ليل ... فتراه عن ساعد الجد شمر وإذا ما دهت دياجي خطوب ... زادها فكرة من الصبح أنور فهو فرع لخير أصل كريم ... غرسه بالكمال والنيل أثمر قد حذا للعلاء حذو أبيه ... وبدا للفخار أكرم مظهر وبه قد سمت ربوع المعالي ... ولها بالندى وبالجود عمر فلئن غاب شمس ذاك المحيا ... فسنا نجله من البدر أنور أيها الشهم ان يكن نزر مدحي ... وثنائي عن قدر علياك قصر فأقلني العثار وامنن بعفو ... ما مسئ من للمقصر اعذر ثم فاهنأ بنيل حج كريم ... ببلوغ المنى وبالنجح بشر وكذا بعده زيارة طه ... سيد الرسل ذي المقام المطهر أنعماً قصرت يد الشكر عنها ... قد حباك الآله منا ويسر فتمتع بطيب عيش هني ... مع أخيك الهمام ذي الفضل الأشهر ما لنحو الحجاز سار مشوق ... وبنحر الدماء لله كبر وأنشدني هذه المرثية لنفسه في الجد البهاء المرادي خطب أذيب به الفؤاد الصادي ... وغدا به المضني حليف سهاد ونوائب لا تنطفي جمراتها ... تذكي الفؤاد بلوعة الايقاد بدلت بعد الصفو من عيشي بما ... قد كنت أخشى من زمان عادي يا دهر كم تغري بنا صرف الردى ... أولست ترعى ذمة لوداد وإلى م ترهفنا شدائد أوهنت ... منا قوام الروح بالأجساد ولكم تجرعنا كؤس مصائب ... قد آذنت بتقطع الأكباد قد كنت أزعم ان دهري مسعدي ... يجري الأمور على وفاق مرادي فبليت منه بضد ما أملته ... ورميت منه بأفظع الأنكاد وفقدت مولى للعلاء وللندى ... والفضل والأفضال والأرشاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 من لم يمل لزخارف الدنيا ولم ... تلقى له شغلاً بغير سداد كم من أياد بالسخأوة عم من ... أفضاله أزرت بكعب أياد غوث الورى غيث الندى بدر الهدى ... روح تكون من تقى ورشاد شمس المعارف والعوارف والعلا ... وملاذ أهل الحق والعباد آناؤه مقسومة للجد وال ... طاعات والعرفان والاسناد انسان عين العارفين وموئل ال ... لاجين بحر العلم والامداد منها فلئن تكن أفلت شموس جماله ... فلقد غدت منها البدور بوادي ما منهم الا همام كامل ... متبؤ بالعزا رفع نادي لا سيما الفرد العلي ومن حوى ... جل العلا من طارف وتلاد سباق غايات المكارم والندى ... وخلاصة الأمجاد والأجواد شهم يرجى في الخطوب إذا دهت ... وعدت علينا في الزمان عوأوي يا أيها المولى الذي بجماله ... بهر الورى من حاضراً وبادي فاسلم ودم أمد الزمان بنعمة ... مغبوطة بتغائظ الحساد ولك البقاء فأنت خير خليفة ... أحيي ثنا الآباء والأجداد وعلى أبيك الفرد من فاق الورى ... بمناقب تربو على التعداد سحب الرضى والعفو والغفران من ... مولى كريم بالعطاء جواد قوله ما كنت أدري قبل وضعك في الثرى إلى آخر البيت مأخوذ من قبل الشهاب الخفاجي قيامة قامت بموت الذي ... بموته مات الندى والكمال فإن شككتم فانظر وأنعشه ... وشاهدوا كيف تسير الجبال والأصل فيه قول المتنبي ما كنت آمل قبل نعسك ان أرى ... رضوى على ظهر الرجال يسير وقول ابن المعتز قد ذهب الناس ومات الكمال ... وصاح صرف الدهر أين الرجال هذا أبو العباس في نعشه ... قوموا انظروا كيف تسير الجبال وأنشدني من لفظه لنفسه أيضاً يمدح بها الوالد ويهنيه بمولود له علاء على هام السماك مخيم ... وعز به الأيام تزهو تبسم وبشرى بها طير الهناء مغرد ... على فنن في ايكه يترنم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فن أفق الآمال لاح محجب ... به انجاب عن وجه التهاني التلثم وأربى على الأقمار ضوء جبينه ... ومن وجهه نور الشهامة ينجم لعمري لقد طاب الزمان وأصبحت ... ثغور الأماني بالسرور تبسم بمولد بدر المجد من أنجبت به ... وعن مثله الأيام لا شك تعقم سليل همام طاب أصلاً ومحتداً ... فأكرم به فرعاً وأصل مكرم هو الأوحد المفضال والأمجد الذي ... به يشرف التمداح حقاً ويعظم همام سرى مسرى الكواكب صيته ... به منجد بين البرايا ومتهم له رفعة فوق الثريا مناطها ... ونور له رب السماء متمم وشهم له حزم وحلم وهمة ... وعزم من الهندي أمضى وأحكم وشدة بأس تردع الدهر سطوة ... فلا تنقض الأيام ما بات يبرم إذا عدت الأمجاد كان رئيسهم ... وان عدت الأجواد فهو المقدم ففي الجود معن وهو في الحلم أحنف ... وفي الحذق سحبان وفي البأس ضيغم الا قل لمن قدر أم أدراك شأوه ... لقد سمت مالاً ذو نهى يتوهم وحأولت أمراً دون درك ابتدائه ... نهاية أقوام بسبق تقدموا فذا شمس أفق الشام قطب مدارها ... أتبدو مع الشمس المنيرة أنجم فيا ابن الأولى بالفخر قد طار صيتهم ... بحزم إذا ما أصبح الكون مظلم شموس إذا ساروا بدور إذا سروا ... ليوث إذا غاروا غيوث تكرموا أياديك حقاً في الأنام شهيرة ... وقدرك في العلياء قدر مسلم وما أنت الا الجوهر الفرد من به ... لنا بان حقاً انه ليس يقسم منها ليهنك نجل منك لاح بهاؤه ... وفي حجرك الميمون دام ينغم بميلاده الاسنى لك البشر مقبل ... ووافاك بالنعمى عليك يسلم فقربه عيناً مع الشبل صنوه ... ودام بهم عقد العلاء ينظم ودمت ترى أبناهم كل أمجد ... أغر له الأسعاد والعز يخدم ومنها ودمت تهني كل عام بمولد ال ... رسول المرجى من به الخلق ترحم تساق لك النعمى ويزجي لك العطا ... ويهمي لك الأفضال منه ويسجم عليه من الرحمن ألف تحية ... وألف سلام كل حين يؤمم وقال مشطراً بيتي سليمان بن نور الله الحموي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 لا تحسبوا ان ريحان العذار بدا ... في خد من بالبها والحسن قد برعا أوان ذاك شعاع الحسن صوره ... في وجنة صاغها الرحمن وابتدعا وانما طوقه السمور قابلها ... مرآة حسن لبدر في الدجى طلعا وزانه منظر من نور بهجتها ... فشكاه في نواحيها قد انطبعا وكتب لبعض أصدقائه وقد أهداه شاشا لعمامة قد أثقلت كاهلي نعماك اذ وليت ... فلست أقضي لها شكراً مدى الزمن وتوجتني يد النعماء منك بما ... يلقى على الرأس مقبولاً ومنك سنى فالله يبقيك مفضالاً تحوز على ... شرخ الشباب مقاماً سامي القنن وقال مشطراً من حط ثقل حموله ... ان لم يجد منها سراحا في جنب عفو الله أو ... في باب خلقه استراحا ان السلامة كلها ... ان رمت في الدنيا نجاحا وكذا النجاة من العنا ... حصلت لمن ألقى السلاحا وكتب إلى بعض أحبابه مضمناً البيت الأخير أتيت رحابكم أبغي ازديارا ... لأقضي بعض حقكم اللزام فما سمح الزمان بما أرجى ... ولم أبلل بلقياكم أوامى وبت بليلة كحلت جفونا ... بسهد لم تذق طعم المنام ولما لم أفز منكم بمرأى ... وعدت ونار شوقي في ضرام نثرت من المآقي در دمع ... يحاكي صوب منهل الغمام وبرح بالحشا شوق ملح ... أهاج بمهجتي فرط الغرام وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام وكتب إلى مهنياً ومؤرخاً نبات عذارى سنة سبع وثمانين ومائة وألف سما بجد أثيلمن لم يقس بمثيلوعز عن أن يداني بين الورى بعد يلالشهم خدن المعالينجل المرادي الجليل ومن حوى المجد رقاعن السراة الأصولومن كسى ثوب عز واف بقصد وسولفلاح منه عذارللسعد أقوى دليل كدارة البدر زاوالليل مدلي الدلوليومذ تبدي سناه وقدرها بقبولأرخته ضمن بيتسما كعقد جميل طراز يمن وسعدزاه بوجه الخليللا زال يسمو عزيزا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 في ظل سعد ظليلودام مجد علاهمدى الزمان الطويل ولما كنت في قسطنطينية سنة اثنين وتسعين ومائة وألف كتب إلي من دمشق يؤمك بالهنا عز وسعد ... فسر بالنجح مصحوب الكرامة قضى المولى الجليل لك الأماني ... وردك بالمسرة والسلامة الجناب الذي تحلى بالفضل والأدب إلى المعالي نهضة ذوي الجد والدأب فاحرز بها قصب السبق وجلى فكان بذاك من سواه أحق وأولى سيما وهو فرع بسق من دوحة العلم وبرز على من سواه بالذكاء والفهم ومن كان التوفيق له مساعد فأحرى بأن يمد إلى المعالي أطول ساعد كالبدر لما ان تضاءل جد في ... طلب الكمال فحازه متنقلا ومذ سرت تفاءت بالعود بالمسرة للقلوب وأيقنت ان بعزمتك تفريح الكروب وان كان قد أظلمت لبعدك هذه الديار وحلت الوحشة هذه الأقطار فسيعود بعودك قريباً لها المسار وينجلي بنور طلعتك ظلمة الأغيار وتجلس على سرر الهنا وتقطف ثمار المسرة دانية الجنى وتحظى بحضرتك بما فوق المنى لقد سرت سير البدر في كل وجهة ... وقد حمد المسرى وعودك أحمد أهدى إلى تلك الذات تحايا ما الروض بأعطر منها عرفا ولا أنضر منها وان باتت تسح عليه باندائها سحاء وطفا وسلاماً يتضوع تضوع مسك دارين وثناء تكسب منه الشذا والأزهار والرياحين وأسواقاً تكرر تكرر الشفق وتتجدد كلما تمزقت ثياب الغسق ولو كأنت الأقطار طوع ارادتي ... وكان زماني مسعدي ومعيني لكنت على شط الديار وبعدها ... مكان الذي قد سطرته يميني لكن كيف الحداية بدون بعير أم كيف السباحة في غير غدير واني لمقعد الهموم والأوجال اطلاق وتيسير غير أني أضرع إلى مالك الملك ومدير الفلك ومدبر الفلك ان يجمعنا بالجناب جمع سلامه قاضياً من مقاصده مطلوبه ومرامه ويسهل له كل مطلوب ومراد ويذلل له كل صعب القياد ويدرأ عنه كيد الكايدين وشر الحاسدين وقد أنتهضت بحامله الهمة العلية للتشرف بالجناب ونيل تلك الأمنية فحسدناه حسد غبطه على نيل هذا الوطر وركوب غارب الغتراب والسفر ونبذ معان الذل والخطر والقاء العنان إلى ما جرى به القلم في القضاء والقدر كتب الله تعالى السميع سلامة الجميع انه قريب مجيب ليجتمع كل محب بحبيب دمت في سلامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وعافية ونعم ملابسها الفاخرة ضافية أنتهى ثم بعد وصول الكتاب الي أرسلت له الجواب وصدرته بثلاث أبيات من نظمي وهي تخيل في فكري وبعدك لم يزل ... يؤجج ناراً في الجوانح والقلب وحسبك مني أنني كل ساعة ... لك الذكر مني ان نأيت وفي القرب وأني لك الخل الخليل بلا مرا ... وقلبك في ذا شاهد دونما كذب والمنيني نسبة إلى قرية منين قرية معروفة تابع دمشق ولد والده بها وأصله من قرية برقايل تابع طرابلس الشام لشيخ إسماعيل بن الشيخ أيوب إسماعيل بن العارف صاحب العوارف الشيخ أيوب الخلوتي الدمشقي العثماني العدوي صاحب الكرامات الولي المستغرق الصالح العالم العامل المحقق الزاهد الفاني في الله ولد بدمشق في سنة خمس وخمسين بعد الألف ونشأ بها وترجمه الاستاذ السيد مصطفى البكري في كتابه الذي ذكر فيه من اجتمع به من الأولياء وقال في وصفه أخبرت عنه أنه كان يقري في جامع بني أمية قباله ضريح سيدي يحيى الحصور عليه السلام ورأيت بخطه اجازة لوالده أجازه بها وذكر فيها ان سبب انشائها طلب ولده المذكور وقد كتب بخطه كتباً كثيرة وتوجه إلى جهة بلاد الروم فحصل له في الطريق علة في رجله وصحبها جذب فرجع متوليها مستغرقاً ولم يتدأوى وبقي على حاله ولقد كان كثير التردد إلى بيت ابن العم المرحوم المولى أسعد الصديقي ويلبس عمامة وصوفاً ثم استغرقه الوله فرمى بهما وقد شوهدت له كرامات كثيرة منها ما أخبرني به ولد ابن العم المهاب محمد خليل الصديقي بلغه الله مناه المعيد المبدي قال كنت جالساً عنده مرة فقال لي قم قم لا بأس عليها فقمت إلى الحرم فرأيت جارية من الجواري صعدت السطح فزلقت رجلها فوقعت إلى أسفل الدار وقامت وما بها من بأس وضرب مدة رجلاً فاعترف أنه مستحق لذلك الضرب وقال قد وقعت مني هفوة وأتيت أقبل يده فضربني وقد نبهت وتبت وكان أكثر أوقاته لا يفتر عن التكلم مع نفسه الا انه إذا سمع أحداً يتكلم في مسئلة من العلم فإنه يسكت وينصت وقد أخبرني بعض الثقاة انه توقف مع جماعة في مسئلة قال فانصت وقال مولانا راجعوا له المحل الفلاني فراجعناه فرأينا الجواب عنها وكنت اقرأ لأخينا الشيخ عبد المنعم رحمه الله تعالى في بعض كلام القوم فأول ما أشرع بالتقرير يسكت ويلقى اذنه وأحيانا إذا سكت يقول لي اقرأ فاقرأ له وأنشدت أبياتاً مطلعها إذا جن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ليلى همام قلبي بذكركم إلى آخرها فقال هذه الأبيات لسيدي أحمد الرفاعي فقلت له نعم سيدي تنسب إليه فقال هكذا قلت نعم ولقد رأيت وصية لوالده ذكر فيها أولاده الأربعة وهم الشيخ أبو السعود والشيخ إبراهيم والشيخ أبو الصفا والشيخ إسماعيل المذكور وهو أصغرهم وقال له فيها يا ولدي إسماعيل أنت إلى الحق دليل يا ولدي إسماعيل تناديك الوحوش في القفار يا ولدي إسماعيل تناديك الأطيار في الأوكار يا ولدي إسماعيل أنت قطب العارفين يا ولدي إسماعيل مقامك مقام محيي الدين وأخبرت ان أخاء الشيخ أبا الصفا مفتي الشام كان كلما أشكل عليه أمر بانيه ويشكو إليه ذلك الأمر فيحل كل ما أشكل عليه ولو أخذنا في تفصيل أحواله وسردنا ما نقل من أفعاله لطال المجال واتسع المقال أنتهى ما قاله الاستاذ الصديقي وكأنت وفاته رحمه الله تعالى في حادي عشر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربتهم بمرج الدحداح رحمه الله تعالى. إسماعيل المحاسني إسماعيل بن ناج الدين بن أحمد المعروف بالمحاسني الدمشقي الحنفي خطيب الجامع الأموي بدمشق وامامه الشيخ الامام العالم الفاضل كان له ثروة ومال وافر ويتعاطى التجارة كوالده ولد بدمشق تقريباً بعد العشرين وألف ونشأ في كنف والده وكان والده من أعيان التجار المياسير أديباً المعيا توفي في شعبان سنة ستين وألف وولده المترجم برع واشتغل بطلب العلم على جماعة من الشيوخ كالشيخ رمضان العكاري وكان رفيقه في الطلب العالم الفاضل الشيخ رمضان العطيفي وحضور الدروس مقدار خمسين سنة حتى ان الشيخ رمضان المذكور صار في الآخر يحضر دروس المترجم في الجامع الأموي بالثلاثة أشهر في صحيح البخاري مدة إلى أن مات نحو أربع وعشرين سنة ودرس بالجامع الأموي وفي المدرسة الجوهرية واقرأ في العلوم ولزمه جماعة من الطلاب وكان من العلماء والأفاضل المشاهير والرؤساء المعلومين وحين توفي العلامة السيد محمد بن عجلان النقيب في سنة ست وتسعين بعد الألف انحل عنه تدريس السليمية فوجهها قاضي الشام المولى السيد مصطفى الاسكداري الرومي إلى صاحب إلى صاحب الترجمة وصارت له بموجب العرض من الدولة العلية وابتدأ في الدروس في تفسير البيضأوي من أول سورة طه ومعيد درسه كان ولده سليمان المحاسني وأيضاً لما توفي العلامة المحدث السيد محمد بن كمال الدين الحسيني المعروف بابن حمزة نقيب الأشراف بدمشق انحلت عنه تولية وتدريس المدرسة التقوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وذلك في سنة خمس وثمانين بعد الألف فوجهها قاضي دمشق المولى عثمان الرومي إلى صاحب الترجمة وكتب له عرضاً بذلك ومكتوباً إلى شيخ الاسلام المذكور وكتاباً آخر إلى الوزير إبراهيم باشا والي مصر والشام وكان مع السلطان محمد في الغزاة ودفع الكتب إلى ارج آغا متسلم إبراهيم باشا المذكور الذي أرسله إلى دمشق إلى حين مجيئه اليها فأرسل المتسلم المذكور جميع الكتب إلى الوزير المذكور وذهب لطرف الدولة فشرع المترجم في القاء الدروس بالمدرسة التقوية المذكورة في تفسير البيضأوي من أول سورة الكهف واستمر يلقى الدروس في المدرسة المذكورة إلى أن جاء الخبر من طرف الدولة على أن تولية المدرسة والتدريس وجههم شيخ الاسلام إلى العالم الفقيه الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي فلما جاءت البرآة السلطانية قيدت باسمه في السجل بالمحكمة في دمشق ولم يظهر إلى الكتب المرسلة من طرف صاحب الترجمة اثر أبداً واختفت وربما كان لا يخلو من تفضل في طبعه لأنني رأيت له مجموعة بخطه ذكر بها أشياء مما لا تذكر ولا في لوح الأوراق تحرر وتسطر أعرضت عن ذكر شيء منها هنا لعدم روابطها في الكلام وقد ترجم المترجم العالم المحقق الشيخ إبراهيم المدني المعروف بالخيارى في رحلته حين قدم دمشق وقال في وصفه الخطيب الأوحد والعالم الأمجد من أن وعظ الآن القلوب القاسية بزواجر وعظه وأبان الأجياد دحالية بجواهر لفظه وحلى الطروس بآثار أقلامه وبهج النفوس بفذه وثوآمه عباب فضل ترده الأسماع فلا يمله جليسه ومراد خضل مترع من نقود الأموال كيسه يقول للجواهر الأدبية إذا تحلى بها الغير انما أنت من معادني وللفضائل والفواضل أنت صادرة من محاسني الا وأنه المنهل العذب الروي مولانا إسماعيل المحاسني الخطيب بالجامع الأموي انفرد بتتويج هام ذلك المنبر ثم ليس من خطيب غيره فيذكر أنتهى ما قاله وكتب إليه العلامة صدر الشهامة أحمد الصديقي الدمشقي من دار الخلافة قسطنطينية في صدر كتاب هذين البيتين وذلك في منتصف رجب سنة ست وتسعين بعد الألف يا غائباً ما غاب طيب ثنائه ... عن خاطري يوماً ولا تذكاره لك في الفؤاد منازل معمورة ... كم من بعيد والفؤاد دياره ولما كان المترجم في الديار المصرية أرسل له شقيقه العلامة الشيخ محمد المحاسني من الديار الرومية كتاباً وصدره بهذين البيتين وذلك في سنة خمسين وألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ألا ليت شعري هل تذكرت عهدنا ... وطيب ليالينا كما أنا ذاكر واني لاستدنيك بالفكر والمنى ... إلى مهجتي حتى كأنك حاضر وكتب إليه الاستاذ الشيخ عبد الغني مهنياً له بالعافية من مرض نزل به بقوله شفاء به ثغر المعالي تبسما ... وبرء له طيراً لتهاني ترنما وعافية صرنا نهني نفوسنا ... بها حيث عيداً تلك صارت وموسما بصحتك الأيام صحت كأنما ... سقامك للأيام قد كان مسقما وما هي الا مسة الدهر وانقضت ... لك الله في أثنائها الأجر أعظما ليهنئ بك الأموي يا ركن عزه ... فقد جئنه كالغيث جاء على ظما فسر بك إسماعيل حتى تباشرت ... مصليه لما ان دخلت مسلما ومنبره أضحى بذكرك عامرا ... وبالفضل أيام الجموع منعما وقد أظهر المحراب فرط مسرة ... بصوتك حتى كاد أن يتكلما هو المجد عوفي حين عوفيت فليكن ... دعاء البرايا بالبقا لك ملزما ومن نعم الرحمن عافية الذي ... بمنطقه شمل العلوم منظما زهت تضحك الدنيا إلى وجه ماجد ... أياديه تبكيها ندى وتكرما أخو الفضل وابن الفضل قد كاد فضله ... يصير من التكرار في فمه فما اليك سليل المجد تهنية امرء ... بمدحك مغري ليس ينفك مغرما أراد تفاصيل الثناء فلم يجد ... لها قدرة لكن أشار فافهما رددت على الأيام يا روح جاهها ... فدم في سرور ما سرت نسمة الحمى وكتب إليه الأستاذ المذكور يطلب منه شرح ديوان الشيخ عمر بن الفارض قدس سره لجده العلامة الشيخ حسن البوريني الدمشقي بقوله أيا سيدا من نسل بورين جده ... ويا من حوى كل الكمال بذاته لجدك شرح زان نظم ابن فارض ... وحل عقود الدر من كلماته ومقصودنا منه اعادة نسخة ... بها الدهر فينا مقبل بهباته وكم نسخ في الناس منه وانما ... أردنا اقتطاف الزهر من شجراته ودم حسناً كالجنديا ابن محاسن ... قريراً باقبال المنى والتفاته وكتب إليه الاستاذ المذكور أيضاً يطلب منه اعارة أحياء علوم الدين للغزالي رضي الله عنه بقوله اليك سليل المجد بيتين ضمنا ... تحية مشتاق لحضرتك العليا وما مات شخص الود بيني وبينكم ... لأدراككم اياه في الحال بالاحيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ومما وقع واتفق للمترجم انه اجتمع بمجلس فيه زمرة من العلماء السراة الكرام فأنشد المحدث العالم السيد محمد الحسيني بن حمزة النقيب مبتدراً بعثتنا إلى الرياض صباحاً ... نسمات تحكي الوجوه الصباحا ثم أنشد المترجم فقال ونعمنا بسادة تشرق الأر ... ض بأنوارهم فتملا البطاحا ثم أنشد الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فقال كل شهم ينير في فلك المج ... د كشمس به سنا الفضل لاحا وأنشد ثانياً المترجم فقال سيما سيد الأفاضل من م ... لك منا بلطفه الأرواحا ثم أنشد الشيخ حسن العطيفي فقال جوهر الألفاظ خص بنطق ... أخذ الجوهري عنه الصحاحا فقال تابعاً له أخوه الشيخ رمضان العطيفي ورث الجود عن جدود كرام ... ملأوا الكون سؤدداً وسماحا ثم قال الاستاذ النابلسي ثانياً أممرت منهم رياض المعالي ... حيث منها شذا المحاسن فاحا ثم قال المولى السيد محمد الحسيني ابن حمزة ثانياً أيضاً ورقوا في ذرى الفخار سناما ... دونه كل محرز أرباحا ثم أنشد ولده اللوذعي السيد عبد الرحمن فقال فتحلوا بكل معنى لطيف ... مستجد قد وافق الاقتراحا من علوم مبذولة للافادا ... ت وبحث يولي القلوب انشراحا ثم قال المولى والده المزبور وإلى شيخنا المفدى بأروا ... ح رجوع لمن غدا أو راحا أزهرت فيه دوحة القتل والمج ... د وزادت بما لديه أتاحا وكأنت وفاة صاحب الترجمة بدمشق في ليلة الخميس سادس عشر جمادي الثانية سنة اثنين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وسيأتي ذكر قريبه موسى وحفيد ولده سليمان قلت وبعد وفاته انفصلت الخطابة عن بني محاسن في الجامع الأموي وتولاها العلامة الشيخ إسماعيل الحائك ثم بعد وفاته تولاها الفاضل الشيخ مصطفى الاسطواني واستقامت عليه إلى سنة خمس وعشرين ومائة وألف ففيها عزل عنها وتوجهت للمولى سليمان المحاسني ولد المترجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 مع تدريس السليمة في الصالحية وسبب عود الخطابة اليهم كون ولد سليمان المحاسني المذكور وهو أحمد المحاسني رحل إلى الروم ونزل في دار شيخ الاسلام المولى عطاء الله وكأنت بينهما محبة أكيدة وشكى حالهم إليه قال له ان الخطابة والتدريس من قديم الزمان على بني محاسن والآن توجهت الخطابة للشيخ مصطفى الاسطواني والتدريس للشيخ عبد الغني النابلسي وكان شيخ الاسلام المذكور بينه وبين الشيخ عبد الغني النابلسي اغبرار خاطر لكونه لما ورد قاضياً إلى دمشق صار بينهما مباحثة طويلة في شرب النتن وكيفية حكمه وكان شيخ الاسلام ممن يحرمه كبعض علماء الروم المتورعين وينكر على الاستاذ لشرب ذلك فحين بلغ الاستاذ ذلك ألف رسالة فيه وسماها السيف المضي في عنق عطاء الله القاضي فلما اطلع المذكور على ما أبداه المحاسني أحمد وجه التدريس والخطابة لولده المار ذكره وأرسلهما إليه وجاء الخبر إلى دمشق في رجب من السنة المذكورة ثم ان تدريس السليمية رجع بعد أيام قلائل للشيخ النابلسي والخطابة استقامت على المحاسني إلى أن مات وذلك في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ثم بعده لأولاده ثم بعدهم الآن على أولادهم. القاضي أسعد الوفائي أسعد بن عبد الحافظ بن إبراهيم الوفائي الحنبلي الدمشقي قاضي الحنابلة بدمشق الشيخ الفقيه الفاضل الكامل حافظ الدين كان قاضياً مراجعاً في الأحكام الشرعية الموافقة لمذهبه مستقيماً على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته سنة خمس وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. إسماعيل الإيجي إسماعيل بن عثمان بن أسد الحنفي الدمشقي المعروف بالايجي كان يتولى نيابة الحكم بمحكمة الباب والقسمة العسكرية وغيرهما وله معرفة بالفقه والمسائل الشرعية قتله قطاع الطريق بين قرية قطنا وقرية عرطوز عائداً من قطنا إلى دمشق وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس عشري ذي الحجة سنة سبع ومائة وألف والايجي نسبة إلى ايج بالجيم الفارسية قرية من بلاد الفرس. إسماعيل الرومي إسماعيل بن عبد الله الرومي الأصل والشهرة الحنفي المدني الشيخ المحقق المدقق المحدث أبو الفدا عماد الدين أخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي حين قدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 المترجم دمشق وعن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي وغيرهما وبرع وفضل ودرس بالمدينة وأخذ عنه جمع من أفاضلها منهم شيخنا تاج الدين بن جلال الدين الشهير بابن الياس المدني المفتي وكأنت وفاة صاحب الترجمة في المدينة المنورة في حدود الستين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. الشيخ إسماعيل الاسكداري إسماعيل بن عبد الله الاسكداري الحنفي نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام العالم الكامل المرشد النقشبندي الصوفي المحقق المدقق أبو اليمن نور الدين شيخ الطائفة النقشبندية بالمدينة النبوية ولد سنة تسع عشرة ومائة وألف ونشاء في عفة وديانة وتلا القرآن العظيم أخذ في طلب العلم فأخذ عن الشمس محمد أبي طاهر بن إبراهيم الكوراني والسيد عمر البار العلوي والشمس محمد حياه السندي والشيخ محمد بن محمد الشهير بابن الطيب المغربي الفاسي نزيل المدينة والشيخ الامام عبد المصري حين ورد المدينة وغيرهم وله مؤلفات نافعة منها مختصر صحيح الامام مسلم ومختصر شرح الشفا للشهاب أحمد الخفاجي وغيرهما من الرسائل والتعاليق وكان شيخاً فاضلاً قوالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم مشاركاً في فنون كثيرة كالحديث والفقه والعربية والتصوف والقرآن معتقداً عند الخواص والعوام وأخذ عنه جماعة من أهلي المدينة وغيرها وكأنت وفاته بها سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله. إسماعيل اليازجي إسماعيل بن عبد الباقي بن إسماعيل اليازجي الحنفي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الواعظ كان من العلماء الأجلاء البارعين في الفنون ولد بعد الخمسين وألف تقريباً ونشاء بدمشق واشتغل بطلب العلم على جماعة من الشيوخ منهم الشيخ علاء الدين الحصكفي المفتي والشيخ إسماعيل الحايك أنتفع به ولازمه وقرأ على الشيخ إبراهيم الفتال وأخذ عن الشيخ يحيى الشوي المغربي ولقنه المواخاة وأخذ عن السيد عبد الرحيم المقدسي ابن أبي اللطف واشتهر بالفضل ودرس وأفاد بالجامع الأموي ووعظ به وأخبرني بعض الأصحاب ان لصاحب الترجمة شرحاً على الهداية بالفقه وصل فيه إلى ربع العبادات مجلد كبير وكتب شرحاً على الجلالين بالتفسير جزئين لم يتم ولم يزل على حالته إلى أن مات وبالجملة فقد كان من العلماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الأفاضل وكأنت وفاته في يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير عند والده ووالده كان كاتب أوجاق اليرلية بدمشق ولفظة يازيجي بالتركية بمعنى كاتب وقتل بأمر سلطاني هو ورئيس الجند بدمشق عبد السلام أغا لفتن ظهرت منهما وكان قتلهما في زمن الوزير عبد القادر باشا والي دمشق في سنة تسع وستين بعد الألف ودفنا بالباب الصغير وعبد السلام المذكور ترجمه الأمين المحيي في تاريخه وذكر حكاية ذلك والسبب فيها فمن أراد مراجعته فعليه بالتاريخ المذكور والله أعلم. الشيخ إسماعيل بن الشيخ عبد الغني قدس سره إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي كان من المشائخ الموسومين بالصلاح والتقوى والعلم ولد بدمشق في سنة خمس وثمانين بعد الألف ونشأ في كنف والده الاستاذ الأعظم وقرأ على جماعة منهم والده المشار إليه والشيخ الملا الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ إسماعيل الحايك المفتي والشيخ أبو المواهب الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليل والشيخ عثمان الشمعة وقرأ الفقه والنحو وغيرهما في محراب المالكية بالجامع الأموي ودرس بالسليمية في صالحية دمشق في يوم الثلاثاء البيضأوي وحج مع والده الاستاذ في رحلته الكبرى في سنة خمس ومائة وألف ولما توفي والده الاستاذ أخذ تدريس السليمية عنه الفاضل عبد الرحمن السفرجلاني ثم بعد مده عاد إلى المترجم ولم يزل على حالته إلى أن مات وبالجملة فقد كان مباركاً صالحاً وكأنت وفاته في ليلة الاربعاء الثامن عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بصالحية دمشق في دارهم عند الباب على يمين الداخل وخلف أولاداً ذكوراً واناثاً فالذكور الباقين بعد وفاته وهم الشيخ مصطفى والشيخ عبد القادر والشيخ إبراهيم والشيخ عبد الغني والشيخ حسين والشيخ درويش والشيخ ذيب وكلهم أفاضل صلحاء وسيأتي ذكر والده الاستاذ وولده مصطفى في محلهما رحمه الله تعالى. الشيخ إسماعيل الحائك إسماعيل بن علي بن رجب بن إبراهيم الشهير بالحائك الحنفي العيني الأصل الدمشقي مفتي الحنفية بدمشق الامام العلامة المحقق البحر الحبر الفهامة كان من أجل العلماء الفقهاء ناسكاً قواماً متعبداً زاهداً ورعاً عاملاً صالحاً متقشفاً مفيداً له يد طولى في سائر الفنون سيما الفقه فانه كان فقيه الشام في عصره مع حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الطبع واللطف وحسن المعاشرة ومعرفة اللغات الثلاث التركية والعربية والفارسية ولد في سنة ست وأربعين بعد الألف ونشأ في طلب العلم حتى ان والده كان فقيراً جداً وصنعته الحياكة فكان ولده المترجم يفر من حانوته ويجئ إلى الجامع الأموي ويقرأ القرآن ولا يشتغل في صنعة والده وكان ذلك مما يحمق والده ويصعب عليه ولزم الاشتغال في العلوم فقرأ على جماعة منهم الشيخ إسماعيل النابلسي الدمشقي وهو أجلهم والعالم الشيخ محمد المحاسني والولي الشيخ أبو بكر الشهير بمعزل الطرقات والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمد علاء الدين الحصكفي وجل أنتفاعه عليه والملا محمود بن عبد الرحمن الكردي والشيخ عبد الباقي الحنبلي وأجازه اجازة حافلة بخطه واشتهر وشاع واستفاد وأفاد وتصدر للأفادة بالجامع الأموي وفي مسجد المغيربية وبالدويلعة وكان يقري بالأموي الدروس في الاسبوع في غالب الأيام في فنون عديدة ما بين اصول وفقه وكلام ونحو وبلاغة وغير ذلك من أنواع العلوم وقرأ عليه غالب فضلاء دمشق وأنتفع به جماعة وصار مدرساً بمدرسة الشبلية بالصالحية في سنة اثنين ومائة وألف وتولي افتاء الحنفية بدمشق من غير طلب ولا تعرض في سنة سبع فباشرها بهمة علمية لا دنيوية واستمر مفتياً إلى أن مات وفتأويه متدأولة حتى ان تلميذ وقريبه الشيخ إبراهيم ابن محمد المعروف بالشامي المتوفي في سنة سبع وعشرين ومائة وألف جمعها وجعل لها خطبة ونسخها الآن موجودة وولي خطابة الجامع الأموي في سنة ثمان فارخ توليته تلميذه الشيخ صادق الخراط بقوله مذاماً م العلوم قام خطيباً ... وترقى إلى المقام السعيد وبدا نور وجهه قلت أرخ ... زين بالنور منبر التوحيد وعلى كل حال فقد كان شيخ وقته بالفقه وغيره وكأنت وفاته في ثالث عشر جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنهما ورثاه السيد مصطفى الصمادي مؤرخاً بقوله مفتي دمشق خطيبهاعلامة الاعلامالكامل المولي الهما م أجل كل همامصدر الشريعة كنزهابحر العلوم الطامي كهف الأيمة وارث النعمان خير امامعلم الهداية ركنها بدر العلاء الساميذو الهمة العلياء والمجد الأثيل النامي فرد الوجود وغوثهغيث الأنام الهامي العابد النساك اف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ضل ناسك قوام لما ابتغى دار البقاء ووجه ذي الأكرام ورقى إلى الفردوس بالجلال والا أعظاملاقاه رضوان برض وان وحسن مقاموسالت عنه الهاتف الغيبي باستفهام هل نال ما يرضيه منعز ومن انعامفأتى بتاريخين في بيت جواب كلامينال الرضى أرخت اسمعيل مفتي الشام إسماعيل أفندي القونوي إسماعيل بن محمد بن مصطفى القونوي الحنفي أبو المفدي عصام الدين الشيخ الامام الكبير العالم العلامة المحقق الفهامة المتجر الاصولي المنطقي المفسر أحد الأفراد بالعلوم العقلية والنقلية ولد بقونية وقرأ على الشيخ مصطفى القونوي والامام الشيخ خليل الصوفي القونوي ومصلح الدين مصطفى المرعشي وجل أنتفاعه وأخذه عن العلامة الفاضل عبد الكريم القونوي وأبي عبد الله محمود بن محمد الأنطاكي نزيل حلب ودرس بمدارس داراً لسلطنته قسطنطينية بعد دخوله اليها وسكناها واشتهر بين علمائها وعظمه علماؤها وفاق وطار صيته في الآفاق ووصل خبره إلى السلطان أبي التأييد والظفر نظام الدين مصطفى خان وجعله رئيس المعلمين بدار السعادة واقرأ بها الدروس الخاصة والعامة وأعطاه الله القبول وبعده أخذه السلطان أبو النصر غياث الدين عبد الحميد خان احترمه وعظمه وكان يجتمع به ويسمع تقريره ويأمره أن يدرس بحضرته كما كان يفعل أخوه المذكور وكان بدار السلطنة أجل علمائها وله تأليف كثيرة منها حاشية على تفسير القاضي البيضأوي والرسالة العلمية والحاشية على المقدمات الأربع لصدر الشريعة والرسالة الضادية وغير ذلك وكان استأذن أن يحج فرسم له بالأمر السلطاني لكونه كان مدرس دار السعادة ورئيس علمائها ودخل دمشق في رمضان سنة أربع وتسعين ومائة وألف واستقام بدار صاحبنا المولى الأجل أسعد بن خليل الصديقي واجتمعت به وسمعت من فوائده ولم يتيسر لي الأخذ عنه وأروي عنه بواسطة تلامذته وارتحل للحجاز مع الركب الشامي وفي العود تمرض بالمزاريب وجئ به إلى دمشق مع الركب مريضاً ومات ثاني عشري صفر سنة خمس وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بالصالحية بمقبرة مقام نبي الله ذي الكفل عليه السلام بسفح جبل قاسيون رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الشيخ إسماعيل العجلوني إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني الشهير بالجراحي الشافعي العجلوني المولد الدمشقي المنشأ والوفاة الشيخ الامام العالم الهمام الحجة الرحلة العمدة الورع العلامة كان عالماً بارعاً صالحاً مفيداً محدثاً مبجلاً قدوة سنداً خاشعاً له يد في العلوم لا سيما الحديث والعربية وغير ذلك مما يطول شرحه ولا يسع في هذه الطروس وصفه له القدم الرأسخ في العلوم واليد الطولى في دقائق المنطوق والمفهوم كما قيل حدث عن البحر لا عتب ولا حرج ... وما تشاء من الأجلال قل وقل ولد بعجلون تقريباً في سنة سبع وثمانين بعد الألف وسماه والده أولاً باسم محمد مدة من الزمان لا تزيد على سنة ثم غير اسمه إلى مصطفى نحو ستة أشهر ثم غير اسمه بإسماعيل واستقر الأمر بهذا الاسم وقد أشار إلى ذلك العارف الاستاذ الشيخ مصطفى الصديقي من جملة أبيات قرض بها على كتابه كشف الخفا ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس بقوله حرس الآله بفضله مشيه من ... كل المضار وصيانه وله كفي وهو الذي سمي محمد أولاً ... وبمدة اخرى تسمى مصطفى من بعد ذا سمي بإسماعيل لا ... برحت له ترنو عيون الاصطفا ثم لما بلغ سن التمييز شرع في قراءة القرآن العظيم حتى حفظه عن ظهر قلبه في مدة يسيرة ثم قدم إلى دمشق وعمره نحو ثلاثة عشر سنة تقريباً لطلب العلم وذلك في منتصف شوال سنة ألف ومائة واشتغل على جماعة أجلاء بالفقه والحديث والتفسير والعربية وغير ذلك إلى أن تميز على أقرانه بالطلب ومن أسباب توجهه إلى طلب العلم انه لما كان في بلاده وكان صغيراً يقرأ في المكتب رأى في عالم الرؤيا ان رجلاً ألبسه جوخة خضراء مركبة على فرو أبيض في غاية الجودة والبياض وقد غمرته لكونها سب على يديه ورجليه فأخبر والده بالمنام فحصن له بذلك السرور التام وقال له ان شاء الله يجعل لك يا ولدي من العلم الحظ الوافر ودعا له بذلك قلت ومشائخه كثيرون والكتب التي قراها لا تعد لكثرتها ما بين كلام وتفسير وحديث وفقه وأصول وقراآت وفرائض وحساب وعربية بأنواعها ومنطق وغير ذلك وقد ألف ثبتاً سماه حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكمل الرجال وترجم مشائخه به فمن مشائخه الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة بدمشق والشيخ محمد الكاملي الدمشقي والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والاستاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي والشيخ يونس المصري نزيل دمشق والشيخ عبد الرحمن المجلد الدمشقي والشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والشيخ أحمد الغزي الدمشقي ومفتيها الشيخ إسماعيل الحائك والشيخ نور الدين الدسوقي الدمشقي والشيخ عثمان القطان الدمشقي والشيخ عثمان الشمعة الدمشقي والشيخ عبد القادر التغلبي الحنبلي والشيخ عبد الجليل أبي المواهب المذكور والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق ومن غير الدمشقيين الشيخ محمد الخليلي المقدسي والشيخ محمد شمس الدين الحنفي الرملي وأجازه الشيخ عبد الله بن سالم المكي البصري والشيخ تاج الدين القلعي مفتي مكة والشيخ محمد الشهيري بعقيلة المكي والشيخ محمد الوليدي والشيخ محمد الضرير الاسكندراني المكي والشيخ يونس الدمرداشي المصري ثم المكي والشيخ أبو طاهر الكوراني المدني والشيخ أبو الحسن السندي ثم المدني والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني المدني والشيخ أحمد النجلي المكي والشيخ سليمان بن أحمد الرومي واعظ ايا صوفية وارتحل إلى الروم في سنة تسع عشرة ومائة وألف فلما كان بها اتحل تدريس قبة النسر بالجامع الأموي عن شيخه الشيخ يونس المصري بموته فأخذه صاحب الترجمة وجاء به إلى دمشق وكان والي دمشق اذ ذاك الوزير يوسف باشا القبطان عارضاً به إلى شيخه الشيخ محمد الكاملي وألزم القاضي بعرض على موجب عرضه وانه يعطي ما صرفه شيخه الشيخ أحمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق للقاضي وكان مراد الغزي أولاً التدريس فحين وصول العروض إلى دار الخلافة قسطنطينية للدولة العلية ما وجهوا التدريس لشيخه الكاملي ووجهوه للمترجم واستقام بهذا التدريس إلى أن مات ومدة اقامته من سنة ابتداء عشرين إلى أن مات احدى وأربعون سنة وهو على طريقة واحدة مبجلاً بين العال والدون ودرس بالجامع الأموي وفي مسجد بني السفرجلاني ولزمه جماعة كثيرون لا يحصون عدداً وألف المؤلفات الباهرة المفيدة منها كشف الخفا ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس ومنها الفوائد الدراري بترجمة الامام البخاري ومنها اضاءة البدرين في ترجمة الشيخين ومنها تحفة أهل الايمان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان ومنها نصيحة الاخوان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان ومنها عرف الزرنب بترجمة سيدي مدرك السيدة زينب ومنها الفوائد المجردة بشرح مصوغات الابتدا بالنكرة ومنها الأجوبة المحققة عن الأسئلة المفرقة ومنها الكواكب المنيرة المجتمعة في تراجم الأيمة المجتهدين الأربعة ولكل واحد منها اسم خاص يعلم من الوقوف عليها ومنها أربعون حديثاً كل حديث من كتاب ومنها عقد الجوهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الثمين بشرح الحديث المسلسل بالدمشقيين وهذه الكتب كاملة وأقلها نحو الكراسين وأكثرها نحو المعشرين ومنها التي لم يكمل وهي كثيرة أيضاً منها أسنى الوسائل بشرح الشمائل ومنها استرشاد المسترشدين لفهم الفتح المبين على شرح الأربعين النووية لابن حجر المكي ومنها عقد اللآلي بشح منفرجة الغزالي ومنها اسعاف الطالبين بتفسير كتاب الله المبين ومنها فتح المولى الجليل على أنوار التنزير وأسرار التأويل للبيضأوي ومنها وهو أجلها شرحه علي البخاري المسمى بالفيض والجاري بشرح صحيح البخاري وقد كتب من مسوداته مائتين واثنين وتسعين كراسة وصل فيها إلى قول البخاري باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته أياهم من المغازي ولو كمل هذا الشرح لكان من نتائج الدهر وكان صاحب الترجمة حليماً سليم الصدر سالماً من الغش والمقت صابراً على الفاقة والفقر وملازماً للعبادات والتهجد والاشتغال بالدروس العامة والخاصة كافاً لسانه عما لا يعنيه مع وجاهة نيرة ولم يزل مستقيماً على حالته الحسنة المرغوبة إلى أن مات قرأ عليه الوالد مدة ولازمه وأخذ عنه وأجازه ولما حج الوالد في سنة سبع وخمسين ومائة وألف كان هو أيضاً حاجاً في تلك السنة فاقرأ كتاب صحيح البخاري في الروضة المطهرة وأعاد له الدرس الوالد وقد أجاز الوالد نثراً ونظماً فالنظم قوله والجاري بشرح صحيح البخاري وقد كتب من مسوداته مائتين واثنين وتسعين كراسة وصل فيها إلى قول البخاري باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته أياهم من المغازي ولو كمل هذا الشرح لكان من نتائج الدهر وكان صاحب الترجمة حليماً سليم الصدر سالماً من الغش والمقت صابراً على الفاقة والفقر وملازماً للعبادات والتهجد والاشتغال بالدروس العامة والخاصة كافاً لسانه عما لا يعنيه مع وجاهة نيرة ولم يزل مستقيماً على حالته الحسنة المرغوبة إلى أن مات قرأ عليه الوالد مدة ولازمه وأخذ عنه وأجازه ولما حج الوالد في سنة سبع وخمسين ومائة وألف كان هو أيضاً حاجاً في تلك السنة فاقرأ كتاب صحيح البخاري في الروضة المطهرة وأعاد له الدرس الوالد وقد أجاز الوالد نثراً ونظماً فالنظم قوله أجزت نجل العارف المرادي ... أعنى علياً فاز بالمراد وهو الشريف اللوذعي الكامل ال ... أريب والمفضال ذو الأيادي أجزته بكل ما أخذته ... عن الشيوخ الفضلا الأطواد أجزته بكل ما صنفته ... كالفيض والكشف مع الأرشاد أجزته بكل ما في ثبتنا ... الجامع النوعين بالسداد أجزته اجازة بشرطها ... عند أولي التحديث والنقاد أجزته في الروضة الفيحاء ... بطيبه المختار طه الهادي صلى عليه ربنا وسلما ... وآله وصحبه الأمجاد ما غردت قمريه فأطربت ... وأمطرت سحب وسال وادي وكان ينظم الشعر وشعره شعر علماء لأنهم لا يشغلون أنفسهم به كما قال ابن بسام ان شعر العلماء ليس فيه بارقة تسام وجعل الشهاب أن أحسن بعض أشعارهم من قبيل دعوة البخيل وحملة الجبان وقال الأمين في نفحته قلت علة ذلك أنهم يشغلون أفكارهم بمعنى يعني والشعروان سموه ترويح الخاطر لكنه مما لا يثمر فائدة ولا يغني وشتان بين من تعاطاه في الشهر مرة وبين من أنفق في تعاطيه عمره أنتهى وقد ترجمه الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه خاتمة أيمة الحديث ومن ألقت إليه مقاليدها بالقديم والحديث اقتدح زناده فيه فأضاء وشاع حتى ملأ الفضاء خذا بطرفي العلم والعمل متسنماً ذروة عن غيره بعيده الأمل يقطع اناء الليل تضرعاً وعبادة ويوسع أطراف النهار قراءة وافادة لا يشغله عن ترداده النظر في دفاتره مرام ولا عن نشر طيها نقض ولا ابرام مع ورع ليس للرياء عليه سبيل وغض بصر عما لا يعني من هذا القبيل وهو وان كأنت عجلون تربة ميلاده فان الشام تشرفت بطارف فضله وتلاده فقد طلع في جبهتها شامه وأرهف منصل فكرته بها وشامه حتى صار هلاله بدراً ومنازله طرفاً وقلباً وصدراً فاستحث عزمه نحو الروم وقصد بها انجاز ما يروم فأحلته بين السمع والبصر وجنى غصن أمانيه واهتصر وعلى ما به قوا معاشه اقتصر فآب ولم يخب مسعا وطرف الدهر بمقلة الارتقاء يرعاه فأظلته قبة النسر المنيفة وصار لمن سلفه خليفة وأي خليفة فتغص خلعته بالخاص والعام فيملي على فتح الباري ما يوضح خفايا البخاري بناطقة تسحر العقول بادائها وتسخر بالعقود ولألائها ووجاهة ملء البصيرة والبصر على مثلها الوقار اقتصر وخلق ما شابه انقباض وسجية لم تنقد باعراض ولم يزل نسيج وحدة تأليفاً وتقريراً وحديثاً حسناً تسطيراً وتحريراً حتى شرب الكاس المورود وذوت من روض محاسنه تلك الورود فتنفذ عليه البصر والدمع وعمي البصر والسمع بل الله بالرحمة ثراه فهو ممن أخذت عنه الاسناد وأمدني بقراءتي عليه بما ينفع ان شاء الله يوم التناد وله شعر موزون يتسلى به الواله المحزون أنتهى مقاله ومن شعر المترجم قوله من قصيدة ممتدحاً بها المولى عطاء الله قاضي العسكر في الدولة العلية مطلعها أظبي الأنس عطفاً بالتداني ... فقد أضرمت نيران الجنان وقد عذبت بالألحاظ صبا ... قتيلاً بالعيون وبالبنان وبالثغر الذي قد صار كاساً ... لمختوم الرحيق وقد سباني وبالجيد الذي كلجين ماء ... وكالشمس المنيرة في البيان وبالقد الذي كالسهم فعلاً ... ويشبه في التثني غصن بان ترفق يا فريداً في جمال ... فان الرفق جلاب الأماني وزل هجري وتعذيبي وصدي ... وقتلي بالجفا في كل آن ومالي منقذ من ضير هذا ... سوى حبر خبير بالزمان همام متقن للعلم طرا ... وفي التحقيق لا يشبهه ثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 امام فاق في التقسير فخراً ... وفي علم الحديث مع المعاني وفي علم الكمال وعلم أصل ... وعلم الفقه مع نحو اللسان وباقي العلم صار له جواداً ... فيلوي رأسه لي العنان وله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام المولى عبد الله مطلعها أعبق المسك ذاع من الخزام ... أمن ثغر حوى مثل الملاام أمن وجه يفوق البدر نوراً ... ويبهر من رآه من الأنام أمن جيداً عار الظبي حسناً ... أمن قد قويم كالسهام فيا من لا يضاهي في جمال ... دع الأعراض وادفع للملام وصل يا ظبي قد عذبت قلبي ... بألحاظ تفتك كالحسام ودع قتلي فان القتل ظلماً ... حرام مقنض نيل الاثام نعم في شرع عشاق أباحوالهذا لقتل صبر للحمامفان رمت السلامة منه يوماً فلذ بالعالم الشهم الهمامأمام منقذ من كل سواءشفاء للنفوس من السقام هو الخبر الخبير بكل علم ... يفوق الناس طرا في المقام وقوله باعد عن اللذات واجتنب الهوى ... فاخو الشقاء قبيحة حالاته واعمل من الخيرات بشرى لامرء ... غلبت على آحاده عشراته هو من قول الايب إبراهيم السفرجلاني جد عن طريق اللهو واطرح الهوى ... فاخو الذنوب طويلة حسراته واجنح إلى التقوى فطوبى لامرء ... غلبت على أحاده عشراته وللمترجم قيامي على الأقدام حق وسعيها ... لرؤياك يا فرد الزمان أكيد فقد أمر المختار أنصاره به ... لسعد الذي قد مات وهو شهيد وله يا بدر واعدتني والوصل يحسن لي ... اتجزه لي يا حماك الله من زلل فالوعد دين وخير الناس أحسنهم ... له قضاء أتى عن سيد الرسل وله مضمناً ان جزت ربع الحي حبي حيهم ... وأرعاهم ان اعرضوا أو أكرموا واعلم عذولي ان حبي فيهم ... ولأجل عين ألف عين تكرم وله مقرضاً على سؤال رفعه الأديب مصطفى الترزي للمولى العالم حامد بن علي العمادي مفتي الحنفية بدمشق وهو قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 أنور صبح بدا في غرة الدين ... أم عرف نور لأزهار البساتين أم النجوم الدراري أشرقت سحراً ... أم اللآلي على تاج السلاطين أم البدور التي لم تنكسف أبداً ... أم ضوء مبسم حوراء من العين أم تلك خود جرى من طيب مبسمها ... ما أسكر الحي في تلك الأحايين بل ذاك وشي العمادي الذي بهرت ... أقلامه بالفتأوي والبراهين مفتي الأنام ومن في كل معضلة ... يرجى لكشف مخباها بتمكين أجاب بالنظم بعض السائلين له ... يستظهر الحكم عن تعداد زوجين من النساء اللواتي حض شارعنا ... على النكاح لنسل أو لتحصين يا أوحد الدهر يا من طاب مغرسه ... بالعلم والحلم يا نجل الأساطين هم الرجال ومن كأنت مآثرهم ... لم يحصها العد في نشر الدوأوين وجاء منهم فتى أحيى محامدهم ... هو حامد صانه ربي بياسين فالله يبقيه بدراً يستضاء به ... ونور صبح بدا في غرة الدين والسؤال الذي أرسله الايب المذكور هو قوله ما قول سيدنا مفتي الانام ومن ... سمت فضائله فوق السماكين علامة الدهر والمحمود سيرته ... ابن العمادي كنز العلم والدين العالم العامل الفرد الذي ورث ال ... علوم والمجد عن غر ميامين من سادة كل شهم قام منتصراً ... منهم لذا الدين معلوم السلاطين كفى دمشق فخاراً بل ومنقبة ... بحامد دام في وعن تمكين فيمن له زوجتا سوء يبرهما ... ويبغضاه بلا ذنب ولامين وطال مكثهما دهر الدية وقد ... غدا من الهم في أسر وفي هون والآن يبغي فتاة السن ناضرة ... تجلو صدى قلبه باللطف واللين يروم تزويجها بالشرع متبعاً ... نهج الهدى غير مأثوم ومأفون والزوجتان مع الأولاد أجمعهم ... قاموا علي كاغوال الشياطين قالوا بأني ارتكبت الآن معصية ... لم يرتكبها طريد في الملاعين ابن لعبدك هل في ذاك مثلبة ... عنها نهى الشرع أم في ذاك من شين أم هل يذل محب أنت ناصره ... حاشاك حاشاك يا ذخر المساكين أجبه من غير أمر دمت توضح من ... مسائل الشرع مخفياً بمكنون لا زلت ترقى ذرى العلياء مبتهجاً ... وترشد الخلق للتقوى وللدين ما غردت ساجعات الورق في فنن ... فأطربت في سجاها كل مشجون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 فأجابه المولى العمادي بقوله لله حمدي وشكري دائماً ديني ... ثم الصلاة على من جاء بالدين محمد عين انسل الوجود ومن ... لشرعه تابع للحشر والدين اعنبر اشحرذا أم مسك دارين ... وافى يطيبنا بالطف واللين يا أعرف الناس بالآداب مفترقاً ... من بحره رشفات منه تكفين كأن تلك الدراري الغر في يدكم ... در تنظمها من غير تثمين تغوص أفهامكم فيه فتبرزه ... كلؤلؤ في حشا الاصداف مكنون لقد رقيت مراقي المفخر منفرداً ... فأنت في أفقه فوق السماكين نظمت عقداً كروض فيه صادقة ... ورقاء يطرب منها حسن تلحين نور طلائعه نور حدائقه ... حور كواعبه تزهو على العين منك استفدنا لباقي وصف رونقه ... لما حسبناه في أكواب زرجون إذا سرى في دياجي الليل تحسبه ... فخر الصباح تبدي غر مسجون بل الهلال ترأى في غلائله ... بل الغزالة بالأشراق تشجين ما مثله من خبايا الفكر رائقة ... وافت بل اشتهرت الهند والصين قد جاء يسألني عن حكم مسئلة ... هاك الجواب بايضاح وتبين تروم ثالثة حتى تعود إلى ... عصر الشباب بعيد الشيب والحين والزوجتان مع الأولاد أجمعهم ... قاموا عليك كأغوال الشياطين لهم زئير أسود الغاب ضارية ... من شدة الحزم مع عزم وتمكين يقلن معهدنا كم قد قطفت به ... زهر الرياض وكنا كالرياحين وكم رفت بأثواب السرور على ... بسط وبسط وأفراح وتلوين وكم ركبت لأفراس الهنا مرحاً ... تلهو بصفو بطيب الرفق مقرون وكم سترنا أمور أعنك خافية ... وساقهن بدا والكشف للسين فاخفض لهن جناح المحتسبا ... لما أصابك من صفع ومن هون وصم اذنيك عن قول يفهن به ... غمسن من تاره الحرا بسجين وتلك شنشة قدماً لهن جرت ... على الملوك جميعاً والسلاطين وأقدم على كل كلم اصائلات ولا ... تحجم لقول اللواتي فوق ستين هذا وشعركم المرضي يقول لنا ... هل أخذ ثلثة ذنب فأتوني منى ثلاث رباع ليس معصية ... ان يأخذ المرء في عرف وفي دين فما نهى الشرع عما أنت طالبه ... وليس مثلبة فيه لمفتون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 لكن ذا بشروط أنت تعرفها ... اياك اياك من خلق الملاعين وخير مأوى لشخص يطمئن به ... حسناء كاملة في العقل والدين لله درك من شهم حصلت على ... نيل المنى والأماني غير مفتون والله ننصركم في كل معضلة ... ودام نصر من الرحمن ياتيني وابن العمادي أجاب السؤال حامدكم ... مفتي دمشق وربي الله يهديني ثم أتبعه بنثر وهو قوله الحمد لله الذي حمد نفسه بنفسه فهو الحامد المحمود فسواه عابد متعبد وهو المستعبد المعبود سبحانه لا اله الا هو حياً أزلياً قيوماً أحداً دائماً ديموماً خلق فاحكم وقضى فأبرم وعلم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ثم الصلاة على من أرسل إليه الروح الأمين وأنزل عليه الكتاب المحكم المبين سيدنا محمد سيد الولين والآخرين والسابقين واللاحقين المخصوص بأمة جعلها الله خير الأمم وبسط لهم ببركته موائد الفضل والكرم واصطفاهم بمصطفاه واجتباهم بمجتباه وأحل لهم من النساء ما لم يحل لغيره وأباح لهم أربعاً من واسع خيره وجعلهن زهرة الحياة الدنيا وثمرتها وقوام قيامها وقيمتها يطأول إلى نكاحهن همم الرجال العوالي ويتضاءل دونهن من المهور الغوالي لأنهن نزهة الأنفس والأرواح ورياض الأجساد والأشباح أصلاً لنا من أصل لم يكن من نكاح أصلاً كرمه الله ما أكثره أهلاً ونسلاً سنة الله التي قد خلت وفي القلوب قد حلت فهو من أقوى الأسباب في ارتفاع الأحساب واتصال الأنساب وحصول الولد الذي هو قرة عين وعمل صالح لوالده وأثر بعد عين وأمتن الله تعالى بهن على البرية فقال الله تعالى وجعلناهم أزواجاً وذرية وهي تجارة رابحة قال عليه السلام الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال من والى الله عليه صلات الصلاة حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وقرة عين في الصلاة فهو من سنة المصطفى اعلاناً فمن رغب عنها فليس منه وكفى بذلك خسراناً وهن أمانات الرجال مستودعات عندهم إلى ما شاء الله من الآجال يجب حفظهن خوفاً عليهن من الضياع ومراعاة لما لهن وعليهن من الأنتفاع والاستمتاع اذ كن ريحانات لا قهرمانات فإذا تهن عليك وملن بأواصر الأدلال وعرفن فتونك وأخذن ينتفن عثنونك فلا يضيق صدرك فتدله ويختل أمرك فرد ثورة عجبهن بخلق كريم واسع وخيم عن كل خلق وخيم شاسع وغط عيب شيبك بسبب طولك واحسانك لا بمعرة قصر يدك وطول لسانك فتفكر في ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فأنت دليل محيرك ورسول سيرك ولن أبدين اليك نفاراً وقد عنك جهاراً أو رأيتك بصورة منكوسة ولحية بالفم فاعذرهن في ذلك واقطع من وصالهن أطماع آمالك فان فيك من الذبول وتكرج الجلد والنحول وأبيضاض المفارق والحواجب ما ينفر رازنات الكواعب رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فاعرضن عني بالخدود النواضر وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي ... بدرن فرفعن الكرى بالمحاجر فأنخ لهن كاهل الذل ومد عنان عنقك للعقد والحل وصعد أنفاسك في أكسير شمس الطاعه مغترفاً من بحر القناعة ويالها من صناعة وذلك أعذب من الماء على الظما وألطف من سقوط الأنداه على الروضة الخضراء فحينئذ تعلو عليهن كالقمر وهو أمر اشتهر وتكون حكيماً قوياً وشهماً شهياً فيخضعن لديك ويضعن خدودهن تحت قدميك ولا تكون غاية سعيهن الا اليك لأن من كرمت خصاله وجب وصاله وهو أمر معروق قال تعالى وعاشروهن بالمعروف ومن ركب مركب الخلاف ومال إلى الأنحراف فليستعد إلى الأدبار وليتبوأ قعده من النار وعليهن ان لا يشقن العصا ولا يحرقن أنفسهن بنار الغضا فان فعلن ولحقك من الامتحان والتنكيل والاذلال والتذليل ما يريك الكواكب ظهراً فلا يجدن لأنفسهن وزراً ولا ظهراً فان كن كما وصفت الآن نعوذ بالله من شر النساء اذ هن حبائل الشيطان ولا جرم أنهن فاجرات قاهرات صائلات عاديات فلا تتخذهن أسوة فتعد من النسوة وألف قلوبهن بالود والوصال وأصبر على كل حال وانظر لما قيل إذا شاب رأس المراء وقل ماله ... فليس له من ودهن نصيب وقال امرؤ القيس أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوساً وقال آخر والشيب أعظم جرم عند غانيةفان خفت ان لا نعدلفعد عن الثالثة وأعدل وألا تكسر وتنكسر هي الضلع العوجاء لبست تقيمها ... الا أن تقويم الضلوع انكسارها فان علمت من نفسك العدل في القسم طالباً الاستمتاع فأنكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومن لامك واعترض لما أباح الله وافترض خيف عليه أن يكون كفر لأنه عن محجة الحق نفر قال الله تعالى في كتابه المبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الأعلى أزواجهم أو ما سكت ايمانهم فانهم غير ملومين وهذه حجة عامة على قول العامة ودع عنك غيرة النساء فداء ليس له دواء قد أعجز الطباء وأعي ذوي العقول والآراء كما قيل شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ... أمر النساء وأمرة الصبيان ولا تذهب نفسك عليهم حسرات فان الضرورات وأنت القوام عليهن المتبوع وما ارتكبت بهذا التثليت الا المشروع لكن ان شفقت وتركت تنأوله فضله لقوله عليه الصلاة والسلام من رق لأمتي رق الله له هذا وكم قول آذى فاصبر لهن أن يتبع ملاذاً ولا تمل كل الميل فتقع في الشؤم والويل وحذار من العول عن منهج الصواب ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا بو الحساب واياك والأمر الذي ان توسعت ... موارده ضاقت عليك مصادره وهنيت بما منحته ولا سد عليك الباب الذي فتحته فلقد سلكت في طريق البلاغة مسلكاً عريباً وأخذت من مذاهب البراعة مذهباً عجيباً فلا مؤاخذة بهذه لأبيات الغريبات والفقرات ذوات المعاني الشاسعات فإذا ثبتت المصادقة تطلب المطابقة وأنت تعلم أن هذا طريق رفضناه وغبار نفضناه من مدة وافية والآن لا أزن بميزان العروض ولا القافية لكن لما جاءتنا قصيدتك السالفة في البلاغة مسلكي لاطناب والايجاز حركت مناظر فامن الآداب لما رأيت بواد بها مطابقة الأعجوز مع نظم الدرر الحسان التي لم يطمثهن أنس قبلكم ولا جان فاصخ لما قلنا ورتله ترتيلاً ولا تحد عن منهج الصواب تلا ان كنت تبغي للعلاء سبيلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً نساله سبحانه التوفيق إلى لزوم الطاعة والدخول فيها مع الجماعة والله سبحانه الهادي وعليه اعتمادي أنتهى فلما وصل إليه الجواب أجابه من غير ارتياب. بقوله اللؤلؤ فوق تيجان السلاطين ... أم اليواقيت قد لاحت على العين أم الدراري على الزرقاء مشرفة ... بها أهتدي كل حيران ومشجون أم البدور أنارت في دجنتها ... أم ذي شموس زهت فوق السماكين أم ذي جباه حسان أم مباسمها ... أم ذي نطاق نضار فوق سطرين أم ذاك نبت عذار أم لمى شفة ... أم أعين العيد أم ذا مسك دارين أم ذي زهور ربيع في مواسمها ... أم ناضر النبت بزهو في البساتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أم ذي قدود ملاح حين رنحها ... شرخ الصبا اذ تحست بنت زرجون أم عطر غائبة أم نشر نسرين ... أم الصبا حملت عرف الرياحين أم ذاك عطر شباب من مهفهفة ... تجلو هموم فتى بالعشق مفتون أم بغية بعد يأس نالها دنف ... ودت له العز بعد الذل والهون أم برء مضي سقيم الجسم ذي شجن ... وافى أحباه أم اطلاق مسجون أم كل ما يفرح الأنسان رونقه ... أم غائب آب أم أنفاس مسكين أم ذا جواب سؤال خطه قلم ... قد نظم الدر من بحر بسمطين نظماً ونثراً فنون الشعر قد جمعا ... فاعجز أكل ذي نطق وتبيين قد قاله حامد مفتي الورى وبه ... إلى سواء طريق الحق يهديني أجابني بجواب منه قد طفحت ... بحاره مدد للنهر والعين أثابني الدر عن مثل الحصا وأني ... بكل معنى رقيق فائق زين أحلني فوق مقداري وشرفني ... اذ قد غدا فرد حرف منه يكفيني أمده الله بالعمر الطويل مع ال ... عز المديد باقبال وتمكين والعبد يطلب عفواً عن تطأوله ... اذ قابل الدر شعراً غير موزون سيدنا المولى العلامة الألمعي والنقاد الأفضل اللوذعي الذي ورث العلوم كأبراعن كابر وشهدت بفضائله الطروس وأقرت الأقلام والمحابر وافتخرت دمشق بأبائه الأعاظم الأكابر وأنا ربهم شهاب الدين وقام عماده وأشرقت في الخافقين مآثرهم وظهر في الكون رشاده بدر سماء علماء الأعصار وغرة سماء بلغاء الأمصار وأيم الله انما سرحت حديد نظري في رياض قصيدتك الغرا ورويت رائدي فكري في حياض خريدتك العذارء زاد بها ولوعي وغرامي واشتد بها ولهي وهيامي وكلما وجهت قاصر نظري في ألفاظها ومعانيها وأجلت صاعد الفكر في مبانيا وجدتها قرة في عين الأبداع ومسرة في قالب الاختراع والحق أحق بالأتباع فالمتابعة على رفعة معالم العلم والأدب بعد اندراسها وتقوم راية البلاغة بتعديل أساسها ورد غريب الفضائل إلى مسقط رأسها وإزالة وحشتها بايناسها فكأنما عناها من قال قصيدتك الغراء يا فخر دهره ... الذ من الماء لزلال لمن يظمى فنروي متى نروي بدائع نثركم ... ونظماً إذا لم نرو يوماً لكم نظما ولعمري لم أر سيدي الا أخذاً بأوابد اللسن تقودها حيث وردت وتوردها اني شئت وأردت حتى كادت الألفاظ تتسابق إلى سلك لمعاني وتغار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 في الانثيال لأجفان المباني فالله يحرس ذاتكم المقدسة الكريمة ويمد في أنفاسكم العاطرة السليمة فقد شفيت بهذا الجواب من المسائل مريضاً عليلاً وأثلجت بسلسال درر ألفاظها من الفؤاد غليلاً والمسؤول من المولى أدام الله حراسته اكمال ما من به من تأهيد داعيه برفع مقامه وأنتصاره لأدبه بين أقرانه وأقوامه بأن يعطف عليه قلوب ساداته وأحبابه حتى يرجع زكاة أدبه إلى نصابه والدعاء وعلى هذا السؤال والجوال قرض أهل الفضل والآداب وأطالو في ذلك المقال فلا حاجة لذكره هنا لئلا يطول المجال وقد جمع لذلك العلامة الهمام حامد العمادي مفتي الشام في رسالة سماها عقيلة المغاني في تعدد الغواني ثم نعود إلى المترجم فنقول ومن شعره قوله لئن قالوا قبضت يديك بخلاً ... ولم تنفق كالفلق الرجال أقول لهم اخلائي ذروني ... فانفاقي على مقدار حالي وقوله طول الحياة حميدة ... ان راقب الرحمن عبده وبضدها فالموت خير ... والسعيد أتاه رشده وقوله سابكاً الحديث وهو خيار الناس أحسنهم قضاء وكتب به إلى مفتي دمشق المولى حامد العمادي المذكور أيا شمس المعالي نلت خطاً ... من الله المهيمن والرضاء ويا نحل العمادي من تباهى ... بك الاسلام فازددنا ضياء عمادي أنتم والشكر دأبي ... وحمدي قد ملأت به الفضاء أتاني منكم ما نلت فخراً ... به بالمدح منكم قد أضاء وحليتم حديثاً قد عقدتم ... خيار الناس أحسنهم قضاء فأجابه العمادي بقوله أيا شيخاً لنا عزاً وفخراً ... ومنك العلم في الدنيا أضاء حديثكم الصحيح النقل أحيى ... دمشق الشام فابتسمت ضياء ودادي ثابت فيه عمادي ... واني حامد أبدي ثناء واني قد سمعت الآن منكم ... خيار الناس أحسنهم قضاء وللشيخ أحمد بن علي المنيني مخاطباً المولى حامد المذكور أيا بدر المعارف والمعالي ... ومن في أفق جلق قد أضاء بمجدك هذه الأيام تزهو ... ويكسي الكون والدنيا ضياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 رعاك الله من حبر همام ... به نلنا الأماني والهناء لقد أوسعتنا حلماً وعلماً ... وأفضالاً غدا يقفوا لحياء لعمري ان درس الفقه أضحت ... به الأيام تفتخر ازدهاء تشدا لي استفادته رحل ... بها تستعذب النجب النجاء ودادي يا همام لديك دين ... به أرجو من الكرم الوفاء فقد جاء الحديث بذا صريحاً ... خيار الناس أحسنهم قضاء ومن ذلك قول السيد حسين السرميني كألبابه إلى العمادي المذكور طالباً منه كتاباً ثناكم قد علا ولنا أضاء ... ومجدكم تزايد واستضاء وكم لبني عماد الدين فضل ... على أهل الفضائل قد أضاء عمادي أنتم ولكم أبادي ... غدت تملي عطاياها الفضاء فجودوا بالكتاب فقد وعدتم ... فان بعهدكم أرجو الوفاء فذا دين وعن خير البرايا ... خيار الناس أحسنهم قضاء ومن ذلك قول الشيخ سعيد الجعفري يا مقاماً سما بقطب جليل ... شمس فضل به الوجود أضاء ان لي عندك اللبانة دين ... وخيار الأنام أهنئ قضاء ومن ذلك ما رأيته منسوباً لمحدث دمشق الشيخ محمد نجم الدين الغزي وهو قوله أعاطيه كؤساً من لجين ... فيجعل لي من الذهب الأداء ولست مرأبياً في ذوا ولكن ... خيار الناس أحسنهم قضاء ورأيت أيضاً منسوباً إلى الحافظ ابن حجر سبك ذلك وانه كتب به إلى العلامة الدماميني وذلك قوله أيا بدر اسما فضلاء أرضا ... رعيته وفي الظلماء أضاء ويا أقضى القضاة ومرتضاها ... وأحسنها لما يقضي أداء تهني العام أقبل في سرور ... وأبدى للهنا بكم هناء روى وأشار مقتبساً لديكم ... خيار الناس أحسنهم قضاء ولصاحب الترجمة أشعار غير الذي ذكرناها وبالجملة فهو أحد الشيوخ الذي لهم القدم العالي في العلوم والرسوخ وكأنت وفاته بدمشق في محرم الحرام افتتاح سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 عنه والجراحي نسبة إلى أبي عبيدة الجراح أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين. إلياس الكردي الياس بن إبراهيم بن دأود بن خضر الكردي نزيل دمشق الشافعي الصوفي ولي الله تعالى العالم العامل الحجة القاطعة الورع العابد المحقق المدقق الخاشع الناسك الفقيه الحبر الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة المقبل على الله مولده كما أخبر تلميذه الفاضل الفرضي سعدي بن عبد الرحمن بن حمزة النقيب في سنة سبع وأربعين وألف هكذا رأيته بخط تلميذه المذكور وقدم دمشق بعد السبعين وألف وكان فاضلاً طلب العلم في بلاده وقرأ في تلك البلاد على جماعة من الشيوخ منهم مصطفى البغدادي ابن الغراب وأخيه محمود والشيخ طاهر ابن مدلج مفتي بغداد وعلى والده وعلى عيسى الفاضل والشيخ أبو السعود القباقبي الشامي وأول أمره أخذ عن عمه الشيخ دأود وتاج العارفين البغدادي وسعد الدين البغدادي وحين قدم دمشق قرأ على جماعة من مشائخنا أيضاً منهم الشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد القادر الصفوري والشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ حيدر الكردي والشيخ عثمان القطان والشيخ يونس المصري نزيل دمشق وشيخ الحديث بها والشيخ أحمد النخلي المكي المحدث وأجازه الشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ إبراهيم بن حسن الكردي نزيل المدينة المنورة والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني والشيخ يحيى الشأوي وغيرهم ممن يطول ذكرهم وبرع في العلوم ولازم الدروس والمطالعة والافادة والاستفادة بجد واجتهاد وآثر لذت العلم على اللذات المألوفة فلم يتخذ ولد أو لا عقال أو لا زوجة بل تزوج في دمشق في ابتداء أمره امرأة ثم طلقها ولم يضع جنبه على الأرض في ليل ولا نهار أزيد من أربعين سنة حتى في ليلة وفاته وكان يؤثر على نفسه فيلبس الثوب الخشن ويتصدق بالجديد الحسن وللناس فيه اعتقاد عظيم وله كرامات ظاهرة ودرس أولاً في البادرئية ثم لم يزل بها إلى سنة ألف ومائة واثنين ففيها تحول إلى جامع العداس في محلة القنوات وقطن به داخل حجرة إلى أن مات ودرس وأفاد وأنتفع به خلق كثير لا يحصون عدداً من دمشق وغيرها وله من التآءليف حاشية على حاشية الملا عصام الدين الاسفرائيني وصل فيها إلى باب الاستثناء وحاشية على شرح الاستعارات وشرح على شرح العقائد النسفية للجلال الدواني وحاشية عليه أيضاً وحاشية على حاشية الملا يوسف القراباغي وحاشية على شرح العوامل الجرجانية لسعد الله وحاشية على شرح جمع الجوامع وحاشية على شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ايساغوجي للفناري وحاشية على شرح رسالة الوضع للعصام وحاشية على الفقه الأكبر للأمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وحاشية على شرح عقائيد السعد وحاشية على شرح السنوسية للقيرواني وغير ذلك من الحواشي وله رسائل كثيرة في علم التصوف وأما تعاليقه وكتاباته فلا يمكن احصاؤها وتردد إلى القدس مرات للزيارة ماشياً على قدم لتجريد ولزيادة الخليل أيضاً عليه السلام وحج إلى بيت الله الحرام وجأور بالمدينة المنورة وكان مواظباً على نوافل العبادات من الصيام والصدقة وعيادة المرضى مشهود الجنائز وحضور دروس العلم مع قدمه الرأسخ في المعلوم وكان مقبول الشفاعة عند الحكام مع عدم تردده اليهم وصدعهم بالمواعظ إذا اجتمع بهم وعدم قبول جوائزهم حتى ان الوزير رجب باشا كافل دمشق لما كان واليها زار الشيخ مرة وكان يعتقده ويحبه فطلب منه الدعا فقال له والله ان دعاي لا يصل إلى السقف وما ينفعك دعائي والمظلومون في حبسك يدعون عليك وعرض عيه مائة دينار فأبى أن يقبلها وقال له ردها على المظلومين الذين تأخذ منهم الجرائم ولم يزل على طريقته هذه إلى أن مات وكأنت وفاته في ليلة الثلاثاء سادس عشر شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وقد قارب المائة أو جأوزها وهو ممتع بحواسه وعقله ودفن بتربة باب الصغير ولم يشعر غاب الناس بموته وأنشد الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي في تاريخ وفاته قوله قد كان في بلدتنا كامل ... وهو الامام المفرد الواحد شيخ العلوم الياس نجم الهدى ... ومن هو الموجود والواجد من بعده مات التقى أرخوا ... ومات الياس التقى الزاهد وقد رثاه الشيخ الامام الفاضل الكامل إبراهيم المفتي بقضاء بلدة أريحا متخلصاً بمدح الاستاذ عبد الغني النابلسي فقال لقد ثلمت من الاسلام ثلمه ... بها حصلت لجمع الناس غمه لموت الياس مولى كان حبراً ... جليلاً زاهداً وعلى همه بأنواع العلوم حتى تلي ... وطاعات مع الاخلاص جمه فحق لمثله يرثي وينعي ... وتبكيه الأنام ولا مذمه لأن لفقده اندرست علوم ... سقى قبراً حواه الله رحمه وأسكنه قصوراً عاليات ... بجنات وواصله بنعمه وقابله ببشر لقاه أرخ ... ومحض نداه جوداً منه عمه وأبقى الله للاسلام مولى ... وعبداً للغنى عنيت اسمه حوى مجداً وحاز تقى وزهداً ... وجرد في طريق القوم عزمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وأصبح غرة في الفضل حتى ... من الجهل البسيط أزال ظلمه ففي علم الحقيقة لا نظير ... وفي علم الشريعة فهو أمه تعظمه الملوك وتفتديه ... وتخدمه لذلك أي خدمه ونطلب اذ تكاتبه رضاه ... وعندهم له جاه وحرمه وكيف وقد تحققت البريا ... بان هو المجدد دين أمه لأحمد خير خلق الله طرا ... ليحيى شرعه ويبين حكمه وتأليفاته في الناس شاعت ... وقد ملأت لأقطار ومهمه إذا المولى يضاهي في علوم ... الا أقصر مضاهيه ومه مه واني وهو أوتي من علوم ... من العلم اللدني خبر حكمه أيا بحر العلوم فدتك روحي ... فكم أوضحت مسئلة مهمه ومشكلة جرى فيها اختلاف ... كثيراً طال ما بين الايمه كشفت نقابها وأزحت عنها ... غوامض بالمعاني المستتمه جزاك آلهنا بالخير عنا ... وأوقع باغضيك بكل نقمه فإبراهيم يرجو العفو منكم ... لعجز جمع وصفك لن أتمه وعذراً سيدي اذ لست أهلاً ... فسامحني لأنت على همه ودم أبداً بعون الله غوثاً ... مدى الأزمان في خير ونعمه أمين أمين بن محمد بن حسن بن علي القسطنطيني الأصل الدمشقي المولد الحنفي الشهير بابن الكمش أبو العون عز الدين الأمير الأديب المتفوق الفاضل الكامل الرئيس أحد أعيان الأمراء وحاجب الحجاب ولد بدمشق سنة ست وثلاثين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وكان من أعيان الأمراء والرؤساء وصار رئيس الجأويشية بديوان دمشق في مبتدأ أمره وكان يعرف بابن الكمش بضم الكاف والميم وبعدها شين وهي الفضة باللغة التركية لقب به جده أبو والده لشدة بياضه واستوطن دمشق وتدبرها ونجب له بها أولاد منهم صاحب الترجمة ووالدته شقيقة والدة والدتي وقرأ القرآن العظيم وشرع بالأخذ والطلب وحبب إليه الاشتغال بالعلوم فأخذها وقرأ على جماعة منهم الشيخ علم الدين صالح بن إبراهيم الجنيني وأبو النجاح أحمد بن علي بن عمر المنيني والشيخ أبو الثنا محمود بن عباس الكردي وشيخنا فخر الدين خليل ابن عبد السلام الكاملي والشهاب أحمد بن محمد المعروف بالشامي والشيخ أسعد بن عبد الرحمن المجلد وسراج الدين عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 بن عبد الجليل البغدادي نزيل دمشق وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم المخللاتي وأخذ علم الأوفاق والتسخيرات عن الشيخ محمود المصري نزيل دمشق وأخذ الخط المنسوب عن شيخنا الكاتب قطب الدين عبد الرحمن بن محمد العمري ابن قطب الدين والأديب أبي سعيد جعفر ابن محمد الكاتب وغيرهما وأخذ الأدب والشعر والترسل عن جماعة وصحب الأفاضل والأدباء وخالط الشعراء والنبلاء واشترى الكتب النفيسة من سائر العلوم والفنون واقتناها واستكتب أكثرها وجمع ألوفاً منها وكان لا يضن بعاريتها عن طالب ويحفظ أشعار العرب ووقائعهم ويحب مطالعة الكتب القديمة المتعلقة بالأدب واللغة وإذا حضر بمجلس يورد ما يحفظه من النكات والنوادر الأدبية ورأس بدمشق وتعين بين امرائها وصار رئيس طائفة الجند الاسباهية أرباب الأقطاعات الأميرية السلطانية ولما توفي والده وأخوته تقلبت به الأحوال وذهب إلى دار السلطنة قسطنطينية لأخذ الاقطاعات الأميرية التي كأنت بيدهم من القرى ونظارة الأنهار وأعشار البساتين والغياض وغيرها وصرف لتحصيل ذلك أموالاً كثيرة وركبته الديون وتنغص عيشه بعدها وكان مع ذلك لا يفتر عن تحصيل الكتب واشترائها ومطالعتها وحضور الدروس ومنها درس والدي وزيارة الأعيان والوزراء وايراد اللطائف والنكات في المحاضرات وكان كريم الطبع حسن الخصال سليم الصدر من الحفد والحنق سخي اليد يكرم الفقراء ويحسن إلى العلماء صحبته منذ ميزت وكنت أحبه ويحبني وكأنت والدتي تقول لي ان قريبك الأمير أمين من أهل الأدب والديانة والصلاح والصيانة وأنا أحب أن توده وتجتمع به وتصاحبه وما طلبت منه كتاباً للعارية ألا وأرسله إلى هدية مع جملة كتب وسمع من شعري الكثير وأخبرني انه ما نظم من الشعر غير بيتين وأنشد فيها من لفظه لنفسه وهما قوله كن ليناً في الناس واحذر أن ترى ... فط الطبيعة انه لم يحسن انظر إلى الأكحال وهي حجارة ... لأنت فصار مقرها في الأعين ولما سمع ذلك صاحب العالم الأديب خليل بن مصطفى الدمشقي نظم المعنى وأنشدنا أياه من لفظه فقال ان شئت ترقى لدي الخلان منزلة ... كن كالذي لان طبعاً في مودته فالكحل يوضع في العين حيث غذا ... ملايم الطبع مع وجدان قسوته فقلت لهما هذا المعنى قديم واستعلمه بعضهم في مدح الغربة فقال الكحل نوع من الأحجار تنظره ... في أرضه وهو مرمي على الطرق لما تغرب حاز الفضل أجمعه ... وصار يحمل بين الجفن والحدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وطلب مني الكتاب المرقص والمطرب لأبي سعيد ولم يكن عندي اذ ذاك فكتبت إليه يا أيها المفضال يا ذا الحجى ... يا مفرداً بالمشرق والمغرب ألست تدري ان داري خلت ... من مرقص فيها ومن مطرب ولمقدم دمشق الاستاذ العارف الوجيه عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس اليمني اجتمع به صاحب الترجمة ولازم مجلسه مدة اقامته بدمشق وأخذ عنه وأجاز له بخطه وكتب الاجازة نظماً كما هي محررة وجدتها بخطه رضي الله عنه حمدا لذي الاطلاق في الوجود ... مولى الموالي الواحد الودود من خص بالتلوين أرباب الصفا ... في حالة التمكين سرا وخفا وعلم الانسان ما لم يعلم ... لا سيما أهل الطراز المعلم فاحرزوا الذهاب والايابا ... وشرفوا البقاع والاحقابا وجانبوا التلبيس والتمويها ... وحققوا التنزيه والتشبيها وعاينوا مسبب الأسباب ... في كلها بالرشد والصواب وشاهدوا الظاهر في المظاهر ... وهذه حقيقة المفاخر واتحفوا بسائر الفضائل ... وحققوا بالحق بالفواضل فلم يحيدوا عن جميل الفعل ... وأيدوا الكشف بحق النقل وتابعوا في سائر الأمور ... ممدهم في الورد والصدور انسان عين الكون روح السر ... ملازناً في سرنا والجهر من خص أقواماً من الصحابة ... بمنهج قامت به القطا به وجاءنا بأشرع والطريقة ... ونور سر الكشف والحقيقة فبين الاسلام والايمانا ... وأوضح الاحسان والايقانا وهو الحبيب الشافع المقبول ... نور الوجود الموصل الموصول سامي المزايا المصطفى محمد ... عالي السجايا والمقام الأوحد أفضل رسل الله خير الأنبيا ... وسائر الاملاك نعم الاتقيا مقام أو أدنى له خصوصاً ... وفي ذرى ألقاب حوى التخصيصا صلى عليه ربنا وسلما ... وآله وصحبه والعلما وبعد فالاجازة المنيرة ... منا بدت في ساعة مبرورة في كل علم نافع مؤيد ... أحوال قلب المستقيد المهندي لا سيما التفسير مع علم الأثر ... والفقه ذي السر الذي ينفي الكدر وعلم أرباب العلا الصوفية ... من حققوا بأبهج المزيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 لا سيما ما قاله الاجداد ... من فيهم الاقطاب والأوتاد كالعيد روس الغوث بحر النفع ... وفرعه أكرم به من فرع وتلكم الاجازة العلية ... لمن غدت أحواله مرضية ذي العلم والأعمال والأذواق ... محبوب أهل القيد والاطلاق وهو الأمين الذات والأوصاف ... لا زال يحظى بالنعيم الصافي لله ذاك الأوحد الممجد ... خدن العلى خدن الندى محمد وقد أجزت الأوحد المذكور ... لا زال بالمولى يرى مسروراً في كل نهج من طريق القوم ... لكي به يعطي عريز الروم كعلم أوفاق وعلم حرف ... وعلم أسرار لأهل الكشف كذا أجزته بما ألفته ... في كل علم نافع أو قلته والآن تأليفي أراه عدا ... عشرين مع سبع تحاكي العقدا وقد أجزت الأوحدا المعهودا ... بأن يجيز الراغب المريدا ولي مشائخ يعز حصرهم ... وقد تسامي وردهم وصدرهم ومنهم جدي عظيم الفضل ... شيخ التقى في قوله والفعل والوالد الأواه وهو المصطفى ... ذو العلم والأعمال سامي الأقتفا وابن الشجاع المصطفى بحر الدرر ... نسل الامام العيدروس المشنهر وعيدروس الأصل والمعارف ... وهو الحسين ابن الوجيه العارف وعابد الرحمن بلفقيه ... علامة الزمان ذو التنبيه ونجل من يدعونه بسهل ... مولاي عبد الله سامي الأصل والسيد المكي مولانا عمر ... فرع الشهاب الفرد محمود السير والمدهر المزهر سامي القدر ... وهو العفيف القطب حأوي السر والسيد المشهور باعبود ... مشيخ المقدام في المشهود وابن حياة العارف السندي ... وهو المحدث الفتي السني والمغربي ذو المقام المفرد ... أعني فتى الطيب نعم الأوحد ومن غدا في العلم كالنوأوي ... خلى صديقي العارف الحفنأوي والملوي المعتلي والجوهري ... والمصطفى البكري مولانا السري وغيرهم من كمل أماجد ... حازوا العلى في صادر ووارد ولي اتصال ذو جمال سامي ... من بعض أهل برزخ أعلام والعيدروس الجد عبد الله ... من خيرهم أكرم بقطب باهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 قد قال هذا مرتجي الغفران ... وهو المسمى عابد الرحمن مصلياً مسلماً على الذي ... بجاهه من كل سوء منقذي والا آل والأصحاب أعلام الهدى ... وتابعي خير الأنام أحمدا توفي صاحب الترجمة يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة سنة مائتين وألف وصلى عليه بجامع التوبة ودفن من يومه عند والده واخوته بمقبرة مرج الدحداح خارج باب الفراديس وكأنت جنازته حاملة حضرتها رحمه الله وأموات المسلمين. أويس الصيداوي أويس بن عبد الله الندأوي الحنفي الشهير باليماني الشيخ صلاح الدين العالم الفاضل الفقيه التقي الصالح ولد بصيدا ونشأ بكنف والده وقرأ وسمع وأخذ الفقه وغيره عن عبد الرحمن العيدأوي وولي نقابة الأشراف بها وقدم دمشق أيام نائبها الوزير محمد باشا ابن العظم اجتمعت به وسمعت من فوائده وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء سابع عشر محرم سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الجزء الثاني الجزء الثاني من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للعالم الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل محمد خليل المرادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصحبه وعترته أمين. بسم الله الرحمن الرحيم حرف الباء الموحدة السيد بدر الدين الهندي بدر الدين بن جلال الدين بن عبد الهادي الهندي نزيل دمشق النقشبندي الشيخ البركة المعتقد الصالح العابد الناسك الزاهد قدم دمشق من بلدته شاهجان أبادي هو وابن عمه السيد هداية الله في سنة أربع وتسعين بعد الألف ونزلا في الخلوة الكائنة بالجامع الأموي عند باب جيرون شرقي الجامع المذكور ومكثا في أرغد عيش في الخلوة المرقومة وأكرمهما أهل دمشق غاية الأكرام ثم احترم ابن عمه الأجل وذلك في سنة أربع ومائة وألف فاستقام صاحب الترجمة مدة تزيد على أربعين سنة إلى أن مات وكان مرهف العيش متجملاً في ملبسه سخي الطبع ثم في سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف أنتقل بالوفاة إلى رحمه الله تعالى ودفن في مقابر الغرباء في تربة مرج الدحداح وهو من ذرية السيد يس بن السيد محمد الغوث الجهان بادي مؤلف كتاب الجواهر الخمس رضي الله عنه بدر الدين القدسي بدر الدين بن محمد بن بدر الدين بن جماعة الكناني الحنفي القدسي الشيخ العالم الفاضل توفي والده وكان سنه نحو ست سنين ولما صار سنه سبعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 عشر خطب على المنبر الشريف بعد ما كان حافظاً للقرآن ويطلب العلم على مشائخه بالقدس كالشيخ محمد الخليلي والسيد مصطفى اللطفي والشيخ عامر وعمه الشيخ نور الله بن جماعة والشيخ المحدث أحمد الموقت القدسي وأجازه علماء مصر بالمراسلة وعلماء دمشق بقراءة الحديث والتفسير وسائر العلوم النقلية والعقلية فمن علماء الأزهر الشيخ محمد بن أحمد الأسقاطي الحنفي والشيخ عبد الله الشبرأوي الشافعي والشيخ محمد الدفري الشافعي والشيخ أحمد الملوي الشافعي ومن علماء دمشق الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والعالم حامد العمادي مفتي الحنفية والشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي بن كزبر وكان المترجم يقرأ القرآن تماماً غالباً كل يوم في الصلوات الخمس وفي سنتها وقد كان يصلي ركعتين ليلاً يختم بهما القرآن تماماً وقد وقع ذلك منه مراراً مع اشتغاله بالمطالعة وبمصالح العباد وصنف أدعية سماها النور الوضاح ونجاة الأرواح وكان فاضلاً فقيهاً فرضياً تولى افتاء الحنفية بالقدس سنة اثنين وسبعين نحو عشر سنين وله فتأوي تسمى البدريه نحو عشرين كراسة وكأنت وفاته في صفر سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بباب الأسباط بتربة اليوسفية بالقدس وسيأتي ذكر والده محمد ان شاء الله تعالى ورثاه الشيخ محمد التافلاتي مفتي الحنفية بالقدس بقوله لفقدك بدر الدين تشكو المنابر ... وينديك الأقصى وتبكي المحابر وهدى محاريب الصلاة حزينة ... لموتك ما منها لبعدك صابر لقد كنت في نادي الخطابة بارعاً ... بوعظك يا هذا تطيب البصائر إذا ما تلوت الذكر في ملاء الورى ... تيقظ ذو سمع اليك وسامر ومتعت بالفتيا زمان وعشت في ... رياض التقى وهي الرياض النواضر وحين دعاك الحق نحو لقائه ... أجبت سريعاً إذ أتتك البشائر فأوحشتنا يا بدر بعد تأنس ... وسرت لدار الخلد والقلب شاكر فأحرقت أكباداً وأحزنت أنفساً ... وسرت لدار الخلد والقلب شاكر وما هذه الأيام الأمر أحل ... وكل ابن انثى للمقابر صائر وما الدهر الا عبرة بعد عبرة ... وفقدان أحباب وما هو حائر وفي كل يوم للصحاب ترحل ... وكأس المنايا في المنية دائر قدمت على رب كريم مواهب ... فبشراك بالرضوان يا بدر ظاهر فصبراً جميلاً أعظم الله أجرنا ... بحسن عزاء فيك والدمع وافر فيا معشر الاسلام جمعاً ترحموا ... عليه لتغشاه الفيوض المواطر وصلوا عليه واغنموا أجر ربكم ... وهذا سبيل كلنا فيه سائر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وتوبوا إلى المولى فمن مات تائباً ... تلقة أملاك الرضى وهو زاهر خباه آله العرش فضلاً ورحمة ... مدى ناح في دوح الاراكة طائر وما التافلاني خله صاح منشداً ... لفقدك بدر الدين تشكوا المنابر بركات الرفاعي بركات بن علم الدين الرفاعي الصالحي الدمشقي الشيخ الصالح المعتقد أصله من معتايا قرية بوادي بردى وكان حصل له جذب في بدايته وتقيد في خدمة الشيخ الولي الشهير عثمان أبو الخواتم الصالحي صاحب الأحوال وكل أصابعه غاصة بالخواتم إلى العظم وقيل انه لا يقدر يقلع منها شيأ لأنه حكى انها عدة بلدان ويحكي أنه مرة كان في عضده سوار غاص فاجتمع جماعة ومسكوه قهراً وردوه وهو يصيح ويقول لا تردوه فألحوا وفكوه عن عضده فأخذ يتأسف ويتحول ويلطم على يديه فما مضى شهر من الزمان الا وأخذت النصارى بلدة عظيمة من المسلمين في بلاد الروم وبالجملة فالشيخ المترجم كان من الأولياء المعتقدين بدمشق وكأنت وفاته في أواسط جمادي الثانية سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى. بيرم الحلبي بيرم المعروف بعيدي الحلبي الشاعر الشهير الأديب المفنن ولد بحلب الشهبا وارتحل إلى قسطنطينية دار الملك ولازم على قاعدة المدرسين المعتادة وبعد أن عزل عن مدرسة بأربعين عثماني صارفي قلم أناطولي قاضياً لبلاد جليلة وشعره بالتركي ومخلصه عيدي على طريقة شعراء الفرس والروم وفي العربي لم أر له من الشعر شيأ وكأنت وفاته في سنة احدى ومائة وألف رحمه الله تعالى. بهاء الدين النابلسي بهاء الدين بن عبد الله المعروف بالخماش النابلسي الشيخ الخطيب البليغ الفاضل الكامل المتقن الصالح التقي المفنن حفظ القرآن وتفقه على الشيخ عبد الغني مكية وقرأ على الشيخ عبد الله الشرأبي وأخذ عن الشيخ المحدث محمد بن أحمد عقيلة المكي ورحل إلى الجامع الأزهر وقرأ على الشيخ السيد علي العقدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 ولازم الشيخ يوسف بن سالم الحفني وحصل له فتوح كلي ثم عاد لوطنه واستقام متصدراً للافادة والتدريس وأنتفع عليه من الطلبة الكثير ولم يزل على حالته حتى مات ولم أتحقق وفاته في أي سنة رحمه الله تعالى. حرف التاء المثناة السيد تقي الدين الحصني تقي الدين بن السيد محمد شمس الدين بن السيد محمد بن السيد محمد محب الدين ابن أحمد بن محمد الحصني الحسيني الشافعي الدمشقي السيد الشريف الشيخ الامام الحبر العالم العلامة الصوفي الورع الصالح المعتقد الناسك الفاضل التقي النقي الفقيه ولد بدمشق في ثالث صفر سنة ثلاث وخمسين وألف ونشأ بها وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ منهم الشيخ عبد القادر الصفوري أخذ عنه الفقه والحديث والأصول ولازمه مدة سنين وهو أجل من أنتفع وحصل ودأب عليه وأجازه جماعة من الشام وغيرها فمن الشاميين الشيخ عبد الباقي الحنبلي والمحدث الامام محمد بن علي بن سعد الدين المكتبي الدمشقي والشيخ محمد البلباني انصالحي ومن المدنيين الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني والشيخ علي البصري البصير المالكي نزيل المدينة وعالمها وأخذ عن الشيخ محمد بن دأود العناني المصري وأخذ علم التصوف عن والده السيد محمد شمس الدين وأفاد واقرأ ودرس وقرأ عليه خلق كثيرون وجلس على سجادة مشيختهم بزأوية سلفه المعروفة بهم بالشاغور البراني في سنة ثمان وتسعين وألف وتردد إليه الناس وكان مكرماً للواردين ومنهلاً للقاصدين ورأيت له مجاميع بخطه تدل على فضله واتقانه ومعرفته بالأنساب والتاريخ وكان حريصاً على النوادر يحرر الواقعات والمسائل حتى اني وجدت في كتبه التي كان مالكها وفيات ومسائل مفيدة ولم ألق كتباً منهم خالياً عن حواش بخطه وتحريرات وكان بهي المنظر منور الشيبة يملأ العين جمالاً والصدر كمالاً سخي الكف كثير الصدقة وشفاعته مقبولة عند الحكام وغيرهم معظماً عند الخاصة والعامة مواظباً على اجراء صدقة الكشك في خان ذي النون كعادة أسلافه غير أنه مع علمه الباهر كان لا يخلو أحد من لسانه بالتنكيت والتنكيت ونوادره وحكاياته إلى الآن متدأولة بين الناس ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكأنت وفاته في ليلة الأحد سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بزأويتهم عند سلفه وتولى المشيخة بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 قريبه السيد الشريف عبد الرحمن ثم لما ذهب الخبر إلى الدولة العلية كان اذ ذاك فيها المولى خليل الصديقي فجعلها مشاطرة النصف إلى السيد عبد الرحمن الحصني والنصف إلى السيد يحيى الحصني ثم انه في زمن الوزير عبد الله باشا الآيدنلي والي دمشق وأمير الحاج وقع هفوة منه وهو ان بيدهم مكتباً أعطاه إلى رجل يهودي لأجل أن يدخله إلى داره وأخذ منه مبلغاً من الدراهم واشتهرت بدمشق هذه الحكاية ثم ان السيد محب الدين أخا السيد يحيى المذكور أخذ المشيخة جميعها ورفع منها المذكورين لسبب ما وقع عن السيد عبد الرحمن والآن على أولاده ومن الأتفاق العجيب ان المترجم شارك جده الأعلى من جهة الأم العلامة السيد تقي الدين الفقيه الشافعي صاحب المصنفات الكثيرة المشهورة كشرح الغاية والمنهاج والتنبيه وقمع النفوس وهو المدفون خارج باب الله بمحلة القبيبات في أشياء منها اللقب مذهب وخدمة العلم والشهرة بالديانة وعام الوفاة فان جده المذكور مات سنة تسع وعشرين وثمانمائة ولم يعقب الا البنات وكأنت احداهن قد تزوجها ابن أخيه السيد محب الدين جد صاحب الترجمة الأعلى وكان العقب لأبن أخيه المذكور وأيضاً المترجم لم يعقب الا البنات وسيأتي ذكر أقربائه حسن وبعده محب الدين ان شاء الله تعالى. حرف الجيم جار الله بن أبي اللطف جار الله بن محمد المعروف كأسلافه بابن أبي اللطف الحنفي القدسي العالم الفاضل الفقيه الأديب الأديب كان حسن الشمائل حميد الخصائل ولد بالقدس في حدود التسعين وألف وجني ثمر العلم بالتحصيل وجد في تلقي العلوم من الشيوخ حتى تفوق وفضل وكان خطيباً في الحرم الأقصى ومدرساً في المدرسة الصلاحية وقدم دمشق مع قاضيها المولى أحمد كوتاهيه لي في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وكان قاضياً بالقدس ومنها نقل إلى دمشق فجاء في خدمته وولاه بها نيابة الحكم في المحكمة الكبرى ولم يزل محط الافادة مقيماً على أحسن حال حتى توفي ابن عمه السيد محمد بن عبد الرحيم اللطفي مفتي الحنفية بالقدس فرحل للديار الرومية لأخذ الفتوى فصادفته المنية قبل الأمنية وكان له شعر متوسط فمنه هذه القصيدة امتدح بها ابن عمه المذكور وهي قوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 نبه الطرف ساهياً بالعود ... وأنتهز فرصة خمود الحسود في رياض حاك النسيم دروعاً ... بمياها فشابه الدأودي ورباها زمرد رصعته ... راحة القطر في وشي البرود بشقيق مربع كخدود ... عم خالا بصحن تلك الخدود ثم من نرجس كأعين صب ... ساهر عاف يرتضي بالرقود والبنفسج أقراط ياقوت زرق ... أو كشام بجيد خل ودود وحكى الورد من عقيق صواني ... قمعت بالزبرجد المعهود وكذا ألبان بأن منه غصون ... مائسات تميل مثل القدود مع خليل ان ماس يختال تيهاً ... أسر القلب مذرنا في قيود وحبيب منيته الوصل والان ... س وذكرته قديم العهود قال لا كان ما تمنيت حتى ... ترد المنهل الكثير الورود وتحلى بنظره منه تلبس ... ك فخاراً وحلة من سعود نجل عبد الرحيم صدر الموالي ... منبع الفضل غاية المقصود من بني اللطف مربع اللطف قدماً ... وهو فرع قد فاق تلك الجدود مفتي القدس مفرد في البرايا ... مثله نادر بهذا الوجود بحر علم قد راق عند ورود ... عم ريا مع ازدحام الوفود عالم عامل فقيه فطين ... بعلوم الكلام والتوحيد ان تصدى للدرس يوماً تراه ... هامر الغيث أو زئير الاسود سيدي أنت للمعالي سمى ... رغم أنف الأعدا وكيد الحقود هاك بكر أحوت معاني در ... بنت فكر زهت لكم بالعقود ترتجي لثم راحة وتهني ... ببلوغ المنى وعيد سعود لست أبغي بها نوالاً ولكن ... احتساباً لديك يا ذا الحميد دمت حامي الحمى وكهف البرايا ... سالكاً في حماية المعبود والله غير ذلك وبالجملة فقد كان من الأفاضل الأخيار الأماجد وكأنت وفاته بقسطنطينية دار الخلافة في سنة أربع وأربعين ومائة وألف وبنى اللطف في القدس بيت علم وله اشتهار ومزيد رفعة وشان وسيأتي في كتابنا هذا منهم جملة كالسيد عبد الرحيم وولده السيد محمد وقريبه الشيخ علي وغيرهم رحمهم الله تعالى. جرجيس الموصلي جرجيس الأديب الموصلي الشيخ الفاضل كان في سرعة انشاء التاريخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 من معجزات الأدب ونادرة العرب وكان له فضل وفصاحة وبلاغة وفيه مجون ومحاضرة لطيفة رقيق الطبع أنيق النظم حسن المعاشرة لطيف المباحثة والمناظرة في كل فن له دخول وإلى كل ذروة وصول وله مجون أنيق ونزاهة ظريفة وربما طلب منه التاريخ باسم معين فيقول الشرط فلا يخطي العدد ودخل حلب فاجتمع بادبائها وتطارح مع فضلائها وقال له يوماً بعض الأفاضل أريد أن اشوشك فقال يا سيدي فرجني وهذا يسمى في البديع بالأسلوب الحكيم والقول بالموجب كقوله مثل الأمير من يحمل على الأدهم والأشهب وقد قال له الحجاج لأحملنك على الأدهم مريداً القيد وذلك غير خاف وله في المعاتبات المرقص المطرب وكذا في كل فن وتوفي في سنة احدى وأربعين ومائة وألف ودفن في الموصل وترجمه في الروض فقال هذا الأديب الذي رفعه المجد وأوقعه من الكمال النجد امطر واستبرق وأثمر في المعارف وأورق أسهر في ليالي الفضائل وأسهد وسابق في ميدان المعارف فأبعد أسفر عن البلاغة صباحها وصير نفسه جناحها فلم يبق من البيان مورد الا ورده ولا عقد الا وقد أحرزه وأصفده ومن شعره قوله يمدح على أفندي العمري ربع الشباب هو الربيع الأينع ... ورياضه لذوي البلاغة مرتع أكداره صفو المشيب وماؤه ... خمر وظلمته شموس تطلع فاغنم لذيذ حياته فالمرء لا ... يدري لعمرك أين منه المصرع لا تجعلن العيش منه مؤجلاً ... ما فاز باللذات الا مسرع وأنهز إلى فرض الزمان فإنه ... ما مر من أيامه لا يرجع ومنها يا لائمي باللهو في زمن الصبا ... لست النصوح ولست ممن يسمع اني امرء لا يلوي عن لذاته ... ان شئتموا أو لا فلوا أودعوا اني عليك أخا الشباب المشفق ... ان كنت لي فيما أرى لك تتبع وأصل به الأخوان أصحاب الوفا ... ممن له ان غاب كاس يكرع صل بالغبوق صبوحه واشر على ... نغم البلابل حيثما هي تسجع بكر معتقة إذا جلبت غدت ... منا العقول بها عليها تخلع من كف ظبي تحكها وجناته ... غنج من التقبيل لا يتمنع وله يستدعي بعض اخوانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 مولاي قد راق لنا مجلس ... يفرح القلب وينفي المهموم وشوقتا الدعي قضى أن تكن ... معنا فشرف وقتنا بالقدوم جرجيس الإربلي جرجيس امام اربل ومقتداها البرز أدباً وفضلاً وعملاً والحائز قصب السبق ذوقاً وفهماً نشأ في اربل ثم رحل إلى موران فأخذ على أهلها نبذة من العلم ثم قرأ على صبعة الله العلامة ومكث في بغداد مدة وله إلى الموصل سفرات عدة ثم في سنة ثمان وسبعين دخلها أيضاً وكان له اليد الطولى في العلوم الغريبة وانقطاع العبادة وأخذ اجازة في الطريقة القادرية ومكث كذلك مدة ودرس في الموصل في مدرسة قريباً من الحضرة الجرجيسية مدة من الزمان ثم استوطن اربلاً وهو الآن فيها وسنه يقارب الأربعين وله حواش وتعليقات ومنظومات رشيقة وحج في السنة التي حج فيها الشيخ درويش السابق وترجمه في الروض فقال صاحب يد في الكمال وزند وحلأوة شهد في القريض وقند فهودر الأجياد والنحور التي منها تكتسب الرونق فوائد البحورا فصبح من استعمل المحابر والأقلام وأنجح من توغل في تصفية الأذهان والأفهام ناصر رايات الكمالات والحكم وهاصر عناقيد البلاغة للأمم أنتهى وله شعراً رائق ونثر فائق فمن نظمه الرقيق قوله مصدراً ومعجزاً الهذين البيتين ورب حمامة في الدوح باتت ... يا سجان وحزن مستكن على أيام وصل حيث فاتت ... تعيد النوح فنا بعد فن أقاسمها الهموم إذا اجتمعنا ... وتروي قصة الأشواق عني على حكم الهوى فينا اقتسمنا ... فمنها النوح والعبرات مني جعفر البرزنجي جعفر بن حسن بن عبد الكريم بن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني الشافعي الشيخ الفاضل العالم البارع الأوحد المفنن مفتي السادة الشافعية بالمدنية النبوية ولد ونشأ نشأة صالحة وبرع في الخطب والترسل وصار اماماً وخطيباً ومدرساً بالمسجد النبوي وألف مؤلفات ناقعة وانشاآت رائعة منها رسالة سماها جالية الكرب بأصحاب سيد العجم والعرب وهي في أسماء البدريين والأحديين وكان فرداً من أفراد العصر وكأنت وفاته في شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. جعفر البيتي جعفر بن محمد الشهير بالبيتي بأعلوي السقافي المدني الشافعي السيد الشريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الأديب الشاعر الناظم الناثر الأوحد المفنن ولد سنة عشر ومائة وألف ونشأ نشأة صالحة واشتغل بطلب العلم على والده وغيره وبرع في نظم الشعر حتى كاد أن يكون كالمتنبي وكأنت له مهارة بالطلب وسافر للديار الرومية واليمنية ودخل مدينة صنعا ثلاث مرات وتولى كتابة الشريف ووزارته وله ديوان شعر مشهور مشحون باللطائف نقلت منه قوله لا تستخف بشيء في الورى أبداً ... فالمرء يقتله ما يستحق به ولا تفرط ولا تفرط وخذ وسطاً ... تنجو بنور الهدى من ظلمة لشبه وقوله سلم لمن رقاه حظ كما ... يسلم الفرزان للبيدق وطأوع الصانع انطبع ... بكل ما شكل في الزبرق وقوله فضلك رزق زائد فوق ما ... ترزقه مع سائر الخلق لأنه لا بد من بلغة ... ثم الحجي رزق على رزق وقوله تحفظ على أهل الحجي من ذوي التقى ... فان التقى للمتقين زمام فمن تكن فيه مع الله ذمة ... فليس له في العالمين ذمام ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفاه الله تعالى في شعبان المعظم سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع وبنو السقاف بيت مشهورون بالشرافة والفضل. حرف الحاء المهملة حافظ الدين بن مكية حافظ الدين بن مكيه النابلسي مفتي الحنفية بالديار النابلسية أحد الجهابذة والاساتذة الأفاضل كان عالماً عجيب الفضل فاضلاً فقيهاً أديباً ذو نكات جمه ومصنفات مهمة ومن تأليفه شرح الملتقى بالفقه أزال به صعابه وكشف نقابه وله كتابة على منح الغفار مات وهي في مسودتها فعكف عليها عناكب الهجران ومزقت أوصالها من كل مكان ومن رايق نظمه ما أرسل به للشيخ عبد الرحيم اللطفي الحنفي مفتي القدس بقوله حافظ الدين يبتغي الجود عفواً ... من أياديك وهي في الجود سحب كم همى الغيث من نداها فأثرى ... معدم واعتراه في الجدب خصب قال قوم بأنني فيك أظمى ... قلت كلا فان ذا البحر عذب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 حاش لله ان بيت بضيق ... عند باب الجمال والدار رحب وله غير ذلك كأنت وفاته في أواخر سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى. حامد العجلوني حامد بن سالم العجلوني الشافعي مفتيها وابن مفتيها قرأ على والده وهاجر إلى مصر لطلب العلم بعد الخمسين وألف وأجازه الأجلاء من علمائها بعد القراءة عليهم كالشيخ محمد الشوبري والشيخ شهاب الدين القليوبي والشيخ سلطان المزاحي وله اجازة من الشيخ علي الأجهوري المالكي وكأنت وفاته في عاشر ذي الحجة سنة ست ومائة وألف رحمه الله. حامد العمادي المفتي حامد بن علي بن إبراهيم بن عبد الرحيم بن عماد الدين بن محب الدين الحنفي الدمشقي المعروف كأسلافه بالعمادي مفتي الحنفية بدمشق وابن مفتيها وصدرها وابن صدرها الصدر المهاب المحتشم الأجل المبجل العالم الفقيه الفاضل الفرضي كان عالماً محققاً أديباً عارفاً نبيهاً كاملاً مهذباً ولد بدمشق في يوم الأربعاء عاشر جمادي الثانية سنة ثلاث ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرأن واشتغل بطلب العلم على جماعة وأخذ عنهم وبرع وساد ونما ذكره وعلا فضله وازدان به وجه الزمان وأخذ عن مشايخ منهم الشيخ أبو المواهب مفتي الحنابلة وحضر دروسه في الأموي والياغوشية وأجازه وكذلك الشيخ محمد بن علي الكاملي حضر وعظه في الأموي ودرسه في السنانية وأجازه وأخذ عنه وكذلك الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ الاستاذ عبد الغني النابلسي حضر دروسه في السليمية ودرسه في الفتوحات وأخذ عنه ومنهم الشيخ يونس المصري نزيل دمشق حضر دروسه وكذلك الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق قرأ عليه كذلك علوماً شتى وأخذ عنه وأجازه الشيخ عبد الجليل المواهبي الحنبلي ومنهم الشيخ أحمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق والشيخ محمد الخليلي والشيخ علي التدمري وأخذ عن عمه المولى محمد بن إبراهيم العمادي ولما حج في سنة ثمان وعشرين أخذ عن جماعة في الحرمين وأجازوه منهم الشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ محمد الاسكندري ثم المكي وأوهبه تفسيره الذي ألفه النظم بعشرة مجلدات ومنهم الشيخ عبد الكريم الهندي نزيل مكة والشيخ تاج الدين القلعي المكي وأخذ عنه حديث الأولية وكذلك الشيخ محمد الوليدي المكي والشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخليفتي العباسي المدني والشيخ محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 أبو الطاهر لكوراني المدني وغيرهم ومن علماء الروم أخذ عن المولى أحمد المعروف بعلمي قاضي العساكر في دار السلطنة العلية ومهر المترجم ودرس أولاً بالجامع الأموي ثم صار مفتياً في أواسط رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة وألف وصار يدرس في السليمانية بالميدان الأخضر واستفتح في دروسه خطباً من انشائه وجمعها فبلغت مجلداً كبيراً وله تأليف رسايل منها شرح الايضاح مجلد كبير ومنها فتأويه مجلدين كبار وبها أنتفع الناس ومنها الحواشي التي جمعها على دلائل الخيرات ومن رسائله الدر المستطاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنها الحوقلة في الزلزلة ومنها في قوله تعالى بيدك الخير ومنها نقول القوم في جواز نكاح الأخت بعد موت اختها بيوم ومنها مسائل منثوره ومنها الأتحاف لشرح خطبة الكشاف ومنها تشنيف الاسماع في افادة لو للامتناع ومنها في الأفيون ومنها في القهوة ومنها القول الأقوى في تعريف الدعوى ومنها زهر الربيع في مساعدة الشفيع ومنها اختلاف أراء المحققين في رجوع الناظر على المستحقين ومنها التفصيل في الفرق بين التفسير والتأويل ومنها الرجعة في بيان الضجعة ومنها ضوء الصباح في ترجمة سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ومنها في دفع الطاعون ومنها مصباح الفلاح في دعاء الاستفتاح ومنها اتحاد القمرين في بيتي الرقتين ومنها اللمعة في تحريم المتعة ومنها في بحث من أبحاثها ومنها تقعقع الشن في نكاح الجن ومنها الصلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة ومنها الخلاص من ضمان الأجير المشترك والخاص ومنها الاظهار ليمين الاستظهار ومنها المطالب السنية للفتأوي العلية ومنها الحامدية في الفرق بين الخاصة والخاصية ومنها النقحة الغيبية في التسليمة الآلهية ومنها قرة عين الخط الأوفر في ترجمة الشيخ محيي الدين الأكبر قدس سره ومنها منحة المناح في شرح بديع مصباح الفلاح ومنها صلاح العالم بافتاء العالم ومنها عقيلة المغاني في تعدد الغواني ومنها جمال الصورة واللحية في ترجمة سيدي دحية رضي الله عنه ومنها العقد الثمين في ترجمة صاحب الهداية برهان الدين وديوان شعر ومكاتبات وغير ذلك وترجمه السمان في كتابه فقال عماد الفتوي وحامل لوائها ومستخلصها من ربقة لأوانها اهتصر من الفضل غصنه الفينان وقرت من الهداية بتقريره العينان فدأنت لمعلومات النقول وتدلت وعلى ما حواه ظواهره دلت فهو من لباب المجد تصور وناهيك بمن لم يخط الاصابة إذا تصور جري طلق العنان في ميدان الكمال فأدرك الحصلة التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 تقطع دونها الآمال بفكر جائل ما بين التهذيب والتحرير وتنقيح فتأوي يذعن لها الجهبذ التحرير وله السجايا التي تزدهي بها العصور والمزايا التي حسنها عليه مقصور فان كان للمعالي افق فهو بدره أو للمارم مستقر فهو صدره لا تستفزه داعيه ولا يلقى لما لا يعني اذناً واعيه مشتغلاً بالرياسة الحرية بالاشتغال سالكاً في مسلكها مسرى الايغال يحنو عليها حنو الوالدات على الفطيم ويشفق ان يمر بها النسيم على أنه من بيت اشتهرت بالعلم أوائله وأواخره وأشرقت من سماء العلياء فضائله ومفاخره وحسبك من بيت اسمه عماد الدين ومنتداه مأوى السراة المهتدين لم تبرح نوافح أهليه نركية الشميم ومحاسنها آخذة من الأفئدة بالصميم يعقب كل آن منهم بدر بدراً ويجدد من مآثرهم كذراً وقدراً وهاك منهم هذا الرئيس والمدير على الباب ما يفعل ولا فعل الخندريس حواشيه رقيقه وخلقه كالروضة الأنيقة تنحساه الآذان قبل الاستماع وتتخذه الأخصاء سمراً عند الاجتماع وله شعر رقراق توشحت بجواهره الأوراق أنتهى مقاله وتصدر بدمشق ورأس واشتهر وامتدح بالقصائد الطنانة من دمشق وغيرها وكأنت الحكام تهابه ويحترمون ذاته وتكاتبه أعيان الدولة العلية وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وتملك من التوالي والوظائف والعقارات شيأً كثيراً وكلما وقعت وظيفة يتخذها لولديه حسن وعبد الحميد مع كثرة الأموال واتساع الدائرة وحين توفي ذهبت جميع متروكاته وولداه المذكوران توفيا بعده بقليل وعزل عن الأفتاء مدة عشرة أشهر وعادت إليه وكان الآخذ لها المولى محمد العمادي وكان ابن أخيه المذكور المولى عبد الرحمن ذهب إلى الروم إلى دار الخلافة قسطنطينية لأجل ذلك لكونهم كأنت البغضاء بينهم موجودة ولم يأتلفا وحين عزل استقام درس السليمانية عليه ولم يزل المترجم عند الناس مبجلاً مكرماً إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الصدور العلماء الأفاضل وله شعر ونثر فمن ذلك قوله من قصيدة ممتدحاً بها أجناب الرفيع ومعار ضابها قصيدة لسان الدين ابن الخطيب التي مطلعها تألق نجد يا فاذكرنا نجداً ومطلعهار جائل ما بين التهذيب والتحرير وتنقيح فتأوي يذعن لها الجهبذ التحرير وله السجايا التي تزدهي بها العصور والمزايا التي حسنها عليه مقصور فان كان للمعالي افق فهو بدره أو للمارم مستقر فهو صدره لا تستفزه داعيه ولا يلقى لما لا يعني اذناً واعيه مشتغلاً بالرياسة الحرية بالاشتغال سالكاً في مسلكها مسرى الايغال يحنو عليها حنو الوالدات على الفطيم ويشفق ان يمر بها النسيم على أنه من بيت اشتهرت بالعلم أوائله وأواخره وأشرقت من سماء العلياء فضائله ومفاخره وحسبك من بيت اسمه عماد الدين ومنتداه مأوى السراة المهتدين لم تبرح نوافح أهليه نركية الشميم ومحاسنها آخذة من الأفئدة بالصميم يعقب كل آن منهم بدر بدراً ويجدد من مآثرهم كذراً وقدراً وهاك منهم هذا الرئيس والمدير على الباب ما يفعل ولا فعل الخندريس حواشيه رقيقه وخلقه كالروضة الأنيقة تنحساه الآذان قبل الاستماع وتتخذه الأخصاء سمراً عند الاجتماع وله شعر رقراق توشحت بجواهره الأوراق أنتهى مقاله وتصدر بدمشق ورأس واشتهر وامتدح بالقصائد الطنانة من دمشق وغيرها وكأنت الحكام تهابه ويحترمون ذاته وتكاتبه أعيان الدولة العلية وأعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وتملك من التوالي والوظائف والعقارات شيأً كثيراً وكلما وقعت وظيفة يتخذها لولديه حسن وعبد الحميد مع كثرة الأموال واتساع الدائرة وحين توفي ذهبت جميع متروكاته وولداه المذكوران توفيا بعده بقليل وعزل عن الأفتاء مدة عشرة أشهر وعادت إليه وكان الآخذ لها المولى محمد العمادي وكان ابن أخيه المذكور المولى عبد الرحمن ذهب إلى الروم إلى دار الخلافة قسطنطينية لأجل ذلك لكونهم كأنت البغضاء بينهم موجودة ولم يأتلفا وحين عزل استقام درس السليمانية عليه ولم يزل المترجم عند الناس مبجلاً مكرماً إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الصدور العلماء الأفاضل وله شعر ونثر فمن ذلك قوله من قصيدة ممتدحاً بها أجناب الرفيع ومعار ضابها قصيدة لسان الدين ابن الخطيب التي مطلعها تألق نجد يا فاذكرنا نجداً ومطلعها لطيف نسيم الروض اذكرني حمداً ... وفوق عبير الشوق هيجني وجداً غوادي رياء حين أهدت أزاهراً ... إلى كل عطف من معاطفه كما أقامت خطيب الدوح بالشوق حادياً ... لقلب كثير الوجد انضاؤه تحدى فخفق وميض منه غادر مهجتي ... حليف جوى صارت حشاشتها غمدا سحاب هموم مع غموم تراكمت ... بقلبي وأبدت من جوانحه رعدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وأجرت به من وابل الشوق أبحراً ... در أريه من جفني نظمت الخدا كأن انسكاب الدمع من غرب ناظري ... ركام غمام قارنت شهبا رصداه يؤجج ناراً وهو ماء مصعد ... تقاطر فانظر كيف مازحه ضدا عسى ينجلي من فجرها فرج الرجا ... فينسج من وشي الرضاء لنا بردا فننشق عرف الطيب من نحو رامة ... ونجني بوادي المنحني الشيخ والرندا ونسعى على الأقدام والوجد والحشا ... وتذري به دمعاً نهيم به وجدا ندأوي كلوماً من ثرى ذلك الحمى ... وقلباً كثير الوجد والأعين الرمدا أشيم به وادي العقيق وطيبة ... وطيباً لذات الستر أذكرني العهدا به حجر من عهد آدم شاهد ... لمستلميه ما أنا خوا له وفدا صفا لي صفاها بالمقام وزمزم ... يزم للداعي سرور الما أدى معاهد فيها الدين والنور والهدى ... رسول الرضي حقاً تبوأها مهدا أقام شراع الشرع فوق منارها ... وألبسها من نور هيبته بردا إذا ما عرانا في الملمات حادث ... لجأنا إليه اذ وجدنا به رفدا فأحمد خير الخلق أفضل كائن ... وأحمد داع للرشاد ومن أهدى منها نتيجة هذا الكون أنت وكل ما ... أعاد فأنت القصد منه وما أبدى وأثنى عليك الله في الذكر مادحاً ... ولم يبق جبريل لنا مدحة تهدى أبى الله أن ألقاك الا منعماً ... وحبل رجانا بالأماني قد امتدا اليك التجأنا يا مغيث فكن لنا ... مغيثاً إذا ما الهم فينا قد اشتدا عسى لمحة من نور هديك نستقي ... بها كوثراً يوم الزحام غدا وردا ومنها عليك صلاة الله يا من به ضياء ... إذا ما الليل للهم قد مدا كذاك على أصحابك الغرر التي ... فضائلهم لا تقبل الحصر والعدا خصوصاً أبا بكر خليفتك الذي ... حباك بما يحوي وبالنفس قد قدى وأفضل خلق الله بعد تبيه ... من الأنس ثاني اثنين في الغار قد عدا كذا عمر الفاروق من فرق العدى ... وسل حسام الحق بالحق فامتدا كذلك ذي النور بن عثمان بعده ... على أبو السبطين من بذل الجهدا وآلك أصحاب لمعارف والهدى ... فكم أوضحوا الآيات والشرع والرشدا كذاك على النعماك ذخري ومالك ... وأحمد تلو الشافعي له تهدى وأيضاً لعبد القادر العلم الذي ... توطن بغداداً وشرفها لحدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 كذاك جميع الأنبياء لأنهم ... عمادي واني حامد لهم حمدا وسرى سرى بالسرور لأنه ... تالق تجديا فاذكرنا نجدا وقوله مشجرا خليلي هل من نظرة لمتيم ... حليف جوى وسط الفؤاد وقيده لك الله من صب لبعدك طرفه ... فديتك مسلوب الرقاد فقيده يرقرق دمعاً تحت حاشية الدجى ... ظوامي الكرى من مقلتي تستزيده ليالي اشتياق كما نهنه الدجا ... هواي بدا يأسى وجد جديده بحيث فؤادي فيك ما زال وامقاً ... إذا رام أصلاً فالغرام يزيده يلاقي تلافي الهجر قد صار ديدنا ... لمن هو دون العالمين عميده كريم كريم ان جفا وإذا وفا ... له الفضل اذ كل الحسا عبيده وقوله ومشربش ملك القلوب بحسنه ... يفتر عن شنب الحياة رضابه ويروق ماء الحسن في وجناته ... فيريك في مرآتها أهدابه هو من قول السيد مصطفى الصمادي لا تحسبوا هذا العذار بوجهه ... خطا خفياً لاح في صفحاته هو ظل أنفاس لرقة خده ... يبدو لناظره على مراته وقد ألم بقول السيد أبو بكر الحلبي من قصيدة لاح الصباح كزرقة الألماس ... فلنصطبح ياقوت در الكاس من كف أهيف صان ورد خدوده ... بسياج خط قد بدا كالاس فكان مرآه البديع صحيفة ... للحسن جدولها من الأنفاس ويقرب منه قول بعضهم أعذ نظراً فما في الخد نبت ... حماه الله من ريب المنون ولكن رق ماء الحسن حتى ... أراك خيال أهداب الجفون وللمترجم في فوارة كأن فوارة قامت لناظرها ... ذوائب لفتاة نظمت غررا قد أطربتها الغواني وهي ناشرة ... من شدة الرقص في أطرافها دررا وللشيخ سعيد العمري في ذلك ورب فوارة فاضت أناملها ... ماء يكاد صفاه يدهش النظرا كأنه ذائب الألماس مزقه ... كف الصبا فكسا أعطافها دررا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وللسيد يوسف الدمشقي مفتي حلب لله ما أبصرت فوارة ... أعيذها من نظرة صائبه كانها في الروض لما جرت ... سبيكة من فضة ذائبة وللأستاذ العارف بالله تعالى عبد الغني النابلسي الأرب فوارة تنثني ... لها عين ناظرها شاخصه غدا الماء ثوب لها أبيضا ... وتلك كجارية راقصة وللمترجم ولا تبغ الا الأوج أرفع منزل ... وان ملت نحو الدون انك سافل فما المرء الا حيث يجعل نفسه ... واني لها فوق السماكين جاعل وله مؤرخاً اتمام الحواشي التي جعلها على دلائل الخيرات سفر به نشر الفضائل قد غدت ... زهر الدراري في علاه تنظم أجرى يراع الحسن في تاريخه ... بيتاً به يرد الأجادة معلم دأبي مديح محمد نور الهدى ... صلوا عليه يا كرام وسلموا وقال مداعياً رجلاً يسمى الشحرور سألت عن الشحرور هل كان معكم ... فقال لي المولى مجيباً أما تدري فقلت باذني شدوه وغنؤه ... لذلك لم أفقده اذ هو في فكري كتب المترجم تقريظاً على رسالة في الألهام بطلب من مؤلفها العالم الا ورع الهمام أحد الموالي الرومية المولى علمي أحمد قاضي القسطنطينية المحروسة وهو قوله أحمد من شيد معالم الحق وهدانا إلى سبيل النجاح ورفع دعائم عماد الدين وأرشدنا إلى طريق الفلاح وأصلى وأسلم على من بلغ أبلغ كلام بأفصح منطق وأحكم أحكام وعلى آله وأصحابه الفايزين بلذيذ خطابه وبعد فقد وقفت على هذه الرسالة العلمية والالهامات الشرعية فوجدت مقاصدها مشرقة بمصأبيح الهداية ومواقفها مشرفة على سنن سنن أهل العناية وعرائس معانيها أبكاراً عرباً ونفائس مبانيها تمثل القلوب طرباً ووارد الهامها ناظراً إلى الكتاب وألسنه عاضاً بنواجده شاداً عليهما سنه وإذا أردت أن أصفها فهيهات أن أنصفها فأقول صحائف علم ضمنهن تقول ... فمن ذا الذي غير الثناء يقول يسير على نهج الشريعة ركبها ... إلى نحو عرفان الكتاب تؤولي تبلج فيها الحق شمس منيرة ... وليس لها في الخافقين أفول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 إلى الأوحد العلمي يعزي نظامها ... لها منه فخر بالثناء كفيل كمى علوم في يديه حسامها ... يصول على الأبطال حيث يصول فلله قد أبدى نظام بيانها ... فزال بها قال يقول وقيل فلا زال بحاثاً يفيد مسائلاً ... لها غرر قد أوضحت وحجول يطوق أعناق الأنام قلائداً ... لها منه در بالثناء جميل مدى الدهر ما لدى بمدحك حامد ... نظام معان ليس عنه عدول فلا جرم بعد أن يهجر الالهام الا ما وافق السنة والكتاب وأن تغفل الأوهام ويغلق دون منظرها الأبواب حيث ألهم الله هذا المولى التحرير ما نحاه من التحرير فلقد أبدع فيه من لطائف النكات والبيان ما يطرب كل سامع من نوع الانسان ولعمري لم تصدر عوارف هذه المعارف وطرائف هذه اللطائف الا عن فهم هو أشد من البرق لمعاً واحد من السيف قطعاً وملكة راسخة البنيان مستندة إلى أصول المعارف والتبيان فنقد نثر في روضها جواهر كلمه ووشى بما أنشا في طرازها من نقس نقش قلمه بلغ الله بعلمه المبتغي الجملة الخبرية وأظهر بتآليفه النتيجة وأحكم القياس في القضية وجزاه الله تعالى من أنواع الألطاف آلافه وضاعف له جزاء هذا التصنيف من خيري الدارين أضعافه ما نفحت رياض المعارف والعلوم ورنحت القلوب واستخرجت خبايا المفهوم وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا محمد وآله الكرام ونرجو به حسن الختام. وقال مشطرا ً نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... نجيع فؤادي حين كابده الكرب وأجرته دمعاً من جفوني وأنه ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... يسيح وقلبي بالغرام لها يصب فمالت إلى قتلي وقد كان عندها ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب وقال مشطراً للبيتين قطب العارفين عبد الغني النابلسي نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... على البعد شتمي ثم منها بدا السب وقالت ستدري ما أريد وقصدها ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... يجود به حبي فقالت هو الذنب خرقت حجأبي مذ نظرت تظنني ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب وقال اللوذعي محمد سعدي العمري مشطراً لهما نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... معاقد صبري حين بان بها الركب وأجرت شئون العين في موقف النوى ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... غداة استقل الركب غص به الترب وظنت جنوني في تباريح عشقها ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب وقال البارع مصطفى ابن بيري الحلبي مشطراً لهما نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... محارم سر قد تضمنها القلب وفاض بقلبي من شئون مدامعي ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... بتقطير أنفاسي بوادره سكب وحال عقيق الدمع دراً وقد غدا ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب وقال حأوي الفضائل أحمد المنيني مشطراً لهما نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... خلودي بنار الصد يصلي بها القلب وأجرت من الآماق بالهجر والنوى ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... فما هالها منه انسياب ولا صب وقد سلبت عقلي وقلبي تملكت ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب وقال الأديب محمد شعبان القباني مشطراً لهما نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... قتالي ولم يخطر بخاطرها رعب وصالت بألحاظ لها ومرادها ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... يسيل على خدي فقالت كفى تصبو وقلت لها يا دعد لا تحسبي دمي ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وقال الأديب مصطفى الترزي مشطراً لهما نظرت اليها فاستحلت بنظرة ... محارم في قتلي بها رضى الصب وحين رأت ذلي أباحت بشرعها ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... إذا سفكته لا يطالبها الصحب وقد عاينت وجدي وسفك دمي غدا ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب وكأنت وفات صاحب الترجمة في سادس يوم من شوال بعد طلوع الشمس بمقدار نصف ساعة سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم المخصوصة بهم في مقبرة الباب الصغير ومدة استقامته مفتياً بدمشق أربع وثلاثون سنة وسيأتي ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 والده علي وعمه محمد وبنو العمادي في دمشق صدورها الأخيار ومن لهم بها مزيد الرفعة والاشتهار ورأيت بخط والدي بل الله رمسه بغفرانه على هامش الكواكب السيارة للعلامة محمد نجم الدين الغزي الدمشقي حين حرر في ترجمة جد المترجم بقوله محمد بن محمد عماد الدين الدمشقي البقاعي الأصل انه أخبره حامد العمادي صاحب الترجمة ان أصلهم من بلاد بخاري وان من أجداده صاحب الفصول العمادية هكذا سمع من لفظه وقد قال والدي قال لي من أثق به ان شيخنا المحقق محمد الغزي العامري قال ان جده صاحب الكتاب حرر العنأبي نسبة إلى حارة العنابة وهي فوق باب توما لأنه كأنت دارهم هناك لكن من تحريف النساخ حرروا البقاعي وقد كان اعتذر عن جده الشيخ الغزي للعمادي المذكور أنتهى والله أعلم. حسب الله البأبي حسب الله بن منصور الحنفي البأبي الأصل الحلبي كاتب الفتوي كان محققاً مشهوراً بالدراية والديانة والتقوى قرأ على علماء عصره وجهابذة مصره وتنبل على يد المولى أبي السعود الكواكبي وكان لطيفاً ظريفاً ديناً عفيفاً نحيف الجسم صبيح الوجه له فضل وأدب أخبر عنه من يوثق به أنه قال كنت سئلت سؤالاً بعد وفاة استاذي أبي السعود الكواكبي والسائل في غاية اصطرار إلى الجواب فاستمهلته أياماً فلم أظفر بالجواب والسائل في غاية الالحاح فبت ليلة في كرب عظيم لذلك فرأيت في النوم العلامة محمد الكواكبي جد أبي السعود الكواكبي وهو يقول نسيت المسئلة في كتب الفتوى التي طالعتها بل هي في الكتاب الفلاني ذكرها اسطراداً في باب كذا فأنتبهت من النوم مسرور الرؤيته وتنأولت الكتاب الذي ذكره في النوم فإذا المسئلة بعينها في الباب الذي عينه وقد كان المولى أبو السعود الكواكبي يقول قبل أن أتولى خدمة الفتوى رأيت الجد يعني العلامة محمد الكواكبي المذكور في النوم ومعه صاحب الترجمة حسب الله وهو يقول لي إذا توليت الفتوى فاجعل كاتبك هذا وأشار إلى صاحب الترجمة فما مضى للرؤيا نحو من عشرة أيام الا وأني لنا الأذن بالفتوى من غير طلب وكأنت وفاة صاحب الترجمة في سنة تسع وخمسين ومائة وألف وقد ناهز الثمانين ودفن بمقابر الصالحين غربي مقام خليل الرحمن عليه السلام بينهما الطريق والبأبي نسبة إلى الباب. حسن المغربل حسن بن أحمد المعروف بالمغربل الشافعي الدمشقي الفاضل النحوي اللغوي كان كاتباً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 حافظاً له فضيلة سيما بالنحو والعربية مشتغلاً في صنعة غربلة القمح فأنتقل منها إلى التجارة وسكن سوق السلاح مدة واشتغل بحفظ القرآن العظيم فختمه في مدة أربعة أشهر واتقن الحفظ ثم اشتغل بطلب العلم على الشيخ إسماعيل العجلوني وعلى الشيخ حسن المصري نزيل بني السفرجلاني بالآلات التفسيرية والعلوم العقلية والشرعية وعلى الشيخ محمد بن قولاقمز وكان المترجم مشتغلاً أيضاً مع الطلب بنسخ الكتب ويكتب الخط المضبوط النير كتب بخطه كتباً كثيرة من النحو وغيره وكتب تاريخ الأمين مرات وشرح دلائل الخيرات وشرح تاريخ العنبي للشيخ أحمد المنيني وسكن مدة بمدرسة الطبيبة وتعرف بمدرسة الكوافي تابع القيمرية ومع هذا الاشتغال يحضر دروس الشيخ إسماعيل في الحديث وتتردد إليه طلبة العلم ويطالعون عليه الفاكهي مع حاشيته للشيخ يس وشرح لشذور وشروح الألفية وكان جيد المطالعة مع الفهم الثاقب والذكاء التام ثم أنتقل من المدرسة المذكورة إلى الشاغور وفتح مكتباً يقال له مكتب الشيخ قاسم الفقيه وكان عفيفاً ديناً له شرف نفس ووقار وكان أنتقاله بطلب أهل محلة الشاغور لرغبتهم فيه في المهمات الفقهية وعقد الأنكحة وكتابة الأواجير والضمانات والصكوك وكان له شعر ونثر قليل فمن ذلك ما كتبه إلى الشيخ أحمد المنيني الدمشقي وهو اذ ذاك في دار الخلافة قسطنطينية بقوله عنوان الفضل وبسملة كتابه ومقلد بابه وفصل خطابه اكليل تاج الدهر ودرة عقد المجد والفخر الجناب الرفيع العالي والبدر المنير المتلالي سيدنا ومولانا بعد حمد الله تعالى مؤلف القلوب وان كأنت لأجساد نائيه والجامع بينها بعد بينها فأصبحت بقدرته في عيشة راضيه أقبل يدي المولى لا زالت مقاليد السعادة طوع يديه ولا برحت مرقاة السيادة مشرفة بلثم قدميه وأهديه سلاماً تتناسب جدأول المحبة في رياض أسراره وتبدر لوامع المودة من فلك سماء أنواره وأبثه ثناء عم نشره أكناف تلك الربوع والمنازل واعتقاداً أقام على برهان صدقه أوضح الدلائل ولوليه دعاء على ممر الدهور لا ينقضي وأبتها لا بأكف الضراعة للأجابة مقتضي أن يديم على صفحات خدود وجه الكون شامة دهره ويمتع الوجود ببقاء أوحد وقته ومفرد عصره من ملك من الفضل زمامه فانقاد إليه انقياد الجواد وجرى في ميدانه فأحرز قصب السبق بفكره الوقاد الحبر الذي فاق بجميل صفاته الأوائل والبحر المشتمل بذاته على جواهر الفضائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 الفصيح الذي ان تكلم أجزل وأوجز وأسكت كل ذي لسن ببلاغته وأعجز من تحلى كلامه بقلائد الدرر والعقيان وفاق نظامه على بلاغة قس وفصاحة سجان عامر أندية المجد والكرم وناشر أردية الأدب والحكم لله در امام كله أدب بفضله تتحلى العرب والعجم فلا برح ينبوع البلاغة يتفجر من بنانه ويتلاعب بأساليب البراعة على طرف لسانه هذا وكم نمقت أفكاره في جنح غلس الديجور ما هو واقع في النفوس من حور الحور وكم روى غليل الافهام بسلسل تقريره وحلى أجياد الأقلام بعقود تحريره وكم طافت افهام الطلاب بكعبة حقائقه وعلومه وسعت أفكار بني الآداب بين صفا منثوره ومروة منظومه فلا زالت الأيام باسمة الثغور بمعاليه والأنام حالية النحور بمنن أياديه ولا برح سرادق مجده الشامخ مضر وبأعلى هام المجرة والسماك وشرف فضله الباذخ منوطاً بمستقر الشمس من الأفلاك وهيهات قصر لسان البلاغة عن بلوغ شكره وعجز عن القيام بواجب حقه وبره فلم أر لساناً الا وهو مشغول بشكر أياديه ولم أسمع بياناً الا وهو مقصور على نشر معاليه هو جناب المولى المشار إليه دامت النعم متوالية عليه ولا فتى علما للعلماء يهتدون بأنواره وقدوة للفضلاء يقتدون بآثاره من محب يرى أن لا طيب الا شذا عبير ترابه ولا نجيب الا من تشرف بلثم أعتابه وأقسم بمن جعل محاسن الدنيا في بهجة ذاته محصوره وأسباب العليا على ملازمة أعتابه مقصورة ان عقد عبوديتي عقد لا تتطأول إليه الأيام بفسخ وعهد مودتي عهد لا تتوصل إليه الحوادث بنسخ كيف وقد رفع بفضله قدري وشرح بعلمه وآدابه صدري وسقاني كؤس الآداب وكأنت أحشاي صاديه وكساني حلل الوقار وكأنت مسأوئ باديه ولعمري مهما نسيت فلا أنسى طيب أيامي في شرف خدمته والتقاطي أفخر الدر من بحار مذاكرته فطالما جنيت من محاضرته ثمار فوائد مانسات الأعطاف وقطفت من مذاكراته أزهار فرائد مستعذبات الجنى والقطاف فالله تعالى يزيد باع مجده امتداداً وشعاع فضله سطوعاً وازدياداً وغاية جهد امثالي دعاء يدوم مدى الليالي أو مديح هذا وان المشوق من حين فراقكم لم يزل بنار الجوى يتقلب وفؤاده من ألم النوى بجمر الغضا يتلهب كيف وقد غلب الوجد وغاض الجلد ولازم السهاد وفاض الكمد وجفا الجفن الكري فماكر وخان الصبر فما تبت ولا استقر وليس يبرد بغير لقائكم غليله ولا يشفي بغير روياكم عليله فان شوقه اليكم قد زاد عن حده وغرامه بكم لا ينبغي لأحد من بعده فلذا خدم الجناب بهذه الفقرات المغتلة وتهجم بهذه السجعات المعتلة اعتضاداً بلطائف حسن شيمكم واعتماداً على عواطف سحب كرمكم ثم غلبه الوجد وفاض عليه الهيام ففاه بأبيات من هذر الكلام وان لم يكن من أهل هذه الصناعة لقصر باعه وقلة البضاعة على أن من تجرع مرارة كاس فراقكم لا يلام وان تعدى الصواب وأخطأ المرام مع علم سيدي بأنه لم يفه لساني قبل بشيء من الشعر فليعامل مملوكه بالأغضاء والستر فقلت ميمناً ومضمناً؟ منها البيت الأخير رجاء أن يقرب الله ساعات الاجتماع انه ولي التيسير وهو على جمعهم إذا يشاء قدير مذاكراته أزهار فرائد مستعذبات الجنى والقطاف فالله تعالى يزيد باع مجده امتداداً وشعاع فضله سطوعاً وازدياداً وغاية جهد امثالي دعاء يدوم مدى الليالي أو مديح هذا وان المشوق من حين فراقكم لم يزل بنار الجوى يتقلب وفؤاده من ألم النوى بجمر الغضا يتلهب كيف وقد غلب الوجد وغاض الجلد ولازم السهاد وفاض الكمد وجفا الجفن الكري فماكر وخان الصبر فما تبت ولا استقر وليس يبرد بغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 لقائكم غليله ولا يشفي بغير روياكم عليله فان شوقه اليكم قد زاد عن حده وغرامه بكم لا ينبغي لأحد من بعده فلذا خدم الجناب بهذه الفقرات المغتلة وتهجم بهذه السجعات المعتلة اعتضاداً بلطائف حسن شيمكم واعتماداً على عواطف سحب كرمكم ثم غلبه الوجد وفاض عليه الهيام ففاه بأبيات من هذر الكلام وان لم يكن من أهل هذه الصناعة لقصر باعه وقلة البضاعة على أن من تجرع مرارة كاس فراقكم لا يلام وان تعدى الصواب وأخطأ المرام مع علم سيدي بأنه لم يفه لساني قبل بشيء من الشعر فليعامل مملوكه بالأغضاء والستر فقلت ميمناً ومضمناً؟ منها البيت الأخير رجاء أن يقرب الله ساعات الاجتماع انه ولي التيسير وهو على جمعهم إذا يشاء قدير إلى السيد المفضال أهدي تحية ... نعم الربا طيباً وتملا النواحيا تحية عبد قد أباح ولاءه ... لديه عسى يرضاه رقاً مواليا وألثم أرضاً شرفت بنعاله ... فأضحى ثراها عنبراً وغواليا لقد أشرقت مذ حل فيها وأصبحت ... طيور الهنا والأنس فيها شواديا وأقتم وجه الشام من بعد بينه ... وقد كان قبل البين أزهر زاهيا ترى هل يعيد الدهر أوقات السنا ... وهل ترجع الأيام ما كان ماضيا رعى الله هاتيك الليالي التي خلت ... ليالي الهنا أكرم بها من لياليا زمان أوافى بدر تم بغبطة ... وكان به دهري سخياً مواتيا أما ما حوى مجداً وفضلاً وسؤدداً ... وسعد علاه جأوز التجمد راقيا فمن مجده يستقبس المجد كله ... كذا جوده يحكي الغيوث الهواميا ترى البشر يبدو من أسارير وجهه ... وضوء محياه يفوق الدراريا إذا ما دجى بحث وأعضل مشكل ... هدانا بنور منه يجلو الدياجيا ومن يك من ثوب الكمال مجرداً ... ولاذ به تلقاه يرجع كاسيا وهيهات مدحي أن يحيط بوصفه ... ولو طأول السبع الطباق العواليا فأدنى صفات المدح فيه بأنه ... علا قدره فوق السماكين ساميا لقد كان جيدي قبل لقياه عاطلاً ... فأصبح من نعماه تالله حاليا وأنهلني من فيض بحر كماله ... وكم علني من بعد ما كنت صاديا ويا طالما أملى علي فوائداً ... مهذبة أدركت فيها الأمانيا وكنت قرير العين في روض أنسه ... وعيشي من الأكدار قد كان صافيا ولكنما الأيام تعبث بالفتى ... فقد غادرت بيت المسرة خأويا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وكر على الدهر كرة ياسل ... فهاض بها عظمي وفت فؤاديا ولكنني منيت نفسي نعلة ... بأن الذي يقضي يقرب قاصيا وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا نلاقيا فعذراً مولاي لمن هو أخرس من سمكه ... وأشد تخبطاً من طائر في شبكه فأجابه المنيني المذكور نظماً ونثراً فقال أضوء صباح لاح يجلو الدياجيا ... أم الفلك الأعلى يجيل الدراريا أم الكون يجل في مروط مسرة ... منمنم برد الصفو أزهر زاهيا أم أفتر ثغر الدهر بالبشر والمنى ... وأصبح طلق الوجه يدنى الأمانيا أم الفكر من روض البلاغة يجتني ... أزاهر آداب ويرعى أقاحيا وما بال أرض الروم تندي رياضها ... وينفح مسكاً تربها وغوليا كأن نسيم النير بين عشية ... بهاجر ذيلاً عاطر النشر ضافيا ومالي أرى الأغصان تهتز معطفاً ... إذا عندليب الروض غرد شاديا وتختال سكراً في رباها إذا احتست ... مدامة طل قد ترقرق صافيا وقد تخذت تيجانها من زبرجد ... مرصعة من زهرها بلآليا وأصغت بآذان لها سندسية ... كما استصرخ المرتاد جرداً مذاكيا كأن بها شوقاً ملحاً ونشطة ... تسمع ما أضحى له الدهر رأويا فواف من الشعر البديع بيانه ... أتت للمعاني السافرات قوافيا عقيلة فكر تزدهي في ملابس ... من الحسن أضحت تستثر التصأبيان حوت حر أنواع الكلام جزالة ... ودقت معانيها ورقت حواشيا ووافت كزهر الروض ثندي غضارة ... ويعبق من أنفاسها المسك زاكيا وهاجت لي الشوق المبرح وانثنت ... تذكرني ما لم أكن قط ناسيا وماست دلالاً فاستثارت بدلها ... كوامن أشجان الفؤاد الاقاصيا عليها بداً من رونق السحر مسحة ... تريك المعاني الشاسعات دوانيا تدفق عن ماء البلاغة لفظها ... فروى من الأذهان ما كان صاديا وقد أسكر الأسماع صرف مدامها ... فأضحت بها الأفكار نشوى صواحيا أتتني من خل بعد مزاره ... على أنه في القلب ما زال ثأويا هو البارع المفضال والأوحد الذي ... غدا الدهر من ألفاظه الغر حاليا همام أطاعته القوافي وطالما ... على غيره أضحت صعاباً عواصيا وقد سال منه الطبع عن ماء مزنه ... يسنح سحاباً بالفضائل هاميا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 واطلع من أفق الفضائل ذكره ... شهاباً لمعتام الدقائق هاديا فلله ما أنداه طبعاً وفكرة ... واذكاء زنداً في المباحث واريا فيا أيها المولى الذي لم يزل إلى ... مراقي العلي فوق السماكين ساميا اليك على شحط المنازل نفثة ... لمصدور أشواق نعم النواحيا غدا القلب في نار الغرام مخلداً ... بها وتري الأحداق تندي ماءقيا تحملها مني اليك خريدة ... أجابت ولبت من خطابك داعيا وجاءت على شط المزار وبعده ... تبثك شكوى البين ان كنت صاغيا وأني من الله الذي جل شأنه ... لفي نعم لم أحصها وأياديا وما بي غير البعد عنكم فإنه ... ينغصني في شربي الماء صافيا أقلب طرفي في الديار فلا أرى ... وجوهاً لهم ودي وعقد ولائيا فيرتد عنها اللحظ من شجن وقد ... ترقرق فيه الدمع أحمر قانيا وصبري قد أودى به البين بعدكم ... فصرت بحال لا أرى الدمع شافيا فقلبي وأحشائي ومحني أضلعي ... ثلاث لنار الشوق أضحت أثافيا وقد صديت مرآة طبعي وفكرتي ... ومربع أنسي بعدكم ظل خأويا وأضحت شئون الدمع تحكي الذي جرى ... من البين والأجفان قرحي دواميا ولم يتبوأ أدهم الهم مقلتي ... لشيء سوى أن يورد الماء جاريا أأحبابنا ماذا التقاطع بيننا ... وعهدي بكم أن لا تطيعوا اللواحيا فهلا سمحتم للمشوق بزورة ... فإني أداني منكم اليوم دانيا اليكم على شحط النوى كل ساعة ... يقربني فكري وان كنت نائيا رعى الله هاتيك الليالي التي مضت ... فما كان أسناها لنا من لياليا ليالي عنا الدهر قد كان غافلاً ... وعن صفونا طرف النوائب غافيا لله درك من ناظم عقود جمان وناضد قلائد درر وعقيان وناثر لؤلؤ ومرجان وفارس يقصر فرسان البلاغة في ميدانها وماهر عريف بتصريف شأنها. ومالك للفصاحة آخذ بنواصيها وملك لها عامر أنديتها ومشيد صياصيها ومصقع للبراعة قائم على منابرها وسلطان للبراعة تبذل في خدمته سواد عيون محابرها وتسعى عبيد الأقلام في امتثال أوامره على رؤسها وتصفد أوابد المعاني بسلاسل النقوش في سجن طروسها ومداده لو رآه سجان لأودع فقره زوايا الخمول وخبايا الهجران ولو أبصره صعصعة بن صوحان لبرقع وجوه بنات فكره بعناكب النسيان وأبو تمام لما تم له التقدم في هذه الصناعة أو الثعالبي لراع أمام جدار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 فكره في مضمار البداعة أو المعري لألحق بنفسه المعرة والنقصان أو ابن العميد لقال ان نسبة ختم الصناعة إلي زور وبهتان والمتنبي لأظهر زيف معجز شعره وأبطل دليله ولعلم كل أحد من بعد أنه لا ينبغي له أو ابن عبد ربه لبدد جواهر عقده أو لأعترف بأن ملك الأدب لا ينبغي لأحد من بعده أو الخفاجي لأخفى بذكا ذكائه سنا شهابه أو الأمين لأقربا لخيانة واختلاس نفحته من ريحانة آدابه أو العناياتي لنسج حلل آدابه على منواله أو الهلالي لخفي عند سطوع شمس فضائله قلامة هلاله وبالجملة فشأوك لا يدرك وشعبك لا يسلك وسحاب طبعك لا يباري وجواد فكرك لا يجاري ولعمري لقد فاخرت لذات الشيخ والقيصوم وطأولت بأسجاعك السائرة وأبياتك العامرة ما شيدوا من منثوره ومنظوم وأحرزت قصب السبق في سوق عكاظه بين أبطال نجد وتهامه فنادتك الغاصاحة مذ بلغت في مضمارها الأنتهامه فلقد أزريت بأهل الوبر من سكان الضال والسلم ويممت حرم بلاغتهم فاقتنصت منه أوابدها وأبحت الصيد في الحرم فعقدت عليك اذ ذاك الحناصر واياك عني من قال كم ترك الأول للآخر وارتقيت إلى حيث النجوم شبائك والمعالي أرائك فعين الله ترعى من بهائك للفضائل بدراً وتكلا من سنائك للآداب فجراً وهو المسئول أن يديم علاك ويطيل بقك ويسنى قربك ويدني لقاك كتبت اليك أعلى الله قدرك وأسرى في فلك السعادة يدرك بين عجز ناه ووجد آمر وذكر ساه وشوق ساهر عن زفرة لا يخمد لهيبها وحسرة لا يسكن وجيبها ونار بعاد تتلظى ونفس من شطط البين تشتظي وشوق يتكرر يتكرر الشفق ويتجدد كلما تمزقت ثياب الغسق بتحيات ألطف من رشحات الخجل على صفحات الخدود وأرق من شمائل الشمال تهصر بانات القدود وأعطر من تنفس الرياض بأفواه الأكمام عن ثغور الزهر وأشذى من نسمات الصبا تعطف وأوات الأصداغ وتعبث بالطرر وأثنية كما موهت بالسحر صوارم الأحداق أو كالمناجاة بين أجفان الغيد وقلوب العشاق سألتني أدام الله تعالى سني ذاتك وأندى غصون مسراتك عن جلية أمري وحقيقة حالي وما إليه يؤل حطي وترحالي فأنهيت اليك أنني لم أزل في نعم من الله تعالى تترى لا أحصى لها عداً ولا حصراً ولا أستطيع القيام بها شكراً ولما وردت دار السلطنة العلية وتمتعت ببعض منازهها ورياضها البهية وجدتها مشحونة بأعيان الفضلاء وأفاضل الأعيان ممن تحلى بهم لبات المجالس وتتقرط بجواهر ألفاظهم الآذان وحصل لي مع بعضهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 مزيد ألفة وأنسية لشغفهم بالمطارحة للطائف اللغة العربية ومنه في وصف الكتاب وبرزت منه عذراء مهرها النفوس تنفح مسكة النقس من أردانها ولا عطر بعد عروس فطفقت تعبث بالأحلام وتنفث سحراً في الهوات الأفهام وجعلت أطوف حول كعبة بلاغتها طواف قدوم لا وداع والثم من أركانها ما يجمع لي بين هزة نشطة والتياع وأدخل جنات حدائقها دخول رائض متامل فأنزه طرف الفكر من بديع أزاهير معانيها بما ينسى ذكرى حبيب ومنزل ثم لأجابة داعيها وتعويلاً على النظر بعين الرضى من منشيها قابلت خزفي بدرها وأوردت ثمدي إلى تيار بحرها وأتيت بازاء بيوتها العامرة بهذه الأبيات الخأوية فاقتصرت من معارضتها على البحر والقافية اعتماداً على النظر بعين الأعراض والسماح وتعهد ما في أبياتها من الخلل بالأصلاح والسلام عليكم سلاماً يكون غب التحميد عنوان الكلام وعند أنتهاء الخطاب مسك الختام وكأنت وفاة المترجم بعد الخمسين ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى. حسن البخشي حسن بن عبد الله بن محمد البخشي الحلبي كان عالماً فاضلاً ذكياً ذا هيبة ووقار لطيفاً خلوقاً ولد في سابع شهر سنة احدى عشر ومائة وألف وقرأ على والده العلامة المحدث الحجة الشيخ عبد الله البخشي أخذ عنه الفقه والنحو والحديث والتصوف وألبسه الخرقة ولقنه الذكر وعلى عمه العلامة الشيخ إبراهيم البخشي المدرس بمدرسة المقدمية بحلب وأخذ عنه الكتب الستة والأدب والعلوم العربية وكذلك عن عمه العالم الشيخ اسحق وعن عمه العالم السيد عبد الرحمن وقرأ على العلامة السيد محمد الكبيسي الحلبي حسب الله أمين الفتوي والشيخ عبد الرحمن العاري والشيخ علي الميقاتي والشيخ حسن السرميني وحسن الطباخ والشيخ قاسم النجار والشيخ سليمان النحوي والمولى علي الأسدي والشيخ علي الشامي والشيخ أحمد الحافظ وأخذ الفرائض والحساب عن العلامة الشيخ جابر المصري وأخذ علم الكلام عن شيخه السيد محمد الطرابلسي مفتي حلب والقرات عن شيخه الشيخ عمر البصير والسيد عبد الله المسوتي واستجاز له والده من المسند المحدث الشيخ حسن العجمي المكي والشيخ أحمد النخلي وأخذ عن الشيخ أبي الطاهر الكوراتي والياس الكردي نزيل دمشق والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وقرأ على الشيخ طه الجبريني الحلبي وعلى العلامة الشيخ محمد عقيلة المكي لما قدم حلب وعلى الشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 عبد الرحمن والشيخ عثمان ولدي الحجار الملازمين بالمدينة المنورة والمدرسين بالحرم النبوي وعلى الشيخ السيد عيسى المرشدي امام الحنفية بالكعبة المشرفة المكي وعلى الولي الزاهد الشيخ عبد الله الزمزمي وله سياحة في كثير من البلاد ذكر من اجتمع بهم من الأفاضل في رحلته وتردد على قسطنطينية مراراً وقرأ على علمائها وألف وأجاد ونظم وفضل فمن تأليفه بهجة الخيار في شرح حلية المختار ومنها النور الجلي في النسب الشريف النبوي وتأليف عظيم في الرد على من اقتحم القدح في الأبوين المكرمين ورسالة في رجال الشمائل وشرح على الشمائل وله شرح على أسماء البدريين وله تأليف في العقائد سماه تحرير المقال في خلق الأفعال وله ديوان حافل وشرح مفيد على قصيدته المسماة بعقود الآداب سماه تنقيح الألباب في حل عقود الآداب وكل يتعاطى القضا والنيابة بحلب وغيرها وقبل وفاته بأكثر من عشرين سنة انفصل عن قضاء صيدا بالفعل وترك طريق القضا اختياراً للعزلة ولازم تكية الاخلاصية بحلب وكان لا يخرج منها الا وقت الدروس وآلت مشيختها وتولية أوقافها له بحسب الشرط فلم يرغب لها رضاء بالقناعة والعزلة وسمح بها لأبن أخيه السيد محمد صادق ومن فرائد شعره قوله من قصيدة تبلغ مائة بيت امتداحاً في الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم رحم الحبيب تنفس الصعداء ... فأجاب فيه تضرعي ودعاي قد لذ لي فيه التذلل والعنا ... وغدا سقامي فيه عين شفاي حارت ذوو الألباب فيه صبابة ... وضلالهم في ذا غدير هدائي منها فاضممه عني أن حظي عاقني ... وأخبره أني قانع بفنائي وبه انثنى نحو العقيق مقبلاً ... بالجفن خد التربة الفيحاء ومنها وبفيض جودك سيدي وبنسبتي ... قلبي الحزين معلل بقراء أأضام في يوم الجزاء وملجأي ... لحماك فيه سيد الشفعاء لا اختشي محل الرجال وجودكم ... يغني إذا عن ديمة وطفاء كل الورى يرجون منك شفاعة ... هي حصنهم في الشدة الدهماء وكذاك ذا البخشي يرجو نظرة ... يسمو بها فرحاً إلى العلياء ويفوز بالرضوان يوم مآبه ... متشرفاً من نوركم بضياء لا غر وأن يعطي مناه في غد ... حسن وأنت وسيلة الرحماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 ومن شعره بأهل بدر متوسلاً بقوله يا سادتي أهل بدر ان قاصدكم ... يعطي الأمان ولو حفت به الغير ما نابني كدر يوماً ولذت بكم ... الا وساعد فيما ارتجى القدر وله هذه القصيدة ممتدحاً بها صاحب الرسالة ومطلعها لأتركنن لداعي اللهو واللعب ... وأحذر مخادعة الأهواء والطرب منها خلاصة القول أني مذنب وجل ... ومن مكابدة الأهواء في نصب لم يبق لي سالف العصيان معذرة ... الالتجائي لغوث الخلق خير بني محمد المصطفى الهادي الذي شرفت ... به الخلائق من عجم ومن عرب قد بشرتنا به العجماء ناطقة ... والجن والأنس والأملاك في الحقب وأصبح الدهر مسروراً بمولده ... وأظفرتنا يد الآيات بالعجب فللسرور على أرجائه قمر ... من حين ليلته الغراء لم يغب وأشرق الكون بالتوحيد مفتخراً ... يختال من فرح فيه ومن عجب فياله رحمة للناس شاملة ... ونعمة للورى قاص ومقترب لولاه لم تخرج الأكوان من عدم ... ولا تنزلت الأملاك بالكتب ولا اهتدى الخلق في الدنيا لخالقهم ... ولا اضمحل ظلام الشرك والريب كلا ولا أشرقت ولا غربت ... يوماً ولا دارت الأفلاك بالشهب ومنها يا صفوة الله في الكونين يا سندي ... ويا ملاذي اذ ما الهول أحدق بي هلكت ان لم تكن لي شافعاً سنداً ... فارحم مسيئاً لقد أخطى ولم يصب اليك وجهت آمالي أطارحها ... نيل المرام وما أرجوه من أرب فكن شفيعي إذا ما الخلق أذهلهم ... يوم الزحام وخوف المكر والغضب فلا ولي وصديق وذو شرف ... الأغدا وجلاجاث على الركب يشبب من هوله الطفل الوليد إذا ... ضاق الخناق على الجاني من الرهب وثم لا والد يغني ولا ولد ... عن المسئ ولا ماحان من نسب وكل خل له شان سيشغله ... عن الخليل ويغنيه عن العتب لكن رحمة ربي ثم معتمدي ... وأنت واسطتي فيها ومنتدبي فليس يحصرها حد ولا قلم ... وحلمه بعطاه منتهى طلبي أكبر جودك أن ألقى على جرمي ... أحاله حسنات عند محتسبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 فان تفضلت يا فوزي ويا شرفي ... وان تكن شافعي يا خير منقلبي وكم عصاة لهم في جودكم طمع ... عقباه يلقونها أشهى من الضرب ومنها صلى عليك الهي ما همت سحب ... وما رجوت لكشف الضر والكرب وكل آن على مر الدهور وما ... نجت مراحمك الجاني من العطب كذا السلام بأبهى صيغة ودت ... يفوق ريا نشر المندل الرطب والآل والصحب والأزواج من لهم ... في القلب منزلة للغير لم تهب بحبهم أرتجي حسن الختام إذا ... قضيت نحبي ونعم اللطف ذلك بي وله قصيدة مجيدة ومطلعها ألا ليس لي عن مورد الحب مذهب ... ولي الوجد دين والصبابة مذهب إذا غربت شمس النهار فمونسي ... شموس جمال نورها ليس يغرب ومنها خليلي قلبي ضاع مني فهل له ... رجوع وهل للنازحين تقرب خذ أحيت تجد طيب الله تربها ... وباكرها من وأكف السحب صبب ومرا بسلع والعقيق وحاجر ... فثم خيام للأحبة تضرب بها حاز فخراً في المنازل لعلع ... ووادي النقا واخيف ثم المحصب ألما بهاتيك الربوع فانها ... منازل أحبأبي بها القلب يطلب وعوجاً بقلبي نحو طيبة أنه ... يحن للثم الترب منها فيندب هي المربع الفياح مأوة نبوة ... ومنها الثرى للعين كحل مجرب مقام ختام الرسل أحمد من له ... بكل مقام للآله تحبب ومنها اليك غياث الخلق سارت مقاصدي ... ولا يرتجي الاك قلبي المؤنب اليك أتى البخشي يرجو شفاعة ... ولا غر وان ينجو بجاهك مذنب فيا حسن الأخلاق والخلق والعطا ... ويا من إليه في الملمات أرغب أجر حسناً يوم الزحام فإنه ... به المرء عمن يصطفيه ينكب أجر مذنباً يرجو الاقالة قاصداً ... حما جاهك العالي لبيك ينسب ومنها عليك من الرحمن أزكي صلاته ... وأنمي تحيات من المسك أطيب نعم ذوي القربى وصحبك من لهم ... بأعلى مقام المجد مثوى ومرجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 يعطر منها الكون ما سار نير ... ولاح بأفاق المجرة كوكب ومن معمياته في عثمان وعلي ودعتني وتشكت بيننا ... ودموعي فوق خدي كالجمان قلت في كم ينقضي هذا الجفا ... فأشارت لي بلحظ وثمان وقوله معمياً في محمد فوضت أمري لربي وارتضيت بما ... قضاه لي قبل تخليقي من القسم وان جفا ذمتي ظلماً بغير وفا ... صابرته شاكراً والحمد ملأ فمي وله في حسن من مجيري في هواه شادن ... سهم لحظيه بعمد صائب خلع الحسن عليه تاجة ... وحمى الطرة فوق الحاجب وله غير ذلك وكأنت وفاته في حادي عشر رمضان سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الشيخ حسن الشهير بالحنبلي حسن بن علي الشهير بالحنبلي الشافعي القادري الشريف لأمه والمعروف بالطباخ الحلبي الشيخ العالم العامل المحقق الكامل المتقن الخطيب بجامع الخسروية والمدرس بأموي حلب ولد في حلب في سنة ثمانين وألف وكان والده طباخاً فأثرى حاله وأقتني من أنواع أواني النحاس شيئاً كثيراً وكان يؤجرهم إلى الناس في الأفراح وأتخذها حرفة ثم ولده المترجم نشأ في حياته موفر الدواعي مرفه البال وكان زكياً نجيباً فاشتغل بطلب العلم واكتساب الكمال فلازم الشيخ مصطفى الحفسر جأوي وأكثر عنه وأنتفع به وعليه تخرج وبرع في الفقه وأخذه وسائر العلوم عنه وقرأ التفسير على المولى أحمد الكواكبي والحديث وفقه الحنفية والأصول على ولده المولى أبي السعود الكواكبي وقرأ على الشيخ أحمد الشراباتي وعلى الشيخ سالم المكي وعلى غيرهم من علماء عصره وأكثر عن الواردين وبرع في المذهبين وكان سريع الاستحضار لكثر المسائل وأقتني الكتب النفيسة النافعة كثيراً وأعتني بتصحيحها وضبطها لملازمته اقرآءها وكان يخبر عن نفسه أنه أكثر لياليه لا يضع جنبه على الأرض للنوم بل يتكي في زأوية البيت ويضع الأحرام على ركبتيه والمصباح عند رأسه ويطالع فإذا غلب عليه النوم وضع الكتاب ونام على حالته هذه فإذا استيقظ تنأول الكتاب واشتغل بالمطالعة ويقول ان هذه الكيفية في المطالعة فائدتها كلية لأن الانسان إذا نام عقب المطالعة وأعادها حين استيقاظه من النوم علق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 ذلك في ذهنه بحيث أنه لا يزول وكان له تقرير بتحقيق وتدقيق من غير حشو ولا تلعثم ولا توقف وأنتفع عليه خلائق كثير ولما انحلت خطابة الحسروية عن الشيخ عبد اللطيف الزأويدي وجهت على صاحب الترجمة وكان من الخطباء المحسنين وكان شديد الأنكار والتعصب على الدخان وشاربه حتى كاد أن يقول بحرمته وكان إذا حضر في مجالس من يحتشمونه لا يشربون أبداً وإذا شرب في مجلس أمسك أنفه بأصابه وتأنف وقال يا أخي أكفف أذاك عنا واستمر على ذلك إلى قبيل موته بنحو عامين حتى اعتراه حادر حار فعالجه فلم يفده شيئاً فوصف له الدخان فوقف برهة وزاد به الألم فشربه وترك الأعتراض وكان معاصره الشيخ قاسم البكرجي مثله بل أشد تعصيباً منه فحصل له قبل موته حادر ذهبت به عينه الواحدة فأمره الطبيب بشرب الدخان خوفاً على عينه الثانية فشربه وقد شاهدته في بلدتنا دمشق الشام وقع لبعض أحبابنا من الأفاضل وكان كما ذكر فبعد مدة صار ديدنه شربه وكأنت وفاة صاحب الترجمة بعد ايابه من الحج وكان سبق له قبل ذلك مرتين توفي في بدر بختام ذي الحجة ختام سنة أربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الشيخ حسن العكي حسن بن علي بن محمد بطحيش العكي الشيخ القطب الرباني والهيكل الصمداني له حاشية على الدرر والغرر في الفقه واختصر ديوان شيخ الاسلام القاضي زكريا رضي الله عنه وله أشعار ولد في سنة خمس وسبعين وألف وكأنت وفاته في سنة احدى وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. حسن أفندي الدفتري حسن بن علي الرومي الأصل الحموي المولد الدفتري أحد خواجكان الدولة العثمانية الشهم المعتبر الرئيس المفنن السميدع كان والده كخدابوأبين الوزير أحمد باشا المعروف بالحافظ أحد وزراء الدولة العثمانية المشاهير ولما عين من طرف الدولة لنظام أطراف دمشق ورفع تعدي رئيس طائفة الدروز الأمير فخر الدين ابن معن الدرزي المشهور وجرى ما جرى بين الفئتين كما ذكره المؤرخ السيد محمد أمين المحبي في تاريخه وجرت المواقع بين العساكر السلطانية وبين ابن معن المذكور حمل نفسه وجاء منفرداً في جماعته وعساكره مظهراً لشجاعته للمحاربة على عسكر أحمد باشا المذكور فقتل واحداً من العساكر وعاد راكضاً لعشيرته فلحقه من طرف العساكر السلطانية والد المترجم وكان شجاعاً فوصله وضربه بسيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 أطاح رأسه عنه لكن ما أمكنه أخذ رأس المقتول لكثرة عساكر ابن معن ليأخذه للوزير المذكور فحين عاد قال له الوزير هل قتلته فقاله باللغة التركية فإنه باق أي انظر إلى الدم يعني انه اشارة إلى قتله لحوق الدم إلى من ضربه بالسيف فحينئذ قيل له قنبق بالاختصار وصار لقباً له فلذلك اشتهر المترجم وأولاده إلى الآن ببني قنبق ثم ان والد المترجم اتصل بخدمة متصرف حماه محمد باشا الارنؤد وحظى عنده وتزوج بأم ولده المترجم فنشأ المترجم في حماه وفي حجر والده وحماه مشتغلاً بطلب العلم وتعلم الكتابة التركية ومهر بها فلما توفي والده في حماه ارتحل للروم إلى دار الخلافة قسطنطينية العظمى ودخل للسراي السلطانية ومعه ولده السيد علي الآتي ذكره في محله وهو حديث السن وبعد مدة خرج من السراي بمقابلة خدمته برتبة الخواجكان أي كتاب الديوان بأحد المناصب الكتأبية وهذا الطريق في الدولة يحتوي على كمل وادباء وظرفاء وشعراء ثم التزم حمص وكأنت اذ ذاك خاصاً للوزير الأعظم والآن هي وحماة لكل من يتولى امارة الحج الشريف مالكانة توجه له ثم عاد المترجم للدولة وصار دفترياً ببغداد مدة من الزمان ثم صار دفترياً بدمشق سنتين سنة احدى واثنين بعد المائة وألف ثم استعفى من المنصب واستقام بحماه وكان اذ ذاك متصرفاً في حماة على طريق المالكانة علي باشا ابن محمد باشا الارنؤود المذكور آنفاً وكان بينهما الفة ومحبة أكيدة ومصاهرة بزواج ابنة المترجم إلى ابن الأمير إبراهيم ثم عزل علي باشا المذكور عن منصب حماة وأعطى منصب حماه إلى الشريف سعد بن زيد شريف مكة المكرمة سابقاً وكان ولي أولاً معرة النعمان بأمر من الدولة لأختلاف الحجاز في ذلك الحين وما جرى بينه وبين الشريف بركات شريف مكة فضبط حماة لكنه كان شديد الخلف كثير التعدي بحيث أن أهل حماة قاموا عليه وأخرجوه من البلدة قهراً فوصل إلى معرة النعمان وكتب يشتكي عليهم للدولة العلية وأسند ما جرى إلى المترجم وأفهم بكتابته ان رجلاً يقال له حسن من أهل حماة كان هو السبب في اخراجي وتعزيري وهو مظهر العصيان فتأمر وأوالي حلب بقتله لتنضبط ولم يزد على هذا التعريف لقضاء مصلحته ونفوذ الأمر الالهي وكان ولد المترجم السيد علي الآتي ذكره اذ ذاك من كبار الخواجكان لكنه كان مرسولاً من طرف الدولة رسولاً المعبر عنه بالايجي إلى بلاد النصارى النمسة ولم يبلغه قتل والده الا بعد سنة حين عاد ثم أرسلت الدولة أمراً سلطانياً بقتله فقتل المترجم في حماة بداره وهو في حالة النزال لمرض اعتراه وسنه متجأوز الثمانين وكان صاحب ثروة كثير الصدقات محباً لاشتراء المماليك والجواري حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 قيل لما قتل وجد أربعون مملوكاً متزوجين لأربعين جارية كلهم عتقاؤه مع تنظم وجه معاشهم وكان قتله في سنة ست ومائة وألف ودفن بحماة بجانب والده وستأتي ترجمة والده السيد علي وحفيده مصطفى ان شاء الله تعالى. الشيخ حسن البغدادي حسن بن مصطفى البغدادي القادري النقشبندي نزيل دمشق الشيخ الصوفي المعتقد كان اماماً بارعاً في علم الحقيقة وشهرته في ذلك وله صلاح وتقوى وعدم تردد إلى أرباب الدنيا والانزواء والاشتغال بعلم الحقيقة ولد ببغداد وبها نشأ وكأنت له ثروة ولم يكن أولاً من المتجردين عن الدنيا بل كان أحد الكتاب ببغداد ثم ترك ذلك وانفرد إلى الاشتغال والاكتساب بما يقربه عند الله زلفي وحسن مآب وقدم دمشق هو وأخ له يسمى الشيخ خليل وكان من المتصفين بالعلوم وحج إلى بيت الله الحرام ثم بعد العود قطنا دمشق وقرأ على الاستاذ الأعظم الشيخ عبد الغني النابلسي الفتوحات المكية وقطن المترجم في داخل جامع بني أمية في داخل المشهد الشرقي في دار وحجرة ووجهت عليه من طرف الدولة ببراءة سلطانية ومن بعده على أولاده وذريته بهذا الشرط وصارت له عثامنة أيضاً في الجوال الميرية من طرف الدولة وطنت حصاة شهرته في الآفاق واعتقده الخاصة والعامة واقرأ وكأنت الأعيان تتردد إليه ويزورونه ويقصدون التبرك به وترسل إليه العطايا والهدايا وبالجملة فقد كأنت سيرته حسنة وطريقته مستحسنة وله من التآليف معراج في أحوال الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي رضي الله عنه ورسالة جواب عن سؤال ورد عليه في بيان لن تراني على لسان القوم السادة الصوفية ولم يزل مستقيماً على حالته هذه إلى أن مات وكأنت وفاته بدمشق في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه وأرخ وفاته السيد عبد الرزاق البهنسي بهذه الأبيات وهي قوله بدر المعارف في أفق الشهود سرى ... وغاب عن جملة الأكوان واستترا لا تحسبوا جنة في ذا الثرى قبرت ... وانما الفضل والتحقيق قد قبرا بخلوة اللحد مختاراً رضى ملك ... فيالها خلوة يقضي بها وطرا العارف الأوحدي أعني به حسناً ... يلقى بها الروح والريحان منتشرا قد قلت اذ زدت فرداً قد قضى أربا ... بجنة الخلد في تاريخه ظفرا عليه أو في تحيات مباركة ... في روضة تشهدها زاكي الشذا عطرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 حسن النخال حسن بن محمد بن أحمد المعروف بالنخال الشافعي الغزي العمروي كان أحد الأفاضل بغزة عالماً نبيلاً علامة نشأ في حجر أبيه وحفظ القرآن وجوده وارتحل إلى مصر وقرأ وحصل العلوم على الشيوخ كالشيخ مصطفى العزيزي والشيخ أحمد الأسقاطي والشيخ عبد الرؤف السجيني والشيخ أحمد الملوي والشيخ عبد الله الشبرواي وغيرهم وأخذ عن كل وتفوق وصارت فيه البركة وتمتع بملابس الفضل والاستفادة وأجيز بالفتوى والرواية ثم بعد سنين عاد إلى بلدته وأقام بها يفتي على مذهبه ويقري الناس بالعلوم واجتمع بالاستاذ الشيخ السيد مصطفى الصديقي الدمشقي وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الذكر وأسماه وأجازه بالخلافة وألبسه كسوة الطريق واشتهر بذلك لما كان عليه من الصلاح والورع ونشر أعلام الطريق وكان معاشه من عقارات ورثها عن أبائه يقتات بها كفافاً مع القيام باكرام الوفود ولم يزل على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته في أوائل ربيع الأول سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن في ظاهر غزة ورثاه ابن استاذه الشيخ السيد محمد كمال الدين الصديقي بقصيدة مطلعها أفق أيها الأنسا من غفلة الدهر ... فما هذه الدنيا بباقية العمر لعمرك لا تبقي لذي عيشة هنا ... ولو سالمته الحادثات من القدر فكم من مليك ساد وهو مبدد ... العزائم لا يدري إلى أية يسري وكم خدعت من عالم شاع فضله ... وكم سالمت بالغدر منها أخا وزر فهذا فريد الوقت أضحى مجأوراً ... رضى ربه يغشاه في ذلك القبر امام غدا نجم العلوم وطالما ... هدى أنفساً تاهت بأياته الغر وجدد آثار ابن ادريس في الورى ... بما فيه من فضل غدا سامي القدر وأمسى اماماً في علوم حقائق ... أتته بلا ريب عن السيد البكري وغاص بحار الوهب يبدي جوهراً ... تسامت علاً عن كل ساه وعن غر وقد كان رحاً في العلو إذا همى ... يجل عن التمداح في النظم والنعثر لعمروي نسبة إلى محلة بني عامر في داخل غزة هاشم والله أعلم حسن بن ملك الحموي حسن بن ملك الحموي المولد الحلبي المنشأ والوفاة ولد في حماة في رابع عشر ربيع الأول سنة ثمانين وألف ونشأ بحلب وقرأ على فضلائها وأخذ عنهم الفنون والآلات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وصحب الأديب الفاضل الشيخ مصطفى الحلفأوي الخطيب بأموي حلب يومئذ وتأدب عليه وكان له شعر رقيق الحاشية فمنه ما قاله في المديح النبوي من قصيدة ألا يا رسول الله يا أشرف الورى ... ويا من يرجي للمهمات والبلوى منها فقد خصك المولى الكريم بفضله ... فيا حبذا عنك الأحاديث أن تروى ومنها عليك صلاة الله ما غاسق دجى ... وما زال نور البدر في الأفق يستضوي كذا الآل والأزواج والسحب كلهم ... ومن عن رضاهم لم أطق أبداً سلوى وذاك مع التسليم في كل لحظة ... بتعداد ما في العلم من عدد يطوى وله مضمناً لقد رشقتني من سهام لحاظها ... مريشة تلك اللحاظ من الهدب وقامت تهز العطف نحوي مجاهلاً ... وتخبرني أن ليس لي ثم من ذنب ولكن ألحاظي رصدن متى رأت ... أسير هوى ترمى بجارحة السلب فقلت ودمع العين جاد كأنه ... سحاب تراه حين سال على الترب خليلي لا تستنظرا البرء أنني ... سمعت بأذني رنة السهم في قلبي وكأنت وفاته بحلب في ثالث عشر ذي القعدة سنة أحد وتسعين ومائة وألف. الشيخ حسن الطباخ حسن بن مرجان البقاعي ثم الدمشقي الشهير بالطباخ الخلوتي الشيخ التقي النقي الصالح الكامل الورع الزاهد المخلص العابد القدوة المعتقد أخذ طريق الخلوتية عن الاستاذ الشيخ عيسى الكناني الصالحي وهو أخذها عن شيخ الوقت السيد محمد العباس الدمشقي وهو أخذها عن صاحب الكرامات الشيخ أحمد العسالي الخلوتي المدفون خارج باب الله وظهر واشتهر وأخذ عنه جم غفير وكأنت تعتقده الناس وكأنت وفاته بدمشق في يوم الخميس ثامن ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح وخلف للطريق قبل وفاته الشيخ يوسف المملوك الآتي ذكره ولم يخلف ولده حتى بعض الناس اعترض عليه بذلك ثم بعد مدة صار الشيخ يوسف بركة دمشق وظهرت كرامة المترجم رحمهما الله تعالى. الشيخ حسن الكردي حسن بن موسى الباني المولد الكردي نزيل دمشق الشيخ العارف العالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 العلامة المدقق أمام أهل الحقيقة وفرد الوقت ووحيده كان صوفياً قطباً خاشعاً مربياً زاهداً ورعاً جامعاً بين الظاهر والباطن وله من التأليف شرح الحكم للشيخ محين الدين ابن العربي وشرح رسالة الشيخ أرسلان رضي الله عنه وشرح مواقع النجوم للشيخ الأكبر رضي الله عنه وشرح عوامل الجرجاني وشرح تصريف العزي وحاشية علي شرح العقائد للقيرواني قدم إلى دمشق وقطن أولاً في المدرسة السليمانية ثم تحول إلى جامع العداس بمجلة القنوات ثم إلى دار في محلة القيمرية ثم أسكنه عنده نقيب الأشراف بدمشق المولى السيد حسن بن حمزة وأخذ له داراً لصيقة لداره واستقام بها وظهر علمه واشتهر وقصده الخاص والعام ودرس وأفاد وكأنت له كرامات خارقة لا تأخذه في الله لومة لائم وللناس به اعتقاد وافر وكأنت وفاته بدمشق في رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومائة وألف وكان مرضه نحو عشرة أيام ودفن بتربة مرج الداح وسيأتي ذكر ولده عبد الرحمن في محله رحمهما الله تعالى. حسن الحلبي المعروف بشعوري حسن الحلبي نزيل قسطنطينية المعروف بشعوري الأديب ولد بحلب وارتحل إلى اسلامبول وصار من زمرة الكتاب ثم صار من خلفاء قلم المالية وكان مشهوراً بالمعارف شيخ معمر بالصلاح ومن آثاره بانشاء اللغة التركية كتاب جمع فيه اللغات الفارسية وكتاب دستور العلم للمولى رياضي أيضاً ذيله بذيل وبند عطار المشهور قابله من نظم التركي بمؤلف قدر أبياته وترجمه وديوان أشعاره باللغة التركية مشهور ورأيت من نظمه أشياء وأما في اللغة العربية فلم أر له أثراً بذلك وكأنت وفاته في سنة خمس ومائة وألف رحمه الله تعالى. حسن المصري حسن المصري الفيومي نزيل دمشق الشيخ العالم العامل الفاضل الورع العابد الناسك المجتهد كان من العلماء الفحول بارعاً في العلوم وله يد طائلة في النحو حتى قرئ عليه شرح القطر للفاكهي مراراً وإذا ظهر في بعض النسخ تحريف يقول عبارته كذا وكذا وله شهرة في علم القراآت واشتغل عليه الناس بطريق الجمع وكأنت له أيضاً مهارة في علمي المعاني والبيان وله مشاركة في بقية الفنون لا سيما الفقه وعلم الكلام وكان كوكب الولاية على ذاته لائح وبدر أسرار الهداية الربانية عليه سناه واضح قدم دمشق في سنة مائة وألف واستوطنها وأنتسب إلى بني السفرجلاني رؤساء دمشق وأدوه بأسعا فهم ودرس بدمشق وأفاد وتلمذ له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 الجم الغفير ولم يعهد له تأليف وكأنت وفاته بدمشق كما أخبرت في سنة احدى وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. حسن الخياط حسن المعروف بالخياط الدمشقي الشيخ الأديب الناظم كان ممن خاط جلأبيب اللام ومهر بالنثار والنظام وكان ادباء دمشق يداعبونه في أبياتهم وقصايدهم ورأيت له مجموعة بخطه أكثرها شعره ونظمه وأحجياته وألغازه فذكرت من شعره هنا ما استحسنته وضربت عن باقيه صفحاً فمن شعره ما كنبه إلى الشيخ محي الدين السلطي بقوله أيا بارقاً في الدجى أومضا ... تحمل رسالة صب صبا حليف غرام وذا مقلة ... تسح فتسقي زهور الربا لك الله يا برق ان جزت في ... ديار تسامت مراقي الرقا ديار أرتنا حلا بهجة ... تروض النواظر روضاً زها فيا ساكني تلك هل من لقا ... فقد ذيب من هجركم والقلا إذا ما سرى الركب الحمي ... يهيج عشاق ذاك الجنا فيا حادي العيس مهلاً فقد ... رميت بهجر يذيب الحشا تسيل العيون فتجري هتون ... أقتلي العيون لها من فدا أنوح نواح الحما الحمي ... فيشفق مما تراني العدى ولا غرو اني بكم عاشق ... كليم فؤاد حليف الضنى أروم لدار الهوى بالأسى ... دواء فارشد للمبتغى ملاذي وقصدي دون الورى ... وموئل نحجي مقر الحجى أمامي في الضل والمقيتدي ... ونجمي المنير لطرق العلا إذا ضن فضل الغمام أرتوي ... أياديه فاقت كام الحيا أمام النظام وكهف المرام ... ومولى الكلام روى واقتدى بديع الزمان مليك البيان ... معاني المعاني ونجم الهدى يراع يروع لأهل الجدال ... ينوب الحسام إذا ما أنتضى بشيخ الفضائل يدعي وفي ... صدور الأفاضل يدعى فتى هو السلطي محي ربوع النظام ... ومندي رباها بغيث الندا إذا أم جدواه ذو حاجة ... يعود بمراي مراد نحا هو البحر لكن ترى لفظه ... من الدركا لدر حلو الجنا فيا واعي القصد من منطقي ... ويا صاحبي في طلاب الغنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 فمولاي من في مديحي له ... ووصفي لما حاز نذر سما إذا أنصف الدهر كان الرئيس ... على كل فز بعرف ذكي لقد فاق سحبان في منظم ... غدا لو يجسم عقد الطلا فقد جهدوا أهل هذا الروى ... بنظم يدانوا فكان الهبا فأين معانيك يا قدوتي ... وأين مبانيك فيما ترى اليك مديحي يبغي الجلا ... عروساً تؤم اختدام الولا ولا شك ان الذي يقتدي ... بفحواك يهدي بنجم أضا اليك التجأت بفن القريض ... ومنشئ أنتشائي اليك أنتهى فأجابه الشيخ محي الدين بقوله أفدي نظاماً مثل ععقد في طلى ... لما وفى لي اعتضته عن الطلا مقصورة النعت تروي بالفتى ... أسنى المعالي مثل نجم قد أضا حايكها المحيا بحسن نظمه ... حسان بالأنصاف مع فهم ذكا بدر المعالي لقبا فاسمه ... وصف لكل ممدح سامي الرقى بأحسن الاسم ويا من فعله ... بالأحسن الموصوف وصفا ينتمي برعت من قد أنتمى بمنظم ... في سلكه أودع دراً من لهى فأنت ممن مدحه منتدب ... من كل ندب هديت ذوو الروى لما تمليت بما أرسلته ... ظننت أني في رياض تجتني أو أنني حاس طلا مزاجه ... أمسى وذا نكهة تنشي القوي صادرة عن صدر فذ صادق ... في وده وغير كذب أو مرا كأنها مرسوم عرض صاغها ... يعلمني محض التصافي والولا فيالها من غادة بهنانة ... بديعة الأوصاف في معنى الغنا جلوتها في ثوبها فانحمقت ... ومزقت أثوابها قصد الجلا فلاح من نحوي رواها مشرقاً ... بدر المعالي وأضحا باهي السنا يا حسنها لما أضاء جسمها ... كبرق سلع حين لا حين حنا وقد أضاء الثغر منها باسماً ... يهدي لمن قد ضل فيها لا لعي ما أومض البرق وهاج خاطري ... الا تذكرت به ما قد مضى وما وفت رسالة من معتني ... الا وكان القصد أوفى مقتني يا غادة جاءت نروم باحة ... عفا مساعيها وفي أهل الوفا كيف اهتديت معطنا في رسمه ... عافته من جود بها أهل الدنا ضللت أم ضل الضلال فاهتدى ... بنو الكمال اذ تراقانا الهدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 قالت ومعنى القول مني صادر ... أممت من هو المرام المرتضى ضيف ألم قاصداً بني الوفا ... يطرق باب الفخر قصداً والحجي قلت أرحي فهذه موائد ال ... عرفان للقاصد فيها المشتهي آنست يا عريدة الدوح الذي ... سيب أياديه دواء للصدى قبلتها هدية وافرة ... تنوب عن جم العطاء والسخا فلم تزل خادمة نكبر مها ... ولم يزل ودي لها مدا المدى إلى ختام المنتهى في المبتدا ... والمبتدأ إلى ختام المنتهى ما دام عهد الود موثوق العرى ... والفعل من فاعله إلى الي وكتب للمترجم الأديب مصطفى بن أحمد الترزي يمدحه بقوله عليلك بعد هجرك لا يرى ما ... سوى لقياك ما يشفي السقاما فهل لك في حياة فتى معنى ... يبيت الليل لم يعرف مناما يحن إلى معاهدك اللواتي ... يهجن الصبابة والغراما ويبكي يوم بان الحي عنه ... بدمع يفضح السحب انسجاما ويندب طيب أيام التداني ... ويقريها التحية والسلاما سقاها عن دموعي الغيث سحا ... وهل غير البكا يطفي الاؤواما الا لا يذكر الرحمن يوماً ... به للبين قد شدوا الحزاما وسار به الخليط وخلفوني ... لهم أنعي المضارب والخياما تراني والها من غير عقل ... كأني قد تحسيت المداما مدام نواك يسكرني ويذكي ... بقلبي الوجد يضرمه ضراما الا يا ام ذاك الخشف هلا ... تراعي العهد ما بين الندامى أما تذكرك هاتيك الليالي ... وهل تنسي من البعد الذماما عشية قادني للحب قلب ... أرد به من الوجد الحساما ولا أخشى الحروب تذل منها ... جحاجح لا يهابون الحماما غداة يقدم الخيل المذاكي ... فتى يغشى بنائله اليتامى يرد الجيش لا يثنيه خوف ... يرى الأدبار في الهيجا حراما ويقتحم الردى في كل هول ... يرد الاسد من باس حيامى وما الفخر الجليل ولا المعالي ... يصيرني لها شيخاً اماما بأكرم من يوأوي الضيف يهدي ... له من كل غالية طعاما ويبذل كي ينال المجد مالاً ... ويرقى في الكمالات المقاما ويخش العار عنه بيت بنائي ... بحاذر من عواقبه الملاما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فهذا في المعالي نال خظا ... له قسمته أيديها اقتساما فحق له التفاخر يوم فخر ... إذا العليا غدت تحبي الكراما وان صعبت أمور بني المعالي ... فأيدي الخيل تدني ما تحامى فرفقك ان منعني ما يرجي ... سنجلس منه في العليا قياما نقابلكم بأقوام عليهم ... يلوح المجد نوراً كالعلاما حجاحج لا يهابون العوالي ... تحف الهول والموت الزؤاما ولسنا لا وعهدك من اناس ... تكون من القتال له شآمى سنعلم من يمل الحرب منا ... ومن يرمي به هاما فهاما رويدك بعض هذا الهجر يكفي ... فقد فت الهوى منا العظاما وغادرني الغرام لكم ذليلاً ... وصيرني لبابكم غلاما فهلا ترفقين على معنى ... غدا من طول هجركم هلاما يكابد في الهوى صرف الليالي ... ويكتم في الهوى داء عقاما ويشتاق المعاهد والمغالي ... وصار بها حليفاً مستهاما أحبك والهوى والقلب أرمي ... ولا أخشى اللواحي والملاما وبالأخلاص أمنح كل ودي ... أديباً فاضلاً شهماً هماما أديب قد حوى غرر القوافي ... ينظمها بفكرته أنتظاما سريع الذهن إذا أدب وفضل ... كروض بات يرتشف الغماما فريد في المعالي لا يجاري ... وهل ترمي أمر أجاري السهاما أيا حسن الصفات مع المسمى ... وأفخر في العلى من قد تسامى اليك أنت قواف سائرات ... تعيد الطرس نوراً وابتساما وما غير القبول تروم مهراً ... يكون لها به مسكاً ختاما فكتب إليه الجواب المترجم بقصيدة مطلعها أتت تختال ما بين الندامى ... فأضحى الصب فيها مستهاما مهفهفة القوام كخوطبان ... ترينا ابدران سفرت لثاما ولعت بحبها طفلاً وكهلاً ... وهانا عبدها ولهاً غلاما ترنحها الشبيبة والتصأبي ... فيرمي قوس حاجبها سهاما تملكني هواها من قديم ... فصار حديث وجدي لن يراما يريك الجوهري صحاح در ... إذا أبدت من الشعر ابتساما تراني في هواها مستهاماً ... أهيم بحبها عاماً فعاما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 يميناً لا أمين به وودي ... لها يرعى هواها والذماما وان ماست دلالاً أو تثنث ... أذوب صبابة فيها غراما وفاح لنا عبير من شذاها ... يفوق بعرفه ريح الخزامي أعيذ جمالها من كل سوء ... وابرأ من نواها ان اقاما فلو جادت لمغرمها بوصل ... فلا وأبيك ما هذا حراما علت وغلت محاسنها فهمنا ... بها طرباً كمن شرب المداما وكسرى جفنها والخد منها ... كنغمان بصد غيهها تحامى جننت بلوعتي ويفرط وجدي ... ومن ولهي لهد لقد ذقت الحماما لحوني العاذلون بها وقالوا ... تسلاها فقلت ومن سلاما فلا والله ما أسلو هواها ... ولومني النوى فت العظاما أنا المسلوب والملسوب وجدا ... ودمعي فوق خدي قد جرى ما رويدك أيها الحسناء رفقاً ... بمن ملك الهوى منه الزماما وهل منك الشفاء لمستهام ... يكابد في الهوى بعد أسقاما وهل من رحمة لقتيل حب ... لمنهاج الصبابة قد أقاما وهلا تسمحين لنا بقرب ... فنغتم الوفا منك اغتناما ومن شعر المترجم قوله ومن خطه نقلته أفديه بدراً طالعاً بسماء ... متوشحاً بغلالة زرقاء بسبي العقول بجيده وبخده ... فكأن ضرج خده بدماء نشوان من ماء الصبابة أهيف ... بهتز مثل الصعدة السمراء ذو شامة سوداء فوق خديده ... يسبي بها وبمقله كحلاء كم عاشق قد ضل في فرع له ... والاهتداء بغرة غراء هو ممرضي بصدوده وبتهه ... وهو المراد لمهجتي ودوائي ويلاه من لي أن أراه معانف ... وأفوز منه بقامة هيفاء وقوله ولست بناس حين بات معانقي ... وفمي على فيه ووردي ثغره وبات يعاطيني المدام وبيننا ... محياه لي صبح وليلى شعره وله غير ذلك وكان يلقب بالاياط وفي زمنه كان رجل آخراً يلقب بالقحف ورجل آخر يلقب بالشليف اسمه الشيخ محمد بن ناصر الدين فأنفق ان آجالهم كأنت قريبة فتوفي القحف ثم لحق به المترجم ثم بعدهما توفي الشيخ شليف فأنشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 في ذلك الأديب الترزي المتقد ذكره على طريق المجون لأن ادباء عصرهم كانوا ايتلاعيون بأسمائهم ويجرون النكات الأدبية في أشعارهم وهو قوله أغلق الاقميم اذ مات الآباط ... تابعاً للقحف أعلوه البلاط وشليف الزبل أمسى فارغاً ... قد بكى الخدنين حزناً واستشاط كيف لا يبكي خدينيه وقد ... صار متروكان ومحلول الرباط وكأنت وفاة المترجم في حدود العشرين ومائة وألف بدمشق رحمه الله تعالى. حسين مصلي حسين بن أحمد المعروف بابن مصلي الدمشقي الأديب النبيه كان جندياً متزياً بزي الأجناد وأقاربه كلهم أجناد زعما وسباهية في أوجاق السلطان ولهم اقطاعات من القرى وكان هو مع هذا أديباً بارعاً بفنون الأدب له شعر حسن ولطف خصال وتلمذ للأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شاعر مستوفي الشروط ومكتسي من الآداب أبهج برود ومروط تصدى للمعالي فتصيد وعقل شواردها وقيد وفتح شراع سفنها فجرت في ذلك التيار وأبدع من سانحات خاطره منها ما هو كورد الرياض في أيار فاستحق أن تقر عينها فيه وأن تلتقط الدرر المنتثرة من فيه وأن تخصه بالطارف والتليد وتتفداه بالوالد والوليد حتى ينتظم شملها المبدد وهو ترقوس اصابتها المسدد على أن الكمال مازج دمه ولحمه وخالطه مخالطة السدى للحمه وهو لجمر تكلفاتها مصلي قائلاً في تحصيلها لا نقل أصلي وفصلي وله شعر جيد الانطباع تصغي إليه السليمة من الطباع أثبت منه ما تجعله للآذان شنفا وما عنه قائلة اللائم تنفي فمن ذلك قوله مخمساً أبيات ماني الموسوس بقوله خذ حديث الغرام والوجد عني ... يا ابن ودي ان الصبابة فني ما تراني من الهيام أغني ... حجبوها عن الرياح لأني قلت للريح بلغيها السلاما جرد الشوق في فؤادي صلتا ... حيث صار الوصال لا يتأتى صيروا حولها الموانع شتى ... ثم لم يقنعوا بذلك حتى منعوها يوم الرياح الكلاما سرت يا صاح والغرام حليفي ... حين بانوا وطال بي تسويفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 قيل حلوا بها مني والخيف ... فتأوهت ثم قلت لطيفي آه لو زرت طيفها الماما سر اليها لعلني أتسلى ... بالأماني عسى وهل ولعلا وإذا لاح للخطاب محلا ... خصها بالسلام مني والا منعوها لشقوتي أن تناما وقوله لا تحسبن الذي في لحظ فاتنتي ... كحلا يزين ظبي أحداقها النجل لكنها خشيت برء الجريح بهم ... فصيرته مكان السم في النصل أخذه من قول محمد الحشري الشامي ولرب ملتفت بأجياد المها ... نحوي وأيدي العيس تنفث سمها لم يبك من ألم الغرام وانما ... يسقي سيوف لحاظه ليسمها وأصله قول الملك المعظم شرف الدين عيسى بن أيوب ومورد الوجنات أغيد خاله ... بالحسن من فرط الملاحة عمه كحل العيون وكان في أجفانه ... كحل فقلت سقى الحسام وسمه وهو من قول عبد الجبار بن حمد يس الصقلي زادت على كحل الجفون تكحلاً ... ويسم نصل السهم وهو قتول وللمترجم مضمناً المصراع الأخير بقوله بروحي فتاة رنح التيه عطفها ... تميس بأعراض وعجب على الصب آمال بها سكر الدلال فعربدت ... لواحظها بالفتك بالجسم والقلب وقد جأوزت في الحسن فرط بهائها ... ولم تخش لومي بل يلذ لها عتبي أماطت حجاب الحسن عن نور وجهها ... فخر هلال الأفق ملقى على الترب غوازل لحظيها وفتر جفونها ... رمتني بهم تيهاً غزيلة السرب فلم أدر في أي رمتني وانما ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول القطب المربي عبد الغني النابلسي وأهيف ساجي المقلتين كأنه ... غزال ربيب أغيد فر من سرب رنا فرما في القلب سهماً مريشاً ... بأجفانه ويلاه من ذاك وأحربي فلو كان قلبي صخرة مثل قلبه ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الأديب أحمد بن محمد السلامي ابن أغر يبوزي وبي سمهري القد بالفتك مولع ... يصول ولا يخشى من اللوم والعتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 يهددني طوراً بعضب لحاظه ... ويقصد أحياناً فؤادي بالهدب فلم أدر ايا قاتلي غير أنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول البارع السيد العبادي تعرض لي يوماً بشرقي عالج ... غزال كحيل الطرف منظره يسبي وأقصدني من ناظريه بأسهم ... تركن دمي يجري عياناً على الترب وليس سواه قاتلي حيث أنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الفاضل محمد بن أحمد الكنجي كف بالله واتثد يا عذولي ... ما لقلبي إلى السلو سبيلي كيف أسلو وفي الحشا من هواه ... لاعج الشوق راسخ لا يزول كلما قلت مال قلبي حاشا ... أن قلبي إلى سواه يميل راشني من لحاظه بسهام ... قاتلات إلى فودآدي وصول ما تحققت فعلها الفتك الا ... حين رنت فكان ذاك الدليل ومن قول موسى بن أسعد المحاسني ولم أنس فعل الريم أذمر معرضا ... وطلعته من فرط حسن البهاتسبي وأسكرني من عطفه بشر طيبه ... ونكهة ذاك الثغر محمودة القرب وما كنت أدري قبل أن أعشق الرشا ... مراتع غزلان تلذذن بالعتب وموطن أهوال الهوى وشجونه ... وما ذقت طعم الذل في طمع الحب إلى أن نولاني الغزال وطرفه ... كحيل تبديه الحروب على العضب وراش سهاماً من لحاظ قواتل ... سفكن دمي عمد وأثرن في اللب فكأنت لقتلي علة ودليلها ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول اللوذعي محمد المحمودي نهاني عن باهي المحيا عواذل ... وما علموا أني به قد فنى اسمي فقلت لهم كفوا الملام واعرضوا ... فما قلبكم قلبي ولا جسمكم جسمي وكيف ومن ألحاظه راش أسهما ... وأقصد أحشائي برشق لها يصمي وما برحوا بالعذل حتى باذنهم ... لقد سموا في مهجتي رنة السهم ومن ذلك قول اللبيب محمد الشهير بابن العنز أراش سهاماً عن قسي حواجب ... وأرسلها للقلب عن قلتي تنبي وليس سواه قاتلي حيث أنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وقوله أتنكر قتلي حين أرسل لحظه ... لقلبي أسهماً قد أريس من الهدب وليس سواه قاتلي حيث أنني ... سمعت باذني في رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الأديب محمد بن عثمان الشمعة تبدي يهددني برشق نباله ... غزال غزنا باللواحظ والهدب فقلت له رفقاً لأنك فاتني ... وتقتلني ظلماً ولم أر ما ذنب فقال اصطبر صبر الكرام لأنني ... أعامل أهل العشق بالقتل والسلب وصال على المضني بلحظ سهامه ... مفوقة للقلب تنقض كالشهب ولما رماها طالباً قتلتي بها ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الماهر مصطفى البيري الحلبي وناضلني لما رمى من لحاظه ... بأسهم فتك راشها شعر الهدب وقرطس قلبي ثابري بلامي فخذ ... من الشادن الأحوى فافعاله تنبي دمي شاهدي في وجنتيه وأنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الماهر السيد مصطفى العلواني الحموي بروحي لخط ظل يفعل بالحشا ... على فعله فعل المدامة باللب إذا راش منه الريم سهماً فلا ترى ... له غرضاً يلفي سوى مهجة الصب عجبت له يدمي الفؤاد مجأوزاً ... إليه أديما صين عن أثر ينبي فيا منكري ما في حشاي اليكم ... عن الحكم فيما عندكم غاب في الحجب ولا تنكر وأصدع الفؤاد فأنني ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الأديب إبراهيم بن الحكيم الصالحي إذا رمت منك القرب تنفر من قربي ... وان رمت منك العفو بالغت في سبي فليس لنا في الناس الا معنف ... وليس لنا في الحي غيرك من حب اذ لم تجد بالوصل لست بمصنف ... وان كنت قد أذنبت تبت إلى ربي فريش من جفنيه نبلاً ورامني ... فقلت قفا ترشف من المنهل العذب أشار لنحوي بالنبال وأنني ... سمعت بأني رنة السهم في قلبي ومن ذلك قول الأديب محمد سعيد السمان بديع المحيا بالصدود مولع ... يصول دلالاً بالقوام الذي يسبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 أراش سهاماً ريشها الهدب وانثنى ... يهز بعطفيه فيهزأ بالقضب وأقصد أحشائي فاصمى صميمها ... ففاض دماها واستهال على الترب وما أنا بالراجي بقاء وأنني ... سمعت باذني السهم في قلبي وأصله من قول أبي تمام ولما امتلا قلبي نصالاً وأسهماً ... بمعتركي سحر اللواحظ والهدب وفوق ذاك الجفن آخر نبلة ... سمعت باذني رنة السهم في قلبي وللمترجم تغيرت الأيام وأسود بيضها ... وصارت أسوداً عند ذاك قرودها ففي الموت عز للكرام وراحة ... إذا ملكت أحرار قوم عبيدها وله كاتباً على كتاب في الأدب نزهت طرفي في رياض طروسه ... مستغنياً عن روضة غناء تجلي العرائس من خدود سطوره ... تدعو لمالكه بطول بقاء وله مخمساً سلوا عن فؤادي حين سارت ظعونها ... غزيلة رسل المنايا عيونها فمن عجبي روحي لدى أصونها ... وأصبو إلى سحر حوته جفونها وان كنت أدري أنه جالب قتلي أهيم إذا ما لاح برق وأومضا ... وأذكر أياماً تقضت بذي الغضا فيمنحها ودي ولست معرضا ... وأرضي بأن أمضي قتيلاً كما مضى بلا قود مجنون ليلى ولا عقل وله مخمساً أيضاً انني في الغرام أصبحت صبا ... لست أدري للداء بعدك طبا كم أدأوي والقلب قد زاد حبا ... يا مريض الجفون عذبت قلبا كان قبل الهوى قوياً سوياً أنت قصدي وبغيتي ومرادي ... لا سليمى وزينب وسعاد فبحق الهوى وصدق ودادي ... لا تحارب بناظريك فؤادي فضعيفان يغلبان قويا وكأنت وفاته تقريباً في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 حسين القصيفي حسين بن رجب بن حسين بن علوان الحموي الأصل الدمشقي الميداني الشافعي الشطاري بالقصيف الشيخ الفاضل البارع الأعجوبة كان رحمه الله له باع في عدة علوم قرأ وحصل وتفوق وظهرت له فضيلة لم تكن مع غيره لكن لم ينتفع بها ولم ينفع وكان كثير المطالعة لكتب الغزالي رضي الله عنه سيما الأحياء وكان فلتدري المشرب دعبلي اللسان يقذف الكبير والصغير ويهجو الناس بشعره حتى أنه هجا نفسه فلذلك وقع في المهالك ويحكي أن السبب في ذلك غضب والده عليه وكان والده من العلماء المشهورين له اليد الطولى في العلوم الرياضية كالحساب والهيئة والفلك والمويسقي ويعرف الفرائض حق المعرفة وترجمه الأمين المحبي في تاريخه وذكر أن وفاته كأنت في سنة سبع وثمانين بعد ألف وبالجملة فقد كان ولده هذا من النوادر المقبولة وله شعر كثير وديوانه رأيته فرأيته يشتمل على هجو وحقيقة وغيره فمما جردت منه قوله ان أهل الخمول أهل الطريقة لهم قد بدت معاني الحقيقة وسواهم وأن تسامي غروراً ماله في الوجود تلك الرقيقة فاختصر واقتصر فما تم الا ذو ريا أو مرا خلا عن وثيقه وقوله أحن إلى أناس قد تفانوا ... عن الأغيارة وانقطعوا إليه تراهم في الورى أبداً سكارى ... حيارى من حضورهم إليه ولست أرى أناساً قد تساموا ... بما هم فيه من زور عليه ومن شعره لي فيك معنى لطيف ليس يدريه ... الا امرؤ ليس يدري ما الذي فيه به تخليت عن علمي وعن عملي ... وصرت منه به في منتهى التيه وله أيضاً أحن إلى المنازل والربوع وقلبي من نواها في نزوع أسائل من لقيت ولي غرام مقيم بين أحشاء الضلوع لقد جد الهوى بي حيث أودى بما أبدى لدي من الضلوع وله من عرف الآشياء في ذاته ... معرفة ذوقية ذاك هو ومن غدا في نفسه عارفا ... ديدنه القال فقد عافه وقال أيضاً هذا الوجود بدا فأين الواجد ... هذا الشهود فهل لديك مشاهد يا مقعد العزمات لا تنظر إلى ... أسد الفلاة فأنت ذاك القاعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 ما أنت يوماً للحقيقة مظهراً ... بل أنت حقاً للحقيقة فاقد قوم علت أرواحهم لما زكت ... ولها يداً منها لذاك شواهد حلوا بأرض خملوهم حتى علوا ... بالذل قهراً فالمذلة شاهد فأمط وجودك للشهود ولا تكن ... من أهل ذاك القال ذاك اللاحد ما تم يا هذا لقالك معهد ... يجذق المشوق فأنت حقاً جامد فالمنظر العالي لديه مناظر ... تبدي المنايا للذي هو قاصد كم من قتيل في حماه مجندل ... ما أن له يوماً لذلك قائد هذا ونحن كذاك من غير أمتراً ... حالي وحالك في الدراية واحد ومن شعره قوله من قصيدة مطلعها يا نزولاً بجيرة الجرعاء ... نظرة منكم دواء لدائي لست أسلوكم وان طال ما بي ... من بعاد وذلة وضناء أي قلب يسلوكم وسناكم ... لم يزل ظاهراً بغير خفاء بل جميع الوجود قد أسكرته ... في مجاليه نشأة الصهباء فتداعى لكل حال تبدي ... باشتياق ولوعة وعناء يا عريب النقا وسر ولاكم ... أنتم فتنة بغير امتراء حيث حيرتم العقول بسر ... هي منه عن دركه في عماء فتراها بمائها تترائ ... أيما لاح في ذرى العلياء قد بطنتم مع الظهور وبنتم ... باقتراب وجلتم في انطواء أي عقل له بذاك مجال ... مع تداعيه باختلاف المرآئ ما ارتقاء إلى مقام على ... دون علياه أنجم الجوزاء غاية السؤل عند أهل التصأبي ... أن يرى ظاهراً بسر الخفاء ومن هجوه قوله جاءنا الشيخ لابساً للعمامه ... ينجلي تحتها شبيه الغمامه وهو في نفسه كبير عظيم ... ليس في فعله يرى من ملامه يا لعمري وانه شيخ سوء ... جل أفعاله محل الندامه وله أيضاً لما تجلت نكهة اللاهوت ... فيما بدا من عالم الناسوت فعلمت تقديس الوجود وأنه ... باد عن الرحموت لا الرهبوت وانظر لسر الاستوا في قوله ... تبدو لديك شواهد التابوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 ومن هجوه قوله في أهل التكية يا نزولاً بالتكيةأنتم أهل البليةكل من رام حماكمحل في أقوى رزيه مالكم قط صفاءلا ولا حال وفيهبل أمور ان تراءتفر منها ذي التقية ما لورد كم وردوبل حظوظكم جليةواشتهاركم وبالللتعصب والحمية والتراءس والتراءيوالتكبر بالمزيةلا دقيقة خير تبديمنكم سراً خفية بل دعاء في مهأوأنزلتكم بالسويةشيخكم للجهل شيخكم حوى لفساد نية مظهر السوء كذوبدارس السنة السنيةآكل السحت دواماًخقه السوء سجية كم لكم فشر وقشركم له مكر الطويةكم يداهن كم يعانيماله عيش هنية كم يفاخركم يباهيللتعاظم والانيةكم له جرار سوءكي ينال به العطية لا جزاه الله خيراً ... فهو دجال البرية وكأنت وفاة المترجم في حادي عشر جمادي الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ومن غريب ما وقع له بعد وفاته أنه لما أبيعت كتبه واشترتها فضلاء دمشق صار كل من أخذ كتاباً من تركته يرى هجوه فيه رحمه الله وعفا عنه. حسين الداديخي حسين بن أحمد بن أبي بكر المعروف بالداديخي الحلبي كان فاضلاً بارعاً أديباً ذا نكتة ومعرفة له باع طويل في الشعر العربي والانشاء أيضاً وكذلك الانشاء التركي ولد بحلب سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وقرا على أفاضلها وله تأليف سماه قرة العين في ايمان الوالدين وكتاب في السياسة وله تأليف حافل نظير تعريفات السيد سماه الفيض المنبوع في المسموع وله حاشية على الدرر نحو ثلاثين كراسة وكان له القدم الرأسخ في ميدان الأدب والشعر الرايق المرغوب عند بني حلب وكان مدرساً بمدرسة البولادية خارج باب المقام المشهور بباب الشام في حلب برتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وكان يتولى النيابات حتى استوعب نيابات المحاكم الأربع بحلب من طرف قضاتها في أزمان متفرقة وقبل وفاته بمدة عشرة سنين لزم داره وبالعزلة وجد راحته وقراه بعد أن وقع بينه وبين الشيخ طه منافسة وعدأوة أدت إلى غدره وكأنت علة قهره وله بديعية غراء مطلعها لي في ابتداء أنتداي مزنة الكرم ... براعة تستهل الفضل بالقلم تركيب سائلها يسدي لسائلها ... في حل ما حل اطلاقاً من العدم فازمم زمام النوى ان النوال غدا ... لحاقه يوقع الأحرار في ضرم ما للأيادي النوادي من مكارمها ... مثل الأيادي النوادي في عكاظهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 يا صاحبي صاح بي حظي الملفق من ... بعدي ومن روعة الأكدار والألم ومنها فالقلب كالراء وسطا لهم مضطربا ... مهلاً أيا عصر ما يكفيك عصر دمي فالشكل كالهاء والقلب الضئيل غدا ... كالراء والميم مثل الحال في الرقم كابن شعبة قد صارت ليالينا ... تعدو علينا بمعنى غير منهضم ومنها دع التفات العذارى في الغرام وصل ... إلى اكتساب العلى وأسعى لها وهم ان العواذل بالابهام في عذلي ... قد أكد وأسوء ظن الناس بالقسم يا لائمين على الاحسان غيرهم ... نزهتم النفس عن أسداه بالذمم يزيد في بغيه خصمي مشاكلة ... خصم الحسين يزيد البغي في القدم فأصبحوا لا ترى الا مساكنهم ... من اقتباس دعا المظلوم في الظلم ومنها يا نفس صبراً على كيد الزمان وهل ... يجدي العتاب وأذن الدهر في صمم برئت من طلب العلياء ان رجعت ... عنها العزائم مني أو دنا قسمي يا قلب لذ بشفيع المذنبين إذا ... اشتد الزمان بايغال من الازم وأجزم لنيل المعالي بالتخلص في ... مدح الجناب الكريم العالي الهمم هو الحبيب الذي ترجي أغاثته ... لكل هول من الأهوال مقتحم لنيل صعب العلي حسن التخلص لي ... بمدح ابن رسول الله ذي الهمم ومنها تم البديع على الوجه البديع إلى ... النادي البديع الذي منماه من أضم مولاي يا واحد العليا ومانحها ... ومنقذي من أليم الغدر والتهم خذها بديعة حسن البيان لها ... يعنو لها فصحاء العرب والعجم من فكرة تشتكي الالام من زمن ... قد استوى فيه حر الطير والرخم يغدو بها الفاضل الحلي في حلل ... والكفعمي كما العميان عنها عمي وابن حجة لو ينحو ببهجتها ... لحج بيتاً حوته حج ملتزم لذاك طاب لها ترك النهوض به ... أولاً فمن يمنع العلياء عن ذمم نعم تخليت عن هجر وعن لغط ... لكن تحليت بالاخلاص في القسم تباً لدنيا ترينا من تقلبها ... خيال ظل على التحقيق لم يدم أين الذين مضوا أين الذي ملكوا ... أين الذين بنوا الأهرام مع أرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 أين الذين مضوا في عصرنا وغدا ... خيالهم نصب عين الفائق الفهم أين الصدور الذي كنا نعاضدهم ... على الوفاء بحفظ العهد والذمم ومنها ودم مصان العلي عن منع ذي أمل ... لاج لعلياك في بدء ومختتم وكأنت وفاته في أوائل صفر الخير سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. حسين باشا الجليلي حسين باشا ابن إسماعيل باشا الجليلي وحيد دهره وفريد عصره عدلاً وكرماً ورياسة وتقدماً تعاطى كؤوس الفضل شابا وكهلاً وشيخاً ورسخ قدمه في المحاسن رسوخاً كان في العزم والثبات والحزم في مكان لا ينال ترجمه عثمان الدفتري في كتابه الروض فقال صاحب الآثار المعمورة والمحامد المبرورة الذي قلد أعناق الأنام بقلائد نعمه وأورق أغصان الآمال بسحب سيبه وكرمه روح جسد هذا الزمان انسان عين كل انسان تميمة قامة الدهر نتيجة وزراء العصر ذو المحامد المنوعة والمكارم المرصعة سحاب المجد والسماحة مالك أزمة العلو والرجاحة حسيني الأخلاق طاهر العنصر والأعراق وترجمه جامع هذه الكراسة في كتابه مراتع الأحداق فقال ماضي بيض الصوارم فاضح الغمائم صيب البنان طلق الجنان حأوي الفخر درة العصر حياة العلا وضاح الجلا زناد الفضل الموري عطايا فلك العز المضئ بالسجايا إلى أن قال ظهر ظهور الشمس في الأفاقا فأصبح في الوزراء بمنزلة الأحداق فبهر فضله واشتهر عدله وانبسطت لوجوده بسط الأفراح وانطوت بطالعه السعيد منشورات الأتراح واعتدل مزاج الزمان بعد انحرافه وامتنع المجد لعدله ومعرفته من انصرافه وأنتعش جسم العلم بعد أن أنتعش وانمحى ما كان من الجور على صحيفة الزمان قد أنتقش وسرت حميا عطاياه بمشاش العديم فأصحت أيامه رياش الدهر البهيم فأقام سوق الفضل بعدما كسد وأصلح من العلا ما اندرس وفسد وكأنت وزارته سنة ست وأربعين ومائة وألف ثم في سنة سبعين ومائة وألف ولي حلب الشهبا ثم عاد إلى مسقط رأسه بلدة الموصل وتوفي بها سنة احدى وسبعين بعد المائة والألف ودفن بالجامع الذي أنشأه ولده محمد أمين باشا ومولده كان بالموصل سنة سبع ومائة وألف ورثته الشعراء بمراثي عديدة يطول ذكرها وله مع الوزير أحمد باشا والي بغداد وقائع عدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 حسين جبلي حسين بن رمضان المعروف بجبلي الحنفي الرومي الكاتب المشهور ارتحل في مبدأ أمره إلى دار السلطنة قسطنطينية وصار فتالاً في الغلطة ثم صار حبالاً في باب الحبس داخل سور البلدة المذكورة وتعلق على الكتابة والقراءة فأخذ الخطوط عن درويش علي بن الأنباري وتلمذ له وملك حسن الخط وأتقنه وتزوج بابنته وبرع وحسن خطه وشاع وتنافس الناس بخطوطه حتى صار شيخاً ومعلماً في دار السعادة العتيقة ثم في سنة خمس وأربعين ومائة وألف عين لتعليم غلمان الحرم السلطاني في دار السعادة الجديدة مقر السلطان وصار اماماً في جامع الوالدة الكائنة بدار السلطنة المذكورة وكان شيخاً كاتباً صالحاً ديناً زاهداً يعلوه أبهة ووقار وأنتفع به بالخط خلق كثيرون لأشتهار أمره بين الكتبة وكان وفاته في شعبان المعظم سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن باسكدار رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين. حسين البيتماني حسين بن طعمة بن طعمة بن محمد الشافعي البيتماني الأصل الدمشقي الميداني القادري الرفاعي الشيخ العارف الكامل الصالح الصوفي الطريقة والمشرب كان ممن تصدى في علم الحقيقة وشهرته في ذلك قراء واشتغل على جماعة منهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق فإنه خدمه في خلوته بجامع العداس في محلة القنوات وهو دون البلوغ ورباه أكثر من أبيه وأمه حتى بلغ مبلغ الرجال فقرأ عليه في كتب الفقه والتصوف والآداب المحمدية ومكارم الأخلاق ورياضات النفس ما به الكفاية في أمور الدين وسلوك طريق المريدين وأنتفع به وشمله نظره وأجازه بمروياته في هذا الطريق عن مشائخه الكرام وكأنت مدة تلمذته له أكثر من خمسة عشر سنة وأخذ وقرأ أيضاً على الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ولازمه مدة تزيد على خمسة عشر سنة وأخذ عنه وقرأ عليه في علم الحقيقة وأنتفع به وتلمذ إليه إلى أن مات واشتهر بيركات أنفاسه حتى ان الاستاذ المذكور واسمه بفارس الميدان ولا تخفي التورية في ذلك وهذا مما يرشد إلى بيان مقام المترحم وكان له مشايخ كثيرون منهم الشيخ أبو المواهب مفتي الحنابلة بدمشق والشيخ أحمد الغزي المفتي الشافعي والمولي محمد العمادي المفتي الحنفي والشيخ عبد الله البقاعي الأزهري نزيل دمشق والشيخ محمد الكاملي والشيخ عثمان الشمعة والشيخ علي كزبر الدمشقي وأخذ الطريقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 القادرية عن السيد يس الكيلاني الحموي نزيل دمشق ولما قدم دمشق العالم الشيخ عبد الرحمن بن مصطفى البكفلوني الحلبي حين عوده من المدينة المنورة بعد مجأورته بها اصطحبه وأخذ عنه وقرأ عليه وكتب له ثبته بخطه وأجازه بجميع مروياته وكأنت مدة صحبته معه ست سنوات وأيضاً لما قدم دمشق المحدث الشيخ محمد عقيلة المكي قرأ عليه وخدمه مدة اقامته بدمشق ولما حج إلى بيت الله الحرام المترجم اجتمع بالمذكور ثمت في داره بمكة وأجازه بجميع مروياته ثم اشتهر بالتصوف وعلم الحقيقة ودرس في زأويته تجاه الشيخ محمد الحميري رضي الله عنه في ميدان الحصا وصار يقيم الذكر في مدرسة الوزير إسماعيل باشا العظم التي بناها في سوق الخياطين بالقرب من المحكمة وألف وصنف ومن تأليفه شرح قصيدة أبي الحسن الششتري ومنها الفوائد المستجادات الشرعية وملخص علوم الفتوحات المكية ومنها شرح مختصر الرسالة العظيمة المسماة بذخيرة الاسلام ومنها ترجمة مختصرة في بيان سنة تلقين الذكر ومنها الفتوحات الربانية في شرح التدبيرات الآلهية ومنها الهداية والتوفيق في سلوك آداب الطريق ومنها السهام الرشيقة في قلوب الناهين عن علم الحقيقة ومنها كشف الأسرار في حل خيال الايزار ومنها ديوان شعره الذي سماه فتح الملك الجواد في نظم الحقائق ومدح الأسياد وقد أطلعت عليه فرأيته ديواناً كبيراً والأغلب فيه بل كله على لسان القوم وقد ذكر به أشياء عام فيها أي عوم وقد تصفحت أغلبه وكان من أحباب جدي ووالدي ومتردديهما ومن شعره قوله لنا العلم والتحقيق والمورد الأصفى ... وأرواحنا بالأمر والأمر لا يخفى ونحن على العهد القديم ولم نزل ... ومن يبتغي التبديل لا يأمن الحتفا تجلى علينا الله بالوصف ظاهراً ... وبالحلم والاحسان جادلنا كشفا سلكنا به أوج العلى وقلوبنا ... على الصدق والايمان لم تألف الخلفا وفيه تركنا المزج من كل مازج ... فطاب شراب الوصل منه لنا صرفا ومنه رأينا الوجه فينا بنوره ... ولولاه ما كنا وجوداً ولا وصفا ولولاه ما بعنا النفوس بحبه ... ولولاه ما نلنا المسرة والألفا سقانا من التحقيق عذباً مقدساً ... لديه فؤاد الصب يشربه لطفا هو العلم علم الدين دين محمد ... هو النور نور الله قد جل أن يطفى وما عندنا شك بعلم لظاهر ... هو الحكم بالمنصوص فالحكم لا ينفى ولكن لدينا السر فيه قلوبنا ... تطير من الأكوان للحضرة الزلفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 ويعمل فيها الراح معنى سرورنا ... فنسكر حباً بالحبيب إذا وفى فتعذلنا الجهال من فرط جهلهم ... بموردنا الوافي ومشربنا الأصفى شربنا وعربدنا وطبنا بحبنا ... ولم نمنح اللوام قولاً ولا طرفا وقد جاءنا المختار يهدي لدينه ... على السنة البيضاء والسنن الأوفى دعانا لأمر قد أجبنا لأمره ... بطوع وكان الأمر منه لنا عطفا وله من قصيدة خمر المحبة في القلوب تروقا ... قد حاز فيه الصب أنواع التقى فاحت روائحه على طلابه ... فغدا المحب له يزيد تعشقا وفؤاد أهل الله فيه معربد ... لكن على التقوى إلى يوم اللقا قد قال ربي في نصوص كتابه ... فافهم كلامي لا وجدتك أحمقا كل الذي في الخلق فان هالك ... الا الذي بالوجه دوماً للبقا أعني بوصف الوجه وجه آلهنا ... فاجمع به طوراً وطوراً فرقا علم الحقائق والدقائق قد غدا ... يسمو بأهل الله درجات الرقا والعارفون لهم مقاصد بينهم ... يبغونها غرباً كذاك ومشرقا فاحذر من الزلات فيها انها ... حكم تفيد إلى الجهول تزندقا جمع وفرق يا أخي فكن بها ... في الكون عبداً للآله موفقا واسلك على الأمرين في توحيده ... واملأ فؤادك بالكمال تحققا وقد وقع له واقعة منامية مع الاستاذ شيخه الشيخ عبد الغني النابلسي وجدي العارف محمد المرادي النقشبندي وهي انه رأى في المنام الاستاذ النابلسي المذكور والاستاذ الجد المذكور وكل منهما نائم في فراش فطلب جدي منه خدمة فذكر بين يديه البيت الأول من هذه القصيدة الآتية فقال له الاستاذ النابلسي زده فقال الثاني إلى الرابع فلما بلغه أومى إليه جدي المذكور ان يذكر الاستاذ النابلسي في الخطاب فقال البيت الخامس وما بعده فلما أنتبه وفي فهمه ذلك بادر إلى كتابتها وهي قوله تذكر خاطري عهد المرادي ... كما كنا عليه من الوداد هو الخوجا محمد نقشبندي ... كريم الأصل محفوظ الولاد يذكر السر فاز القلب منه ... وبالأحوال يقدح كالزناد تفرد في المقام على نقاء ... وجلت تابعوه عن الفساد زمان قد قطعناه بجد ... مع الأحباب خال عن عناد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 رجال سادة كالبحر يبدوا ... لأهل الأرض أمواج الرشاد تجلى الله فيهم بالمعاني ... وفي العلم المقدس بالسداد وشمس الذات قد طلعت عليهم ... فنالوا باللقا أعلى المراد الا يا سادة نالوا مقاماً ... من الرحمن مرفوع الأيادي فأنتم للأنام بدور هدى ... كنجم في الدجى للقوم هادي وغوث للورى أنتم ومنكم ... تملت تابعيكم والنوادي ونور المصطفى فيكم تلالا ... كشمس الأفق تظهر للعباد ونسبتكم إليه بلا خفاء ... وفي التحقيق فيه بغير ذاد سلكتم بالتقى ديناً قويماً ... ومنكم تم لي فيه انقيادي ولم أنس العهود كما سلكنا ... وعزمي في وفاكم كالجواد واني منكم صب وليد ... ولي منكم بكم حبل امتداد وعن ثدي المراضع من سواكم ... تمنع خاطري وكذا فؤادي وعنكم قد رويت العلم حقاً ... واذكار الطريق بلا تمادي ولي بالعهد ملتزم وثيق ... واني لم أزل للفضل صادي بقدر الوسع قلت بكم مديحاً ... واني لا لقدركم أبادي جزاكم كل خير يا موالي ... الهي بالجنان بلا نفاد وأولاكم رضى وكذا سروراً ... ومن فيكم تمسك بازدياد على طه السلام بكل وقت ... مدى ما صاح في الركبان حادي كذاك الآل والأصحاب جمعاً ... وكل الأولياء على السداد مدى ما قلت في الأسياد لطماً ... وأعلنت الثناء على المراد وشعره كثير وكأنت وفاته في ليلة الخميس بين العشائين سابع جمادي الأولى سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بزأويته بميدان الحصا رحمه الله تعالى. حسين الجزايري حسين بن عبد الله المعروف بالجزايري الرومي الكاتب الشهير بحسن الخطوط واتقانها كان في الأصل رقيقاً للدرويش على الكاتب القسطنطيني وأخذ الخط بأنواعه عن سيده المذكور وأتقن الكتابة ثم فر هارباً من قسطنطينية من عند سيده إلى جرائر الغرب وكان اسمه دلأور فسمى نفسه حسيناً ثم قدم مصر القاهرة وأقام بها إلى أن مات واشتهرت خطوطه بين الناس وأخذ عنه الخط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 أناس كثيرون وفاق أقرانه وشاع صيته وكان شهماً جليلاً له تصرف تام ومهارة في صناعة التوريق وكأنت وفاته سنة خمس وعشرين ومائة وألف بمصر القاهرة رحمه الله. حسين باشا حسني حسين باشا بن عبد الله الملقب بحسني القسنطيني أحد وزراء الدولة العثمانية في عهد السلطان مصطفى خان الثالث ابن السلطان أحمد خان الثالث العثماني تغمدهم الله بالرضوان تقلبت به الأحوال وصار رئيساً للعسكر الجديد المعروف بالينكجرية ثم صار أمير الأمراء وحاكم البحرين وبعده أعطى الوزارة وكان شهماً جليلاً مدبراً جسوراً كاملاً مكملاً توفي في جزيرة قندية سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وحسني منسوب للمحسن وهو لقب له على طريقة شعراء الفرس والروم في الألقاب وبالجملة فقد كان نادرة دهره ووحيد عصره رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين. حسين السرميني السيد حسين ابن السيد عبد الرحمن بن محمد الشهير بالسرميني الحنفي الدمشقي كان مجاناً بارعاً طارح التكليف سالكاً بين أبناء زمانه له في كل مقام مقال ولد بدمشق وقرأ وجالس الأعيان وانخرط في مجالسهم ولازمهم وادعى نظم الشعر والفضل حتى شرع في التدريس بمدرسة الخصاصية الكائنة بسوق الدرويشة بالقرب من سراية الحكم لكونه كان متوليها وقف الوزير طويل أحمد باشا وصارت له رتبة اكنجي المتعارفة بين الموالي وكان أحد من يتولى النيابات بالمحاكم كالعونية وغيرها كوالده السيد عبد الرحمن المتوفي سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وبالجملة فقد كان ممن يؤنس بحضوره وعشرته وكان والدي يسعفه لأنه كان من أخص المحسوبين والمنسوبين إليه وقد ترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أليف ودادي الذي عهوده وثيقة وحليف مرادي الذي درر ذممه نسيقه غبطني عليه الزمن ومتعني باخائه الغالي الثمن فصرفت إليه وجهة الألفة ورفعت ما بيننا حجاب الكلفة فإذا اجتمعنا نودان لا نفترق وإذا افترقنا عاد كل منا وهو أسف فرق فهو لي مطمح سرور وراحة قلبي المحرور تبسم لي تباشير الرضى من خلائقه فاقطع حبال وثوقي من علائقه فما رأيته الا وهشيت ولا طارحته الا وطربت وانبشيت كأنه من ملح تصور ومن اهتضام النفس تكون وبسوار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 الانطراح تسور وقد استبضع من الآداب شطراً وأطرب في تفاصيلها وأطرى لا يفتر عن تحصيل فائدة ولا عن تلقاء أمر منافعه للخير عائده وله شعر ساحته محمية عن النظير كأنه منابت الزهر في الروض النضير فمن ذلك قوله لك الدهر قد أبدى المسرة والبشرى ... وأطلع في أفق السما أنجماً زهرا وجر نسيم البشر في الروض ذيله ... ندياً فأضحى الزهر مبتسها ثغرا وعادت روأبي الأنس تندي نضارة ... فأصبح وجه الأرض ممتلئاً بشرا وقام بناطير السرور مغرداً ... فأطر بنا صدحاً وأبدى لنا اليسرا بمقدم نجل قد تبدي وطرفه ... لأسنى المعالي طالب الرتبة الغرا فقرت به شكراً عيون أولى النهى ... وراقت به الأوقات مذ حلها طرا سيرتع في روض الكمال بهمة ... ويجمع بالحزم المحامد والشكرا ولا بدع فيه فهو نجل الذي رقا ... آلي ذروة العليا فصار بها صدرا همام لقد أضحت كواكب رأيه ... بها يهتدي الساري لدنياه والأخرى هو الأروع المفضال من آي فخره ... مدى الدهر تتلى فوق هامته جهرا لقد شابهت أخلاقه الغرقى العلى ... زهور الروأبي مذ حوى طيبها نشرا فيا روضة الآداب يا من قد اكتست ... ثغور طروسي من مدائحه عطرا اليك سطوراً أعلنت ببشارة ... بنجل بهي في المعال سما قدرا فلا زال في حصن الاله ولطفه ... تحف به النعماء من ربه تترى ودمتم بأهنى العيش ما لاح كوكب ... وما هب من نجد صبا يعقب الفجرا وقوله في بكرة ماء وبركة ماء قد تكفكف دمعها ... لها حبب مثل اللالئ تنثر بسطنا بساط البسط حول فنائها ... فنلنا سرورا كنهه ليس يحصر وكتب إلى المولى عبد الرحيم الرومي ابه زاده القسام العسكري بدمشق بقوله يا ذا الكريم الذي طابت عناصره ... ومن غدا في العلى والمجد قد ساما لو لم تكن آبداً بالعدل متصفاً ... ما كنت بين أولي الألباب قساما فأنت لي سند عبد الرحيم فقل ... لصنوك الشهم من بالشرع قد قاما يحسن لعبدكما فيما وعدت به ... أصير معتبر أفضلا وانعاما لا زال سعد كما تسمو مراتبه ... والدهر يلقاكما بالعز بساما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وكأنت وفاة صاحب الترجمة في سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مزج الدحداح حسين الوفائي حسين بن علي بن محمد الوفائي شيخ سجادة الوفائية بزأوية الشيخ أبي بكر ابن أبي الوفا ظاهر حلب المحمية الحنفي الحلبي المولد هو وآباؤه الفاضل الكامل الأديب المرشد ولد في سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وقرأ القرأن على الشيخ محمد الشهير بقدره وأخذ العلوم أصولاً وفروعاً عن العلامة السيد يوسف الدمشقي مفتي الديار الحلبية وعالمها واختص به وعن العالم الشيخ قاسم النجار وغيرهما وجلس على السجادة في الزأوية المذكورة بعد وفاة والده في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وكان شاعراً له ديوان شعر كله توسل ومدح في النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والأولياء خصوصاً في شيخه واستاذه الولي الكامل الشيخ أبي بكر الوفائي فدس سره ومن شعره قوله من قصيدة نبوية مطلعها يا شفيع الورى وبحر العطايا ... وملاذ الضعيف والملهوف ورسولاً أتى إلى الخلق طرا ... رحمة عمه فيضها بالصنوف نبياً به هدينا إلى الحق ... بهدي من عزمه الموصوف ورؤفاً بالمؤمنين رحيماً ... يوم نبلي بكل هول مخوف حزت خلقاً ونلت خلقاً زكياً ... وصفاتاً تليق بالموصوف انني جئت نحو بابك أبغي ... كشف ضراً ضرني بالوقوف فأقلني منه ومن كل كل ... حل جسمي بجيشه الموصوف أنت أنت الملاذ يا أشرف الرس ... ل وكنز الشتيت والمضعوف منها فعليك الصلاة تترى دواماً ... ما تحلت صحائف بالحروف وعلى الآل كل حين وآن ... وعلى الصحب معدن المعروف وله قبل وفاته بأيام قليلة قوله إذا عشت عمر النسر في ظل راحة ... أحافظ لذاتي بها وأصون فلا بد لي يوماً بأن أسكن الثرى ... وأعلم حال الموت كيف يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وله غير ذلك وكأنت وفاته في الساعة الثالثة من نهار الحادي والعشرين من ربيع الثاني سنة ست وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. حسين بن معن حسين بن فخر الدين بن قرقماس المعروف بابن معن الدرزي الأصل الشامي نزيل قسطنطينية أحد خواجكان الدولة العثمانية ورؤسائها المشهورين بالمعارف والبيان والفضائل والاتقان كان عارفاً متقناً لأمور الدولة مفنناً بالأدب يغلب عليه التقوى والصلاح كان والده فخر الدين أميراً مشهوراً من طائفة كلهم امراء ومسكنهم بلاد الشوف من جانب السلطنة بعد موت أبيه وعلا صيته وشأنه وتدرج إلى أن جمع جمعاً كبيراً من السكبان واستولى على بلاد كثيرة منها صيدا وصفد وبيروت وما في تلك الدائرة من اقطاع كالشقيف وكسروان والمتن والغرب والجرد وخرج عن طاعة السلطنة ولما وصل خبره للدولة العلية بعثوا لمحاربته الوزير أحمد باشا المعروف بالحافظ نائب دمشق وكثيراً من امراء هذه النواحي وصدر بينهم المحاربات ولم يظفر الحافظ منه بظفر ثم بعد ذلك زاد طغيان فخر الدين والاستيلاء على البلاد وبلغت أتباعه نحو المائة ألف من الدروز والسكبان واستولى على عجلون والجولان وحوران وتدمر والحصن والمرقب وسلمية وبالجملة فإنه سرى حكمه من بلاد صفد إلى انطاكية وبلغ شهرة وافية وقصده الشعراء من كل ناحية ومدحوه ولما تحقق السلطان مراد خان مخالفته وتعديه بعث لمقاتلته الوزير أحمد باشا المعروف بالكوجك وعين معه امراء وعساكر كثيرة فركب عليه وصارت له النصرة من طرف الله تعالى وقتل أولاً ابنه الأمير علي حاكم صفد ثم قبض على فخر الدين ودخل به إلى دمشق بموكب حافل وفخر الدين مقيد على الفرس خلفه ثم أرسله إلى طرف السلطنة هو وولديه الأمير مسعود والأمير حسين المترجم ولما وصل إلى قسطنطينية وكان السلطان مراد خان في يوم دخوله في اسكدار فعند الوصول أمر بحبس فخر الدين وأرسل ولديه إلى سراي الغلطة وكان ذلك في سنة ثلاث وأربعين وألف ثم في شوال من السنة المذكورة أمر السلطان المذكور وزيره بيرام باشا بقتله فأخذ فخر الدين من حبس بستانجي باشى إلى تجاه مكان الوحوش المعروف بأرسلان خانه ورميت رقبته هناك وجثته ألقوها في المكان المعروف بات ميدان وولديه المذكورين مسعود والمترجم أما مسعود فلكونه كان اذ ذاك كبيراً خنق وألقى في البحر وأما المترجم حسين فلكونه صغيراً رشيداً فالحاً أبقوه في سراي الغلطة كعادتهم وعدل عن مذهب أسلافه وتبع منهج الاسلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 رافضاً لخلافه ثم نقل للسراي الكبيرة التي بها السلطان ثم نقل لخاص أوطه وترقى في الرتب السلطانية الجوانية الداخلة في السراي العثماني حتى صار كتخدا الخزينة السلطانية وصار له القبول التام في السراي حتى عرضت عليه رتبة الوزارة فأباها ثم خرج كعادتهم برتبة الخواجكانية على القواعد العثمانية وتولى عدة مناصب بمقتضى الرتبة المذكورة وكان بالمعارف ممن يشار إليه بالبنان لنظر الملوك عليه ولتربيته في ظلالهم وأنتشائه من زلالهم ورؤية الدولة ومعرفة القوانين ومجأورة الأكابر والعلماء وخدمة السلطان حتى انه ألف كتاباً سماه التمييز في المحاضرات والأدبيات يدل على فضله ونبله ثم أرسله السلطان محمد خان ابن إبراهيم خان ايلجيا من طرفه يعني قاصداً إلى سلطان الهند وهذه الخدمة تتعلق بالسفير الذي يذهب من طرف دولة إلى طرف دولة اخرى ثم أنه ركب بحراً وهو ذاهب وطلع من صيدا فلما سمع بوصوله قريبه الأمير أحمد بن معن حاكم بلادهم اذ ذاك وأقاربه بني شهاب امراء وأدى التيم وكأنت قرابته لهم من جهة النساء ذهبوا لأستقباله واجتمعوا به في حاصبيا ثم عرضوا عليه حكومة بلادهم وكلفوه أن يصير حاكماً عليهم فقال لهم كيف بعد خدمة الدولة والسلطان والرتب السامية السلطانية أصير حاكماً على بلاد الدروز بعد أن استظليت بظل الدولة وارتضعت أفأويق نعمتها وشملتني ببرها وهبتها فهذا أمر محال وارتحل لمقصوده للديار الهندية ورجع مكرماً متمماً مصالحه ولم يزل في قسطنطينية له الشهرة بين رؤسائها حتى أنتقل إلى رحمة مولاه وكأنت وفاته بها في سنة تسع ومائة وألف عن نيف وسبعين سنة وأما أملاك وعقارات والده وأمواله فان أحمد باشا الكوجك المذكور لما قتل والده كما حررناه آنفاً أوهبه السلطان مراد جميع ذلك وكان عمر التكية خارج باب الله بالقرب من قرية مسجد القدم فوقف عليها ذلك من متعلقاته في بعلبك وصيدا وريشيا وحاصبيا كأنت أملاكاً لفخر الدين والحق بذلك ستين جزأ بالجامع الأموي وتعيينات لأهالي الحرمين والقدس وإلى الآن ذلك جاري رحمهم الله تعالى. إلى الآن ذلك جاري رحمهم الله تعالى. حسين باشا ابن مكي حسين باشا بن محمد بن محمد مكي بن فخر الدين واشتهر نسبهم بالفخر الغزي والي دمشق وأمير الحاج كان جده أحد تجار غزة المتمولين ونشأ ولده محمد في حجر العارف الشيخ حسين خليفة الشيخ شعبان أبي القرون الولي المشهور إلى أن شب واكتهل فاتصل بخدمة وزراء الشام ونشأ ولده الوزير المترجم في غزة معتبراً معلوما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 ً إلى سنة خمس وخمسين ومائة وألف فتوجه والده من دمشق إلى اسلامبول وأخذ بلاد غزة اقطاعاً له بطريق المالكانة وأقام ولده المترجم فيها ثم ان والده طلبه الوزير أسعد باشا حاكم دمشق ابن العظم وجعله كتخدا له واستقام بدمشق سنين وتوطن بها وكان ذا عقل وتدبير وله معرفة بالكتابة والقراءة حسن الرأي صادقاً في الخدمة وبقي ولده المترجم في غزة هاشم حاكمها ثم ان الوزير أسعد باشا أقامه منصوباً في بلدة القدس من طرفه حاكماً إلى سنة تسع وستين ومائة وألف فتوجهت عليه ايالة القدس بطوخين فصار أمير الامراء وبقي تسعة أشهر وعزله أسعد باشا وعاد إلى غزة ثم توجهت عليه صيدا وايالتها بالوزارة ثم صار أميراً لحاج ووالي الشام بعد عزل أسعد باشا المذكور وصيرورة الوزير محمد راغب باشا والياً على دمشق ودخلها فاستقبله أعيانها وأكابرها ووصل للجند واليرلية بقدومه كمال الحظ الوفير والانبساط وظهر ابتداء شوكتهم من ذلك العهد وقوى وكان ابتداء ظهورهم ثانياً وتطأولهم وكان الوزير المذكور يوقر العلماء والأشراف ولم يكن شرها على جمع المال ويميل للعدل وحسن الرياسة غير أنه كان بطئ الحركة عن شهامة الوزارة فبسبب ذلك حصل من اليرلية التطأول في زمنه وحصلت الفتن التي لم تعهد من قديم الزمان وظهر الغلا والقحط في دمشق وضاجت الرعايا وحصل الضيق واشتدت الأمور وقامت رعاع الأوجاقات اليرلية والقبي قول وغيرهما كذلك من طوائف الأكراد والعساكر وحصل ما حصل من الفتن والحروب وفي رمضان كذلك صارت المحاربات والقتال وقوي العناد والطغيان وعقب ذلك الطاعون والزلازل والذي صدر في تلك الأوقات من الخطوب والأمور المعضلات والفتن يطول شرحه ويعجز الانسان عن الاتيان بذكره وحصل للأعيان والرؤساء الضيق العظيم وقامت عليم الناس حتى في يوم دخول الوزير المترجم تكلمت بعض الأعوام في حقهم وضجت العالم عند دخوله وكان الفساد مباديه ظاهرة وعلامات الفتن للعيان ثم لما ذهب للحج قدر الله تعالى أن عرب بني صخر اجتمعوا هم وعربان البرية ونهوا الجردة وكان أمير الجردة أمير الأمراء موسى باشا المعرأوي لما وصل إلى منزلة القطرانة خرجوا عليه ونهبوه وشلحوه ومن معه في الجردة وأخذوا جميع ما عنده ولم يبقوا شيأ ورجعت الناس الذي للجردة منهم ناس للقدس ومنهم إلى الشام وتفرقوا أيدي سبا وأما الوزير المزبور رجع وأقام في قرية داعل معري ما عنده شيء فلما وصل الخبر للشام أرسلا له تختاً فلما وصلوا إليه وجدوه ميتاً فحملوه وجاؤا به لدمشق ليلاً وفي ثاني يوم دفن في مقبرة سيدي خمار ثم ان العرب ربطوا للحج ومنعوه السبيل من قلعة تبوك ثم انهم هجموا على الحج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 لضعفه فنهبوه جميعاً وصدر على الحجاج شيء لم يصدر أبداً وفر الوزير المزبور هارباً مع شخص واحد مختفياً في لباسه إلى قلعة تبوك ومنها فر هارباً إلى غزة وبقي هناك إلى أن وردت له رتبة الوزارة مع منصب مرعش فتوجه اليها أو حكمها سنة ثم عزل وعاد إلى غزة فركب عليها عرب من بني صخر وعربان الوحيدات فجهز عليهم عساكره وخرج لقتالهم وأبعد عن غزة خمسة أيام فلحق بهم وحاربهم قليلاً من الزمان ثم فر كتخداه بعساكره فبقي هو في نفر قليل فاستأصلوهم قتلاً وجرحاً وقتل الوزير المذكور في يوم الخميس الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة سبع وتسعين ومائة وألف وضبطت أمواله لجهة الدولة بأمر منها رحمه الله تعالى. حسين الزيباري حسين بن مصطفى بن حسن الزيباري الحلبي الشيخ الفاضل الأديب ولد سنة أربع وتسعين وألف وأقام بمدرسة الشعبانية بحلب مدة خمسين سنة وأكب على الطلب حتى برع في الأدب وكان له اسم بين شعراء حلب فمن شعره قصيدة مدح بها أحد حكامها مطلعها من الله أرجو نصرة الحق والشرع ... يامن ويمن دائم الخصب والنفع بمقدم أهل الجود والمجد والهدى ... وميض المحيا في العلا طيب الطبع سليمان سيف الله ذي الفخر في النهى ... فضيل كسعد الدين والسد السبع ومنها ودمت قرير العين ماجن غاسق ... وما بزغت شمس على الوتر والشفع ومنها لذلك وافانا البشير مؤرخاً ... سليمان سيف الله بالحق والشرع وأخرى مطلعها بشرى لنا قد جاءنا محمد ... نسل الكرام كامل ممجد وزير أهل المجد طيب الشذا ... محمود هذا لوقت حقاً يحمد ومنها لا زلت في السرور يا فرع العلى ... وعيشكم طول الزمان أرغد ودمت للداعي لكم ما شعشعت ... شمس الضحى بنورها والفرقد وتوفي بحلب سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد حسين الحصني السيد حسين بن مصطفى بن عبد الرحمن بن محمد المعروف كأسلافه بالحصني تقدم ذكر قريبه السيد تقي الدين الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 الصالح التقي كان من أفاضل وقته خصوصاً في فقه مذهبه مع صلاح واجتهاد في العبادة والتقوى والاشتغال بمطالعة كتب الصوفية واتباع سنن الاسلاف ولد بدمشق وقرأ بها على أجلة من شيوخها واقرأ دروساً وأفاد وأخبرت انه ألف حاشية على المنهاج في فقه مذهبه وتلمذ للاستاذ الشيخ أحمد النحلأوي ولازمه فلمحته من حضرته لمحة وأمده من نفحاته بنفحة فاستغرق في بحر الوجدان والشهود وتفانى عن الأغيار في مقام الوجود وتغير لحال زاد منه ولهه واستغراقه فلازم البيت وانكف عن المخالطة واستقام على حالته إلى أن مات وكأنت وفاته مطعوناً في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم بباب الصغير وأخوه السيد علي كان من أخيار الأتقياء الناجحين الأولياء أدركته وهو ممن يتبرك به وبدعواته وبالجملة فكلاهما كانا من خيار خلق الله تعالى الناهجين على طريقة الأبرار وكأنت وفاته في سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن أيضاً بتربتهم المذكورة رحمهما الله تعالى. حسين بن حسن تركمان حسين بن موسى باشا ابن محمد المعروف بابن حسن تركماني التركماني الأصل الدمشقي الميداني أحد كبراء الجند بدمشق وأعيانهم وسراتهم الأمير السخي الجواد الممدوح كان من رؤساء الأجناد وكبراء أوجاق الينكجرية المشار اليهم موصوفاً بأحسن الأوصاف ومنعوتاً بأجمل الأخلاق يكرم الأفاضل والأدباء بالجوائز الحسنة ومع هذا كان عالي الشأن والقدر وصار كتخدا جند الأوجاق المذكور واشتهر وشاع صيته وهو وأسلافه لهم قدمة في الرياسة وكانوا في الجملة زينة المواكب وطنت حصاتهم في الآفاق وربما كانوا مع توابعهم ولواحقهم وأقاربهم يقاربون ربع العسكر ودارهم في محلة باب المصلى من الدور العظيمة وأعطاهم الله القبول حتى نالوا وكثرت دولتهم ولم يزالوا في عز وجاه حتى فاق لهم الزمان وغدر بهم وفاجاهم بالمحن والرزايا ونسخ آياتهم ورض بنيان عزهم ومجدهم وجعلهم مندبة الأيامى ومجنة اليتامى وفضل منهم بقية نالوا بعض الرفعة ثم أودى بهم الدهر إلى أن قتلوا في فتنة اليرليه في زمن الوزير أسعد باشا ابن العظم حاكم دمشق وأمير الحاج والآن البقية منهم من آحاد الناس وكان موسى باشا والد المترجم بعد تنقله في مناصب الأجناد صار أميراً على الحج وحج في الناس سنتين متتابعتين وتولى امارة عجلون وفوضت إليه حكومتها ثم في ثاني سنة من امارته على الحج وقعت الفتنة والواقعة مع الأمير حمد بن رشيد أمير بلاد حوران حين نهب الحج بالعود فقتل موسى باشا في المعمعة وكأنت قتلته في سنة احدى وثمانين وألف وبقي ابن رشيد بعده مدة والطلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 واقع عليه فلم يظفر به واتفق ان المقادير ساقته لأجله برحلة وقعت له إلى نواحي بغداد نزل بها عند رجل غدر به فمات وكان قتله في سنة تسعين وألف ثم ان المترجم نشأ مكتسباً للكمال والأدب وتنقل على عادتهم في الأوجاق وصار كتخدا الجند وتكرر ذلك له وكان مع ذلك فاضلاً أديباً لوذعياً شاعراً منشياً عارفاً له كمال وأدب واطلاع وينظم الشعر الباهر ومن شعره ما كتبه للشيخ محمد بن عيسى الكناني شيخ الخلوتية بدمشق وهو قوله أنعم صباحاً أيهذا المقتدى ... بكل خير فالسعود قد بدا ودم على نهج التقى محترما ... مكرماً وسيداً مؤيدا كوكبك الميمون ضاء نوره ... من دونه ضاء سناء وقدا أعنى العزيز ابن العزيز سيدي ... وعمدتي وعدتي حمدا ابن الامام الجهبذ الذي حوى ... كل كمالات الهدى وأرشدا مولاي عيسى من عطى ولاية ... ورتبة عالية وسؤددا من شاع بين العالمين ذكره ... وفضله ويمنه ولا سدا أقسم بالله العظيم انني ... لمغرم في حبه على المدا هو أطل الرحمن تغشى قبره ... والروح والريحان ينمو سرمدا فتى له الفضل كذا طريقه ... انجابه محمداً وأحمدا منها يا منهج الصدق ويا بحر الوفا ... يا من تسامى بالرشاد وارتدى مدحك لا يحصى واني قاصر ... عن شرحه اذ منتهاه مبتدا فامنح أخاك سيدي بدعوة ... صالحة وكن بها لي منجدا لا زلت للأخوان كهفاً مانعا ... ومنهلاً عذباً سما وموردا واسلم على مر الزمان مرشدا ... ما العندليب في الرياض غردا وكتب إليه في ذيلها من نظمه أيضاً تحية المخلص في الوداد ... حسين راجي نفحة الامداد فان أجاز نظمه القبول ... فذاك والله هو المسؤل مع الرجا بالعفو عن قصوره ... وعن تجافيه وعن كسوره والحمد لله على السراء ... في كل حال وعلى صراء وصل يا ربي على خير الورى ... محمد نبينا عالي الذرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 ومن شعره قوله مخمساً أبياتاً لبعض الأندلسيين ومذ زادت أشواقي لنادي تهامة ... وبان اصطباري عن تلافي اميمة شممت شذا اقبالها من نسيمة ... ولما تلاقينا على سفح رامة وجدت بنان العامرية أحمرا فما بال محزون الحشاشة والجوى ... ومن فرقة الأحباب للهم قد حوى فقالت يرى خضباً وقد شفه الهوى ... ولكنني لما ألم بي النوى بكيت دماً حتى بللت به الثرى رويدك لا بالعتب تؤذي مسامع ... فسمعي أصم عنه ليس بسامع فيوم القلاد معي جرى كالمشارع ... مسحت بأطراف البنان مدامعي فعادت خضاباً بالكفوف كما ترى لعمرك اني بين قومي كريمة ... اصول اصولي الزاكيات شهيرة ولم ير من عاهدت في مريبة ... فلم سئت طنأبي واني بريئة من الظن فارجع لا يغرك افترا وله من أبيات قوله الأهل لظل من سعاد ظليل ... وهل في رباها للمشوق مقيل وهل نهلة من نهلة طاب ورده ... لدفع صدى الصادي يرد غليل وشوقاً إلى سلمى ومغنى جمالها ... فهل لا إلى تلك الربوع بسبيل بليلي ولبني ثم دعد وحاجر ... ونعمي ومي لا تخله يزول بثنية مع سعدى هما الغيد والمها ... لهن وداد لست عنه أحول فزينب حبي والرباب سميرتي ... لهم زادت أشواقي وعز وصول لقد حرمت عيناي طول رقادها ... وناهيك ليل المغرمين طويل ألم يأن للأحباب أن يرحمونني ... لمن في سويداه اللهيب جزيل فما كل من قد يعي الحب صادق ... ولا كل خدن للعثار مقيل وهي طويلة وكتب إلى الشيخ محمد بن عيسى المذكور في أول الترجمة مؤرخاً يهنيه بعد خروجه من خلوته بقوله يا اماماً تهنى في خلواتك ... وتمتع بالسعد في جلواتك يا سقى الله غيث رحماه ناد ... فيه نشر القبول من أوقاتك ورعى الله خلوة بك زأنت ... زانها الفضل والتقى من سماتك يا ابن من قد رقى مقاماً علياً ... كملت منه نرات صفاتك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 نظرة منك يبتغيها محب ... فعساه يمد من نفحاتك ليس يدعي لنظرة هي تسقي ... ظمأي من رحيق فيض فراتك دمت في نعمة من الذكر تسمو ... وليكن في الأمان تاريخ ذاتك وله غير ذلك من النظم والنثر وفي سنة ست عشرة ومائة وألف صار كتخدا جند الينكجرية فمدحه يهنيه عند ذلك الأديب عبد الحي ابن الطويل المعروف بالخال بقوله ومطلع القصيدة لاموا ولكنهم لو عاينوا عذروا ... بل انهم عجلوا في اللوم ما صبروا والله لو شاهدوا أوصافه وجموا ... عن نطق ميم ملام فيه وانبهروا هذا الذي فعلت أسياف مقلته ... فعل المنايا إذا ما صادف القدر عجبت من فعل الحاظ له فتكت ... مع ان أجفانه من نظرتي انكسروا لا سومحت أعين للغيد انهم ... جاروا على القلب لما نحوه نظروا كجور دهري الذي آراؤه انعكست ... كأنما قد غدا في سفله البصر إذ الاسافل ملحوظون فيه بما ... يسرهم والأعالي عيشهم كدر ابن اللئام من الانعام مشتهر ... وابن الكرام من الاعدام مستتر فذاك أمواله أنسته فطرته ... وذا أماليه منها القلب ينفطر سبحانه لا اعتراض في ارادته ... ولا على فعل هذا الوقت مصطبر لكن ذكرى لجور الدهر تسلية ... لمن له الدهر والأيام قد غدروا يا دهر اذ لم تباين عنك فاقره ... أشكوك مولى إليه أنت تفتقر الكامل الندب من أوصافه اشتهرت ... في الكون حتى غدت تتلى وتستطر الأريحي الذي فاقت مكارمه ... سيل التلاع ومنها يستحي المطر اللوذعي ذكي القلب طيبه ... الألمعي الذي ألفاظه درر طلاع طود المعالي حين تقصر عن ... صعوده الصيد والأوهام والفكر سهل العريكة دارت حوله أسد ... كأنه الماء قد حفت به الشرر ان قيل من ذا الذي تعني أقول لهم ... حسين ابن الموسى الباسل الذمر سليل قوم بنوا للمجد أبنية ... تعلو على الشمس اذ من دونها القمر ما قصروا في اكتساب المكرمات ولا ... تمهلوا بل على نيل العلى اقتصروا هم الكماة السراة الصيد ان وعدوا ... وفوا وعفوا إذا ما شمتهم قدروا ونشر طيب ثناهم دائماً أبداً ... كالمسك والمدح فيهم طيب عطر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 منها على منها كبهم سمر مثققة ... ترى المنايا بها للعمر تنتظر وفي أكفهم بيض إذا لمعت ... انستك لمع بريق الغور ان شهروا ترى المذاكي لهم من تحتهم ضبح ... كنفخة الصورى لما تبعث الصور وامتدحه غيره من الأدباء وبينه وبينهم كأنت مراسلات شعرية أدبية ومطارحات ومدائح سنية فلا حاجة للتطويل ولم يزل المترجم لمناهج أسلافه يقتفي ماجداً أديباً ممدوحاً جواداً رئيساً حتى توفي وبالجملة فقد كان من رؤساء الأجناد أرباب المعارف ونبل بيتهم وسراج ليلهم وصبح دجاهم وغرة وجههم وكأنت وفاته في سابع شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مسجد النارنج بالميدان رحمه الله تعالى. حسين الحموي حسين الحموي نزيل دمشق الولي الصالح الخاشع صاحب الكرامات والمكاشفات المستغرق أحد أولياء الله تعالى في الكون كان يلبس الخشن من الثياب ويدور في الأزقة وأخراً انقطع في دهليز بني البهنسي ثم أنتقل منه إلى زقاق الأوضه باشي وجلس تحت سقيفة هناك على القمامات والأحجار وكأنت الكلاب لا تفارقه لأنه كان يطعمها مما يأتي إليه من الطعام وربما أفرغ الأناء على الأرض وأكل معهم وقيل انه كان المتدرك بنواحي الجامع الأموي وله كرامات ومكاشفات صريحة وللناس به اعتقاد عظيم ومن كراماته انه رأى رجلاً يحمل علبة لبن فناداه وأخذها منه وصبها للكلاب فنظر الرجل فإذا فيها فرخ حية ومنها انه دخل لص بيتاً ليس فيه سوى نسوة لم يعلمن به فطرق الباب عليهم الشيخ المترجم ففتحوا له فدخل وأرادوا منعه وقالوا له يا شيخ حسين نحن نسوة وما عندنا رجل فلم يرد عليهم جواباً إلى أن طلع للمحل الذي اختفى فيه ذلك اللص وقال له اخرج فخرج وتبعه ومنها ان وزيراً من وزراء آل عثمان ولي حكومة دمشق فلما استقر بها سمع وبخبر الشيخ فأرسل أحد أعوانه إلى الشيخ المترجم وأرسل له معه ستة عبي فلما وصل إليه قبل يديه وقال له يقبل أياديكم المولى الوزير فلان ويسألكم الدعاء وهو مرسل هذه العبي لأجل أن تلبسوها فقال له لا أقبل منها شيأ وكش في وجهه فوقع على يديه وقال له لا يمكنني أخذها خوفاً من الوزير وترامى عليه ففي الآخر قبلهم وقال له أعطيناه منصب دمشق ست سنوات كل عباة سنة وكان الأمر كذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 ومنها ما حكاه الفاضل عبد الرحمن المهمنداري ولد العلامة أحمد المهمنداري الحلبي المفني بدمشق وكان ممن يعتقده وله فيه مزبد الاعتقاد وهو كثير التردد إليه قال لما أنتقلت إلى الساحة التي عند دارنا نمت في بعض الليالي فرأيت الناس يهرعون إلى الصالحية ويقولون ان الشام غرقت بالزيادة فسرت معهم وصعدنا جبل قاسيون فإذا الشام كما قيل قد غرقت والماء يصعد إلى الجبل ونحن نفر منه وقد عاينا الهلاك فبينما نحن في كرب عظيم وهم جسيم وإذا بالشيخ حسين قد أقبل وشق الصفوف وجلس على ركبتيه وشرع يشرب الماء فعاينت النقص فيه ثم صار هو يشرب والماء يهبط وهو يتبعه قال فأيقنت انه حمل حملة أهل الشام ثم اني خرجت إليه فرأيته يئن ورجليه متورمة كالجسر فسألته فقال ولك امك وأبوك هذه المياه التي شربتها صرفت من رجلي قال فمضيت إلى الصلاة ورجعت وإذا الماء ينبع من أسفلها وامتد إلى باب الساحة واختفى الماء منها فعوفيت من وقتها وحصلت له الراحة وقد حكى عنه الكرامات غيرها كثيرة الا تحصى عدداً ورأيت في بعض المجاميع انه كان يتمثل بهذين البيتين المشهورين وهما أمطري لؤلؤ أجبال سرنديب ... وأفيضي آبار تكرور تبرا أنا لن عشت لست أحرم قوتاً ... ولئن مت لست أعدم قيرا وحكى انه كان بين جماعة فأذن المؤذن فقالوا له قم حتى نصلى فأنشد البيتين المشهرين أيضاً وهما يصلي من له فرس وعبد ... وجارية ومملوك ودار وأما المفلسون فما عليهم ... إذا تركوا صلاة الخمس عار وكأنت وفاته بدمشق ليلة الجمعة الثامن والعشرين من جمادي الأولى سنة ست ومائة وألف وصلى عليه بعد صلاة الجمعة الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكأنت جنازة حافلة وازدحم الناس على حمله ودفنه ودفن بتربة مرج الدحداح رضي الله عنه. حسين السرميني الحلبي حسين السرميني المنشأ الحلبي الموطن الشافعي المدرس بالجامع الأموي في حلب الشيخ العالم الكبير والفاضل الشهير المحدث النبيه الفرضي الفقيه أخذ العلم عن الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلس الدمشقي والشيخ أبي المواهب الدمشقي والشيخ محمد الوليدي المكي أجازه سنة حجه ذلك في سنة تسع وعشرين ومائة وألف ثم عاد إلى حلب وأنتفع به خلق كثير وكأنت وفاته في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 حسين أفندي العشاري حسين بن علي بن حسن بن فارس العشاري البغدادي الشافعي أبو عبد الله نجم الدين الشيخ الامام العالم الأديب الأريب الفطن النظام صاحب الكمالات الشائعة والنوادر الدائعة ولد سنة خمسين ومائة وألف وهو من بلدة تسمى بالعشارة موضوعة على الخابور الذي ينصب إلى الفرات وقرأ القرآن واشتغل بالتحصيل والأخذ فقرأ ببغداد وأخذ العلم عن مشائخ متعددين منهم أبو الخير عبد الرحمن السويدي وتفوق ونظم الشعر ودون له ديواناً أكثره في المدائح النبويه ومدح الصحابة وآل البيت والأولياء والعلماء والملوك والأمراء وكان عالماً فاضلاً شاعراً أديباً حسن الخط كتب كتباً متعددة تنوف عن العد والخد وله تأليفات منها حاشية على شرح الحضرمية لأبن حجر وحواش متفرقات على سائر العلوم تدل على نباهة شأنه وعلو مكانه ولما ولي نيابة بغداد والبصرة سليمان ابن عبد الله الوزير سنة أربع وتسعين ومائة وألف ولاه تدريس البصرة وأرسله اليها ولم تطل مدته وكان رحمه الله له تضع كلي في سائر العلوم معقولها ومنقولها وخمس قصيدة البرأة وبعض القصائد الفارضية وكان مشهوراً بحسن الاملاء والانشاء والنظم البليغ كتب إلى حصة منه بخطه فمن ذلك ما قاله في المديح النبوي قف في المنازل ان الدمع مدرار ... وابك الطلول فان القوم قد ساروا خلاك ذم فان العيس قد حذيت ... أخفافها بسهاد فوقه نار تهوى السرى فكأن السير راحتها ... وأن أطرافها يا صاح أوتار تطير في الدومن شوق فلا عجب ... فقد يكون من الأنعام أطيار شرودة عن بقاع الماء مسئلة ... عن الكلاء فلا يلفي لها دار فتلك أحشاؤها في الجوف ضامرة ... قد ذانها خمص منها واضمار ومذ تبينت الأقوام حل بها ... من السرور علامات وأسرار قوم كرام علت في الناس رتبتهم ... وكل شخص له حدو مقدار شموس مجد لقد ظابت عناصرهم ... صغيرهم في الوغى كالليث مغوار سود الملابس أقوام شعارهم ... في الحرب حم كم لله أنصار رهبان ليل فسل ان كنت مختبراً ... تجيك يا صاح أبكار وأسحار قد عمروا بكتاب الله دورهم ... لا قينة رقصت فيها ومزمار كفاهم شرفاً اذ كان سيدهم ... مولى به شرفت ريف وأمصار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 محمد من له في كل مرتبة ... شماء رسم وآيات وآثار مصباح فضل لذا تهدي الأنام به ... كأنه علم في رأسه نار بدر أضاءت به الأكناف وابتهجت ... ففي مسالكها نور وأنوار كتربه الدر مرفوع المنار وكم ... تنويره قد أنارت منه أبصار لأنه الصدر قد عمت هدايته ... وفي وقايته كم عمرت دار ذخيرة كم حوت في العلم من درر ... وقنية الفضل لا تبر ودينار تاري الهداية لا الاشباه تشبهه ... سل الفصول فما في الفضل انكار خلاصة الحق قد سارت فوائده ... عماد من لا له كهف وأنصار فذاك جوهرة الدنيا وخيرتها ... معين من ساءه الداني والجار بحر فما النهر الا من جد أوله ... فاشرب من البحر ان ساءتك أنهار خير النبيين كهف المستجير إذا ... أولو الجهالة في أفعالهم جاروا هو الملاذ لمن وافاه منزعجاً ... من حادث فوقه حمل وقنطار لذاك لذت به من حادث نشبت ... في الجلد منه مخاليب وأظفار خلص فديتك جلدي من مخالبه ... واستر علي فان الله ستار وارفع بحقك هذا الخطب ان له ... في القلب ناراً وفي جسمي له نار أزكى الصلاة على قبر حللت به ... فكم به حل آيات وأسرار ثم اسلام على دار حللت بها ... هنيت بالمصطفى المختار يا دار حسين المرادي حسين بن محمد بن محمد مراد بن علي بن دود بن كمال الدين صالح بن محمد بن عمر بن شعيب بن هود وينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحسيني البخاري المحتد الدمشقي المولد الحنفي المرادي أبو علي نظام الدين عمي شقيق والدي السيد الشريف المولى السميدع الحلاحل الغطريف الصدر الكبير والعماد الشهير الرئيس النبيل النبيه الفاضل الأديب الصوفي الأصيل الكامل الصالح التقي النقي مفتي الحنفية بدمشق وقطبها الذي عليه مدار أمورها والحرم الذي يأوي إليه الجمع من كبيرها وصغيرها ولد بدمشق سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم وأخذ فنون العلم وقرأ على جماعة منهم والده محمد بهاء الدين رضي الله عنه وألبسه الخرقة وأجاز له بالطريقة النقشبندية وسائر الطرق السنية ولقنه الذكر ورباه وأحسن تربيته وكان يقربه ويدنيه وأنتفع بدعواته ونفحاته وأنظاره وقرأ على والد زوجته أبي النجاح أحمد شهاب الدين المنيني وأبي البركات مصطفى بن محمد بن رحمة الله الأيوبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وغيرهم وحج مع والده ووالدي وارتحل إلى قسطنطينية مع الجد واجتمع بسلطانها الملك الأعظم محمود خان وأدناه من حضرته وكان إذا جاء إلى زيارة الجد يقوم بخدمته عمي صاحب الترجمة واجتمع بعلماء الدولة ورؤسائها ومشايخ الاسلام بها ووزرائها العظام وكان كثير الاتحاد مع الوالد لا يفترقان أكثر الأحيان وكان يعامل الوالد معاملة الوالد وإذا رآه يقبل يده ويتأدب بخضرته وكان الوالد يجله ويحترمه ويسعى باكرامه وتوقيره واحترامه وكان حسن الأخلاق كريم النفس سليم الباطن من الحقد والغيظ لا يذكر أحداً بسوء يحسن لمن يسئ إليه ولا يظهر لأحد مقتاً ولا عبوساً كثير التواضع والرفق بالناس يجالس الدرأويش والفقراء ويجلس على خوان الأكل معهم ويحادثهم ولا يستأنف من القعود معهم ويلتذ بصحبتهم ويعتقد على الأولياء والمشايخ ويحب العلماء والأفاضل ويسعى برعيهم واكرامهم ويبذل لهم العطايا والنوال وكان كثير التعبد والتهجد ملازم الصلوات والأوراد والأدعية ولما مات والدي في شوال سنة أربع وثمانين ومائة وألف أقيم مفتي الحنفية مكانه عمي المترجم بارادة أهل دمشق قاطبة واتفاقهم وعرض للأبواب السلطانية بذلك وذهب أحد خدامنا إلى دار السلطنة قسطنطينية مع العروض ولما وصل خبر موت الوالد رسم بالأمر السلطاني لعمي نظام الدين المترجم بالفتوى وجاءته المناشير السلطانية والمراسيم العثمانية تتضمن ابقاء جميع الوظائف التي كأنت على والدي والتوالي والرواتب والتداريس وغيرها وبعد مدة أعطى رتبة قضاء القدس كي يزيد اعتباره وينمو اشتهاره وباشر الأفتاء بهمة علية ومكارم حاتمية وزهد أدهمي وسخاء حاتمي وعفة ونزاهة وتقوى وديانة وأنتشرت فتأويه وأرغم أنف منأويه وامتدحه الشعراء وقصدته الأدبا ووردت عليه العلماء من البلاد وقام باحترامهم واكرامهم وسعى فيما يرضيهم وينفعهم وانعقدت عليه رياسة دمشق وكان هو المرجع والمقصد في امورها وازالة مدلهماتها واصلاح فسادها وتنظيم قراها وبلادها وسياسة رعاياها وحماية فقرائها وصيانة اغنيائها ووصل خبره إلى السلطان الأعظم أبي النصر غياث الدين عبد الحميد خان رحمه الله تعالى فانسر من حال عمي المترجم ودعا له وكتب إليه كتاباً يتضمن استحلاب دعواته وحثه على قيامه بالرياسة واعمار دمشق وصيأنتها من الظلم والتعدي وأرسل له ألف دينار ولم يزل على حاله إلى أن مات سمعت من فوائده رضي الله عنه وأنتصحت بنصائحه وتربيته وكان يحبني ويودني ويقدمني على أولاده ويقوم باحترامي وتعظيمي وكنت أشاهد منه مودة الوالد لولده وحنو المرضعات على الفطيم وأنتفعت بدعواته ولما مات تكدرت لموته وحزنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 لمصابه وفقدت بارا يشفق ووالد يرحم وملازا للنائبات يعد وقد فصلت أحواله وأطلت في ذكرها في كتأبي أتحاف الأخلاف بأوصاف الأسلاف توفي رضي الله عنه بعد أن مرض شهراً يوم الجمعة خامس عشر رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة وألف ودفن من اليوم على والده في مقبرتنا داخل دارنا في محلة سوق صاروجا وكأنت جنازته حافلة حضرها أهالي دمشق جميعاً رحمه الله تعالى. حسين الخالدي حسين بن محمد بن موسى بن محمود بن محمد بن صالح الخالدي القدسي الحنفي أبو عبد الله الشيخ العالم الأديب النجيب المتفوق الذكي الكاتب ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم واشتغل بالأخذ والتحصيل وجل أنتفاعه إلى الشيخ أبي النون يونس بن محمد الغزالي الخليلي نزيل بيت المقدس وكان سريع الكتابة والانشاء يعرف الأدب واللغة حسن الخط ونظم الشعر وبرع به ومن نظمه وأنشدنيه من لفظه تعجيز وتصدير قصيدة كعب بن زهير المشهورة اللامية والتوسلات الألهية وأهداها إلي بخطه وله من التآليف البشائر النبوية وغاية الوصول في مدح الرسول وغير ذلك من النظم والنثر وتعاني الشهادة والكتابة في مجلس القضاء بالقدس وصار أحد العدول المنوه بهم والمشهورين بالمعرفة وامتحن أيام نائب دمشق جواد الدين درويش بن عثمان الوزير وسعى به أناس عنده وأرادوا تكديره واعتقاله ونسبوه إلى أفعال وأشياء قبيحة فأرسل جاء به من القدس إلى دمشق وأمر بحبسه واعتقاله وتأديبه فمنعته عن ذلك وتشفعت به وأخذته إلى داري وبقي عندي أياماً وعاد إلى القدس مكرماً مبجلاً وذلك سنة تسع وتسعين ومائة وألف ولم تطل مدته ومات وكأنت وفاته بالقدس في ختام شعبان سنة مائتين وألف أنشدني من لفظه لنفسه هذه القصيدة يمدحني بها أخليل دين الله يا ابن عماده ... ملجأ الأفاضل كهفها ببلاده نسل الأماجد كابراً من كابر ... أقطاب غوث رحمة لعباده مفتي دمشق وروح جسم حياتها ... بدلاً وهدايا عزها بسداده وبهاؤه كبهاء ذي التاج الذي ... ملك الورى مع حكمة في امداده بدر الجمال كيوسف في مصره ... شمس الهدى انسان عين مراده رضوانها هذا وفرقد نجمها ... مصباحتها وطيبها بسهاده فأبوك نعم الليث وهو عليهم ... علامة اذ يقتدي برشاده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 بم المكارم لا يمل من العطا ... وكفاك ان تحذو بحفظ ووداده وأبوه جدك وهو بحر زاخر ... فمحمد قط بالملا بجهاده وكبيرهم في الأولياء مرادهم ... وغياثهم متعبد برقاده وإلى أبي السبطين تسمو نسبة ... نسب له شرف لدى تعداده قد حل بي ما قد سمعت من البلا ... فبفضلكم حسناً روى بفؤاده وبعرفه مذ كان منك بسرعة ... فبدا بياض عواقب بسواده وعسى يكون كما المهيمن مخبراً ... في محكم التنزيل خير عباده لله حمدي دائماً من سعيكم ... برجاك فينا يا خليل مراده أنت المقدم مع حداثة سنكم ... في عصرنا عد لا على أسياده وتقاصرت همم الأساتذة الأولى ... عن منصب اذ جزت فوق جواده لا سيد بالشام مثلك يرتجي ... عند المضيق وحق ذا وأجداده ماذا أقول وطول مدحي قاصر ... لوفاء وصفك لم أطق بمداده لكنه شرفي به أسمو على ... أتراب عز لوقدت بزناده عذري اليك فان حان ظاهر ... والفكر مني فاتر بمعاده فحسيتكم بالذل ظل مسربلاً ... بالخطب مخضوباً لدى حساده نظمت بدمع والدعاء ختامها ... من مبتل بالنأي عن أولاده وكتب إلى من القدس بعد دخوله اليها ما أنت في الأعلام الأعاشر الأيام من شهر الحجيج فيحمد لكن ذاقي كل عام مرة عيد وأنت بكل يوم أحمد أنت الخليل لذا الزمان وأهله بل وجهه اذ أنت فيه محمد ما رقم قلم وما تنفس فجر عن ظلم وما غرد طير الفلاح وتنفس روح الصباح وما كشف الكروب عن كل محزون ومكروب الا وأهديت سلاماً أرق من نسيم الصبا على خمائل الرياض أبدا وألذ من زمن الصبا بين شمائل المآرب والوصال سرمداً مع بث أشواق قلبيه وأدعية قدسيه من قلب صب حزين عن سويداه بأنين في رحب بورك فيه للعالمين لجناب ولي الاحسان والنعم عميم المجد والكرم فريد الحسن والشيم خليل المحاسن على الهمم خلاصة مراد الله خيراً في العرب والعجم نور صدقة آل النبي في الحرم صدر الشريعة وتاجها وكنز الهداية ومعراجها انسان عيون الأفاضل ونور مرادها وحسنة الأيام والليالي بل هو أوقات أعيادها من تباهت ببهائه الأعلام وتاهت بمدحه على أترابه الأقلام بهجة الجمال وبدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 الكمال كعبة القاصدين وحرم الخائفين ملجأ الأفاضل وسابق الأوائل أكليل السؤدد والمجد وفلك الرفعة والسعد مالك أزمة ولائي وسبب حياتي وبقائي شيخ الاسلام مفتي الخاص والعام مولانا وسيدنا السيد المفتي المرادي جعل الله فلك سعده مستنيراً في كل نادي لا زالت الأدباء متشرفين برفده والأفاضل متعلقين بسعده ولا برحت العلماء مبجلين مرفهين بامتداد ظله ورياض قلوبهم ممطرة بفيض طله ووبله اذ هو المدأوي مرضاهم بطب قلمه ومزيل شعث فقرهم وعناهم بسوابغ كرمه فنسألك اللهم أن تجمع له المد الطويل في العمر والعلو المتفاضل المتواصل في القدر والنفاذ الدائم في القول والأمر والمعروض غب الدعاء المفروض اننا بحمد الله تعالى غب بلوغنا الأوطار ووداعنا لتلك الدار التي بصاحبها أصول وعلى الحساد والأعداء أقول فقلت لها والدموع هطالة على الخدود متوسلاً بالدعاء لخليلها إلى الملك المعبود لا زال فيك ثلاثة يا دار ... العز والاحسان والدينار ولباغضي خليلك أضدادها ... الذل والباساء والأكدار لا زالت بالضيفان معموره وبالخيرات ان شاء الله مغموره ولما دخلنا الوطن المقدس بالحبور وتلقتنا الأحباب بالسرور نشرنا لكم ألوية الثناء الوافرة على رؤس الأكابر والأصاغر وما من سامع من الأخوان الا وهو لكم داع إلى الرحمن بكل خير واحسان فنسأله سبحانه القبول بجاه الرسول وانني غب ذلك مقيم لكم على الدعوات الخيرية في الأماكن القدسية السنية ما دامت الأنفاس وأدركت الحواس كما هو الواجب علينا وعلى العيال وعلى اخواننا وذوي الفضل بكل حال وله في الوالد مدائح ومرائي ذكرتها في مطمح الواجد ومنها ما أنشدنيه من لفظه يمدح بها الوالد قال وكنت كتبتها إليه رحمه الله تعالى من القدس دعاء لكم مني بدا وسلام ... وألف تحيات اليك عظام إلى تاج أهل الفضل في الشام كلها ... وفيه تباهت في المدائن شام وينبوع علم ثم حلم وسؤدد ... وجدله للأولياء سنام ومن نسل طه المصطفى ولقد سما ... على مرادي في الأنام أمام سنائي له من كل كلي كذا الورى ... وكل مديح في سواه حرام لك المدح من كل العوالم انها ... لمدحك شخص واللسان أنام وانك ذو الأنعام في الناس كلها ... وشكرك نور والجحود ظلام وانك ليت للمروءة جامع ... محاسن أخلاق وأنت همام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 فيا حبذا ذات تجلت بجلق ... كطلعة بدر القدس وهو تمام فثغر دمشق ضامتك بوجودكم ... وتأمينها بالعدل منك يرام فعدلك حظ في دمشق كساهر ... وأعين أهل البغي منك نيام وعيدك مسبوق بعفوك أوجزا ... ووعدك حتماً بالوفاء دوام فلا زال فيك المجد بالفضل خادما ... فمنك رسوم المكرمات تقام ولا زلت محبوباً إلى السعد دائماً ... ولا زال فيكم للسمو غرام فكم فاز بالأسعاف منك ذوو التقى ... وكم كمدت بالقهر منك لئام وكم نال ذو حق بفتواك حقه ... وكم نالت النعماء منك كرام لكم راحة تعطى بخير مؤمل ... تسح نوالاً أنها لغمام نداها حياة الواردين بسرعة ... وأقلامها للطاعنين سهام فذلك شيخي وافداً لربابكم ... وبابك للقصاد فيه زحام ومن كان محسوباً عليكم فإنه ... ليرجوك تفريجاً وأنت مرام بقيت بقاء الدهر في ذروة العلى ... فأنت إلى كل الكرام ختام حمزة بن بيرم الكردي حمزة بن بيرم الكردي نزيل دمشق الشافعي الاستاذ الصوفي الامام العالم العلامة العابد الناسك القدوة المسلك أحد مشاهير الصوفية بدمشق ولد كما قرأته بخط تلميذه الفرضي السيد سعدي الحسيني ابن حمزة في سنة ثمان وثلاثين بعد الألف وقدم إلى دمشق واستطونها وتولى بها المدرسة الفارسية ودرس بها في الفتوحات المكية وغيرها ولزمه جماعة وأجاز لهم الحديث وكان في ابتدائه رحل إلى دار الخلافة بالروم وكان بدمشق في أول أمره إذا ركب الجواد وأراد الذهاب إلى مكان تحيط به الأتباع والخدام ثم أخراً ترك ذلك وهو جد والدي رحمه الله تعالى لأمه لكون جدي والد والدي المذكور العلامة المربي الصوفي الشيخ السيد محمد المرادي اتصل بابنته وجاءه منها والدي وغيره وكأنت وفاته بدمشق في يوم الخميس العشرون من محرم افتتاح سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه وتولى بعده المدرسة الفارسية جدي السيد الشريف محمد المذكور آنفاً رحمهما الله تعالى. حمزة الدومي حمزة بن يوسف بن محمود الحنبلي الدومي الأصل ثم الدمشقي الشيخ العالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 العلامة العمدة الفهامة الفاضل الصالح التقي كان متضلعاً من عدة علوم مع الصلاح والتقوى ولد في سنة خمس وثلاثين بعد الألف ونشأ واشتغل بالقراءة على جماعة وأخذ عنهم منهم الشيخ منصور السطوحي نزيل دمشق وحج معه مرتين وأخبر عنه انه كان يفرق في المدينة ثلاثمائة قميص وسبع جبب وثلاثمائة بابوج وتسع سراميج وخمسمائة ذهب مشخص وكذلك في مكة المشرفة يفرق خمسمائة ذهب ومنهم الشيخ محمد يحيى البطنيني ومحدث الشام الشيخ محمد نجم الدين الغزي والشيخ عبد الباقي الحنبلي والشيخ محمد بن بلبان الصالحي الدمشقي ودرس وأفاد بالجامع الأموي مدة تزيد على ثلاثين سنة وبالمدرسة اليونسية مدة مديدة ولزمه جماعة وأخذوا عنه منهم الشيخ محمد الحبال والشيخ عبد السلام الكاملي وآخر من روى عنه الشيخ صالح الجينيني وكأنت وفاته بدمشق في ليلة الأحد غرة جمادي الثانية في سنة ست ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالقرب من الشيخ أبي شامة رضي الله عنهما. حيدر الحسين أبادي حيدر بن أحمد الشافعي الحسين أبادي الشريف الصفوي كان في التقوى والزهد والعلم والعمل على جانب عظيم وكان مرجع علماء قطره ولد في حدود سنة ست وثلاثين وألف وكان قد أخذ العلم عن والده وهو عن أبيه حيدر وترجمه صاحب الروض فقال في حقه هذا الثاني صاحب المثالث والمثاني باقة مسك ضاع ندا وعبق مجداً فعطر الكون برياه العاطر وحاز بطيب مكارم فضائله المعالي والمفاخر. فاح الثرى متعطر ببيانه ... حتى حسبنا كل ترب عنبرا وترجمتهم في كتأبي المومي إليه فقلت هذا البيت كالسبع المثاني في البيوت وأهله بين الأنام كالجواهر والياقوت نهلوا من نهر المجرة واقتطفوا بالمعالي زهر الزهرة تغذوا بلبان المجد وتربوا بموائد المدح والحمد وتفوح من طيب الثناء روائح لهم بكل مكانة تستنشق مكية النفحات الا انها ... وحشيه بسواهم لا تعبق أنتهى وله تآليف عديدة منها حاشية كبيرة على شرح اثبات الواجب وسافر لدار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية سنة ست وعشرين ومائة وألف ثم رجع منها إلى الموصل وتوفي بعد عوده بنحو ثلاث سنين وقد جأوز التسعين ويقال انه لما توفي ظهرت لوفاته امور خارقة فاشتد الريح وأرعدت السماء وأبرقت وأحمرت الدنيا وأسودت بالغبرة الآفاق فكانوا يرون ان ذلك حزناً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 على فقده رحمه الله تعالى. حيدر بن قرأبيك حيدر بن قرأبيك الشيخ العالم الفاضل الزاهد العابد الموصلي الشافعي كان له في العلوم اليد الطولى ولد سنة أربع وسبعين وألف وطلب العلم وقرأ وجد واجتهد وحصل جملة صالحة من جميع الفنون الشرعية والآلية وكان قد سافر إلى البصرة وأخذ الطريقة الرفاعية هناك عن آل السيد يوسف وفتح الله عليه فتحاً ربانياً وأفاض عليه فيضاً لدنيا وكان منعزلاً عن الناس منقطعاً للعبادة لا يعاشر أحداً من الناس ولا يذهب إلى أحد وكان ينسج الثياب ويكتسب الحلال وعاش غير محتاج وما عهد لأحد عليه منه بل كل من صحبه كان له عليه المنة وسافر إلى حلب وعاد ماشياً وعرض عليه بعض التجار الركوب فأبي والناس تشهد بولايته وله كرامات وأحوال واضحة ظاهرة عند أهل الموصل واشتهر ذكره وظهر أمره وبعد صيته وتوفي في سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بالموصل وكان سنه اذ ذاك خمساً وتسعين سنة وقبره الآن يقصد للزيارة ويرجى لقضاء الحاجت رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته في الدنيا والآخرة. حرف الخاء المعجمة خالد بن صنون خالد بن محمد بن زين الدين المعروف بابن صنون بفتح الصاد المهملة وتشديد النون الحمصي الخلوتي الشيخ لمبارك المعتقد الصالح الدين الخير السيد الشريف ولد في سنة سبع وأربعين وألف وكان يتردد إلى دمشق ولبعض أهلها اعتقاد عليه وكان يتردد إلى الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وكان يثني عليه وهو من أصحابه وبالجملة فقد كان من الأشراف الصالحين أهل الجذب والخير وكأنت وفاته في أواخر جمادي الأولى سنة ثلاث ومائة وألف ودفن بحمص في تربة الأشراف عند باب الدريب بضم الدال المهملة مصغراً أحد أبواب حمص رحمه الله تعالى. خالد القدسي خالد القدسي الشافعي كان عالماً فاضلاً مفيداً شيخاً بارعاً بالفقه كاملاً زكياً أخذ العلوم على مشايخه وأزهر روض فضله وكرع من حياض العوارف وفاز بالتحصيل وأكمل التفريع بالتأصيل وتفوق وحصل وتصدر للافادة والتدريس واشتغل عليه جماعة من الطلاب وأنتفعوا به مع تواضع وزهد ورفض اللغو والتمنع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 من اللهو مقبل على شأنه في سره واعلانه وتوفي بالقدس وكان صغير السن وبالجملة فقد كان من العلماء والفقهاء الأفاضل المفيدين وكأنت وفاته في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف ودفن بباب الرحمة رحمه الله تعالى. خالد العرضي خالد ابن السيد محمد بن عمر بن عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمود بن علي المعروف كأسلافه بالعرضي الحنفي الحلبي الأديب الأريب اللوذعي الفائق الفاضل السميدع البارع هو من بيت بحلب خرج منه علماء وأفاضل اشتهرت فواضلهم وفضائلهم وكان جده الشيخ عمر علامة فهامه خصوصياً بالفقه والحديث والأدب أوحد عصره ومصره وله من التأليف شرح على الشفاء في أربع مجلدات ضخام وشرح شرح الجامي ولم بكل وشرح على العقائد وحاشية على تفسير المولى أبي السعود العمادي المفتي بالدولة العثمانية وغير ذلك من التآليف والرسائل والتحريرات والتعليقات واشتهاره يغني عن الاطالة بمدحه وكأنت وفاته في شعبان سنة أربع وعشرين وألف وولده والد المترجم ترجمه الأمين المحبي الدمشقي في تاريخه ونفحته والشهاب أحمد الخفاجي المصري في ريحأنته وكان فرد دهره أدباً وفضلاً وتولى افتاء الحنفية بحلب وكأنت وفاته في صفر سنة احدى وسبعين وألف وكان ولده المترجم صغيراً فنشأ يتيماً وقرأ على علماء عصره ومهر ونظم ونثر وتخرج في الأدب وابتدر مشرقاً بالكمالات مورقاً غصن فضله وأنتظمت عقود فضائله وبرع في العلوم وسيادته من جهة والدة والده وأقاربه كلهم شافعية أجلاء وكان هو حنفي ووالده أيضاً وترجمه السيد الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وذكر له شيأً من شعره وقال في وصفه مولى الفضل وسيده ومن انحشر إليه حسن القول وجيده فعجز عن شأوه وقصر وعميت عليه طرق الحيلة فلم يهتد ولم يبصر سكن في القلوب ولوعه من قبل أن تساكن القلب ضلوعه فكل قلب به كليم يتبع خضراً في الهوى بود سليم فما ترى له نظيراً ولا مثلاً فإذا أنتهجت في وصفه فأنتهج طريقة مثلي فوصفه كله تلميح وتمليح والعد في المجيد المليح مليح وقد ذكرت من شعره النضر ما التقى في روضه ماء الحياة والخضر أنتهى مقاله فيه ومن شعره قوله يمدح بعض قضاة حلب الشهباء بالصدر حأوي القدر من قدره ... قد جأوز العيوق والنسر قد أشرقه أرجاء شهأنا ... وفاقت المدن به قدرا فالعدل فيها باسم ثغره ... عن كل أنصاف قد افترا والشرع قد نار بأحكامه ... تهللت أوجهه بشرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 مولى إذا قست به حاتما ... ما قلت الا كلما هجرا أو بأياس رمت تشبيهه ... أتيت بالمعضلة الكبرى أو كشريح قلت في حكمه ... كنت لعمري الجاهل الغرا فكل ذي منقبة لو رأى ... سؤدده دان له قسرا فانه بكر الليالي إذا ... أتى بصنع تلقه بكرا لو علمت شهباؤنا انه ... يسعى اليها لم تطق صبرا واشدرت تسعى لأعتابه ... والتمست من فضله العذرا وكتب إلى بعض أحبابه معاتباً ومضمناً البيت الأخير بقوله أيا من قد تحول عن ودادي ... وعهدي لا يحول ولا يزول فديتك من غضوب ليس يرضى ... سوى روحي وذا شيء قليل أيجمل ان تخيب فيك ظني ... وأنت الماجد الشهم الجليل وكيف رضيت بي غيري بديلاً ... ومالي والهوى العذري بديل على هذا تعاهدنا قديماً ... أم الجاني الخوؤن هو الجهول أجلك أن تصدق في عذلا ... ومثلي ليس يجهل ما يقول ليفعل مالكي بالعبد مهما ... يروم فانه العبد الذليل فمل واهجر وصد فلا اعتراض ... عليك وأنت لي نعم الخليل ولكني سأندب سوء حظي ... وما يجدي بكاء أو عويل وكيف وكنت آمل منك حبا ... يدوم وصدق ودلا يحول وكنت أظن ان جبال رضوي ... تزول وان ودك لا يزول ومن شعره قوله ممتدحاً المولى أحمد بن محمد الكواكبي المفتي الحلبي بقصيدة مطلعها قد منح الصد واللقا منعا ... وأوصل الهجر والوفا قطعا بدر تفوق الشموس بهجته ... في منزل السعد والبها طلعا أهيف قد بالتيه منفرد ... في وجهه رونق اليها جمعا سكى عرف درى مبتسم ... يزيد عزا إذا الشجى خضعا وقده الناضر الرشيق به ... مال لقتلي ظلماً وفيه سعي ألحاظه في الحشا فعائلها ... في بعضها مهجتي غدت قطعا لم يطق الطرف لمح طلعته ... هيهات برق الوصال ان لمعا ومذ جفاني فاضت مدامع اج ... فاني وجادت وجودها همعا أصبح في حبه حليف هوى ... مضني وأمسى محيراً جزعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 تضرم نار الغرام في كبدي ... كان قلبي على الغضا وضعا وجأوز الجد في العباد وما ... جأوز خلا بحبه ولعا ودعني الصبر حيث أودعني ... أسى قد أعيا الأسا وما رجعا زاد فخاراً على الحسان كما ... أحمد زاد الكمال والورعا سما مقاماً ومن له نسب ... كواكبي إلى السما رفعا رب علوم يفوز طالبها ... في كل علم أراد وأنتفعا راحته في انبساط راحته ... لو رام قبضا حاشاه ما استطعا مكمل فضله ولا عجب ... في المهد ثدي الكمال قد رضعا مهذب الخلق لن يرى أحد ... في لخلق أمثاله ولا سمعا شهم حماه غدا بهيبته ... حمى مخوف وأمن من فزعا ناهيك في ماجد أرومته ... من خير داع إلى الرشاد دعا منها في الأخير مولاي بكراً أتتك ترفع في ... روض المعاني ونورها طلعا قانعة بالقبول تمهرها ... والحر يا ابن الكرام من قنعا ولا برحت الزمان في دعة ... مرغد العيش رافعاً بدعا ما صدح الورق في الرياض على ال ... أوراق صدحا به الحشا صدعا وله قصيدة مطلعها وحقك لا أشكو الزمان وأعتب ... إذا كان عنى عامداً يتجنب وأي لبيب أكرم الدهر قدره ... وهل هان الا اللوذعي المهذب فلا فاضل ألا تراه بحسرة ... يبيت على فرش الأسى يتقلب تعانده الأيام فيما بريده ... وتمنعه عما أتى يتطلب وله من قصيدة ممتدحاً بها بعض قضاة حلب ومطلعها مديحك أشهى للنفوس من الوصل ... ومرآك حقاً انه آية العدل ومجدك قد سامى السماكين رفعة ... وقدرك قدر لا يدنس بالمثل ثويت بأسنى المجد مذ كنت يافعاً ... وجئت رياض العز تمشي على مهل فيا كعبة الأفضال يا منهل الندى ... ويا قاضياً يفضي على الحق في الفضل أقمت بشهبانا شريعة أحمد ... وأيدتها بالعلم عن وصمة الجهل ومزقت أثواب المظالم كلها ... وأظهرت دين الحق بالعدل والفضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 منها تراه لأهل الفضل يبذل لطفه ... وفي بره لم يصغ يوماً إلى العذل تحلى بأنواع المعارف قلبه ... كما قد تخلى عن مدانسة الغل فلا زال في حفظ الاله مؤبداً ... بخصب الأماني في أمان من الذل وله لا تطلبن من الاله وعفوه ... الا الكفاف وحسن خاتمة العل والعفو عن وزر مضى مع صحة ... يا حبذا المطلوب ان هو قد حصل وله مقتبساً من الحديث ان كنت لا ترحم المسكين ان عدما ... ولا الفقير إذا يشكو لك الألما فكيف ترجو من الرحمن مرحمة ... وانما يرحم الرحمن من رحما وله معرباً معنى بالتركية تؤمل ان الدهر ينجز وعده ... فهذا محال بالزمان بلامين فكم أحببتي صادق في وداده ... فيعطي بلا من ويبذل من عين فأحسن عندي من قريب وماله ... بوارق احسان إذا صرت في حين وله إذا كنت لا تتقي الموبقات ... ولم ترم عنك حديث الدمى ولم تحرز الفضل والمكرمات ... فأخذك للعلم قل لي لما وهو مثل قول القائل إذا كان يؤذيك حر المصيف ... وببس الخريف وبرد الشتا ويلهيك طيب زمان الربيع ... فأخذك للعلم قل لي متى وللمترجم غير ذلك من أحاسن الشعر وبدائعه وبالجملة فقد كان أحد الأدباء الأفاضل بحلب من ذوي البيوت ولم أتحقق وفاته في أي سنة كأنت غير أنه في سنة خمس عشرة ومائة وألف كان موجوداً على التحقيق رحمه الله تعالى. الشيخ خليل اللقاني خليل بن إبراهيم بن علي بن علي بن عبد القدوس بن محمد ابن هرون السيد الشريف المالكي الشهير باللقاني الشيخ الامام العالم العلامة المحدث المحقق المدقق الفقيه التحرير الأوحد المفنن أبو مفلح عز الدين أخذ عن جملة من الأعلام منهم والده البرهان إبراهيم والنور علي بن محمد الأجهوري والشمس محمد بن علاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 الدين البابلي والشيخ سلطان بن أحمد المزاحي وشيخ الاسلام عامر الشبرأوي والشيخ محمد الشبراملسي المالكي والنور على الشبراملسي الشافعي والجمال يوسف الفيشي المالكي والنور على الحلبي صاحب السرة والشهاب أحمد المنشأوي الحنفي تلميذ ابن نجيم والشمس أحمد الطحطائي المالكي والشهاب أحمد القلوبي والشهاب أحمد الدواخلي والاخوان الشمس محمد والشهاب أحمد الشوبريان الأول الحنفي والثاني الشافعي وعن أخيه زين الدين عبد السلام اللقاني والنور على النبتيتي الحنفي والشيخ عبد الجواد الجنبلاطي والشيخ يسن العليمي محشي الفاكهي والشمس محمد بن علان وتاج الدين القاضي ورضى الدين الهيتمي وعبد الرحمن الخياري وعبد العزيز الزمزمي وغيرهم مما هو مذكور في ثبته المسمى باتحاف ذوي الارشاد بتحرير ذوي الاسناد وأخذ عنه الشيخ محمد بن خليل العجلوني وكأنت وفاته سنة أربع ومائة وألف رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته. خليل البياض خليل بن أحمد المعروف بالبياض الدمشقي أحد مجاذيب دمشق المشهورين المعتقدين كان من أولياء الله تعالى معتقداً عند الخاصة والعامة وله كرامات ظاهرة ومجالسته أنيسة ويستأنس بمنادمته وله حركات مقبولة كان خياطاً ولم يزل على هذه الحالة إلى أن مات وكأنت وفاته سنة ثمان وستين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه على جهة الطريق وقبر ظاهر مشهور رحمه الله تعالى. خليل الدسوقي خليل بن السيد أحمد ابن لاسيد عبد الرحيم بن إسماعيل الدسوقي الشافعي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الدين الخير نشأ في صيانة وعفاف وطلب العلم على جماعة في صغره منهم الامام الشيخ السيد حسن المنير الدمشقي لازمه في دروسه بالدرويشية في شرح الغاية للشربيني وفي شرح المنهاج للمحلي وفي شرح المنهج لشيخ الاسلام القاضي زكريا وقرأ في النحو على المحقق الشيخ إبراهيم الفتال وفي مصطلح الحديث على شيخ الاسلام الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة بدمشق وحضر دروس العلامة الشيخ عبد الكريم الغزي الدمشقي في المدرسة الشامية البرانية وبرع واقرأ دروساً بالجامع الأموي ولزمه جماعة من الطلبة ولم يزل على طريقته الحميدة إلى أن مات وكأنت وفاته يوم السبت ثالث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 ربيع الأول سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. خليل بن عاشور خليل بن أحمد عاشور الشافعي النابلسي الشيخ الفاضل الفقيه ولد في سنة احدى عشرة ومائة وألف وحفظ القرآن في صغره ورحل لمصر القاهرة وجأور وقرأ على الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبده الريوي وحصل له الفتوح بالفقه فلا يكاد يجاري فيه وجر أذيال المفاخر على ذويه مع وقوف تام على بقية علوم المادة ولما عاد تولى الافتاء والتدريس وتصدر للافادة ولم يستنكف من الاستفادة وأخذ طريق الخلوتية عن الاستاذ الشيخ السيد مصطفى الصديقي الدمشقي وأثنى عليه هو وأنتفع عليه جملة من الطلبة ولم يزل على حالته الحسنة إلى أن مات وكأنت وفاته في سنة خمس وخمسين ومائة وألف ورثاه بعض تلامذته مؤرخاً وفاته بقوله أدم من جفون الحزن دمعك ذارفا ... على فقد مفضال دهانا فناؤه خليل بن عاشور الفقيه امامنا ... ومن بالامام الشافعي اقتداؤه لقد زج في نور الاله وحزبه ... أفاح عبير الندمسكان شذؤه ولما شممت العرف أرخت طيبه ... هنيأً بفردوس الخلود جلاؤه خليل الصديقي خليل بن أسعد بن أحمد بن كمال الدين الصديقي الدمشقي نزيل قسطنطينية الحنفي قاضي القضاة الصد الجسور المقداد الألمعي كان من أفراد الزمان فقيهاً عالماً فاضلاً أديباً بارعاً نبيهاً حاذقاً عارفاً فطناً ذيقاً ذهن وقاد وهمة دونها الثريا وطلاقة لم تدع لقاتل مجالاً مع النطق الحسن حيث إذا تكلم تعشق الآذان لسماع نوادره وطلاقته وله النظم والنثر البديعان ولد بدمشق في سنة ثمان وتسعين وألف ونشأ بها في كنف والده وتنبل وحضر الدروس وقرأ على جماعة في العلوم والأدب وتخرج على يد الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه وكذلك على الشيخ عبد الجليل ابن أبي المواهب الحنبلي وأنتفع به وعلى والده والشيخ عثمان بن محمود القطان وعلى الشيخ علي الشمعة والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ محمد الكاملي وتفوق ومهر بالعلوم وجالس الأفاضل والأدبا وازدان به وجه الزمان وظهرت عليه علامات الرشد والفلاح ثم لما قدم جده قاضياً إلى مكة كما أسلفنا ذكر ذلك في ترجمته اصطحبه معه للحج مع والده وأقاربه وكان جده يرى فيه الرشد ويوصي والده به ثم لم يزل مستضياً ظلال نعم والده متنعماً في بلهنية العيش الهنية إلى أن مات والده فارتحل بعده إلى اسلامبول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 في زمن الوزير رجب باشا ثم انه عاد إلى دمشق واستقام بها ففي أثناء استقامته توفي مفتي الحنفية بدمشق المولى الهمام محمد بن إبراهيم العمادي وذلك في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف فانعقد الاجماع من أهالي دمشق على أن يصيروا مفتياً الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فذهبوا لعنده وأبرموا عليه في ذلك فلم يرتضي وأبى فلم يزل يلحون عليه ويبرمون جميعهم إلى أن قبلها فكتبوا العروض للدولة العلية بذلك وصار الاستاذ النابلسي يكتب على الاسئلة الفقيهة فما استقام الخبر الا وجاءت الأخبار بورود الفتيا لصاحب الترجمة ثم انه ندم على فعله مع الشيخ النابلسي في ذلك لكونهم محبتهم معه قديمة وكان الاستاذ مرة فدا والد المترجم بعينه لأمر أوقع فيه بالهلاك وصار الاستاذ بعين واحدة إلى أن مات ثم لما كان مفتياً باشر بالهمة العلية وكأنت في تلك الأوقات دمشق الشام مشحونة بالظلم والعدوان وواليها الوزير عثمان باشا الشهير بأبي طوق فلما وجهت حكومة دمشق إلى الوزير إسماعيل باشا ابن العظم اصطلحت الفتن وكان المترجم الساعي في هذه الحيرية وتمهيد الفساد وقتل أربعة أنفار من المعلومين منهم صالح بن سليمان شيخ الأرض والصوباشي واهينت العوانية الذين تمردوا في زمن أبي طوق وخلت دمشق من الفساد ونظمت محاسنها بعدما كأنت منتشرة ثم ان المترجم ما استقام بدمشق وذهب إلى دار الخلافة قسطنطينية بالروم ثانياً واستقام بها إلى أن مات وكأنت له ملازمة في الأصل من شيخ الاسلام المولى فيض الله حسن جان زاده ولازم على طريقة قاعدة الموالي الرومية وسلك طريقهم وتنقل بالمدارس حتى وصل إلى رتبة الصحن فلما كان شيخ الاسلام المولى أبو الخير أحمد دامات زاده مفتياً بالدولة كان المترجم من المنتمين إليه فلما عزل وتولى مكانه افتاء الدولة شيخ الاسلام المولى اسحق كان المترجم بدمشق فارتحل عند وصول خبر صيرورته للروم ولما وصل بعد أيام قلائل أرسل له الأمر بقضاء طرابلس الشام وأخرجه من طريق الموالي إلى طريق الموالي الأوسط لكونه منتمياً لداماد زاده وكان المولى اسحق المذكور بينه وبين داماد زاده عدأوة كلية فرجاه برفعه ووقع عليه فلم يكن إلى أن وصل إلى السليمانية فدرس بها في الهداية ثم في سنة ثمان وخمسين ومائة وألف ولي قضا القدس الشريف وقدم دمشق وارتحل للقدس ثم عاد وارتحل لقسطنطينية واستقام بها إلى سنة خمس وستين ففيها ولي قضاء دمشق وقدم اليها وامتدح عند وروده بالقصائد الغر ونقل مجلس الحكم إلى داره في قرب المارستان النوري كما فعل جده حين ولي قضاء دمشق ثم بعد مضي مدته سافر إلى الروم وتولى قضاء مكة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 رتبة ثم صار قاضياً في دار الملك مع رتبة قضاء عسكر اناطولي فشاع صيته وذاع إلى أن وصل خبره للسلطان الأعظم مصطفى خان رحمه الله تعالى حتى انه ألبسه في حضرته فروة من السمور وضبطها ضبطاً لم يسبق إليه ولم تطل مدته بها حتى توفي وترجمه الشيخ السمان في كتابه وقال في وصفه ماجد وضعته العلياء في مفرقها اكليلاً وأطلعته بدراً في أفق مشرقها واكليلاً فاعتام زهر المجد اعتياما واقتعد منه سماء لم تقبل خرقاً ولا التئاماً بهمة تركت الأفلاك لحشدها قبيلاً والنيرين وسعانها لثماً وتقبيلاً حتى فاز من المعالي بالقدح المعلى وازدان به جيداً الليالي وتحلى إلى تيقظ يستزل النهى ويستنزل من الأفق السهى وشهامة تأنف أن يكون الدوار لها عبداً وتستكبر ان يتخذ عندها يداً وعهداً وناهيك بمن لم يفعم أطرافه من القوى حتى على نوابغ السؤدد احتوى وعلى منصة المحامد استوى ففاق بفياقته الأول وأسرعت لطاعته الدول وتفيات بابه الفتوى وتاهت به عجباً وهوا فاستقام له أمرها ولم يطل عمرها فطلب مقر الملك ومنداه والتحف برد السرى وارتداه فحل منه بين ذراعي الأسد وجبهته وبشرت بنجح مطالبه مطالع وجهته فحيته بالداخل والخارج وعرت به في تلك المعارج حتى تأرج ثالث الحرمين بأحكامه وأريج باب الرشوة في أيامه ثم تولى من الشام القضاء ونار منهج الشريعة بوجوده وأضاء حتى أقلع عنها غمامه الساكب وسار إلى الروم مسير الكواكب ولي معه علاقة مورثه وقصايد في مدحه مبثوثه لم ينازعني فيها معنى ولا رقم ولا تلعثم بها لسان ولا قلم ولما حللت قسطنطينية أحلني حماه وأمدني برأفته ورحماه وقد سقطت منه على الخير من غور يدك له ثبير وفضل ولسن ومنطق حسن إذا تكلم لم يدع لقائل مجالاً وأفحم كل منطق استرسالاً وإذا أنتسب فدون سلسلة فخر المجره أو أنتهى وافت له النجوم منجره مع أدب مستودع قلائد العقيان ونظم ونثرهما سحر البيان وسأتلو عليك منهما نوادر بهز الأريب لها عطفه ويجعل نحوها البليغ التفاته وعطفه أنتهى مقاله وقد امتدحه الشيخ أحمد الكردي الدمشقي بهذه القصيدة حين ولي الافتاء بدمشق وهي أجود ما امتدح به من القصائد في ذلك الوقت ولحسنها ذكرتها برمتها وهي قولهاعتام زهر المجد اعتياما واقتعد منه سماء لم تقبل خرقاً ولا التئاماً بهمة تركت الأفلاك لحشدها قبيلاً والنيرين وسعانها لثماً وتقبيلاً حتى فاز من المعالي بالقدح المعلى وازدان به جيداً الليالي وتحلى إلى تيقظ يستزل النهى ويستنزل من الأفق السهى وشهامة تأنف أن يكون الدوار لها عبداً وتستكبر ان يتخذ عندها يداً وعهداً وناهيك بمن لم يفعم أطرافه من القوى حتى على نوابغ السؤدد احتوى وعلى منصة المحامد استوى ففاق بفياقته الأول وأسرعت لطاعته الدول وتفيات بابه الفتوى وتاهت به عجباً وهوا فاستقام له أمرها ولم يطل عمرها فطلب مقر الملك ومنداه والتحف برد السرى وارتداه فحل منه بين ذراعي الأسد وجبهته وبشرت بنجح مطالبه مطالع وجهته فحيته بالداخل والخارج وعرت به في تلك المعارج حتى تأرج ثالث الحرمين بأحكامه وأريج باب الرشوة في أيامه ثم تولى من الشام القضاء ونار منهج الشريعة بوجوده وأضاء حتى أقلع عنها غمامه الساكب وسار إلى الروم مسير الكواكب ولي معه علاقة مورثه وقصايد في مدحه مبثوثه لم ينازعني فيها معنى ولا رقم ولا تلعثم بها لسان ولا قلم ولما حللت قسطنطينية أحلني حماه وأمدني برأفته ورحماه وقد سقطت منه على الخير من غور يدك له ثبير وفضل ولسن ومنطق حسن إذا تكلم لم يدع لقائل مجالاً وأفحم كل منطق استرسالاً وإذا أنتسب فدون سلسلة فخر المجره أو أنتهى وافت له النجوم منجره مع أدب مستودع قلائد العقيان ونظم ونثرهما سحر البيان وسأتلو عليك منهما نوادر بهز الأريب لها عطفه ويجعل نحوها البليغ التفاته وعطفه أنتهى مقاله وقد امتدحه الشيخ أحمد الكردي الدمشقي بهذه القصيدة حين ولي الافتاء بدمشق وهي أجود ما امتدح به من القصائد في ذلك الوقت ولحسنها ذكرتها برمتها وهي قوله سقاها وان لم يطف حر غليلي ... ملث الحيا من أربع وطلول وحاك لها كف الثريا مطارفا ... تسدي بأيدي شمأل وقبول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 لئن حال رسم الدار عما عهدته ... فعهد الهوى في الدار غير محيل اذ لدار من لمياء غير طروحة ... وشعب اللقا لم ينصدع برحيل خليلي قد هاج الغرام وشاقني ... سنا بارق بالرقمتين كليل يلوح خفي الومض حتى كأنه ... تكلف بشر في جبين تخيل فميلا بأعناق المطي لعلها ... تقيل بظل في الاراك ظليل فدون الكثيب الفرد بيض عقائل ... لعبن بأهواء لنا وعقول وفي الكلة الحمراء بيضاء أصبحت ... أسيرة حسن في قيود حجول من البابليات العيون كأنما ... تدير لنا باللحظ كأس شمول محجبة يحمون ورد رضابها ... بسمر رماح أو ببيض نصول لها فتكات الأسد في كل مهجة ... وطرف مهاة بالصريم خذول عدت مقلتي فاحمر منها مدامع ... بخد لها مثل الشقيق أسيل إذا قلت قد انحلت جسمي صبابة ... تقول وهل صب بغير نحول وحتى م استشفى بسقم جفونها ... وهل في عليل من شفا لعليل وليلة ودعت الرقاد مسامرا ... شجوني كما شاء الهوى ونحولي طرقت حمى لمياء والنسر في الدجى ... صليب لجين في مسوح أبيل ولا بد من خوض الفتى دون حبها ... مدامع صب أو دماء قتيل فما أنا بالناسي الحياة مقالها ... وقد راعها للخدر وشك دخولي أعنترة العبسي أنت فلم ترع ... باسد الشرى من اسرتي وقبيلي فقلت لها ما خفت مذاناً عاشق ... طعان رماح أو نزال رعيل ولا هبت صرف الدهر مذاناً منتم ... إلى ركن عز من جناب خليل أخي الرتبة القعساء والأروع الذي ... يحدث جيلاً عن علاه لجيل فذاك الفتى لا جوده بممنع ... ولا جاره في ظله بذليل غنى عن الايضاح أصلاً ونسبة ... وهل أحوجت شمس الضحى لدليل سما بمعال سار في الأرض ذكرها ... وفخر على هام الزمان أثيل ورأى كصدر السمهري مثقف ... وعزم كمتن المشرقي صقيل غدا مغرماً بالمكرمات فلم يطع ... بها قول واش أو ملام عذول وكم كحلت من مهرها مقلة العلى ... مرأود أقلام لديه مثول تكاد ترى خضراً إذا هو مسها ... بغيث ندى من اصبعيه همول أنجل رفيق الغار بل سبط أحمد ... وأكرم فرع ينتمي لأصول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 تهن بفتوى بل فتاه مهرتها ... نصيحة اسلام وحسن قبول ببابك قد حلت فحليت جيدها ... وجرت بفضل منك فضل ذيول وأنت الفتى مذ كان منك اشتقاقها ... فعادت لأصل في الكمال أصيل فدمت تنال النجم عزا وسؤددا ... بباع على طول الزمان طويل تلوذ بك الراجون هدياً ونائلاً ... ويغشى حماك الرحب كل نبيل وغفرا لعبد زلة من قصوره ... بموقف مدح بالفحول ذليل على أنني للكرد والشعر فيهم ... أقل وجوداً من وفاء مطول ولكن معانيك البديعة صيرت ... إلى المكن بل للعجم أفصح قيل وبقيت وطرف النجم يا من سموته ... لذاتك لما يكتحل بمثيل مدى الدهر ما ورقاء غنت بروضة ... وسارت بنص في الفلا وذميل وكان للمترجم نظم باهي باهر ونثر زاهي فمن نظمه قوله من قصيدة نبوية مطلعها أي دمع لا يسحوشبح في الحب يصحومن ملام فتت الاح شاء والشوق ملحكيف أصحو من غرامفيه للعشاق نحج يا عذولي دع ملاميفدوام اللوم قبحان قلبي فيه من نار الجوى قدح ولفح ومنها يا نداماى وهل للدهر بعد البين صفحان قلبي طير شوق دابه نوح وصدحبعت روحي منه في سوق الهوى والسقم ربح ولسلواني بابماله بالعدل فتحيا حبيبي صل معنى من هيام ليس يصحووترفق بفؤادفيه من قدك رمح ودع الهجر فقلبيآن أن يثنيه مدحلرسول جاء بالان وار ليل الشك يمحومنقذ الناس إذا ماهالهم في الحشر رشح سيد الكونين من ذكراه لي طيب ونفحواسع الصدرا إذا ضاق بأهل الأرض فسح منها وبه الأكدار زلت ... حين مس القوم قرح وبه الآفاق ضاءتوانجلى للكون جنحوهو غوث وغياث وبه السقم يصحوله القدح المعلىويداه لا تشح مدحه فرض ولكنليس يحصى ذاك شرحيا نبي الله يا من أنت للراجين نحجعجل البرء لداعدمعه بالبين سفح فعسى تشفي عليلاًشقه ضعف وكدححيث لي فيكم وفي الصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ديق أنساب تصحفعليك الله صلىما غدا للطرف لمح وعلى آل وصحبمن لهم في الدين نصحسيما الصديق من مد حي له كسب وربحوعلى الفاروق من أيديه بالخير تسح وعلى عثمان من زين به للدين قدحوعلى الكرار من تم به للآل مدحأمد الدهر دواماًما بدا في الأفق صبح ومن شعره الباهر يمدح ادباء دمشق بقوله سمح الدهر باغتنام ليال ... طاب فيها السرور بالندمان فاجتنينا ثمار دوح وصال ... واقتطفنا أزهار روض الأماني وسمعنا صوت الأناشيد تتلى ... ببديع الغناء والالحان وشممنا عبيرود صحاب ... كل شهم سما على كيوان سيما الصادق الحبيب ومن قد ... بهر الناس فضله كل آن شمس أفق الكمال بدر سماء ال ... فضل والعلم قدوة الأعيان وكذا الكامل الشريف خدين ال ... مجد والسعد مصطفى الاخوان فخر أهل الآداب انسان عين ال ... علم أنعم بذلك الانسان والمفدى الفريد عاصم رأى ... من تسامى بنوره النيران ثم فتح الزمان قرة عيني ... ووحيد الأوان والخلان فهما في سما السعود كنجمين ... ينبران أو هما بدران وسعيد شقيق روحي وخلي ... فهو لا شك زهر روض المعاني فتراه كالمسك يهدي عبيراً ... أو كبحر أضاء بالعقيان ثم ذخري محمد وملاذي ... كنز بحر العلوم والتبيان وهو خدن الكمال غيث سحاب ال ... فضل والجود زائد العرفان وشريف الخصال سعدي وفخري ... عقد جيد الفهوم والاتقان فكره ثاقب كصبح تبدي ... فيريك الخفي مثل العيان وكذاك الوحيد أسعد صحب ... ليس تلقى للطفه من يداني قد تباهت به الفضائل فخراً ... فهو لا بدع سعد هذا الزمان والزهيري أحمد المقوم من حا ... ز فخاراً يسمو على الأقران سيد ساد قدره وتسامى ... نسبة في الورى إلى العدناني يا سقي عهدهم بمربع أنس ... حيث كنا من الردى في أمان وأدام المهيمن الحق فيهم ... كل بيت مشيد الأركان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وحباهم مراتب الغر والسعد ... دواماً ونيل كل تهاني ما نعمنا بمجمع الشمل منهم ... وحظينا من قربهم بالأماني فأجابه الشيخ سعدي العمري بقوله درر القطر في طلي الأفنان ... نظمت أم قلائد العقيان أم أسارير غرة قد تجلت ... تحت ديجور فاحم فينان أم سطور من البلاغة جرت ... ذيل آياتها على سحبان وأدارت على المسامع منا ... كاس فضل متوج ببيان يالها أسطر حبست عليها ... جمر فكري وناظري ولساني فنظمت المديح منها عقوداً ... لوحيد الكمال والعرفان من حوى في ذرى العلاء محلاً ... وقفت دون منتهاه الأماني وارتقى في معارج الفضل حتى ... قد غدا منه في أعز مكان فاق في نثره البديع كما قد ... تاه في نظمه على حسان فهو البارع الذي حاز فضلاً ... قصب السبق يوم عقد الرهان واغتدى الغر في حماه وضحى ... يتحامى سطاه ريب الزمان يا وحيداً به المفاخر تهفو ... هدب أعلامها على كيوان هاك مني خريدة أبدعتها ... فكرة تملأ الطروس معاني وابق في دوحة السرور بعز ... يتوالى بالبر والاحسان ما تبدت عقودك الغر تحكي ... درر القطر في طلى الأفنان ثم كتب المترجم جواباً بقوله وافت عروسة فكر تزدهي شرفاً ... في حلة الحسن تهدي فرط احسان جواهر قلدت جيد الزمان وقد ... فاقت فصاحة قس ثم سحبان عقودها حيرت سمعي ومذ ظهرت ... خلنا اللآلئ في أسلاك عقيان لله در فريد ناظم درراً ... تزري بنظم فصيح العرب حسان فهو الهمام البليغ الشهم من بهرت ... منه الكمالات في علم واتقان لساسانه سايح في بحر فكرته ... فينظم الشعر من در ومرجان آدابه روضة والفضل رونقها ... ولفظه زهر يبدو كتيجان فيا وحيداً لقد فاق الأنام علا ... ونال مجداً أثيلاً جل عن ثاني اليك غيداء قد أهديت غانية ... تسبي الأنام بقد ماس كالبان فأسبل عليها رداء الستر منك كما ... يعفو الكريم بلا من عن الجاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وأسلم بعز وريف ما الرياض زهت ... برونق الزهر من ورد وريحان فأجابه الشيخ سعدي العمري ثانياً بقوله سلافة الفضل في أقداح عرفان ... دارت علينا بها آيات حسان حلت بماء بلاغات وقد عقدت ... تاج الفصاحة مشمولاً باتقان ألقت على السمع نوراً من أشعتها ... فهز فكري به أعطاف نشوان ونافحت مهجة لا الورد يعطفها ... عنها ولا نسمات الشبخ والبان فبت أنظم من شمائلها ... بدائعاً ما احتواها فكر سحبان لمن أعار الربا أنار شيمته ... فرأوحت بشذا رند وريحان مولى كأن الأماني غرس راحته ... حتى غدا من رباها القاطف الجاني من لم يدع لصروف الدهر غير يد ... شلا بهمته عن قرع انسان يا واحداً لم يزل ووض الكمال به ... معللاً بندا من واحسان اليك عذارا في أثواب تهنية ... بخير عام حليف اليمن جذلان ودم بأسنى المعالي ما أدرت لنا ... سلافة الفضل في أقداح عرفان وكتب اللوذعي السيد مصطفى الصمادي للمترجم يوم أغر وليلة غراء ... نعم الصباح وحبذا الامساء أحبب به يوماً تلته ليلة ... حسدت سناً اشراقها الأضواء بتنا وعين الحظ يقطى لم تنم ... والدهر ملء جفونه اغفاء والشمل مجتمع بصحب نظموا ... عقداً عليه بهجة وبهاء وخليل وسطى العقد كنز المجد في ... جيد الزمان يتيمة عصما فخر الأكارم من بني الصديد من ... فاقت به آباءها الابناء البارع الندب المجيد بدائعاً ... تنمو فليس يحدها الاحصاء سحر البلاغة في فصاحة لفظه ... سحبان عند بيانه فافاء في الطرس ينثر من عقود أوشكت ... تهوي لتلقط درها الجوزاء ملك الكمال كساه برد وقاره ... ان الملوك لها الوقار كساء يقظ الجنان ولوذعي الفكر لم ... تسبق بوادي رأيه الآراء ينبي بأعقاب الأمور كأنما ... تبدي حقائقها له الأشياء رقت شمائله كما بكرت على ال ... روض الشمال تبلها الانداء لو جاء في العصر القديم لانبا ... بعظم أخلاق له الانباء مولاي يا بن أجل من وطئ الثرى ... بعد النبي وحسبك العلياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 خذها خريدة خدر فكرا قلت ... تسعى اليك وحليها اسحياء والعفو عن تأخير مدحك مهرها ... وبمهرها تستملك الحسناء فامنن وقابل بالقبول قصورها ... عن بعض وصفك تعجز البلغاء واسلم ودام ما رأوحتك وباكرت ... تتلى عليك مدائح وثناء فأجابه المترجم بقوله بدر الفصاحة لاح منه ضيآ ... أم زهر طرس أفقها الآراء أم تلك أنوار بدت من غادة ... سكرت بنشر حديثها الندماء مياسة الأعطاف يخجل حسنها ... بدر السماء وهكذا الحسناء فتانة الألحاظ ملء جفونها ... غمز بها لقتالنا ايماء فجبينها اللاهي وطرة شعرها ... تعم الصباح وحبذا الامساء أم زهر روض الفضل فتح نوره ... فتارجت بشميمه الأدباء أم هذه الأقمار من فلك العلى ... ضاءت بها الأكوان والأرجاء بل هذه آيات سحر بلاغة ... من سيد دأنت له الفصحاء الماجد الفرد الذي أخلاقه ... لطف النسيم بها ورق الماء مولى أعار أولى الفضائل برده ... فتمسكت بذيوله البلغاء ذو نسبة لا الزهر في اشراقها ... كلا ولا الأنوار والأضواء كم قد شهدنا من بدائع لفظه ... درراً تضئ بحسنها الجوزاء يختال في حلل العلوم كأنما ... هزت معاطف فضله صهباء فهو الذي اتخذ الكمال سجية ... وعلت بطيب أصله العلياء وهو ابن خير المرسلين المصطفى ... من أشرقت بجبينه الظلماء يا أيها المولى الذي أفكاره ... سجدت لعقد نظامها الشعراء خذ بنت فكر بالحياء توشحت ... ان الغواني طبعهن حياء وأسبل عليها ثوب عفوك انما ... يعفو ويسمح سادة كرماء لا زلت في عز مدا الأزمان ما ... أهدى لذاتك يا مليك ثناء وللمترجم قوله لقد قال الحبيب وقد رآني ... أردد في محاسنه عيوني إلى كم أنت تولع بالتصأبي ... ألم تحفظ فؤادك من جفوني فقلت وقد أصابتني سهام ... أذاقت مهجتي كاس المنون فكيف أرد طرفي عن محيا ... به أجلو صدى قلبي الحزين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وقوله من لي بطرف سقيم قد كسى بدني ... ثوباً من السقم لما زدته نظرا يومي بقتلي بأهداب الجفون لذا ... غدا فؤادي لوقع السهم منتظرا هو من قول إبراهيم السفرجلاني وراشق لم يطش سهم لمقلته ... ولم أكن عن هواه قط منصرفا فكلما فوقت سهما عرضت له ... كيلا يكون سوى قلبي له هدفا وأحسن منه قوله أيضاً ريم تصدى للرماية طرفه ... بعض القلوب ولا جناح عليه فإذا رمت سهماً إلى جفونه ... جاراه قلبي بالمسير إليه وللمترجم عاتبت من أهوى فأطرق مغضباً ... والبدر يبدو من عرى ازراره فأردت هصر منه عساه ان ... يلوى على فضاع من زناره هو من قول أبي العباس البغدادي من شعراء الخريدة رقت معاقد خصره فكأنها ... المعنى الخفي يجول في أفكاره والبيت الأول مأخوذ من قول بعضهم لا تعجبوا من بلا غلالته ... قد زرا زراره على القمر وللمترجم قبلته ليلاً فألوى جيده ... فنظرت فوق العاج منه عنبرا فسألته ماذا فقال لي اتئد ... هذا سواد اللحظ فيه أثرا وله نام الحبيب بلا ضوء يؤانسه ... والورد في خده باد تفتحه فرام أيقاظه بالضوء خادمه ... فقلت أخشى خيال الهدب يجرحه وله ومريض الجفون أصبح يمشي ... فوق جفني القريح بالتعظيم لست أدري أذاك سرعة خطو ... منه تبدي أم ذاك مر النسيم وله من لي بظبي نحيل الخصر قامته ... تزري بسمر القنا بالميل والغيد جفون عينيه سهم الحتف قد رشقت ... عن حاجبيه فسل الروح عن جسدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وله غزال انس كبدر تم ... تزيد نوراً به العيون بديع حسن يتيه عجباً ... فكل حسن لديه دون لو تابع الخطو فوق هدب ... لما أحست به الجفون وله مضمناً ومذ شمنا سواد اللحظ يدعو ... لشرب مدامة منه تدار وقام صباح ذاك الجيد يومي ... لتقبيل وشط بنا المزار أشار الخد بالثاني ونادى ... كلام الليل يمحوه النهار وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في ذلك مضمناً توعدنا سواد الطرف منه ... بقتل مالنا منه فرار فقال بياض ذاك الخد منه ... كلام الليل يمحوه النهار ومن ذلك تضمين البديعي جمعنا قهوتي بن وكرم ... لنعلم من له ثبت الفخار فقالت قهوة البن اشربوني ... متى شئتم فبي نسي العقار فأنشد ضاحكاً كأس الحميا ... كلام الليل يمحوه النهار ومن ذلك تضمين النواجي وأحسن بدا ليل العذار فلمت قلبي ... وقلت سلوت اذ طلع العذار فأشرق صبح غرته ينادي ... كلام الليل يمحوه النهار ومن ذلك تضمين الفاضل الأديب المولى إبراهيم بن عبد الرحمن العمادي الدمشقي لقد وعدت زيارتنا سليمى ... وقد قل التصبر والقرار فواخت بعد حين وهي سكرى ... ترنحها الشبية والوقار فريعت من تبلج صبح شيبي ... وقالت لا أزور ولا أزار فقلت لها وكم تعدين صبا ... كئيباً قد براه الأنتظار فغضت طرفها عني وقالت ... كلام الليل يمحوه النهار وأصل ذلك ما نقل ان أمير المؤمنين الرشيد هجر جارية ثم لقيها في بعض الليالي في القصر سكرى وعليها رداء خز وهي تسحب أذيالها من التيه فرأودها فقالت يا أمير المؤمنين هجرتني هذه المدة وليس لي علم بموافاتك فأنتظر حتى أتهيأ للقاك وآتيك بالغداة فلما أصبح قال للحاجب لا تدع أحداً يدخل علي وأنتظرها فلم تجئ فقام ودخل عليها وسألها انجاز الوعد فقالت يا أمير المؤمنين كلام الليل يمحوه النهار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 فخرج واستدعى من بالباب من الشعراء فدخل عليه الرقاشي ومصعب وأبو نؤاس فقال أجيزوا كلام الليل يمحوه النهار فقال الرقاشي اتسلوها وقلبك مستطار ... وقد منع القرار فلا قرار وقد تركتك صبا مستهاماً ... فتاة لا تزور ولا تزار إذا ما زرتها وعدت وقالت ... كلام الليل يمحوه النهار وقال مصعب أما والله لو تجدين وجديلما وسعتك في بغداد دارأما يكفيك ان العين عبري وفي الاحشاء من ذكراك نارتبسم ضاحكاً من غير ضحككلام الليل يمحوه النهار وقال أبو نواس وأجاد وليلة أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زين السكر الوقار وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التخميش وانحل الأزار وهز الريح أرداقاً ثقالاً ... وغصنا فيه رمان صغار فقلت ها عديني منك وعداً ... فقالت في غد منك المزار ولما جئت مقتضيا أجابت ... كلام الليل يمحوه النهار فقال الرشيد قاتلك الله يا أبا نواس كأنك كنت ثالثنا وأمر لكل واحد بخمسة آلاف درهم وأمر لأبي نواس بعشرة آلاف وخلعة سنية وللمترجم في تشبيه الشقيق هذا الشقيق يروق منظر حسنه ... في وسط روض بالجمال أنيق يحكي زنود زمرد من غادة ... تهدي إلى الندمان كأس عقيق وللشريف الرضي في تشبيهه جام تكون من عقيق أحمر ... ملئت دوائر بمسك اذفر خلط الربيع قوامه فأقامه ... بين الرياض على قضيب أخضر ومن ذلك قول الخالدي وصنع شقائق النعمان يحكي ... يواقيتاً نظمن على اقتران وأجيانا نشبهها خدوداً ... كساها الراح ثوباً ارجواني شقائق مثل أقداح ملاء ... وخشخاش كفارغة القناني ولما غازلتنا الريح خلنا ... بها جيشي وغى يتقاتلان ومن ذلك قول أبي الفضل الميكالي تصوغ لنا أيدي الربيع حدائقاً ... كعقد عقيق بين سمط لآلي وقال الخبز أرزي وفيهن أنوار الشقائق قد حكت ... خدود عذاري نقطت بغوالي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 ومن ذلك في التشبيه قول القاضي عياض انظر إلى الزرع وحاماته ... تحكي وقد ماست أمام الرياح كتيبة خضراء مهرومة ... شقائق النعمان فيها جراح وله في تشبيه الخشخاش كأنما الخشخاش في روضه ... اذ لاح مبيضاً ومحمرا كاسات در بعضها فارغ ... والبعض منها قد ملى تبرا من ذلك تشبيه عز الدين الموصلي حيث قال في الأحمر منه وزهر خشخاش بدا أحمرا ... كأنه في رونق وابتهاج أقداح بلور وقد أترعت ... من خمرة لم تختلط بالمزاج وقال ابن وكيع وخشخاش كأنا منه تعرى ... قميص زبرجد عن جسم در كأقداح من البلور صيغت ... بأغشية من الديباج خضر وقال آخر ولما بدا الخشخاش في الروض مزهراً ... وقد نظرت شزراً إليه الخلائق حكى قلعة أبراجها مستديرة ... مشرفة دارت عليها الصناجق وللمترجم مخمساً خليلي اني لست أرضى بذلة ... إذا ما دعا داعي المعالي لرفعة ولست بغير العزا سعي لرتبة ... ولا أقبل الدنيا جميعاً بمنة ولا أشتري عز المراتب بالذل وأنفق في العلياء روحي جملة ... والارتضى الا الصدور محلة وأبذل في نيل المفاخر همة ... وأعشق كحلاء المدامع خلقة لئلا أرى في عينها منة الكحل وله في مليح ينظر في المرآه نظرت إلى المراة وأنت شمس ... فكنت إذا نظرت لها مراتا وقد أكسبت صفحتها شعاعا ... فأحرقت القلوب لها التفاتا وله في تشبيه الورد وكأنما ورد الرياض تميله ... أيدي النسائم بكرة وأصيلا وجنات غلمان حسان أقبلت ... لتروم من أمثالها تقبيلا هو من قول ابن تميم مضمنا سبقت اليك من الحدائق وردد ... وأتتك قبل أوانها تطفيلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 طمعت بلثمك اذراتك فجعمت ... فمها اليك كطالب تقبيلا ومثله قول الآخر دوح روض تميس فيه غصون ... فتحاكى مهفهفات القدود زهرها فوق ما تفتح منها ... كشفاه ضمت للثم الخدود ويضارعه قول صاعد الاندلسي ورد تفتح ثم انضم منطبقاً ... كما تجمعت الأفواه للقبل وقول الآخر ووردة تحكي أمام الورد ... طليعة سابقه للجند قد ضمها في الغصن قوس البرد ... ضم فم لقبلة من بعد وفي هذا المعنى قول بعضهم أرى الورد عند الصبح قد ضم لي فما ... يشر إلى التقبيل في ساعة اللمس وبعد زوال الصبح ألقاه وجنة ... وقد أثرت في وسطها قبلة الشمس وللمترجم في تشبيه البنفسج هزا البنفسج قد زهافي روضه الباهي المزاروعلته أوراق له مثل انزبرجد في اخضرارفكأنه أثار لثم تحت حاشية العذار هو من قول بعضهم بنفسج يانع زكي ... يزهو على حسن كل ورد كأنه عند ناظريه ... أثار قرص بصحن خد وقد غيره الآخر فقال وقد لاح في الزهر البنفسج مائلاً ... ترنحه القضب الضعاف الذوابل كآثار لطم في خدود ثواكل ... مهتكة قد أحرقتها الأنامل ومن المشبهات في البنفسج قول النامي جاء البنفسج فاشرب كل صافية ... والزم مقالة أصحاب المقاييس كأنه حين وافاك الربيع به ... منضد من أكاليل الطوأويس وقال الآخر كأن البنفسج مع ما حوى ... من الطيب أنفاسك المشرقة يلوح فتحسب أوراقه ... فصوصاً من الفضة المحرقة وقال ابن الرومي وبنفسج غض القطاف كأنما ... نثرت عليه محاسن المازينج لا شيء يحكي غير زرقة أثمد ... أو دمعة قطرت على فيروزج وأحسن من ذلك كله قول أبي العتاهية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 ولا زورديه تزهو بزرقتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت وللمترجم وكأنما نهر الربا لما ازدهت ... في صفحتيه من الغصون ظلال وجه تدلى فوق باهر حسنه ... من فرعه في عارضيه خيال وللأديب سعدي العمري في ذلك تأمل في صفاء النهر وانظر ... رقيق الظل من تلك العروش كمعصم غادة هيفاء لاحت ... على طرفيه آثار النقوش وهو من قول زين العجمي وحديقة ينساب فيها جدول ... طرفي برونق حسنه مدهوش يبد وظلال غصونها في مائة ... فكأنما هو معصم منقوش وقول الآخر لما تبدى النهر عند عشية ... والروض يخضع للصبا والشمأل عاينته مثل الحسام وظله ... يحكي الصدى ولريح مثل الصيقل وللمترجم غير ذلك من أحاسن الشعر والنثر وكأنت وفاته بقسطنطينية في غرة جمادي الثانية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب أدرنة وأولاده الذكور الذين خلفهم هم المولى اسعد والمولى عبد الله والمولى عبد الرحمن والمولى سعد الدين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. خليل الغزي خليل بن رضي الدين بن سعودي بن شيخ الاسلام النجم محمد الغزي العامري الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل العالم العامل اللبيب الدين الصالح جامع الفضائل والفواضل أبو المحاسن فخر الدين ولد بدمشق سنة سبع وثمانين وألف وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده وعلى ابن عمه الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري وحضر في دروسه ولازمه الملازمة الكلية وأنتفع به في فنون عديدة وعلى الشيخ محمد أبي المواهب الحنبلي والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأجاز له المسند الشمس محمد بن محمد المقدسي الشهير بالخليلي باجازة مطولة وقفت عليها وصارت له فضيلة تامة خصوصاً في علوم العربية وكأنت وفاته بدمشق نهار الخميس العشرين من ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومائة وألف مطعوناً ودفن بالتربة الرسلانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 خليل الموصلي خليل بن عبد الرحمن بن أبي الفضل بن بركات بن أبي الوفا بن عبد الله الشهير بالموصلي كأسلافه الدمشقي الميداني الشافعي الصوفي الشيخ العلامة المتقن العالم الماهر الفاضل كان من مشاهير الأفاضل الأجلاء ولد تقريباً في حدود الخمس والستين وألف وقرأ واشتغل على جماعة بالعلوم كالفقه والنحو والصرف والأصول والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والفلك والهية والهندسة والمساحة وعلم الشمس وغير ذلك ومهر وتفوق وأفاد وأخذ عنه جماعة منهم الشيخ محمد الحبال والشيخ عثمان الشمعة والشيخ محمد الكناني الخلوتي وكان ساكناً في صالحية دمشق وكأنت وفاته في عاشر ربيع الثاني سنة أربع عشرة ومائة وألف وسيأتي ذكر والده عبد الرحمن في محله رحمه الله تعالى. خليل الحمصاني خليل بن محمد بن علي بن عمر بن أحمد بن رمضان الشهير بالحمصاني الشافعي الدمشقي العالم الفاضل المحقق كان علامة له يد طولى في العلوم سيما في التفسير وكان يحل مشكلات البيضأوي ويكثر المطالعة له اجتهد ودأب في تحصيل العلوم بهمة وأخذ عن جماعة فقرأ على الشيخ محمد نجم الدين الفرضي الدمشقي وعلى الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي وأخذ المعاني والبيان عن الشيخ إبراهيم الفتال والأصول والمنطق عن الشيخ أبي السعود القباقبي الدمشقي وحضر دروس العالم الشيخ محمد بلبان الصالحي الدمشقي وأخذ طريق الخلوتية عن الاستاذ الشيخ أبي السعود بن الشيخ أيوب الخلوتي ودرس بالجامع الأموي واقرأ بين المغرب والعشاء الحديث ووعظ في رمضان بالجامع المذكور ثم ترك ذلك وذهب إلى دار الخلافة في الروم مراراً وآخرها صارت له رتبة موصلة الصحن المتعارفة بين الموالي وأعطى توليه المدرسة الحجازية مع التدريس ولما قدم دمشق على طريقة الموالي ركب في الموكب مرتين أو ثلاثاً وترك ذلك وبقي يخطب في جامع سنان آغا كعادة الخطباء وكأنت له وظائف كثيرة منها الامامة في الجامع الشريف الاموي والخطابة في جامع السيبائية في باب الجأبية ووقف وقفاً بدمشق على أولاده وبالجملة فقد كان من العلماء المشاهير وكأنت وفاته بدمشق يوم الاربعاء رابع ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وتولى بعده المدرسة الحجازية تلولى محمد بن علي العمادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 رحمه الله تعالى. خليل الفتال خليل بن محمد بن إبراهيم بن منصور الشهير بالفتال الدمشقي الحنفي الشيخ الفاضل الفقيه الأديب كان له يد في الفقه أصولاً وفروعاً وغيره حمولاً طارحاً للتكلف وجده الشيخ إبراهيم كان في عصره علامة فهامة محققاً تحريراً أنتقع به جملة أجلاء وكأنت وفاته في دمشق سنة ثمان وتسعين وألف وهذا المترجم ولد بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف وقرأ واشتغل على جماعة في العلوم منهم الشيخ أحمد المنيني الدمشقي قرأ عليه الفقه وغيره والنحو والصرف ومنهم الشيخ صالح الجينيني الدمشقي قرأ عليه شرح التنوير للحصكفي والهداية بالفقه وغير ذلك والشيخ محمد الحبال قرأ عليه النحو والمعاني والبيان وغيره والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق قرأ عليه الاصول وغيره والشيخ عبد الله البصروي الدمشقي قرأ عليه أيضاً الاصول والطب وبعض آلات والشيخ حسن المصري نزيل دمشق قرأ عليه في بعض الآلات والشيخ السيد علي بن كوله الدمشقي والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد قولقسز ولا مهم وقرأ عليهم في العلوم وصار يقرئ بالجامع الاموي وفي حجرته الكائنة في مدرسة الكلاسة التي هو متوليها واصل من جعلها حجرة وكأنت من مشاهد الجامع الاموي وكان المترجم ذهب إلى دار الخلافة بالروم وقطن بها مدة وعاد منها ثم رحل في تلك السنة للحج قاضياً بالركب الشامي ثم بعد مجيئه عاد إلى الروم مرة ثانية ومن ثمة رحل إلى مصر القاهرة ثم عاد إلى دمشق ورحل للروم ثالثاً ثم عاد لدمشق واستقام بها وكان في هذه المدة صارت له رتبة الخارج المتعارفة بين الموالي وقضاء عكة على طريقة التأبيد واشتهر حاشية بالفقه على شرح التنوير للشيخ علاء الدين الحصكفي ونسبها إليه وهي حاشية جليلة مفيدة وأخبرت ان له شرحاً على لامية ابن الوردي وألف رحلة حين سفره للروم وكان ينظم الشعر وآخراً صار صاحب الترجمة أحد كتاب أسئلة الفتوى عند سيدي الوالد وبعده عند عمي وقد ترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه هو من الزمرة الذين ألفتهم وبصدق الوفاء جاريتهم وعرفتهم حمدت في الأدب مساعيه وتوفرت فيه دواعيه فاعتنق منه غصناً يانع الثمر ورمق افقاً نيراً طالع القمر وركب من كل أمر صعباً وسلك من كل تخيل شعبا حتى استوى عنده الأمران السعة والضنك ولم تحركه نغمة الناي مؤتلفة بألحان العود والجنك لا يفتر عن مخبرة يسيرها أو أشياء تؤدي إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 مقاصده يتدبرها ينقض ويبرم ويوصل ويصرم وله مطارحات لمحاضرات الراغب تنسيك وعبارات يحار منها الماهر النسيك وشعر يثلج الأوار وتختلف في أساليبه الأطوار فمما سمعت من فيه وكشف لي عن ظواهره وخوافيه قوله تاريخ عذار طرز الحسن عارضاً من عذار ... في شقيق الوجنات بالاخضرار فانجلى للعيان روض جمال ... متحل بحسن عقد الوقار لوحيد من فرع دوح المعالي ... من تسامي حسناً على الأقمار أحمد الاسم والصفات ومن قد ... حاز للفضل والعلى والفخار لم يزل يألف الكمالات حتى ... عاد في افقها كبدر النهار لو حوى البدر منه بعض جمال ... ما اعتراه الخسوف في الأسحار يا وحيداً أعيذ ذاتك دهراً ... بالمثاني وأمناً في القرار وتهنى بخط عارض خد ... وبعيد يضحى من الذنب عاري قام فيه الهنا ينادي فأرخ ... أحمد زاد حسنه بعذار وله أسر القلب أهيف بدلاله ... وسبا القلب قده باعتداله رشأ يفضح البدور جمالاً ... والهوى طوع لفظه ومقاله غنج اللحظ أهيف ذو محيا ... هو للصب منتهى آماله حين لاقيته تعشقت منه ... حسن لحظ يرمي الحشا بنباله فتمنيت منه وصلا لأطفي ... جمر نار الجوى بماء زلاله قال وصلى من المحال لأني ... قمر في الجمال عند اكتماله لكن املأ كؤس عينيك مني ... فهي تطفي اللهيب عند اشتعاله وقد نظم المعنى جماعة من ادباء دمشق منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد الكنجي فقال اغصن النقا رفقاً بمن شفه النوى ... مروع فؤاد في الدجى ساهر الجفن أهل لا وصالاً برهة يشتفي به ... لواعج أشواق أرى لوعة تضني وحق الهوى لولاك ما ذاقت الحشا ... تباريح أشجان ووجد لها يفنى فقال وجفني فاض منهل غربه ... بموقف اذلالي لديه من المزن أنا البدر بل لم يحص بعض محاسني ... ومن يرتجي بدر السماء له يدني فوصلي محال فاطف نيران مهجة ... باملاء كأسي جفنك الآن من حسني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وقال أبو محمد عبد الله بن عمر الطرابلسي نزيل دمشق يا مودعاً قلب المتيم حرقة ... بفتور جفن للبرية فاتن هل منك وصل مطفئ نار الحشا ... ولهيب وجد في الأضالع ساكن فأجابني ولجفني يذري دمعه ... وصلى محال للشجي الواهن فاملأ كؤس العين مني نظرة ... يطفي بها حر الغرام الكامن وقال رشيد الدين سعيد بن محمد السمان علق القلب غادة أسرته ... بجفون تقرب الآجالا من مهاة الصريم تفترس الاس ... د وتزري غصن الرياض اعتدالا أودعت مهجتي لهيب غرام ... حينما شمت قدها الميالا سمت منها الوصال كي تبرد القا ... ب فقالت أردت مني محالا لكن املأ بنظرة من جمالي ... كأس عينيك تطفئ الاشتعالا وقال فتح الدين عبد الفتاح بن مصطفى ابن مغيزل أفديه ظبياً باللواحظ فاتكاً ... لما طلبت الوصل منه أجابني وصلى محال لكن املأ يا فتى ... كأسي جفونك من بديع محاسني وقال المترجم مخمساً بيتي السلطان سليم خان المكتوبين على المقياس في مصر ان ساعدتك الأماني واستفدت غنى ... فكن حديثاً إذا طال المدا حسنا ولا تباهي بملك من مشيد بنا ... الملك لله من يظفر بذيل منى يردده قهراً ويضمن بعده الدركا ان كنت ذا رتبة في الأفق نازلة ... أو ثروة لاجتنا العلياء سامية فلا تقل لي شيء ضمن منزلة ... لو كان لي أو لغيري قدر انملة فوق البسيطة كان الأمر مشتركاً وتوفي المترجم في ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. خليل البني خليل بن محمد البني الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه كان صاحب تحرير وافادة راسخ القدم في العلوم رحل إلى دار الخلافة في الروم وتولى افتاء الحنفية بالقدس وقدم اليها واستقام بها متصدراً بالفتيا بأمر الدولة العلية وزمن في آخر عمره وتوفي بالقدس في سنة خمس وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. خليل بن محمد المغربي خليل بن محمد المغربي نزيل القاهرة وخازن الكتب في المؤيدية المالكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الشيخ الفاضل المعالم العامل الفقيه البارع المفنن أبو الصفا قدم مصر وأخذ عن المتصدرين بها كالشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي قرأ عليه عدة فنون وروى عنه وهو أشهر شيوخه وغيره وبرع وفضل ودرس وأفاد وعنه أخذ شيخنا أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي وغيره وحج سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف فلما قضى حجه ورجع أدركته الوفاة في منزلة من منازل الحج المصري يقال لها أكرى ودفن بها. خليل بن علي البصير خليل بن علي الموصلي السيد الشريف صاحب البصيرة الوقادة كان نادرة من النوادر مع علم وعمل وتجويد وتبريز بكل صناعة وكان في الحفظ آية باهرة يحفظ الصحيفة بسماعها مرة أو مرتين وله سفرات عديدة إلى حلب والرها والروم والعراق وله لطائف نفيسة كان حاضراً في مجلس بعض الوزراء فأخبره بعض الحاضرين ان القاضي فلان ممتحن بزوجته وبالأمس اقتتلا فآذته فقال على الفور يا ليتها كأنت القاضية وكان يحفظ من الشعر ما لو كتب لكان أسفاراً وكان له في النحو والصرف والعلوم العقلية اليد الطولى وله نظم بالفارسية والتركية والعربية ونثر رشيق وله معرفة تامة بالمويسيقى وكان مهذب الأخلاق ميمون الطلعة مأمون العشرة ومن قريضه الرايق ونظمه البديع الفائق قوله مؤرخاً واقعة العجم كفى الله أهل الموصل الشر اذ أتى ... عدو لهم من جانب الشرق ناهض أجل ملوك العجم نادر اسمه ... ظلوم غشوم للمواثيق ناقض سبى نسوة السكان في البيد والقرى ... بظلم وكل في المهالك حائض وساق أناعيم الرساتيق كلها ... فما في الضياع اليوم بكر وقارض فحاصرنا ستين يوماً مهيجاً ... حروباً وفي الجمعات ماتت فرائض فحاربه الدستور والي ديارنا ... حسين بعون الله وهو يناهض فألقى رعب في قلوب جنوده ... فبانوا وكل نحو مثواه راكض فلما أزال الله عنا شعوبهم ... بتوفيقه أرخت زال الروافض وقوله مخمساً نأى الغزال الذي في القلب موضعه ... ياليت شعري أي الروض مرتعه ناديته بانكساري إذ أودعه ... يا راحلاً وجميل الصبر يتبعه هل من سبيل إلى لقياك يتفق نار المحبة في الأحشاء حامية ... والعين كالنهر طول الدهر هامية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 يا من به رتبتي في العشق سامية ... ما أنصفتك جفوني وهي دامية ولا وفى لك قلبي وهو يحترق وله مصدراً ومعجزاً يا مشتكي الهم دعه وأنتظر فرجاً ... فمن يفرج كربات المساكين واصبر على محن الأيام ذا جلد ... ودار وقتك من حين إلى حين ولا تعاند إذا أصبحت في نكد ... من النوائب واستقبله باللين هيهات هيهات أن تصفوا بلا كدر ... فانما أنت من ماء ومن طين وكان مولده سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وتوفي سنة ست وسبعين ومائة وألف بالموصل ودفن بها وله شعر كثير اختصرنا منه خوفاً من التطويل رحمه الله تعالى. خليل المصري خليل الملقب بأبي الفتوح الفيومي الشافعي المصري نزيل حمص الشيخ العالم الفاضل الصالح الناظم الأديب كان محققاً في سائر العلوم له مؤلفات عديدة وقصائد فريدة سريع النظم لا يتكلف إليه كان عظيم الفهم فصيح اللسان تقياً مغرماً بشرب القهوة والتتن ولد ببلدة الفيوم في سنة سبع ومائة وألف وارتحل إلى مصر وحصل العلوم في جامعها الأزهر الذي بالخيرات معمر وفضل وصار له فضيلة ومكانة عالية ويد طائلة في العلوم ومن مؤلفاته رسالة نظم في التصوف سماها دوام الراحات في اتخاذ الخلوات تنوف عن حجم كراس مطلعها يقول راجي من به التكميل المحيوي عبده خليل إلى آخرها وسلك فيها مسلكاً عظيماً يدل على عظم فضله وذوقه وله مؤلف في الرد على الإسماعيلية سماه السطوة العدلية بالفرقة الإسماعيلية نحو أربعمائة بيت وهي عجيبة وله مؤلف في العروض مفيد أجاد فيه كثيراً وله كتاب صنفه بالحديث اقتضيه من العهود الكبرى للشعراني ومن الأذكار النووية وله قصائد كثيرة يطول تعدادها وهو من أسباط سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله ببركاته وقدم دمشق في سنة ست وأربعين ومائة وألف وأخذ بها عن بعض علمائها وارتحل إلى حمص واستقام بها مدة سنين وكان فرد وقته رقيق الطبع والذات وله حدة في بعض الأوقات خارجة عن العادات يحصل منها أمور مضحكة منها انه رأى كلباً في بعض الأزقة وهو في تلك الحالة فخلع فرحيته عليه وقال له أنت أفضل من خليل وله مناقب كثيرة لا يحصر عدها وكأنت وفاته بحماة في نيف وستين ومائة وألف ودفن خارجها رحمه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 خليل الرومي خليل بن جند الرومي نزيل دمشق كان علامة من الأفاضل المدققين مخشوشناً متقشفاً زاهداً ورعاً وعليه تدريس ووظائف توفي بدمشق في يوم السبت ثامن شوال سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. خليل الشهواني خليل المعروف بالشهواني الشافعي القدسي الشيخ الأديب الفاضل الفقيه الكامل كان محبوباً للقلوب مرغوباً لدى الأعيان يجلب الأفئدة برقيق ألفاظه رقيق الحاشية ذكي الفهم وهو من ذي البيوت القديمة بالقدس وله اشعار وقصائد عديدة فمن ذلك قوله حين حج في سنة خمس عشرة ومائة وألف ومطلعها. سل العقيق وسل عربا بذي سلم ... عن دمع عين جرى استهلاله بدم وسل أهيل النقا مع أهل كاظمة ... وسل أهيلاً بذك الشيح والعلم وقف بسلع وسل أهلاً بربعهم ... وحى أرضاً بذات البان والغم وأنشد دليل السرى عن حالنا سحراً ... وحادي العيس والأظعان بالنغم وسلهم عن فؤادي عن تضرمه ... وعن نحولي وما لاقيت من الم يا صاح كرر أحاديث الغرام فما ... على المحب إذا ما باح من سدم ودع كلام عذول ان ترم أربا ... ان المحب عن العذال في صمم وبح بمدح ختام الرسل كلهم ... فهو الشفيع غدا في يوم حشرهم وهو الملاذ إذا قلت بناحيل ... وهو الغياث غدا في موقف الحكم خير النبيين قد عدوا وأفضلهم ... حوى المحاسن من فرق إلى قدم وقد رقى للسموات العلا ودنا ... من قاب قوسين أو أدنى ولم يهم وخاطبته الظبا والجذع حن له ... لديه قد أفصحت البدن بالكلم والبدر شق له والضب كلمه ... وقد غدا معدنا للجود والكرم لما تحققت اني في مدائحه ... مقصر نهت من وجدي ومن هيمي ناديت والشوق مني قد نما ورقا ... ودمع عيني على خدي كما الديم يا أكرم الرسل ياسر الوجود ويا ... كهف المساكين من عرب ومن عجم مالي سوى جاهك الأسنى ألوذ به ... فأنت كل المنى يا خير مغتنم وأنت قصدي وسؤلي ثم معتمدي ... ان لم تغثني أهل يا زلة القدم اليك أشكو ذنوباً ضيقت حبلي ... وأجهدتني ومنها القلب في سقمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 ان لم تكن لي معيناً في المآب غدا ... فضلاً فيا حسرتي حزناً ويا ندمي وامتدح السيد محمد بن عبد الرحيم اللطفي مفتي القدس حين قدم من الديار الرومية بقصيدة مطلعها أبدر المنى في غيهب السعد قد طلع ... أم البرق في جنح البها بالهنا لمع أم الروض بالزهر المنير تنورت ... حدائقه أم هاطل الخير قد همع لعمري ما هذا سوى نفحة أتت ... هلال محياها بنور العلي سطع لطلعة فرد الوقت أعنى محمدا ... هو العالم التحرير لا بدع ان برع فقرت عيون المجد عند قدومه ... ونلت المنى والهم ولي مع الجزع وعود الفخار أخضر بعد يباسه ... وغنى حمام الايك جهراً وما هجع وأصبح ناموس الفضائل قائماً ... بمن زان تيجان المناصب وارتفع أمام تربي في السيادة مذ نشا ... ترى كل مخلوق على حبه انطبع همام يضيق الوقت عن كنه وصفه ... حسيب نسيب كل عز لقد جمع فلله ما أحلى عذوبة منطق ... تنفس عن در كصبح إذا طلع بليغ إذا رقت أحاديث لفظه ... فكم مشكل في لفظه انزاح واندفع ومنها فقد كنت قدماً أهلها ومحلها ... فمن أجل ذاعنها سواكم قد انخلع فناهيك مجداً قد حوى كل سؤدد ... فلم يبق شيأ من مناك ولم يدع فوا طرابا فيك المحامد جمعت ... وقطر الندا من بين أيديكم نبع وفي الفضل قد أحرزت كل فضيلة ... فكم مرتج للفضل أبوابكم قرع وكم قاصد للمجد أم حماكم ... فنال المنى عند المراد وما امتنع وله غير ذلك وكان شعره متوسطاً وكأنت وفاته بالقدس في منتصف رجب سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. خليل الشهري المنجم خليل بن مصطفى بن عيسى فايض الشهري المنجم له رسالة تفسيرية وفذلكة الحساب وشرح الحسينية وحاشية على شرح النونية لخضر بيك ورسالة الدخان وغيرها صلب نفسه ليلة الجمعة في جمادي الأولى سنة أربع وثلاثين ومائة وألف باسلامبول رحمه الله تعالى. خليل حدادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 خليل حدادة الموصلي الكاتب الماهر الخطاط الشاعر إليه تنتهي الكتابة والخط في زمانه وصار يضرب به المثل في الجودة والحسن والنفاسة كأنه حواشي عذار على متون خدود أو نقوش فضة أو لؤلؤ على وجنات أبكار وكان أديباً ماهراً نبيلاً حاذقاً وله الفصاحة والنجابة رحل إلى الهند في سنة احدى وستين ومائة وألف وتوفي بها سنة ثلاث وستين ومائة وألف ومن شعره قوله في وقعة العجم مادحاً ومؤرخاً وذاك من يمن الوزير الذي ... خصصه الله بلطف أعم قام لنا في حسن تدبيره ... وأرهب الخصم بأعلى الهمم وجال في عسكره جولة ... فميل الركن له وانهدم ورام منه الصلح عن أنفه ... رغماً ولم يدر الصواب الأتم فقام عنا وهو من غيظه ... يعض حرصاً لكفوف الندم أبو مراد لم يزل دافعاً ... عنا إذا الخطب علينا هجم فسأله من اسد قد حمى ... غايته من كل خصم صدم خليل المصري خليل بن شمس الدين المالكي المصري أحد المحققين المشار اليهم بالبنان المعقود عليهم بالخناصر في رفعة القدر والشأن أخذ عن العلامة السيواسي والسيد محمد البليدي توفي راجعاً من الحج في الطريق المصري شهيداً سنة ثمان وسبعين ومائة وألف عن نحو ستين سنة. خير الله البولوي خير الله محمد بن عثمان بن سفيان بن مراد خان البولوي الرومي الحنفي الشيخ الفاضل العالم الفقيه المتقن أخذ عن كل من تاج الدين بن محمد الدهان والجمال عبد الله ابن سالم البصري المكيين وعن أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني وغيرهم. حرف الدال درويش الملحي درويش بن أحمد بن عمر بن أبي السعود بن زين الدين عمر بن تقي الدين أبي بكر ابن علاء الدين علي بن صدر الدين أبي عبد الله محمد الدمشقي الحنفي الشهيري بالمليحي الشيخ الفاضل الكامل العالم النبيل المتفوق الأخذ من الفهم الثاقب بالحظ الأوفر ومن الذهن المتوقد بالنصيب الأكبر كان مولده بدمشق في شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتربى في حجر والده وتوفي والده في جمادي الثانية سنة ثمان وأربعين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم وطلب العلم الشريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فلازم الاستاذ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري الملازمة الكلية في سائر أوقاته وقرأ عليه كتباً عديدة في فنون شتى من العلوم وقرأ عليه الفقه على مذهب سيدنا الشافعي فإنه كان أولاً شافعي المذهب على مذهب أبيه وجده ولازم خدمته والقيام بقضاء مصالحه وصحبته إلى أن توفي وسمع منه المسلسل بسورة الصف وبالحفاظ وبالشافعية وبالحنفية وبالقبض على اللحية وكثيراً من الأحاديث الصحيحة وما لا يحصى من الفوائد العلمية وكتب له اجازة مطولة وقفت عليها بخطه قدس سره ثم ان صاحب الترجمة تحنف لما صارت له حصة من امامة الحنفية بالجامع الأموي فقرأ في الفقه النعماني على الفقيه صالح بن إبراهيم الجينيني والعالم موسى بن أسعد المحاسني والشهاب أحمد بن علي المنيني الحنفيين وكتبوا له اجازات رأيتها بخطوطهم المباركة وأخذ عن الشيخ البركة أسعد بن عبد الرحمن المجلد السليمي وعن العلامة حامد بن علي العمادي مفتي الحنفية بدمشق قرأ عليه بين العشائين كتباً فقهية وأصولية عديدة كالهداية وحاشيتها للمولى المذكور فانه كان يقابلها معه حين اخراجها من المسودات وبيضها وعدة رسائل من مؤلفاته ومؤلفات غيره وكالمنار في الاصول وشرحه لابن ملك وغير ذلك وعن المحقق محمد ابن محمد قولاً فسر قرأ عليه في الفقه والعربية وعلى الضياء عبد الغني بن الصيدأوي مفتي مدينة صيدا قرأ عليه وصحبه واستجازه فأجازه وعن الجمال عبد الله بن زين الدين البصروي الشافعي قرأ عليه الفرائض والحساب وعن الركن محمد بن إبراهيم التدمري الشافعي وغيرهم وصارت له ملكة في الفقه والعربية وحج سنة احدى وستين ومائة وألف وصارت له حصة من امامة الحنفية بالجامع الشريف الأموي فباشرها مدة حياته وكان لطيف الذات كامل الأدوات مبجلاً له اللطف والظرف والديانة والعفة ومكارم الأخلاق وحسن الشيم وكأنت وفاته عشية يوم الجمعة سابع شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة وألف وصلى عليه بعد صلاة ظهر يوم السبت بالجامع الأموي ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. درويش آغت اليرلية درويش بن عبد الله الحنفي الدمشقي آغت أوجاق الينكجرية اليرلية ورئيسهم وأحد أعيان جند دمشق المشار اليهم والمنوه بقدرهم كان شهماً كاملاً فاضلاً أديباً بارعاً في العلوم له حفظ وتقيد تام فيها سيما بفنون الأدب والشعر ماهراً بالفارسية والتركية حسن الأخلاق متودد أطيب الخصال صاحب عقل وتدبير ذا رأي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 حميد رئيساً معتبراً صاحب وجاهة واحتشام مع حسن الملتقى وطلاقة الوجه ولطف الشكل مهاباً ضابطاً له على أنفاره غلبة وسطوة ولد بدمشق في سنة ست وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده الآتي ذكره في محله آغة الوجاق المذكور وقرأ القرآن وبعض المقدمات على الشيخ عبد الرحمن الكليسي نزيل دمشق وبعده قرأ شرح القطر للفاكهي على الشيخ إسماعيل العجلوني ثم الدمشقي وشرح الألفية لابن الناظم على الشيخ محمد الغزي الدمشقي مفتي الشافعية بها وقرأ الدرر والغرر وشرح التنوير في الفقه على الشيخ صالح بن إبراهيم الجينيني وقرأ المختصر على الشيخ حسن المصري نزيل دمشق في داره وكان يجئ الشيخ إليه ويحضر معه الشيخ خليل بن محمد الفتال والشيخ محمد بن إبراهيم العجلوني الدمشقي وقرأ التوضح والتلويح على الشيخ علي الأنطاكي نزيل دمشق وكذلك تعلم منه الفارسية وقرأ عليه بها وقرأ شرح ديوان المتنبي للواحدي على الأديب أحمد بن حسين باشا الكيواني الدمشقي وتخرج عليه في الأدب ومهر وتفوق وحصل له فضيلة ونظم الشعر قليلاً بالعربية والتركية وجمع كتباً نفيسة وتملكها وكان مجلسه يحتوي على الأفاضل والأدباء والمطالعة والمطارحة الأدبية ولما توفي والده استقام في داره بأهنى عيش ثم تولى بطريق المالكانة قرية معلولا النصارى وقرية عيتا وقرية غزة وقرية قبر الياس وغير ذلك من العقارات ودار والده الكائنة في محلة العقيبة تجاه جامع التوبة وكان له أخ يسمى مصطفى شجاعاً جسوراً قتل في بعلبك لأمور في سنة أربع وخمسين ومائة وألف ثم ان المترجم صار رئيساً على أوجاق الينكشرية بدمشق سنة سبع وخمسين وكان قبله رئيسهم محمد بيك بن الوزير كوسج خليل باشا واستقام رئيساً عليهم مدة ثلاثة عشر سنة مع الضبط والربط وحسن السياسة والتدبير وتنظيم أمور الأوجاق وحسن الرعاية وكأنت أعيان دمشق تحبه وتوده سيما والدي فكان يتخذه بمنزلة الأخ الشقيق وهو مرغوب لديهم لأسباب منها فضله وأدبه ومنها عفته وديأنته ومنها تربصه وعقله ومنها كماله وحسن أخلاقه ولم ير في وقته من يضاهيه في هذه الخصال ولو اجتمعت بأحدهم خصلة من ذلك كان خالياً عن الأخرى وكان الوزير أسعد باشا ابن العظم والي دمشق وأمير الحاج يعرف قدره ومقامه ويحبه ويوده وله عليه مزيد التفات وكان يتخذه في أموره عضد أو في أفعاله مشاراً وكأنت الأدباء تمدحه لمعرفة مقام الأدب والشعر وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي وكان من أخصائه فقال هذه القصيدة ممتحده بها حين عاد من الحج ومطلعها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 نفحة الفجر من مهب الجنوب ... روحي مهجتي بطيب الهبوب وأطيلي الوقوف بين المصلى ... وزرود وبين تلك الشعوب واحملي من شذا تهامة نشرا ... ناشرا طي لذة المحبوب وأرسفي بالنخيل من لابتيها ... حيث أظلاله مقيل الجبيب والثمي رسم من أناخوا صباحاً ... في ذراه عن المحب الكئيب وإذا ما أنتجعت أجراع حزوي ... وحمى الشعب من يمين الكثيب فاسألي هذه المواطن عمن ... حل فيها من كل ظبي ربيب رحلوا والفؤاد خلف النواجي ... حادياً يستفز بالتطريب وطووا شقة الفلا واستقروا ... بتلاع العذيب عند الغروب فاستقلت بهم نواحيه حتى ... شغلوا عن مولع محروب فأريا بردة الدجى بانين ... ولهيب بين الحشا مشبوب كلما عن ذكرهم رنحته ... لوعة ملء خليه والجنوب وإذا ما استطار من نحو سلع ... برقهم وأصل البكا بالنحيب وإذا جأوب الحمام هديلاً ... يشتكي الألف في القضيب القشيب أخذته حمية الوجد حتى ... أوثقته برائعات الكروب يا خليلي فاسعفا ذا قروح ... لم يغيره مؤلم التأنيب ضاق ذرعاً عن عبء ما أوسعته ... محن البين كل ليث وثوب خل يا عاذلي صنوف ملامي ... ما خلى الفؤاد مثل السليب انما العشق والهوى لي طبع ... لم يزل في حديثه تشبيبي وعيوني إذا العقيق تردئى ... سفحته بسفحه امهضوب عللوني إذا أردتم حياة ... بحديث الغرام رغم الرقيب وأثلجوا غلة الفؤاد بذكرى ... ما حواه بدر الكمال المهيب كامل حل من ذرى فلك المج ... د مقاماً بحسن رأى مصيب وهمام ما الحرب دارت رحاها ... وتلظى خلب الكمى الغضوب فله العز والمفاخر تعزى ... والمعالي بالاسم والتلقيب ليس يطوي الا على الحلم قلبا ... لا على ريبة ولا تكذيب فمن اللطف قد تكون ذاتاً ... وصفاتاً من الجمال العجيب نعم ليثاً للائذين وغيثاً ... ان دعى للندى وخير مجيب وغياثاً للمستجير إذا ما ... مسه فرط لوعة ولغوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 دأبه في الورى اصطناع اياد ... لبعيد يوم الندى وقريب فإذا لم يجد لبذل سؤالاً ... طالبته بنيله المسكوب فلذا علم السحاب نداه ... كيف يهمي بكل روض خصيب فلكل من راحتيه غمام ... يا لعمري وليت حين مشيب ما رأينا ولا سمعنا بشهم ... مثله مفحم لكل لبيب منح قادها الزمان إليه ... ذللاً فوق قصده المطلوب فابتلى الدهر والأنام فلاذوا ... بحماه في موقف التأديب وحوى ما المديح يقصر عنه ... بنظام وافى على اسلوب أي مجددون الذي حزت يروي ... وفخار وأي صدر رحيب ومن المعالي بلغتك المعالي ... رتب الافتخار والتهذيب فنهنيك يا أغر السجايا ... بقدوم من حجة التقريب نلت فيها الرضى وعفواً جلياً ... وبلغت المرام غير مخيب ووردت المقام والبيت يهوي ... لهما كل ضامر يعبوب فوقه كل أغبر أشعث الرا ... س ملب لربه ومنيب حاسراً بردة الجدال يقضي ... تفثاغب نثرة المرغوب ولدى المشعر الحرام صباحاً ... يذكر الله بالفؤاد السليب ويوفي النذور بالعج ... والثج ويرمي الجمار بالترتيب ويريق الدماء وهو حلال ... في منى موطن المنى بالوجوب ويوافي أم القرى فيلاقي ... حرماً آمناً من الترهيب وهي طويلة أخبرني صاحبنا الفاضل خليل بن مصطفى الدمشقي قال أخبرني من لفظه درويش محمد بن عبد الله رئيس الجند اليرلية انه رأى حاله بالمنام ينشد هذين البيتين واستفاق وهو ينشدهما ولم يدراهما قديمان أم جديدان وهما لو كنت أملك طرفي عندما سكبت ... عيناي مذ فارقت حبي وأوطاني لكنت قد خنت عهداً والعيون إذا ... خوانة بالهوى ان أبصرت ثاني وكتب للمترجم الأديب مصطفى الترزي الدمشقي يشكره على حاجة أرسلها إليه بقوله يا جوهراً قد صفا من العرض ... لم يجد المجد عنك من عوض أنت لجسم العلاء روح حيا ... وشمس فضل للناس أنت تضي ورثت طود العلاء مفتخراً ... عن والد والفخار منك رضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وفقت بالجاه كل ذي عمم ... مرتفع الفضل غير منخفض رأست حنك العلى بأجمعه ... كالسلك قد ضم كل متنقض أرسلت لي برء ساعة وبه ... قد زال ما قد وجدت من مرضي لا زلت في دولة مؤبدة ... بالغر كالكوكب السعيد تضي أعيذ منك الجناب معتصماً ... بالله رب السماء والأرض وارتحل المترجم إلى حلب وكأنت مستولية عليه الامراض السودأوية وكان مرهف العيش متنعماً في أحواله منتظم الملبوس حسنه جميل الهيئة متقن الحركات واللوازم المتعلقة في الزينة للدار وغيرها سخي الطبع ذكياً حاذقاً عشوراً وهو خال والدتي لأن والدة والدتي جدتي اخته وشقيقته وأحسن تربية والدتي لأنها لما توفي والدها المولى عبد الرحمن السفرجلاني كأنت طفلة فنشأت عند المترجم وقام في تربيتها أحسن وأشفق من الوالد والوالدة وفي سنة سبعين ومائة وألف عزل عن حكومة دمشق وامارة الحاج الوزير أسعد باشا ابن العظم وولي مكانه الوزير حسين باشا بن مكي الغزي فرأى المترجم بوادر الفتن وبوادي الفساد من الاشرار فترجى حسين باشا المذكور وترامى عليه أن يعزله من منصبه آغوية الوجاق المذكور لأنه أولاً قاسى منهم خطراً بليغاً وكان لا يألف النوم خوفاً من رؤسائهم المفسدين أن يغتنموه في الليل قتلاً أو نهياً وكان ذلك سبباً لأمراضه وعلله فانه رحمه الله كأنت الامراض السودائية وغيرها دائماً تعتريه ولما رأى ما رأى عند عزل أسعد باشا تحقق القتل به واهأنته عند تحريك الفتن وظهور الاشقياء أهل البغي والشرور فاستعفى من المنصب المذكور برضاه وحسن اختياره وانه بسبب أمراضه عجز عن ذلك والقيام بهذه الخدمة فألحوا عليه الأعيان أن يبقي في المنصب وان لا يرتضي العزل فما قبل وما أمكن حتى كتب حسين باشا المذكور للدولة العلية بذلك وكتب هو أيضاً فعزل وصار مكانه السيد مصطفى آغا الحموي الآتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى وفي محرم سنة احدى وسبعين لما صارت الفتنة بين الينكجرية اليرلية والينكجرية القول وعظمت بينهم المحاربات والقتال كان هو اذ ذاك ساكناً في دار زوج اخته محمد أغا الكمش الرومي نزيل دمشق الكائنة في القرب من البوابجية بالقرب من باب القلعة فجاء طائفة القول ليلاً ونقبوا جدار الحجرة التي في الدار المذكورة من جهة باب القلعة ودخلوا الدار ونهبوا أمواله وحوائجه وأخذوا غالب متاعه فلما أخبرت طائفة اليرلية بذلك جاؤا عليه وصار بينهم القتال والمحاربة ثم ان اليرلية أخرجوهم من الدار واستخلصوا بعض الأمتعة وكأنت اذ ذاك الأوقات مشتعلة بنيران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 الفتن والبغي ولم ير في عصر من الأعصار مثلها وكان صاحب الترجمة وهاماً عاقلاً يحسب الأمور البعيدة فزادت عليه الأمراض غب واقعة الدار المذكورة ونهب متاعه وماله وزادت عليه الاسقام وابتلى بداء ورم المعدة فمات فجأة في جمادي الثانية سنة احدى وسبعين ومائة وألف وشاع في دمشق انه هو أودى بنفسه للهلاك فمن قائل انه شنق نفسه بيده ومن قائل انه أدخل عليه سم وحين شاع موته أرسل حسين باشا من طرفه كتخدا البوأبين وكذلك قاضي البلدة المولى علي ختن قاضي العساكر المولى أحمد علمي معتمداً من طرفه لأجل الكشف عليه فوجدوه ميتاً من غير سم ولا شنق بل بأجله فكتب بذلك حجة كشف ودفعت لورثته وكان كل الذي شاع افتراء وكذباً ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. درويش الحلواني درويش بن ناصر الدين المعروف بالحلواني الحنفي البعلي ثم الدمشقي الخلوتي الشيخ العالم العامل الامام التحرير الأوحد كان فقيهاً فاضلاً عارفاً متقناً في الحديث وعلم الكلام ديناً ناسكاً ليناً متواضعاً قرا على جماعة من الشيوخ وبهم أنتقع كالشيخ إبراهيم بن منصور الفتال الدمشقي ولازم الشيخ إسماعيل الحائك المفتي مدة من الزمان وأنتفع به حتى انه قال الحائك عنه وشهد بأنه مفرد عصره وأوانه بالفضل وقرأ على الشيخ محمد علاء الدين بن علي الحصكفي الدمشقي شارح الملتقى والتنوير وغيرهما وأنتفع به ورحل للرملة واجتمع بمغيبها فقيه الشام ومحدث عصره الشيخ خير الدين بن أحمد الرملي الحنفي وسمع الحديث عليه وأخذ عنه واجتمع بدمشق بمحدث العصر الشيخ محمد بن سليمان المغربي الفاسي نزيل الحرمين وطالع عليه وأخذ عنه وجمع منسكاً في حج بيت الله الحرام ولازم الافادة والتدريس بالجامع الأموي وأنتفع به جم غفير وروى عنه جماعة منهم الشيخ محمد بن إبراهيم التدمري الطرابلسي نزيل دمشق والمولى عبد الرحمن بن أحمد القاري المفتي بدمشق والشيخ محمد ابن زين الدين الكفيري الدمشقي وغيرهم ورأيت في بعض المجاميع فائدة منقولة عنه وهي ان من دخل إلى مقام سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه في قرية برزة بدمشق حرم الله جسده على النار ومن صلى فيه أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أقول وفيه ورد أخبار وآثار منها ما ذكره ابن الجوزي في كتابه الاشارات إلى أماكن الزيارات أخباراً وآثاراً كثيرة تدل على فضله حيث قال وعن أحمد بن سليمان سمعت شيوخنا الدمشقيين يقولون قديماً يذكرون ان الآثار التي بدمشق في برزة عند المسجد الذي يقال له مسجد إبراهيم عليه السلام الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 في الجبل عند الشق انه مكان إبراهيم وان الآثار التي فوق الشق بالجبل هي موضع رؤية إبراهيم الكواكب الذي ذكره الله تعالى في كتابه العظيم فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي انه كان في ذلك الموضع وهو معروف فمن قصده وصلى فيه ودعا أجابه الله تعالى في دعائه فان ذلك الجبل كان فيه لوط وجماعة من الأنبياء وآثارهم في مواضع في الجبل بالقرب من مسجد إبراهيم وأدركت الشيوخ يقصدونه ويقيمون فيه ويدعون الله تعالى وهو نافع لقسوة القلب وكثرة الذنوب وقال ابن عساكر قال ابن عباس رضي الله عنه مقام إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل يقال له قاسيون لما جاء مغيثاً للوط عليه السلام أقام فيه وصلى وعن الأوزاعي ان الجليل في هذا المقام أي ببرزة اتخذه مسجداً وعن الزهري ان مسجد إبراهيم عليه السلام في قرية برزة من صلى فيه أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وان دعا استجيب له وفي رواية ويسأل الله تعالى ما شاء فانه لا يرده خائباً وهذه الرواية التي ذكرها صاحب الترجمة أقول وقد قال الحسن البصري في فضائل الشام قال شيخنا البرهان الناجي ان القاضي أبا بكر ابن العربي الشافعي ذكر في كتابه أخبار الأوائل انه شاهد صحة ذلك واستدل له بما وقع للسبكي مع تنكر نائب الشام فانه عزم على ضرب ولده القاضي حسين فتوجه السبكي إلى المقام بقرية برزة فأقام به يسأل الله تعالى أن يكفيه شره فما نزل حتى أخذ الله تنكز وامتدحه الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بأبيات مطلعها يا مقام الخليل إبراهيما ... زادك الله في الورى تعظيما قد أتيناك بافتقار وذل ... نرتجي العفو والجناب الكريما فعسى الله ان يمن بفضل ... وقبول يعمنا تعميما ودواعي السرور قد شملتنا ... تممت ما نرومه تتميما وللشيخ علاء الدين بن صدقة فيه قوله لا تمل عن رياض برزة يوماً ... فهواها شفاء كل عليل قل صبري عنها وكيف اصطباري ... عن رياض فيها مقام الخليل أقول والناس عن هذا المقام غافلون وهو مقام شريف عظيم وناهيك بمقام إبراهيم وكأنت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأربعاء وقت الضحى سادس جمادي الثانية سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى. حرف الذال المعجمة السيد ذئب الحافظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 السيد ذئب بن خليل الحسيني الشهير بابن المعلى الشافعي الدمشقي الشيخ المقري الحافظ لكتاب الله تعالى المجود المرتل المعتقد المعمر الصالح العابد الزاهد كان له القدم الرأسخ في الصلاح ولد بدمشق تقريباً بعد الثمانين وألف وقرأ القرآن العظيم وحفظه عن ظهر قلب وأخذ القراآت عن الشيخ محمد أبي المواهب الحنبلي الدمشقي وعن البرهان إبراهيم الغزنوي الحافظ وغيرهما من الأئمة وكان يقرئ أولاً في مقصورة الجامع الشريف الأموي ثم تحول إلى المدرسة النحاسية الكائنة خارج دمشق بمقبرة مرج الدحداح وأخذ عنه الجم الغفير وجأوز من العمر نيفاً وتسعين سنة وكان دأبه تلأوة الكتاب العزيز ليلاً ونهاراً مع الانقطاع عن الخلق وكان يذهب إلى المدرسة المرقومة كل يوم من الجامع الأموي بعد صلاة اليمانية فانه كان اماما بها ويبقى فيها منعكفاً على الافادة والاقراء إلى قبيل الغروب وبعده يجئ إلى الجامع الأموي ويصلي المغرب اماماً ويقرأ أوراده ثم يجلس في درس العلامة علي بن أحمد الكزبري وبعد وفاته صار يحضر دروس ابن اخته الشيخ عبد الرحمن الكزبري ثم بعد صلاة العشاء يذهب إلى داره في دخلة المدرسة الصادرية الملاصقة للجامع الأموي وهذا كان دأبه وديدنه مدة حياته ويبات طول ليله يقرأ القرآن ويصلي وكان كل يوم يأتي إليه جماعة ممن كان يحفظ عليه القرآن فيدارسهم عشرة أحزاب ويأتي لهم بضيافة فيفطرون عنده كل يوم ولم يزل على أحسن حال وأكمل طريقة إلى أن توفاه الله تعالى صبيحة يوم الخميس رابع عشر جمادي الأولى سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الذهبية من مرج الدحداح رحمه الله تعالى. حرف الراء رجب النجيب رجب المعروف بالنجيب الحلبي الأديب الشاعر اللبيب كان غرة جبهة الدهر له الباع الطويل في الأدب والأشاعة والذكر عند بني حلب ولد سنة ثلاث وتسعين وألف ونشأ في التحصيل وشمر أذيال الاكتساب وتعلق بخدمة فريد وقته الفاضل يوسف الشهير بالنأبي أحد شعراء الروم واكتسب منه فن الأدب وبه تأهل ونما وتسبب وفوضت إليه كتابة القلعة العواصمية وكان لا يرى له مثيل حريري النباغة فاق ابن مقلة في التحرير وليس لشعره شبيه ونظير وكان أغلب شعره باللغة التركية والفارسية وأثاره بالعربية نزرة قليلة وكأنت وفاته بقلعة حلب في سنة ثلاث وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 رحمة الله الأيوبي رحمة الله بن عبد المحسن بن يوسف جمال الدين بن أحمد بن محمد الحنفي الدمشقي المتصل النسب بأبي أيوب خالد الأنصاري الصحأبي الجليل الشيخ الفاضل العالم الكامل الأوحد الفقيه الصدر المحتشم البارع في الفنون أبو الكمال ولد بدمشق ونشأ بها في حجر أبيه وأخذ عن جملة من فضلائها كالاستاذ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والشيخ إسماعيل المفتي الشهير بالحائك والشيخ أبي المواهب محمد الحنبلي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري المفتي وغيرهم وبرع وساد وتقدم على أقرانه بالفضل والرياسة وصارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي الرومية ودرس في الجامع الأموي وفي المدرسة البيانية الكائنة بمحلة باب شرقي وكان ذا همة علية وشيم أريحية مقبول الكلمة عند الخاص والعام ولم يزل على أحسن طريقة إلى أن توفي وكأنت وفاته سنة خمس ومائة وألف ودفن بالجبانة الرسلانية رحمه الله. رحمة الله البخاري رحمة الله الحنفي البخاري النقشبندي المقلب بنظيما على طريقه شعراء الفرس والروم الأديب الشاعر الصالح الفالح قدم إلى قسطنطينية من بلدته بخارى صحبة السفير المرسول من طرف سلطان بخارى إلى السلطان أحمد خان في أيام وزارة الوزير علي باشا واستقام بها مدة أربعة أشهر ثم قصد الحج فتوجه تلقاء الحرمين المحترمين وبعد اتمام الحج عاد لقسطنطينية واستقر في خارجها بالمحلة المعروفة بالسودليجه تجاه محلة أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه التي حائل بينهما خليج البحر وكان يجتمع مع الجد الاستاذ محمد مراد البخاري قدس سره وبينهما تحاب وتوادد عظيم وله ديوان شعر بالفارسية ووقفت على البعض من أشعاره الفارسية والتركية أيضاً وبالجملة فقد كان من الأخيار وكأنت وفاته بقسطنطينية في حدود سنة خمس وستين ومائة وألف ونظيماً أصله نظيم فأدخل عليه حرف الندا بالفارسية وهو الألف فصار نظيماً أي يا نظيم والأصل فيه ذكره ضمن أبيات لعلة أوجبت حرف الندا ولكثرة استعمال ذلك صار علماً ويقع كثيراً في ألقاب الروميين وسيجئ في محله ومر في البعض فيقولون في نسيب وكليم نسيباً وكليماً ويغلب حرف الندا ويشتهر لقب الشاعر مع حرف الندا ولا يحذفه الا العارف الخير فافهم والله أعلم. رضوان الرأوي رضوان المعروف بالرأوي النابلسي أحد الأبدال الشيخ الصوفي الولي البركة ولد في سنة احدى عشرة ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ محمد الخليلي المحدث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 ولازمه مدة وافرة وحصل من العلم والصلاح الغبطة الظاهرة حتى قال الشيخ الخليلي من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى رضوان الرأوي ثم اشتغل بمطالعة التنوير في اسقاط التدبير لابن عطاء الله وجد واجتهد في التصوف وخرج عن الدنيا وانقطع في خدمة الاستاذ الشيخ السيد مصطفى الصديقي الدمشقي وعادت عليه بركاته ونفحاته وبالجملة فقد بلغ مبلغ الولاية وله مناقب عديدة وآثار حميدة تؤذن بالمراد وكأنت وفاته في سنة سبع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد رفيع الأزبكي السيد رفيع الأزبكي النقشبندي نزيل دمشق قدم دمشق مع سبخه الاستاذ الشيخ محمد البلخي الآتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى وكان امامه وكان من العلماء الأجلاء فصيح العبارة ماهراً بالعربية عالماً بالنحو والمنطق والصرف والحكمة والطب والأوفاق وله حسن حظ وتصرف في مثل الجنون واللوقة والسوداء ماهراً في غالب الفنون مكتسب للأدب محتشماً ورعاً صدوقاً توفي بدمشق مطعوناً في يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الثاني سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بصالحية دمشق بأسفح رحمه الله تعالى. رمضان بن عبد الحي رمضان بن عبد الحي الدمشقي الشهير بالمجتهد الحنفي الشيخ العالم الفضل الفقيه الورع كان عالماً محققاً لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يهاب كبيراً ولا صغيراً قرأ وأنتفع وأخذ عن أجلاء كالشيخ إسماعيل بن علي الحائك المفتي قرأ عليه وأنتفع به وكان من أخص تلامذته ودرس بالجامع الموي وفي جامع السنانية في باب الجأبية ولزمه الطلبة وكان أخوه الشيخ زكريا من الأفاضل المدرسين أيضاً وبالجملة فان المترجم كان عالماً فاضلاً وكان سكناه في محلة باب السريجة بدمشق وكان الشيخ علي التركماني الحنفي كاتب الفتوي بدمشق يشهد بفضله ويترجمه بالعلم والتقوى وكأنت وفاته في سنة عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. رمضان الحلبي رمضان بن عبد الرحمن بن أحمد العطار الحلبي الشافعي الشيخ الفاضل الكامل ولد بحلب قبل المائة وقرأ على أفاضل بلدته كالشيخ مصطفى الحفسرجأوي الفاضل والشيخ جابر والشيخ السيد محمد الكبيسي وأخذ عن العارف الشيخ قاسم الخاني طريقة القادرية وأفاد وكان عفيفاً سخياً حلو المنادمة كثير الذكر ملازماً للعبادة والافادة والاستفادة يقري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 الفقه بين العشائين تجاه سكنه بجامع منكلي بغا وينفع الناس وكأنت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف وأعقب ودفن في التربة الشهيرة بالشيخ نمير وكأنت جنازته حافلة رحمه الله تعالى. رضوان الصباغ رضوان بن يوسف الشهير بالصباغ المصري الأصل الدمياطي الحنفي المفتي بثغر صيدا من الأعمال الشامية الشيخ الفاضل النبيل العالم العامل الصالح الجليل أبو الجنان زهر الدين أجاز له الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي باجازة مطولة ذكرها في الرحلة الكبرى وذكر له رؤيا جليلة وهي انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام سنة اثنين ومائة وألف في الجامع الكبير العمري بصيدا ورأى الناس مزدحمين عليه وشخص يقول له يا رضوان بصريح اسمه أدخل وكلم رسول صلى الله عليه وسلم فدخل معه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فخاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له يا فلان وذكر اسمه أخرج قل عني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عش ما شئت فانك ميت وأحبب من شئت فانك مفارقه وأعمل ما شئت فانك مجزي به فخرج وبلغ كما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم. حرف الزاي المعجمة زبيدة القسطنطينية زبيدة ابنة أسعد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حمزة القسطنطينية الحنفية ام الفطنة الشاعرة المشهورة صاحبة الديوان الأديبة الفاضلة الحاذقة ولدت بقسطنطينية ونشأت بكنف والدها شيخ الاسلام المولى أسعد مفتي الدولة العثمانية وقرأت القرآن العظيم واشتغلت بأخذ الفنون وقرأت الفقه واللغة والأدب ونظمت الشعر الفارسي والتركي وتعلقت على الأدب واشتهر ذكرها وشاع صيتها وكأنت تخترع كل معنى مبتكر تحار فيه الالباب والفكر وامتدحت سلاطين وقتها ووزراءه واشتغلت بمطالعة الكتب واتصل بها المولى الرئيس درويش بن عبد الله نقيب الأشراف وقاضي العساكر وأعطاها الله القبول وتنافس الناس بشعرها وتدأولته الأيدي ودونت ديواناً مرتباً وجعلنه مع ديوان والدها وديوان أخيها والثلاثة صارت في مجلد واحد على الترتيب أولاً ديوان والدها ثم ديوان أخيها شيخ الاسلام المولى شريف بن أسعد مفتي الدولة ثم ديوانها وإذا استكتبها الناس يستكتبونها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 على هذا المنوال ولما كنت بقسطنطينية طلبت من شعرها لأثبته في بعض أسفاري وأجزاء آثاري فأرسلت إلى ديوانها وأنتخبت منها أشياء ذكرتها في غير هذا الكتاب وشعرها بليغ حسن مقبول قل ان يماثله شعر أحد من شعراء العصر واعتنى الناس به وفيه كل معنى لطيف تشربه الأسماع بفم الاشتها وتخيل يعجز عن فهمه الدراكة من ذوي النهى توفيت وأخوها مفتي الدولة في ذي القعدة سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفنت بالقرب من قبر سيدنا أبي أيوب خالد الأنصاري بالمقبرة الكائنة هناك رحمها الله تعالى. زين الدين بن سلطان زين الدين بن محمد بن أبي بكر بن كمال الدين الشهير كأسلافه بابن سلطان الحنفي الدمشقي الفاضل الأديب البارع كان رئيس كتاب القسمة العسكرية بدمشق ولد بدمشق في سنة ثمانية عشر وألف ونبغ واشتهر بالأدب واستقام مدة رئيساً في المحكمة وكان من أخصاء الأمير منجك المنجكي الدمشقي صاحب الديوان وخالط الأدباء والأفاضل وحصل وبرع وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه أول من تتزين الطروس بتحائفه وتقرأ سورة الحمد من كتاب الاخلاص في صحائفه فهو بالعروة الوثقى من الأدب معتصم وحجته البالغة قائمة ان قام نحوه مختصم يتعرف به طريق الصواب المتحير هو في صدق الود لا بالملول ولا بالمتغير فالذي قسم القبول جعل له منه أعظم قسمه والذي أوجد الكمال صير له مسماه وللناس اسمه اطلع على الناس والناس بعد ناس وفيهم من تقدس مثواه بلطف وايناس فلحقته من جمائلهم جملة جمال وقرت له بمحض الاعتناء تكملة كمال مع خلق كالخلوق ينفح وأغضابه عن الجرم يصفح وله انشاء بديع حسن المبنى كالسحر الحلال لفظاً ومعنى أخلصه السبك ابريزاً واستوجب به تفوقاً وتمييزاً وله أدب ذكرت منه ما يدل على طول باعه وانه أخذ بسلاف الوصف وانطباعه تشعشعت حمياه يهيم به القلب هيام عمر بثرياه ذكرت منه ما تتأمله قتستجيده ويتلى على سمع الدهر فيتحلى به نحره وجيده. فمنه قوله زار المفدى بروحي منزلي ورعا ... ودي فزاد عفافي بالوفا ورعا بطلعة أشرقت بالحسن قد فتنت ... والشوق من مشرق الأقطار قد طلعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 أمير حسن على كل الملاح لقد ... زاد التصأبي فأضحوا أجنده تبعا أعارهم منه حسناً بارعاً فغدا ... كل الملاح له أسرى بما صنعا قد قسم لحسن أشطاراً وعدلها ... فرضاً ورداً فعادت بعدما جمعا فالورد من خده القاني دنا فزها ... والبدر من جيده حسناً به ارتفعا يا جيرة الصب من لحظ مهنده ... ماض لحتف الفتى من قبل أن يقعا كم عاشق قد محاه الشوق من وله ... ومسه الخبل عشقا فيه وانطبعا من قبله لم يكن عشق ولا تلفت ... روح به لا ولا عقل به أنتزعا فلا تلمني سدى يا عاذلي غلطا ... فالحب دأبي وعز الصبر وانقطعا قد زارني حيث لا ولش ينم به ... ولا رقيب رأى مسراه أو سمعا ومذ خلا مجلسي وانقاد طوع يدي ... أسدلت ثوب عفافي عنه ممتنعا في ليلة لم يكن فيها سوى أدب ... غض فؤادي وعقلي فيه قد رتعا من كل معنى رقيق زادني طربا ... عودوا ودفا وشعراً طاب مستمعا والراح قد جليت صرفا معتقة ... لا شك عاد بطيب كرمها زرعا عاينت من ريقه شربا له أرج ... ووجنتيه شعاعاً أحمراً لمعا آه على ليلة ولت ونادمني ... فيها المليح بما أهوى وما ودعا تمتعت مهجتي فيها بلا كدر ... والوقت صاف صفا لي خادماً وسعى فقلت آه ومثلي من يكررها ... على زمان مضى لو طال أو رجعا وقوله راثياً الأمين المذكور همام حوى علماً وحاز فضائلاً ... بتأليفه قد شرف الوقت والنادي أديب الورى دارت كؤس حديثه ... فروت ظما المعتل فضلاً عن الصادي أمين الثنا خان الزمان بفقده ... فأبكى دماً من حر قلب وأكباد ومذ حل في الأرماس لاح لي الرثا ... ليصغي سماعاً حاضراً كان أو بادي فرد واحداً في العدو أحسب مؤرخاً ... أمين المحبي قد رقى جنة الهادي وقوله لو زرت كان ببابك التشريفا ... ولئن بقيت فمقصدي التخفيفا فوحق حبي فيك قدما انني ... عوفيت أكره أن أراك ضعيفا وله غير ذلك من الشعر وكأنت وفاته سنة اثنين وعشرين ومائة وألف عن مائة وأربع سنين ودفن بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 زين الدين البصروي زين الدين بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن زكريا بن خليل الشهير بالبصروي الشافعي الدمشقي الشيخ العالم العلامة الفهامة الفاضل الأديب النبيل كان حأوياً للآداب والفضائل مالكاً زمام العلوم واللطائف مولده في جمادي الثانية سنة تسع وثلاثين بعد الألف وأخذ وفرا وأنتفع بالعلوم ومن مشائخه الشيخ عبد القادر الصفوري الأصل الدمشقي وأنتفع به وأخذ عن العلامة الشيخ خير الدين الرملي ورحل إليه وأجازه العلامة الشيخ يحيى الشأوي المغربي المالكي المشهور حين كان بالروم في دار الخلافة قسطنطينية وكان المترجم بها وقرأ عليه هو وجماعة من بلدته دمشق وغيرها كالعلامة السيد محمد أمين المحبي والفاضل الشيخ أبو الاسعاد بن الشيخ أيوب الخلوتي والشيخ عبد الرحمن المجلد والسيد أبو المواهب سبط العرضي الحلبي فقرأوا تفسير سورة الفاتحة من البيضأوي مع حاشية العصام ومختصر المعاني مع حاشية الحفيد الخطائي والألفية وبعض شرح الدواني على العقائد العضدية وأجازهم جميعاً باجازات نظمها لهم وتولى المترجم تولية المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف مع افتاء الشافعية بها واستقام بدار الخلافة من الروم مدة وصار اماماً عند ابن الكويريلي الوزير الأعظم مصطفى باشا وتردد إلى دمشق مراراً وكان ناظماً أديباً له شعر وأدب وله يد طولى في علم التاريخ وزاد أشياء في تاريخ الامام جمال الدين محمد بن عزم المغربي نزيل مكة وقد ترجمه الأمين المحبي المذكور آنفاً في نفحته وقال في وصفه هو لذات الأدب زين وبه ينجلي عن القلب كل زين وكان صحيبي من منذ سنين ولا أعده في العشرة الا من المحسنين من مثابته عندي مثابة الروض العاطر ومحله من ودي محل القلب والخاطر اذكره فارتاح ارتياحة القضب الملد وأتذكره فاشتاق إلى النعيم وجنة الخلد وهو من لطف الذات وشفوف الخصال المستلذات ممن تتحاسد عليه الأسماع والعيون ويشتري يوم وصله بنوم الجفون وقد فقدته أولاً فقد غربه ثم غيبته في تلك الغربة غيبة تربه فانقطعت عني بموته امدادات المواد والموات وهيهات هيهات أن يتدارك ذلك الفوات فرحم الله تلك الروح اللطيفة ولا برحت سحائب الغفران يقبره مطيفه أنتهى ما قاله ومن شعره قوله وكتبه إلى العلامة الشيخ إبراهيم الخياري المدني بالسيما من ربوة الشام ساري ... عج على طيبة أجل الديار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وتحمل مني سلام مشوق ... لحبيب المهيمن المختار ولأصحابه الكرام أو لي المج ... د خصوصاً أنيسه في الغار ولقوم قد خيموا في ذراه ... قد حباهم مولاهم بالجوار سيما الأروع المهذب من حا ... ز كما لا ما ان له من مجارى فرع دوح العلي وأصل المعالي ... نجل شيخ الورى الجل الخيارى زره تبصر لديه كل جليل ... من علوم ورائق الأشعار وحديث ألذ من نظرة المت ... شوق وافى في غفلة السمار وسجايا كنكهة المسك والند ... وورد الرياض غب القطار دام في رفعة وأرغد عيش ... ما تغنت بلابل الأسحار فكتب له الجواب في صدر كتاب حين هب النسيم يا صاح ساري ... زاد شوقي وزال عني قراري وأتانا بما نظمت بطرس ... أخجل الدر نظمه والدراري فيه اهدي تحية وسلاماً ... كشذا المسك أو جني الأزهار لملاذ الأنام والغوث والغي ... ث وملجاء الوقار والزوار الحبيب الشفيع والسيد المف ... ضال والأنصع الكريم النجار ولأصحابه بنات ذوي المج ... د الهداة الأكارم الأخيار ثم ثنيت بالسلام على من ... خصصوا في الورى بوصف الجوار ثم خصصت بالسلام خليلاً ... وده ثابت بكل اعتبار وأشدت الثناء منك بأوصا ... ف سمت عن مطالع الأنظار أنت أولى بها ولكن لطفاً ... منك أبديتها لنعت الخيارى شرفتني وشنفتني لهذا ... رحت بالمعنيين عالي المنار فتمنيت أن أكون جواباً ... بحلولي ربوع تلك الديار فغدا الخط مانعاً ومقيماً ... فعليه الملام والعتب ساري فنفضل ببعث كتبك اني ... ذو اشتياق لها وللأشعار فعساها تنوب في القرب عنكم ... وعساها تطفي لهيب النار دمت للعلم والفضائل تبدي ... كل آن سبيكة من نضار وكتب إليه ضمن كتاب بعثه له وهما للبدر الغزي العامري يقبل الأرض حماها الذي ... ألثهما أفواه أهل العلا عبد إذا كاتبته ثانياً ... يزداد رقا لكم أو ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فأجابه الخيارى عن هذا أيضاً ضمن كتاب بقوله يا أيها المولى الذي ربه ... خوله من منه الأفضلا كاتبت عبداً ذا وفاء لكم ... ما اختار تحريراً ولا أملا أقر بالرق لكم أولاً ... والآن اذ كاتبته بالولا واهدي إليه علبة مملوءة من قلب الفستق وكتب عليها لما تركت القلب عندكم ... وغدوت مشغوفاً بكم صبا وخشيت أن تخفي مكانته ... صيرت ما يهدي لكم قلبا فأجابه الخيارى بقوله لما علمت القلب عندكم ... أهديت لي من لطفك القلبا أكرم به من زائر وافي ... أطفى اللهيب ورنح الصبا ثم اهدي له الخيارى تمرامدنيا وكتب مع الجواب السابق قوله مذ صار قلبكم المكرم عندنا ... أنزلته بحشاشتي دون السوى وخشيت أن ينوي المرار تشوقا ... فبعثت حلواً ساتراً مر النوى أقول ومنزع البصروي في بيتيه المرسلين للخيارى مع الفستق ما كتبه العلامة القاضي محب الدين الحموي إلى الاستاذ محمد البكري وقد أهداه فستقا لما تملك قلبي حبكم فغدا ... مجرداً منه قلباً رق واستعرا حررته فغدا طوعاً لخدمتكم ... محرراً خادماً وافاك معتذرا فما ملوه بجبر حيث جاءكم ... مجرداً بمزيد الحب منكسرا وللمترجم قوله ويخرج منه بطريق التعمية اسم سليم ولائم لام على ... ترك طلا كالعندم فقلت حسبي قهوة ... لي في الثنايا والفم وقد تعارض مع بعض المتأخرين في هذا العمل بقوله إذا عدم الساقي الشراب ولم يجد ... شراباً به قلبي يلذ ويطرب فبين ثناياه ومبسمهن لي ... شراب من القطر المروق أعذب وخاطب صاحب الترجمة الأمين المحبي المذكور في بعض قدماته من سفر بقوله قدومك زين الدين يا خير قادم ... به ابتهج النادي وضاءت قبابه فلا موطن الا احتوته مسرة ... ولا كمد الا وأغلق بابه وكتب صاحب الترجمة البصروي إلى الشيخ إبراهيم الجنيني نزيل دمشق يستدعيه إلى داره بقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 يا من غدا بنداهللمجد بين ربيعاالعبد أضحى مشوقا فسر إليه سريعاًلا زلت في خفض عيشتعلو مقاماً رفيعا وكتب الماهر الأديب السيد عبد الرحمن لحسيني المعروف كأسلافه بابن حمزة لصاحب الترجمة هذه الأبيات يطلب منه ريحانة الشهاب الخفاجي ويستدعيه يا أديباً يبدي من الأدب الغض ... رياضاً موشية الديباج قد نمتها سحب الحبا وسقاها ال ... طل قبل الصباح عذب المجاج ان فصل الربيع وافى بورد ... منذ أضحت نفوسنا في ابتهاج ولغصن الريحان مع يانع الور ... د أزد وأج في قوة الامتزاج فتفضل مع الرسول إذا جئ ... ت بريحانة الشهاب الخفاجي وكانت وفاة المترجم في نهار الجمعة العشرين من محرم سنة اثنين ومائة وألف في منزلة يعزونه رابع مرحلة عن بلغراد راجعاً إلى اسلامبول لأنه كان مع الوزير الأعظم مصطفى باشا الكوبريلي في السفر وحضر فتح بلغراد وفتح نيش ودفن في المنزلة المذكورة وبنى عليه قبراً من الأحجار على قارعة الطريق الآخذ إلى بلغراد وسيأتي ذكر ولده عبد الله والبصروي بضم الباء نسبة لبصري الشام. حرف السين سعيد الكناني سعيد بن علي الشهير بالكناني بالخفيف الدمشقي الفاضل الأديب ترجمه السمان فقال في وصفه كنانة طائشة السهم لها في كل غرض أو في سهم انتظم في سلك الطلبة فلم يدرك مطلبه بهيكل لو أراد لأهتصر الغمام وساعد لو مد لطاول البدر التمم وهيولي هائلة وصورة إلى التكلف مائلة ولم يزل في حيرة من أمره وارتباك ناصباً الصيد آماله حبال الشباك مستهدياً به لزمن بخيل ومتطاولاً إلى ما لا تدرك مداه باسقات النخيل فزجر الطير فأراه ان البعد خير فاعمل الأرتحال وتشبث بأذيال المحال إلى أن حل قسطنطينية فأقام بها مدة في بلهنية هنية الا أنه لم يقض من مآربه الوطر ولم ينل الا ما هو في الأزل مستطر حتى استوت به الأرض وارتفع عنه التكليف بالسنة والفرض وعلى أي حال فله إلى الكمال انتهاض أتعب به جناح عمره وهاض وله شعر منطبق على حده كالبحر في جزره ومده انتهى ما قاله وأنا أقول ولما كان في دار الخلافة طلب منه الوزير الأعظم علي باشا بن الحكيم أن يشرح له صلوات سيدي عبد السلام بن مشيش فشرحها وتوفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 بقسطنطينية في أواخر سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن في اسكدار رحمه الله تعالى وقد ذكرت له من شعره ما أثبته هنا فمنه قوله من قصيدة مطلعها لله در المذاكي طاب مسراها ... سقيا لها حيث زاكى الوجد أسراها السابقات التي ان جد فارسها ... أورت من القدح ما أضوى وأزكاها تطوى الفيافي فلا طرف يسابقها ... ولا نسيم صبا الأسحار بأراها يا حاد يا رام في البيداء يزجرها ... رفقاً فلا يدن منك الحدو أدناها واعطف عليها فان البين أنحلها ... واحذر يذيب الجوى والوجد أحشاها فلا البلابل في الأدواح تطربها ... من الهيام ولا القمري أسلاها ولا اهتزاز القنا فوق القباب إذا ... ما اشتد حر الوغى واستد مجراها تجوب فينا سهولاً وهي ضامرة ... وكم تجوز وعور أعز مسراها لها الهنا حيث تسعى وهي هازلة ... كأنما داعي الأشواق ناداها أو هاتف من اليم الخطب حذرها ... أو منذر من وقوع الحتف أنجاها من قبل أن تتوارى الشمس في حجب ... ومسح أعناق أولاها وأخراها فكم افكر منها الطرف وهي على ... الحصبا تهادي كان البرق أهداها وليس الا مزيد الشوق يحملها ... إلى سليمان سامي القدر مولاها ومن سرى في البرايا وهو واحدها ... على بساط الهدى يستام أبقاها والعدل في مثله قد شاد منعته ... من بعد ما كان فرط الجور أوهاها والحلم أضحى بديع الشكر حيث غدا ... مستكملاً في مزايا عزاً حصاها منها فمن يقابل اسدا في الفلا هزمت ... يؤمها حيث سارت حتف أعداها شعث النواصي لها من سهمها لبد ... سود المخالب كالمصباح عيناها كأنها حين سارت في الفلا شهب ... على الشياطين رب العرش ألقاها ان الليالي المواضي كن عاطلة ... وهذه بلقاك السعد حلاها فلا تزال لك الأيام طائعة ... وفق المراد كما تختار تلقاها ومنها فالله من فضله بالحكم فهمك ... الصواب فاشكر لنعمي أنت مولاها لا زال في حكمك الآمال طامعة ... تأوي لك الناس أقصاها وأدناها وقوله من قصيدة مطلعها بلابل بشر المسرة تصدح ... على دواح أفراح من العز تفتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وعرف الهنا فاحت نوافج طيبه ... فكل فؤاد من شذاه مروح وضاع عبير العطر يعبق في ملا ... التهاني وأرواح البشائر تنفح وروض العلا يفتر ثغر أقاحه ... سروراً بمن في رحبه يترنح فيا قاطف اللذات دم متمتعاً ... بأنفس ما منه النفوس تروح لقد طاب مجنى مأربي في ربا الصفا ... لمن رام في نيل المآرب يربح وأسفر صبح السعد من وجه منحة ... تبيح النهى أو في الهنا حين تسنح وترتاح آماق لديها تعشقت ... سحابتها أذوابل الدمع يسفح ففازت بأقصى ما ارتجاه مؤمل ... وانضر ما فيه النواظر تسرح وقرت مناء حيث سرت سرائر ... حباها أمانيها الزمان المفرح حست كأس بشراها دهاقاً وعللت ... غليل فؤاد وارى الوجد يقدح فقد طاب للآمال من صفقاتها ... غنائم أمن للبرية تفتح ومد ظلال العدل صافي رواقه ... على جلق والدهر يسخو ويسمح فيا طرف طرف اللحظ لا زلت راتعاً ... ورهبك في أهنى المواهب أفسح بظل سليمان الذي ليس ينبغي ... لشهم سواه في البرايا ويصلح وقوله من قصيدة سمح الدهر باللقا والتداني ... وغدا السعد من حظوظي داني ولقد حزت من بلوغ مرامي ... ولذيذ الهنا ونيل الأماني ما به القلب مستزيد سروراً ... ويزيل الضنا عن الجثمان ان تغنت ورقا على غصن بان ... هيمتني وحركت أشجاني تشتكي حرقة الجوى والتنائي ... فكأن الذي شجاها شجاني قوله فكأن الذي شجاها شجاني أقول قد رأيت في الحمام والورق وما ينضاف إلى ذلك للمتأخرين والمتقدمين مقاطيع وما ينضاف إلى المقاطيع من نوابغ أدبيات شيأً كثيراً فمن ذلك قول صاحب مصارع العشاق رب ورقاء في الدياجي تنادي ... الفها في غصونها المياده فتثير الهوى بلحن عجيب ... يشهد السمع انها عواده كلما رجعت ترجعت حزناً ... فكأنا في وجدنا نتبادة ومن ذلك قول ابن قرطان المغربي ذكرتني الورقاء أيام أنس ... سالفات فبت أجري الدموعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 ووصلت السهاد شوقاً لحبي ... وغراماً وقد هجرت الهجوعا كيف يخلو قلبي من الذكر يوماً ... وعلى حيهم حنيت الضلوعا كلما أولع العذول بعتبي ... في هواهم يزداد قلبي ولوعا ومن ذلك ما أنشده عبد الله بن محمد بن حساس بقوله لقد هاجني للشوق نوح حمامة ... مطوقة من مترفات الحمائم وناحت وما أذرت دموعاً وقد رأت ... عيوني تجري بالدموع السواجم إذا ما تراجعنا الحنين حسبتها ... نوادب رجعن الصدا في المآتم وأنشد ابن الصاحب وذات طوق على الأغصان تذكرني ... قوام حسنك في ضمي لمعتنقك قد سودت مهجتي نوحاً فقلت لها ... سواد قلبي يا ورقاء في عنقك وقال ابن حجة تقي الدين ناحت مطوقة الرياض وقد رأت ... دمعي تلون بعد فرقة حبه لكن بتلوين الدموع تباخلت ... فغدت مطوقة بما بخلت به وأنشد ابن الذهبي وأجاد وبمهجتي المتحملون عشية ... والركب بين تلازم وعناق وحداتهم أحدت عراقاً بعدما ... غنت وراء الركب من عشاق وتنبهت ذات الجناح بسحرة ... بالواديين فنبهت أشواقي ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن ... يعقوب والألحان عن اسحق قامت تطارحني الغرام جهالة ... من دون صحبي بالحمى ورفاقي اني تباريني جوى وصبابة ... وكآبة وأسى وفيض أماقي وأنا الذي أملي الهوى عن خاطري ... وهي التي تملي من الأوراق وكنت نظمت في ذلك أشياء من ذلك قولي حين كنت في اسلامبول عام اثنين وتسعين ومائة وألف وهو وما شاقني الا تغني حمامة ... لها رنة في سجعها وصدوح تعلمني شكوى الهوى بغنائها ... وتعلن في شكوى الهوى وتبوح وفي سجعها تبدي الغرام مرتلاً ... وتذكر طيب العيش وهي تنوح كلانا غريب عاشق قد أضره ... هواه فأضحى هائماً ويصيح عودا للمترجم فنقول ومن شعره قوله منها رددت سجعها بألحان سجع ... فارفضت الدموع بالهملان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وإذا أهدت الصبا نفحات ... من شميم الخزام والريحان ذكرتني العهد القديم بأسنى ... منزل لو قضيت فيه زماني واغتنام الحواس من در لفظ ... هو أشهى من استماع المثاني ووالتحلي بطلعة ليس للبد ... ر شبيه منها سوى اللمعان ومنها في المديح من يقل حاتم سخي فهذا ... شهدت في سخائه الخافقان يدع الخيل في الوغى خائفات ... حيث تبقى بالرعب والرجفان وإذا صال ولت الاسد اذ يقع ... بل خوفاً فكيف بالفرسان ماله في النزال شبه ولا عن ... ترة العبسي طاعن الشجعان وقوله من قصيدة وأيقظ أجفان الغرام هبوبها ... ودار كؤوس الوجد عبهره صرفا وبدل در الدمع شفاف لطفها ... عقيقاً وزاد الشوق في نسقه ضعفا وأضحى جوى الأحشاء تضرمه الندى ... وأوهى الضنا جلدا عن الحب ما كفا أو رقاء هل يصفو لنا العيش برهة ... فنلقى بها لهفاً ونلقى بها ألفا فان بنا أيدي النوى قد تحكمت ... وهل ربة الألحان في العمر من زلفى وان جديد الشوق أبلى تجلدي ... وألقى الضنى بيني وبين الكرى سجفا كأن عيوني حين أقمح طرفها ... بخبخ الدجى قد حرمت لذة الأغفا كأن سهيلاً صار سهدي وأعيني ... الثريا وهل شيء للقياهما يلقى كأن بنى نعش جعلن رواقيا ... مخافة أن يأتي الكرى مقلة وطفا كأن جفوني المعصرات وأدمعي ... رذاذاً ونوء الوجد يرسلها ذرفا كأن السماكين اشتياقي ولوعتي ... فذا رائح يبدو وذا أعزل يخفي كأن فؤادي قطب دائرة الهوى ... به فرقدان السقم والبعد قد حفا كان اصطباري كان جوزاً أفقهاً ... ففحام عقاب الهجر واغتاله خطفا كان به العيوق مذ شام أدمعي ... غدا لابساً من صبغها حلة ظرفا كان جوى الأحشاء منذ توقدت ... قد اقتبس المريخ من شهبها سدفا كان حظوظي كان كيوان برجها ... وحلت بمغناه ولم تجد الصرفا ففي المشترى هل ينزلن رعيلها ... ويصبح في برد السعادة ملتفا كان السهى رامت تعين تصبري ... فجاء الجفا أخفى أشعتها ضعفا كان هلالاً كان يبدو لناظر ... فحالت صروف عند ذلك فاستخفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وقوله في استنجاز وعد يا وحيداً به المكارم تاهت ... وعزاه الورى لصدق الوعود قد وعدتم لمن غدا بانتظار ... فأنجز الوعد لا بيوم الوعيد سعيد السعسعاني سعيد بن محمد أمين بن خليل بن عبد الرحيم المعروف بالسعسعاني الحنفي الدمشقي الأديب الناظم الناثر الفاضل اللوذعي ولد بدمشق تقريباً بعد السبعين وألف ونشأ في كنف والده وكان والده من صدور أعيان دمشق له السمو والرفعة والشأن والصولة غير أنه كان من العلم فارغ الاناء وتوفي بدمشق في سنة مائة وألف وجده المولى خليل كان أبوه اماماً بسعسع قرية معروفة من نواحي دمشق كبيرة وأصله من بلدة علائية من نواحي قرمان في الروم وسافر إلى الروم خليل المذكور ولازم على قاعدتهم وتولى قضاء طرابلس الشام وقيصرية وبعدها ولي افتاء دمشق مع رتبة قضاء القدس وأعطى قضاء بعلبك على طريق التأبيد ويسمونه بالأربلق وكان مهاباً جليل القدر عالي الهمة وفيه مروءة وسخاء ومعروف وتغلب وتوفي بدمشق في جمادي الثانية سنة احدى وثمانين وألف ثم ان المترجم نشأ بعد وفاة والده متنعماً مترفهاً مدة وصارت له رتبة اعتبار المدرسين ثم تولية وتدريس المدرسة القجماسية ودرس بها وكانت بيده علاقات وغيرها وأملاك وكان فاضلاً مشهوراً بالأدب والفضل حسن النظم من أفاضل المخاديم أولاد الأعيان وظرفائهم ونبهاء دمشق وأدبائها وفي أواخر أمره تغير حاله وعيشه وضره الزمان كعادته وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه ماهر كامل الاستعداد وبارع وافر الاستمداد ربى في حجر المجد وانتشا وارتشف أخلافه حتى انتشى فطلع غصناً إلى العلياء نموه لا يطاول ارتقاؤه بالمناكب وسموه يترنح للفضل ويهتز ويفخر في مجمله ومفصله ويعتز لا يكدر له صفو ولا يصدر عنه الألطف وعفو بكف ما كف عن نوال وأياد تندى قبل السؤال ولسان باللغات الثلاث طليق وخلق بأن يثنى عليه خليق فرقص له الدهر برهة وصفق وصيره هو السعيد الموفق ولم يزل كذلك وشبابه في ريعانه واقتبال عمر في ابانه وسوانحه لا تحظى الأصابة ولا يرمى غرضاً الا أصابه ووالده للكرام قبله قد استأثر بمحامد من بعده ومن قبله لا تنبو له همة ولا تروعه الجلائل المدلهمة كلمه تخرق الصدور وترتاع من مواقعها الصدور حتى خوى منه بيته ولم ينفعه لوه ولا ليته فأقام هو مكانه والدهر يمشي به القهقري ويدب إليه سمومه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 كما يدب في المهوم طيب الكرى فلم يستفق الا وقد انشب فيه نابه وكان سبباً اقتضى انقباضه واجتنابه وقد لاكته السبعون ولاكها وهو يرصد من سماه أمانيه أفلاكها فلم يظفر بطالع كاسمه ولم يكن غير الأحن من قسمه وقد كان في الأدب قطبه الذي عليه مداره وبدره الذي لم يفارقه ابداره تنقاد إليه القوافي وستعده بالقوادم والخوافي وهاك منه ما يفضح الريم إذا شدن ويسري مسرى الراح في البدن انتهى مقاله وللمترجم شعر بديع فمنه قوله كل حسن من دون حسنك دون ... أنت للحسن جوهر مكنون يا نبي الجمال أوتيت حسناً ... أبداً نوره لديك مبين ظهرت معجزات حسنك حقاً ... ولآياته لانت الأمين لك لانت صم القلوب وفاضت ... فيك شوقاً من العيون عيون ما خلاصي وبي غلو غرام ... وبجنبي منك حرب زبون أنا من أمة الغرام لكل ... فيه شأن ولي بذاك شؤون مذهب الحب مذهبي وهو ديني ... وبه الله في المعاد أدين وقوله حيث بانوا وأزمعوا التوديعا ... تركوا أثرهم فؤاداً وجيعا قلدوا صارماً بباهر حسن ... واكتسوا سابغاً جمالاً بديعا جنحوا للسرى الصباح سراعاً ... وبنوا بيننا حجاباً منيعا طالما أوحشوا المعاهد منهم ... حيث كانت أو أهلاً والربوعا يا سقى تربها يعاليل جود ... غب جدب يعود خصباً ربيعا عرب ان ذكرتهم استهلت ... سحب الجفن بالدماء دموعا حفظ الله عهدهم حيث كانوا ... لا يزالون يحسنون الصنعا هم شموس الكمال أين استقلوا ... وبدور التمام ثم الطلوعا فعسى الله رحمة عن قريب ... سوف يأتي بهم جميعاً سريعا وقوله كيف يرجو الخلاص صب توله ... بهوى مترف يفوق الأهله ذو نفار حوى اللطافة طرا ... وبديع الجمال قد حاز كله زان ورد الخدود منه حياء ... ماء عين الحياة أصبح طله سرق اللب مذ بدا وهو يزهو ... من طراز البها بأحسن حله موسوي من حسنه تهت فيه ... اتخذ الفرع للعقول مظله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 سقم جفنيه شف جسمي سقما ... ويراه وعله واضمحله واه واحسرتاه مما بقلبي ... منه ما بالجحيم أضحى أقله يا منى النفس لا من لدنك حنانا ... لفؤاد قد رضه كل عله واتق الله في أعزة قوم ... في قيود الغرام أضحوا أذله وقوله مخمساً لبيتين من قصيدة البارع مصطفى البابي الحلبي أجرني فاني فازع من غوايتي ... وفي تيه آثامي انتهيت لغايتي إلى بابك الأحمى رفعت شكايتي ... رسول الرضى قد أثقلتني جنايتي وليس لعاص غير بابك مهرب أيا رحمة الله المرجي لمن نحا ... يؤم حمى جدواه الا ومنحا أغثني أياغوث الأنام الوحا الوحا ... ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى وحاشاك أن ترضى وفينا معذب وللمترجم قفا نتشاكى عل تجدي بنا الشكوى ... بيث غرام يضمحل له رضوى ونندب اطلالاً عفت ومعالماً ... بآرامها كانت هي الجنة المأوى فتنت بغصان من السحر طرفه ... فما سنه ها روت من لحظه يروى مقرطق خفاق الوشاح جبينه ... من الكوكب الدرى أبهج بل أضوا تحيرت الأوهام كل بحسنه ... وفي حبه طرا تجمعت الأهوا سقى الله عهداً قد مضى بنعيمه ... وعيشاً به أهنى من المن والسلوى وديم على أرجاء معهد أنسها ... من المزن يعلول مضاعفة الأنوا فحيث غصون الأنس دانية بها ... لتجني ثمار الوصل منها كما تهوى فآمالنا قرت هنالك أعيناً ... فأنعم بها مأوى وأكرم بها مثوى ومن شعره أيرجى من الغرام فراغي ... وهواه في مهجتي أي باغي نير يكسف الشموس بهاء ... حين يبدو سناؤه في انبزاغ ولأجفانه مواقع سحر ... موهته بالمسك في الأصداغ بفؤادي لعقرب الصدغ لدغ ... ما صنيعي بعقرب لداغ ولشحر ورخا له روض حسن ... فوق وردي وجنتيه يناغي ساغني في هواه سما زعافاً ... هل لحتفي في حبه من مساغ كل مين جاؤا به فهو لغو ... لست أصغي فيه إلى وشي لاغي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 هو في الحسن والجمال نبي ... جاء بالمعجزات لللأبلاغ أسبغ الله نعمة لي منه ... بهواه لا زال في الأسباغ صيغة أبدع المحاسن فيه ... يا له من مهيمن صباغ وله في مهجتي من اليم الوجد افراط ... لأن لو أن رضوى فيه قيراط صبابتي فيك قد قامت قيامتها ... ومن غرامي امارات واشراط يا كعبة الحسن من حجى إليه غدا ... وبالطواف لروحي فيه أشواط بلغت من عرفات الا من فيك مني ... وحصر قلبي لوفد الروع محتاط لك اعتماري وسعى أنت ملتزمي ... وهذه من فروض العشق اسقاط وله كيف أرجو من الغرام خبوه ... والتياعي يوري بقلبي نموه أسبيل إلى منال الثريا ... من هلال أم كيف أرجو دنوه قمر يستهل بدراً تماماً ... أين للبدر ان يحاكي بدوه بمحيا كالشمس والريم لحظاً ... حيث يبدي بهاءه ورنوه يسترق الألباب طرا مراه ... كل لحظ بالسحر فهو مموه سور نزلت بآيات حسن ... محكمات في شأنه متلوه ما خلاصي وفي الفؤاد زفير ... كل حين يربي هواه غلوه باهر الجمال راح برينا ... تارة صده وحينا حنوه كيف لا يحمد السرى من سعيد ... فيه وإلى رواحه وغدوه وله مخمساً يا كوكباً من بروج الحسن مطلعه ... ويا رشا جل منشيه ومبدع ومن غدا في سويد القلب مرتعه ... أشكو اليك فؤاداً أنت موجعه شكوى خليل إلى ألف يعلله موله لم تزل تزداد حسرته ... والجفن من أرق تنهل عبرته والقلب من وهج أعيته زفرته ... سقمي تزيد على الأيام كثرته وأنت من عظم ما ألقى تقلله يا أغيداً لم تجد في حسنه شبهاً ... بحن حيناً وطوراً ينثني رفها فكيف يصنع صب قد قضى ولها ... الله حرم قتلي في الهوى سفها وأنت يا قاتلي ظلماً تحلله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وله بروحي رقيق الخصر أحوى منمنم ... لقد عل لخطاه بسقمهما جسمي وعللني بالوصل بعد امتناعه ... وكيف لعمري بيننا علة الضم وهما على عروض بيتي محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي وهما يلومونني في ضم غصن قوامه ... ولا ذنب للنساك في الضم واللثم نعم بيننا جنسية الود والصفا ... ولكنني لم ألفها علة الضم ومن ذلك قول الفاضل محمد الكنجي ضممت حبيبي عند تقبيل ثغره ... فلح عذولي بالملام الذي يصمي وكيف وفيما بيننا حلة الوفا ... واني أراها في الهوى علة الضم ومن ذلك قول مصطفى بن محمد الكنجي المذكور تنشقت عطر الورد من طل خده ... واتبعته ضما وبالغت في اللثم فماس دلالاً وانثنى ثم قال لي ... رويدك اني عارف علة الضم ومن ذلك قول النبيه البارع السيد المصطفى الصمادي بروحي من في العيد أقبل ضاحكاً ... ومبسمه كالدر مستحسن النظم وقابلني بالود حتى ضممته ... كضم كمي سيفه خير منضم وصافحت بالتقبيل صفحة خده ... وطوقت منه الجيد عقداً من اللثم وما كان في قربي له من وسيلة ... سوى الود منه فهو لي علة الضم ومن ذلك قول الكامل محمد بن السمان بروحي ظبي ناحل الخصر قد غدا ... يشابه ذياك النحول ضنا جسمي ونار فؤادي مثل نار خدوده ... وسقم جفون اللحظ شاكله سقمي ولا عجب ان قد ضممت قوامه ... وقد ظهرت ما بيننا علة الضم ومن ذلك قول الأديب محمد المحمودي وأهيف قد جاذب الغصن في الربا ... فمال إليه الغصن وانقض كالسهم وعانقته كالعاشق الهائم الذي ... تعانق مع معشوقه الناعم الجسم ولا بدع للغصنين أن يتعانقا ... فحسن اعتدال القد من علة الضم وللمترجم عز المواسي في الهوى والمسعف ... ما لين تحنو يا ظلوم وتسعف ولطالما أكنت فيك سرائري ... فإذا عها مني الغرام المرجف يا واحداً بهر الأنام بحسنه ... وغدا لأبصار الورى يستوقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 عذب بهجرك ما استطعت ففي غد ... بيني وبينك يا ظلوم الموقف ومن ذلك قول الأديب عبد الحي الخال قد طال فيك تستري وتموهي ... واذيع ما أخفيته بتأوهي وزجرت قلبي منك قلت لعله ... أن ينتهي فأجابني لا أنتهي يا حبذا حجبوه عني إن يكن ... برضاك اني أشتهي ما تشتهي عذب وجر فعسى يطول حسابنا ... في الحشر كي أحظى بمنظرك البهي وأصله قول ابن رواحة يا ماطلاً لا يرى خليل ... لديه ورداً سوى سراب نعلم الطيف منك هجري ... فلا أراه بلا اجتناب كم كتب الدمع فوق خدي ... اليك دعوى بلا جواب أغلقت باب الوصال عني ... فسد للصبر كل باب ان كان يحلو لديك ظلمي ... فزد من الهجر في عذابي عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب ومنه قول بعضهم زدني عذاباً ولا تترك لجارحة ... مني جراحاً وخذ روحي وجسماني عساك في الحسر لما أن يطول غداً ... حسابنا تتملى منك أجفاني ومنه قول ابن نباتة من قصيدة وطولي من عذابي في هواك عسى ... يطول في الحشر ايقافي واياكي وكانت وفاة المترجم في الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. سعيد الجعفري سعيد بن محمد بن إسماعيل بن زين الدين بن بهاء الدين المعروف بالجعفري الشافعي الدمشقي العالم العامل الفاضل المتفوق كان من أفاضل دمشق شيخاً أديباً بارعاً حافظاً لكتاب الله تعالى مواظباً على الطاعة والعبادة مستقياً على وتيرة التقشف ولد بدمشق سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وقرأ على مشايخ اجلاء كالشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ علي كزبر والشيخ محمد الديري نزيل دمشق وغيرهم وتمكن من العلم والأدب وحصل فضلاً لا نكر فيه ودرس مدة بالجامع الأموي ثم ترك ذلك وحصل له في عقله خلل وأخبرني بعض الأصحاب أن أصل ذلك جذبة آلهية حصلت له بعد وفاة الأستاذ الشيخ أحمد النحلاوي لأنه كان ملازماً له هو ووالده الفاضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 محمد الجعفري ثم ترك الأقراء والاشتغال بالعلم ولازم منازل طوائف العرب وصار يجلب السمن إلى دمشق ويبيعه ولم يزل على حالته إلى أن مات وكان من أحباب والدي وأصدقائه وكان الوالد يبره ويحفل به وامتدح الوالد بقوله تلك الظباء التي قد زانها الحور إلى آخر القصيدة ومن شعره قوله سل من لحظه الحسام وسنه ... رشأ قتله الأحبة سنه وتبدي لهن يوسف حسن ... فلهذا قطعن أيديهنه وانثنى يعطف الدلال قواماً ... وهو فرد الجمال يأسرهنه تفضح الغصن منه بانة قد ... في اعتدال القنا وهز الأسنه ناظراً لي بطرف ريم كناس ... أحور الطرف مالك للأجنه دب ماء الحياة في وجنتيه ... حين حلت حشاشتي نارهنه صاد كل القلوب في لحظات ... منذ أمست لعمدهن أكنه وعجيب ذا الفتك من أين للال ... حاظ والسقم لاح في جفنهنه الأمان الآمان بالله رفقاً ... ياعبون المها بمغرمكنه أسرتني وأوات صدغيه لما ... كلمتني لذعاً عقاربهنه وانطوت في مطوى كشحيه منا ... أعين طالما تمنطقهنه يا غزالاً إذا رنا أسكرتنا ... حان ألحاظه بخمر تهنه وهلا لا إذا بدا بدياجي الشعر فيه انطوت بدور الدجنه عمرك الله يا نشجي ترفق ... وتعطف علي المتيم منه وامنح الصب فيك لحظة وصل ... منك آماله تحققهنه وقد نسجها على منوال قصيدة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي التي مطلعها جذبتنا إلى الملاح أعنه ... وسقتنا الردى لواحظهنه ورأينا بالغمز ضرب سيوف ... وبتلك الجفون وخزا سنة ولصاحب الترجمة من قصيدة مطلعها تكامل حسناً مفي نضارته الخد ... على حين أذكى جمر وجنته الوقد فكان مليك الحسن في شرعة الهوى ... وكل فتى يهوي الجمال له عبد وكنت وشأني في الصبابة مطلق ... فأوثقني عشقاً ولج بي الوجد فعدت وليلي ليل صب لقد قضى ... من الهجر إذا مسى بواصله السهد أسامر زهر الأفق على أن أرى ... به طالعي للوصل قارنه السعد بروحي رشا كالبدر طلعة وجهه ... بعيد مناط القرط ليس له وعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 تملك منا اللب مياس قده ... وأسلمي العدال ذيالك العد ومالي عنه في الصبابة منزع ... وما في الهوى اللوام عني لهم صد يفتك في العشاق صارم لحظه ... كما لضعاف القلب تفترس الاسد فحيث رنا يستل صلت مهند ... يقول لقلب الصب أنت لي الغمد ويلعب بالألباب سحر جفونه ... وليس لها عن صبح غرته بد وقد شاقني الورد النصيبي بخده ... وتيمني في الثغر ذيالك الشهد فمن لي به والشوق أن يخب زنده ... تهيج به الذكرى فيستقدح الزند أحبة قلب المستهام متى اللقا ... وفيه بجمع الشمل ينتظم العقد وله عن الدمع أن تسأل مدمعي صيب ... يترجم عن حال المشوق ويعرب فلا العين من بعد التنابي قريرة ... ولا القلب الا بالعنا يتقلب ومنذ بنا شط المزار تكدرت ... مشار بناهل يصفو بالعبد مشرب وطيب الكرى قد طلق الجفن وانطوت ... بوارقه فالجفن للنجم يرقب ولي كيد قد ناهبتها يد الأسى ... أكان لها عند المسهد مطلب وجسم من الأشواق نضو تركته ... خيالاً به نار الجوى تتلهب وعندي لطيف الحب شوق وكيف لي ... به والكرى هيهات جفني يطلب وصبري عنه موجز بل عدمته ... وحزني على طول التواصل مسهب أهيم إذا هبت نسائم حيه ... ممسكة من عرفه تتطيب وأغدو من الأشواق حيران ان بدت ... بوارق ذاك الحي أو لاح كوكب أبى الحب الا أن مدنف زينب ... يهيم من الذكرى إذا قيل زينب أخلاي لا أقذي التباعد مقلة ... المحب ولا شطت بمهواه سبسب سلوا نسمات الصبح عن حال مغرم ... تنبئكم اني المشوق المعذب ودونكم ورق الحمام فانها ... كحالي لفقد الألف تبكي وتندب لها حسن ودماً تناهت عهوده ... وأنا تناسي الود للورق ينسب معاذ الهوى ما ذاك عنها روى ولا ... إذا فقدت الفاتهش وتطرب فآخيتها طوعاً كما حكم الهوى ... ويا ليت اني لست عن ذاك أرغب وله أيضاً اليك بالباب صب شفه الوصب ... يشكو فؤاداً من الأهوال يضطرب ومهجة لعبت أبدى المنون بها ... فصيرته بفرط الضر ينتحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 بلى وقلباً قسا من فرط جفوته ... كأنه من صفا الجلمود مكتسب وأعيناً لم تفض يوماً مدامعها ... من خشية الله الا أن دهت كرب وليس الاك يا غوث الورى سنداً ... في النائيات أرى أن نابني نصب من فيض جودك كل يستمد ومن ... علاك كل فتى تعلو به الرتب ومن عطاياك تفتي الوافدون ومن ... ريا سجاياك زاكي الوصف يكتسب أنت الملاذ وهل في الخلق ينجدنا ... سواك يا من إليه ينتهي الطلب مولاي يا سيد الرسل الكرام ومن ... به الآله على طول المدا يهب أغث أغث فحسام الذنب صال وما ... سوى جنابك خير الخلق لي طلب وها عبيدك يا خير الأنام لدى ... باب الرجا واقف للفيض يرتقب حاشاك يا قبضة النور التي بسطت ... في الخافقين على الأملاك تنسحب أن يحرم القاصد الراجي نوالك من ... جدواك فالأصل زاك منك والنسب فألمحه في نظرة تمنحه كل منى ... وأنفحه يا من هو التسال والأرب ففي حمى حرم الا من استجرت ولم ... أقصد سوى من به قد عزت العرب صلى الآله على علياك تكرمة ... طبول المدا ابدا ما سارت النجب والآل من هم مصابيح الوجود وهم ... مفاتح الجود للعلياء قد خطبوا والصحب لا سيما الصديق أفضلهم ... ما حن ذو شجن أو هزه الطرب وله ان أولى الأنام في ود طه ... من عليه غدا كثير الصلاة وبها للهدى دلائل خير ... يالها من دلائل الخيرات ويقرب منه قول الشيخ أحمد المنيني ان حب الرسول في الحشر ذخري ... واعتصامي به دليل نجاتي وصلاتي عليه في كل وقت ... هي أرجى دلائل الخيرات والأصل فيه قول الأديب إبراهيم السفرجلاني يتلقون من يؤم حماهم ... بوجوه من التقى نيرات يالها أوجها يلوح عليها ... كل وقت دلائل الخيرات وللمترجم من لقلب المتيم الملتاح ... أثخنته كلما عيون الملاح لم يمله التأنيب في الحب للس ... لوان كلا ولا اطمأن للاحي ألف العشق والصبابة طفلاً ... وبه لذفي الغرام افتضاحي يالقومي وفي البرية اني ... مفرد الحب مفرد الأتراح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 قد ألح العذول في حب من هم ... حبهم للفؤاد نشأة راح ما الذي يستفيد من لوم صب ... عن هوى الغيد ما له من براح وعهودي من الحبيب موفا ... ة بها في الهوى نمت أفراحي ولقلبي به سرادق حفظ ... عن عذولي المونب الملحاح ولقد صم مسمعي عنه حتى ... لست أدري هاجى من مداحي ويحه لو هو استقال من اللو ... م وعنه استقى مياه ارتياح وعجيب إذا رأى الحب باد ... منه يبدو تملق الانطراح هكذا دأبه فدعه لأني ... ليس لي في ملامه من جناح وله مضمناً لقد قيل لي رعي لذمة أحمق ... لدى الخلق طرا بالمهذب يقبح وما بال ذي حمق أذاع خبائثاً ... وأنت بثوب العفو ما زلت تمرح فقلت لهم رعي الذمام خليقتي ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك قول الأستاذ المربي الشيخ عبد الغني النابلسي وبدر تمام حسنه وجماله ... إذا ما بدا شمس الظهيرة يفضح لقد نضحت حسناً على العين ذاته ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك قول قطب الدين المكي النهرواني بدا عرق في خده فسألته ... بماذا تندى قال لي وهو يمرح الا ان ماء الورد خدي اناؤه ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك قول الفاضل أحمد الصفدي وخال كمسك فاح نشر عبيره ... على خده الوردي واللحظ يجرح فأخجلته حتى غدت وجناته ... تقطر ماء الورد والمسك ينفح وقد رشحت من مقلتي دماؤها ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك قول مجير الدين ابن تميم سقى الله روضاً قد تبدى لناظري ... به رشأ كالغصن يلهو ويمرح وقد نضحت خداه من ماء ورده ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك أيضاً قول كشاجم ومستهجن مدحي له ان تأكدت ... لنا عقد الأخلاص والحر يمدح ويأبى الذي في القلب الا تبينا ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك قول الأديب عبد الرحمن الموصلي الدمشقي مليح يريك الشمس والبدر وجهه ... وغرته الغرا من الصبح أوضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 يفوح نشر المسك والند خاله ... وعارضه والثغر للدر يفضح يضرج خديه الحياء إذا بدا ... فيقطر ماء الورد منه ويرشح تراه أواني الجمال جميعه ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك تضمين بعضهم كأن فؤادي مجمر فيه عنبر ... على نار فكري واللسان يروح يترجم عما في الفؤاد اشارة ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك قول الشيخ محيي الدين السلطي عفا الله عمن ساءني بلسانه ... فأنا بما نحوي من الفضل نفصح وشيمتنا المعروف والحلم والرضى ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ومن ذلك ما ينسب للامام الشافعي خليلي اني كاتم سر صاحبي ... ولو كان في عرضي يخوض ويشطح سيظهر بين الناس فعلي وفعله ... وكل اناء بالذي فيه ينضح وما ينضح القطران الا سواده ... وما ينضح الما ورد الا التفوح ولو شئت جازيت المسئ بفعله ... ولكنني أبقيت للصلح مطرح ومن ذلك قول العلامة الخفاجي فتى كان من قبل الشباب مؤاجراً ... وقد لاط كهلاً وهو تيس سينطح يبع برأس المال بالسوق ما اشترى ... وكل اناء بالذي فيه ينضح فعلى صحة نسبتهما إليه انظر إلى هذه الهفوة من هذا الحاذق العلامة رحمه الله تعالى وقد قال في ريحانته انه نقل الشيخ نصر الله بن محلى انه رأى في المنام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال له يا أمير المؤمنين تفتحون مكة وتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وقد تم على ولدك الحسين منهم ما تم فقال أما سمعت أبيات ابن الصيفي يعني به الحيص بيص فقلت لا فقال أسمعها منه فلما انتبهت ذهبت إلى داره وذكرت له ما رأيت في منامي فبكى وحلف انه نظمها في هذه الليلة ولم يقف عليها سواه وهي هذه وأنشدها ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمن ونصفح وحسبكم هذا التفاوت بيننا ... وكل اناء بالذي فيه ينضح ثم قال وهذا المثل لم أر من شرح مورده ومن ضربه وهو يحتمل معنيين أحدهما وهو الظاهر المتبادر ان كل أحد يلوح على ظاهره ما في باطنه وان أخفاه كما قيل من أسر سريرة أردأه الله بردائها والثاني ان كل أحد يجازي من جنس عمله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وهو الذي قصده الحيص بيص انتهى رجع إلى صاحب الترجمة فمن شعره قوله من قصيدة مطلعها هل لوصل إلى ظباء زرود ... وزمان الأحباب من تجديد يا سقي الله معهداً جمع الشم ... ل على الحب في النهار السعيد وأويقات لهونا باغن ... ناعس الطرف أهيف أملود قمر فوق بانة يتجلى ... سالب العقل في قوام وجيد ان تثنى فعطفه غصن بان ... يثمر الورد في رياض الخدود وإذا ما رنا بطرف غزال ... فهو يثني لا شك عزم الاسود حيث كأس السرور تجلى علينا ... بيد الأمن في رياض الورود كلما نحتسي الشراب تقول ... النفس يا قومنا وهل مزيد وقوله من قصيدة مطلعها في العشق كم ينمو غرامه ... صب أضر به هيامه علقت به نار الهوى ... ونما به وقد اضرامه ألف السهاد وما عليه ... أو تاحاه منامه ومبرح التبريح لو ... ابنا بخطاه احتكامه يا من على وادي الغضا ... من أضلعي ضربت خيامه رفقاً بقلب متيم ... فيكم تناهيه سقامه ما حال عن عهد الهوى ... كلا وان وافى حمامه فمتى بطيب وصالكم ... يطفي من المضني أو أمه والهجر في كبد المتيم ... والنوى أودى انتقامه والجسم منتحل وشو ... قي في الهوى عز اكتتامه ومعنفي في حبه ... ما زال يتبعه ملامه أيظن زخرف قوله ... يجدي فيعجبني كلامه أو أن قلب الصب يسلو ... عن هوى عظم اصطلامه هيهات لو أن الغرا ... م به تغمدني حسامه ما حلت عن عهد الهوى ... فأنا المتيم مستهامه وقوله مذيلاً على البيت الأول قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل وعيون تسح صيب دمع ... كالدما في الخدود أضحى يسيل ما الذي يصنع المتيم والشو ... ق به الجسم والغرام نحيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 آه والوعتي وفرط التصابي ... وعنائي به الذي لا يزول كان لي في الهوى بقية صبر ... واضمحلت فازداد جسمي نحول كيفما رمت حيلة لخلاصي ... قال لي الحب ما لذاك سبيل عجباً كيف تدعي الحب فينا ... وإلى ساحة الخلاص تميل وقوله من قصيدة مطلعها تلك الظباء التي في طرفها الحور ... ما عن لقاها لقلب الصب مصطبر نعم وتلك لليالي حيث يجمعنا ... برد العفاف جميعاً كله غرر سقى المهيمن أيام التوصل اذ ... غاب الرقيب ووافت نحونا البشر رنت أمانينا بالأنس حين نأى ... بيني وبين الظبا البعد الذي نشروا وضم جمع اشتمالي فيهم رشأ ... أغن عذب اللمى قد زانه الخفر ان ماس دلا فما لين الاراكة ما ... الأفنان اذ بصبا الأسحار تنهصر وان تلفت ما للريم لفتته ... كلا ولا للظبا من عينه الحور ولا البدور لها من جنس طلعته ... سوى اشتراك بمحض الأسم اذ ذكروا ممنطق بعيون المغرمين به ... من كل ذي شجن في كشحه بصر إذا تبسم خلت الدرر في فمه ... منضداً يا قاح حوله الزهر معقرب الصدغ ان شاهدت غرته ... علمت ان الذي في العقرب القمر تبارك الله ما هذا الغزال فقد ... حوى من الحسن ما لم يحوه بشر قوله معقرب الصدغ إلى آخره أقول رأيت في كتاب مطالع البدور للأديب الأريب الشيخ علاء الدين البهائي الغزولي حكاية تذكرتها بمناسبة البيت المذكور والشيء بالشيء يذكر وهي ان الملك المعظم عزم على الصيد فقال بعض الجماعة يا مولانا القمر في العقرب والسفر فيه مذموم والمصلحة الصبر إلى أن ينزل القمر القوس فعزم على الصبر فبينما هو مفكر اذ دخل مملوك كان له من أحسن الناس وجهاً يقال له آي دوغدى ومعناه بالعربية هل القمر فوقف قدامه وقد توشح بقوس فقال له بعض الحاضرين يا مولانا اركب الساعة فهذا القمر في القوس حقيقة فقام لوقته وركب استبشاراً فلم يرا طيب من تلك السفرة ولا أكثر من صيدها انتهى وللمترجم مضمناً سلواً أم عمرو البيت والذي بعده رويداً فدتك الروح فالدمع مطلق ... وباب اصطباري عنك والله مغلق أمن مبلغ أشواق صب من النوى ... له كبد حراً وقلب ممزق ففرط أساء البين لم يبق مهجة ... لذي شجن الا وبالوجد تحرق وكم ضاريات الوجد تنتابه وهل ... لمنتاب ناب اللهو حال مونق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وليس لمخمور الصبابة حالة ... سوى مقل من شدة الشوق تدفق سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها ... تفك الأسارى دونه وهو موثق فلا هو مقتول ففي القتل راحة ... ولا هو ممنون عليه فيطلق أحباي بالعهد القديم وودنا ... وأيام برق الأنس بالأمن يبرق وحقكما عوجا على من بحبه ... ولعت ولى قلب للقياء شيق وقولا فؤاد الصب ما حال عن هوى ... عهدت ولو حال الجفا والتفرق إذا العين عنها الحب قد غاب بدره ... فشمس محياه لدى القلب تشرق وان عنه أخبار الحبيب تقاعست ... فعن وده في القلب منب محقق فهل تطمع الواشون منه بسلوة ... واني لهم ذابل يزيد التعلق وكانت وفاة صاحب الترجمة في رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى. سعيد السمان سعيد بن محمد بن أحمد السمان الشافعي الشدمشقي محلي الطروس برشحات أقلامه ومشفى أوام النفوس ببدائع نثاره ونظامه كان بارعاً في اللغو والأدب وغيرهما متضلعاً من ذلك عارفاً أديباً أريباً ماهراً سميدعاً مفنناً أحد المجيدين صناعة الأنشاء والنظم وافراد الزمن بالأدب ونظم المعاني وصوغها مع حفظ كلام الله العظيم والمعرفة للألحان وعلم المويسيقى بحسن الصوت والأداء ولد بدمشق في سنة ثمانية عشر ومائة وألف وبها نشأ وقرأ القرآن العظيم على الشيخ ذيب بن المعلى وحفظه واشتغل بطلب العلم على الشيوخ فقرأ على الشيخ أحمد المنيني في النحو وغيره وعلى الشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد بن إبراهيم التدمري الطرابلسي نزيل دمشق والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي مفتي الشافعية وأجازه الاستاذ الشيخ عبد الغني نظماً والشيخ أحمد الغزي الدمشقي والشيخ محمد عقيلة المكي وقرأ على الشيخ محمد بن أحمد بن قولاقسز ابن عقيل في النحو والجامي والعصام وقرأ أيضاً على الشيخ علي كزبر والشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق المختصر وحضره في المطول وتخرج في الأدب على يد الشيخ سعدي بن عبد القادر العمري الدمشقي وتفوق في الأدب واشتهر به ونظم ونثر وأشعاره كلها بليغة وعليها طلاوة في تلاو تهاو ارتحل للروم وإلى حلب والحج ثلاث مرات وإلى مصر وطرابلس الشام وبعلبك وامتدح الأعيان والرؤساء والوزراء بدمشق وغيرها بالقصائد البليغة البديعة وجرى له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 مع ادباء عصره مطارحات ومراسلات سنيه من دمشق وغيرها وكان ممن يراه الصدود وعذبه هجران الغيد تتجدد صبوته وتطول عشرته لم يزل مولعاً في اجتلاء شموس الجمال من مطالع الحسان متهتكاً في ذلك وبسبب ذلك تصدر بينه وبين ادباء بلدته وغيرها النوادر واللطائف من المطارحات والمداعبات وخصوصاً في صباه فانه كان اذ ذاك ممن شمر للهو عن ساق وأجال طرفه بالتصابي وساق وكان في دمشق منتمياً إلى صدرها الرئيس فتح الله بن محمد الدفتري الغلاقنسي ولما بنى مدرسته في محلة القيمرية سنة ست وخمسين ومائة وألف جعله اماماً بها وخطيباً وباسمه ألف كتاباً فيمن امتدحه من الأدباء من دمشق وغيرها وسماه الروض النافح فيما ورد على الفتح من المدائح وأراد تأليف كتاب يترجم به شعراء عصره وجمع آثارهم وارتحل للبلاد يقصد ذلك وأراد أن يجعله كالنفحة للأمين المحبي والريحانة للشهاب الخفاجي والسلافة لأبن معصوم المكي فلم يتم له ذلك وبقي في المسودات وانتثر وتبدد والمنية عاقته عن نشر هذه الفوائد السنية وله رسائل أدبية وديوان شعره سماه منائح الأفكار في مدائح الأخيار وأخبرني بعض أودائه ورفقائه ان المترجم نظم المغنى في النحو وألف حاشية على الكامل للمبرد وكان من المنتمين لوالدي وأحبابه وأودائه وأخصائه هو وأخوه أحمد وللوالد عليهما كمال الألتفات وله في الوالد مدائح كثيرة فما قاله فيه ممتدحاً ومهنياً بمنصب الفتوى بقوله منع الحمى إلى آخره ومن شعره قوله من قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم مطلعها قفوها إذا شعب الفوير لها عنا ... تقضي لبانات الغرام لها عنا وهيهات يجديها الوقوف عشية ... بدار عفت منها المعالم والمغنى أبيت بها طاوي الحشا يستفزني ... تجاوب أصداها إذا ما الشجى أنا لعلي أرى النادي الذي خيموا به ... وجروا على أرجائه للهوى ردنا تضوع منه جوه بعبيرهم ... وناجى برياهم به الغصن الغصنا ونمت عليهم في السرى حيث يمموا ... نوافح عن أنفاس دارين أغنتنا فكل مقر آنسوا فهو منتدى ... وكل حمى حلواً هو الروضة الغنا تراهم اذ ما أحدجوها واسأدوا ... تطير ارتياحاً تقطع السهل والحزنا وان ورد وأطاب الغدير وغادروا ... به من رحيق الثغر ما فضح الدنا وان هيمنت من نحوهم نسمة الصبا ... عرفنا برياها سراهم وأيقنا أهل بعد ما بانوا يمر بفكرهم ... معنى عليه البعد في جوره أخنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وهل حققوا مني حنيناً مبرحاً ... يزيد بأشجاني إذا ما الدجى جنا وهل عجبوا ان قد أسا الركب عنهم ... وبين الحنايا أحكموا لهم كنا ولي شاطئ الوادي بشرقي ضارج ... حمى سكن لم انتجع دونه حصنا كلفت به حتى إذا استحكم الهوى ... بحكم الهوى فارقت مأهوله الأهنا فما زلت أبكيه وأندب أهله ... إلى أن شكا نضوي التباريح والحزنا ولي كبد أودعتها في ظلاله ... وجسم بأنحاء اللوى لم يزل مضنى أكلفه مما يعانيه نهضة ... فيقعد بي قسراً يكابد ما أعنا وفي كبدي ما في الفضا من تأجج ... يسب إذا الحادي بذكراهم غنا فما يبتغي مني عذولي وقد رأى ... زخارف ما يبديه لم يلج الأذنا بعض بنان الراحتين تلهفاً ... ويصبح من فرط الأسى قارعاً سنا لترقى بسقط السفح بالسفح مقلة ... وتكري به والسهد قد لازم الجفنا فأي فتى بالبان شام وميضه ... ولم يذر منهل الشؤون به مثنى فيا سائراً يطوي الفلا بامونه ... ويجعل وادي الحرتين لها بطنا إذا استشرفت عيناك كثبان رامة ... وذاك النخيل الغض والمنزل الأسنى وساق لك المقدور ما كنت طالباً ... وبردت ما أروي الفؤاد وما أضنى وجئت مقاماً ضم أشرف مرسل ... وأكرم مبعوث له ربه أدنى ومرغت خد الذل في ذلك الثرى ... وأذللت دمعاً فيضه يخجل المزنا فقل يا عريض الجاه وأفاك لائذاً ... بعلياك من هيضت قوادمه وهنا وله من قصيدة مطلعها دعني أكابد لوعتي ووجيبي ... وأشق في نهج الغرام جيوبي وأجيل في تلك المعاهد مقلة ... جادت مواطرها بكل صبيب وأفك من ربق الاساءة مهجة ... ملأت جوانحها شرار لهيب مستنجداً صبري الجميل لعله ... يتنابني في موقف التأنيب لله ليل بت أرصد نجمه ... حيران أوصل أنة بنحيب مغرورق الأجفان لا ألوي على ... عذل ولا أصغي لقول مريب والبدر يغري بي الوشاة كأنه ... غيران من كلفي وحسن جيبي حتى إذا ركضت جحافل فجره ... وتبسمت علياه غب قطوب وهوت كواكبه تشق بجندها ... حجب الظلام وترتمي لغروب وعلمت أن لا طارق أطفى به ... زفرات وجد في الحشا مشبوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 فصرمت شيطان المطامع مذرياً ... درراً تبل محاملي ونجبي وطفقت أنتجع الديار مسائلاً ... رسماً ومن لي أن يكون مجيبي لا أرعوي النجوى وليس بنافعي ... حنقي ولا ذلي يلوم رقيبي فأرح مطي عناك من أسأدها ... أمؤنبي وأقل من تثريبي لا بعد شت الشمل شعب يقتني ... طللاً ولا قلبي الحمي بربيب أين القطين وأين مشتجر القنا ... بل أين ذات الأسم والتلقيب غالتهم دهم السنين بمكرها ... ودعتهم بروائع التشبيب ما آن صفوك يا زمان أما كفى ... رحل الشباب ولات حين مشيب والعمر قد ولى كطيف معقباً ... حسرات مفؤد وندب كئيب سرعان ما ذهب الصبا وتقلبت ... أفياؤه وأتاح فرط لغوب فإلى متى الأطماع تعترض الفتى ... بكواذب الآمال والترغيب أفلم يكن وعظاً لديه وزاجراً ... وخط المشيب وكثرة التجريب من لم يرعه الفجر من صبح الدنا ... لم تزد جره روادع الترهيب فأفق من الغفلات يا قلبي الذي ... أعياه حمل اساءة وذنوب كم ذا تعللني ببرق خلب ... وتروم مني فعل كل معيب ان الليالي لم تزل حركاتها ... في الكون ذات تقلب وضروب فاحسر نقاب الغي عن وجه الهدى ... واخلع جلا الأهواء والتعجيب متفيئاً ظل الرسالة لأنذا ... بحمى الشفيع وجاهه المرهوب وله يمدح والدي وذلك حين تولى افتاء الحنفية بدمشق الشام منع الحمى أهلوه أن ينصدعا ... فسقته عن سح السحائب أدمعا وصغت مسامعها لسجع حمامة ... عند انبلاج الصبح لما رجعا يا ويحها ضربت على أغواره ... كللاً غدا فيها العميد مولعا طلل حسبت الركب دون نجوده ... مستشرفاً تلك الظباء الرتعا أبكيه وهو بما حواه آهل ... وإليه أشكوه ومن لي لووعا كيف النزوع وأهله في مهجتي ... شاد والهم بيد الصبابة مربعا واستخلصوا مني الفؤاد وما اكتفوا ... حتى بجمر الهجر شبوا الأضلعا وتمنعوا حيث الأسنة والظبي ... يحمون حوزتها إذا الداعي دعا وترى الغيارى تستدير عيونها ... حذراً وتبتدر العوالي شرعا يعدو بها من كل أجرد ضامر ... يزري بايماض البروق إذا سعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 يغنيك عن ضوء الصباح جبينه ... ويريك لوناً كالدياجرا سفعا فمن امتطاه لا يشك بأنه ... ركب الغمام وسار فيه مسرعا أمؤنبي عن ذكر بانات اللوى ... وتولعي فيها وقولي يارعى منها مه لأتفه الا بذكر حديث من ... أهواه ان كنت الفتى المتوجعا أنا من عرفت غرامه وهيامه ... ومن استبد به الجوى وتولعا لم يحل لي الا ادكار عهوده ... ومديح من حاز المقام الأرفعا ومن استظل الدهر في أعتابه ... وسعى إليه خاضعاً متضرعا وأبان حسن ضيغه عن حمله ... وأراك في برديه ليثاً انزعا وسرت عوارفه بآزاق العلى ... تدعو فمن يرد الخضم المترعا وعلى اسرته يلوح سنا الهدى ... حتى تخيله البروق اللمعا وببشره يلقاك حين تؤمه ... تبغي مراحمه ولن يتمنعا فلكفه في كل شخص نعمة ... تأبى غواديها بأن تتخشعا ولعزمه في كل صعب همة ... يجلو بأدناها الملم المجزعا ومنها فالمجد فيك لقد تعاظم شأنه ... حتى بذاتك في الأنام تجمعا والفضل شرف اذ غدوت نصيره ... والعلم بالغر المنيع تدرعا وسمت بعلياك الرفيعة أهله ... زهر الكواكب والبدور الطلعا وأتت لك الفتيا تجر ذيولها ... مدحاً وترجوك المقام الأمنعا خطبتك وهي دخيلة وتمنعت ... كبراً لغيرك في الورى أن تضرعا قل لي إذا لم تقبلنها من لها ... أتروم مع علياك أن تتضيعا فافد فتاويك التي ما قررت ... الا من الهندي أمست أقطعا وانشر مباحث للهداية ضمنت ... تدع الغوى محوقلاً مسترجعا وأسلم لها أذانت من أكفائها ... وذر السوى متضجراً متفجعا لله درك من فتى ما زاولت ... أفكاره أمراً وأخطى المدعى يهب الهبات الغر لا متغيراً ... وجهاً ولو منح البحار تبرعا من ذا رأى ندباً تملك بالندى ... الصيد الأماجد قبل أن يترعرعا أبي لبابك قد نسأت قوافيا ... كالزهر أو كالزهر حيث تضوعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 ومنها أبي وأني غرس نعمتك التي ... أسقيتني البشرى فأثمرت الدعا من ذا يشكك ان لفظت جواهراً ... وعلاك أودع مسمعي ما أودعا وأبيك لم أبرح أجيل قرائحي ... فيما حويت وأطرب المتستمتعا حتى إذا استوفيت عمري وانقضى ... أجلي ووافيت المكان البلقعا أبقيت ما يتلى على اذن الورى ... من طيب ذكرك كل دهر موقعا فأقبل وقابل بالقبول بضاعتي ... المزجاة اذ كنت العزيز المصقعا لا فاتك المأمول فيما تبتغي ... متمتعاً بالدين والدنيا معا ومن عجيب ما يسمع ما وقع بهذه القصيدة وهو أن الوالد لا زال محفوفاً بالرضوان بين حجرة في دارنا البرانية وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فأمر أحد الكتاب أن يكتب هذه القصيدة على جدارها فكتبها بالذهب وتحلت باللازورد والنقش العجيب ولما وصل إلى قوله حتى إذا استوفيت عمري كتب عمرك بكاف الخطاب وصدر ذلك سهواً منه ثم ان الوالد بعد مدة لما اطلع على ذلك تشاءم وفي تلك السنة توفى وأمر بقحطها وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي مطلعها برح الخفاء فلا الغيور يقيك ... كلا ولا بيض الظبي تحميك الا الذي من سقم جفنك ينتضي ... ونراه يغمد في حشا راعيك أيس الهوى من أن يمر بخاطري ... ذكر السلو فعاد بي يغريك فتحكمي في مهجتي وتهكمي ... فيمن غدا بعيونه يفديك ان كنت عالمة بما فعل النوى ... عند الوداع به فذا يكفيك دنف إذا ضرب الدجى أطنابه ... وصل الأنين برنة تشجيك وإذا انتضى برق العقيق حسامه ... هاجت لواعجه بمبسم فيك وإذا الهديل تجاوبت أصداؤه ... جزعاً على ما ناله يبكيك ليس الضني بردافاً خلعه جوى ... حتى رثى لسقامه واشيك فإلى م يكتم لوعة في ضمنها ... جمر يشب بدمعه المسفوك ويرى ركوب الصعب في نهج الهوى ... هيناً ولا التمويه عن ناديك فسلى جوانحه اللواتي صيرت ... مثواك هل في ذاك من تشكيك كم وقفة دون الكثيب رمى بها ... نظراً أطال به التفكر فيك حيران من أسف يعض بنانه ... حذراً عليك مواقع المأفوك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 لم يثنه عن رشف ذياك اللما ... الا اجتناب الظن من أهليك حجبوك لا بالرغم عنه ولو دروا ... ان الحشا مأواك ما حجبوك آنات وصلك لو بأيام الصبا ... والروح تشري ما أبي وأبيك منها في المديح فترى له في كل قطر في الورى ... ذكراً جميلاً ليس بالمبتوك تعتاض عن سمر الحبيب بنشره ... وعن الصبا في ليلها الحلكوك خيم على حب الكمال قد انطوى ... وأنيل ما يبغي بدون شريك وأنامل غراء في تهتانها ... سؤل الغنى وراحة الصعلوك يجري على أرجائها نيل المنى ... لمن التجا لعلائه المسموك لا يستطاع من المهابة أن يرى ... عند التأمل فيه غير ضحوك نسخت بأيديه ونور جبينه ... آي العديم وضلة التحليك وعنى له وجه الزمان وما أبى ... وأجابه باطاعة المملوك ومنها في الأخير أقل العثار عثار من فيك احتمى ... وأتى بعدن من لدنه وشيك اني وان لم أوف قدرك حقه ... ببديع نظم كالنضار سبيك أنا عندليب في مديحك صادح ... بل صادع قلب السوى المتروك لي منك وجه بالبشارة مشرق ... وأسرة كالشمس وهو دلوك وقال أيضاً فؤاد ملؤه شغفوجفن غربه يكفوصبر فل صار مد ووجد فوق ما أصفإلى من اشتكى تلقىومالي عنه منصرف وبي لو حل أيسرهبصلدنا له التلفإذا غنى على فنن حمام البانة الهتفأميل كأنني ثمللدى الحانات معتكف يناجيني ولا عجبكلانا مغرم دنفولكن ابه شجني ولا قد شفه الكلفيبيت معانقاً غصناحوته الروضة الأنف ولي ممن علقت بهنوى يغتال أو صلفأراعي الزهر مكتئبا كأني في السما شغفوأغدو في الحمى ولهابراني الشوق والأسف فهل صب أطارحهحديثي ان دجى السرففطر في لم يذق وسنا وقلبي مكلم وجفسقى عهد الهوى غدقحكته الأدمع الذرف وأياماً نهبت بهاحياة عيشها ترفومن أهدت لواحظه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 لجسمي السقم منعطفرشيق ينثني مرحاًبخصر زانه الهيف إذا أبدى أسرتهلبدر التم ينخسفيعاطيني على ظمأ رضاباً منه ارتشفبحيت الشمل مجتمعكضم اللؤلؤ الصدف فبلغ يا صبا سحراًشجونا ليس يتصفنزولاً في الشام فلا عراها الصيب الوطفبلاد لا تماثلهاجنان لا ولا غرف بها روض المنى خضلوزهر اليمن مقتطفووادي الربوة الغرا للذات الهوى كنفوكم قد خلت من نزهذرى قاسون والشرف مقام الأنبياء ومنبسيماء التقى عرفواوان في الجامع الأموي صبحاً جئت تعتسففلا تهمل سلام شجمشوق شفه اللهف وقل صب لقد لعبتبه الأحداث والعجفبأرض الروم مطرح بكف الشوق مختطفبكى صلد الجماد لمايلاقي والعدا أسفوا إذا هبت شآميةبها من الفها لطفهمت أجفانه وقضى نزاعاً وهو يرتجفوأيم الله ما برحتبه الأطوار تختلف فطوراً ينثني قلقاًلأحداث الأسى هدفوطوراً يحتسي قدحا من الذكرى ويغترفمعانيكم له سمروذكراكم له نتف فهل تهدي لواعجهوما عنكم له خلفوترضيكم أضاعنه بدار دأبها السرفوحتى ما تطاردهدواعي البين لا تقف تجنيتم عليه بلاذنوب كان يقترففصبراً يا فؤاد على صروف ليس تنكشففقد عز اللقا ومضىشباب كنت أئتلف عليكم ما سرى سحراًصبا بالشوق يلتحفسلام جل عن مثل وعن ضاقت الصحف وقال أيضاً غازل الطرف قلبه فاستطاره ... ليت من جفنه المريض أجاره مغرم بالهوى إذا عن ذكر ... من حبيب له أبان اصطباره كلما اهتاجه الجوى أخذته ... لوعة أوقدت على الحب ناره طالما أزعج التشوق منه ... مهجة مضمراً بها أسراره حاولت لوعة الهوى والتصابي ... سلب الروح ان قضى أوطاره ويحه آه كم تراع حشاه ... من جفون بسقمه اماره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 منها سامح الله من دماه غزالاً ... لا عج الشوق في حشاه أثاره يا بلي اللحاظ من آل طي ... بالقنا السمهري يحمي مزاره العس الثغر والمراشف أحوى ... يخجل الظبي حين يبدي نفاره مذ رنا والدلال يعطف منه ... معطفاً يزدري الغصون نضاره صاح من فرط وجده كل صب ... هتك الحب في الهوى أستاره يا هلالاً رمى القلوب سهاماً ... من جفون مريضة سحاره فاتق الله في فؤاد محب ... غازل الطرف قلبه فاستطاره وقال في الصبر إذا رمتك الليالي وهي مظلمة ... بحادث واستطالت شوكة الزمن فاصبر فكم في مطاوي جنحها فرج ... ان لم يجئ وقتها المحتوم لم يكن وله في المداراة يا صاحب الحزم والرأي الصحيح ومن ... يصغي لكل كمال في الورى ويعي قالوا المداراة نصف العقل قلت لهم ... ان المداراة كل العقل فاستمع وله كن كورد الرياض يزداد نشراً ... كلما نالت الأكف جناه واحترز أن تكون كالعود صلباً ... يحرقوه حتى يفوح شذاه وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته بدمشق في تاسع شهر شوال سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه سعيد الخليلي سعيد بن محمد صالح ابن العلامة محمد الخليلي الشافعي القدسي كان فاضلاً موفقاً نشأ في طاعة الله تعالى لا تعرف له صبوة وجد في التحصيل بحسن جده لعلمه بأن المجد للأنسان ليس بأبيه ولا بجده وعمر أوقاته بالمطالعة والطلب ولا يعلم له شيخ أخذ عنه الاعن شيخه الشيخ يونس الخليلي الغزالي فكم دأب وسهر ظلام الليالي مشتغلاً بالعبادة والأذكار هاجرا للطلب فأينع روضه وراق حوضه وكان له فهم حسن وذكاء وكان يطالع لأهل الرغبات في بعض الكتب المتداولات وكانت مخائل النجابة عليه لائحه ولكن قبل نضجه ناحت عليه النائحه وتأسفت الناس عليه عن نحو ثلاثين سنة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن عند جده رحمه الله تعالى ورثاه الفاضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 السميدع السيد محمد كمال الدين ابن السيد مصطفى البكري بقصيدة وهي لمن دار عفت بين الرسوم ... وأخطاها من الغيث السجوم وأوحش أنسها صرف الليالي ... وفارقها الخليل مع الحميم وما الدينا سوى جرعات ريب ... يجرعها اللبيب على الغموم فكن ان أضحكت حذراً فعما ... قريب سوف تبكي بالهموم ومن ظن الخلود بها فعما ... قليل وهو في طي التخوم فأين السالفون من البريا ... وأين هم من البالي الرميم فكم من عالم أمسى رهيناً ... بجفوته أنار دجى العلوم وكم من زاهد فيها تقضى ... ومن ملك وغلاب الخصوم وهذا الفاضل المولى سعيد ... مجد قد غدا نحو الكريم أجل فتى أفاد العلم دهراً ... بذهن ما تلعثم في الفهوم وكم من مشكل أبداه حقاً ... بما قد حاز من ذوق سليم جميل الخلق والأخلاق طرا ... تحلى من حلى اسم الحليم له في المسجد الأقصى دروس ... حلت في ذوق سامعها الفهيم وكم أحيا به روضاً أريضاً ... من التمجيد في الليل البهيم سليل أماجد من خير قوم ... لقد سلكوا على النهج القويم وسبط المصطفى الهادي فأنعم ... بجد شافع وأب رحيم ووالده زكا أصلاً وفرعاً ... بوالده الامام على العموم هو الشيخ الخليلي حبر علم ... وبحر معارف وربا علوم وأزهد من هدى فيما روينا ... وشيخ بني الزمان بلا قسيم أقام شعار من سلفوا بخير ... ونال من الرضى أو في السهوم مشى في طاعة وعفاف ذيل ... وحسن شمائل وجمال خيم ولم يطل المقام بدار دنيا ... وذا دأب الخيار من القديم وحين دعاه داعي الموت لبى ... وسار مسارعاً عفو الرحيم فاقفرت الديار وغاب عنها ... هلال واستهل سنا النجوم فمن للعلم أو للذكر يبدي ... ومن للرشد والفضل العميم وقد أرخت حين قضى ببيت ... فجاء فريدة العقد النظيم محمد السعيد نسيب طه ... سرى نحو الجنان مع النعيم فيا رباه زده رضى وعفواً ... وتقديساً بمرقده الوسيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 دواماً ما تثنى غصن بان ... وناح الطير بالصوت الرخيم وما البكري كمال الدين يشدو ... لمن دار عفت بين الرسوم الشيخ سعدي العمري سعدي بن عبد القادر بن بهاء الدين بن نبهان بن جلال الدين العمري الشافعي الدمشقي المعروف بابن عبد الهادي الشيخ العالم الفاضل البارع الأديب الناظم الناثر نادرة العصر ويتيمة الدهر كان من محاسن أدباء دمشق مفنناً كاملاً ولد بدمشق بعد الثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلم فقرأ على جماعة من شيوخ دمشق منهم العلامة الشيخ عثمان الشمعة قرأ عليه مختصر المعاني والبيان وشرح الكافية للجامي وأجاز له الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وبرع في النحو والمعاني والبيان والأدب ونظم الشعر الحسن والنثر البديع والخط المعجب ورحل إلى الروم في سنة احدى وثلاثين وخدم سلطانها السلطان أحمد خان رحمه الله تعالى بقصيدة كل بيت بتاريخ حين بنى خزينته لكتب العلم وولي تولية مدرسة دار الحديث الكائنة بدمشق وبعده أخذها المولى محمد العمادي وكانت سابقاً على والده تولاها لما مات العلامة الشيخ عبد القادر الصفوري وكان مدرس المدرسة المذكورة ومتوليها وصادف انه كان بالروم صحبة الأستاذ الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل مكة فوجهت إليه وترجم المترجم الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه بارع تشق فكرته جيوب الظلماء ويشف طبعه كما يشف الزجاج عن رائق الماء مد للكمالات ذراعاً فاقتعد من سمائه مرزماً وذرعاً وطلع في أفق المحاسن نجماً متقداً واستخلص جواهر الألفاظ منتقداً فأبرزت أصداف رويته درر المعاني وتفتحت كمائمها عن زهر الأنسجام للمعاني فما تخيل معنى الا وآوى إليه ولا أجرى قلما الا وتراكمت القوافي عليه لم ينضب له ماء اقتضاب ولم يصد لمخيلته افرند قرضاب قد جمع بين الظرف والرقة بلطف صير حبات القلوب رقه يألف السمر كما تألف الرياض بلبلها والجوانح مبلبلها فإذا نظم بهر أو نثر فزهر على نهر أو تكلم استنكفت النحور عن جواهر البحور إلى نسبة لا تطاول وسؤدد لا يحاول وفكاهة ترد الشب شباباً وتسترق من ذوي النهى آراء والبابا ولما استقل بالوجاهة استقلالاً واكتمل بدره بعد ما كان هلالاً نزع للروم بداً وورد عذبها مطرداً فتأرجت بأنفاس نظامه واستهدت برفعته وأعظامه وكان في نفسه حاجة فقضاها واكتفى بها مسيرة وارتضاها فخلص منها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 إلى عشه خلوص التبر من غشه وما تجهم له محياً ولا تنكر ولا ترنق له صفو ولا تكدر حتى نقد عمره قبض وفي بحبوحة العفو ربض ففقدت باراً يشفق وعضداً لي ومرفق ولي معه أنات تفدي بالروح وتهزأ بالروض المروح طالما جانبني بها أطراف النظم والنثر وقرط سمعي منها بالثريا والنسر وسا ورد عليك ما يضم عليه الأضالع حسناً وتعطر بنشره شفاها ولسنا انتهى مقاله ومن شعره ما مدح به صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام وهو قوله شجته ثنيات اللوا فبكى وجدا ... وعادت بفيض الدمع مقلته رمدا ومر به ذكر الأجارع فانثنى ... حليف غرام لا يقر ولا يهدا يكتم خوف الشامتين عناءه ... ويلبس صوناً عنهم جلداً جلدا ودون تراقيه كوامن لوعة ... يهجيها ذكراه رامة أو نجدا إذا هدأ السمار هوم واغتدى ... يوسد وجدا بطن راحته الخدا وكيف يبيت الليل من كان وامقاً ... وقد ملأ التذكار مقلته سهدا بحيث معاناة الصبابة والهوى ... تمادت به حتى تجاوزت الحدا فأصبح مطوي الضلوع على جوى ... يزود بقايا الروح والنفس الأهدا أسير هوى جارت عليه يد النوى ... وغالته حتى ما يؤمل أن يفدى وألقته عن قوس الحواجب فارتمى ... إلى حيث لم يسطع لأحبابه ردا صريع بأرض الشام تندى كلومه ... وقد تخذوا غور الحجاز لهم مهدا وكيف يرجي القلب من كان موثقاً ... وقد أوسع المقدور شقته بعدا متى أعمل الأطماع في مهمه الرجا ... أقيمت عوادي الدهر من دون حدا سقى الله من دمعي إذا فاض غربه ... معاهد لم أخفر لذمتها عهدا بحيث الصبا النجدي وهنا إذا سرى ... يصافح في أرجائها الشيخ والرندا وطيب ليال كنت في طي جنحها ... أراوح من نشر القبول بها الندا مضت فأثيرت جمرة الشوق والهوى ... بها فكأني ما وجدت لها بردا لك الله يا برق الحجاز إذا هفا ... وجدد في قلبي الصبابة والوجدا وهب على أكناف رامة موهناً ... يساجد منها النور ان لاح وامتدا تحمل إذا يممت أشرف مرسل ... من المغرم المشتاق أشرف ما يهدى نبي به الأكوان من نور ذاته ... تبدت لكي يبقى له شرف المبدا نبي حوى سر النبوة واهتدى ... وآدم ما عانى الحياة ولا اعتدا نبي هداه الله من صلب ساجد ... إلى ساجد حتى يكون به الأهدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وقدس في الأرحام أصداف نوره ... وكيف وقد ضمت به الجوهر الفردا إلى أن تجلى للوجود وأشرقت ... أسرته كالشمس والقمر الأهدى وطافت به الأملاك شرقاً ومغرباً ... بلاغاً بأن الله قد صدق الوعدا فلاح عمود الحق وانبلج الهدى ... وأقشع ليل الشك من بعد ما اشتدا وقام بنا والحمد لله داعاً ... إلى الحق مختاراً لنا العيشة الرغدا فلبته من أقصى الشعوب سرائر ... وناجته أرجاء بالسنة الأصدا وجدد من نجوى الست بربكم ... وقول بلى منا الوثائق والعهدا وأنهلنا ورداً من الأمن سائغاً ... وأكسبنا فضلاً وأوسعنا رفدا وهب إلى تأييده كل أروع ... تدرع بالايمان محكمة سردا أتوا بقلوب آنست بمحمد ... مشارع دين الله قد عذبت وردا حموه ببأس لا يفل وعزمة ... تصدع ان لاقوا بها حجراً صلدا وكل دقيق الساق أجرد فوقه ... أشم حديد المتن يفترس الاسدا وسمر لدى الهيجاء بيض فعالها ... وبيض غداة الروع سود الأعدا ليوث وغى يوم الهياج رأيتهم ... وقد ثبت الأقوام أثبتهم جندا وكيف وفيهم أكرم الخلق من سما ... إلى السبع مختاراً فجاوزها فردا بحيث توارى عنه جبريل وارتقى ... معارج قد عزت على غيره بعدا وصار لمجلي قاب قوسين الغا ... من القرب أو أدنى فأدرك ما استجدى نبي هدى لولاه ما نال آدم ... سجال الرضى مما أصاب وما أبدى وما خمدت نار الخليل التي غدت ... تشب ولا كانت سلاماً ولا بردا ولا أنس النور ابن عمران عندما ... تجلى له من جانب الطور فانهدا ولا شملت من قبل قبضة نوره ... سرائر أهل العزم فامتلأت رشدا فيا خير من تحيى القلوب بذكره ... وتأمن من بعد الهداية أن تصدى وأوضح من أبدى وأشرف من هدى ... وأصدق من أدى وأكرم من أسدى قصدتك والجاني المفرط هل يرى ... سواك إذا اشتدت مسالكه قصدا وليس لنا الا رجاؤك عدة ... إذا اقتدحت أيدي الخطوب بنا زندا وأطلعنا اليوم العبوس وكلنا ... هناك حيارى لا غشاء ولا بردا وقد نضت الآمال فضل قناعها ... وفاجأنا وجه الصحائف مسودا وأنت على نهج الحقيقة واقف ... تشاهد ما أخفى القضاء وما أبدى بحيث لواء الحمد يخفق والورى ... تلوذ به مستشرفين بك الخلدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 لتسعدهم منا بفضل شفاعة ... يجاز بها متن الصراط إذا امتدا فأنت لما ترجوه خير مؤمل ... وأعظم من تأبى خلائقه الردا وأكرم من تغشى ذيول قبوله ... مدائح من أثنى وقد بلغ الجهدا فيكمل بالاسعاف سعدى وينثني ... بفضل رسول الله منصلح المغدا عليه وباقي الصحب أوفى تحية ... تجدد مع أثنى الصلاة له حمدا وله أيضاً سلام على المبعوث من خير عنصر ... إلى أمة عزت به حين وافاها نبي هدى لولا موارد هديه ... لما حمدت أهل الهداية مسعاها عليه صلاة الله ما لاح كوكب ... تصافح ذياك الحمى عند مغداها وله أيضاً ظنوني وان ساءت فعالي جميلة ... بمن هو في فعل الجميل جميل وكيف وعندي للنبي علاقة ... تحدثني ان المحب دخيل وله تنزه عن التدبير واصطحب الرضى ... ولا تتخذ في الأمر رأياً ولا قصدا فإن مقادير الأمور إذا جرت ... تحل من التدبير ما استحكم العقدا وله جادت لنا باللقا موشية الحبر ... ذات الخلاخل ريا المبسم العطر تختال بين صموت من دمالجها ... وناطق من تناجى حليها الهذر لميا المراشف معسول مقبلها ... هيفا المعاطف بين الطول والقصر ترنو بأكحل يغشاه الفتور فما ... تفيد من غازلته رقية الحذر تسبي الأنام بوجه كالصباح غدا ... مطرفاً بدجى الطراف والطرر ومنطق في فم الأسماع أعذب من ... روائع قد برتها رنة الوتر عاطيتها ودواعي الانس تمرح بي ... من المنى ما أجادته يد الفكر من كل مخطوبة للسمع تحسبها ... من لطفها اعتصرت من نسمة السحر تجلي بأبدع ألفاظ فرائدها ... تحكي عقود ثنايا ثغرها العطر والبدر دوم نحو الغرب وانفضحت ... عرى الثريا لما عانت من السهر وقد نضى الفجر برد الليل مبتدراً ... يحكي أسرة تلك الأوجه الغرر بيض الصحائف من أضحت مأثرهم ... استغفر الله في العلياء كالسرر ومن لهم في المعالي كل مكرمة ... دلت على فضل ما نالوه بالأثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 قوم جسام مساعيهم لها أبدا ... إذا دجى الخطب فعل الصارم الذكر جلوتها بعيون الفكر فابتدرت ... بحسن أمداحهم مملوءة فقرى وعاد صعب القوافي الغر طوع يدي ... إذا تجارين لا تقفو سوى أثرى وكنت فيهم وقد أضحوا بحور ندى ... كغائص يتقصى أحسن الدرر وهكذا كل من يغشاه طيب شذى ... في الروض لا يهتدي الا إلى الزهر يا سادة أحرزوا رق الثناء بما ... أولوه من أنعم تنهل كالمطر اليكم بنت فكر في رود هنا ... أعيت على سانحات البدو والحضر بوارد يتسامى في معارجكم ... ليجتني زهرات الفضل من عمر تاريخه جاء في بيت فرائده ... تلوح في صفحات السمع كالشذر نجل به حبى الاسعاد حين بدا ... والحمد لله في العلياء كالقمر لا زال يبلغ في أفيائكم ربقاً ... يرمي بها كبد الحساد بالشرر ما مزق الفجر أثواب الدجى وشدا ... طير على فرع غصن في الربا نضر وله مؤرخاً تجديد الدارة التي في الحجرة الشريفة النبوية المكتوب فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما أنا النير السامي على كل فرقد ... لأني في أكناف أكرم سيد ألوح كبدر التم حسناً وأجتلي ... ملامح نور الحق من غير مشهد وكيف وقد ضميت أسماء من لهم ... لو أشرف يضفو على كل سؤدد محمد المبعوث للخلق رحمة ... وأكرم هاد للأنام ومهتدي وسيدنا الصديق أكرم صاحب ... كذا السيد الفاروق أعظم مرشد فلا برحت سحب الصلاة مع الرضى ... تصافح منهم مرقداً بعد مرقد وعمت أماني من هداني لبابكم ... شفاعة خير العالمين محمد بشير قديم العهد في ظل وسوحكم ... له أمل يفضي لا شرف مورد فيا أشرف الرسل الكرام اغاثة ... لمن لاذ بالأعتاب يا خير منجد وها حاجتي في ضمن بيت مؤرخ ... نما مفرداً في حسنه كل مفرد بجاهك يرجو العفو يا سيد الورى ... وبالسيدين الزاكيين مجددي وله ان الذي قلب المعنى كواه ... طارحتي ذكر المنايا هواه بات يعاطيني كؤوس المنى ... تذكر العهد الذي قد طواه فانحل سلك الدمع من مقلة ... كحيلة بالسهد ترعى سهله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 حتى ذوت أفنان صبري به ... وحركت غصن التياعي نواه خلعت سلواني على لائمي ... ولم أعر سمعي لتلك الوشاه فان نأى فالقلب في أثره ... وان دنا كلى عيون تراه أبيت والآمال قد أكحلت ... عيون وجدي أسفاً بانتباه لولا النوى جارت وصبري انقضى ... ما بحت بالشكوى ولا قلت آه وله عجبت لهذا الدهر كيف انقلابه ... بأطوار ذي حزن وحالات جذلان فإن أمس مسروراً أبيت بأزمة ... وإن راق لي يوماً تكدر بالثاني ومن نثره قوله المولى المشار غيه خلد الله أنواع السعادة عليه ولا برحت حياض فضائله متدفقه ورياض مساعيه بأنواع المحامد مورقة ما أخضل بمديحه يراع فأزهر بروائع الأبداع المعروض أثر رفع الأكف بالدعاء المفروض ونشر ألوية الثناء على فنن تلك الموارد الحسناء هو أن ترادف الأمطار من أجفان كل ديمة منعت هذا العبد عن التمتع بتقبيل تلك الأيادي الكريمة وحبستني حبس الغريم وألزمتني العزلة عن كل صديق وحميم غير اني مما يجلب الأنس من البيضاء والصفراء فارغ الأكف ملئ الأواني والأماكن من النق والدلف انتقل في كنى من زاوية إلى زاوية تنقل الخط من مركز الدائرة إلى احاطة متساوية فالمرجو ممن اخاطبه عز مقامه وجانبه ان يدفع عن هذا الداعي حرارة السوداء بشيء من البيضاء والصفراء وله الفضل في الدنيا والجزاء في الأخرى وان لا يرجع رسولي بخفي حنين عبوس الوجه صفر اليدين. ولا برحت كفاك يا ملجأ الورى تفك ذوي الأيسار من قبضة العسر وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته بدمشق في يوم الأربعاء رابع عشر جمادي الثانية سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح ورؤي بعد وفاته بخطه هذان البيتان تاريخاً له وهما قوله جد الهي على محمد سعدي ... ذاك يحثي بتوبة يا حميدا منك بالفضل بعد تحقيق سعدي ... أرخوا طالب ختاماً حميدا السيد سعدي بن حمزة السيد سعيد بن السيد عبد الرحمن بن السيد محمد الحسيني الحنفي الدمشقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 المعروف كأسلافه بابن حمزة السيد الشريف الحسيب النسيب العالم المحدث الفاضل الفرضي الحيسوب كان ماهراً بالفرائض له خبرة ومعرفة بالهندسة والمساحة ولد بدمشق في الساعة الرابعة من يوم الأربعاء عاشر شوال سنة خمس وسبعين بعد الألف ونشأ بها وشغله والده وجده في طلب العلم والجلوس بدروس العلماء وأخذ عن جده ووالده الأديب الذي هو أوحد من تفرد بالمعاني الأنيقة والبدائع الشعرية وعن عمه السيد إبراهيم المقدم ذكره وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وعن الشيخ محمد بن سليمان المغربي وعن الشيخ محمد الكاملي الدمشقي وأبي المواهب الحنبلي وأبي الفضل عبد الحي بن أحمد وأبي الفلاح ابن العماد العكري وأحمد بن محمد الصفدي نزيل دمشق والياس الكردي وأبي بكر بن علي السليمي الدمشقي وغيرهم من علماء دمشق وأخذ عن علماء غيرها كالشيخ إبراهيم ابن عبد الرحمن المدني الخياري حين قدم إلى دمشق وحين رحل إلى مصر أخذ بها عن جماعة منهم الشيخ محمد بن داود العناني والشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشيخ عبد الباقي بن يوسف الزرقاني والشيخ أدهم البصير وشاهين بن منصور الأمناوي والشيخ محمد بن قاسم البقري وغيرهم ورحل إلى الحجاز وجاور مدة وأخذ عن جماعة منهم السيد محمد البرزنجي نزيل المدينة المنورة والشيخ حسن العجيمي المكي والشيخ أحمد بن محمد النخلي المكي والشيخ عبد الله بن سالم البصري والشيخ إبراهيم بن أحمد البري المدني والشيخ عبد الرؤف بن محمد الواعظ المكي وغيرهم ودرس بدمشق بالماردانية بالجسر الأبيض بصالحية دمشق وبالمدرسة الجوزية داخل دمشق ورأى والده له مناماً يعلن له بالخير وهو في سنة احدى وثمانين بعد الألف وكان في صغره انه واقف في داره وولده المترجم بين يديه وعن يمينه وشماله جماعة مستكثرة فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد أقبل من جهة يمينه وأخذ يعوذ ولده المترجم ويقول ما شاء الله لا قوة الا بالله فأفاق والده وهو يردد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واتفق انه بعد مضي جمعة طعن وقاسى خطراً من ذلك وعوفي ورأيت بخطه أبياتاً من نظمه كتبها إلى عمه المولى السيد عبد الكريم النقيب وذلك في عيد الأضحى في سنة ثلاث ومائة وألف مخاطباً له بذلك بقوله يا سيد السادات والأشراف ... والواحد المعدود بالآلاف بشراك بالعيد السعيد مضحياً ... بعداك فيه بصارم الأسياف في كل عيد دمتم بمسرة ... وسلامة وبرغد عيش صافي كن في أمان الله محفوفاً بما ... تهوى من الاسعاد والاسعاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وأسلم ودم في عزة ومسرة ... وسماح أخلاق وعهد واف وكتب إليه أيضاً بقوله أمولاي يا قس البلاغة من رقى ... إلى ذروة العلياء بالفضل والمجد كريم وعبد للكريم ومن غدا ... وحيد ذوي الآداب واسطة العقد ونأمل منكم أن تمنوا بفضلكم ... بأوراق منظوم يتم بها قصدي ودمتم بعز ثم مجد وسؤدد ... وخير واقبال يدوم بلا حد وكانت وفاته في سادس عشر شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة بني عجلان خلف قناة الذبان في سوق الغنم بالقرب من الجباوي رحمه الله تعالى. سليمان المدرس الحلبي سليمان بن خالد بن عبد القادر المعروف بالنحوي الحنفي الحلبي العالم الفاضل البارع المفضال النحوي المفنن المحقق الماهر كان والده من امراء الأكراد الكائنين في ناحية حلب وولده المترجم نشأ بحلب وقدم دمشق وقرأ بها وحصل الفنون وحضر دروس مشايخها وأخذ عنهم منهم الشيخ يحيى المغربي نزيلها وغيره ثم رجع بعد تحصيل الفضل التام لحلب وتوطنها واشتهر بها بالنحو وتولى تدريس جامع الفردوس وغيره وأخذ عنه الأفاضل وتفوق واشتهر وترجمه الأمين المحيي الدمشقي في ذيل نفحته وقال في وصفه روض فضل مطير عرفه فواح عطير يتطاير الجد عند انقداحه فيوري زند النجاح قبل اقتداحه صحبته بدمشق ابان التحصيل والهمة تعقد بيننا وبين التفريع والتأصيل ونحن في بلهنية هنية نقطف زهر الحياة جنيه فلم أعثر منه على ريبه ولم أعهد منه حالة غريبة وكان له حظوه لم تقصر له عن سابقنا خطوه فثوب الاعتبار لباسه ونور التوفيق اقتباسه ثم رحل إلى بلده حلب بفضل وافر وكمال يهون به كل صعب متنافر فتنازع البلدان فيه صبابة وكلاهما جم الغرام طروب فاجتنى الآمال لذة الفروع وامترى حلوبة العيش ملآنة الضروع وأحرز قصب اليراع فحاك وشيا ما يحاك بالابتكار والاختراع فالأرجاء بأضوائه مؤتلقه والأراجي من الآملين به معتلقه وله شعر مختار كأنه جنى نحل مشتار انتهى ما قاله ومما وصلني من شعره قوله من قصيدة أولها روى الملث بسيبه الفياض ... ربعا به زمن الشبيبة ماضي ورعى ظباء فيه قد طارحتها ... ذكر الغرام بأعذب الأحماض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 في روضة غنا بغوطة جلق ... يجري اللجين بها على الرضراض مع كل معسول الثنايا لحظه ... عند الفتور أحد غضب الماضي يفتر عن حبب يجول خلاله ... ماء الحياة لميت الأعراض أقول وقوله بغوطة جلق إلى آخره هي بقعة بناحية دمشق الشام ذات أزهار وأشجار ومياه ومحاسن وأطيار تشتمل على عدة قرى ذات أدواح وغياض ورياحين ورياض وغير ذلك وقد أجمع جواب الأرض ان منتزهات الدنيا أربع وهي شعب بوان وصغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق قال أبو بكر الخوارزمي وقد رأيتها كلها فكان فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على سائر الأماكن فبذلك يكون له الرونق البهيج النضر والمحاسن البهية فأما شعب بوان فهو كورة من نواحي نيسابور منسوب لبوان بن أفرح بن أفريدون قد ألحفتها الأشجار وجاست في خلالها الأنهار وهي فرسخان في سئلها وأما صغد سمرقند فهو نهر تحف به بساتين وقصور اثني عشر فرسخاً في مثلها وأما نهر الأبلة فهو نهر من أعمال البصرة وعلى جانبه بساتين كأنها بستان واحد قد خ أشجارها في يوم واحد وهو أربعة فراسخ وأما غوطة دمشق فإنها بقعة مشتبكة القرى والضياع لا يكاد أن يقع للشمس على أرضها شعاع لألتفاف أشجارها وطولها عشرة فراسخ في عرض خمس فراسخ انتهى ذكره غير واحد من أهل التاريخ كصاحب تحفة العجائب والقزويني ومن شعر صاحب الترجمة قوله مضمناً يا مليكاً قد سبى كل الورى ... وعزيزاً عز من رام حماه كيف لا أزداد شوقاً اذ غدت ... قبلتي وجهك في كل صلاه وقوله في القرنفل مشبهاً ألا حبذا في الروض زهر قرنفل ... ذكي الشذا قاني الأديم مورد إذا ما بدا للناظرين صيته ... مجن عقيق فوق غصن زمرد وكانت وفاته في حلب في سنة احدى وأربعين ومائة وألف عن نيف وثمانين سنة ودفن خارج باب قنسرين بتربة الشيخ نمير رحمه الله تعالى وأموات المسلمين سليمان سوار سليمان بن مصطفى بن مصطفى المعروف بابن سوار كأسلافه الشريف لأمه الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل البارع الصالح كان موفقاً لمرضاة الله تعالى مع حسن السلوك وكان فيه البركة سالكاً مسلك أسلافه وله يد بالعلوم وفضيلة تامة ولد بدمشق ونشأ بها واشتغل بالعلوم وقرأ على جماعة منهم الشيخ محمد الغزي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الدمشقي مفتي الشافعية لازمه وقرأ عليه في ابن عقيل وأخذ عنه وقرأ على جماعة من علماء العصر وتفوق وأعاد درس قبة النسر في الثلاث أشهر بالجامع الأموي وكان ملازماً هو وأخوه الفاضل السيد عبد الوهاب المتوفي بعده في سنة سبع وثمانين ومائة وألف في عمل المحيا بالجامع الأموي وفي جامع التيروزي كعادة أسلافهم وحج إلى بيت الله الحرام وبالجملة فهو أفضل من أخيه وكانت وفاته في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربتهم بقبر عاتكة رحمه الله تعالى. السيد سليمان القادري السيد سليمان بن عبد القادر بن أحمد بن سليمان الدمشقي القادري الشيخ العلامة المحقق الصالح العابد ولد بدمشق وبها نشأ وقرأ وتفوق وجد على المشايخ ورجال عصره بتلقي العلوم والأخذ ولازم الدروس ومن مشايخه العلامة الشيخ عبد الوهاب الفرفوري مفتي دمشق والشيخ نجم الدين الغزي الدمشقي وغيرهما ودرس وأفاد بعد العصر في الثلاثة أشهر عند محراب الشافعية بالجامع الأموي مدة ثم ترك ذلك ودرس مدة بين العشائين في الحديث والرقائق ورحل إلى الروم كما أخبرت مراراً وأخذ وظائف كثيرة بدمشق وأعطى تدريس السليمية بصالحية دمشق وخطابة السليمانية بالميدان الأخضر ووعظ السنانية وقف سنان باشا وكان ملازماً مواظباً على خدمة الاستاذ الكبير سيدي الشيخ أرسلان رضي الله عنه هو وأخواه الاستاذ الكبير الشيخ صالح والخير الدين الشيخ السيد تاج العارفين القادريين وتوفي أخوه الشيخ تاج العارفين المذكور قبله في سنة تسع وتسعين وألف وكان هو القائم بأعباء أمور أخويه ومتعلقاتهما وله تصرف عجيب وعقل وافر وبالجملة فان صاحب الترجمة كان من العلم له القدح المعلى والقدم الرأسخ وكانت وفاته في يوم الأربعاء رابع ربيع الأول سنة خمس عشرة ومائة وألف ووجه بعده تدريس السليمية للشيخ عبد الغني النابلسي ووعظ السنانية للعلامة الشيخ عثمان الشمعة وخطابة السليمانية وبقية الوظائف لولده السيد أحمد رحمه الله تعالى. سليمان السمان سليمان بن السمان بن محمد بن حسين بن محمد المعروف بابن الدب الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية أحد النبلاء الأفاضل كان فاضلاً أديباً كاتباً بارعاً ولد بدمشق وجد بنفسه وقرأ على الشيخ أحمد الحرستي كاتب الفتوي وانتفع به وأتلمذ له واختص به وعلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 غيره وبرع في العلوم خصوصاً بالفنون الأدبية وكتب الخط المنسوب وكتب بخطه كتباً ثم رحل للروم إلى دار الخلافة قسطنطينية واستوطنها وسلك بها على طريق القضاة وتخلص على طريقتهم بمخلص جميل ومهر باللغة التركية والكتابة بها وتردد إلى أعيان الدولة وتولى النيابات وترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه هو ممن هذبه الزمن وشرى من الأدب ما هو غالي الثمن واستسقى من ماء النباهة حتى ارتوى واحتوى من الفياقة على ما احتوى بلسان حديث زلق ومنطق سهل طلق يكاد يقدح بعضه من بعض جمراً ويأتي من مخترعاته أمراً أمراً وهو يقع ويقوم ويتجرع ما هو أمر من الصاب والزقوم ونفسه تحدثه بالرفعة وأفكاره تسول له من الحضيض رفعه إلى أن أفاق الدهر من غشوته ولان لحاله بعد قسوته فأسنده إلى بعض الرؤساء ولم يدخل في زمرة البؤساء فمنحه بما ارتضاه حتى أدخله في سلسلة القضاة وقد أطلعني على قطع من نظمه الذي كعقود الجمان ونثره القائل لسان حاله انه من سليمان وسأتلو عليك ما هو ألذ من لبن لم يتغير طعمه ولم يتخط الاصابة سهمه فمن ذلك قوله مادحاً ومؤرخاً تقليد منصب الفتيا في الروم للمولى محمد بيري زاده المعروف بصاحب وهو الا هكذا ترقى هضاب المناصب ... وفي مثله يزدان صدر المواكب علوت على بهرام عزاً ورفعة ... وفقت سمواً فوق أعلى الكواكب جزى الله عنا كل خير أمامنا ... وخلده في الملك رب المراتب أبان سناء الشرع من أفق ماجد ... تدين له العلياء من كل جانب وقد لاح ثغر الدين وافتر ضاحكاً ... سروراً بما أسدته أيدي المواهب ولما غدا للناس في كل نعمة ... ولياً أطافوا حوله للمطالب وقد معوا تاريخه ونعوته ... بأشرف بيت فاق لمع الثواقب بهاء وافتاء وحزم بسؤدد ... وسعد باقبال وعلم بصاحب وقوله في تاريخ عذار هذا على جودهفي الأرض سح غمامههذا الوحيد بعصرهقد أقبلت أيامه ما الورد الا خدهحف به نمامهما الصبح الا وجهه تبدو لنا أعلامهالمجد بردك سيديفيك انطوى أقسامه في ليلة القدر التيتم بها نظامهمسك العذار أرخوا يمن بدا ختامه وقوله رياض علوم فاح منها دلائل ... وأنهارها في كل علم مسائل تخبر فتواها بورد ورودها ... إلى ماجد طابت لديه المناهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وحنت إلى نجل الحياتي وشابهت ... شموس ضحى دلت عليها أصائل ومن نظمه قوله بي أغيد يسبي الأنام بعطفه ... ومليحة تشفي السقام المعضلا يستعبد الألباب باهر حسنه ... والشمس من وجه الحبيبة تجتلي جاذبته القدح العتيق فانبرت ... غضباء تصفق في الخدود الأنملا فغدا يعنفها بحسن جماله ... وجمالها يبدو إليه ما جلا وسدتها يمناي أبصر مغضباً ... فتركته كالظبي يرتع في الفلا وأنا نعمت بكل شيء منهما ... في ليلة غراء من نجم الطلا بتنا ونحن من المدامة نستقي ... حتى رأينا الصبح أسفر مجتلي ودعتها فبكت وقالت لا تحل ... للغيد يوماً حيناً بك أجملا ومن نثره قوله ملغزاً أخبروني يا جهابذة الروم وأنبئوني يا أساتذة المنطوق والمفهوم عن اسم ذي حرفين أولهما حسن زين وثانيهما كالقوس من غير مين ذنبه مقدم على رأسه في ترتيب حروف الهجا وهو في الجمل على العكس جا رأسه مجوهر مسبع وذنبه مقوس مركع رأسه في ذنبه مذكور يقول الصاحب ابن عباد جعلت جفني واصلاً والكرى ... راء فجد بالوصل فالوصل زين ولا تجني عن سؤالي بلا ... فالقلب يخشى كرب لا يا حسين أصله لباس أهل الجنان والعجب منه انه من حيوان ذو أخوات كثيرة وأجناد وميره وهو لا يخطر بساحتهم ولا يتحرم بحركتهم إذا كسر أوله كان رخيصاً وان فتح كان فعل ماض وبالدرية عزيزاً وبيصاً وان عكس كان في لسان العوام قبة الاسلام يعلوها مات الجبابره والملوك الأكاسره وهو ضعيف وجسمه نحيف تارة يشبه لون العشاق واخرى يماثل الأحداق تعظمه المسلمون والنصارى واليهود وجميع الخلق في ذلك شهود وقد بلغ في الاشتهار رابعة النهار يا ابن عمي شكله كعمي يا ابن خالي جوفه خالي اختلفت الأقوال في مكانه فإذا سئل العالم عنه قال لا يوجد عند أقرانه بل هو قطب الدائرة الاثني عشريه وكالنقطة في مركز الخلقة السنيه وإن سألت العامة عن مكانه قالوا هو كالبدر في قرص سمائه أخوانه تتزواج وتدخل في غالب الأوقات وهو خال عن الزوجة والبنين والبنات وإذا صم إلى كلام الزور كان اسم طائر فوق العصفور ان تحير فيه عقلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وتاه فيه فكرك فضع عمامتك قدامك واقبض على لحيتك الشريفة تجده أمامك بغير تفكر ولا تحير أخواته توجد في قول الشاعر لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر أجيبوا يا كرام ومني لكم أشرف تحية وألف سلام ومن نثره أيضاً ما كتبه للمولى محمد سعيد الشهير بقرا خليل زاده وهو اذ ذاك صدر الروم الحمد لله ملهم الحمد وصلى الله على رسوله محمد وآله الكرام ما هدر حمام ودر هطال وكر عصر ومال مطلع أسرار العلوم والأعمال وملمع سواطع سماء المحامد والآمال مصد دوائر العلماء الأعلام ممهد أحكام الحلال والحرام موطئ دلائل العدل مدمر أهل المكر والعلل وأحد العصر أوحد الدهر. علم وحلم والوداد له حلا والرحم والاعطاء والاطعام محمد الاسم محمود الرسم طود السعد والسعداء حسام الله مطحطح الحساد والأعداء عماد الدول الأعصم عصام الملل الأكرم. مداح كساها الدر وهو معطر حلل السماح ممسكاً ومعوداً كامل الأطوار والأحوال حاسم أهل الأهواء والأهوال دام أمره مطاع لهدر دماء آل الوسواس وهدم صوامع أهل الأسواء والرعاع ألا وهو صدر الروم وعالمها وممهد أحكام الله وعاملها أطال الله عمره وأدام للعالم حكمه وأمره وحرسه وحماه وسلكه مسلك حماه والمأمول أعطاه ما سمح كرمكم لمملوككم ولد محرره محمد سعد الله سلمكم الاله ولكم الدعاء والسلام ماكر العصر ودام الدهر وكانت وفاة صاحب الترجمة في نيف وسبعين ومائة وألف في أحد قصبات الروم وكان قاضياً بها رحمه الله تعالى. سليمان المحاسني سليمان بن أحمد بن سليمان بن إسماعيل بن تاج الدين بن أحمد المعروف بالمحاسني الحنفي الدمشقي الخطيب والامام بالجامع الأموي الأديب الحاذق الذكي النبيه كان مطبوعاً سخياً له فطنة وقادة وتحصيل للكمالات ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ على جماعة من مشايخها وبالجملة فقد كان من كمل الناس يتفحص عن الوقائع الأدبية ويكتب ما يستحسنه منها ويشتري الكتب ويقابلها على غيرها ويضبطها ضبطاً حسناً بخطه وكان لطيف العشرة حسن المطارحة عفيف النفس وارتحل إلى دار الخلافة في الروم وصرف بها مبلغاً من الدراهم وباع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 كتباً جليلة ثمة ولم يحصل على شيء من سفرته وصارت له رتبة موصلة الصحن لما ولي حكومة دمشق الوزير محمد باشا العظم وكانت قبل ذلك له رتبة الداخل وحين جاء عرض له بذلك وللمولى أسعد بن خليل الصديقي برتبة دار الحديث السليمانية وللمولى السيد حمزة بن علي العجلاني نقيب الأشراف برتبة الصحن فجاءت لكل منهم ذلك من شيخ الاسلام المولى محمد سعيد ميرزا زاده مفتي الدولة العلية ولما توفي رئيس الكتاب في القسمة العسكرية يحيى بن إبراهيم الجالقي أخذ الرياسة عنه وباشرها فلم يجل في بابها وأراد أن ينهض فكبا ولم تطل مدته وتوفي وكان يتولى النيابات بمحاكم دمشق ودرس بالجامع الأموي حين جاءت العساكر المصرية إلى دمشق وأخذتها وواقعة ذلك مشهورة أغرض على آغا اليرلية بدمشق يوسف أغا الشهير بابن جبري ونسبه لأمور خالية عنه وإنه خان الدولة وارتشى من رئيس العسكر الأمير محمد المعروف بأبي الذهب وكان الأمر بخلاف ذلك فبعد تمهيد الأمور وعود أهالي دمشق اليها حصل له رعب شديد من آغا اليرلية المذكور وتحقق أذاه له فبعد مضي مدة قليلة غضب على المذكور والي دمشق الوزير عثمان باشا وخنقه في قلعة دمشق وضبط ماله لطرف الدولة العلية وبعد موته ألف صاحب الترجمة في حقه رسالة سماها البغي والتجري في ظهور ابن جبري وذكر فيها ترجمته وأحواله واشتهرت الرسالة في وقتها ولم يزل المترجم على حالته إلى أن مات وكان من أحباب والدي وأودائه وللوالد عليه حنو وعطف وكان يكرمه كثيراً وله فيه مدائح فمن ذلك قوله ممتدحاً والدي بهذه القصيدة ومطلعها سرت النياق وهزني منها شجن ... وغدت نحن بذا المسير إلى الوطن وأهاجني برق تراآى اذ حدا ... حادي الظعون بهم وروعني الحزن لله يا حادي الركاب بمهجة ... قد أورثت وجداً وشوقاً للدمن ما أنت يا حادي بخلي في السرى ... دعها ومل نحو الديار إلى العطن هذا العلي أبو المكارم من غدا ... غيث الزمان إذا به محل قطن ذو الرأي والتدبير حبر كامل ... مع فضل سحبان له خلق حسن فالبحر يزخر من مواهب جوده ... والدر والياقوت ليس له ثمن لا غر وان السيل يحكي كفه ... فالكف أسبق بالنوال إذا هتن منها وعلى ثنائي للجناب ملازم ... وسرائري تنبي بذلك والعلن ما فيه عيب غير إن يمينه ... قد طاولت أعلى السماك بلا وهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 لا زال يرفل في السيادة دائماً ... ما طاف عبد بالمقام له وحن أو ما ترنم طائر في بانة ... يشدو بأخان لدى غصن أغن وله من قصيدة امتدح بها والدي مطلعها سقاك المزن يا دارا بحزوي ... وأخصبك الربيع بها وأروى وحياك المهيمن ما تراءت ... بدور من مغانيك لمثوى بدور قد عهدت بهم وفاء ... بذات الضال ما أهناه حبوا تذكرني الشبيبة كل وقت ... ورغد العيش بالجرعاء مأوى رعى الله المعاهد والمغاني ... وإن كانت من الأعمار تطوى فدع عنك المغاني ثم عرج ... لشهم العصر ساميه كرضوى امام في العلوم حوى أيادي ... بسعد يالها منحا فتروى تسامى لا البدور له تحاكي ... وأين البدران يحكيه زهوا منها فوافى بابه تجد التهاني ... وتمنحك الهداية منه عفوا بعز فوق هامات الثريا ... ومجد ناله شرفاً بتقوى فظل النصر يخدمه دواماً ... ووافته السعادة حيث يهوى وقال مشطراً أحمامة فوق الأراك تبني ... قد فاح بالترجيع عرف شذاك ما أنت أول من بكى لصبابة ... فبحق من أبكاك ما أبكاك أما أنا فبكيت من ألم الجوى ... متذكراً لمقيل ظل أراك أجريت فيض محاجري بتذكري ... وفراق من أهوى أأنت كذاك وكتب في صدر رسالة وهو في الروم قوله سقى الله أرض الشام صيب رحمة ... تروم على سحب الهنا برباها فكم لي بمغناها سوالف وقفة ... تقضت بصفو ما ألذ مناها وقفت على ماضي المعاهد أدمعي ... إلى أن يعاني الطرف طيب ثراها ومني على من حل موطن جلق ... لألف سلام من مشوق هواها ومما اتفق له من المساجلة مع الوالد وسادة أجلاء في روض تفتح زهره وصفا نهره واعتدل هواؤه وراق جلاؤه فقال المولى إسماعيل المنيني وندى أنس بالأهلة مشرق ... وباوج علياهم سناهم يشرق قد طاب أنساً بالهناء وغردت ... فيه البلابل والمياه تصفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 والروض فاح عبيره لنسيمه ... الخفاق والأزهار فيه تعبق وزهت كؤس الصفو في أرجائه ... صرفاً ليحسوها الفؤاد الشيق ثم أنشد والدي فقال والروض يعبث بالنسيم تاؤدا ... لما غدا ماء العذيب يرقرق والورد غض مطرق لرؤسه ... شبه الذي هو بالخجالة مطرق لم أنس ليلة زارني في تيهه ... وعذولي النمام ذاك الأزرق ثم أنشد البارع محمد شاكر العمري فقال لا كان عذالي ولا كان العدا ... فالقلب من عذاله متقلق وسقى الحيا روضاً به نلنا المنى ... بأحبة قلبي بهم متعلق من كل بدر كالغزالة وجهه ... وقوامه غصن بفرع مورق وجبينه صبح وطرة وجهه ... ليل وصفحته كورد يشرق ثم أنشد صاحب الترجمة فقال عاطيته كأس المدام وبيننا ... عهد أكيد بالمحبة موثق عهد يطول وإن تلاحى عاذل ... فبوجهه أيدا يذل ويطرق وعلى المحبة قد طويت أضالعا ... حتى القيام وكل فرد يسبق والبدر يفتضح الظلام كما بدا ... فلق الصباح على الروابي موثق ثم أنشد المنيني المذكور فقال وغدا به قلبي يعذب في الهوى ... والجسم مضني والنواظر تحدق ااراك تسلو يا خلي مهفهفاً ... حلو الشمائل بالفؤاد معلق صاد القلوب بلحظه فنباله ... بالفتك من سهم المنية أسبق وحوى جمالاً باهراً جل الذي ... أنشاه بدراً بالمحاسن يشرق ثم أنشد والدي فقال من عصبة هم للرياض عبيرها ... ونسيمها الفواح فيها يعبق حلواً بقلبي شبه سكان الحمى ... كل له في القلب شمس تشرق ولذاك إني مولع في حبهم ... ولسان حمدي بالفصاحة ينطق ولطالما إني أشنف مسمعاً ... في حب من في حبهم أتعشق ثم أنشد العمري المذكور فقال هم أهل نجد والعقيق وحاجر ... شنف بذكراهم فقلبي يحرق وأدر لنا ذكر العذيب وبارق ... مع طيب سلع والأبيرق يبرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وانشق به ريح الخزام لعلنا ... من عرف ذياك الحمى نتنشق دار بها قد حل أشرف مرسل ... طه النبي الصادق المتصدق ذو الجاه والشرف الرفيع ومن به ... كل الأنام إلى علاه تنطق ثم ختم المحاسني المترجم فقال صلى عليه الله ما ركب سرى ... نحو العقيق وما أشرأبت أنيق والآل والأصحاب ثم ومن تلا ... من بعدهم في الدين هديا حققوا ما غردت ورق الحمام سواجعاً ... وسرى نسيم الروض فيه يخفق وللمترجم متشوقاً إلى دمشق حين كان في القدس في سنة ست وسبعين ومائة وألف شوقي لجلق ذات المنهل العذب ... أهاج وجد غرامي زائد اللهب يا زاجر العيس شوقاً نحوها دنفا ... في مهمه الفر يبدي شدة اللغب عرج هناك لصحبي ثم بث لهم ... وجدا تزايد بالأيقاد كالشهب فيا رعي الله حيا بالشام لنا ... ذات البشام وذات المبسم الشنب قد حال رسم ترى عما عهدت بها ... أم ظل يبكيه دمعي زائد السحب لم يبرح الشوق مني نحوها أبداً ... حتى أوسد رمساً في ثرى الترب أم كيف أنسى ربوعاً بالهنا عمرت ... بين الأحبة لما طال مغتربي دار بها البشر واللذات قد سلفت ... ما بين أهل الصفا في غاية الطرب وأهالها وسقاها الله كل ندى ... بكل منسجم الهطال منسكب معاهد الألف والأحباب من وطن ... قد حن قلبي لمرآها السني العجب فعمر الله مغناها بكل مدى ... ما حن نازح ألف من جوى نصب ما هب شمأل روض في غصون ربا ... أو ناح طير على عال من القضب وله غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة الحرام سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربتهم بباب الصغير ووافق يوم وفاته وفاة السلطان الأعظم مصطفى خان بقسطنطينية المحروسة رحمهما الله تعالى. السيد سليمان الحموي السيد سليمان بن نور الله بن عبد اللطيف الحموي ثم الدمشقي المعروف بالسواري الأديب الماهر الشاعر الكاتب أحد السابقين في ميدان الأدب قدم دمشق واستقر بها أخراً نزيلاً عند نقيب الأشراف بدمشق السيد العلامة محمد العجلاني ثم من بعده عند أخيه السيد حمزة العجلاني النقيب وولده السيد حسن وكان من أخصائهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 ومداحهم وكاتبهم وغالب قصايده في مدحهم وأنزلوه منهم المنزلة الرحبة والمكانة العلية وقاموا بلوازمه ومعاشه إلى أن مات بدمشق وكان اشتهاره في الأدب والكتابة ورأيت بخطه كتباً كثيرة وخطه مقبول وترجمه السيد الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه حرفته الدواة والقلم ولديه في البراعة تلقى أعنة السلم وله طبع سبكت تبره الأيام وصقلت حديد ذهنه من صدا الأوهام بوجه فيه الفلاح يتوسم كأنه در يوقده ثغر تبسم وقد أوقفني من شعره على ملح غضة الشفوف فجردت منها كل بيت كان الحسن عليه موقوف ثم ذكر له من شعره وأنا أطلعت على ديوانه فأثبت هنا منه ما استجليته واستحليته فمن ذلك قوله أدر الكاس من جفونك صرفاً ... فهي لا شك تصرف الهم صرفا وأسقنيها حتى ترى كل عضو ... في ذا منطق يجيدك وصفا يا بديع الزمان حساً ومعنى ... وفريد الا وان حسناً وظرفا ومعيراً لعزال لحظاً وجيداً ... ونفاراً والبان قداً وعطفا بالذي زاد مقلتيك احوراراً ... وفتوراً يسبي العقول وحتفا والذي قد أعار خصرك مني ... سقماً ثم زاد ردفك عسفا قم بنا لعدمت مثلك خلا ... نختطف لذة الشبيبة خطفا حيث رق النسيم واعتدل الوقت ... وعنا طرف الحوادث أغفى في رياض بها البنفسج يروي ... عن شذا صدغك الممسكن عرفا قد كساها الربيع حلة وشى ... فهي تحكي رياض خديك لطفا وانتهز فرصة المسرة واركب ... نحوها من سوابق اللهو طرفا واجعل الورد والأزاهر فرشاً ... عبقرياً ووارف الظل سجفا وانثر الدر من حديثك حتى ... أتخذه عقداً وقرطاً وشنفا فهو يغني عن مطربات الأغاني ... وقيان يطربن عوداً ودفا وأجزني بأن أقبل خديك ... ثلاثاً وأرشف الثغر رشفا عل أن تنطفي لواعج قلبي ... ويقيناً أظنها ليس تطفى أيها الأغيد الذي ترك القلب ... حبيساً على الصبابة وقفا فتنتني لواحظ منك ما تنفك ... تتلو من سحرها روت صحفا كلما زدت في المحاسن ضعفاً ... زدت من لوعتي نحولاً وضعفا فوحق الهوى وعيش تقضى ... وزمان من صفو ودي أصفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 إن قلبي فدتك روحي الفا ... لم يرد في الأنام غيرك ألفا كن كما شئت انني بك راض ... ثم عدني ولا يكن ذاك خلفا زادك الله بهجة وسروراً ... وكسى جسمك المنعم لطفا ثم لا زال غصن قدك غضا ... أبد الدهر مورقاً لن يجفا وقال عفا الله عنه وشادن زان قده الميل ... أغن غض الشباب مقتبل ذو ترف جسمه الرطيب إذا ... مر عليه النسيم ينفعل كالماء طبعاً ورقة وكذا ... يضرب في فرط لينه المثل يكاد أفديه من لطافته ... يسيل لولا تضمه الحلل كأنما البدر حسن صورته ... والورد في الروض خده الخجل من ولد الترك ليس يعطفه ... تذللي في الهوى ولا الخيل ذو مبسم رائق حوى درراً ... يحسن فيها النظام والغزل رنح أعطافه الصبا فغدا ... يميس تيهاً كأنه مثل لم يحل للضم عير معطفه ... إذا ثناه الدلال والكفل ترتع في حسنه اللحاظ وفي ... رياض خديه ترتع القبل تيمني دله وزودني ... بقبلة تحت طيها علل وأيدته لواحظ خلقت ... نشيطة الفتك ما بها كسل ينبعث السحر من محاجرها ... فيعتريني النحول والخبل يجعل حب القلوب أثمدها ... فيوهم الناس انها كحل تالله ما الروض حين باكره ... صوب من المزن هامل هطل وقد كساه الربيع أدرية ... من وشى صنعاء زانها الخمل وقام شحروراً يكه غرداً ... بثوبه العنبري مشتمل كأنه معبد علا شرفاً ... فأطرب السمع لحنه الرمل عندي بأبهى وليس أحسن من ... مرآه لما يشوبه الخجل ملكه الله رق أفئدة ... منا وأمر المليك ممتثل لا برح الدهر مالكاً وكذا ... قلوب أهل الهوى له خول وله أيضاً رقة الخصر لجسمي أو رثا ... ليته رق لحالي أورني شادن طاوي الحشاذ ومقلة ... سحرها يسبي النهى إن نفنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 مترف ذو صلف من تيهه ... لم يكن فيما أتى مكترثا من عذيري أو مجيري من رشا ... حال عن ودي وعهدي نكثا هو يحكي الدهر فعلاً فعلى ... حالة والحدة لن يلبثا لم يزل يحلف لا يهجرني ... وهو لا يحلف الا حنثا ليت شعري ما الذي يمنعه ... لو على حفظ عهودي مكثا وبروحي لثغة من لفظه ... حيث ضاهت منه عطفاً خنثا يخرج السين من الثاء إذا ... خاطب الناس بها أو حدثا لست أنسى ليلة إذ ساقه ... بدر تم ثم نحوي بعثا جاء يسعى والهوى قد راضه ... وحباه منه خلقاً دمثا طبت عيشاً إذ صفا وقتي به ... ورقيبي عيشه قد خبثا لست أخشى ثالثاً يفجعني ... لا ولا من حادث أن يحدثا بت يقظان أراعي وجهه ... وهو من جفني الكرى قد ورثا ثم لما إن مضى شطر الدجى ... هب من مرقده وانبعثا يتهادى مسبلاً أردانه ... يعرك الأجفان منه عبثا قائلاً قد عنعث الليل فقم ... لثلاف الكاث فلنقتبثا وقال أيضاً غفر الله له ليس في الأرض والكتاب المبين ... بلدة مثل جلق بيقين دار لهو ترابها المسك لكن ... حصاها من لؤلؤ مكنون هي لا شك جنة الخلد والأن ... هار تجري من تحتها كل حين فسقى الله وادييها وحيا ... ساكنيها بكل جود هنون فسقى النير بين والسهم والب ... وة منها والسفح من قاسيون والرياض التي يفرج مرأى ... حسنها الكرب عن فؤاد الحزين ذات نشر كان في طي بردي ... هـ عبيراً يرفض بين الغصون والقصور التي تصيد بنات ال ... لهو من لجة السرور المعين مهبط الأنس مطمح النفس مأوى ال ... غد بل مسرح الظباء العين كل ريم كأنما الطرف منه ... رائد الحتف أو نذير المنون مخطف الخصر مترف الجسم المي ... باسم عن سني درثمين ذو محبا ينوب عن طلعة البد ... ر إذ لاح في الليالي الجون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 رب وقت راس الهوى منه طلقاً ... شرساً فارتدى بلطف ولين وإني زائري وقد فضح اللي ... ل هلال يلوح كالعرجون ونجوم الجوزاء مالت كخود ... ثملت من سلافة الزرجون والثريا كالقرط في إذن المغ ... رب أو باقة من الياسمين وقد أخذه من قول ابن حمد يس من أبيات وهي قوله والثريا رجح الجوبها ... كأنما ضم لكور جناح وكأن الغرب منها ناشق ... باقة من ياسمين أو أقاح وفي الثريا تشابيه كثيرة منها ما أنشده بعضهم وكأنما نجم الثريا ... إذ تقوس كالوشاح كأس بكف خربدة ... تسقى المسابيد الصباح وقال ابن رشيق في مقابلة البدر للثريا والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطاً كفه ليأخذ جامه وقال الوأواء الدمشقي والثريا كأنها كف خود ... داخلتها للبين رعدة وجد وقال الآخر والثريا كأنها كف خود ... برزت في غلالة زرقاء وقال ابن المعتز من أبيات كأن الثريا والظلام يحفها ... فصوص لجين قد أحاط بها سيج وقال أيضاً ألا فاسقنيها والظلام مقوض ... ونجم الدجى في لجة الليل يركض كأن الثريا في أواخر ليلها ... تفتح نور أو لجام مفضض وللصنوبري في تشبيهها في الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي أواسط السماء قدم ولأبن المعتز فيها قوله كان الثريا طلعة قد تشققت ... وقد أظهرت نوراً ولم تتعقد فقال خليلي زد فقلت مباراً ... كطاس من البلور في كف أغيد فقال خليلي زد فقلت كأنها ... لجام محلي لم يفصل بعسجد فقال خليلي زد فقلت كأنها ... دراهم صفت فوق راحة أسود فقال خليلي زد فقلت كأنها ... نواظر حسناً لم تكحل بأثمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فقال خليلي لم تقصر فقم بنا ... لنشرب راحاً كالزلال المبرد على ضوئها حتى ترى البدر لائحاً ... كسيف صقيل من قراب مجرد وتتمة الأبيات وكان السماء أرض أريض ... فيه نهر المجر ذوب اللجين فتلقيته بأحسن ما يل ... قى محب حبيبه بعد بين وقضينا من التعانق والل ... ثم حقوقاً برغم واش خؤون ثم بتنا معاً ببرد عفاف ... لم يدنسه لوثة من ظنون يالها ليلة من العمر كانت ... حيث بدر التمام فيها قريني جاد دهري بها وذاك عجيب ... أن يجود البخيل بالمضنون لم يكن عيبها سوى إنني لم ... أقض منها كما أحب ديوني فتولت سريعة كخيال ... من ملول بطيب وصل ضنين تلك من جملة الليالي اللواتي ... سلفت في دمشق دار شجوني كلما مر ذكرها بفؤادي ... أغرقنني شؤون دمع هتون فعليها تأوهي وأنيني ... وإليها تلفتي وحنيني وقال أيضاً يأبى شادن بديع المحيا ... أحمراً لوجنتين من غير صبغ لين الملتقى ضحوك الثنايا ... قد سباني بعارض وبصدغ ساحر الطرف الثغ اللفظ قد فا ... ق بيان الذين هم غير لثغ هجر الراء فهو كابن عطاء ... ليته كاسمه للهجر يلغي قلت إذ مر كاسراً جفنيه ... دلالاً وللمقالة مصغي كف عني زبان عقرب صد غي ... ك فقد أثخن الفؤاد بلسغ وابر حسماً كساه جفنك سقماً ... وابغ أجرى فقال لي لست أبغي وله أيضاً قم يا نديمي نياكر القدحا ... أما ترى الصبح زنده قدحا والجو صافي الأديم من كدر ... صفو امرئ في وداده نصحا وقام من فوق أيكه غرد ... يذكرنا بالصبوح اذ صدحا وقد أهاجت لنا الصبا شجنا ... بنشرها العنبري اذ نفحا فحركت ساكن الفؤاد وما ... أسره الوجد فيه والبرحا والدهر أبدى الرضى وجادلنا ... بفرصة والرقيب قد نزحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 فانهض لنقضي من الصبا وطرا ... في غفلة اللائمين والنصحا وعاطني قرقفا معتقة ... صهباء تنفي الهموم والترحا من كف ظبي كأنما غفلت ... أعين رضوان عنه مذ سرحا أحور أحوى أغن ذو هيف ... فداؤه كل من عليه لحا قد أبدع الله خلقه فأتى ... متزراً بالجمال متشحا وقوله من قصيدة رحمه الله تعالى قد نشر الشرق لواء الصباح ... وجرد الأفق متون الصفاح وعطر الأرجاء نشر الصبا ... فانتبهت كل ذوات الجناح والروض حياه الحيا سحرة ... فابتسمت منه ثغور الأقاح ومالت القضب نشاوى به ... كأنها تسقى بماء وراح وقد أماط الورد عن وجهه ... نقابه والسر منه أباح من بعد ما غطى باكمامه ... خدوده من خشية الافتضاح والنرجس الغض غدا شاخصاً ... بنظر شزراً بعيون وقاح والطير قد وافى على منبر ... منادياً حي على الاصطباح فانهض فدتك الروح يا مسعفي ... بحيث ضيق الوقت فيه انفساح وامسح بأذيال الصبا نعسة ... عن مقل سود مراض صحاح وعاطنيها حيث رق الهوى ... صهباء من أنفاسها المسك فاح يديرها ذو قرطق قد سبا ... بدله كل ذوات الوشاح مختصر الخصر هضيم الحشا ... مهفهف القامة شاكي السلاح من طرفه الوسنان مع قده ... واخجلة البيض وسمر الرماح ذو طرة منها استعار الدجى ... وغرة منها استنار الصباح يرنو وكأس الراح في كفه ... فيمزج الجد لنا بالمزاح فهاكها من يده قهوة ... يسري إلى روحك منها ارتياح فاشرب ولا تصغ لمن قد لحا ... فما على أهل التصابي جناح وقال أيضاً من قصيدة أدر المدامة يا سميري ... يا غرة القمر المنير وانهض لنغتنم السرو ... ر مبكراً قبل السفور وامسح فدتك الروح عن ... جفنيك آثار الفتور وانزل على الوادي السعي ... د بشاطئ العذب النمير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 يلهيك عن نهر الأبلة ... والخورنق والسدير أقول نهر الأبلة تقدم ذكره في ترجمة سليمان المدرس الحلبي وأما الخورنق والسدير فقال المحبي في كتابه قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل هو معرب خورنكاه أي موضع الشرب وقيل معرب خورنقاً قصر للنعمان ارتفاعه مائتا ذراع بناه لبعض أولاد الأكاسرة وقيل نهر بالكوفة وبلدة بالمغرب وقرية ببلخ وقد وقع ذكره في كلام الشعراء قديماً وحديثاً وأما السدير معرب سه دله أي فيه ثلاث قباب متداخلة وقيل سه دلى ويسميه الناس سه دلى فأعرب قال أبو حاتم هو السدلى فأعرب فقيل سدير قال عدي بن زيد سره حاله وكثرة ما يملك ... والبحر معرضاً والسدير تتمة الأبيات حيث الربيع كسا الرياض مطارف الوشي الحبيرحيث الجداول كالمنا طق درن من حول الخصور ... حيث الغصون كأنهن معاطف الرشأ الغرير حيث الصبا يجري رخاء ثم ينفح عن عبيرفرعي الاله معاهدي من جلق مغنى السرورذات المنازه والمنازل والجواسق والقصور وسقى رياض النير بين بكل منهمر غزيرلله أوقات سلف ن بظل وارفها المطيرمع كل سحار اللواحظ بالفتون وبالفتور رشأ رخيم الدل فيه صولة الليث الهصورنشوان من خمر الشبا ب يميل كالغصن النضيريحكي الغزالة طلعةوتلفتاً عند الفتور خنث الشمائل شاطر الحركات كالظبي البهيرلم أنس ليلة زارني في غفلة الواشي الغيوروغدا يعاطيني كؤوس حديثه دون الخمور وبلغت غايات المنىإذ بات من أهوى سميريحتى بدا فلق الصبا ح بظل وارفها المطير ... ألا ريحي محمد السامي على الفلك الأثير أقول ومن هذا الروي والقافية رأيت قصائد كثيرة منها قصيد الأديب درويش الطالوي مفتي الحنفية بدمشق المشهورة التي مطلعها أنسيمة الروض المطير ... بالعهد من زمن السرور وهي طويلة وشهيرة ومن ذلك للشريف الرضي الموسوي مطلعها نطق اللسان عن الضمير ... والسر عنوان الضمير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 ولأبي بكر الخوارزمي ومطلعها ان الأولى خلف الخدور ... هم في الضمائر والصدور ومن هذا العروض قصيدة المنخل بن الحارث اليشكري ومطلعها ان كنت عاذلتي فسيرى ... نحو الحجاز ولا تجوري ولإبراهيم بن المدبر قصيدة في مدح المتوكل على هذا المنوال منها قوله يوم أتانا بالسرور ... والحمد لله الكبير أخلصت فيه شكره ... ووفيت منه بالنذور انتهى وله أيضاً وافى الربيع بخبر مقدم وفم الزمان به تبسم والأرض قد لبسب مطا رفها من الوشي المختموتنفست زهر الربافعبيرها الآفاق أفعم وأريج أنفاس الصبا المسكي بالأسحار نسمفتخال هيمة الريا ض إذا سرى شكوى متيمفانهض فأيام الربيع وطيبها للروح مغنم فيم انتظارك يا فديتك والحوادث عنك نومقم فأجلها حيث الزما ن بموسم اللذات أنعمراح يلوح بكأسهاحبب يخال كدور درهم أو عقد در ناصع من غير سلك قد تنظمما تخيرها أنو شروان في الزمن المقدميسقيكها رشأ رخيم الدل ذو وجه مقسم فاشرب وداو بها جراح الهم فهي لهن مرهمبظلال ورد مثل دي باج الخدود إذا تنمنمحيث الصباء لواؤه المنشور بالياقوت معلم ساق كأن قوامه الخطى من لطف تجسمذو مقلة هاروت عل م السحر منها قد تعلموالعندليب بطيب نعمتهعلى غصن ترنم فكأنه يملى علي ... نا فضل من بالمجد خيم وقوله من قصيدة أيضاً نبه الصحب لأرتشاف سلاف ... وأدرها بين الندامى الظراف وامسح الطرف من فتور نعاس ... بذيول الصبا الرقاق اللطاف يا فدتك النفوس داو بصرف ال ... راح روحاً تعرضت للتلاف وأسقيتها من كف ظبي غرير ... لين الملتوى قليل الخلاف باسم الثغر أكحل الطرف المي ... أهيف القد ناعم الأطراف مخطف الخصر يختفي البند منه ... بين طي الأعكان والأرداف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 في رياض حفت بسور تضير ... كجوار ميالة الأعطاف باكرتها غر السحاب بصوب ... دائم السح هاطل مذراف فغدت ذات بهجة كجنان ... حاويات محاسن الأوصاف ناظرت زهرها النجوم فأبدت ... شكلها في غديرها الشفاف فاغتنم فرصة الزمان فقد جا ... د بما تشتهي من الاسعاف ما ترى الليل قد أحس بجيش ال ... صبح وافى فهم بالانصراف وطوى بنده وشمر ذيلي ... حلة زرها على الأكتاف وأغتدي الجو كالمرآة صفاء ... والدراري ما بين باد وخاف وبدا الفجر ضاحك الثغر يحكي ... غرة الأمجد الكريم المطاف وله من قصيدة قد نبهتنا صوادح القمري ... لما ترآءت طلائع الفجر وفاح من نسمة الصبا عبق ... يفوق رياه عنبر الشحر والروض يختال في مصبغة ... يجر أذيالها على النهر وسروه كالقيان إذ خطرت ... لرقصها في مآزر خضر وهذا مأخوذ من قول ابن ظاهر الخباز والسرو فيها كعذارى غدت ... ترقص في أردية خضر وفي تشبيه السر وقول أحمد بن خلوف الأندلسي المالكي وهو وسرو كزنج شمروا الذيل قد غدا ... تهزهم خفق الربابات للطرب أذاه شطت أيدي النسيم فروعها ... ترى حللاً خضراً تزرر بالذهب ومن ذلك قول إبراهيم الملاح ولما رأيت السرو في الروض مانسا ... وأيدي الهوى فيه تزيد وتنقص حسبت رفاعياً أتى قاعة الهنا ... وأسبل فيها شعره وهو يرقص وقال الآخر فكأنها والريح يخطر بينها ... تبغي التعانق ثم يمنعها الخجل تتمة منها والطل في أعين الزهور حكى ... أدمع صب أحس بالشر والجو قد راق والمدامة قد ... رقت كطبع النديم والشعر فانهض فدتك النفوس مبتكراً ... وهاتها قبل ضيعة العمر صهباء تنفي هموم ذي ترح ... إن برزت كالعروس من خدر طيبة النشر في الكؤوس وهل ... بعد عروس يكون من عطر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 يديرها أهيف القوام رشا ... فاق محياه طلعة البدر أحوراً حوى مهفهف ترف ... مختصر الحصر باسم الثغر وقال مضمناً بيت العباس بن الأحنف وشادن صورته فتنة ... يصبو اليها الناسك المتقي لم أنس وقتاً مر بي معجباً ... ينظر في عطفيه والقرطق قلت له تفديك روحي أما ... من رحمة للمغرم الشيق فافتر عن مبسمه ضاحكاً ... كالبدر إذ لاح من المشرق ولم يزل يلحظني طرفه ... شرزاً من الاقدام للمفرق ثم انبرى يشتمني لاوياً ... صفحته كالمغضب المحنق وقال بالله أما تستحي ... انظر إلى المرآة ثم أعشق وقال مؤرخاً روحي الفداء لمن يلوح البدر من ازرارهرشأ كحيل طرفه قد ناب عن بتارهسلب العقول بسحرهويلاه من سحاره متبسم عن واضحعذب اللمى معطار مثل المعاطف قد سقا هـ الدل كأس عقارهيغزو الفؤاد بقامةأغنته عن خطاره فاق الغزالة طلعةقد ذبت خوف نفارهغصن نضير غير أن الصبر جل ثمارهما ضر لو زار المتيممع دنو دياره شغف الجمال به فصار القلب من أنصارهوكساه من استبرق حللاً على مقدارهوأتى الكمال بلا ذوردحله بنضاره وغدا ينمنم عارضيه من لطيف نثارهحتى بدا الوشي البدي ع الوصف من آثارهفي طرس خدار خوه أجاد مسك عذاره وقال أيضاً أجل صدى النوم عن الأعين ... واستقبل الأنس بوجه سني وباكر اللهو زمان الصبا ... سقياً له من زمن محسن وأنهض لوادي النيرب المشتهي ... وأنزل على جانبه الأيمن في روضة غناء مطلولة ... أفنانها تحكيك أذتنني فالليل قد مزق سرباله ... مذ طلع الفجر من المكمن وأقبل الصبح على أشقر ... يختال في ديباجه الأدكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فاستجلها حيث نسيم الصيا ... يعبث بالورد وبالسوسن راح كذوب التبر في كأسها ... قد كللت بالجوهر المثمن يسعى بها أغيد ذو غنة ... يدعى شقيق الشادن الأرعن ريم من الأعراب طاوي الحشا ... هميانه من حدق الأعين تياه يعتم ببوشية ... منسوجة بالذهب المفتن مسكية دارت على وجهه ... فهو بها كالبدر في الموهن أحسن من تاج نفيس على ... كسرى أنوشروان أو بهمن قد رنحت أعطافه في الصبا ... فاهتز يزري الغصن الألين يبدي ابتسام الثغر في خفية ... صوناً لعقد فيه مستمكن هذا ومن ألطف ما قد بدا ... في وجهه من حسنه المتقن إن الشفاه اللآء من دونها ... وشم على كنز اللآلي السني قفل من اياقوت مفتاحه ... من رائق الفيروزج المعدني ساق صبيح حسن فاتن ... بكل عضو منه مستحسن يسقيكها راحاً كنيل المنى ... فاشرب على ورد الخدود الجني وأنشد من الأشعار ما قد حلا ... لفظاً وما خف على الألسن واشرب وطب نفساً ولا تيأسن ... من رحمة البر الغفور الغني وإن قول الحق جل اسمه ... قل يا عبادي حجة المؤمن وقال أيضاً لا تعجبوا إن ريحان العذار بدا ... في وجنة صاغها الرحمن وابتدعا وإنما طوقة السمور قابلها ... فشكله في حواشيها قد انطبعا ومثله للشهاب الخفاجي وظبي من السمور ألبس فروة ... ومال كما هزت صبا سحرة سروا والأعيون الناس من دهشة به ... تخايل أهداباً فتحسبه فروا وللمترجم شمس جمال غربت مذ بدا ... ليل عذارى فلقى كل ضير والحسن قد قال لعشاقه ... مساكم الله تعالى بخير وله لا نظن الذي ترى بمحيا ... فتنة الخلق عارضاً مستديرا إنما طير حسنه حل روضاً ... يانعاً فوق وجنتيه نضيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 فأغتدى ناشراً جناحيه لكن ... لست أدري يقيم أو أن يطيرا ويقرب منه قول الأديب أحمد الشاهيني الدمشقي ومذ تبدى الشعر في وجهه ... بدلت الحمرة بالأصفرار كأنما العارض لما بدا ... قد صار للحسن جناحاً فطار وللمترجم روضة حسن جف نوارها ... واستحصد النب بها واستطاب أما ترى نمل عذاريه قد ... دب لكي ينقل حب الشباب وفي معنى ذلك قول الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي لا تحسبوا شامة في خده طبعت ... هاتيك حبة قلب زاده حبا فدب ينقلها نمل لعذار له ... والنمل من شأنه أن ينقل الحبا وللمترجم وحديقة إحداق نرجسها غدت ... مكحولة بمراود الأمطار حفت بورد شق عنه كمامه ... كالخد يزهو باخضرار عذار بسط الربيع بها مطارف سندس ... قد رصعت بجواهر الأزهار حتى إذا حاز الشروق وقد جلت ... ثغر الأقاح نسيمة الأسحار جرت عليها الشمس ذيل شعاعها ... فتحاً لها قد موهت بنضار أقول لي في هذا المعنى وهو معنى البيت الأخير بيتان كنت نظمتهما في جنينة بني العمادي الكائنة خارج دمشق بمحلة باب توما ولم أعلم أن صاحب الترجمة سبق الي هذا المعنى وابتكاره الأبعد ان نظمتهما وأودعتهما داخل أحد مجاميع شعري وهما قولي قم بي لروض الزهر يا صاحبي ... نغتم زمان الصفو في ذا النهار فالشمس في وقت أصيل لقد ... ألبست الروض مروط النضار وللمترجم عند الصباح سألت الورد يكشف عن ... باهي المحيا الذي بالكم قد حجبا فضم لي انملاً خمساً يمهلني ... حتى ترى الشمس مدت مطر فاذهبا وقال ووردة حمراء قد ركبت ... في وسطها نرجسة ناضرة كوجنة رائقة قد بدا ... بها مثال المقلة الناظرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وقال وكأنما الورد الجني إذا انتهى ... وتناثرت أوراقه عن نظمها خود زهت بغلائل من سندس ... تغري المشوق بضمها وبلثمها هب النسيم فراعها فتساقطت ... تلك الدنانير التي في كمها وقال لا تحسب الورد من ضعف المزاج إذا ... هب النسيم عليه فهو ينفتر وإنما الورد في أبانه ملك ... ذو شوكة وبه الأزهار تفتخر إذا نسيم الصبا وافاه مجتدياً ... يلقي له ألف دينار ويعتذر وقال أيضاً والشمس عند شروقها ملك له ... وجه البسيطة جنة ينتابها والورد كالحور الحسان تنقبت ... بزبرجد فنما بها اعجابها لما تبدى راعهن جماله ... فانزاح عن وجناتهن نقابها وقال بوجنة الورد شمس الأفق قد شغفت ... فقبلتها بلا خوف ولا حذر لكن رأت أثر التقبيل يفضحها ... فنقطتها بدينار على الأثر وقال أيضاً تأن جهدك في كل الأمور ولا ... تضجر إذا سمت بحر الخطب قد ماجا من لم يكن ذا أناة في مآربه ... لم يكس من ورق الفرصاد ديباجاً وقال وما كرب ظمآن بري الماء قربه ... فتمنعه عنه الأفاعي القواتل بأعظم كرباً من شيخ ذي صبابة ... بأغيد تستولي عليه الأراذل وقال وثقيل روح بالمرأة مولع ... سمج المحيا هاذم اللذات أهديته من صيد بازي بومة ... يغنيه منظرها عن المرآة وقال أيضاً حبذا النرجس النضير إذا ما ... راح يحكي لأعين النظار معصماً من زبرجد وأكفاً ... من لجين واكؤساً من نضار وقال ذوو الكمالات والآداب ليس لهم ... حظ من الغيد غير المقت والضرر وأرذل الخلق منهم نال بغيته ... إن الخنازير ترعى أطيب الثمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وقال أيضاً زاح شر يوشه عن الفرع يوماً ... فتدلت لخده أطرافه شبه أوراق جنة قد أظلت ... ورد روض يشفي العليل اقتطافه وقال فيمن سأله عن تحفة العشاق عن تحفة العشاق جاء مسائلي ... رشأ يكف السحر بالأحداق فأجبته يا من فتنت بحسنه ... هل ثم غيرك تحفة العشاق وقال يقولون لي صف من هويت مع اسمه ... فقلت ومن في لجة الحب القاني حكى البدر وجهاً قد أدار لفتنتي ... على جانبيه شده الأحمر القاني ومن شعره فسما بالحواجب النونيه ... وافتراز المباسم الميميه والثنايا التي تصان بياقو ... ت شفاء عقودها لؤلؤيه ووجوه كأنهن رياض ... مشرقات تحكي الشموس المضيه إن حالات من تتيم بالحب ورام الكتمن ليست خفيه بأبي الاغيد الذي قد أثارت ... فتنا واو صدغه الملويه رشأ قد اراش من هدب جفني ... هـ سهاماً لها فؤادي رميه عربي الألفاظ يتسلب العق ... ل بسحر اللواحظ التركيه وبوجه كطلعة البدر يزهو ... بخدود وردية عندميه بهج مشرق حوى قسمات ... تحت تضعيف طرة مسكيه مترف لين المعاطف يهتز ... دلالاً كالصعدة السمهريه أهيف القد مخطف الخصرعبل ... الردف حلو المراشف الالعسيه وكان الخال الذي شرف الله ... به ثغره فحاز المزية حبشي رام التنزه فارتا ... د له أحسن البقاع البهيه فاغتدى بين روضة وغدير ... قرب مسرى أنفاسه العنبرية أقول هو مختلس من قول بعضهم وبين الخد والشفتين خال ... كزنجي أتى روضاً صباحا تحير في الرياض فليس يدري ... أيجني الورد أم يجني الاقاحا وقريب من هذا قول ابن التلمساني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 كأنما الخال على خده ... إذ لاح في سلسلة للعذار أسود يخدم في روضة ... قيده مولاه خوف الغرار تتمة منها أيد الله دره من حبيب ... صلف لم يدع لصبري بقيه قلت اذمر بي ضحى يتهادى ... ساحباً ذيل حلة موشيه يا فدتك الأرواح صبحك ... الله بخير وألف ألف تحيه راقب الله في فؤادي واكفف ... عنه أسياف لحظك المشرفيه وتحنن ولو بطيف خيال ... واحي صبا مشافها للمنيه إن من كنت الغه دام في أر ... غد عيش صباحه والعشيه فانثنى ضاحكاً وقال رويدا ... أنا أدرى بكنه هذي القضيه وقال قد كنت حصلت فصلامن العتاب المنوعوقلت إن زار يوما أقول ذاك ليسمعحتى إذا ما اجتمعنانسيت ذلك أجمع هو مأخوذ من قول بعضهم وقد كان عندي للعتاب دفاتر ... فلما اجتمعنا ما وجدت ولا حرفا وقال قد كان شحرور خال الثغر مسكنه ... بروض وجنة من قد حرت في صفته لكن رأى المنهل الصافي بمرشفه ... فانقض للورد واستعلى على شفته وله غير ذلك من الشعر وكانت وفاته بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى سليمان المنصوري سليمان بن مصطفى بن عمر بن محمد الحنفي القاهري الشهير بالمنصوري مفتي السادة الحنفية بالجامع الأزهر وخاتمة الفقهاء الحنفية بالديار المصرية الشيخ الإمام الفقيه المفنن الأوحد البارع أبو الربيع بهاء الدين ولد سنة سبع وثمانين وألف وتفقه على كل من الشيخ شاهين بن منصور الارمنازي وعبد الحي ابن عبد الحق الشرنبلالي وأبي الحسن علي بن محمد العقدي وعثمان ابن عبد الله النحريري وعمر الدفري الشهير بالزهري وقائد الابياري شارح الكنز وغيرهم واشتهر أمره وبعد صيته وعلا ذكره وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى وأموات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 المسلمين آمين سليمان المجذوب سليمان المعروف بتش تش بتاء وشين ثم تاء وشين الدمشقي الشيخ المجذوب المعتقد المستغرق الولي المبارك كان من المجاذيب والياء الله تعالى وله كرامات وأحوال عجيبة وكانت الناس تعتقده وإذا مر في الأزقة يسرع في المشي وإذا رأى أحداً من الناس يطلب منه دانقاً فبعضهم يقصد مداعبته فيعطيه درهماً أو دينار فيمسح يده منه ويحقه حتى يعطيه إياه ولا يقبل سوى الدانق فيهرب مه المعطى وهو لحقه مسرعاً حتى يعطيه ذلك وكانت الأولاد تجتمع عليه وكان يتكلم بسرعة وغالب أوقاته يكون في سوق البزورية تجاه حمام نور الدين عند باب دار بني المزور وكان دائماً مكشوف الرأس محلوق شعر الرأس واللحية والشوارب وإذا اجتمعت عليه الأولاد يفر منهم ويصرخ وهم يصرخون عليه تش تش فصار ذلك لقب له وفي آخر أمره قبل وفاته بنحو سنتين انقطع في داره وصارت غالب الناس يزورونه بها لعارض حصل له في رجليه وتغير في مرضه حاله للسكون وصار يتكلم بكلام منظوم دون عادته الأصلية واستقام في داره إلى أن توفي في سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته آمين حرف الشين شاكر العمري شاكر بن مصطفى بن عبد القادر بن بهاء الدين بن نبهان بن جلال الدين العمري المعروف بابن عبد الهادي الحنفي الدمشقي أحد الأفاضل البارعين بفنون الأدب كان أديباً أريباً عرافاً حاذقاً لطيفاً نبيهاً فاضلاً صاحب نكت ونوادر حسن المطارحة رقيق الطبع مع خط حسن وإنشاء بديع في اللغة العربية والتركية وكن له نظم رائق وحسن مذاكرة ولد بدمشق في ليلة الثلاثاء بعد العشاء بساعة ونصف السادس عشر من شوال سنة أربعين ومائة وألف وتفوي والده وهو صغير عمه ثلاث سنين وكذلك والده لما توفى والده الشيخ عبد القادر كان صغيراً عمره ثلاث سنوات وهذا من عجيب الاتفاق فنشأ المترجم يتيماً كما نشأ والده يتيماً وقرأ القرآن وأخذ الخط حتى أتقنه ومهر بصناعة الشعر ولازم الاستفادة والدروس ومن مشايخه الشيخ أحمد المنيني والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية ابن عبد الرحمن والشيخ محمد العبي والشيخ أبو الفتح العجلوني والشيخ أحمد التونسي المغربي نزيل دمشق وغيرهم وبرع وتفوق وحصل فضلاً مع أدب أينعت رياضه وراقت حياضه وكمالات ومعارف تفيأ في ظلها الوارف ثم ارتحل إلى اسلامبول واستقام بها مدة سبع سنين ينسخ ويقابل الكتب مع أركان الدولة الذين كان يتردد إليهم وأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 بها بعض العلوم وقرأ على بعض المحققين ثمة ولما توفي أحمد البقاعي نزيل اسلامبول أخذ وظائفه ووجهت عليه لموته عن غير ولد وكانت على البقاعي نصف قرية بسيما من نواحي دمشق بطريق المالكانة فوجهها الوزير محمد راغب باشا صدر الدولة إذ ذاك للمترجم أيضاً والسبب في إعطائها له إنشاء المترجم مكتوباً عن لسان الوزير المذكور إلى شريف مكة فوقع عند الوزير موقع الهيبة والقبول وقابله بالمالكانة المزبور وصارت له رتبة الخارج من شيخ الاسلام المولى فيض الله دامادزاده مفتي الدولة ثم لم يزل يتنقل إلى أن صارت له رتبة ابتداء التمشلي في دمشق وأعطى قضاء جبلة على طريق الاربلق بسعي وهمة من المولى إسحق منلاجق زاده قاضي العساكر في روم ايلي لكون المترجم من اخصائه ومنسوبيه وتولى بدمشق القسمة العسكرية ونيابة محكمة الباب مراراً وفي آخر أمره ترك ذلك ولازم العالم الشيخ عمر البغدادي نزيل دمشق وتلمذ له وأخذ عنه وقرأ عليه التصوف وحضره في التفسير وغيره إلى أن مات وكان رحمه الله إذا حضر بمجلس يبدي الحكايات المستظرفة والنكات اللطيفة وبالجملة فقد كان من الأفاضل والأدباء وله شعر حسن فمن ذلك قوله مشطراً قصيدة العارف بالله محمد بن إسرائيل الدمشقي ومطلعها غنها باسم من إليه سراها ... كي تراها تطير في مسراها واذكر المنزل الشريف لديها ... تغن عن حثها وجذب براها ثم عدها عيون حمزة وردا ... تعد شوقاً إلى شفاء جواها فلديها تلك المناهل تروى ... فهي تشفى لا ماء صدى صداها طالعات من الثنايا سراعا ... تتهادى والشوق قد انضاها ليس تثنى عن المنازل عزما ... لو تبدى لها الردى ما ثناها ناجيات من المفاوز نصبا ... ناصبات آذانها لحداها قد أماطت أزمة الصبر عنها ... والمطايا نجاتها في نجاها جاعلات ريف الشآم وراء ... منذ شامت من طيبة أضواها وترامت تفلي الفيافي شوقاً ... حين أمت من الحجاز هواها قد وصلن الهجير والآل قصدا ... قاطعات من الغرام كراها ثم واصلن يومها بالليالي ... وهجرن الظلال والأمواها كلما خفن في القفار ضلالاً ... حفها النور فاهتدت بسراها ماذا ضلت المفاوز يوماً ... لاح برق من طيبة فهداها حيث نور الهدى بلوح سناه ... ورياح الندى يفوح شذاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 أيها الظاعنون دعوة صب ... صب دمعاً والعين قد أجراها قد أضر البعاد فيه وهذي ... نفسه كثر الخطايا خطاها كم تمنت لقاء تلك المغاني ... فالأماني للنفس ما تهواها ولكم حاولت وصالا لقرب ... وتحول الأقدار دون مناها وإذا ما دنت بنية صدق ال ... قلب قرت عيونها إذ نواها ولئن جادها القبول بحسن القص ... د والشوق لم يضرها نواها خفف الله عنكم ثقل السي ... ر حداة المطي في مغناها ولقيتم في سعيكم وافر الخي ... ر ووطا سبيلكم وطواها وسقاكم على الظما سبيل الغي ... م وروى ركابكم وشفاها وحماكم في السير من عنا العيث ... وقوي ركابكم في قواها إن رحلتم من بئر عثمان نيلاً ... قاصدين الخيام مع ما حواها وطويتم تلك الفيافي سراعاً ... والمطايا قد خف ثقل مطاها ثم شارفتم النخيل صباحاً ... وشهدتم من المغاني علاها وتراءت منارة المسجد الأش ... في لقلب المشتاق نور علاها ورأيتم أنوار ساكنه الأش ... رف والحجرة المنير سناها حبذا ذاك من صباح سعيد ... قرت العين فيه في لقياها ياله من لقاء فوز ونحج ... تحمد العيس عنده مسراها عندما تهبطون خير بلاد ... تر بها في العيون كحل جلاها قد حوت أفضل البرايا جميعاً ... أرضها بالسمو تعلو سماها بلدة حلها ضريح كريم ... يخلى الجلال قد حلاها فيه بدر الدجى وشمس المعالي ... صفوة الله قبل خلق براها وهو هادي الورى ببعثة حق ... والذي نوره جلا الاشتباها سيد المرسلين أحمد خير النا ... س والمرتجى ليوم عناها الرؤف الرحيم ذو الحمد أسمى ... الخلق طراً من كهلها وفتاها فابلغوا ذلك الجناب سلاماً ... حين تاتوا الأعتاب منه شفاها بلغوه كما يليق التحايا ... وصلاة بهولكم رباها وهي طويلة تنوف على مائة وثلاثين بيتاً ومن شعره قوله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية المولى ولي الدين حين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 ولي الافتاء في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف المرة الأولى بقوله زهر العلا من مطلع التمكين ... حلت بسعد في الهدى مقرون أبدت لنا بالبشر أنوار الهنا ... يجلي على الأفضال بالتبيين يزهو بها برج الهنا وبصفوها ... ثغر المعالي مشرق الترصين دانت بعليا من صفا بعلومه ... للخلق سبل الفرض والمسنون كل الورى بالشكر تبدي مذ سما ... حمداً بأدعية مع التأمين الله أسماه إلى شرف العلا ... بالسعد والتوفيق والتزيين لله ما أذكاه من متورع ... كالبدر بل كالليث وسط عرين رد الضلال إلى مشارع شرع من ... جلت شعائره عن التوهين حتى لقد أسدى فأحيى عافياً ... وأبان للسؤال طرق الدين مهما يرم أحد لنائل جوده ... دهراً يصب من دره المكنون نالت به الفتيا مفاخر إذ بدا ... كالليث يحمي وردها عن دون بالسدة العلياء من أعتابه ... ممتاز حق عن هوى المفتون أمته قاصدة على جنابه ... تعنو له إذ كان خير أمين لما رأته بدر فلك سمائها ... وجمالها وافته في تمتين تدعو لسؤدده العباد وترتجي ... جود الآله لشخصه المأمون وتقول هذا سيد العلماء من ... هبت خلائقه بحسن شؤون فالبحر من أقلامه والدر من ... أفضاله قد جل عن ثمين ومن شعره قوله وامتدحني بها حين توليت الأفتاء بدمشق ومطلعها هل لجفن أضحى حليف السهاد ... غير طيف يجود غب البعاد يا لقلبي من الغرام فوجدي ... شب فيه مشيب الأفواد طال شوقي إلى اللقاء ومن لي ... بالتداني لظل هذا النادي يا رعى الله شملنا في رياض ... حيث ورق السرور في الأعواد وغياض قد كللتها زهور ... مشرقات كالدرر في الأجياد والهوى قد أمال منها غصوناً ... كقدود الحسان عند التهادي وبها الماء والأزاهير راقت ... وتسامت بالورد والأوراد حيث كنا ندير خمر المعاني ... بكؤوس الانشاء والانشاد والأماني لنا سوانح فكر ... سطرتها الرواة في الايراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وترانا نميد في سوح فضل ... بيان يشفي غليل الصوادي يالها من رياض أنس حكاها ... شعب بوان نزهة الوراد فكان الزهور فيها استعارت ... عرف خيم الهمام نجل المرادي وكأن الطيور تملي علينا ... وصف زاكي النجار سامي العماد وكأن الأنهار تجري لتحكي ... غيث فضل من ذهنه الوقاد عين شمس الفخار خدن المعالي ... وخليل الاسعاف والاسعاد منها يا هماماً سما بفضل وجود ... وكمال من ساعة الميلاد فاعف واصفح عن القصور وسامح ... شاكراً قد أتى بنغبة صادي وتهنا لدى المعالي بفتوى ... بل لها البشر بل لكل العباد آل بيت المرادي دمتم ودامت ... في حماكم مطامح القصاد فلأنتم شموس جلق حيث ... الفضل فيكم من النبي الهادي وأنشدني من لفظه لنفسه متوسلاً يا نبياً له السنا والسناء ... أنت للخلق نعمة غراء يا رسولاً إلى العوالم طرا ... حيث من فضل نورك الابتداء كن مغيثي يا سيدي ومعيني ... في زمان عنى به الأكداء فلقد أثقل الظهور ذنوب ... طال منها البلاء لي والعناء ليس الا علاك أرجو مجيراً ... يا شفيع العصاة أنت الرجاء وعليك الآله صلى دواماً ... مع سلام لا يقتفيه انتهاء وعلى الآل والصحابة جمعاً ... ما تغنت حمامة ورقاء وله في أعرج ارتجالاً قال العذول لقد شغفت بأعرج ... في مشيه غمز حوى كل السرف فأجبته ما ذاك من عيب به ... ذا غصن بان مال نحوي وانعطف قد شام من شعاقه أيدي المنى ... لعبت بملعب خصره فلذا انحرف ولما قدم دمشق من الروم أحد الموالي الرومية العالم الشاعر الأديب المولى السيد يحيى المعروف بتوفيق قاضياً لدمشق اصطحب معه المترجم واختص به وأقبل عليه بكليته وكان المترجم له اختلاط بأبناء الروم لمعرفته لأحوالهم في استقامته باسلامبول وهكذا عادته فلما انفصل من القضاء وعاد ثانياً قاضياً بمكة المكرمة أهدى للمترجم هدية فكتب إليه صاحب الترجمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 أهديتني فهديتني للحمد إذ ... أوليتني رفعاً على التحقيق وكسوتني ما لا أقوم بشكره ... أنواع ألبسة العلا الموموق فالعذر لي في كل حال انني ... في الوصف محتاج إلى التوفيق وكتب إليه معمياً باسمه بقوله يحيى توفيق وهو أيا من فاق احساناً وحسناً ... وقد أربى على البدر التمام متى توفي بقصد دون صد ... ترى بختي يعيش على الدوام وأنشدني من لفظه لنفسه قوله وعند ولي عن زيارته لنا ... وقد زرته وقت المصيف وفي المشتى فقلت له لا غرو في ذا لأنه ... مثالي من يأتي ومثلك من يؤتى وأنشدني قوله في فوارة ماء بقربها الثريا المصنوعة من القناديل انظر إلى فوارة قد أبدعت ... رقصاً حلا بيد النسائم تهصر فكأنما هي والثريا جنبها ... تومي للثم خدودها اذ تخطر حسناء تاهت بالدلال فكلما ... قربت من الصب المتيم تنفر وله قوله يا خير خلق الله يا من فضله ... عم البرايا حيث كان لها شفا أنت الذي داوى القلوب برحمة ... من دائها ولها بحق قد شفى أنت الذي نجى الورى من بعدما ... كانوا لدى زيغ الضلال على شفا صلى عليك الله ما تليت لنا ... أوصافك الغراء وما قرئ الشفا وأنشدني معنى ابتكره فأجاد وهو قوله قد قال لي الظبي مذ تبدي ... نمام وشي العذار عارض من دولة الحسن قد أتاني ... خط شريف بذي العوارض ومن شعره قوله مشطراً وزارني طيف من أهوى على حذر ... مناد ما بعتاب لذاذ لطفا يبدي الرضى باسماً عن ثغري جزع ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا فكدت أوقط من حولي به فرحاً ... لما أتى في برود الحسن ملتحفا والقلب في عشقه زادت بلابله ... وكاد يهتك ستر الحب لي شغفا ثم انتبهت وآمالي تحتيل لي ... وصلا فما زار حتى مر وانصرفا يا للهوى ما أتى الا ليحكي لي ... نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وكتب إلى بعض أصحابه مستنجزاً وعده بالبطيخ ومداعباً حسبي من المولى مقالة موجز ... والوعد أكرم شيمة للمنجز مولاي يا من فضله جادلنا ... وسما بعز للقريض معجز قد بت ليلي أشتكي حر الظما ... لا أرتوي الا بطيب الخريز ولقد نصبت الأذن نحو الباب مر ... تقباً لآت حالة المستوفز من بعدما مهدت في بيتي له ... كنا حصيناً مانعاً بتحرز ومنعت نفسي من دخولي سوقه ... وانفت من سومي به وتجوزي وشرعت اأخذ أهبتي للقائه ... وجعلت عند الباب يوماً مركزي حاشى وعودك سيدي من أن ترى ... الا على الاسعاف للمستنجز فابعث بها كبد ورتم أشرقت ... تروى الأوام بجوفها المتحزز حمر وصفر عن بياض نزهت ... وزهت بخضرة جلدها المتطرز وأسلم وسدولك البقا تختال في ... اسمي محل بالسعود معزز وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته في ظهر يوم الاثنين السادس والعشرين من ربيع الثاني سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بعد عصر اليوم في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. شعبان الصالحي شعبان بن محمد الشافعي الصالحي الدمشقي الشيخ الفاضل الفقيه الدين الناصح الورع الكامل المتواضع كان كثير الحيا حسن الهيئة وكتب بخطه كتباً كثيرة قرأ وتفقه وقرأ الفرائض والحساب وشيأ من النحو وأخذ في بداية أمره عن الشيخ علي القبردي الصالحي وعن الشيخ محمد البلباني الصالحي وعن الشيخ القاضي حسين العدوي الصالحي وخطب في جامع الماردانية وأم بمدرسة التابكية وكان عليه وظائف ولم يزل على حالة مرضية إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بالصالحية رحمه الله تعالى. السيد شعيب الكيالي السيد شعيب الكيالي بن إسماعيل المعروف بالكيالي الشافعي الأدلبي العالم الفاضل كان أديباً أريباً محققاً هشابشاً لطيفاً عفيفاً من رآه تحقق علو نسبه ولد بأدلب سنة ست عشرة ومائة وألف وقرأ على أفاضلها ثم ارتحل إلى دمشق وقرأ على علمائها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وقدم حلب في سنة ثلاث وأربعين ونزل بالمدرسة العثمانية وقرأ على مدرسها الشيخ محمود الانطاكي ومهر في عدة من الفنون وله رسالة في التصوف سماها الدر المنضود في السير إلى الملك المعبود وشرح على صلوات بن مشيش وله مختصر في فقه ابن ادريس رضي الله عنه سماه تدريب الواثق إلى معاملة الخالق وله شرح لطيف على دالية ابن حجازي وغير ذلك وأما نسبته إلى الكيال فهو جده الأعلى ولي الله تعالى الشيخ إسماعيل الكيال البلخي الأصل قدس الله روحه له كرامات ظاهره وقبره معروف بقرية من أعمال حلب تدعى طربنا وهو إلى الآن يزار وكان صاحب الترجمة له أدبية وشعر أكثره في الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله مضمناً بيتي حسان رضي الله عنه أهيل الود هل منكم وفاء ... وهل جرحي له منكم براء سلبتم بالنوى قلبي ولبي ... وهل للمرء دونهما بقاء قد استولى على كلى جواكم ... ومالي عن تعشقكم غناء إذا ما لامني اللاحي بلوم ... أفوه له بان قل ما تشاء هيامي ليس لي منه براح ... وصبري ليس لي عنه انثناء فكيف وقد جبلت على هواهم ... وعهدي لا يغيره الضناء فهم للروح إن ظمئت رواء ... وهم للعين إن رمدت جلاء أيا سكان طيبة إن فيكم ... يطيب لي التمدح والرثاء نأيتم عن عيوني واحتجبتم ... فهلا كان لي منكم لقاء فبعد الدار عنكم هد حيلي ... وشيبني وما تم الصباء على قلبي تجلى من حماكم ... حبيب قد تغشاه البهاء جميل لا يشابهه جمال ... منير لا يقاربه سناء يعير البدر عند التم نوراً ... وهل الا به ذاك الضياء به الغبراء جاءت ثم قالت ... ومن مثلي فهاتي يا سماء نبي هاشمي أبطحي ... قريشي يمازجه الزكاء منها وما إن جئت أمدحه بنظمي ... ولكن فيه للنظم الثناء به الألفاظ تنفد والسجايا ... لعمر أبيك ليس لها انتهاء رسول الله ما مدحي بواف ... وأين المدح مني والوفاء رقيت من الكمال إلى مقام ... علي لا يقاربه علاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وكيف وقد ملكت زمام حسن ... بشطر منه جاء الأنبياء فأحسن منك لم ترقط عين ... وأجمل منك لم تلد النساء ولدت مبرأ من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء محياك الجميل له ثناء ... لطلعتها حكتك به ذكاء رسول الله يا غوث البرايا ... وملجأها إذا عم البلاء شعيب قد ألم به خطوب ... يضيق الصدر عنها والفضاء ومنها ضعيف عاجز قلق ذليل ... له جرع الأسى أبداً غذاء وقد فقد القوي كلا فأضحى ... وثكلى في كآبتها سواء حزين دائماً حتى إذا ما ... جلاه الصبح كدره المساء ومنها له دارك رسول الله غوثاً ... إذا ما بالذنوب غدا بجاء عليك الله صلى كل آن ... مع التسليم ما لاحت ذكاء كذاك الآل والأصحاب جمعاً ... دواماً لا يرى لهما انقضاء وله عدة نبويات عشقتها الأرواح والنفوس واتخذتها الأحباب تمائم فوق الرؤس وأما غزلياته فقليلة من ذلك قوله وظبي من ظباء الأنس وافى ... بوجه يخجل البدر الاتما وخد فيه جمر شاب ثلجاً ... فواعجبي لجمر جامع الما وثغر قد حوي دراً وشهداً ... فواظمائي لشهد صار طلما وجيد زانه خال كمسك ... وقد ما برا الا وأدمى منها سكرت ولم يكن في الحان خمر ... سوى الألحاظ حين إلي أومى فقلت له وقلبي لم أجده ... لدي وكيف قلبي منك علما فقال وكم لمثلك من فؤاد ... عليه قد وضعت يداً ورسما ولكن أنت طب نفساً فإني ... أمين لا أخون العهد ظلما وله غير ذلك وهذا ما وصلني منه وفي سنة اثنين وسبعين ومائة وألف أراد الحج من جهة مصر فأدركته الوفاة في الطريق رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 حرف الصاد صادق بن بطحيش صادق بن مصطفى بن عبد المحسن بن أحمد بن محمد بطحيش الحنفي العكي مفتي عكة الشيخ العالم الفاضل كان فقيهاً فرضياً له مشاركة في غالب الفنون ولد في سنة تسع عشرة ومائة وألف وأخذ عن خاله العلامة الشيخ أحمد العكي وليس له من التصانيف سوى رسالة مختصرة في التوحيد توفي في محرم افتتاح سنة ثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. صادق الخراط صادق بن محمد بن حسين ابن محمد الشهير بالخاط الحنفي الدمشقي الشيخ اللوذعي العالم الماهر المفنن السابق في حلبة ميدان الأدب والكمال الفاضل الأديب الألمعي الشاعر كان من دهاة الدهر في الأمور الخارجية عارفاً بالأحكام الشرعية وله اليد الطولى في معرفة تنميق الصكوك والتوريق بحيث إنه انفرد بوقته في هذا الفن وله القدم الراسخ في فن الأدب وشعره كثير وكان يتولى نيابة محكمة الباب ولازم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وتزوج بابنته واتصل بها وأخذ عنه وعن غيره ودرس بالمدرسة العمرية مدة قليلة وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أديب قوافيه ثابتة الأوتاد ودون تخيلاته خرط القتاد استبد بالمعاني فلم يبق بها عليه حوج واستعد لها فارتقى أفقها وإليه عرج فهو بها لا تكاد تخطئ حججه ولا يخاض تيار غوره ولا لججه فما تقاعس عليه أمر الا وذلله بتدبير ولا ناواه امرؤ الا وأغرى على تدميره الا أن الكمال حشواها به والفضل مستودع ايجازه واسهابه فعنده ضالة الآداب تنشد ومنه تلقط الفرائد إذا أنشد وناهيك بمن منذ ترعرع سعى للأدب على قدم وساق وراض طرفه في ميدان البراعة وساق فقرطس بسهام اختراعاته أغراضها وشفي بنفثاته عللها وأمراضها ولم يزل على ذلك الانهماك حتى كاد أن يتناول السماك وقد ولته الثمانون أذنابها وأبدت له المنايا نواجذها وأنيابها فتوارت شمس عمره بالحجاب ودعاه داعي ربه فأجاب وله من النظم ما يستعبد أباً عباده ويحلي به الزمان أجياده اطلعت من ذلك على مجموعه بخطه اخترت منها ما هو كالزهر نبهه الندى بنقطه انتهى مقاله ومن شعره قوله معاً رضا قصيدة أبي بكر العمري التي أولها لو تم لي في الحب سعدي ... يا حب ما أخلفت وعدي وقصيدته مطلعها لو كان صبري فيك يجديلجعلته زادي وورديلكنني أيقنت أن مدى جفاك بغير حدوعلمت مذ بعد المزار بأن سهم البين يردي يا غائباً طالت مكابدة النوى وعدمت رشديبالله قل لي ما الذي يا بدر أوجب طول صدىلم أرد ما ذنبي لديك فلم ترى أنسيت عهدي كم ذا أبيت بليلة الملسوع أشكو حر فقديوإلى متى أرتاع من وشك النوى وأليم بعديوإلى م توعد بالوصال ولا تفي يوماً بوعدي أتظن لي عمراً يطول به أبلغ منك قصديهيهات قد طال المدى من أين لي عمر ابن معدييا هاجري من نار هجرك في فؤادي أي وقد سل أنجم الليل البهيم فإنها أدرى بسهديوسل العقيق عن المدا مع والغضا عن نار وجدييا صاحبي قفا بعيشكما على هضبات نجد واستخبر أعمن نأىعن ناظري وخان عهديظبي جعلت كناسه قلبي وأحشائي وخلديفارقته ووددت لوعند الفراق سكنت لحدي يا للهوى هل مسعدأشكو له ما بي وأبدييا بان وادي الجزع لو أنصفتني ما خنت وديمل مثل ميلي أوفد عني في هواه أميل وحدي أنا عاذلي قد عاف لومي مذ رآه غير مجديأنا ينثني غصن الأرا ك لذكر أشواقي ووجديويذوب رضوي إن بثتله جوي في القلب عندي أنا بلبل الأدواح يذهل عند تغريدي ونشديأنا حاسدي فيه رثى لي وعذولي العذر يبديمنهالست الذي أسوا هوا هـ ولو بليت بألف جهدكلا ولا أنسى زماناً فيه قد وفى بوعدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 في ليلة قد زارنيفيها وأشرق بدر سعديفضممت منه معاطفاً وشحتها زنداً بزندومنهايا قلب دع عنك العنا واصبر لما الأيام تبديلا يوم الا مثلهيوم يقابله بضد وله معارضاً قصيدة الأديب السيد محمد القدسي الدمشقي على ذكر غالب أنهار دمشق ورياضها بالتورية لأن القدسي الدمشقي المزبور يدعى بابن الخصيب وقصيدته مطلعها يا نسمة لثمت حبيبي ... وتمسكت منه بطيب وقصيدة المترجم يا نسمة الروض الخصيببالنيرب الغض الرطيبحياك هطال الحيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وحماك من وشي المريبورعى الاله مهبكالزاكي على عرف الجنوب بالله بالعهد الذيما صافحته يد الكذوبوبما جرى يوم النوى من مدمع العين السكوبوبمطلع الأقمار منفلك المحاسن والجيوب وبحكم سلطان العيون على الجوارح والقلوبوبسهمها الماضي الذي يرمي الندوب على الندوبوبمبسم يفتر عنصفو الرضى لا عن قطوب وبكل قد أهيفإن ماس يزري بالقضيبوبمجمع الشمل الذي أهدى المسرة للكئيبوباكؤس الأفراح مندارات ساحات الحبيب وبطيب مصطلح اللقايا نسمة الروض الخصيبإن جزت روض الصالحي ية في الشروق وفي الغروبورأيت غزلان النقافي ظل بانات الكثيب وسمعت أطيار الرباتشدو بحي على الطروبولثمت من بين الأزا هر وجنة الورد النصيبيفتنشقي أرج المنىمن طيبه الزاكي وطيبي وإذا مررت على اللوىمن سفح قاسيون المهيبفتحملي أمثاله شوقاً من القلب السليبواسصحبي نشر القرنفلوالخزام مع الهبوب وخذيه نحو مراتع الغزلان والظبي الربيبوادي دمشق سقي الحيا أكنافه أوفى نصيبوإذا وصلت لجلقوالجامع الفرد العجيب عوجي على بيت العلادار النقيب ابن النقيبوقفي هناك وقبلي أعتاب منزله الرحيبمنهاواليك يا كهف العلا وافت على غيظ الرقيبهيفاء تزري بالمهالحظاً وبالظبي الربيب ومنهالا زلت تسقي أكؤس الأفضال كوباً بعد كوب متسربلاً ثوب الهناما هب معطار الجنوبوشدت على دوح الحمى ال أطيار بالصوت الطروب وقال مضمناً أفدي غزالاً يرينا في تعطفه ... غصناً وبدراً تراه في ترفعه يصمي بأسهم لحظيه القلوب فلا ... ترى فؤاداً خلياً من مصارعه وكلما صاب قلباً صاح من فرح ... أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقعه ولإبراهيم السفرجلاني مضمناً ومثبت سهم نجلاً وبه في كبدي ... كأنه الريم يعطو نجو مرتعه يقول قلبي لسهم قد رماه به ... أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقعه ولصاحب الترجمة وظبي سقاه التيه كأس محاسن ... وحيته بالكأس الروي يد اللطف أدار علينا من رحيق رضابه ... ومقلته كأسين جلا عن الوصف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 فلم أدر أياً منهما كان مسكري ... ولم أدر أياً منهما مال بالعطف وله وظبي من بني الأتراك المى ... هواه بمهجتي أبدا مقيم يقول تظن في اللطف حتماً ... فقلت نعم كذا نقل النسيم وله لما تبدى دخان التبغ ينفخ من ... ثغر الحبيب به أهل الهوى ولعوا قالوا سحاب علا شمساً فقلت لهم ... ما ذاك الأغبوق الورد يرتفع وله رأيت الحب يمنع لثم خد ... فقلت بحق حسنك لا تعارض فحرك مبسماً بالأذن ينبي ... وبان من الثنايا البيض وامض ولما ان دنوت ورست لثماً ... وجدت المنع من جهة العوارض ولبعضهم عزمت على السلو لطول هجري ... فجاءتني عوارضه تعارض وكان العذر يقبل في سلوى ... ولكن ما سلمت من العواض وللسيد أحمد الدمشقي في المعنى وهو قوله معتذراً أيا من فضله والجود ساراً ... مسير النيرين بلا معارض وعدتك سيدي والوعد دين ... ولكن ما سلمت من العوارض وللماهر المجيد الشيخ إبراهيم الأكرمي الدمشقي في المعتي وهو قوله لحا الله أيام العوارض انها ... هموم لرؤياها تشيب العوارض يضيق لها صدري وإني لشاعر ... خليع وبيتي ما عليه عوارض والعوارض مظلمة سلطانية تؤخذ من البيوت في الشام في كل سنة ويقال انها من محدثات الملك الظاهر بيبرس وللمترجم قوله أوحشتني يا ظبي أنس غدا ... مرعاه في القلب وفي الخاطر وللحشا آنست يا منيتي ... فليت لو فاز بذا ناظري وقوله قد كان يمكن أن أدوم مجانباً ... خلا عن المشتاق طال ذهابه لكن خشين بأن تقول عواذلي ... هذا الذي قد خانه أحبابه وقوله مضمناً لئن أردتم سؤالاً عن محبتكم ... وعن وداد خلا عن كل تمويه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 سلوا فؤادكم عني سيخبركم ... فصاحب البيت أدرى بالذي فيه وقوله ولا أنسى بوادي التل يوماً ... جرى ما بين خلاني وبيني وطلقنا الهموم به وزالت ... ليالي جفوتي وانزاح بيني وأنزلنا السرور على رياض ... تفوق على رياض النير بين فقلت ترى تمنى بانشراح ... أجابتني على رأسي وعيني وله معارضاً قصيدة البهاء العاملي هب لمضناك نهلة من فيك ... وترفق بمن تولع فيك يا غزالاً أزيد فيه جوى ... كل وقت حشاشتي تفديك لك وجه سبى البدور سنا ... فوق رمح بمهجتي قد شيك وعيون بغمزها فتكت ... في فؤادي فلم أجد تحريك حاش لله أن نرى مثلاً ... لك في الحسن أو نروم شريك لم أزل حافظاً ودادك بل ... ماضياً في الهوى بما يرضيك فتصدق بطيب وصلك لي ... إن ذا الهجر والجفا يكفيك ذبت شوقاً اليك يا أملي ... ليت لو زرت يارشا داعيك يا فؤادي فخذ أمانك من ... لحظه فهو لا مرا مرديك واصطبر عند صده فعسى ... وأرد الحلم منه يشفع فيك لا تطع قول لائم أبداً ... في هواه أخاف أن يسليك بدر تم بدت محاسنه ... يا عذولي احترز بأن يسبيك جفنه بالسقام مكتحل ... فر يا جسم منك لا بعديك لست أنسى ليالياً سلفت ... نلت فيها المنى بغير شريك ولي من هذا الوزن والقافية قصيدة مطلعها يا نديمي الحسن جمع فيك ... باكتمال يبدو بدون شريك فقم الفجر نحتسي علناً ... خمرة طيب عرفها يشفيك ورأيت بعد نظمي لها قصيدة للأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي من الروي والوزن المذكور مطلعها حسن كل الملاح جمع فيك ... آه من لي بنهلة من فيك وجهك البدر فوق غصن نقا ... شعرك الليل زائد التحليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وقصيدة البهاء العاملي مطلعها يا نديمي بمهجتي أفديك ... قم وهات الكؤوس من هاتيك خمرة إن ضللت ساحتها ... فسنا نور كأسها يهديك وهي شهيرة وقد عارض بها قصيدة لوالده وذلك هو المخترع لهذا الوزن وأبيات والده حسين الحارثي الهمداني مطلعها فاح عرف الصبا وصاح الديك ... وانثنى البان يشتكي التحريك قم بنا نجتلي مشعشعة ... تاه من وجده بها النسيك وعارضتها المتأخرون بقصائد غير ذلك فلا حاجة للإيراد حذراً من تكثير السواد في المدام وللمترجم في خده الروضة لا تحسبوا ... ثلاث شامات بدت عن حقيق بل كاتب الحسن على خده ... نقط بالعنبر شين الشقيق ولبعضهم ثلاث شامات بدت ... في خد من أهوى حقيق أم هن بارب النهى ... نقط على شين الشقيق وللمترجم حتى م تضرم نار قلبيوتروم اتلافي وسلبيوإلى م تعرض لاهياً يا بدر عن حال المحبوتصدني عمداً بلاجرم بدا وبغير ذنب إن كان أثر فيك قول عواذلي فالله حسبييا هاجري رفقاً فهج رك قد أذاب صميم لبيكم ذا يحملني الهوىفي جنب حبك كل صعب وأبيت حيراناً ولايدري بحالي غير ربياخفي الدموع تستراً خوف الفضيحة بين صحبيوأنين من جزع ومنولهي ومن حزني وكربي لم ألق من أشكو لهما سل بي وأليم قلبيكلا ولا أدري الذي في الحب أوجب طول عتبييا مالك الأحشاء حبكفي الهوى قد صار دأبي فأحكم بما نختارهبي يا شفا دائي وطبيفلقد رضيت بكل ما ترضاه من بعدي وقربيفاسمح بوصلك أو أطلهجري فما بي لم يزل بي وله مخمساً لله ظبي رثى والقلب حاوله ... وقلب مضناه بالاسعاف عامله ومذ رأى مهجتي قد شفها الوله ... ألقى يديه على صدري فقلت له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 لقد شفيت فؤاداً أنت موجعه أجاب قولي وآمالي بذا علقت ... فكيف تشفى وناري كم حشا حرقت فقلت إني أرى الألطاف قد سبقت ... فقال لا تطمعن عيناي قد رشقت سهماً فأحببت أدري أين موقعه وله وتلطف قد عهدنا من الزمان قديماً ... إن الانعام في الكلام السامي فوق الأعراف موقعاً فشهدنا ... عجباً في الزمان بين الأنام إن الأعراف قدمت في البرايا ... فتراها تعلو على الانعام وله أيضاً هو حسن قلوبنا عشاقه ... ويح من بالجفا رمته رفاقه يا سميري على الهوى كن معيني ... إن قلب الشجي نمت أشواقه شفني البعد والقلا فإلى ما ... ذا التجافي والصبر مر مذاقه لي ظلوم أباح قتلي جوراً ... سيما عندما رنت أحداقه ظبي أنس له فؤادي مرعى ... بدر تم سبي النهى اشراقه ذو قوام له الغصون أطاعت ... حيث بان اللوى بدا أطراقه جرحتنا باللحظ منه عيون ... لم تقينا من سحرها أوفاقه كل يوم يصدني وفؤادي ... ليس يسلو ولا يطاق فراقه وعذولي يهيم فيه غراماً ... وحشائي على المدا تشتاقه وأنا لم يزل يكرر لومي ... حير العقل يالقومي نفاقه وله متوسلاً يا شفيع الأنام يا من يرجى ... في غد من لهيب نار الجحيم أنت غوض الورى وربي مغيث ... وأنا قادم بذنب عظيم ووضعت الرجاء ما بين غوث ... ومغيث وراحم ورحيم ويقيني وحسن ظني بأني ... لم أخب بين مكرم وكريم فعليك الصلاة مني دواماً ... تتوالى وأشرف التسليم وعلى الآل والصحاب جميعاً ... وعلى التابعين بالتعميم ما أفاض العبير زهر الروابي ... وحبا نابه مهب النسيم وكانت وفاة المترجم في يوم الاثنين خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير ووافق إنه هو والأستاذ استاذه وشيخه وعمه والد زوجته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الشيخ عبد الغني النابلسي انتقلا في شهر واحد في سنة واحدة وسيأتي ذكر أخيه محمد أمين في محله إن شاء الله تعالى رحمهم الله تعالى. صادق ابن الناشف صادق بن أحمد بن محمد باشا بن محمود المعروف بابن الناشف الحنفي الدمشقي أحد أعيان الجند بدمشق كان معتبراً محتشماً ممدوحاً من رؤساء الأجناد وأكمل أهل زمانه تام الرياسة والهيئة والهيبة والوجاهة ولد بدمشق واجتهد بالعبادة والتهجد وكان لا يقطع الليل الا بها ملازماً للأوراد ويصوم الخميس والأثنين وأخذ طرق الخلوتية عن الأستاذ الشيخ عيسى الكناني الخلوتي الصالحي الدمشقي وتلقى ذلك عنه واشتهر وكان من متعني الأجناد وتقاعد على طريقتهم واستقام في حاله آخر أمره وتولى نظارات لوما فهم الكائنة بدمشق بعد جده وأبيه وكان جده محمد باشا من الصدور الكبار والرؤساء المشاهير وصارت له حكومة روم ايلي وهي صوفية وتولى بدمشق بعض مناصبها وكان ذلك لأقبال الوزير أبشير مصطفى باشا عليه صاحب الختام في دولة السلطان محمد بن إبراهيم خان وتوفي المذكور في صفر سنة أربع وسبعين وألف وترجمه المحبي في تاريخه وذهب إلى الحج سرداراً في سنة تسع وتسعين وألف وقبلها في سنة خمس وتسعين وسافر للروم لسفر النيش مع عسكر دمشق في سنة ثلاث ومائة وألف وكان له حلم وتودد في الكلام وأدب وكان لا يكثر التردد لحكام دمشق وتولى الجزية بدمشق وغيرها وكان قاطناً في داره الكائنة في زقاق الوزير بالقرب من المدرسة القجماسية والآن الدار المذكورة صارت سكن الوزير محمد باشا والي دمشق وأمير الحاج وبالجملة فإن المترجم كان من رؤساء الأجناد المنوه بهم وكانت وفاته في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادي الثانية سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة جده محمد باشا بالتربة المنسوبة لعم محمد باشا المذكور الرئيس حسن ابن الناشف قبلي جامع حسان بدمشق رحمه الله تعالى. صادق البيروتي صادق بن عبد السلام المعروف بالبيروتي الحلبي الأديب النبيه الفاضل كان والده من صدور أعيان حلب المشار اليهم والمعول عليهم وله شهرة هناك وترجمه السيد محمد الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وقال في وصفه من محتد صادق جامع ذكراهم شرف لافظ وسامع فهم عقد الجيد وتاج المفرق ومدحهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 فخر القلم وزينة المهرق نبغ منهم ماجد اثر ماجد فارقه الدهر وهو لعمري عليه واجد حتى طلع هذا بمجد لا مدعى ولا منتحل وهمة لو رامها البدر لأستحذى له زحل فركض في حلبة من حلبات المجد وعانق الغرام في ليل الجد والوجد فهو الآن خلاصة ذلك العنصر وله الفضل الذي تتباهى به الأعصر فهو أحق إلى العلى من شارف مجده متنافس فيه من تالد وطارف وله شعر أخلصه السبك أبريزاً فسما على نظرائه زجاجاً وتبريزا أثبت منه ما تديره كؤوساً على الندام فيتسلى به فؤاد لا تسليه المدام انتهى مقاله ومن شعره قوله من قصيدة دمع بتذكار أحباب له سفحاً ... وباح من سره المكتوم ما افتضحا ومعهد بالحمى صاف ترف له ... سرائر في سويدا القلب قد سنحا أثار لاعج صب كان منكتماً ... بين الضلوع وشوق زند قدحا حيث الشبيبة والأيام مقبلة ... وحيث دهري عن معوجه صلحا نشوان أختال من خمر الصبا مرحاً ... لا أستفيق غبوقاً لا ومصطبحا وقوله وردنا مقامك نجلي الهموم ... بشرب المدام وتنفي الكرب فلم نر فيه الجناب الرفيع ... وما فيه بغيتنا والأرب فكاد الفؤاد جوى أن يذوب ... لغيبة شهم العلى والنسب فلما قدمت أضاء المكان ... وزاد السرور بنا والطرب فدرها سلافاً وحث الكؤوس ... فهذا الصباح أراه اقترب وهذا النسيم له مؤذن ... وهذي البلابل تملي الخطب فدا والكلوم ببنت الكروم ... وأفرغ نضارك فوق الذهب وقوله أيضاً حبذا عيشنا ونحن بروض ... بين هزل من الكلام وجد وغناء من مطرب وأغان ... وعبير يضوع من عطر ند وهزار مغرد وغدير ... بين وردين من نبات وخد وسقاة مثل البدور وناي ... ومدام وضم خصر ونهد وقوله أيضاً لا ولحظ بابلي سحره ... وخدود حفها حسن الضرج وخصور مضها طول الضنى ... وشعور فوقها تحكي السبج وثنايا درها منتظم ... في عقيق زانه فيها الفلج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 هو من قول أحمد المهمنداري الحلبي المفتي إن الشفاه اللائي حملنني ... في الحب أضعاف الذي لا أطيق جدول ياقوت بدا تحته ... سبحة در نظمت في عقيق ولما سمع ذلك الأديب السيد محمد العرضي الحلبي فقال تلك الثنايا وأشقائي بها ... باتت تريني عند لثمي الطريق تبددت من غيرة عندها ... سبحة در نظمت في عقيق عوداً ما نسيم الروض إلا أنه ... سارق من طيب ذياك الأرج ما تراه كلما وهبت ضحى ... فاح منه أرج يحيي المهج وللمترجم ولما زارني من بعد بعد ... وكاد اليوم يقضي بانقضاء وأرشفني اللما بعد الثنائي ... وأحيى الروح في ذاك اللقاء وقام مودعاً كالغصن قداً ... وكالشمس المنيرة في الضياء وآلى إنه في اليوم يأتي ... قبيل غروب شمس في السماء فليت الشمس لو بقيت قليلاً ... ففيها كلما بقيت فنائي ومن مقطعاته قوله في التشبيه وبدر يعاطيني المدام عشية ... وبمزج أخرى من لماه بأعذبه إذا ما حساها من فم الكاس خلته ... هلالاً أزاح الشمس عن وجه كوكبه وقريب منه قول الكامل فضل الله العمادي الدمشقي ومدير لنا المدام بكأس ... مثل عقد حبابه منظوم هو بدر وفي اليدين هلال ... فيه شمس وقد علته نجوم وأصله من قول سيدي عمر ابن الفارض قدس الله روحه ونور ضريحه لها البدر كأس وهي شمس يديرها ... هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم وللمترجم أيضاً من هذا المعنى قوله لله يومي بالبستان إذ جليت ... على بنت الطلا من كف ذي ملق كأنه إذ جلاها في الكؤوس ضحى ... بدر تناول شمساً من يد الأفق وله أيضاً وليلة قد تقضت بالدجى عبثت ... والكأس تجلى وبدر التم لي ساقي فمذ حساها تراءى لي بغير مرا ... بدر يقبل شمس الأفق من طاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 ويناسبه قول الأديب منصور الشهير بكيغلغ عاد الزمان بما هويت فاعتبا ... يا صاحبي فأسقياني وأشربا كم ليلة سامرت فيها بدرها ... من فوق دجلة قبل أن يتغيبا قام الغلام يديرها في كفه ... فحسبت بدر التم يحمل كوكبا وهذا ما وصلني من خبر المترجم ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت غير أنه من أهل هذا القرن رحمه الله تعالى. صادق الشرواني صادق بن روح الله بن محمد الأمين الشرواني القسطنطيني الحنفي العالم العلامة المحقق شيخ الاسلام مفتي الديار الرومية ولد سنة اثنين وثلاثين وألف وطلب العلوم على مشايخ عصره فأخذ عن جده المحقق صدر الدين ولازم على قاعدة موالي الروم ثم قدم دمشق في خدمة والده لما ولي قضاءها واستجاز له والده بها من شيخ الاسلام الحافظ النجم الغزي العامري وغيره ثم ولي قضاء مصر وغيرها ثم قضاء القسطنطينية ثم قضاء العسكرين ثم في سنة ثمان عشرة ولي الأفتاء بدار السلطنة ثم انفصل عنها في آخر سنة تسع عشرة وقد ذكره العلامة المؤرخ الشمس محمد الغزي في ثبته المسمي لطائف المنة في فوائد خدمة السنة فذكره في جملة من اجتمع بهم فقال اجتمعت به وترددت إليه وسمعت من فوائده ورأيته قد أخذت منه السن وضعفت قواه من الهرم وكان عالماً فاضلاً فقيهاً وله تحريرات على مباحث من التفسير والفقه وتوفي سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. صالح المزور صالح بن إبراهيم بن خليل الشهير بالمزور الحنفي الدمشقي خطيب السليمية في صالحية دمشق كان من الأدباء البارعين الأفاضل ولد تقريباً في حدود التسعين وألف بدمشق ونشأ وقرأ على الأفاضل والأجلاء وأخذ الأدب عن الأمين المحبي وانتفع به وتخرج عليه وكتب بعض تآليفه وكان عارفاً بارعاً في الأدب حسن الصوت لطيف العشرة ماهراً في المويسيقى والألحان وله شعر حسن وترجمه الأديب الأمين المحبي المذكور في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه هو عندي بمثابة ابني وإذا أثنيت عليه فبصالح اثني فرابطتي معه علقة علائقه وإني لا أرى غذاء روحي الا في خلائقه فإن بدا روى عيوني رواؤه وإذا تكلم أشبع خاطري أداؤه وإن غاب شمت حزني بفرحي ومتى حضر حضر سروري بمقترحي فلله من روح حياة ضمنت ضلوعه وقمر ملاحة في سماء النبل طلوعه وهو في مبدا صوب قطرته من الغمامه وباكورة خروج زهرته من الكمامه يحل من القلوب بلطفه محل الروح من الجسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 ونتحاسد عليه العيون والآذان فكأنما خلق لأجله الحسد وله أدب نفس وسليقه تحلى بحسن خلق وخليقة إلى خط كخط العذار أول طلوعه وصوت يدعو القلوب قسراً إلى صبوته وولوعه فكم حل بمغنى فسيح فمر فيه بمعنى فصيح وشعره عليه مسحة الحسن يوقظ بغرامياته الجفون الوسن انتهى ما قاله الأمين المحبي ومن شعره قوله يا عين لا تهجعي فالسعد وافاك ... وزار من تعشقي ليلاً وحياك مليحة صاغها نوراً مصورها ... فافتنت كل ذي رأى وادراك تعلم السحر هاروت وأتقنه ... من لحظها حين أرماه باشراك كم عاشق ضل في داجي الذوائب قد ... أهداه نور صباح من محياك حويت جنة حسن في الخدود علا ... من فوقها عرش شعر جل عن حاكي قوله حويت جنة حسن إلى خره استعمل العرش في الشعر والمشهور استعماله في الخد كما قيل غدا خاله رب الجمال لأنه ... على عرش خد فوق كرسيه استوى وأرسل رسلاً من لحاظ أعزة ... على فترة تدعو الأنام إلى الهوى عوداً وكنز ثغر حصين بالعقيق حوى ... جواهراً نظمت من غير أسلاك يا طلعة البدر يا شمس النهار ويا ... غصن الرياض وذات المبسم الزاكي تالله لا أبتغي خلاً يسامرني ... يا ظبية أسرتني عين لقياك لا سامح الله عذالاً لنا عذلوا ... لوعاً ينوا لغدواً من بعض أسراك وكتب إليه الفاضل الألمعي السيد مصطفى الصمادي ملغزاً بقوله أيا فاضلاً في حل ما جاء مشكلاً ... من الرمز في لغز ولا يتوقف ابن لي ما اسم بدؤه بدء سورة ... بحرف عظيم القدر في الذكر يعرف ومنطوق ذاك الحرف فعل كما ترى ... ووصف لموصوف إذا ما يحرف وإن منه تحذف أولاً ثم تقلبن ... تبين فعلا ضده الذوق يانف وتصحيف هذا الفعل إن كنت رادفاً ... تراه يقيناً أوضح الأمر يكشف وإن منه تحذف ثانياً ثم رابعاً ... مع القلب فاسم الشخص بالسور يوصف وإن تقلب المقلوب أيضاً رأيته ... أتى باسم ذي روح به النفس يتلف وصحف لذي المقلوب وافتح لأول ... تراه غدا فعلاً عن الرشد يصرف وإن رمت قلب الأسم كلا مصحفاً ... لأوله كنت النجاة ترادف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 فأجابه المترجم عن هذه الأبيات والغز في ذيلها أيضاً بقوله أياماً جداً حاز الفصاحة والذكا ... ومن لحماه الجود والفضل يألف سالت عن اسم ما تلا بدءه من ال ... منزل أن تتلوه لفظ مشرف وثاني رمز فيه قد صار فكرتي ... بما بعده صفني لرؤياك تنصف ورابعه يا مفرد العصر لم يزل ... به عيش من يشناك يا خل يوصف وصحفه يا مفضال واترك رديفه ... وحرفه إن العين للضد تألف وإن تحذف الحرفين للهيئة التي ... أتيت بها بدأ عدو يؤلف وثامن رمز من يروم بجهله ... يضاهيك في فضل به صار يعرف وما بعده وقيت من ضده وإن ... تصحف بتعريف إذا ثم يكشف وآخر ما فيه صلاح لما مضى ... من الرمز أجلى من لآل وألطف وسامح بما قد جئت فيه مبيناً ... لرمزك يا من للغوامض يكشف وبين أيا مولاي ما اسم ببدئه ... لقد أقسم الرحمن إذ ما يصحف وإن تصفه تحذف وحرفه ما بقي ... يكن آلة للبطش في الذكر تعرف وما بعده وقيت من ضده وإن ... تصحف بتحريف إذا ثم يكسف وإن صدره تسقط فيوم معظم ... وحرف وصحفه فوصف مشرف وإن رابعاً منه أزلت محرفاً ... ففعل على الأجساد منه تكلف وإن تجعل الثاني من الفعل ثالثاً ... بقلب فمركوب إذا سار يسرف أجب يا حليف المجد وأبدي خفاء ... فكل أديب من بحارك يغرف ولا زلت محفوظاً على رغم حاسد ... ثمار معاتي النظم بالفكر تقطف وحين وصل إليه أجابه الصمادي من الوزن والقافية بقوله أيا روض فضل نوره الحذق والذكا ... ومنه جنى الآداب واللطف يقطف جوابك وفي حيث وافى بحل ما ... تضمنه لغز من الرمز يكشف والغزلي في اسم أتى الذكر مقسماً ... به المسجد المشهور بالفضل يوصف أو الثمر المعروف أو نفس بلدة ... كذا قال أهل العلم فيه وعرفوا وتصحيف هذا الحرف نبت وقلبه ... به مثل ذي يضاهيك يعرف ومنطوق حرف جاء يتلوه في الهجا ... إذا فتحوا فالفتح شانيك يردف وإن نصف هذا الاسم تحذف محرفاً ... فتلك يدمن بحر نعماك تغرف وإن بعد هذا الحرف بدلت أولاً ... بما بعد حرف الميم فالطيب يعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وإن بدأه تسقط فيوم مبارك ... وعيد بتصحيف إذا ما يحرف وإن شئت أسقطه وحرف وصحفن ... فوصف لمحبوب به الصب يشغف وإن آخراً تسقط وحرفته أتى ... لك السعي مشكور به دمت تسعف وإن تقطع الطرفين منه مشدداً ... وحرفته فالداء وقيت يضعف وإن آخراً تخذف ونزلت أولاً ... بمنزله فالعيس في السير تعسف وإن شئت صحف قلب ذا العيس وأقلبن ... وحرف فد وبطش من الوحش يرجف وهذا جوابي وأعذر الفكر إن سها ... وسامح فمنك العفو والصفح يؤلف ودم يا سعيد الرأي للمدح صالحاً ... بكل لسان يالكما لات توصف ولا زلت تهدي كل عقد منضد ... من النظم يزري بالآلي وتتحف وللمترجم أيضاً مضمناً لقد كنت في أسر الغزال صيده ... خبيراً وفي أمري يحار ذوو اللب إذا رمت صيد الظبي انصب في الهوى ... حبائل فكري حيث لا يشعروا صحبي فها أنا قد عفت الغزال وصيده ... وأطلب بعدي عنه لا أبتغي قربي وذاك لما قد قال قبلي شاعر ... فلا بد للصياد من صحبة الكلب وتأبى نفوس الاسد ماء على الظما ... إذا كان كلب السوء يدنوه للشرب وله أيضاً يا معجباً في حسنهقف ريثما إن أسألكأتظن إن الحسن فر دفى الوجود وتم لكخفض عليك عرفت آخرك القبيح وأولك وسألت عنك فقيل لي ... من تحت غربال الفلك وله مشجراً خذوا بيدي يا أهيل الغرام ... فإني أسير هوى مستهام لحا الله قلباً خلا من هوى ... وعذب بالسهد طرفاً ينام يعيرني عاذلي في الضنى ... وما الفخر في الحب غير السقام لعمرك يا عاذلي فاتئد ... ففي الحب موتي اقصى المرام وله أثر بخد معذبي فسألته ... عنه أجاب بعذب لفظ رائق عوذت ياقوت الخدود بقطعة ... من لازورد خوف عين العاشق وفي المعنى للأديب إبراهيم السفرجلاني أجل في خده نظراً فإني ... غرست به البنفسج فوق ورد ونطت به لرد العين عنه ... على الياقوت قطعة لازورد وللمترجم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 يا عاذلاً عن هوى لمياء كاعبة ... هلا عشقت رشيق القدماء نوسا ضللت لما هويت الآن ملتحياً ... خالفت للناس في هذا وابليسا أقول إن الشائع عن أهل الموصل إنهم لا يهوون الا المعذر وربما بالغ بعضهم فقال نحن قول إذا سمحنا في طريق المحبة بنوال لا نسمح الا لمن ينفق على عياله قال الأمين المحبي في تاريخه في ترجمة عطاء الله بن محمود الصادقي الحلبي وهذا مذهب جرى عليه الحلبيون وسال العلامة العمادي الحنفي الدمشقي العالم الشيخ أحمد ابن المنلا الحلبي بقصيدة عن ترك الميل إلى المرد والميل إلى المعذرين فأجابه بقصيدة وهي لا تشفي الغليل وكلا القصيدتين مثبتتان في ريحانة الشيخ شهاب الدين الخفاجي المصري ورأيت لأبن منقذ بيتين متعرضاً لما جرت عليه أهل الموصل مما ذكرناه بقوله كتب العذار على صحيفة خده ... سطراً يحير ناظر المتأمل بالغت في استخراجه فوجدته ... لا رأى الا رأى أهل الموصل وفي ذلك قول بعضهم وقيل محب المرد يدعى بلائط ... ويدعى بزان من يحب الغوانيا فأحببت أهل الذقن مني تعففاً ... فلااناً لوطي ولا أنا زانيا ولقد ترقى بعضهم فقال أعشق المرد والنكاريش والشي ... ب عندي مثل البنين البنات حد ما يشتهي وينكح عندي ... حيوان تحل فيه الحياة ولأبن تميم مضمناً ومعشر عذلوا لما ركبت على ... أحوى محاسنه قبحن فعلهم دع يعذلوا ما استطاعوا انني رجل ... لو استطعت ركبت الناس كلهم وترقى بعضهم فقال كلفت به شيخاً كان مشيبه ... على وجنتيه ياسمين على ورد أخا العقل يدري ما يراد من الفتى ... أمنت عليه من رقيب ومن ضد وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحا ناس وناس إلى المرد فقلت لهم لو كنت أصبو لأمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد وسود اللحا أبصرت فيهم مشاركاً ... فاخترت أن أبقى بأبيضهم وحدي وقد ذكر أن بعض الناس خرج إلى خارج بلدته يوماً للتنزه هو ورفيق له فمر على مكان وجد فيه رجلاً اختياراً بحذاء أمرد وهو يبكي ودموعه تساقط فقال له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 ما يبكيك فقال له جد هذا ووالده وأعمامه كلهم في عائلتي وأنا قد نكحتهم جميعاً والآن أنكح هذا فأبكي حزناً على أولاد هذا وأولاد أولاده من ينكحهم بعدي أتذكر ذلك وأبكي انتهي قلت وما ذكر من مدح العارض والعذار محمول على المبالغة في الأشعار والاقتدارات في ابراز المعاني والعبارات وايراد الابتكارات الأدبية والا فمن يفضل الملتحي على ذي الوجنة الطرية ومن يميل إلى وجنة تلطخت بالسواد ولبست لموت جمالها ثياب الحداد وذبت ورودها واكتست جلباب الشعر خدودها شتان بين خدانيق يزدري بطراوته ونكهته الورد وحمرة الشقيق وبين المخالي ومن سودت وجهه الأيام والليالي فمن ينظر للقمر وقت المحاق أو يدخر الفضة بعد الاحتراق أو يعتاض عن الآرام بالقرود أو يستبدل بالترف خشن الخدود أو يستحسن كسوف الشمس أو يستغني بعجوز الشياطين عن عروس الأنس وكل ما أبدوه ابتكارات واختراعات للأقتدار لا لمدح العارض والعذار انتهى وللمترجم وكتبه لبعض أصحابه مضمناً يا من أفاض على الراجين سحب ندى ... من كفه فوق هم ضيقة العطن إني قصدتك من جور الزمان فلا ... نخيب الظن وأعددها من المنن واذكر معاهد أنس قد مضين لنا ... تحكي رياض المنى في غابر الزمن إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يائفهم في المنزل الخشن فهاك ابنه فكري قد بعثت بها ... اليك مستشفعاً في رونق حسن فأسبل عليها ذيول الستر سابغة ... واغنم ثنائي لكم في السر والعلن والبيت المذكور ضمنه بعضهم مع الاكتفاء وهو ما حكي إن الأمير بدر الدين بيلبك خزينه دار الحضرة القاهرة كان لتاجر وذلك التاجر يحسن إليه وهو في رقه فلما باعه تنقلت به الأحوال إلى ما صار إليه وافتقر التاجر فيما بعد فحضر إليه إلى مصر وكتب إليه رقعة فيها كنا جميعين في كد نكابده ... والقلب والطرف منا في أذى وقذا والآن أقبلت الدنيا عليك بما ... تهوي فلا تنسني إن الكرام إذا فأعطاه عشرة آلاف درهم وكانت وفاة صاحب الترجمة في ربيع الثاني سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى ورثاه الأديب الشيخ عبد الله الطرابلسي مؤرخاً بقوله على صالح يا قوم تبكي المنابر ... فقد همعت بالحزن منا المحاجر به أفلت شمس الكمال فأرعدت ... مصيبتنا والحزن بالغم ماطر وغيضت مياه الحزن عنك فملنا ... وحقك قلب عند فقدك صابر وليل العنا فينا اكفهر ظلامه ... وضاقت علينا للفراق السرائر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 لتبك المعالي بعد فقدك حسرة ... كما لبست ثوب الحداد المفاخر أيا لوذعياً كان في الفضل باهراً ... ومن عيشه بالبشر والعز هامر لقد كنت بحراً في الفضائل والذكا ... خطيباً لبيباً نور علياك ظاهر وقمت بأعواد المنابر واعظاً ... بحسن بلاغ منه ناه وزاجر عليك من الرحمن ألف تحية ... ورضوانه ما ناح في الروض طائر وما قال بالحزن الجزيل مؤرخ ... على صالح يا قوم تبكي المنابر صالح الجينيني صالح بن إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحنفي الجينيني الأصل الدمشقي المولد النعمان الثاني وعمدة ذي التحقيق وشيخ الحديث العمدة الرحلة العلامة الفهامة كان عالماً محدثاً فقيهاً حسن الأستحضار عديم النظير في فقه أبي حنيفة النعمان حتى إن الدر المختار شرح تنوير الأبصار لكثرة اقرائه وقراءته صارت مسائله نصب عينيه وكذلك غالب كتب المذهب كالأشباه والنظائر والدرر وغيرها وكان حسن الخلق سلم المسلمون من يده ولسانه وكانت الطلبة تسير إليه صبيحة كل يوم سوى الاثنين والخميس ويومي التعطيل وكان حريصاً على الافادة ولم يكن في وقته أعلى سنداً منه وانتهى إليه فن الفقه في زمانه وكان جليسه لا يمل ولو جلس مدى الدهر لما حواه من حسن الاستحضار مع إيراد النكت اللطيفة والحكايات الظريفة حسن العشرة للخلق ومعاملتهم بالرفق حتى إنهم يهرعون إليه إذا رأوه ويقبلون يديه ولد بدمشق في سنة أربع وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن جماعة كثيرين وقرأ عليهم فمن مشايخه والده الشيخ إبراهيم الجينيني الحنفي والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ نجم الدين ابن خير الدين الرملي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ محمد بن علي الكاملي والسيد إبراهيم بن حمزة نقيب الأشراف بدمشق والشيخ عبد الرحيم الطواقي الدمشقي واستجاز والده له من جماعة وأخذ عنهم كالمحدث الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي صاحب التآليف المشهورة والشيخ حسن بن علي العجيمي الحنفي المكي والشيخ زين العابدين بن محمد الصديقي المصري والشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني الكردي نزيل المدينة المنورة والشيخ رمضان بن موسى العطيفي الدمشقي والشيخ محمد بن علي المكتبي الدمشقي والشيخ القاضي حسين بن محمود العدوي الصالحي الدمشقي والشيخ علي بن محمد الكاملي والشيخ أبي الحسن بن إبراهيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 الكوراني المدني والشيخ عبد الرحيم بن أبي اللطف القدسي مفتي القدس والشيخ حمزة بن يوسف الدومي الدمشقي والشيخ شمس الدين بن محمد الحصني السيد الشريف الدمشقي وغيرهم وتفوق وبرع وشرع في القاء الدروس بالجامع الأموي وغيره وتزاحمت عليه الطلاب وكثر نفعه وانتفع به خلق كثير وقرأ عليه الوالد في الفقه وغيره مدة وأجازه بمروياته وشملته بركاته ولما توفي الشيخ إسماعيل العجلوني مدرس الحديث تحت قبة النسر في الجامع الأموي وجه التدريس المذكور عليه واستقام به إلى أن مات وآخراً أسكنه سيدي الوالد مدرسته المسماة بالقجماسية بالقرب من سوق الأروام وارتحل إلى الحج ولم يزل على حالته الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأحد بعد العصر سادس عشر ذي القعدة سنة سبعين ومائة وألف ودفن في تربة الباب الصغير بالقرب من مرقد سيدي بلال الحبشي وقبره الآن مشهور يزار ويتبرك به ورثاه تلميذه شيخنا المحقق الشيخ خليل بن عبد السلام الكاملي بقوله مالي أرى الدمع من عينيك منسجماً ... يا نفس ويحك رب العرش قد حكما صبراً لما أبدت الأقدار محكمة ... والأمر ماض على ابداء ما علما لهفي على ماجد فاقت فضائله ... حتى رقى رتبة فوق السهى وسما بحر من العلم يلقى جوهراً رطباً ... حبر حوى الفضل يسمو في العلى قدما أمام علم كما راضت موارده ... فاقت شمائله حتى سما كرما قطب لدائرة الأفضال ذو شيم ... عزت وجواً فما كالدر منتظما قد كان كهفاً لمن رام العلوم فمن ... يقصد حمى فضله يلقاه مبتسما وكان ذخر الطلاب الحديث حوى ... أعلى الأسانيد طرقاً لا ترى سقما يا واحد العلم من فقه ومن سنن ... جاءت من المصطفى تجلو لنا الظلما يا راقياً في كمال عز مطلبه ... بشراك نيل المنى بدأ ومختتما عليك سح سحاب العفو منهملاً ... ما لاح فجر وما فضل الرحيم مما ترى مقامك في أعلى القصور وفي ... جنان حسن زها حسناً وقد عظما حفت به الحور والولدان قائله ... يهنيك ذا سيدي يا من رقا قدما رضوان وافى بأملاك تؤرخه ... في جنة القرب سامي منزلاً وحما صالح الداديخي صالح بن إبراهيم المعروف بالداديخي الحلبي الفاضل الأديب الناظم السميدع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 الأريب كان ممن اتصف بالأدب واشتهر به وقد ترجمه الأمين المحبي الدمشقي في ذيل نفحته وقال في وصفه أبدع من أجرى يراعاً في مهرق وأبرع من وضع أكليلاً على مفرق طلعت بدائعه على نسق فارت نجوماً زواهر تجلو ظلمة الغسق ما شئت من برنا فقة سوقه ومجد شارقة بسوقه وطبع ما شيب بجمود وذكاء ماشين بخمود شف في الآداب على جيله وزها جواد سبقه في غرته وتحجيله فساغ المنى أطواراً وفتق الدجى أنواراً فبشره يحدث عن منائحه كخرير الماء يحدث على مسائحه فكان روح إلى التروح بمفاوضته شائقه ولولا حلاوة الشهد ما رغبت إليه ذائقه وهو مطمح أملي الذي به استأنس بحدي ورسمي وجرى مني أبعاض قلبي وأعشار جسمي فأصفى هواي كله إليه وصير ودي مادام ودمت وقفا عليه ومما أهدى إلى نهزة من أعجاله وخلسه ارتجاله قوله ينوه بي أنسيم الخزام من دار حبي ... يا سقاك الحيا وحياك ربي طالما حرك الغرام أدكاري ... قرب مسراك من معاهد صحبي فأعدا بها النسيم حديثاً ... وإلى سرب ذلك الظبي سربي وأمل عن لوعتي وفرط اشتياقي ... ما الاقي وأشرح له بعض كربي لهف قلبي وليت شعري أيجدي ... قول ما سور لحظه لهف قلبي رشأ بالشآم شمت عبير ... الورد من نحوه فعطر لبي كان عشقي له بجارحة السمع ... جزاها العتبي بلا دخل عتب فأنا اليوم موسوي الهوى من ... قبل رؤياه هائم العقل مسبي غير أني به على سنن الرق ... مقيم في حال بعدي وقربي إن يكن في هواه اطلاق دمعي ... جائزاً قد رآه فالله حسبي فسقى جلقاً ولا غرو أن تختا ... ل في بردتين تيه وعجب كيف لا تدعي على المدن فخراً ... بأمين فرد الزمان المحبي الامام الهمام حامي حمى الآ ... داب بالفضل والندى والتأبي حاك وشيا من القريض عجيباً ... قصرت عنه همة المتنبي قلم في يديه كم حل صعباً ... وأزدري في مضائه كل غضب أيها الفاضل الذي لا سواه ... للمعالي روح بها الكون محبي هاك عذراء ليلة عن بني ... الفكر وافت من الخجالة تحبي تطلب الأعتذار منك وها قد ... نزلت من ندى علاك برحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وابق واسلم ما غردت ساجعات ... الورق في أيكها وقلبي ملبي قوله في هذه القصيدة فأنا اليوم موسوي الهوى إلى آخره هو من قول مظفر الدين الأعمى قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبياً كحيل الطرف المى وحلاه ما عاينتها ... لكنها طرقتك وهما ومتى رأيت جماله ... حتى كساك هواه سقما وبأي جارحة وصلت ... لوصفه نثراً ونظما والعين داعية الهوى ... وبه تنم إذا تنما فأجبت اني موسوي ... العشق ادراكاً وفهما أهوى بجارحة السما ... ع ولا أرى ذاك المسمى ومثله قوله أبي تمام في جارية تغني بالفارسية ولم أفهم معانيها ولكن ... شجت كبدي فلم بخمد شجاها فكنت كأنني أعمى معنى ... أحب الغانيات ولا أراها وهذا هو من قول الشاعر بشار بن برد يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا قالوا بمن لا ترى تهوى فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا ومن تحائف فكره قوله من قصيدة مطلعها ما على ذلك الغزال الربيب ... قود في دم المحب السليب فلهذا ترى سكارى هواه ... تحسب الصبح طالعاً في المغيب كنت أخشاه حال سلم فلم لا ... وهو مغري بالهجر والتعذيب قمت في حال سخطه ورضاه ... في مقام الترغيب والترهيب فرعى الله ظبي أنس غدا مر ... عاه في الحالتين حب القلوب حاز ارث الجمال عن يوسف الحسن ... وحزت الأحزان عن يعقوب وكساه الآله بردا غدا يز ... دان عجباً من فوق عطف قشيب كللته العيون لما تبدى ... مقبلاً إذ غفت عيون الرقيب فيريني إذا بدا بدر تم ... يتثنى من فوق غصن رطيب عقرب الصدغ راح بحمى جنى خد ... يه عن أن يناله ذو كروب فخف الله أيها الريم واستر ... ذا المحيا البهي بكف خضب ومثله قول الاستاذ عبد الغني النابلسي من قصيدة خف الله واستر حسن وجهم أو به ... تصدق علينا نحن أهل افتقاره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 ومنه قول الشيخ محمد بن الدار الدمشقي أحد شعراء النفحة مضمناً مع بعض تغيير للأصل وصن رونق الحسن البديع جماله ... فإن لحت حاضت في الجفون المدامع وأصله قول أبي الطيب المتنبي خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العواتق والعواتق هي الشواب من النساء لكون المرأة إذا اشتدت شهوتها وأفرطت سال حيضها وللمترجم معارضاً قصيدة السيد محمد القدسي التي مطلعها يا نسمة لثمت حبيبي ... وتمسكت منه بطيب بقوله بالله يا ريح الجنوبوقيت نكباء لخطوبإن جرت في وادي النقا بين المعاهد والكثيبفاقرأ سلام المستهام لذلك الظبي الربيب رشأ كان الله أسكن حبه كل القلوبنظري إليه تلهفاً نظر العليل إلى الطبيبعجباً لفاتر طرفهيرنوا زوراراً كالغضوب ولخده الجوري لميك في الهوى حيناً نصيبيولحاله المسكي زيد العرف من طيب رطيبكشف الطبيب لفصدهعن معصم الرشأ الربيب فجرى دم العرق الذي ... يعنيه من لحظ الطبيب هو من قول أبي الحسن الجرجاني يا ليت عيني تحملت الملك ... وليت نفسي تقسمت سقمك وليت كف الطبيب إذ فصدت ... عرقك أجرى من ناظري دمك أعرته صبغ وجنتك كما ... تعبره ان لثمت من لثمك طرفك أمضى من حد مبضعه ... فالحظ به العرق واسترح المك ومثله لأبي الفضل المكيا لي قوله ومهفهف أبدى الجمال بخده روضاً مريعاًفصد الحبيب ذراعه فجرى له دمعي ذريعاًوأمسني وقع الحديدبعرقه الما وجيعا فأريقه من عبرتي ... ما سال من دمه نجيعا وألطف ما قيل في ذلك قول الأمير المنجكي رحمه الله تعالى ومذ كشف الفصاد عن زنده رأى ... محاسن الهته فضل عن الرشد فقطب من أهوى وأبصر مغضباً ... وأوقع ظل الجفن منه على الزند وأطلع نور الأرجوان وحبذا ... من الياسمين الأرجوان على الورد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وللمترجم في الدجى مذ لاح طالعمسفراً تلك البراقعأوهم الناس محيا هـ بأن الفجر ساطعسحت العين على ترحاله جم المدامع ماله في الحسن ثانلجميع الحسن جامعألف القلب هواه فهو في الأحشاء راتععذلوني قلت كفوالست أصغي لست سامع يا ظريف الشكل إنيهائم والدمع هامعلك روحي لك قلبي يا ترى هل أنت قانع وقوله أيضاً طبي أنس وجهه قمر ... عز منه النيل والظفر ذو قوام زانه هيب ... زانه الخطي والسمر عذلوا حتى إذا نظروا ... ورد خديه إذا عذروا ونهوا عنه فحين بدا ... بتلاقي في الهوى امروا قبلة الألحاظ طلعته ... حيث دارت دارت الصور هو من قول البابي كأنما أوقف الله العيون على ... رؤيا محاسنه لأصابها ضرر فلو بدا من ورا المرآة لأنحرفت ... عن أهلها حيث دارت دارت الصور والأصل في هذا قول بعض البلغاء كأنما أنت مغناطيس أنفسنا ... فحيثما درت دارت نحوك الصور منها رشأ يفتر عن برد ... ناصع في ضمنه درر توارد فيه مع الأديب مصافي البتروني الحلبي في قصيدته اللامية شادن يفتر عن برد ... ناصع في ضمنه عسل منها وحواشي نمل عارضه ... لخفا فينها لنا نظر أحسن منه قول ابن عرفة انظر إلى السحر يجري في لواحظه ... وانظر إلى دعج في لحظه الساجي وانظر إلى شعرات فوق عارضه ... كأنهن نمال دب في عاج ومنها ما رأى موسى فواعجباًكيف يدعي أنه الخضرمنصفي في الحب من رشأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 مقلتاه ملؤها حورأخذت فيه بنو ثعلفهي لا تبقى ولا تذر بنو ثعل قبيلة من العرب رماة يضرب بهم المثل لجودة رميهم قال امرؤ القيس رب رام من بني ثعل ... مخرج كفيه من ستره فهو لا يخطي برميته ... ماله ما عد من نفره عودا ضل في ديجور طرتهعجمها والبدو والحضرسائلي عن حالتي سفعها ليس لي عن حالتي خبرريع صبري في محبتهمنه لا عين ولا أثر سامح الله الظبا بدمي ... فهو في شرع الهوى هدر وللمترجم قوله أهواه قد لبست غدائره الدجى ... وصباح غرته المنير تبلجا وعلى حواشي الورد من وجناته ... قد خط ريحان العذار بنفسجا المى الشفاه يزينها خال لقد ... طبعت على ياقوتها فيروزجا واحيرتي في شادن حلواً للمى ... رشأ رخيم الدل أحوى أدعجا ما بين معترك القلوب ولحظه ... لا كان مطلب لحاجته التجى لا صبر لي وقعت في اشراكه ... جهلاً وأنظر لا أرى لي مخرجا أرجو رضاه ولو بسلب حشاشتي ... فيقول لي حاولت ما لا يرتجى ويهز عطف التيه مختالاً كما ... شاء الهوى فأعود منقطع الرجا ومن مقطعاته قوله أيها الشادن المحجب عن عين ... محب بليله يرعاكا أنت في أسود الفؤاد ولكن ... أسود العين يرتجى أن يراكا وله غير ذلك ولم تصلني وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى. صالح الغزاوي صالح بن علي بن يوسف بن عبد الشافي بن علي بن عبد القادر الشريف لأمه الشافعي الغزي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفطن الأديب كان متفوقاً أديباً حسن الأستحضار حافظاً للنوادر وله في الأدب معرفة وفي اللغة والتاريخ من خلاصة الأفاضل والأدباء البارعين الأذكياء ولد بغزة هاشم في شوال سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف كما أخبرني والده الشيخ علي وارتحل إلى مصر وأخذ بها عن علمائها الفحول وتلمذ لتلك الجهابذة حتى حصل الفضل الذي لا نكر فيه وتولى افتاء الشافعية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 بغزة وقدم دمشق واستوطنها ودرس بالجامع الأموي وفي مدرسة الوزير سليمان باشا العظم الذي أنشأها بالقرب من داره داخل زقاق باب البريد ولزمه جماعة من الطلبة واستمر على الأقراء والافادة وكان منهمكاً بحب الدنيا وكان يكثر الترداد على آغة أوجاق اليرلية بدمشق يوسف أغا الشهير بابن جبري وله عنده مزيد الرفعة وتردد إلى الوالد أيضاً وكان الوالد يحسن إليه ويبره ويشهد بأدبه ونبله وله فيه الشعر والمديح فمن نظمه ما امتدح به والدي بقوله عيون المها ردي سهامك عن نحري ... فمالي على رشق اللواحظ من صبر وابق على الصب المتيم قلبه ... فقد راعه ما في الجفون من السحر إلى الله أشكو ان في القلب لوعة ... تقلب أحشاء المحب على الجمر وأجفان عين قد تجافت عن الكري ... فما تلتقي الا على دمعة تجري سلوا لليل يخبركم دجاه بأنني ... أبيت سميراً لنجم فيه إلى الفجر أبت مقلتي الا مجانبة الكري ... فواخجلي هل لي إلى الطيف من عذر أهيم اشتياقاً نحو دار ألفتها ... فآهاً وآهاً ثم آهاً على مصر ترقرق ماء النيل فيها كأنه ... لجين مذاب فوق أرض من التبر ولولا بقايا طعمه في مذاقتي ... لما ظهرت تلك الحلاوة في شعري وقائله لما رأت ما أصابني ... وصبري على داء أمر من الصبر أتذكر مصراً بعدما صرت داخلاً ... رحاب هلال المجد في وجنة الدهر على علا معنى العلا باشتراكه ... له في اشتقاق صار في السر والجهر إليه أنتهي ما في النهى من مدائح ... جواهره في الجيد تزهو وفي النحر له في مقام الجمع فرق وانما ... حقيقته التوحيد في عالم الذر إلى الغير لم ينظر وإن حان لفتة ... فتلك مبادي الأمر من مبدأ السر يربى مريديه بأدنى التفاتة ... ولولا المرادي ما نظرت سنا البدر فإن مدحوه باكتساب معارف ... أقول علوم الوهب في صدره تجري وإن خاض بحر البحث منه جداولاً ... تفجر من عين الحقيقة بالدر فما الفخر في التفسير ما المجد في اللغة ... وما ابن دريد منه في النثر والشعر وما السعد في علم المعاني وغيره ... إليه سوى مثل القلامة في الظفر تنال به الفتيا بأوراقها على ... فضائله كالطل في مبسم الزهر فطرزها منه اليراع بدائعاً ... لو أبصرها النعمان قال بها فخري تجارت معاليه إلى غير غاية ... فغايتها قول الخلائق لا ندري فيا واحد الدنيا وبيت قصيدها ... وشامة وجه الشام من غير ما نكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 إلى بابك الأحمى أتت لي نجائب ... ونورك في الليل الدجوجي بها يسري وقد لفظتني بلدتي لفظ زاهد ... ولاقيت فيها فوق قاصمة الظهر تعالى بها قدر الأسافل وارتقى ... وخاب بها قصدي وحط بها قدري وجئت دمشق الشام أطلب راحة ... ولولاك ما مرت دمشق على فكري تقبل وقابلني براحة نظرة ... مرادية تفدي الأسير من الأسر والا فارشدني إلى سيد له ... أياد تحاكي بعض نائلك البحري فحاشى وقد قام الدليل محققاً ... بأنك في ليل المنى ليلة القدر وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم يا من إذا بخل السحاب بقطره ... فاضت أنامله وابل بره الناس عام والكرام بأسرهم ... شهر الصيام وأنت ليلة قدره منها ينادي على الدهر لما أتيتكم ... دخلت حمى من فيه تؤمن من غدر فإني إلى أهل الزمان بأسرهم ... سوى أهله بالقهر أسعى وبالمكر وخذ نفثة المصدور غير مؤاخذ ... خطوب زماني أوضحت عندكم عذري وإن عشت في نعماك قاطن جلق ... ساهديك من شعري أرق من السحر وليس رقيق الشعر أسنى فضائلي ... ولكنه شيء يردد في صدري فدم جامعاً شمل المعارف طالعاً ... مطالع سعد نافذ النهى والأمر مدى الدهر ما الغزي صالح منشد ... عيون المها ردي سهامك عن نحري وهي عروض قصيدة ابن الجهم التي مطلعها عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري أعدن لي الشوق القديم ولم أكن ... سلوت ولكن زدت جمراً على جمر وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته بدمشق سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بالباب الصغير رحمه الله تعالى. صالح الحلبي صالح بن مصطفى الشريف الحلبي اعجوبة الزمان ونادرة الأوان دعواه أكبر من معناه كان يلقب بالعشري ولد في أوائل هذا القرن وحفظ القرآن العظيم والشاطبية والرائية وكان يجمع للعشرة فلقب نفسه بالعشري لذلك وكان يحفظ أشياء كثيرة وله معرفة بالموسيقى وينظم الأشعار ويجاز عليها وينظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 في اللغات الثلاث وربما نظم باللغة الكردية والعبرانية والرومية من غير فهم معانيها بل مجرد كلمات متغايرات المعنى والمبنى وكان في مشيه قزل وكان يكتسب من شعره فمن شعره ما كتبه مهنياً المولى السيد محمد أفندي المعروف بطه زاده نقيب حلب بمولود ولد له بقوله فطوبى لمن قد جاء بداً وسيداً ... وحفت له الأنجاب في الحال أيدا يدوم بحفظ الله في طول عمره ... على حسن أيام الزمان مؤيدا وابن الأفندي العظيم محمد ... شهير بطه الشيخ قل زاد أحمدا وهي عدة أبيات وكلها على هذا النمط وكان المترجم يتهم بكثرة المال وكذا والده وكان يدعى أنه يعرف الكيمياء ويدعى معرفة كل شيء وهو لا يحسن شيأً ولما كان ثامن شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وجد في بيته داخل باب الأحمر الذي هو باب بالوج ميتاً في قاعة خربة فغسل هناك ودفن وقد ناهز السبعين ولم يوجد في بيته ما يساوي عشرة قروش وقد وجد من توجه من طرف المحكمة لجل تحرير أسبابه زجاجة على رف القاعة مختومة ففضوا ختمها فإذا بها ورقة بخط صاحب الترجمة وخطبة من انشائه يقول فيها وبعد فهذا ما من الله به علينا وجمعناه وقصدنا صرفه في طريق الحج ولكننا رصدناه بعد دفنه وهو إن تحت الثلاثة الأحجار السود في الإيوان الشمالي كذا كذا ألف دينار بندقي وفي الصف الشرقي كذا كذا ألف دينار فندقلي وتحت المحل الفلاني كذا كذا سبيكة ذهب كل ذلك دفين في الأرض لأجل النفقة في طريق الحج وكي لا يرثه أحد من ورثتي فتعجب الحاضرون من ذلك ولم يكن في بيته أعمدة ولا أحجار سود في الأرض ولا الجدران. صلاح الدين ابن الحنبلي السيد صلاح الدين بن مصطفى الجعفري الحنبلي النابلسي المعروف بابن الحنبلي كان من أكابر بلده وأعيانها المشار اليهم والمنوه بهم مع فضيلة في فقه مذهبه وغيره وكانت وفاته في أواسط صفر سنة احدى مائة وألف. صنع الله الديري صنع الله المعروف بالديري الحنفي والخالدي القدسي أحد الأفاضل الأنجاب والنبهاء المتوقدة الألباب طلب العلم وارتوى من مناهله وجد واجتهد وتولى رياسة الكتابة في محكمة القدس كما سبق لآبائه ذلك مع الخط الحسن والنفس النفيسة وأصلهم من الدير قرية من قرى نابلس وكان للمترجم تقييد في المسائل فقيهاً كريماً سخياً حليماً ووقف في القدس وقفاً وعين منه مبرات للفقراء وخبزاً وطعاماً وقرآات وعمر سبيل ماء وكانت وفاته في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة باب الرحمة وترك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 أولاداً منهم الشيخ خليل تولي بعد أبيه وقام مقامه وكان فاضلاً سليماً فقيهاً توفي سنة احدى وستين ومائة وألف رحمهما الله تعالى وأموات المسلمين آمين. حرف الطاء المهملة طاهر النابلسي طاهر بن إسماعيل بن الأستاذ القطب العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الشيخ الفاضل الصالح النبيل الأوحد ولد سنة احدى عشر ومائة وألف ونشأ في حجر جده الأستاذ ورباه أحسن تربية وقرأ القرأن وطلب العلم فقرأ في الفقه على جده وغيره وصار له فضل في الجملة ثم إنه بعد وفاة الأستاذ بشهر وعشرة أيام حصل له اصطلام وجذبة الهية واستغراق في المشاهدات الملكوتية فدخل إلى الخلوة وأعرض عن الدنيا وبقي مختلياً ثلاث سنوات وسبعة أشهر وكان يقلل الغذاء شيأً فشيأً إلى أن مكث آخر أمره ثلاثة وستين يوماً لم يتناول فيها شيئاً من الطعام أصلاً وتوفي أخرها في ختام شهر ربيع الثاني سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن في حجرة والده الكائنة على يمين الداخل إلى دار الاستاذ في القبر القبلي ثم إن شقيقه الشيخ مصطفى الآتي ذكره بني على قبره وقبر والده المار ذكره قبة لطيفة موجودة إلى الآن ورثاه الأديب عبد الرحمن بن محمد البهلول بقصيدة طويلة مطلعها شاهد القلب مصرع البين حقاً ... فله ساغ أن يذوب وحقا وهي قصيدة طويلة مذكورة في ترجمته في كتاب صاحبنا الكمال محمد الغزي الذي وضعه في ترجمة جده الاستاذ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه. طاهر المرادي طاهر بن عبد الله بن مصطفى بن الأستاذ العارف الشيخ مراد أفندي المرادي كان من الكمل والنجباء الصالحين حسن الأخلاق والمعاشرة حلو المصاحبة والمسامره ولد بدمشق سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ومات والده وهو صغير فنشأ في كنف جده فرباه أحسن تربية وقرأ القرأن وأخذ في طلب العلم فقرأ على شيخنا أبو الفتح محمد العجلوني والضياء عبد الغني بن فضل الله الصالحي والشهاب أحمد بن عبيد الله العطار وغيرهم وأخذ الطريقة النقشبندية عن جديه والد والده ووالد والدته فإن والدته بنت الاستاذ محمد أفندي جدي وكان مستقيماً لا يخرج من دار الحرم الا قليلاً مشتغلاً بحاله عن غيره وارتحل مع جده لأمه للروم وكان لجده فيه محبة كلية وأعطى رتبة موصلة السليمانية المتعارفة بين الموالي ولما حج المولى علي أفندي والدي وابن عم المترجم في سنة ثمانين ومائة وألف أخذه معه فأصابه مرض في الطريق ولما عاد الحاج من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة توفي صاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الترجمة وكانت وفاته من السموم الصادر ذلك اليوم فإنه مات به جملة كثيرة من الحجاج يوم دخولهم المدينة ومن جملتهم صاحب الترجمة بحيث كان الرجل يموت في أقل من درجة ودفن في بقيع الغرقد رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين. طه الجبريني طه بن مهنا الشافعي الجبريني المحتد الحلبي المولد العالم الفاضل المتقن العلامة المحقق واحد الدهر في الفضائل المفسر المحدث صاحب الاحاطة بالعلوم العقلية والنقلية كان المعيا وحيداً له الذكاء المفرط كاملاً بحاثاً محققاً مدققاً ورعاً زاهداً ناسكاً ولد في سنة أربع وثمانين وألف وطلب بنفسه وأخذ عن علماء ذلك العصر وحبب إليه الطلب إذ بلغ فسعى وجد واجتهد ورحل إلى الحجاز في سنة احدى وثلاثين بعد المائة وسمع صحيح البخاري على شارحه المتقن الضابط أبي محمد عبد الله بن سالم البصري وأجاز له به وبباقي ما يجوز له وقرأ العربية على الشيخ عيد المصري ومن مشايخه الشيخ تاج الدين القلعي مفتي مكة والشيخ عبد القادر المفتي بها أيضاً وأخذ عنهما وعن الشيخ يونس المصري والشيخ أبي الحسن السندي ثم المدني وغيرهم وعاد إلى وطنه واشتغل بالافادة والحق الأحفاد بالأجداد ثم عاد إلى الحجاز في سنة احدى وستين بعد المائة أيضاً وجاور بمكة المكرمة نحواً من سنتين وعاد إلى وطنه وكتب على صحيح البخاري قطعة صالحة وصل بها إلى المغازي وله تراجم أهل بدر الكرام رضي الله عنهم وغير ذلك من التحريرات وانتفع به خلق لا يحصون كثرة وله مداعبة لأحبابه وكان يعاني حرفة الا لاجة ينسج له وتباع ولم يكن له وجه معيشة ولا وظيفة غير ذلك وله شعر فمن شعره الذي خدم به سيد المرسلين عاقد اللحلية الشريفة قوله يا أهيل النقا لقد همت وجداً ... في هواكم وقد جفا الجفن سهدا ما تناسيت المربوع بسلع ... سل من الركب من تناسيت عهدا كيف أنسى وفيكم من تسامى ... في سماء السماء فخراً ومجدا خاتم الرسل سيد الكون طه ... من غدا في شمائل الحسن فردا ذو جبين سما الهلال ووجه ... أخجل البدر بالبها اذ تبدى في أساريره سنا الشمس تجري ... من سناه أهتدي الذي ضل رشدا أهدب الجفن فوق خدا سيل ... أكحل العين بالنفوس مفدى أفرق السن إن تبسم تلقي ... مثل حب الغمام والدر نضدا أزهر اللون أنفه كان أقنى ... بالقنا للعدا أباد وأردى شثن الكف للكراديس ضخم ... راحتاه جوداً من البحر أندى ربعة كان إن مشى يتكفأ ... رجل الشعر ليس سبطاً وجعدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 كان فخماً مفخماً يتلألأ ... خافض الطرف أكثر الخلق حمدا بين كتفيه مثل بيض حمام ... خاتم الأنبياء للخلق مبدا ومغيث لمن أتى مستجيراً ... من ذنوب فاضت على البحر مدا وصريخ لمستريح خطوب ... قد توالت عليه صكاً وطردا ورؤف بنا وأيضاً رحيم ... كم حباني فضلاً وللخير أسدى يا رسول الورى سميك طه ... قد سعى في الهوى مكباً مجدا كلما كان يستعد لرشد ... أخرته القيود عما استعدا وهو قد حل في حماك وحاشى ... أن ينال المنيخ بالباب ردا وصلاة الآله في كل آن ... مع سلام إلى ضريحك يهدى وإلى الآل والصحاب جميعاً ... ما سنا كوكب بأفق تبدى وله غير ذلك وكانت وفاته ضحوة نهار الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب المقام قبيل المغرب وقبره شمالي قبة العواميد وأسف عليه الناس بعد أن انقطع في بيته من أواخر صفر ومرض نحواً من عشرة أيام واختلط في مدة اقامته في بيته كثيراً وأعقب ولداً ذكراً وبنتاً وقد رأيت بعض من ترجمه ذكر أنه في فجر يوم وفاته وعنده جماعة منهم أولاد شقيقته وبعض أقاربه من النساء الخيرات إذ دخل عليه طائر أخضر وحام حوله مراراً والحاضرون ينظرون ذلك ويعبجون ثم جلس على صدره هنيئة وطار وقد أرخ وفاة هذا الاستاذ السيد عبد الله اليوسفي الحلبي بقوله بشرى لطه حيث حاز فضائلاً عقلاً ونقلاًلقد ارتضاه وقد حبا هـ الله مغفرة وفضلاًلما غدا الفردوس فيدار البقاء له محلا أرخته بعلى الجنا ... ن محدث الشهباء حلا حرف العين المهملة عاصم الفلاقنسي السيد عاصم بن السيد عبد المعطي بن السيد محمد الحنفي الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد أحد أعيان الكتاب وزبدة ذوي المعارف والآداب كان كاتباً أديباً بارعاً عارفاً متقناً لأدوات الظرف كاملاً عاقلاً ذا حشمة ووقار مع أدب وحشمة وهو أحد الكتاب في الخزينة الميرية بدمشق وصار مقاطعجياً ومحاسبجياً وكان في دولة ابن عمه السيد فتح الله الدفتري معتزلاً عن أحواله وما خالطه بأموره بل كان مستقيماً ومكباً على مطالعة كتب الأدب والتواريخ مشتغلاً بمحاسبات الدفاتر والأموال الميرية مع ثروة وخدم ورفعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 ولما قتل ابن عمه المزبور أهين وأخذ منه مبلغ من الدراهم وصارت له اهانة كلية ووقف وقفاً بدمشق على ذريته وكان يستقيم في أوقات إيناسه في جنينة والده المعروفة الآن بالمترجم بالقرب من جامع السادات بمحلة القصب وكان كريم الذات وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شريف زكي الأصل مستوثق من الكمال بالقول الفصل كرم نفساً وذاتاً وكمل ذاتاً وصفاتاً فاستشرف منه العلي بدراً وشرح به فؤاداً وصدراً وأنزله في برج السيادة وألقى إليه ذمامه وقياده فما لبثت عليه عمائمه ولا ردت ريحان شبيبته عمائمه الا وهو خط وحط والأماني تناظره بعين الرضي وتلحظ طافحاً بسؤدد ومجد ومستفزاً إليه من غور إلى نجد تحمله عواقب آرائه وتحسده الشمس من بين نظرائه عقل كما رسى الهضب وفكر كما صقل العضب وقناة يراعة لا تغمز وذكاء من ريقة الشمل كما يرمز وشيم تتمناها قطع الرياض وفكاهة كما اضطرد الجدول على الرضراض انتهى مقاله وكان ينظم الشعر الا أنه نزر قليل فمنه قوله مشطراً له وجنات في بياض وحمرة ... كعقد من الياقوت زين به النحر فيا حسن لاذ بالدمقس توشعت ... فأوساطها بيض وأطرافها حمر رقاق يجول الماء فيها كأنها ... شقائق نعمان يكللها القطر وثغر به راق الرضاب كأنه ... زجاج أريقت في جوانبها الخمر وله وهضيمة الكشحين خود فوقت ... سهم المنايا نحو قلبي المغرم فإذا بها لهب الغرام وقد غدت ... من أدمعي تجري كلون العندم وله قالوا اشتكى في ركبتيه علة ... أعيته حتى أعجزته قياما قلت الحرى بتلك منه لسانه ... قطعاً لئلا يستطيع كلاما وله مشطراً بيتي ابن عمه السيد فتح الله الدفتري بقوله بقيت مادامت الأفلاك دائرة ... وما تزينت الزرقاء بالزهر ولا برحت من الأفراح في حلل ... تدير فينا شموس الراح في السحر ودم تقلد أسماعاً لنا درراً ... عن مثلها يعجز النحرير ذو الفكر وسورة الحمد نتلوها بالسننا ... كما تلا الطرف منا سورة القمر وله أيضاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 قلت للحب حين فاه بذكرى ... في مقام العذال والرقباء لا نعرض لدى العذول بذكرى ... فلديه التعريض نصف الهجاء وهو من قول ابن المعتز يا هلالاً يلوح في فلك الناورد ... رفقاً بأعين نظاره قف لنا في الطريق إن لم تزرنا ... وقفة في الطريق نصف زياره وقد تبعه في ذلك الرئيس منصور القيرواني فقال يا غزالاً أصاب مقتل صب ... بفتور من أعين صياده سل عن المستهام إن لم تعده ... فسؤال الحبيب نصف العياده وقد تبعه على ذلك زمرة من الأفاضل البلغاء والأدباء النبغاء فمنهم البارع الأديب الشيخ صادق الخراط الدمشقي فقال يا مليكاً يتيه في حلل الحسن ... معناك قد أطال انتظاره زر بطيف الخيال إن لم تزره ... زورة في الخيال نصف الزياره وقال أيضاً يا ظلوماً قد استباح جفائي ... ثم آلى إن لا يفي بلقائي عدوان لم تفي بوعدك صبا ... إن وعد الحبيب نصف الوفاء وله أيضاً ذبت شوقاً إلى لقاك فعدني ... بوصال وسلني بالمحال وإذا لم تصل فجد بسلام ... فسلام الحبيب نصف الوصال ولصدر الأفاضل أحمد المنيني الزم الصدق في أمورك واسلك ... منهج النصح والوفا للرفاق لا تداهن يوماً من الدهر خلا ... انها يا زكي نصف النفاق وقال اجعل القنع عادة لك واحذر ... خلقاً من ذوي العقول المطيشه واقتصر في الأمور تظفر بنجح ... إن في الاقتصار نصف المعيشه وله أيضاً أسهر الليل في مذاكرة العلم ... لذي فطنة وفهم مصيب وأهجر النوم فيه إلا قليلاً ... إنما النوم نصف موت اللبيب وقال أيضاً قل لمن يطلب الزيادة من ... دنياه خوفاً من آفة الافتقار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 إنما رمته كنصف افتقار ... والرضى باليسير نصف اليسار وله أيضاً يا لبيباً يرتاد مجلس علم ... ثم يلقي السؤال من غير فهم حسن القول في سؤالك وأسأل ... إن حسن السؤال نصف العلم وللأديب السيد أحمد الغلاقنسي قال لي اللائم الجهول لماذا ... قد هجرت الدروس والاستفادة وخللت الإيناس واغتضت با ... لأيحاش عنه وصار ذلك عادة واعتزلت الأنام قلت لأمر ... فاعتزال الأنام نصف العبادة وله أيضاً قيل لم لا تجل مع القوم فيما ... قد أجادوا ابداعه وانتظامه ولزمت السكوت في كل حال ... قلت إن السكوت نصف السلامة وللنبيل النبيه محمد بن عثمان الشمعة تقيد بالفرايض والتزمه ... وكن في روضه مع ألف رائض فأهل العلم يذهب عن قريب ... ونصف العلم صح هو الفرائض وللماهر الأديب مصطفى اللقيمي الدمياطي كان قلبي في حصن أمن بوصل ... فدعاه جيش النوى فاراعه فرماني ولم يكن بجبان ... فلديه الفرار نصف الشجاعة وله زارني من أحب من بعد بعد ... وحباني بوصله والتلاقي وسقاني من ثغره رشفات ... أطفأت جمر لاعج الأشواق ورقيبي أتى فبدل أنسي ... فحضور الرقيب نصف الفراق وله أيضاً وبخيل لداره قد دعاني ... وقراه اعتذاره بالكلام فعلى الجوع قد رجوت ثواباً ... من الهي فالجوع نصف الصيام وله أيضاً وبروحي غزال حسن سباني ... مذ غدا شاهراً سيوف الجفون صرت مغمى لما نضاها فطرفي ... رش وجهي منه بماء الشؤون لم أكلف لفرض لوم عذول ... حيث إن الاغماء نصف الجنون وقال أيضاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 لا تبلغ إذا سمعت سبايا ... واسع بالصلح واستعن بالكتم لا تقل إن في النميمة صدقاً ... إن نقل السباب نصف الشتم ولحاوي الكمال سليمان بن أحمد المحاسني إذا ما حبيبي قد ألم بفكره ... لطيف وصال إذ مررت بباله فعندي هو الود الأكيد أعده ... من الحب منا أو كنصف وصاله وللفاضل الكامل إسماعيل المنيني ابن أحمد المنيني المترجم سابقاً ومليح ممنع ليس يدري ... فرط ما بي من الهوى والتصابي كلما رمته انثنى بازورار ... وسكوت وليس يدري ما بي قلت لم لا تجود يوماً برد ... قال إن السكوت نصف الجواب وله أيضاً اجهد لنفسك تظفربنيل كل رجاءوفز بنيل كمال به كمال العلاءفلست تلفي جهولاًفالجهل نصف العماء ولأخيه الزكي اللبيب عبد الرحمن المنيني المترجم أيضاً فيما يأتي يا بروحي أفدي حبيباً جفاني ... غب بين مبرح وفراق بكتاب أحيي عليل فؤادي ... فكتاب الحبيب نصف التلاق وللوذعي السيد محمد بن السيد مصطفى الراعي اجعل السعي في نهارك حتى ... تأذن الشمس ضوءها للذهاب واجعل النوم زاد عينيك ليلاً ... سهر الليل قيل نصف العذاب وله لذة العيش في زمان الشباب ... فاسهر الليل باغتنام التصابي واهجر النوم في اقتناص سرور ... انما الليل نصف عمر الشباب وله احفظ العين إن نظرت مليحاً ... فهو فخ به لصيدك حبه يترأى لها الجمال وقالوا ... نظرة العين نصف داء المحبة وله أيضاً يا من بفرط التجني ... أهاج للصب وجده أهل المحبة قالوا ... نصف الوصال المودة وللأديب السيد محمد بن عبد الباقي الشويكي مذ بدا عارض بخد حبيبي ... وبه نلت وصلة للوصال قيل قد زال حبه فاسل عنه ... قلت كفوا فالشعر نصف الجمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وله بأبي شادن أبي لثم ثغر ... وحباني من كأسه بسلاف قلت أفديك هاتها بعد شرب ... شرب فضل الحبب نصف ارتشاف وله أيضاً بأبي فرد جمالوجهه للحسن قبلهجاء من بعد بعاد وأباح الصب وصلهوعن القلب شفي باللمس من كفيه غله قيل هلا نلت لثماًمنه يشفي السقم كلهقلت لثم الكف عندي من حبيبي نصف قبله ولصاحبنا الكمال محمد الغزي العامري قوله بعض هذا الدلال يكفيك يا من ... من سلطان حسنه بقفوله فمحياك كان بدر تمام ... ونبات العذار نصف أفوله وقوله وقصير القوام أحور أحوى ... حسنه قد حكى لحور الجنان قده قد أعاب جهلاً عذولي ... قلت يكفي المشوق نصف سنان وللحسيب السيد عبد الرزاق البهنسي قيل لم لم تجانس القوم فيما ... حاولوه بفكرة وقاده وهجرت الفريض دوماً وما حا ... ل الجريض من دونه والافادة قلت كفوا الملام عني فإني ... قد رأيت السكوت نصف العبادة وله أيضاً وقالوا إلى م بذكر الحبيب ... تفوه وقد عدت مثل الهلال فقلت دعوني على ما ترون ... فذكر الأحبة نصف الوصال وللبيه السد عبد الفتاح مغيزل قالوا نراك متيماًفي حبة تبدي الفنونفأجبتهم لا تعجبواإن الهوى نصف الجنون وللكامل أبي بكر نصرت الرومي لا تكن في الدهر منهما بمن ... ساء منه الفعل في حق الأنام قد كفينا منه لو حققته ... إن كظم الغيظ نصف الانتقام وللفاضل الأوحد أحمد بن عبد اللطيف العمري ناج مولاك في الدجى واغنم الفر ... صة وانهج نهج الكرام الأوائل ثم لازم على التسابيح فيه ... فصلاة التسبيح نصف النوافل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وللكامل السيد سعيد الجعفري هذه دارهم وإن فؤادي ... للقاهم مولع بالتصابي مربي الركب قلت قف بي قليلاً ... على أحظى بلثمة الأعتاب هي حسبي إن لم أفز بلقاهم ... إنها نصف رؤية الأحباب وللفائق شاكر بن مصطفى العمري قلت لما بدا الحبيب كظبي ... في نفار وقد أراني صده هل سلام إن لم يكن لي وصال ... فابتداء السلام نصف المودة وللأديب عبد الحي بن إبراهيم البهنسي لو بعين الانصاف أمعنت في ... الأنصاف من نظم درها المنثور لتحققت حكمة الشعر منها ... حاكماً إنه لنصف الشعور وللأديب سعيد السمان وم أزمعت سيراً وعاث الذي وشى ... ولم أستطيع التوديع والنطق بالفم أشرت لها بالجفن والجفن مفعم ... دموعاً غدت تحكي عصارة عندم وقلت لقلبي بالمحال مسلياً ... الا أن غمز الجفن نصف التكلم وله أيضاً قال حمامنا الذي يذهب الغم ... ويشفي من موبقات الهموم ادخلوني وابشروا بسلام ... فدخول الحمام نصف النعيم وله أيضاً حين وافى الحبيب من بعد هجر ... وأباح المشوق منه قياده ودرى خلسة الوصال رقيبي ... فأتاني بقالة مستجاده ضم والثم ولا تخف من رقيب ... فاطلاع الرقيب نصف القياده وله أيضاً لا أريد الوصال بالمن ممن ... انحل الجسم بالجفا والدلال إنما دائماً له أتمنى ... فتمنى اللقاء نصف الوصال وله أيضاً إذا ما امرؤ وافاك في حل مشكل ... من العلم لا تعجل وزاوله بالفكر وليس معيباً قول لم أدر في الورى ... فقد قيل نصف العلم قولك لا أدري وله أيضاً قد شكا أعمى تباريح الجوى ... لمعنى مبتلي بالعور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 قال لا تشكو وسلم للقضا ... إن عندي صح نصف الخبر وله أيضاً لا تلمني إن طلقت في الدياجي ... مقلتاي الكري على التحقيق قد عراني كما سمعت شخير ... هو عند الخبير نصف النهيق وله أيضاً يا خليلاً أبدى صداقة حب ... وحباه من اللسان حلاوه لا تصاحب عدو خلك يوماً ... إن ذا في الأنام نصف العداوه وللفاضل السيد شاكر العقاد العاملي الدمشقي مربي أحور اللواحظ المى ... ريقه السكري غدا كالزلال تاركاً للسلام منه دلالاً ... إن ترك السلام نصف الدلال وللسميدع النجيب الأخ السيد أحمد سعيد المرادي لي حبيب حسنه كالقمر ... ريقه أحلى لنا من سكر قبلوا من خده واغتنموا ... قبلة في الخد نصف العمر وللكامل الفاضل السيد عبد الباقي الشويكي حسن اللبس ما استطعت وحاذر ... أن تدع ما يكون للناس أسوه لا تدع زر عمة حيث قالوا ... إن زر القاووق نصف الكسوه وللبارع الشيخ محمد سعيد بن مصطفى المعروف بالنابلسي قوله أفدي الذي في حبه ... ما زلت في قيد الهيام لو من لي بسلامه ... نصف المودة في السلام وقوله في أغيد حاز البها ... قلبي تولع إذ سفر هو في المحاسن مفرد ... وجبينه نصف القمر وللألمعي السيد عبد القادر الحلبي البانقوسي شاقني في وجهه معنى بديع ... رق فهماً عن حجي طالبه ليس بالحمرة للخد ولا ... حسن عينيه ولا حاجبه فتراه يجذب القلب به ... نصف حسن الحب في جاذبه ولأخيه المفنن السيد محمد صادق الحلبي قوله يا صاحبي أما وحق صفائها ... في كأسها المتشعشع البراق لا أبتغيها لذة إن لم تكن ... في كف أهيف فاتر الأحداق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 تشهيك من أقداحه أحداقه ... نصف الهنا يا صاح حسن الساقي وقوله كم ترم نيل المعالي جاهلاً ... سبلها ليس المعالي بالكسل فرض النفس ولا تركن لها ... نصف قطع السيف من زند البطل وللبارع الشيخ أحمد المعروف بابن شمس الخلوتي إن رمت أن ترقى العلاوتحوز أخلاقاً سنيهوترى عداءك أصدقا ءك بعد ابداء الأسيههاديهم متعطفاًنصف المحبة في الهديه وله يا صاح إن رمت الظرا ... فة بالتجمل واللطافة مل للنظافة إنما ... نصف التجمل في النظافة وله أيضاً إن النساء عدمتهن ... ذوي الخيانة والأسى منهن كن متحذراً ... نصف البلاء من النسا وللمتفوق اللغوي الشيخ مكي الجوخي لا تجادل بغير حق خليلاً ... والتزم نصرة لحق مبين واتبع منهج الصواب وأنصف ... صاح إن الانصاف نصف الدين وللسيد محمد البيروتي الدمشقي إياك والمزح الكثير ... فإنه نصف النكد وإلى حسودك لا تمل ... نصف العداوة من حسد ولبعضهم إن رمت تدعى كاتباً يا ذا العلا ... وتكتب الخط الفريد المنتظم فجود الأقلام وأحسن قطها ... فنصف حسن الخط في قط القلم وله ملك بالحسن قد جار ولم ... يخش في الجور وثيبات الزمن أنصف المظلوم وأرعى حقه ... إن نصف الناس أعداء لمن ولآخر أفدى مليحاً جفاني ... وزاد بالهجر صده عطفاً بحال محب ... فالعطف نصف الموده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 ولآخر كن حامداً لله مهما استطعت ... ففي أي حال يرى منعما واسئل من الله حفظ العيون ... فإن عور العين نصف العما ولآخر فرج عن النفس وكن ... مؤملاً للنعم لقد أتانا مسنداً ... الهم نصف الهرم ننتهي وقد أطلنا في ذلك وأكثرنا عبور هذه المسالك الا أنه لم يخل من لطافة وكانت وفاة المترجم في سنة سبعين ومائة وألف ودفن بالجبانة الارسلانية رحمه الله تعالى. عامر القدسي عامر الشافعي النابلسي ثم القدسي الشيخ العالم الفاضل الورع المحدث المرشد الصالح الفالح الفقيه كان ملازماً للعبادة والافادة صاحب قلب عامر وذكر عاطر من علماء القدس المقيمين على آداب العبودية عمر أوقاته بين تعليم وارشاد وذكر وفكر محيي الليالي بالمشاهدة والمجاهدة ملازماً للمسجد الأقصى قانعاً بالقوت معرضاً عن السفساف وقد استفيض عنه إن بعض تلامذته دخل عليه في حجرته فلم ير الا فروته فرجع فوقف على باب الحجرة فإذا هو يسمع صوت الشيخ وهمهمته فالتفت فإذا الشيخ في مكانه فعرف قدره عند ذلك وحاله وكان دابه الخمول وترك الفضول لم يدنس نفسه بطمع صابراً ينتشر العلوم النافعة معرضاً عن لذة الدنيا وكانت له حواشي على بعض المؤلفات المعتبرة وأصله من نعير بنون وعين مهملة وراء مصغرة قرية من قرى نابلس وكان من المعمرين في السن ولم يزل على حالته الحسنة المرضية في أطواره وأحواله على مدى الأوقات إلى أن توفي وكانت وفاته في سنة أربعين ومائة وألف ومائة وألف ودفن في تربة باب الرحمة رحمه الله تعالى. عامر المصري عامر الشافعي المصري الضرير نزيل حلب الشيخ المقري الفاضل الماهر المتقن الاستاذ ولد في حدود الثلاثين وألف وأخذ بمصر وجوه القراآت عن شيوخ الحافظ البقري المشهور وعنه وقدم حلب قبل المائة وألف من السنين ونزل بالمدرسة الحلاوية وأخذ عنه قراء وقته كالشيخ يوسف الشراباتي والشيخ إبراهيم السبعي المحبي وخلائق وانتفع به الناس وكان دمث الأخلاق أخبر تلميذه الفاضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 المتقن الشيخ عمر امام جامع الرضائية إنه قرأ عليه القرآن قبل وفاته بشهور قلائل قال كان لي اخوان يقرآن عليه فأخذني أحدهما يوماً معه وكنت في سن الثمان سنين فرأيت شيخاً كبير السن فلما قبلت يده قال لأخي هذا صغيركم سنه فقال له ثمان سنين فضجر وقال لأخي خذه إلى المكتب فقال له أخي إنه ختم القرآن ونريد أن تشرفه تبركاً بالقراآت فقرأت حصة من سورة البقرة فأعجبته قرآءتي وقال لأخي دعه عندي يخدمني إن شاء الله تعالى ينتفع بالقرآن فأقمت عنده غالب الأوقات إلى أن مرض وكنت وصلت إلى سورة إبراهيم عليه السلام فأتيت يوماً وطرقت باب الحجرة عليه فقال من هذا فقلت عمر فقال رح عني أنا غداً أموت فذهبت فلما كان ثاني يوم أتيت فرأيته توفي وأخرجه ضابط بيت المال من الحجرة وختمها وظهر عنده دراهم وحوايج انتهى وكانت وفاته في سنة ست عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرة العبارة خارج باب الفرج رحمه الله تعالى. عباس الوسيم عباس بن عبد الرحمن بن عبد الله الملقب بوسيم على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الأحدب الحنفي القسطنطيني الأديب الحاذق الطبيب الماهر العارف قرأ كتباً عديدة في علم الطب وأخذه عن الاستاذ علي البروسوي الطبيب السلطاني وبلديه عمر شفاي البروسوي ومهر في الطب وطالع غالب كتبه وأخذه أخذ حاذق خبير وأتقنه وأخذ علم الحكمة عن العالم أسعد الياينوي وقرأ عليه بالفارسية وأخذها عنه وقرأ كتاب المثنوي وغالب الكتب المفيدة بالفارسية على أساتذة أجلاء وأخذ الخط التعليق عن الاستاذ محمد رفيع كاتب زاده قاضي العساكر ورئيس الأطباء في الدولة وبرع بالأدب والطب والحكمة وغيرها من الفنون وشرح زيج الغ بيك في علم النجوم وألف كتاباً في الطب سماه الدستور الوسيم وله غير ذلك من الآثار وفتح حانوتاً بالقرب من جامع السلطان سليم خان واشتهر في دار الخلافة وكان ينظم الشعر المرغوب في التركية وله ديوان معروف توفي في شوال سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. عبد الباقي التاجر عبد الباقي بن أحمد التاجر الموصلي الشافعي عالم وقته وفريد دهره كان له الذكاء المفرط والفطنة التامة والمعرفة الكاملة مبرزاً في المعقول والمنقول ولد سنة ثلاث وتسعين وألف بالموصل ونشأ بها واشتغل أولاً بالتجارة ثم ترك ذلك وقرأ على الشيخ إسماعيل بن جحش الموصلي وغيره من الفحول وله تآليف عديدة وتعليقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 مفيدة منها منظومة في النحو وكان على جانب عظيم من الصلاح ترجمه في الروض فقال أحد التجار المتخذ تعاطي الكمال من أعظم الفخار فكم له في سوق الأدب من بضاعة وكم له في صياغة المعارف من بديع صناعة فهو رواء الصادي ومورد الغادي والبادي وهو الثابت الأصول والمرهف الفصول حج من طريق العراق سنة احدى ومائة وألف وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى. السيد عبد الباقي مغيزل السيد عبد الباقي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مغيزل الشافعي الدمشقي الشريف لأمه لكون والدته ابنة السيد السند موسى الصمادي الامام العالم الفاضل البارع النحوي المفنن ولد في حدود الستين بعد الألف واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل لذلك فأخذ الفقه عن الشيخ محمد العيسى والشيخ علي الكاملي والحديث عن الشيخ أبي المواهب والنحو عن الشيخ نجم الدين الفرضي والمعاني والبيان عن الشيخ إبراهيم الفتال وأصول الدين عن الشيخ يحيى الشاوي المغربي وبرع وساد ودرس في الجامع الأموي في فنون من العلم وعكف عليه الطلبة للاستفادة وكان فصيحاً ذكياً ومن محاسنه إنه كانت له منقبة عجيبة ماتت بموته وهي إنه كان إذا حضر في محضر فيه أحد من أهل العلم ذكر في التفسير مبحثاً من تفسير البيضاوي أو تفسير الزمخشري أو مبحثاً في الفقه أو في المعاني والبيان أو في معنى بيت شعر فينتشر البحث ويستفيد غالب الحاضرين ممن يكون من طلبة العلم أو يكون له فهم وذلك مع الأدب والانصاف والتواضع منه ويسلم المجلس من لغو الكلام والغيبة ويحمده على ذلك أهل الديانة من الحاضرين وينقبض منه من كان بخلاف ذلك فتنبعث همم غالب الحاضرين من أهل العلم على مراجعة تلك المسئلة التي ألقاها والمسائل التي جرها البحث في كتب العلم فمن فوائده إن من العطف نوعاً يسمى العطف التلقيني وهو إن تعطف جملة على جملة ويختلف قائلهما ويكون المتكلم بالجملة الثانية مذعناً لمضمون الجملة الأولى كقوله تعالى قال إني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي وذكره الشيخ خالد في باب العطف من شرح التوضيح ومن فوائده إن الأكبار من أسماء الحيض وقد ذكر بعض المفسرين في أكبرنه من قوله تعالى في سورة يوسف فلما رأيته أكبرنه إنه بمعنى حضن على الحذف والإيصال أي أكبرن منه وفوائد المترجم كثيرة ولولا الاطالة لذكرت منها شيأً كثيراً وكان ديناً مواظباً على حضور الجماعات بالجامع الأموي وعيادة المرضى وشهود الجنائز وترجمة الأديب السيد الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 في وصفه من الزمرة الأولى من أخلائي ومن به أشرق في أبان رونقه وجه اجتلائي فاستهليت أنا وإياه العيش بدرياً وهززت غصن اللذات غصناً طرياً في زمان عيون سعوده روان والآمال فيه دوان ما بين بكر وعوان لم يتعد فيه أرضي عن أرضه ولم نأل فيه من القيام بنفل الود وفرضه ولم يتنسم أحدنا أخاء الأهب الآخر معه رخاء وهو ممن خلصت ذاته خلوص الذهب على اللهب وتميزت بما أحرزته من نسب شريف وحسب ونشب تليد ومكتسب شمر في الطلب عن ساق وأبدى بدائع حسن واتساق وله براعة تعرب عن لسان ذليق وذهن متوقد يزينه وجه طليق وفضل يستغني عن المدح وشعر يعلم الحمامة الصدح قد استخرجت له ما هو كالروض المعطار تضحك ثغور نواره عن بكاء الأمطار انتهى ما قاله ومن لطائف الأمين تنكيته عليه بقوله وشعر يعلم الحمامة الصدح وقد أشار إلى نكتة وهي أن والد المترجم كان يلبس الثياب البيض فكان يلقب بالحمامة فأشار الأمين بذكر الحمامة إلى هذا اللقب وهذا التنكيت حسن بخلاف الأديب الشيخ سعيد السمان فإنه قل إن يأتي في تراجمه بمثل ذلك بل غالب تراجمه قدح ظاهر كما هو مسطر في تراجمه التي ذكرتها في هذا الكتاب فراجعه إن شئت ومن شعر المترجم قوله أواه من ذلك الخشف الذي سنحا ... من أكسب المستهام المبتلي برحا لم أنس إذ مر مختالاً بقرطقه ... من دونه ذلك القد الذي رجحا يزور لحظاً بطرف زانه حور ... فكم طريح على فرش الضنى طرحا وكم دواعي الهوى من كل جارحة ... تستخبر القلب عنا آية جنحا قال الأمين وبعث إلي بهذه الأبيات وكان وافاني ولم يجدني في بيتي يا ماجداً حاز السيادة يافعاً ... وغدا بأثواب البراعة يرتدي من مذكري عهد الشبيبة والصبا ... والعيش مع وصل الحسان الخرد كم مرة قد جئت نحو حماكم ... كي أن أفوز برؤية الوجه الندي فلسوء حظي لم تجدكم مقلتي ... فرجعت من ذاك الحمى صفر اليد فكتبت إليه مولاي من دون الأنام وسيدي ... بلغتني بالسعي أسنى سؤدد وافيتني والبيت مني مقفر ... من سوء حظي والزمان الأنكد هي عادة الأيام أرجو صاحباً ... فيصده قدر علي بمرصد وإذا أبيت فتى وعفت دنوه ... الفيته نفسي يروح ويغتدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وللمترجم كلما رمت خلاصاً من هوى ... ظبي أنس حبة القلب ملك قال لي حسن حواه كم له ... من شج مثلك ملقى في الفلك وقوله قلت إذ جاء صاحبي ... يشتكي حرقة النوى كيف شكواك إننا ... كلنا في الهوى سوا وهذا المصراع قد أكثر الناس من تضمينه وأشهر تضامينه قول بعضهم قل لمن جاء يشتكي ... باهتمام من الهوى لأتفه بالذي جرى ... كلنا في الهوى سوا قال الأمين وأنشدته يوماً قولي معمياً باسم موفق من ولاة الجمال سلطان حسن ... حكمته القلوب فازداد عجبه حد للقلب مذ سما حد سر ... نازل في حشاه ما راق حبه قال فحله وحلاه فقلت أخاطبه مولاي يا حلال كل مشكل ... بفمه ورأيه السديد أفديك مذ حليت ما عميته ... حليت قلبي وفمي وجيدي فقال هذا يشبه قول العفيف قد قلت لما أدار شداً ... بخصره يا مهفهف القد حليت قلبي وعقد صبري ... وعاطل الخصر منك بالشد وطالما جال في خلدي من أي نوع هذا من أنواع البديع فقلت له قد ذكر البدر الدماميني في حاشيته على شرح لامية العجم إنه نوع من الاستخدام وأنشد منه قول ابن نباتة رشفتها في مكان خلوتها ... وجيد الحسن ثم قد جمعا حلت مذاقاً ومشرباً وفماً ... والجيد والشعر والصفات معا وفيه استعمال كلمة واحدة على ستة معان وقدم إن مثل هذا لم ينصوا عليه في الاستخدام انتهى وكتب إليه الأمين المذكور يستدعيه إلى منتزه بالشرف الأعلى بدمشق في يوم شرف الشمس سيدي النفس خضراً والربيع أخضر وأنا شريف وأنت شريف فما علينا أن نهجر المألف والمربع ويجمع بين هذه الفصول الأربع في زمن تعتدل فيه الطباع وتقف عليه الخواطر والأسماع فانهض لنكون ألفين ولك الأعلى من الشرفين في يوم حل به شرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الشمس واتدلت الحواس الخمس فهناك أنشدك باللسان مع موافقة الجوارح والجنان لم لا أتيه في العلا ... على جميع السلف والسيد الشريف قد ... شرفني في الشرف وكانت وفاة المترجم في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورثاه الأديب الشيخ سعيد السمان بقصيدة مطلعها مصاب لقد عم الأنام عظيم ... وخطب على مر الزمان يدوم ورزء تكل اللسن عن شرح وصفه ... وفي القلب منه مقعد ومقيم الا لا رعى الله الفراق ويومه ... لقد عاد صبري منه وهو هزيم وتباً لدهر لا تزال صروفه ... لتكدير أوقات السرور تروم أرتنا بوقع الحادثات عجائباً ... يشيب لهن الطفل وهو فطيم فحاذر ولا تغتر يوماً بصفوه ... فما هو الا للأنام هموم فكيف وقد حلت أكف صروفه ... من المجد وسط العقد وهو نظيم همام حوى الأفضال والحلم والتقى ... لسؤدده بدر الفخار خديم هو الجهبذ النقاد والصدر كهفنا ... وحيد السجايا والخلال كريم فيا حر قلبي كيف يلتذ بعده ... وأطلب عيشاً ناعماً وأسوم ويا لهف نفسي كيف أصبح في الثرى ... وقد كان شمساً والكرام نجوم عبد الباقي الحنفي عبد الباقي بن علي الحنفي الوارنوي نزيل قسطنطينية الفاضل الأديب الفقيه البارع أحد المشاهير من الأفاضل قدم قسطنطينية وصار خادماً في تربة السلطان أبي الفتح محمد خان وأحد كتبة الأسئلة في باب شيخ الاسلام ودخل طريق المدرسين ولازم على عادتهم في سنة احدى وخمسين ومائة وألف وتنقل بمراتب التدريس حتى وصل إلى الثمان ومنها خرج بقضاء أزمير وقربه وأحبه مفتي الدولة المولي ولي الدين وجعله شيخاً ومعلماً لولده المولى محمد أمين وكان مع فضله ينظم الشعر العربي ورأيت له تخميساً على قصيدة بانت سعاد وله غيره من الآثار وكانت وفاته في ثاني عشر صفر سنة سبع وثمانين ومائة وألف والوارنوي نسبة إلى وارنة بلدة في روم ايلي معروفة. عبد الجليل المواهبي عبد الجليل بن أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي الدمشقي الشيخ العالم المحقق المدقق الفهامة الامام الفاضل ولد بدمشق في سادس شعبان سنة تسع وسبعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 بعد الألف ونشأ بها في كنف والده المتقدم ذكره واشتغل بطلب العلم على والده وعلى غيره ولازم الشيخ إبراهيم الفتال ومفتي دمشق الشيخ إسماعيل الحايك والشيخ عبد القادر ابن عبد الهادي أخذ عنهم الأصلين والنحو والصرف والمعاني والبيان والعلامة الشيخ عبد الرحيم الكابلي نزيل دمشق وأخذ الفقه والحديث ومصطلحه عن والده وقرأ على الشيخ عثمان القطان وأجازه المحقق الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المنورة والعلامة السيد محمد البرزنجي الكوراني نزيلها أيضاً وبرع في المعقولات لا سيما النحو والصرف والمعاني والبيان وجلس للتدريس بالجامع الأموي وعكف عليه الطلبة للاستفادة وكان عجباً في تقرير العبارة يؤديها بفصاحة وبيان وله من التآليف نظم الشافية في الصرف وشرحها شرحاً حافاً وله تشطير بديع على ألفية ابن مالك في النحو وله أرجوزة في العروض وغير ذلك من الرسائل وكان وقوراً ساكناً كثير البر بوالده وشوهد مراراً إذا كان في درسه ومر عليه والده يقوم من الدرس ويأخذ مداس والده منه ويمشي خلفه بأدب وسكينة ويلازم حضور دروس والده بالجامع الأموي بين العشائين وكان والده يحبه كثيراً ويحترمه ويدعو له لما كان عليه من البر والديانة والصيانة وملازمة الطاعات وكف اللسان عن اللغو والانقطاع عن الناس وكان ينظم الشعر الباهر فمنه قوله مشطراً الأبيات المنسوبة لجعفر الصادق رضي الله عنه عتبت على الدنيا وقلت إلى متى ... تسيئين صنعاً مع ذوي الشرف الجلي أفاقدة الانصاف حتى عليهم ... تجورين بالهم الذي ليس ينجلي فكل شريف من سلالة هاشم ... بسيء حظ في مذاهبه ابتلي ومع كونه في غاية العز والعلا ... يكون عليه الرزق غير مسهل فقالت نعم يا ابن البتول لأنني ... خسيسة قدر عن علاكم بمعزل وأما اساآتي فذلك انني ... حقدت عليكم حين طلقني علي وقوله مشطراً هذه الأبيات المنسوبة لأبن عباس رضي الله عنهما أحبوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن بها المسرة والكمالا وراعوا حقها في كل وقت ... فإن العز فيها والجمالا إذا ما الخيل ضيعها أناس ... انلناها الترفه والدلالا فخير في نواصيها أقتضي أن ... حفظناها فأشبهت العيالا نقاسمها المعيشة كل يوم ... ولا نخشى لنعمتنا زوالا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 ونلبسها المحاسن من حلي ... ونكسوها البراقع والجلالا وقوله مذيلاً على البيت الأول إذا ملك لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه فجد للفقير بما يبتغي ... وأفضل مالك كن واهبه ولا تلف دهرك مستوهباً ... فخير اليدين يد واهبه وفي الله عن كل شيء غني ... فكن راغباً فيه أو راهبه ونل طيب العيش وأنعم به ... ولا تك أشعث كالراهبه وعمرك راس جميع الذي ... ملكت فبالخير كن ناهيه وحاذر معاصي الآله التي ... تكون لأجر الفتى ناهبه ومن مال ربك أنفق فما ... تملكت عارية لاهبه ودم في علاه لترقى العلا ... وتنجو من ناره اللاهبه وقوله يا واجداً من بديع الحسن أجمله ... مالي جيدك عني كنت آمله أليس يحرم لي الواجدين كما ... نص الآله على هذا وأنزله وقوله أيها المكتسي رداء جمال ... فوقه برنس المحاسن زانه من ينعم بنظرة منك يوماً ... أذهبت عنه دائماً أحزانه وسلا أهله وكل حبيب ... كان يهوى كما سلا أوطانه وقوله سلم لله الأمر ولا ... تيأس أبداً من رحمته جهلت نفس عرفته وما ... رضيت بنفوذ أرادته عجلاً يأتيك الروح إذا ... سلمت له ولحكمته لله الأمر فلا تضرع ... للخلق وخف من نقمته أوما المولى ملك أحد ... ذل الأملاك لعزته للحال وإن ضاقت فرج ... يأتي المهموم بنصرته لبين بذلك قدرة من ... تجري الأشياء بقدرته هون ما ضاق عليك ولا ... تيأس أبداً من رحمته بينا الانسان يرى قلقاً ... مما يخشى من فاقته عاد التوسيع عليه بما ... يجري المكروه بسرعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 دع ما يدعوك إلى الدنيا ... من حب المال وفتنته فعسى المولى يؤتيك غنى ... ويزيل الفقر بنعمته سله ما شئت فإن جميع ... الخير له في قبضته وبه يرجوه أخو الضرا ... والكرب لدفع مضرته يا نفس ثقي بالله عسى ... تحظى برضاه وجنته سعدت نفس أبداً رضيت ... بقضا المولى ومشيئته رفقاً يا رب بمن يرجو ... منك التفريج لكربته أرحمه وجد بالعفو فأنت ... هو الغفار لزلته بمحمد المختار وبالآ ... ل الأطهار وشيعته وقوله في فوارة ماء انظر إلى فوار ماء حكى ... رأس عجوز أبيض اللمين منتشر الشعر يرى دائماً ... مضطرباً يميل للجانبين كأنها ثملى من الخمر أو ... رعضاوة أو تلطم الوجنتين وقوله أيضاً انظر إلى فوارة قد حكت ... جارية قوامها كالغصين أرخت على أعطافها حلية ... بديعة مثل خيوط اللجين وفي الفوارة للاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي رب فوارة زهت تتثنى ... بقوام دبت به الخيلاء كقضيب الألماس لأبل كغصن ... من لجين فاعجب له وهو ماء وله فيها ورب فوارة راقت نواظرنا ... ومن يشاهدها قد حركت طربه يعلو وينزل فيها الماء منحدراً ... كأنه طاسة البلور منقلبه وفي ذلك قول الوجيه المناوي فوارة تشبه في شكلها ... سبيكة من فضة خالصه تلهيك في الحسن فقد أصبحت ... جارية ملهية راقصه وقال ابن تميم مع التضمين لوكنتها أبصرتها فوارة ... للشمس في أمواجها لألاء لرأيت أعجب ما يكون ببركة ... سال النضار بها وقام الماء وفي الفوارة تشابيه كثيرة اقتصرنا منها على ما ذكر وكانت وفاة المترجم في جمادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 الثانية سنة تسع عشرة ومائة وألف ودفن بتربتهم شرقي مزار الشيخ بكار بمرج الدحداح وتأسف عليه الغالب من الناس لا سيما والده فصبر واحتسب ورثاه الشيخ سعدي العمري بقوله مؤرخاً وفاته ألا تباً ليومك من ذميم ... أيا فرد الفضائل والفهوم أبحت لنا به أسفاً وحزناً ... يزيلان الحياة عن الجسوم وغادرت الزمان بلا امام ... يرينا كيف فائدة العلوم فلو تفدي النفوس فدتك منا ... قلوب من حمامك في حميم ولكن لأمرد لما قضاه ... علينا الله في الأزل القديم وحين قضى امام العصر طراً ... أتى التاريخ بيتاً من نظيمي جزاه الله عن دنياه مجداً ... وأسكنه بجنات النعيم عبد الجليل السباعي عبد الجليل بن يحيى المعروف بالسباعي الشافعي الحمصي الشيخ العالم الفاضل الجهبذ الكامل ارتحل إلى مصر وانقطع في جامعها الأزهر مدة مديدة وسنين عديدة وبذل الاجتهاد وأخذ عن اجلاء العلماء كالعلامة خاتمة المحققين الشيخ عبد الرؤف البشبيشي الشافعي والامام الكبير الشيخ أحمد الخليفي الشافعي وغيرهما ثم عاد إلى حمص وذلك في سنة عشرة ومائة وألف فأحيى العلوم فيها واستفاد منه جمع كثير وكان محققاً مدققاً له ورع وخشية مهاباً وقوراً وله بذل وكرم للفقراء والأيات كما أخبرني بذلك قريبه مفتي حمص الآن وكانت وفاته تقريباً في سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن خارج حمص بالقرب من سيدي خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه. عبد الجليل السنيني عبد الجليل المعروف بالسنيني الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه كان من العلماء المدرسين الأفاضل له مهارة في استخراج المسائل وتصويرها بأوجز عبارة وكتب حصة على الدرر والغرر حسنة لكنه أعجبه زيادة فهمه فتعلق بحبال العقل والخيال وترك ميزان النقل في تتبع الأقوال وقال هم رجال ونحن رجال وزاده به حاله حتى زعم انه ممن حقق في دعواه كالكمال وتعرض بالاعتراض على الامام محمد بن ادريس فتبدلت تلك الفنون بأنواع الخبل وصنوف الجنون كما قيل والجنون فنون ولم يزل جليس بيته إلى أن مات وكانت وفاته في سنة اثنين ومائة وألف والسنيني بضم السين نسبة إلى سنين قرية من نواحي طرابلس الشام رحمه الله تعالى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 عبد الجواد الكيالي عبد الجواد بن السيد أحمد بن عبد الكريم بن أحمد المتصل نسبه إلى الولي الشهير الشيخ الكيالي رضي الله عنه الشافعي الرفاعي النقشبندي السرميني المولد الحلبي المنشأ والوفاة العارف الكامل والمحقق الواصل الاستاذ الفاضل الصوفي المعتقد ولد في محرم سنة تسع ومائة وألف بسرمين وبها نشأ في تربية والده إلى سنة عشرين فتوفي والده وخلف خال المترجم الشيخ إسماعيل وهو من أهل العلم والصلاح وأوصاه بأن يحسن تربية المترجم فأتى به خاله إلى محل إقامته في ادلب فقرأ بها القرآن في أيام قلائل ثم صار يتفقه على مذهب الامام الشافعي علي العارف المشهور الشيخ عمر الفتوحي ثم صار يتردد إلى حلب لأجل طلب العلم فقرأ على الشيخ عبد القادر المخملجي المقيم بالمدرسة الثعبانية وعلى الشيخ إبراهيم المقيم بالأشرفية الفقه والعربية وغيرهما وكتب له الاجازة ففي سنة اثنين وثلاثين توفيت زوجته ومن حصل له منها من الأولاد وهو في حلب فقطن بها للأشغال والاشتغال وقرأ على شيخ الشافعية بزمنه الشيخ جابر الفقه والحديث وعلى الشيخ سليمان النحوي المعاني والمنطق والبيان وغير ذلك وحضر العلامة أبا السعود الكواكبي في تفسير البيضاوي مع جملة فضلاء ذلك العصر إلى أن برع في العلوم المذكورة وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية وفرغ له شيخه الشيخ عبد القادر المذكور عن وظيفة الحديث في الجامع الأموي بحلب وجامع بشير باشا فقام بهما والشيخ يتناول معلوم الوظيفتين إلى أن توفي الشيخ واستمر على الاقراء مدة مديدة ثم إنه ترك جميع ذلك وانقطع عن الناس في البيت وأقبل على شأنه وكانت له معرفة تامة ويد طولى في الفنون الغريبة والاشتغال بها وتآليفه جليلة فيها لكنه لم يتظاهر بمعرفة شيء وأحرق جميعها ولم يبق شيأً لأله ولا لغيره وأعرض عن ذلك كله وكان كلما حدث بشيء من ذلك يبكي ويستغفر وأقبل على الاشتغال بعلم السادة الصوفية ومطالعة كتبهم ولم يكن قبل ذلك مشتغلاً بالعلوم المذكورة بل كان مكباً على العلوم الرسمية ثم إن خاله المذكور قبيل وفاته أرسل له بالخلافة والاجازة ومن جملة ما كتب له هذا وقد حبب إلى أن أجيز مولانا بما أجيز لنا به تطفلاً مني على سبيل الهجوم وإن كان غنياً عن ذلك بما حواه من دقائق العلوم فكمالاته العلية لا تحتاج إلى نقصنا لكن هكذا جرت عادة هذه الطائفة فهي من بركات السلف عائدة على الخلف كالبحر يمطره السحاب وماله من عليه لأنه من مائه انتهى فاستمر المترجم على الانقطاع في بيته وكان قد تعاطى الأسباب المعاشية نحو ثلاث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 مرات فتعسرت عليه المعيشة فترك ذلك وجلس على الفتوح فكان يأتيه رزقه من حيث لا يحتسب فتارة يكون في سعة وتارة يكون في ضيق وكان يقبل ما يأتيه من النذر ولا يقبل ما يأتيه من الهدايا ولو كانت سنية وكانت الناس تقصده في حوائجهم فتقضي بتوجهاته ودعائه كما اشتهر ذلك عنه ورزق القبول التام عند الخاص والعام مع المهابة والتوقي والاحترام وكان حاله الستر والخفا والتمكن وله أصحاب مخصوصون يجتمعون به في أول النهار والليل وكان الغالب عليه التكلم في وحدة الأفعال ظاهراً وقليلاً ما كان يتكلم في وحدة الصفات والذات ظاهراً وكان معلناً بمحبة السادة الصوفية وكان يثني كثيراً على الاستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وكذلك على كتب العارف الشعراني رضي الله عنهم وأخذ عنه اناس كثير من حلب وغيرها واعتقدوه وتلمذوا له ولم يدع من تآليفه غير رسالتين الأولى في المشط المصنوع من الباغه سماها الاساغه للتسريح بالمشط المعروف بالباغه والثانية في الحديثين اللذين أخرجهما في مسند الفردوس ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله من قال أنا مؤمن فهو كافر وقوله عليه الصلاة والسلام من قال أنا مؤمن حقاً فهو كافر أو منافق وكانت وفاته بحلب في صبيحة يوم الأربعاء العشرين من جمادي الآخرة سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن في بيته باشارة منه قبل وفاته بنحو سنة والآن يزار مرقده رحمه الله تعالى. عبد الحي البهنسي عبد الحي بن إبراهيم بن عبد الحي المعروف بالبهنسي الحنفي الدمشقي الشاب الأديب الفاضل العروضي الماهر المتفوق كان رحمه الله من الأفاضل الكمل فقيهاً نحوياً وله خط حسن وتقوى وعفاف ولد بدمشق في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وتوفي والده المقدم ذكره وهو مراهق فقرأ القرآن على المقري الشيخ إبراهيم الحافظ الدمشقي وقرأ واشتغل في العلوم فقرأ العربية على الشيخ محمد التدمري الطرابلسي والشيخ عبد الرحمن الصناديقي والشيخ محمد الخمسي المغربي نزيل دمشق وقرأ المغنى في النحو على الشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق وقرأ على الشيخ إسماعيل العجلوني الدمشقي وأخذ الفقه عن الشيخ صالح الجينيني وقرأ العروض والصرف على الشيخ محمود الكردي والفرائض والحساب على الشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق وقطن في مدرسة السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري التي أنشأها في محلة القيمرية منعزلاً عن الناس ومجانباً لهم ونظم الشعر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الحسن فمما وصلني منه ما كتبه للأديب محمد مكي الجوخي الدمشقي وهو قوله يا من رقى فسما السما ... ومن البدور تعلما وازداد عن شرف البدور تلطفاً وتكرماندب إذا واجهته أعمى لزال به العمىفتراه كالبحر المحيط إذا حلا يبري الظما يبدي الجواهر من سليمالفكر كي تنتظماوغير القافية دون البحر فقال مكملا لا زالت الأعدا فدالمن استنار به السناهو سيد من لطفه الباهي الزهي تكونامن عذب أوصاف لهتزري ببهجته الجنى لما انثنى ما أبهج الاعطاف منه والينايا قلب ان يممته عانى لزال به العناوقصدت فيحا جودهمتأدباً نلت المنى شهم كمى اسمهالقلب أسكنه أنافي حلبة لو بارزت هـ قنا تكسرت القنايحوي بجد كل قصدرامه متمكنا لا زال ملحوظاً ومحفوظا فتى متحصناًما غرد القمري على ايك يبشر بالهنا فأجابه المذكور بقوله أفريدة هاتيك أمأسلاك در نظماًأم شمس صبح أشرقت أم بدر أفق قد سماأم عنبر الشحر الزكيأم نشر مسك قد نما أم روض زهر يانعفمن النسيم تبسمالا بل نظام الشهم من بالفضل صار مقدماًندب إذا يممتهتلقاه بحراً مفعما فهو الذي من فضلهغرر المعاني استخدمامذ أقبلت في الطرس خل نا من حلاها أنجمايا حسن أبيات زهتبالحسن ما أحلى وما من عذب ألفاظ بهاتبري من القلب الظماأنى يضاهي حسنها عقد لآل نظماًفهاك مني مدحةفأقبل لها متكرما واعذر أخاك فإنهلولا ودادك أحجمالا زلت ترقى رتبة من دونها بدر السماما هيمنت ريح الصباأو غبث مزن قد همى وكتب إليه الأديب مكي المذكور هذه الأرجوزة ممتدحاً بقوله حمداً لربي الواهب الفتاح ... الرازق المولي الندي المناح الباسط الأرزاق ذي الآلاء ... فهو المجيب السامع النداء ثم صلاة الله مع سلام ... على النبي المبدأ الختام والآل والصحب الكرام النجبا ... مدى الدهور ثم ما هبت صبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وبعد يا أخي منك قد أتت ... أرجوزة عن فضلكم قد أعربت مشحونة من غرر المعاني ... فائقة قلائد العقيان كاللؤلؤ المنثور نظمها حلا ... لأبدع أن تكون للجيد حلى نظم الامام الأربحي الأكيس ... الفاضل المقدام نجل البهنسي أعني به المفضال عبد الحي ... فياله من فاضل زكي من أشرقت أنواره للأدبا ... فصار في أفق المعالي كوكبا فهو البليغ البارع الملسان ... وهو الذي في عصره حسان فهو الكريم ابن الكريم الأمجد ... الطاهر الأخلاق شهم أوحد لقد غدا في كل فن كاملا ... وقد حوى الآداب والفضائلا فالله ربي قد حباه فضلا ... إذ كان حقاً للمعالي أهلا يا سيداً من بالكمالات ارتدى ... يا ماجداً بالروح حقاً يفتدى إني وحق ودك القديم ... محبتي من باطن سليم ما شابها زور ولا بهتان ... قلوبنا دليلها البرهان اياك أن تغتر بالظواهر ... وكن حليماً من أولي البصائر وأحرص على الأخوان والخلان ... يا ناقداً لا زلت في أمان فقد فهمت الرمز بالكناية ... يا من غدا بين الورى كالآية لا زلت في أوج الكمال ترتقي ... حتى يقال أنت بدر الأفق فأجابه المترجم بهذه الأرجوزة الحمد لله العليم الباقي ... مقدر الأعمار والأرزاق القادر المختار في مراده ... يفعل ما يشاء في عباده وبعد أنني أقول مجتدي ... من طاب في عنصره والمحتد مذ غبت ليلة عن التشري ... يا سيداً عن خلك الضعيف اشتدها جسمي وزاد وجدي ... وكدت أن أذوب وسط جلدي فلم أجد لي مخرجاً ومخلصاً ... الا امتداحي صادقاً ومخلصا جرثومة الجود أرومة الندى ... روحي لوضاح جبينه فدا من قد غدت تعمنا هبانه ... لا برحت تكسي الهناء ذاته من نظمه الشهي الرقيق الباهر ... أسلاك مرجان أو الجواهر ينضد الألفاظ والمعاني ... كأنها قلائد الحسان تفوق قسا ببديع النظم ... ولا يشوبه بقبح الخزم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 ولا يمل من حديث فيه ... إذ كل لطف استقر فيه يا من هو المصباح والنبراس ... في الليلة الليلاء والإيناس يا صاحب اللب القوي الراجح ... أعف عن الخل وكن مسامحي عدمت رشدي وكذا حواسي ... والله من مرارة الافلاس إذ لم يغادر درهماً نفيساً ... مذ شام سيفه وصال عيسى فملت لما اشتد بي عذابي ... إلى كتابتي للأكتساب لا زلت في كلاءة الرحمن ... ولم تزل تسمو على الأقران ما بزغت نجومك السواطع ... وشنفت نكاتك المسامع ودمت في ذكائك الصحيح ... بالرمز تستغني عن التصريح وكتب إليه أيضاً الأديب المذكور مكي نثراً وهو قوله سلام يتعطر برياه الوجود وترقى مخدرات قبوله في مطارف السعود وتحايا طاب شميمها ففاقت على العبير نشراً وعبقت فوائح رباها فزكت طيباً ونشراً وثناء تحلت الجوزاء بفرائده وتوشحت خود الحسان بقلائده إلى من سل مني سويداي ولبي وتملك بلطافته مهجتي وقلبي من نبغ بالفضل ففاق على أقرانه وداب في فن الأدب فصار فريد زمانه المنوه باسمه الكريم في صدر طرس هذا الرقيم كيف وهو بحر بكل فضل محيط وحائز المجد الكامل بالجود البسيط طويل الباع مديد المناقب وجهه كالبدر في الضيا متقارب بشهد له فضله الكامل فهو وافر الحكمة حسن الشمائل وجوهر فكره المنسرح خفيف السباحة في بحر الآداب المقتضب من كل فن ما زكا جناه وطاب ليس له في العلم مضارع ولا في المديح مشارك ولم يزل ضده في رجز من سريع بأسه المتدارك رمل القلب يمدح ... فيك يا بحر المعاني بنظام رائقات ... صاغها صب معاني وكانت وفاة المترجم في ثامن وعشرين شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد الحي الغزي عبد الحي بن علي بن سعودي بن محمد نجم الدين المعروف بالغزي الشافعي الدمشقي ولد في السابع والعشرين من جمادي الثانية سنة ثمانين وألف وتوفي والده وسنه إذ ذاك دون الخمس سنين وأسند وصايته عليه إلى ابن عمه عبد الحرمن الغزي ورباه وأحسن تربيته وكفله أجمل كفالة وقرأ القرآن على الشيخ علي المقري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 الصالح الملقب بالخناق وأخذ العلم عن كثير من الشيوخ منهم الشيخ إسماعيل الحائك المفتي والشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان بن حموده والشيخ عبد الرحمن المجلد والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ الحديث عن الشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ محمد الكاملي وروى الصحيحين مع بقية الكتب الستة غالباً عن عمه العلامة الشيخ عبد الكريم الغزي وعن الكاملي والنابلسي بسندهم المعلوم وحضر دروس النابلسي المذكور في الفتوحات وقرأ عليه باب الوصايا منه وأخذ عنه طريق الصوفية وأخذ طريق النقشبندية عن الجد ولي الله تعالى المحقق العارف الشيخ مراد اليزبكي الدمشقي وحج غير مرة واجتمع بكثير من أهل العلم والصلاح في الحرمين وأخذ عنهم منهم العالم الشيخ أبو طاهر الكوراني والقطب الرباني السيد جعفر العلوي نزيل مكة وكان لطيف الطبع حسن المعاشرة منطر حاوجيها ومحبباً عند الناس ودرس بالتربة الكاملية باطن دمشق شمالي الجامع الأموي بحضرة جمع من الأفاضل وأعاد لعمه الشيخ عبد الكريم درس الشامية لكبرى وكانت وفاته في عصر يوم الخميس عند رفع المؤذنين أصواتهم على المنابر بالآذان قائلاً الله الله ثاني أيام التشريق سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان عند أسلافه رحمه الله تعالى. عبد الحي الخال عبد الحي بن علي بن محمد بن محمود الشهير بالخال وبابن الطويل الطالوي الحنفي الدمشقي الأديب الشاعر البارع كان اعجوبة وقته له مهارة في نظم الشعر والمواليا والموشح والهزل وغالب هذه الفنون وغير ذلك وديوانه متداول بأيدي الناس ولم يزل على حالته إلى أن مات وجمع كتاباً في الأدب سماه مرور الصبا والشمول وسرور الصبا والمشمول ورتبه على عشرة أبواب جمع به كل نادرة مستحسنة وحكاية لطيفة ومطارحة رشيقة وأشعار رائقة رقيقة وقرظ عليه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله أنقطة العلم نقطة الخال ... في الخد مما يشينه الخالي كثرها الجهل وهي واحدة ... ما مثلها في زماننا الخالي كتابها الروض صاح بلبله ... فهاج بالشوق كل بلبال تفوح غب الحيا أزاهره ... ما ثوب صبري علي بل بالي يجمع فضلاً ورونقاً وعلا ... كعذب ماء بطيب سلسال لا تسأل المستفيد عنه به ... فإنه المستهام سل سالي وقائع العاشقين رائقة ... بحسن معنى ولطف أقوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 رقة أشعار معشر سلفوا ... ضعيفها كالجفون أقوى لي وترجمات حكت بلاغتها ... للسحر حيكت بحسن منوال يقول من شام برق طلعتها ... أما لهذا الجمال من والي قلنا نعم إنه مصنفها ... سما باكرامه واجلال وفهمه أوضح الفهوم كما ... كما له في الذكاء أجلى لي عليه مني السلام ما لمعت ... بقيعة الأرض لمعة الآل وما بأوفى الصلاة عبد غني ... أتى لطه والصحب والآل وترجم المترجم السيد محمد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه فارس مجال ورب روية وارتجال تصرف إليه أعنة التأميل ويميل به حب القلوب كيف يميل لم تزل نفحاته تتعطر ورشحات أقلامه تتقطر فيروح النفوس بكلماته تروح الروض مجاري الأنفاس بنسماته وهو يقتنص الشوارد حيث يطاردها ويستخرج الدرر الفرائد حين يواردها بطبع متدفق المذانب وفكر يفل بحدسه المقانب نبه في عصره بشرب اليراعه وتنبل حتى أحرز وصف الفروسية والبراعه فذراعه حبل لكل مصيد ومهما أحسن بفائدة فله أذن سميع والتفات رصيد ففض عن فم الأماني ختماً ونال توجه القلوب إليه بالرغبة حتماً فما يشق غباره في حومة معاديه سوى قذى أسارير في أعين أعاديه وله آثار يدل عليها مع بيانه بنانه كما قيل يدل على الجواد عنانه أتيتك منها بما رق لفظه ومعناه فلهذا تقترحه النفوس وتتمناه انتهى مقاله ومن شعره قوله من قصيدة مطلعها أمن قطرات الطل جسمك أم أصفى ... فقد كادت الألحاظ ترشفه رشفا هتكت الورى فأردد لثامك عل ما ... تبدي من الثغر الشنيب لنا يخفى وكف سهام اللحظ عن قلبي الذي ... أذيب هوى مذ شام أجفانك الوطفا وعطفا على حالي وحقك انني ... عرفت الهوى لما ثنيت لي العطفا جعلنا فدا تلك اللحاظ فكم بها ... رأينا فني لاقى الصبابة والحنفا ويا ذا الذي واخى الرقاد جفونه ... تهن فطرفي فيك قد حارب الأغفا إلى كم أقاسي كلما شمت بارقاً ... من الغور نيراناً من الوجد لا تطفى شكوت فهل من رحمة لمتم ... يعض من الشكوى أنامله لهفا زجرت المطايا حين مالت عن الحمى ... سحيراً ولم نشتم من طيبه عرفا وقلت إلى من في مسيرك تقصدي ... فقالت لرب المجد والمورد الأصفى سليل الكرام الصيد حقاً ومن له ... محامد لا تحصى وإن سطرت صحفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 مليك إذا ما الدهر أضعف برهة ... ووافى حماه الرحب لأرتاح واستشفى وقوله أثرها قد أضربها المقام ... قلوص حشو أضلعها غرام وسيرها بزجر فالتهادي ... قصور فيه لم يدرك مرام وجب فيها السباسب واقتبها ... وجز فيها كما جاز اليمام وجد السير في طلب المعالي ... فأما ما طلبت أو الحمام وارغم أنف من عذلوا ولاموا ... ولو أقذى محاجرك الرغام مفارقة الحسام الجفن نفع ... ولولاها لما ضر الحسام فلولا السعي ما فخرت أناس ... ولولا الفخر لم يروى امام فإن ضاقت بك الدنيا وكلت ... قلوصك ثم أنحلها الركام فعرج نحو جلق ثم نادى ... عليكم سادة الدنيا السلام خصوصاً من إذا وفدت عليه ... وفود القاصدين فلا يضاموا وقل نجل الفلاقنسي أعني ... ترى شهماً تكففه احتشام شريف سيد أبدا لديه ... صفوف المجد اجلالاً قيام يصلي نحوه الكرماء حتى ... ينالوا الجود فهو لهم امام فكل منهم نجم مضئ ... وطلعة وجهه بدر تمام وكلهم كشهر الصوم جودا ... وليلة قدره هذا الهمام إذا ما رحت أنعت راحتيه ... فبحر تلك والأخرى غمام وكل منهما للناس ركن ... وكم في الركن للناس استلام وله من اخرى كالغصن مالت في غلائلومضت ولم تشف الغلائلمالت كخوط أراكة لعبت بها أيدي الشمائلنزلت بأكناف الحميلتظ لها تلك الخمائل فتعطر النادي ونادى أهله أهلاً منازلورنت إلي بطرفها فرأيت شخص الموت جائلوتكلمت فتكلمتأحشاي وازدادت بلابل فعلمت إن حديثهاسحر يقصر عنه بابليا خلة النفس التي ما بينها والقلب حائلهل من مقام اشتكىلك بعض ما قال العواذل وابتكي بعض الذيفعلوا وما تلك الفعائلبلغوا مناهم عندما سارت بهودجك الرواحلورأيت صبري والغرام مسافراً عني ونازل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 أين استقلت يا ترىتلك المحاسن والشمائلمنها في المديح بحر العلوم ومالهحد كما للبحر ساحلباهي بطلعته الشمو س الطالعات ولا تماثلوسل السها عن قدرهفمحله تلك المنازل ومنهاعبد الغني وان تأخرفهو قطب بالدلائل فالرسل سيدها ختام المرسلين وهم أوائلحسبي بمدحك سيدي فخراً على كل الأماثلوعلى علاك رضا المهيمنكلما غنت بلابل وله من اخرى أمقلدين الجيد في أجيادعطلتموا جفني بسلب رقاديإني غدوت وفيكم لي غادة قادت فؤادي للردى بقيادتثنى الصبا أعطافها وأظنهميل الصبا بقواده المياد لم أنس آخر ليلة قالت وقد ... وافى الفراق لنا وزم الحادي والركب هم على الرحيل وأدمعي ... جزعا لهزات الرحيل غوادي وتفطرت أحشاي من ألم النوى ... ونظمت در الدمع في الأجياد ها قد سعدت بوصل مثلي برهة ... إن السعادة في وصال سعاد ولقد سألت من الخلي ونحن في ... حزن الوداع وفرحة الحساد نجل العيون هددن حيلك والقوى ... فأجبته والنار وسط فؤادي نعم العيون وليس لي من ملجأ ... الا ابن صديق النبي الهادي صدر الموالي ركن فضلهم الذي ... فيه سموا عزاً على الأطواد رب السجايا النيرات ومن إذا ... تليت لنا أغنت عن الانشاد منها من رام يفخر عندكم قولوا له ... أنت ابن من نحن بنو الأمجاد من جاء ثاني اثنين فيه فهل له ... نديماً ثله من الأنداد نحن بنوه الضاربون قبابنا ... فوق السهى يرفيع كل عماد عمد عليها للفخار سرادق ... آباؤنا نصبوه للأولاد وإن التجى فرع إلى أبوابنا ... نزل الصياصي في ذرى الآساد وله أيضاً زار هذا الحبيب في ابانه ... وأتى والدلال أكبر شأنه وسقاني من الرضاب شمولاً ... تركتني من صده في أمانه قده العادل الرشيق علينا ... جار في حكمه وفي سلطانه خده كالشقيق والخال فيه ... مثل قلب المحب في نيرانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 ساقني للغرام فيه جمال ... شاقني العجب فيه مع خيلانه يالها من شمائل كشمول ... سرقت عقل ذي الحجى من مكانه وقد عارض بها أبيات البحتري لج هذا الحبيب في هجرانه ... ومضى والسرور أكبر شأنه والذي صير الملاحة في خد ... يه وقفا والسحر في أجفانه وأطعنا الوشاة فيه وقد أسر ... ف في ظلمه وفي عدوانه يا خليلي باكراً الراح صبحاً ... وأسقياني من صرف ما تمزجانه ودعا اللوم التصابي فإني ... لا أرى في السلو ما تريانه وللمترجم بالله أقسم والفلقإن المنية في الحدقلا بالسوابغ يتقي سهم اللحاظ لا الدرقبل انما رسل المنايا في الجفون لمن رمق سود العيون ونجلهاأرمين في قلبي الحرقحطمت جيوش الصبر حتى ما بقي فيها رمق وهي على منوال قصيدة ابن مطروح التي أولها قوله بابي وبي طيف طرق ... عذب اللمى والمعتق وقصيدة أحمد بن حميد الدين التي مطلعها قوله اياك من سود الحدق ... فهي التي تكسو القلق لا يخدعنك حسنها ... فالأمن يتبعه الفرق وللمترجم إني لأصبر في الملمات ... الثقال ولا أبالي وأنازل البطل الكمي ... وأصده عند النزال وأقارع الليث الغضنفر ... في ميادين المجال لكن إذا مالوا الظبا ... بقدودهم تلك العوالي ورأيت ما بين الحوا ... جب والخدود من الفعال حلت عقود عزائمي ... وعجزت عن رد السؤال وقوله أيضاً على هذا الأسلوب إني الأفحم الغياض على الأسود بلا تحاشيوأجول ما بين القنا والليل مسود الحواشيوإذا رأيت لواحظ الغزلان عن سحر نواشي أرتاع من طير الفرا ... ش وانبرى ملقى الفراش وهما على اسلوب قول البرقعي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 إني أخاف من العيون النجل والحدق المراضوأزور ليث الغاب بال هندي في وسط الغياضوإذا رأيت مور دالوجنات جمش بالعضاض أيقنت إن سنيتي ... بين التورد والبياض وللمترجم على وزن قصيد الأمين المحبي التي مطلعها يا حبذا خضر الخما ... ئل في الرياض السندسيه وهي قوله نفسي أراها مشتهيهتقبيل وجنتك الطريهفاسمح بها في تلك أو من هذه الشفة الشهيهأنا بين خدك ثم ثغركرحت نهب المشرفيه وتقاسمت جسمي ظباتلك الظباء الجاسميةمن كل عضب قاطع ضمن الجفون الكسرويهمالي على صيد المهاقلب ولا لي فيه نيه ويلاه من حدق الجآذر انها رسل المنيهوأودها ترمي فلا يغدو سوى قلبي رميهكلف بها ومحبتيلا بالتكلف بل سجيه كم طالعت خيل المنون من الجفون لها سريهيا للعجائب انني أسطو على الاسد القويهوتصيدني الطرر التيهي لأمر أشرك الرزيه قوله ترى من لصب لا تجف غروبه ... على رشف مسول ترف غروبه حليف غرام قد تناءت دياره ... أليف سقام قد جفاه طبيبه وقد لعبت فيه يد البين والنوى ... وسدت عليه طرقه ودروبه إذا ما غدت عنه من البين رعدة ... أتت رعدة تضني واخرى تريبه خذي يا صبا عني رسالة مغرم ... يحبي بها صنو الرشا وقريبه وقولي سلام عن غريب تركته ... وقد أزعج الأحياء منه تحيبه فهل لبديد الشمل جمع وهل ترى ... قتيل النوى والبعديد نوحبيبه فآه وآه كم ينادي بحرقة ... فؤادي فلم يلقى له من يجيبه ومن تحائف غرره وزواهر فقره هذه المراسلة مذ غرست أغصان الفات الحمد في رياض الطروس وأفاض عليها تيار البلاغة من قاموس الشكر ما لم يحوه القاموس وأمطرتها سحائب الفصاحة ببدائع درر ليست في البحر العباب وأحاطت بها أبنية الأثنية من كل جانب وسرت اليها صبا القبول من كل باب وفاحت روائح نور تلك الطروس وتمايلت أغصان الفاقها كالعرائس فنادى لسان القلم لا عطر بعد عروس فكانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 ثمراتها أدعية لا يقوم بوصفها لسان ولا بحصرها طرس ولا بنان ودون سنا أنوارها اشراق النيرين ومقامها سامي على الفرقدين محفوفة بأنواع التحيات والتكريم ناشرة لما انطوى من الفضل الحادث والقديم وأصله إلى بحر العلم الذي لا يدرك غوره وطود الفضل السامي الذي لا يقتضب طيره ينبوع عين كل فضل وبيان ونبعة المجد اليانعة الأغصان وانسان كل عين وعين كل انسان نور العين المشرقة من الأفلاك العلوية وضياء الشمس البازغة من سماء الأرحام الهاشمية. وكتب له الأديب أسعد العبادي مهنياً له بالعافية من مرض نزل به سيدي الخال ووردة الكمال الذي أورق به غصن آمالي وانتظم به بديد أحوالي قد سرت لصحتك الخواطر وقرت النواظر وابتسم الزمان بعد القطوب وارتاحت القلوب فقد يصدأ الحسام ويحجب البدر بالغمام فالحمد لله الذي عمنا بالمنن واذهب عنا الحزن لذهاب ما كنت تشتكيه وتحقق ما كنت من الصحة لك أرتجيه والسلام على الدوام والا برحت المدا في ثوب عافية ... مطرزاً بطراز الأمن والنعم ما اشتقت صبح محياك البهي وما ... صحت لصحتك الدنيا من السقم فأجابه بقوله سيدي أسعد لا زلت بالتفضل مقدماً على كل فاضل ومسعد فقد وردت على الدرر المنثوره واللآلي المنظومة فقلت لما غدت لدى منشوره ما طاب جني الفرع الا من طيب الأرومه أهذه عيون الحدائق أم أحداق العيون أم منشق ثغر رائق من غير رقيب ولا عيون فاغتنمت الفرصة إذ لا عين وقبلت وجنات تلك المعاني التي هي أنور من العين وتنشقت من عرائس قوافيها روائحك التي هي ناشئة عن طيب الغروس وقلت لا أثر بعد عين ولا عطر بعد عروس فهذا هو الفتوح الذي يقصر عنه الفتح والفتح وهذا هو الزند الورى من غير قدح ولا قدح فلا فض هذا الثغر الرائق الشنيب ومستودع اللسان الرطيب فأين منه لسان الدين الخطيب والسلام ودمت في الدهر محفوظاً من الألم ... في ثوب عز وشاه الأمن بالنعم ما دمت ذكرى وجاري ثم ما نشدت ... أمن تذكر جيران بذي سلم وكتب له الأمين المحبي قوله سدى الحال حسن الله بحسن نظره الحال لا تمتع باجتلائه بعد حين واشتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 من حواليه ورود أو رياحين قد تكلفت الفكرة هذه الأبيات التي خصصتها بالأثبات وفي ظني انها حسنة تروق وتشوق وتغني عاشقاً مولعاً عن النظر في وجه معشوق وأتحقق منها فيض ورد على الخاطر أو خيال تصور من تذكر شخصك الحاضر وهي ما الخال الا حبة القلب ... تدعو بواعثنا إلى الحب أو قطعة من مسك نافجة ... فاحت روائحها على الصحب أو نقطة الألف التي حسبت ... عشراً من الحسنات في الحب أو إنه انسان ناظرنا ... فيه دقيقة حكمة الرب وإذا نظرت فكل ذي نظر ... بالخال يجلو ظلمة الكرب وللمترجم إذا المرء لم يغضب إذا خاف خله ... مواثيقه اللاتي بها اتصل الحبل وعاد إليه بعد ما رام بعده ... وقال مقالاً فيه ليس له أصل فذاك وأيم الله لا شك إنه ... دنى بلا أصل وليس له عقل ومن مقطعاته قوله إن المنايا لتأتي وهي صاغرة ... للحظك الفاتن الفتاك بالبطل كي تستفيد فنون الموت قائلة ... بين لنا كيف علم القتل بالمقل وقوله قد قلت لما صرت من شعره ... والردف في حال كحالي المريض من منصفي إني رماني الهوى ... والعشق في أمر طويل عريض وقوله أقول له اعتراني منك سقم ... وأوجاع وداآت عظام فيعرض قائلاً لا تشك مني ... سقاماً حيث لم تبل العظام وقوله وكنت أقول إني حين يبدو ... بخدك عارض يسلو فؤادي فلما إن بدا زادت شجوني ... كأني في هواه على المبادي وقوله خلبت الدهرا شطره وإني ... لمكروهاته أبداً أقاسي وعاركت الزمان وعاركتني ... نوائبه إلى أن شاب رأسي فلم أر لي على همي معيناً ... وافلاسي سوى كسى وكأسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وله في قرية التواني من قرى دمشق وفيه التورية نزلنا في التواني مع سراة ... رقوا طرق المعالي في أمان توانى أهلها عنا وأغضوا ... فلا عاشت لحي أهل التواني وله معمياً في اسد أفدى الذي قال صفني قلت يا أملي ... خذ ما أقول فإن الوصف طوع يدي كالغصن قداً وواو الصدغ راقية ... وريقك الخمر والدل الرخيم ندي ومثله في حيدر رويدك يا رشيق القد يا من ... بمعسول القوام لنا يهدد فقدك حظ غصن البان حتى ... بأعلاه الجمال غدا يعدد ومثله في علي بدلت له مالي فقال وقد نضى ... من اللحظ سيفاً مال فيه إلى الفتك هب الروح فاتركها فإن جميع ما ... ملكت من النقد الحويل على ملكي وقال مدا عبار جلا يدعي بفشفش كان أكولا وما فشفش الا أكول وإنه ... يفوق ابن حرب في الشراهة والمعدي يطوف بأكناف البيوت لعله ... يرى رجلاً غرا يقول له عدي وقال فيه رأيت الفتى الوزان يسعى لغدوة ... وقد سدت الدينا من البرد والثلج إذا قيل في أرض الحجاز وليمة ... يقول لنا حتماً نويت على الحج ومن هجوه قوله ورب منافق باطنه قير ... وظاهره مضئ كالسراج كمأذنة فظاهرها قويم ... وباطنها ظلام في اعوجاج وفي المعنى للاستاذ عبد الغني النابلسي قدس سره إن المنافق ليس موثوقاً به ... فيما يحاول في جميع مواطن مثل المنارة مستقيم ظاهراً ... وله اعوجاج كامن في الباطن وكتب إلى بعض أصحابه في زمن الورد هلموا إلى داعي السرور ونبهوا ... إلى البسطا فكاراً أضربها القبض ووفوا حقوق الورد قبل ذهابة ... فهذا لثوب الروح إن صديت رحض وهذا حلي النفس والأنفس الذي ... على الفلك الدوار تزهو به الأرض وله مضمناً المصراع الأخير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 قف في منازل سلمى أيها الباكي ... واحبس مطيك عند المرتع الزاكي وصير النجب سفناً والدموع لها ... بحراً ونادي ببسم الله مجراك وخل آرامها ترعى البشام بها ... وقل تهني فعين الله ترعاك واحكي الحمام نواحاً والرسوم بلا ... فهم يقولون إن الفضل للحاكي وإن سرت عند شكواك الصبا سحراً ... فنادها يا صبا من أين مسراك فإن يكن فيك أو في طي ذيلك لي ... رسائل منهم لا خاب مسعاك وسل رسوم ديار الظاعنين وقل ... أيا منازل سلمى أين سلماك ومن هجوه بليت بصاحب وله شقيق ... شهاب الدين ذو شكل كريه كلا الرجلين ضراط ولكن ... شهاب الدين أضرط من أخيه وكان رجل دلال يقال له ابن البغل تعمم بعمامة كبيرة ولامه الناس على لبسها فلم ينته فعمل له هذه الأبيات وأرسلها إليه فلما وقف عليها نزع تلك العمامة وعاد إلى عمامته الأصلية وفي الأبيات ايداع المصراع الأخير وهو من جملة أبيات للوزير المهلبي إلى كم نحن في عيش كريه ... من الدهر الذي لا نرتجيه ولولا إن هذا الدهر أضحى ... يعاملنا بما لا نشتهيه لما كان الغراب يقول شعراً ... ويجري شعره من قعر فيه ولا ابن الغراب الفيل يمسي ... من الكتاب يمشي مشي تيه ولا ابن البغل نعرفه بعرف ... سلوه هل أتاه من أبيه إذا نادى على شيء انادي ... الأموت يباع فأشتريه وللمترجم في الهجر والمجون شيء كثير وبالجملة فقد كان نابغة عصره وكانت وفاته في ثالث يوم من ربيع الثاني سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد الحليم أمير زاده عبد الحليم بن عبد الله بن حسن المعروف بأمير زاده الحنفي القسطنطيني السيد الشريف الكاتب البارع المفنن أحد النجباء الأذكياء الماهرين بالخطوط والكتابة والفنون ولد بقسطنطينية وقرأ القرآن وأخذ الخط وتعلمه وبرع بالأقلام السبعة وأتقنها واشتهر في دار السلطنة وأخذ ذلك عن والده الآتي ذكره بعده عن الكاتب محمد ابن يوسف الملقب براسم وقرأ بعض العلوم وأتقن الفارسية والعربية ومهر بالانشاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 والشعر وسلك طريق التدريس ولازم على عادتهم وصار شيخاً في الخطوط والكتابة ومعلماً لغلمان الدائرة السلطانية وعين بالأمر السلطاني مكان والده ثم أصابه بعد مدة داء الفالج فعطله عن الحركات كلها وكان لا ينطق الا بلفظ الجلالة لا غير ولما توفي كان مدرساً بمدرسة موصلة السليمانية وكانت وفاته في رجب سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن عند والده بالقرب من مرقد أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه وأمير زاده معناها بالعربية ابن الشريف كما هو معلوم لمن يعرف اللغتين العربية والتركية. عبد الحليم الشويكي عبد الحليم ابن عبد الله الشافعي النابلسي الشيخ العالم اللوذعي العلامة الفاضل الأديب الأريب كان أحد الأفاضل المشاهير رقيق الطبع ينظم الأشعار الرائقة غزير الفضل والذكاء فصيح العبارة نشأ في بلدته الشويكة وارتحل إلى مصر وتوجه للجامع الأزهر وطلب العلم وقرأ وأخذ عن تلك الأساتذة كالشيخ الحنفي محمد وأخيه الشيخ يوسف وانتفع بهما أتم الأنتفاع وقرأ على غيرهما من الشيوخ وأتقن وحصل وفاق وحاز قصب السباق وجر ذيل الفضل والعرفان على اخوانه والأقران وأجازه شيوخه كعادتهم ورجع إلى وطنه ثم ارتحل للديار القدسية وأخذ بها الطريق عن الاستاذ العارف الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي ولازمه مدة وحصلت له بركته واستوطن نابلس وبها استقر ثم قصد عكة وحاكمها إذ ذاك الشيخ ظاهر العمر شيخ مشايخ بلاد صفد فأقامه عنده بعكة واستقام ثمة وهو يراجع في المسائل المتعلقة بمذهب الشافعي وغيرها وحصل له هناك الشهرة وبالجملة فقد كان فريد عصره علماً وأدباً ولم ير في عصرنا من تلك النواحي أديب فاضل مثله وكان له أدب وشعر نضير عديم النظير وقدم دمشق الشام وامتدح رؤساءها وحصل له احترام واقبال من أهلها ومن تآليفه رسالة في علم الكلام رد بها على معاصره الشيخ أبي الحسن العاملي الرافضي في تأليف له أودعه بعض الدسائس الرافضية وله أيضاً شرح على السنوسية قرظ له عليه علماء مصر لما وصلهم وأشعاره كثيرة. فمن ذلك قوله ربعا به لي ما حييت شجون ... سقاك من الوسمى الأجش هتون وحيك من عهد تقادم عهده ... على إن قلبي في حماك رهين وقفت به حيث الهوى دافع الكرى ... وحادي المطايا لا يكاد يبين أبث به وجداً وأشكو يد النوى ... وغرب دموعي المرسلات عيون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 واذكر أياماً نقضت وما انقضت ... لبانات صب في الهوى وديون زماناً به غصن الشبيه يانع ... به العيش غض والشباب يزين يدير حميا الراح في كأس ثغره ... أغر بأحياء النفوس ضمين يميل به سكر الدلال وينثني ... ولا عجب إن الغصون تلين نبيت نشاوي الراح من غير مأثم ... وقد غض من طرف الزمان جفون يقول أصيحابي الذين عهدتهم ... ولي منهم عهد الوفا ويمين تولهت ماذا الوجد والدمع والأسى ... على طلل إن الجنون فنون وليس بها الا أثافي وأشعث ... يناجيك مشجوج الجبين مهين نعم وصدى يصدي الفؤاد مجاوباً ... يقول حنين إذ تقول حنين فقلت وفي الأحشاء من لوعة الجوى ... ضرام وداء العاشقين كمين لحا الله من ينهى المحبين في الهوى ... أما علموا إن الكمين مكين وإن الذي يهوى صمام وعذلهم ... طنين وهل يجدي الأصم طنين وإن لي السلوان عنها ولي بها ... مواقف مع آرامها وشؤون يعز علينا والحوادث جمة ... أحبتنا إن العزيز يهون وإنا لنختار التأسي على الأسى ... على إن ما يقضي فسوف يكون وما زال هذا الدهر يبدي عجابه ... ويصمي وإن بت اليمين يمين لئن لم يتب هذا الزمان وينتهي ... ويرجع قسراً لو تقر عيون ليزري ويستعدي عليه بباذح ... برفع ظلامات العتاب يدين صعود إلى العلياء لا متقاعساً ... بحزم وعزم والوقار قرين سرى لتشبيه المعالي بفيلق ... يئط زئيراً والرماح عرين فتى ليس فيه ما يشين كما له ... سوى البذل إن كان السخاء يشين نعم وسراه بالمقانب في دجى ... من النقع كيما للطغاة يهين فلا زال مناح الأماني ومعقلاً ... لصون المعالي والكريم يصون وله أيضاً ما لصبابتي فيك انتهاء ... كما السلوان ليس له ابتداء أما إن الوفاء لذي شجون ... وفى بالعهود له وفاء حليف جوى فلا ينسى فيسلو ... فكيف به وقد عزا العراء إذا ما الليل جن عليه شبت ... لو أعجه وزاد به العناء يبيت مسهد الأجفان يدعو ... وهل يجدي لذي وله دعاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وقد أفلت أمانيه الموامي ... وحل قوى رواحله السراء وهل صاد الغزالة لورآها ... قليل الحظ أدركه الوفاء وأقعده عن الآمال حظ ... وأخلده ومسكنها السماء فما لم يتخذ سبباً اليها ... ويسري والظلام له رداء ويرمي البيد والأرجاء تغلي ... مراجلها وللوجنا رغاء عزيز ليس تثنيه الليالي ... وبحر لا تعكره الدلاء ولوعاً بالمكارم إذ رآها ... مخلدة له وله البقاء محط الوافدين وغوث عان ... وفي أعتابه نيط الرجاء وينشد قول ذي مجد تليد ... يؤوب وفي زلازله الشقاء أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالأمور وأنت فرع ... لك الخسب المهذب والثناء خليل لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء فأرضك كل مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء وهل تخفي السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء فذاك ولم إذا نحن امترينا ... يكن في الناس يدركك المراء وقال أيضاً لا غرو ان آن من نفس تداعيها ... إذا استكانت وداعي الشوق داعيها بكل حوراء مصقول ترائبها ... قرعاء عزت فلا ترعى مراعيها تروى ذوائبها أخبار قرطقها ... إلى المخلخل ما تحوي غداليها لمياء في حريتها للسليم شفا ... براءة من لوجه الله يبريها ترنو بعيني مهاة بالرمي ذعرت ... فخيلت كل من في الدو يوميها تخشىالمرامي بعينيها وكم فطرت ... موائراً نفذت فيها مراميها قالوا سعت تخلس الألباب قلت لهم ... ذي ربة الخال محمود مساعيها قالوا دهتك بسهم من لواحظها ... فقلت يا حبذا منها دواهيها إن الذي زانها بالحسن صورها ... بحيث يحلو لدى الرائي مساويها وهي التي صورت قلبي لها غرضا ... وابتز نومي من عيني وداعيها شغفت حقاً بدى تيه ومن سلبت ... منك الرقاد على هون دواعيها فقلت خلوا سبيلي إنني رجل ... مغري بذات وشاح بل وداعيها لله ما صنعت فينا لواحظها ... أرقتنا وهي سكرى حبذا فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وجد بالمنطق العذب الذي بهرت ... به العقول فحارت في معانيها ما افتر مبسمها الا وخلت به ... دراً تخلله اللآلاء من فيها لم أنس زورتها إذا قبلت ولوت ... جيداً تليداً وأنت في تلويها فقلت تفديك نفس لا تحن إلى ... لقياك أو يسترد الروح منشيها مما تشكيك يا بنت الكرام وما ... يعنيك قالت أمور بت أخفيها فقلت هات فقالت ويح من سالت ... والنفس منها تراءت في مراقيها فقلت بالله لا تخفي على دنف ... فأمطرت لؤلؤاً سحا أماقيها وصعدت زفرات ثم مال بها ... إلى التأبي حياء كان يثنيها واحمر من وجنتيها الورد من خجل ... فكادت النفس تقضي من تأبيها واستعبرت ثم أومت بالبنان إلى ... نحو الحجاج بأسرار تواريها تشير إنك فوق العين منزلة ... وإن حاجبها في ذاك واشيها فهمت لما فهمت السريا رشأ ... فاق الورى في أمور لست أحصيها وله أيضاً من قصيدة ماست فما قدر الغصون الميد ... هيفاء ذات تحبب وتودد حوراء بهراء المحاسن غادة ... تفري الحصين بذابل ومهند وبدت فلاح البدر تحت غمامة ... أو نور علم في جهالة ملحد وحكت لنا بدر المقنع إذ بدت ... فيها الضلالة والرشاد لمهتدي وافت ولكن بعد طول تنصل ... من وصل غانية وظبي أغيد فأعادت الوجد القديم فبان لي ... ما ليس أخفيه فبان تجلدي أكرم بزائرة تجرر دائها ... كبراً ولم يك زورها عن موعد تختال في برد الشباب وتنثني ... بمعاطف عقدت ولما تعقد حيت فأحيت بالسلام وأسفرت ... عن ذي أناة بالمحاسن مرتدي وتبسمت من ذي غروب واشح ... عذب مقبله منيع المورد واستوضحت عن حالتي وتنكرت ... لما رأت عما تروم تبلدي مالي أراك وقد عرتك ملالة ... أأنفت من ذكر الحسان الخرد وقنعت في ظل الحمول بخلب ... ورضيت بالعيش المحض الأنكد فأجبتها كلا ولكني امرء ... قد طال قبل إلى الحسان ترددي حتى علا نور الثغام نظرن لي ... نظر السقيم إلى وجوه العود فطويت كشحي دونها وعلمت ما ... لم تعلمي وشهدت ما لم تشهدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وغنيت عن حب الغواني والغنا ... بمحامد الندب الهمام الأوحد رب الفضائل والفواضل والعلا ... والبأس والحسب الرفيع المحتد وأخي المعالي وابنها وسدينها ... ومنيعها وابن السرى المفرد والأروع الحامي الذمار وذي الندى ... ضخم الدسيعة والحبار والسؤدد وقال من قصيدة ويك دع نصحي فلي عنك اشتغال ... أيها اللاحي فإن الحال حال كان لي وجد فلما إن بدت ... مرجفات القلب ذا الزلزال زال ولكم لي خيل الطيف ومن ... يك ذا شوق لدى الخلخال خال كم شج قد بات لا يدري الكري ... وعليه وعدها المطال طال يحتسي ثغر المآقي مترعاً ... يترائى ريقها السلسال سال لم ينل من بات يهذي بالمها ... غير كد حيث عنه مال مال رب من لم ينثني عن غيه ... في حماه طائر الآجال جال طالما نضين عيني في السوي ... راكباً خطباً من الأهوال هال عاسفاً سبل المهاوي في الهوى ... مرتد ثوباً من السربال بال زاعماً درك الأماني والمنى ... فإذا الأحلام والآمال مال من له الأفضال والآل الوفي ... ياشقاً من عنه بالآمال مال من له الأيدي النوادي والندي ... من إذا قيس على المطوال طال من نمته دوحة من هاشم ... في رياض المجد بالاقبال قال وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد عصره وكانت وفاته في عكة في سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى. عبد الخالق الزيادي عبد الخالق بن أحمد بن رمضان المعروف بالزيادي بكسر الزاي المشددة الشافعي الميداني الدمشقي الشيخ العالم الماهر الفاضل المحصل ولد بدمشق تقريباً في سنة تسع وأربعين ومائة وألف بمحلة الميدان وارتحل لمصر في سنة ست وستين ومائة لأجل طلب العلم والاشتغال به فقرأ على جماعة كالشيخ أحد الملوي والشيخ محمد الحفناوي وأخيه الشيخ يوسف والشيخ عبد الله الشيراوي والشيخ عيسى البراوي والشيخ أحمد الجوهري والشيخ علي الصعيدي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الفارسي والشيخ عطية الأجهوري وجل انتفاعه عليه والشيخ سليمان الزيات والشيخ خليل المالكي والشيخ حسن المدابغي والشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 حسن المصليحي واشتغل عليهم وحصل منهم معقولاً ومنقولاً وأجازوه بالفقه والنحو والأصول والحديث وغير ذلك من العلوم وحصل فضلاً لا بأس به وقدم دمشق في سنة اثنين وسبعين ومائة وألف واشتغل بالأقرأ والتدريس فأقرأ في الجامع الأموي صيفاً وشتاء ولزمه الطلبة وهو الآن مستقيم على ذلك غير إنه يتعرض للوكالات والخصومات والدعاوي فبسبب ذلك يقع في المضرات ويصير هدفاً لسهام أقوال الناس وهو مستقيم على ذلك بالباع والذراع وهو ممن كان والدي يودهم ويكرمهم وله الينا تودد وتردد وبالجملة فهو من الأفاضل المتفوقين وكانت وفاته قبيل العصر من يوم الثلاثاء لعشري ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن من يومه بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الموصلي عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن المعروف بالموصلي الشافعي الميداني الدمشقي الصوفي الاستاذ الكامل المربي شيخ الطريقة الأفضل أحد مشاهير المشايخ المعتقدين وهو وأسلافه مشايخ مشاهير لهم حفدة ومريدون وأملاك وعقارات وقد اشتهروا ببني الموصلي وينتهي نسبهم إلى الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ أبي بكر الشيباني رضي الله عنه وكان صاحب الترجمة شيخاً أديباً فاضلاً بارعاً ناظماً ولد في سنة احدى وثلاثين وألف وطلب العلم ومهر وساد وأقبل على مطالعة الدواوين الشعرية وله نظم حسن كثير وديوانه متداول وكان معتقداً عند خاصة الناس وعامتهم مبجلاً معظماً كريم الأخلاق كثير السخاء مصون اللسان وقد اشتهر بالأدب وبهر وفاق على أهل عصره ووالده كان فقيهاً فرضياً حسن الخلق مبذول النعم وله ثروة وافرة وتوفي في المدينة المنورة في محرم سنة أربع وخمسين وألف ودفن ببقيع الغرقد وولده المترجم ترجمه الأديب السيد الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه هو في الميدان سابق طلق عنانه وكأنما حشر الصواب بين بيانه وبناته من ملأ رتعوا بأنضر خميله وبذلوا ما شاء السماح من عارفة جميله مكانه في السراة ذروة الثمام وليديه في الجود آثار الغمام لا ينبئ الا عن ظل الكرامة الأندى ولا يبيت الا حيث المحلق والندي وقد متعني الدهر برهة بحضرته فتقلبت معه في بهجة العيش ونضرته وسمعت لفظاً غذاء الروح وشاهدت خلقاً فيض الملائكة والروح إلى تثبت يستخف الجبال الرواسي وانعطاف يلين القلوب القواسي وأنا من ذلك العهد لا افتر عن تذكره بخاطري وأتمثل شخصه في ضميري حتى كأنه حاضري وله أشعار كلها نكت للمستملي وملح للذيق المستحلي وفيها نخب للفتاك وسبح للنساك يقول ما يشاء فتستحسنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وتريد الطير تحكيه فلا تحسنه وقد أثبت منه ما يسترقص الجمادات طرباً ويترك في كل قلب مطرباً انتهى مقاله ومن شعره قوله عجزا لرقاة عن الحجي ورقائه ... وكذا الأساة عن الأسى ودوائه ثكلتهم الأعشاب ويح كبادهم ... لم يعلموا ما حل في سودائه حلوا المراكب العزائم واتركوا ... كل يروح من ملا ببلائه ابني الصبابة والهوى من بعدنا ... إني لكم هيهات من زرقائه ليس الهوى بسفاهة من كالح ... مدعو الغرام ومنتدى عدوائه إن الصبابة واللطافة والحيا ... علم عليه يدل من أسمائه فهي الأمانة انبأث عن فضل من ... فتق العبير وخصه بردائه وقوله من أبيات لئن كنت أسعى كل حين اليكم ... وتوكسني الآمال عن حيكم غصبا فلي أسوة بالنجم للشرق سيره ... مدا الدهر والأفلاك تهوي به الغريا هذا من قول الأرجاني أنحوكم ويرد وجهي القهقري ... عنكم فسيرى مثل سير الكواكب فالقصد نحو المقصد الأسنى لكم ... والسير رأى العين نحو المغرب وللمترجم سلبوا الغصون معاطفاً وقدوداً ... وتقاسموا ورد الرياض خدودا طعنوا القلوب بما تلاشى دونه ... طعن الرماح وسددوا تسديدا فتنوا الورى بلواحظ وتجاوزوا ... بالفتك من نهب العقول حدودا تركوا الحلي شهامة واستبدلوا ... حلل المحاسن والبهاء برودا فغدوا بها مستعبدين أولي النهى ... مما يشيقك طارفاً وتليدا نظموا الثنايا في المباسم لؤلؤا ... تحت الزمرد والعقيق عقودا تخذوا البنفسج في الشقيق عوارضا ... والياسمين معاطفاً وزنودا بدلوا الخضور من الخناصر رقة ... واستبدلوا حقق اللجين نهودا فهم الملوك الصائلون على الورى ... وهم الظباء القائدون أسودا نظروا إلى الجوزاء دون محلهم ... فغدوا على هام السماك قعودا من كل من جعل الدجى فرعا له ... والبدر وجهاً والصباح الجيدا ريان من ماء النعيم إذا بدا ... خرت له زهر النجوم سجودا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 كالماء جسما غير إن فؤاده ... أضحى على أهل الهوى جلمودا تزداد من فرط الحياء خدوده ... عند استماع تأوهي توريدا لو أبصروا النصاح فائق حسنه ... عذلوا العذول وجابوا التفنيدا أو لو رآه راهب من بيعة ... ألقى الصليب ولازم التوحيدا كم ذا تذكرني العقيق خدوده ... والطرف حاجر والعذار زرودا وإذا بدا متلفتاً من عجبه ... بالجيدا ذكرني طلاه الغيدا ما الظبي أحسن لفتة من جيده ... عند النفار وإن أقام شهودا يحمي اللمى والخد عقرب صدغه ... عن وارد أو من يروم ورودا قد رق منه الخصر حتى خلته ... عند اهتزاز قوامه مفقودا ما خلقه الا النسيم السري ... بين الرياض وإن أطال صدودا قال الأمين المحبي قلت ولولا إن قصدي استجلاب الثناء لهذا الفاضل الأديب لضنيت بهذه الأبيات خوفاً من أن لا يراعي حقها عند أهل التأديب ولوددت لو علقت في جبهة الاسد الكاسر أو ضمت للنيرات في الفلك العاشر وقد عارض بها الأبيات المشهورة المنسوبة إلى محمد الشهير بعبد الله وهي قوله غصبوا الصباح فقسموه خدودا ... وتناهبوا قضب الأراك قدودا وتظافروا بظفائر أبدت لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا صاغو الثغور من الأقاح وبينها ... ماء الحياة قد اغتدى مورودا وراوا حصى الياقوت دون نحورهم ... فتقلد وأشهب النجوم عقودا واستودعوا حدق المها أجفانهم ... فسوا بهن ضراغماً واسودا لم يكفهم خد الأسنة والقنا ... حتى استعاروا أعيناً ونهودا روى مسنداً إلى أبي عمرو بن شامل المالقي قال لقيت يوماً الشيخ الخطير أبا محمد ابن المالقي وكان رجلاً صالحاً مجاب الدعوة فقال لي أنشدني فأنشدته الأبيات المنسوبات إلى محمد الشهير بعبد الله وهي هذه المذكورة قال فلما أممتها صاح الشيخ وأغمى عليه وتصبب عرقاً ثم أفاق بعد ساعة وقال يا بني اعذرني فشيئان يقهراني ولا أملك عندهما نفسي النظر إلى الوجه الحسن والشعر المطبوع وبيت النهود مما يكثر السؤال عنه وقد رأيت في شعر ابن عمار الأندلسي ما هو مثله وهو قوله كف هذا النهد عني ... فبقلبي منه جرح وهو في صدرك نهد ... وهو في صدري رمح وأنا لم أدرك وجهه ثم رأيت في شعر ابن خلوف ما يبينه بعض البيان وهو قوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وقدود كأنهن رماح ... قد علتها أسنة من نهود وللمترجم هم يحسبون دموع العين مذ عطفوا ... هي الدموع التي يوم النوى ترد وانما هي نصل حل في كبدي ... من نبل جفن ولم يشعر به أحد فانحل ماء وقد أمسى يقطره ... من اللهيب دموعا ذلك الكبد ومن غزلياته الرقيقة التي هي السحر في الحقيقة قوله أما وبياض الدر من ذلك الثغر ... وما فيه من خمر وناهيك من خمر أمانا وما بالطرف من كل صارم ... يجول بأجفان ملئن من السحر يصول به في الناس ألطف شادن ... بقلب على العشاق أقسى من الصخر أسأل عذاراً فوق خد كأنه ... سلاسل مسك في صحاف من التبر والا فنمل دب فوق شقائق ... مبلل أطراف الأنامل بالحبر بعيد مناط القرظ أشهى لمعسر ... إذا ماس تيهاً بالدلال من اليسر وأحلى من الماء الزلال على الظما ... وأوقع معنى في النفوس من النصر يكاد من القمصان أولاً وشاحه ... إذا فكت الأزرار من لطفه يجري فكم ثم دون لجيد منه مآرب ... من الخصر تدعو العاشقين إلى النحر ومذ خبروني إن كوكب خده ... يقارنه المريخ أيقنت بالشر ركبت هواه بكرة العمر راكباً ... مطايا شبابي وارتياحي مع الهجر فأشفقت منه في الظهيرة راجلاً ... يريني نجوم الأفق في ظلمة الفجر متى قلت هذا الصدغ أبدى عقارباً ... وإن رمت أجني الورد أحماه بالجمر وإن ملت نحو الثغر قالت عيونه ... يزيدك هذا الخمر سكراً على سكر قريب مرام النفس لطفاً وإنه ... لأعلى منالاً في الأنام من البدر ترقى به شعري فعز مناله ... وأمسى كعقد الدر يزهو على الصدر لئن جادت الأيام يوماً بوصله ... يميناً فإني قد صفحت عن الدهر قوله والا فنمل إلى آخره من قول الوزير المغربي أوحى لوجنته العذار فما ... أبقى على ورعي ولا نسكي وكأن نملاً قد دببن بها ... غمست أكارعهن في مسك ثم رأيت ما هو عين المأخذ في قول المعز البغدادي كأن عذاريه اللذين تراسلا ... هلالان من مسك وبينهما بدر منمنمة فوق الخدود كأنما ... مشى فوقها نمل بأرجه حبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وقد ضمن المترجم هذا المصراع بعينه في أبياته المشهورة حيث قال أنبت عذار أم شقائق روضة ... مشى فوقها نمل بأرجه حبر أم العنبر المفتوت من فوق وجنة ... أسالته نار الخد فانبهم الأمر فحيا عذاراً أذهل الصب مذ بدا ... وإن ضل فيه العقل واختلط الفكر يتيه به لدن القوام مهفهف ... لخ في اختلاس العقل من حسنه غدر هلال إذا ما قلت أمسى جبينه ... صدقت ولكن دون طلعته البدر تعلم منه الظبي لفتة جيده ... ومن طرفه الوسنان يستنبط السحر متى صافحت سمعي مدامة لفظه ... ترى كل عضو في داخله السكر يمازج ألفاظ البلاغة صوته ... فيبدو لنا دراً في ضمنه خمر وتشكو ارتجاج القرط صفية جيده ... كما بات يشكو من غدائره الخصر يخبر عن كأس المنون بصده ... ويقتلني منه إذا هجر الهجر به غزلي أضحى وفيه مدائحي ... ومني لمعنى حسنه النظم والنثر وقوله سابقاً يكاد من القمصان لولا وشاحه إلى آخره من قول بعضهم أخشى التماس يديه من ترف به ... وأظنه لولا الغلائل سالا ولخالد الكاتب قد صاد قلبي وصار يملكه ... فكيف أسلو وكيف أتركه رطيب بسم كالماء تحسبه ... يسلك في القلب منه مسلكه يكاد يجري من القميص من ... النعمة لولا الوشاح يمسكه وقوله فأشفقت منه إلى آخره من قول بعضهم العرب تصف اليوم الشديد بظهور النجم فيه قال أبو صخر الهذلي إني أرى والطرف في سيري ... وضح النهار وعالي النجم وقد تصرف فيه المتأخرون وتظرفوا كابن لؤلؤ في قوله أمولاي أشكو اليك الخمار ... وما فعلت بي كؤوس العقار وجور السقاة التي لم تزل ... تريني الكواكب وسط النهار ولمجبر الدين بن تميم بابي أهيف تبدي وحيا ... بابتسام عدمت منه اصطباري فأراني بوجهه ومحيا ... هـ نجوماً طلعن وسط النهار ولقد أبدع وأغرب الشهاب الخفاجي في قوله من قصيدة نبوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 أتى يوم بدر وهو بدر تحفه ... نجوم سماء أطلعتها كتائبه فمذ يرزوا في النقع شاهدت العدا ... بهم يوم بؤس لا تغيب كواكبه ولصاحب الترجمة قصيدته المشهورة التي مطلعها دعيني فلا والله ما يكشف البلوى ... سوى من لهذا الخلق من نطفة سوى فلا تقرعي باباً سوى باب فضله ... ولا تظهري يوماً إلى غيره شكوى ولا تجنحي للغير في كشف حادث ... فغير جناب الله لا يدفع الاسوا ولا تهرعي الا إليه إذا جفا ... سحاب قافي غير ألطافه رجوى ولا تسأمي من مر عيش وسالمي ... إلي من بعيد بعيد من فضله حلوا آله تعالى لا نقوم بحمده ... ولا أحد منا على شكره يقوى يقلبنا في الخلق سابق حكمه ... علينا بما تأبى النفوس وما تهوى تبارك منشئ الخلق من صلب آدم ... ضروباً فذ وفقر مهان وذو جدوى فهذا ندا الأيسار أبرد عيشه ... وهذا بنار الفقر أحشاؤه تكوى وهذا تراه في المساجد راكعاً ... وهذا يعاني اللهو في حانة القهوا وهذا الدرس العلم أصبح طالباً ... وهذا يروم اللهو في الروض والزهوا شؤون قضاها الله قدما على الورى ... وآدم لم يخلق هناك ولا حوى دعني من التدبير فالأمر كله ... تدبر من قبل الوجود ولا غروا إذا كان أمر الله في الخلق سابقاً ... فتدبيرنا فيه هو الخبط في عشوا وهي طويلة وله من اخرى مطلعها خضبوا الخدود ورصعوها الانجما ... واستخدموا لركابهم بدر السما شربوا الشموس فأظهرت بوجوههم ... شفقاً ألم على الصباح مخيما وتروا القسي حواجباً وتعمدوا ... كسر الجفون وفوقوها أسهما عقلوا الحجى بذوائب من عنبر ... جذبوا القلوب وأوردوها بعدما بذلو العوالي بالقدود وأثخنوا ... فيها جراحاً ظافرين العلقما نصروا البعاد على الوصاف كأنهم ... نظروا الممات على الحياة مقدما اتبعت طرفي ذا نواس منهم ... طمع التداني عامداً فتبسما ملك تبدى راكباً في موكب ... رحل التصبر عن فؤادي عندما نبت العذار بخده فكأنه ... مسك به أمسى النضار موسما لم يكفه صل الذوائب مرسلاً ... حتى أدار على الشقيق الأرقما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وتطفلت تحكيه لما إن بدا ... شمس النهار فصدها وجه الدمى صدع الشروق لثامها فتقهقرت ... نحو الغروب مخافة إن ترجما منها قد راح يلوي الجيد عني معرضاً ... والجفن يهطل من نواه العندما أوقفت ذلي والخضوع بموقف ... ترك الأسود لحره تشكو الظما وطفقت أجذب ذيل نسكي خاشعاً ... نحو العفاف صيانة فتبرما أواه مما حل بي من شادن ... أحنى الضلوع ورض مني الأعظما مولاي رفقاً بالفؤاد فإنه ... لو كان رضوي في يديك تهدما لا تلوعني بالصدود معاطفاً ... لطفاً أجل من الحياة وأعظما وقوله ومالي أرى الأيام تنكر صحبتي ... وترمقني شزراً بطرف مريع كأني واياها صحاف تضمنت ... مديح أبي بكر يقلبها شيعي وله أيضاً تأملت في خديه تحت عذاره ... صحائف بيضاً ما سناها بغائب وإني من هذا أولئك ناظر ... بياض العطايا في سواد المطالب وللمترجم معا رضا أبيات الشاب الظريف بقوله يا أحكم الناس أسيافاً وأسبقهم ... في مهجة الصب فتكادونه الأجل وأنور الوجه في الديجور من قمر ... تحت الأكاليل مسبول ومنسدل ما السحر ألعب في الألباب من حدق ... دار الشمول بها من طرفك الكحل كلا ولا البرق للأبصار أخطف من ... شقائق الحدان وافى بك الخجل من نظم ثغرك وهو الدر مبتسم ... خمر يزيدك فيه الشهد والعسل في فترة الحسن من لحظيك قد فتكت ... بواتر الطرف أم من قدك الأسل ومذ تمادت بنا الآجال واختلفت ... عقائد القوم من للحب قد جهلوا جاءت تجدد أحكاماً لدولته ... في ملة العشق من أصداغك الرسل لم يدر ما الصحو مذ بانت ركائبكم ... صريع جفن لأرباب الهوى ثمل استودع الله قلباً سار مرتحلاً ... بالخرد الغيد ماذا السهل والجبل وأبيات الظريف هي هذه يا اقتل الناس ألحاظاً وأعذبهم ... ريقاً متى كان فيك الصاب والعسل في صحن خدك وهي الشمس مشرقة ... ورد يزيدك فيه الراح والخجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 ايمان حبك في قلبي يجدده ... من خدك الكتب أو من لحظك الرسل إن كنت تنكر إني عبد دولتكم ... مرني بما شئت آتيه وأمتثل لو أطلعت على قلبي وجدت به ... من فعل عينيك جرحاً ليس يندمل وللمترجم ورد العذار مياه حسن خدوده ... ورأى نعيماً خالداً فأقاما وتلا عليه خاله من جيده ... إني اتخذتك للجمال اماما وله في القبله نامه وأجاد عوضت عن قبلة إذ راح يشبهها ... خفوق قلب شجاني أنت قبلته لا يستقر مدا الساعات منزعجاً ... ولا لغيرك لم يعهد تلفته ومذ حكاها ولم تحكيه ملتفتاً ... اليك وجهتها كيما تشابهه وكان المترجم جالس في بعض الحوانيت في دمشق فمر أحد الأعيان فقام المترجم تعظيماً له كيما يسلم عليه فلم يلتفت نحوه ومر فاغتاظ من ذلك وأنشد مرتجلاً وليس لعير الشيخ إذ مر معجباً ... وقوفي توقيراً لرفعة شأنه ولكنني أخشى يمزق شوكه ... ثيابي ولم أشعر لسلب عنانه وله قوله أسامر عشقاً من خلائقه القتل ... وحيداً ولا وعد هناك ولا مطل وأصبح ظمآناً وقد عقر الظمأ ... فؤادي ولا وبل يبل ولا طل وكم أخصبت سحب الأماني مطامعي ... مجازاً ويوميها من الوابل المحل ورب عذول فيه أشقى مسامعي ... بعذل فيالله ما صنع العذل أقول له والطرف يقذف مهجتي ... دموعاً لها من كل ناحية هطل وبي من غرام لو تجسم بعضه ... ومر بأهل الأرض لأفتتن الكل ترقى إلى قلبي بكل دقيقه ... جميع هوى العشاق وانقطع الحبل وكانت وفاته في سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مسجد التاريخ في ميدان الحصار عن أولادهم وهم الشيخ أحمد الذي جلس بعده مكانه خليفة والشيخ حسن والشيخ إبراهيم رحمهم الله تعالى. عبد الرحمن بن عبد الرزاق عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد الشهير بابن عبد الرزاق الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه الأديب خطيب جامع السنانية ولد في سنة خمس وسبعين وألف ودأب في طلب العلم على مشايخ عديدة منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 والشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ محمد الكاملي والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق وغيرهم حتى برع في جميع العلوم ودقق فيها وحررها لا سيما علم الفرائض والفقه والأدب ونظم في الفرائض منظومة نحو أربعمائة بيت سماها قلائد المنظوم في منتقي فرائض العلوم وشرحها شرحاً كشف عن وجوه معانيها لم ينسج على منواله سماه نثر لآلي المفهوم شرح قلائد المنظوم وله شرح على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة الشيخ علاء الدين الحصكفي سماه مفاتح الأسرار ولوائح الأفكار وصل إلى آخر كتاب الصلاة ومن كتاب النكاح نبذة رائقة وتحريرات فائقه وله ديوان شعر وديوان خطب وغير ذلك من التعليقات وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له شيئاً من الشعر وقال في وصفه هو في النباهة متخلق وبالآداب الغضة متعلق لبس حبائر الحمد مفوفه واقتضى عدة الفضل لا ممطولة ولا مسوفه يغازل الألطاف غزل ابن اذينه ويكلف بها كلف جميل ببثينة بشباب له مجني رطب ومهتصر وعوده الطري لماء الحياة معتصر فعين الرجا شاخصة إليه وسمع الأنامل يطن بالثناء عليه بطبع ينير فيجلو الظلام المعتكر ويفيض فيخجل الوسمي المبتكر وله شعر حقيق بالاعتبار راجت بضاعته فنفق عند أهل الأختبار أرق من نسمات الأسحار وانضر من الروض المعطار فمما أهداه إلي وأرسلها بكراً تجلى لدي قوله يا فريداً حوت بدائعه الغر ... كما لا يرف لطفاً وحلما لم تدع للأنام أبكار أفكا ... رك معنى نصوغه فيك نظما لا برحت الزمان تطلع في أف ... ق المعالي فرائداً بك تسمى فأعذر الفكر في القصور فإني ... يدرك الفكر بعض معناك فهما سيدي وسندي الذي قلد أجياد البلاغة بغرر فكره وقسم السحر من بدائع نظمه ونثره وأدار على النهى سلافة ألفاظه وحكم كلماته وعطر الأرجاء بطيب نفحته وصيغ عباراته وأودعها عرائس أبكار ألذ من المنى عند النفوس يقول مقبل أردانها لا عطر بعد عروس وكيف لا وقد صير بديع الزمان من رواة أقلامه وصاحب قلائد العقيان من جملة خدامه وأوقف العيون والأسماع بفنون طرزها بتوشيح اليراع ورصعها بجوهر ايجازه فلولا الكتاب لتليت من سوره وعدت من أعجازه فهو لعمري آية لم يسمح بمثلها الدهر وحديقة كلل أغصانها الزهر فالله تعالى يحفظها على الدوام ويحرسها من غير الأوهام هذا والمتوقع من سحاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 نداه وبحر أفضاله الذي لا يدرك مداه إن يمن بكتاب القاموس المحيط والقابوس الوسيط فلا زالت أيامكم الزاهرة وأوقاتكم الزاكية العاطرة مواسم أعياد وأفراح تنشرح الصدور بها والأرواح والسلام على الدوام ومن شعره قوله من قصيدة مطلعها بدر تم سما على أملود ... أم شموس علت قدود الخدود أم مليح مقلد بالثريا ... حسن مرآه فتنة المعمود ريم أنس دب الفتور بعينيه ... فأغنى عن ابنة العنقود وثنى عطفه الدلال فخلنا ... غصنا زانه رطيب النهود ألف الصد والنفار فحسبي ... بالأماني أجنى ثمار الصدود يا خليلي في الصبابة من لي ... وفؤادي يسيل فوق خدودي حدثاني عن الحمى فعهودي ... في هوى غيده الحسان عهودي هو من قول ابن الفارض من قصيدة فغرامي القديم فيكم غرامي ... وودادي كما علمتم ودادي عودا زمن كنت أجتني ثمر القر ... ب لدى ظل عيشها الممدود حيث فيها غصن الشبيبة غض ... ورباها مراتع للغيد وبها كل مترف الجسم المى ... زان خديه رونق التوريد شق عن زيقه الهلال وأمسى ... فرعه فوق بنده المعقود يفقد القلب كل من رام أن ... يبصر هميان خصره المفقود آه مما لقيته ثم آه ... من دواعيه كاذبات الوعود فلكم رحت من جفاه معنى ... فاقد الصبر زائد التسهيد ملك القلب حسنه مثل من قد ... ملك الدهر بالندى والجود منها يودع الطرس من بدائعه الغر ... كرقم العذار فوق الخدود لو رآه النظام عاين إن ... الجوهر الفرد ليس بالمفقود وله من اخرى أولها راق السرور ورق عوده ... والسعد فيه أخضر عوده والدهر وفى بالذي ... ترجو وقد صدقت وعوده والوقت طاب وجاد بال ... بدر الذي كالظبي جيده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 ترف يكاد يسيل من ... لطف الصبا لولا بروده يبدي الصدود وكلما ... أبداه يحلو لي وروده سلطان حسن إن بدا ... شخصت لطلعته جنوده وإذا المتيم شامه ... بخياله احمرت خدوده فكري لطائر وصله ... نصبت حبائلها تصيده فاصطاد قلبي صدغه ... الآسى وقيده زروده قسما بطلعة وجهه ... وبخده الزاكي وقوده وبطرفه الساجي الذي ... جارت على المضني حدوده وبسقم خصرنا حل ... أرواحنا راحت تعوده ما خان قلبي وده ... كلا ولا نسيت عهوده وقوله أيضاً أسروا الخواطر بالنواظروتقلدوا البيض البواتروتناهبوا الألباب ما بين الحواجب والمحاجرفهم الأولى قادوا الأسود إلى الردى وهم الجآذر هزوا القدود وأسبلوامن فوقها تلك الغدائرلي منهم الرشأ الذي بالطرف أمسى ريم حاجرريان من ماء الدلال يميس في حلل نواضر هاروت أحور طرفهالفتان للألباب ساحرخوط يريك إذا انثنى في تيهه فعل السماهروإذا استبان جبينهضاءت لطلعته الدياجر ما لاح بارق ثغرهالا وشمت الجفن ماطرأو خلت ورد خدوده الا وفاح الخال عاطرملك رعيته القلوب وكل باهي الحسن باهر حتى م يجفو بالصدود أما لهذا الصد آخروإلى م أرمي بالبعا د وكم ترى فيه الخواطر وقوله من اخرى أشمس الضحى لاحت أم الأنجم الزهر ... أم الصبح أم وجه المليح أم البدر أم أفتر ثغر السعد في مربع المنى ... فأشرقت الأكوان وابتهج الدهر أم الروض أهداه الربيع قلائداً ... جواهر أزهار تكللها القطر وهيهات بل هذا فريد بشامنا ... أتاها فأحياها وعم بها البشر وقلدها عقدي فخار وسؤدد ... فذا سمطه علم وذا سلكه بر فأصبحت الأفواه تشدو بمدحه ... فذا نثره زهر وذا نظمه در واطلع في أفق المعاني دقائقاً ... يحار لديها الفهم بل يقف الفكر همام له في كل علم فراسة ... ومولى على أبوابه يسجد الفخر حوى قصبات السبق في حلبة العلا ... ونال فخاراً دون عليائه النسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 منها وإن صاغ من عذب الحديث بدائعاً ... لمسن الغواني الجيد فانتثر الدر هذا من قول المنازي تروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم ومثله قول المنجكي في وصف خط لو شام ذو الخال نقط أحرفه ... لراح باليد لامس الخال ويضارعه قول محمد ابن الدر امن قصيدة له وحق هوى مصافحة المنايا ... أخف علي منه باليدين إذا فكرت فيه لمست رأسي ... كأني موقن بهجوم حيني واصل هذا قول أبي نؤاس في الأمين ابن الرشيد إني لصب ولا أقول بمن ... أخاف من لا يخاف من أحد إذا تفكرت في هواي له ... ألمس رأسي هل طار عن جسدي قال المصنف رحمه الله تعالى في نفحته وهذا النوع سماه المبرد في الكامل والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام الايماء وهو اما ايماء في تشبيهه كقوله جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط أو إلى غيره قال الشهاب في كتاب الطراز وكنت قبل هذا اسميه طيف الخيال وهو إن ترسم في لوح فكرك معنى صورته يد الحيال فتصبه في قالب التحقيق وترمز إليه بجعل روادفه وآثاره محسوسة ادعاء كما إن ما يلقى إلى المتخيلة في المنام يرى كذلك ولا يلزم من ابتنائه على الكناية والتشبيه إن يعد منهما لأمر يدريه من له خبرة بالبديع ثم رأيت الخفاجي في آخر الريحانة بسط القول فيه وقال هذا لم أر من ذكره وهو مما استخرجته نطق الأفعال انتهى ملخصاً وللمترجم طلعت فأشرقت المنازل ... حسناء ترفل في غلائل وسرى بوجنتها الحيا ... فأنهل ماء الحسن سائل ورنت فخلت بجفنها ... بيض الظبي بل سحر بابل ورمت بأسهم طرفها ... عمداً فلم تخط المقاتل نصبت لحبات القلو ... ب سوالفاً هن الحبائل وسبت بوسواس الحلي ... ذوي العقول وبالخلاخل ومشت تهادي بالدلا ... ل وفرقها يبدي الدلائل تخذت لصارم جفنها ... من هديها تلك الحمائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 منها فسألتها ماذا الذي ... بدر الدياجر منه آفل هل ذاك نور جمالك ... الباهي أم الزهر الكوامل بالله الا ما أجبت ... فإنني وافيت سائل قالت وحقك إن هذا ... الأمر لم يحتج دلائل هذا ضياء أماجد ... ملكوا الفضائل والفواضل من أشرقت بهم البلا ... د وشرفت بهم المنازل وله من اخرى يا رياضاً حكى شذاها العود ... كللتها من الزهور عقود ورنت نحوها عيون مياه ... نبهتها الشمول وهي رقود حبذا والمليح طاف بكأس ... من رحيق عصيره العنقود ونسيم الصبا أمال غصوناً ... حسدت عطفها الرطيب قدود وزها الجلنار في الروض لما ... صفق النهر وانثنى الأملود وقوله من اخرى بسم الزهر وسط روض أريض ... عن ثنايا كما اللآلئ بيض وزها الياسمين فيه وأضحى ... كمليح يرنو بطرف غضيض ولطيف النسيم هب فأهدى ... من شذاه الشفا لقلب المريض وترى النهر فيه مد كجسر ... من لجين صاف طويل عريض وله أيضاً نبهت مقلة الرياض نسائم ... وأثارت عبير تلك الكمائم وتثنت معاطف الدوح لما ... قلدتها عقد الزهور الغمائم وشدت فوقها سواجع ورق ... فأهاجت بلحنها كل هائم ونجوم الغصون تزهو إذا ما ... حركت عقدها أيادي النعائم فوقها العندليب قام خطيباً ... يتهادى ما بين خضر العمائم وثغور الأقاح قد بسمت مذ ... أيقظ الطل جفنه وهو نائم وبها الجلنار قام يرينا ... أكؤساً زانها عقود التمائم وخرير المياه غنى فخلنا ... حوله طائر المسرة حائم ونجوم الغصون تزهو إذا ما ... حركت عقدها أيادي النعائم فسقى جلق الشآم سحاب ... كلما سام نيرب السفح سائم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 ورعى عهدنا بتلك الروابي ... ما تغنت على الغصون حمائم وقد عارض بها قصيدة استاذه وشيخه العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وهي ذيل قاسون بللته النسائم ... بندى الورد والبخور الكمائم لملاقاتنا ببستان أنس ... فوق أعواده تغنت حمائم وجرت حولنا جداول ماء ... فكأن الربا لهن غمائم وثغور الزهور تضحك زهواً ... وقدود الغصون خضر العمائم عطس الفجر فانتهز يا نديمي ... فرصة العيش في الزمان الملائم وتأمل زهر الرياض إذا ما ... عقدت منه في الغصون تمائم وانشق الطيب من مداهن ورد ... نبهته يد الصبا وهو نائم ومن الجلنار لاحت كؤوس ... من عقيق بها المتيم هائم أو هو النار حل فوق بساط ... أخضر لا يزال في الجو عائم جمعتنا مع الصحاب رياض ... ثم بالنير بين ذات النعائم فابتهجنا بيومنا وشهدنا ... موسم الأنس وهو في الروض قائم وجلسنا من تحت ظل ظليل ... نتقي في الهجير حر السمائم حي يا صاحبي على طيب عيش ... طير حظي على تلافيه حائم واستمع بلبل الربا فهو شاد ... وامتثل قولنا ودع كل لائم إن هذا عيش ابن آدم اما ... ما سواه فذاك عيش البهائم وقد عارضها الأديب الحسيب السيد يوسف الحسيني الدمشقي مفتي حلب متخلصاً بها لمديح الاستاذ عبد الغني النابلسي المذكور ومطلعها يا رياضاً زهت بلطف النسائم ... وبها الورد شق جيب العمائم وتغنت فيها البلابل لما ... ساجلتها في الدوح ورق الحمائم منها فاعط للروض نظرة ثم نبه ... منك طرف السرور إذ هو نائم وأجل كأساً من الحديث علينا ... يزدري نظمه بعقد التمائم وممتع بما يفيدك شيخ ال ... وقت عبد الغني حاوي المكارم ومنها كعبة للعلوم ليس له غير ... صفات الكمال منه دعائم كم جنينا ألفاظه بمعان ... اخجلت بالمقام عذب المباسم وشفينا بها الفؤاد فكانت ... لجراح القلوب خير مراهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 وللمترجم مضمناً فتكت فينا فمن بالفتك أفتاكاً ... يا مخجل البدر قلبي صار يهواكا وتهت بالدل يا ذا الريم من هيف ... وفاق بدر السما نورا محياكا وفقت غصن النقا بالعطف منك وقد ... أضحت ملاح الورى جمعا رعاياكا وذاب جسم المعنى في هواك سدى ... مذ فوقت أسهماً للقلب عيناكا لولاك ما عرفت نفسي الهوى أبدا ... ولم تنل شربة في الحب لولاكا رميتني بالضنا والا سر يا أملى ... وسرت عني ولم تنظر لأسراكا وقد أتى العيد يدعو الناس تهنية ... وإنه بيننا أيام نلقاكا عودتني باللقا والوصل تكرمة ... وبعد ذا سيدي أبعدت مرماكا فصرت أندب أياماً لنا سلفت ... كان اكتحال عيوني حسن مرآكا إنا عرفناك أياماً وداومنا ... شجو فيا ليت إنا ما عرفناكا وقوله أخلصت فيه ولم أصبو لشراك ... ومسكة الصدغ صادتني باشراك ريم تحجب عني في محاسنه ... وصار يبصرني من طاق شباك شاكي السلاح إذا ما مال من ترف ... يسبي العقول بروحي خصره الشاكي ألحاظه فوقت سهم المنون لنا ... وطرفه الناعس الفتان فتاكي يا أحور الطرف ما قلب الشجي هدف ... فأغمد جفونك واترك قول أفاك وامنن على الصب في لقياك إن له ... قلباً خفوقاً وطرفاً بالدما باكي قد حكت فيك ثياب المدح فاصغ إلى ... قولي البديع وخلي نسج حياك وجد بقربك يا سؤلي ويا أملي ... وهات حدث بثغر منك ضحاك ومن مقطعاته بخلت جفوني حين بان معذبي ... فقلت فلم لا تسمحين بدره فقالت قذى الآمال بالوصل مربي ... فامسك دمعي أن يسح بقطره وقوله وأغيد سالت أدمعي لصدوده ... فمر بجفني للوصال قذا الرجا فأمسكه كي لا يذوب من البكا ... ويغرق طيف قر لي منه في الدجى وله من الرباعيات قوله قلبي اسروا وعقد صبري حلوا ... من قد هجروا وفي فؤادي حلوا يا من سحروا عقولنا مذ ولوا ... هلا نصروا وجدا علينا ولوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 ومثله قوله يا بدر إلى م تطيل عمر الهجر ... والجفن إلى م يسح سح القطر بالله عليك عد بوصل كرما ... وأطفي ظمائي يرشف ذاك الثغر ومن معمياته قوله في عبد السلام مليح يريك الشهد مبسم ثغره ... إذا افتر عن برق الثنايا ووامضه على خده خال من المسك ختمه ... بأخضر ذاك الصدغ حل وعارضه وقوله في عثمان رشأ تلاعب بالعقول ولم يزل ... بطلا الدلال وبالملاحة يسكر لا غروان وافى الصيام وخده ... كالجلنار يفوح منه العنبر وله في حجازي من بني الترك مترف الجسم المى ... خده قد أبان آسا ووردا فتن العقل حين جاء بوجه ... ذو حياء وأودع القلب بعدا وفي عيسى وعلي فم يا نديمي حث الكأس مصطبحا ... واشرب فديتك بين الروض والزهر لعل بعد احتساء الراح يا أملي ... يزول عني ما ألقى من الكدر وفي جلنار وتمام أفدي الذي صاد الفؤاد بحبة ... سوداء لاحت فوق أخضر شاربه بدر أثار صبابتي من بعدما ... أرمي نبالاً من قسي حواجبه وللمترجم غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الرحمن المقري عبد الرحمن بن إبراهيم الشريف المقري الفاضل العالم الكامل الشافعي مولده برأس الخليج بليدة بالقرب من دمياط وحفظ القرآن العظيم للعشرة من طريق الحرز والشر والدرة على الشيخ أحمد الشهير بأبي قتب تلميذ البقري المقري المشهور وعلى الشيخ علي الرميلي وقرأ الفقه والعربية على البدر حسن المدابغي وحصر الحديث سماعاً على الشيخ عبد ربه الديوي قدم حلب في سنة خمسين ومائة وألف وتوطنها بالمدرسة الحلوية ثم انتقل إلى مدرسة الصاحب ابن السفاح ثم إلى المسجد بسويقة حاتم وانتفع به الناس بالقراآت كثيراً وبالعلم ولم يزل مقيماً بها حتى توفي في سنة أربع وسبعين ومائة وألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 ودفن خارج باب الفرج بالقرب من قبر الولي المشهور أبي نمير عبد الرحمن المنيني عبد الرحمن بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الفاضل الأديب الكامل النبيه الذكي الفطن كان حسن الأخلاق عشوراً حلو المنادمة رقيق الطبع ولد بدمشق في سنة اثنين وأربعين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده وقرأ على والده وانتفع به وأجازه من مصر بالمكاتبة الشيخ محمد بن سالم الحفني المصري وأخوه الشيخ يوسف والشيخ علي الصعيدي المالكي والشيخ خليل المغربي المالكي المصري والشيخ السيد أبو السعود الحنفي وفاق ونبل وبرع بالأدب ونظم الشعر وخالط الأفاضل وكانت له المحاورة الشهية والقريحة الألمعية وكان محبباً جميل الهيئة كأنما جبلت طينته باللطف وما زجت أخلاقه مدام الملاحة والظرف ومما نقل عن حسن براعته إنه كان مرة في بعض المجالس وكان المجلس اضطرب بالسرور ومذاكرة الآداب فأفضى المجلس للأنتقال إلى مذاكرة الأنفاس المعلومة عند الناس فأنشد بعض الحاضرين مخاطباً له قول القائل نحن قوم نهوي الوجوه الحسانا ... وبها الله زادنا احسانا فأجابه مستحضراً قول بعضهم نزه فؤادك عنه ... النجم أقرب منه فعظم الاضطراب ودارت كؤوس الآداب واشتهر ذلك المجلس النفيس حيث وقع له استحضار هذا البيت في جواب البيت السابق وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه والنجم إذا هوى إنه مغناطيس الوجد والهوى صقلت مرآة وجهه الوسيم كما صقل صفحة النهر مرور النسيم يتمتع منه الناظر بروض حسن زاهر ويتشنف السامع بلؤلؤ رطب باهر مع رقة تستجلب الخواطر وتروح القلوب بنفحاتها العواطر وناهيك من قمر اكتمل من أول طلوعه وعدا الظرف حشوا هاله وضلوعه ومع ما فيه من الطلاوة يعطيك من طرف اللسان حلاوة بمنطق لم يحل من شائبة تعريض وكناية تؤدي إلى طويل وعريض يتكلف لها ويتصنع وتعذر من وقوعها ويتمنع وشبابه في ابانه وعذاره يحدث عن زرود وبانه وقد سلك في الشعر مسلكاً سهلاً وشرب من منهله علا ونهلا فأتى منه بما عليه يثني وعلى مقاصده غر الخناصر تثني وهاك من مصوغاته نبذا إذا أنشدت نادت المسامع حبذا حبذا انتهى ما قاله ومن شعره قوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 حين غابت ركائب الصحب عنا ... وسقانا الزمان كأس الفراق وغدونا حيرى نكابد وجداً ... والتياعاً لشدة الاشتياق جمعتنا الأقدار في هذه الدا ... ر نحيي معاهد الارفاق بين باك شجواً وشاك غراماً ... وغريق بدمعه المهراق بنفوس كادت من الشوق تقصني ... بجواها لولا ادكار التلافي وقوله سقياً لظل السنديانة كم مضى ... في سوحه عيش شهي المورد حيث الربيع كسا الرياض مطارفاً ... خضراً وتوج كل غصن أملد وسرى الصبا يجني رضاب مباسم ... الزهر الأنيق بذلك الروض الندي والطير بين مغرد ومردد ... والماء بين مزرد ومجعد والخيل تسبح في العجاج كأنها ... سفن جرين بمتن بحر مزبد ترد الهياج نواضراً ويردها ... نقع التطارد في رداء أربد حتى إذا ما أدلجت في نقعها ... هديت بصبح من طلاقة أحمد وحين طلب من شعره الشيخ سعيد السمان أرسل له حصة منه وكتب له معها بقوله مضمناً البيت الأخير ومصقع رام من شعري ليودعه ... ديوان من مجدهم يسمو إلى الحبك فقلت إني وشعري كلما ارتفعت ... أشعار أهل الذكا ينحط للدرك فقيل يكفيه فخراً أن يكون له ... راو كنا درة الأيام والفلك أوفده منه على ندب يهذبه ... فضلاً ويثبت منه كل منسبك فبينما الذهب الأبريز مطرحاً ... في أرضه إذ غدا تاجاً على الملك وأرسل إلى الأديب سعيد السمان ملغزاً بقوله يا لبيباً أفديك بين لنا ما ... اسم شيء نصيفه اسم مصر وإذا ما صحفت كلاً من الشط ... رين يغنيك عن رضاب وخمر جبل نصف شطره وهو لفظ ... بعد تصحيفه أتى فعل أمر فأحبني أفديك من كل شين ... بجواب نظم والا فنثر فأجابه والغزله بقوله يا وحيد الأنام ذاتاً ووصفاً ... وفريداً في كل نثر وشعر ومجيداً في كل معنى دقيق ... من بديع الكلام صائب فكر قد أتاني من نفثك العذب نظم ... هو مغن عن رشف ثغر وخمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 ملغزاً يا فدتك في اسم إذا ما ... طاف في الصحب فاح عاطر نشره وإذا ما أتاك يضحك زهواً ... نثر الدمع في الأكف كقطر أعجمي لا يحسن النطق لكن ... قهقهته تبدي نفائس در وعجيب يقوى بدون لسان ... بين أهل النهى على كل نثر ما رأينا منه سوى نفحات ... بعبير الرياض والزهر تزري دأبه في الأنام وهو صديق ... صدع شمل الأحباب من دون غدر وعلى كل راحة لا تراه ... غير في راحة إذا رام يسري لم يزل لاثماً يداغب اخرى ... بفم الاشتياق لثمة بشر ذا جواب فيه المرام وضوحاً ... بالذي رمته كطلعة فجر وأنا سائل أيا ابن ودادي ... فابن لي عما يجول بسري ما اسم شيء في الأرض طوراً نراه ... ولدي الجو تارة دون نكر شأوه في الأنام ليس بحارى ... طائع ربه بنهى وأمر وله رنة الحزين إذا ما ... فارق الألف بعد وصل مسر فلذا قد غدا بغير جناح ... قلبه طائر لدى الأفق قادر يا لعمري وليس فيه قوآه ... وهو يقوي بنا على كل ضر وإذا راحة الفتى صافحته ... راح أمناً من كل سوء وذعر مخطئ صائب أمين خوون ... دابه ذاك عند عبد وحر لا عد مناه من صديق عدو ... صادق كاذب بما شاء يجري ذو انحناء على عصاه ولكن ... فعله نافذ على كل صدر فترى الغيد شأنه في البرايا ... في محل الاطلاق من غير غدر دائماً تعقد الخناصر في الخلق ... عليه من كل ندب أغر لا برحت المدا صديقك تهدى ... من معاني البيان نظماً كثغر ما أديب قد حاك من نسج فكر ... حللا من بديع لفظ كسحر وللمترجم قوله لأختلاس المحب من فرص الده ... ر لقاء الحبيب غب الفراق آثر العاشق البقاء على الفو ... ت بدهر يجري شؤون المآقي وقوله أيضاً وأغيد زارني والليل داع ... فمزق نوره جيب الظلام توارى البدر لما لاح شمساً ... حياء تحت أستار الغمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وله من قصيدة مطلعها لطير الهنا في الروض صدح المغرد ... على فنن الاقبال في روضه الندي تغني فأنساني الغريض ومعبدا ... بمطرب ألحان وطيب تردد وهب على زهر الربى نافح الصبا ... سحيراً فأغفى كل جفن مسهد يمر على الأغصان وهي قويمة ... وينساب عنها وهي ذات تأود ويكسو متون الماء درعاً مزردا ... لجيناً يحليه الأصيل بعسجد ومعنى المصراع الأول من آخر الأبيات مأخوذ من قول الآخر نسج الريح على الماء زرد ... ياله درعاً منيعاً لو جمد أقول وأصله ما نقله صاحب بدائع البدائه قال روى عبد الجبار بن حمديس الصقلي قال صنع عبد الجليل بن وهبون المرسي الشاعر نزهة بوادي أشبيلية فاقمنا فيه يومنا فلما دنت الشمس من الغروب هب نسيم ضعيف غضن وجه الماء فقلت للجماعة أجيزوا حاكت الريح من الماء زرد فأجازه كل منهم بما تيسر له فقال لي أبو تمام غالب ابن رباح الحجاج كيف قلت يا أبا محمد فأعدت القسيم له فقال أي درع لقتال لو جمد انتهى ثم قال صاحب البدائع ما سبق وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف فقال نثر الجو على الترب برد ... أي در لنحور لو جمد فتناقض المعنى بذكر البرد لو جمد إذ ليس البرد الا ما جمده البرد اللهم الا أن يريد بقوله لو جمد لو دام جموده فيصح ومثل هذا قول المعتمد بن عباد يصف فوارة ولربما سلت لنا من مائها ... سيفاً وكان عن النواظر مغمدا طبعت لجيناً ثم زانت صفحة ... منه ولو جمدت لكان مهندا وقد أخذ المقري هذا المعنى فقال يصف روضاً ولو دام هذا النبت كان زبرجداً ... ولو جمدت أنهاره كان بلورا وهذا المعنى مأخوذ من قول التونسي الأبادي من قصيدته الطائية المشهورة الؤلؤ قطر هذا الجو أم نقط ... ما كان أحسنه لو كان يلتقط والمعنى كثير للقدماء قال ابن الرومي في قطعة من العنب الرازقي لو أنه يبقى على الدهور ... قرط آذان الحسان الحور انتهى عودا إلى القصيدة وأصبح ثغر الدهر بالأنس باسماً ... عن المطلب الأسنى وأعظم مقصد ولامه الغراء عادت مواسماً ... بها تنجلي خود السرور بمشهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 بمقدم نجل مهدت لقدومه ... معاهد مجد للسوي لم تمهد أغر عليه اللنجابة كوكب ... يشف سناه عن معال وسؤدد تضرع من دوح النبوة غصنه ... وماس بروض للوزارة أسعد ومنها فيا ابن الأولى قد شيدو البأس والندى ... لهم رتب حفت بعز سؤيد ومن إن دهى خطب وأطلم حادث ... جلوه برأي مستنير مسدد كرام إذا ما أدلجوا فوجوههم ... مصابيح تغني عن ذكاء وفرقد ليهنك في أفلاك مجدك فرقد ... يلوح باقبال وسعد مؤكد فقربه عيناً ودم وابق سالماً ... بعيش كنوار الخميلة أرغد نسوق لك الأيام كل مسرة ... ومجد أثيل غب أنس مجدد ولا زال نجماً في المعالي محمد ... محوطاً بعز من جنابك أحمدي مدى الدهر ما غنى بمدحك صادح ... وما شغفت منك المعالي بأمجد وما جاء في تاريخه حدد الهنا ... فشهر ربيع مولد لمحمد ولما عاد من حجه أحد صدور الدولة العثمانية المولى أبو بكر الرومي نزل في العادلية عند والد المترجم فعمل له المترجم هذه التهنية مؤرخاً عامها وذلك في سنة اثنين وستين ومائة وألف وهي قوله هناء فطير السعد غرد بالبشر ... ونم على أرد إنه أرج النشر وصير أيام اللقاء مواسماً ... بها تنجلي خود المسرة واليسر وأصبح روض الغصن يندي نضارة ... وكلله طل البشائر بالدر وجرد كف البرق عضباً مهنداً ... على السحب فانهلت بدمع كما القطر وأشرق أفق الشام وافتر بالمنى ... بها مبسم الاقبال عن شلب الشكر وطلت دواعي اليمن فيها هواتفاً ... وغنى حلم الأنس في القضب النضر لمقدم طود الفضل والعلم من له ... مآثر قد خطت على جبهة الدهر جليل رقى العلياء بالفضل والندى ... وحاز مقاماً دونه هامة النسر جواد إذا ما أخلف السحب وعدها ... رأيت له كفا بسح الندى يجري همام لوان الليل لاذ بجاهه ... لما مزقت أثوابه راحة الفجر هو الشهم ذو الأفضال والعلم والتقى ... أخو الرتبة القعساء والهمة لبكر هو الماجد النحرير والأوحد الذي ... خلائقه كالزهر أو نفحة الزهر أغر السجايا واسع الصدر رحبه ... فريد المعاني واضح المجد والفخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 إليه انتهت آمال كل مؤمل ... فعادت بأوقار الندى والثنا تسري وباب معاليه انتحته بنو الرجا ... فأمنها مما يروع من الذعر فما هو الا النجم في كل مشكل ... وما هو الا البدر في الهدى والقدر له فكرة ما زال ينمو ذكاؤها ... ورأى سديد كالمهندة البتر أما ومحياك الوسيم الذي لنا ... بخبخ الدجى فيه غناء عن البدر وفيض أياد كالبحار وهمة ... علوت بها قدراً على الأنجم الزهر لأنت بهذا الدهر فرد كما به ... قد انفردت في فضلها ليلة القدر فيا أيها المولى الهمام ومن له ... محامداً دناها يجل عن الحصر تهنأ بحج بل نهنئ نفوسنا ... بمقدم خير رافع راية النصر بلغت به ما كنت قبل مؤملاً ... ونلت به الحظ الجزيل من الأجر وزرت مقاماً حله أشرف الورى ... أبو القاسم الهادي الشفيع لدى الحشر وجئت دمشق الشام حتى تشرفت ... بموطئك السامي وعزت مدى العمر وأصبح أهلوها تمد أكفها ... بخير دعاء للجناب بلا نكر فجوزيت عن مسعاك كل كرامة ... تسير بها الركبان في البر والبحر فقد جاء تاريخ ببيت منضد ... ينادي بألفاظ ملئن من السحر بأيمن عام عم بالعز والمنى ... وبالسعد والاقبال حج أبي بكر وقد عرض المترجم هذه القصيدة على الفاضل الأديب السيد مصطفى العلواني الحموي نزيل دمشق فكتب له هذه الأبيات وأرسلها إليه وهي قوله أشعرك يا مولى القريض أرق من ... صفاتك أم منه صفاتك ألطف أزل اشكالي بصبح فطانة ... غدوت بها بين الأفاضل تعرف ولا غروان تغدو وأنت أبو النهى ... وأنت ابن من منه الفضائل تغرف وإنك غصن مثمر ضمن روضة ... معطرة منها الكمالات تقطف بقيت لمنثور الفضائل ناظماً ... وفيها بأنوار الذكا تتصرف وللمترجم في عين الصاحب أحد منتزهات دمشق لما وقفنا للوداع عشية ... ما بين مسلوب الفؤاد وسالب وجرت من الشوق المبرح أدمعي ... رق الحبيب لماء عين الصاحب ولوالده أيضاً في ذلك لم أنس موقفنا بعين الصاحب ... مع صاحب حبي له كالواجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 أنشدته والشوق يعبث بالنهى ... روحي الفدا شوقاً لعين الصاحب وللماهر اللغوي الشيخ مكي الجوخي في ذلك أيضاً يا صاحبي جد المسير ومل بنا ... نحو الرياض فذاك جل مآربي مع صاحب يروي الفؤاد من الظما ... لتقر عيني عند عين الصاحب ومن ذلك قول الفاضل الأديب عبد السلام المغربي نزيل دمشق حث المدامة واسقني يا صاحبي ... كأساً يروق بماء عين الصاحب واخبب على خيل المسرة مسرة مسرعاً ... فلنحوها طير المسرة صاح بي وكانت وفاة المترجم في سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الصناديقي عبد الرحمن بن أحمد الصناديقي الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الألمعي اللوذعي الفاضل المدقق كان علامة فهامة ذكياً أصولياً فقيهاً نحوياً له مشاركة في فنون كثيرة أخذ وقرأ على علماء دمشق ووالده وأخوه يصنعان الصناديق فجد بنفسه وجاور بمصر مرتين وأخذ عن علمائها كالامام السيد علي الضرير وغيره وكان يقرئ في الجامع الأموي عند باب الصنجق وكتب بخطه كتباً كثيرة وكلها مملؤة بالحواشي وتقريرات مشايخه على طريقة المصريين في كتابة جمع ما يقرأون وله من التآليف شرح على البردة وشرح على الشمائل وله رسالة في اعراب فضلاً وتارة ونحوهما من بقية العشرة كلمات التي ألف فيها ابن هشام رسالة فاختصرها المترجم وكان يحب العزلة ولا يخلو من سوداء في طبعه وولي الخطابة في مدرسة الوزير إسماعيل باشا العظم في سوق الخياطين بالقرب من محكمة الباب وكذلك صار أمين الكتب الموضوعة هناك الموقوفة وسافر إلى القسطنطينية في الروم ومن ثمة رحل إلى طرابلس الغرب وحاكمها إذ ذاك الشهير علي باشا وفي آخر عمره حصل له داء ضيق النفس وبالجملة ففضله أشهر من أن يذكر وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. عبد الرحمن القاري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن علي بن عمر المعروف كأسلافه بالقاري الحنفي الدمشقي أحد الصدور من أعيان دمشق ورؤسائها كان شهماً معتبراً ماجداً سخياً جواداً ممدوحاً ذو همة علية واقدام في الأمور مع جاه عظيم وثروة باذخة وعز وسعد مقبول الشفاعة محترماً عند الصغار والكبار وكان يجل العلماء ويكرمهم وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 جسوراً متكلماً فصيح المقال آية باهرة في الأمور الخارجية وبضاعته كانت من العلم مزجاة جداً ولد بدمشق في سنة اثنين وسبعين وألف وبها نشأ في كنف والده وكان والده منفصلاً عن قضاء آمد من مشاهير الأمجاد الرؤساء وتوفي في سنة ثمانين وألف وولده المترجم ظهر شأنه وعلا قدره وتبسم ثغر اقباله وأزاحت ديجور الأدبار أنوار سعده واحلاله حتى خطبته العياء واشتهر بين أبناء الدنيا وحين قدم والياً إلى دمشق وأميراً على الحاج الوزير رجب باشا انتمى المترجم إليه وأقبل المذكور بكليته عليه وصار له عند المقام الأعلى والقدر الرفيع الأعلى فازداد تطاوله وأقدمه وتضاعفت أفعاله وأحكامه ورفض بقية الأعيان والرؤساء وكان بينه وبين المولى محمد بن إبراهيم العمادي المفتي ما كان كما هو دأب الأقران في كل أوان وتعرض بسبب انتمائه للوزير المذكور للفتيا بدمشق وعزل العمادي ثم إن الوزير المذكور عزل العمادي ووجهها عن الافتاء للمترجم وكتب عروضاً في حق العمادي للدولة العلية أخباراً ببعض افتراآت علي العمادي وصيرورة الافتاء للقاري المترجم وإن ينفي العمادي فحين وصلت العروض للدولة نفذتها للوزير أرباب الحل والعقد ورجال الدولة وصدر أمر سلطاني بنفي العمادي وتوجيه الافتاء على القاري المترجم ولما جاء الرسول المعين من طرف الدولة في نفي العمادي وتوجيه الافتاء على القاري عقد الوزير ديواناً بمجمع من الأعيان والعلماء والرؤساء وقرأ الأمر السلطاني عليهم بالاشاعة فلما انتهت قراءة الأمر السلطاني أمر الوزير بنفي العمادي واجلائه عن دمشق فقال له العمادي في المجلس أما تعفو عني فسيجئ بعد أيام أمر آخر سلطاني بعودي وكان للعمادي خبر بأنه صدر أمر سلطاني بعوده لدياره بعد الأمر السابق فلم يسمع الوزير كلامه وقال لا بد من نفيك واجلائك وكان الوزير شديد البأس وله نظر على القاري فلما خرجوا من باب السراي بالعمادي قامت أهل دمشق على خدام الوزير المذكور وضربوهم فوصل الخبر إليه فعند ذلك أمر بابقائه بشرط أن يلزم داره ثم بعد أيام قلائل ورد أمر سلطاني بالعفو عن العمادي واستقام المترجم في الفتوى ستة أشهر وبعدها عزل وعادت إلى العمادي ولم تطل مدته ومات بعد ذلك وكان المترجم تولى نيابة محكمة الباب مراراً وتولى تولية وتدريس المدرسة الظاهرية حتى إنه درس بها حين أمر والي دمشق بأن المدرسين في كل مكان يلازموا الدروس والاقراء وكان قبله أمر بذلك والي دمشق نصوح باشا وبعده حسين باشا الخازوقجي كذلك فصار كل من عليه مدرسة يباشر الافراء أو يجعل وكيلاً واستقام ذلك قليلاً ثم عاد كل لأصله وكان المترجم حين يقرئ يسرد العبارة فإذا صدر منه خلل في بعض المسائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 أو غلط لا يقدر أحد على رده بل كلهم من أفاضل أجلاء صامتون ناصتون لكونه كان يبرهم باكرامه ويحسن اليهم فلا يريدون تخجيله بل يصححون له درسه قبل أن يقرأه وبعده يمليه هو سرداً وكان له عقارات وأملاك ومتعلقات كثيرة ورحل للحج والي الروم وامتدح بالقصائد الفرائد فممن امتدحه الشيخ محمد الكنجي امتدحه بقصيدة مطلعها خذ ما استطعت علاً ومجداً ... وألبس من النعماء بردا واستمطر الآلاء من ... مولى وزد شكراً وحمدا وكن المقدم بالفضا ... ئل لا برحت تنال سعدا أنت الهمام المقتدي ... وبك النهى تزداد رشدا حامي حمى الشرع الشريف ... ومن حوى الرأي الاسدا لا غرو أن ترقى العلا ... أنت الكريم أبا وجدا من رام جاهك في البرية ... فليمت كمداً وحقدا لا باجتهاد تبلغ ال ... آمال إن السعد وعدا أنت الذي نلت السيا ... دة وادعاً وسواك جدا لم تلف يا ذا الفضل الا ... باذلاً في الخير جهدا ولديك من جبر الخوا ... طر ما يعيد الحر عبدا وإذا الزمان إذا قنا ... من ريبه ظلماً وكدا لم نلق غيرك في البرية ... منهلاً عذباً ووردا ومن استجار ببابك ... السامي فأنت له تصدى تلقاه بالصدر الرحيب ... فلن يخيب ولن يردا وبنى الكرام إلى ذرا ... ك تسوقهم وفداً فوفدا وإذا وعدت بنائل ... حاشاك ما أخلفت وعدا وإذا حييت بمنصب ... جعل العفاف عليك يردا لم تولك الدنيا الدنية ... عن رضى مولاك صدا تأتي اليك ذليلة ... فترى لديك غنى وزهدا والناس تستسقي السحا ... ب وجود كفك منه أندى يتلون ذكراك الجميل ... كأنهم يتلون وردا وكتب للمترجم أحمد الكنجي والد المذكور لأمر اقتضى ذلك أخا الفضل لا زالت مدى الدهر سرمداً ... هداياك تعطي للأنام وتنقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 ولا زال يا مولاي قدرك سامياً ... على كل قدر في البرية يجمل تفضل بما أوعدت وأرسله عاجلاً ... فمهما أتى منكم على الرأس يحمل ومن مداحه ومن مداحه عبد الحي ابن الطويل المعروف بالخال فمن مدائحه فيه قوله من قصيدة يهنيه فيها بالعافية من مرض أصابه وذلك في رمضان سنة اثنتي عشرة ومائة وألف مطلعها روى جفني عن الجفن الروي ... وعن قلبي عن الزند الوري عن الكبد التي ملئت غراماً ... ووجداً لا يعبر بالروي بأن الله قد خلق المنايا ... من الطرق الكحيل البابلي لقد نهبت ظبي الألحاظ جسمي ... من الظبي الغرير الجاسمي هو القمر الذي قد راح يزهو ... بطلعته على البدر السني فيا أملي من الدنيا وقصدي ... ويا رشدي ويا رشدي وغيي امط طرف اللثام فدتك روحي ... عن الثغر الشهي السكري منها في المدح وحيد الفضل يحلو ما توارى ... وغيب عن مدى فهم الذكي ويروى المجد عن سلف كريم ... كما يروى الحديث عن النبي له الهمم التي لو صد طوداً ... بها لأندك بالعزم القوي همام جهبذ شهم إذا ما ... ثرا أي ذل ذو القدر العلي وإن جئناه في أمر مهم ... تلقاه ببشر أريحي وامتدحه الشيخ صادق الخراط فمن مدائحه فيه ما قاله مهنياً له برتبة مدرسة الداخل المتعارفة بين المولى الرومية يا ابن الأكارم والأفاضل ... يا واحداً ملك الفضائل يا مفرد الأوصاف وال ... ألطاف يا حسن الشمائل يا من رقى رتب المعا ... لي الغر عن ارث الأوائل آباؤه الأمجاد من ... ملكوا الفخار ولا مجادل ورقوا على هام العلا ... واستوطنوا تلك المنازل يهنيك قد وافت لك ... العلياء ترفل في غلائل تسعى ولم تمدد لها ... كفاً ولم تنصب حبائل لا زلت ربع الفضل فيك ... أخا العلا والمجد آهل متسربلاً حلل الكما ... ل وفي ثياب العز رافل ما فاح نشر ثناك في ... الدنيا وما هبت شمائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وبالجملة فقد كان المترجم القاري من صدور أعيان دمشق ورؤسائها وبلغ مرتبة من العليا سامية وقدراً من الجاه وافراً عالياً وكان خرج له في صدره دملة وعظمت حتى أخذت سائر صدره وعولجت كثيراً فلم تفد وانحلته ولم تطل مدته ومات وكانت وفاته في يوم السبت التاسع والعشرين من شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وبعده تصدر في دارهم ولده المولى عمر القاري وبلغ شهرة وافية ورقا إلى مراقي سامية ونفذت كلمته وعلت حرمته وراس بدمشق واشتهر كذلك وبعده لم يخلفه أحد مثله منهم وكانت وفاته في يوم الجمعة سابع رمضان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بباب الصغير أيضاً رحمهم الله تعالى وسيأتي ذكر ابن عم المترجم محمد القاري في محله. عبد الرحمن التاجي عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد بن أبي بكر بن موسى بن عبده الولي الكبير المدفون في جبل الأقرع من أعمال انطاكية المترجم في در الحبب في أعيان من دخل حلب للعلامة شمس الدين محمد الحنبلي الحلبي وهذا المترجم هو الشيخ الخطيب المعروف بالتاجي الحنفي البعلي العلامة البارع الفاضل المحقق كان عالماً فاضلاً هماماً بليغاً أديباً في غاية من الجرأة ذا وقار واعتبار وعقل تام وله في الأمور وأبناء الزمان اختبار ولد في بعلبك في سنة ست وأربعين بعد الألف وقرأ الكثير على الشيخ عبد الباقي وعلى السيد محمد البرزنجي وغيرهما وأخذ عن الشيخ إبراهيم الكوراني المدني والشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ حسن العجيمي المكي واقرأ الدروس الخاصة والعامة وطلب لخطابة دمشق لما انحلت عن العلامة الشيخ علاء الدين الحصكفي مفتي الحنفية وخطب بها مدة وكان حسن الصوت له المعرفة التامة في ألحان الموسيقى وكان ذا ثروة ودنيا ولذلك أنشد فيه الأديب الشيخ رجب الحريري حين وعده بارسال شيء من العسل ولم يوف الوعد قوله يا شبه قارون في مال وفي سعة ... وياسمي الذي للمرتضى قتلا إني عجبت لمثلي كيف صاغ له ... من أرقم ذات سم يطلب العسلا ولما دفعهما إليه أجابه بأحسن جواب حيث قال له أنت كالحدأة سلاحها لسانها ورجب المذكور كان أعجوبة دهره في الشعر له باع في أقسام الشعر خصوصاً الهجاء وله فيه نوادر عجيبة وكان مكثاراً بديهاً وترجمه الأمين في تاريخه ونفحته وذكر أنه كان حمصي الأصل دمشقي المولد وتوفي بحلب في سنة احدى وتسعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وألف وكان صاحب الترجمة له رتبة الصحن المتعارفة بين الموالي وله توجهات إلى حلب وصحب الجد الكبير الاستاذ الشيخ السيد مراد وأخذ عنه الطريقة النقشبندية وله محبة أكيدة مع الشيخ العارف الكبير الشيخ عبد الغني النابلسي ويجري بينهما مطارحات أنيقة يجئ ذكر بعضها وكان له شعر في غاية البلاغة ومقاطيع ذكرهم في ديوانه المشهور وفي آخر عمره توجه لدار الخلافة في الروم لأجل ما وقع لولده الآتي ذكره إن شاء الله تعالى واجتمع بشيخ الاسلام المولى فيض الله وأمره بالتوجه معه إلى أدرنة لقضاء مآربه فتوجه معه وأنشده له قصيدة آخرها فارحم مشيبي يا همام فانني جاوزت للسبعين حداً مذعناً فأنا له منه ما تيسر ثم لما رجع منها بعد أن تزوج بامرأة أخيه العالم البارع المتوفي بقسنطينية واستقام فيها مقدار سنتين دخل بعلبك مريداً التوجه إلى داره بدمشق فأدركه الحمام وترجمه الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه أديب سامي القدر متوقد كالقمر ليلة البدر حسن المحاضرة بالانشاء وارف الظلال والأفياء يجري على طرف لسانه ما ينطق الدهر باستحسانه وهو أخ لك في الغرض جوهر أخلاقه لا يشوبه عرض وفيه لوذعية تحبيه وبشاشة تزلفه وتقربه وبيني وبينه صحبة ألحمتها الآداب وسدتها ومودة ربطتها موافقة القلبين وشدتها وهو اليوم طلق الشعر ثلاثاً ونقض غزله أنكاثاً وتخلص لعلم ينفعه في الحال ولمآل ويجدد له في الله كل ما تعوده من أماني وآمال وقد أثبت له من أوائل شعره كل بديع الوصف زاد على الجوهر في الشفافية والرصف انتهى ما قاله ومن شعره ما كتبه للاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله تذكرت أيام الصبابة والصبا ... وعيشاً مضى ما كان أهنى وأطيبا زماناً به كانت يد الدهر برهة ... تقمصني ثوب السعادة مذهبا سقى الله ذاك الشعب غيث مدامعي ... إذا الغيث يوماً عن مغانيه قطبا مغان بها كان أئتلاف مسرتي ... واقبال عيشي بالأماني أخصبا منازل فيها للبدور مطالع ... على أن فيها للسحائب مسحبا أقمت بها بين البشاشة والقري ... وإن شئت قل بين المحبة والحبا وكم سيق من نعمي إلي ونعمة ... وكم قيل لي أهلاً وسهلاً ومرحبا أبيت أجر الذيل تيهاً ورفعة ... ولا أرتضي غير السماكين مضربا ويجمعنا بين العشائين جامع ... نسائر فيه الصحب شرقاً ومغربا ونقصد للروض الوريف الذي له ... علا منزل زاد اعتلاء لنطربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 يطار حناها كالجمان قصائداً ... جواد بها في حلبة السبق ماكبا وتنبعث الأفكار في كل شذرة ... تخال بجيد الدهر عقداً مذهبا ويوماً ترانا حول مرجة جلق ... نؤم رياض الزاهدين أولى النبا مجالس أنسى لست عنها براغب ... وكيف أرى عن جنة الخلد مرغبا حوت كل فتك اللحاظ ممنع ... بصفحة خديه المحاسن كتبا فما روضة غناء ذات جداول ... سعين بها كالصل يطلب مهربا علاها لتغر يد البلابل في الحمى ... شؤون تذود الهم إن شاء أو أبى وقد نسجت أيدي الربيع مطارفاً ... مدبجة والأفق أضحى مقطبا وقام خطيب الطير فوق منابر ... يقول انهضوا فالراح قد راق مشربا بأحسن مرآى من شمائله وقد ... تثنى فأزري بالرماح وأعجبا وشيخهم لم أنسه أدروى لنا ... أحادي الا أنها كلها هبا وليلة سعد ما سعدت بمثلها ... مدى الدهر في تلك المعاهد والربا أعانق للآمال قداً مهفهفاً ... والثم ثغر اللأماني أشنبا فذاك زمان كل عيش به رضى ... وكل نسيم هب من صبوتي صبا وكنت أرى أن الزمان مساعدي ... فشمت به برق الأماني خلبا فبينا تراني باسم الثغر ضاحكاً ... إذا بي أعض الراحتين تلهبا متى تجمع الأيام شملي بجلق ... وألقي بها عبد الغني المهذبا فتى فضله لو قابل الشمس راعها ... فتصفر أما خجلة أو تهيبا سليل الأولى سادوا علي ونباهة ... وعلماً وحلماً وافتخاراً ومنصبا إذا جال في بحث أتاك بمعجز ... وحل عويص المشكلات وأطنبا بفضل أبيه العالمون شواهد ... ولكن رأينا الأبن قد فضل الأبا هذا مأخوذ من قول بعضهم وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علت برسول الله عدنان عودا أخا الود مالي عن ودادك مذهب ... على أن قلبي لم يجد عنك مذهبا وقد علم الرحمن من أنا عبده ... بأن ودادي عن ودادك ما صبا وشخصك لا ينفك يسري به لنا ... خيال إذا آب الظلام تأوبا أقلني أقلني إنني بقصيدتي ... شكوت لترئى لا شدوت لتطربا ودم وابق في عز وأمن ممنعاً ... لدي غبطة ما أظهر الأفق كوكبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ثم ان الاستاذ كتب له الجواب من الوزن والقافية بقوله فؤاد لتلقاء الأحبة قد صبا ... يطارح بالأشواق من نحوهم صبا وجفن لفرط النوح جفت دموعه ... وقلب على نار البعاد تقلبا وصب محته البين حتى كأنه ... وقد برحت أيدي السقام به هبا سقى الله عهداً بالمسرة ماضياً ... وساعات أنس رقت فيهم مشربا زمان اجتماع الشمل حيث يد الهوى ... تناولنا كأس السرور محببا ودوح الأماني بالشبيبة مورق ... يرف ظلالاً حيث عيشي أخصبا أو يقات كنا نمتطي الليل أدهما ... إلى اللهو حتى نركب الصبح أشهبا وداعي الأسى والهم عنا بمعزل ... نحاول عنه للمسرة مهربا وقد رمقت عين الربيع ومعطف ... الحدائق يزهو كلما هبت الصبا وللطير في الأفنان صدحة وامق ... تذكر من يهوى فزاد تلهبا كأن امتداد النهر منساب أرقم ... تلقف من ظل الأراكة عقربا كأن غصون البان خطية القنا ... يصول بها جيش النسيم على الربا كان زهور الدوح فنج بعضها ... كواكب أفق طالعات وغيبا وقد بكر الساقي بكأس مدامة ... فحيا وداعي اللهو ينتظر النبا وطاف بها شمساً لها الخد مشرق ... إذا كان قد أمسى لها الفم مغربا وهذا المعنى كثير ومنه قول المتنبي يا صاحبي أمزجا كأس المدام لنا ... كيما يضئ لنا من أفقهاً الغسق راح إذا ما نديمي هم يشربها ... أخشى عليه من اللآلآء يحترق لو راح يحلف إن الشمس ما غربت ... في فيه كذبه في وجهه الشفق ومنه قول بعضهم أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... وبدا الساقي المحيي مشرقا فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا عودا عقار تفوق الورد في اللون والشذا ... كأن عليها فت كفك زرنبا كميت بها جبت الهموم كأنني ... تمطيتها قيد الأوابد سلهبا ينا ولنيها تارة من بنانه ... وفي فمه طوراً فارشب أطيبا ثملت فلم أدر بها أم لأنني ... أصخت لنظم اللوذعي تأدبا همام له في ذروة المجد رتبة ... ترى النجم منها لأبن غرباء أقربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وباع إذا مدت أقل بنانه ... تناول من أفق السموات كوكبا فصيح بليغ ساد إذ شاد للتقى ... مناراً به تقضي الهداية مأربا وأصبح في وجه الفضائل غرة ... جلت من دياجي المدلهمات غيهبا أقول وقد أهدى إلي رقائقاً ... بها طائراً لاذ كأرشب فشببا أروضة فضل جادها صيب الذكا ... فهش محياها نباتاً وأعشبا أم الخود زارتنا على غير موعد ... تبيح لنا ذاك الجمال المحجبا وقد سحبت ذيل الدلال ملاحة ... وأعرب باهي الوجه منها فأعربا أم الشمس من أفق المعالي تلألأت ... أم البدر وافى بالسحاب منقبا أم النسمة المعطار أهدت لنا شق ... روائح هاتيك الحدائق والربا أم البارق النجدي هاج وبعضه ... غرامي فلولا مدمعي كان خلبا لعمرك ما عقد الجمان تلدت ... به الغيد ما روض المسرة أخصبا وما بهجة الحسن المصون بناظر ... المشوق أسالت مدمع العين صيبا وما قاصرات الطرف نيطت خدودها ... على مثل هالات البدور وأهيبا بأعذب لفظاً من قواف قد اقتفت ... لنا أثر الكندي وابن طباطبا ورقت فراقت في خروق مسامعي ... وغنى بها شادي السرور فأطربا أتتنا بأبكار المعاني رقيقة ... وقد لبست ثوب البلاغة مذهبا فحرك مني لطفها كل ساكن ... وأوقد من جمر القريحة ما خبا اليك فخذ مني جواب ابن مسرع ... من الدهر لولا أن يعق لأطنبا خواطره شتى وعنك بباعه ... قصور وقد عزت أمانيه مطلبا بأي لسان أم بأي قريحة ... يجازيك شرقاً في القريض ومغربا دع العتب وأصفح عن زخارف فكرة ... إذا ما جواد النظم جال بها كبا ودم في سرور ما هفت نسمة الحمى ... وغيث على الأغصان ساجعة الربا وللمترجم مؤرخاً بناء قصر للأمير عمر الحرفوشي سنة سبع وسبعين وألف أرواق مجد تحته لك مقعد ... أم صرح سعد بالنجوم ممرد أم هذه نعم الأمير أباحها ... للواردين فطاب منها المورد نعم من الباري نرى أظهارها ... مما يؤكد شكرها ويؤيد عمر الأمير الندب من غمر الورى ... احسانه الصافي فكل يحمد ليث يريك البرق في يوم الوغى ... عضب يجرده وطرف أجرد من أسرة سادوا الورى بمكارم ... غرو آلاء لهم لا يخمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 أعني الحرافشة الكرام ومن لهم ... عز يذل له الأعز الأصيد يا أيها المولى الأمير ومن على ... آرائه عقد الخناصر تعقد قد كان هذا القصر قفراً خالياً ... وبه البناء حكاية تستبعد فجعلت منظره بهياً رائقاً ... وتركت فيه العندليب يغرد وإذا تأملت البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد فتهن قصراً شيدته هم ... تعلو على هام السماك وتصعد أبديت فيه للعيون بدائعاً ... في الحسن تصدر عن علاك وتورد ولذاك ثغر السعد قال مؤرخاً ... قصر زهى للأمير مشيد وقال في وصف عطار وعطار يفوح العطر منه ... كمسك ضاع في ثغر شنيب كأن الوجنة الحمراء منه ... منقطة بحبات القلوب وله في صدر كتاب ما انفك عن وده يوماً كما علم ... الرحمن من عبده ذاك الذي كتبا ولم يحل عن غرام صح منه كما ... لان يرى وجهك الميمون مرتقبا وللمترجم أيضاً ومن عجب أن العيون فواتر ... تقاد لها شم الأنوف وتخضع وأعجب من ذا إنني الليث يتقي ... سطاه وإني بالغزال مروع وأعجب من هذين عذب رضابه ... وبي ظمأ عن ورده كيف أصنع وأعجب من هذي العجائب كلها ... يباعدني والغير يدني ويمنع وقال من قصيدة أولها بابي أهيف كظبي غرير ... صال فينا بسيف لحظ شهير قده غصن بانة يتثنى ... فوق دعص من تحت بدر منير ألف الصد والنفار دلالاً ... ما عهدناه بالألوف النفور أسرتني ألحاظه النجل عمداً ... يا لثار المتيم المأسور أي ذنب جنيت في الحب حتى ... صرت في العاشقين دون نصير عاذلي تركك الملامة أحرى ... لو تحريت كنت فيه عذيري لو تراه وقد أدار عذاراً ... مثل وشي الطراز فوق الحرير لعلمت الغرام إن كنت خلواً ... وعذرت العميد عذر بصير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 ورشقت الزلال من ريق فيه ... رحت منه بسكرة المخمور زار في غفلة الرقيب فأحيى ... ميت هجر بسعيه المشكور أوضح الفرق واستكن بفرع ... فأرانا الصباح في الديجور بات سكري منه بكأس حديث ... طيب أنفاسه لها كالعبير ريقه العذب لي مدام ونقلي ... لثم خد بوجهه المستنير ثم وسدته اليمين وبتنا ... في نعيمي مسرة وحبور ليلة بالعفاف سربلها الده ... ر فكانت كغرة في الدهور بدرها رام أن ينم فارجع ... ناه منا بنفثة المصدور ونجوم السماء منظومة السم ... ط كنظم الجمان فوق النحور وسهيل يلوح طوراً فطوراً ... يتحامى كخائف مذعور والثريا قد آذنت بانقضاء ... الليل تومي بنا بكف مشير تشبيه الثريا كثير ومنه قول ابن سكرة الهاشمي ترى الثريا والغرب يجذبها ... والبدر يهوى والفجر ينفجر كف عروس لاحت خواتمها ... أو عقد در في الجو ينتثر ومثله قول أبي القاسم على جلباب وخلت الثريا كف عذراء طفلة ... مختمة بالدر منها الأنامل تخيلتها في الأفق طرة جعبة ... مكوكبة لم تعتلقها حمائل وقال ابن رشيق والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطاً كفه ليأخذ جاما وكانت وفاة المترجم في سنة عشر ومائة وألف في بعلبك وسيأتي ذكر محمد شمس الدين ويحيى ولديه رحمهم الله تعالى. عبد الرحمن بن جعفر عبد الرحمن بن جعفر الشافعي الشهير بالكردي نزيل دمشق العلامة العالم العامل الفاضل المحقق المدقق التقي الصالح الدين الزاهد الفالح الورع ولد بقرية من نواحي أرض روم بعد المائة وقرأ القرآن في قريته واشتغل بقراءة بعض المقدمات ثم رحل من قريته فاجتاز بحلب بعد الأربعين ومكث أياماً وسار إلى مصر وأخذ عن علمائها منهم العلامة الكبير الشيخ أحمد الملوي والشمس محمد السجيني وعليهما تخرج وبهما تكمل وأخذ عن بقية علمائها سائر العلوم كالشيخ الحفني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 البراوي والصعيدي وغيرهم ودخلها مرة ثانية واستقام إلى حدود ثلاث وخمسين ورحل إلى الحجاز مرة من مصر وثانية بعد أن استوطن دمشق في سنة ثمان وستين وأخذ عن علماء الحرمين وأجازه بالافتاء والتدريس واقراء العلوم منهم العلامة الشهير الامام الشيخ محمد حياه السندي ودخل دمشق في سنة ست وخمسين وحضر على المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني والفقيه الشيخ علي كزبر وكذلك العلامة الفاضل الشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق واقرأ الكثير ولزمه الطلاب وأفاد واستفاد وله تعليقة على لسان القوم وبعض تعليقات بالفقه وقطن بدمشق بالمدرسة السميساطية وكذلك في المدرسة الفلاقنسة وكان في ابتداء أمره لا يقبل من أحد شيأً وكان زاهداً أخبر بعض تلامذته إنه عرض عليه شيأً كثيراً من المال فلم يقبل وقال انظر من هو أحوج مني وكان إذا سمع ذكر الله يغط ويرتعد ثم يفيق ويقول جلت عظمة ربي وكان حافظاً للألسن العربية والتركية والفارسية والكردية وبالجملة فقد كان من العلماء الأعلام والمحققين العظام وكانت وفاته في سنة اثنين وسبعين ومائة وألف في دمشق ودفن بصالحيتها بسفح قاسيون وقد زاحم الستين رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الكردي عبد الرحمن بن حسن بن موسى الشافعي الكردي المولد الدمشقي المنشأ والوفاة تقدم ذكر والده في محلة الشيخ الصوفي العارف الصالح التقي النقي الفاضل كان من مشاهير المشايخ الصوفية بدمشق معتقداً عند الخاص والعام تحبه الناس وتكرمه مع أخلاق حسنة واستقامة مستحسنة وصلاح حال ممدوح وطبع محمود ولما توفي والده في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف وكان يقرئ فصوص الحكم للشيخ محيي الدين ابن العربي قدس سره ففي يوم وفاته اجتمع التلامذة وجاؤا بالمترجم وأجلسوه كان والده وكان لا يظن به أن يصير أهلاً للأقراء حتى إن أحد التلامذة ذهب لدرسه حتى ينظر كيف يقرر الدرس استهزاء بقدره لما كان عليه من عدم المعرفة بذلك فرآه يقرر ويقرئ مثل والده وأمسك في ذلك كراسة والده وابتدأ من المحل الذي وقف عليه والده وشرع في التقرير المقبول في ذلك واستمر يقرئ ذلك وغيره كالفتوحات وغيرها إلى أن مات مستقيماً على وتيرة واحدة مبجلاً بين العال والدون محترماً مكرماً ومعتقداً خصوصاً عند النساء فكان يردن عليه زمراً ويأخذن منه التمائم هن والرجال أيضاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وكان مستقيماً في مكان والده وهو المسجد الذي تجاه دار بني حمزة النقباء بدمشق في زقاق النحاسين بالقرب من باب الفراديس ثم في آخر أمره بنى له زاوية كانت معدة في الأصل لطبخ القهوة تجتمع بها الأسافل والرعاع من الناس وأهل الضلال والفجور والقمار وكانت لهم فأخرجها الله من الظلمات إلى النور وجاءت من أحسن الأبنية وهي في محلة العمارة بدمشق لصيق باب الفراديس واستقام الشيخ المترجم بها مدة قليلة وبالجملة فقد كان من صلحاء الناس والمشايخ المعتقدين وكان مرض وطال مرضه مقدار ستة أشهر وتوفي وكانت وفاته في ليلة السبت ثاني يوم من صفر سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بالزاوية المزبورة وقبره معروف رحمه الله تعالى ورثاه صاحبنا الكمال محمد بن محمد الشهير بابن الغزي بقصيدة بديعة مثبتة في ديوانه ومطلعها قوله خطب ألم وسوء الخطب قددهما ... وانهد ركن ذرى العلياء وانهدما عبد الرحمن الغزي عبد الرحمن بن زين العابدين المعروف كأسلافه بالغزي الشافعي الدمشقي الشيخ الامام الفقيه الفرضي النحوي الأديب زين الدين أبو الفضل ولد يوم الخميس سابع رجب سنة خمسين وألف ونشأ في كفالة والده فأقرأه القرأن العظيم وأحضره دروس عمه النجم واستجاز له منه واشتغل بطلب العلم بعد وفاة والده فقرأ في مبادئ العلوم على شيوخ عصره واشتغل بالفقه على الامام الحبر الشيخ محمد البطنيني وعلى الشيخ محمد العيثي وعلى الشيخ علي الكاملي ومن مقروآته شرح التحرير لشيخ الاسلام وشرح المنهج وشرح الزيد للرملي الكبير وشرح الغاية للشربيني وحضر دروس الشيخ عبد الباقي الحنبلي وأخذ عنه الفرائض والمصطلح وقرأ الفرائض على الشيخين الفرضيين منصور الصالحي ورجب الميداني وبرع في هذه الفنون الثلاثة وفي استحضار مسائلها ومواضع النقول منها وكان له حافظة قوية وذهن ثاقب وفكر صحيح وحفظ مختصرات في عدة فنون وقرأ أطرافاً من الكتب الستة على الشيخ محمد البطنيني المذكور وأجازه بالافتاء والتدريس فأفتى ودرس وقرأ المعاني والبيان على الشيخ محمد المحاسني الخطيب والنحو على العلامة المنلا محمود الكردي ولازم الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروسه بالجامع الأموي بين العشائين وصحب الولي الكبير السيد محمد العباسي الخلوتي وبرع في الفقه والفرائض والحساب وكان يحفظ من الشعر المتعلق بالمواعظ والحكم والتربية شيأً كثيراً وكان ديناً صالحاً عابداً كثيراً القيام بالليل والتهجد مشتغلاً بخويصة نفسه سليم الصدر لا يعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 المكر ولا الحسد يحسن إلى من يسئ إليه حسن الهيئة بشوش الوجه كثير التواضع طارح الكلفة قوي الثقة بالله تعالى صادق اللهجة ميمون النقيبة مقبلاً على مطالعة كتب العلم تاركاً لما لا يعنيه هيناً ليناً في دنياه شديداً في أمر دينه مؤثراً للعزلة والانجماع لا يجنح إلى الرياسة ولا يمتد اليها منه الأطماع وعاش في مدة عمره موسراً مرفهاً مسعود الحركات رغد العيش دائم السرور مع الديانة والصيانة والعفة وكثرة الصدقات وكان له شعر بليغ كان ينظمه في أوقات فراغه ترويحاً لخاطره فمنه قوله من قصيدة امتدح بها ابن خاله العلامة أحمد الصديقي لما ولي قضاء مكة سنة خمس عشرة ومائة وألف مطلعها لمن دمن بالرقمتين فحاجر ... محت رسمها أيدي الرياح الأعاصر أزلت بها دمعي وصنت سريرتي ... فأبدت دموعي ما حوته سرائري فلا تحسبن ما تسكب العين أدمعا ... ولكنها روحي جرت من محاجري ديار بها حزني ووجدي ولوعتي ... وشوقي وأشجاني وقلبي وخاطري ومنها في المديح له في ذرى العلياء أرفع رتبة ... توارثها عن كابر بعد كابر ومنها في الختام فلا زلت في عز يدوم ورفعة ... وتقليد انعام ونشر مآثر مدى الدهر ما فاه اليراع بمدحكم ... وغرد قمري بروض أزاهر وله غير ذلك توفي ليلة الجمعة ثاني عشر رمضان سنة ثمان عشرة ومائة وألف بعد أن أخذه الفواق نحو ساعتين من الليل وهو قاعد صحيح العقل يكثر من الشهادتين فتوفي قبل الفجر ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. السيد عبد الرحمن الكيلاني السيد عبد الرحمن بن عبد القادر بن إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي الكيلاني الحنفي الحموي القادري نزيل دمشق وأحد صدورها الأعلام السيد الشريف العالم الفاضل المدقق المحقق الأديب الماهر النبيه المتفوق الناظم الناثر البارع ولد بحماه في سنة ثلاثين ومائة وألف وقدم دمشق مع والده كما أسلفنا ذلك في ترجمته وقرأ على بعض الشيوخ كالشيخ أحمد المنيني والشيخ محمد الكردي نزيل دمشق والشيخ صالح الجينيني والشيخ حسن المصري نزيل دمشق والشيخ أحمد البهنسي الدمشقي وحصل الفضل والأدب وسافر إلى قسطنطينية وعاد بنقابة دمشق وتولاها غير مرة مع رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي ولما كان نقيباً قامت عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 رعاع الأشراف وهجموا على دراهم الكائنة بالقرب من باب القلعة وأرادوا ايقاع الضرر وتحريك الفتنة وكان ذلك باغراء بعض الأعيان ثم عزل في أثناء ذلك واستقام بداره منزوياً وتراكمت عليه الأمراض والعلل إلى أن مات ولم تطل مدته وكان جسوراً مقدماً مهاباً متكلماً ندباً محتشماً مع فضل تام وأدب وافر وأقرأ في داره بعض العلوم ودرس وبالجملة فهو أفضل من والده واخوته وكان بينه وبين والدي محبة وتودد وبينهما المطارحات الأدبية والنوارد العلمية وامتدح الوالد ببعض القصائد وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أديب مستوثق عري النبوة ومستنشق عرف الأبوة انتقى من جوهر الأدب انتقاه وارتقى منه ذرى عز مرتقاه وغاص في بحر اقتنائه وعرف وجه اعتنائه فصقلت مرآة أفكاره كما صقل النسيم صفحة النهر في أبكاره انتهى مقاله ومن شعره قوله من قصيدة امتدح بها جده الاستاذ سيدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله تعالى عنه. برق على الروم من أفق العراق سرى ... وهنا فلم تغتمض أجفاننا بكرى دعا القلوب لنار الوجد فاستبقت ... تسوق أشجانها تلقاءه رمرا وواصل الومض من حر الجوى شهب ... وبث في الأفق من أناته شررا وكاد يحرق أحشائي بلاعجها ... لولا سحائب دمع وبلها انهمرا تهمي اشتياقاً إلى دار السلام ثرى ... من أصبح الكون من أنفاسه عطرا قطب الجلالة محيي الدين من سطعت ... أنواره وجلت عزماته الغبرا الباز الأشهب عبد القادر الأسد ... الهصور من وجمت منه أسود شرى الهاشمي المنتمي من عنصر الحسن ... السبط الشريف الذي من ظهره ظهرا سلالة السيد المحض ابن فاطمة ... بنت الحسين الذي في كربلا صبرا سليل ذي الغار خير الصحب قاطبة ... من أم موسى أبيه الطيب السيرا فرع الأطائب أصحاب الكساء ومن ... للمستميح عباب بالهدى زخرا خير النبيين وأبناه وفاطمة ... والمرتضي رابع الأصحاب والأمرا هذا هو المحتد الوضاح والنسب ... الرفيع والعنصر السامي الذي بهرا هذا الفخار الذي صلصاله مزجت ... أجزاؤه بحياة الوحي واختمرا جرثومة من وشيج المصطفى نشأت ... وأطلعت للهدى في أفقها قمرا بدر تبلج للارشاد شارقه ... فلم يدع في سبيل الرشد معتكرا وقال مشطراً أبيات الطغرائي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 بالله يا ريح إن مكنت ثانية ... وقد فضضت ختاماً من شذا الزهر من أن تهبي بكافور ممسكة ... من صدغه فأقيمي فيه واستتري وراقبي غفلة منه لتنتهزي ... من وصله نهزة عزت على البشر وأثملي حبه رياً لتغتنمي ... لي فرصة فتعودي منه بالظفر وباكري عذب ورد من مقبله ... فيه الأقاحي وفيه ناصر الدرر كيما يصح عليل فيك مرشفه ... مقابل الطيب بين الطعم والخصر ولا تمسي عذاريه فتفتضحي ... فيما تنم عليك وجنة القمر وأخشين باللمس ما توشي غدائره ... بنفحة المسك بين الورد والصدر وإن قدرت على تشويش طرته ... فسرحي جعدها من نفحة السكر وإن ذكرت غراماً هاج كامنه ... فشوشيها ولا تبقي ولا تذري ثم اسلكي بين برديه على عجل ... كما سرى في فؤادي رقة الحور واستمنحي المسك من ذاك الغدير لنا ... واستبضعي الطيب وائتيني على قدر ونيهيني قبيل الصبح وانتفضى ... على مغاني نفح العنبر العطر وانعشيني وخصيني بأعطر ما ... علي والليل في وشك من السحر لعل نفحة طيب منك ثانية ... يكسو بها ها فؤادي أشرف الخبر والنفس تختال في جلباب نشأتها ... تقضي لبانة قلب عامراً لوطر وقال أيضاً مشطراً وأغيد ينميه إلى العرب لفظه ... وللروم وجه البدر لاح على الكرد رنا فرمى قلبي كليماً وكيف لا ... وناظره الفتاك يعزي إلى الهندي تجرعت كأس الصبر من رقبائه ... تجرع ظامي النفس صد عن الورد وحملت ما رضوي يدك لبعضه ... لساعة وصل منه أحلى من الشهد وهاونت أعماماً له وخؤولة ... خداعاً لصيد الظبي في أجمة الأسد فمالوا لسلمي إذ جنحت لسلمهم ... سوى واحد منهم غيور على الخد كنقطة مسك أودعت جلنارة ... والا كلحظ في السجنجل مسود فلله منها روضة أنف ذكت ... رأيت بها غرس البنفسج في الورد وله يقول أصحابي بي ليسلو خاطر ... عن الطارف المسلوب مني لك البشرى فإن المجاري قد تجف شراعها ... ولا بد من أوب المياه إلى المجرى فقلت أجل لكن لوقت طلوعها ... ترى شطها من ساكنيها غدا قفرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 فقالوا طلوع الشمس يتلو غروبها ... وإن عقيب العسر ينتظر اليسرا فقلت نعم لكن ربي قد قضى ... لكل مني وقتاً وقدره قدرا وبعد فظني بالآله بأنه ... سيحدث حقاً بعد ذلك لي أمرا ويمنح من ينتاب هامر جوده ... ركام سعود ودقه يكشف الضرا وله راداً على بيتي القسطلاني لعمرك ما طيب الأصول بنافع ... وليس يضر العكس إذ كنت ذا رشد كفى حجة عندي يزيد مخالفاً ... لأصل وفرع في التعاكس والطرد وبيتا القسطلاني هما قوله إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ... ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ... ليظهر صنع الله في العكس والطرد وللمترجم أنار أفلاك فضلي منك شمس هدى ... وغبت عني فلم أبصر سوى الحلك هب إنك الشمس في العرفان مشرقة ... فهل سمعت بهجر الشمس للفلك وقال في خيلان بوجه شنيع قد أطلع الشمس في أفق الجبين ضحى ... ومن سنا فرقه أبدى لنا قمرا فأدهش الزهر في الأفلاك إذ بزغت ... منه الأشعة تغشي كل من نظرا وإذ رأت فلك الأزرار في عطل ... اللبات مستنكفاً تقليده الدررا هوت لتنضيده حتى إذا اقتربت ... ولم يرعها لهيب النار مستعرا مدت لظاه شواظ النور فانتثرت ... خيلان حسن بمرآة الجمال ترى كانت دراري فلما جاوزت وهج ... الوجنات صارت له مسكاً زكا عطرا ومن نثره ما قاله وهو في الروم وكنت في منتدى أحد مداره الرؤساء وحوله من الأفاضل جلساء فسلكنا من الحديث لحباً وشعاباً وسردنا مزايا كل علم باباً باباً وأنا أسترسل إلى أن سرى به من نجد إلى غور وأرتاح إلى اقتطافه من يانع ونور حتى انتهى إلى علم الأدب ونسل للطعن في الشعر من كل حدب فقلت رويدك يا مولاي فإني أملأ لعقد الكرب في المعارضة دلاي فقال أما تقرأ ما في كتاب الله المكنون والشعراء يتبعهم الغاوون فقلت لعمرك إن الله استخزن القرآن فوادي وطالما أحرزت قصب السق في حلبة معانيه جيادي ولو بلغ السيد في تصفحه الثنيا لصرفه تضلعه إلى الرعيا وعلى مولاي النظر في دلائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 الاعجاز لعبد القاهر وفيما سرده في فخامة الشعر من البراهين الزواهر فإنها شمس الحق التي لم تترك للشبه غيهباً والجدد الذي من ظفر به لا يعدل به مذهباً فأورد نثراً مضمون هذه الأبيات الآتية فافندجت في معارضتها زنداً بنور التوفيق وأريه واندفعت أنقل عن الفحول ما يندحض به هذا الشك المنحول ورب الندى بحر فضل عجاج وسيح وأكف علمه ثجاج وهو طوراً يسر حسواً في أرتغا وتارة يستدل بما يخيل إنه الصواب به أبتغي حتى حصحص الحق عياناً وانقلبت عصاه ثعباناً وسطع نور الحق أبلج واستفل الباطل وهو لجلج فألقى إلى السيد الحبر باقليد التسليم بعد أن أثلج الصدر بتحقيقات تخالها ممزوجة بتسنيم فأحببت أن أعارض الأبيات التي أستدل بفحواها وبرهن على وهن معزاها بمناظرة دونها نظر المتردم ومطعن الناقد المترسم من أرباب الفطن السليمة وأصحاب النحيزة الكريمة وهذه الأبيات المستدل بها انظر إلى الشعراء أفنوا دهرهم ... في وصف كل حبيبة وحبيب ومضوا ولم يحظوا بوصل منهما ... بتأسف وتلهب ونحيب وحظى بوصل كل من وصفوا له ... فكأنهم قواد في الترغيب لكنما القواد تظفر بالعطا ... وهم بمقت الناس والتكذيب وهذا نص المعارضة يا من تعرض للقريض وأهله ... بزخارف البهتان غير مصيب هلا نهاك عن الهجا ما أودعت ... بانت سعاد وبدؤها بنسيب أرأيت كعباً قد رمي بقيادة ... بحلي سعاد ووصفها المحبوب لو كان حقاً ما ادعيت لصده ... المختار عن مدح وعن تشبيب ولما أجيز ببردة لو تشتري ... شريت بأغلى مهجة وقلوب وبشعر حسان الفصيح محجة ... تهدي الضلال مهايع التصويب وبقرض مولانا على رابع ... الأصحاب ردع عن هجنا مكذوب وأذكر لمقول لو مننت وربما ... للمصطفى وحنانه المرغوب وأذكر لأن من البيان وشعره ... حكماً وسحراً تلق دفع مريب ولكل مجتهد أمام قدر ووا ... شعراً صفا عن وصمة التكذيب ولقد روينا عن هضاب العلم و ... الأعلام أشعار راحلت كضريب فالبعض منها يحتوي حكماً زكت ... والبعض حاول رائق التشبيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وتغزل الشعراء في مستبهم ... ذاتاً كاسماً ليس بالمحجوب والشعر منه محرم نحو الذي ... أعجمت معربه يمين غيوب فليبك من عدم البلاغة نفسه ... بتفجع وتوجع ونحيب خذها معارضة بغر دلائل ... تروي خصوم البحتري وحبيب ما اسم المعارضة أقتضي شيأً وقد ... ذبت عن الاعراض ذب مصيب أطلعت شارقها بأفق فصاحة ... شمساً تسامت عن خنوس غروب وللأديب عبد الله الطرابلسي من هذا القبيل قوله خل بيني وبين نظم القريض ... إن فيه شفاء كل مريض فهو عوني لهجو كل لئيم ... وامتداح لذي النوال المفيض لي يراع يراع كل هزبر ... منه إذ فاق فتك سمر وبيض غرر تشبه العقود نظاماً ... أشرقت شمسها بأفق العروض وقواف تفوق حلي العذارى ... قد تحلت وما بها من غموض لعبت بالنهى كنفثة سحر ... ما لمن رام سبقها من نهوض من عذيري من فعل وقت مسئ ... عامل الحبر دائماً بالنقيض كل غمر مقامه في الثريا ... والأديب الأريب تحت الحضيض آفتي فطنني وكل غيي ... هو في عيشه بروض أريض وللمترجم مادحاً اسعد باشا ابن العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج مؤرخاً قدوم مولود له وذاكراً واقعته مع الجند بقوله تبسم ثغر السعد عن شنب النصر ... فضاء به أفق المسرة والبشر وأصبح روض الشرع في الشام ناضراً ... وقد كاد يذوي من ضرام ذوي الخسر وشمنا بروق العدل تلمع في الضحى ... أشعتها ترمي الخوارج بالقهر هم فتية عاثوا الديار وأفسدوا ... فليسوا يروا الأثمالى من الخمر فكم بنت خدر قد أماطوا لثامها ... وكان محياها خفياً عن الخدر وكم قد أراقوا من دماء تجاهراً ... وكم سلبوا ما لا يضيق عن الحصر وكم أشهروا في المصر عضباً ليلجئوا ... لطاعة ما ناموا عن النهى والأمر وكم قاتل عمداً ترتب قتله ... أجاروه من سيف الشريعة بالقسر وكم عطلوا الشرع الشريف بجورهم ... أسفاهاً وقالوا الحق بالبيض والسمر وكم تخذوا ليل الصيام لمنكر ... ولم تثنهم عن اثمهم ليلة القدر تراهم نشاوى بالمعازف والطلا ... عكوفاً على متن الشوارع للفجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وكم من فتى لا يعرف الصوم منهم ... يفاخر بالافطار في محفل الكثر وكم روجوا سوق الغسوق بقينة ... ولم ينج منهم ساكنوا المدن والبر وكم لهم فعل شهير اساءة ... فمن رام احصاء يمثله بالقطر وكم أنذروا ممن يحيق بهم غدا ... سيوف انتقام الله ذي البطش والقهر وكم قد أجابوا إن ساحة عزنا ... حمتها ليوث بالسريجية البتر وكم مدت الأيدي إلى الله من فتى ... باهلاكهم والليل منسدل الستر سقاهم شراب الحتف من سيف أسعد ... الوزير الكبير المخلص السر والجهر وروى سيوف العدل منهم وطالما ... تشكت وقال النصر يأتي مع الصبر ألم تعلمي إن الآله مراقب ... فيجزي ذوي الحسنى ويجزي ذوي القدر وغيرة شأني كل لحظ تحثني ... لما رمت لكن كل شيء على قدر ولما أراد الله ثل عروشهم ... وسخره ولانا الوزير لذا الأجر توشح بالحزم السديد وجاءهم ... بصوب عقاب للرقاب جزا الأصر وقام بعبء الحكم يحبي معالماً ... من الدين آلت للدروس وللدثر وحاق بهم من كل فج حسامه ... وصيرهم أشلاء مطعمة النسر وشن عليهم بأسه كل غارة ... ففروا حيارى للجبال وللوكر يزعم نجاة أرغم الله أنفهم ... ولم يعلموا إن لا مفر من الصقر وقد حلهم سقت من الله مهلك ... فمن فر من حد فللحد والقبر وهذا وزير الشام ليث غضنفر ... تسلوت لديه فتكة السهل والوعر وعما قليل يتبع الخلف من مضى ... ويصدقكم أخباره باهر الخير جزاك آله الخلق عن أهل جلق ... وكل بلاد الله مستعظم الأجر وله مشطراً أبيات ابن يزيد الزبيدي بقوله طلعت من الحمام تمسح وجهها ... من جوهر الأنداء تحت نقاب بمخضب نمت نوافح رشحه ... عن مثل ماء الورد بالعناب والماء يقطر من ذوائب شعرها ... الساجي كرشح من لجين مذاب وعقارب الأصداغ تهمل بالندى ... كالطل يسقط من جناح غراب فكأنما الشمس المنيرة في الضحى ... ما ضم منها معجز الجلباب بزغت تواري بالحجاب فقلت قد ... طلعت علينا من خلال سحاب وكتب إلى والدي حين كان هو بالروم قوله الجناب الذي انعقدت على أوحديته خناصر الاساتذة وطود الفضل الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 قصرت عن درك شأوه الجهابذة من طبق الآفاق بمحامده وأدب الفحول بقرى فضائل موائده وضم إلى جرثومة النسب الهاشمي سجايا الندى الحاتمي وإلى صفاء الحسب بهاء الظرف والأدب وإلى خيم المروة شهامة الفتوة وإلى علو الهمة الشامخة كرم المجادة الباذخة وقرن بين وجاهة المهابة وأنس التواضع والنجابة وأضاف حميد الأخلاق إلى طيب عنصر الأعراق حتى أغتدي الفضل عليه مقصوراً والكمال في صفاته محصوراً ونادت معاليه لطلاب الفضائل إذ أعياهم حجابها هلموا ألم تعلموا إن مدينة العلم على بابها ابقاء الله وصدر الكمال بقلائد فضله حالي وأفق العلى مستنير بمجده العالي ما هطلت السحابة وألقت أرواقها وأنبتت الأفنان أوراقها إن الجوارح مني كلهن فم عند الدعاء إذا ما قلت آميناً أهدي إليه تحيات لها عرف نسائم الروض إذ هبت ولطائم مسك أرين وتبت أو تسليمات ألطف من ماء الغمام وأرق من حباب ألحاظ المستهام وشوقاً لا شوق سعدي ولبنى ولا شوق صريع بني عامر وليلى وهو الشوق حتى يستوي القرب والبعاد ويستولي على الرقاد والتهويم السهاد فحبذا حديث نسيم اخلاء وحليف غرام أو داء اجلاء لعمرك إنه مهر عرائس الأرواح وتقدمة بشريات نفائس الأرواح لو تضمه جله ولا أقول كله صفحات الصحف وإني لي باصطباح كأس أنف على إنه وأن صار من بداهة الساعة وانتظم في أسلاك عفو اليراعة فأنى لي بافشاء أسرار الحبيب ووده ونشر مطوى مكنون عهده لا لا أبوح بحب بثنة إنها ... أخذت علي مواثقاً وعهودا كلا فذاك أمر ما إليه سبيل ... فديني في الحب كما قيل واياك واسم العامرية انني ... أغار عليها من فم المتكلم فلا جرم إن ذلك أوجب خزن الأسرار محافظة والعياذ بالله سبحانه من أن تزلف الألفة بابصار الأغيار والمرجو تنميق الطروس بتجير آثار صحتكم وارسال جواب ما حررناه لحضرتكم وقدمناه لديكم سابقاً والسلام وله من قصيدة مطلعها سل الحسن عما تحتويه شمائله ... فما الحسن الا ذاته ومخائله وما هو الأفاضح الشمس في الضحى ... وما البدر الا ما تزر غلائله وما حمرة الياقوت الا زكاة ما ... حوى خده الزاهي وزكاه عامله وما خاله الا رشيد بطيبه ... على حبه صبا أضلت قوافله وما البرق يحكي منه غير مباسم ... بها يهتدي الساري وهن دلائله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وما الدر في العقد الثمين مشابهاً ... نظام دراري القول إذ هو قائله وما صدغه لا الدجى وجبينه ... صباح مسرات سعود أصائله وما الكوكب الدري لالاء نوره ... بأبهى سنا من عنقه جل جاعله وما خصره الا نحول محبه ... وما ردفه الا الكثيب يماثله وما قده الا الأراك إذا انثنى ... ترنحه ريح الصبا وشمائله وما وصفه من مدنف بمفيده ... نوالاً كما هاج الحمام بلابله يقولون حاكي الريم والليث سطوة ... ولطفاً فقلنا بل تفوق فضائله فن أين للآرام لطف طباعه ... ومن أين للآساد ما هو فاعله وما فتك عضب من كمي على العدى ... بأعظم من لحظ لصب يجائله يفوق سهم اللحظ والريش جفنه ... فيجرح قلب الصب وهو يغازله فيا طيب وقت ضم شملاً يقربه ... إذا العيش عض والشباب أوائله ونور الربا قد كللته يد الندى ... وروض المنى قد نضرته خمائله وأغصانه تشكو الشمال مرنحاً ... ونرثي لشكواها عليها بلابله وقد نسجت أيدي النسيم وأبدعت ... دروعاً من الماء الزكي مناهله ومزق جيب السرد منها صوارم ... تضتها عليه ما تحوك جداوله وحيث الدجى والزهر تحكي لآلئاً ... على نطع فيروز وشته عوامله وحيث وميض البرق في طرة الدجى ... كآراء فتح الله فيما ينازله همام زكا أصلاً وفعلاً ومحتداً ... فربع المعالي الأشرفون قبائله هو البحر الا أنه من مكارم ... ولجته الاسعاف والجود ساحله منها فأقبلت المداح من كل جانب ... على انها لم تحص فيها فواضله وأنى يحيط الواصفون بوصفه ... وكيف بضبط القطر ينهل وابله فلا زال كهفاً للأنام وملجأ ... وأحبابه تعلو وينحط عاذله وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته في دمشق سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. عبد الرحمن بن عبدي عبد الرحمن بن خليل المعروف بعبدي الحنفي القسطنطيني رئيس الكتاب والدفتري بالدولة العثمانية المشهور أحد الرؤساء وأرباب المناصب المعتبرين ولد بقسطنطينية وبها نشأ وأخذ الخطوط عن الكاتب المشهور حسين الحنبلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وأتقن الخطوط والكتابة والانشاء بالتركية وانتمى لصدر الدولة الوزير إبراهيم باشا وصار من حفدته ولما قتل الوزير المذكور أتعبه الدهر أياماً ثم استخدمته الدولة في أمورها فتولى المناصب بها وصار تذكره جي أول للديوان السلطاني ثم ترقى وصار رئيس الكتاب ودفترياً ثم أعيد للرياسة واشتهر أمره بين الخاص والعام وكان يتظاهر في صيانة الدولة بسائر أموره وحركاته ويتجنب ما يدنسه واشتهر أمره في دولة السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد الثالث عليه الرحمة وترقى للمناصب العالية في أيامه وكانت وفاته في يوم الاثنين ثاني عشر صفر سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن في اسكدار وكان يوم وفاته في خدمة الوزير وشيخ الاسلام لكونه كان رئيس الكتاب إذ ذاك في دار السعادة السلطانية ومات بها فجأة في جنينة الأغا وحمل من دار السعادة المذكورة على العجلة لداره رحمه الله تعالى. عبد الرحمن المغربي عبد الرحمن بن عبد القادر المعروف بالمغربي الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه كان له يد طائلة في فقه مذهبه واستقام مفتياً في طرابلس الشام واللاذقية مقدار خمس وأربعين سنة وكان فقيراً ذو عائلة وسافر إلى اسلامبول دار الخلافة سبعة عشر مرة وفي المرة الأخرة صارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي الرومية من شيخ الاسلام مفتي السلطنة المولى محمد المعروف بشريف زاده وكان قبل ذلك له رتبة ايكنجي خارج وكانت عليه وظائف قليلة في بلدته منها نظارة البيمارستان في طرابلس وكانت وفاته في سنة احدى وتسعين ومائة وألف وأخوه الشيخ عبد الله كان فاضلاً اجتمعت به في اسلامبول لما كنت بها في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف وزارني ثمة بمنزلي ثم استقام بها ومات من السنة المرقومة ولم ينل امنية رحمهما الله تعالى. عبد الرحمن الأنصاري عبد الرحمن بن عبد الكريم الحنفي المدني الشهير بالأنصاري الشيخ الفاضل الكامل المفنن الأديب الماهر وجيه الدين مؤرخ المدينة في عصره ولد بالمدينة المنورة ثاني عشر رجب سنة أربع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء كالجمال عبد الله بن سالم البصري ومحمد أبي الطاهر بن إبراهيم الكوراني وأبي الطيب السندي ومحمد بن الطيب المغربي والشيخ سعيد سنبل وكان حافظاً متقناً خطيباً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 واماماً في المسجد النبوي وله تاريخ لطيف في أنساب أهل المدينة وخطب وشعر فمن شعره قوله وأرسله إلى علي أفندي الشرواني يستعير منه شرح الفقه الأكبر لعلي القاري يا أيها المولى الذي أوصافه ... كم أعجزت من كاتب مع قاري امنن علي بشرح فقه امامنا ... لسميك المنلا على القاري لا زلت في عيش رغيد دائماً ... أبداً وللعارفين نعم القاري فأجابه يا سيداً حاز المكارم والعلا ... وسمت مكارمه على الأقدار ل أشرقت آفاقنا من نير ... من فضل مولانا على القاري لسرى إلى أفلاككم مستكملاً ... لضيائه كالكوكب السيار لكنها قد عطلت أجيادها ... فغدت لخجلتها ورا الأستار فالعذر قد أبديته مستعفياً ... وخيارنا العافون للأعذار لا زلت في غر يدوم ورفعة ... ما غرد القمري في الأسحار وله غير ذلك من الأشعار والآثار الحسنة وكان آية باهرة في معرفة أنساب أهل المدينة وكانت وفاته في سابع عشر ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بالبقيع. عبد الرحمن البعلي عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد الحنبلي البعلي الدمشقي نزيل حلب الشيخ العالم الفاضل الصالح كان فقيهاً بارعاً بالعلوم خصوصاً في القراآت وغيرها ولد في ضحوة يوم الأحد الثاني عشر من جمادي الأولى سنة عشرة ومائة وألف ثم لما بلغ سن التمييز قرأ القرآن حتى ختمه على والده في مدة يسيرة ثم شرع في الاشتغال بطلب العلم في سنة عشرين فقرأ على الشيخ عواد الحنبلي النابلسي في بعض مقدمات النحو والفقه واشتغل عليه بالقراءة بعد ذلك نحواً من عشرين سنة وهو أول من أخذ عنه العلم ولما توفي والده في سنة اثنين وعشرين وكان فاضلاً ناسكاً عالماً لازم مع أخويه الشيخ أحمد المقدم ذكره والشيخ محمد دروس الامام الكبير أبي المواهب الحنبلي في الفقه والحديث نحو خمس سنين ودروس الاستاذ الشيخ عبد القادر التغلبي في الحديث والفقه والنحو والفرائض والحساب والأصول وغير ذلك مدة خمسة عشر سنة وأجازه اجازة عامة ثم لازم حفيده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 العلامة الشيخ محمد المواهبي نحو تسع سنين في الحديث والفقه أيضاً وأجازه وقرأ على الاستاذ الرباني الشيخ عبد الغني النابلسي كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر مع مشاركته لجدي والد والدي العالم المرشد السيد محمد المرادي وحضر دروسه في تفسير البيضاوي والفتوحات المكية وشرحه على ديوان ابن الفارض وفي الفقه والعربية وغير ذلك ولازمه نحو ثمان سنين وأجازه اجازة عامة بخطه وقرأ على الفاضل المسلك الشيخ محمد بن عيسى الكناني الخلوتي شيأً من النحو وشرحه على منفرجة الغزالي ورسالته المفردة في أربعين حديثاً مسندة وأخذ عليه طريق السادة الخلوتية ولقنه الذكر ولازمه نحو خمسة عشر سنة وأجازه ولازم دروس كثير من مشايخ عصره غير هؤلاء المذكورين منهم الامام الشيخ محمد الكاملي والعلامة الشيخ الياس الكردي والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ محمد الحبال والشيخ أحمد المنيني والشيخ علي كزبر وغيرهم وأخذ الفرائض والحساب عن الشيخ مصطفى النابلسي وحفظ القرآن على الحافظ المقري المتقن الشيخ إبراهيم الدمشقي ثم بعد أن ارتحل إلى الروم ودخل حلب وذلك في سنة أربع وأربعين أخذ عن جماعة من أجلالها وممن ورد اليها فسمع الحديث المسلسل بالأولية وأكثر صحيح الامام البخاري من المحدث العلامة الشيخ محمد عقيلة المكي وقرأ جملة من المنطق والأصول على الشيخ صالح البصري وطرفاً من الأصول أيضاً والتوحيد والنحو والمعاني والبيان على الشيخ محمد الحلبي المعروف بالزمار وحضر دروسه كثيراً في صحيح البخاري وأخذ العروض والاستعارات عن الفاضل الشيخ قاسم البكرجي وأشياخه كثيرون لا يحصون عدة وأعلى أسانيده في صحيح الامام البخاري روايته له عن الشيخ محمد الكناني عن المسند القدوة الرحلة الامام الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المتوفي بها في سنة احدى ومائة وألف بسنده وعن شيخه الشيخ عقيلة عن المحدث الكبير الشيخ حسن بن علي العجيمي المكي بسنده وفي كل من السندين بين صاحب الترجمة وبين الامام البخاري عشرة والامام البخاري حادي عشرهم وبالنسبة إلى ثلاثياته يكون بينه وبين صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أربعة عشر وهذا السند عال جداً ولا يوجد أعلى منه وقد أجازني بسائر مروياته عن مشايخه باجازة حافلة وأرسلها إلي من حلب وكان بحلب مستقيماً ساكناً فاضلاً وله أناس يبرونه قائمين بمعاشه وما يحتاج إليه واستقام بها إلى أن مات وكان ينظم الشعر وله ديوان فائق محتو على رقائق فمنه ما قاله مقتبساً أعبد الله وجاهد ... فإذا فرغت فانصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 والزم التقوى حلوصاً ... وإلى ربك فارغب ومن ذلك قول بعضهم أيها السائل قوماً ... مالهم في الخير مذهب اترك الناس جميعاً ... وإلى ربك فارغب أقول والاقتباس هو إتيان المتكلم في كلامه المنظوم أو المنثور بشيء من ألفاظ القرآن أو الحديث من غير تغيير كثير على وجه لا يكون فيه اشعار بأنه من القرآن أو الحديث وهو على ثلاثة أقسام الأول مقبول وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك والقسم الثاني مباح وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص والقسم الثالث الأقتباس المردود الغير مقبول وهو ما أدى إلى تشبيه بالله تعالى أو استخفاف بكلامه القديم ونعوذ بالله تعالى أو بالرسول عليه أنمى الصلاة وأسمى السلام أو بحديثه الشريف كقول عبد المحسن الصولي قلت وقد أوردني حبه ... موارداً ليس لها مصدر أفسدت دنياي ولا دين لي ... تفسده فاصدع بما تؤمر قال الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقد أقر أنه لا دين له فلا يعترض عليه حينئذ ومن ذلك قول القائل أوحى إلى عشاقه طرفه ... هيهات هيهات لما توعدون وردفه ينطق من خلفه ... لمثل ذا فليعمل العاملون وأما ما جاء في المقبول والمباح فكثير كقوله أعبد الله ودع عنك ... التواني بالهجود ومن الليل فسجه ... وأديار السجود وقول الآخر لا تكن ظالماً ولا ترض بالظلم ... وانكر بكل ما يستطاع يوم يأتي الحساب ما لظلوم ... من حميم ولا شفيع يطاع وللشيخ برهان الدين الباعوني قالوا الحميا شراب ... للأنس والبسط جاءت فقلت رداً عليهم ... بئس الشراب وساءت وللمعمار ما مصر الا منزل مستحسن ... فأستوطنوه مشرقاً ومغرباً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 هذا وإن كنتم على سفريه ... قتيموا منه صعيداً طيباً ولبعضهم حمامنا من ضيقتها تشتكي ... كأنها صدر وقد أحرجوه فهي لظى نزاعة للشوي ... وماؤها كالمهل يشوي الوجوه وللآخر خذ من الخبر الذي لا ... ح الذي منه تشاء ثم لا تنظر إلى ما ... سيقول السفهاء وفي اقتباس الحديث شيء كثير منه قول ابن عباد حيث قال قال لي إن رقيبي ... سئ الخلق فداره قلت دعني وجهك الجنة ... حفت بالمكاره وهو اقتباس من حديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وفي الاقتباس قرآناً وحديثاً شيء كثير فلا حاجة لذكر ذلك وأما الذي يتغير بيسير في اللفظ فقد جاء في كثير من كلام البلغاء منه قول بعضهم قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا وفي القرآن إنا لله وإنا إليه راجعون فتعبيره ظاهر ولا بأس به والصواب عندي التحرز عن التغيير خصوصاً في الآيات القرآنية انتهى ولصاحب الترجمة عاقداً الحديث حصل العلم فمن حصله ... نال غزا والغنى مع دين رغب المختار فيه قائلاً ... اطلبوا العلم ولو بالصين أقول والعقد هو غير الاقتباس وهو أن يأخذ المنثور من قرآن أو حديث أو حكمة أو غير ذلك بجملة لفظه أو بمعظمه فيزيد الناظم فيه أو بنقص ليدخل في وزن الشعر وحينئذ لا يكون على طريقة الاقتباس ومنه قول بعضهم أنلني بالذي استقرضت خطاً ... وأشهد معشراً قد شاهدوه فإن الله خلاق البرايا ... عنت لجلال هيبته الوجوه يقول إذا تداينتم بدين ... إلى أجل مسمى فاكتبوه وللقيرواني قال لنا جند ملاحاته ... لما بدا ما قالت النمل قوموا أدخلوا مسكنكم قبل أن ... تحطمكم أعينه النحل ولأبي العتاهية ما بال من أوله نطفة ... وجيفة آخره يفخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 عقد فيه قول علي رضي الله عنه ما لابن آدم والفخر وانما أوله نطفة وآخره جيفة وهو كثير فلا اطالة في التسطير ولصاحب الترجمة أطل صمتاً ولا تعجلبافتاء تفز فادريفكل العقل في صمت ونصل العلم لا أدري وله راثياً العلامة المولى السيد الشريف يوسف الحسيني الدمشقي مفتي حلب ونقيبها بقوله في جنة الفردوس حقاً أنزلا ... يوسف مفتي حلب مفضلا طوبى له طاب بها خلوده ... لا يبتغي عنها دواماً حولا وحل في روضات جنات علت ... نال بها كل مراد أملا يشرب من أنهارها حيث أشتهي ... ماء وخمر البنا وعسلا فيهن خيرات حسان قاصرا ... ت الطرف أتراب تحلت بالحلا وحوله الغلمان والولدان ... كاللؤلؤ مكنوناً ومنثوراً حلا قال برؤيا الوحي قولاً صادقاً ... أعطيت من غير حساب أملا وفزت بالرضوان والغفران لي ... فالحمد لله على ما خولا وانما نلت لذا بالذكر مع ... ختم حديث الأنبيا خير الملا يا قوم قوموا قانتين للعلي ... جنح الدياجي ترتقوا أوج العلا وبشروا صحبي وقولوا يوسف ... من بعد ذاك الخوف أمنا بدلا وهو بأعلى منزل تاريخه ... في الجنة الفردوس حقاً أنزلا وله غير ذلك وكانت وفاته بحلب سنة اثنين وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الرحمن السمهودي عبد الرحمن بن علي المدني الشهير بالسمهودي الشيخ الفاضل العالم الكامل السيد الشريف الأوحد المفنن البارع زين الدين ولد بالمدينة سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن أخيه السيد عمر وغيره كالجمال عبد الله بن سالم البصري تولى افتاء بالمدينة مدة وكان أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي لطيفاً حسن السيرة صافي السريرة لم تعهد عليه زلة في فتواه يعلوه نور العلم وهيبة التقوى اماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وكانت وفاته بالمدينة سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع وسيأتي ذكر ولده السيد علي رحمهم الله تعالى. عبد الرحمن السفرجلاني عبد الرحمن بن عمر بن إبراهيم المعروف بالسفرجلاني كأسلافه الشافعي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الدمشقي جدي والد والدتي صدر دمشق ورئيس علمائها كان من العلماء المحتشمين فقيهاً فاضلاً وقوراً كاملاً عاقلاً طاهراً ورعاً حائزاً للخصال الحميدة وأعطاه الله السعة الزائدة والثروة التامة مع العلم والفضل الغض ولد بدمشق وبها نشأ وتقدم ذكر والده في ترجمة قريبه إبراهيم السفرجلاني وقرأ على الأشياخ والأفاضل ولازمهم كالشيخ محمد الكاملي والسيد عبد الباقي المغيزلي والاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الحبال وبلغ من الجاه والعز والشأن والرفعة والسؤدد والاشتهار ما يعجز اللسان عن بيان ايضاحه وعلا صيته وذكره وملأ الشام فضله وجدواه وكان مقبول الشفاعة محترماً يكرم من نحاه ورجاه معظماً للعلماء مكرماً لهم له مبرات كثيرة وخيرات غزيرة تلوى عليه أولو الحوائج فيقضي مآربها ويمنح أولي الآمال مقاصدها وتصدر بدمشق مرجعاً في الأمور صدراً للصدور وكان يلازمه جماعة من العلماء كل منهم يأوي إليه وهو مهم بما يلزم له من سائر لوازمه كالشيخ عبد السلام الكاملي والشيخ إسماعيل العجلوني والشيخ عبد الله البصروي والشيخ حسن المصري والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد العجلوني وغيرهم وكان هو بحاثاً في العلوم لا يشتغل الا بذكرها رافضاً حوادث الدنيا دأبه مذاكرة العلم والمطالعة ومجالسه مشحونة بالمذاكرة العلمية والمسائل الأدبية وأعطاه الله القبول والاجلال ونال ثروة كثيرة ومالاً عظيماً ولما توفي كانت والدتي طفلة ابنة ثلاث سنين ولم يعقب غيرها فضبطوا مخلفاته وتركته اخوته وكان شيئاً كثيراً ولم يحصل لوالدتي من ذلك الا شيء نزر لا يذكر وجميع ما خلفه تقاسموه وأخذوه وهذه عادة الأقارب وكان المترجم ذهب مرة إلى الروم وإلى مصر وأخذ بها عن شيوخها أيضاً وحج إلى بيت الله الحرام وأعطى تولية وتدريس المدرسة الجقمقية والمدرسة الجوزية وكان معيد درسه العلامة الشيخ عبد الله البصروي الدمشقي وكان يقرئ في دارهم المعروفة بهم البيضاوي وغيره وألف حاشية علي البيضاوي وشرحا على حزب البحر وكان له تحريرات وأعطى تدريس السليمية بصالحية دمشق وكذلك أعطى رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي والمدرسين وبالجملة فقد كان خاتمة الأعيان الأجواد العلماء الذين أنجبتهم الأيام وفضله وعلمه لأنكر فيهما ولم يزل على حالته معظماً محترماً إلى أن مات وكانت وفاته يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادي الأولى سنة خمسين ومائة وألف عن نيف وستين سنة ودفن بترابة الباب الصغير وكانت جنازته حافلة لم يعهد مثلها رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الغزي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن زين العابدين ابن شيخ الاسلام البدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الغزي العامري الدمشقي الشافعي العالم الفاضل الأديب المفنن السيد الشريف أبو الوفا وجيه الدين وتقدم ذكر جده قريباً ولد في تاسع جمادي الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف ونشأ في حجر والده وجده لأمه الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليهما في فنون عديدة وأجاز له اجازات عديدة نظماً ونثراً وأخذ عن جماعة من علماء دمشق كالشمس محمد بن علي الكاملي والمنلا الياس ابن إبراهيم الكوراني وأبو التقي عبد القادر بن عمر التغلبي وعبد الرحمن بن حمزة الحسيني ونبل قدره واشتهر بالفضل والزكاء المفرط وعادت عليه بركات أنفاس جده الاستاذ المقدم ذكره فنظم ونثر وظهر فضله بين الأفاضل واشتهر فمن شعره قوله بديع حسن كبدر التم منظره ... والغصن يحسده إن ماس أو خطرا من رامه صار في البلوى على خطر ... لأنه حاز قدراً في البها خطرا وقوله الصفح من شيم الكرام فإن تجد ... من ليس يعفو عن مسئ إن جنى فهو الدليل على خساسة أصله ... فاصفح عن الجاني لتغد ومحسنا وكانت وفاته مطعوناً شهيداً يوم عيد الأضحى سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح عبد الرحمن البهلول عبد الرحمن بن محمد بن علي الشهير بالبهلول النحلاوي الشافعي الدمشقي الشيخ الأديب الشاعر اللغوي البارع اللوذعي النبيل النبيه الفائق بتواريخه وآدابه على أقرانه كان من الأدباء المشاهير يتعانى النظم وله فيه اليد الطولى خصوصاً فن التاريخ فإنه انفرد به في وقته مع معرفته بالعلوم خصوصاً باللغة والشعر والتاريخ والأدب قراء واشتغل على جماعة من شيوخ دمشق الأجلاء وقرأ وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وامتدحه بقصيدة وكان بالتاريخ أوحد وقته لكنه ممن رماه دهره بمصائبه حتى أخبرني بعض الأصحاب إنه حج لبيت الله الحرام ماشياً على قدميه ذهاباً وإياباً مستخدماً عند بعض الجمالين ولم يوجد له أحد يركبه أو يسعفه بشيء وهو لم يجد شيأً معه ليكتفي به عن غيره وكان يتردد إلى والدي والوالد كان يكرمه وبوده وله فيه المدائح الحسنة وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أحد شعراء دمشق وروضها الأريج النشق نشأ في الطلب فأدرك منه شمه وبيض في افتائه عارضاً ولو هو ينسج في المنوال ويحوك ويفحص بمقالته على يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ضحوك فلم تعن عليه الأيام ولم نزده على ما به منها غير الهيام فقنع بالعيش الكفاف وتقنع بفضل العفاف وجعل الأدب له دأباً فأدركته حرفته وأكثرت من تأفف المتضجر شفته واخترع من بديعه ما شيد بيته ولم يشنه من قادح لوه وليته فحاز الرتبة فيه وأجاد برصفه وتقفيه فكم له من غادة مقصوره على الاجادة والاستحسان مقصورة توشحت بكل تاريخ كعقد الجمان جدير بأن ينشد في حقه حلف الزمان تؤسي به جراح البطالة ويزري باد مع المزن الهطالة وسأقيم لك أقوم برهان وأثبته بما هو صيقل الفكر وأرهاف الأذهان فمن مطولاته المتقلدة بالتواريخ العجيبة التي دعا اليها القوافي فتبادرت اليها مجيبه قصيدته التي مدح بها صاحب الفيض القدسي العارف بالله تعالى عبد الغني النابلسي وصدرها بنثر وهو قوله متع الله الوجود بجناب جمال درة اكليل تاج المحققين وواسطة عقد المدققين وبهجة غرة عتيدة الواثقين من سما إلى سماء أسرار حقيقة حق اليقين انسان عين دوح البلاغة ومقليد البراعة من تتحلى بحسن وصفه الطروس وتحت شوقاً إلى طيب ذكراه البراعة من حل ذرى المجد وهو في بحبوحة الآداب وأوتي الحكمة وفصل الخطاب شمس أفضال ترقرقت من سماء المعارف وكعبة اجلال أشرقت بسناء العوارف من لي بكوكب عرفان وبدر وفا ... بسعده شرفاً قد جاوز الشرفا أكرم به من حبر على لطف شيمه انعقدت الخناصر وأذعنت لجلال قدره الأنام وأذعنت بأن هذا الشهاب الأوحد قد بزغ من أطيب العناصر فلا غرو أن يملك بيديه أزمة الفضائل والمفاخر فقد ساد بسؤدده الأوائل والأواخر كيف لا وهو منهج الأحكام الدينية ومورد العلوم اللدنية فتراه حيث أخذ يرتع في رياض أنسه وآدابه ويجلو عرائس أبكار أفكاره على أحبابه وطلابه أن يقل نثراً يخلب الأسماع بما يفحم به اليلمع العروف أو يقرض شعراً يسحر العقول بما يذعن لبلاغته كل معمع يهفوف إلى حسن محاضرة تأخذ بمجامع القلوب وطيب مطارحة تفصح عن كل مأمول ومطلوب نشر أردية علوم الحقيقة بعد طيها فدانت لأفانين علومه بلغاء العجم وفصحاء العرب باحياء كتب الامام الأكبر بحل طيها ولقد شرح الصدور وزحزح الكدور بشرح بديع خلعة سنية وضعها على منن الفصوص فيالها حلة غراء كللت بجواهر الأدلة القطعية والنصوص إن هو الأوحى بوحي منزل من فلك بوحي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 لله در همام جهبذ وطئت ... أقدامه سؤدداً هام السموات حباه مولاه ما شاءت مكانته ... وبالفتوحات قد حاز الفتوحات ولما لزم باب الافتقار والعبودية لمولاه الغنى نال بذلك الافتخار والمقام الأقدس السني سيدي ومولاي المشار إليه من جعل الله مقاليد الكمال والسيادة طوع يديه وبعد فقد تجاوز القاصر حده وتعداه بالهجوم على جناب ذي الفخر والجاه ولكن توقع الصفح الجميل حملتي على مدح هذا السيد الجليل بسجعات معتله ولفظات مختله وقصيدة هي وإن كانت عن منظومات فحول البلغاء بمعزل لكنها بمحاسن أوصافكم تفضل ذكرى حبيب ومنزل طابت بكم القريحة السليمة بابراز هذه الدرة اليتيمة فجاءت بحمد الله منقحة مهذبة عرباً تتباهى بكم وتفتخر عجباً وتسمو على كل ناظم شرقاً وغرباً فيا حسنها منظومة لم ينسج على منوالها ولم تسمح قريحة بمثالها قد افتر ثغر البلاغة عن حسن معانيها وانبش ماء الفصاحة بطلاوة مبانيها أي أجل الأنام عزاً ومجداً ... وسناء اليك بكراً سنيه من ذوات الخدور وافت تهنيك ... بعيد يا ذا الحلي القدسية ضمنت كلها تواريخ إن قد ... نضدت من جواهر معدنيه كل بيت منها بشير بتاريخين ... يا سامي الصفات الزكية عد أبياتها ثمانون بيتاً ... كنجوم وتسعة درية هاكها غادة ترف بها ... بنت فكر شامية عربية فأغمرنها بذيل عفو وصفح ... من تجلي أخلاقك المرضية قد افتتحت أوائل أبياتها بحروف أحاطت بها احاطة الوضح بكعب كعوب ومتى جمعت تلك الأحرف وركبت كلمات صارت بيتين كالفرقدين يترنم بهما كل طروب سيما وقد اشتمل كل بيت منهما على أربع تواريخ نضيرة كأنهن مصابيح منيرة وقد ختما باسمكم الشريف البهي البهج المنيف وهذان البيتان المشار اليهما فاسبل ثوب الستر عليهما وهما أهديك مدحاً بليغاً يا سني غدا ... بحر الفتوحات باهي الفضل والمنن ألفاظه كنجوم فهي تشرق ما ... بدا سنا بدرها أرخه عبد غني فحروف البيت الأول من هذين البيتين ثمانية وأربعون حرفاً كل حرف مبدأ بيت غزل من القصيدة مما راق وطاب وتقر بسماعه أعين أولي الافهام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 والألباب والبيت لثاني أحد وأربعون حرفاً كل حرف على افتتاح بيت مدح بأوصافكم السنية بما هو أرق من مساجلة ذوي الآداب وأطيب نفحاً من عرف الرضاب وأعذب من ارتشافه للمعشوق المصاب وأشهى إلى النفوس من اعتناق الأحباب مولاي دونك ألفاظاً بها سمحت ... قريحة من بقايا عرف عدنان حوت بذائع من فن البديع وقد ... دقت معاني عن قس وسحبان فاليكها عروساً أرق من نسمات السحر والسحر الحلال وألطف من صفاء الورد وصافي الزلال ليس مهرها الا الأعضاء وحسن القبول ولعمري إن هذا لهو غاية السؤل والمأمول ولم تكمل لها هذه الأوصاف الحسني الا بتضمنها مديحكم الأسنى وعذراً مولاي لقاصر عن درجة التمييز ونصراً لمن جعله أهل فنه أنكر من الحال والتمييز ولكن بعز جنابك غدوت أعرف من العلم وأشهر من نار على رأس علم ولا يعرف الفضل الا ذووه ولا يغتدي بلبانه الا بنوه وهذه هي القصيدة الميمونة الغرا المنتظمة في سلك قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحراً انتهى وهي قصيدة لم تسمح بها قريحة شاعر ولم تر مثلها مقلة ناظر احتوت على كل بيت بتاريخين ولولا خوف تحريف الكتاب لذكرتها برمتها لكن حذراً من تغير الأبيات بالألفاظ تتغير حساب الأعداد من التواريخ فيذهب رونقها والا فهي جديرة بأن تتوشح بها الأوراق وتنتظم بعقود فرائدها النظيمة العجيبة الاتساق ومن شعر المترجم قوله ممتدحاً ومهنياً والدي بقصيدة مطلعها هذا حمى الا من باليمن ازدهى أنقا ... من شام اتقانه الباهي به أنقا أركانه أحكمت للوافدين على ... وفق لسرور فأضحى نيراً طلقا وكيف لا وجمال الأنس يشرق من ... أرجائه فهو مأوى فرحة ولقا نقوشه تزدهي الرائي برونقها ... فتملأ الطرف حسن أذلها رمقا من أصفر فاقع مع أحمر بهج ... وأبيض بصفاء قد غدا يققا رقائق الحسن اتقاناً به جمعت ... مع ابتهاج يسر القلب والحدقا لا زال دهراً منيراً مشرقاً بسنا ... مشكاة أهل المعالي سؤدد أو تقي على شأن مرادي العلا شرفا ... من ساد شأواً رفيعاً جاوزاً لافقا قد اغتذى بلبان المكرمات إلى ... أن فاق أقرانه حيث اغتدى أفقا أكرم به ماجدا ماجد في أرب ... الا وأضحى به قضبانه حذقا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 له ضمير بفعل الخير متصل ... مثل الضمير بفعل ليس مفترقا شعاره الحلم خلقاً والعفاف واو ... صاف الفضائل والآداب مذ خلقا لا غرو فالأصل قد طابت عراقته ... يمناً وفي سلكه الفرع الزكي اتسقا قد أشرقت شرقاً شمس النبوة من ... تجارة الطهر بل نشر الهدى عبقا وله يمدح والدي أيضاً بقصيدة مهنيا حين عاد من الحج ومطلعها بروق نحو الحمى لاحت مرائبها ... بروق أوقاتنا والبشر تاليها وأصبحت جلق الفيحاء مشرقة ... مسرة والهنا قد عم أهليها حيث الهواتف وافت بالبشائر في ... قدوم من قد سما عزا وتوجيها أعني جناب كريم النسبتين تقي ... وسؤدداً وحلي رقت معانيها على جاه من ازدانت بطلعته ... مناصب الفخر وازدادت تهانيها خلاصة الشرف السامي بنسبته ... لحضرة المصطفى من ذا يضاهيها وكيف لا ومقاليد السيادة عن ... أبائه الأمجدين الغر موعيها واذكر نفائس آداب بنفحتها ... فيملأ القلب انسا حين يمليها ومن يكن بلبان الفضل مغتذياً ... عنه الكمالات في التحقيق نرويها دامت له دولة الأفراح باقية ... مع أهله الصيد لن يفنى تواليها قد نال من فضل مولاه مآربه ... وعينه بالمنى قرت مآقيها لا سيما حجة الاسلام حيث بها ... لله أخلص أعمالاً مؤديها وأشرف الغاية القصوى زيارة من ... أنواره عمت الدنيا وأهليها منها يا لواحداً فضله الأسنى وسؤدده ... مقرر مع مزايا ليس تحصيها أولاك مولاك ما تختاره أبدا ... من رتبة لم ترم يوماً مراقيها اليك عذراء من زهر الرياض غدت ... أرق وصفاً وأزكى من غواليها طالت مسافتها وعدا لذاك أتت ... تجر ذيل حياء في تهاديها وافت مهنية أعلى جنابك بل ... فيك ابتهاجاً وأفراحاً نهنيها بنيل حجة اسلام لك أكتبت ... مبرورة بالتقي طابت مساعيها فاحفل بها غب أغضاء وجد كرماً ... بالصفح والحلم عن تأخير منشيها إن لم يكن غير تجديد الهناء بها ... إلى علاك فهذا القدر يكفيها وله ممتدحاً أحد صدور الأعيان السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين عوده من الديار الرومية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 النصر زاه باتحاف السعود على ... جناب بهجة فتح الله أهل علا سامي الذرى صدر أرباب الرياسة من ... دانت لهيبته أهل الولا كملا أسعديه من همام ساد منزلة ... علياء عنها السهى أفديه قد نزلا أهلاً بها وليالي الأنس مشرقة ... بشراً بسعد محياه البديع حلا لقد تحلى باكليل الفضائل بل ... ومن جمال الكمالات اكتسى حللا ما مد في منتدى الآداب راحته ... الا وفضل من توقيعها جملا والسحب تروى الندى من سحب انمله ... الاثرى الفضل يهمي من يديه الا من لي بذي همة لو صادفت جبلاً ... يوماً إذا لا زالت ذلك الجبلا أكرم بأوحد لم يسمح بمثل جنا ... به الزمان فصف وأضرب به المثلا شهم تسنم مرقاه السيادة عن ... مجد أثيل بسعد جاوز الحملا قد اغتذى بلبان المكرمات ومن ... ضرع النجابة بالفضل ارتوى عللا لا زال كهفاً حصيناً في دمشق لأه ... ليها قميناً بأن يعطوا به الأملا عنت لدولته العلياء حيث له ... رعوا ليولوه اتحافاً وقد حصلا لحضرة القرب أدنوه فعاد إلى ... حماه مستبشراً بالعز مشتملا حدث عن البحر إذ أمواجه التطمت ... يفيض جود غدا عذباً لمن نهلا طوبى لمن بالوفا وافاه عن ثقة ... فيه بساحل أمن منه قد نزلا منها يا أيها السيد المفضال شاؤك لن ... ينال إذ أنت في الأمجاد شمس علا أعزك الله من مولى بطلعته ... وجه المعالي ازدهى وازدان واكتملا أنت المظفر والمنصور دمت ... مؤيداً ومأمون آراء رشيد ولا ودمت تسحب أذيال المسرة في ... روض التهاني بنعماء نمت خولا وللمترجم قوله الا يا أجل الخلق مرحمة ويا ... أتم الورى حسناً وأعظمهم صله ويا من عليه الحق بالحق أنزل ... الكتاب ومن فيض الكمالات أنهله ويا من تلوذ الكائنات بجاهه ... لكشف ملمات وايضاح مشكله اليك نصصت الأمر إذ أنت لأمراً ... جدير بتيسير الأمور المسهله أقلني مما فيه أمسيت واهناً ... ونفسي بقيد الكرب أمست مكبله وعجل بكشف الضر عمن بك النجا ... لأن الضنا قد هاض ظهري وأثقله فانك عند الجود يا خير مرسل ... لأسرع من ريح الصبا وهي مرسله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 عليك أفاض الله أسنى تحية ... وأزكى صلاة بالسلام مكمله وآلك والأصحاب ما رام قاصد ... حماك لأمر ما فحققت مأمله وله مشطراً أبيات المنازي بقوله وقانا لفحة الرمضاء واد ... بنيرب جلق دار النعيم به كم ضمنا مصطاف أنس ... سقاه مضاعف الغيث العميم نزلنا دوحه فحنا علينا ... ونحن لديه في ظل كريم لنا ابتسمت رباه وقد حبانا ... حنو المرضعات على الفطيم يصد الشمس إني واجهتنا ... فلم نرها كاصحاب الرقيم تحف مع الصبا فينا صباحاً ... فيحجبها ويأذن للنسيم وأرشفنا على ظمأ زلالا ... يشف سناه عن برء السقيم مذاقته زكت نهلاً وعلا ... ألذ من المدامة للنديم يروع حصاه حالية العذارى ... إذا رمقت إليه بطرف ريم توهم فيه در الجيد نثراً ... فتلمس جانب العقد النظيم وله مخمساً يا ويح قلب بنار الشوق متقد ... لم يبق فيه الهوى العذري من جلد وغادة تزدري الأغصان في اليد ... هيفاء لو وطئت في جفن ذي رمد كسقط طل على الزهر الرياض هما مهاة لحظ لأنواع اليها جمعت ... باللطف والظرف بين الغيد قد برعت شمس الجمال ببرج الحسن قد لمعت ... هي الغزالة لو في القلب قد طلعت لما استحس لها من وطئها الما لمياء دقت خصالاً من لطافتها ... أواه لو رمقت نحوي برأفتها ندى المحاسن يهمي من ترأفتها ... خفيفة الروح لو شاءت بخفتها تقفو النسيم لعافت نحوه شيما فضية اللون ما أبهى وأظرفها ... شفاهها اللعس ما أحلى مراشفها أعيت محاسنها الغراء وأصفها ... رخيمة الدل لو ألوت معاطفها رقصاً على الماء ما ندى لها قدما وله مخمساً أيضاً أفعال ربك في الدنيا محيرة ... عن كل اعجوبة في الكون مسفرة فلا نسؤك أوقات مكدرة ... ففي مطاولة الأيام تبصرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 فيها البلاغ لمن يصغي فيعتبر سر المشيئة في الأكوان محتكم ... يجر على طبق ما في العلم مرتقم لا يدر ما الأمر لا لوح ولا قلم ... ولاحق في كل مقضي له حكم وفي مطايا الليالي للورى عبر وله ظنوا العذار بخد ميمون الحلي ... نبتاً على وجناته قد بانا لكن عنبر خاله مذفت في ... جمر الخدود بها آثار دخانا ومن ذلك قول الشيخ محمد الشمعة كأنما شعرات الخال حين بدت ... من فوق وجنة من للشمس قد كسفا دخان قطعة ند فوق جمر غضا ... وثغره العذب للملسوع فيه شفا وقول الأديب محمد بن عمر العرضي الحلبي على وجناته خال عليه ... تبدت شعرة زادته لطفا كقطعة عنبر من فوق نار ... بدا منها دخان طاب عرفا ومن ذلك قول المولى فضل الله العمادي الدمشقي من أبيات كأنما شعرة في خال وجنته ... دخان قطعة ند تحتها نار ومثله للسيد أبي بكر ابن النقيب الحلبي في خده القاني المضرج شامة ... قد زيد بالشعرات باهر شأنها كلهيب جمر تحت قطعة عنبر ... قد أوقدت فبدا زكي دخانها ولأبن سيناء الملك فيما يشبه هذا التشبيه وإن لم يكن منه وهو قوله سمراء قد أزرت بكل أسمر ... بلونها ولينها وقدها أنفاسها دخان ند خالها ... وريقها من ماء ورد خدها ومما رأيته في هذا المعنى قول ابن الشواء قالوا حبيبك قد تضوع نشره ... حتى غدا منه الفضاء معطرا فأجبتهم والخال يعلو خده ... أوما ترون النار تحرق عنبرا وللمترجم وفي الناس ذو وجهين بل لوجه وذو ... لسانين بالتحريش بل ألسن ألف وعذراً فقد جبت البلاد لكي أرى ... صديقاً صدوقاً في الوفاء فلم ألف وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 عبد الرحمن ابن شاشة عبد الرحمن بن محمد الذهبي المعروف بابن شاشه الدمشقي نزيل الحرمين الشيخ الفاضل الكامل ترجمه الشيخ سعيد السمان وقال في وصفه أديب تردي من الكمال البرد المفوف وجاب البلاد لاقتناء مخبآته وطوف فلم شعثه المنبث ووصل سببه المجتث وأراد أن يرشف من بحره فكرع وافترع من عون شوارده ما افترع وتنقل من وطن إلى وطن إلى أن تجاوز صنعا وعدن الا أنه ما استقر حتى أذعن إلى الأوبة بالانقياد واستقر فأم أم القرى وقال عند الصباح يحمد القوم السري فمكث مدة طويله وهو يكثر على تربة مولده نحيبه وعويله فأعمل الرواحل وطوى المراحل فأدرك المأمول وحط ثقل الحمول وقد رأيت له مجموعة تنبئ عن حيثيته عارض بها الأمين في نفحته وأراد أن ينهض فكبا وأتعب كاهلاً ومنكباً وأعانه ولا أقول أشابة بل عصابه وقدموه على أمر سد دونه باب الاصابة فحاول ما أراد أن يحاول وأين الثريا من يد المتناول فما كل رام مصيب ولا كل روض خصيب وشتان بين حلة مطرزة واخرى مرقعة مخرزة وبالجملة فله اطلاع ملأ منه الجوانح والأضلاع وله نظم أطلعت منه في مجموعته على القليل كالروض المطير البليل وهاك منه ما يساغ وما هو كالذهب المصاغ انتهى ما قاله ومن شعره ما كتبه للأديب عبد الحي الخال الدمشقي من مكة المشرفة بقوله من قصيدة مطلعها الا مبلغ عني الأحبة من نجد ... بأني على ما يعهدون من العهد أبيت لفقدي من أحب متيما ... يزيد بي الأعراض وداً على ود أنهنه دمعاً من عيون أظنها ... مذاب عصى القلب يجري على خدي أسائر نجم الليل سهداً كأنني ... واياه ذا فقد تقابل بالبعد كأن الدجى بحر من الفكر دائماً ... أغوص به فالدر من موجه أبدي كان الفلا أفق مواقيد نارها ... شموس أنارها من سماها على الوفد كان مديد الأرض والركب فوقه ... سفين بلا جزر تسير ولا مد كان المطايا فوق أظهرها لها ... قباب من الآمال شوقاً بها تفدي كان الزمام الشوق منها لها غدا ... يقود فلا تدري الحداة بما تحدي كان شدا الغلمان عند انقيادها ... لها صوت من تهوي يقول لها عندي كان انثنا أيدي المطي ورفعها ... قدوداً لغواني الراقصات من الوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 كان حصى البيداء أحشاء مغرم ... فلم تستطع وطئاً عليها من الوقد كان هلال الأفق قابل حاجباً ... لطاعن سن قد أباد على العهد كان ابن سبع والثمانون جبن من ... أناب اقتطاف الخد منه على الورد كان الدجى والبدر لو أنه بدا ... محيا كحيل الطرف في حالك البرد كان اغبرار الأفق ألفاظ كاشح ... تغير منه ناصع الجيد والخد كان انسياب الزهر من حوله غدت ... فرائد در قد تناثر من عقد كان ائتلاف الفرقدين محاكياً ... تلازم من أهواه عني إلى الصد كان بنى نعش أما نبي التي ... تنازعها أيدي التبدد والرد كان سنا المريخ وجنة صادق ... يخيل إني لاح في أعين الرمد كان سهيلاً قلب وغد لقد أتى ... يبشرني بالسير ليلاً معي وحدي كان السها مرآة في حندس الدجى ... تلوح ولا تبد ولكاذبة الوعد كان الثريا شكل سعد لطالع ... لذلك غابت عندما هم بالقصد كأني والشعراء في يوم فرقة ... لسابق علم ليس يدرك بالحد كأني أرى الجوزاء شمل حواسدي ... وخادمها سعد السعود كما العبد كأني وايم الله كالنسر واقع ... بطود امتناع من محمد أو عبدي كطائر من أهوى باشراك خيلهم ... يرفرف بالمنتوف ريشاً وبالرعد فواعجباً مني أباع بدرهم ... وعندي من الآداب ما ناف عن نقدي ويجهل مني العذر من شأنه غدا ... يرتب أرباب الفضائل بالعد أخو الفضل والتأليف والود والوفا ... وجامع شمل المجد سيدنا عبدي سليل على ذي الأيادي ومن له ... رفيع فخار قد تسلسل عن جد وذو ثروة منهم بدا خير فاضل ... يقوم مقام الجيش فضلاً عن الجند له قلم إن جال في طرس حلبة ... من النظم قلت الجمع في صورة الفرد له قلم إن جال في طرس حلبة ... من النظم قلت الجمع في صورة الفرد وإن خال في سبك المعاني خياله ... هو الخال لا خال يخال بلا خد حكى لفظه الدر النضيد صناعة ... ولطف طباع منه صافية الورد تخيرته من بين قومي وإن أكن ... لقصدي منه لست أظفر بالقصد ولكنما فرط المحبة ملجأ ... مكاتبتي والضد يعرف بالضد وكتب أيضاً إلى الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي قصيدة يمدحه بها ومطلعها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 أبدا لذاتك دائماً أتشوق ... فعلام برق لقاك لا يتألق وإلى م لا تدني بعيداً ماله ... بسوى حبال الود منك تعلق علقت بحبك منه روح قبل أن ... يبدو لها في ذا الوجود تخلق وصبت لمعناك البديع فلم تزل ... بجميل ذكرك في العوالم تنطق عجباً لها والطرف منها معرف ... عن حسنها وإلى جمالك ترمق هل أفهمت سر المحبة أم لها ... علم بأن سواك من لا يعشق أو أودعت معنى تمكن في الحشا ... فلها به بعد الخفاء تحقق إذ ذاك تطرب إن شدت ورق الربا ... شوقاً لما تبدى جوى وتصفق أم لاشتياق موهم منك اللقا ... أذلات حين الوعد منك يصدق يا أيها الفتان لا ذقت الهوى ... ثوب افتتاني فيك لا يتمزق أترع كؤوس الهجر صرفاً واسقني ... كأساً فكأساً انني لا أفرق حمل فؤادي من متاعبك التي ... ما لا تطيق لحملهن الأينق وأفتك بلحظك في جوانحي التي ... بسوى التهتك فيه لا تنخلق واطعن بلدن قوامك الرطب الذي ... بسوى اجتناء دم الورى لا يورق ما شئت ممن ليس يعرف ما الهوى ... الا بحبك لا كمن يتعشق اني الصبور على مكايدة الهوى ... وعزيز دمعي فيه لا يترقرق اني امرؤ ممن يقال بشأنه ... بين الوصال وصده لا يفرق هذي وحقك حالتي إن شئت جد ... أولا فواصل انني بك موثق مثل اعتمادي في معادي بالذي ... بولائه دون الورى أنا موثق الكامل الحبر الالهي الذي ... بسواه نهج الحق لا يتحقق صور الكمال به غدت مجلوة ... وعليه إن حققتها تتعبق المستضئ بنوره في طمسه ... من لم يظن الفرق فيه يخلق تجري جداول فيضه في طرسه ... إن راح للمعنى البديع ينمق أورام أن يبدي الكمال بصورة ... الامكان يبدو الابتداع المطلق لا يستحيل عليه شيء منحة ... فالأمر فيه ظاهر ومحقق وإليه يرجع كل معنى إن بدا ... بتخالف في المشربين يوفق سعياً عفاة الهدى نوراً قبل أن ... بكؤوس أفراح الندامة تشرقوا واستقبسوا من نور حضرة قدسه ... قلباً به دين الجهالة يحرق واستنطقوا من رمز عقد كلامه ... سراً لولا من قبل أن لا تنطقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 واستغنموا أوقاته فهي التي ... لذرى المعارف سلم فيه ارتقوا واستنبؤا عنه المعالي إن بدت ... بفرائد من نظمه تتمنطق هذي هي الحور الحسان تبرجت ... يقتادها حب له وتشوق منه به ظهرت له إن شئتموا ... قولوا بوحدة ذاته أو فرقوا تالله ما روض الأماني أصبحت ... أغصانه بثمارها تتقرطق والزهر قد نشر الربيع به ردا ... عرف المنى من نوره يتنشق والطل يرشح من جنى وروده ... ورقيق كأس شقيقه يتشقق والنرجس الغض المشير بطرفه ... ما آن بالأرواح أن تتصدقوا هذا زمان اللهو قبل أوانه ... لا تغفلوا عنه ولا تتعوقوا إن البنفسج ليس يترك ما بنا ... من حمقه فهو العدو الأزرق والماء يغضب غيرة فيمر في ... أطراف شقة زهره ويشقق والورق تعرب في تفنن لحنها ... بترنم طوراً وطوراً تصعق مع فتية شربوا كؤوس صبابة ... مملوءة من قبل أن لا يخلقوا من كل مفتون لعشقة شادن ... يسقيك راح العشق منه المنطق دووجنة صقلت حيا فكأنها ... كأس بخمرة ريقه تتدفق ذو صورة تكفيك منها نظرة ... عن أن ترى وجهاً سواه يعشق تندي خدود الروض من حجل ومن ... حمق شقائقه جوى تتشقق أنى تبدي في حنادس فرعه ... بدر له الأقمار طوعاً تطرق وبحار كل في محاسن وصفه ... معنى له قلب البلاغة يخفق عنه بأحسن من سماع حديث من ... برحابه سوق الفضائل ينفق مولى الوجود ومن به وبذاته ... وبوصفه ظهر الكمال المطلق وله وجاهل يقدح في ... عرضي وليس يفهم بأن ذمي مدحة ... لكونه لا يعلم وهو قول العلامة النجم الغزي يا أيها الحاسد لو تفهم ... إنك تطريني ولا تعلم تذكر وصفي وترى أنه ... ذم ومنه مدحتي تفهم ولأبن الوردي سبحان من سخر لي حاسدي ... يحدث لي في غيبتي ذكرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 لا أكره الغيبة من حاسد ... يفيدني الشهرة والأجرا ومثله لأبي حيان عداتي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتست المعاليا وقريب منه قول المتنبي وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل ومدح الحسد ورد في كلام الشعراء كثيراً منه قول بعضهم فلا خلاك الله من حاسد ... فإن خير الناس من يحسد وقول الآخر ولكن على الآلاء كثر حواسدي ... ولا خير في نعمي قليل حسودها وللمترجم قوله إن احتجاب جماله متعذر ... إذ عم كل الكون نور سنائه لكن تواري غيرة أن لا يرى ... من لم يذق للعشق من قتلائه هو من قول الفاضل إبراهيم بن عبد الرحمن السؤالاتي في أزرق الملبوس مر معذبي ... متمائلاً كالغصن في خيلائه ورقي دخان التبغ غشى وجهه ... من فيه مثل الغيم يوم شتائه وكأنه لما بدا من شرقه ... بدر تبدي في أديم سمائه ستر الجمال عن العيون مخافة ... أن لا تكون الناس من قتلائه وللمترجم وجائر الحكم أمسى ... يقول والقلب حائر قصدي أهاجر صفني ... فقلت يا حب هاجر هو من قول القطب الرباني عبد الغني النابلسي وأهيف القد وافى ... يقول والشوق وافر قصدي أسافر صفني ... فقلت يا بدر سافر ومن شعر المترجم في العذار قوله حاش لله ليس ذاك عذارا ... انما الوهم قد أراك اعتذارا بل معاني تلقى لنا كسطور ... قد أبانت عن الهوى أسرارا أشباكاً صنع الآله براها ... كي تصيد العقول والأفكارا أو خيالاً سرى برائق خد ... أوهمته خمر اللمى أسكارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 أو صحافاً من اللجين توشت ... آي حسن لذي الغرام عذارا ومثله قول الأديب الماهر الأمير منجك الدمشقي لقد كتبت يد الرحمن سطراً ... بصدغك ظنه الواشي عذارا ومن شعر المترجم في النحول قوله ولو أنني ألقيت في رأس شعرة ... من الجفن لم تشعر بي العين من سقم لذلك لو مازجت بالجسم نقطة ... من الخط ما امتازت عن الخط في الحجم ولو رام فرض الجسم مني توهما ... أخو فكرة أعياه ذلك بالوهم وللشعراء في النحول مبالغات منها قول ابن العميد لو أن ما أبقيت من جسمي قذا ... في العين لم يمنع من الأعضاء وقول بعضهم ولو أنني علقت في رجل نملة ... لسارت ولم تدري بأني تعلقت ولو نمت في عين البعوض معارضاً ... لما علمت في أي زاوية بت وقول الأديب سعيد السمان بادرتني من النوى مدح ... أحرمتني لذائذ الأنس وبراني ولا أقول ضني ... غير أني خفيت عن نفسي فانظرن حالتي ترى عجباً ... خارجاً عن اطاقة الأنس وللمترجم وخصر خفي لا يكاد إذا مشى ... يلوح لموج قد علا رد فيه كأن النجوم الزهر أود عن حبه ... وخافت بأن يبدو فدرن عليه ومن ذلك قول الأديب محمد بن علي الحرفوشي له خصر بألحاظ ... الورى ما زال منتطقاً ومن ذلك قول المتنبي وخصر تثبت الأحداق فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا وقول السرى أحاطت عيون العاشقين بخصره ... فهن له دون النطاق نطاق وأصله لعلي بن يحيى من أبيات يغني بها وهي وجه كان البدر ليلة تمه ... منه استعار النور والاشراقا وأرى عليه حديقة أضحى لها ... حدقي وأحداق الأنام نطاقا ونقله الشهاب الخفاجي إلى العذار مضمناً مصراع بيتي المتنبي وأجاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 عذار خط في الوجنات خطا ... هوى كل الأنام به وفاقا ترى الأبصار شاخصة إليه ... وماء الحسن في خديه راقا تصورت العيون به فأمسى ... كأن عليه من حدق نطاقا ولم أدر في أي سنة كانت وفاته غير أنه في سنة ألف ومائة وإحدى عشرة كان موجوداً رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الكفرسوسي عبد الرحمن بن محمد بن حجازي الشافعي البقاعي ثم الكفر موسى ثم الدمشقي العلامة العالم الفاضل الفقيه المحقق المتقن أصله من البقاع وقدم والده قرية كفرسوسياً ثم صار اماماً بجامع منجك الكائن في ميدان الحصى بدمشق وسكن المترجم مدرسة الجد العارف الاستاذ الشيخ مراد المعروفة بالمرادية مدة أعوام مشتغلاً بالطلب ولازم القراءة فقرأ على العلامة الشيخ محمد الحبال وانتفع به وكذلك لازم العالم الورع الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق ومن مشايخه العالم الشيخ عبد القادر الحنبلي التغلبي وغيرهم وتنبل وتفوق ودرس بالجامع الأموي وكان قاطناً في دار بمدرسة الصادرية الضيق الجامع المزبور من باب البريد وارتحل إلى اسلامبول واستقام هناك مدة وآخراً صارت له افتاء الشافعية بدمشق ولما توفي الفقيه العالم المحدث الشيخ أحمد المنيني الدمشقي وانحل بوفاته تدريس قبة النسر بالجامع الأموي أراد المترجم أخذ التدريس وعالج كثيراً فلم يفد ووجه بمساعدة والي دمشق الوزير الشهير عبد الله باشا المعروف بالشتجي إلى العلامة الفاضل الشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق وكان صاحب الترجمة لا يخلو من حماقة ودعوى ويتخاصم مع العلماء في المسائل وبالجملة ففضله لا ينكر وكانت وفاته في جمادي الثانية سنة تسع وسبعين ومائة وألف عن نحو سبعين سنة ودفن في تربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد الرحمن البيري عبد الرحمن بن محمد المعروف بالبيري البيروني الحلبي الأديب البارع كان دمث الأخلاق طيب الأعراق له أدبية غضة وسجية خضلة وأخوه الأديب الذي أنجبته الشهبا وتفوق فضلاً وأدبا مصطفى البيري ستأتي ترجمته في محلها وهذا خرج من حلب سنة أربعين ومائة وألف لضيق أحواله فلحق بالقارظين ولم يلق غير خفي حنين ولم يقف له أحد على مكان وكان له شعر بقي في مسوداته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 ولم يجمع فمما وصلني منه ما وجد بخطه وهو قوله تبدي وبدر التم من خجل مغضي ... وماس كخوط البانة الرطب الغض ودار بياقوت الحدود زمرد ... من النبت زاه لاح في المغرس الفضي وخالسني من مقلتيه بنظرة ... فاحرم أجفاني بها لذة الغمض وأنهك جسمي حبه ونفاره ... فغادرني لا أستطيع إلى النهض وإن شام لحظ العين بأرق ثغره ... يجود بغيث الدمع من ذلك الومض إذا ما رنا نحوي بجارح لحظه ... حسبت فؤادي نهب أجدل منقض وكنا تقاضينا على دين قبلة ... فأرهنته قلبي الشجي ولم يقض وما طلني في دينه وهو موسر ... وظلم ذوي الأيسار يمطل بالقرض وقفت له عكس اسمه متذللاً ... وأفرشت في ممشاه خدي على الأرض ولم أنس لما عاقرتني بكأسها ... بدالبين حتى كدت من سكرتي أقضي مناشدتي اياه وقت وداعنا ... وصبب دمعي فوق خدي مرفض أمثخن قلبي من ظبي لحظاته ... جراحاً أمضت بعضهن على بعض حذارا على قلبي بحبك قد غدا ... جذاذاً وقد آلت مبانيه للنقض وما أسفي أن ينعفي غير أنه ... كناسك وافعل ما تشا فهو المرضي متى تجل عني ظلمة الصد والجفا ... بصبح وفاء من وصالك مبيض أقول ما ألطف قوله وقفت له عكس اسمه فإن مراده بمعكوسه سائلاً لآن المحبوب الذي تغزل فيه اسمه الياس كما أخبرني بذلك بعض الأدباء الحلبيين ولم أتحقق وفاته رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الجقمقي عبد الرحمن بن محمد المعروف بالجقمقي الدمشقي المجذوب الصالح المعتقد الولي المستغرق كأن له كرامات شهيرة منها التي تكرر وقوعها إن المريض الذي يدخل عليه يشفى والذي يمتنع من الدخول عليه يتحقق إنه إلى الموت أقرب ودخل مرة على قاضي البلدة وكان بعين واحدة فوضع يده على عينه الواحدة يشير إلى أن القاضي أعور فحمق منه وأمر بضربه على قدميه فضرب تسعة أسواط ثم تشفع له بعض أهل ذلك المجلس فعزل القاضي في اليوم التاسع ورجم وأهين حتى أشرف على الهلاك لولا تداركه اللطف ومن كراماته إن الشيخ إبراهيم السعدي الجباوي خرج عليه في بعض الأسفار بعض الأعراب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 قاصدين له وبه ايقاع الضرر فارأى الا والشيخ عبد الرحمن على أحد تلال هناك يقول له يا إبراهيم لا تخف وغاب عنه فلم يمكن الله تعالى أولئك الأشرار من أذيته وله غير ذلك من الكرامات رضي الله عنه وكانت وفاته في رمضان سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه ولما مرت جنازته على الشيخ عبد الله المنكلاني اشتعل له القنديل وكذلك عند السيدة خولة أخت ضرار بن الأزور قدس الله سرهما وكذلك قنديل الشيخ أرسلان رضي الله عنهم أجمعين. عبد الرحمن الكزبري عبد الرحمن بن محمد بن زين الدين الشافعي الدمشقي الشهير بالكزبري الشيخ الامام الفاضل الفقيه النحرير الهمام الصالح العابد الناسك ولد بدمشق في حدود المائة والألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها فأخذ الفقه وعدة فنون عن خاله العلامة علي بن أحمد الكزبري وكان جل انتفاعه عليه وأخذ أيضاً عن القطب الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والمنلا الياس بن إبراهيم الكوراني والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري المفتي ولما قدم دمشق الشمس محمد ابن أحمد عقيلة المكي لازمه صاحب الترجمة وأخذ عنه جملة من طرائق التصوف وأجازه بجميع مروياته ونبل قدره واشتهر بالعلم والديانة ودرس بالجامع الشريف الأموي بعد وفاة خاله المقدم ذكره وانتفعت به الطلبة وكان مشتغلاً بخويصة نفسه يعلوه نور أهل العلم والحديث والصلاح لا يتردد إلى أحد من ذوي الجاهات وكانت وفاته بدمشق نهار الجمعة سابع عشر محرم افتتاح سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصلى عليه ولده العلامة المحيوي محمد ودفن بالباب الصغير. عبد الرحمن المدني عبد الرحمن بن محمد الغلام الشافعي المدني الشيخ الفاضل الكامل الأوحد البارع أبو محمد وجيه الدين ولد بالمدينة المنورة في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وأخذ الفقه عن الجمال يوسف الكردي والمنلا عبد الرحمن الجامي والشمس محمد الدقاق وأخذ الحديث ومصطلحه عن العلامة محدث المدينة محمد بن الطيب المغربي وغيرهم ودرس بالمسجد الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة وأقبلوا عليه وكان أحد الخطباء بالمسجد الشريف النبوي وأحد الأئمة به منور الوجه تعلوه السكينة والوقار تاركاً لما لا يعنيه مهتماً بما يوم القيمة ينجيه لا تمتد أطماعه إلى الزخارف الدنيوية ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي بالمدينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. عبد الرحمن المجلد عبد الرحمن بن محيي الدين السليمي الحنفي المعروف بالمجلد الدمشقي الامام العالم العامل النحوي الخاشع الناسك المعمر ولد تقريباً بعد الثلاثين وألف واشتغل بطلب العلم فقرأ على جماعة من علماء دمشق منهم المحقق الشيخ محمد الكردي والشيخ عبد الباقي الحنبلي والنجم الفرضي والشيخ علاء الدين الحصكفي المفتي والشيخ محمد البلباني وحضر دروس النجم الغزي وأجاز له جماعة من المحدثين والفقهاء منهم الشيخ محمد بن سليمان والشيخ يحيى الشاوي والشيخ محمد العناني وجلس للتدريس بالجامع الأموي بمحراب الصحابة ولزمه الناس لأخذ العلم عنه واشتهر بالنفس المبارك على طلبته فقل من لم يقرأ عليه من طلبة العلم لما كان عليه من سعة الصدر وحسن الخلق والصبر على تفهيم المتعلمين فأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وكان محافظاً على الطاعات وقراءة القرآن والأوراد والتهجد ومتعه الله بسمعه وبصره إلى أن مات وكان مصون اللسان عن الغيبة والشتم يحب الناس ويحبونه ومن نظمه قوله شعر ويوم فيه قد صدقت وعود ... خلا عنه المعاند بل وعودي فزهر الروض فيه ضاع نشراً ... كند إذ يفوح شذا وعود وتغريد الحمام وصفق ماء ... غنينا فيه عن جنك وعود ولم يختل فيه فقد خل ... كان الكل كانوا في وعود وحادينا يغنينا ويشدو ... أو يقات الهنا دومي وعودي وجودي للمشوق بكل أنس ... وداريه بلقياك وعودي وقوله بت أنا والحبيب في خلس ... فجاءنا البدر صحت من وجدي فقلت يا سيدي أخوك بدا ... فقال لي لا تخف فذا عبدي وقوله حين حل المشيب في الفود مني ... أعرض الغانيات عني وصدوا فكان المشيب نور ذكاء ... وكأن الجفون منهن رمد وقوله وصلت هدية مخلص ... عظمت خلائقه الجليله فقبلتها ورأيت إن ... جزاءها الدنيا قليله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وقوله إن العبادلة الأخيار أربعة ... منائح العلم في الاسلام للناس ابن الزبير وابن العاص وابن أبي ... حفص الخليفة والحبر ابن عباس وقوله وأذن للهادي من الصحب سبعة ... جمعتهم في ضمن بيت بهم سما بلال ابن زيد عمر وسعد وأوسهم ... زياد وعبد للعزيز قد انتمى وكانت وفاة المترجم في ليلة الجمعة الرابع والعشرين من جمادي الثانية سنة أربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. الشيخ عبد الرحمن العيدروس عبد الرحمن بن مصطفى بن شيخ بن مصطفى بن زين العابدين بن عبد الله الشافعي الحسيني اليمني الشهير كأسلافه بالعيدروس الاستاذ العارف الكامل العالم العامل أحد الأولياء الراسخين والأصفياء العارفين العلامة الحبر المحقق النحرير صاحب الكرامات والمكاشفات مربي المريدين ومرشد السالكين قطب العارفين أبو الفضل وجيه الدين ولد باليمن سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وارتحل إلى مصر وتوطنها واستقبله أهلها ثم قدم دمشق لسنة اثنين وثمانين ومائة وألف ونزل بدار المولا حسين أفندي المرادي الكائنة بسويقة صاروجا فأكرمه وأحسن نزله هو وأخوه الوالد المرحوم وكانت أيامه بدمشق مواسم أفراح ولم يلبث بها الا قليلاً وعاد إلى مصر وثم في سنة احدى وتسعين ومائة وألف ارتحل للديار الرومية فدخل قسطنطينية وصار له هناك اعتبار واقبال ورتب له بعض العلائق بمصر وغيرها وعاد من طرف البحر فخرد من ساحل صيدا فاستقبله واليها الوزير أحمد باشا الجزار إذ ذاك وعاد لمصر وله تآليف لطيفة منها لمنظومة المسماة بالعرف العاطر في معرفة الخواطر وغيرها من الجواهر وشرحها وفتح الرحمن بشرح صلاة أبي الفتيان ورسالتين في الطريقة النقشبندية وديوان شعر سماه ترويح البال وتهييج البلبال وغير ذلك وكان من أفراد العالم علماً وعملاً وقالاً وجالاً ومن شعره قوله طاب شربي لخمر تلك الكؤوس ... فأدرها لنا حياة النفوس هاتها هاتها فقد راق وقتي ... بين دوح به السرور جليسي هاتها فالزمان قد طاب حتى ... غطس القلب في الجمال النفيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 واسقني يا حياة روحي وسري ... وامزجنها بريقك المأنوس بين زهر الرياض في خير أنس ... هازم جيشه جيوش العبوس خمر أنس وخمر صفو وقرب ... لا خمور الهوى وخمر الخسيس خمرة قد شطحت مذ ذقت منها ... وبها قد كفيت كل العكوس خمرة أطلقت قيود رسومي ... صار منها الفؤاد ذا تقديس خمرة الاتحاد أكرم بخمر ... نور كأساتها يزحزح بوسي غبت عني بها فدعني أغني ... إن في ذا المقام حطيت عيسى صاح إني من سكرتي غير صاح ... فعلام الملام للعيد روس صاح إن شئت أن تهني بأعلى ... معنوي الجمال والمحسوس لا زمن خمرتي ودونك حاني ... واغطسن في الهوى كمثل غطوسي آخر القول لم ينل كأس خمري ... غير من كان لابساً ملبوسي وعلى جدنا الرسول صلاة ... من آله مهيمن قدوس وله غير ذلك من النظم الباهر وبالجملة فقد كان نادرة عصره وفريد دهره وكانت وفاته بمصر سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بها قدس الله سره. عبد الرحمن العادي عبد الرحمن العادي الحلبي الشافعي الشيخ الأديب الفاضل المتفوق المعمر العلم استفاد من الجهابذة وأفاد والحق الأحفاد بالأجداد وله شعر لطيف منه قوله أما أنا فكما عهدت ... فكيف أنت وكيف حالك يمسي حديثك في فمي ... ويبيت في عيني خيالك وكانت وفاته في سنة ثمان وعشرين ومائة وألف ودفن بحلب الشهباء رحمه الله تعالى. عبد الرحمن المولوي عبد الرحمن الرومي القونوي نزيل دمشق شيخ تكية المولوية بها الشيخ العارف الدين الصالح الفاضل المرشد التقي كان صاحب دراية وفضل مع اتقان الفارسية وحل كلام القوم من مجلس رجال هذا الطريق وله هيبة ووقار مبجلاً بين الناس ومحترماً ذا سكون ونجاح وكمال قدم دمشق واستوطنها وصار شيخ الطريقة المولوية في تكيتهم بدمشق الكائنة بالقرب من جامع تنكز واستقام إلى أن مات وهو محبوب مرغوب للخاص والعام مرفوع القدر والشأن وكان يعظ في التكية ويخل كلام كتاب المثنوي وغيره وكان الاستاذ الشيخ عبد الغني يوده ويجله لما جبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 عليه من المعارف والصلاح وبالجملة فقد كان خاتمة مشايخ هذا الطريق بدمشق وبعده لم تشابهه أولاده والذين صاروا مشايخ بعدهم وكانت وفاته بدمشق سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالتكية المولوية المذكورة. عبد الرحمن السويدي عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي البغدادي الشهير بالسويدي الشيخ الامام العالم العلامة الفقيه المفنن أبو الخير زين الدين ولد ببغداد سنة أربع وثلاثين ومائة وألف وأخذ عن والده وعن فصيح الدين الهندي وياسين الهيتي وبرع وفضل وله حاشية على شرح الحضرمية وحاشية على شرح القطر للعصامي وله شعر ونثر وكانت وفاته في عشري ربيع الثاني سنة مائتين وألف. عبد الرحمن المغربي عبد الرحمن الشنقيطي المغربي الأصل المالكي نزيل المدينة المنورة الشيخ الصالح العالم العامل الصوام القوام صاحب المجاهدات المفنن في العلوم جاور بالمدينة المنورة مدة طويلة ودرس بها وأخذ عنه جملة من أفاضلها كالشيخ تاج الدين بن الياس المفتي وغيره وكان له نفس مبارك على المتعلمين فكل من قرأ عليه حصل له الفتوح ووقف كتبه في زاوية الشيخ محمد السمان وتوفي بالمدينة سنة احدى وثمانين ومائة وألف. عبد الرحمن العلمي عبد الرحمن العلمي القدسي الشيخ الزاهد الصالح الفاضل كان من أولياء الله تعالى وله كرامات لبس الخرقة الصوفية من عمه الشيخ حسين العلمي وتلقن منه الذكر فلما إن قربت وفاة الشيخ حسين المذكور أرسل خلفه واختلى معه ساعة ثم خرج من عنده ورجع إلى داره وانزوى عن الناس واستمر على هذه الحالة ثمان عشرة سنة منقطعاً عن الناس وكانت أهل القدس يطلبون زيارته في داره حتى الامراء والقضاة يطلبون الاجتماع به وكان له حظ من الصيام وقيام الليل ودوام الذكر وتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار إلى أن توفي وهو على ذلك الحال ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى. تم بحمد الله تعالى الجزء الثاني من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر في 6 شعبان سنة 1291 لمحمد خليل الرادي الذي ترجمه الجبرتي ويليه الجزء الثالث أوله السيد عبد الرحيم وبالله التوفيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 /المجلد الثاني الجزء الثالث الجزء الثالث من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للعالم الفاضل النبيل المفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل محمد خليل المرادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصحبه وعترته آمين م. بسم الله الرحمن الرحيم السيد عبد الرحيم بن أبي اللطف السيد عبد الرحيم بن أبي اللطف بن إسحق بن محمد بن أبي اللطف الحنفي القدسي مفتي الحنفية بالقدس ورئيس علمائها العلامة العالم الفاضل الشهير كان هاشمي الطبع حسن الأخلاق مرضي الهمة عالماً مفسراً فقيهاً نحوياً ملازم الافادة والتدريس اماماً مقتدي ومستوفي العلوم العقلية والنقلية ولد في سنة سبع وثلاثين وألف ونشأ بالجد والاجتهاد وأخذ العلوم على من ورد من الأفاضل إلى القدس ثم ارتحل إلى مصر وجاور بها مدة ثم رجع ظافراً بمزيد الفضيلة حائزاً للعلوم الجليلة واشتهر بالبلاد وانتفع به العباد ثم ذهب إلى الديار الرومية واستقام بها مدة مديدة واكب الأفاضل بها عليه وقرأ في جامع السليمانية كثيراً من العلوم مدققاً منطوقها والمفهوم ففي ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وألف لازم من صدر الروم وقاضي العساكر المولى ابالي زاده مصطفى كعادتهم ودخل في سلك المدرسين فلما كان منفصلاً عن مدرسة بأربعين عثماني في سنة ثمان وستين أعطى افتاء بلدته مع مدرسة العثمانية ففي رجب سنة تسع وستين عزل من الفتوى والمدرسة من شيخ الاسلام المولى محمد الأسيري لأمر صدر منه فتبقى في بلدته صفر اليد مكدر الحال ففي رجب سنة اثنين وسبعين اعيد الافتاء مع المدرسة من شيخ الاسلام صنعي زاده المولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 السيد محمد وأعطاه اعتبار رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي والمدرسين وبعده أعطى اعتبار رتبة موصلة السليمانية مع قضاء صفد على وجه المعيشة فبعد مدة بالقضاء الآلهي حبس في أحد القلاع وبعد أن خلص ذهب للديار الرومية لأجل عرض حاله إلى الدولة العثمانية العلية فصادفه الحمام بادرنة ولم ينل المرام وكان حج ولقي خلاصة الواصلين الشيخ أحمد القشاشي وهو يقري رسالة القشيري فأخذ عنه ثم رجع إلى بلاده بأمر من شيخه المذكور واشتهر في افتائه ثلاثين سنة وألف وحقق وأفاد فمن تصانيفه الفتاوي الرحيمية وله كتابة على منح الغفار نحواً من عشرة كراريس وكتابة على الرمز شرح الكنز للعيني وعلى البزازية والفتاوي الخيرية وبعض من كتب الفقه جمعها ولد الفاضل السيد محمد الآتي ذكره وسماها الفوائد الرحيمية على كتب كثيرة من كتب السادة الحنفية وله رسالة في الاشتقاق وشرحها وكتابات على حفيد المختصر وعلى عصام القاضي وله نظم رقيق جمعه ولده المذكور ديواناً ومشايخه الذين أخذ عنهم وقرأ عليهم منهم العلامة الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ أحمد الشوبري والشيخ علي الشبراملسي والشيخ يس الحمصي المصري والشيخ سلطان المزاحي والشهاب أحمد الخفاجي والشيخ إبراهيم الميموني والشيخ أبو السعود الشعراني والشيخ يوسف الخليلي والشيخ عبد الكريم الحموي والسيد محمد بن علي الدمشقي والشيخ محمد البلباني الدمشقي والشيخ الاستاذ زين العابدين الصديقي المصري وأخذ عنه جماعة من أهالي الروم منهم العلامة المولى أحمد بن سنان البياضي والمولى محمد رفيعي زاده والمولى أحمد جاويش زاده والمولى قره خليل علامة الروم وشيخ الاسلام المولى عبد الله ابه زاده ونقيب الأشراف المولى إبراهيم عشاقي زاده ومن فضلاء مصر الشيخ أحمد الدقدوسي مفتي الحنفية والشيخ شاهين الدمشقي الأصل القاهري السكن ومن أهال دمشق الشيخ إسمعيل اليازجي والشيخ صالح الجينيني ومن أهالي بلدته الشيخ أحمد العلمي ومن أهل الرملة الشيخ نجم الدين بن خير الدين الرملي وبالجملة فقد كان مفنناً في جميع العلوم حتى في الشعر فمن شعره قوله هذه النبوية أبرق بدا من نحو طيبة لامع ... ففاضت على تلك العهود مدامع أم الشرق للسكان حرك كامناً ... فاحرق قلباً بالمحبة والع أم العيس حنت للحجيج وشوقت ... أم العين أبكاها الحمام السواجع نعم راعني ذكر الحبيب صبابة ... فكلي لأشواق الحبيب مجامع أبات بذكراه أراقب بدره ... يلوح بأوصاف الثنا وهو طالع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 فأنظم أوصافاً تحلى بعقدها ... وأضحى علينا من سناها لوامع ولما تباهي الوصف جيداً تزاحمت ... على وصفها للواصفين مطامع تروم مداها السابقات وتنثني ... ودون المدا بعد الزمان موانع أجدد عمري في حياة نظامها ... فعمر سعيد ينقضي لي راجع فأنسى بها يا عين قرى سعادة ... إذا لمني أمر وفيها المنافع ويا نفس إن غبت عني فوقتنا ... نقد طاب قومي والعيون الهواجع وقولي بك السؤل مولاي انني ... اليك بجاه المصطفى العمر ضارع آلهي بجاه الأبضحي محمد ... وعترته فرج وعفوك واسع نبي له الخلق العظيم سجية ... وفي وجهه نور النبوة ساطع تبارك من أبدى نبياً وآدم ... بطينته المجدول فيه الودائع وأظهره منها نتيجة جدلها ... رسولاً لدعواه الأنام تسارع أتيت رسول الله شمس هداية ... لها في قلوب المؤمنين مطالع وأعربت عن علم العيوب بأمره ... فأنت خيار الخلق للسر جامع جليل امام المرسلين وخاتم ... وهل أنت الا في زها العز يانع منها فيا خير خلق لله أنت ملاذنا ... إذا ضاق أمر أو رمتنا المواجع فجاهك أضحى للعصاة وقاية ... لها في قبول المذنبين مواقع إلى فضلك لنا نور سرنا ركائباً ... ومن ضره الحوباء ثم لواقع رعى الله ذاك الفضل إن عيونه ... بذيل الهدى للشاربين قنائع أيا رب قبل الموت والعود أحمد ... بسرك في أهل السعادة ذائع أنلنا آلهي بالنبي محمد ... نبيك من فينا بأمرك صادع وصلى وسلم دائمين كلاهما ... وتب وأعف عني انني لك طائع فبابك مقصود وعبدك واقف ... وفضلك موجود وعفوك رائع وللمترجم أيضاً من منة المولى على أصوغ ... نظماً وفي خبر البرية يفرغ هو السول والمأمول في نيل المنى ... والي الجنان به نفوز ونبلغ عذب المديح تناؤه يحيي الحشا ... كالغيث يحيي الأرض بل هو أسبغ إن ضاق ذرعك فالوسيلة جاهه ... والخير من تلك السعادة يبزغ كشف التيقظ عن قلوب أصبحت ... من حبه بهنا النعيم تصيغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 هذا النبي الهاشمي محمد ... يوم اللقا سبل البخاة يبلغ بمقامه المحمود خص مشفعاً ... جمع الخلائق بالشفاعة يسبغ قامت له الأملاك تحت لوائه ... والرسل صفواً ليس عنه مروغ كل يشير إليه ليس لغيره ... في فتح باب الفضل ما يتسوغ ما نال هذا قبله أحد ولا ... من بعده أضحى لذاك مسوغ فتباهت الأزمان والعليا به ... والعيش مذ جاء الكريم يرغرغ كم جاء بشرى الأنبياء لقومهم ... بالحاتم المختار ان قد يبزغ ومحا الظلام ظهوره وبفجره ... يعلو الهدى فوق الضلال ويدمغ يا ليلة غراء أسفر صبحها ... والضوء من شمس الهداية ينبغ فيها ابتهاج والسرور مكرراً ... للدين حقا إذ أتاه مبلغ يا سيد الرسل الكرام ومن به ... غوث الورى أنت الكريم المسبغ أنت الشفيع بباب جاهك صبحت ... منا القلوب بثقلها تتمرغ واستوثقت بالحب من زمن الصبا ... وازداد ما عن بابه تتروغ انتهى توفي بادرنة من بلاد الروم في صفر سنة أربع ومائة وألف ودفن على قارعة الطريق رحمه الله تعالى. عبد الرحمن الشهير بشقده عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بشقده الشيخ العالم الفاضل البارع ولد بصالحية دمشق ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأبي الفلاح عبد الحي العكري وأجاز له الاستاذ النابلسي اجازة خاصة كتبها له بخطه ونبل وفضل وكان يعظ بالجامع الجديد بالصالحية ولوعظه تأثير في القلوب وكان يخطب بجامع قرية برزة ويؤم في جامع العفيف بالصالحية واختصر تاريخ شيخه العكري المسمى شذرات الذهب اختصاراً حسناً وله غير ذلك من الآثار والفوائد وبالجملة فقد كان من آثار السلف الصالحين وأهل الفضل والديانة وله شعر قليل وقفت على شيء منه وكانت وفاته نهار الجمعة ثامن صفر سنة ستين ومائة وألف عن تسعين سنة تقريباً ودفن بسفح قاسيون بقرب ضريح الشيخ عبد الهادي. عبد الرحيم المنير عبد الرحيم بن السيد أسعد بن إسحق المعروف كأسلافه بالمنبر الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل كان صالحاً كاتباً له مشاركة في العلوم وكتب كتباً بخطه كثيرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وكان ساكناً مستقيماً ولد بدمشق في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف كما أخبرني هو من لفظه وحفظ القرآن على والده المقدم ذكره وهو في سن السبع وأقرأه بعده مقدمة التجويد للميداني والجزرية والأجرومية مع اعرابها للشيخ نجم الدين وحصة من الشاطبية ثم بعد وفاته بثلاث سنوات لازم شيوخ الجامع الأموي فقراً على الشيخ محمد الغزي والسيد خليل الدسوقي والشيخ محمد البقاعي والشيخ محمود الغزي نزيل دمشق ثم بعد سنتين لازم وقرأ على الشيخ أحمد المنيني والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد قولقسز والشيخ عبد الله البصروي والشيخ علي كزبر وحضر درس الحديث في الجامع الأموي في رمضان بعد صلاة الصبح صحبة والده على الشيخ محمد الكاملي وكذلك درس ولده الشيخ عبد السلام في المحل المزبور ودخل في اجازتهما العامة وكذلك درس الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي في التفسير وغيره ودخل في اجازته العامة وحضر درس الشيخ عبد القادر التغلبي والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ أحمد الغزي والشيخ مصطفى المحيوي ابن سوار ودخل في اجازتهم العامة كما أخبرني وأخبرني أيضاً إن والده أخذه في صحبته إلى الجامع الأموي وأحضره درس الشيخ أبي المواهب الحنبلي في ختمه للجامع الصغير سنة وفاته وكان رحمه الله مشتغلاً بنسخ الكتب لأجل المعيشة ولما ضاقت به الأحوال في سنة احدى وخمسين ذهب إلى اسلامبول لأجل المعيشة فمكث بها خمس سنوات ونصف ولم يحصل على طائل ونسخ هناك عدة كتب إلى الوزير ومحمد راغب باشا حين كان رئيس الكتاب في الدولة العلية ثم عاد لدمشق ثم ذهب ثانياً وثالثاً لأسلامبول فلم ينل قدر الكفاف فاشتغل بنسخ الكتب وكان خطه مقبولاً وكانت استقامته في دار داخل المدرسة القجماسية بالقرب من باب السرايا عند سوق الأروام وكان والدي يحبه ويكرمه وكتب له كتباً بخطه وبالجملة فقد كان من خيار الأنام وكانت وفاته في ربيع الثاني فجأة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن في تربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. عبد الرحيم المخللاتي عبد الرحيم بن علي المخللاتي الشافعي الدمشقي العالم العلامة الأديب الفاضل كان اماماً في الفرائض والحساب والفلك وله يد في العلوم ولد بدمشق في سنة احدى ومائة وألف وقرأ على جماعة واشتغل بالطلب منهم العلامة الشيخ محمد الحبال قرأ عليه وانتفع به والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والمحقق الشيخ عبد الرحيم الكابلي نزيلها أيضاً والشيخ عبد السلام الكاملي والشيخ عبد الجليل الحنبلي والشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 محمد العجلوني وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه فاضل يملأ المسامع والمقل وتذعن له الأقران إذا روى ونقل لازم عن الأجلاء والفحول واكتسب من العلوم ما هو غير منحول فاستكفى بحاله واعرض عن مهاوي اللهو ومحاله وتصرف في الآلات العلمية أي تصريف وصار علماً لا يحتاج إلى تعريف وطاب له ذلك السياق وزاد إليه كثرة اشتياق حتى ابتهج به الفضل أحسن ابتهاج ونار ببراعته سراجه الوهاج فانبعث في المعارضات يشدد وفي المناقشات يوتر سهم المصادرة ويسدد معتمداً على فكرة ثاقبه وروية للاصابة مراقبة ولم يزل على تلك الصعوبة يسلك طريق الابا وشعوبه إلى أن نجمه أفل وعلي باب جدته انقفل وقد أطلعني ولده على موشحة إليه نسبها ومن جملة ماله من الشعر عدها وحسبها تنبئ عن قوة اقتداره وتفصح عن جولانه في النظم ومقداره ولم يطرق حجاب سمعي له سواها ولا غير واحد عنه رواها وهي قوله شاطر الدهر أسهما ... حيث أيامه اقتراح وامتطى الليل أدهما ... لأكتساب العلى المتاح دور سيد تخضع الشموس ... لعلا شأوه الرفيع إذ غدا بهجة النفوس ... روض أفضاله المريع بعدما عطر الطروس ... ذكره العاطر البديع أسعد حيث يمما ... خيم السعد والفلاح وسرى الريح منعما ... بشذا فخره وفاح دور كيف لا أحسن المديح ... لوحيد العلي المهاب من غدا دونه الفصيح ... خشية العجز في حجاب وابن من مدحه صريح ... جاء في محكم الكتاب ثاني اثنين إذ هما ... في حمى الغار لا براح من بدا الحق منهما ... بلسان الهدى الصراح دور إذ به كوكب الهنا ... لاح في مشرق القدوم واستنارت به الدنا ... وانمحت أسطر الهموم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 واغتدى طائر المنى ... في قلوب الورى يحوم وصفا الدهر بعدما ... صدع القرب بانتزاح وأرانا النبسما ... في وجوه الرضى الملاح دور هاك يا بهجة الصدور ... من له تسجد العقول غادة السر والخدور ... في برود الهنا تجول وهي من وسمة القصور ... ترتجي نفحة القبول فأعرها ترحماً ... مسمع العفو والسماح وأنلها تكرماً ... من ندى وردك المباح دور وابق في ذروة الكمال ... آمن السر والفؤاد تجتني من ربا النوال ... نعماً مالها نفاد وترى السعد في اقبال ... ولأيامك امتداد ولنجليك وفق ما ... خصك الله من نجاح ما انثنى الغصن كلما ... هصرت عطفه الرياح وكان المترجم حج سنة أربعين ومائة وألف فتوفي بمكة ثامن ذي الحجة من السنة المذكورة ودفن تحت أقدام العلامة ابن حجر المكي الهيثمي رضي الله عنه. عبد الرحيم البراذعي عبد الرحيم بن علي بن أحمد المعروف بالبراذعي الحنبلي البعلي الأصل الدمشقي الصالحي قاضي الحنابلة بدمشق كان شيخاً فاضلاً له بفقه مذهبه فضيلة مع محاضرة وحافظة حسنة ولد بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على والده وانتفع به وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني وقرأ وحصل وتولى قضاء الحنابلة بالمحاكم مدة سنين يقضي بالأحكام وكان لا يخلو من جرأة وتكلم وعزل في زمن قاضي القضاة بدمشق المولى السيد إبراهيم امام شيخ الاسلام المولى مصطفى لأمر كان وبعد مدة عاد للقضاء ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بالروضة بسفح قاسيون رحمه الله تعالى. عبد الرحيم ابن حجيج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 عبد الرحيم بن محمد المعروف بابن حجيج الشافعي الدمشقي الخلوتي أحد مشايخ الطرق المشاهر الشيخ المتعبد الناسك المعتقد الصالح المبارك أخذ الطريق عن والده وأقيم بعده شيخاً حين توفي وذلك في يوم الخميس ثالث عشر ربيع الثاني سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكان والده المذكور أخذ الطريق عن الصالح الشيخ أحمد بن عمر الخلوتي البرزي الشافعي الدمشقي المتوفي في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وألف وكان أخذ هو عن الاستاذ الشيخ السيد محمد بن عمر العباسي الدمشقي المتوفي في سنة ست وسبعين وألف وكان البرزي المذكور مقيماً في زاوية الخواجا عمر بن إبراهيم السفرجلاني التي بناها وأوقفها على أرباب الطريق وجعل لها مبرات ووقفاً وتعايين وأول من نزلها وسكن فيها الشيخ منلا مسكين الكردي وجماعته ثم الشيخ البرزي المذكور ثم الشيخ محمد حجيج المذكور واجتمع عليه جماعة شيخه ثم إن المترجم جلس بعد وفاة والده المذكور على سجادة المشيخة وتقيد بعمل الذكر وكانت له معرفة بالطب والحكمة ذو حلم وتودد مع الناس وكانت وفاته في يوم الأحد ثاني شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وجلس بعده خليفة أخوه الشيخ محمد حجيج ولفظة حجيج لا أدري أهي لقب أو تصغير حاج والله أعلم. عبد الرحيم الكابلي عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الحنفي الكابلي الهندي نزيل دمشق الامام العلامة المحقق المدقق البارع مولده بمدينة كابل من اقليم الهند ونشأ بها ورحل إلى سمرقند وغيرها وأخذ بتلك البلاد عن علمائها ثم حج ودخل إلى دمشق بعد الثمانين وألف فقطن بها وقرأ على جماعة من علمائها أيضاً منهم العلامة الشيخ إبراهيم الفتال لازمه مدة وانتفع به كثيراً وكذلك محمد بن أحمد بن عبد الهادي العمري وأبو المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي وغيرهم وصحب الجد الشيخ محمد مراد البخاري نزيل دمشق وتلمذ له وانتفع بصحبته وسكن في دار لصيق جامع تنكز وتزوج بها ورزق أولاداً ثم درجوا ومات من غير عقب وجلس للتدريس بالجامع المذكور ولزمه الطلبة للاستفادة وكان عجباً في سرعة التقرير وحسن التأدية وفصاحة العبارة وكان مدرساً بالعذراوية وافتتح الدرس بها في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وكان يحضر دروس العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في الفتوحات المكية ثم ترك ذلك وحكى الكثير من تلامذته رؤيا غريبة وقعت له وكان أحد الطلبة شرع عليه في قراءة شرح ايساغوجي في المنطق لشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 الاسلام زكريا ولم يكن المترجم اطلع عليه قبل ذلك فلم تعجبه عباراته لكون شيخ الاسلام أوضح العبارة فيه ولم يسلك به مسلك المحققين فرأى في النوم كان القيمة قد قامت وسيق الناس إلى المحشر فلما وصل إلى أرض فيحاء رأى الناس واقفين صفوفاً والنبي صلى الله عليه وسلم واقف والصفوف كلها متصلة به قال فسألت عن ذلك فقيل لي هؤلاء محدثون يتصلون بمشايخهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبت شيخاً أخذ عنه لأتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقيل لي هذا شيخ الاسلام زكريا خذ عنه وكأنه واقف بالقرب مني فتقدمت إليه وقبلت يده وطلبت منه أن يجيزني بمروياته ليتصل سندي بالنبي صلى الله عليه وسلم فأجازني كذلك ووقفت إلى جانبه وأنا فرح بذلك ثم استيقظت وعلمت بهذه الرؤيا رفعة قدر شيخ الاسلام زكريا وعلو رتبته في الآخرة رحمه الله تعالى وكان صاحب الترجمة كثير العزلة والانجماع عن الناس وتوفي ليلة الجمعة العشرين من جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة تنكز لصيق الجامع المذكور على يمنة الداخل من باب الجامع رحمه الله تعالى. عبد الرحيم الطواقي عبد الرحيم بن محمد المعروف بالطواقي الحنفي الامام الفقيه النحوي الفرضي الدمشقي الميداني ولد سنة خمس وثمانين وألف ونشأ في حجر والده وكان والده من أهل العلم فأشغله بطلب العلم فقرأ على جماعة من الشيوخ منهم العلامة الشيخ عثمان القطان والمنلا عبد الرحيم الهندي والشيخ إسمعيل المفتي والشيخ أبي المواهب وقرأ الفرائض والحساب على الشيخ عبد القادر التغلبي وبرع في الفقه والنحو والمعاني والبيان والأصولين ونظم مسوغات الابتداء بالنكرة في ارجوزة وشرحها ونظم شرح ارجوزة القليبي في العروض وألف حاشية على شرح التنوير للشيخ علاء الدين الحصكفي وله غير ذلك من الفوائد والتحريرات وكان سليم الصدر عفيف النفس وسافر إلى الديار الرومية وتوفي في مدينة قسطنطينية في يوم الأربعاء سادس عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الرحيم ابن شقيشقه عبد الرحيم بن مصطفى بن حسن بن صالح عبد البر الشهير بابن شقيشقة بالتصغير الدمشقي الحنفي الامام الحنفي بالجامع الشريف الأموي العالم العامل التقي الورع الزاهد الفرد في دهره والوحيد في عصره ولد بدمشق سنة ثلاث وثمانين وألف ونشأ بها ومات والده وهو صغير وقرأ القرآن العظيم وحفظ للعشرة من طريق الطيبة على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 الشيخ مصطفى العم ثم أخذ في طلب العلم فقرأ على الشيخ عبد الرحيم بن القاتول والمحب محمد بن محمود الحبال وأخذ الطريقة الخلوتية عن محمد بن عيسى الكناني ثم رحل إلى مصر وجاور بها ست سنين وأخذ عن علمائها قراءة واجازة ورجع إلى دمشق وحج وجاور وأخذ عمن لقيه من علماء الحجاز كالجمال عبد الله بن سالم البصري والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي ورحل إلى حلب مرتين ثم رجع إلى دمشق واستقام بها يقرئ القرآن العظيم وكان له حظوة في الأمور الدنيوية وله ثبات على فعل الخير المخفي جدد عمارة جامع السقيقة ولم يعلم أحد إنه منه وكان له ولد نجيب حفظ القرآن وطلب العلم واحترف في صنعة العطارة فحاسبه والده على دراهم أعطاها له فنقص رأس المال فعنفه على ذلك فأخذ سما وأكله ومات فشق على والده ذلك ثم انقطع في آخر أمره لضعف قواه وله تعليقات سنية لم أقف على شيء منها الا على شرح سماه هدية الله للسنية شرح ورد الخلوتية وضعه على ورد الوسائل الذي كان يقرؤه في كل يوم وله من الشعر قوله اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا أصبت مصيبة ترزى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد وبالجملة فقد كان من كبار الصالحين والفرقة الناجين والعلماء الزاهدين انتفع به خلق كثير وكانت وفاته مطعوناً شهيداً سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الرسلانية ورأته بنته بعد موته بليلتين فقالت له ما فعل الله بك فقال لها عاملني بلطفه وغفر لي وطلب مني كتابي الذي سميته هدية الله وقال لي إن لم تأتني به فأنت في غضبي فاستيقظت من منامها مذعورة وأمرت بوضع الكتاب في قبره فنبش ليوضع فيه الكتاب فوجدت يده ممدودة كمن يريد أن يتناول شيئاً إشارة إلى أخذ الكتاب السيد عبد الرزاق الجندي السيد عبد الرزاق بن محمد بن أحمد بن يس بن إبراهيم الشهير بابن الجندي القصيري الأصل المعراوي الأديب الماهر الحاذق الذكي كان يحسن صناعة الشعر وله في الأدب معرفة وتعاني النظم حتى مهر به ولد في سنة خمسين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وكان أخذ الأدب وقرأ على الشيخ عمر الأدلبي نزيل حمص وكان يحب مذاكرة العلم والأدب ويجالس الشعراء ويجري بينهم المطارحات الرشيقة والمساجلات ومن جملة من كان من ندماء مجلسه الأديب عثمان المعراوي الحمصي البصير الشاعر وكان من الأجناد الموسومين بالأدب وأسلافه كانوا مشايخ ولم يزالوا متصفين بالمشيخة إلى أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 انتقل والده من ذلك إلى طريق الحكومة بسبب انتسابهم لبني العظم حكام الشام وكان ولده المترجم عاقلاً له معرفة مع حسن التدبير والعقل ومعرفة أمور السياسة وأحكامها وله باع في الأدب وشعره عليه طلاوة وقد تولى حكومة قلعة تلبيسة الكائنة بين حمص وحماه من طرف الدولة العلية بعد وفاة والده وهذه القلعة أصل بنائها في زمن الوزير سليمان باشا العظم وعينت الدولة بها ينكجرية بعلائف وتعايين سلطانية لأجل حفظ الطرقات للحج وغيره وبالجملة فهو أثر حسن واستقام المترجم بها إلى أن مات ومع ضبطه لها تولى من طرف ولاة دمشق حكومة حماه وحمص ومما وصلني من شعره قوله مشطراً قصيدة سيدي عمر ابن الفارض رضي الله عنه قلبي يحدثني بأنك متلفي ... والجسم يخبرني بأنك مضعفي إن كان لا يرضيك غير منيتي ... روحي فداك عرفت أم لم تعرف لم أقض حق هواك إن كنت الذي ... جعل اللحاظ لموطئ المتصرف فجميع ما جرت علي من الأسى ... لم أقض فيه أسى ومثلي من يفي مالي سوى روحي وباذل نفسه ... في عشقه ما أن يعد بمتحف وعلى الحقيقة من يضيع روحه ... في حب من يهواه ليس بمسرف فلئن رضيت بها فقد أسعفتني ... وبذاك أرقى للمقام الأشرف فاعطف وساعدني وكن لي مسعفاً ... يا خيبة المسعى إذا لم تسعف يا مانعي طيب المنام ومانحي ... هجراً أحد من الحسام المرهف يا بغية الآمال قد ألبستني ... ثوب السقام به ووجدي المتلف عطفاً على رمقي وما أبقيت لي ... رمقاً فكن يا ذا الملاحة منصفي فارحم بقية ما تبقى منيتي ... من جسمي المضني وقلبي المدنف فالوجد باق والوصال مماطلي ... والهجر نام والمعذب لا يفي والجسم بال والدموع ذوارف ... والصبر فان واللقاء مسوفي لم أخل من جسد عليك فلا تضع ... شغفي وفرط توجعي وتلهفي وارحم أنيني في هواك ولا تطل ... سهري بتشنيع الخيال المرجف وأسأل نجوم الليل هل زار الكرى ... عيناً توقد نارها لم تنطف وأسأل من الواشين هل زار السها ... جفني وكيف يزور من لم يعرف لا غرواً إن شحت بغمض جفونها ... عين تعودت الجفا من أهيف جادت بلؤلؤها الرطيب لبعده ... عيني وسحت بالدموع الذرف وبما جرى في موقف التوديع من ... شغل الهوادج كاد جسمي يختفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 ومن الفراق تفتت كبدي ومن ... ألم النوى شاهدت هول الموقف إن لم يكن وصل لديك فعد به ... فلعل روحي بالتواعد تكتفي فالوعد منك أعده كالوصل يا ... أملي وماطل إن وعدت ولا تفي فالمطل منك لدي إن عز الوفا ... يبدي التسلي للفؤاد المتلف أجد التماطل منك إن عز اللقا ... يحلو كوصل من حبيب مسعف أهفو لأنفاس النسيم تعلة ... من كثر أشواقي وفرط تكلفي لكنه تعليل قلب مدنف ... ولوجه من تقلت شذاه تشوقي فلعل نار جوانحي بهبوبها ... نوعاً تخف بوقدها المتشظف ولعل ناراً أضرمت بشراسة ... أن تنطفي وأود أن لا تنطفي يا أهل ودي أنتموا أملي ومن ... ناجاكمو في ضنك عيش عادفي حاشى بضام دخيلكم إذ كل من ... ناداكموا يا أهل ودي قد كفي عودوا لما كنتم عليه من الوفا ... لفتى بحفظ الود غير مزخرف وعلى جود وأيا آل ودي باللقا ... كرماً لأني ذلك الخل الوفي وحياتكم وحياتكم قسماً وفي ... غير اليمين بكم حقيقاً لم أف وبسركم اني يميناً في مدى ... عمري بغر حياتكم لم أحلف لو أن روحي في يدي ووهبتها ... من غير منون وغير تأسف لو أنني أعطيت ما ملكت يدي ... لمبشري بقدومكم لم أنصف لا تحسبوني في الهوى متصنعاً ... أو أن حبي فيكم يتخفف لكن حفظي للعهود جبلة ... كلفي بكم خلق بغير تكلف أخفيت حبكم فأخفاني أسى ... جعل الدموع بعارض مستوكف وأضرني كتمان ما أخفيته ... حتى لعمري كدت عني أختفي وكتمته عني فلو أبديته ... لخفي فلم يبصر ولم يتكلف وصحبته حقاً فلو أظهرته ... لوجدته أخفى من اللطف الخفي ولقد أقول لمن تحرش بالهوى ... قد جزت في بحر خطير مرجف خل الهوى لأهيله وأقصر فقد ... عرضت نفسك للبلا فأستهدف أنت القتيل بأي من أحببته ... إن كان ينصف أو يكن لم ينصف حب مسوف ثم حب قاتل ... فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي قل للعذول أطلت لومي طامعاً ... إن انثنى عن ذي البنان المطرف اكفف ملامك مدنفاً هجر الكرى ... إن الملام عن الهوى مستوقفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... إن لم تكن تصغي لقول الألف من قبل عشقك لا تلم أهل الهوى ... فإذا عشقت فبعد ذلك عنف برح الخفاء وبحب من لوقي الدجى ... أبدى ابتساماً زال لون المشرف منذ تكامل حسنه فلو أنه ... سفر اللئام لقلت يا بدر أختفي وإن اكتفى غيري بطيف خياله ... أو قد رضى بتماطل وتسوف أو إن تسلى في مرور نسيمه ... فأنا الذي بوصاله لا أكتفي وهواه وهو اليتي وكفي به ... حلفاً ولست أخي فيه بمخلف وبسر صرفي مهجتي بوداده ... قسماً أكاد أجله كالمصحف إلى آخرها ومن شعره تشطيره لبانت سعاد حيث قال فأجاد بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... وكيف لاو فؤاد الصب مشغول وإنني من غرام قد ولعت به ... متيم أثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... الا مهاة لماها فيه تعسيل ولن يماثل أعطافاً لها ظهرت ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... منه الشفاء لقلب فيه تعليل سلافة قرقف قد سيغ مشربه ... كأنه منهل بالراح معلول شجت بذي شيم من ماء محنية ... مذاقه للأرواح تجذيل كأنما ريقها المعسول مذ رشفت ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول تنقى الرياح القذي عنه وأفرطه ... ينهل من صيب والمزن رحيل ومازجته سحابات قد انهملت ... من صوب سارية بيض يعاليل أكرم بها خلة لو أنها صدقت ... عهدي وما كثرت منه الأقاويل أواه لو أحسنت وصلاً وما نبذت ... موعودها أو لو أن النصح مقبول لكنها خلة قد سيط من دمها ... هجر لعا شقها نبذ وتنكيل ولم أنل من هواها غير أربعة ... فجع وولع وأخلاف وتبديل فلا تدوم على حال تكون به ... تروغ في قولها والوعد ممطول ثبت بخلف وأحوال ملونة ... كما تلون في أثوابه الغول ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ... وطبعها من طريق الدخل مخبول فما لاقوا لها شبه ولا مثل ... الاكما تمسك الماء الغرابيل فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... أثفال أقوالها زور وتخييل لا تغترر في أمانيها وموعدها ... إن الأماني والأحلام تضليل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً ... ولن يصدق منها القال والقيل كربطة نقضت مغزولها عبثاً ... وما مواعيدها الا الأباطيل أرجو وآمن إن تدنو مودتها ... لكنني رمت شيئاً فيه تخليل قالت تروم وصالاً قلت ذا خطل ... وما أخال لدينا منك تنويل أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا أقب رباع فيه تسهيل وليس يدرك ركباً فيه قد ظعنت ... إلا العتاق النجيبات المراسيل ولا يبلغها إلا عذافرة ... سريعة الجري في البيداء شمليل عوج الرقاب كريمات مؤصلة ... ليها على الأين إرفال وتبغيل من كان نضاخة الذفرى إذا عرقت ... تميل عجباً ولا عي وتنكيل كأنما سيرها كالريح إذ عرضت ... عرفتها طامس الأعلام مجهول ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... قد حل سحيل واستقفاه شرحيل لا تختشي تعباً أيضاً ولا سغباً ... إذا توقدت الحزان والميل ضخم مقلدها عبل مقيدها ... لا يشتكي قصر منها ولا طول همر جل مشيها والله صورها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل غلباء وجناء علكوم مذكرة ... عرمومة القد لا عتم وتعييل مدموجة متنها كلاء من سمن ... في دفعها سعة قدامها ميل وجلدها من أطوم لا يدنسه ... سعف شنيع وقذان مناجيل ولا يسسها يا صاح من ملس ... طلح بضاحية المتنين مهزول إلى آخر القصيدة وله غير ذلك وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف اقتضى لحاكم حمص الأمير عبد الرحيم ابن العظم التوجه على جهة عرب الحيارى المعروفين بالموالي المقيمين في تلك الأطراف تبعاً لولاة حلب فتوجه معه المترجم لكونه حاكماً بقلعة تلبيسة وذهب معهما شرذمة من العسكر فلما بلغوا العرب وقاربوا اليهم وقع بينهم الحرب ولم يصدر من طرفهم نصر بالتقدير الألهي فما استقر الأمر مقدار نصف ساعة إلا وأخذتهم العرب وشلحوهم جميعاً وبقي المترجم وحاكم حمص معريين من غير سائرة ثم بعد ذلك جاءه رجل منهم وضربه برمح في رقبته فقتله ومسكوا حاكم حمص وأخذوه ثم بالقرب من الموضع قرية جاء أهلها وأخذوا المترجم محمولاً إلى حمص لعند أهله وكان ذلك في الحادي والعشرين من ربيع الثاني من السنة المذكورة ودفن بتربة مقابلة لمقام سيدي خالد بن الوليد رضي الله عنه وضبطت أمواله للدولة العلية بأمر منها وجاء بالخصوص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 المزبور قبجي باشي من طرف الدولة معين بهذه الخدمة وابيعت كتبه وحوائجه وضبطت أمواله وديونه سمحت بها الدولة لأولاده وبعد وفاته أخذ الحكومة أحد أركان الدولة مسعود بيك نجل الوزير الصدر السابق سعيد باشا ولم يتمكن من ضبطها ثم بعد ذلك وجهت لأولاد المترجم وبعده جاؤا لدمشق وفرغوها لأخي المترجم وهو الآن حاكم تلك القلعة ونسبتهم إلى القصير قرية من نواحي انطاكية وأخبرت إن جدهم الشيخ أحمد القصيري الولي المشهور والله أعلم اقول والقصير اسم لقرى منها قريتان بدمشق الواحدة بالقرب من قرية الريحان والثانية بالقرب من قرية سكا ومنها قرية بناحية حمص تسمى بذلك ومنها القرية التي بقرب انطاكية ومنها المترجم ومما وقع له من المساجلة الشعرية مع الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي حين كان بحمص والشيخ عثمان البصير الحمصي حيث قال السويدي متعرضاً للبصير المذكور وإذا العمي ضم العناد إليه مع ... حسن الصفات كفاك للتحقير فقال البصير وإذا علمت بأن مثل ناقص ... كان المقال لغاية التزوير فقال المترجم وإذا عدمت الفهم فأسأل أهله ... تجد البراعة عند ذي التحرير فقال السويدي وإذا مواهب عابد الرزاق قد ... حلت على الأعمى غدا كبصر فقال البصير وإذا أراد الله اصلاح امرء ... جعلت بصيرته من الأكسير فقال المترجم وإذا تولى القلب منه عناية ... جذبت به العليا من التأخير فقال السويدي وإذا فقدت النور من عينك يا ... أعمى فثق بالله للتبصير فقال البصير وإذا علمت الصبر أعظم منحة ... كان العسير مبدلاً بيسير فقال المترجم وإذا رجوت بلاغة وبراعة ... فأملهما من عالم نحرير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 فقال السويدي وإذا بدا نظر الكريم على امرئ ... سارت بلاغته بكل مسير فقال البصير وإذا رأيت اثنين كلاً مادحاً ... لأخيه كان كلاهما كأمير فقال المترجم وإذا السعيد أضيف لأسم محمد ... بشره بالاسعاد والتيسير فقال السويدي وإذا أتته منيحة من عابد ... الرزاق زادته على التوقير فقال البصير وإذا أضيفت للسويد ولم تزل ... مقرونة بالعز والتخيير فقال المترجم وإذا المكارم والعوارف كانتا ... ارثاً فلا تنهيه للتكثير فقال السويدي وإذا الأبوة خل منها خصلة ... في البخل زانته بغير نكير فقال البصير وإذا الأصول من التدلس خلصت ... بدت الفروع لأحسن التطهير فقال المترجم وإذا الزمان رمى الأكابر بالردى ... يتخلصون بأحسن التدبير فقال السويدي وإذا محمد آل جندي اضا ... منه شهاب زاد في التنوير فقال البصير وإذا أراد الضد فيه مضرة ... فالله أكبر فوق كل كبير فقال المترجم وإذا التجئ لله فهو حفيظه ... من كل ما يخشاه من تكدير فقال السويدي وإذا اختتمت قصيدة بمديحه ... فنواله لك منه خير نصير ووقع في مجلسه أيضاً مع الشيخ السويدي والبصير المذكورين مساجلات في مدحه وفي غير ذلك فمن ذلك ما قاله السويدي مساجلاً رنا وانثنى واهتز كالغصن والقنا ... وصال على العشاق يسطو بقده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 فقال المترجم رشا من بني الأتراك صاد بصاده ... وصير عشاق الورى صيد صيده فقال البصير بديع جمال لو رأى البدر شكله ... دجى لأعتراه الكسف من نور خده فقال السويدي له مقلة تسبي لنا في سوادها ... من الأسر انسان رهين بقدة فقال المترجم توطأ هام النسر منعة حسنه ... فما البدر إذ عدوة الا بعبده فقال البصير جرى سلسبيلاً في لمى در مبسم ... فها أنا ظام أرتجي رشف شهده فقال السويدي وخال عبير صار قلبي له لظى ... وجسمي وأضلاعي مجامر نده فقال المترجم أعار لها من مقلتيه تكحلاً ... وأسبل في الظلما سوابل جعده فقال البصير سبي قاصرات الطرف بالحصر رقة ... وصير أرباب الحجي عقد بنده فقال السويدي هو الشمس لولا ليل شعر بهائه ... فلله در النور يجلي بضده فقال المترجم فما هو إلا في المحاسن مفرد ... وليس به عيب سوى نقض عهده فقال البصير فكم وعد المشتاق منا بزورة ... فيا حبذا لو صح انجاز وعده فقال السويدي فيا قلب صبراً إن تمادى صدوده ... ويا عين سحى إن بليت ببعده فقال المترجم بخيل بجود الوصل لا رفق عنده ... بمن هام فيه من تقمص عهده فقال البصير سمحت له بالروح فهي أعز ما ... ملكت ولكن ليس يغلو بنقده فقال السويدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 ولا غرو إذ منه إليه ملاكها ... وكانت له من قبل يذكي بوده فقال المترجم ولا حيلة تلفي لدي بوصله ... ولا وصله أرجو به نيل رفده فقال البصير فواعجبي في فعل هندي جفنه ... يريق دما العشاق وهو بغمده فقال السويدي فلم أسل إلا أن أؤمل شافعاً ... يبلغني الولدان عنه برشده فقال المترجم هو المصطفى بحر الصفا وبه صفا ... فمشربه إلا صفي موارد جنده فقال البصير أجل ذوي الجاه العريض سيادة ... فكل مقام في العلا دون مجده فقال السويدي رسول الهدى مردى العدى كاشف الردى ... روى الصدا بخر الندى غيث رفده فقال المترجم إليه يشير العالمون بيوم لا ... سواه يرجي للمهول بخمده فقال البصير نبي به قد شرف الله طيبة ... على ما سواها إذ حباها بلحده فقال السويدي محا نسخ التوارة بالسيف والقنا ... وسل حسام الحق من بعد غمده فقال المترجم هو الفرد في كل الكمال ومجمع ... لكل جلال والجمال بورده فقال البصير مزيح الضلالات المضلة بالهدى ... مفرق جمع الشرك من بعد وفده فقال السويدي امام همام سيد سند لمن ... إليه التجئ من كل خطب وجهده فقال المترجم تقي نقي كامل ومكمل ... أقام بنا الاسلام من بعد هذه فقال البصير فكل جمال ظاهر ومحجب ... محمدنا أضحى يتيمة عقدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 فقال السويدي بمولده بطحاء مكة شرفت ... وشرفت الدنيا مواليد ولده فقال المترجم فلا مد في هذا الوجود ولابقاً ... يؤمل إلا من كمالات سعده فقال البصير أجل النبيين الذي بعض فضله ... تنزه عن حصر المديح وحده فقال السويدي ولو صارت السبع البحار مداده ... وميدانها طرساً لا عيت بعده فقال المترجم: لإن سواه لم يمحز رفعة الرقا ... إلى الذروة العليا إلى عند عنده فقال البصير له جاءت الدنيا بأبهج زينة ... رآها بعين الاحتقار وزهده فقال السويدي سرى مذ سرى البيت الحرام إلى العلا ... وآب بليل قبل إيفاء مده فقال المترجم وأخبر عن غير طلوع ظهيرة ... فلم يتخلف عن مقالة وعده فقال البصير فيا خير أرباب الشفاعة كلهم ... وآمرهم تحت اللوا يوم حمده فقال السويدي رجوناك في تيسير كل معسر ... وفي كل آت من خطوب لرده فقال المترجم فمن يرتجي الاك يا خير منعم ... لدفع دواعي الكذب ثم لطرده فقال البصير فعجل بما نرجوه يا من نداؤه ... يحل عظيم الكرب من بعد عقده فقال السويدي عليك صلاة الله ثم سلامه ... مدى الدهر ورداً لا انتهاء لعده فقال المترجم وآل وأصحاب كرام وعترة ... يدومان ما سار الحجيج لقصده فقال البصير وختم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وما عبد رزاق وعثمان بعده ... ونجل السويدي باح كل بوجده عبد الرزاق الرومي عبد الرزاق بن خليل بن جنيد الرومي الأصل الحنفي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد بقية السلف الصالح أبو الأسرار ركن الدين قدم دمشق وتوطنها وكان مجاوراً بها في حجرة بمدرسة الشمسي أحمد باشا المعروفة بسوق الوزير محمد باشا ابن العظم وله تآليف لطيفة وقفت منها على شرحه للتنوير في تسع مجلدات سماه منير الأفكار شرح تنوير الأبصار وأوقفه على المدرسة المتقدم ذكرها ولم أقف له على غيره وكان عالماً عاملاً فقيهاً مفنناً ملازماً لأداء الفرائض والنوافل مشتغلاً بخويصة نفسه تاركاً لما لا يعنيه وكانت وفاته في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى ولم أقف على سنة تعيين وفاته. السيد عبد الرزاق البهنسي السيد عبد الرزاق بن محمد بن عبد الرزاق بن عبد الحق المعروف بالبهنسي الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه كان محققاً له اطلاع في التفسير والفقه والأدب وغير ذلك مكملاً له تفحص على المسائل الدقيقة والغريبة ويبديها ولد بدمشق في ثالث شوال سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة فقراً على الشيخ محمد قولقسز وانتفع به وعلى الشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد التدمري والشيخ عبد الله البصروي والشيخ حسن الكردي نزيل دمشق وأخذ عن الاستاذ السيد مصطفى الصديقي وغيرهم وقرأ في الفقه والنحو والتفسير والمعاني والبيان والمنطق والصرف وغير ذلك وأتقن وحصل وفضله لم يشتهر لعدم تقيده في الاقراء والتدريس لكونه كان محباً للعزلة وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وذكر له من شعره وقال في وصفه جيفة ضغن وحسد وشنشنة لؤم ضمها جسد راض جواد فكره في حزن الخداع وسهله فتلا عليه حاله ولا يحيق المكر السئ إلا بأهلة متشدقاً في ما يؤديه متكبراً فيما يخفيه ويبديه مهتماً بشأن الظهور ومتأسفاً على يوم مشهور فلم تجب الأيام له وسيلة ولم تنقع من تلك الأؤام غليله فنصب الحيلة في نيابة بعض محاكم الأطراف وانتصب لأجراء الأحكام فجرى في سوح الجور والاسراف فتحققت اساءة الظنون فيه والظلم كمين في النفس القدرة تظهره والعجز يخفيه فما مكث إلا يسيراً وانقلب لصولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 العزل أسيراً فندم ندم الفرزدق حين طلق نوار وكان ما بناه من الاقتراف على شفا جرف هارفاً نهار ثم لاذ ببعض الأفاضل وتلمذ له وحسن له ما زخرفه من دهاه وسوله فشن عليه غارة دبرها بمكره الذي ما تعداه واستأصل وظائفه وما ملكت يداه فكانت قوام معاشه وسبب انقاذه من أنياب الفقر وانعاشه وأراد أن يتفهق فتصوف ولم يدر في أي حالة تصرف فجمع بين الأروى والنعام وظمئ من اللج الذي فيه عام وطال حتى كأنه من السدنة الذين يسترقون السمع وراض في ملعب خده على نهضة سوابق الدمع وصار مدمنة تقريع ومجلبة توبيخ مريع وله شعر لم يتناسب طرفاه يقول من سمعه فض الله فاه انتهى مقاله وقد أكثر في ذمه كعادته في غالب تراجمه ومن شعر المترجم قوله من قصيدة ظفرنا بما نهوى وقد حفنا السعد ... فحي على حي المسرة يا سعد وطابت نفوس الأنس منا وأعلنت ... صوادح أطيار الهناطر باتشدو وخابت ظنون الحاسدين فأصبحوا ... حيارى يخزي لا يعيدوا ولا يبدوا وحاق بأهل المكر سئ مكرهم ... وقد خمدت نار لها منهم وقد زويدكم مهلاً بني المهد إنكم ... أسارى بحجر الحجر ما عندكم رشد أسامة لما فارق الغاب جاءه ... ثعالة جهلاً وافداً وله وأد ولم يدر أن الغاب ما غاب ربه ... بهجر ولكن كي يكون له وبد ورب أناس تظهر الود ريبة ... وحشو الحشا منها لقد سجر الحقد يخيل منها فاسد الفكر مأملا ... وظنوا بأن الهزل يعقبه الجد ومن بلغ أعقاب الأمور فإنه ... جدير بما قالوا وليس له رد وهيهات أن يحظوا إذا اشتد هائل ... بمثل حليم دأبه الجود والمجد منها فآب بحول الله والنصر قائداً ... يحف به واللطف في ركبه يحدو وقد جاء نصر الله والفتح مورد ... ترى الناس فوجا بعد فوج لها ورد ومن صادف البحر الخضم سعي له ... ولا يظمئنه جعفر لا ولا ثمد ومنها ولا زلت في برد السيادة رافلاً ... مدى الدهر لا منع يعوق ولا صد ودم في أمان الله والعز منشداً ... ظفرنا بما نهوى وقد حفنا السعد وقد أنشده أخوه السيد أحمد قوله دع الخلاعة في حب الحسان وذم ... أسير علم وأمعن في مطالعته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 ولازم الدرس والكراس مجتهداً ... وأسهر العين ليلاً في مشاهدته وعد عن غي ذي بغي ودعه يتم ... مع الحبيب ويحظى في مطالعته فكتب إليه بقوله إن الخلاعة في حب الحسان هدى ... وما على العاشق الولهان من بأس فعش حميد الورد الخد ملتثماً ... ومت بذاك شهيداً دون إلباس ولازم الدرس والكراس مجتهداً ... واسهر العين ليلا في مشاهدته وعد عن غي ذي بغي ودعه ينم ... مع الحبيب ويحظى في مطالعته فكتب إليه يقوله: إن الخلاعة في حب الحسان هدى ... وما على العاشق الولهان من باس فعش حميد الورد الخد ملتئما ... ومت بذاك شهيدا دون الباس ولازم الدرس والكراس مجتهدا ... في ردع كل غليظ قلبه قاس يظن أن بوصل الحب منقصة ... لكن حرمانه يكفيه في الناس فكتب الأديب السيد أحمد الفلاقنسي بقوله إن الغواية في عشق المليح هدى ... وما على الصب بأس في مضاجعته فقف قليلاً لدى المحبوب مجتنياً ... ورد الخدود وحاذر من مخالفته واحرص على سره من أن تبوح به ... وأسهر العين تحظى في مشاهدته وثابر الدرس والكراس مجتهداً ... في ردع كل غليظ أو مجادلته وخل من ظن إن الحب منقصة ... أسير علم ودعه في مكابدته وقال ملغزاً في أذربيجان الشيخ سعيد السمان أيا واحد النقاد في النحو قد أتى ... إلى سؤال حير الفكر وصفه فما اسم نرى فيه موانع خمسة ... فإن زالت إحداها تعين صرفه فلما رآه المترجم كتب مجيباً بقوله سؤالك أذرى بي فأعدمني الحجي ... ومن بعده جان على الحب مسرف زيادة تركيب عليها قد احتوى ... وعجمته بين الموانع تعرف وللمترجم يقول لنا كانون ماذا ينالني ... بلومكم إياي طال التعاتب على شدة إني جبلت وإنني ... أصم وما أدري بماذا أخاطب وكأنه أراد الرد على الفاضل محمد التافلاني المغربي نزيل القدس حيث قال أقول لكانون ترحل عن الورى ... فدا بك تشتيت لجمع الحبائب فقال فلا تضجر وإن كنت بارداً ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي وقوله أيضاً أقول لكانونين أنهكتما القوى ... وما بكما للعالمين نشاط فقالا إذا غبنا سيحمد أمرنا ... وأما شباط ما علبه رباط وقد ضمن المصراع الأخير من البيتين الأولين الأديب مصطفى اللقمي الدمياطي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 نزيل دمشق فقال يقول لنا كانون إن كنت بارداً ... فللمهج الحر اللذيذ مشاربي وكم لي من أيدي امتنان على الربا ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي وقد ضمن المصراع المذكور أيضاً السيد محمد الشويكي الدمشقي فقال أقول لكانون أطلت عناءنا ... ببرد وأمطار وطول غياهب فقال اذكروا عقباي فهي حميدة ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي وقد طلب تشطير بيتي التافلاتي وتخميسهما من الأديب سعيد السمان الدمشقي فقال أولاً مشطراً أقول لكانون ترحل عن الورى ... لقد رعتهم بالبرد من كل جانب وعرج ولا تبغي المقام بأرضنا ... فدأبك تشتيت لجمع الحبائب فقال ولا تضجر وإن كنت بارداً ... بطبعي ولكني حميد العواقب ولي صدق برهان على ما ادعيته ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي ثم قال مخمساً لهما إذا ما الشتاء الصعب أقبل وانبرى ... يرينا من التعبيس وجهاً منكرا وبردا به الأجفان لم تذق الكرى ... أقول لكانون ترحل عن الورى فدأبك تشتيت لجمع الحبائب فطبعك منه الماء يصبح جامداً ... وكم زمهرير منك فت الجلامدا أهل منك نرجو بعد ذاك فوائداً ... فقال فلا تضجر وإن كنت باردا فإن ثمار الأرض فضل سحائبي ثم قال مضمناً أقول لكانون وقد جاء مرحباً ... بمجمع أحباب ونيل مآرب فقال ولي من بعد ذاك فضيلة ... فإن ثمار الأرض فضل سحائبي وللمترجم غير ذلك من النظم وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء رجب سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد الرسول الطريحي عبد الرسول ابن الطريحي النجفي الأصل الحلي المولد والمسكن الأديب الفاضل الشاعر النحوي الكاتب كان بارعاً بالأدب والمعاني والبيان والعروض والنحو والأدب والشعر ويتعانى الكتابة مع خط حسن ونظم بديع ونثر حسن عجيب وكان معروفاً بالخلاعة والمجون والمداعبة وهو شيعي مشهور بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 ومن مجونه الفاضح قوله في هجاء نفسه عبد الرسول ابن الطريحي فتى ... بكل ما يحرم فعلاً أحاط قد شرب الخمر وداس الزنا ... وقبل المرد وغنى ولاط وأعجب من ذلك إنه طلب تشطيرهما من الفاضل الأديب الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي وألح عليه بذلك حتى أخرج له دواة وقرطاساً من عنده فشطرهما له بقوله عبد الرسول ابن الطريحي فتى ... سما على ابليس وقت النشاط وقبل ما بان له عارض ... بكل ما يحرم فعلاً أحاط قد شرب الخمر وداس الزنا ... وحسن الفسق وذم الرباط وجاوز الكفر بلا شبهة ... وقبل المرد وغنى ولاط وله شعر كثير وكانت وفاته مطعوناً في الطاعون الكبير الواقع في بغداد سنة ست وثمانين ومائة وألف وأخذ للنجف ودفن بها عفا الله عنه. عبد السلام الكاملي عبد السلام بن محمد بن علي بن محمد المعروف بالكاملي وأصحه الكامدي بالدال نسبة لكامد اللوز قرية في البقاع الشافعي الدمشقي الامام العالم العلامة الفقيه النحوي الأديب الأصولي كان ورعاً عاقلاً ساكناً ذا وقار ودين وللناس فيه محبة واعتقاد وله يد طولى في النحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ولد بدمشق تقريباً بعد الثمانين وألف واشتغل بطلب العلم على والده شيخ الاسلام والمحدثين الآتي ذكره وعلى الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وعمدة العلماء الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة والعلامة الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والعالم التقي الشيخ حمزة الدومي الدمشقي وحضر دروس العلامة المدقق الشيخ يحيى الشاوي المغربي وغيرهم وتصدر للافادة بمدرسة الباذرائية وبالجامع الأموي بعد صلاة الصبح وبعد العصر تجاه المقصورة وارتحل إلى مصر وإلى الحج وإلى الروم إلى دار الخلافة ونزل مكة في دار شيخ الاسلام إذ ذاك المولى فيض الله بن حسن جان وترجمه العلامة الأديب السيد محمد أمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه ندب من طريق المجرة مصعده وفي بحبوحة فرق الفرقد مقعده محاسنه تبهر في الاتقاد وقد سلمت من التزييف والانتقاد كأن الله عهد إلى اللطف أن يكون فكأنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 فلهذا ترى مكانه في كل عضو من أعضاء المحبة مكانه وهو من مرايا الباصرة أحق بالنظر إليه من أغفائها ومن حوايا القلب أولى بأن تكشفه من سويدائها يعز علي ويكبر لدي ويحل مني محل عيني ويدي قد أوتي فصاحة ولسنا يدع ما يلفظ حسناً رقت معانيه ورق كلامه ... فقلت هما لي روضة ومدام خلقته مستويه وذاته للكمال محتوية وله أدب بمثابة الروض أخضلت منه الخمائل وشعره قد أشرب رقة الخصور ولطف الشمائل انتهى مقاله ومن شعره قوله في النارنج انظر إلى النارنج في أغصانه ... الخضر اللواتي للنواظر ممتعة كعقود ياقوت الحسان تبددت ... فتلقطته يد الزبرجد مسرعه ومن ذلك قول الاستاذ عبد الغني النابلسي في النارنج أيضاً ألا قم بي إلى روض وريق ... من الأنداء عذب فم وريق ونارنج هناك كحمر ... تظن الدوح منه في حريق بدا في حلة خضراء يزهو ... مزررة بأزرار العقيق وتحسب دوحه طوراً بساط ... الحرير الأخضر البادي البريق وصبغ الأرغوان عليه باد ... كأمثال الدوائر يا رفيقي أو الخد المورد من حياء ... خلال عذاره النضر الأنيق أو الأكر النضار تلقفتها ... صوالج زبرج بيدي رشيق يكاد ذوو التوهم من بعيد ... يراه كروضة ذات الشقيق ومن ذلك قول الفاضل محمد المحمودي وكأنما النارنج في ... أغصانه بادي التبغدد كرة العقيق تلقفتها ... صولجان من زمرد ومن ذلك قول السيد عبد الكريم نقيب الأشراف ما شهدنا في الروض يا شجر النا ... رنج حقاً سواك حاز المزية ورق من زبرجد نضر قد ... زينته ثمارك العسجدية وقول السيد أسعد العبادي من ذلك حكى أحمر النارنج في شجراته ... وأزهاره لما تراءى لجلاسي قناديل ياقوت بقضب زبرجد ... مرصعة فيها حجارة الماس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وللفاضل محمد الدكدكجي من ذلك أيضاً وأشجار نارنج كقامة غادة ... علتها من الديباج حلتها الخضرا وقد رفعت أزرارها ثم زررت ... بأزرار تبر تسلب العقل والفكرا وفي النارنج لأبن المعتز وكأنما النارنج في أغصانه ... من خالص الذهب الذي لم يخلط كرة دحاها الصولجان إلى الهوى ... فتعلقت في جوه لم تسقط ولظافر الحداد تأمل فدتك النفس يا صاح منظراً ... يسر به قلب اللبيب على الفكر حياً وإبل يجري على شجر بدا ... به شجر النارنج كالأكر التبر دموع حذاها الشوق فانهملت على ... خدود تراءت تحت أنقبة خضر وقال الآخر وزكية في صفرة الدينار ... مجذوذة الجامات والأقطار يغن عن المصباح ضوء صباحها ... فكأنما هي كبة من نار ولأبن المعتز أيضاً كأنما النارنج لما بدت ... صفرته في حمرته كاللهيب وجنة معشوق رأى عاشقاً ... فاصفر ثم احمر خوف الرقيب وقال الآخر نارنجة أبصرتها بكرة ... في كف ظبي مشرق كالقمر كأنه في يده جمرة ... قد أثرت فيها رؤس الأبر وقال المعري نار تلوح من النارنج في قضب ... لا النار تخبو ولا الأشجار تشتعل وقال آخر وشادن قلنا له صف لنا ... بستاننا الزاهي ونارنجنا فقال بستانكم جنة ... ومن جنى النارنج ناراً جنى وفي النارنج تشابيه غير ذلك وقال وقد نثر الجلنار على صفحات أوراق فشبهه المترجم بما رق وراق فقال وكأن سقط الجلنار على ... طرس إلى البلور ذي نسب وجه تعشقه الجمال ... فنقط خده من خالص الذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وطلب من خاتمة البلغاء الاستاذ الشيخ عبد الغني تشبيهه فقال لا تعجبوا الانتشار الجلنار على ... طرس لكم واعجبوا من صنعة الباري بياض هذا بدا من تحت حمرة ذا ... جل المؤلف بين الثلج والنار وقال السيد أسعد العبادي فيه كأن سقط الجلنار على ... الطرس الذي بدا من الفضه خد المليح وقد أشرت له ... وغمزته روضة غضه وقال عبد الرحمن بن عبد الرزاق فيه كان سقط الجلنا ... ر في أعالي الورق آثار لئم قد بدت ... فوق بياض العنق ومن بدائع المترجم قوله مؤرخاً في عذار لما بدا خطا العذا ... ر بطلعة القمر الفريد كمل الجمال فخلته ... كالشمس في شرف السعود فكأن خضره نقشه ... في صفحة الخد السعيد قطع الزبرجد نظمت ... فجعلن تيجان الخدود أو نبت ريحان بدا ... في لوح ياقوت نضيد أو طلع تمام أتى ... كيما ينم على الورود أو نفحة المسك انبرت ... فوفت بما ورد وعود أو نظم ند خلته ... ورق البنفسج في عقود أو أرجل النمل انثنت ... عن ورد مبسمه الرود أو خط محراب الهدى ... يصبي الحسان إلى السجود أو مرسل في خده ... يدعو إلى دار الخلود أو سطر حسن رق لي ... حسن التغزل والنشيد قد قلت لما صاغه ... قلم المحاسن في الخدود كتب الجمال مؤرخاً ... خط الزبرجد بالورود ومن معمياته قوله في على لاح شمساً فوق غصن يانع ... زانه خال على خد نقي خلت تحت الشمس لما أن بدا ... طلع الورد بخديك يقي وفي عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 بروحي شادن المى ... ظريف القد ممتشقه دنا واللحظ رائده ... ورام القلب فاسترقه وفي حسين أفديه ظبياً بالدلال مولعاً ... رود الشباب مورد الوجنات عذب الثنايا والمقبل مترف ... لولا التعوذ ذاب باللحظات وكانت وفاته في يوم الجمعة الحادي والعشرين من رجب سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن عند والده الآتي ذكره بتربة الباب الصغير شرقي سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه. عبد الصمد ابن همت عبد الصمد بن عبد الله بن همت بن علي الخلوتي القسطنطيني أحد المشايخ المشهورين بالفضل والنبل والدراية والصلاح ولد بقسطنطينية سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بكنف والده الآتي ذكره وحفته دعواته واستظل برواقه وقرأ وحصل وتفوق ولما توفي والده المذكور في شوال سنة اثنين وعشرين بعد المائة ولي مكانه المشيخة في زاويتهم الكائنة بالقرب من البستان الجديد المعروفة بهم وتصدر للارشاد والافادة ووعظ في جوامع السلاطين بدار السلطنة كوالده وجده وآخراً صار يعظ في جامع السلطان سليمان خان وعظم قدره وفشا ذكره واعتقده الناس وكان من رؤساء المشايخ ومشاهير الوعاظ ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته سنة احدى وخمسين ومائة وألف ودفن باسكدار وسيأتي ذكر والده وولده نور الدين رحمهم الله تعالى. عبد العال الخليلي عبد العال بن محمد بن أحمد الخليلي السيد الشريف لأم والده الشافعي العالم الفاضل المتقن قرأ بمصر على شيوخها وانتفع بهم ودرس ما فاد وألف حاشية على الأحياء للغزالي وحاشية على شرح المنهج في الفقه وكتب بخطه كتباً كثيرة وبالجملة فقد كان من العلماء وقطن مصر إلى أن مات وكانت وفاته بمصر في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الغفور الجوهري عبد الغفور بن محمد المعروف بالجوهري الشافعي النابلسي الشيخ النحوي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 المنطقي الفقيه ولد بنابلس وقرأ القرآن على الشيخ أبي بكر الأخرمي وأخذ الحديث عنه وأثنى عليه في قوة الفهم وكان الشيخ المذكور من خيار العلماء عالماً محدثاً فقيهاً وله تآليف منها شرح الجامع الصغير في الحديث في مجلدين وشرح على ألفية بن مالك في النحو وله غير ذلك من تآليف وحواشي وكانت وفاته في شعبان سنة احدى وتسعين وألف وتنبل المترجم وكان له قدم راسخ في التصوف وأخذ طريق السادة الشاذلية عن الاستاذ الشيخ محمد المزطاري المغربي وأجازه وكتب له اجازة واجتمع بالاستاذ الدمشقي الشيخ عبد الغني المعروف بالنابلسي في رحلته لتلك الأماكن وكتب له الاستاذ المذكور على اجازة الشيخ المزطاري قوله إن هذا المجاز عبد الغفور ... في طريق للشاذلية نور أسعدته اجازة من مجيز ... في مراقي ذوي التقى مشهور زاده الله هيبة وكمالاً ... وحباه بفضله والأجور وحماه من لك سوء وشر ... وعليه والي كثير السرور وأنا العبد للغني ومن نا ... بلس نسبتي لدى الجمهور لم تزل رحمة المهيمن تحمي ... أهل هذا الطريق أسد الخدور ما سرت نسمة على روض زهر ... وانثنى الغصن من غناء الطيور ومن تآليف المترجم حاشية مفيدة على شرح المعفوات لأبن العماد وشرح لطيف على قصيدة الشيخ أبي مدين الغوث التي مطلعها ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا وله رسائل في التصوف. الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره الشيخ عبد الغني بن إسمعيل بن عبد الغني بن إسمعيل بن أحمد بن إبراهيم المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي النقشبندي القادري استاذ الأساتذة وجهبذ الجهابذة الولي العارف ينبوع العوارف والمعارف الامام الوحيد الهام الفريد العالم العلامة الحجة الفهامة البحر الكبير الحبر الشهير شيخ الاسلام صدر الأئمة الأعلام صاحب المصنفات التي اشتهرت شرقاً وغرباً وتداولها الناس عجماً وعرباً ذو الأخلاق الرضية والأوصاف السنية قطب الأقطاب الذي لم تنجب بمثله الأحقاب العارف بربه والفائز بقربه وحبه ذو الكرامات الظاهرة والمكاشفات الباهرة هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل وعلى كل حال فهو الذي لا تستقصي فضائله بعبارة ولا تحصر صفاته وفواضله باشارة والمطول في مدح جنابه مختصر جداً والمكثر في نعت صفاته مقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 ولو بلغ نهاية وحدا ولد بدمشق رضي الله عنه في خامس ذي الحجة سنة خمسين وألف وكان والده سافر إلى الروم وهو حمل فبشر والدته به المجذوب الصالح الشيخ محمود المدفون بتربة الشيخ يوسف القميني بسفح قاسيون وأعطاها درهماً فضة وقال لها سميه عبد الغني فإنه منصور وتوفي الشيخ محمود المذكور قبل ولادة الشيخ بأيام ثم وضعته في التاريخ المذكور وشغله والده بقراءة القرآن ثم بطلب العلم وتوفي والده في سنة اثنين وستين وألف فنشأ يتيماً موفقاً واشتغل بقراءة العلم فقرأ الفقه وأصوله على الشيخ أحمد القلعي الحنفي والنحو والمعاني والتبيان والصرف على الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والحديث ومصطلحه على الشيخ عبد الباقي الحنبلي وأخذ التفسير بالمدرسة السليمية وفي شرح الدر بالجامع الأموي ودخل في عموم اجازته وحضر دروس النجم الغزي ودخل في عموم اجازته وقرأ أيضاً وأخذ على الشيخ محمد بن أحمد الأسطواني والشيخ إبراهيم بن منصور القتال والشيخ عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والسيد محمد بن كمال الدين الحسيني الحسني بن حمزة نقيب الأشراف بدمشق والشيخ محمد العيثاوي والشيخ حسين بن اسكندر الرومي نزيل المدرسة الكلاسة بدمشق وشارح التنوير وغيره والشيخ كمال الدين العرضي الحلبي الأصل الدمشقي والشيخ محمد بن بركات الكوافي الحمصي ثم الدمشقي وغيرهم وأجاز له من مصر الشيخ علي الشيراملسي وأخذ طريق القادرية عن الشيخ السيد عبد الرزاق الحموي الكيلاني وأخذ طريق النقشبندية عن الشيخ سعيد البلخي وابتدأ في قراءة الدروس وإلقائها والتصنيف لما بلغ عشرين عاماً وأدمن المطالعة في كتب الشيخ محي الدين ابن العربي قدس الله سره وكتب السادة الصوفية كابن سبعين والعفيف التلمساني فعادت عليه بركة أنفاسهم فأتاه الفتح اللدني فنظم بديعية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم فاستبعد بعض المنكرين أن تكون من نظمه فاقترح عليه أن يشرحها فشرحها في مدة شهر شرحاً لطيفاً في مجلد ثم نظم بديعية اخرى والتزم فيها تسمية النوع وشرع في إلقاء الدروس بالجامع الأموي فاقراً بكرة لنهر في عدة فنون وبعد العصر في الجامع الصغير ثم الأربعين النووية ثم الاذكار النووية وغيرها وبايع في آخر عمره سنة وفاته جميع العباد بالملأ العام بين الأنام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وصدر له في أول إمرة أحوال غريبة وأطوار عجيبة واستقام في داره الكائنة بقرب الجامع الأموي في سوق العنبرانيين مدة سبع سنوات لم يخرج منها وأسدل شعره ولم يقلم أظفاره وبقي في حالة عجيبة وصارت تعتريه السودا في أوقاته وصارت الحساد تتكلم فيه بكلام لا يليق به من أنه يترك الصلوات الخمس وإنه يهجو الناس بشعره وهو رضي الله عنه برئ من ذلك وقامت عليه أهالي دمشق وصدر منهم في حقه الأفعال الغير المرضية حتى إنه هجاهم وتكلم بما فعلوه معه ولم يزل حتى أظهره الله للوجود وأشرقت به الأيام ورفل في حلل الاقبال والسعود وبادرت الناس للتملي باجتلاء بركاته والترجي لصالح دعواته ووردت عليه أفواج الواردين وصار كهف الحاضرين والوافدين واستجير من سائر الأقطار والبلاد وعمت نفحاته وعلومه الأنام والعباد وارتحل أولاً إلى دار الخلافة في سنة خمس وسبعين وألف فاستقام بها قليلاً وفي سنة مائة بعد الألف ذهب إلى زيارة البقاع وجبل لبنان ثم في سنة احدى ومائة بعد الألف ذهب إلى زيارة القدس والخليل ثم في سنة خمس ومائة ذهب إلى مصر ومن ثمة إلى الحجاز وهي رحلته الكبرى ولكل من هذه الزيارات رحله سيجئ ذكرها وفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ذهب إلى طرابلس الشام نحو أربعين يوماً وصنف فيها رحلة صغيرة ولم تشتهر وانتقل من دمشق من دار أسلافه إلى صالحيتها في ابتداء سنة تسع عشرة ومائة وألف إلى دارهم المعروفة بهم الآن إلى أن مات بها وكان يدرس البيضاوي في صالحية دمشق بالسليمية جوار الشيخ الأكبر قدس سرهما وابتدأ بالدرس من سنة خمس عشرة ومائة وألف وتآليفه ومصنفاته كثيرة وكلها حسنة متداولة مفيدة ونظمه لا يحصى لكثرته. ومن تصانيفه التحرير الحاوي بشرح تفسير البيضاوي وصل فيه من أول سورة البقر إلى قوله تعالى من كان عدو الله في ثلاث مجلدات وشرع في الرابع ومنها بواطن القرآن ومواطن العرفان كله منظوم على قافية التاء المثناة وصل فيه إلى سورة براءة فبلغ نحو الخمسة آلاف بيت ومنها كثر الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين والحديقة النديه شرح الطريقة المحمدية للبركلي الرومي وذخائر المورايث في الدلالة على مواضع الأحاديث وجواهر النصوص في حل كلمات الفصوص للشيخ محيي الدين ابن العربي قدس سره وكشف السر الغامض شرح ديوان ابن الفارض وزهر الحديقة في ترجمة رجال الطريقة وخمرة الحان ورنة الألحان شرح رسالة الشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 أرسلان وتحريك إلا قلبه في فتح باب التوحيد ولمعان البرق النجدي شرح تجليات محمود أفندي الرومي المدفون باسكدار والمعارف الغيبية شرح العينية الجيلية واطلاق القيود شرح مرآة الوجود والظل الممدود في معنى وحدة الوجود ورائحة الجنة شرح اضاءة الدجنة وفتح المعين المبدي شرح منظومة سعدي أفندي ودفع الاختلاف من كلام القاضي والكشاف وإيضاح المقصود من معنى وحدة الوجود وكتاب الوجود الحق والخطاب الصدق ونهاية السول في حلية الرسول صلى الله عليه وسلم ومفتاح المعية شرح الرسالة النقشبندية وبقية الله خير بعد الفناء في السير والمجالس الشامية في مواعظ أهل البلاد الرومية وتوفيق الرتبة في تحقيق الخطبة وطلوع الصباح على خطبة المصباح والجواب التام عن حقيقة الكلام وتحقيق الانتصار في اتفاق الأشعري والماتريدي على الاختيار وكتاب الجواب عن الأسئلة المائة والاحدى والستين وبرهان الثبوت في تربة هاروت وماروت ولمعان الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار وتحقيق الذوق والرشف في معنى المخالفة بين أهل الكشف وروض الأنام في بيان الاجازة في المنام وصفوة الأصفياء في بيان الفضيلة بين الأنبياء والكوكب الساري في حقيقة الجزء الاختياري وأنوار السلوك في أسرار الملوك ورفع الريب عن حضرة الغيب وتحريك سلسلة الوداد في مسئلة خلق أفعال العباد وزبد الفائدة في الجواب عن الأبيات الواردة والنظر المشرفي في معنى قول الشيخ عمر ابن الفارض عرفت أم لم تعرف والسر المختبي في ضريح ابن العربي رضي الله عنه والمقام الأسمي في امتزاج الاسما وقطرة السماء ونظرة العلماء والفتوحات المدنية في الحضرات المحمدية والفتح المكي واللمح الملكي والجواب المعتمد عن سؤالات أهل صفد ولمعة النور المضية شرح الأبيات السبعة الزائدة من الخمرية الفارضية والحامل في الملك والمحمول في الفلك في أخلاق النبوة والرسالة والخلافة في الملك والنفحات المنتشرة في الجواب عن الأسئلة العشرة عن أقسام البدعة والقول الأبين في شرح عقيدة أبي مدين وهو المسمى بابن عراق وكشف النور عن أصحاب القبور وفيه كرامات الأولياء بعد الموت وبذل الاحسان في تحقيق معنى الانسان والقول العاصم في قراءة حفص عن عاصم نظماً على قافية القاف وشرح هذا النظم صرف العنان إلى قراءة حفص بن سليمان والجواب المنثور والمنظوم عن سؤال المفهوم وكتاب علم الملاحة في علم الفلاحة وتعطير الأنام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 في تعبير المنام والقول السديد في جواز خلف الوعيد والرد على الرجل العنيد ورد التعنيف على المعنف واثبات جهل هذا المصنف وهدية الفقير وتحية الوزير والقلائد الفرائد في موائد الفوائد في فقه الحنفية على ترتيب أبواب الفقه وكتاب ريع الافادات في ربع العبادات وكتاب المطالب الوفيه شرح الفرائد السنيه منظومة الشيخ أحمد الصفدي وديوان الألهيات الذي سماه ديوان الحقائق وميدان الرقائق ويدوان المدائح النبوية المسمى بنفحة القبول في مدحة الرسول وهو مرتب على الحروف وديوان المدائح المطلقة والمراسلات والألغاز وغير ذلك وديوان الغزليات المسمى خمرة بابل وغناء البلابل وغيث القبول همي في معنى جعلا له شركاء فيما آتاهما ورفع الكساء عن عبارة البيضاوي في سورة النساء وجمع الأشكال ومنع الأشكال عن عبارة تفسير البغوي والجواب عن عبارة في الأربعين النووية في قوله رويناه ورفع الستور عن متعلق الجار والمجرور في عبارة خسرو والشمس على جناح طائر في مقام الواقف السائر والعقد النظيم في القدر العظيم في شرح بيت من بردة المديح وعذر الأئمة في نصح الأمة وجمع الأسرار في منع الأشرار عن الظن في الصوفية الأخيار وجواب سؤال ورد من طرف بطرك النصارى في التوحيد قال المصحح البطرك على وزن قمطر وبرمك وبطريق وزان زنديق بمعنى انتهى وفتح الكبير بفتح راء التكبير ورسالة في سؤال عن حديث نبوي وتحقيق النظر في تحقيق النظر في وقف معلوم وجواب سؤال في شرط واقف من المدينة المنورة وكشف الستر عن فريضة الوتر ونخبة المسئلة شرح التحفة المرسلة في التوحيد وبسط الذراعين بالوصيد في بيان الحقيقة والمجاز في التوحيد ورفع الاشتباه عن علمية اسم الله وحق اليقين وهداية المتقين ورسالة في تعبير رؤيا سئل عنها وارشاد المتملي في تبليغ غير المصلي وكفاية المستفيد في علم التجويد ورسالة في حل نكاح المتعتقة على الشريعة وصدح الحمامة في شروط الامامة وتحفة الناسك في بيان المناسك وبغية المكتفي في جواز الخف الحنفي والرد الوفي على جواب الحصكفي في رسالة الخف الحنفي وحلية الذهب الابريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز ورنة النسيم وغنة الرخيم وفتح الانفلاق في مسئلة على الطلاق والخضرة الأنسية في الرحلة القدسية ورد المتين على منتقص العارف محيي الدين والحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز ووسائل التحقيق في رسائل التدقيق في مكاتبات علمية وإيضاح الدلالات في سماع الآلات وتخيير العباد في سكن البلاد ورفع لضروره عن حج الصيروره ورسالة في الحث على الجهاد واشتباك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 الأسنه في الجواب عن الفرض والسنه والابتهاج في مناسك الحاج وأجوبة الأنسيه عن الأسئلة القدسيه وتطييب النفوس في حكم المقادم والرؤس والغيث المنبجس في حكم المصبوغ بالنجس واشراق المعالم في أحكام المظالم ورسالة في احترام الخبز واتحاف من بادر إلى حكم النوشادر والكشف والتبيان عما يتعلق بالنسيان والنعم السوابغ في احرام المدني من رابغ وسرعة الانتباه لمسئلة الاشتباه في فقه الحنفية ورسالة في جواب سؤال من بيت المقدس وتحفة الراكع الساجد في جواز الاعتكاف في فناء المساجد وجواب سؤال ورد من مكة المشرفة عن الاقتداء من جوف الكعبة وخلاصة التحقيق في حكم التقليد والتلفيق وابانة النص في مسئلة القص أي قص اللحية والأجوبة البته عن الأسئلة السته ورفع العناد عن حكم التفويض والاسناد في نظم الوقف وتشحيذ لأذهان في تطهير الأدهان وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية وتفوه الصور شرح عقود الدرر فيما يفتي به على قول زفر والكشف عن الأغلاط التسعة من بيت الساعة من القاموس ورسالة في حكم التسعير من الحكام وتقريب الكلام على الافهام في معنى وحدة الوجود والنسيم الربيعي في التجاذب البديعي وتنبيه من يلهو عن صحة الذكر بالاسم هو والكواكب المشرقة في حكم استعمال لمنطقة من الفضة ونتيجة العلوم ونصيحة علماء الرسوم في شرح مقالات السرهندي المعلوم ورسالة في معنى البيتين رأت قمر السماء فاذكرتني إلى آخره وتكميل النعوت في لزوم البيوت وسؤال ورد في بيت المقدس ومعه جواب منه والجواب الشريف للحضرة الشريفة إن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة وتنبيه الافهام على عدة الحكام شرح منظومة القاضي محب الدين الحموي وأنوار الشموس في خطب الدروس ومجموع خطب التفسير وصل فيه إلى ستمائة خطبة واثنين وثلاثين والأجوبة المنظومة عن الأسئلة المعلومة من جهة بيت المقدس والتحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية والعبير في التعبير نظماً من بحر الرجز وتحصيل الأجر في حكم أذان الفجر وقلائد المرجان في عقائد الايمان والأنوار الألهية شرح المقدمة السنوسية وغاية الوجازة في تكرار الصلاة على الجنازة وشرح أوراد الشيخ عبد القادر الكيلاني وكفاية العلام في أركان الاسلام منظومة مائة وخمسون بيتاً ورشحات الاقدام شرح كفاية الغلام والفتح الرباني والفيض الرحماني وبذل الصلاة في بيان الصلاة على مذهب الحنفية ونور الأفئدة شرح المرشدة واسباغ المنه في أنهار الجنة ونهاية المراد شرح هدية ابن العماد في فقه الحنفية وإزالة الخفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 عن حلية المصطفى صلى الله عليه وسلم ونزهة الواجد في الصلاة على الجنائز في المساجد وصرف الأعنه إلى عقائد أهل السنه وسلوى النديم وتذكرة العديم والنوافج الفائحة بروائح الرؤيا الصالحة والجوهر الكلي شرح عمدة المصلي وهي المقدمة الكيدانية وحلية العارمي في صفات الباري والكوكب الوقاد في حسن الاعتقاد وكوكب الصبح في إزالة ليلة القبح والعقود اللؤلؤية في طريق المولوية والصراط السموي شرح ديباجات المثنوي وبداية المريد ونهاية السعيد ونسمات الأسحار في مدح النبي المختار وهي البديعية وشرحها نفحات الأزهار على نسمات الأسحار والقول المعتبر في بيان النظر ورسالة في العقائد وحلاوة الآلا في التعبير إجمالاً والمقاصد الممحصة في بيان كي الحمصة ورسالة اخرى في كل الحمصة وزيادة البسطة في بيان العلم نقطة واللؤلؤ المكنون في حكم الأخبار عما سيكون ورد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب والقول المختار في الرد على الجاهل المحتار ودفع الايهام جواب سؤال والكوكب المتلألئ شرح قصيدة الغزالي ورد المفتري عن الطعن في الششتري والتنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم واتحاف الساري في زيارة الشيخ مدرك الفزاري وديوان الخطب المسمى بيوانع الرطب في بدائع الخطب والحوض المورود في زيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود ومخرج الملتقى ومنهج المرتقى ومنظومة في ملوك بني عثمان وثواب المدرك لزيارة الست زينب أو الشيخ مدرك وعيون الأمثال العديمة المثال وغاية المطلوب في محبة المحبوب ومناغاة القديم ومناجاة الحكيم والطلعة البدرية شرح القصيدة المضرية والكتابة العلية على الرسالة الجنبلاطية وركوب التقييد بالاذعان في وجوب التقليد في الايمان ورد الحجج الداحضة على عصبة الغي الرافضة وشرح نظم قبضة النور المسمى نفخة الصور ونفحة الزهور ومفتاح الفتوح في مشكاة الجسم وزجاجة النفس ومصباح الروح وصفوة الضمير في نصرة الوزير وشرح نظم السنوسية المسمى باللطائف الأنسية على نظم العقيدة السنوسية وتحقيق معنى المعبود في صورة كل معبود ورسالة في قوله عليه السلام من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً وأنس الحافر في معنى من قال أنا مؤمن فهو كافر وتحرير عين الاثبات في تقرير عين الاثبات وتشريف التغريب في تنزيه القرآن عن التعريب والجواب العلي عن حال الولي وفتح العين عن الفرق بين التسميتين يعني تسمية المسلمين وتسمية النصارى والروض المعطار بروائق الأشعار والصلح بين الاخوان في حكم اباحة الدخان وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيلبح والعقود اللؤلؤية في طريق المولوية والصراط السموي شرح ديباجات المثنوي وبداية المريد ونهاية السعيد ونسمات الأسحار في مدح النبي المختار وهي البديعية وشرحها نفحات الأزهار على نسمات الأسحار والقول المعتبر في بيان النظر ورسالة في العقائد وحلاوة الآلا في التعبير إجمالاً والمقاصد الممحصة في بيان كي الحمصة ورسالة اخرى في كل الحمصة وزيادة البسطة في بيان العلم نقطة واللؤلؤ المكنون في حكم الأخبار عما سيكون ورد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب والقول المختار في الرد على الجاهل المحتار ودفع الايهام جواب سؤال والكوكب المتلألئ شرح قصيدة الغزالي ورد المفتري عن الطعن في الششتري والتنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم واتحاف الساري في زيارة الشيخ مدرك الفزاري وديوان الخطب المسمى بيوانع الرطب في بدائع الخطب والحوض المورود في زيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود ومخرج الملتقى ومنهج المرتقى ومنظومة في ملوك بني عثمان وثواب المدرك لزيارة الست زينب أو الشيخ مدرك وعيون الأمثال العديمة المثال وغاية المطلوب في محبة المحبوب ومناغاة القديم ومناجاة الحكيم والطلعة البدرية شرح القصيدة المضرية والكتابة العلية على الرسالة الجنبلاطية وركوب التقييد بالاذعان في وجوب التقليد في الايمان ورد الحجج الداحضة على عصبة الغي الرافضة وشرح نظم قبضة النور المسمى نفخة الصور ونفحة الزهور ومفتاح الفتوح في مشكاة الجسم وزجاجة النفس ومصباح الروح وصفوة الضمير في نصرة الوزير وشرح نظم السنوسية المسمى باللطائف الأنسية على نظم العقيدة السنوسية وتحقيق معنى المعبود في صورة كل معبود ورسالة في قوله عليه السلام من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً وأنس الحافر في معنى من قال أنا مؤمن فهو كافر وتحرير عين الاثبات في تقرير عين الاثبات وتشريف التغريب في تنزيه القرآن عن التعريب والجواب العلي عن حال الولي وفتح العين عن الفرق بين التسميتين يعني تسمية المسلمين وتسمية النصارى والروض المعطار بروائق الأشعار والصلح بين الاخوان في حكم اباحة الدخان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيل إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتح نوراً أو تنظم جوهراً مصون اللسان عن اللغو والشتم لا يخوض فيما لا يعنيه ولا يحقد على أحد يحب الصالحين والفقراء وطلبة العلم ويكرمهم ويجلهم ويبذل جاهه بالشفاعات الحسنة لولاة الأمور فتقبل ولا ترد معرضاً عن النظر إلى الشهوات لا لذة له الا في نشر العلم وكتابته رحيب الصدر كثير السخاء وله كرمات لا تحصى وكان لا يحب أن تظهر عليه ولا أن تحكي عنه هذا مع اقبال الناس عليه ومحبتهم له واعتقادهم فيه ورأى في أواخر عمره من العز والجاه ورفعة القدر ما لا يوصف ومتعه الله بقوته وعقله فكان يصلي النافلة من قيام ويصلي التراويح في داره اماماً بالناس إلى أزمات ويقرأ الخط الدقيق ويكتب في تصانيفه كشرح البيضاوي وغيره بعد أن جاوز التسعين وكنت عزمت على أن أشنف الأسماع بشيء من شعره ونثره ثم رأيت إن الله سبحانه وتعالى قد نشرهما في البلاد فشعره ينشد في المحافل ويحفظه الناس وسار مسير الشمس في كل بلدة وتطرزت به المجاميع من الآداب فاقتصرت من بحر ترجمته على هذه القطرة ومن كنز مآثره ومناقبه على هذه الشذرة وقد أخذ عنه الوالد وأجازه حين ختم عليه الجد الفتوحات المكية ودعا له وشملته بركاته وأما احصاء فضائله فلا تطاق بترجمه وتصير منها بطون الأوراق مفعمه وبالجملة فهو الأستاذ الأعظم والملاذ الأعصم والعارف الكامل والعالم الكبير العامل القطب الرباني والغوث الصمداني من أظهره الله فأشرقت به شموس الارشاد والعلوم وأظهر خفيات ما رق عن الافهام وصير المجهول معلوم وقد حاز تاريخي هذا كمال الفخر حيث احتوى على مثل هذا الامام الذي أنجبه الدهر وجاد به العصر وهو أعظم من ترجمته علماً وولاية وزهداً وشهرة ودراية مرض رضي الله عنه في السادس عشر من شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وانتقل بالوفاة عصر يوم الأحد الرابع والعشرين من الشهر المذكور وجهز يوم الأثنين الخامس والعشرين من الشهر وصلى عليه في داره ودفن بالقبة التي أنشأها في أواخر سنة ست وعشرين ومائة وألف وغلقت البلد يوم موته وانتشرت الناس في جبل الصالحية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 لكون البيت امتلأ وغص بالخلق وبنى حفيده الشيخ مصطفى النابلسي إلى جانب ضريحه جامعاً حسناً بخطبة والآن يتبرك به ويزار سيما في صبيحة يوم السبت رضي الله عنه وقد صنف ابن سبطه صاحبنا العالم كمال الدين محمد الغزي العامري في ترجمته كتاباً مستقلاً سماه الورد القدسي والوارد الأنسي في ترجمة العارف عبد الغني النابلسي فمن أراد الزيادة على ما ذكرناه فعليه به فإنه جامع للعجب العجاب من ترجمته قدس الله سره. عبد الغني بن رضوان عبد الغني بن رضوان الحنفي الصيداوي مفتي الحنفية بها ومحققها الشيخ العالم العلامة الكامل الصالح كان متضلعاً من العلوم وله يد طولى فيها ويحب أهل الله من المجاذيب وفضله أشهر من أن يذكر وبالجملة فقد كان خاتمة البلغاء والعلماء بصيدا ولم يخلفه شبه له ولد بها في سنة احدى ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وكنز الدقائق وألفية ابن مالك وقدم دمشق واشتغل بها في العلوم على جماعة منهم الشيخ الياس الكردي نزيلها والشيخ أبو المواهب الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليل والشيخ عثمان الشمعة وأخذ الحديث عن الشيخ يونس المصري مدرس قبة النسر بالجامع الأموي ومكث بدمشق ثلاث سنوات ثم عاد إلى صيدا وارتحل منها إلى مصر ومكث فيها احدى عشرة سنة وهو مشتغل بالعلوم ليلاً ونهاراً وأخذ بها عن جماعة كالشيخ علي العقدي والشيخ أحمد الملوي والشيخ السيد علي الاسكندري ومنصور المنوفي وعبد الرؤف البشبيشي قرأ عليه البيضاوي في التفسير وكان مشاركاً له في القراءة الشيخان العالمان الشيخ علي كزبر الدمشقي والشيخ محمد همات الدمشقي نزيل قسطنطينية ثم عاد إلى صيدا وتولى الافتاء بها وأحياها بالعلوم واشتغل عليه جم غفير من أهلها وكان سيبويه زمانه فإنه اشتهر بالنحو وتفسير الرؤيا واستقام على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في ربيع الثاني سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الغني بن فضل الله عبد الغني بن فضل الله بن عبد القادر الصالحي الحيسوب الفرضي البارع أخذ وقرأ على عدة شيوخ وانتفع بهم ومهر بأمر المساحة والمناسخات وكان مشهوراً بالفرائض وتتخذه أرباب القرايا والزراعات لمسح الأراضي وحصل له صمم في اذنه وافتقر وتغير حاله وأتعبه الدهر وكانت وفاته في سنة ست وثمانين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الغني الياغوشي عبد الغني بن محمد بن إبراهيم بن صالح بن عمر باشا بن حسن باشا صاحب الخان والوقف المعروفين بدمشق الشريف لأمه الدمشقي الحنفي الكاتب البارع النبيه الفطن الذكي ولد بدمشق ليلة السبت خامس شعبان سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وأخذ الخط عن خاتمة الأدباء أحمد بن حسين الكيواني وبرع بصناعة الانشاء وتعلق على مطالعة كتب الأدب والمحاضرات ولازم الأدباء وجالسهم وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحل لقسطنطينية صحبة قاضي مكة المولى أحمد عطاء الله عرب زاده الذي هو الآن قاضي العساكر ورئيس العلماء واجتمع بصدور الدولة ورؤسائها ولما تولى الصدارة الكبرى الوزير محمد باشا السلحدار صار يتفحص عن أمور الدولة فأخبر عن المترجم بأشياء ذميمة فصدر الأمر بنفيه إلى جزيرة لمنى فبعد وصوله فر منها وقدم بروسه ولما أعطى الوزارة الكبرى الوزير محمد عزت باشا أطلق المترجم وأدخله في سلك الكتاب كتاب الوزير وعين له بعض التعيينات السلطانية وفي سنة سبع وتسعين وجهت وزارة دمشق للوزير درويش باشا ابن عثمان باشا فرغب صاحب الترجمة في الانتماء والانتساب إليه فترجى من الدولة أن ينعموا عليه بأمر سلطاني يصير سبباً لمجيئه لدمشق فأنعموا عليه بأمرين أحدهما خطاب لوالي حلب والثاني للوزير المذكور مع بعض أوامر فقدم حلب ودمشق وصدرت منه زلة أيضاً صارت سبباً لنفيه مرة ثانية فنفي بالأمر السلطاني إلى جزيرة عورت تجاه بلدة طرابلس الشام ثم جاءه العفو فرجع إلى دمشق وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الأدب منيف فمنه قوله ممتدحاً الوالد المرحوم ريم رشيق القد مائس ... قد بات لي سحراً موانس نشوان من خمر الشبا ... ب مهفهف الأعطاف مائس حلو الحديث وبارد الأنفاس ... ساجي الطرف ناخس وافى وقد هدأت عيو ... ن الدار من واش وحارس فجلوت منه الشمس في ... غسق وجنح الليل دامس وأخذت منه طائعاً ... ما كنت آخذ منه ناعس ولمست من أعطافه ... ما لم يلامسه ملامس أفديه من متوحش ... قد صار لي في الوصل آنس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 لم أنس ليلة بات لي ... ذاك الغزال بها مجالس حتى شهدت بحسنه ... حرب البسوس وحرب داحس أشبهت يا ريم الكناس ... محاسناً صنم الكنائس ألبستني حلل الضنا ... وشغلت قلبي بالهواجس عجبي لطرفك كيف أسهرني ... بحبك وهو ناعس وضعيف خصرك كيف ... صلت به على الشوس المعاوس إن لم تتب عما جنيت ... وترتدع عن ذي الوساوس أشكو فعالك للهمام ... الندب معدوم المجانس بدر المساجد والمدا ... رس والمنابر والمجالس نبراس آل محمد الغر ... الميامين النبارس سيف السيادة من به ... رغمت من الأعدا معاطس نعمان أرباب الدروس ... فقيه أصحاب الطيالس مخدوم سلطان الورى ... مولى الجميع بلا مجانس قطب له الفضلاء في ... وقت الدروس غدت فرائس نعس الذي أضحى له ... في الجود والاقدام قانس هذا الذي واسى وقد ... عز المواسي والموانس بحر السماح ومن تهلل ... وجهه والجو عابس نطق إذا ازدحم الندى ... بكل مرؤس ورائس تجثو الرؤس للثم أخمصه ... وتزدحم القلانس فاهنأ بشهر الصوم يا ... شمس المكارم والنبارس شهر عظيم قدره ... ولنا به الحنان حارس مولاي دعوة آمل ... من عطف قلبك غير آبس فأزح بصبح رضاك عن ... قلبي من الكرب الحنادس وألن لي الزمن الذي ... ما زال قاصي العطف شابس واليكها عذراء تر ... فل من مديحك في ملابس عربية لم يأت قط ... بمثلها في الحسن فارس كلا ولا عبرت على ... فكر الفحول بني مكانس فانحر لها بدر النضا ... ر وزفها زف العرائس وبقيت ما بقيت تنا ... شدها الأكارم في المجالس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكانت وفاته بدمشق مطعوناً شهيداً في منتصف رجب الأصم سنة مائتين وألف ودفن عند سلفه بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. عبد الغني بن محيي الدين بن مكية عبد الغني بن محيي الدين الحنفي النابلسي وتقدم عم والده حافظ الدين ابن مكية أحد الأذكياء الأفاضل ولد قبل المائة واشتغل بحفظ القرآن وتجويده على والده الخطيب بالجامع الصلاحي وتفقه على عم أبيه المذكور ثم رحل لمصر القاهرة وجاور بالجامع الأزهر وشمر ساق عزمه في التحصيل وفاز بحظ جزيل حتى قيل لا نجد كعبد الغنى في تحقيق المعاني وتدقيق المباني وعاد لوطنه وصار فارس الرهان في مضمار البيان وتولى افتاء نابلس ودرس بها وانتفع عليه جملة من الطلبة وفد نظم العشرة التي لا تجتمع مع عشرة بقوله نهى أمامنا أبو حنيفة ... عن اجتماع عشرة منيفة مع مثلها أيضاً فكن متبعاً ... لقوله وما تلا فاستمعا وبعضهم قد ضم أشياء أخر ... لا تجتمع وذاك قول منتصر الأول القطع مع الضمان ... وجلدهم والرجم يفترقان تيمم مع الوضوء يمتنع ... والعشر مع خراجهم لا يجتمع والأجر والضمان ثم المتعة ... مع مهر مثل قيمة والدية جلد مع النفي إلى الأقطار ... والأجر مع غنم من الكبار وهكذا القصاص والكفارة ... وصوم فرض وقضى ما اختاره وفدية وهكذا الصوم ... وصية ميراث زاد القوم والحيض أيضاً واستحاضة أتت ... كماله الجمهور نصاً قررت كانت وفاته في ليلة السابع والعشرين من رمضان بعد قيامه من المقرأ وقد وقفوا على سورة الواقعة والنوبة إذ ذاك عليه سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الفتاح التميمي عبد الفتاح بن درويش التميمي الحنفي النابلسي خاتمة المحققين الشيخ العالم الفاضل الفقيه جاور بالقدس وتفقه على مفتيها الشيخ السيد عبد الرحيم المطفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 ولما توسم النجابة فيه زوجه بابنته وأظهر بين أقرانه علو رتبته وباشر افتاء القدس عنه مرات متعددة بطريق الوكالة أخبر ولده بأنه لم يعهد نفسه الا في حفظ القرآن وتجويده وله من التآليف كتاب في الفقه غزير الفوائد سماه الفوائد الفتاحية في فقه الحنفية وله فتاوي لطيفة جمعها مدة مباشرته الفتيا وكانت وفاته في أواخر سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ولديه مصطفى ومحمد في محلهما رحمهما الله تعالى. عبد الفتاح بن مغيزل عبد الفتاح بن مصطفى بن عبد الباقي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مغيزل الشافعي الدمشقي الفاضل الأديب البارع الطبيب كان له في الأدب وفنونه الاطلاع والوقوف التام مع مهارة في علم الطب والحكمة دمث الأخلاق حسن العشرة طيب المذاكرة سلم الناس من يده ولسانه لا يعتني فيما لا يعنيه ولا يشغل نفسه بشيء إلى المذلة بدنيه ولد بدمشق في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف كما أخبرني من لفظه واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل له فقرأ على جده السيد عبد الباقي والشيخ محمد الحبال والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ محمد الديري وانتفع على الشيخ محمد قولقسز وقرأ أيضاً على الشيخ محمد الغزي الفرضي مفتي الشافعية بدمشق وعلى الشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي كزبر وحضرهم وأخذ عن الأستاذين العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ مصطفى الصديقي وفي آخر أمره لازم الشيخ عمر البغدادي نزيل دمشق وحضره في الفتوحات المكية وشرح فصوص الحكم للجندي وغيرهما وكان تحفة ندمانه وشمامة خلانه مصطحباً زمرة أفاضل وأدباء وسادة وكان يكثر التردد إلى بني حمزة النقباء بدمشق وهو من خواصهم وكان في الطب يراجع ويعالج المرضي وكانت عليه وظائف قليلة فرغها لأبن أخيه عند موته وفي آخر أمره حصل له داء المفاصل فنكد عيشه وأفناه وأعله وأضناه فكان تارة يخرج من البيت وتارة يستقيم وملازمته لداره أكثر وصدق عليه قول القائل ومن حكم المولى التي تبهر النهى ... طبيب يداوي الناس وهو عليل ولم يزل مرضه يزداد إلى أن مات ومن شعره الباهي ما كتبه إلى حين قدمت من الديار الروميه ممتدحاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 ضاءت بطلعتك الأكوان وابتهجت ... بك المنازل بل قرت بك المقل وطائر اليمن نادى بالمنى علناً ... بشرى لنا الامن لا خوف ولا وجل رقيت أوج المعالي يا ابن بجدتها ... فدون رتبتك العليا غدا زحل حويت كل بديع في القريض فلو ... أدركت سحبان لم يضرب به المثل سموت بالفضل حتى قيل ليس لنا ... سوى الخليل مجيباً كل ما سألوا وجدت حتى غدا الطائي في خجل ... وآب راجيك لم يقصر به الأمل ونلت بالعزم بل بالحزم ما قصرت ... عنه الصدور فأنت الأوحد البطل لله درك يا نجل العلى لقد ... نظمت شمل الدراري بعدما افلوا فاسلم ودم ببقاء الدهر مرتقياً ... تحيي مآثر ما قد شاده الأول وأهنأ بعام جديد دمت في دعة ... ورفعة ببرود المجد تشتمل واعذر أخاً فكرة أقصى مداركها ... وهن العظام وشيب الرأس مشتعل ومن شعره ما قاله بقرية الهامة في وادي بردا أحد منتزهات دمشق يا حسن روض حللنا ضمن ساحته ... يزهو بأربعة تمت بها النعم لطف النسيم وزهر الروض يخجله ... ثغر الحبيب إذا ما افتر يبتسم وجدول كلما ينساب تحسبه ... جيش الأراقم ولي وهو منهزم وبدر تم سقاني من لواحظه ... خمراً فأحيى فؤاداً شفه السقم يذير ما بيننا راحاً معتقة ... كأنما هي في راحاته صنم فيالها خلسة جاد الزمان بها ... كأنها في دجى آمالنا حلم وله في التدبيج يا حسن ظبي رشيق القد ذي هيف ... يسبي عقول الورى منه بلامين وأسود الخال في محمر وجنته ... يحمي بياض الطلا من أزرق العين وفي ذلك للشيخ مصطفى بن أسعد اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق ورب ليل نقى الأفق من علل ... لقد كسى حلة التدبيج واعتدلا فاحمر بالشفق القاني أزرقه ... وابيض البدر مسود الظلام جلا وله أيضاً وروض بهيج قد تفتق نوره ... كسته يد التدبيج أحسن ملبس بأحمر منثور وأزرق سوسن ... وأخضر ريحان واصفر نرجس ومن ذلك قول السيد محمد الشويكي لا تلمني إذا تنقع لوني ... وجفت لذة الرقاد جفوني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 فاصفراري من فيض أحمر دمعي ... وهو من فتك بيض سود عيون وله أيضاً ورب ليل بدر الغيث جادلنا ... وقد كسى حلة التدبيج للأفق فابيض البرق وضاح بأسوده ... وأزرق الغيم غطى أحمر الشفق ومن ذلك ما أنشد الفاضل محمد سعيد النابلسي قم لداعي السرور في روض أنس ... دبجته الأزهار بالانتهاض أبيض الياسمين فيه يناجي ... أحمر الورد في اخضرار الرياض وله بروحي غزال صاد قلبي بطرفه ... وأحرمني طيب المنام لبعده له مقلة سوداء أحمر مدمعي ... عليها جرى مذ هز أسمر قده وفي ذلك للشيخ سعيد المقدسي الصالحي هذا الشقيق لقد أتت أيامه ... فانهض لمنظره وحسن نضاره قد خلت أسوده وأحمره معاً ... خد الجيب مدبجاً بعذاره وفيه للشيخ محمد بن عثمان الشمعة قوله وروض أريض لاح يحكي بنوره ... بدائع وشيء من ملابس خاقان بأصفر منثور وأزرق سنبل ... وأحمر ورد ثم أخضر ريحان وله أيضاً وروض حوى كل المحاسن وازدهى ... بأنواع أزهار بها الطرف ينجلي بأصفر وحواح وأحمر لعلع ... وأخضر نمام وأزرق سنبل وفي التدبيج للصلاح الصفدي وهو قوله اشتهرت وانتشرت حيلتي ... في حبه مذ زاد في صده قومي الأسود من طرفه ... وموتي الأحمر من خده ويحسن قول الشاب الظريف تدبيج حسنك يا حبيبي قد غدا ... في الناس أصل تولهي وبلائي وبالطرة السوداء تحت الغرة ... البيضاء فوق الوجنة الحمراء وقول عز الدين الموصلي خضرة الصدغ والسواد من العين ... بياض المشيب قد أورثاني واحمرار الدموع صفر خدي ... كل ذا من تلونات الزمان وأحسن من ذلك قول الحريري في المقامة الزورائيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 فلهذا أغبر العيش الأخضر وأزور المحبوب الأصفر وأسود يومي الأبيض وأبيض فودي الأسود حتى رثى لي العدو الأزرق فيا حبذا الموت الأحمر انتهى ومن معميات صاحب الترجمه في اسم مروان جرعتني كأس الصدود وطالما ... علقت بقلبي في الغرام يد النوى وتركتني حيران صبا هائماً ... أروي حديث صبابتي فبمروري وله في اسم قاسم يا حسن بدر مشرق بجماله ... إن لاح حسناً تنكسف شمس النهار لا من كؤوس الراح سكري انما ... من ثغره ساق على الندمان دار ومن شعره مضمناً المصراع الأخير لقد زار الحبيب بجنح ليل ... فأوسعت المعاطف منه ضما ولام العاذلون فقلت كفوا ... فلي اذن عن الفحشاء صما ومن ذلك تضمين الشيخ سعيد السمان وهو قوله دعوني والغرام ولا تطيلوا ... ملاماً بقصم الحجر الأصما فلي قلب عليه مستقيم ... ولي اذن عن الفحشاء صما وضمنه الشيخ عبد الرحمن بن أحمد المنيني فقال لحاني العاذلون وعنفوني ... فولت عنهم الأسماع صما ولم أسمع مقالتهم بلوم ... ولي اذن عن الفحشاء صما وضمنه الشيخ أحمد العمري فقال وشمس في يدي قمر تبدت ... يطوف بها كبدر التم ألمى ويثني عطفه والجيد نحوي ... فأهصر خوط بان طاب ضما وأجنى من رياض الخد ورداً ... نضيراً قد زكا شماً ولثما وارشف خمرة من فيه سكراً ... لقد دقت عن الآراء فهما واستمع المثاني لا أبالي ... بواش أوسع الأسماع سقما وإني والهوى والشطح قسمي ... ولي أذن عن الفحشاء صما وضمنه الشيخ السيد مصطفى الحموي نزيل دمشق فقال يؤمنني العذول على تلافي ... بمن من لحظه لي راش سهما رويدك كيف أسمع منك عذلاً ... ولي أذن عن الفحشاء صما وضمنه المولى حامد العمادي المفتي فقال إذا زار الحبيب بغير وعد ... وأطفأ جمرة الأشواق لثما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 يذكرني جفاه حين وافى ... ولي أذن عن الفحشاء صما وضمنه السيد حسين بن عبد الرحمن السرميني فقال وأحدب يسترق القول عني ... ويقصدني لكي يزداد دائما فلي عين تكف الطرف عنه ... ولي أذن عن الفحشاء صما وكانت وفاة المترجم في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الثاني سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية في مرج الدحداح ولم يعقب الا البنات رحمه الله تعالى. عبد الفتاح السباعي عبد الفتاح بن محمد المعروف بالسباعي الحنفي الحمصي الشيخ العالم الفاضل اللوذعي ذو الفضل كان محققاً في العلوم مستخرجاً للعبارات ولم يتقيد في صغره بالطلب حتى بلغ سنه الثلاثين فحصل له نفحة نبوية فتمكن من العلوم وتفوق مع طلب يسير وظهر له بعض تآليف في النحو والفقه والتوحيد وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ عبد الغني المغربي وتولى افتاء حمص عدة سنين ووجد له فتاوي في العربية والتركية وكان فصيحاً أديباً له قصائد كثيرة وكانت وفاته بقسطنطينية وصادفه الحمام ثمة في سنة احدى عشرة ومائة وألف ودفن باسكدار رحمه الله. السيد عبد القادر بن الكيلاني السيد عبد القادر بن السيد إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي وينتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه الحنفي الحموي القادري نزيل دمشق السيد الشريف الحسيب النسيب الشيخ المعتقد الصالح التقي المتعبد المتهجد الفالح الناجح السخي الجواد الشهم المهاب كان مبجلاً معظماً رئيساً صنديداً ذو عز وجاه وسمو رفعة مع تمام الثروة والسعة ولد ببغداد في سنة ثمانين وألف وبها نشأ وقرأ على جده لأمه العلامة الشيخ مدلج البغدادي وعلى خاله الفاضل الشيخ ظاهر وأخذ عنهما وعن غيرهما العلم وأحسن الخط وأنشأه الله بموافقة الحظ وكان يتكلم بالفارسي وبالتركي وقدم حماه في سنة خمس وتسعين وألف وتصدر في دار أبيه وتولى النقابة بها وسافر إلى حلب وقسطنطينية والقاهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وقدم بأولاده في آخر أمره إلى دمشق وقطنو بها وكان السبب في سكناهم دمشق والتوطن بها كونهم كانوا حكام حماه يضمنونها من طرف الدولة ويلتزمونها يمال معلوم وهي ونواحيها في تصرفهم وانعقدت أمورها بهم واختصوا بها ثم دخل الطمع عليهم في الأحكام بها فقامت عليهم أهالي حماه ورعاعها وكان ذلك بتحريك بعض المعاصرين لهم من الحكام قال المصحح يحكى أن حجي كان يضرب ثوره الكبير لتربية ثوره الصغير العاصي ويقول لولا أشار الكبير ما كان يعصي الصغير انتهى وهجموا على دورهم وقصدو نهبها وحاصروهم حتى صاروا يضربونهم بالرصاص وتنادي أهل حماة طاب الموت واشتدت هذه الحالة بهم واستقامت مدة أيام قلائل حتى وجدوا فرصة للفرار وجاء المترجم إلى دمشق وقريبه الأستاذ الشيخ السيد يس وأولاد المترجم السيد يعقوب والسيد إسحق والسيد محمد والسيد صالح والسيد عبد الرحمن وقصدوا الحج لبيت الله الحرام في تلك السنة وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وكان أمير الحاج ووالي الشام إذ ذاك الوزير عبد الله باشا الأيدينلي ثم بعد عودهم من الحاج استقاموا بدمشق واستوطنوها ولما قدم حاكماً لدمشق الوزير قال المصحح إن سليمان باشا تولى مصر بعد مصطفى باشا وقبل علي باشا وعزله عثمان بك ذو الفقار في جمادي الأولى سنة 1153 انتهى سليمان باشا العظم تزوج بابنة الشيخ يس المذكور واتصلت القرابة بينهم وكان السبب في ذلك تراخيهم في الأمور حين رفع القلعة بدمشق الوزير إسمعيل باشا العظم والذي جرى عليه وعلى ولده الوزير أسعد باشا لما كان محبوساً بقلعة حماه للأمر السلطاني بذلك فظهر من المترجم ومن قريبه الشيخ يس طمع في ذلك وصدرت من أولاده فعال غير مرضية في حق المذكورين واستقام المترجم في دمشق إلى أن مات وصارت له بدمشق الشهرة التامة وأنفق في أيامه بها دراهم كثيرة وأموالاً لا تحصى وعلا قدره وسما ذكره وصار بنو الآمال وافدة عليه لقضاء حوائجهم واستدانت منه أناس كثيرون أموالاً ووقف داره بعض عقارات بدمشق وكان حسن المحاضرة عذب المحاوره جميل المعاشرة فضيل المذاكرة يروي الأشعار والنكت والأخبار دمث الأخلاق وكان له أخ اسمه الشيخ عبد الرزاق له فضل وأدب وشعر ورأيت له ديوان شعر ومولده أيضاً في بغداد وكان على المترجم تدريس وتولية المدرسة العصرونية بحماه باعتبار رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي ثم أعطى قضاء طرابلس الشام مع رتبة قضاء القدس الشريف وصرف على صيرورة ذلك مبلغاً وافياً من الدراهم قال المصحح قال في كتابه العزيز ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام إلى آخر الآية انتهى ولم يتول بعد ذلك منصباً ولم يزل معظماً مبجلاً إلى أن مات وكانت وفاته في ذي القعدة سنة سبع وخمسين ومائة وألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من مرقد زين العابدين رضي الله عنه وأما أولاده المذكورون فالسيد يعقوب كان أديباً وستأتي ترجمته وأما السيد إسحق فكان مباركاً وتوفي مقتولاً بحماة في سنة خمس وثمانين ومائة وألف وأما السيد محمد فكان خطاطاً وتولى نقابة دمشق وتوفي في سنة ست وثمانين ومائة وألف بحماه وأما السيد صالح فكان صالحاً وكانت له رتبة اعتبار المدرسين بدمشق وتوفي بها في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف وما السيد عبد الرحمن فكان عالماً فاضلاً ومرت تراجم بعضهم في هذا الكتاب وقد رثى المترجم السيد مصطفى العلواني الحموي بقصيدة مطلعها هوت من بنا المجد الرفيع دعائمه ... وأقوت مغاني أنسه ومعالمه وأصبح ركن المكرمات مضعضعاً ... ويا طالما شادت فخاراً مكارمه وأغطش ليل ليس عندي نهاره ... بأبيض بل يربو على الليل فاحمه وإن نهاراً شمسه غربت ولا ... يرجى لها الاشراق يظلم قاتمه أبان ضمير الدهر عن سوء مخير ... لقد ظل فينا برهة وهو كاتمه إلا رحمة عند المنون لماجد ... لقد وسعت أهل الزمان مراحمه تجهم وجه كان بالأمس ثغره ... ليفتر عن تلك المسرات باسمه وأوكف دمع الحزن دمعاً كأنني ... به إن تمادى يملأ الحزن ساجمة فواعجباً للطود يودع حفرة ... وما برحت فيح الفلاة تعاظمه ويحويه بطن الأرض وهو الذي حوى ... مكارم عنها ضاق لا شك عالمه منها رضيع لبان المجد ما سنه وإن ... تناهى عن استرضاع ذلك فاطمه إذا هو أعطى استأصل الجود ماله ... وما هو إلا في المبرات قاسمه منها ليبك عليه حندس الليل إنه ... لقد عرفيه بعده الآن قائمه يبيت يجافي الجنب عن خير مضجع ... فليس سوى طول السجود يلايمه ويزري على خديه دمعاً يثيره ... توهج قلب خوفه الله ضارمه ويتلو كتاب الله وهو الذي به ... لقد عمرت أوقاته ومواسمه بذلك إن الله يحبوه بالرضى ... دلائل خيرات تظل تلازمه أبى الله إن الدهر مهما تفاقمت ... حوادثه عن فعله البر حاسمه لتهن به الحور الحسان فإنها ... لفي غرف الفردوس أمست تنادمه على ذلك القبر الذي فيه قد ثوى ... لينهل من مزن الرضى متراكمه مدى الدهر ما هب النسيم وغردت ... على فنن الغصن الرطيب حمائمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 عبد القادر الصديقي عبد القادر بن أبي بكر الصديقي الحنفي المكي شيخ الاسلام ببلد الله الحرام الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد المفنن البارع النحرير الهمام أبو الفرج محيي الدين أخذ العلم من مكة المشرفة ولازم الطلب على أبي الأسرار حسن بن علي العجيمي المكي وتفقه به وسمع عليه الموطا والصحيحين وقرأ عليه فن البيان وعرض عليه كثيراً من الكتب كالمطول والأطول وغيرهما من الشروح والحواشي وحضر دروسه في تفسير القاضي والبغوي وأجاز له لفظاً وكتابة وله من التآليف كتاب سماه تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم وكانت وفاته سنة هكذا بياض في الأصل. عبد القادر ابن بشر السيد عبد القادر بن بشر الشافعي الحلبي كان فاضلاً ناسكاً هيناً ليناً فقيراً صابراً له ذكاء واستحضار ولد تقريباً في سنة عشرين ومائة وألف وقرأ على علماء عصره كالعلامة الشيخ علي الميقاتي والفاضل الشيخ حسن السرميني والعالم الشيخ طه الجبريني وغيرهم ورحل إلى اسلامبول ولقي الأفاضل وصارت له وظيفة تدريس بأموي حلب وكان له نظم فمنه ما نظمه ممتدحاً به شيخه الميقاتي بقوله درر التحقيق بكر لم تزح أنقابها من يرم مدن المعاني فعلى بابها وله مضمناً إن المدائح للمداح قد شرعت ... وكل أمر رجوه فهو مقبول فلابس البردة الحسناء شافعه ... بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وله مضمناً أيضاً عمر الوردي لو يعلم ما ... صنعت قوم بأهل الأدب لم يقل في النصح يوماً لأبنه ... انظم الشعر ولازم مذهبي وكانت وفاته في نيف وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد القادر البانقوسي عبد القادر بن صالح بن عبد الرحمن ابن السيد الشريف الحنفي الحلبي الشهير بالبانقوسي الشيخ الفاضل الفقيه الأديب الأوحد المفنن الذكي البارع ولد بحلب سنة اثنين وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرآن وأخذ الخط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 المنسوب وقدم دمشق واجتمع بعلمائها وادبائها وتكرر منه ذلك وكان له براعة وتفوق في جميع الفنون وكتب الخط الحسن ودرس بحلب في جامعها الأموي الكبير وألف بشرحاً على الدر المختار للحصكفي سماه سلك النضار على الدر المختار أخبرني أخوه الشيخ صادق إنه بيض من مسوداته مجلدين وصل فيهما إلى كتاب الصوم وشرح كتاب معدل الصلاة للبركلي وله تعليقة نافعه على أوائل صحيح البخاري أملاها حين تدريسه وكتبها حين قراءته وشرح نظم المراقي الشرنبلالية وله غير ذلك من الآثار ونظمه ونثره في تفوق من البلاغة وله في الأدب إحاطة بالعيوب والعلل والمحاسن ودخل العراق والروم ودرس باياصوفية لما ذهب للقسطنطينية في صحيح البخاري وانتفع بأفاضلها وأخذ عنهم وأخذوا عنه ثم رجع منها إلى بلدة حلب سنة احدى وثمانين وقدم دمشق سنة اثنين وثمانين ومائة وألف وامتدح والدي المرحوم السيد علي أفندي وكف بصره في آخر عمره وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضل منيف فمنه قوله وكتب بها إلي في واقعة حال بدت تخجل الأقمار بالمنظر الأجلى ... ولاحت تريك الشمس في الشرف الأعلى وزارت على رغم الحواسد فانثنت ... أمانيهم منها منكدة خسرى محجبة تهتز من مرح الصبا ... فتأنف أن تلقى عقوداً لها الجوزا وعهدي بها تجلي لمن ليس كفوها ... فها هي قد جاءتك تلتمس الرجعى فألبستها من حلة المجد خلعة ... تروق كما راقت على الروضة الأندا وجاءت بشارات المسرات والهنا ... تهنيك بل تهني بك المنصب الأسنى وأصبح ثغر الدهر يفتر باسماً ... سروراً بما أوليت من نعم تترى نهضت بعزم يفلق الصخر طالباً ... تراث أبيك الأكرم الطيب المثوى ويممت قسطنطينية تطلب العلا ... كما أم ذو يزن لمطلبه كسرى على متن مندوب يصلي وراءه ... غداة تساق الخيل داحس والغبرا من الجرد لو كلفته وضع حافر ... بأعلى عنان الجو لأقتحم الشعرى فأنزلت فيها منزل العز والتقى ... وشائيك بين الناس ينعت بالأشقى وأصبحت مشكور المساعي حميدها ... وضدك في أرجائها خابط عشوا تقول دمشق حسرتا ثم حسرتا ... أبعد على كيف اذكر في الأحيا وهل كيف يسلوه فؤادي وروحه ... بآل مراد انني بهم أحيى إذا اختلفت أقوالهم في حياتها ... بغيرهم قالت فديتك بالموتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 سألت المعالي عنكم غير مرة ... فقالت هي الشقرا مسائلها شتى وهل بعد هذا الوجه تطلب مدركاً ... لتقضي به في كل مشكلة عميا وقد وقع التصحيح بعد اختلافهم ... بأن أرخوا وجهاً خليل به يفتى وأبت وذكراك الجميل مطبق ... لآفاقها المعمور أقصاه والأدنى وما هي إلا منك شنشنة لها ... مخائل إسعاد إلى أخزم تنمى نمتك إلى الأفتا جهابذ سادة ... نماهم إلى الافتاء من شرع الفتوى هم شيدوا ركن الفخار وحبذا ... دعامة مجد أنت جؤجؤها الأقصى فيا آل مراد أنتم خير عصبة ... وأنتم جمال الخلق والدين والدنيا بكم شرف الله الوجود وجودكم ... يذكرنا عهد البرامكة الأولى ومن علينا الله فضلاً بكم كما ... على قوم موسى من بالمن والسلوى اليك رفيع المجد أرفع قصة ... ولي حاجة في النفس أوقن أن تقضى نضضت ركاب السير من أجلها إلى ... حماك فلم أنجح وقد أخفق المسعى لكم في قضا سرمين قدما علاقة ... ينابيعها تتلو بحازم والمعرا مسارب أوعال خلت من زراعه ... اليها ابن آوى من توحشها آوى ومن سوء حظي إن رزقي فلاحة ... بها أبتغيه في التراب على العميا يعز على المضني المتيم أن يرى ... منازل من يهوى على غير ما يهوى ومذ كنت قد ألزمتها بمعجرف ... يسوم رعاياها الغرامات والبلوى تداعوا إلى حلف الفضول واقسموا ... على تركها بوراً واهماً لها قفرا وذا العام كانوا طبقوها زراعة ... ليستبدلوا من دونها قرية اخرى فأخصب واديها وأينع ربعها ... وخاماتها تختال في الروضة الدهما تموج كموج البحر إن هبت الصبا ... ويغرق منها السرح في الموضع الأدنى وبالرغم منهم أن يولوا اقتسامها ... وكيل ابن طه إنها قسمة ضيزى فما نعته عنها وقلت له اتئد ... اجارتكم منها أما آن أن تقضى فكف يداً عنها واحجم خاسئاً ... وهبت على زراعها نسمة البشرى فيا بشرهم لما رأوه مبعداً ... ويا بشرها لما غدت يده قصرى وأخبرتهم إني أريد التزامها ... إلى حجج قالوا هي المنة العظمى وأقبلت أرعاها وأحمي ذمارها ... لسابق ودمنكم خالص المعزى وكم زدت عنها كل لص سميدع ... ولا سيما الخرفان إذا كثر الغوغا ومذ هاج منها زرعها لحصاده ... وقد أعجب الزراع سنبله الأبهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 ندبت لها من كل جلد شحانيا ... وبيدر تهاطر أو غصت بها البطحا بيادر أمثال الروابي كائنها ... جبال تمطت للعلى تطلب العليا شوامخ لو أن ابن نوح يؤمها ... لكان من الطوفان يبغي بها المنجا يمثل أهرامات مصر سموها ... ومخروطها لكن تلك بلا جدوى قال المصحح كان أضاع الزمان ضياع بعض الضعفاء بأنشاب أظفار بعض الأقوياء فتذكرت قول من قال بمناسبة أهرامات أين الهرمان من بنيانه ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلف الآثار عن سكانها حيناً ويدركها الفناء فتتبع قال في كتابه العزيز ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انتهى ولما تناهت في العلو تطاولاً ... أتيح لها الدراس فانقلبت صرعى ومدت لها أيدي الذراة مذارياً ... لتنسفها نسفاً وتجعلها دكا وكاتبتكم فيها فلم يأت منكم ... جواب وأخبار بدت عنكم شتى فمن قائل أيوب دارة داره ... ومن قائل للشام قد أزمع المسرا فبينا أنا في الأمر إذ جاء منكم ... كتاب إلى ابن الجابري الآله الحدبا وفوضتم فيه إليه أمورها ... وهل يجتني شهد مشور من الأفعى ففاوضته فيها وقلت حذار من ... وكيل ابن طه إنه حية رقطا ولم أدر أن الصفر والبيض قد أتت ... إلى جيبه ليلاً مهرولة تسعى ولما رآني قد خبرت ارتشاءه ... تزايد لؤماً وانتحى الفعلة الشنعا قال المصحح قد شبهوا المرتشي بالذئب والراشي بالقبطي الذي يرقص الذئب والبرطيل حلقة في أنف الذئب وطوق في جيده من فضة أو من ذهب على قدر عظم الذئب وقيمته فإن مات الذئب قبل القيطى فيسعى المرقص على نزعهما ليعلق على ذئب آخر لأنهما لا يتفاوتان بالدناءة وإن مات المرقص قبل الذئب فيوجد مرقص آخر وهذا يضعف الحلق والأطواق لسمن الذئب لكي يقدر على ضبط الذئب كالمرقص الأول وهذا دأب المرتكبين لأنهم ورثوا الخبث صاغراً عن صاغر لا كابراً عن كابر فلا تجد في تراجمهم حديثاً يعدلهم من المفاخر ولما كانت الدنيا بهذه الحالة والا تدراكها السلطان محمود الثاني رحمه الله تعالى وأزال الطغاة وأشبه الشبل الأسد فأدام الله مولانا عبد العزيز لقد فاق الملوك بتمييز الغش من الأبريز انتهى وأقبل يبدي لي المعاذير قائلاً ... لقد زاد في إيجارها إنه أولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 فقلت أنا أولى بها منه قال لا ... لأني طريق الأولوية لا أرعى فقلت إذا حكم البوار مآلها ... فقال وفي دار البوار لنا مثوى فقلت إذا بارت تبور فلاحتي ... لأني لا أقوى على طلل أقوى وإني من أهل العلم والأمر واضح ... فقال أما تدري بأنا لكم أعدا فقلت فأفراخي صغار فلا تدع ... حواصلهم خمراً بلا ما ولا مرعى فقال وكم أطفال ميت تركتهم ... جياعاً بلا مال وأمهم ثكلى فراجعته فيها مراراً فلم يفه ... بخير وكان اللوم في حقه أغرا فقلت على مثل المرادي ترتشي ... فقال نعم مثلي على أبه يرشى فقلت له شلت يمينك مرتش ... فقال ارتشائي كله باليد اليسرى تورع كلب أو تنسك مومس ... فقلت لقد أقذيت قال وما الأقذا فقلت له تبت يداك مخادعاً ... فآخر سطر أنت من سورة الأعمى وآجرها من مارق ماكر له ... أفانين ظلم تفلق الصخرة الصما ولا عجب فأشبه متجذب إلى ... مشابهه والجنس مع جنسه يثنى وسلمها للمجرمين خيانة ... وشاركهم في الأثم والحاصل الأوفى فهل سمعت اذناك أن بيادراً ... تواجر من أفتى بذا لحكم من أفتى وهذا جزاء لأصطناعكم له ... ومن يصنع المعروف مع مثله يجزى فلا قدس الرحمن يوماً صفاته ... وطهر من أمثاله حلب الشهبا ومن دابه أكل الحرام صراحة ... وتبديل شرع الله بالعرض الأدنى ويأكل أموال اليتامى جراءة ... على الله لا يرعاه فيهم ولا يخشى وغير مخاز لا ندلس طرسنا ... بها فالتجأ من كل ما يغضب المولى أينكر منه أن يخون ويرتشي ... عليك ولا يخشى عتاباً ولا يخزى وما هو إلا كأسرى غير جابري ... وكم للمسمى خالفت في الورى الأسما ويكفيه إن الله أخبر إنه ... سيصلي سعيراً مثل من عبد العزى قال المصحح قصيدة علي الدرويش التي تضمن ما تورط ناظمها في مكائد بعض مشايخ القرى بشرقية مصر قد أثبتوها في ديوانه المطبوع ليتشفى المظلومون بها رحمه الله تعالى كان يقول قصيدتي هذه اقرؤوها يا اخواني وقت السحر ولا تنسوا في حق الذئاب مثل تفرقوا شذر مذر انتهى فدونكها كالعقد فيه زمرد ... ودر وياقوت يتيمنه عصما ممتعة حوراء مقصورة لها ... جزالة ألفاظ حوت رقة المعنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 حكاية حال بل شكاية حاله ... ومن قبل قد قالوا ولا بد من شكوى خريدة فكر أقبلت في خجالة ... أتت ترتجي تقبيل راحتك اليمنى أبوك علي كرم الله وجهه ... وجاد تراباً ضمه صيب الرحمى أياديه كم قد قلدتني مكارماً ... عقدت بها عهداً من الود لا ينسى فلا زلت معمور الذرى طيب الثنا ... منيع الحمى تقفو طريقته المثلى تزيد على مر الزمان نبالة ... ويصحبك التوفيق والعز والتقوى ولا زلت مرجو النوال مكرم ... الخصال إلى أن ينقضي أمد الدنيا ثم اتبعها بقوله نثراً الجناب الأعظم والمقر الأشرف الأكرم بسط الله ظله الوارف وخار له في الظعن والاقامة وسر أولياءه بما أقدمه عليه من النعمة السابغة والسلامة واطلع من وجهه الوضاح على محبيه ما ينكشف به الظلام والظلامه بنعمة جاءت كما نشتهي ... من عند رب العرش مسراها أتت وقد جرت ذيول الهنا ... بأي شكر نتلقاها فالحمد لله على أننا ... نحمد أولاها وأخراها فلا شانت الأيام صفوها ولا نحا الحدثان نحوها لينتشر له من السعد ما هو كامن ويجد به مقعد المعالي منحطاً له ومتطامن على إن هذا العبد الداعي لم يزل يخدم هذا الباب بدعاء بينه وبين القبول علائم ويستمسك من أزج وداده بأعظم القواعد وأثبت الدعائم ويبث ثناء لا يفعل بالألباب فعل المدام فتقهقه منه المحابر وتضحك الأقلام على أني أسأل الله أن يفيض ملابس إحسانه على من أم حرمه ويجبر بعطفه على من كسره الزمان وحرمه آمين أما بعد فإن هذا الداعي القديم والمحب الذي هو في أوطان محبتكم مقيم لما جرى عليه من سوء الحدثان ما جرى تشبث في معاشه بأذناب البقر واضطر إلى أن يجعل لها في منابيع احسانكم مشرباً ومستقر فأطلعت بهذه المناسبة على أحوال وتعلقت أماني بآمال فمن جملة ذلك ما رأيته من نفرة المزارعين في مزارعكم من الأكار الذي هو الحاج أحمد أغا الخزينه دار المكار بحيث إنهم عولوا على تركها ما دام خولياً وجعلوا صبرهم على غدره حولياً وتحققوا إنهم خرجوا من سلفه إليه كمن فر من المطر إلى تحت الميزاب وصاروا من ذلك في نقض وابرام واقدام على النقلة من ترك الزرع واحجام فأسروا بعد ذلك إلي وعولوا في آزائهم علي لعلمهم بانتسابي اليكم وسابقة احتسابي عليكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وهنا أمور كثيرة لا أطيل بذكرها وخلاصة الأمر إنهم في عام احدى وتسعين الذي تتم به مدة اجارته والتزامه صمموا على أن يطبقوها زرعاً فلحانها والحصيد بناء على أنهم يستوفون آثار العمل من الأرض ولا يبقى لهم فيها عرض فإن جدد الحاج أحمد الاجارة أزمعوا على الرحيل ولحقوا بالغاره فجاء المطر غزيراً في هذا العام وقال أهل النظر سلمه السلام ولم يظهر للاجارة خبر وأراد الحاج أحمد أن يضع يده فضولاً التي هي في المظالم طولى فبادرت إلى منعه وأعملت الفكرة في دفعه وذلك قبل أبان الحصاد وقلت في نفسي أنا محسوب آل مراد وهذه فرصة اقدامها بين يدي نحوي أملي ووسيلة الشكر مساعيها لديكم في عملي فوضعت النواطير والشحاني ورضيت بذلك مشقتي وامتهاني كل ذلك وأنا أنظر إلى المصلحة بعيني وأسلك في طريقي بين جهتين مراعياً بذلك مصلحة الزراع وحفظ علاقة سيدي المطاع وأملت أن أكون بعد ملتزماً للمزارع متعيشاً بها ومستعيناً على الأيام التي خلبتني بانياً بها فبينا أنا في هذا العمل ظهر من الجابري ما ظهر من منعي عنها ودعوى الوكالة من طرفه واتفاقه مع الحاج أحمد فإنه آجره كالمعتاد أولاً بمائتين وستة وستين مواضعة واشترك معه سراً فلما رأى بحثي عنه ترقى في الظاهر إلى أربعمائة وقد أخبرت الجناب بأن المزارع أقلبت بحيث إنه يستوفي منها اجرة سنين تزيد مبلغاً على خمسين مضروبة في خمسين فهممت ولم أكد ونهضت لمدافعته نهوض المقعد وكنت كمن يطلب ظهور الفجر قبل السحر أو ظهور الفجر قال المصحح عبارته هنا ناقصة انتهى من هذه الجيوب العلية وأنا احاشيك أن تجعلني كالمتمني أن يرى فلقاً من الصباح بعد هذا الأمل والارتياح فالمرجو أن تؤثرني ولا تؤثر علي وتوجرني المزارع ثلاث سنين وتنقد اجرة مني أسوة غيري وزياده وأدفع الأجرة سلفاً عن سنة كالعادة وأما هذه السنة الشاغرة التي جمعت بيادرها وأظهرت ببحثي عمن قبضها وغادرها فهي موقوفة على آرائك فلا يغرك الغرور الجابري بالترهات فإنه جالقي وقته وهيهات فإني أعرف جزئيها وكليها كل ذلك عندي في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فإن أردت وكلنني أخدمك بجمعها وتصحيحها وأرسل ذلك اليك والأمر بعد ذلك اليك فإن والله سروري بقدوك أذهلني أن أعطي الأدب حقه وأن أجلو المدائح المسترقة انتهى وكان صاحب الترجمة من أفاضل عصره علماً وأدباً ولطفاً وديانة وكف في آخر عمره وقدم دمشق مراراً وصار بينه وبين أفاضلها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 مباحث وله آداب فائقة وأشعار رائقة دونت في مجاميعه وكانت وفاته بحلب في اثنين وعشرين من الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن في مقبرة الحجاج خارج بان قوسه رحمه الله تعالى. عبد القادر الكدك عبد القادر بن خليل المدني الحنفي الشهير بالكدك الشيخ الفاضل الأديب الناظم الناثر الأوحد المفنن أبو المفاخر زين الدين قدم دمشق سنة تسع وسبعين ومائة وألف واجتمع بوالدي وامتدحه وألف رسالة باسمه سماها كيد الصروف عن أهل المعروف وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف منه قوله مادحاً والدي أرح العيس رفقة بفؤادي ... وأنخها فقد وفدت بوادي واخلع النعل فهو أقدس واد ... جئته في الورى وأشرف نادي وتأدب فذا مقام علي ... ومقام لديه كل مراد قد علا ذكره بأوج علاء ... فلهذا بالندى إليه ينادي حرم آمن لمن حل فيه ... وسواء لعاكف أو بادي فتعلق بذيل كعبة مجد ... طاف قلب الورى بذاك السواد كم رنت في الورى إليه عيون ... واطمأنت له قلوب العباد حل في داخل القلوب ولكن ... عن عيون الأنام بالمرصاد كيف لا ينجلي بكل فؤاد ... وتجلي لنا بسود العواد قدسي حسنه الورى وتولى ... في قلوب العباد والعباد فترى حوله الورى دار طرا ... خاضعي الرأس ناكسي الأجياد هم جميعاً لهم مقاصد شتى ... وهو للكل بغية المرتاد عائد الكل منهم صلة المو ... صول حالاً من وصله المعتاد فاصرف القصد نحوه في الورى ... ملتزماً ركن بابه باستناد فهو باب السلام من كل صرف ... لصروف الزمان والانكاد واسع نحو الصفا وهرول لدى ... باب علي فذاك باب المراد رب بيت ولا كبيت علي ... وعلى داخليه نور بادي لا تحج القصاد إلا إليه ... كيف لا وهو قبلة القصاد قل لمن أم ذلك البيت ذا بو ... م المنى وهو أعيد الأعياد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 ساعدتك الأيام بين الأنام ... اليوم والسعد جاء بالاسعاد ولياليك كلها ليالي القدر ... لدى عالي القدر ركن العباد ولسان للحال أفصح شادياً ... بفصيح الانشاء والانشاد قد وصلت الوادي المقدس أرخ ... خير واد لديه جل المراد وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وارتحل لدار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية واجتمع برؤسائها وصار له منهم اقبال وافر واكرام متكاثر ثم رجع إلى بلدته المدينة وأفاد واستفاد وكان من وجوه أهل المدينة ورؤسائها وكانت وفاته بها سنة تسع وثمانين ومائة وألف بتقديم تاء تسع ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. السيد عبد القادر بن شاهين السيد عبد القادر بن شاهين الشريف لأمه الحلبي الشيخ التقي الورع الزاهد كان والده جندياً ووالدته من ذرية الولي الكبير أحمد الرفاعي الشهير من بيت الصياد المشهورين وسيأتي ذكر أخيه عمر وهذا المترجم ولد بحلب في سنة اثنين وتسعين وألف واعتنى به والده وأقرأه القرآن العظيم وجود على الشيخ عامر المصري ثم بعد وفاة الشيخ المذكور حفظ القرآن على الشيخ عمر المصري شيخ القراء وقرأ الفقه على الشيخ المعمر قاسم النجار وقرأ النحو والصرف على الشيخ عبد الرحمن العاري وتعلم الخط المنسبوب بأنواعه على الأستاذ الماهر مرتضى البغدادي الملقب بصدر الدين وقرأ اللغة الفارسية والتركية على الشيخ عمر المعروف بالمقرقع القاطن بالمستدامية وبرع في جميع هذه الفنون وتوفي والده وله من العمر أربعة عشر سنة وترك تركة وافرة من المال والسلاح والعقارات فلم يلتفت إلى شيء منها وتسلم الجميع أخوه الكبير واشتغل هو بخويصة نفسه فاعتنى بها وخدمها وذلك إنه رأى نفسه أرضا أنيقه بكل خير وريقه إلا أنه ألفاها مأوى لأسد الغضب ونمور الجهل وكلاب الحرص وحيات الظلم وعقارب الحسد فنفي عنها هذه الآفات كلها وحفها بأضدادها فصارت خيراً محضاً وأخذ طريق التصوف عن العارف بالله تعالى الشيخ حسين الزيات القاطن في مسجد محلة سويقة الحجارين الذي صار الآن زاوية للسادة القادرية المواهبية ولازم الشيخ المومي إليه مدة حياته فلما توفي لازم الأستاذ العارف بالله تعالى الشيخ مصطفى المعروف باللطيفي في قدماته إلى حلب وكان المترجم ممن حبب الله إليه الطاعة والعزلة والاشتغال بالعلوم النافعة واكتساب الكمالات واجتناب مخالطة الناس واللهو واللعب وكانت سيرته إنه كان يقوم وقت الفجر فيذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 مع أخيه إلى درس النجار الشيخ صالح وكان الشيخ يقرأ درس الفقه قبيل صلاة الصبح في مسجده ثم يأتي إلى البيت فيمكث إلى حين طلوع الشمس ثم يذهب إلى مسجد الشيخ حسين المذكور فيطالع عليه في علم التصوف إلى أن يتعالى النهار فيذهب إلى حانوت له في سوق البادستان فيرد عليه متعلموا الخط فيكتب لهم يعلمهم إلى قرب الظهر فينزل إلى الجامع الكبير ويصلي ثم يذهب إلى حجرة الشيخ عمر ويقرأ ما تيسر إلى قرب العصر فيصلي في الجامع المزبور ويرجع إلى حانوته فيأخذ ما يحتاج وكان متقشفاً في مأكله وملبسه زاهداً ورعاً مع قدرته على التنعم والترفه متجرداً عن الزوجة والولد وكان له تلاميذ يقرأون عليه القرأن فيقريهم ويتدارس معهم حتى يصلي العشا وفي مدة عمره لم يذهب إلى أحد وكان بعض الصلحاء يقول لأخيه بعد وفاته إن أخاك السيد عبد القادر كان من خواص الأولياء لكنه لا يعرف إنه ولي مرض رحمه الله بمرض حمي الدق وطال مرضه فكان يتحامل ويذهب إلى الحانوت لأنتفاع الناس منه ثم ثقل مرضه فانقطع في بيته نحو ثلاثة أشهر إلى أن توفي وكانت وفاته في أوائل محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وكان آخر كلامه يا رسول الله المدد والشهادتين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين. الشيخ عبد القادر التغلبي عبد القادر بن عمر بن عبد القادر بن عمر بن أبي تغلب بن سالم التغلبي الشيباني الحنبلي الصوفي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الفرضي الصالح العابد لناسك أبو التقي ولد في دمشق سنة اثنين وخمسين وألف وقرأ القرآن العظيم في صغره ولزم الشيخ عبد الباقي الحنبلي الدمشقي وولده الشيخ أبا المواهب وقرأ عليهما كتباً كثيرة في عدة فنون وأعاد للثاني درسه بين العشائين من ابتداء سنة ثلاث وسبعين وألف إلى أن توفي ولازم الشيخ محمد البلباني فقرأ عليه الفقه والفرائض والحساب وأجازه بمروياته وحضر دروس الشيخ محمد بن يحيى الخباز البطنيني الشافعي واجتمع بالمحقق الشيخ إبراهيم الكوراني المدني في أحد حجاته سنة أربع وتسعين وأجاز له وقرأ على الشيخ عثمان القطان ومحمد بن محمد العيثاوي والشيخ سعودي الغزي وجمال الدين بن علي الحمصاني وغيرهم وقرأ أيضاً على النجم الفرضي والشيخ منصور الفرضي والشيخ محمد الدلجموني المصري والشيخ محمد المكتبي والشيخ محمد الكوافي والشيخ إبراهيم الفال ومحمد بن أحمد العمري بن عبد الهادي والشيخ شكر الله الهندي ومحمد الأسكداري وأحمد النخلي وعلي بن القادري الحموي الخلوتي وغيرهم من الأجلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 الذين يجمعهم ثبته وكان يرزق من عمل يده في تجليد الكتب ومن ملك له في قرية دوما وبارك الله له في رزقه فحج أربع مرات وكان يلازم الدرس لأقراء العلوم بالجامع الأموي بكرة النهار وبعد وفاة شيخه أبي المواهب بين العشائين بالجامع الأموي أيضاً وأخذ عنه خلق لا يحصون وانتفعوا به وكان ديناً صالحاً عابداً خاشعاً ناسكاً مصون اللسان منوراً بشوش الوجه تعتقده الخاصة والعامة ويتبركون به ويكتب التمائم للمرضى والمصابين فينفعهم الله بذلك ولا يخالط الحكام ولا يدخل اليهم وألجأته الضرورة مرة لأداء شهادة عند قاضي دمشق الشام فدخل وجلس فناوله الخادم الفنجان القهوة فتناوله ووضعه بقرب فمنه وأوهم القاضي إنه شربه ثم أعطاه للخادم فعرف القاضي ذلك لأنه كان يلاحظه فقال له أراك تورعت عن شرب قهوتنا فمن أين تكتسب فقال من عمل يدي في تجليد الكتب وقد حججت بحمد الله تعالى أربع مرات فقال له القاضي كيف هذا فقال له إن الله تعالى خلق آدم واحداً وبارك في ذريته حتى ملأوا الدنيا كذلك يبارك الله تعالى في الرزق الحلال القليل حتى يكون كثيراً فأذعن القاضي لذلك وأثنى عليه وصنف شرحاً على دليل الطالب في مذهب الحنابله وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء الثامن عشر من ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن تحت رجلي والده بمقبرة مرج الدحداح رحمه الله تعالى ورضي عنه وأعاد علينا من بركاته وقال مؤرخاً لوفاته تلميذه الشيخ محمد الغزي الدمشقي العامري بقوله كم من نعيم عند ربي قد خبى ... للشيخ عبد القادر التغلبي علامة الوقت ونحريره ... وشيخ أهل العصر في المذهب الخاشع الناسك رب الحجى ... القانت الراوي حديث النبي قد كان ذا زهد وذا عفة ... سليم صدر صافي المشرب أصبب أهل الشام لما قضى ... أبو التقى ذو المسلك المعجب فأي دمع ما همى مشبهاً ... صوب حيا منهمر صيب جادت ضريحاً ضمه ديمة ... تروى ثراه بالحيا المشعب تاريخه دار البقى حله ... أبو التقى بالمنزل الطيب عبد القادر الكردي عبد القادر بن عبد الله بن إسمعيل الشافعي العبدلاني الكردي نزيل دمشق القادري الشيخ العالم المحقق الفاضل الورع الزاهد كان محققاً عالماً ذا زهد وتقشف مع كمال الاجتهاد في الطاعة والعبادة وله السلوك الوافر في طريق القوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 مع الفضيلة التامة ولد في بلاده في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وأخذ عن علماء بلدته وأتقن العلوم الظاهرة والباطنة ووفد إلى حلب في سنة أربع وستين ومنها إلى الشام فاستوطنها وأرسل أتى بأهله من بلاده وتزوج بابنة صغيرة لشيخه وتلميذ والده الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق وارتحل إلى مصر والحرمين واستجاز من علماء تلك الديار وبيتهم بيت الولاية كما اشتهر وأخبرني الشيخ حسن الكردي الصالح نزيل دمشق إن للمترجم إخوة تنوف على ثلاثين ومن التآليف كذلك وإنه كان ينظم الشعر وكان للناس به اعتقاد وافر وبالجملة فقد كان أحد أفراد أفاضل الأكراد بدمشق علماً وورعاً وزهداً وكانت وفاته بها في يوم الأربعاء قبيل الظهر سادس عشر ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله تعالى. السيد عبد القادر الصمادي السيد عبد القادر بن موسى بن إبراهيم بن مسلم المعروف كأسلافه بالصمادي الشافعي الدمشقي السيد الأجل القادري شيخ الصمادية بقية السلف الشيخ البركة المجذوب التقي الصالح الخير تفقه بمذهبه وحصل طرفاً من العلوم الألهية وفضل ولزم زاويتهم بعد وفاة والده الكائنة بمحلة الشاغور الجواني وجلس على سجادتهم وأقام ذكرهم بها وكان لا يبرح منها إلا في الجمعات ومواسم العيدين وشهود بعض الجنائز وتهنية حكام الشرع والسياسة عند القدوم أو أمر يتعلق بأهل البلد على العموم مواظباً على الطاعة ومطالعة الكتب الفقهية والرقائق الصوفية إلى أن توفي وكانت وفاته في يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة وألف ودفن بباب الصغير بقرب سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه عن ولد صغير وأخ كبير يقال له السيد صالح وكان عهد المترجم لولده فبعد وفاته أجلسوا الأعيان أخاه المذكور مكانه وسكن داره واستولى على جميع ماله رحمهما الله تعالى. السيد عبد القادر الكيال السيد عبد القادر بن محيي الدين الكيال الشافعي الدمشقي كان من الأفاضل الصالحين مع التقوى والديانة خاضعاً سالماً قلبه من الحسد والبغض ناسكاً قرأ بدمشق على جماعة وحصل واجتهد وبرع وأقرأ في جامع السنانية وكان منعكفاً على طلب العلم وعدم التردد إلى أهل الدنيا وملازماً درس العالم الصالح الشيخ علي السليمي الصالحي الدمشقي وكانت وفاته في يوم السبت حادي عشر رمضان سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 عبد القادر الديري عبد القادر بن محمد الشافعي الديري نزيل حلب الشيخ العالم الفاضل الفقيه النبيه الأصولي النحوي كان من الفقهاء المتفوقين ولد بدير رحبة من أعمال بغداد في سنة عشرين ومائة وألف وقدم لحلب في سنة ست وثلاثين ومائة وقرأ الفقه على الشيخ عبد القادر بن عمر العرضي الحلبي والفقه أيضاً والفرائض على الشيخ جابر الحوراني الحلبي والنحو على السيد الشيخ عبد السلام الحريري والنحو والفقه أيضاً على الشيخ حسين السرميني والمعاني والبيان والنحو والفرائض والفقه أيضاً على الشيخ محمد الزمار والشيخ محمود البادستاني قرأ عليه في المنطق والنحو وأخذ الحديث عن الشيخ جابر والشيخ حسين المذكورين وتفوق وأقرأ فنون العلم في حلب وانتفع به كثير من الطلاب وجمع غفير وكان مستقيماً على حالة مرضية حسنة وهو من السادة الأشراف إلا أنه لم يتتوج بالطراز الأخضر وأغناه عنه نور النبوة الغناء إلا وفر وبالجملة فقد كان في الفقه اماماً وأحرز في كل فن رتبة ومقاماً رحمه الله تعالى. عبد القادر بن يوسف نقيب ازاده عبد القادر بن السيد يوسف الحلبي الحنفي نزيل المدينة المنورة الشهير بنقيب زاده الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد البارع المفنن أبو المعالي زين الدين رحل إلى المدينة المنورة من بلدته حلب وتوطنها سنه ستين وألف ودرس بالمسجد الشريف النبوي وصار أحد الخطباء والأئمة به وانتفعت به الطلبة وألف مؤلفات نافعة منها كتابه المسمى بلسان الحكام في الفقه وكتاب في معرفة الرمي بالسهام وغير ذلك من الرسائل والفوائد وكان من صلحاء المجاورين شهماً هماماً عالماً عاملاً مفنناً وأخذ بالمدينة المنورة عن الصفي القشاشي وأخذ بدمشق عن شيخ الاسلام المنجم الغزي العامري وعن الشيخ علاء الدين الحصكفي وعن غيرهما ولم يزل على أحسن حال معتكفاً على الافادة إلى أن توفي وكانت وفاته سنة سبع ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. عبد القادر الصديقي عبد القادر الصديقي البغدادي نزيل القدس الشيخ العالم العامل الأستاذ العارف الصوفي الفاضل المعتقد كان جامعاً بين العلم والولاية والكشف والدراية وله تآليف منها شرح على قصيدة الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني بن إسمعيل الدمشقي المعروف بالنابلسي التي مطلعها ومن أعجب الأمر هذا الخفا ... وهذا الظهور لأهل الوفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 ورسالة في وحدة الوجود وتآليف غيرها في الحقيقة وله كرامات وأحوال منها ما أخبر به الشيخ السيد محمد بن عيسى الكردي الأصل القدسي قال كنت أرى من الشيخ المترجم كرامات ومكاشفات كثيرة وكان يخبرني بأمور سرية تخطر في قلبي وأنا في مجلسه فيزداد تعجبي واعتقادي ومما رأيته من كراماته إنني زرت وإياه سيدنا داود عليه السلام فأخبرني إنه اجتمع بروحانيته ووصفه لي فوقع في قلبي الشك ثم نزلنا إلى مقبرة مأمن الله وزرنا ابن بطال وأبا عبد الله القرشي وابن أرسلان والشيخ البرماوي وجماعة من أهل العلم فأخذ ينعتهم لي ويقول اجتمعت بروحانية هذا وهذا فأرتبت في أمره وكدت أن أتهمه في الحيلة حتى مررنا على قبر والدي ولم يكن يراه ولم أخبره به قصداً فوقفت ووقف معي وقرأت ما تيسر من القرآن فقال لي هذا القبر فيه رجل شريف عالم عامل فرح برؤيتك وسر بوقوفك وقراءتك واجتمعت بروحانيته صفته كذا وكذا ونعته كذا وكذا وهو والدك لماذا لم تخبرني قال فحينئذ تبت عن الانكار وقلت له لا حاجة للأخبار القصد الزيارة قال وقد عظم مقامه عندي وكان له حال عجيب وكشف صريح وكنت أسأله عن مشكلات فيطرق ثم يقول لعل الجواب كذا وكذا فأرى جوابه شافياً للصدر فأقول له وأي حاجة لقولك لعله كذا وكذا فيقول لم أقف عليه مسطراً وإنما هكذا يلقي في قلبي فأقول فقلت له لكم يا بني الصديق مقام الولاية من جدكم رضي الله عنه فإنه قال صلى الله عليه وسلم إن يكن في أمتي محدثون فأبو بكر وعمر منهم رضي الله عنهم وكان يقول لي هذا بركة الجد فلا يموت أحد منا إلا وهو صالح وإن كان مسرفاً لا يموت إلا على توبة ولا يموت أحد منا وهو فقير وهي أيضاً ببركة دعوته لهم اللهم أغن ذريتي لما خرج عن ماله وتخلل بالعبا وقال له سيد الكائنات ما تركت لعبد الرحمن واسما فقال الله ورسوله اللهم أغن ذريتي وفي رواية وأعزهم فببركة دعوته حصل لنا ذلك انتهى ومرض المترجم الأستاذ ثلاثة أيام وقال للكردي المذكور ادع لي ابن عمي السيد مصطفى الصديقي قال الكردي فدعوته له فأخرج مفتاح صندوق وقال يا ابن عمي إني مرتحل لدار البقا فجهزني أحسن الجهاز وأدفني إلى جانب قبر السيد عيسى الكردي ويعني والد الراوي الكردي المذكور فإن روحانيته كانت عندي في هذا الوقت وأخبرني إن مرقدي بالقرب منه والرحلة عشية اليوم وهذا العبد الأسود كتاب تدبيره في الصندوق وبعد التجهيز ومهر الزوجة حتى يحضر ولدي فكان الأمر كذلك وانتقل من يومه وكان يوماً مشهوداً وبالجملة فقد كان من الأخيار الأبرار وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف بالقدس ودفن بها رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 عبد الكريم الشراباتي عبد الكريم بن أحمد بن علوان بن عبد الله المعروف بالشراباتي الشافعي الحلبي الشيخ الامام الفاضل المحدث الشهير علامة حلب الشهبا وشيخ الحديث بها العلامة المفيد ذو الهيبة والوقار كان عالماً محافظاً على السنة الغراء محباً لأهل الطريق والدراويش والعلماء لا سيما لمن يقدم لتلك الديار أخلاقه حسنة وأوصافه مستحسنة ولد بحلب في سنة ست ومائة وألف وقرأ على والده وانتفع به وحضر دروسه الحديثية والتفسيرية والفقه والعقائد والأصول والآلات ثم قرأ على جمع كثير منهم الشيخ مصطفى الحلبي والشيخ أسد ابن حسين وإبراهيم بن محمد البخشي وإبراهيم بن حيدر الكردي وسليمان بن خالد النحوي ومحمد بن محمد الدمياطي البدري وابن الميت الشعيفي الحلبي والعالم الشيخ زين الدين أمين الافتاء والمحقق المولى أبو السعود الكواكبي والعلامة الشيخ يسن ابن السيد مصطفى طه زاده وغيرهم وقدم دمشق أولاً في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وأخذ عن جماعة منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد القادر التغلبي والمنلا الياس الكردي نزيلها والشيخ أحمد الغزي والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ محمد بن علي الكاملي الدمشقي وأجازه بفتح المتعال في النعال للشيخ أبي العباس المقري المغربي نزيل القاهرة عن المولى الفاضل أحمد الشاهيني الدمشقي وهو عن المقري المؤلف وتوجه إلى الحج في سنة ثلاث وعشرين وأخذ بالحرمين عن أجلائها منهم المحدث الكبير الشيخ أحمد النخلي والمتقن الرحلة الشيخ عبد الله البصري والشيخ أبو الطاهر بن العلامة الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني والولي المشهور السيد جعفر وغيرهم ثم رجع إلى حلب وهو مكب على القراءة والاقراء مع قيامه بخدمة والده إلى أن توفي والده وذلك في سنة ست وثلاثين وبعد أحد عشر يوماً كف بصره فحمد الله وأثنى عليه واسترجع عند المصيبتين ولم يمنعه فقد بصره من الاشتغال بالعلم والحديث بل ازداد حرصاً واشتغالاً ثم في سنة ثلاث وأربعين حج ثانياً وأخذ عن المحدث الشيخ محمد حياه السندي والعلامة الشيخ محمد دقاق وغيرهما ثم رجع إلى بلده ودأب في الأخذ عن العلماء والأفاضل الواردين إلى حلب ولما ورد الشيخ محمد عقيلة المكي والسيد الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي وأخذ عنهما وبايعهما وقبل الحجة الثانية دخل بلاد الروم واجتمع بعلمائها وحصل عنه وصار له اقبال وله تعليقة على الشفاء الشريف وتعليقة على كنوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 الحقائق في أحاديث خير الخلائق والعطايا الكريمية في الصلاة على خير البرية ورسالة في ذكر بعض شيء من آثار الولي الكبير العارف الجد السيد الشيخ مراد الأزبكي نزيل دمشق وله رسالة في تعزية المصاب وله رسالة في الفرق بين القرآن العظيم والأحاديث القدسية الواردة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وله رسالة متعلقة بحزب البحر ورسالة في قراءة آية الكرسي عقيب الصلوات المكتوبة ورسالة سماها المنح الكريميه الدافعة إن شاء الله تعالى كل محنة وبلية ورسالة متعلقة بحرز الامام الشافعي رضي عنه الذي قاله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب فكفاه الله شرهم وله رسالة اخرى متعلقة باسميه تعالى الحي القيوم ورسالة في أدعية السفر وله ثبت جامع سماه بإنالة الطالبيين لعوالي المحدثين وكان رحمه الله تعالى انتهى إليه في زمنه علو الأسناد والحق بالأباء والأجداد الأبناء والأحفاد مكباً على الافادة حتى صار له الاجتهاد طبيعة وعاده وله همة في مطالعة كتب القوم ومع ما فيه من الفضل الباهر له كرم وله رحلات إلى الروم ودمشق عديدة وعلى كل حال فقد كان مفيداً للطالبين بحلب حاضرها وباديها وعلامة الشهباء وناشر العلم بناديها توفي في ضحوة يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادي الأولى سنة ثمان وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الكريم الغزي عبد الكريم بن سعودي بن محمد نجم الدين المعروف بالغزي العامري الشافعي الدمشقي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر الحجة الفهامة الخاشع الناسك ولي الله تعالى ولد قبل الخمسين وألف ونشأ في ديانة وصيانة وقرأ القرآن العظيم وجوده واشتغل بطلب العلم على شيوخ عصره ولازم دروس جده شيخ الاسلام نجم الدين الغزي محدث الشام وقرأ على جده في الفقه وعلى الشيخ محمد البطنيني والشيخ محمد العيثي وأخذ الحديث ومصطلحه عن الشيخ حمد البطنيني والشيخ عبد الباقي الحنبلي والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم المنلا محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ محمد الاسطواني وغيرهما ومن مشايخه العلامة الشيخ منصور الفرضي المصري نزيل صالحية دمشق وبرع في العلوم لا سيما في الفقه وأصوله وأفتى وتولى افتاء الشافعية ودرس بالشامية البرانية في حجرته بالجامع الأموي وأخذ عنه جماعة وكان صدراً محتشماً ديناً وقوراً وله وجه مضئ كأنه القمر ليلة البدر وشيبة نيرة بشوشاً متواضعاً محباً لصالحي الناس وللناس عليه اقبال عظيم واعتقاد كثير وكان مؤثراً للعزلة عن الناس محفوظاً عن الغل والحقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 والحسد والرياء ومخالطة أهل الدنيا ودروسه من محاسن الدروس يجري فيها بعبارة فصيحة واستحضار تام وحافظة قوية وله كرامات ومكاشفات ولم يزل على طريقته المثلى وحالته المرضية إلى أن مات وكانت وفاته في صبيحة يوم الجمعة الثاني والعشرين من جمادي الأولى سنة تسع ومائة وألف فجأة بعد أن خرج من الحمام واستلقى على قفاه في فراشه وتشهد وخرجت روحه ودفن عند سلفه بتربة الشيخ أرسلان وكثر بكاء الناس عليه وأسفهم رحمة الله عليه. عبد الكريم السمهودي عبد الكريم بن السيد عمر السمهودي المدني الشافعي الشيخ الفاضل الصالح البارع عز الدين ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ على أبيه السيد عمر وغيره جملة صالحة وصار أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي وبالجملة فهذا المترجم من بيت الصلاح والتقوى الشهيرين بذلك ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف بتقديم التاء ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. عبد الكريم الداغستاني عبد الكريم بن عبد الرحيم بن إسمعيل بن محمد بن محمود الطاغستاني المولد والشهره نزيل دمشق الشافعي الشيخ الفاضل العالم العامل الصالح ولد في أواخر سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم وقرأ في بلادهم النحو والصرف على ابن خاله علي بن صادق الطاغستاني وقرأ حصة من المنطق على المحقق أبي الصبر أيوب الطاغستاني ثم في سنة سبع وأربعين ومائة وألف خرج من بلده مع أهله بسبب فتنة طهماز الشهيرة وجاء إلى ديار بكر وقرأ بها تصورات المنطق على العلامة عبد الكريم الديار بكري ثم في أواخر سنة ثمان وأربعين بعد المائة والألف قدم دمشق وتوطنها وقرأ بها على ابن خاله المقدم ذكره جملة من العلوم كالمعاني والبيان والأصلين والمنطق وقرأ الآلهيات من شرح المواقف على الشهاب محمود بن عباس الكردي وقرأ أوائل صحيح البخاري على الفاضل محمد بن أحمد قولقسز وأخذ الفقه وشيئاً من علم الحديث عن العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المفتي وقرأ الشمائل للترمذي على العالم حامد ابن علي العمادي مفتي دمشق وحضر دروس الفقه وجمع للسبعة من طريق الشاطبية على الفقيه علي بن أحمد الكزبري وحج مرتين وأجاز له من المدينة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 محمد حياة السندي ودرس بالجامع الأموي وبجامع الورد بسويقة صاروجا وكانت وفاته ليلة نصف شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون قرب مدفن البلخي رحمه الله تعالى. عبد الكريم الخليفتي عبد الكريم بن عبد الله الخليفتي العباسي الحنفي العالم الفاضل الفقيه البارع الشاعر مفتي السادة الحنفية بالمدينة النبوية ولد بها سنة سبعين وألف ونشأ بها وأخذ بطلب العلم فأخذ عن الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي وعبد الله أفندي البوسنوي وحسن أفندي البوسنوي والشيخ حسن التونسي والشيخ إبراهيم البيري والشيخ حسن العجيمي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي والشهاب أحمد بن محمد النخلي والشيخ محمد بن سليمان المغربي محدث الحجاز وغيرهم وبرع وفضل حتى صار أفضل أهل بيته وله من التآليف رسالة اختار فيها ترجج قول الامامين أبي يوسف ومحمد في حرمة توسد الحرير وافتراشه وله فتاوي وتحريرات أخر وله شعر لطيف ومن شعره قوله مقرظاً على رسالة للخطيب أبي الخير في مناقب أبي حنيفة رضي الله عنه جمع يفوق شقائق النعمان ... حسناً بذكر مناقب النعمان نظمت فرائده أنامل كامل ... أضحى له ذكر عظيم الشأن أعني أبا الخير المضارع أمره ... من قد مضى وعلا على كيوان الفاضل السامي بحسن صفاته ... أبدا على الأشكال والأقران فرع نشا من دوحة المجد التي ... سقيت بماء الفضل والتبيان هو أحمد الحاوي لوزن الفضل مع ... علمية جمعت شريف معاني عين الأفاضل مبتدأ خبر الثنا ... عن كل ندب من بني الأزمان خطبته أبكار العلى فأجابها ... وبه استقلت عن حبيب ثاني لا زال ذا الفرع العزيز وأصله ... في عز فخر عامر الأركان ما قال من نظر الرسالة مادحاً ... جمع يفوق شقائق النعمان وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكان صدراً محتشماً ورأس رأس مثل فتح باباً في المدينة المنورة وطار صيته في الآفاق ووقع على تقدمه الاتفاق وكانت وفاته في المدينة المنورة سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد عبد الكريم ابن حمزه السيد عبد الكريم ابن السيد محمد ابن السيد محمد كمال الدين الحسيني المعروف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 بابن حمزة الحنفي الدمشقي نقيب السادة الأشراف بدمشق الفاضل العالم العلامة الأديب البارع الصدر الرئيس الصنديد الأجل كان مائلاً إلى التنعم والدعة والرفاهية وعنده من لطف الأخلاق ومحاسن الشيم وأدوات الظرف ما فاق به أهل زمانه وله شعر لطيف ونثر حسن وكان سمح اليد كثير البدل أبطأ عنه الشيب مع قوته ونشاطه وحسن خلقه وخلقه بفتح الخاء وأحديهما بالضم ولطف معاشرته ولد في ليلة الثلاثاء قبل العشاء الأخيرة لخمس بقين من ذي القعدة سنة احدى وخمسين وألف ونشأ بها في ظل أبيه في غاية من بلهنية العيش وقرأ وحصل بدمشق على جماعة منهم والده محدث دمشق الشام المتوفي في صفر سنة خمس وثمانين بعد الألف والشيخ نجم الدين الغزي والأستاذ الشيخ محمد البلباني الصالحي وأجاز له نزيله العلامة المشهور الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل الحرمين وكان نزيل داره بدمشق ومنهم خير الدين ابن أحمد الرملي مفتي الحنفية بها وغيرهم وتولى نقابة الأشراف بدمشق مرات عديدة وتولى تدريس القيمرية البرانية وترددت إليه الناس لقضاء حوائجها ورحل للروم وأصيب بابن له نجيب فصير واحتسب وترجمه الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره شيئاً وقال في وصفه هو بيت القصيد وواسطة عقد المجد النضيد تجسم من شرف محض وكرم لا يحتاج خيره إلى خضخضة ومخض إلى ما حاز من أشتات الكمال والمعاني المربية على الآمال وهو بعد أبيه النقيب ومحله فوق المعلى والرقيب فمهما ترقى البدر فقاصر عن مراقيه والبحر لو عذب لكان بعض سواقيه وله مع النباهة روح الفضل وجسمه ومن بشر أساريره ينهض أثره المجد ورسمه وبيني وبينه ودمورث في الأعقاب وحب خالد ما دامت الأحقاب ولي في كل لحظة منه أمل ينشيه ويعيده وفي مرأى وجهه نوروز إذا مضى أقبل عيده وإذا أردت مدحه أرسلت نفسي وما تجود فلا تنتهي عند وصف من أوصافه إلا وتقول أحسن الموجود وأنا أرجو الله تعالى في كل ما يشاؤه وأسأله من الخير ما يدوم به ممتلئاً رشاؤه وقد أوردت من نفثاته السحرية ونسماته الشحرية ما هو أحسن من نور تفتحه الصبا وأوقع من خلسة الوصل في عهد الصبا انتهى مقاله فيه ومن شعره الباهر النضر قوله لقد دعانا إلى الربا الطرب ... فأجبناه حسبما يجب واستبقنا والشوق يجذبنا ... كان أشواقنا لنا نجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وشملنا والحظوظ تسعدنا ... مجتمع سلك عقدنا الأدب فحللنا منها بمرتبع ... هو للزائرين منتخب وقد حبانا الربيع مقتبلاً ... بمزاياه والمنى نخب فالروض مخضلة ملابسه ... يجمع فيها الحسن والأدب وفد تناغت به بلابله ... فمنهم فاقد ومصطحب وموكب الزهر في حدائقه ... منتزه بالعيون منتهب تظل مغناه وهو من دهر ... فباب نور كأنها سحب ينعشنا العرف من شمها ... ومثل هذا العبير يكتسب والمرج رحب الفناء مصطحب ... عليه ذيل النسيم ينسجب تخاله من زبرجد نضر ... بحراً غدا بالنسيم يضطرب يشوقنا حسنه ومنظره ... يسرنا حيث زانه الخصب ولأنسكاب المياه حسن صدا ... يرقص عند استماعه الحبب فمذ نعمنا بذا وذاك وقد ... تكنفتنا بفيئها القضب أخصب ربع المنى وطاب به ... العيش لنا واستفزنا الطرب فعاد للوجد مدنف طرباً ... وهكذا مدنف الهوى طرب ومال وفق الهوى وحق له ... ذلك إذ ليس ما به لعب وراح يملي غرامه وليها ... في غزل رق صوغه عجب ومن يكن بالغرام ممتحناً ... لا غرو بالشوق قلبه يجب يا بأبي مترف ألفت به ... الوجد وما غير محنتي السبب أطعت فيه الهوى ومعدنه ... مغنطيس الجمال منجذب جماله فتنة لذي نسك ... مهذب زان حسنه الأدب نمازج اللطف والعفاف به ... كذا لمى الثغر منه والشنب بدر محياه ما به كلف ... برونق الحسن راح ينحجب وقده السمهري من مرح ... ما اهتز إلا ازدهت به القضب وما بطر في رنا لرامقه ... الأوسهم اللحاظ منتشب شهي لفظ تكاد رقته ... تسترق اللب وهو محتجب منطقه سكر لمستمع ... وسكرنا من سماعه طرب قد منحت بالجمال صورته ... وقد منحت الهوى ولا عتب أوسعني فيه حبه ولها ... وليس الا هواه لي أرب وقد أبى غير مهجتي سكناً ... وهي له مرتع ومنقلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 فلا خلا من هواه لي خلد ... وذاك بيني وبينه النسب وقوله لا وصدق انتما المحب الودود ... لغرام سما به للسعود ونزول الحمى وقد طال نأى ... باشتياق ونمى من المعمود وارتضاع لما جلتها أكف ... خضبتها دما ابنة العنقود وارتشاف اللمى ولثم خدود ... واعتناق الدمى ذوات النهود ما الهوى بي كما يظن جهول ... بل غرامي بما عليه شهودي وقوله لست إلا كلا على اشفاقك ... فبر حماك جد على عشاقك وأعد نظرة الحنان لقلبي ... روع من لم يزل على ميثاقك وأرع ودارضيته منك حاشي ... نبذ وداتي على مصادقك إن قلباً حللته عرض أنت ... به جوهر على اطلاقك كيف يرضى دون التملي بلقيا ... ك محب إقالة من وثاقك وقوله امنح الطرف منك طلق العنان ... لأجتلاء الورود في الأغصان والثمن من اللثم باللحاظ منك خدوداً ... صبغها من صنائع الرحمن واغتنم طيب وصله فلعمري ... إنه غرة بوجه الزمان فانتهز فيه فرصة لأمانيك ... وحسب الشجي نيل الأماني حيث وجه الزمان طلق وريعان ... التصابي اقباله متداني وبحيث المنى يسرك منها ... ما تدانت قطافه للبنان واصطحب للندام كل مجيد ... لقصار الفصول ذات المعاني المعى حلو الحديث يجاريك ... بما يشتهيه ذي تبيان واصطفى للغناء كل طروب ... ناعم الصوت متقن الألحان يوسع السمع شدوه طرباً والقلب ... شجواً بأنة الأشجان وأغن يا صاح قبل فوتك واستج ... ل عروساً بمطريات الأغاني وأجتليها عذراء كأساً وكأساً ... يتلألأ حبابها كالجمان يتهادى بها اليك غرير ... خنث اللحظ فاتر الأجفان لين العطف يستبيك إذا ما ... قام يختال مثل خوط البان يشبه النور منه رونق وجه ... وترى الخد منه كالأرجوان واجتنى للمشام من يامن يانع الزهر ... صنوفاً من روضك الفينان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وأطلق العود في المجامر والند ... مان حي بماء ورد القناني فلعمري هذا هو العيش فاغنم ... فسوى الله كل شئ فاني ومن المستجاد من شعره قوله ومهفهف غض الأديم يرق ماء ... الحسن في جسمانه الألماس كدنا للطف صفاء خديه نرى ... ما مر خلفهما من الأنفاس ومن ذلك للسيد الأمين المحبي ومقرطق ترف الأديم تخاله ... كالغصن قد عبث النسيم بقده ويكاد إن شرب المدامة أن ترى ... ما مر منها تحت أحمر خده ومن ذلك للفاضل عبد الباقي السمان الدمشقي أحد المدرسين بالقسطنطينية ومهفهف لولا جفون عيونه ... خلنا دم الوجنات من ألحاظه وتكاد تقرأ من صفاء خدوده ... ما مر خلف الخد من ألفاظه ومن ذلك للأديب الشيخ صادق الخراط أفديه ذا خد نقي لم تزل ... منا العقول تتيه في مرآته تكاد تنظر عذب ريقة ثغره ... تنساب حول الدر من صفحاته ومن ذلك للأديب عبد الحي الخال ترف الأديم منعم الجسم الذي ... سقاه ماء شبابه من وسمه في كل عضو منه تنظر كل ما ... أضمرت قبل وقوعه في وهمه ومن ذلك قول الأديب الشيخ سعيد السمان بأبي وبي ترف أغن مهفهف ... وهب الغصون رفاهة من قده فتكاد تبصر برد ريقته وما ... ينساب منها في صحائف خده وللمترجم وذي لطف له شيم رطاب ... حكتها من ربا نجد نسيم تنكر بالتجافي قلت دعني ... من التمويه ذالاً يستقيم فقال أمنكر ذا أنت حتماً ... فقلت نعم لما نقل النسيم ومن ذلك قول الأديب السيد أسعد العبادي وبي ترف صافي الأديم مهفهف ... رأى الغصن يحكيه فأخجله قدا وأوهم إن الورد يحكي خدوده ... فأنبت ذاك الوهم في خده وردا ومن ذلك قول الذهبي ومحجب ساجي اللحاظ كأنه ... معنى توهم في الخيال إذا سرى وتكاد تقرأ في أسرة وجهه ... وصقيل خد منه ما قد أضمرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 ومما رق وراق قوله في معنى آخر رب ساق أتى بماء قراح ... غب سقي المدام للندمان قابل الخد منه بالكأس عمداً ... إذ غدا الخد منه كالأرجوان فاكتسى من شعاعه الكأس حسناً ... لم نخله الا مدام الدنان وله فيه أيضاً يا بروحي ساق إذا ما أتانا ... بقراح خلال حث المدام لم نخل غير خمرة إذ شعاع ... الخد قد مازج الأنا باحتكام وكتب الأمين المحيي المذكور له يمدحه بقوله كتمت هوائي لو يفيد التكتم ... وكيف ودمع العين عنه يترجم لك الله قلبي كم نقاسي لواعجاً ... لها في الحشا نار من العشق تضرم بليت بقاس لا يزال يذيقني ... من الصد ما لم يلقه قبل مغرم فسلمت قلبي طائعاً غير إنني ... أؤخر رجلاً في الهوى وأقدم وما كنت أدري إن للعشق فتنة ... وإن اجتناب الشر للحر أسلم فلما رأى وجدي عليه تغيرت ... خلائقه ثم انثنى يتحكم وصد وجاز إني على الصد بالقلا ... وأعرض عني وهو بالحال يعلم وبدل ميثاقي وأضحى مجانباً ... يمر فيثنى عطفه لا يسلم وأغدق دمعي وهو ماء ممنع ... وحلل قتلي وهو أمر محرم عفا الله عنه من بخيل بقربه ... وسامحه من ظالم ليس يرحم أقضي به عمري مع اليأس والمنى ... ولي من عذولي كل وقت مهيم أبيت أعاني الوجد ليلة لم أكن ... بغير ثنا فرد الورى أترنم عنيت النقيب السيد السند الذي ... غدا مثل بسم الله فهو مقدم وحيد له الأفضال طبع وشيمة ... وفيه انتهى جود الورى والتكرم إذا كان نور الشمس لازم جرمها ... فطلعته الزهراء مجسم وناديه روض بالفضائل من مزهر ... لساني فيه البلبل المترنم تعطر هبات النسيم خلاله ... فليست بعرف غيرها تتنسم ويفتر عن لآلآء بشركائه ... مقبل شادي أليس إذ يتبسم أمولاي أنت الناس يا فوق فوقهم ... لأنك للطلاب رزق مقسم هواك بقلبي ليس يبرح لحظة ... به أبتدي الود الصحيح وأختم ولي في علاك الباهر المجد في الورى ... عقود كلام بالثناء تنظم قواف إذا ما أنشدت بين أسرة ... فقس لديها بالفصاحة أبكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وما هي إلا الزاهرات فلو بدت ... لقامت مقام الزهر والليل مظلم تمنع بها من مادح ليس يرتجي ... من الدهر شيئاً غير أنك تسلم وحسبك شكري ما بقيت على المدا ... وقلبي وأعضائي تصدق والفم فكتب المترجم إليه مراجعاً بقصيدة مغيراً للوزن لا القافية حسب المنى حيث الحوادث نوم ... وحواسدي وعواذلي واللوم وافتنى الحسناء في داجي ذوا ... ئبها وللأشواق في مخيم عذراء وافت وهي تخترق الضيا ... من وجهها مذ لاح فيه تبسم فتعطرت منها الربوع وفاض في ... أنحائها منها السنا يتسنم ولطالما راقبت من ولهي بها ... طيفاً يلم بزورة تتنعم ومن اغتذى ضرع الهوى هل عينه ... يوماً بتهويم الكرى تتنعم كلا إذا الأحشاء خامرها الهوى ... قدماً فلا عجه بها متضرم وافت فحق لها الهناء بها كما ... الواشون حق لهم بذاك ترغم فغدوت ذا طرب قرير العين سلك ... الشمل بالأحباب لي متنظم لأبدع إن أسلو إذاً وأجر ذيل ... العجب تيهاً والهوى أتهكم وأميد نشواناً بكأس حديثها ... وثناء ناظم عقدها أترنم لم لا أكن بثناه مترنماً ... وهو الأمين وبالمنى المتكرم الأريحي المكرمات ومن حوى ... حسن الحلا فيها عدا يتوسم رب الفصاحة والنباهة من غدا ... وله من الفضل الجسيم تجسم ما اللطف في النسمات إلا من كريم ... خلاله وبعرفها يتنسم تخذ التطول بالمكارم عادة ... فكأنه كلف بذاك متيم لا غروان ملأت محامده المسا ... مع وأستلذ سماعها المترنم يا فرع أبناء الكرام ومن لهم ... في كل محمد رتبة وتقدم بشراك ما أوتيت من أجر بما ... عاينت من وصب عداك يميم فتهن مأجوراً ومسروراً بعا ... فية أتتك فلا عدتك تعمم وعدتك أسقام عنتك وللعدى ... العادين وافت بينهم تتقسم وبقيت في ظل التهاني سالماً ... والعيش مخضر لديك مخيم واليكها قسية ألفاظها ... كالدر في سلك الثناء تنظم جادت بها منى قريحة موقن ... بجمودها إذ جاء منك مهيم فأعذر وكن بثنائها متمتعاً ... حسب المنى حيث الحوادث نوم فكتب إليه الأمين معتذراً عن مراجعته بقصيدة لعارض المرض بقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 ليس فمي فيك يبلغ الشكرا ... من بعد ما قد ملأته درا بعثت لي بالحياة في كلم ... يزيد في العمر لطفها عمرا من كل لفظ في اللطف أحسبه ... ينفث هاروت منه لي سحرا لم تصطنع جبرك القلوب لمن ... يدعوك إلا وتقتني أجرا يا من هو الروض في خلائقه ... يعبق من نسمة الندى نشرا شوقي لتقبيل راحتيك لقد ... جاوز حتى لم يبق لي صبرا لكن عذري لديك متضح ... فأقبل حماك الآله لي عذرا فبعث إليه بهذه الأبيات أيها الموسم المنى بشراً ... دمت تستنطق النهى شكرا ودام ثغر الوداد يبسم من ... بشر محياك لافظاً درا وحبذا منك ذا لا تمله ... فهو لعمري ينافس السحرا لقد منحت المحب منك بما ... أثلج منه الفؤاد والصدرا من كل لفظ في اللطف أحسبه ... ينفث هاروت منه لي سحرا فدم لنا روضة نسر بها ... ومن رباها نستنشق العطرا وفيك دامت لنا المنى أمم ... إن نلتها كان لي بها البشرى وكتب المترجم يستدعي السيد محمد أمين المذكور إلى منتزه أنعم الله للجناب صباحه ... وبإسعاده أراش جناحه وحبانا حسب المنى بأعا ... ليه وآداب فضله المستباحه وأقر العيون منا بما من ... غض آدابه أجاد اقتراحه يا أمين الكمال وابن ذوي الف ... ضل وخدن العلي ورب الفصاحه لا عد منا الوفاء منك بأوفى ... صدق عهد يجدي إلى نجاحه فأجب داعياً إلى منزل الق ... صف صباحاً لكي تنال رياحه مسعداً حظه ببشر ولطف ... بهما الصدر راح يلقي انشراحه وابق سلماً خديمك السعد ... ما أسعد خل إلى الخليل صباحه فأجابه في طلبه الأمين مرتجلاً أسعد الله من تكون صباحه ... فمحياك للصباح صباحه بأبي أنت رائشاً لجناحي ... في زمان عدمت فيه نجاحه كان قدما جواد حظي جموحاً ... فلأنت الذي ألنت جماحه قد أتتني أبياتك الغر تختال ... وقد أوتيت جميع الملاحه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 مبدعات لا يبرح الطرف عنها ... فهي قيد النواظر اللماحه كل لفظ منها كوسطى نظام ... زين العقد منه جيد الفصاحة قد دعتني إلى اقتسام عهود ... أنا منها في غبطة وارتياحه ألف سمع وطاعة ولك الأمر ... الذي ما برحت أرجو نجاحه وأبق وأسلم على المدا لمحب ... لك يدعو غدوه ورواحه وعزم يوماً على التنزه في حديقة أتخذها مألف نشاطه ومحل أنسه وانبساطه فكتب إلى الأمين أيضاً يستدعيه اليها مألف محل الألفة نتفداك مستماح الوداد ... ثابتاً في حفاظه كوداي مستباح الجني وطلق المحيا ... ذا جنان رحب وبشر بادي يا كريماً خصاله تجذب الآما ... ل طبعاً لفضله المستجاد أثمد للعيون بشر محيا ... ك فكن مفضلاً بذاك مهادي وأجب مسعداً بلقياك داع ... شفه الشوق فهو بالمرصاد وأبق سلماً ممتعاً بأمانيك ... على رغم معطس الحساد ما تداعت إلى التداني أمان ... من مشوق أشواقه في ازدياد وللمترجم ما لقلبي عن الغرام براح ... إذ هوى من أحب زاد وراح فعسى العاذل المفند يصغي ... ليريح المشوق بل يرتاح من تسليه ليس يرجي فإني ... فيه يجدي من العذول اقتراح والتسلي دون التملي لأمر ... من عميد وما سواه جناح كيف يرجي سلوه وهو جسم ... والهوى الروح والحبيب النجاح جل من الهم العظيم تسليه ... وفيه إلى الرضاع ارتياح ويح من كامن الهوى بين جنبيه ... مقيم ومنه تندي الجراح حيث دون المنى فياف وبيد ... وهو يصبو وما لديه جناح يا أخلاي إن وجدي لعذري ... لجلي فخري به الافتضاح وبه همتي لتنمو وتسمو ... حيث صدري عراه منه انشراح سائلي عن جلي وجدي وعما ... فيه فخري ما كل وجد رباح إنما الوجد ما حمدت به سيرك ... فيه إذا أتاك الصباح فالمحبون في المحبة شتى ... كل قلب بما حوى نضاح فمعنى بمغنطيس جمال ... ومحب مرامه الأشباح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 فحليف الهوى هواه هوان ... وأخو الوجد وجده مصباح جل من أشغل القلوب بما أو ... دعها وهو بالمنى مناح حسب ما شاء كل حزب اليهم ... صاح مغري بشامة مقداح الطرف بسكون الطاء العين لا يثنى ويجمع والطرف محركة الناحية جمعه الأطراف شفاء الغليل فأطراف بقصد الجمع للطرف العين مولد كان من قلبه المحبة حلت ... عنه ولت من الخصال الشحاح وبدا روح أنسه لمحبيه ... وبالروح تجذب الأرواح إن من هام بالجمال سعيد ... ونجاح غدوه والرواح وقال رحمه الله تعالى وذاكر شاقني منه تواجده ... والليل داج فضل الرشد واجده آثار من كل معمود كمين هوى ... والوجد قد ظهرت فيه شواهده يعطو بعاطل جيد أجيد طرباً ... والذكر لا غرو يشجي فيه رائده ما راح من لينه في الذكر منثنياً ... إلا وطا من الإيقاع شاهده وما التفات بدا منه يعاطفه ... إلا وظن شروق الصبح جاهده توسط الجمع يحكي العقد منتظماً ... فكان وسطاه وانضمت فرائده فكل صب ثوى في قلبه أمل ... في حبه وانثنى كل يكابده وعاد من كان يهواه يراقبه ... طوراً وآونة يغشاه وارده فجل من أودع الأشباح تبصرة ... سر الجمال ليفني فيه عابده وله أيضاً حبذا طيب يومنا المشكور ... بفنا السفح في ذرى المأطور حيث سار النسيم يهدي لنا عر ... ف الخزامي من نفحه المعطور ولدينا جداول جعدتها ... نسمات تبري أذى المخمور وبحيث المنى لنا قد تدانت ... فغدا يومنا مناط السرور يالها خلسة بها سمح الدهر ... فجاءت كنفثة المصدور وقال قابل الورد حيث حليت وانظر ... ما يسر القلوب والأنظارا وتسلى بحسن مرآه عن شبه ... له إن له شممت انتظارا على ينبيه عنك واشيه كي ... يغضبه منك قاصداً اصرارا فيوافيك عاجلاً غيرة منه ... ويأبى المزار الاجهارا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 يا بروحي من الحبيب طرازه ... قد سباني من القوام اهتزازه أنفداه من جميل محيا ... زان يا صاح خده غمازه أبرز العيد لي هلال محيا ... هـ وعندي ما العيد إلا انيرازه فاستباني بطلعة دونها البدر ... بهاء وليس يخفي امتيازه وحباني ببشره منجزاً لي ... سبق وعد يا حبذا انجازه وقال إلى متى تحث كأس هوى ... وتحتسي للجمال أكؤسه ومنك لحظ يصيب من جسدي ... من أسهم الفتك صاح أرؤسه وكم يرجى انعطاف قلبك لي ... مني فؤاد وأنت مؤنسه الست طوع اليمين منك وقد ... أذقتني من جفاك أبأسه أعادة فيك ذاك أم ولع ... أم ذا لأمر غدوت توجسه ناشدتك الله هل لذا أمد ... به زمان دنا تنفسه وهل لمضناك عند ذا طمع ... برحمة أم أراك تبلسه رحماك فأكفف شبا جفاك فكم ... يود منك ألوفاً تيأسه فقد غدا فاقداً لراحته ... وغاله ذا الجفا تأنسه فجد بعطف له ونظرة إشفاق ... تفدتك منه أنفسه لعله يصح من خمار هوى ... أنت حمياه بل وأكؤسه وقال ومألف للربيع جدد لي ... هواي إذ زرته وجلاسي أشجاره أينعت بخضرته ... وبعض نور بقي على الرأس فخلتها من زبرجد قبباً ... قد رصعتها صغار الماس وقال وجنى ذي محيا ... فيه أبدى الحسن جأشه ما اجتلته العين إلا ... ازداد حسناً وبشاشه ذهبي اللون المى ... الثغر يغري بي مراشه إن رنا بالطرف يوماً ... إلزم الصب اندهاشه ما سوى ريقته الخمر ... بها يروى عطاشه ظبي أنس بابلي ... الطرف مبول الوراشه إن وفى يوماً لمقتو ... ل الهوى أبدى انتعاشه غصنه ما اهتز الا ... ألزم الردف ارتعاشه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 ويزين الخد منه ... حجل أبدى رشاشه قد أتاح الله مرعا ... هـ من القلب الحشاشه وحباه الحسن حتى ... تخذ الفتك معاشه واخش يا غر الهوى ... واحذر بأن تبغي احتراشه وله قوله هذه القصيدة ممتدحاً بها بعض الكرام هواي عذري بربة الشنف ... يا حبذا دلها على ضعفي مصونة لا يرام منظرها ... دون خيال يلم بالطرف ما رمته إن يلم في سنة ... إلا ألم السهاد في طرفي إني لطرفي كري أراه غدا ... ممنعاً في لحاظها الوطف لهفي على نظرة أعللها ... لعل أشفي بها من اللهف ذات جمال تزدان من مرح ... فتزدري بالقضيب والخشف قوامها السمهري ما خطرت ... إلا وفي الحسن جل عن وصف كخنصر خصرها وخاتمه ... منطقة تستوي على الردف خضيبة الكف لثم راحتها ... يغني مدير المدام عن رشف إلا بروحي شهي مبسمها ... فما بغير اللمى الشفا ألفي كأنما ريقها المدامة يستشفي ... بها من مدامها الصرف فتانة باللحاظ جاد بها ... داع اليها رغماً عن الأنف فمذ فؤادي أجاب ممتثلاً ... ولم أرى من سعى إلى الحتف أيست إلا من البكاء لأستشفي ... لدائي وذاك لا يشفي أطعت صرف الهوى بها ولها ... فمذ وعت ذا انثنت إلى العسف قد كنت من قبل هجرها أنفاً ... ذا عزة لا أراع من حتفي فصار ذلي بها على رغم ... ونال من الغرام بالعنف فمطمعي في وصال غادرة ... ما وعدها منجز سوى الخلف تعلة بل وضلة وعنا ... أنسب لا غرو فيه للسخف أمطمع صاح بعد طود منا ... أم مأمل بعد سيد كهف هو الكريم الذي خلائقه ... قد صاغها خيمه من اللطف ألا ريحي الذكي سؤدده ... إلا لمعي السخي بالعطف من بشره في الجبين مؤتلق ... متفق لطفه مع الظرف مولى حوى الفضل والحجي فغدا ... موحداً فيهما بلا خلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 مولاي يا من غدت مكارمه ... تمنح راجيه بالذي يشفي أتاك عبد مؤملاً فعسى ... يعود حراً محسد الوصف يود تكرار داخل فيه ... يمتاز حكماً بذاك في الصف وإن تكن رتبة مماثلة ... فهي اعتبار به لدى العرف فجد بتحقيق مأملي كرماً ... فجود رحماك فوق ما يكفي وحسن ظني بها على ثقة ... حاشى بأني أجاب بالكف فلا برحت الزمان طوع مني ... منه على رغم ما رن الصرف آمالنا من علاك مخصبة ... يوكف جود لها على وكف مكتسباً للثناء مغتنماً ... خير دعاء متابع الذرف وقال بروحي من أفضت لسلبي خلائقه ... وذو الحسن مثل الصبح بنبيك صادقه إذا طال ليلي مثل الشوق وجهه ... بدا فأخال الصبح أبراه فالقه تمثل من نور جني يكاد من ... لطافته يؤذيه باللحظ رامقه يجرد من لحظيه إن كان رامقاً ... لها روت سيفاً تستبينا بوارقه يغنج بالتكحيل أجفان طرفه ... وقد زرفنت بالعارضين شقائقه وما قصده التحسين بالكحل إنما ... لتحديد عضب لم يحد عنه عاشقه فحاذر سهاماً فوقت عن حواجب ... من اللحظ ريشت بالجفون رواشقه وما فرعه المسود فوق جبينه ... سوى لاحق والصبح لا شك سابقه ومسكي خال فوق مخضر شارب ... كشحرور روض شوقته حدائقه وما السكر إلا من رضاب بثغره ... إذا مزج الصهباء من فيه ذائقه فما البدر إلا ما أظلت ذوائبه ... وما الشمس إلا ما حوته بنائقه إذا اهتز رمحاً أو تمايل بانة ... وإن ماس تيهاً قلت قد جل خالقه وقال كانا ركوب والليالي منازل ... وأيامنا خيل البريد بنا تجري وآمالنا تزداد ما جد سيرنا ... مطامعها ثم المصير إلى القبر وقال ألقت على وجهه شمس الضحى جسداً ... شعاعها فغدا باليد مستترا وذاك من غيرة إذ فاتها شنب ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا وللشيخ محمد سعيد الدمياطي اللقيمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 غريب حسن أدار الراح في يده ... مذ أثرت لونها في خده أثرا فخلته البدر يجلو الشمس في فلك ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا ولأبن نباتة مضمناً وافى إلي وكأس الراح في يده ... فخلت من لطفه إن النسيم سرى لا تدرك الراح معنى من شمائله ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا ولبعضهم مضمناً وفي الحبيب الذي أهواه من سفر ... والشمس في وجهه قد أثرت أثرا فقلت لا تعجبوا شمساً على قمر ... والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا وكانت وفاة المترجم في ليلة الثلاثاء مع الغروب رابع شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في المقبرة الغربية ورثاه الأستاذ عبد الغني النابلسي بقوله مالي أرى البارق النجدي ما ومضا ... أشطت الدار أم ولى الفتى ومضى من بيت حمزة نجم غاب تحت ثرى ... وكان مرتفعاً ويلاه فانخفضا يا طالما أشرقت منه منازله ... فضاء من نوره في الخافقين فضا عبد الكريم على الرب الكريم به ... قد أقبل المرض المستوجب المرضا وغض من فقده طرف الكمال حياً ... والمجد قد شب في أحشاه جمر غضا فيه الشهامة والطبع الأبي وقد ... رماه سهم منون وافق الغرضا وكان سيفاً مصوناً في غلاف علي ... فاستله الآن مولاه العلي وقضا إن لم نجد عوضاً عنه فإن لنا ... في صنوه وابنه من بعده عوضا وهاتف الغيب أضحى في مسامعنا ... يقول أرخت أنسل النبي مضى هم الأمان لأهل الأرض في خبر ... عن النبي وهذا الحكم ما انتقضا وكلما غربت شمس لهم طلعت ... شمس فلاتك يا ابن الدهر معترضا هو من قول القائل نجوم علاء كلما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوى إليه كواكبه نقول هذا نسلي فيه أنفسنا ... عن حكم رب علينا بالفراق قضى يا كوكباً في دمشق الشام زاد به ... صدر الزمان انشراحاً كان فانقبضا أوحشت أوج المعالي والمفاخر هل ... أوفى بك الدهر من مولاك ما افترضا إن غاب شخصك فالباقي به خلف ... ومن يغب جوهراً إذ لم يغب عرضا يا آل بيت النبي الحق إن بكم ... فيما قضى الله تفويضاً له ورضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 والموت سنة كل الأنبياء غدا ... وذا على كل حي بعدهم فرضا ومينكم يا بني الزهراء حي هدى ... إذا دعته مزايا جده انتهضا عليه رحمة ربي دائماً وعلى ... الأسلاف ما بسط الداعي وما قبضا وما استهلت عيوث في الرياض وما ... تفتح الزهر من جفن وما غمضا عبد الكريم الأنصاري عبد الكريم بن يوسف الأنصاري المدني الشيخ الفاضل الأديب البارع ولد بالمدينة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم فأخذ عن والده وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي والشيخ محمد الخليلي القدسي المشهور والشيخ مسعود المغربي والشيخ محمد الزرقاني شارح المواهب والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والجمال عبد الله بن سالم البصري وغيرهم من العلماء وصار أحد الخطباء بالحرم الشريف النبوي وكان يدرس بالروضة المطهرة حافظاً للوقائع والأخبار متكلماً لا يعيي وألف بعض رسائل في فنون العلم وله تحريرات لطيفة كان يكتبها على هوامش كتبه وكان عالماً عاملاً تعلوه سكينة العلم ووقار العمل وأبهة التقوى ذا شيبة نيرة ووجه وضئ وكانت وفاته بمكة المكرمة سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بالمعلى المعلاة وزان مرماة مقبرة مكة المكرمة حجون بتقديم الحاء على الجيم على وزن صبور رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر ولده يوسف في محله إن شاء الله تعالى. عبد الكافي الحلبي عبد الكافي بن حسين بن عبد الكريم الشهير بابن حموده الحلبي الشافعي الشريف الفاضل الورع الكامل امام السادة الشافعية بأموي حلب ولد بها سنة ثمان ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم على الشيخ أحمد الدمياطي وحفظه عليه وقرأ العلوم على الشيخ حسن السرميني والشيخ محمود الزمار والشيخ طه الجبريني والسيد محمد الكبيسي وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ صالح المواهبي وارتحل إلى مصر سنة تسع وثلاثين ومائة وألف وأخذ بها عن الشهاب أحمد الملوي والسيد علي الحنفي والبدر حسن المدابغي وحج في هذه الرحلة وعاد لبلده وأخذ بطرابلس عن الشمس محمد التدمري وفي دمشق عن العارف الشيخ عبد الغني النابلسي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي مفتي دمشق والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم وكان له قدم راسخ في العبادات والمجاهدات والرياضات وبالجملة فهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 من الأفراد وتزوج وله ولد يدعى بمحمد أمين وكانت وفاته يوم السبت عند طلوع الشمس ثالث شهر رمضان سنة ست وثمانين ومائة وألف وصلى عليه بالمصلى الكائن خارج باب المقام بحلب ودفن هناك رحمه الله تعالى. عبد الله باشا الجتجي عبد الله باشا بن إبراهيم الشهير بالجتجي جته جي الحسيني الجرمكي نسبة إلى جرمك بلدة من أعمال ديار بكر ولد في بلدته المذكورة عام خمسة عشر بعد المائة وألف وجد في تحصيل العلوم وقطف من زهورها أحسن قطف وتقلبت به الأحوال إلى أن بلغ في مرامه الآمال واعتنى بتنميق الطروس بالقلم فكان في الخط المفرد العلم وحبى تواضعاً وبشاشة ومزبد وقار وأعمال بر خلصت إن شاء الله تعالى خلوص النضار ونفس أبية مرتاضه وعزيمة قوية نهاضه يكاد من صحة العزيمة ما ... يفعل قبل الفعال ينفعل وسجايا تنجلي عنها الظلما وندى ينادي أيها الرائد سل عما يستصغر القدر الكثير لرفده ... ويظن دجلة ليس تكفي شاربا مع تخل عن معتاد الولاة من معاملة النفس بالاسعاف والاسعاد وتحل في مأكله وملبسه وشأنه كله بالاقتصار والاقتصاد لا يرفع للأمور الدنيوية رأساً ولا يولي أعلامها المنشورة إلا طياً ونكساً وإنما ينافس في المعالي ويسهر في طلابها الليالي اجتاز بحلب قبل الوزارة وبعدها سنة سبعين لما ولي منصب طرابلس ثم ولي حلب سنة اثنين وسبعين ومائة وألف فنزل بالميدان الأخضر أو آخر المحرم من السنة المذكورة ثم ارتحل لجهة عين تاب وكلس ثم عاد ونزل داخل البلدة وكان الغلا قد عم حتى بيع المكوك قال المصحح المكوك على وزن تنور بتشديد الكاف المكوك والمد والكيلجه والمن والرطل والبطمان والدانق كلها في كتب اللغات والأوقيانوس مطبوع والصحاح والمصباح وفقه اللغة وكفاية المتحفظ أيضاً انتهى الحلبي من الحنطة بمائة وستين قرشاً وكثرت الموتى من الجوع فعزل من حلب وولي دمشق وحج سنتين وعزل من دمشق بسبب عزله شريف مكة الشريف مساعد ابن سعيد وتولية الشريف جعفر بن سعيد مكانه فلما قفل الحجيج من مكة عاد الشريف مساعد وأزاح أخاه عن الشرافة ووليها وعرض للدولة العلية بذلك فكان ذلك أقوى سبب في عزله وولي ديار بكر فنهض اليها فدخلها وهو متوعك المزاج إلى أن توفي بها في جمادي سنة أربع وسبعين ومائة وألف وفي أول سنة من إمرته أذهب الله على يديه مردة طائفة حرب وأفرد تلك الواقعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 بالتأليف للعلامة السيد جعفر البرزنجي وسماه النفح الفرجي في الفتح الجتجي وحصل وهو بدمشق سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الأول قبيل الفجر زلزلة واتصلت بالقدس وغزة وتلك النواحي وصيدا وصفد وجميع بلاد ساحل الشام وحمص وحماه وشيزر وحصن الأكراد وأنطاكية وحلب واتصلت في كل اسبوع مرتين وثلاثاً إلى ليلة الأثنين سادس ربيع الثاني من السنة المذكورة فزلزلت بعد الفراغ من صلاة العشاء الأخيرة تلك المحال المذكورة بأسرها واستقامت بدمشق ثلاث درج وخرب غالب دمشق وأنطاكيه وصيدا وقلعة البريج وحسية وانهدم الرواق الشمالي من مسجد بني أمية بدمشق وقبته العظمى والمنارة الشرقية وانهدم سوق باب البريد وغالب دور دمشق ومساجدها ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة وأعقب ذلك بدمشق قبل انتهاء السنة الطاعون الشديد وعم قراها وما والاها وحصل لغالب مساجدها التعمير من وصايا الأموات وعمر جامع دمشق والقلعة والتكية السليمانية بأموال صرفت من كيس الدولة العلية العثمانية. عبد الله البري عبد الله بن إبراهيم البري المدني الحنفي الشيخ الفاضل الخطيب المصفع ولد بالمدينة المنورة في سنة ثلاث وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على جملة من الشيوخ منهم والده ويوسف أفندي الشرواني والجمال عبد الله ابن سالم البصري والشيخ محمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبو الطيب السندي ونبل وفضل وكتب كتباً كثيرة بخطه منها حاشية شيخه الشيخ أبي الطيب السندي على الدر المختار وشرح التسهيل لأبن عقيل والفتاوي الغيائية وغيرها وصار أحد الخطباء بالحرم الشريف النبوي فكان لا يطلق الخطيب بوقته إلا عليه وكان شهماً فاضلاً بارعاً متفوقاً ولم يزل على أكمل حاله إلى أن مات وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. عبد الله الشرابي عبد الله بن أحمد المعروف بالشرابي الشافعي النابلسي الشيخ العالم الفاضل الفقيه المفرد الامام النحرير المحقق الشهير الصافي المشرب الودود الصالح ولد قبل المائة بأعوام وقرأ القرآن وجوده على والده وقرأ على الشيخ عبد الحق ابن أبي بكر الأخرمي ورحل إلى مصر وجاور وجد واجتهد وتضلع من الفقه والتفسير والحديث وعاد وتولى الافتاء والتدريس وتصدر للافادة وانتفع به وعليه كثير من الطلبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وأخذ الطريقة الشاذلية عن الأستاذ المزطاري المغربي وجد في التهجد بأوراد سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي والصلاة المشيشية واستجاز من الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي بها وكتب شرحه عليها وكانت وفاته في رمضان سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الله الجعفري عبد الله بن السيد أحمد المعروف كأسلافه بالحنبلي والجعفري النابلسي السيد الفاضل الأديب الفرضي الكامل نقيب الأشراف بنابلس أخذ العلم عن أفاضل كرام وكان له قدم راسخ في العبادة واجتهاد في الافادة وكانت وفاته في أواخر سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الله الأسكداري عبد الله بن أسعد الأسكداري الأصل المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها منهم والده السيد أسعد والشهاب أحمد المدرس والشيخ سليمان بن أحمد الأشبولي الذي يروى عن الشيخ علي الشبراملسي والبرهان إبراهيم اللقاني والشيخ عبد الرحمن اليمني والشهاب أحمد السبكي والنور علي الأجهوري بأسانيدهم المعلومة وتولى صاحب الترجمة افتاء المدينة المنورة بعد أخيه السيد محمد ونيابة القضاء وكان فاضلاً عالماً ذا جاه ووجاهة وصلاح توفي بالمدينة المنورة شهيداً بالبطن وعقب وصوله من الحج والحجاج إذ ذاك بالمدينة سنة أربع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين آمين. عبد الله الفراري عبد الله بن حسن باشا الشهير بالفراري معناها الهارب الحنفي الشريف كان في دولة المرحوم السلطان محمود ابن السلطان مصطفى خان الثاني أمير أخور ثم ولي جزيرة قبرس بالوزارة ثم ولي آيدين ومنها دعي للختام فدخل اسلامبول مختفياً إلى دار السلطنة ودخل للعرض وفوض له المرحوم السلطان محمود الوكالة المطلقة إذ ذاك ثم عزل منها وولي مصر القاهرة ثم عزل عنها وولي حلب ودخلها سنة ثم ولي أورفة ثم عاد إلى حلب سنة ثم ولي ديار بكر وكان بها الغلا وعم تلك الديار بل سرى في جميع البلاد حتى بيع الشنبل من البر الحلبي بأحد عشر قرشاً وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وثبت ذلك لدى الحكام واشتد عليه وعلى أتباعه الخطب واستولى عليهم المرض ففرج الله عنه وعنهم بالعزل منها وولي حلب ثالثاً ودخلها مسروراً في رجب سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وكان رحمه الله سخياً حسن المعاشرة ذا معرفة واطلاع على كلام القوم واستقام بحلب إلى أن توفي يوم السبت في الساعة الرابعة من النهار سنة أربع وسبعين ومائة وألف ذاكراً كلمة الشهادة جاهراً بها ودفن بتكية الشيخ أبي بكر رحمه الله تعالى. عبد الله يدي قله لي عبد الله بن حسن المعروف بيدي قلي الرومي السيد الشريف الكاتب المشهور بحسن الخط البارع الماهر أخذ الخط وأنواعه من الأستاذ حافظ عثمان وأجازه بالمكتبة المعروفة عند أرباب الخطوط وصارت الناس تتنافس بخطوطه وأخذتها وأقبلت عليه بسبب ذلك واتخذه السلطان أحمد خان الثالث معلماً للخط في دار السعادة السلطانية وكان حليماً وقوراً محترماً عند السلطان المذكور والرؤساء وأرباب الدولة وغيرهم وكتب عدة مصاحف شريفة بخطه الحسن وغيرها وتوفي بقسطنطينية سنة أربع وأربعين ومائة وألف وجاء تاريخ وفاته توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ويدي قلي نسبة إلى يدي قله. مصحح ديركه قله ضم قاف وتشديد لام ايله أو لوب مؤرخ استانبولده يدي قله لي عبد اللهي يدي قله يه نسبتده يدي قلي يازمغله بوراده عربلرك يدي قلي ديديكني تعريف أيده يوركه مرامي بدي قلي تشديد لام ايله أوقونسون ديمكدر لكن تركجه ده تشديد لامه بدل برواو علاوه سيله يدي قوله لي صو قوله لي ديرلر انتهى. عبد الله السويدي عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين البغدادي الشافعي الشهير بالسويدي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر المدقق الأديب الشاعر المفنن أبو البركات جمال الدين ولد بمحلة الكرخ في الجانب الغربي من بغداد سنة أربع ومائة وألف وتوفي والده وعمره ست سنوات فكفله عمه لأمه الشيخ أحمد سويد وأقرأه القرآن وعلمه صنعة الكتابة وشيئاً من الفقه والنحو والتصوف وأجازه بما يجوز له وهو أخذ عن مشايخ عدة كالشيخ محمد ابن إسمعيل البقري القاهري وآلي أفندي الرومي القسطنطيني صاحب الثبت المشهور في الروم وأخذ أيضاً صاحب الترجمة العربية عن الشيخ حسين بن نوح المعمر الحنفي البغدادي وعن الشيخ سلطان بن ناصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 الجبوري الشافعي الخابوري ثم ارتحل للموصل فقرأ على علمائها وأتم المادة في المعقول والمنقول كالشيخ يس أفندي الحنفي وفتح الله أفندي الحنفي ثم رجع إلى بلده بغداد مكملاً للعلوم العقلية والنقلية وتصدر للتدريس والافادة في داره وفي حضرة مزار الامام أبي حنيفة النعمان وفي حضرة مقام الكامل الشيخ عبد القادر الجيلاني وفي المدرسة المرجانية وانتفعت به الطلبة علماً وعملاً واستمر عازباً عاكفاً على الافادة وقرأ في الفقه والأصول جانباً كبيراً على الشيخ محمد الرحبي مفتي الشافعية ببغداد وأجاز له مكاتبة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ في بغداد مشافهة عن الشهاب أحمد بن محمد عقيلة المكي وذلك حين قدم بغداد زائراً سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف والشيخ محمد ابن الطيب المدني قال المصحح محمد ابن الطيب هو محشي القاموس واستاذ الزبيدي شارح القاموس انتهى والعارف مصطفى بن كمال الدين البكري حين ورودهما لبغداد أيضاً للزيارة وحج سنة سبع وخمسين ومائة وألف ذاهباً من بغداد إلى الموصل ومنها إلى حلب ومنها إلى دمشق وأقرأ في حلب دروساً عامة وخاصة وأخذ عنه بها خلق كثيرون منهم الشيخ محمد العقاد الشافعي وأقرأ بدمشق أيضاً وأقبل عليه الطلبة لتلقي العلوم وأخذ عنه بها جماعة وأقرأ بالمدينة المنورة في الروضة المطهرة أطراف الكتب الستة وحضره الأئمة الأفاضل منهم العماد إسمعيل بن محمد العجلوني وأضرابه وأخذ في ذهابه وإيابه عن مشايخ أجلاء وأخذوا عنه ففي حلب عن الشيخ عبد الكريم بن أحمد الشراياتي والشريف محمد بن إبراهيم الطرابلسي الحنفي مفتي حلب ونقيبها والشيخ طه بن مهنا الجبريتي والشيخ محمد الزمار والشيخ علي الدباغ والشيخ محمد المواهبي الشافعي وبدمشق عن العماد إسمعيل العجلوني الجراحي والشهاب أحمد بن علي المنيني وصالح بن إبراهيم الجينيني والشيخ عبد الغني الصيداوي اجتمع به في دمشق وبمكة المشرفة عن الشيخ عمر السقاف سبط عبد الله بن سالم البصري وعن سالم بن عبد الله بن سالم البصري ثم رجع إلى بغداد وألف المؤلفات النافعة كشرح دلائل الخيرات المسمى بأنفع الوسائل في شرح الدلائل وحاشية على المغنى جعلها محاكمة بين شارحيه كالدماميني والشمني وابن الملا والماتن وألف متناً في الاستعارت جمع فيه فأوعى وسماها الجمانات وشرحه شرحاً حافلاً والمقامة المعروفة ضمنها الأمثال السائرة وقرظ له عليها أعيان علماء كل بلد وديوان شعر ولما رحل إلى مكة ألف لذلك رحلة سماها بالنفحة المسكية في الرحلة المكية وغير ذلك من الفوائد وفي سنة ست وخمسين ومائة وألف طلب إلى معسكر طهماز للمناظرة وقصتها مشهورة مدونة وله شعر لطيف منه قوله في مليح صائغ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وشادن صائغ هام الفؤاد به ... وحبه في سويدا القلب قد رسخا يا ليتني كنت منفاخاً على فمه ... حتى أقبل فاه كلما نفخا وقوله مضمناً البيت الأخير إلى كم أنا أبدي هواكم وأكتم ... ونار الأسى بين الجوانح تضرم كتمت الهوى حتى أضر بي الهوى ... ولا أحد يدريه والله يعلم لسان مقالي بالشكاية قاصر ... ولكن طرفي عن هواك يترجم فيا ليت شعري هل علمت صبابتي ... فتبدي صدوداً أو ترق فترحم وقال مداعباً لصاحبه السيد حسن وذلك إنه أهدى له في يوم واحد ثلاث هدايا وكان له حبيب اسمه عطيه فقال يا فاضلاً لا يجاريفي البحث بين البريةوسيداً ذا أياد بالشكر مني حريهغمرتني بالعطاياوكان حسبي عطيه وكانت وفاته ضحوة يوم السبت حادي عشري شوال سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن جوار سيدي معروف الكرخي رضي الله عنه. عبد الله العجلوني عبد الله بن زين الدين العمري الحنفي العجلوني نزيل دمشق قدم دمشق واستوطنها وكان سيبويه زمانه وفريد وقته وأوانه عالماً فاضلاً نحريراً مشهوراً قطن في مدرسة القجماسية ودرس بها وأفاد وانتفع به خلق كثير وكان آية الله الكبرى في النحو وبالجملة ففضله شاع واشتهر وكانت وفاته بدمشق في ثالث عشر شوال سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه. عبد الله البصروي عبد الله بن زين الدين بن أحمد الشهير بالبصروي الشافعي الدمشقي الشيخ العلامة الامام اللوذعي الفاضل الكامل ادريسي العصر وفرضي الدهر واخباري الزمان واثري الأوان وإن كان محققاً أوحداً خبارياً فقيهاً مؤرخاً له في كل علم باع وفي كل فن اطلاع لا سيما الفرائض فإنه انفرد بها في وقته وأما غيرها من العلوم فإنه كان ممن لم يسمح الزمان بمثاله وكان أحد الشيوخ الذين تباهت بهم دمشق زهواً واعجاباً وازدهت معالمها بهم وله يد طائلة في أسماء الرجال والوفيات والمواليد وغير ذلك بحيث لا يشذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 عن خاطره شيء من ذلك القديم والحادث مع معرفة أحوالهم وكيفياتهم وكان قوالاً بالحق يصدع الكبير والصغير ولا يبالي شديداً جسوراً صلباً قدوة ولد بقسطنطينية دار الخلافة في سنة سبع وتسعين وألف وربي يتيماً لكون والده توفي وهو صغير كما قدمنا ذلك في ترجمته وقرأ على جماعة بدمشق وغالب مشايخه الشيخ أحمد المنيني وأعظم قراءته على العلامة الشيخ عبد الرحمن المجلد وقرأ وأخذ عن الشيخ علي المنصوري المصري نزيل قسطنطينية وشيخ القراء بها والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ محمد الحبال والشيخ عبد الجليل المواهبي والشيخ محمد الكاملي وعبد الغني بن إسمعيل النابلسي والشيخ يونس بن أحمد المصري وعبد الله بن سالم البصري والشيخ عبد القادر التغلبي قال تغلب بفتح التاء وكسر اللام وتغلبي بفتح اللام فتحوها في النسبة انتهى والشيخ أحمد النخلي المكي وتخرج عليه جماعة من الفضلاء وزمرة من النبلاء وأقرأ دروساً عامة وخاصة وفي أول أمره كان يقرئ حذاء باب المنارة الشرقية في الجامع الأموي ثم انتقل آخر عمره إلى حجرته في الباذرائية وإلى داره في ظاهر دمشق بالمحلة الموسومة بطالع القبة من الباب الشرقي وكانت الطلبة يهرعوت إليه في المحلين وكان عنده كتب كثيرة معتبرة جعلها للعارية لا يمسكها عن مستفيد ولكن كان فيه شائبة تعصب لمذهبه واعتراضات على مذهب غيره وكان يقرئ نهار الأثنين بعد الظهر حذاء مرقد سيدي يحيى عليه السلام صحيح مسلم وشرح منه جملة وله ترجمة للحافظ ابن حجر العسقلاني في مجلد وألف تاريخاً لأبناء العصر وأخفته ورثته بعد وفاته ولم يبن له أثر وداوم على اقراء العلوم والمطالعة آناء الليل وأطراف النهار وكان الناس يقصدونه في عمل المناسخات والفتاوي والواقعات ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في رجب سنة سبعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه عن خمسة أولاد ذكور مات منهم أربعة في طاعون سنة أربع وسبعين ومائة وألف والخامس توفي في سنة ست وثمانين ومائة وألف وتفرقت كتبه أيدي سبا وضربتها يد الدهر رحمهم الله تعالى قال المصحح وللدهر عادة في تفريق الكتب وحبسها بيد الجهال وقد جرى ما جرى في دخول هلاكو خان إلى بغداد وتفصيله في التواريخ وأحيا سنته من جاء بعده فإلى الله المشتكي انتهى. عبد الله الحلمي عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنان الحلمي الحنفي الاسلامبولي الفاضل المحدث المفسر رئيس القراء ولد سنة ست وستين وألف أخذ أولاً عن أبيه ثم عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 قره خليل ثم عن سليمان الواعظ وأخذ الطريق عن الياس السامري وأخذ عن كثيرين واجتمع بالسلطان أحمد وبعده بالسلطان محمود وأكرماه وعرفا قدره على ما ينبغي حتى جعله السلطان محمود مدرس دار الكتب التي بناها داخل السراي العامرة وبقي مدرساً بها إلى أن مات وله مؤلفات كثيرة منها شرح على صحيح البخاري وحاشية علي البيضاوي ومسلم لم يتمهما ورسائل لا تحصى في مواد مشكلة وله شعر بالألسن الثلاث وكانت وفاته في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة وألف ودفن عند والده خارج طوب قبو. عبد الله بن طرفة عبد الله بن طرفة المكي الشافعي الفقيه المحدث المفسر النحرير أبو محمد جمال الدين ولد بمكة ونشأ بها وطلب العلم وجد واجتهد وأخذ عن شيوخ أجلاء منهم الشيخ عيسى الجعفري والشيخ محمد بن سليمان والشيخ محمد الشرنبلالي وغيرهم وكان فاضلاً نبيهاً متفنناً في العلوم تصدر للتدريس بالحرم الشريف وانتفع الناس به ثم انقطع في آخر عمره للعبادة في بيته فلا تراه إلا راكعاً أو ساجداً أو تالياً ليلاً ونهاراً إلى أن توفي وترجمه الشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي في تاريخه المسمى لسان الزمان في أخبار سيد العربان وأخبار أمته خير الأنس والجان وهو مرتب على السنين وصل فيه إلى سنة ألف ومائة وثلاث وعشرين وأثنى على الترجمة ثناء حسناً وذكر له فضائل جمة وإن وفاته كانت في سنة عشرين ومائة وألف وصلى عليه بالمسجد الحرام بجمع حافل بالناس ودفن بالمعلا رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين. عبد الله العلمي عبد الله بن عبد الرحمن العلمي القدسي كان حسن الخلق على نهج السادة الصوفية سالكاً طريق جده القطب العلمي ملازماً للأوراد والصلوات معتنياً بالخلوات رافلاً في حلل العبودية في الجلوات ولم يزل على هذه الحالة الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وعمره ثمانون سنة أو نحوها ودفن بمقبرة مأمن الله رحمه الله تعالى. عبد الله الجوهري عبد الله بن عبد الغفور المعروف بالجوهري وتقدم ذكر والده الشافعي النابلسي الشيخ الفقيه النحوي الفرضي الصوفي قرأ القرآن على عمه الشيخ عبد المنان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وتفقه على والده وأخذ طريق الشاذلية عن الأستاذ المزطاري المغربي حين أجاز والده قال عند ذكر اجازة والده وأجزت ولده عبد الله بما آجزت والده به حيث توسمت نجابته الزائدة ومن آثار المترجم حاشية على شرح الأجرومية للشيخ خالد في النحو ورسائل في التصوف وكانت وفاته في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الله القدسي عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر القدسي شيخ الحرم الشريف بها السيد الشريف العالم الفاضل الصالح كان معروفاً بالعلم والعمل تاركاً للدنيا زاهداً فيها بالكلية عاكفاً على الطاعة والعبادة له باع طويل في علم الدين وفي علم الفلك ولد بالقدس في سنة ثمان وخمسين وألف ونشأ في حجر والده نشئ الصالحين ودأب في طلب العلم وتلقيه ولم يتول نقابة الأشراف وكان والده نقيباً على الأشراف في القدس وكان صاحب همة عالية وغيرة مع خلق حسن محباً للفقراء والضيفان وتولى بعد أبيه مشيخة الحرم القدسي وله ثمانية أخوة كلهم أماجد وأعيان تقسموا وظائف والدهم من خدمات الأنبياء وفراشة السلطان وغير ذلك وكان ممدوحاً مشهوراً وتوفي في عاشر جمادي الأولى سنة سبع ومائة وألف ورثاه ولده المترجم بهذه القصيدة ومطلعها يا عين سحي دماء واندبي سنداً ... كنز الوجود وبحر الخير والرشدا عبد اللطيف الذي شاعت مكارمه ... حتى تناشدها الأصحاب ثم عدا الهاشمي الحسيني سيد بطل ... من كان بالحلم فينا ملجأ سندا من كان يبدي السخايا صاح من قدم ... وكفه بالعطا والجود ما نفدا مصادقاً للورى ما قط خانهم ... ولم يزل صادقاً بالقول معتمدا لله ما كان أحلى طيب مجلسه ... أيام دهر مضت في عيشه رغدا قد فاق للناس طراً في محاسنه ... وساد في الناس فجراً زائداً وندا وكم مكارم أخلاق حباه بها ... مولاي جل تعالى حاكماً مدا تفكروا يا أولي الألباب واعتبروا ... واندبوا جمعكم هذا الذي فقدا وللمترجم غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وأخوه السيد حسن كان لطيفاً كاملاً رشيداً فصيح اللسان وتوفي في سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وسيأتي ذكر ابن عم المترجم السيد محب الدين وقريبه السيد يونس في محلهما رحمهم الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 عبد الله الجركسي عبد الله بن عبد الله الجركسي تقدم ذكر ولده درويش نزيل دمشق ورئيس جند أوجاق اليكجرية اليرلية وآغتهم أحد الأعيان من الجند الأكابر المشاهير كان شهماً شجاعاً بطلاً جسوراً مقداماً صاحب هيبة وأبهة ودولة وصولة ووجاهة صالحاً تقياً عاقلاً صدراً رئيساً مهاباً معتبراً له الرأي الرزين والعقل الوافر هو في الأصل كان رقيقاً إلى الوزير بوزقلي مصطفى باشا أحد وزراء السلطان محمد خان بن إبراهيم خان ثم لما رأى عليه بارقة الرشد لائحه وسمت الفلاح والنجابة واضحة أو هبة للسلطان محمد المذكور فدخل السراي السلطانية العثمانية وخدم بها واستقام وتنقل في خدمها وكان مقبولاً عند السلطان المذكور محبوباً لديه ثم في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف طلع من السراي على عادتهم وكطريقتهم بعد وفاة السلطان محمد المذكور بمنصب أغوية أوجاق اليرلية اليكجرية بدمشق مع قرية معلولة النصارى وقرية قبر الياس الكائنة في ناحية البقاع وقرية رفيد وقرية عيتا انعاماً من السلطان مصطفى بن السلطان محمد المذكور وقدم دمشق وتملك بها داره الكائنة في محلة العقيبة تجاه جامع التوبة ورأس بدمشق واشتهر وأعطاه الله القبول والسمو وبلغ الرتبة السامية من العلياء ولم يزل عليه المنصب المذكور إلى أن مات وعزل في المدة المذبورة مرتين الأولى في سنة خمس عشرة بعد المائة قاموا عليه رعاع الوجاق وعزلوه لأمور كانت والثانية بعدها ولم يزل محترماً محتشماً حتى مات وهو جد والدتي لأن والدتها ابنته وكانت وفاته بمنزلة رابغ والحرمين وكان حاجاً في تلك السنة في الحجة أربعين ومائة وألف ودفن بالمنزلة زبور رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. عبد الله البشمقجي عبد الله بن عبد الله الحنفي البشمقجي القسطنطيني شيخ الاسلام وصدر البلاد الرومية المولى العالم الفاضل الصدر الرئيس المحتشم صارت له المشيخة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وعزل سنة أربع وأربعين وتوفي مسموماً في بلدة قوية سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى. عبد الله الخليفتي عبد الله بن عبد الكريم الخليفتي العباسي المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 أبو محمد جمال الدين ولد بالمدينة سنة أربع وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على أبيه وعلى الشهاب أحمد أفندي المدرس وغيرهما وولي افتاء المدينة المنورة وصار شيخاً على الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي ونسخ نسخة من الدر المختار وصححها وله شعر ومنه ما كتبه على مجموعة له جزى الله خيراً كل من كان ناظراً ... لمجموعتي هذي بستر القبائح وأصلح ما فيها من العيب كله ... فهذا الذي أرجوه من كل ناصح وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته بالمدينة المنورة ليلة النصف من شعبان سنة أربع وخمسين ومائة وألف. السيد عبد الله الحدادي السيد عبد الله بن علوي بن أحمد المهاجرين بن عيسى بن محمد بن علي العريضي ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن السبط الامام الحسين ابن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن البتول فاطمة بنت الرسول محمد الأمين صلى الله عليه وسلم الشهير كسلفه بالحداد الفائق على الأمثال والأنداد. الذي شيد ربوع الفضل وشاد. التريمي اليمني الشافعي ولد رضي الله عنه ليلة الأثنين خامس صفر سنة أربع وأربعين وألف بمدينة تريم مسكن السادة الأشراف آل باعلوي الحسينيين وأرخ مولده بعض الصالحين بقوله ولد بتريم أمام كريم. وحفظ القرآن العظيم واشتغل بتحصيل العلوم وصحب أكابر العلماء وأخذ عنهم وكف بصره وهو صغير وتفقه على جماعة منهم القاضي سهل بن أحمد بأحسن وحفظ الارشاد وعرضه عليه مع غيره ومنحه الله تعالى حفظاً يسحر الألباب وفهماً يأتي بالعجب العجاب وفكراً يستفتح ما أغلق من الأبواب ولازم الجد والاجتهاد في العبادات وأضاف إلى العلم العمل. وشب في ذلك واكتهل. ورحل إلى الحرمين الشريفين سنة ألف وتسع وسبعين وكان له اعتناء بزيارة القبور كثير الرحلة مبادراً إلى أماكن القرب وألف مؤلفات عديدة منها رسالة المعاونة والموازرة للراغبين في طريق الآخرة واتحاف السائل. بأجوبة المسائل. وهو جواب أسئلة سأله عنها الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله بأعباد وختمه بخاتمة تتضمن شرح أبيات الشيخ عبد الله ابن أبي بكير العيدروس التي أولها هبت نسيم المواصلة بلا اتصال ولا انفصال والقسم الثالث في الكلام المنثور قال الملتقط وهذا الكتاب انما هو قسم من كتابه الجامع له وللمكاتبات والوصايا والكلام المنظوم إلا أن السيد أذن في تفريقها لمن أراده انتهى ومنه قوله الخلق مع الحق لا يخلو أحد منهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 من أن يكون في أحد الدائرتين أما دائرة الرحمة أو دائرة الحكمة فمن كان اليوم في دائرة الرحمة كان غدا في دائرة الفضل ومن كان اليوم في دائرة الحكمة كان غداً في دائرة العدل ما ترك من الكمال شيئاً من أقام بنفسه لربه مقام عبده من نفسه النائم يوقظ والغافل يذكر ومن لم يجد فيه التذكير ولا التنبيه فهو ميت انما تنفع الموعظة من أقبل عليها بقلبه وما يتذكر إلا من ينيب كيف يكون من المؤمنين من يرضي المخلوقين بسخط رب العالمين وهو نحو كراس قال الملتقط وقد زاد عليه كثيراً وهو إلى الآن إذا حدث شيء زاده فيه انتهى وله وصايا نافعة في طريق القوم مشهورة وله ديوان عظيم المقدار ومن نظمه القصيدة التي خمسها صاحبنا الشيخ حسين بن محمد بأفضل التي مطلعها يا زائري حين لا واش من البشر ... والليل يحضر في برد من السحر فقلت يا غاية الآمال ما سبقت ... منك المواعيد في التقريب بالخبر ولو بعثت خيالاً منك تأمرني ... بالسعي نحوك لأستبشرت بالظفر فكيف إن جئت يا سؤلي ويا أملي ... فالحمد لله ذا فوز بلا خطر ما كنت أحسب إني منك مقترب ... لما لدي من الأوزار يا وزري حتى دنوت وصار الوصل يجمعنا ... والسر منك ومني غير مستتر عن الكثيب من الوادي سقاه حياً ... من الغمام مدى الأصال والبكر وله قصيدة تائية على وزن قصيدة ابن الفارض أولها بعثت لجيران العقيق تحيتي ... وأودعتها ريح الصباحين هبت سحيراً وقد مرت علي فحركت ... فؤادي كتحريك الغصون الرطيبة وأهدت لروحي نفحة عنبرية ... من الحي فاشتاقت لقرب الأحبة وهي طويلة وله شعر كثير وله كرامات كثيرة منها أن أحد تلامذته وهو الشيخ حسين بن محمد بأفضل كان مع صاحب الترجمة حين حج واتفق إنه لما وصل إلى المدينة مرض مرضاً أشرف فيه على الموت وكشف السيد المترجم إن حياة الشيخ حسين قد انقضت فجمع جماعة من أصحابه واستوهب من كل واحد منهم شيئاً من عمره فأول من وهبه السيد عمر أمين فقال وهبته من عمري ثمانية عشر يوماً فسئل عن ذلك فقال مدة السفر من طيبة إلى مكة اثنا عشر يوماً وستة أيام للاقامة بها ولأنها عدة اسمه تعالى حي ووهبه الآخرون شيئاً من أعمارهم وكذلك صاحب الترجمة وهب له من عمره فجمع ذلك وكتبه في ورقة وتوجه به إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله الشفاعة في ذلك وحصل له أمر عظيم ثم انصرف وهو مشروح الصدر قائلاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 قد قضى الله الحاجة واستجاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فشفى الشيخ حسين من ذلك المرض وعاش تلك المدة الموهوبة له حتى إن السيد المترجم أشار وهو بتريم إلى أن الشيخ حسين يموت في هذا العام فمات كذلك في مكة المشرفة وكراماته كثيرة لكنه كان شديد الكراهة لأظهارها بل كان ينكر وقوعها منه كثيراً حتى إن بعض أصحابه سنة ثمان ومائة وألف أظهر له مصنفاً في أحواله وفيه شيء من كراماته فشدد عليه النكير وأمره أن يغسله وله أيضاً من المؤلفات كتاب النصائح الدينية والوصايا الايمانية ورسالة المزيد ورسالة المذاكرة وفتاوي والفصول العلمية وغير ذلك وقد أفرد بالترجمة وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لسبع خلون من ذي القعدة سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف. عبد الله الطرابلسي عبد الله بن عمر بن محمد المعروف بالأفيوني الحنفي الطرابلسي نزيل دمشق أحد الأفاضل المجيدين الماهرين البارعين كان أديباً شاعراً له سرعة تحرير في الكتابة مع خط باهر بحيث كان عديم المثيل في سرعته وبداهته ولد بطرابلس الشام وبها نشأ وارتحل مع والده إلى مصر وكان والده من الأفاضل الفقهاء وقدم ولده هذا إلى دمشق واستوطنها في المدرسة الباذرائية مدة سنتين ثم ارتحل إلى حلب وذلك في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف واستقام بها سنتين ونصف ثم عاد إلى دمشق واستوطنها في مدرسة الوزير إسمعيل باشا العظم ثم ارتحل إلى القدس بقصد زيارة الأستاذ الرباني الشيخ مصطفى الصديقي ولم يمكث بها إلا مدة أشهر ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات وله من التآليف شرح علي البردة سماه الفيوضات المحمدية على الكواكب الدرية والعقود الدرية في رحلة الديار المضرية والزهر البسام في فضائل الشام ولوائح القبول والمنحة والعزاز لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك والشيخ عمر الخباز والزهرة الندية والعبقة الندية ومختصر الاشاعة في أشراط الساعة ورنة المثاني في حكم الاقتباس القرآني وفيض السر المداوي في بهجة الشيخ أحمد النحلاوي والمنحة القدسية في الرحلة القدسية وتردد إلى والدي وأحسن الوالد باكرامه ولطفه وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شاعر قريحته جيدة ومعانيه رصينة مشيدة بادر للأدب ولم تشد أوصاله وأكرمت فيه خلائقه وخصاله فروي حديثه المسلسل وارتوى من عذبه السلسل وأثقل كاهله بأعبائه وأحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 فيه عقدة أنبائه وافى الشام واستوطنها وجنى أمانيها واستبطنها ونزل منها منزلة الوسمى في الرياض واعتاض بها عن وطنه بأحسن اعتياض ففاح شذاه وعرفه وخلص نقده وصرفه وطلب وجد ولم يعثر له جد وأقبل على الدواة والأقلام ولم يلو على من فند عليهما ولام وصان بحرفتهما بذل ماء محياه وقنع بمدادهما عن السوي ورواياه فأرانا الأزهار في الروابي المطلولة وتنمنم العذار في العوارض المصقولة وله البداهة التي لا تسابق بل تسبق الغيوث الهطالة والفكرة التي لا تلاحق بل تلحق المعاذة من شائبة البطالة والشعر الذي أطاعه فيه القلم وما استنكف ودعاه لمرامه فجرى ركضاً وما انكف إلا أن الزمان كر على عمر اقتباله وصرف عن وجهة الشباب وجه اقباله وقد أثبت له ما شاهده عدل يبرهن عليه بالنقل والعقل انتهى مقاله وقد أطلعت على ديوانه فاستحسنت مه ما ذكرته هنا فمنه قوله بجمالك الباهي المهيب ... وبقدك الغصن الرطيب وبدر مبسمك الشهي ... وصارم اللحظ الغضوب وبقوس حاجبك البهي ... وسهمه البادي المصيب وبعنبر الخال البهيج ... ومن به كل الخطوب وبنون عارضك الذي ... من دونه شق الجيوب وبجيدك اليقق السني ... وورد خديك العجيب أرفق بصب هائم ... في الحب ذي دمع صبيب وبقلبه نار ذكت ... بهواك زائدة اللهيب لم تبق منه يد الغرا ... م سوى المراجع والنحيب وسقام مهجته لقد ... أعياه حقك للطبيب فهل الهوى بفؤاده ... فعل السلافة بالشروب مولاي أدنفت المتيم ... فيك بالصد المذيب وهواك قد أصمى الفؤاد ... كأنه راح القلوب وأذاب قلباً في غرامك ... لا يقر من الوجيب قد شاقه القمري في ... غصن من الروض الخصيب ويلوح ألفا نازحاً ... ألقاه بالهجر المشوب بالله هي ساعة ... في الحي يا ريح الجنوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 وعجي طلول أحبتي ... وصفي شجون فتى كئيب فسقي عهوداً باللوى ... صوب من الغيث السكوب يا قلب لا تك قانطاً ... لا بد من فرج قريب وقال أيضاً أما وشهد رضاب زانه الضرب ... وطلعة من سناها الشمس تحتجب وعارض كبنان الأس طرز في ... ورد من الخد كم في حسنه عجب وصارم من سيوف الهند لاح لنا ... من جفن لخطبه الأرواح تنتهب ونقط مسك على صحن الخدود زهى ... ودر ثغر نظيم زانه الشنب ما كنت أصغي لعذال وإن نصحوا ... فإن صدقهم عندي هو الكذب من لي بسلوان ظبي راق مبسمه ... ومن محياه بدر التم يكتسب إن ماس بالدل تيهاً نحو عاشقه ... فالطرف منسجم والقلب مكتئب وإن دنا فسيوف اللحظ فاتكة ... بها مع العاشقين الجد واللعب مهفهف القد قد تمت محاسنه ... حالي المراشف للآرام ينتسب يفتر عن شنب رأفت مدامته ... يا حبذا درر يا حبذا ضرب يا طاوي الكشح عن حلف الغرام ومن ... إذا بدا ففؤادي رهبة يجب عطفاً على دنف أودى الغرام به ... وقلبه بلظى الأشجان يلتهب له بحبك وجد زاده كلف ... ومدمع مثل ودق المزن ينسكب هلا رثيت لقلب هائم وله ... أمضه المؤلمان الشوق والوصب صب تقلبه أيدي الغرام على ... بسط الصبابة لما شفه العطب فما تغنت على الغناء ساجعة ... إلا وهاج به من شجوها الطرب وإن سرت نسمات البان في سحر ... يذكو بمهجته من نفحها اللهب يمضي الدجى وعيوني لم تذق وسناً ... حتى تسامرني في حبك الشهب وله أيضاً يميناً بما في الثغر من عابق الشهد ... وما نظمت المباسم من عقد وورد جنى غرسنه يد البها ... وبالعنبر الزاهي على صفحة الخد وما فعلت في العاشقين ذوي الهوى ... عيون ببتار تجرد عن عمد وجيد أضاءت لامعات حماله ... تستر في فرع من الشعر مسود لئن لامت العذال فيك وفندوا ... وحقك لا أسلو ولو ضمني لخدي ومن لي بسلوان وقلبي مصطلي ... على نار وجد منك زائدة الوقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 فيا لائمي المذموم في شرعة الهوى ... اليك فإن اللوم في الحب لا يجدي ودعني ومن أهوى فإن مسامعي ... عن العذل اللاحين كالحجر الصلد هو الحب مهما شاء يفعل بالهنا ... وها أنا في طوع الغرام كما العبد ومن يعشق الغيد الحسان فإنه ... أسير العنا حلف المراجع والجهد ومن يرتجي وصلاً يجود بروحه ... وهل يختشي من لسعة طالب الشهد وإني على حكم الهوى نائب الجوى ... معذب قلب بالصبابة والوجد أطارح ورقاء الغصون من الأسى ... وما عندها من لوعة بعض ما عندي وأهفو إلى مر النسيم سحيرة ... إذا فاح من أرجائه من شذا الند وأصبو إليه كلما لاح بارق ... وذكرني الثغر الملظم بالعقد رعى الله ليلات مضت بوصاله ... بفرط سر ورجل في الوصف عن حد أو يقات حسن بالهناء اختلستها ... وقد أنجزت وعدي وتم بها سعدي رشفت بها كأس المسرة مترعاً ... وأطفأت ما في القلب من حرقه البعد فهل يسمح الدهر الضنين بعودها ... وتجلى بصبح الوصل ليلاً من الصد وإن ضمناً ثوب الظلام كما نشأ ... ونحن بأمن من رقيب ومن ضد أبث له شكوى التباريح غبما ... أعانق ما بين الوشاح إلى الخد وأقطف ورد الخد لثماً بلاعناً ... وأرشف من ذاك اللما أعذب الورد عسى ينجلي صبح الهنا بوصاله ... وارتع في ظل من الأنس ممتد وقال لا ينتهي في السقم حده ... من شفه في الحب وجده كيف الهناء يرى لقلب ... زاد بالتبريح وقده حتى ترقب يا فؤاد ... الوصل ممن طال صده وإلى م ترعى النجم وال ... محبوب لذ لديه سهده أبداً وإن كثر الصدو ... ذ ودام بالهجران فقده لا أنتهي لا أرعوي ... وأنا الكئيب الصب عبده بأبي العيون الغائرات ... وسيفها الماضي فرنده قمر تجلي في سماء ... الحسن لكن تم سعده درى ثغر عاطر ... يشفي سقيم القلب عهده نفديه منا بالنفوس ... وليس ينجز قط وعده ما الظبي عند نفاره ... ما الغصن حين يميس قده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 ترك القلوب ذوائباً ... مذ ضم مسك الخال خده ويسل من طرفيه بتاراً ... كأن القلب غمده يا قلب صبراً في الهوى ... لا يدان ينفك صده وله أيضاً فؤاد من التبريح طاب له الحتف ... وجفن من الأشواق أنحله الوكف ولي كبد حراء عذبها الجوى ... وعين إذا ماجن ليلى لا تغفو معذب قلبي في هوى الغيد هائم ... وما لغرامي عند أهل الهوى وصف قريح جريح أثخنتني جراحة ... ظباء كناس شاقني منهم الظرف ولي رشأ من بينهن مهفهف ... فريد جمال بين سرب المها خشف فمن لحظه سحر ومن قده قنا ... ومن فرعه ليل ومن ردفه حقف ترى كل قلب بالصبابة والهاً ... إذا ما هوى في جيده ذلك الشنف إلا بأبي ورداً بخديه يانعاً ... رطيباً بماء الحسن يا حبذا القطف فيا آل دين الحب نصحاً إذا رنا ... بأطراف لخطبه فمن دونها وكف ولا تأمنوا من طرفه وقوامه ... فهذا به طعن وذاك به حتف إلى كم أقاسي في هواه صبابة ... يذوب بها قلبي ويهمي بها الطرف وإني إلى ذكراه أصبو تلهفاً ... كما ناحت الورقاء فارقها الألف أطارحها شكواي والليل حالك ... فمني تباريح ومن نحوها حقف وما ضرني إلا الملامة في الهوى ... فتبا لعذال قلوبهم غلف ترفق عذولي فهو لا شك قاتلي ... وما لفؤادي من محبته صرف ودع عنك تعنيفي بعذلك واتئد ... فهل في الهوى العذري ينفعنا العنف ألا أيها العشاق عن شرعة الهوى ... ودين التصابي لا يكن لكم عسف فمن ذاق كأس الحب لذله العنا ... وإن زاد في هجران معشوقه الحنف عسى ولعل الحب ينجز وعده ... وصادي الجوى بالوصل يدركه اللطف وقال من لم يرى ميل القدود وهزها ... كتمايل الأغصان بالأوراق وتورد الوجنات حيث تلألأت ... من خالها ببدائع الأشراق وتسلسل الريق المبرد رقة ... هو للسيب بمنزل الدرياق وتغازل الألحاظ لما جردت ... سيف المنون لنا من الأحداق ومباسماً قد نضدت بفوائد ... تحكي وميض البارق الخفاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 أو لم يذق طعم الشجون وفتكها ... وبلابل الأحزان والأشواق وهيام قلب في المحبة ذائب ... جذبته أيدي الوجد بالأطواق أو لم تساوره المنون فإنه ... لم يدر كيف مصارع العشاق وله أيضاً كم علينا تتيه في خطراتك ... فالهوى قادني إلى خطراتك يا فريد الجمال تفديك روحي ... إن مضناك هام في لفتاتك إن يكن لائمي تصدى لعذلي ... لست أصغي لقوله وحياتك كل حسن وبهجة وكمال ... ذاك يا بدر من أقل صفاتك لمتى الصد والتجني فكم ذا ... تختشي العاشقون من سطواتك أنا نشوان في دلالك والقلب ... كليم من العيون الفواتك فأمل لي الكأس يا حبيب طفاحاً ... فشفاء القلوب في كاساتك يا فؤاد المشوق كم ذا التمني ... إن هذا الحبيب باللحظ فاتك كم نقاسي من الغرام نحولاً ... وإلى كم تتيه في غمراتك وله أيضاً قم تنبه يا منيتي من نعاسك ... وامزج الشهد من لماك بكأسك واصطبح بالمدام بين الروابي ... وأدر كأسها على جلاسك وأطرح وحشة الهموم ودعنا ... من ضروب الأخماس في أسداسك وأسقنيها وقت الصباح ففيه ... تستعير النسيم من أنفاسك خمرة أشرقت بلآلآء در ... لست أصغي بها إلى لوم ناسك عتقت من ألست في الدن قدماً ... قبل يا دير كنت مع شماسك هيجتني يا دير منك نسيم ... سرقت من شذا الطيف غراسك أيها العاذل الغبي رويداً ... لست أمشي على مراد قياسك إنما الراح راحتي وشفائي ... فأصغ كم أنت في غرور التباسك كم سكرنا بها وعفنا سواها ... حيث قد كنت أنت مع أجناسك وقال عند خروجه إلى بيت المقدس هلموا بنا فألحان راقت مشاربه ... وجنح الدجى للغرب أهوت كواكبه وجودوا بطيب الأنس قبل وداعنا ... فقد أزمع الحادي وسارت نجائبه فهل مسعف يا قوم بالصبر لحظة ... فإن حليف الوجد ضاقت مذاهبه خذوا مقلتي من قبل يخطفها الهوى ... فإني رأيت الوجد سلت مضاربه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 ولا تعجبوا من أصهر الدمع إنه ... فؤادي فمن جمر الهوى سال ذائبه ولا تحسبوا إن المتيم للنوى ... مطيع ولكن جحفل الدمع سالبه وقد توجب الأخطار يا سعد فرقة ... لألف بهم للعب تدنو مآربه خليلي أما الوجد فالبحر دونه ... حدوداً وأما الصبر ولت كتائبه فلا تنيا عني فإني أرى النوى ... يجاذب عني مهجتي وأجاذبه وما كنت أدري والليالي كمينة ... بأني مسلوب الوصال مجانبه ألا فقفا نبكي معاهد جلق ... سقاها الحيا صوبا تدوم سحائبه ولا زال خفاق النسيم مصافحاً ... أكف رباها كلما اخضر جانبه ولا برحت فوق الغصون طيورها ... تغني بما تحيي القلوب غرائبه لدى المرجة الغناء يا سعد قف عسى ... لك الشرف الأعلى تضئ جوانبه وفي الربوة الفيحاء فاسنشق الصبا ... فنشر الغوالي للربا هو جالبه ولا تنس سفح القاسيون وظله ... فقد أشرقت من كل فج كواكبه فكم من نبي حل في هضباته ... وكم من ولي لا تعد مناقبه على إنه روض من الخلد مشرق ... فضائله لا تنتهي وعجائبه سلام على تلك المعاهد والربا ... سلام محب أنحلته مصائبه ومني على الأحباب ألف تحية ... يصافحها من كل نشراً طائبه مدى الدهر ما حن الخليع تشوقاً ... اليها وفاضت بالدموع سواكبه ومن هذا البحر والقافية نظمت قصائد كثيرة قديماً وحديثاً ومن ذلك قصيدة لي كنت نظمتها حالة الطفولية وهي بعدم الاثبات حرية مطلعها أطارحه ذكر الهوى وأخاطبه ... وليل التصابي أكفهرت كواكبه وأنشده مني حديث صبابة ... يروق سماعاً عنده وأعاتبه ولي في الهوى عهد يطول على المدا ... على أبد الأوقات تصفو مشاربه ألا ليت شعري ما الذي كان موجباً ... لفرقة من أحببت إذ أنا راغبه وهي طويلة وللمترجم تلك المنازل والخيام ... ينمو بذكراها الغرام حيا معاهد شعبها ... وربا منازلها الغمام أصبو لها ما أوضمت ... برق وما صدح الحمام يا سارياً تطوى له ... منها المهامه والأكام والعيس أطربها الغنا ... والركب هاج به الأوام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 قف ريثما في الحي إن ... لاحت لناظرك الخيام وسرت اليك نسيمها ... أو فاح رنداً أو خزام فأنشد فؤادي في الحمى ... قد ضل وهو المستهام واذكر لهم أحوال صب ... في الدجنة لا ينام لي مهجة قد شفها ... حر اللواعج والهيام وجوانحي وجوارحي ... بالوجد داخلها اضطرام والحب شيء لا يطاق ... وفيه صبري لا يرام فيه الكريم يهان وجداً ... والعزيز به يضام وحشاشتي ذابت ولي ... جسم تناهبه سقام يا ساكني الوادي المقدس ... من بهم شرف المقام هلا منحتم قربكم ... لفتى به أودى الغرام أرضى ولو طيف الكرى ... إن زار أجفاني المنام قسماً بأشجاني وما ... يلقى الكئيب المستهام وبما يقاسي العاشقون ... إذا لهم جن الظلام ما حلت عن شرع الهوى ... لو حق لي منه الحمام وعلى الحياة لبعدهم ... مني التحية والسلام وقال تبت يدا من سلا عن حب ذي حور ... حالي الرضاب ظريف الدل والشنب ومن يلمني سيصلي في محبته ... ناراً من الخد ذات الوقد واللهب من لي بسلوانه يوماً ووجنته ... حمالة الآس لا حمالة الحطب وقال يا بديع الصفات يا من تسامى ... بجمال يجل عن تشبيه إنني ذبت من هواك فهلا ... تمنح الصب منك ما يشتهيه فرسول الآله قال حديثاً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه ومن ذلك قول القائل سيدي أنت أحسن الناس وجهاً ... كن شفيعي في يوم هول كريه قد روى صحبك الكرام حديثاً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه ومن ذلك قول الأستاذ عبد الغني النابلسي يا أخا البدر قد صفا لك ودي ... وغدا سالماً من التمويه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 إن طلبت الوصال منك فجد لي ... وأنلني منك الذي أشتهيه فهو خير وفي الحديث روينا ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه وللمترجم لقلبي أي شوق والتهاب ... بدمع في المحبة عندمى وما قلبي أراه لدي لكن ... من التبريح أضحى عندمى وله أفدي الذي ما انتضى سيف الجفون لنا ... إلا وجندل منا بالرضاب طار في خده ضرج في لحظه دعج ... في فرقه يلج حتى الرضاب طلا وله أيضاً أفدي الذي قال لي لما علقت به ... بالله هل شمت مثلي في الملا حسنا ناديت لا وجمال منك تيمني ... بل أنت يا فاتني فقت الملاح سنا وله أيضاً أقول لبدري قم ومل مثل ميلة ... الغصون إذا هز النسيم اعتدالها وإياك أن تلهو إذا ما حكهتا ... فقام وأندى بالغصون ومالها وله تقول فتاة الحي إن رمت ترتقي ... معالي الهنا يمم معالم داري فقلت مداري في الغرام على اللقا ... ومن كان من قصد المعالي مداري وقال دع تعاطي المدام فهو حرام ... يا نديمي وإن تكن كالزلال فشفاء الفؤاد من كل صاد ... برحيق من الرضاب حلالي وقال أيضاً إن مدام الثغر يشفي العنا ... منه أرتشف وأهجر مدام الطلا فخمرة العنقود قد حرمت ... ورشف خمر الثغر عندي حلال أقول هذا من الاكتفاء وأراد التورية بذلك بين أنه حلا من الحلاوة أو حلال وهو ضد الحرام واللام ترسم ولا تقرأ وهذا الاكتفا من أنواع البديع وينقسم إلى قسمين الأول أن يكون بجميع الكلمة كقول ابن خلوف المغربي مل الحبيب ومال عن ... ودي مع الواشي وولى فبكيت حتى رق لي ... من كان يعرفني ومن لا ولأبن أبي حجلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 يا رب إن النيل زاد زيادة ... أدت إلى هدم وفرط تشتت ما ضره لوجاً على عاداته ... في دفعه أو كان يدفع بالتي والقسم الثاني الاكتفاء ببعض الكلمة ومنه بيتا المترجم ومنه قول القاضي بدر الدين الدماميني الدمع قاض بافتضاحي في هوى ... ظبي يغار الغصن منه إذا مشا وغدا بوجدي شاهداً ووشي بما ... أخفى فيا لله من قاض وشاهد وفيه التورية أيضاً مع الاكتفا ولأبن مكانس نزل الطل بكرةوتوالى تجدداًوالندامى تجمعوافأجل كأسي على الندا ومثله قول البدر الدماميني يقول مصاحبي والروض زاه ... وقد بسط الربيع بساط زهر تعالى نباكز الروض المفدي ... وقم نسع إلى ورد ونسرين وما ألطف قول بعضهم هذا المعنى شقائق النعمان ألهو بها ... إن غاب من أهوى وعز اللقا والخد في القرب نعيمي وإن ... غاب فإني أكتفي بالشقائق وللمترجم عن المقلة السوداء لاح مهند ... أتى لفؤادي حكم دين الهوى يبري ومن حاجبيه فوق السهم للورى ... لقد سار أن يحمى به الخال في الصدر وله بمهجتي بدر حسن لا مثيل له ... تحير في وصف معناه أولو اللسن رنا فلاحت سيوف من لواحظه ... ناديته منيتي قلبي يحدثني وله ولما رأيت الحب أظهر جفوة ... إلي وعني قد غدا ضارباً صفحا نأيت وأبدلت المحبة بالقلا ... وأصبحت من ذكرى له طاوياً كشحا وله يا بديع الجمال إن التصابي ... ساق للقلب من غرامك عيسا عجباً كيف مغرم القلب يفنى ... فيك وجدا وأنت يا بدر عيسى وله يا لقومي من مسعفي من غزال ... قد محى الصبر من تجنيه محيا فدع اللوم يا عذولي فقلبي ... ليس يحيى بدون منظر يحيى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وله وبي رشأ لولا سقام عيونه ... لما كان جسمي بالصبابة يكمد تولع قلبي في اهتزاز قوامه ... فها أنا من سكر الغرام أعربد أنعمان خديه ترى أنت شافعي ... إلى مالكي إني لفضلك أحمد وله وبي رشيق القوام ذو هيف ... بدا كريم عيونه نجل يبخل بالوصل لي وأعجب من ... شخص كريم ودأبه البخل وله معمياً في حسن وغزال حالي المراشف المى ... سهم لحظيه في فؤادي صائب رشف القلب فيه خمر هيام ... حين تم الجمال منه بحاجب وله في سعيد وذي محيا كبدر التم زينها ... فتيت مسك تراه فوق وجنته مهفهف أدعج الألحاظ ذو هيف ... شريف حسن بطرف فوق طرته وله في إسمعيل وأغيد سحر الألباب أجمعهم ... إن لاح من برق ذاك الثغر وامضه تشقي لذكراه آذاني ولا عجب ... قد زانه الحسن والتتميم عارضه وقال مقتبساً واظب على الصبر في الأحوال قاطبة ... ولازم الصدق فهو المنهج الأطهر واطلب من الوالدين الأكرمين رضى ... ولا تقل لهما أف ولا تنهر وله مقتبساً أيضاً أهل الشقاوة عن نهج اليقين عسوا ... ولن ترى منهم للحق منتبها لن ينتهوا عن معاصيهم بموعظة ... وإن يروا آية لا يؤمنون بها وله كذلك أعبد الله لا تجزع لضيم ... وثق بالله تتضح المسالك وكن جلداً على صرف الليالي ... فإنك لست تدري ما هنالك وأيم الله ذاك يهون عندي ... لعل الله يحدث بعد ذلك وقال لضرب السيف أو خوض المنايا ... وطعن السمهري على الصميم وأكل السم من كبد الأفاعي ... وقبض الجمر في يوم سموم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وايم الله ذاك يهون عندي ... ولا أحتاج يوماً للئيم وهو من قول بعضهم القدح في العين بالزناد ... والطعن بالرمح في الفؤاد والمشي في مهمه ببيد ... بغير ماء وغير زاد ووضع كف في ثغر ليث ... ما بين أسنانه الحداد وحفر بئر بغير فاس ... في يوم برد بقعر وادي أهون من وقفة لندل ... قدمه الحظ بالعناد وكانت وفاته بدمشق في سنة أربع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الله صبحي عبد الله بن فيض الله بن أحمد صبحي الملقب بعبدي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي القسطنطيني كتخداء الدولة وأحد الرؤساء المشاهير الأديب الرئيس الكامل النبيل أخذ الخط عن أساتذة بسائر أنواعه ومهربه وصار أحد أعيان الكتاب وأرباب المعارف وولي المناصب توفي في سنة سبع وسبعين ومائة وألف. عبد الله بن فتح الله عبد الله بن فتح الله بن الحنفي الحلبي الأديب الشاعر البارع المنشي الفصيح الملقب بأديب وأحد الدنيا بالمعارف ولد بحلب في حدود المائة وألف تقريباً ثم ارتحل به إلى اسلامبول وكان سنه سبع سنين وكان والده إذ ذاك باش محاسبه جي ونشا بها تحت ظله ثم صار رئيس الكتاب وكان له الرؤساء المشهورين وتوفي في اسلامبول سنة سبع عشرة ومائة وألف ثم إن ولد المترجم عاد لحلب وصار بها تذكره جيا للخزينة الميرية وكان شاعراً بالألسن الثلاثة وله ديوان شعر منه قوله إذا ما نال شخص ما تمنى ... من الأرذال يوماً مات منا فكن في خبرة من كل فرد ... متى ما ساء فعلاً ساء فنا وكان يتكلم بأشياء عجيبة واستولت عليه السوداء والجنون ومع ذلك ينظم البليغ وكانت وفاته في سابع عشر ذي القعدة سنة احدى وستين ومائة وألف رحمه الله. عبد الله الحلبي عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن محمد المجذوب الشهير بابن شهاب الشافعي التدمري الأصل الحلبي المولد ولد بحلب سنة ست عشرة ومائة وألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وربي في حجر أبيه ونشأ في طاعة الله تعالى ودأب على تحصيل الكمالات ففاز منها بالقدح المعلى وقرأ على أجلاء عصره من أفاضل الشهبا كالعلامة محمد بن الزمار أحد أفراد الزمان والعلامة حسن السرميني والعلامة محمد المكتبي والعلامة طه الجبريني والعلامة علي الميقاني بأموي حلب وعلى عمدة المحدثين محمد المواهبي وارتحل مع والده لدمشق سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودخلها بعد ذلك مراة واستجاز علماءها العلام مثل الامام الأستاذ الشيخ عبد الغني الشهير بالنابلسي فقد أجازه عامة بالكتب العقلية والنقلية والتواريخ والدواوين والأدب وكتب من تقدم من السادة الصوفية قدس الله أسرارهم وكالعلامة عبد القادر بن عمر التغلبي الشيباني الحنبلي والعلامة محمد بن إبراهيم الشهير بالدكدكجي والولي الكامل الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والعالم الشيخ محمد الكاملي الدمشقي والفاضل عبد الله الشافعي وغيرهم وكان صاحب الترجمة شغفاً بمطالعة كتب الصوفية خصوصاً الفتوحات المكية وغيرها من كتب تآليف قطب الزمان سيدي محيي الدين ابن العربي قدس الله تعالى أسراره وله اليد الطولى بمعرفة الروحانيات والأوفاق والتعاويذ وانتفع به خلق كثير بسبب ذلك واشتهر شهرة حسنة وكان ديناً عفيفاً صالحاً بقياً وبالجملة فمن رآه أحبه ورأى بارقة الصلاح عليه وقد كان ممن جد واعتنى وحصل نفائس العلوم واقتنى وله من الشعر ما يشنف الآذان ويرتاح له الولهان فمنه قوله يمدح الولي الكبير سيدي أبا بكر الوفائي قدس الله سره العزيز إذا المرء لم يلقى مغيثاً لكربه ... وراشت له الأيام نبل التجارب يلذ بحمى قطب سما البدر رفعة ... غيور أتى برهانه بالعجائب هو العارف المجذوب حقاً وإنه ... أبو بكر المسقى بأصفى المشارب فلا زالت الأنوار تغشى ضريحه ... وتكسوه من جدوى عهاد السحائب فيا أيها الغوث الذي نفحاته ... أفادت ذوي الأحزان كل الرغائب ولم تزل الوراد تنحو لنحوه ... لدفع جيوش الهم من كل جانب أما أنت فالموصوف بالصدق والوفا ... وكفك ملآن بفيض المواهب فلا تنس عبداً في ودادك صادقاً ... فجاهك معلوم بأهل المراتب هو ابن شهاب قد أتى متوسلاً ... بجاهك فأمدده بنيل المآرب ومن شعره بلبل الأوطان غنىفشجا قلب المعنىوغدا يبدي شجونا عن سماع العودا غنىيذكر الأوطان شوقاًإذ غدا مثلي معنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 قلت مهلاً يا مشوقاًزادني التذكار حزناًقد نأى عني حبيبي والنوى جسمي أضنىنح قليلاً يا شبيهيإنني أصغيت إذنا إن لي جسماً ضعيفاًكلما رددت يفنىوكذا دمعي نموم فيضه يوليه مزنايا بريق الحي مهلاقد خطفت القلب منا إن طرفي غير لاه ... عن حبيب زاد حسنا وله متوسلاً يا رب إني مسرف ... والعفو قسم المسرف فاغفر لعبد خائف ... من هول يوم الموقف وله أيضاً يا من أراد انصرافي ... عن مذهب الحب جهلا قصر ملامك إني ... قد بعت روحي طفلا وكانت وفاة المترجم في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادي الأولى سنة ست وثمانين ومائة وألف ودفن بالقرب من والده خارج باب الملك بالقرب من مرقد الولي الكبير محمد الزمار رحمه الله تعالى. عبد الله التوني جوق عبد الله بن محمد المعروف بالتوني جوق زاده الحنفي القسطنطيني أحد صدور العلماء الأفاضل وأركان الدولة أصحاب الرفعة والجاه والسمو ولد بقسطنطينية وبها نشأ وكان والده كنحداء الوزير عبد الله باشا وقرأ وحصل وبرع في العلوم وحصل فضلاً ونبلاً وقرأ على الأساتذة كالفاضل محمد المدني وغيره ونظم الشعر بالتركية وتفوق وسلك طريق التدريس ولازم على عادتهم وأعطى رتبة الخارج سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وترقى بالمراتب حتى ولي قضاء القدس الشريف فوردها وبعد اتمام المدة عاد للروم وأعطى قدماء المدينة المنورة فألقى بها الفوائد وتأهل للتدريس والافادة ولزم جماعة من أهلها واشتهر بين علماء الحجاز وعظم لديهم وعرفوا مكانه من العلم والفهم وبعد قفوله استقام بدياره ولما قدر الله تعالى وحصل ما حصل بين دولتنا أدام الله نصرتها وحماها من البوائق الدواهي وبين دولة النصارى بني الأصفر المشهورين بالمصقو شمدي مسقوه روسيه دولتي ديرلر اختير المترجم من طرف دولتاً قاضياً للمعسكر السلطاني فارتحل مع الوزراء والأمراء قاضياً وغدا بهذا الرتبة راضياً وأعطى في آخر عمره رتبة قضاء عسكر اناطولي ترفيعاً لشأنه ومقامه وكان فاضلاً محققاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 فقيهاً عالماً بالفروع والأصول خبيراً بالمسائل والفنون وله من الآثار حواشي على تفسير القاضي البيضاوي ورسائل أخر وتحريرات وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بقسطنطينية عند قبر إبراهيم باشا السمين الكائن بالقرب من جامع السلطان عثمان والتوني جوق زاده معناه بالعربية ابن كثير الذهب تلقب بهذا اللقب والده لتزايد ثروته وتوفر جاهه رحمهما الله تعالى. عبد الله الشبراوي عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين القاهري الشافعي الشهير بالشبراوي الشيخ الامام العالم العلامة والفاضل الهمام البحر الفهامة الناظم الناثر الأوحد المفنن أبو محمد جمال الدين ولد سنة احدى وتسعين وألف وجده عامر مترجم في خلاصة الأثر للمحبي وأخذ عن جملة من العلماء الأعلام كالعلامة محمد بن عبد الله الخرشي المالكي أجازه سنة وفاته وهي عدد خرش وعن أبي مفلح خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب أحمد بن محمد الخليفي والامام محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشهاب أحمد بن غانم النفراوي والجمال منصور المنوقي والعلم صالح بن حسن البهوتي الحنبلي وعيد بن علي النمرسي والجمال عبد الله بن سالم البصري وغيرهم وبرع ورؤس في العلم حتى صار شيخ الجامع الأزهر وتقدم على أقرانه وله مؤلفات نافعة منها ديوان شعره المسمى بمنائح الألطاف ومنه قوله يفديك يا بدر صب ما ذكرت له ... إلا على قدم شوقاً اليك وثب لا تخش مني سلواً في هواك فقد ... تبت يدا عاذلي يا بدر فيك وتب وقوله لا تعذلوني في اشتغالي به ... ليس علي من هام فيه جناح فإنني سلطان أهل الهوى ... وذاك سلطان جميع الملاح وقوله بالروح أفدي حبيباً كان يمنحني ... وصاله حين كان الحب مستترا وحين ماجت بودي أدمع هملتدرى بعشقي له فاعتز واقتدراوقت درى وله غير ذلك من الآثار والنظام والنثار وكان ذا جاه عريض وحرمة وافرة وكانت وفاته سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 رحمه الله تعالى وإيانا. عبد الله الأنطاكي عبد الله بن محمود الأنطاكي ثم الحلبي الحنفي مدرس الرضائية الشيخ الفاضل النبيل البارع ولد بأنطاكية بعد الثلاثين ومائة وألف وقرأ على والده ولازمه كثيراً وله الذكاء المفرط والأدب الغض والنظم العالي في اللغة الفارسية والتركية صرف ذكاءه في الأدب ومعاشرة الأدباء وعجز والده عن رده فتركه فذهب بعد وفاة والده إلى اسلامبول ودفتر دارها يومئذ منيف أفندي الأنطاكي أحد تلامذة والده فأكرمه وأدخله بين كتبة الديوان ثم خرج صحبة الوزير حسين باشا داماد الوزير الأعظم محمد راغب باشا من اسلامبول حين خرج المشار إليه بمنصب الرها وكان عند كاتب ديوانه فلما عزل الوزير المشار إليه من الرها وصل معه لحلب ومنها فارقه وذهب إلى اسلامبول ودخل إلى القلم ثانياً وتزوج باسلامبول وشعره كثير موجود بأيدي الناس وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى وأموات المسلمين وإيانا. عبد الله اليوسفي الحلبي عبد الله بن يوسف بن عبد الله المعروف باليوسفي الحلبي الأديب الشاعر البارع الماهر الناظم الناثر المكثار كان أوحد الشهباء في النظم والتاريخ والاختراعات العجيبة والأشعار الغريبة ولزوم ما لا يلزم والابتكارات في فنون الأدب من تواريخ وقصائد وغيرها وله بديعية التزم فيها تسمية الأنواع واخترع أربعة أنواع غريبة نظمها فيها وشرحها شرحاً جيداً ولد بحلب وقرأ على والده مدة حياته ثم على الشيخ حسن السرميني وبعده على المحدث الشيخ طه الجبريني ثم على الفقيه الشيخ محمود البادستاني والشيخ محمد المصري وعليه قرأ الأندلسية في علم العروض وقرأه مع علم القافية على الشيخ علي الميقاتي وعلى الشيخ قاسم البكرجي والشيخ محمد الحصري واشتغل بالأدب وقريض الشعر مدة على هؤلاء الفضلاء وافترع افترع افتض أبكار الأفكار وصاغ قلائد المعاني نظيمة الأسلاك وله أشعار ومدائح وتواريخ وأحاجي ومعميات وغيرها شيء كثير وامتدح الأعيان والعلماء وغيرهم ووقعت له بين أبناء عصره المطارحات والمساجلات وكان بحلب يتعانى بيع البن في حانوته الواقع بالقرب من جامعها الأموي فلذا اشتهر بالبنى وكان في غاية من الفقر وضنك العيش وقد عرض له قبل وفاته بثلاث سنوات صمم عظيم وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 أولاً عارضاً له فزاد حتى منعه من السماع بالكلية بحيث صار الناس يخاطبونه بالاشارة فحصل له من ذلك كدر عظيم فبادر للاستغاثة بالجناب الرفيع النبوي بألف بيت راجياً الشفاء من ذلك ببركتها وشرع فلم يتيسر له الاتمام وخطب مدة في جامع البهرمية نيابة عن بني الشيخ طه وسافر إلى طرابلس الشام ولاذقية العرب وقدم دمشق ووفد اليها مراراً واجتمع بوالدي وحباه من الاكرام والالتفات ما جاوز الحد والغايات وامتدحه بقصائد وأشعار كثيرة وجرى بينه وبين ادباء دمشق من المجاورات والمطارحات ما يفعم يقال أفعمه إذا ملأه بطون الصفحات وبالجملة فهو فريد عصره بالاختراعات الغريبة وفن التاريخ وسرعة النظم والارتجال في التاريخ ومن شعره مادحاً والدي ومهنياً له بالافتاء أيا جلقاً لا زلت باسمة الثغر ... بصيب أفراح تدوم مدى الدهر ولا برحت أنوار مجدك تنجلي ... مطالعها حسناً من اليمن واليسر وما انفك مغناك يلوح مسرة ... ودوحة علياك مضمخة العطر تسامت بقاع اليمن فيك بسادة ... لهم شرف يسمو على الأنجم الزهر لهم في انتماء المجد خير أرومة ... وعلياهم تعلو على هامة النسر ولا سيما منهم همام مكرم ... مجيد على الشأن مرتفع القدر هو السيد السامي الرفيع مكانة ... من الفضل يستجلي المحامد بالشكر ومن هو بالأصل الرفيع تشامخت ... مراتبه العليا إلى ذروة الفجر لقد شرف الافتاء نير فضله ... ووفق أحكام المسائل في الذكر وأودع أنواع العلوم براعة ... من الفضل لم تبرح بحضرته تجري أما هو في عليا دمشق هلالها ... وكوكبها السامي على الكوكب الدري كفى شرفاً إن المديح لمثله ... يطرز أنواع القريض من الشعر ويزهو افتخاراً في نعوت كماله ... ويرتع في روض البلاغة في السر خليلي بالعهد الذي تليت به ... صحائف آيات المحبة بالجهر فنب عن بعيد الدار فضلاً ومنة ... بتقبيل أيد دونها صفة البحر وبلغه عني أجزل المدح والثنا ... وخير دعاء لم يزل أمد الدهر فلا زال محروس الجناب ممتعاً ... بإقباله يجني المكارم بالبشر وقوله فيه سعد السعود بدا إن زارني قمر ... بحسنه كل أهل الحسن قد قمرا جوري وجنته الحمراء مزدهر ... وقد حوى وجهه في مهده الزهرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 إن قابلته شموس في الضحى قهرت ... أو قابل النجم في إشراقه فهرا وخاله عمه بالحسن فانبهرت ... عقول أهل الهواي إذ بالبها بهرا إن رحت أحكي لحسن فيه قد شهرا ... قطعت دون بلوغي الدهر والشهرا لي مقلة في هواه الليل قد سهرت ... وقد شكوت سقام الجفن والسهرا واصل عشقي له بالعين من نظر ... فليته لي بعين العطف قد نظرا ومنذ أغنى لماه العذب عن سكر ... والعقل مني بزاهي حسنه سكرا ما بت والقلب في لقياه منجبر ... ولا بجنح الدياجي باللقا جبرا لم أنسه قافلاً كالغصن من سفر ... وعن محباً حكاه البدر قد سفرا وشمت ظبياً سطا بالطرف في نفر ... وكلما رمت منه وصله نفرا راسلته برسالات ذرى سطر ... أبغي الرضى فحروف النفي لي سطرا فبت أشكو الأسى والوجد مع عبر ... بها على شديد الحزن قد عبرا علقته بعد طي السن في كبر ... وكان بالصد قبلي أهلك الكبرا وخانني الصبر مذ أمسيت في ضجراً ... ولم أزل في هواه ضيقاً ضجرا وبت من أمن خل خان في غدر ... وصاحبي الصادق المخبور لي غدرا وبت أرعى نجوم الليل في سحر ... في عشق خشف بعنج الطرف لي سحرا متيماً والهاً والقلب في خطر ... والحب بعد الجفا نحو العد أخطرا وعندما الوجد في الأحشا نما وطرا ... ولم أكن قاضياً من أصله وطرا وجار دهري وبي أفضى إلى عسر ... وللتخلص من أعبائه عسرا وجهت وجهي إلى من زانه خفر ... وكم لمثلي بسامي عزه خفرا من بالكمالات من قبل الصبا شعرا ... ومدح زاهي علاه أفحم الشعراء أعيذه بالضحى والليل من شعر ... والأنبيا وسبا والنور والشعرا شهم همام له من جوده بدر ... إليه من مهده الاسعاد قد بدرا كم ألبسته يد العلياء من أزر ... حتى ارتدى برداء المجد واتزرا لم يلوه عن غياث الملتجي فتر ... وعن سلوك سبيل الرشد ما فترا جداه من راحتيه قد حكى نهراً ... فلم يخب سائلاً يوماً ولا نهرا أوحت إليه معالي أصله فقراً ... لأنت دون البرايا ملجأ الفقرا السيد المنقذ الملهوف من خطر ... وأزمة إذ حوى الأفضال والخطرا على قدر تولي رشده قدر ... يعفو ويصفح في حلم إذا قدرا أقصى مرادي بقاه ما بقي دهر ... وما أضا قمر في الأفق وازدهرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 ومن حواه حماه الرحب من ثمر ... ما أينع الدوح في أغصانه الثمرا في رفعة مع صفا وقت بلا كدر ... مع السلامة مما يحدث الكدرا بجده المجتبي من بشرت زبر ... به وفي صحف التنزيل قد زبرا صلى عليه آله فضله ذكراً ... مسلماً دون حصر كلما ذكرا والآل ما لاح في أفق السما خطر ... والصحب من لم يزالوا دائماً خطرا يا سيداً ساد في بدو وفي حضر ... ودام صدراً مهاباً أينما حضرا خذها مهذبة من كف مبتكر ... كمثلها في مديح الغير ما ابتكرا وأسلم ودم راشداً حاوي العلا أمراً ... يعنوا لما شئته المأمور والأمرا وله وأرسلها إلى والدي هي وما يليها من النثر أنت للفضل قلبه وجنانه ... ولنثر القريض حقاً لسانه ولا وج الكمال خير سمى ... ولحال الملهوف أنت أمانه ولكل المداح خير مجيد ... ولنور الأمناح أنت بيانه يا أخا المجد والبراعة واللطف ... ومن بالعلاء شيد مكانه يا على المقام هلك مديحاً ... من محب قد ساعدته بنانه فتهني بما حبيت من الدهر ... سمواً وما حياك زمانه وتهني شكراً بشهر صيام ... فهو شهر لقد تعاظم شأنه ضاعف الله فيه كل جزاء ... وبمحو الزلات كان امتنانه فهو شهر لدى الآله عظيم ... فتحت فيه للأنام جنانه لم يزل عائداً عليك بخير ... كل عام يحلو لديك أو أنه أمد الدهر ما بك المدح يغدو ... في نظام يزهو لعمري اقترانه إذ به اليوسفي يعرب شوقاً ... عنه يبدي لسنانه وجنانه فعلى قدرك العلي سلام ... وثناء يدوم فيك ضمانه إن أحسن ما توشحت به ذاتك العلية وترشحت به صفاتك البهية واتضح به نور جمالك وابلج به سر كمالك وأشرف ما ترجم عن حقيقة فضلك وموه بعظيم كنه قدرك لسان الظهور والتبيان واقرار الطمأنينة القائمة بالجنان الساطعة بنور البيان والعطف ما جرت به الأقلام من مخترعات القرائح والافهام من زواهر جواهر الابداع وفوائد فرائد الايداع وجنحت لنحوه القلوب وسنحت إليه في عام الغيوب بدائع اثنية بديعية وحسن فقرات اختراعية تعرب عن سنانك الأبهى وصفاتك الأزهى وجوامع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 أدعية قرعت باب التضرع والابتهال بأيدي الخلوص وسلكت مهيع العموم والخصوص فصادف مسراها جدير الوصول وشام سواطع أنوار الأنس ومطالع القبول وحقيقة شوق كابد لاعجه وعرج منازل زفرات صعوده وقطع معارجه كلفاً بذلك المحيا البديع الذي أحيى الله بمشاهدته القلوب ونفي ببهجته حوالك الكروب إذ هو عنوان المحاسن إلا وحديه مهرجان الملائح الأبلجية ومشكاة اليراعات النورانية ونبراس الاختراعات التشبيهية والتمثيلية تعرف منه فذلكة الفضايل بأقوى الدلائل حيث امتاز طالعه الأسنى بشرف ذاتك الحسنى التي أحرزت من المحاسن أوفاها ومن المحامد أصفاها وأخذت من الحلم أحسنه ومن العلم أبينه ومن الوفا أعمه ومن السخاء أتمه فتسلسلت أحاديث شرفها المرفوعة التي لا ضعيفة ولا موضوعة وتجملت بشرف معلوماتك وصحة مروياتك وعرجت لسدرة منتهى علمك المهذب وفضلك المرتب إلى أن بلغت في الفتق والرتق قصبات السبق فاستنار بها لألآ تقريرك وتحريرك وافتائك وامتازت به مطالع عليائك فكمل له الشرف الأعلى وراق له المورد الأحلى فلعمري انك لعلي المكارم وجلي المراحم وخاصة خلاصة الفضلاء المحققين والعلماء المدققين فلطالما تجلت لك عرائس العلوم اللدنية وتحلت بفهمك الوقاد أجياد الفوائد العقلية والنقلية ولطالما افتخرت بوجودك الأقطار الدمشقية والمواطن الجلقية حيث طلعت في سماء أهلها بدراً وسموت بحسن آرائك شرفاً وقدراً واستطردت خيول أوهامهم بتوفيقك وفتحت لهم خزائن برك وتحقيقك وطرزت ثياب خوفهم أمناً وكسوتهم من فضلك شرفاً وحسناً لا زالت شموس فضلك ساطعة أنواراً كاملة أسراراً ولا برحت قلوب الأنام بوجودك مسرورة وأقسامهم بجنابك مبرورة وما انفكت سوابغ النعم عليك وافدة والسادة منقادة اليك واردة ومتع الله جميع الأنام بطول بقائك ونور سنائك إنه على ذلك قدير وبالاجابة جدير آمين وبعد فالذي يعرضه العبد الداع ويرقه بقلمه ويعربه بكلمه إني أحمد الله تعالى اليك ملازم على وظيفة شكرك مترنم ببديع مدحك وبريع ذكرك أتذكر زماناً منحني صفوه وجذبني نحوه وأراني صفاء وجهك الأنور وجبينك الأزهر فتشتعل بي الأشواق الكامنة والأفكار الواهنة حيث قذفتني يد القدرة في لجة البعاد وأوثقتني بسلاسل العجز عن بلوغ المراد فلم أظفر بالنعمة الكبرى وهي النظر إلى وجهك مرة اخرى فأبسط كف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 السؤال لمن يعلم الأحوال وأسأل بأشرف أسمائه وأكرم أنبيائه أن يبلغني ما أتمناه من مشاهدة وجهك الأسنى وما ذلك على الله بعزيز أيا ملك الحسن في موكبه ... واليمن والسعد في كوكبه ويا قمر أضاء في مغربه ... أما في البرية من ينتبه يهني بك العام إذ أنت به وفقت المها بالعيون الكحال ... ملكت البها إذ حويت الكمال وحسنك أمسى بديع الجمال ... وإن وقعت شبهة في الهلال فأنت على الناس لا تشتبه وامتدح والدي بهذه القصيدة مؤرخاً فيه العام عاما عام سعيدحيث وافى بالسرورمستهلاً في هناء مقبلاً في كل خيردافعاً اضمار عامكان حلفاً لشرور نجمه نجم تراءىطالعاً في محصن نورفهو غيث وغياث مع يمن وحبوربشرت منه ليالإنه خير دهور حيث زاد الخصب وانزاحت مطايا كل ضيرقالت الأفراح فيه من كبير وصغيرفهو عام الخير والاقبال والرزق الغزير شرحت فيه صدورمن رؤس وصدورسيما أكرم شهم ذو البهاء المستنيرمن إذا ناديته فيدفع شر مستطير قلت يا خير مناديبل ويا خير عشيرفي زمان ضاع فيه كل مسكين فقيريا على القدر يا منقام بالأمر الخطير يا مرادي دون غيرمن مليك وأميرأنت لي جنة نصر خير واق ونصيركل عام أنت راقلمقامات الأجور كفك العليا إذا مارحت أشكو من عسيوندى كفك أزري لسحاب وبحوردانت العليا ودامتلقيام ونشور في فناك الرحب دهراًوحماك المستنيرفهو باب لنوال وغياث المستجيردم كما تختار داعلهناء وبرور لا تخف غدر غدورلا ولا مكر مكورسيما في عام أمن وأمان من نكيرعامنا هذا عطاءمن جدي الرب القدير ساقه منا وفضلاًفيه جبر للكسيرفلذا قلت مشيراً حيث وافى بالحبورعامنا أرخه بشرىلهناء مع سرور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وحين قدم حلب الشهباء الفاضل الأديب الشيخ محمد سعيد البغدادي المعروف بالسويدي امتدحه المترجم وجرت بينهما محاورات أدبية منها ما كتب إليه السويدي يعاتبه بقوله يا سيداً ساد في أفعاله البؤس ... لما عششت فإن العش معكوس قد قلت إن الذي نرجوه في شغل ... مدعو بأنس وهو داع ومأنوس وعدتني ثاني الأيام إنك في ... الحانوت منتظر والوعد تنفيس فمذ أتيت إلى الحانوت ما نظرت ... عيني سوى الخلف والأخلاف تعكيس فسرت سيراً حثيثاً نحو مقتصدي ... فما ظفرت كأن القصد تأييس فقمت أسري إلى دار ببحرتها ... عرش على الماء منه الماء تأسيس من حوله جنتا حسن وأحمده ... أضحى سليمان ملك منه بلقيس ومذ وقفت أناجي فيض رحمته ... صاح الأوز صياحاً فيه تعبيس لولا استغاثة ربي كنت مبتلعاً ... بجوف حوت أوز فيه تغطيس يا صاحباً صاحب الغش العظيم لقد ... أورثتني موحشاً ما فيه تأنيس حبست طبعي ثقيلاً مذ حجبت من ال ... جنان شخصاً كما أداه ابليس انصف ولم سوء صنع منك وإسع إلى ... عذر عن الغدر فالتغدير ترجيس فأجابه المترجم معتذراً ومداعباً ومؤرخاً بقوله أما وحرمة عهد قد جنيت به ... محبة ما بها والله تدليس وقد أقمت علي دعوى فضائلها ... أدلة كم لها في الود تأسيس ما كان مني قصور يقتضي سأماً ... ولا فتور ولا نقص ولا بؤس ولا تخلفت عمداً عن جنابك في ... انجاز وعد له في الحكم تجنيس بل كان سهو أو إن السهو معذرة ... كبرى وليس بها شك وتلبيس ألا وعلمي يقيناً إن مخلفه ... وغد من الناس منحوس ومنكوس ومنجز الوعد مستجلي مناقبه ... فكم حلا فيه تشطير وتخميس هبني وإن قد جرى عمداً فمثلك لا ... يشينه في مقام الحلم تدنيس أخا النباهة أجريت العتاب على ... حكم التهكم هل أغراك ابليس أم اعتمدت على فهم أراك به ... خلاف ما هو معقول ومحسوس لو كنت مصطحباً للغش يلزم أن ... يكون منه ومدحي فيك محبوس فإن عفوت عفونا حيث قابلنا ... منك الوداد وعم القلب تأنيس لا زلت تسمو سماء الفضل في نعم ... وحيثما كنت محروس ومأنوس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 ما امتاز ربع غرامي حين أرخه ... وبيت صدق مرامي فيك ملموس ثم كتب اليوسفي المترجم إلى السويدي في مجلس أحد أمجاد حلب ارتجالاً بقوله بغداد دار الفضل قد بزغت بها ... شمس الفضائل في رفيع علاء سمحت بحسن سعودها لسعيدها ... ولقد أرته محاسن الشهباء حيث استنار الفضل من اشراقه ... لما بدا في طالع لألاء أو ما ترى بقدومه الزاهي انجلت ... في طالع يزهو على الجوزاء أهلاً به وبحسن بهجة فضله ... وبشعره السامي بحسن ذكاء لا زالت الشهباء من أنواره ... بالفضل تستجلي أتم بهاء ما اليوسفي بدر نظم قريضه ... يروي حديث بلاغة الفصحاء فأجابها السويدي ارتجالاً أيضاً بقوله أتى سعيد حيث نلت سعادة ... في رؤيتي لمحاسن الشهباء أنعم بها وبأهلها فلقد حوت ... حسناً لناظرها جميل بهاء جلت عن التشبيه إلا قولنا ... هي جنة الدنيا ونور الرائي فالله أحمد حيث بدل سفرتي ... عن تدمر بمدينة حسناء فأنا السعيد وباغتنام اليوسفي ... قد صرت أسعد إذ بلغت منائي من درة في شعرة من جوهر ... في نثره متلألئ اللألاء شكراً لمجلس سيدي عثمان مذ ... بجلوسه مستجلب الآلاء أكرم به وبربه وبصحبه ... درت عليه سحائب النعماء ثم إن المترجم أنشد في مجلس نقيب حلب الكواكبي بقوله كواكب الفضل قد لاحت سواطعها ... ونال منها سعيد غاية الأرب فأحمد الله إني كنت عندهما ... أنزه الطرف في روض من الأدب فيالها ساعة قد أسفرت علناً ... عن كل ما تقتضيه بهجة الطرب فأجابه السويدي وقال كواكب المجد في بحبوحة سطعت ... فزينت فوق حسن زينة الأدب أنا السعيد لما عاينت نظرتها ... وحسنها اليوسفي بالأنس والطرب وصرت أسعد مذ فخري لمفتخر ... كواكبي حيث عمتني منا الأرب ومن شعر صاحب الترجمة قوله سكرت بعيني من أحب فلم أزل ... مدى الدهر نشواناً وعقلي ذاهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 سلواً مدمناً للخمر إن كان صادقاً ... تكون إلى الصهباء تلك الفعائل وقوله حجتك يا قمر السماء غمامة ... لم تدر ميلي للبدور كميلها فكأنها لما رأتني مغرماً ... غارت عليك وأخبأتك بذيلها وهو منتحل من قول الفاضلة عائشة الباعونية الدمشقية وصيرت بدر التم مذ غاب مؤنسي ... أنيسي وبدر التم منه قريب فحجبه عني الغمام بذيله ... فواعجباً حتى الغمام رقيب وللمترجم غير ذلك من الأشعار والمقاطيع والألغاز والمعميات وما يتعلق بذلك شيء لا يحصى ولا يعد وكانت وفاته بحلب في صفر سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن خارج أبواب الجنان أحد أبواب حلب رحمه الله تعالى. عبد الله البقاعي عبد الله الشافعي البقاعي ثم الدمشقي الشيخ الفقيه الفاضل الماهر أخذ العلم بمصر عن أجلة من الأعلام ومكث بالأزهر نحو ست سنين ثم عاد إلى دمشق وقطن في السميساطية وأقرأ دروس التحفة بالجامع الأموي بكرة النهار ووعظ على كرسي في الجامع في شهر رمضان نيابة وأم في جامع المعلق أصالة وصارت عليه بعض وظائف وكان مواظباً على التعبد والتنسك والمطالعة واقراء الدروس ولا يتردد على الحكام ولا على غيرهم ولا يخلو من الصلاح وسلامة الصدر وترك الانهماك في الدنيا ومرض بالحمى ومات وكانت وفاته في الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد الله أنيس عبد الله الملقب بأنيس الحنفي الأدرنوي الكاتب الماهر المشهور شيخ زاوية المولوية الكائنة بمصر أخذ الطريق عن الأستاذ رجب المولوي الأدرنوي والخط عن الكاتب محمد نوري المصري واشتهر أمره وحج وأقام بمصر وصار شيخاً بها في الزاوية المرقومة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة وألف قال المصحح آدم شيخ زاوية غلطه هو أيضاً مدفون بتكية المولوية بمصر كما مذكور في الخلاصة وسفينة المولويين واماماً في صحيفة 92 من هذا الجزء الثالث من هبة العمر فهي لا تشبه بما وهبوا ليوسف أغا كنحدا الوالدة لأن أحديهما محة والأخرى بيعاً فانظر بين أهل الحال وبين أهل القال انتهى. عبد الله العجلوني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 عبد الله العجلوني أحد الأبدال ظهرت له الكرامات العديدة والآثار الحميدة حتى قيل إنه خليفة خاطر الشامي المذكور في طبقات الأولياء وكان يتردد على الأستاذ البكري مدة سكناه بنابلس والأستاذ قدس سره يحب الاجتماع عليه والخلوة به حتى حكى الأستاذ عنه إنه رأى سيدي علي بن عليل بشير إليه بيده إلى صدره فاستيقظ الأستاذ وأخذ في تأويل ذلك فدخل الشيخ عبد الله المذكور عليه في تلك الساعة وكان ابتداء كلامه سبحان الله يا صحيبي تصغير صاحب تأول ذلك على غير مراد السيد مراده بإشارته عزيمتك لزيارته فتوجه الأستاذ للزيارة وهو صحبته وأحبه المرحوم سليمان باشا الوزير لما ظهر له من الكرامات وكانت وفاته في حدود الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى نظم منام صالح لشاور في المقريزي. عبد الله السفاريني عبد الله السفاريني الحنبلي الشهير بابن الحطاب أحد الأذكياء الفضلاء قرأ على شيخه محمد السفاريني مدة وافرة ثم رحل لدمشق واشتغل على الشيخ أحمد المنيني وعادت عليه بركته ثم رجع وما زال منقطعاً في خدمة شيخه وملازمته حتى اخترمته المنية وكان نحيف الجسم ومع ذلك كانت له قوة زائدة على التهجد وقيام الليل وتلاوة القرآن وله فهم رائق وشعر رقيق فائق ومحاضرة لطيفة تؤذن برتبة بالفضل منيفة وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بنابلس رحمه الله تعالى. عبد الله المدرس عبد الله المدرس الموصلي شيخ الموصل بلا مدافع ولا ممانع الشيخ الفاضل العامل ولد في حدود سنة ستين وألف واشتغل بطلب العلم حتى صار آية من آيات الله بالعلم والعمل وأخذ عنه أكثر علماء الموصل كالمولى السيد موسى والسيد يحيى المفتي والسيد حمد الجوميلي وغيرهم وفضله أشهر من أن يذكر وكان متحاشياً عن معاشرة الحكام ومجانباً للظلام ما مقصوده من لفظ للظلام هل أراد الظلمة جمع الظالم مستجاب الدعوة مكباً على التدريس خصوصاً الفقه والحديث والتفسير لا يعتني بزخارف الحكماء ودخل لدار السلطنة العلية ثم رجع وحج إلى بيت الله الحرام سنة سبع وأربعين ومائة وألف وترجمه صاحب الروض وقال في حقه أحد الفحول المعول عليه في الفروع والأصول ورع الزمان عمان لمعارف والاذعان ذو الفنون الغريبة والآثار المطربة العجيبة الداخل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 بيوت البلاغة من أبوابها والواصل معالم الفصاحة من رحابها تسلق إلى طرق المعارف وسلكها والتقط درر فرائد المعالي وسلكها وعرف طرق الكمال فدخلها وجاز وساغت له حقيقة الفضل والمجاز انتهى وترجمه محمد أمين الموصلي أيضاً وقال أحد أركان العلوم ووحيد الوقت بطريق المنطوق والمفهوم عالم هذه الأماكن ونحرير هذه المساكن قدوة أقرانه علامة زمانه قامع الجهل بفضله قاشع الأشكال بفكره وفهمه طرز حلل العلماء بفضائله وعلمه وفتق نور الأدب بنسمات شمائله حرست سماء مجده إذ رجمت شياطين المعضلات بشرر أفكاره وانجلت ظلمات البلادة بما أفاض على المستفيد من أنواره وتضعضعت أركان الجهالة بما ألقى عليها من مناكب أنظاره ومن لطيف آثاره هذه المنظومة في الأشكال الأربعة وهي قوله حمداً لرب عالم جليل ... علمنا طريقة التعليل ثم صلاة وسلاماً كملاً ... على الذي فوق السموات علا وآله وصحبه ذوي الهدى ... مؤيدي الحق ومهلكي الردى وبعده فأعلم مريد العلم ... وباعثي لنظم هذا النظم وسائلي ضابطة الأشكال ... منظومة مزيلة الأشكال جامعة الشروط والضروب ... وما به تولد المطلوب فاجزم بأن الأوسط المكررا ... في جزئي القياس يا من أرهرا إن جاءت الصغرى وفيها يحمل ... والعكس في الكبرى فذاك الأول وإن تجده فيهما محمولاً ... فذلك الثاني بلغت السؤلا وإن تجده فيهما موضوعاً ... فقد وجدت الثالث المصنوعا وإن وجدته بعكس الأول ... فذلك الرابع فاحفظ تكمل والشرط في الأول للانتاج ... إن توجب الصغرى للاحتجاج كذاك فعلتها يا من درى ... فاحفظ ودع سوء الجدال والمرا والشرط في الكبرى من الكمية ... في كل حال جعلها كلية وهي طويلة اختصرتها خوف الاطالة وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين. عبد اللطيف المكتبي عبد اللطيف بن أحمد بن علي المعروف بالمكتبي الشافعي الدمشقي نزيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 مصر الشيخ الامام النحرير المعتقد الشهير كان محققاً علامة فاضلاً له اليد الطولى في العلوم لا سيما في الحساب والفلك والهيئة والتقويمات انفرد بهذه العلوم وكان بها اماماً وكان مأنوساً فصيح اللسان وجيهاً ظريفاً عشوراً له مطارحة لطيفة ومذاكرة أنيسة ولد بدمشق ونشأ بها مشتغلاً بطلب العلوم إلى سنة خمس وعشرين ففيها رحل إلى مصر ثم عاد لدمشق واستقام سنة واحدة وعاد إلى مصر واستقام بها إلى أن مات وقرأ وأخذ بها العلوم عن مشايخها الجهابذة ودرس وأفاد للطالبين وانتفع به واشتهر فضله وعلا صيته وصار شيخ رواق الشام بالجامع الأزهر الجامع الأزهر فيه الأروقة يقال رواق الصعايدة رواق اليمنية رواق الأتراك رواق الشوام رواق المغاربة حتى فيه رواق العميان مدة من السنين وشاع ذكره في الديار المصرية ثم ترك ذلك ولزم داره وأسدل شعره ولازم في كل سنة الذهاب إلى الحج ويصير شيخ الركب المصري مع أي أمير خرج محافظاً للحج ولازم ذلك حتى نال الوفاة بجبل عرفات وكان معتقداً ملازماً للديانة والعبادة والصلاح وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بجبل عرفات نهار عرفة وقبره معروف هناك رحمه الله تعالى. السيد عبد اللطيف الكوراني السيد عبد اللطيف بن أحمد المعروف بالكوراني الحنفي الحلبي الشريف لأمه الفاضل الأديب البارع النبيه الكامل كان من محاسن الأدباء وظرفاء الأفاضل النبهاء ذو صون من الوقار مغضوض وطرف من الحياء مخفوض جميل الصفات والأفعال مسدد الآراء والأقوال ولد بحلب وبها نشأ وقرأ على أفاضلها كالمولى أبي السعود بن أحمد الكواكبي المفتي والعالم الشيخ حسن التفتازاني وغيرهما وظهر أدبه ونظم ونثر ومهر بالعلم والفنون وكانت له اليد الطولى على أحبابه ووالده كان رئيس كتاب المحكمة الكبرى بحلب لدى قاضي قضاتها واستقام بذلك مدة سنين مديدة ثم تولى افتاء الحنفية بحلب وكان فاضلاً فقيهاً وولده المترجم أولاً تعاني الكتابة في المحكمة ثم صار ايكنجي رئيس الكتاب أيضاً فلم يتعاط أمور الكتابة في المحكمة ولزم الانزوا والعبادة وكان شاعراً وشعره حسن مطبوع ومن شعره ما كتبه جواباً عن قصيدة أرسلها إليه الشيخ قاسم البكرجي الحلبي وهي قوله جاءت تميس بقد دونه اللدن ... حوراء ما حل جفني بعدها الوسن مهضومة الكشح عبل الردف ناعمة ... ومن سنا وجنتيها الشمس ترتهن حوراء تختلس الأرواح طلعتها ... لها بكل فؤاد للورى سكن ترمي لواحظها عن قوس حاجبها ... نبلاً تصون اللمى والقلب مفتتن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 جلت علي كؤساً من مراشفها ... وبددت نظم در كان يكتمن وسرت القلب إذ أبدت مسائلة ... وخاطبتني فزال الهم والحزن فهل حكت ظبية الوادي شمائلها ... كلا ولا أطلعت صنعاً ولا عدن مليكة الحسن قد عمت محاسنها ... كفضل مولاي ذاك الجهبذ اللسن طود الحجي قاسم من قد سما وعلا ... به على سائر الأزمان ذا الزمن خلال كل عويص في مباحثه ... مهذب الفهم إلا أنه فطن لا عيب فيه سوى باهي مكارمه ... وحسن أخلاقه بالعلم يقترن من رام شأو علاه ظل ينشدنا ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن يا روضة الأدب الغض النضير ويا ... من نظمه درر لم يخصها ثمن أتت إلى عقود أنت صائغها ... قد رصعتها يد ما شابها وهن من كل معنى بديع راق مبتكر ... عرائساً يعتري حسادها ضغن وقد أجبت لعالي الأمر ممتثلاً ... لكنني في القوافي بأقل لكن خذها اليك تجر الذيل من خجل ... وحشية في خلال الطرس تكتمن ولا برحت مدى الأيام مبتكراً ... معاً ينادونها العقيان تمتهن ودم بعز قرير العين مبتهجاً ... بفضلك الدهر والأحباب والوطن ما لاح برق وما هب النسيم وما ... سقى الرياض شآبيب الحيا الدجن وقصيدة الشيخ البكرجي المذكور هي قوله أبعد سلمي يطيب العيش والوطن ... وهل يعود لصب ذلك الزمن والجفن يهمي بدمع من سما مقل ... فسل محاجرها هل زارها الوسن آهاً لأيام وصل لو تعاد لنا ... بذلت روحي لها لو أنه الثمن أيام كان حبي فيه طوع يدي ... والعيش صاف ونجم السعد مقترن وبيننا ما إذا فهنا به وبدا ... إلى العذول علاه الهم والحزن فياله زمناً كان الشباب به ... في عنفوان الصبا والقلب مرتهن بأهيف لو تبدي غصن قامته ... تطاير القلب لا يبقي له شجن وقوس حاجبه المعوج كم رشقت ... من لحظه أسهماً قامت به فتن ما سحر هاروت سحر عند مقلته ... كم غازلت وغزتنا وهي تكتمن وثغره قد حوى دراً بمبسنمه ... وعند رشف لما الشهد يمتهن وخاله عمه حسناً وزاد به ... لولاه كافور جيد منه لا يصن والخصر منه دقيق دق في نظري ... كفهم مولاي ذاك العارف الفطن عبد اللطيف الذي باللطف منجيل ... عن درك أوصافه قد قصر اللسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 السيد الكامل ابن الكامل ابن ذوي ال ... أفضال والعلم ندب وصفه حسن من آل كوران بيت المجد نسل تقي ... فرع الكرام زكي الأصل مؤتمن خدن السداد ومقدام الرشاد كذا ... أبو المعالي الذي أثرى به الزمن بالعلم والفضل سدتم في زمانكم ... وتحسد العين في رؤياكم الأذن قس بن ساعدة تلقاه باقلاً إذ ... ينشي الرسائل في بحث ويمتحن سحبان يسحب ذيل الفضل منه حيا ... وأمرؤ القيس في أشعاره غبن يا ماجداً قد حوى في المجد منزلة ... ومن حوى رتبة لم يحوها فطن وافاك ناظمها الغر الذي حكمت ... عليه ضيق القوافي أنه الجبن وإن تكن قصرت في مدح سيدها ... لكن بمدحك منها طابت اللسن شنف مسامعنا من در بحرك إذ ... لا غرو فالدر في الأبحار مكتمن وأسلم ودم وابق يا غوث الزمان لنا ... على مدى الدهر لا يزري بك الزمن وللمترجم أيضاً كأن ذا الدهر روض ورد ... جناه من قبلنا خصيبا ونحن جئنا لنجتنيه ... فراعنا شوكه جديبا وفي ذلك للشيخ قاسم البكرجي المذكور قد اجتلى الدهر أناس مضوا ... من قبلنا كالبدر في تمه ثم اجتلاه بعدهم فتية ... مثل هلال الشك في رسمه ونحن لم نلق هلالاً ولا ... بدراً سوى الأكدار من غمه وفي ذلك للأديب مصطفى بن محمد الحلبي المعروف بالبيري لقد وردوا من قبلنا ورد دهرنا ... نميراً بأنفاس النسيم مبردا وقد وردوا من بعدهم منه آجناً ... يعاف مساغاً حين بالحماة ارتدى ونحن وردناه سراباً بقيعة ... يغرك مرأى وهو لا ينقع الصدى والأصل فيه قول المتنبي أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرّهم وأتيناه على هرم وذيله الأديب السيد حسين بن كمال الدين الأبزر الحلي فقال وهم على كل حال أدركوا هرماً ... ونحن جئناه بعد الموت والعدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 ومن ذلك قول ابن السماح صفا الدهر من قبلي ودرديه أتى ... فلم يصف لي مذ جئت بعدهم عمر فجاؤا إلى الدنيا وعصرهم مضى ... وجئت وعصري من تأخره عصر وقال أبو جعفر المحدث لقى الناس قبلنا غرّة الده ... ر ولم نلق منه إلا الذنابي وقال المعري تمتع أبكار الزمان بأيده ... وجئنا بوهن بعدما خرف الدهر فليت الفتى كالبدر جدّد عمره ... يعود هلالاً كلما فنى الشهر وقال الآخر كأنما الدهر ماء كان وارده ... أهل العصور وما أبقوا سوى العكر وذكر الجاحظ الحجازي في المسهب إنه سأل عمه أبا محمد بن إبراهيم عن أفضل من لقي من الأجواد في عهد ملوك الأندلس فقال يا ابن أخي لم يقدر أن يقضي لي وطروهم في شباب أمرهم وعنفوان رغبتهم في المكارم ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم وساءت بتغير الأحوال ظنونهم وملوا الشكر وضجوا من المروءة وشغلتهم المحن والفتن فلم يبق فيهم فضل للأفضال وكانوا كما قال أبو الطيب أتى الزمان الخ وإن يكن أتاه على الهرم فإنا أتيناه وهو في سياق الموت ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز كان يحمل نفسه ما لا يحمله الزمان ويبسم في موضع القطوب فيظهر الرضا في حال الغضب ويجهد أن لا ينصرف عنه أحد غير راض فإن لم يستطع الفعل عوض عنه القول قلت له فالمعتمد ابن عباد كيف رأيته قال قصدته وهو مع أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين في غزوته للنصارى فرفعت له قصيدة منها يا ليت شعري ماذا يرتضين لمن ... ناداه يا موئلي في جحفل النادي فلما انتهيت إلى هذا البيت قال اماماً أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان وأمر خادماً له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن قال فانصرفت به إلى المرية وكان بها سكناه والتجاؤه بها لكونها ميناً لمراكب التجار من مسلم وكافر قال فكان ابقاء ماء وجهي على يديه انتهى ولصاحب الترجمة الكوراني أشعار غير ذلك ما ذكرناها وبالجملة فقد كان من الأدباء المشاهير أهل الكمال والعرض وكانت وفاته في سنة خمسين ومائة وألف ودفن بحلب في خارج باب المقام بمقابر الصالحين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 وسبب ذلك إنه طولب بدين كان عليه بعنف وكان يتهم بالثروة مع إنه صفر اليدين ولكن نفسه تأبى الشكوى والتظاهر بذلك ولما مات لم تف تركته بالدين فبيع منزله في ذلك رحمه الله تعالى.؟ عبد اللطيف الخلوتي عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي الخلوتي نزيل دمشق الشيخ الأستاذ المرشد المسلك العارف الكامل الأوحد الناسك كان في طريق القوم ممن اشتهر وساد مولده حلب وخرج منها وسافر وطاف وأخذ عن الأستاذ شيخه مصطفى الأدرنوي في مصر القاهرة سنة ثلاث ومائة وألف وأقام عنده في جامع الجلاد أربعة أعوام واختلى به خلوات عديدة وكانت امداداتها وافرة جديدة وهو أخذ عن شيخه الأستاذ المربي الأكمل علي المعروف بقره باش في مدينة أدرنة ولهذا الأستاذ مؤلفات عديدة ورسائل في الألسن الثلاثة مفيدة وانتقل عن خلفاء وتلاميذ لا يحصون كثرة وسنده معلوم عند الخاص لا العموم ولصاحب الترجمة فضل وحصل على ما حصل وهو شيخ ومربي ومرشد الأستاذ العارف مصطفى الصديقي الدمشقي لأنه أخذ عنه وتلمذ له وقد ترجمه المذكور بكتاب حافل رتبه على أبواب وذكر ما اشتمل عليه صاحب الترجمة وقد طالعته ورأيت للمترجم مقاماً عالياً وأطواراً وأحوالاً حسبما وجدته منقولاً في الكتاب المذكور يدل ذلك على علو مقدار المترجم وشأنه حتى إن الأستاذ الصديقي المذكور سمعه مرة يقول الجنيد لم يظفر طول عمره إلا بصاحب ونصف فقال له الصديقي وكم ظفرتم أنتم بمن يوصف بالتمام فقال له أنت إن شاء الله تعالى وببركة أنفاسه عليه ظهر الصديقي للوجود وصار من أرباب الوجدان والشهود وستأتي ترجمته بمحلها وكانت وفاة المترجم بدمشق في أول رجب سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد اللطيف المغربي عبد اللطيف بن عبد الحق الشهير بالمغربي الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه الشهير كان هو وأخوه الشيخ محمد صنوي مجد واتقان في فقه أبي حنيفة رضي الله عنه تولى كل منهم خدمة الشرع الشريف مع نصح وعفة وتحمل أثقال بلا كلفة وأخذ كل منهما العلم مع تدبر كتبه ودراية نقله وكان الشيخ محمد يلقب بقارئ الدرر لما أنه مهر في أبحاثها والمترجم كان يدعي بزفر لأشتهاره بالفقه وقد توفي الشيخ محمد في سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 أربعين ومائة وألف وصاحب الترجمة بعده في سنة ثلاث وأربعين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. عبد اللطيف العشاري عبد اللطيف بن عبد الرحمن الشافعي العشاري البغدادي نزيل طرابلس الشام الشيخ الفاضل الصالح العالم العامل له فضيلة في غالب الفنون الشرعية وغيرها لم يجنح في عمره لرفاهية دأبه الافادة والاستفادة مثابر على التهجد والجماعة في صلواته لم يعهد له خصلة ذميمة قرأ في بغداد على الشيخ محمد بن مفرج البغدادي والشيخ عبد الله السويدي البغدادي وكان يستقيم ببغداد في المدرسة العمرية والمدرسة الزهيدية ثم ارتحل إلى طرابلس واستقام بها إلى أن مات وكان عارض بعض أهل الجذب فأوعده وآذنه بالحرب فجرح من ليلته بيده عند أخذه الموسى لعانته وكان ذلك سبباً لموته وذريعة لتوبته وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف والعشاري نسبة إلى عشارة قرية من قرى الموصل رحمه الله تعالى. السيد عبد اللطيف القدسي السيد عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر الحنفي القدسي نقيب القدس وشيخ الحرم بها ورئيسها وعين أعيانها السيد الشريف الجواد الممدوح الكامل السخي المعتبر الشهير اللطيف صاحب الفخر الأثيل والمجد العريق الجميل كان أحد من تفرد بوقته بالجود والكرم حسن الأخلاق مهاباً رفيع القدر سليم النفس طيب الأعراق زاكي الخصال ذا بشاشة وفيه محباً للفقراء والضيفان مسدي المعروف لأهله والاحسان ولد في سنة خمس عشرة ومائة وألف ونشأ في السيادة رافلاً وفي السعادة راتعاً وأسفر صبح معاليه وطابت أيامه ولياليه وتولى منصب نقابة الأشراف ومشيخة الحرم الشريف واستبد مشيداً أركانه ومؤطراً للواردين من الاكرام بنيانه واشتهر وذاع وملأ صيته الأفواه والأسماع وأقبلت عليه من كل ناحية الوراد ووفدت إليه من كل بقعة غرائب العباد وهو يوسعهم اقبالاً وتبجيلاً ويزيدهم مكرمة وتفضيلاً وكان يتقدم لخدمة الضيوف بنفسه وأولاده ويقابلهم بوجه ضحوك ويعظم الضعيف قبل الشريف ولما قدر الله تعالى على الحجاج ما قدر من نهبهم وما جرى عليهم في زمن الوزير حسين باشا بن مكي الغزي وردت الحجاج من كل فج إليه مشلحين بلا زاد ولا رداء أفواجاً وأفراداً فكان يتلقاهم بصدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 رحيب ويوسع لهم الحباء ويمنحهم التقريب وهو يكسو العاري ويطعم الجائع وأرفدهم بذلك بمزيد الاجتهاد من الاكرام وكان نزيل ساحته ومسافره إذ ذاك الفاضل الأديب الشيخ محمداً أبا النصر الطرابلسي فقال يمدحه حاكياً هذه القضية بقوله بشراك بالاسعاف والاسعاد ... والعز والاقبال والامداد يا سيداً قد حاز كل فضيلة ... يا كوكباً لذوي الحوائج هادي مولاي بل مولى الأنام لطائفاً ... أحرزتها من غير ما ميعاد قد قمت لله العليّ جلاله ... حق القيام على مدى الآماد ومنحت وفد الله خير منائح ... وحبوتهم وشفيت غلة صادي ورحمت رغبتهم بأنس زائد ... وأزلت عنهم وحشة الأبعاد وأنلتهم لأجل ما قد أملوا ... فأغثتهم يا مأمل القصاد فغدوا وكل شاكر لك حامد ... مثن عليك وقد منحت أيادي لكم لقد رفعوا أكفاً بالدعا ... يا ربنا كن عونه يا هادي وأعذه يا رباه من شر العدا ... وأكفه شرار الخلق والحساد فأشكر على ما قد رزقت من العطا ... فالشكر للنعماء أفضل زاد وأعلم بأنك قد بلغت مطالباً ... من غير ما عزم ولا استعداد فأبشر وطب واهنأ بعز شامخ ... لا زلت تمنح غادياً مع بادي وأرق العلى أبدا على رغم العدا ... مع سائر الأحباب والأولاد ما غرّدت قمرية في دوحها ... تشدو فتطرب رائحاً مع غادي وامتدح بقصائد وأبيات كثيرة وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي فقال من قصيدة يهنئه فيها بزفاف ولديه ومطلعها إن المعالي والسيادة والمنن ... والمجد والاجلال والخلق الحسن نيطت بآل البيت من سادوا الورى ... شرفاً وشادوا في العلى أقوى سنن وتملكوا الأعناق بالجود الذي ... يزري بودق الساريات إذ أهتن وسموا السماك بلا مدان وارتدوا ... أزر التقى وتقلدوا سيف الفطن وتمنعوا عما يشين وأوسعوا ... بشرى لمن في ظل جاههم قطن وبجدهم نالوا الفخار وما ارتضوا ... زهر النجوم بأن تكون لهم سكن فهم الأولى لا شك نستسقي بهم ... غيث الغمام إذا بنا ضاق العطن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وبحبهم نرجو مقامات العلا ... وبجاههم نبغي الخلاص من الأحن قوم نراهم ما جرى ذكراهم ... في محفل الا به افتخر الزمن فهم النجوم المهتدي بضيائها ... إن عمت البلوى وأزعجت الفتن لا سيما رب المكارم والندى ... ورئيسهم من قد حوى الأجلال عن من حاتم عند انسياب أكفه ... هو ما در بل بالندى هيهات أن فرد الزمان وتاج مفرق عزه ... والدافع الجلاء والمولى المنن ومن استعار الغيث فضل نواله ... إذ رام يهمي والسحاب إذا أرحجن وحوى المحامد واستبدّ بجمعها ... وعن العيون بكسبها زاوي الوسن ورقى معاريج الكمالات التي ... من رامها قالوا له أنت ابن من لا عيب فيه غير أن نزيله ... ينسى به ذكر الأحبة والوطن فكأنما كفاه لم تخلق سوى ... لصنائع المعروف سراً أو علن فهو الهمام ابن الهمام المرتجي ... وهو الشريف ابن الامام المؤتمن وامتدحه غيره من دمشق وغالب الأطراف وورد دمشق وتكرر منه الورود وأقبلت عليه أهاليها ورؤساؤها وصدورها وعلماؤها سيما والدي فإنه كان يجله ويحترمه ويوده ويعظمه وبينهما مودة ومصافاة وارتحل للديار الرومية ولم يزل في القدس صدرها الذي عليه مدار رحاها والمطمح الذي لذوي الحاجات والوراد نيل رجاها إلى زمن الوزير عثمان باشا والي دمشق وأمير الحاج فلعدم امتزاج أهالي تلك النواحي مع الوزير المذكور حصل له من طرفه صدع اضمحل به عزه وأراد هتكه وإهانته وأوقع أهل الفساد بينهما من المشاحنات ما أدى إلى البغض والعداوة حتى إنه نبه عليه أن يلزم داره ولا يتعاطى سوى أمور النقابة ولم يزل على ذلك حتى عرض بالنقابة لولده السيد عبد الله واستقام على حالته الحسنة ولم يتغير عن كرمه وترجيه وإسعافه الوراد والقصاد وعن طريقته في ذلك ولم يزل رئيساً معتبراً إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأربعاء ثاني شهر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكر والده رحمه الله تعالى. عبد اللطيف الزوائدي عبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي الشافعي الحلبي خطيب جامع الخسروية بحلب كان ملازماً خدمة العلامة صدر حلب أحمد الكواكبي ولما ولي قضاء طرابلس الشام أخذه صحبته وجعله قساماً فأساء السيرة فعزله فقدم حلب ولازم خدمة والده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 العالم المولى أبي السعود الكواكبي فلما صار مفتياً جعله أمين الفتوي شركة مع الشيخ إبراهيم البخشي وكان حفظ القرآن أولاً على الشيخ عامر المصري نزيل الحلاوية وقرأ التفسير علي الكواكبي أحمد المذكور والفقه على الشيخ مصطفى الحفسرجاوي والعربية والصرف على الشيخ سليمان النحوي وكان فقيهاً حافظاً ذا صوت حسن شجي خطاطاً وقل أن تجتمع هذه المحاسن في عالم وكان أبوه عامياً فقيراً صباغاً نشأ المترجم في الفقر الحالك المهلك وكان يحث مخاديم أصحابه على اكتساب الكمالات ويخبرهم عن نفسه إنه كان فقيراً جداً لا يملك شيئاً وإنه من احتياجه لا تصل يده إلى شراء ورق لتعلم الكتابة فكان يأخذ ألواح الغنم من عند القصاب ويفركها بالرماد لتزول الزهومة منها ويكتب عليها ويأخذ أوراق البن فيلصقها ويصقلها ويتعلم الكتابة بها فحسن خطه وصار ينسخ بالأجرة ويأخذ على الكراس الربعي قرشاً لجودة خط واتساق سطوره فانتعش حاله ثم ارتحل من محلته إلى محلة باحسينا وسكن في جوار بقية الكرام الشيخ أحمد العلبي فاعتنى به وأسكنه داراً من دوره وزوجه ثم انحلت خطابة الفرمانية فوجهها إليه مع الاقامة لكون تولية جامع الفرمانية مشروطة على بني العلبي واستقام حاله وقطن في حجرة داخل الجامع المذكور يقري وينسخ ولازم صحبة العلبي المذكور وصار لا يكاد أن يفارقه فإن المترجم كان خفيف الروح دمث الأخلاق مزاحاً صغير الجثة جداً بحيث إنه كان إذا وقف في المنبر لا يرى منه سوى العمامة فاستقام بجوار المذكور إلى أن مات فارتحل المترجم إلى محلته الأصلية ثم انحلت خطابة الخسروية فوجهها له العلامة أبو السعود الكواكبي المذكور آنفاً وكان له المعرفة التامة في الوعظ مع جهارة الصوت وكان يعظ في جامع قسطل الحرامي وكانت له بقعة تدريس في الجامع الأموي بحلب وكانت وفاته في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف فجأة بالقرب من باب النصر بحلب سقط عن ظهر البغلة ميتاً ودفن بمقبرة جب النور بمحلة الشريعتلي رحمه الله تعالى شريعتلي محله سي أوله جق. عبد اللطيف الأطاسي عبد اللطيف بن علي المعروف كأسلافه بالأطاسي الحنفي الحمصي كان أحد الأفاضل الأدباء المتفوقين حصل في الأدب رتبة ونالها وكان له من العلم القدح المعلى ومع ذلك يجنح إلى فنون أخر وعلوم كالكيمياء والأوفاق وغير ذلك من الفنون الغريبة ويتعاطى ذلك وكانت له القصائد الفرائد والأشعار الحسنة فمما وصلني من شعره قوله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام مفتي الدولة بشمقجي زاده المولى السيد عبد الله حين عوده من الحج ومطلعها عبد الله أفندي سلفه محمد أفندي وخلفه أبو الخير أحمد أفندي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 قد عادت الشمس تشريفاً إلى الحمل ... والسعد أقبل يسعى بالغ الأمل وطلعة البدر زادت في علاه سنا ... والنجم في أفقه قد عاد في وجل يودّ أن لو هوى يحظى ببغيته ... يقبل الأرض مع أيد على عجل وظبية السرب مرعاها فؤاد فتى ... أيدي الغرام به أودت ولم يمل حليف وجد دهته أعين نجل ... مع ضعفها عجباً من أعين نجل تزري بذي اللبن حتى لا يكاد يرى ... سقماً وتقتل في غنج وفي كحل وذا الغزال الذي يفترّ عن شنب ... وعن أقاح وعن درّ وعن عسل حكمته فجنى جوراً عليّ قلى ... وأحكم الطعن في أحشاي مع عللي من منقذي يا لقومي من جفا رشا ... حلو الشمائل يحكي الغصن بالميل سوى الامام الذي شاعت فضائله ... في كل ناد وأحيا العلم بالعمل صدر الشريعة كنز الفضل بحر هدى ... حاوي المفاخر مطفي ربقة الدخل وجيز آياته عند البسيط لها ... كشف لأسرار ذي غمز وذي جذل هو الهمام الذي إن راحتاه همت ... تغني بسح نداها بائس المحل هو الجواد الذي يسمو بهمته ... على السها والسما والنجم مع زحل أضحت ذكاء لما قد حاز من شرف ... ومن فخار ومن مجد ومن نحل ترنو إليه اغتباطاً وهي طامعة ... في أن تلازم جدوى بابه النهل أقام للدين شأناً بعدما درست ... آثاره وهوى في قالب خمل فأشتاقه البيت ناداه أجاب بلى ... وسار شوقاً لخير الخلق والرسل وآب في دعة والسعد يقدمه ... واليمن يخدمه والطول مع طول وأصبحت جنبات الكون مشرقة ... تثنى وتحمد شكر أربها الأزلي حيث السلامة حفت مع ملائكة ... لشيخ الاسلام عبد الله ابن علي بحر النوال وبر الجود من برزت ... جدواه تمنح عاف قاصد النحل ما أم أعتابه ذو حاجة وله ... إلا وبدله لطفاً من الخبل وقد رجاك امام الفضل ذو أمل ... كسير قلب فأجبر بالرجا خللي وله من قصيدة ممتدحاً بها بعض مشايخ الاسلام في الدولة ومطلعها جاءت تميس تثنى عطفها تيهاً ... لما بأسرارها تمت معانيها وأظهرت عجباً لما لها حسدت ... قضب الربا وتزاهت في تجليها تخشى المحاق على الأقمار إن سفرت ... وتكسف الشمس إن وافت تحاكيها ريم رمت بفؤادي من لواحظها ... سهم المنية مذ وافى يحييها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وأثملتني لما أنها اتخذت ... تعاطي الكأس ممزوجاً بما فيها كم عاقرت مغرماً فيه وكم فتنت ... خوداً وكم أسرت أسداً بناديها رعبوبة من بني الأتراك غانية ... فلا يغرنك فيها قول شأنيها بديعة الحسن إن أبدت غرائبه ... تسبي الأنام ولم يظهر تجنيها لها احتكام عجيب في صناعتها ... تبدي التسلي وفرط الشوق يسليها ومذ توهمت روض الخد مفتكراً ... فأثر الوهم من قلبي بخديها وكنت أجني لورد الخد ملتمحاً ... فسابقتني سيوف اللحظ تحميها وقاسمتني دوام الود قلت لها ... مواعد الغيد لم يبلغ أقاصيها قالت سرى البدر مستعط فجدت له ... بحلة من جمال يكتسي فيها فقلت كلا فما للبدر من شبه ... فبكى وإن قسته لم أوف تشبيها البدر في كل شهر من لوازمه ... شحوبة ومحياك بنا فيها قالت أتنسى لحاظاً قد فتنت بها ... وآية السحر منها علم تاليها فقلت أنسى بلى في مدح من فخرت ... به المعالي وقد نالت أمانيها بحر الفضائل من فيه لقد شرفت ... مراتب العز واستعلت بمفتيها شيخ المشايخ والاسلام من شهرت ... علومه كذكاء في ترقيها حدث بما شئت عن بادي مكارمه ... عجائب البحر لم يسطع تخفيها آيات أفضاله كالمعجزات له ... ودر أبحاثه يهدي لقاريها ما جال فكر ولا ورى لمشكلة ... إلا أرانا صباحاً من دياجيها ما حل ناديه من أعيته حاجته ... إلا وهمته بالحال تقضيها شمس الأفاضل بدر المجد من برزت ... نجوم جدواه تستدني موافيها وامتدح الوزير الصدر علي باشا ابن الحكيم بقصيدة هي قوله صبح السرور لليل الهم قد هزما ... وحارس السمع شيطان العد أرجما وآية النور آيات الظلام محت ... وكوكب الرشد أبراج الهدى لزما ودوحة السعد قام العندليب بها ... يشدو خطيباً على الأغصان مبتسما والغيم يسكب حزناً درا دمعه ... والروض يضحك فرحاً معجباً برما والقضب تختال من مر النسيم بها ... والنور يبدي لها من حتفه شمما والبدر أشرق في الآفاق فاعتذرت ... له النعائم والأكليل قد هضما والشمس ردت إلى الجوزاء بازغة ... والليث أنشب بالعذراء مصطلما والظبي وافى وأوفى لي مواعده ... فصحت يا ليت قومي يعلمون بما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وزار حتى كأن الهجر أحرقه ... لم تلف وضعاً ولا بدا ولا رقما وسرني عاتباً لما أسر بما ... أفشاه من شجن دمعي وما كتما وساءني راحلاً يوم الوداع وما ... أمر يوماً به دمع المحب هما وقال لي داعياً أنسيت مجتمعاً ... والغيد والروض والواشي قد انهزما والكأس والراح والساقي يدير بها ... أم كان ذاك خيالاً مرام حلما أجبت كلا ولكن عنوة صرفت ... خواطري عن غرام كان لي رغما لذروة قصرت من دون رتبتها ... أيدي المعالي وصارت للعلا علما وسدة شرفت لا بالوزارة بل ... قد شرفتها وذات للعلوم سما أرومة المجد ينبوع الفخار له ... في كل فن بدا سبق حوت حكما شمس الأفاضل قد قامت مكارمه ... تدعو الوفود فمن وافى لها غنما بدر المحافل مأوى كل مكرمة ... نادت أياديه للعاني اتخذ نعما صدر الأماثل درياق الهموم جلا ... عين البصيرة محيي المجد والكرما ليث العرين قوي البأس همته ... لو صادمت لبناء دك وانهدما تخاله جحفلاً إن سل صارمه ... يوم النزال على الأبطال أو حجما ما رامه فارس في يوم معترك ... الا ورد على الأعقاب قد ندما وما ألم يناديه ذوو أمل ... إلا السرور على آماله هجما فبذله عسجد من غير مسألة ... وإن سألت غماماً واجتهدت فما ابن الحكيم على القدر أنت فتى ... ملكت كل الورى بالبذل لا وغما وسرت بالعدل سير البدر مع نفر ... هم الكواكب فاستوثق بهم ذمما فأبشر فإن قلوب الفرس قد ملئت ... رعباً وسيفك جيش العجم قد قصما وجاءك النصر والفتح المبين فلا ... تضيق ذرعاً ولا تحسبهم خصما هم العوارك في الهيجا إذا برزوا ... وفي السلامة أعيار ترى شمما هم الأراذل إن حلت بساحتهم ... أسواط بطشك ذابوا وأختشوا نقما وإن يكن منهم أسد مروعة ... فعزة الملك فيكم والنبي حمى منها وهاكها من بنات الفكر غانية ... فريدة تخذت كل الورى خدما بديعة لو رأى حسان طلعتها ... لقال من عجب من ذا الذي نظما فاقت على الدر في النظم البديع ولم ... ترضى سواك لها كفوأ ولا رحما نادتك جهراً ولم تلغي بما نطقت ... يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما وأسلم مدى الدهر في سعد السعود على ... رغم الحسود وما ثغر الشجي بسما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 ولا برحت رجاء للوفود ولا ... زالت أياديك تبدي للورى نعما وله من قصيدة مطلعها سلالي الصبا هل آذنت منهم عطفا ... وهل سحر أمرت وهل بلغت وصفا وهل ظبي ذاك الحي عند مروره ... تبدي فأيدي من صبابته لهفا أم أجتاز من وادي العقيق مودعا ... أم ازداد بعداً أم تدانى أم استخفى وهل خيلت منهم شجوناً تدلها ... على كبد حراً ظواهرها تخفى وهل شاهدت طرفاً سقيماً بحاجر ... محاجرة تبدي الغرام مع الأغفا وهل أكثرت شكوى الفراق توجعا ... أم ابتسمت بالله أم أرخت السجفا وقولاً لها تبدي حديث صبابتي ... لديها ونرجو أن تلين لنا عطفا قضى الله لي بلوى الهيام بحبها ... وما كان مقضياً فلا بد أن يلفى تحملني ما لا أطيق من الجوى ... ولست بصب من لواعجه أستعفى وقد طالما قد كنت أرجو وعودها ... فتبعدني طوراً وطوراً أرى خلفا اليها لقد أهوى عليل وشاجب ... ومحترض كل يروم بأن يشفى فكم أثملت قبلي بخمر لحاظها ... أولى نسك شتى ولم تسقهم صرفا شكا البدر منها مذ أماطت نقابها ... مفاخرة واسترهب السدف والخشفا فيا ليت لا ألقى الجمال اكتماله ... عليها ولا أهدى اليها لها ظرفا ولله ما ألقى إذا ما رأيتها ... تميس وقد مالت وأنكرت العرفا وألقت بأحشائي لهيب صدودها ... وشدت وشاحيها ورددت الردفا منها وناجيت قلبي فوق طور اشتياقه ... سلواً فلم يبرح يمد لها كفا بليل بهيم قد أمدت سدوله ... ستور من الظلماء حالكة سدفا أراعي بجنحيه نجوماً ثوابتاً ... فطالعه صفا وغاربه صفا كأني وإياها إذا ما وجدتها ... فقيد فؤاد ذاهل ترك الحقفا وله مذيلا إذا أسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافاً إن حراسنا أسدا وإياك من قوم عليك صدورهم ... من الغيظ باتوا مضمرين لك الحقدا ولا تأتني جهراً فإن رماتهم ... بذات الحمى والشيخ قد أحكموا الرصدا ومن كان متبولاً بذات لواحظ ... مراض دعته أن يهان وأن يودي فلا تبد سلواناً وإن أظهر الجوى ... خوافيك داري من عرفت ومن أردا فمن سره تذليل صعب مرامه ... تحمل أثقال الغرام وما أكدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 ومن رام أن يلوي سواد بنانه ... على الجيد لا يخشى سناناً ولا حدا وله غير ذلك وبالجملة فقد كان أديباً فاضلاً ولم أتحقق وفاته في أي سنة غير أنه في سنة ست وأربعين ومائة وألف كان موجوداً رحمه الله تعالى حكيم أو على الممدوح ولي على مصر مرتين وتولى الصدارة أيضاً وكان بعد عثمان وقبل إسماعيل وتصدر ثانياً وكان في هذه الدفعة سلفه أحمد فخلفه سيد حسن وولي الصدارة ثالثاً بعد باهر مصطفى وعزل في سنة 1168 وجاء مكانه نائلي عبد الله انتهى. السيد عبد اللطيف الكيلاني السيد عبد اللطيف بن فتح الله المعروف بالكيلاني الحنفي الحلبي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها وهو من أسباط بني الكيلاني المقيمين في حماه كان والده بحلب يتعاطى صنعة السراجه وهو أيضاً في أول أمره فلذلك اشتهر في بلدته بابن السراج السراج من يصنع السرج والسراجة ككتابه هي الحرفة وكان عبد الباقي شاعر الروم يتعانى حرفة السروج في مبدء أمره ثم أدركته حرفة الأدب ويحدثون عنه بنكات كانت تصدر عنه من ألطف ما يكون ومن أحسنها موقعاً ما اشتهر عنه إنه كان نظم قطعة من الشعر في غلام فلما سمع الغلام القطعة أعجبه ما فيها من التخيل وأقسم إنه يقبل رجله إذا رأه فاتفق إنه صادفه في بعض أسواق قسطنطينية وباقي راكب وجماعته في خدمته فدخل الغلام وأراد أن يقبل رجله فمنعه من ذلك وقال ما حملك على هذا الك حاجة فقال لا وأخبره باليمين الذي حلفه فقال له أنا نظمت الشعر بفمي ولم أنظمه برجلي وقالها أبو بكر العمري في ديوانه وقد نظمها أبياتاً فقال قال لما وصفته ببديع الحسن ظبي خل عن وصف مثلي مكن العبد أن يقبل رجلاً لك كيما يجيز فضلاً بفضل قلت انصف فدتك روحي فإني بفمي قد نظمته لا برجلي وقريب من هذا قول الصاحب ابن عباد وشادن جماله تقصر عنه صفتي أهوى لتقبيل يدي فقلت لا بل شفتي انتهى قرأ على الشيخ طه الجبريني والشيخ علي الدباغ ثم إنه قدم إلى الروم في دعوى استحقاق والدته في وقف بني الكيلاني ثم أخذ تولية الوقف ببراءة عسكرية ثم رأى لها قيداً في محاسبة الحرمين فنقل البراءة العسكرية إلى الحرمين ثم ساعدته المقادير فعمل عليها في زمان السلطان الأعظم محمود خان خطاً شريفاً ثم في أثناء قدومه خدم شيخ الاسلام المولى مصطفى المعروف بالدري قبل أن يصير قاضياً بالعساكر بأناطولي في مقابلة الكتب وهو الذي ساعده في عمل الخط الشريف ولازم منه لما تولى افتاء الدولة شيخ الاسلام المولى عبد الله وصاف المعروف بالإيراني وكان مميزه الشيخ إبراهيم الحلبي دخل إلي لأمتحان برجاء الدري المذكور وبمعرفة الحلبي وسلك طريق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 المدرسين والموالي وقطن قسطنطينية واستقام بها وتنقل بالمدارس على قاعدتهم ولما توفي كان في موصلة السليمانية المتعارفة بينهم وكان يتعاطى بيع الكتب وصنعة الصحافة في مدة اقامته وله فضيلة بالعلوم ومعرفة ولما ارتحل إلى الروم الفاضل سليمان المحاسني الدمشقي خطيب الأموي وإمامه دعاه إلى المبيت بداره ثمة المترجم فامتدحه بقوله ألا يا دار حيتك الفوادي ... بكل كرامة في طول عمر ودام وجودك يسمو بمولى ... كريم الطبع ذو شرف وفخر هو المفضال من كيلان يغدو ... بكل مزية في طيب بشر لطيف الطبع دام بكل مجد ... على أمد الدهور ليوم حشر وكانت وفاته بقسطنطينية في شعبان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بالتربة المعروفة بمحمود باشا رحمه الله تعالى. عبد اللطيف العمري عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن أحمد العمري الشهير بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي القادري الخلوتي الشيخ الصالح الدين المعتقد الفالح التقي النقي كان من المشايخ المعتقدين مبجلاً محترماً عند الناس وموسوماً بالصلاح والديانة ولما توفي شيخ الخلوتية بدمشق الشيخ عبد الوهاب الغراوي الغميان ترك ولداً يسمى الشيخ محمد ويلقب بالملك عرضت المشيخة على صاحب الترجمة فلم يقبلها لوجود ولده ثم بعد مضي ستة أشهر توفي الشيخ محمد ولده فعرضت ثانياً على المترجم فأبى عنها فألزمه جمع غفير من العلماء والمشايخ الخلوتية السابقين وحج إلى بيت الله الحرام وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف عن نيف وسبعين سنة ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عبد اللطيف الأدلبي عبد اللطيف الحنفي الأدلبي الكاتب العارف بصنعة الرمل مولده تقريباً بعد العشرين من هذا القرن في أدلب الصغرى ونشأ بها ورحل إلى طرابلس الشام قدم حلب سنة خمس وخمسين ومائة وألف وقرأ على فضلائها منهم الشيخ طه الجبريني والسيد علي العطار وغيرهما وكان يكتسب بالرمل لضعف حاله وله فيه معرفة تامة وشوهد له فيه أمور عجيبة منها إنه كان له انتساب ومحبة مع ابن الخنكارلي أحد أعيان حلب وكان المذكور مع مخدومه الوزير عبد الله باشا بجزيرة قبرس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وصاحب الترجمة أراد أن يسبر قال م ح السبر من باب قتل وفي لغة من باب ضرب تقول سبرت القوم تاء ملتهم واحداً بعد واحد لتعرف عددهم والسبر بالتركي يوفلامق انتهى من القواعد كيفية حال المذكور فظهر له إن محلاً بمنزله في الجزيرة المذكورة متهدم وإنه يسقط وإن المحل مرتفع فحرر مكتوباً إلى المذكور وأخبره إن في منزلك محلاً عالياً صفته كذا لا تدخل إليه فلما وصل الكتاب امتنع ابن الخنكارلي المذكور من الدخول لذلك المكان لما يعلم من معرفة صاحب الترجمة فما مضى مدة يسيرة من الزمان إلا وسقط المحل ولم يصب ضرره لأحد من أهل المنزل وله من هذا القبيل أشياء كثيرة وكان قوي الحافظة يحفظ متن القدوري وأكثر شرح المنية وغير ذلك ولما أجدى حالة ترك معاناة الرمل واشتغل بحفظ شفاء القاضي عياض فلما أشرف على إكمال هذا الكتاب دعاه داعي المنية فأجاب ولم يتيسر له الاتمام غير أنه فاز بحسن الختام وله نظم فمنه قوله مشطراً موجهاً في صنعته وشقائق قالت لنا بين الريا ... يا من له في الاتصال مرام منا طريق الاجتماع فإن ترد ... دع وجنة المحبوب فهي ضرام هل أنبتت قبل العوارض مثلنا ... نبتاً بحمرة شكله المام أم هل يضاهينا النقي بحده ... قلت اسكتوا لا يسمع النمام وشطرهما الشيخ علي الميقاني الحلبي فقال وشقائق قالت لنا بين الربا ... وبنا إلى ورد الخدود غرام والميل يحدث للنظائر غيرة ... دع وجنة المحبوب فهي ضرام هل أنبتت قبل العوارض مثلنا ... نبتاً له عند الملوك مقام ويماثل التعمان آس عذارها ... قلت اسكتوا لا يسمع النمام وشطرهما الشيخ أحمد الحلوي الحلبي فقال وشقائق قالت لنا بين الربا ... لما زها نوارها البسام إن كنت من أهل المعارف والذكا ... دع وجنة المحبوب فهي ضرام هل أنبتت قبل العوارض مثلنا ... نور أنحار بنوره الافهام أم صبغها أضحى يحاكي صبغنا ... قلت اسكتوا ألا يسمع النمام وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد المحسن الأسكداري عبد المحسن بن السيد محمد بن السيد أسعد أفندي الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي والعلامة محمد بن الطيب المغربي الفاسي ومحمد أفندي أبي الخير الشرواني وعلي أفندي الخطاط وغيرهم وأخذ أيضاً عن الشيخ زين الدين مصطفى بن محمد الأيوبي الرحمتي وتولى افتاء المدينة المنورة بعد عمه السيد عبد الله نحواً من ثلاثين سنة وكان فاضلاً وجيهاً ذا عقل وفطنة حسن المحاضرة لطيف النكتة والنادرة وكانت وفاته في تاسع عشري محرم الحرام افتتاح سنه ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا. عبد المعطي الفلاقنسي عبد المعطي ابن السيد محمد ابن السيد محمود الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد تقدم ذكر والد ابن عمه أحمد وكان هذا أحد رؤساء دمشق المشهورين بحسن الرأي والتدبير وأعيان كتابها وأجل ذوي الأقلام الدفترية صدراً معتبراً موقراً ذا حشمة وأبهة ولد بدمشق في حدود الخمسين وألف وترقى في المناصب الدفترية وغيرها وصار محاسبجياً مرامي محاسبه جي بالخزينة الميرية بدمشق وتولى نظارات كثيرة في أوقاف الحرمين والمصريين وولي عثامنة كثيرة وكان له تعلقات وأوقاف وتجارات وأملاك واقطاعات وغير ذلك شيء كثير وكانت داره أحسن دار بدمشق وكان من أفراد الزمان المترفهين بالنعم والتخول بحيث إن الذي يوجد عنده من المأكولات والملبوسات ونحوها لم يوجد عند غيره وآلات السماع وألحان الغناء دائماً تضرب عنده وفي مجلسه وأتقن آلات الأحتشام واظهار النعم من كل حيثية وكان ذا عقل ورأي وتدبير مع أدب وكمال وتأني وتربص في الأمور وحسن اعتقاد على المشايخ والصلحاء والسادة ولا يسفه أحداً أصلاً ولا يجهر في غيظه على أحد ولا يتطاول بل تكلمه في حالة الغضب كحالة الرضى ولم يكن أحد في وقته مثله من أهل الثروة والاتقان في تدبير المنزل خصوصاً لما كان أمين كيلار الحج فأتى بما لم يسبق إليه وتولى تولية الجامع الأموي أصالة ووكالة وكان متوليه في الروم رجل مغربي معتقد صاحب الدولة الوزير الأعظم اسمه الشيخ مسعود تارة يوكل المترجم وتارة غيره وتولاه المترجم أصالة أيضاً واجتهد في تعميره وتنظيمه وفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف بنى الحمام بالقرب من الجامع الأموي المعروف بحمام الذهبية مصر منصوره سنده دخى حمام الذهب واردر وصرف عليه من ماله مبلغ تعميره وأضافه لأقلام الجامع المذكور بعد اقتطاع ما صرفه عليه وكان قبل ذلك سوقاً لدق ذهب الطواقي والطشاطي قال م ح لعلها شيء يشبه الطست كانت تلبسها النساء وقد حرفتها العوام وقالوا طشطيه والطست معرب تشت انتهى التي كانت تلبسها النساء في ذلك الزمان بدمشق ثم بطل هذا الزي في سنة سبع ومائة وألف وفي آخر أمر المترجم حصل له داء في رأسه كان يغيب عنه درجة ويعود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 إليه وكان يتكرر ذلك عليه كثيراً حتى أنحله ونغض عليه عيشه الرغيد وبقي فيه مقدار خمسة عشر سنة وصرف على دفعه وعلاجه مالاً كثيراً وعالجه خلق كثير من حكماء الأشباح والأرواح فلم يفده شيئاً إلى أن مات حتى أخبرت أنه كان مرة جاساً في قصره والآلات تضرب والخدم وقوف لديه والناس وفود إليه وهو في نعمه متخول وعلى سرير جاهه وعزه مترنح وبسربال السعود مكتسي إذ عاد إليه الداء المذكور فعاد لأنينه وتأوهه وحنينه وشكواه وتوجعه فرأى وهو في هذه الحالة تحت القصر رجلاً زبالاً وبجانبه رفيق له وهما يتحادثان بما فعلا من الأكل وغيره ويحمدان حالهما وهما منشرحان يترنمان بذلك ويكرران الحديث ويختالان في صحتهما وعافيتهما مع انهما في هيئة رثة وفقر زائد فتعجب من صنع الآله جل شأنه ثم إنه استعذب ذلك منهما فأمر أحد خدامه باحضارهما إليه فلما حضرا لديه قال لهما أخبراني بما كنتما تتحادثان به الساعة فسكتا فكرر السؤال عليهما فقالا قلنا كذا وكذا فقال لبعض أتباعه ادفع لهما كذا وكذا من الدراهم فصرفهما بالاكرام ثم قال والله إني لأتمنى أن أكون مثلهما في حالتهما هذه ولا أكون في هذا التخول والثروة مع هذا الداء فلله الحكم الباهرة والأحكام القاهرة لا إله إلا هو وكانت وفاة المترجم في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة اثنين وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه ورحمه الله تعالى. عبد المعطي الخليلي عبد المعطي ابن محيي الدين الشافعي الخليلي الأصل والوطن القدسي المأوى والسكن رحل من بلدة الخليلي للجامع الأزهر فجد ودأب وسهر الدياجي ولازم كل همام علامة وباحث وناظر أقرانه وتضلع من مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وأخذ من العلوم التفسيرية والحديثية والفقهية وشيوخه الذين أخذ عنهم منهم الشيخ يونس الدمرداشي الأزهري ومنهم الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وهما من علماء الشافعية ومنهم العلامة الشيخ أحمد النفراوي الأزهري من المالكية ومنهم الشيخ أحمد الخليفي الشافعي والعلامة الشيخ أحمد ابن محمد الملقب بالفقيه الشافعي والشيخ إبراهيم الفرضي الدلجي ومنهم الشيخ محمد الكاملي الشافعي الدمشقي المدرس بجامع بني أمية وأخذ الاجازة من محدث البلاد الحجازية الشيخ محمد عقيلة المكي وأجازه بثبته المشهور ومنهم الشيخ محمد الخليلي القدسي وما انفك يستفيد ويستزيد حتى ظفر بالطارف والتليد واستجاز شيوخه فأجازوه بمروياتهم وكانت له متانة في الفروع الفقهية شديد المحاضرة على سرد مسائلها البهية تولى افتاء الشافعية بالقدس أكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 من خمسة وعشرين سنة بلا طلب بل ألزمه فيها شيخه الخليلي المتقدم وأهل القدس لحسن اطلاعه على فروع المذهب وله فتاوي في مجلد حسنة مجموعة محبوكة مستحسنة فأقلامه تنثر جواهر الدرر ويراعه يجري بلطائف الغرر وله رسائل كلها منتخبة فوائدها ظرائف مستعذبه منها رسالة كبيرة في سيدنا موسى الكليم عليه السلام وله نظم متوسط فمنه قصيدة أنشدها حين توجه مع جملة من الفضلاء صحبة الشيخ محمد الخليلي إلى زيارة سيدنا موسى عليه السلام وأخذوا كتاب الامام مسلم وقرأوه هناك. وهي قوله هلموا بنا يا سادة الوقت والعصر ... إلى سفح غور القدس من شرقه نسري نشاهد أسراراً وروحاً وراحة ... ونزداد خيراً من حمى عالي القدر فليس لنا من دهرنا وزماننا ... ليالي وصل دون قطع ولا هجر سوى مدة في روضة مستطابة ... عليها جلال رائق في ربا الزهر فهي لكليم الله نوراً وهيبة ... وأمناً وأنواراً تلوح مع الفجر فكم نالنا من فضله وكماله ... لطائف أسرار تجل عن الحصر لقد كان من فوق السموات راحماً ... لأمة خير الخلق طه النبي الطهر فكان رسول الله ليلة أن سرى ... إلى ربه ذي العرش والعز والنصر يناجيه في أمر الفريضة يالها ... مناجاة محبوب بلطف مع البشر فناداه بالخمسين قد صار أمرنا ... على الخلق فأمضى يا رسول ذوي القدر فجاء إلى موسى بن عمران مسرعاً ... وأخبره بالفرض من عالم الأمر فقال له ارجع يا حبيباً مجيباً ... وسل ربك التخفيف يا مخجل البدر فإني بلوت الخلق يا خير مرسل ... بما فرض الله الكريم من الذكر فما صبروا بل بدلوه وغيروا ... فباؤا بآثام من الله والوزر وامتك الغر الكرام ضعيفة ... تقصر في الخمسين من شدة الأصر إلى آخرها وهي طويلة وكان ديدنه التقشف في الملبس والتخشن في المأكل عما عليه الناس من حب التزين مهاباً صادعاً بالحق طارحاً للتكليف لم تتعلق نفسه بدر ولا صدف منزوياً عن حكام السياسة مغتنماً لأوقاته له حظ وافر من قيام الليل لا يتركه وكان مقيماً في المسجد الأقصى ليلاً ونهاراً وهو من الذين هم عن اللغو معرضون وكانت وفاته في سنة أربع وخمسين ومائة وألف وقد جاوز السبعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 ودفن بمقبرة باب الرحمة بقرب الصحابي سيدنا شداد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه. عبد المعطي بن معتوق عبد المعطي بن معتوق الحلبي البيري نسبة إلى بيرة الفرات الحنفي الصالح الورع كان صاحب ثروة ثم قعد به حاله فاشتغل بالنسخ وتجويد الخط فكان له الخط الحسن أخذ ذلك بدمشق عن الرجل الصالح الشيخ محمد العمري الدمشقي المشهور وعاد لحلب وانتفع في الخط به الكثير وكان شكلاً حسناً وله المنادمة العجيبة والمطارحة الغريبة مع الصلاح والتقوى والتخلي للعبادة وكان له في يديه ورجليه أصابع زائدة قطع بعضها وهذه الزيادة في الأصابع استمرت في عقبه أيضاً وكان يكتب عن نفسه الشهير بالتي برمق ومعناها بالعربية ست أصابع وكانت له الحظوة عند الولاة فمن دونهم توفي رحمه الله تعالى ونفعنا به بداره الكائنة بمحلة الجلوم ثامن عشر ربيع الثاني يوم الأربعاء سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب قنسرين في التربة التي فيها مزار الولي المشهور غفير حلب الشيخ عبد الرزاق أبي نمير بعدما صلى عليه بالجامع الأموي وكانت له جنازة حافلة وأصابها المطر الغزير رحمه الله تعالى وإيانا آمين. السيد عبد المعطي الدمشقي السيد عبد المعطي الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ولد بدمشق وظهر بها ودخل سلك العلماء والأفاضل ثم ارتحل إلى الروم ووصل إلى قسطنطينية ولازم من علمائها وللتدريس صار عازماً وتنقل كجاري عادتهم بدور المدارس فلما انفصل عن أربعين عثماني وكان ابتداء الأحداث في رجب سنة ست ومائة وألف أعطى مدرسة ذي الفقار ورؤي لأنقالها وفي سنة اثنتي عشر ومائة وألف في شوال صار مكان أحد المدرسين المولى السيد محمد وتحركت رتبته إلى مدرسة اينجه قره وفي سنة ست عشرة ومائة وألف في ربيع الآخر صار مكان كواكبي زاده المولى أحمد بمدرسة طوطئ لطف وفي سنة ثمان عشرة ومائة وألف في ربيع الأول التاسع منه يوم الأحد توفي إلى رحمة الله تعالى في قسطنطينية وعن محلوله وجهت المدرسة المرقومة إلى شعبان زاده المولى محمد عازم وكان المترجم له في العلوم والمعارف خصوصاً بفن التحريرات والصكوك وكان مشتغلاً بكتابة القسمة العسكرية بالمحكمة رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 عبد الملك العصامي عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي المكي الشهير بالعصامي الشيخ الفاضل الأديب العالم الفهامة الشاعر الناظم الناثر ولد بمكة سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها واشتغل بفنون العلوم وبحث عن منطوقها والمفهوم وله شعر لطيف منه قوله مادحاً الشريف بركات أمير مكة بقصيدة مطلعها سعدت بيمنك والسعود المقبل ... وانجاب عنها النحس بالحظ الجلي وتتابعت أيدي السرور ترادف ال ... اقبال بالبشرى لكل مؤمل وأطاع أمر الله ما تختاره ... وبذروة فلك السماء المعتلي لأبي زهير مليكنا بركات را ... عيها مملكها الشريف الأفضل وهي طويلة جداً وألف صاحب الترجمة تاريخاً في أبناء عصره وكان فاضلاً نبيهاً ذا مشاركة في العلوم ومعرفة بالأدب والشعر تامة وله انشاء لطيف وجد واجتهد وتسدر للتدريس في المسجد الحرام مدة عمره وكانت وفاته سنة احدى عشر ومائة وألف ودفن بمكة رحمه الله تعالى. عبد المنان الخماش عبد المنان بن محيي الدين الخماش الخماش الخداش وزناً ومعنا الحنفي النابلسي أحد الأفاضل الأتقياء ولد بعد السبعين وألف وقزاً القرآن على والده وتفقه على الشيخ أبي بكر ورحل للقدس هو والشيخ عبد الفتاح التميمي وقرأ على الشيخ السيد عبد الرحيم اللطفي القدسي عالم تلك الديار وفقيهها والشيخ محمد السروري القدسي وبلغ الغاية في الفقه والنحوي والعروض ومع ذلك لم يتفق له نظم بيت واحد وشهد له بالفضل جملة أفاضل حتى قال التميمي سبقني عبد المنان بمراحل وكانت وفاته في يوم الجمعة عاشر محرم بعد صلاة الصبح ونيته صوم ذلك اليوم وهو ممتع بحواسه سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد عبد المنعم ابن الأشرف السيد عبد المنعم بن خضر السيد المعروف بابن الأشرف الحنفي الحمصي هو من بيت بحمص مشهورين بصحة النسب والحسب ولد بحمص ونشأ بها وارتحل إلى مصر القاهرة وأخذ بها عن علمائها الفحول كالعلامة المشهور السيد علي الضرير وتلمذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 له وغيره ثم ارتحل إلى دار الخلافة اسلامبول في الروم وكان إذ ذاك وزير الدولة الوزير الشهير علي باشا المعروف بابن الحكيم فأهدى إليه المترجم شرحه الذي ألفه على بدء الأمالي وقابله باكرامه وجدواه وصارت له من شيخ الاسلام إذ ذاك رتبة مع تدريس الأشرفية في حلب وأعطى افتاء طرابلس الشام إلى أن مات وكان من العلماء المحققين الأفاضل له يد في غالب العلوم والفنون عالماً فاضلاً متقناً وكانت وفاته في طرابلس الشام تقريباً في حدود الستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد المولى السيري عبد المولى المعروف بالسيري الشافعي الأشعري الطرابلسي مفتي الشافعية بطرابلس كانت له يد في العلوم لا سيما في الطبيعيات والنجوم حتى قيل إنه وصل بمعارفه عند توسط كيوان إلى استحالة بعض العناصر إلى بعض وإلى تقاويم عند أخذ العرض تنبى عن استخراج مجهولات وكان له قدم ثابت في ارصاد الثوابت كما إن له باعاً طويلاً فيما إليه يميل وكانت وفاته في سنة ست وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد النبي النابلسي عبد النبي النابلسي الأديب الشاعر البليغ أحد الأذكياء كان له معرفة تامة في التاريخ والأدب وحفظ زائد في أنساب العرب وله ديوان في الشعر الفائق والنثر الرائق وكان ممن تقمص بجلباب الآداب وخاط من المعاني برود اضافية واجتنى زهرات المعارف من رياض الكمالات ومن شعره قوله يمدح صالح باشا النابلسي ابن طوقان حاكم بعلبك ويذكر واقعته فيها ومطلعها لسعدك اقبال له العز يخدم ... لذا بعلبك لم تزل تتبسم بدا منك حلم مثل حلم ابن مريم ... فمن كان ذا فقر علاه التنعم عدلت فكل المترفين تظاهروا ... على من بغى بالجور والشر أبرموا نووا فتنة خابو بقلة عقلهم ... وقد أظهروا العصيان والنار أضرموا ومذ جاءهم عكس وظنو بجهلهم ... كظن الزرازير الذين توهموا أرادوا فساداً للعباد بظنهم ... فأوقعهم في العكس كي يتصرموا وقد مكروا مكراً فحاق بجمعهم ... ومزقهم ربي وما شاء يحكم وكم من ليال بالسرور لهم مضت ... وأطغاهم الشيطان حتى تظلموا وشاهدت فيهم من يقول بجهله ... أيا عصبتي إني على الموت أقدم وما منهم إلا الغرور أغره ... إذا ما رأى عضباً يولي ويهزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 فمن جهلهم راموا الحساب فنوقشوا ... ومذ عاينوا حد الحساب تندموا فوالله ما أدري جنون أصابهم ... أم أعمارهم قدر أم أبليس يصرم إذا بعلبك قد تعدى سفيهها ... فصالح هذا العصر للظلم يهدم همام له مجد تسامى بذكره ... وحكم بانصاف إذا رام يحكم تطوق بالفخر الجميل تطوقاً ... وطوق بالأصفاد من كان يظلم فمن أين في مصر كمثل جنابه ... عفو حليم راحم يترحم حقيق ولاة الأمر من رام خلفها ... فهيهات من حد المهند يسلم فيا أهل بعل ما رعيتم لنعمة ... وأظهرتم الطغيان لما عصيتمو بغيتم فجوزيتم وأضحى شقيكم ... على الأرض ملقى والنوادب تلطم فهذا جزا من كان في طيب نعمة ... ولم يرعها بالشكر لا بد يندم فهل دبب الأطلال تقهر قسوراً ... وقط الفلا غاب الغضنفر يهجم فهذا الذي قد صار منكم جهالة ... عصيتم ولي الأمر لم لا أطعتم أما عندكم علم بشدة بأسه ... وعن قتله العربان لم لا سألتم فوقعتهم قد شاع في الكون ذكرها ... وقصتهم في الناس تروى وتفهم أيا وقعة قد صال فيها على العدا ... رأينا روس القوم للأرض ترجم ولما رأى العربان فتك حسامه ... فولوا حيارى والهزيمة مغنم ولما انتهى من حربهم وقتالهم ... وكان الذي قد كان منه ومنهم بنى في فلسطين الرؤس صوامعاً ... فهل هذه الأخبار ضلت عليكم ففي كل أرض قد تناقل ذكرها ... وكم شاعر أضحى بها يترنم إذا العرب قد ذلت وماتت بحسرة ... فمن أنتم حتى على الشر تعزموا وتعصوا ولي الأمر عمداً بجهلكم ... ولم تدروا إن البغي للمرء يقصم فيا أهل بعل لا تلوموا لصالح ... وأنفسكم لوموا على ما فعلتم وتوبوا إلى الله الكريم وخالفوا ... هوى النفس إن رمتم من القتل تسلموا أيا واحداً في العصر كلم لمن بغى ... وعند سواه في الحقيقة مرهم فإن جميل الحلم في البعض ضائع ... ومن كان ذا جهل له البطش أقدم فدم سالماً صدراً كريماً مؤيداً ... وضدك في نحس وللنحس أنجم ولم يصلني من شعره سوى هذه القصيدة وكان حج ففي العود حصلت له الغرقة المشهورة في زمن الوزير سليمان باشا العظم والي الشام وأمير الحاج للحجاج وذلك في سنة أربع وخمسين ومائة وألف فغرق المترجم مع من غرق بما معه من كتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 وأسباب ومات رحمه الله تعالى إن المؤرخ اتبع غلط العوام وعبر عن الأثواب بأسباب. عبد الهادي الحمصي عبد الهادي الحمصي كان من المباركين المتغفلين وأحد المجاذيب أصحاب الكرامات المعتقدين اجتمعت به حين ذهبت للديار الرومية بدار مفتي حمص الفاضل الشيخ عبد الحميد السباعي فرأيته من المغفلين الصلحاء وأخبرني عنه المزبور باشياً وكرامات وكان بحمص معتقد أو أخبرني من أثق به من أهالي دمشق بكرامة ظهرت من المترجم معه مشاهدة بالعيان وكان يسمى حاله الشيخ أحمد وبالجملة فقد كان من الأخيار وكانت وفاته في رجب سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ سليمان أخبرني المفتي المذكور وغيره من أهالي حمص إنه حين وفاته ظهرت له كرامة عجيبة وهي إن الذين كانوا في جنازته وكانت حافلة أرادوا دفنه في مكان معين فلما وصلوا إلى المحل وأرادوا عطف جنازته وقيامها لم يكن قيام النعش وتزاحمت الأيدي على ذلك فلم يفد فلما أرادوا أخذه إلى مكان آخر وهو تربة الشيخ سليمان وكان قبر أخيه الشيخ حسن هناك سارت معهم الجنازة إلى أن وصل إلى عند قبر أخيه ووقف النعش هناك ودفن ثمة رحمه الله تعالى. عبد الهادي المصري عبد الهادي المصري نزيل حلب كان من العلماء العاملين والورعين الزهاد مهذباً فاضلاً تقياً صالحاً قدم لحلب واستوطنها وتأهل بها وصار مدرساً بالدروس الحديثية بالمدرسة الأحمدية وأقرأ بها الشفا للقاضي عياض وفي النحو وفي العقائد وفي العربية وفي غير ذلك وانتفع به واشتهر فضله وعلمه ولم تطل مدته بها ومات ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمة الله تعالى. عبد الوهاب السواري عبد الوهاب بن مصطفى بن مصطفى السيد الشريف الدمشقي الشافعي المعروف بابن سوار الشيخ الفاضل الصالح البارع بقية السلف بركة الخلف شيخ المحيا الشريف النبوي بعد والده ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء كالشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والعماد إسمعيل بن محمد الجراحي العجلوني والشيخ محمد بن خليل العجلوني وبرع وفضل ولما توفي والده صار مكانه شخاً على سجادة المحيا الشريف بالمشهد الشرقي من الجامع الأموي وفي جامع البزوري وكانت وفاته غرة جمادي الثانية سنة ست وثمانين ومائة وألف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 عبد الوهاب العكري عبد الوهاب بن عبد الحي بن أحمد بن محمد المعروف بابن العماد العكري الحنفي الصالحي الدمشقي الشيخ الفاضل المتفوق المحصل كان خطاطاً كاتباً فرضياً مورقاً مجداً بارعاً فهماً ولد بدمشق تقريباً بعد الستين وألف وبها نشأ وقرأ على علماء عصره ومهر وكان حنبلياً فتحنف هو وأخوه الشيخ محمد وكان والده من العلماء المشاهير له من التصانيف شرحه على متن المنتهى في فقه الحنابلة وله التاريخ الذي صنفه وسماه شذرات الذهب في أخبار من قد ذهب وله غير ذلك من رسائل وتحريرات وانتفع به كثير من أبناء عصره وكان أغزر الأفاضل احاطة بالآثار وأجودهم مساجلة وتوفي في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وألف وذلك في مكة ودفن بالمعلاة لكونه كان حاجاً في تلك السنة وولده المترجم تفوق ولزم الكتابة أولاً في محكمة الصالحية ثم في محكمة الميدان ثم في المحكمة الكبرى وتولى المدرسة دار الحديث الأشرفية بصالحية دمشق وكذلك المدرسة الضيائية بها أيضاً وكانت عليه بعض وظائف ودرس وأفاد ولزمه الطلبة وأخبرت أن له شرحاً على الأحاديث الأربعين النووية وبالجملة فقد كان من الأفاضل المعلومين. عبد الوهاب الغميان عبد الوهاب بن خليل بن سليمان الدمشقي الشافعي الشهير بالغميان الشيخ الصالح المعمر البركة الدين الخير الصوفي ولد بدمشق في محرم سنة ثلاث وثمانين وألف وأخذ عن أفاضلها وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ الصالح محمد الغراوي الدمشقي ولما توفي شيخه المذكور جلس مكانه على سجادة المشيخة وأخذ عن صاحب الترجمة الطريقة المزبورة الشيخ عبد اللطيف بن محمد العمري الشهير بابن عبد الهادي وتخلف بعده على السجادة وكانت وفاته في محرم سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن في مرج الدحداح. عبد الوهاب العفيفي عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد بن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس ابن مدين ابن أبي العباس بن عبد القادر بن مدين بن محمد بن عمر المرزوقي المصري الشافعي الشهير بالعفيفي الشيخ القطب الكامل الولي الصوفي المحقق العارف أخذ عن أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ وسالم بن أحمد النفراوي وأخذ الطريقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 الشاذلية عن سيدي محمد التهامي رآه العلامة عيسى البراوي في عرفات حين حج مع أنه لم يخرج من مصر وله غير ذلك من الكرامات التي لا تعدو كانت وفاته سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين وقبره يقصد للزيارات لقضاء الحاجات رحمه الله تعالى. عبد الوهاب الدمشقي عبد الوهاب بن مصطفى بن إبراهيم بن محمد الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية الشيخ الفاضل الماهر الأديب البارع كان له مهارة بالعلوم وألف رسائل كثيرة وكانت له مداعبة ومجون مع حدة اللسان وهو من تلاميذ وأتباع الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فلذلك كان مشتهراً بتلميذ الشيخ عبد الغني وكانت استقامته في اسلامبول في مدرسة الوزير علي باشا المعروف بالجورلي وكانت أبناء دمشق وغيرها تجتمع عنده على مذاكرة ومداعبة ورأيت له من النظم أبياتاً أجاب بها الفاضل الأديب السيد محمد العطار الدمشقي عن لغز نظمه وأرسله إلى العلامة الشيخ إبراهيم الحلبي والأبيات قوله أيا فاضلاً حاز البراعة بالقلب ... وصاغ فنوناً في البلاغة كالقلب وفاق بنظم الشعر سحبان وائل ... وقس أياد في القريض على القرب نظمت عقود الدر في سمط رقة ... وقلدتها جيد الخرائد من عرب ولا عجب إذ أنت في الفضل سيد ... كجدك ذي التحقيق في الشرق والغرب أتيت بلاد الروم ضيفاً وطارقاً ... من الشام من أرض مقدسة الترب تروم لنيل العز من دولة علت ... برفع منار العلم والشرع كالشهب أدام لها المولى نظام كمالها ... وأيد سلطاناً بها مصطفى ربي سألت عن اسم قد لغزت حروفه ... ثلاثاً تروم الجبر للكسر في القلب وعن مشكل لا يهتدي لمثاله ... أولوا اللب في فن الحساب وفي الطب ورابعها تربح بتصحيف ما بقي ... وصفها لباقيه تراح من الكرب وأوله حرف بأحمد عدة ... وطه رسول الله في الحمد قد نبي وثانيه باسم الله جل جلاله ... تقدس رحمانا تبارك من رب وتصحيفه زاد الوحوش بحبه ... ومطبوخه للناس في سورة اللهب وأيضاً فمال في الوصية قد أتى ... بقرآننا السامي على سائر الكتب ومعنى حديث للنبي كما به ... سرور وبشرى إذ مضارعه ينبي وأوله أخربه الشمس تنزوي ... وخنسها أيضاً تسير كما السحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 فهذا جواب عن سؤالك ناطقاً ... بملغزك المرموز من غير ما عجب أجابك شامي كمحتدك السني ... ثوى في بلاد الروم من سائر الحقب أقام بها سبعاً وعشرين حجة ... فصار كأهليها يعد من العرب ويدعى بعبد للآله الذي له ... نهاية اكرام وذي الجود والوهب لعبد الغني السامي لنسبة خدمة ... ونابلسي الأصل ينعت في القطب فما اسم ثلاثي تراه بما مضى ... وقلب له لا يستقر من الحب يهيم به كل امرء لنواله ... ويكدح في مرآه في طلب الكسب وأوله ذل الهوان وذيله ... بجد وكد في لقاه وفي كرب وتصحيفه عطر يفوح شميمه ... بمسك وطب يقتنيه ذوو الطب وعين من الأعيان يرعاه طلسم ... وجسم له عار يعار بلا ثوب وتقميصه لا زال في كسوة له ... وتلقاه في أعلى المنازل والترب أجب عنه يا خلي لتحظى بنيله ... من الواهب الداني يزيد على السحب ودونك أبياتاً تخجل ناظماً ... لتقصيرها عند الأديب ذوي اللب فأسبل عليها ستر عفواً بيدي ... فمثلي ذي التقصير والعي والعتب فأجابه العطار بديهة مغيراً للوزن لا القافية لله درك يا ذا العلم والأدب ... ومن أقر له التحرير في الكتب لأنت فهامة في كل مشكلة ... إذا حللت لها وفيت بالأدب فإن كشفت قناعاً كان مستتراً ... من تحته لغزي ما ذاك بالعجب وقد أجبت بما يشفي الفؤاد به ... من فكرة في دجى الأشكال كالشهب وجئت تسأل عن لغز عقدت به ... عقداً من الدر في سلك من الذهب لكن بأوله ذل الهوى وبه ... هاء الهوية تغري الصب بالوصب يهدي إلى طرق الفردوس صاحبه ... وطال ما جر أقواماً إلى اللهب لا زلت خير رفيقيه وقد هطلت ... منه عليك غيوث الفيض كالسحب واللغز الذي نظمه العطار شرحه الحلبي المذكور في رسالة قليلة وهي عندي وهو لغز في جبر واللغز الثاني في ذهب وكانت وفاة المترجم في اسلامبول سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة قاسم باشا رحمه الله تعالى. السيد عبد الوهاب الحلبي السيد عبد الوهاب بن محمد قرط ابن الشيخ مراد المعروف بالعداس الحلبي العالم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 الفقيه الأصولي النحوي النبيه المجتهد في الافادة انتفع به خلق كثير وكان مكباً على افادة الناس ولد بحلب في سنة سبع وتسعين وألف واشتغل بها في طلب العلم فقرأ على الشيخ قاسم النجار في الفقه وقرأ النحو على العالم الشيخ سليمان النحوي والعروض والحساب وآداب البحث والمنطق على السيد علي الباني وقرأ المعاني على أبي السعود الكواكبي وكانت وفاته في ليلة الأحد العاشر من شوال سنة ست وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عبد الوهاب الموصلي عبد الوهاب الموصلي الشافعي الامام في حضرة النبي جرجيس عليه السلام ولد في سنة تسع وعشرين ومائة وألف ونشأ بالموصل وقرأ بها وكان رحمه الله تعالى خطيباً مصفعاً وبليغاً ملسناً حسن الكلام حلو النظام ذا فصاحة ونطق وبلاغة وصدق وكان عارفاً بأمور الناس وأحوالهم فكان يلاقي كل انسان بما يقتضيه حاله ويناسبه مقامه مع طلاقة وبشاشة وخبرة تامة وكان عنده من كل فن نبذة ومن كل ظرافة فلذة وكان أولاً اماماً بالحضرة الجرجيسه وكيلاً من جهة ابن أخيه ثم عزل فصيره الوزير المكرم محمد أمين باشا امام جامعه وخطيبه وواعظه وولاه المدرسة أياماً بعد موت ملا أحمد الجميلي ثم عزله وولاها للسيد موسى العالم المشهور وله شعر لطيف منه قوله مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم بطيبة طابت نفسنا من سقامها ... وهل مثلها في سائر الكون يوجد فما تربها الأشفاء قلوبنا ... وكيف ولا نشفي وفيها محمد نبي بشير شافع لعصاتنا ... نصوح أمين شاهد ومجاهد رسول له الخلق العظيم سجية ... به جاءت الآيات وهو المؤيد رسول رقى السبع الطباق بنعله ... وخاطبه المولى العظيم المسجد رسول أتانا بالهدى بعد غينا ... ويشفع فينا يوم حشر ويسجد ومنها فيا فوز قوم يحمدون جنابه ... ينادونه يا غوثنا أنت أحمد عليك صلاة الله ما هبت الصبا ... وما صاح قمري الحمام المغرد وقال مخمساً ظبية الحي مهجتي في يديها ... وفؤادي لا زال يصبو اليها ثم لما أن صار قلبي لديها ... حاولت زورني فنم عليها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 قرطها في الدجى ومسك الغلاله يالها زورة لقد طهرتني ... بل وبعد الجفا لقد أظهرتني وبعهدي القديم قد خبرتني ... ثم لما أن سلمت ذكرتني مدح من سلمت عليه الغزاله وحج صاحب الترجمة في سنة خمس وستين ومائة وألف وكانت له لطائف عديدة وظرائف مديده وكان يدعى إنه أجيز له رواية الحديث وربما روي الحديث بسنده متصلاً ومعنعناً ومسلسلاً وكان حسن الوعظ جيد المباحثة وله أشعار أنيقه ومنظومات رشيقة وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عثمان النحاس عثمان بن أبي بكر الشهير بالنحاس الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الفقيه النحوي الفرضي المفيد كان أحد العثامنة العثامنة جمع عثمان الأربع الذي كانوا في وقت واحد في بلدة واحدة وكل منهم عالم فاضل وهم الشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان الشمعة والشيخ عثمان بن حموده والشيخ عثمان النحاس وقد جمع تاريخي هذا هؤلاء الأربع وستأتي تراجم الباقين إن شاء الله تعالى وكان المترجم عليه وظائف منها امامة جامع الأغا وخطابة النطاعين وبعض عثامنة عثامنه اقجه ومؤيدي باره وريال تسعون مؤبدي يعني طقسان باره وكل هذه في الاصطلاحات القديمه وأجزاء وكان لا يخلو من ثروة ودرس وأفاد وانتفع به جماعة وأخذ وقرأ على جماعة كثيرين فأخذ الفقه والحديث وأجيز بسائر الفنون عن أبي المواهب الحنبلي وقرأ الفقه والحديث وحضره وأخذ عنه محمد بن علي الكاملي وأخذ عن إبراهيم الكوراني وأجازه ومحمد بن محمد بن سليمان المغربي ومحمد بن داؤد العناني وخليل بن إبراهيم اللقاني القاهري وصافحه أحمد ابن محمد المرحومي المصري وعطية الأزهري ومحمد الشرنبلالي ومحمد بن حسن العجلاني النقيب وإسمعيل بن علي الحايك المفتي الحائك بالهمز وحايك بالياء بمعنى لأن المادة واوية ويائية وغيرهم من أهل دمشق وغيرها وأجازوه اجازات عامة وكانت وفاته في يوم الأربعا خامس عشر جمادي الثانية سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى. عثمان بن صادق عثمان بن أحمد باشا بن صادق الحنفي القسطنطيني وتقدم ذكر والده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 أحد الأفاضل المشهورين من المدرسين والموالي في الدولة كان عارفاً أديباً فاضلاً ماهراً بالعلوم والفنون دخل الحرم السلطاني وصار من غلمانه على عادتهم وخدم به وقرأ وحصل وانتفع بالشيخ محمد بن حسن بن همات همت أو لملى الدمشقي معلم الغلمان في الحرم السلطاني والفاضل عثمان نيشنجي زاده نشانجي وجعله السلطان مصطفى خان معلماً لولده السلطان محمد وانتقل للأودة الخاص وتملك كتباً نفيسة ثم خرج بالتدريس في سنة ست وثمانين وتنقل بالمدارس والفنون حتى وصل للثمان وخرج منها بقضاء بلدة أزمير وارتحل اليها ولم تطل مدته هناك ومات وكانت وفاته في محرم سنة ست وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عثمان بن حسين الألاشهري الأشهرلي عثمان بن حسين الألاشهري الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد العلماء أرباب الشهرة والمدرسين بها كان علامة فاضلاً عالماً محققاً مشهوراً بالنبل والفضل أخذ وقرأ على أجلاء عصره وأجلهم الفاضل محمد الدارندوي دارنده لي انتفع به وله من التآليف رسالة في المنطق ورسالة في آداب البحث ورسالة في النحو واخرى في الصرف ورسالة في دخان التبغ المعروف بالتتن واشتهر بدار الخلافة وكبر صيته وأخذ عنه الأفاضل وأقرأ ولازم الافادة ولازم على عادتهم وسلك طريق المدرسين ثم تقاعد باختياره بمدرسة السلطان أحمد خان وكانت وفاته بقسطنطينية في رجب سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى والألاشهري بألف مفتوحة ولام ألف وشين مفتوحة وهاء وراء وياء نسبة إلى قصبة تابع آيدين تسمى الأشهر إلا أنه قراء الضاد بالظاء وأنكر الصوفية قد قامت القيامة على من قرأ الضاد بالظاء وأخمدت نار النزاع وتجددت هذه الدعوى مراراً وأنكرت ونسيت وتنوسيت كما تنبئك كتب التواريخ ولها رسالة جديدة في مصر في هذا القرن فاطلع عليها تحريراً في سنة 1291 في رمضان. السيد عثمان الفلاقنسي السيد عثمان بن سعدي بن عثمان بن علي خان المعروف بالفلاقنسي لكون والدة والده أخت المولى فتح الله الدفتري الفلاقنسي الآتي ذكره في محله الدمشقي كان من رؤساء الكتاب أديباً بارعاً كاتباً نبيهاً فطناً تولى كتابات بدمشق منها كتابة العربي بديوان دمشق الشام وكذلك في وقف الحرمين وكذلك وقف المدرسة الشامية وصار محاسبه جي الحزينة الميرية السلطانية بدمشق ونشأ متفيأ ظلال نعم قريبه الدفتري المذكور محتسياً لكؤس من المنى من حان دولته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وكان له معرفة بالأدب واطلاع وحسن مطالعة مع المعرفة بأنواع الخطوط ولازم العارف الشيخ حسن البغدادي نزيل دمشق ولما حصل على دمشق ما حصل من مجى العساكر المصرية وواقعة ذلك شاعت وذاعت ولا يمكن احصاء ما جرى من الأمور وغيرها الصادرة في تلك الوقت أرسل خلف المترجم أمير العساكر الأمير الكبير محمد بيك المعروف بأبي الذهب وطلب منه دفاتر إيراد دمشق والعائد إلى حكامها العرفية فأحضرهم إليه وسلك عنده ونسب لأمور في ذلك وهو فيما أعلم برئ عنها فبعد ارتحال العساكر من الديار الشامية وعودهم للديار المصرية تحسب كان المؤرخ قصد معنى التوهم من أشياء ودخل عليه الرعب ولم تطل مدته ومات ورأيت له من الشعر هذه القصيدة امتدح بها قريبه الدفتري المذكور وهي قوله هذا الحمى ما بال دمعك قد جرى ... وازداد وجدك واللهيب تسعرا أذكرت أياماً مضين بسفحه ... هيجن شوقك أم ظباه النفرا فسكبت دمعاً من محاجر مقلة ... مقروحة الأجفان حاربها الكرى وهتكت ستراً للحبيب وكنت لا ... تبدي الصبابة خيفة أن تظهرا وأمرت قلبك كتمه فأذاعه ... منك النحول كفى بذلك مخبرا فالدمع فضاح لكل متيم ... تركته غزلان العقيق كما ترى من كل فتان اللحاظ تخاله ... غصناً يحركه النسيم إذا سرى يسبي المهاة بجيده وبطرفه ... فإذا رنا يصطاد آساد الشرى يا هاجري هل أنت باق مثل ما ... عهدي وثيق أم تصرمت العرى إن كان هجرك لي بوشي مزور ... أنى سلوت فإن ذلك مفترى لا تخجن لكل واش لم يمل ... عذل المتيم والحديث المنكرا لم يكفني هجر الحبيب وصده ... حتى نأى وحدي به حادي السرى كل الخطوب أطيق إلا بينه ... قلبي على أثقاله لن يقدرا يا عاذلي دع ذكر أيام مضت ... وأجهد بمدحك ذا الجناب الأخطرا الفتح من شاد المفاخر والعلا ... بفضائل شهدت بها كل الورى مولى إذا ضن الغمام بقطره ... جادت سحائب راحتيه أبحرا قد حاز كل المكرمات فلم يدع ... للغابرين محامداً أن تذكرا وحوى الندى بمآثر لو كلفوا ... سحبان يحصيها لرد مقصرا فرويت بيتاً قاله قبلي من ال ... ماضين ندب فيه حقاً لأمرا لا تطلبن حديث شهم غيره ... يروى فكل الصيد في جوف الفرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 قل للذي قدر أم يبلغ شاؤه ... هيهات كم بين الثريا والثرى من يأته سلماً حباه أمانيا ... ومعانداً ولي فراراً مدبرا مولاي قدرك قد علا عن درك مد ... اح فعذراً إن أتيت مقصرا وعلمت إني عاجز عن درك ما ... قد حزته ويحق لي أن أعذرا وقد اقتحمت وصفت فيك قوافياً ... جاءت فتوح لديك مسكاً إذ فرا فأسلم ودم ما فاه تال منشداً ... هذا الحمى ما بال دمعك قد جرى وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه آمين. عثمان ثروت عثمان ابن صالح الملقب بثروت على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنطيني أحد الكتاب البارعين بالفنون والآداب نشأ بدار السلطنة المذكور وأخذ الخط عن الكاتب أحمد خواجه زاده المشهور وأتقن الأدب والانشاء حتى صار كاتباً لمعتمد الملوك بشير ضابط الحرم السلطاني في دولة السلطان محمود بن مصطفى خان وبعد قتله وتفرق أتباعه صار من أعيان كتاب الديوان السلطاني المعروفين بالخواجكان وله نظم بالتركية كثير وكان أولاً يلقب بحنيف وجمع ديواناً من شعره باللقب المذكور وقد طالعته ورأيته في دار الكتب التي جمعها ووقفها سلطان زماننا السلطان عبد الحميد بن أحمد خان ولما عدل عن اللقب المذكور وتلقب بثروت جمع ديواناً آخراً من شعر جديد نظمه ولما تم وافق تاريخه ديوان ثروت وذلك سنة سبع وسبعين ومائة وقد طالعته لما تملكته وهو الآن من كتبي وفيه كل معنى لطيف تشربه الأسماع بفم الاشهتاء وكانت وفاته في صفر سنة ثمانين ومائة وألف. عثمان العقيلي عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم وينتهي إلى الولي الكبير والقطب الشهير الشيخ عقيل المنبجي فلذلك كان معروفاً بالعقيلي العمري الشافعي الحلبي الشيخ الامام العالم الفاضل كان صالحاً عالماً عاملاً زاهداً وله سلوك حسن الأخلاق والسير ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وحفظ القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم حفظه الشاطبية والدره واشتغل بالطيبة في القراآت العشرة وجمع القرآن من طريق السبعة والعشرة وكان شيخه العالم العابد الشيخ محمد الحموي الأصل البصري وكذلك العلامة الشيخ محمد العقاد وفي غيرها وأخذ من العلوم ما بين تفسير وحديث وأصول وفقه ومعان وبيان ونحو وصرف وغير ذلك عن شيخه الأستاذ العلامة الشيخ طه الجبريني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 ومن مشايخه الفاضل الكبير الشيخ محمد بن الطيب محشي القاموس المغربي نزيل الحرمين ومنهم العالم المحدث الشيخ عبد الكريم الشراباتي الفقيه المتقن الشيخ عبد القادر الديري ومنهم الامام العالم المحدث الشيخ محمد الزمار حضر عليه في كثير من العلوم وكذلك النحرير الشيخ السيد علي العطار قرأ عليه في الفقه والنحو والفرائض وغير ذلك وارتحل إلى الحج في سنة ست وسبعين ومائة وألف واجتمع بغالب من كان حينئذ بالحرمين وأخذ عنهم فمنهم العارف الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان المدني أخذ عنه الحديث وأجازه وأخذ عنه الطريقة القادرية ومنهم العلامة الشيخ محمد بن سليمان الشافعي المدني والشيخ محمد بن عبد الله المغربي والعلامة الشيخ أبو الحسن السندي شارح شرح النخبة في مصطلح الحديث للعلامة ابن حجر ومنهم الفاضل الشيخ يحيى الحباب المكي والشيخ عطاء الله الأزهري نزيل مكة وأخذ بدمشق عن العلامة المحقق الشيخ علي الدغستاني وله مشايخ نحو الخمسين وكان بحلب مقيماً على الاشتغال بالعلم يقرئ كتب الحديث والفقه والآلات في أموي حلب وغير ذلك ولزمه جماعة وكان ملازماً ومواظباً على الاعتكاف في كل سنة أربعين يوماً وهي المسماة عند أهل الطريق بالخلوة فإنه يعتكف مع جماعة من إخوانه هذه المدة ويشتغلون فيها بالصيام والقيام والذكر وبالجملة فهو أحد من ازدانت بهم الشهباء من الأفاضل في زماننا وكانت وفاته يوم الأحد ثاني عشر محرم سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عثمان الدوركي عثمان الوزير بن عبد الرحمن باشا ابن عثمان الدوركي الأصل الحلبي المولد والمنشأ انتقلت بوالده الأحوال إلى أن صار في الباب العالي رئيس الجاويشية جاوشباشي يه صكره دعاوي ناظري ديرلر ايدي سمدي اجراجمعتي رئيسيدر وهي رتبة قعساء يقال رجل أقعس أي منيع فقوله رتبة قعسا أي عاليه لا ينالها إلا من هو مجرب في معرفة قوانين الدولة ومنها أنعمت عليه الدولة بمنصب حلب برتبة روملي ورحل من اسلامبول إلى مقر حكومته حلب ففي الطريق ناداه داعي المنون فأجاب فامتحن صاحب الترجمة ثم ترقت أحواله إلى أن صار محصل الأموال الميرية بحلب وكانت له دربة في الأمور فجمع الأموال وبنى وشيد ورأس وساعده الوقت وبنى داره الكائنة بمحلة داخل باب النصر على شفير الخندق وهي أحد الدور العظام في الارتفاع والأحكام وبشرقيها كان سور باب الأربعين قديماً وهذا كان أبواب مدينة حلب ومحله عند مسجد الأربعين المعروف الآن بزاوية القرقلار قرقلر زاويه سي يسنكها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 مشايخ الطريقة النور بخشية قدس الله أسرارهم وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان سبب تسمية باب الأربعين قديماً وعدد أبواب حلب وما كانت عليه قديماً وذكر مشايخ هذه الطريقة العلية وشرقي دار المترجم أيضاً العين المعروفة بالعونية يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس يغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب مولانا خواصات ديمش جمع الجمع يابه يور ثم إن المترجم شرع في عمارة جامعه المعمور لصيق داره أوائل سنة احدى وأربعين ومائة وألف فاشترى الدور التي كانت في محل الجامع من أهلها بالأثمان المضاعفة عثمان باشا هذا خالف سنة الظلمة وأغضب روحي بشتاك وجمال الدين انظر صحيفة 70 من الجزء الثاني من كتاب المواعظ وكان يقترض الملل من التجار أهل الخير والصلاح المعروفين بحل المال ويصرفه في عمارة الجامع ويوفيهم من ثمن حنطة كانت عنده إلى أن فرغ بناء الجامع وتم على أكمل الوجوه ولما انتهى حفر أساس الجامع وحررت القبلة بتحرير العلامة الشيخ جابر الحوراني الأصل والعلامة الشيخ علي الميقاتي بأموي حلب نزل صاحب الترجمة بنفسه إلى الأساس واستدعى بطين فوضعه ووضع عليه حجراً ووضع بينهما صرة صغيرة لا يدري ما هي وصعد وشرعوا في البنا بالأحجار الهر قليلة الهائلة وأبطل العمل شتاء إلى أن كمل سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ووضع فيه منبراً من الرخام الأصفر الفائق سرق منبر مصنع من جامع شهنشاه بمصر بعد سنة 1280 وخبر أهل الخبرة بأن المنبر المذكور كان مثل منبر الجامع الذي يقال له اليوم جامع الشيخ أبي حريبه وقوموه بألف وخمسمائة ليرا وكل لير بأربعة آلاف مؤيدي بعيار دار الضرب بمصر ثم هدمت مئذنة الجامع خوفاً من سقوطها على رؤس المارين والجامع المذكور لصيق بدار سليمان أغا الوكيل بباب الخرق وفي صحنه حوضاً من الرخام الأصفر طوله أربعة عشر ذراعاً في مثلها وفي شماله مصطبة مرخمة بالرخام الأصفر بقدر الحوض وبنى فيه احدى وأربعين حجرة منها ثلاثون للمجاورين والباقي لأرباب الشعائر وعين له خطيباً شكري محمد أفندي البكغلوني وهو أول خطيب خطب به لأنه كان مرغوباً عند الأتراك التمطيط التمطيط أكبرده بر ألف زيادة أيدوب أكبار ديمك أيسه بوني جاهل مؤذناً ريبار استانبولده اربه جبلر جامعي خطيبي تمطيط مؤرخ أيتميور بوراده تمطيطدن مرامي مدايمتك كه حرو في جكمك اولملي طاش قصايده ملا كوراني مؤذني تمطيط ايتميور ايديسه ده بوسنه حجه كندي في الخطبة على عادة خطباء اسلامبول وعين له مدرساً تاتار أفندي العينتابي فاستقام أربعة أشهر ثم استعفى فنصب مكانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 العلامة محمود أفندي الأنطاكي وعين السيد محمد أفندي الكبيسي محدثاً وعين عبد الكريم أفندي الشرباتي واعظاً عقب صلاة الجمعة استطراد ذكر الآذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف اعلم إن أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بالمدينة الشريفة وفي الأسفار وكان ابن أم مكتوم واسمه عمرو بن قيس بن شريح من بني عامر بن لؤي وقيل اسمه عبد الله وأمه أم واسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة من بني مخزوم ربما أذن بالمدينة وأذن أبو محذورة واسمه أوس وقيل سمرة بن معير بن لوذان بن ربيعة بن معير بن عريج بن سعيد بن جمح وكان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يؤذن مع بلال فأذن له وكان يؤذن في المسجد الحرام وأقام بمكة ومات بها ولم يأت المدينة قال ابن الكلبي كان أبو محذورة لا يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا في الفجر ولم يهاجر وأقام بمكة وقال ابن جريج علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة الآذان بالجعرانة حين قسم غنائم حنين ثم جعله مؤذناً في المسجد الحرام وقال الشعبي أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم وقد جاء إن عثمان ابن عفان رضي الله عنه كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر وقال محمد بن سعد عن الشعبي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين بلال وأبو محذورة وعمرو بن أم مكتوم فإذا غلب بلال أذن أبو محذورة وإذا غاب أبو محذورة أذن ابن أم مكتوم قلت لعل هذا كان بمكة وذكر ابن سعد إن بلالاً أذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وإن عمر رضي الله عنه أراده أن يؤذن له فأبى عليه فقال له إلى من ترى أن أجعل النداء فقال إلى سعد القرظ فإنه قد أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه عمر رضي الله عنه فجعل النداء إليه وإلى عقبه من بعده وقد ذكر إن سعد القرظ كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقبا قبا بضم الأول وذكر أبو داود في مراسيله والدارقطني في سننه قال بكير بن عبد الله الأشج كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون بآذان بلال رضي الله عنه وقد كان عند فتح مصر الآذان انما هو بالمسجد الجامع المعروف بجامع عمرو وبه صلاة الناس بأسرهم وكان من هدى الصحابة والتابعين رضي الله عنهم المحافظة على الجماعة وتشديد النكير على من تخلف عن صلاة الجماعة قال أبو عمرو الكندي في ذكر من عرف على المؤذنين بجامع عمرو بن العاص بفسطاط مصر وكان أول من عرف على المؤذنين أبو مسلم سالم بن عامر بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 عبد المرادي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أذن لعمر بن الخطاب سار إلى مصر مع عمرو بن عاص يؤذن له حتى افتتحت مصر فأقام على الآذان وضم إليه عمرو بن العاص تسعة رجال يؤذنون وهم عاشرهم وكان الآذان في ولده حتى انقرضوا قال أبو الخير حدثني أبو مسلم وكان مؤذناً لعمرو بن العاص أن الآذان كان أوله لا إله إلا الله وآخره لا إله إلا الله وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات ويقول هكذا كان الآذان ثم عرف عليهم أخوه شرحبيل بن عامر وكانت له صحبة وفي عرافته زاده مسلمة بن مخلد في المسجد الجامع وجعل له المنار ولم يكن قبل ذلك وكان شرحبيل أول من رقى منارة مصر للآذان وإن مسلمة بن مخلد اعتكف في منارة الجامع فسمع أصوات نواقيس عالية بالفسطاط فدعا شرحبيل بن عامر فأخبره بما ساءه من ذلك فقال شرحبيل فإني أمدد بالآذان من نصف الليل إلى قرب الفجر فانههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الآذان ومدد شرحبيل ومطط أكثر الليل إلى أن مات شرحبيل سنة خمس وستين. وذكر عن عثمان رضي الله عنه أنه أول من رزق المؤذنين رزق من الباب الأول فلما كثرت مساجد الخطبة أمر مسلمة بن مخلد الأنصاري في امارته على مصر ببناء المنار في جميع المساجد خلا مساجد تجيب وخولان فكانوا يؤذنون في الجامع أولاً فإذا فرغوا أذن كل مؤذن في الفسطاط في وقت واحد فكان لآذانهم دوي شديد وكان الآذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر الله أكبر وباقيه كما هو اليوم فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمره بالفسطاط وفي جامع العسكر وفي جامع أحمد بن طولون وبقية المساجد إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبنى القاهرة فلما كان في يوم الجمعة الثامن من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون وخطب به عبد السميع ابن عمر العباسي بقلنسوة وسبني وطيلسان دبسي وأذن المؤذنون حي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر وصلى به عبد السميع الجمعة فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وقنت في ركعة الثانية وانحط إلى السجود ونسي الركوع فصاح به علي بن الوليد قاضي عسكر جوهر بطلت الصلاة أعد ظهراً أربع ركعات ثم أذن بحي على خير العمل في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبد الله وأنكر جوهر على عبد السميع إنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة ولا قرأها في الخطبة فأنكره جوهر ومنعه من ذلك ولأربع بقين من جمادي الأولى المذكور أذن في الجامع العتيق لحي على خير العمل وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين إلا أن الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 أمر بجمع مؤذني القصر وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي وقرأ أبو علي العباسي سجلاً فيه الأمر بترك حي على خير العمل في الآذان وأن يقال في صلاة الصبح الصلاة خير من النوم وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فامتثل ذلك ثم عاد المؤذنون إلى قول حي على خير العمل في ربيع الآخر سنة احدى وأربعمائة ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذنو جامع القاهرة ومؤذنو القصر من قولهم بعد الآذان السلام على أمير المؤمنين وأمرهم أن يقولوا بعد الآذان الصلاة رحمك الله ولهذا الفعل أصل قال الواقدي كان بلال رضي الله عنه يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول السلام عليك يا رسول الله وربما قال السلام عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله قال البلادري وقال غيره كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان سعد القرظ يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله فلما استخلف عمر رضي الله عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة خليفة رسول الله فلما قال عمر رضي الله عنه للناس أنتم المؤمنون وأنا أميركم فدعى أمير المؤمنين استطالة لقول القائل يا خليفة خليفة رسول الله ولمن بعده خليفة خليفة خليفة رسول الله كان المؤذن يقول السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا أمير المؤمنين ثم إن عمر رضي الله عنه أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله ويقال إن عثمان رضي الله عنه زادها وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلي بالناس هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة خلافة بني العباس أيام كانت الخلفاء وأمراء الأعمال تصلي بالناس فلما استولى العجم وترك خلفاء بني العباس الصلاة بالناس ترك ذلك كما ترك غيره من سنن الإسلام. ولم يكن أحد من الخلفاء الفاطميين يصلي بالناس الصلوات الخمس في كل يوم فسلم المؤذنون في أيامهم على الخليفة بعد الآذان للفجر فوق المنارات فلما انقضت أيامهم وغير السلطان صلاح الدين رسومهم لم يتجاسر المؤذنون على السلام عليه احتراماً للخليفة العباسي ببغداد فجعلوا عوض السلام على الخليفة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمر ذلك قبل الآذان للفجر في كل ليلة بمصر والشام والحجاز وزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين عبد الله البرلسي الصلاة والسلام عليك يا رسول الله وكان ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر ذلك ولما تغلب أبو علي بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وسجن الحافظ وقيده واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر وحملها إلى دار الوزارة وكان امامياً متشدداً في ذلك خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية وأظهر الدعاء للامام المنتظر وأزال من الآذان حي على خير العمل وقولهم محمد وعلى خير البشر وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الآذان ما كان أسقط منه وأول من قال في الآذان بالليل محمد وعلى خير البشر الحسين المعروف بأمير كان شكنبه ويقال أشكنبه وهو اسم أعجمي معناه الكرش شكنبه بكسر الشين وفتح الكاف والباء الكرش وأشكنبه بالتركي محرف منه وهو علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان أول تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلثمائة قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ولم يزل الآذان بحلب يزاد فيه حي على خير العمل ومحمد وعلى خير البشر إلى أيام نور الدين محمود فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها فجاء ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس فلما سمع الآذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الآذان وقال لهم مروهم يؤذنوا الآذان المشروع ومن امتنع كبوه على رأسه فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به واستمر الأمر على ذلك وأما مصر فلم يزل الآذان بها على مذهب القوم إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة وكان ينتحل مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله فأبطل من الآذان قول حي على خير العمل وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة وفيه تربيع وترجيع الشهادتين فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم وما عدا ذلك فعلى ما قلنا إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر إلى أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 كان في شعبان سنة احدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر الأمير منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاجي بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة وقد استحسن ذلك طائفة من اخوانه فقال لهم أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان قالوا نعم فبات تلك الليلة وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وإنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان فمضى إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخاً جهولاً وبلهاناً مهولاً سئ السيرة في الحسبة والقضاء متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة قد ضرى على الآثام وتجسد من أكل الحرام يرى إن العلم أرخاء العذبة ولبس الجبة ويحسب إن رضى الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة أشخص أشخص أزعج غير مرة إلى مجلس المظالم وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح حقق فيها شكاته عليه القوادح. ذبة ولبس الجبة ويحسب إن رضى الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة أشخص أشخص أزعج غير مرة إلى مجلس المظالم وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح حقق فيها شكاته عليه القوادح. وما زال في السيرة مذموماً ومن العامة والخاصة ملوماً وقال له رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول الله كما يفعل في ليالي الجمع فأعجب الجاهل هذا القول وجهل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى إن ذلك من جملة الآذان الذي لا يحل تركه وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الالحاد في الآذان ببعض القرى السلام بعد الآذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون وأما التسبيح في الليل على المآذن فإنه لم يكن من فعل سلف الأمة وأول ما عرف من ذلك إن موسى بن عمران صلوات الله عليه لما كان ببني إسرائيل في التيه بعد غرق فرعون وقومه اتخذ بوقين من فضة مع رجلين من بني إسرائيل ينفخان فيهما وقت الرحيل ووقت النزول وفي أيام الأعياد وعند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ثلث الليل الأخير من كل ليلة فتقوم عند ذلك طائفة من بني لاوي سبط موسى عليه السلام ويقولون نشيداً منزلاً بالوحي فيه تخويف وتحذير وتعظيم لله تعالى وتنزيه له تعالى إلى وقت طلوع الفجر واستمر الحال على هذا كل ليلة مدة حياة موسى عليه السلام وبعده أيام يوشع بن نون ومن قام في بني إسرائيل من القضاة إلى أن قام بأمرهم داود عليه السلام وشرع في عمارة بيت المقدس فرتب في كل ليلة عدة من بني لاوي يقومون عند ثلث الليل الآخر فمنهم من يضرب بالآلات كالعود والسنطير والبربط والدف والمزمار ونحو ذلك ومنهم من يرفع عقيرته بالنشائد المنزلة بالوحي على نبي الله موسى عليه السلام والنشائد المنزلة بالوحي على داود عليه السلام ويقال إن عدد بني لاوي هذا كان ثمانية وثلاثين ألف رجل قد ذكر تفصيلهم في كتاب الزبور فإذا قام هؤلاء ببيت المقدس قام في كل محلة من محال بيت المقدس رجال يرفعون أصواتهم بذكر الله سبحانه من غير آلات فإن الآلات كانت مما يختص ببيت المقدس فقط وقد نهوا عن ضربها في غير البيت فيتسامع من قرية بيت المقدس فيقوم في كل قرية رجال يرفعون أصواتهم بذكر الله تعالى حتى يعم الصوت بالذكر جميع قرى بني إسرائيل ومدنهم وما زال الأمر على ذلك في كل ليلة إلى أن خرب بخت نصر بيت المقدس وجلا بني إسرائيل إلى بابل فبطل هذا العمل وغيره من بلاد بني إسرائيل مدة جلائهم في بابل سبعين سنة فلما عاد بنو إسرائيل من بابل وعمروا البيت العمارة الثانية أقاموا شرائعهم وعاد قيام بني لاوي بالبيت في الليل وقيام أهل محال القدس وأهل القرى والمدن على ما كان العمل عليه أيام عمارة البيت الأولى واستمر ذلك إلى أن خرب القدس بعد قتل نبي الله يحيى بن زكريا وقيام اليهود على روح الله ورسوله عيسى ابن مريم صلوات الله عليهم على يد طيطش فبطلت شرائع بني إسرائيل من حينئذ وبطل هذا القيام فيما بطل من بلاد بني إسرائيل وأما في الملة الاسلامية فكان ابتداء هذا لعمل بمصر وسببه إن مسلمة بن مخلد أمير مصر بنى مناراً لجامع عمرو بن العاص واعتكف فيه فسمع أصوات النواقيس عالية فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين فقال إني أمدد الآذان من نصف الليل إلى قرب الفجر فإنههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الآذان ومدد شرحبيل ومطط أكثر الليل ثم إن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون كان قد جعل في حجرة تقرب منه رجال تعرف بالمكبرين عدتهم اثنا عشر رجلاً يبيت في هذه الحجرة كل ليلة أربعة يجعلون الليل بينهم عقباً فكانوا يكبرون ويسبحون ويحمدون الله سبحانه في كل وقت ويقرأون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 القرآن بألحان ويتوسلون ويقولون قصائد زهدية ويؤذنون في أوقات الآذان وجعل لهم أرزاقاً واسعة تجري عليهم فلما مات أحمد بن طولون وقام من بعده ابنه أبو الجيش خمارويه أقرهم بحالهم وأجراهم على رسمهم مع أبيه ومن حينئذ اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المآذن وصار يعرف ذلك بالتسبيح فلما ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولي القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاد حتى يكفر من خالفه وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل يذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا ومما أحدث أيضاً التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع من الذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة. لي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولي القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاد حتى يكفر من خالفه وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل يذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا ومما أحدث أيضاً التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع من الذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة. قال ابن كثير رحمه الله في يوم الجمعة سادس ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مآذن دمشق كما يذكر في مآذن الجامع الأموي ففعل ذلك من المقريزي انتهى وعين السيد عبد الغني الصباغ امام الجهرية والعلامة الشيخ جابر امام السرية وعين له أربعة مؤذنين وعين شعالين وفراشين وقارئ يقرأ النعت وكناسين ولكل باب من أبوابه الثلاثة بواباً وأسكن الثلاثين حجرة ثلاثين رجلاً من أهل البلدة أو من غيرها وشرط عليهم البيتوتة في الجامع وملازمة الصلوات الخمس وقراءة جزء من القرآن العظيم بعد صلاة الصبح وفي أثناء الجامع صار متسلماً بحلب وجاءته رتبة روملي ثم أنعمت عليه الدولة برتبة الوزارة ومنصب طرابلس ثم عزل عنها وولي سيواس ثم دمشق وحج منها أميراً للحاج ثم ولي حلب فدخلها سنة خمسين ومائة وألف وشرع في عمارة المطبخ المسمى بالعمارة على باب جامعه الشرقي ثم ولي آدنة وفي هذا لان تكب أطنه ثم بروسه وعين لمحافظة بغداد ثم ولي ايالة صيداً ثم ولي جدة ومشيخة الحرم المكي فأقام بمكة المشرفة إلى أن توفي في ذي القعدة سنة ستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى. عثمان الحلبي عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرزاق بن شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عقيل بن تقي الدين أبي بكر عبد الرحمن بن برهان الدين بن إبراهيم ابن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص أحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 بن زين الدين سويدان بن شهاب الدين أحمد بن القطب الشيخ عقيل المنبجي منبج على وزن مجلس وفي النسبة منجاني وانبجاني قدس سره ابن الشيخ شهاب الدين أحمد البطائحي بن الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ عبد الله البطائحي بن الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ سالم بن الشيخ زين الدين عمر ابن سيدنا ومولانا الامام الزاهد عبد الله رضي الله عنه ابن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه العالم العامل المسلك المرشد الشافعي الحلبي ولد في منتصف شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وحفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأخذ الطريقة العقيلية عن آبائه مسلسلة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ العلوم عن عدة من الشيوخ كالشيخ طه الجبريني والشيخ عبد الكريم الشراباتي والشيخ عبد القادر الديري وأجاز له الشيخ محمد ابن الطيب المغربي المدني وحج سنة ست وسبعين فأخذ بالمدينة عن الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان والشيخ محمد بن عبد الله المغربي المدني والشيخ محمد بن سليمان المدني وأخذ بدمشق عن العلامة علي بن صادق لطاغستاني. عثمان العرياني عثمان بن عبد الله الشهير بالعرياني الحنفي الكليسي الأصل الحلبي المولد نزيل قسطنطينية العالم الفاضل البارع له من التآليف شرح الهمزية وشرح النونية في العقائد لخضر بيك وشرح الحزب الأعظم لعلي القاري علي القاري في الخلاصة وغير ذلك وقد أطلعت على هذه المؤلفات له وأنا في الروم قطن الديار الرومية مدة وأعقب بها ثم ارتحل للحرمين وجاور بالمدينة المنورة وتوفي بها وكانت وفاته في سنة ثمان وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عثمان المجذوب عثمان بن عبد الله المجذوب نزيل قسطنطينية كان في الأصل من أرقاء المولى محمد سعيد قاضي العساكر في الدولة العثمانية ورئيس الأطباء في المعهد المحمودي ثم حصل له جذب الهي وكان قرأ القرآن وشيئاً من العلوم وتعلم الخط فترك الجميع واستغرق وظهرت له أحوال خوارق وحصل على الولاية واعتقده العام والخاص حتى سلطان وقتنا السلطان عبد الحميد خان اعتقده وظهرت له كرامات حتى انني في رحلتي الأولى للدولة شاهدت منه كرامة ظاهرة وكان مستقيماً في اقميم حمام السلطان أبي يزيد خان وكانت وفاته في يوم الثلاثاء ثالث جمادي الثانية سنة سبع وتسعين ومائة وألف وجاء تاريخه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 موت مجذوب ودفن لصيق باب الأوض اسكي اوطه لر العتيقة المعدة للينكجرية بالقرب من جامع الشاه زاده بأمر من السلطان المذكور وحجر قبره من التحجير ووضع عليه هيئة كسوته المولوية التي كان يلبسها رحمه الله تعالى. عثمان باشا الوزير عثمان باشا بن عبد الله الوزير الكبير الصدر الشهم الدستور المعظم صاحب الخيرات والمآثر الجميلة كان من موالي الوزير الكبير أسعد باشا بن العظم فجعله متسلماً عنه في حماه ثم بعد ذلك لما عزل الوزير المرقوم عن دمشق وولي سيواس واستشهد بها بأمر الدولة قبض على صاحب الترجمة وأخذ إلى الروم يؤدي حسابات للدولة بخصوص تركة المرحوم أسعد باشا فلما وصل إلى قسطنطينية أدركته العناية فتخلص من ذلك وأعطته الدولة كفالة دمشق بثلاثة أطواغ وجهت له بدمشق وآياتها فرجع ودخل الشام في ثالث جمادي الأولى سنة أربع وسعين ومائة وألف وكانت أيامه أيام فرح وسرور وأمان ودعة وفي سابع عشري جمادي المذكور من السنة المرقومة بولادة السلطان الأعظم سليم خان بن السلطان مصطفى خان أيد الله كلمتهم وأيد دولتهم هو السلطان سليم الثالث الشهيد رحمه الله تعالى قام المترجم بعمل زينة في دمشق فصارت زينة عظيمة في سبعة أيام وبذل صاحب الترجمة في ذلك أموالاً عظيمة وكان له يد طولى في تعمير طريق الحاج الشامي فعمر عدة قلاع وشيئاً كثيراً في الطريق وعمل ذلك بالأحجار والصخور وفي سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف بنى قناة داخل صخن الجامع الشريف الأموي وأجرى لها الماء من نهر القنوات وصرف على ذلك أموالاً كثيرة وصار بها فرج للناس عند انقطاع نهر بانياس وكان متولي الجامع إذ ذاك والدي فأرخ ذلك بقوله لقد جاء الوزير بخير بر ... لجامع شامنا من غير سو فيجزيه الآله بكل خير ... على فعل المبرة بالنمو وما مفتي دمشق أتى ببيت ... بتاريخين يعلن بالسمو لعثمان الوزير سبيل وسع ... لمسجد سعده لأجل الوضو ثم في سنة خمس وثمانين بعد قدومه من الحاج جاء لدمشق محمد بيك الملقب بأبي الذهب وحاصرها وأخذها كما قدمنا ذكر ذلك ثم في تلك السنة عزل صاحب الترجمة عن دمشق وتوفي سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عثمان البقراصي عثمان بن عمر البقراصي الحنفي الحمصي كان فاضلاً فصيحاً تولى افتاء حماه واستقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 مدة بها وكان صالحاً وقد انتفع به جماعة وتوفي بحماة في نيف وسبعين ومائة وألف ودفن خارجها بباب المدرج رحمه الله تعالى. عثمان بن بكتاش الموصلي عثمان بن عمر المعروف ببكتاش زاده الموصلي الشاعر الأديب الناظم الناثر ترجمه بعض فضلاء الموصل وقال في حقه هذا الأديب والشاعر المصيب والفصيح بقوله وحلاوته والمبتكر للمعاني بطلاوته دبج القراطيس بمداد تأليفه وروج سعر الشعر بحسن سبكه لدرر الألفاظ وترصيفه جدير بأن يشار إليه بالبنان بين الشعراء والأقران فله قصائد عديدة فمن نظمه قوله يمتدح المرحوم السيد عبدي أفندي عندما ولي افتاء الموصل يهنيه بأبيات كل شطر منها تاريخ وقد شهدت بقوة طبعه ومهارته في فن الأدب وسلامة قريحته فأبدع وأغرب حيث قال على قمر الاقبال في أفق اليسر ... وزان باكليل الهنا جبهة البشر تلألأء بالفتح المبين هلاله ... فباهى به المشكاة كوكبها الدري كسى بالفتاوي عابداً حلة الهدى ... وألبس عطفيه العلي حلة القدر فأضحى لباب المدح لما زهى الولي ... على بعبيد الله منشرح الصدر فتى أوجز الفتوى بمنهاج مجده ... وزاد عليها علة الكسر والجبر تبقر في علم الولي وهو يافع ... وأدنى مقاليد الثنا وهو في الحجر يلخص في أوفى المعاني بيانه ... بديع طوايا رفده الفائق النشر سريع العطايا مدها متداركي ... ببحر ندى لم يجزر الوعد عن قصر جواد عطاء لو تجاريه دجلة ... لجالت عيون من لجين على الجسر ولو قهر الاكرام أيتام نيله ... لحط نداه سائل التبر في نهر تكاد البحار السبع جداً ببذله ... يفجرها من بسط أنمله العشر أبى الله أن تستنكح السحب جوده ... لتطرح ماء حملها لؤلؤ القطر تناسيت أحبابي زماناً ومنزلي ... بدعواه ما جاءت قفا نبك في ذكرى سلالة آباء ولاة أكابر ... جمانة أبناء أطايبة طهر حليف النهى والحلم والعدل والسخا ... أخو المجد والآلاء والعفو والبر له أخوة حازو وأبناهم هدا ... بأجدادهم أهل النوال بني الفخر مدارس علم الله خزان جوده ... معاجزه الأبرار في السر والجهر فمن مثلهم أصلاً وحيدر جدهم ... حليم محل الحلم صنو الفتى الطهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 فيا شرفاً يزهو ببطحاء مكة ... ويا نسباً دار له شرف البدر أبوهم بهاء المجد هم بهجة الثنى ... بنوهم أكاليل الهدى جدهم فخري أمولاي يا مولاي دعوة شاكر ... لا نعمكم شاكي إليكم جفى الفقر يأرخها داعيك يا جوهر البها ... مدى كل شطر عم حسناً على الدر فلا زلت في مجد الولاية زاهياً ... باقبال سعد مسبل مدة العمر وله أيضاً كل شطر تاريخ في وفاة المرحوم السيد يحيى أفندي مفتي الموصل في تلك السنة حيتك يا مرقداً وأرى هلال هدى ... سحابة الفوز بالحسنى مع الرسل وآنستك بهام هامل ونعت ... نفس الفتاوي أنيس العلم والعمل لقد حويت حسيباً طالما سجدت ... في البيت جبهته الفيحاء للأزل عز فللناس أسخى سيد سند ... زين بأبهى برود المجد مشتمل طوبى له فاز بالاخرى بنيل علا ... من رحمة الله لم يوصف ولم ينل وحل أعلى محل شامخ وبدا ... يطوف في جنة الفردوس في حلل فليبك جزماً على الفتوى اليراع دما ... لفقده وليرثيه فم الوكل همى بحسن قبول حين أرخه ... بكل شطر يراع الوافدين جلي يا من يروم مثيلاً بالمقام له ... مهلاً فما لسداد العقل من مثل بمن تشبه يحيى في الصلاح وقد سعى إلى الخلد في يحيى الامام علي وله غير ذلك وكانت وفاته في أواخر هذا القرن أعني الثاني عشر رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين. عثمان الحافظ عثمان بن علي المعروف بالحافظ الحنفي القسطنطيني الكاتب المشهور أحد أفراد الدهر كان والده مؤذناً بأحد جوامع قسطنطينية وولد المترجم في حدود سنة اثنين وخمسين وألف ونشأ بالبلدة المزبورة وأخذ الخط وأنواعه عن درويش على الكاتب الرومي المتوفي سنة أربع وثمانين وألف وباذنه عن صويولجي إن صوايولجي هو المأمور على تقسيم المياه واصلاح طرقها واعطائها إلى الدور والمحلات وفي الشام يقال له شاوي وأوصاف هذه الطائفة يذكرونها في أوراق الحوادث التي تطبع في زمن قلة المياه وعدالتهم بها على حسب قوة أصحاب الحق وضعفهم فلا تظن مكرهم أخفى من الماء تحت الرفة وكانت مياه مصر بيد السقاة والأسهلها ولاة مصر بالاسكندرية والقاهرة لأطفاء حر أكباد الضعفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 من السقاة انتهى زاده مصطفى وإسمعيل نفس زاده الكاتبين المشهورين وبرع ومهر بالخطوط وأنواعها وأعطاه الله الشهرة التامة والتفوق على أهل عصره واشتهر اشتهار الشمس وتنافس الناس في خطه وبيع بالثمن الغالي ورغبت فيه الناس وفاقت شهرته على خط ياقوت وإلى الآن يتداول بين أيدي الناس بالقبول والرغبة وانتسب في أوائل أمره المترجم للوزير مصطفى باشا الكبرى كوبريلي الصدر الشهيد وفي سنة ست ومائة وألف وصار معلماً للسلطان مصطفى خان ابن السلطان محمد خان وأعطى قضاء ديار بكر وبعد عزله أعطى قضاء آخر على وجه التأييد كما هو دأب الدولة العثمانية وأحبه السلطان المذكور وأخذ عنه الخط النسخي والثلث وغيرهما أناس كثيرون وفاق واشتهر أمره مقدار أربعين سنة وقبل وفاته بثلاث سنوات عطل بداء الفالج وكان مع هذه الشهرة صاحب ملاطفة وانطراح وتودد وتغلب عليه الصلاح والديانة قيل كتب بخطه المرغوب الحسن خمساً وعشرين مصحفاً شريفاً تغالى الناس بهم وحصلت له الشهرة التامة وكانت وفاته بقسطنطينية سنة عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى صاحب ترجمة حافظ عثمان أوله بور عثمان العمري الموصلي عثمان بن علي العمري الموصلي صاحب الفضائل والفواضل أبو النور عصام الدين الأديب الشاعر البارع المفنن الناظم الناثر له في الأدب النوادر الغضة والمحاسن التي هي أنقى وأظرف من الفضة ولد في حدود سنة أربع وثلاثين ومائة وألف وقرأ على الشيخ درويش الكردي والعلامة جرجيس الأربلي وسافر إلى صوران على وزن سحبان قرية باليمن فقرأ على عامة علمائها كالشيخ الصالح فضل الله الحيدري والشيخ فتح الله والشيخ صالح وغيرهم ورجع فاستخدمه الوزير حسين باشا ورحل معه إلى القرص ووان وولاه بعض البلاد الصغيرة كأرويش وما زال مكرماً عنده حتى عاد قبل السبعين فاستخدمه الوزير الكبير محمد أمين باشا ومكث عنده سنين ثم رحل إلى القسطنطينية فولي حساب بغداد ودفتر قلاعها وأراضيها ومياهها فمكث على ذلك قدر أربع سنين إلى أن ولي الوزارة علي باشا فحبسه وأذاه ثم أطلق وعاد إلى الموصل راجعاً فقبض عليه ثانياً في قلعة كركوك ثم أطلق وعاد إلى الموصل ومكث فيها قريباً من سنة ثم رحل في رمضان في سنة ست وسبعين ومائة وألف إلى القسطنطينية وركب في البحر وفي الطريق صادفه بعض خدام النواب الأعظم وعندها أمر له بالعود إلى بغداد لمحاسبة أهلها وقد مات وزيرها علي باشا ووجهت إلى عمر باشا ولما وصل ماردين منع من العود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وبقي فيها برهة ثم أطلق سبيله فعاد إلى الموصل فلم يدخلها حتى وصل أربل فلم يتمكن من مجاوزتها ومكث مدة ثم أمر به إلى قرية في قرب بغداد تعرف بالدجين ومكث هناك يسيراً ثم أمر به إلى الحلة وقد قاسى الأهوال العظيمة وكان بعد موت سليمان باشا قد جعل نائباً في الحكومة والامارة قائماً مقامه حتى ورد الأمر الشريف بعزله وولي ذلك الوزير المكرم أمين باشا ومعادات الوزرا له سببها ولايته أمر بغداد وبذله الأموال حتى صار في الكرم والسخاء حاتم زمانه ومأمون أوانه وقد مدحه من الشعراء الجم الغفير بالقصائد البديعة وبعد انقضاء أيام الحصار وكشف تلك الغمة سافر صحبة الوزير محمد أمين باشا إلى القسطنطينية وفي عوده منها دخل حلب الشهباء وبالجملة فقضاياه ومناقبه تحتمل أسفاراً عديدة وله مؤلف حافل في تراجم أبناء العصر سماه الروض النضر حذافيه حذو الريحانة والنفحة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة يتشوق بها إلى بلدته الموصل ما فاح نشر صبا تلك المعالم لي ... إلا وأذريت دمع العين في وجل ولا شدا الورق في أيك على فنن ... إلا وصرت لشوقي جاري المقل ولا تذكرت أوطاني ومنزلتي ... إلا وأيقنت إن العز بالنقل أين العراق وتلك الداراين سنا ... تلك الجنان ففيها قد حلا غزلي أين الأهيل أصيحابي بنواربي ... يا حسرتا لفراق الأهل والخول ومنها لله إذ كنت فيها في صفا وهنا ... وطيب عيش مضى أحلى من العسل ومنها الغيث فيها لذيذ قد حلا وغلا ... ونلت فيها مني خال من الزلل والدهر قد ضمنت أيامه جدلا ... وأكمنت لي ليالي السود للجدل فما شعرت بقدر الدهر من سفه ... وما انتبهت له حتى تنبه لي فصار يلفظني أيدي سبا حنقا ... على معاملتي إياه في الأزل 3 - يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق وبال ... حزون يوماً ويوماً ذروة الجبل والعز يوماً ويوماً رفعة وعلا ... والذل يوماً ويوماً رتبة السفل فأنحل عقد اصطباري لوعة وغدا ... صحيح حال محل الفكر والعلل كيف الوصول وهذا الدهر يقعدني ... عن النهوض إلى لذاتنا الأول بذلت جهدي فلم تنفع مجاهدتي ... واحتلت فيه فلم تنفع به حيلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 ومنها وأشدد لها حزم صبر غير مضطرب ... وأسلك لنيل مناها أصعب السبل وانهض لنيل العلا واركب لها خطرا ... ولا تكن قانعاً في مصة الوشل فهامة المجد عندي ليس يركبها ... من كان يقنع من دنياه بالبلل وله غير ذلك من القصائد الفائقة والرسائل الأنيقة الرائقة. عثمان الصلاحي عثمان بن علي الصلاحي العلمي الحنفي القدسي خطيب المسجد الأقصى وامام الصخرة المشرفة نشأ في حجر أبيه وقرأ عليه كتباً عديدة وكان والده من الأفاضل ويغلب عليه معرفة العلوم العربية ولزم درس الشيخ علي اللطفي وكان يلازم المطالعة في داره ويباشر الخطابة بنفسه وله صوت جيد تميل إلى سماعه أهل بلدته حتى إن يوم خطبته يمتلي الأقصى ناساً لسماع خطبته وسافر إلى مصر مراراً وكانت عليه وظيفة جباية أوقاف المصريين التي بمصر فيذهب غالباً بنفسه ويأتي بها وبعض السنين يرسل من ينوب عنه فيها ثم نازعه السيد علي بن جار الله في وظيفة الامامة فسافر بسبب ذلك إلى الروم وجاء بأمر سلطاني ورفع يده عن الوظيفة وعدل عن التردد إلى مصر واستقام على حالته إلى أن مات وكانت وفاته كما أخبرت في سنة ثمان وستين ومائة وألف ودفن في مأمن الله بتربة الصلاحية رحمه الله تعالى. عثمان الشمعة عثمان بن محمد بن رجب بن محمد بن علاء الدين المعروف بالشمعة الشافعي البعلي الأصل الدمشقي الشيخ الامام العلامة الحبر المفنن النحرير ولد قبل الثمانين وألف بقليل واشتغل بطلب العلم على جماعة من العلماء الأجلاء منهم الشيخ إسمعيل المفتي والشيخ نجم الدين الفرضي والسيد حسن المنير والشيخ عبد القادر بن عبد الهادي العمري والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ أبو المواهب الحنبلي وغيرهم وبرع في العلوم وكان له ذهن ثاقب وذكاء مفرط ففلق في إحراز الفنون والمعارف وتفيأ من الكمالات في ظلها الوارف واشتهرت براعته وظهرت سيادته وجلس لإفادة العلوم بالجامع الأموي وعكف عليه نجباء الطلبة في كل فن من العلوم النافعة فكان يقرئ في أكثر من عشرة علوم وفي أصول الدين والفقه وأصوله والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 والبديع ومصطلح الحديث والمنطق والحديث مع براعته في التفسير والقراآت ورزقه الله تعالى الذهن السيال والخلق الرضي والديانة التامة والعفة الكاملة والانجماع عن الناس والقناعة بما رزق وطهارة اللسان وسعة الصدر على طلبته مع كثرتهم واختلاف أفهامهم فلم يكن يعنف بليد الذهن ولا يصدع خاطره بكلمة بل كان يقرر له بلطف ويعيد العبارة ثانياً وثالثاً إن لم يكن فهم من أول مرة وكان جلوسه من طلوع الشمس إلى الظهر غالباً صيفاً وشتاءً ولا يضجر ولا يقوم من مجلسه بل إذا جئته في آخر وجدته في غاية النشاط وكانت تعد هذه الحالة من كراماته وكان يعظ في جامع السنانية وحج إلى بيت الله الحرام في سنة ثلاث ومائة وألف وارتحل إلى مصر أيضاً وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء تاسع عشر صفر سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير بالقرب من ضريح سيدنا أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه وسيأتي ذكر والده محمد إن شاء الله تعالى في محله. عثمان القطان عثمان بن محمود بن حسن خطاب الكفرسوسي الشافعي الشهير بالقطان معيد درس السليمانية بدمشق الشيخ الامام العلامة المحقق المدقق الفهامة كان محقق وقته في العلوم النقلية والعقلية ولد في سنة احدى وأربعين ومائة وألف وطلب العلم فقرأ على جماعة منهم الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ مصطفى ابن سوار شيخ المحيا وإبراهيم الكوراني ومحمد البطنيني والشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ منصور الفرضي المحلي والشيخ يحيى الشاوي المغربي وكان بدمشق ممن اشتهر فضله وعلمه ودرس بالجامع الأموي وبالمدرسة العادلية الكبرى وانتفع به جماعة من العلماء والأفاضل ولما ولي دمشق الوزير الفاضل أحمد باشا كوبريلي عرف مقامه ولم يعجبه غيره ونفي من دمشق هو والمولى السيد عبد الكريم ابن حمزة ونقيب السادة الأشراف بدمشق إذ ذاك ومكثا بقبرس مدة إلى حين سفر والي دمشق إلى بلاد النصارى وكان مفتي الحنفية بدمشق يومئذ المولى علي العمادي والخطيب الشيخ إسمعيل الحائك والقاضي المولى سليمان الرومي وترجم المترجم خاتمة البلغاء السيد محمد أمين المحبي في نفحته وقال في وصفه فتي الفضل وكهله وشيخه الذي يقال فيه هذا أهله اطلع الله في جبينه غرة السناء فثنى إليه من البصائر أعنة الثناء مأمون المغيب والمحضر ميمون النقيبة والمنظر فهو كالشمس في حالتيها يبدو نورها فينفع ظهورها وتحتجب أرجاؤها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 فيتوقع ارتجاؤها فعلى كل حال هو إنسان كل إحسان وكل عضو في مدحه لسان به الفتوة يسهل صعبها ويلتئم شعبها وهو في صدق وفائه ليس أحد من أكفائه وقد اتحدت به منذ عرفت الاتحاد فما رأيته مال عن طريق المودة ولاحاد وله على مشيخة أنا من بحرها اغترف وبألطافها الدائمة اعترف وكثيراً ما أرد ورده واقتطف ريحانه وورده فانتشق رائحة الجنان وأتعشق راحة الجنان بمحاضرة تهز المعاطف اهتزاز الغصون ورونق لفظ لم يدع قيمة للدر المصون إذا شاهدته العيون تقر وإذا ذوكرت به نوب الأيام تفر في زمن انغمضت من أعلامه تلك العقود ولم يبق فيه إلا هو آخر العنقود فإن شئت قل جعله الله خلفاً عن سلف وإن أردت قل أبقاه الله عوضاً عن تلف فمما أخذته عنه من شعره الذي قاله في عنفوانه وجاء به كسقيط الطل على ورد الرياض واقحوانه انتهى مقاله فمن شعره قوله بأبي من مهجتي جرحا ... وإليه الشوق ما برحا دابه حربي وسفك دمى ... ليته بالسلم لو سمحا غصن بان مثمر قمرا ... يتهادى قده مرحا من تثنى غصن قامته ... عندليب الوجد قد صدحا أي حين دار ناظره ... ما سقى عقلاً فمنه صحا إن رآني باكياً حزنا ... ظل عجباً ضاحكاً فرحا إن يكن حزني يسر به ... فأنا أهوى به البرحا وعذولي جاء ينصحني ... قلت يا من لامني ولحا ضل عقلي والفؤاد معا ... ليس لي وعى لمن نصحا جد وجدي عادم جلدي ... غاض صبري والهوى طفحا لم يزل طرفي يشح دما ... إذ به طير الكرى ذبحا هذا معنى متداول منه قول الشهاب ولو لم يكن ذابحاً للكرى ... لما سال من مقلتي النجيع ومنها آه وأشوقاه مت أسى ... هل دنو للذي نزحا إن شدت ورقاء في فنن ... شدوها زند الهو قدحا وإذا ما شام طرف الشا ... م طرفي للدما سفحا يا سقي وادي دمشق حيا ... طاب مغتبقاً ومصطبحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وكتب إليه الأمين المحبي المذكور من مصر حين كان بها سيدي الذي له دعائي وثنائي وإلى نحوه انعطافي وانثنائي لأعدمت الآمال توجهها إليه وكما أتم الله النعمة به فأتمها عليه أنهى إليه دعاء يتباهى به يراع ومهرق وثناء يجعل طيبه فوف سالف ومفرق متمسكاً من الود بحبل وثيق ومن العهد ما يستعطر به النشر الفتيق ومتذكراً عيشاً استجليت سناه واستحليت ثناه وإني أتلهب على طول نواه وحر جواه وقد وسمت باقبالك أيامي الغفل وفتحت بمذاكرتك عن خزانة قلبي القفل إلى أن صرف الدهر بحدثانه وحكم على ما هو شأنه بعد وإنه وأعاد العين أثراً والخير خيراً واللقا توهما والمناسمة توسما فتذكري لأيامك التي لم أنس عهدها تركتني لا أنتفع بأيام الناس بعدها وإني لا أرتاح إلا بذكر فضائلك ولا أستأنس إلا بكرم شمائلك أمزج بها الضحايا فتبتسم وأستدعي بها صبا القبول فتتنسم ولولا اشتعال النار في جذوة الغضا ... لما كان يدري المرء ما نفحة الند وأما الأشواق فإن القلب مستقرها ومستودعها ومحلها ومجتمعها وهو عند مولاي فليسأل به خبيراً وأما الأثنية فإنها على السنة الركبان فينشر بها حبيراً وإلى مثلك يتقرب بإخلاص الوداد ومن فضلك يجتني ثمرة حسن الاعتقاد فسلامي على هاتيك الشمائل سلام الندى على ورق الخمائل وتحيتي لتلك الحضرة تحية النسيم للماء والخضرة وأما دمشق فشوقي إليها شوق البلبل إلى الورد وامرئ القيس إلى الأبلق الفرد وأنا مهد تسليماتي إلى كل يابس من دوحها وأخضر ومتبرج من ثمراتها في قباء رواء أنضر واشتاق عهدها والعمر ربيع نضر والروض جر عليه ذيله الخضر وما أنس أيامها والصبا ... أرن يجر ذيول الجدل ومس رقيق رداء النسيم ... على عاتق الروض بعض البلل إذ الدهر ميت النوى واللحا ... ظ عناه واحدته تعتقل وذنبي فيه أمير الذنوب ... ودولته فوق تلك الدول وأرجع فأقول إن حبي دمشق إن عد ذنباً ... فذنوبي أجل من طاعاتي مدحي لها لا ينقطع إلا أن تنقطع المدائح وأثنيتي عليها لا تمل ولو ملت التغريد الحمائم الصوادح وأنا مؤمل أوبة تسر فيتمتع الناظر بتلك الوجوه الغر والمناظر الزهر وأنشد بلسان المقال إذا استقامت الحال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 إن ذنوب الدهر مغفورة ... إن كان لقياك لها عذرا وكانت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأحد حادي عشر شوال سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن قرب اويس رضي الله عنه في التربة المقابلة للصابونية رحمه الله تعالى. عثمان بن ميرو عثمان بن يحيى بن عبد الوهاب بن الحاج ميرو الشافعي الكامل ولد بمكة وأمه أم ولد كرجية مولده قبل الثمانين وبعد وفاة والده بمكة نقله عمه حسين لحلب مع إخوته وهم أبو بكر لأبويه ومحمد وعمر لأبيه وسافر المترجم إلى جهان أباد من الهند واستقام بها مدة ثم عاد لحلب وتزوج بابنة عمه عائشة بنت مصطفى الميرو ومولدها مدينة اسلامبول وكان أتى بها لحلب بعد وفاة والدها عمها باحسين أيضاً وولدت بنتاً وتزوجت وماتت في حياة أبويها ثم تسري بجارية وانقطع في داره منعكفاً بريد معتكفاً على تلاوة القرآن والتقوى والصلاح وحضور المسجد وكتب بخطه الكثير من الكتب وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بالتربة الأمينية بحلب. عثمان الخطيب الموصلي عثمان الخطيب الموصلي الشيخ الصوفي الزاهد العالم الرباني الأوحد الشاعر البارع لم يسمع له في عصره بمناظر له في الفضل والبلاغة حج في سنة سبع وأربعين ومائة وألف مع الشيخ عبد الله المدرس واجتمع بالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكتب ديوانه وترجمه صاحب الروض فقال فارس ميدان رهان الأذهان العابث بأنواع المعاني والبيان ديمة الفضل والحكم لسان السيف والقلم نتيجة الأعصار وشهاب جميع الأمصار سراج الزوايا ونفائس الخبايا الزند القادح والنسيم الطيب البارح صاحب الأنفاس القدسية والملكات الأنسية فاتح أبواب اللاهوت معمر آثار ربع الناسوت جمع الجمع ونفس البصر والسمع انتهى ومما يدلك على فضله الباهر قوله في مدح النبي المكرم زكريا صلى الله على نبينا وعليه وسلم قوله البارح كأنه طيبه بلفظ الطيب انتهى سر بنا صاح راشداً مهدياً ... ونهياً وناد بالركب هيا ثق بوعد الآله فهو كريم ... إنه كان وعده مأتيا واستعن بالقوى في كل أمر ... إنه كان بالضعيف حفيا وتقدس عن السوي وتطهر ... واذكر الله بكرة وعشيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 خفف السير يا خليلي وانزل ... في مقام الخليل وامكث مليا وتيمم مقدس الترب واشرب ... من زلال الفرات عذباً رويا وإذا ما حللت في حلة الشهبا ... ء فاقصد هناك بدراً بهيا قف وسلم وحيه فهو حي ... وإذا حل طيفه الحي حيا قبل الأرض عنده واتل جهرا ... ذكر مولاك عبده زكريا وترج الندى فأنت لدى من ... لم يكن بالدعاء قط شقيا خاف من بعده ضلال الموالي ... فدعا ربه دعاء خفيا وهن العظم وامتلأ الرأس شيبا ... يا آلهي فمنك هب لي وليا يرث العلم والنبوة مني ... ولدي ربه يكون رضيا فاستجاب الدعا وبشره من ... لم يزل محسناً جواداً غنيا بغلام كبدر تم ولم يج ... عل بديع السما ليحيى سميا قال من أين لي يكون غلام ... ومن الكبر قد بلغت عتيا قال ذو الكبريا كذلك لكن ... قال مولاك هين ذاك عليا إنني قدر على كل شيء ... لم أجد قبله بخلقك عيا وله الحمد حيث جاء بمن قد ... أوتي الحكم والرشاد صبيا حبذا الفرد في المحاسن يحيى ... حبذا الوالد الكريم المحيا يا حماة الحمى غريب وقد فا ... رق أحبابه فعاد شجيا وكئيب فقابلوه ببشر ... وبمعروف اجعلوه سريا واحفظوا سادتي نزيل كرام ... والحظوا يا أحبتي الموصليا وصلاة الآله تغشي دواماً ... سيد الرسل أحمد العربيا وعلى السادة النبيين طرا ... سيما البدر سيدي زكريا وله أيضاً إن قلبي من الهوى يا خليلي ... لكليم وأنت خير طبيب وخطيب الوصال فيك كئيب ... فتعطف على الخطيب الكئيب وله أيضاً حين أشكو اليك قرحة قلبي ... لا تلمني على طويل الحديث يا حبيبي وأنت خير خبير ... ما قديم الغرام مثل حديث وله الله يعلم أنني ... بك مغرم يا فاتني لو كنت تعرف حالتي ... ما كان وصلك فاتني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وله أخفيت حبك في الحشا ... حتى فشا في ظاهري ما آن أن تدع الجفا ... أو ما كفى يا هاجري وله غير ذلك وكانت وفاته في حدود سنة أربع وأربعين ومائة وألف عن ثمان وخمسين سنة. عثمان بن حمودة عثمان بن حمودة الرحبي ثم الدمشقي الشافعي امام السادة الشافعية بمحراب المقصورة الشيخ الفقيه الصالح العالم الكامل ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي في ثبتة المسمى بلطائف المنة فقال طلب العلم على كبر واشتغل على جماعة منهم الشيخ حسن المنير وبالحديث والقراآت على شيخنا الشيخ محمد أبي المواهب وفي المعقولات على الشيخ إبراهيم الفتال وغيره وبرع في الفقه ودرس بالجامع الأموي فأقرأ شرح الغاية للشربيني والمنهاج للنووي وشرح المنهج لشيخ الاسلام وحضرت عنده في قراءة شرح المنهاج من باب زكاة المعدن والركاز والتجارة إلى الجنايات وقرأت عليه شرح الغاية لأبن قاسم وشرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا وحضرت دروسه بين العشائين في الجامع الصغير وأجاز لي رواية مروياته وكان صالحاً متعبداً قانعاً عفيفاً انتهى ولم يزل صاحب الترجمة مكباً على الاشتغال بالعلم معتكفاً على التدريس والافادة إلى أن توفي في شهر ربيع الثاني سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عمر شفائي عمر بن حسن بن عمر الملقب بشفائي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي السينوبي رئيس الأطبا في بلدة بروسا الطبيب الحاذق الماهر الأديب العارف كان من أفراد وقته في علم الأبدان وألف كتاباً في الطب سماه الطب الجديد في ثمان مجلدات وكتاباً آخر في الكحالة ورسائل لا تحصى كما أخبرني صاحبه شيخنا لمقن أبو المواهب سليمان بن محمد بن مستقيم القسطنطيني كان من أفراد الزمان وينظم الشعر بالتركية والفارسية وأطلعني على آثاره وقدم المترجم قسطنطينية مراراً ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته ببروسا سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمقابلة الزاوية المولوية الكائنة في البلدة المرقومة رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 عمر اللبقي عمر بن حسين بن عمر الشهير باللبقي الحنفي الحلبي الفاضل الأديب كان ذكياً له بد ومعرفة بفنون الأدب حسن الأخلاق سهل المعاشرة لطيف الخلال ولد في سنة ست عشرة ومائة وألف وقرأ على عبد الوهاب العداس وعبد السلام الحريري ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي نزيل حلب ومفتيها وسافر إلى اسلامبول ثم عاد إلى حلب وتولى نيابة القضا في محاكمها الأربع وارتحل إلى طرابلس الشام والي الموصل مع حاكمها الوزير أحمد ثم قدم حلب ومكث بها ثم ارتحل للقدس ثانياً في زمن قاضيها المولى أحمد بن بن الشيخ طه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد التافلاتي وفي مروره مع القاضي المذكور على دمشق نزلا في في دارنا واستقاما مدة عندنا وكان بين والدي وبين القاضي المذكور مودة ومحبة وكان والد المترجم من التجار المشاهير بحلب والرؤساء أرباب الشهرة والشأن وولده صاحب الترجمة اشتهر بالأدب والكمالات وكانت تجري بين أدباء عصره ومصره وبينه المحاورات والمطارحات وفي آخر أمره ترك تعاطي أمور الأحكام ولازم ما لا يدمنه وله شعر مقبول رأيت أكثره فمن ذلك قوله لما أصاب حلب من الزلزال ما أصاب سنا نور سر الذات أشرق في الحشا ... فزال بذاك النور عن طرفي الغشا وشاهدت إن لا شيء دون وصالها ... وأيقنت فضل الله يؤتيه من يشا ونزهت طرفي في رياض جمالها ... فعاد برياً نشرها القلب منعشا فحيا شذاها ميت قلبي وحبها ... تملك أحشائي وفي اللب عرشا ومذ علمت إني أسير بحبها ... فجادت بما أبغيه منها وما أشا وبت بنادي القرب أرشف ثغرها ... فأصبحت نشواناً وسري قد فشا وذاع لدى العشاق أمري وإنني ... خلعت عذاري واسترحت من الوشا وبادرت نحو ألحان من فرط شوقها ... أنادي أيا خمار كن لي منعشا فجاء بها عذراء بكراً قديمة ... وقال لي افضض ختمها كيفما تشا تعاطيتها صرفاً ومزجاً مشاهداً ... بها كشف أسرار لعقلي أدهشا عرفت فلما أن أفقت سمعت من ... فؤادي مناد عج من داخل الحشا أيا مفزع الجاني وأكرم شافع ... وأعظم مبعوث وأشرف من مشا اليك أتينا والتجأنا فنجنا ... من الخطب والأهوال فالرعب قد غشا فأمن بحق الحق قلبي لأنه ... من الخسف والزلزال قد خاف واختشى عليه وأسبل ذيل أمنك وأكفه ... بجاهك عند الله في الصبح والعشا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وله وقد أخذ المعنى ... من شعر فارسي وعربه في المرء إن لم يكن شيء يميزه ... عن جنسه بذكاء الفهم والأدب كما إذا لم تكن في العود رائحة ... لكان لا فرق بين العود والحطب وله مضمناً وما كل ذي رأي مصيب برأيه ... ولا كل راء في الحقيقة باصر لعمري ما الأبصار تنفع أهلها ... إذا لم يكن للمبصرين بصائر وله وشادن قلت له ... دعني أقبل شفتك فقال لي كم مرة ... قبلتها ما شفتك وله مخمساً أبيات الامام الشافعي رضي الله عنه مذ مقلتي كشفت لها أستاره ... وتلألأت بجوانحي أنواره طرفي بكى فحكى الحيا مدراره ... قالوا أتبكي من بقلبك داره جهل العواذل داره بجميعي فأنا المقيم بخانه وبديره ... تملا أجول بفضله وبخيره وأقول للاحي المجد بسيره ... لم أبكه لكن لرؤية غيره طهرت أجفاني بفيض دموعي وله مشطراً والطل في سلك الغصون كلؤلؤ ... قد شنفوا فيه الحسان وقرطوا فتراه كلل كل غصن يانع ... رطب يصافحه النسيم فيسقط والورق تقرأ والغدير صحائف ... والروض يستملي الحديث ويضبط والظل قد مد المداد يراعه ... والريح يرقم والغمام ينقط وله في كتاب الشفاء الشريف دع الدواء وداوي بالشفاء إذا ... أعيى العليل عضال الداء من ألم فإنه برء ك المعضلات بلا ... شك وفيه زوال البؤس والسقم وله في النعل الشريف لنعل خير البرايا ... على الرؤس ارتفاع بحمله الرأس يبرا ... إن اعتراه الصداع وله مشطراً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 إذا كانت الأعراب تخفر ذمة ... وتحمي أناساً مال عنها نصيرها وتسمح عن ذنب ولو أوجب القلا ... وتصفح غمن أمها يستجيرها فكيف ومن في كفه سبح الحصا ... شفيع ذوي الآثام وهو بشيرها فحاشى عريض الجاه في موقف الجزا ... يخيب بني الآمال وهو غفيرها وله مشطراً أيضاً اشرب على نغمة الدولاب كأس طلا ... تمحو الذنوب بهذا جاءنا الخبر فرضا غدا شربها يا صاح حين بدا ... يسعى بها شادن في طرفه حور وامدح فديتك ما بالراح من ملح ... فبعض حكمتها الأشخاص والصور بادر إلى حانها واشرب بلا جزع ... وما عليك إذا لم تفهم البقر وله مشطراً ولي عصا من جريد النخل أحملها ... براحتي وهي عون لي على هرمي وراحتي هي في سيري ومعتمدي ... بها أقدم في نقل الخطا قدمي ولي مأرب أخرى أن أهش بها ... على جيوش هموم قصرت هممي ومقصدي الهش في القول الأصح بها ... على ثمانين عاماً لا على غنمي وله يا من علا متن البراق ... ورقى وأتحف بالتلاق قد صح سار بجسمه ... وسما إلى السبع الطباق سهل أمور معاشنا ... فالصبر مر في المذاق وأجبر كسير قلوبنا ... فضلاً فقد ضاق الخناق ثم الصلاة على الذي ... لما أتانا الوقت راق ومحا بنور جماله ... ظلم الضلالة والشقاق وله مشطراً قدر الله أن أكون غريباً ... بين قوم أغدو مضاعاً لديها ورمتني الأقدار بعد دمشق ... في بلاد أساق كرهاً إليها وبقلبي مخدرات معان ... حين تبدو وتختال عجباً وتيها صرت إن رمت كشفها فأراها ... نزلت آية الحجاب عليها وله في حلب شهبا العواصم لا تخفى محاسنها ... فالله يكلؤها من كل ذي عوج يمم حمى حلب تلقي السرور على ... جبين أبنائها النير البهج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 فعج ولج وتأمل بلدة شملت ... باب الجنان وباب النصر والفرج وللفاضل الرئيس يوسف بن حسين الحسيني الدمشقي نقيب الأشراف بحلب ومفتيها ما يقرب من ذلك وهو قوله قل لمن رام النوى عن بلدة ... ضاق فيها ذرعه من حرج علل القلب بسكنى حلب ... إن في الشهباء باب الفرج وللمترجم مخمساً زاد في الصد للشجي المعنى ... وأذاب الفؤاد ظلماً وأضنى قلت مذ ماس معجباً يتثنى ... أيها المعرض الذي صد عنا بجفا لا يرى له أسباب أضبح القلب من جفاك كليماً ... وصبوراً متيماً مستقيما عاتباً سوء حظه وعليماً ... رح معافى من العتاب سليما فعلى الحظ لا عليك العتاب وله غير ذلك وكانت وفاته بحلب في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عمر بن دلاور عمر بن دلاور الحنفي القسطنطيني رئيس الكتاب في الديوان السلطاني العثماني وأحد الرؤساء بين أرباب الأقلام والكمالات ولد بقسطنطينية وأخذ الخط عن الأستاذ عبد الله يدي قلي المشهور يدي قله لي وأتقن صناعته ومهر بأنواعه واشتهر بحسن الخط ولازم مجالس الكتاب وكتب المناشير السلطانية ومهر بالأدب والأنشاء وصار أحد رؤساء الكتاب في الدولة المعروفين بالخوجكان وولي بعض المناصب كالروزنامة الصغير وغيرها وترقى حتى صار رئيس الكتاب واشتهر بين أقرانه وكان حسن الخصال منشياً أديباً معتبراً موقراً ومن آثاره تذييل كتاب حديقة الوزراء للأديب أحمد حديقة الوزراء لأحمد تائب وذيلها للمترجم وذيل الذيل لسعيد ثم لأحمد جاويد ثم لرفعت وكانت وفاته في ذي القعدة سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن خارج طوب قبي قبو أحد أبواب قسطنطينية. عمر بن شاهين عمر بن شاهين الحنفي الحلبي الفاضل المتقن الضابط المقري كان والده جندياً ولد بحلب سنة سبع ومائة وألف بعد وفاة والده بخمسة أشهر وهو شريف لأمه قرأ القرآن العظيم ولما بلغ من السن عشر سنين قرأ على المقري الشهير عامر المصري نزيل المدرسة الحلاوية من أول القرآن العظيم إلى آخر سورة إبراهيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 عليه السلام ثم توفي الشيخ المذكور فقرأ على عمر المصري شيخ القراء ختماً كاملاً بالتحقيق والتجويد ثم شرع في حفظ القرآن العظيم على الشيخ المذكور في تلك السنة فحفظه في مدة قليلة والتزم الشيخ المذكور فصار يصحبه مراراً ويتدارس معه ويعلمه كيفية القراءة بالألحان مع مراعاة التجويد ثم قرأ الأجرومية وحصة من شرح القطر على الامام عبد الرحمن ابن محمد العاري ثم قرأ على عبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي وقرأ الفقه على الفاضل المعمر قاسم النجار وحضر دروس محمود بن عبد الله الأنطاكي في التفسير من أول سورة الأنفال إلى آخر سورة الفرقان ولم يفته شيء وسمع على المذكور غالب الجامع الصحيح بالمدرسة المذكورة وكتب بخطه شرح السفيري على بعض أحاديث من الصحيح وقرأه على المتقن حسن الطباخ وقرأ السيرة الحلبية على أحمد الشراباتي وكتب بخطه الهدى للعالم أبي الوفا العرضي وطالعه مع الشيخ العارف محمد صلاح وقرأ الكثير وفي سنة ست وأربعين بعد المائة كتب حرز الأماني وعرضها بعد حفظها على الماهر المقري محمد بن مصطفى البصيري وقرأ عليه القرآن العظيم من طريقها جمعاً وافراداً لكل راو ختمة في مدة ستة أشهر وأجازه الشيخ المذكور بالقراءة والاقراء وشهد له بالأهلية ثم في سنة ثمان وأربعين وجهت له وظيفة امامة الصلوات الجهرية بجامع الوزير عثمان الكائن بحلب المشهور بالرضائية فباشرها مع بعد داره عن الجامع المذكور وطلب منه محمود الأنطاكي المدرس المذكور أن يقرأ القرآن العظيم في صلوات الصبح على التأليف الشريف ليسمع العوام الذين لا يقرأون القرآن جميع القرآن العظيم وأن يكون كل ختم لراو من رواة الأئمة السبعة وقال كذا سمعت الأئمة في الحرمين الشريفين يقرأون في الصلوات وفيه نفع وفائدة فشرع صاحب الترجمة يقرأ في صلاة الصبح كما طلب المدرس المذكور فكان يقرأ في كل سنة ختمين ونصف ختمة أو أقل من ذلك ويهرع بضم الياء إليه الناس في صلاة الصبح من محلات بعيدة من الجامع لحسن صوته وقراءته وطيب ألحانه مع مراعاة الأحكام وأتقن كثير من المصلين قراءتهم من السماع وصار لذلك نفع عظيم وأقتدي بذلك جماعة من أئمة الجوامع فصاروا يقرؤن القرآن العظيم في صلاة الصبح على التأليف الشريف ثم إنه بعد صلاة الصبح يجلس في حجرته يقري القرآن العظيم لمن يريد القراءة ولا يرد أحداً سواء كان من أهل البلدة أو من الغرباء ويحصل له المشقة العظيمة في تعليمه الأتراك وتعديل ألسنتهم في مخارج الحروف والنطق بها ويزدحمون على الأخذ عنه لأنه يقرر لهم باللغة التركية ما يفهمونه فلذلك كثر الآخذون عنه من الأتراك وغيرهم فلا تخلو بلدة من بلاد الروم من تلميذ له أو تلميذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 أو ثلاثة وفي سنة احدى وستين وجه له الوزير إسمعيل كافل حلب خطابة جامعه الذي أنشأه بمحلة ساحة بزه بعشرين عثمانياً ثم انحطت بعد موت الوزير المشار إليه إلى ثمانية عثامنة واستمر صاحب الترجمة يباشر امامة جامع الرضائية على الوجه المشروح إلى سنة خمس وسبعين فاعتراه الضعف الطبيعي والعجز عن المجئ إلى الجامع فوكل وكيلاً وانقطع في بيته يتلو كتاب الله تعالى ويقري من شاء أن يقرأ لا يغلق دون مستفيد باباً ولا يخرج إلا لي الصلاة في المسجد المجاور لبيته بمحلة قسطل الأكراد وقد امتدحه تلميذه الأديب أحمد الوراق الحلبي بقوله دع عنك ذكر مهلب والطائي ... وأنزل بساحة مصقع الخطباء ذي الفضل والجود اللذين عليهما ... دارت رحى المعروف والأسداء من لم يزل يندي سحاب نواله ... يروى الظماة فما روا الوطفاء والجهبذ الفرد الذي بعلومه ... ساد الرواة بسائر الأرجاء وأمام من يتلو القرآن مرتلاً ... بفصيح نطق عز من تلاء فكأن جل الله باري خلقه ... سواه من لطف الهوى والماء وحباه كل مزية يختارها ... وأقامه علماً على الأهداء حتى غدا وكأنه علم به ... نار أضاءت في دجى الظلماء لا بل هو الشمس التي بضيائها ... ملأت فيا في حلقة الغبراء أفديك يا من فيه أحجمت القرا ... ئح أن تخيل بعض وصف ثناء ومكملاً يستعبد الأحرار بال ... انعام والاعطاء والاسداء فأنا هو العبد الذي ما رق يو ... ماً للعتاق ولا انتمى لسواء فأسلم ودم لي ما نحى ما ارتجى ... وابق المرجي في بني الشهباء وكانت وفاة المترجم بحلب سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف. عمر الطرابلسي عمر بن عبد الحي الحنفي الطرابلسي نزيل قسطنطينية كان ذا فهم ثاقب ورأى صائب كثير الفنون حتى في المجون والمداعبة تفقه في بلدته طرابلس الشام على كبار علمائها وذهب إلى الديار الرومية فأدرك المراد والأمنية وسلك طريق الموالي بها وكان فاضلاً له شرح على الأربعين النووية سماه الدرر السنية له فيه عبارات رقيقة ولطائف اشارات دقيقة ثم إنه توجه لوطنه متقلداً قضاء بلدته طرابلس ثم إنه بعد تمام حكومته وافق عزله موته وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 عمر البغدادي عمر بن عبد الجليل بن محمد جميل بن درويش بن عبد المحسن الحنفي البغدادي القادري نزيل دمشق العالم العلامة الفهامة المتفوق الفاضل العارف الصوفي الكامل الصالح المؤلف المحرر المحشي الفقيه المفسر كان حسن الأخلاق طيب السلوك عارفاً مجيداً حسن التقرير والافادة محققاً مدققاً صافي المشرب معتقداً عند الخاص والعام حسن الملقى له احترام بين الناس وتبجيل ولد في بغداد سنة خمس وخمسين ومائة وألف ونشأ في كنف والده وقرأ عليه وكان والده صالحاً تقياً متعبداً فقيهاً مشهوراً بين أبناء بلدته بالصلاح والعبادة ثم قرأ على الشيخ محمد بن طه البغدادي وعلى الشيخ عبد الرحمن السراجي الحنفي والشيخ محمد الكردي والشيخ محمد الحنفي البغدادي ابن العشي وعلى العالم الشيخ حيدر الكردي ثم البغدادي وعلى والده العلامة الكبير الشيخ صبغة الله الكردي الشافعي وعلى تلميذه الشيخ أحمد كاتب والي بغداد وكان من العلماء وبرع وظهرت شمس فضله بازغة منيرة وحقق ودقق وتسنم ذرى الفضائل وأحرز قصب السبق في مضمارها ومهر واجتاز من العلوم ما اجتاز وحاز من المعارف ما حاز وأينع روضه وراق حوضه وسطع هلاله وظهر فضله وكماله فألوى لدمشق العنان وطوى مشقة الأسفار وألقى بها عصا التسيار واستوطنها وتزوج بها ابن الشيخ حسن البغدادي المقدم ذكره سكن في داره ومكانه الكائن لصيق مقام سيدي زين العابدين رضي الله عنه داخل مشهد المحيا بالجامع واستقام على الافادة والاقراء والتحرير وايضاح المشكلات وحل العبارات وألف وصنف فمن تآليفه شرح القدوري بالفقه وحاشية على المغنى في النحو وحاشية شرح النونية في علم الكلام للخيالي وشرح الصلوات المحمدية للشيخ الأكبر محيي الدين العربي قدس سره وقبل وفاته ألف حاشية على حاشية العلامة علي بن سلطان محمد القاري المكي المسماة بالجمالين على الجلالين وسماها بالكمالين وصل فيها إلى قوله تعالى في أوائل سورة آل عمران يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فجاءت في نحو ثلاثين كراسة فتوفي ولم يكملها ومن تآليفه حاشية على رسالة وحدة الوجود ورسالة في الأعلام بالتكبير ورسالة في الأضحية ورسالة في معنى لا إله إلا الله وحاشية في الاستعارات جعلها محاكمات بين العصام والملوى ورسالة صغيرة في توحيد الأفعال وبيان معنى الكسب ورسالة في مسئلتين لغويتين وقعتا في القاموس الأولى في قولهم السرور توقيع جائز والثانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 في بيان العشر في ظمأ الابل هو اليوم التاسع أو الثامن انظر الأوقيانوس وغير ذلك من حواش وتعليقات على هوامش الكتب تتضمن حل اشكالات ودقائق عويصات وكان له شعر قليل متوسط وأما تآليفه فجرى فيها مجرى التحقيق والتدقيق وانتفع به الطلبة وكان له جماعة ملازمون لدروسه ولا تبطل القراءة عنده في جميع أيام الأسبوع فيقرئ الدروس في سائر الفنون من العلوم خاصة وعامة حديثاً وتفسيراً وكلاماً وفقهاً ونحواً وتصوفاً وأدباً ومعاني وبيان وغير ذلك ومع هذا كانت له يد طولى في علم الحقيقة حتى إنه كان يقرئ الفتوحات المكية وشراح فصوص الحكم وغير ذلك من كتب الحقيقة وكان يقيم الذكر ليلة الثلاثاء وليلة الجمعة وكان يحصل له في حال الذكر وجد وهيمان وكان له ولوع في الذكر وشغف وفي آخر أمره حصل له اقبال تام من الوزراء والقضاة والحكام وسائر الخاص والعام واشتهر صيته في البلاد وأقبلت عليه الناس وحصل له اجلال وتوقير زائد خصوصاً من الوفاد وفاد كرمان جمع وافد لدمشق واعتقدته لعالم وحج إلى بيت الله الحرام مرتين وملك كتباً نفيسة وكانت تجله أهالي دمشق وغيرها ويعتقدونه ويتبركون به ومع هذا فلم يتول وظيفة ولا العثماني نعم الرجل الفرد وصار له اشتهار عظيم فاق به وسما شأنه مع انطراح منه واستقامة وفضل باهر ولم يزل على حالته واستقامته إلى أن مات وذوي ذوي كرمى غصن عمره قبل نموه وافل بدره قبل اكتماله وكان مرضه ثمانية عشر يوماً وكانت وفاته ليلة الخميس عند طلوع الفجر لعشرين من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن يوم الخميس في الصالحية بمقبرة بني الزكي الكائنة لصيق مرقد سيدي الشيخ الأكبر محيي الدين العربي قدس سره بوصية منه وأوصى أيضاً أن لا يعلم له في المنائر وأن يقال عند الصلاة عليه الصلاة على العبد الحقير المفتقر إلى رحمة مولاه فلان من غير أن ينوه به ففعل كما أوصى عند الصلاة عليه بالجامع الأموي ورثى بقصائد وتواريخ من ذلك قصيدة تلميذه الفاضل الألمعي السيد عبد الحليم بن أحمد اللوجي ومطلعها بالجامع الأموي ورثى بقصائد وتواريخ من ذلك قصيدة تلميذه الفاضل الألمعي السيد عبد الحليم بن أحمد اللوجي ومطلعها ما خلت إن عقود الشمل تنتثر ... وإن صدع فؤادي ليس ينجبر وأفيض دمعاه وأحزناه وا أسفا ... طالت شجون وعز اليوم مصطبر يا كوكباً أفلت أنوار طلعته ... فأظلمت بعدها الآصال والبكر قد كان وقتك مجلى للسرور كما ... قد كنت مورد صفو ما به كدر جاشت لفقدك أحزاني وثورتها ... واعتادني المقمان الفكر والسهر كحلت بالسهد عيناً كان أثمدها ... مرآك إذ كان يجلي وجهك النضر ونالني خطبك المردى بداهية ... دهياء يعجز عن أعبائها البشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 فالعين بعدك عبري والفؤاد شج ... والنفس حسرى ونار الوجد تستعر أزمعت للقدس ترحالاً فكان إلى ... حظيرة القدس حقاً ذلك السفر يشير بهذا البيت إلى أن الشيخ المترجم كان قبل وفاته عازماً على زيارة بيت المقدس فعاقته المنية عن نيل هذه الأمنية فلذلك ذكر الراثي ذلك ثم قال لئن غدوت عن الأبصار مرتحلاً ... فإن مأواك مني القلب والفكر 8 - آسى عليك على علمي بأنك في ... دار الكرامة لا بأس ولا ضرر لكنما جذبات الطبع تغلبني ... على الأسى فيكاد القلب ينفطر يا روضة أينعت بالفضل ثم ذوت ... أفنانها قبل أن يستكمل الثمر لم يبلغ السن منك الأربعين وقد ... سارت علومك في الأقطار تنتشر مصنفات وتحقيقات أسئلة ... من العلوم لها الألباب تنبهر كم قد كشفت قناعاً عن غوامض في ... فهم النحارير عن إدراكها قصر هذي مآثرك الحسنى مخلدة ... والعين إن فقدت لا يفقد الأثر منها أبكيك ما طلعت شمس وما غربت ... وأسود جنح ظلام وانجلى سحر أبكيك ما نحبتك الصحف حين جرى ... في وجنة الطرس دمع النقس ينحدر أبكيك ما صرّت الأقلام شاكية ... إلام فقدك والمقدور مستطر أقمت مأتم أحزاني وسرت إلى ... أفراح دار نعيم ليس يندثر وجئت مولاك مشتاقاً إليه ويا ... طوبى لمن سره من ريه النظر فأهنأ بعيشك في أكناف ربك لا ... خوف عليك لديه لا ولا حذر سقتك من صيب الرضوان وأدقة ... ينهل شؤبوبها والعفو ينهمر ما قال داعي الرضى فيما يؤرخه ... دار النعيم لعمري قد حوى عمر عمر الأرمنازي عمر بن عبد القادر الشافعي الأرمنازي الأصل الحلبي المولد المقري الفرضي العالم العامل الفاضل الكامل ولد بحلب في سنة خمس ومائة وألف وكان والده ورعاً صالحاً وخطيباً واماماً بجامع قسطل الحرامي بحلب فنشأ والده المترجم وقرأ القرآن على والده وقرأ الفقه والنحو وعلم الفرائض علي جابر ابن أحمد الحوراني وعبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي وبرع في ذلك وقرأ علم المقيات علي مصطفى بن منصور الطبيب وأخذ الحديث عن محمد بن عقيلة المكي حين قدومه إلى حلب وأخذ العربية والصرف والمعاني والبيان والأصول على عدة شيوخ وكان رأساً في كتابة الوثائق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 الشرعية بحيث إن شهود المحاكم عادوه لذلك وراموا منعه مراراً فلم يقدروا إلى أن قدم الفاضل الأديب حسين بن أحمد الشهير بالوهبي غالبا بو قاضي سرور ينك ممدوحي أولان شاعر وهبينك بدري ياخود جدي اولمليدر الرومي قاضياً لحلب فوصل إليه وثيقة ابراء بين ذميين بكتابة المترجم فلما رآها القاضي قال ما أبقى هذا الكتاب حيثية للمحكمة فوجد الكتاب فرصة ووشوا به إلى القاضي وقالوا إنه قد سد أبواب المحاكم وتعطل حالنا فأحضره القاضي وهدده بعد التوبيخ التام بقطع أصابعه إن كتب مرة اخرى وثيقة لأحد فحلف له على ذلك ثم قال للقاضي يا سيدي أرجو من فضلكم أن تأمروا بتحرير تاريخ هذا التنبيه علي في السجل المحفوظ ربما تقفوا على وثيقة مقدمة فيصبر معلومكم انها كتبت قبل أمركم بمنعى وإلا فتذهب أصابعي ظلماً فضحك القاضي وأعجبه وأمر له بالجلوس وهش له وبش وقال له يا شيخ أنت تحرم نفسك قوجه قاضي بابا وتحرمنا المحصول فلو أخذت كثيراً كان أنفع لك ثم أسر إليه أن أضرب بكلامي الحائط وأكتب ما شئت وخذ كثيراً ولا عليك من هؤلاء الجهلة يعني الكتاب فخرج من عنده وامتنع من كتابة الوثائق ولم يغتر بكلام القاضي لأنه كان يتلون كالحرباء كاتب ذوقه بي يوتمامش ثم إن صاحب الترجمة حفظ القرآن العظيم قبل وفاته بعامين أو ثلاثة وحفظ الشاطبية على الأستاذ محمد بن مصطفى البصيري ثم شرح الشاطبية شرحاً مختصر أسماه الاشارات العمرية في حل رموز الشاطبية لكن أعجلته المنية عن اتمامه وتبييضه فبعد وفاته أتمه وبيضه المتقن عمر بن شاهين امام الرضائية وهو شرح لطيف نافع للمبتدي ولأستحضار المنتهى وجرت للمترجم محنة عظيمة قبل وفاته وكانت سبباً لمرضه الذي مات فيه وذلك إنه لما كان سنة سبع وأربعين بعد المائة صار بحلب غلاء وقلت الأقوات فتحركت العامة والرعاع يوماً لينهبوا الخبز من الأفران فصادفوا خليل المرادي دائراً على الأفران يقبض ثمن الطحين ورأوا معه دراهم كثيرة فطمعوا في أخذها ولحقوه فساق دابته فأدركوه عند جامع قسطل الحرامي فنزل ورام الدخول للجامع المزبور ليحتمي به فمنعه المؤذن والقيم وغيرهما وكان صاحب الترجمة أمرهم بمنعه خوفاً أن يقتل في الجامع وأغلقوا باب الجامع في وجهه ففر نحو البرية فأدركوه هناك وقتلوه ولم يعلم له قاتل وفي تلك الغضون قدم إلى حلب كافلاً وحاكماً الوزير أحمد بن برهان الشهير بالبولاد فاشتكى أولاد خليل المذكور على أهل المحلة عموماً وعلى صاحب الترجمة والمؤذن والقيم خصوصاً فاختفى صاحب الترجمة عند بعنس أصحابه مدة والطلب بالتفحص الشديد عليه إلى أن قضيت القضية وأخذ المذكور جريمة كثيرة يشبه هذا الأمر بواقعة الحريق بحارة الباطلية وانطفت نار الظلم بأخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 الدراهم وتفصيل الأمر في صحيفة 8 من الجزء الثاني من الخطط فشباك القدر متنوعة من أهل المحلة فظهر المترجم لكن أثر فيه الرعب بحيث إنه كان يمرض مدة ويبرأ مدة حتى دنا أجله وكانت وفاته في أوائل شعبان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بمقبرة جب النور رحمه الله تعالى. عمر الجوهري عمر بن علاء الدين المعروف بالجوهري الحنفي النابلسي الشيخ الفاضل الفقيه ولد في سنة خمس ومائة وألف وحفظ القرآن وجوده على عم أبيه الشيخ شمس الدين الخماش واشتغل بطلب العلم وتفقه على عمه الشيخ عبد الله الجوهري ثم لازم الشيخ عبد الله الشرابي وانتفع به وقدم دمشق وقرأ بها علي صالح بن إبراهيم الجينيني وأحمد بن علي المنيني وعلي بن أحمد كزبر وحضر دروس إسمعيل بن محمد العجلوني وأخذ عنه وروى البخاري عن محمد المكي المعروف بعقيلة قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى كتاب الحج وأخذ الطريقة الشاذلية عن عمه الشيخ عبد الله المذكور وجمع بين العلم والصلاح وكان كثير الأعتنا بتلاوة القرآن لا تجده غافلاً عنه وكانت وفاته في شوال سنة احدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا. عمر السكري عمر بن علي الشهير بابن السكري الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الفقيه المبارك كان ينظم الشعر وعنده سلامة الصدر قرأ في الفقه وطرفاً من النحو والعقائد وكان فقيراً ومرض ولم ينقطع في داره غير ثلاثة أيام ومات وكانت وفاته في يوم الأثنين خامس صفر سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بسفح جبل قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله تعالى. عمر السمهودي عمر بن علي السمهودي المدني الشافعي الشيخ الفاضل الأديب العالم الكامل البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن الشيخ أبي الطاهر ابن المنلا إبراهيم الكوراني وعن أحمد أفندي المدرس وغيرهما وصار أحد الخطباء والأئمة بالمسجد النبوي وكان فاضلاً أديباً له مشاركة في كثير من العلوم ذا شهامة عظيمة وعقل زائد وحرمة وافرة بليغاً متقناً فصيحاً وألف خطباً أنشأها بديعة في بابها وله نظم نثر وفضائل كثيرة ضربنا ضربنا عرضنا عن ذكرها خوف التطويل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وإيانا. عمر الظاهر الزيداني عمر بن صالح الملقب بالظاهر الصفدي الزيداني حاكم مدينة عكا وشيخ شيوخ البلاد الصفدية صاحب المواقع الشهيرة الخارج عن طاعة الدولة العثمانية مولده بصفد سنة ست ومائة وألف ومن غريب الاتفاق إن هذا التاريخ أعنى تاريخ مولده موافق لعدد لقبه ظاهر بوضاهر طاهر اولميوب ظاهر ايمش ظاهره ضاهر ديملري ايسه مصرده ظاهرية قريه سنه ضهريه ديملري كببدركه بانيسنك ترجمه سي خططده در وكان والده وجده وأعمامه حكاماً بصفد وعكا ويعرفون ببني زيدان وهم حمولة كبيرة لكن صاحب الترجمة نبغ نبغة ما سبقه إليها أحد من عشيرته واشتهر في أواخر أمره وطار صيته بالبغي والتعدي على هاتيك الديار هو وأولاده صليبي وعلى المقتولين صليبي مشكونة بصيغة التصغير والمقتولين بشكل التثنية وعثمان الشاعر وأحمد وكان الوزير الكبير سليمان باشا العظمي جهز عليه عسكراً وركب عليه بعد أن قبض على أخيه مصطفى الزيداني وشنقه بدمشق فلما وصل الوزير المرقوم إلى قرب عكا بقصد حصاره رشا عليه بعض أتباعه فأدخل عليه السم في طعامه فمات وجئ به إلى دمشق ميتاً شهيداً وبلغ من تجرى صاحب الترجمة إنه أركب آخر أمره مع أبي الذهب أولاده وعساكره لأخذ دمشق من الدولة العثمانية في أمور يطول شرحها ولم يتم الأمر على مراده ورجعت صفقته خاسرة وكان قتله في سنة تسعين ومائة وألف عن يد الوزير حسن باشا القبو دان رئيس السفن السلطانية واندثرت دولتهم ولم يبق لهم أثر استطراد سنة تسع وثمانين ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه إلى البلاد الشامية بقصد محاربة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمرا والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعداداً عظيماً في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجنجانة والمدافع والفنابر والمدفع الكبير المسمى بابومايله الذي كان سبكه في العام الماضي وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وإبراهيم بك طنان وإسماعيل بك نابع إسماعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر إبراهيم بك وجعله عوضاً عنه في امارة مصر وإسماعيل بك وباقي الأمرا والباشا الذي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 بالقلعة تنديسه صفت وهو مصطفى باشا النابلسي وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقلية أوجاقلي ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جهة غزة وارتجت البلاد لعدوده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل إلى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم أيضاً عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليال فكانوا يصعدون إلى أعلا الصور ويسبون المصريين وأميرهم سباً قبيحاً فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أصوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير زنجيرلر وسبوا النسا والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤس القتلى عدة صوامع وجوهها بارزة تنسف عليها الأتربة الرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالباً عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هارباً وتركها وحصونها فوصل إليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالاً مزيد عليه وما آل به إلى الموت والهلاك وأرسل بالبشائر إلى مصر والأمر بالزينة فنودي بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات دوننموشنلك ديمك ايستر وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فأذاهم مبلسون وذلك إنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية وأذعن الجميع لطاعته وقد كان أرسل إسماعيل أغا أخو علي بك الغزاوي إلى اسلامبول يطلب أمر مصر والشام وأرسل صحبته أموالاً وهدايا فأجيب إلى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع واليرق والداقم لعله بيرق وطاقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحاً وحم بدنه في الحال فأقام محموماً ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني ووافا خبر موته إسماعيل أغا عند ما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الأمر أو الأجناد الذين بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وإنه يريد تقليدهم المناصب والأحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بإرسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنونهم ويطلبون احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي مرض فيها وأكثر لا يعلم بمرضه ولا يدخل عليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث إنه منحرف المزاج فلما كان في صبح الليلة التي بات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزينة في حركة ثم زاد الحال وجرد وأعلى بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي أردو وحضر مراد بك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفاً من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم لما تحقق عندهم إن هم دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا طالبين الديار المصرية فوصلوا في ستة عشر يوماً ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرادوا دفنه بالقرافة وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الجامع الأزهر فحفروا له قبراً في الليوان الصغير الشرقي وبنوه في الليل ولما أصبح النهار عملوا له مشهداً وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى أمامه المشايخ والعلما والأمرا وجميع الأحزاب والأوراد وأولاد المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود ستراً على رايحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ليال وحتمات وقراآت وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعون يوماً واستقر أتباعه أمرا مصر ورئيسهم إبراهيم بك ومراد بك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بك وأحمد بك الكلارجي ومصطفى بك الكبير وأيوب بك الكبير وذو الفقار بك ومحمد بك طوبال ورضوان بك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي المحتسب وأيوب بك الصغير وقاسم بك الصغير وعثمان بك الشرقاوي ومراد بك الصغير وسليم بك أبو ديار ولاجين بك وسيأتي ذكر أخبارهم انتهى ما نقلناه من عجائب الآثار بحروفه وقوصون محلة بمصر كما هو مذكور في كتاب المواعظ بمناسبة اصطبل الأمير قوصون وقد سماها عباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 باشا حفيد محمد علي باشا المشهور صاحب المجد الحلمية حينما بنى الدار هناك الأنيقة وعباس باشا هذا أدركه الأجل في بنها العسل ثم حمل على العجلة وأدخل نعشه ليلاً إلى داره في العباسية التي كان اسمها الحصوة فغسلوه وحملوه إلى قبره بالقرافة بمجامر العود والعنبر وكانت وفاته خارج مصر مثل محمد بك أبي الذهب رحمهم الله تعالى. عمر السفرجلاني عمر بن إبراهيم بن عبد الكريم أبي بكر السفرجلاني الدمشقي الشافعي أحد التجار المشاهير بدمشق وأصحاب الثروة كان ذا وجاهة ومال زائد وله يد طائلة في فعل الخيرات ومسارعة إلى صنائع المعروف والمبرات بنى في دمشق أربعة مساجد أحدها بمحلة القنوات وبنى له منارة والثلاثة بقرب داره اثنان منهما لهما منارة ورتب لهذه المساجد وظائف وشعائر وربعات من القرآن العظيم تقرأ كل يوم وكان مشهوراً بفعل الخير وكانت وفاته سابع عشر شعبان سنة اثني عشر ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وأعقب من المذكور تسعة بنين ومن الاناث ثلاث عشرة بنتاً ومن النقود خمساً وستين وألف قرش ما عدا العقارات والبضاعات والأملاك رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. عمر الكيلاني عمر بن ياسين بن عبد الرزاق بن شرف الدين بن أحمد بن علي القادري المعروف كأسلافه بالكيلاني الحموي الشافعي السيد الشريف كان موقراً معتبراً مبجلاً صاحب حال وقال ممدوح الخصال تعلوه هيبة الصلاح ووقار التقوى سخي الطبع محمود الحركات والسكنات صدراً من الصدور وهيكلاً متهللاً بالبهجة والنور ولد بحماة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده ثم في سنة ثلاث وأربعين قدم مع والده وابن عمه الشيخ عبد القادر وأولادهم وعيالهم لدمشق مهاجرين إليها ثم سافر صاحب الترجمة بعد وفاة والده بدمشق وساح فدخل بغداد والرقة وحلب مراراً وجلس على سجادة مشيختهم واستقام على أحسن سيرة وعمر داراً بدمشق في محلة القباقبية العتيقة كانت أولاً لبني عبادة وصرف في عمارتها أموالاً جمه وسافر من دمشق قبل اتمامها إلى جهة الروم بخصوص فقرأ أهل بلدة حماة لدفع مظلمة كانت عليهم فنال مطلوبه فوق مرامه وذلك في زمن السلطان الغازي مصطفى خان وحصل من الدولة إكرام واحترام ثم في آخر أمره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 توطن مدينة حلب وترك بلدته حماة لتغلب حكامها وتخالف الأحوال عليه وتوفي بحلب في ثاني عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارجها في تربة الصالحية بالقرب من الشيخ الدباس رحمه الله تعالى. عمر السيري عمر السيري الطرابلسي الحنفي الشيخ الفاضل العالم الصدر المحتشم ترجمه بعض الفضلاء فقال في حقه همام ذو فهم ثاقب في المعارف والمناقب وانشاء عجيب في المحاولة لكل أمر غريب تميل إليه الناس رعاعهم والأكياس في نجاح مقاصدهم وبلوغ حوائجهم ولم يزل في الناس كذلك سالكاً أحسن المسالك إلى أن تقلد بسيف القضا وقطع به ما كان به مرتضى فانقطع حبله وفل وصله أي أفلس ودارت عليه الدوائر إلى أن زار المقابر ولقد أطلعت له على نميقة تؤذن بحرية ألفاظه الرقيقة وعلو رتبة منشيها على أرائك معاليها انتهى وكان له فضل غزير وأدب غض وصار أحد أعيان طرابلس وصدورها وكانت وفاته بها سنة تسع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عمر الأفيوني عمر بن محمد الطرابلسي الحنفي الشهير بالأفيوني وتقدم ذكر ولده عبد الله الشاعر المشهور الشيخ الفاضل البارع الكاتب الفقيه العالم النحرير ترجمه بعض فضلاء طرابلس فقال في حقه فقيه فاضل له فكر سائل إذا سأله سائل يملأ له الاناء من المسائل وله في رياض الفقه النعماني رياضه ومن حياضها استفاضه كان غالب كتبه بخطه مزينة بصحيح ضبطه انتهى وكان المترجم موصوفاً بالنبل مشهوراً بمعرفة المسائل الفقهية وغيرها أخذ عن جملة من الشيوخ كالشيخ عبد الله الخليلي وغيره وكانت وفاته بطرابلس سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين. عمر بن محمد البصير المصري عمر بن محمد البصير الشافعي المصري نزيل حلب المقري المتقن العارف باختلاف القراآت ووجوهها النحوي الكامل العالم العامل قدم حلب في سنة خمسة عشر ومائة وألف فاعتنى به الرجل الخبر مصطفى الكردي العمادي وأنزله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 في المسجد الذي تحت الساباط في أول زقاق بني الزهرا ويعرف قديماً بدرب الديلم بالقرب من داره فكان يقرئ القرآن العظيم في المسجد المذكور وكان حديث السن وقد جمع الله فيه المحاسن والكمالات انفرد بحسن الصوت والألحان الشائقة والعلم التام بتحقيق التجويد ومخارج الحروف والاتقان وسرعة استحضار عند جمع وجوه القراآت وطول النفس لكنه كان ضنيناً بتعليم القراآت السبع لم يقرئ أحداً بذلك وكل من طلب منه الاقراء بغير قراءة حفص يسوفه ويماطله ولا يقرء أخبر تلميذه المتقن عمر بن شاهين امام الرضائية قال حفظت عليه القرآن العظيم وسنى اثنا عشر سنة والتزمت خدمته وكنت أقيم أكثر أوقاتي عنده ويأخذني معه إلى القراآت وكنت أقوده إلى مكان يريده وكان يتفرس في النجابة وبعد القراءة يعلمني الألحان من رسالة كانت عنده ويعلمني كيفية الانتقال من نغم إلى نغم ويقول إن ذلك يلزم من كان إماماً وأنت ربما تصير اماماً وكان يعلمني كيفية قراءة التحقيق والترتيل والتدوير والحدر والوقف والابتدا ويباحثني في طول النفس لأنه كان يدرج ثلاث آيات أو أربعاً من الآيات المتوسطات في نفس واحد وكان يقرأ آية المداينة في ثلاثة أنفاس من غير إخلال في الحرف ولا في مده وكان يصلي التراويح إماماً بالمولى الرئيس طه بن طه الحلبي في الرواق الفوقاني من جامع البهرامية ويقرأ جزءاً من القرآن درجاً صحيحاً يقصر المد المنفصل والامام الراتب يصلي في القبلة الصلاة المتعارفة بين أئمة التراويح فكان يسبقه الامام بالوتر فقط وكان ذكياً متيقظاً أذكى من تلميذه الشيخ محمد الدمياطي قال وجرى لي معه مرة واقعة وذلك إني أتيت يوماً لأقرأ وكنت لم أحفظ ما تلقيته وألزمني بالقراءة ولم يكن ثم أحد غيري فأخرجت مصحفاً صغير الحجم فظهر له إني أقرأ عن ظهر قلبي فأصغى إلى هنيئة ثم وثب علي ورمى بنفسه علي وقبض على المصحف من يدي فارتعت وشرع يضربني ويقول يا خبيث تدلس علي وتغش نفسك فحلفت له إني لم أفعلها إلا هذه المرة فتركني حينئذ فلما سكن روعي قبلت يده وقلت له بحياتك من أين علمت إني أقرأ بالمصحف فقال سمعت صوتك يأتي من سقف المحل فعلمت إن في يدك شيئاً يمنع مجئ الصوت مواجهة ومرة أخرى كنت أذهب معه إلى دور بعض أحبابه وكان في الطريق بالوعة إذا وصلنا إليها أخبره بها فيتخطاها فبعد مدة سترت تلك البالوعة بالطوابق فلما مررت به من ذلك الطريق بعد مدة وصل إلى موضعها وتوقف ثم تخطى قلت له لم تخطيت قال أليس هنا بالوعة قلت بلى كانت ولكنها من مدة زالت انتهى قلت ومثل ذلك ما حكى عن أبي العلا المعري شرح السقط طبعناه إنه كان سافر مع رفيق له إلى جهة فمرا في طريقهما بشجرة فلما قربا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 منها قال له رفيقه إياك والشجرة أمامك فانحنى حتى تجاوزها فلما رجعا من ذلك الطريق أيضاً انحنى أبو العلا لما قرب من مكان الشجرة ورفيقه ينظر إليه ويحكي عن حذق أبي العلا المذكور إنه أنشده المنازي أبياتاً بالشام فقال له أنت أشعر من بالشام ثم اتفق اجتماعهما بالعراق بعد سبع سنين فأنشده المنازي أبياتاً أخر فقال له ومن بالعراق ومثله ما حكى عن داود الحكيم الأنطاكي صاحب التذكرة وغيرها إن رجلاً دخل عليه وقال له أي شيء يقوم مقام اللحم فقال البيض فغاب عنه سنة وجاءه فرآه منهمكاً في تركيب معجون وهو يجمع أجزاءه فقال له بأي شيء يقلي فقال بالسمن وحكايات حذقه كثيرة ذكره من ترجمه ثم إنه أعنى صاحب الترجمة في آخر عمره ترك الاقراء وخرج من ذلك المسجد واشترى له داراً بالقرب من المحلة الكبرى وكانت وفاته بحلب في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة العبارة خارج باب الفرج ولم يعقب غير بنت وخلف مالاً كثيراً رحمه الله تعالى. عمر الوحيد عمر بن مصطفى بن مصطفى الملقب بالوحيد كما إن والده كان يلقب بالعاطف عاطف أفندي هذا له مكتبة في ميدان وفا وقد رأيت بصائر صاحب القاموس بها وهذه المكتبة محرومة عن نسج العنكبوت لوجود من يعتني بأمرها من بيت الواقف وأما مكتبة بشير أغا فعليها قفل عظيم مصون عن الفتح تحاكي مكتبة جامع شهزاده الحنفي القسطنطيني أحد أعيان الدولة ورؤسائها أرباب الشهرة والصولة الكاتب الماجد المحتشم المعتبر الرئيس النبيل الدين العمدة ولد بقسطنطينية دار السلطنة ونشأ بكنف والده وكان والده من رؤساء الدولة وأعيانها وسيجئ ذكره في محله وقرأ القرآن ودأب على التحصيل والكتابة والانشاء وحسن الخطوط فبرع ومهر وأتقن الخطوط ولازم الديوان العثماني وباشر كتابة المناشير والتواقيع السلطانية وولي المناصب الديوانية وعلت كلمته وتوقرت حرمته واتسعت دائرته ونمت ثروته ثم بعد توليته المناصب واستخدامه بأمور الدولة صار رئيس الجاويشيه ورئيس الكتاب خارجيه ناظري وأمين السقايين السلطانية وأمين الدفتر وطغرابي الدولة نشانجي طغراكش ومستوفيها الذي هو وكيل بيت المال المعبر عنه في الاصطلاح العثماني بالدفتري والدفتردار ماليه ناظري وكتخداي الوزير الأعظم مستشار وتكرر ذلك له واشتهر بين الناس ورجال الدولة بالأمانة والخير والديانة وشدة البأس وعدم المحاباة واعتمد عليه في الأمور وتمشيتها وصار المستشار في مهام الدولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 والمستخدم بمناصبها واعتبره الوزراء واشتهر كما اشتهر أبوه ولم يزل في عزه وجاهه بين أقرانه وأشباهه حتى مات وكنت لما ارتحلت لدار السلطنة المذكورة قسطنطينية ودخلتها في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف اجتمعت بالمترجم وكان إذ ذاك رئيس الكتاب وجرى بيني وبينه محادثة وملاطفة ورأيت منه من التوقير والتعظيم ما لم أره من غيره وكانت بينه وبين والدي وجدي حقوق ومودة ذكرها إلي عند الاجتماع به ولما دخلت دار السلطنة ثانياً سنة سبع وتسعين ومائة وألف بلغني بعد دخولي إليها خبر ضعفه وتزايد مرضه وكنت عزمت على عيادته فلم تطل مدته ومات وكانت وفاته وأنا بدار السلطنة في ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى من السنة المرقومة وسيأتي ذكر والده مصطفى العاطف في محله رحمهما الله تعالى. عمر الرجيحي عمر بن مصطفى الشهير بالرجيحي الدمشقي الأديب الأريب الكاتب الماهر البارع كان لطيف الذات حسن السمات من الظرفاء الكمل المشاهير متقن النظم والنثر وهو من ذوي البيوت القديمة بدمشق ولهم أوقاف وشهرة ومن شعره قوله وافى الربيع فحبذاك أو أن ... سرت به الأرواح والأبدان وافى الحبيب لدوح روض نوره ... ما الدر ما الياقوت ما المرجان فجرى القراح مبشراً بقدومه ... سلكاً سعت لنظامه الخلان لما تفوه بالبشارة معلناً ... نشرت عليه حليها الأغصان وقوله البدر يعزي لحسن طلعته ... والغصن يحكي للين قامته وللثنايا الجمان منتمياً ... والليل من بعض فرع طرته محجب كم أروم زورته ... والموت للصب دون زورته وقوله أمسيت في عصر قوم لأخلاق لهم ... من صحبتي لهم قد ساءني التعب أن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا ... شراً إذا عوا وإن لم يسمعوا كذبوا سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وله غير ذلك وكانت وفاته في غرة ذي القعدة سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى. عمر الوزان عمر بن مصطفى الوزان الحنفي الدمشقي الفاضل الصالح كان من أهل العلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 والفضل وله حسن أخلاق وتودد ومنادمة ولد بدمشق سنة احدى وستين وألف وقرأ العلوم وأخذها وجل انتفاعه على محمد علاء الدين بن علي الحصكفي مفتي الحنفية وقرأ على غيره وكانت وفاته في يوم الخميس خامس عشري شعبان سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عمر الطوراني عمر بن مصطفى البغدادي الشهير بالطوراني مفتي السادة الحنابلة ببغداد وخادم ضريح القطب الرباني سيدي عبد القادر الكيلاني الشيخ الفاضل الفقيه العالم الصالح البارع طلب العلم وأخذ الفقه وغيره عن كل من الجمال عبد الله بن الحسين السويدي الشافعي والشيخ ياسين الهيتي ثم توجه إلى القسطنطينية وتوطنها وتزوج بها وأقام هناك إلى أن توفي في حدود سنة أربع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عمر كرامه عمر بن مصطفى بن أبي اللطف الحنفي الطرابلسي الشهير بابن كرامة الشيخ الفاضل الأديب المفنن العالم الفاضل كان من العلماء الأفاضل قرأ بمصر ودرس بطرابلس في جامعها وولي افتاء طرابلس وله من المؤلفات نظم متن السراجية وشرحها وله رسائل في العروض وغيره وصحب أخاه في الرحلة إلى مصر وكانت وفاته بطرابلس بعد الستين ومائة وألف عن مائة وخمس عشرة سنة رحمه الله تعالى وإيانا. عمر اللاذقي عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن علي اللاذقي الحنفي الشيخ الفاضل البارع الأديب الأوحد الشاعر السيد الشريف ولد سنة اثنين وستين ومائة وألف بلاذقية العرب ونشأ بها في حجر أبيه وكان والده المرقوم مفتياً بها وكان يلقب بملا جامي وكانت وفاة المترجم بمدينة حلب ذهب إليها ليزور شقيقته زين الشرف زوجة إبراهيم أغا بن يعقوب أغا متولي وقف السلطان إبراهيم بن أدهم سابقاً فمات عندها قبيل ظهر يوم السبت حادي عشر شعبان سنة تسع وتسعين ومائة وألف بتقديم التاء المثناة فيهما رحمه الله تعالى. عمر الأرزنجاني عمر بن مرتضى الحنفي الأرزنجاني نزيل قسطنطينية الشيخ العالم الفاضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 المحقق قدم دار الخلافة المذكورة ولازم على طريقتهم وأعطى التدريس من شيخ الاسلام مصطفى بن محمد الدري مصطفى ولي الافتاء وكان سلفه وخلفه فيض الله وتولاه ثانياً وسلفه أحمد وخلفه ولي الدين وفي دفعته الثالثة سلفه محمد وخلفه إبراهيم بن عوض وأما والده محمد كان سلفه إسحق وخلفه مصطفى بن فيض الله مفتي الدور وأقرأ وأفاد ولازم الطلبة واشتهر بين علماء الدولة وصار أحد المعلمين الغلمان دار السعادة السلطانية وتنقل في المدارس على عادتهم وكانت وفاته مطعوناً في رمضان سنة سبع وتسعين ومائة وألف والأرزنجاني نسبة إلى أرزنجان. عمر الطحلاوي عمر بن علي بن يحيى بن مصطفى المالكي المصري الأزهري الشهير بالطحلاوي الشيخ الامام المحدث الفقيه المعمر الأصولي المسند أوحد عصره أبو حفص سراج الدين أخذ عن جملة من الأيمة كالشهابين أحمد البلابلي وأحمد بن أحمد بن عيسى العمادي وسالم بن أحمد النفراوي وأحمد بن الفقيه ومنصور المنوفي وعلي بن أحمد بن عبد الله الحريشي ومحمد الورزازي برواية البلابلي وكذلك العمادي عن سيدي محمد الزرقاني وعن غيرهم وصار له الفضل العظيم والعلم الغض والفضل التام وتصدر للتدريس والفتوي وأقبلت عليه الأفاضل وانتفعوا به فمن جملة من أخذ عنه المحقق عبد الله بن حجازي الشرقاوي ومحمد بن عبد المعطي الحريري والشهاب أحمد بن يونس الخليفي والسيد محمد أبو الأنوار الوفائي وغيرهم وكانت وفاته سنة احدى وثمانين ومائة وألف ودفن بمشهد عظيم بتربة المجاورين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. عمر البقراصي عمر بن يوسف الحنفي البقراصي نزيل حمص الشيخ الامام العالم الفاضل الكامل كان محققاً في العلوم العقيلة والنقلية جاء من بقراص بلدة في الروم وقطن في مدينة حمص وعمر الجامع المشهور بجامع النخلة بعدما خرب ودثر صالح ابن أيوب كان خرب جوامع الروضة بمصر ولم يتيسر له الاقامة فيما بنى بها من القصور إذ أدركته المنية بالمنصورة وتركت شجرة الدر جثته فيما بناه مدة حتى جهزوا له حفرته ونقلوه إلى مدفنه في مدرسته وبنى نحو الثلاثين حجرة لطلبة العلم وكان متصدياً لقراءتهم وقراءة الدروس العامة وإحياء العلم في حمص وانتفع به كثير وكان ورعاً كثير العبادة متهجداً في الليالي صواماً زاهداً عفيفاً جرياً في التكلم بالحق توفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 بحمص في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن في الجامع المذكور تحت منارته رحمه الله تعالى. عمر الشهير بعميرة عمر الشهير بعميرة الدمشقي أحد مجاذيب دمشق المتقدمين كان من كبار الأخيار له الشهرة التامة في الولاية لازم دروس المحدث الامام إسمعيل بن محمد العجلوني تحت قبة النسر بالجامع الأموي في صحيح البخاري واشتهر بين الناس بالولاية والكشف وذكره الأستاذ مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي في بعض تآليفه وأثنى عليه وقال قال لي الأخ الشيخ عبد الرحمن السمان عنه إنه مخلص الأيادي يعني إن تصرفه تام النهايات والمبادي وأخبرني الأخ الشيخ مصطفى يوماً من الأيام قال كنت اليوم عند السمان في الحمام فجاء الشيخ عميرة إلى جانبي وأنا خارج من الداخل ثم تقدم لقربي الشيخ عبد الرحمن وقال بالأمس هذا قال لي ضع يدك على كتفي فوضعتها وسار إلى بلاد وأماكن عجيبة ودار بي في منازل غريبة وأظنه ذكر جبل قاف قال ورجع بي قال الشيخ مصطفى فأردت أن أتثبت في تحقيق هذه الواقعة فقلت للشيخ عميرة هكذا جرى مثل ما أخبر قال نعم سيدي نعم سيدي وقد شوهدت له كرامات كثيرة ومقامات خطيرة وجاءني مرة فذكرت له قصة تورث غصة فبشر بالخلاص من ضيق هاتيك الأقفاص فقلت له إن حصل ما أشرت به من المعروف أعطيتك هذا الصوف وأريته صوفاً كان عندي فجاء بعد أيام قلائل وطلبه وأعطيته إياه ولم أعد ولم أبدي وتحققت إن المطلوب سيكون والصعب يهون فكان كذلك بعد مضي أشهر مما هنالك وأضافنا الشيخ عبد الرحمن مرة في جنينة الشيخ مسعود وصحبتنا جماعة من أهل الحب والجذب أولى الطالع المسعود فرأيت المترجم ضرب ابن سراج المقدم على رأسه فالتفت إليه وقال مجنون فتحققت إشراق نبراسه انتهى ما قاله وكانت وفاته بعد الخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عمر العينوسي عمر بن أحمد الشهير بالعينوسي الشافعي النابلسي الشيخ الفقيه الصالح الفرضي حفظ القرآن وأتقنه بتجويده وأحكامه ورحل لمصر وقرأ على الشيخ العزيزي وعادت عليه بركته ولما حضر لوطنه انقطع في خدمة الأستاذ السيد مصطفى البكري وانتفع به أتم الانتفاع وأخذ عنه طريقة الخلوتية وألبسه الكسوة وتصدر وتصدى لأرشاد المريدين واجتهد في عبادته حتى مات ولم أتحقق وفاته في أي سنة رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 عمر العنز عمر المعروف بالعنز الأدلبي نزيل حميص الأديب الفاضل المنجم العارف كان ماهراً بالأدب والعلم والطب ولكنه كان في غاية من لنحوسة والنادر لا حكم له أدركته حرفة الأدب وقد استقام في حمص واشتهر يقرئ ويفيد وله ديوان شعر ومن شعره هذه النبوية ومطلعها للحب آيات حق للمحال محت ... وأثبتت حب من بالطرف قد لمحت واستحكمت حيث جاءتنا مبينة ... بنسخها لدواوين الهوى شرحت فمن يكذب ولم يؤمن بمحكمها ... فنفسه عن طريق الحق قد جمحت بها أتانا رسول كان مبعثه ... عن ربة الحسن والحسنى التي رجحت لما تلاها على أرواحنا سجدت ... طوعاً أجابت وبالأحكام فانصلحت ومذ دعاها إلى دين الهوى زمراً ... سعت إليه على رأس لما انتصحت مستسلمات أتت في شرع ملته ... نواسكاً وبدار الخلد قد فرحت ولو عصته ولم تؤمن ببعثته ... باءت بخزي وإنكال وما ربحت يا ويل قوم دعاهم للغرام أبوا ... تباً لهم فئة للسلم ما جنحت لكن نفسي تسامت في إجابته ... قدر أرقت لسماء العشق فانفسحت والحمد لله ربي حيث نسبتها ... صحت بحب فتاة شمسها اتضحت لما بدت من خفي خدر الجمال سبت ... عقول أهل الهوى تيهاً وقد فضحت لم لا يتيه بها العشاق قاطبة ... لأنها نحو أرباب الغرام نحت سلت سيوفاً من الألحاظ فاتكة ... وأسبلت حالكاً في ليله اتشحت سبت عقول الورى بالطرف إذ نظرت ... أبدت عجاباً وعجباً حيثما لمحت حلت قلوباً وكم من ذي الجمال جلت ... ظلمات وهم بالنور التي رشحت وأنفذ الحسن سهماً من حواجبها ... تصمي حشاشة صب طالما جرحت نحر شي بهواها لا هوان به ... ياليتها لفؤاد الهاوي قد شرحت حاولت أطلب عمداً وصلها فلوت ... عني وولت ولا بالوصل ما سمحت جازت لتنظر ما أبقت لعاشقها ... من حر نيران وجد بالحشا لفحت حارت وحازت قلوباً ملأ قبضها ... ويالها منة فيهم إذا منحت أذكت سعيراً تلظى والوقود له ... من الحنايا ضلوع نارها لفحت صفحت عن ذنبها عفواً ومكرمة ... مع إنها عن ذنوبي قط ما صفحت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 كفاك يا علو اعجاباً وبحترة ... كفى فواكف أما في لقد نزحت لقد أطلت عذاب العاشقين ولم ... ترثى لمن بالحشا أحشا وهم فتحت حرقت أكبادهم لما إليك صبو ... واستعبروا بد ماء طالما نضحت تعالى مني وجودي واسمحي بلقا ... واستعملي الرفق فيمن نفسه طمحت إن لم نجودي ولم ترثى لذي شجن ... فعنك لي عوض من ذاته رججت على الخلائق بالتقوى فزاد علا ... على الأنام بأيديه التي منحت محمد من رقى السبع الطباق وقد ... أتى بشرع قويم شمسه اتضحت عمت مكارمه العافين فانتهلوا ... من بحر فيض عطاياه التي رشحت أبو المفاخر عم الجود وابن عطا ... حمد النوال أخو التقوى التي اصطلحت غيث الندى مقصد المداح نعم فتى ... رقى العلاذ وأياد للنوال دحت له السيادة حقاً والكمال معاً ... والفضل والحلم والنفس التي صلحت من أم ناديه يرجوه لمعضلة ... ينل من الخير من حاجاته اجترحت كهف ملاذ غياث ملجأ سند ... أفكاره من علوم الغيب قد طفحت آياته وسجاياه وخلقته ... عن وصفها كلت الأفكار مذ شرحت وله غير ذلك وكانت وفاته في حمص سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. علي العمادي علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عماد الدين الحنفي الدمشقي المعروف كأسلافه بالعمادي صدر صدور دمشق كان مهاباً محتشماً وقوراً عالماً علامة نحريراً فقيهاً أديباً ماهراً حاذقاً فائقاً ولد في دمشق ليلة الأثنين ثالث شعبان سنة ثمان وأربعين وألف ونشأ بها وقرأ على والده وعميه شهاب الدين وكمال الدين العالمين الفاضلين وعلى جماعة منهم الشيخ محمود الكردي والعالم الشيخ إبراهيم الفتال والفرضي الحيسوب الشيخ رجب القصيفي الميداني وغيرهم وتولى تدريس المدرسة السليمانية في الميدان الأخضر وافتاء الحنفية بدمشق وعزل عنها وسلك بها سلوك سلفه المتقدمين وبالجملة فقد كان من الأعيان الأفاضل مرجعاً في الأمور ومحترماً ترجمه السيد محمد الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه هو الآن في الحضرة الخضرة متعين في نظرائه بالمعالي النضرة فيكاد يشير إليه من يغمض عينيه ومن أرد أن يكون السعد من خدمه فليضع قدمه مكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 قدمه فالاقبال كأنما خلق لأجله واليمن في مواطئه بخيله ورجله وهناك جد لو كان بظبة صارم ما تبدا غراره وبشر لو سال بصفحة البدر ما خيف سراره وأنا إذا جئت أصفه ولا أقدر أني أنصفه قلت أعلى الله مكانه وشيد في أفق النباهة أركانه فما زال إلا من يواصل هدوه والجذل بصاحب رواحه وغدوه وله السلامة التي يهنأ بها ويحيى والدنيا التي لم تزل غضة العهد طلقة المحيا وله عندي وراء ذلك وداد برى من الكلف وامتداح لوناً له البدر لأنجلى عنه الكلف وهو في الفضل كأبيه وجده وإذا قيس بهما فقد انتهى لأقصى حده وأما أدبه فقد حل من البراعة مكاناً علياً وهمي ودقه على ربا الاجادة وسمياً وولياً فإذا أجال يراعه ملأ القرطاس بلاغة وبراعه وإذا وشى الصحائف من حبائر بديهته واملأته فكأنما أفاض عليها من أنواره ولألأته وقد اثبت له ما يهيج الأدب ويزينه وإذا وزن به الشعر رجحت موازينه فمنه قوله فيما كتبه إلى الأستاذ الكبير زين العابدين الصديقي يستدعيه لدمشق قد ألبس الروض أنواعاً من الحبر ... وتوج الغصن اكليلاً من الزهر ومدت الأرض وسط الروض جاشية ... من الزمرد في مستنزه نضر وقام كل خطيب في الرياض شدا ... بلحن معبد وقع الناي والوتر وفاح نشر عبير في دمشق غدا ... يغني بطيب شذا عن عنبر عطر كأن عطر غوان قد ضمخن به ... أتت به من بخور نسمة السحر وراقبت فرصة الأخفاء فانغسلت ... كالسحر بين مقر الجن والشعر فاستبضعت كل لطف مع لطافتها ... واستصحبت كل عرف طيب الأثر فقمت أنشق رياها وقلت لها ... جودي علي فإني لأت مصطبري وخبريني أهذا العرف منشأوه ... عن طيب مخبر أم أطيب الخبر قالت أعيذك من هذا النباء أما ... كفاك رونق هذا العام من خير فالشام سامية والأرض نامية ... والسحب هامية بالطل والمطر من أجل أن امام الوقت أعنى به ... زين الأنام وكهف البدو والحضر ذاك الامام الذي بالمجد قد بهرت ... آيات محتده الزاهي على الزهر وابن الامام الذي ما مثله أحد ... إذ كان في الغار ثاني سيد البشر يروم جلق قصداً أن يشرفها ... بالبشر منه فتضحى نزهة البصر فقلت أهلاً بما أديت من نبأ ... أودعت في السمع منه أنضر الدرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 وصرت ألثم فاها فرحة وهوى ... ومنطقاً ورده أحلى من الصدر فأنجز الوعد لطفاً منك سيدنا ... فالشام إن جزت صينت عن يد الغير فأعين الزهر وسط الروض شاخصة ... لكي تراك فتحظى منك بالنظر ومن شعره قوله مخمساً إذا رأيت ليالي الوصل مقبلة ... من الحبيب فأحسنها معاملة وقل له إن ترم مني منادمة ... أصحب نديمك أقداحاً مسلسلة من الرحيق وأتبعها بأقداح وأسقه أنت بغياه وطلبته ... لتجمع الراح والأفراح ليلته ولا تلمه فإن الشرب نشأته ... من كف ريم مليح الدل ريقته بعد الهجوع كمسك أو كتفاح فالراح كالريح نعم القول من نبأ ... وقد روته بنو العباس عن ملأ وقال اسحقهم ناهيك من فتأ ... لا تشرب الراح إلا من يدي رشأ تقبيل وجنته أشهى من الراح قوله فالراح إلى آخره هو من قول بعضهم الراح كالريح إن مرت عطر ... تذكو وتخبث إن مرت على الجيف ومن بدائعه قوله عز هذا العزيز في سلطانه ... ومضى والمطال أكبر شأنه وأرانا من سحر عينيه هارو ... ت وماروت من شبا أجفانه فاستمال القلوب نحو محيا ... كان سلب العقول من برهانه وحبانا من جل ما نتمنى ... غن شذا ورده ومن ريحانه وأرانا برق الثنايا اختلاساً ... خوف واش وحاسد يريانه ورأيت الغرام من فيه لما ... لاح فرق اللما وضؤ جمانه فشهدت المدام في الكون طرا ... من لماه والسكر من لمعانه وضروب الجمال قد جمعت فيه ... وفي شكله وفي ألوانه قده كالقضيب من فوق ردف ... ذي اهتزاز يميس في أعكانه تحت وجه كالروض أودع فيه ... كل معنى يروق في ابانه خده كالشقيق في اللون والصد ... ع كأس الرياض في عنفوانه تحت جيده الذي حل فيه ... خاله مخنف لجل مكانه فافتتنا بقامة وبجيد ... وسبانا زمردي هميانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وقوله وكأنما المصباح وسط حديقة ... محفوفة بالورد والنسرين بدر بدا تحت السحاب أحاطه ... قزح بقوس محكم التكوين أو غادة قد ألبست لبهائها ... حلل الجمال بديعة التلوين أو شادن قد خط تحت جبينه ... بالطرة العجماء تحت السين وقوله باكر صبوحك من فيه مشعشعة ... تضئ إن رشفت منه كمصباح بيضاء مثل نهار الوصل رؤيتها ... وحالة الرشف تكسي لون تفاح لأن نسبت در الثغر حالتها ... ودنها من عقيق اللون وضاح وعاذل قال ما في الراح معتبة ... فاستغن عنها بكاسات وأقداح فقلت يا جاهلاً في الحب معرفتي ... إليك عني فلا أصغي إلى اللاحي لا أشرب الراح إلا من مقبل من ... تقبيل راحته أشهى من الراح وله في العذار ما كنت أحتسب قبل نبت عذاره ... إن العذار لحسنه تأكيد حتى بدا في خده متجعداً ... كفتيت مسك لا يلين جديد فكان محمر الخدود شقائق ... عن لثم أفواه الأنام تحيد وكان معوج العذار بصدغه ... شرك لحبات القلوب يصيد وله في البيت الأخير الاستخدام وعاذل قال عقرب لذغت ... أحمد نوع الجمال سيده قلت عجيب لها أما رهبت ... عقرب صدغ رأت محدده قالوا رأته وأنت تخبره ... ذاك للسع اللقلوب ترصده فقلت إذ بان إن عقربكم ... لما أتته رأت تأوده خافت على قلبها يمزقه ... فزحزحته وقبلت يده وكتب إليه الأمين المحبي المذكور يستأذنه في التنزه أياماً بقصره الذي أحاطت به السراء إحاطة النطاق بخصره سيدي وسندي أنقذ الله على يديك الخواطر من همومها وجلا عنها بحسن توجهك غياهب عمومها الزمن وما أدريك لم يبق لنا فيه إدراك من نكبات أولاً طيش وصالها لأتصلت اتصال الشؤبوب شؤبوب وذان اسلوب الدفعة من المطر وغيره وله معان أخر لسان العرب انتهى وصدمات لولا تكسر نصالها لكانت كالرمح انبوباً على انبوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 انبوب ما بين كل عقدتين من القصب وكعوب الرمح النواشز في أطراف الأنابيب الصحاح فلا يعتمد ما في المصباح والقاموس عن تفسير الكعب كما نبه عليه ناج العروس انتهى ولكن ثم نفوس من الفكر طائشة لا تحسبها إلا من ناهل الحمام عائشة فهي تستدعي بعض مألوفاتها لا عن رويه طامعة في حسوة من الأماني أما قذية أو روية وذلك لدفع صائل لا يتوقع طائل وإلا فكلنا يعرف زمانه ويعلم إن النهوض فيه زمانه وقد طلبنا فلم نجد غير قصرك البهي من النوازل مفراً ولا مثل ساحته للأمن من الغوائل مقراً إذ هو القصر الذي أقرت له القصور ولبست منه الشعري العبور ثوب الغيور فعسى ما عز على العيان من لقياك نستنشق فيه من مواطئك عرف رياك فإن أذنت فمثلك منزه عن التقاضي ومثلنا موله بالتقاضي ولك الفضل الذي إذا كشر الدهر عن نابه تكشف الجوادت عنابه والثناء على سجيتك ثناء الروض المونق على الغدير المغدق والسلام على خلقك العاطر سلام النسيم على الغصن الناضر وبقيت في يوم أغر مبشر ... بسعادة غراء تطلع في غد لتقيم كل مأود وتنيم كل ... مسهد وتضم كل مبدد وللمترجم ومنذ حللنا مصبحين بروضته ... وقابلنا سلسالها بصفائه وهب نسيم الغرب يسحب ذيله ... بنفحة طيب فاح عرف ذكائه وقام للقيانا خطيب هزارها ... على فنن يتلو ضروب غنائه وأفرشنا فيها الربيع مطارفاً ... وجر علينا اللهو فضل ردائه تراقصت الأغصان في جنباتها ... وصفق فوق النهر راحة مائه وأسكرنا من طيب راح حديثه ... نديم ندامى جملوه برائه أكب إلى أن قلدته عقودها ... مدامة شمس أشرقت بسمائه وجاء لنا يلقى نثير حبابها ... فشنف منا السمع عند لقائه ورحت ومن أنفاسه بي نشوة ... كنشأته بالراح عند جلائه وله خلت سواداً في بياض خد من ... أربى على الشموس في إشراقه حيرني ثم أضاء ثغره ... رأيته الأهداب من عشاقه وله في مقام السيدة زينب رضي الله عنها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 جئت بالذل للزيارة يوماً ... راجياً محو زلتي وذنوبي وتشفعت بابنة ابنة طه ... سيد الرسل ملجأ المكروب جازماً أن أنال منه مرادي ... آئياً من عطاه بالمطلوب وله مشجراً سلوه لماذا يستبيح دم الصب ... أيحسب إن الحب فيه من الذنب يضل ويهدي من يشاء كما غدا ... يميت ويحيى بالتباعد والقرب دعا لهواه القلب مرسل صدغه ... فراح يلبيه الفؤاد من اللب يبيت به جفني القريح مسهداً ... ويصبح فيه الطرف أحير من ضب بمن جعل الورد الجني مسيجاً ... بآس عذار طيب نفحه طبي كفيت عناءي فيه داوي بلثمه ... حريق لظى وجد تسعر في القلب ربيب فؤادي إن صبري خانني ... وضاق لفرط الوجد فيك فضا رحبي يقيك الهي لوعتي وتولهي ... بحبك فرج بالاجابة لي كربي وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته في ليلة الجمعة وقت السحر في منتصف ذي الحجة سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرتهم بباب الصغير رحمه الله تعالى. علي الشرواني علي بن إبراهيم بن محمد أكمل الدين الزهري الشرواني المهاجر إلى المدينة المنورة الشيخ الكامل الفاضل الورع الزاهد الحنفي الصوفي النقشبندي قدم المدينة المنورة من بلاده سنة ثمان وسبعين وألف وتوطنها وكان ملازماً للجماعة مواظباً على اقراء الدروس لا يحب مجالسة أهل الدنيا ودرس بالمثنوي في الروضة المطهرة وكان يقريه بمعرفته باللسان الفارسي لما تولى مشيخة الاسلام بدار السلطنة ابن خال أبي المترجم فيض الله أفندي الشرواني أرسل إليه منصب افتاء المدينة المنورة فلم يقبلها وردها إليه وألف مؤلفات نافعة منها جامع المناسك ومهمات المعارف الواجبة على العباد في أحوال المبدأ والمعاد ودليل الزائرين وأنيس المجاورين في زيارة سيد المرسلين وأقصى المطالب وخلاصة التواريخ وغير ذلك من المؤلفات وكانت وفاته بالمدينة في جمادي الثانية سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن خلف سيدنا إبراهيم بالبقيع رحمه الله تعالى رحم الله المترجم خاف عن أعباء الافتاء. السيد علي العطار السيد علي بن السيد إبراهيم بن السيد جمعة العبسي سبط الكيلاني الشهير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 بالعطار الحنفي الحلبي العلامة الفاضل الفقيه ولد في حلب سنة ست ومائة وألف ونشأ بها وقرأ النحو على الشيخ سليمان النحوي والفقه والحديث على السيد محمد الطرابلسي مفتي حلب والشيخ قاسم البخاري والشيخ محمد الزمار والشيخ جابر وقرأ التصوف على الشيخ محمود الكردي والأصول على الشيخ علي الداغستاني وأخذ عن الشيخ صالح الجينيني الدمشقي وقرأ علم الفلك على الشيخ عبد القادر المغربي وسافر إلى جهة العجم وقرأ على علماء الأكراد بها وحج خمس مرات وجاور سنة وأخذ عن علماء المدينة الحديث وغيره وأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي ثم عاد إلى حلب وكان بحلب يقري الدروس ولازمه جماعة وأخذوا عنه منهم الشيخ محمد العقاد والشيخ السيد عبد اللطيف الكيلاني والشيخ عثمان العقيلي والشيخ عبد القادر البانقوسي وأخذ عنه في الحرمين حين المجاورة جملة من الطلاب والأفاضل منهم العلامة المحدث أبو الفيض محمد السيد مرتضى اليمني شارح القاموس نزيل مصر والشيخ حسين عبد الشكور الطائفي والسيد محمد بأحسن جمل الليل لعله جمال الليل اليمني والشيخ عبد الرحمن الفتني الطائفي حضروه في أقرائه فصوص الحكم تجاه مزراب الرحمة خارج المطاف بجانب مقام الحنفي وكان بحلب يقرئ الهيئة والصرف والمنطق والمعاني والبيان والفرائض والفقه والفلك وغير ذلك في الأيام وبالجملة فقد كان من الأفاضل الأجلاء وكانت وفاته في ليلة الأثنين خامس محرم سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن خارج حلب في مقابر الحجاج بالقرب من جامع البلاط ورثاه بعض الأدباء من تلاميذه بقصيدة بيت تاريخها قوله فإذا البشرى تنادي أرخوا ... في جنان الخلد قد صح علي علي التدمري علي بن أحمد التدمري الشافعي الدمشقي الشيخ المفنن العلامة الفقيه النحوي الصرفي الأصولي الفرضي كان فقيراً ثم انتمى إلى بعض الأعيان وعينه لتعليم أولاده وأخذ له مكاناً وعين له تعييناً ودرس بالجامع الأموي مدة وله رسالة في العروض ومن شيوخه الشيخ السيد نور الدين الدسوقي وغيره وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين فرضياً طيب النفس ملازماً للطاعة والعبادة قال بعض أصحابه وأخبرني قبل وفاته بأشهر إنه يموت هذه السنة وقال له أنا أعلم علوماً غريبة أريد ان أعلمك إياها لأن عمري خلص هذه السنة أخر سنيني مثل علم الحرف والزابحة والوفق ولم يكن شهيراً لديانته وورعه وعدم إقراره لا حديها قال وأنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 ما أكمل السنة فكان الأمر كذلك توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى. علي الواعظ البرادعي علي بن أحمد بن محمد بن جلال الدين المعروف بالبرادعي البردعة والبرذعة بمعنى البعلي ثم الدمشقي الصالحي الشيخ العالم الفاضل العلامة كان من أفراد الوعاظ ولد ببعلبك في سنة اثنين وتسعين وألف وبعد ثلاث سنين جاء والده وجده إلى الصالحية بدمشق وسكناها وأخذا لهما دار بالشراء واستوطناها وكان والده وجده من الحفظة وجده العلى جلال الدين من العلماء الأجلا بمدينة بعلبك وهم طائفة كبيرة ويقال لها بيت جلال الدين والمترجم قرأ القرآن وحفظه على السبع وكان يقرؤه في كل يوم وليلة مرة وفي رمضان يختم ليلاً ونهاراً أربعة وستين ختماً وفي صلاة التراويح ختماً تفقه بشيخه أبي المواهب الحنبلي الدمشقي وقرأ عليه كثيراً وكان لا يفارق دروسه في غالب أوقاته فانتفع به وقرأ على السيد إبراهيم بن حمزة النقيب في الحديث والمعقولات والمعاني والبيان وانتفع منه كثيراً وقرأ أيضاً على الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق في المعاني والبيان والتصريف والمعقول والمنقول وقرأ جامع الصغير والبخاري على الشيخ يونس المصري مدرس قبة النسر وأخذ عنه الحديث وقرأ عليه كثيراً ولازم درسه حتى مات وكان يحبه كثيراً وقرأ على الشيخ إسمعيل اليازجي الدمشقي وأخذ عنه علم الفرائض وكذلك على الشيخ عبد القادر التغلبي الدمشقي واجتمع بعلماء كثيرين وأخذ العلم وسائر الفنون عن شيخه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فإنه كان يحبه وينسر للقائه قوله وينسر لعله يريد يسر للقائه على ما لم يسم فاعله ويقرئ ولدى ابنه الشيخ إسمعيل وهما الشيخ طاهر والشيخ مصطفى بأمر منه ولما توفي الأستاذ غسله الشيخ علي بيده وكفنه وآواه التراب بوصية منه وأقرأ الشيخ علي المترجم في مدرسة العمرية وفي داره وبين العشائين في الجامع الجديد فأخذ عنه أناس كثير وقرأوا عليه وكان له مجلس وعظ تحت القبة على باب المقصورة بعد صلاة الجمعة صيفاً وشتاءً وخريفاً وربيعاً وكان يخطب في جامع السنانية ويؤم بالمدرسة العمرية وكان إذا وعظ يجتمع عنده خلق كثير من أهالي دمشق ومن الغوطة والضياع يقصدون الحضور للسماع وكان صوته عالياً إذا وعظ يسمعه غالب من في الجامع وهو يعظ من غير كتاب ولا يخطي ولا يغيب عن ذهنه شيء لشدة حفظه وإذا قرأ العبارة مرة واحدة يحفظها ولا تغيب من حفظه ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في سابع عشر ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 بسفح قاسيون في مكان يقال له الروضة في جانب الداودية تجاه مرقد سيدي الشيخ مسعود في أعتابه عند بابه بوصية منه وسيأتي ذكر ولده في محله رحمهما الله تعالى. علي المنيني علي بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الأديب الفاضل الفائق ولد بدمشق في حدود سنة سبع عشرة ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ علي المصري وقرأ على والده المقدم ذكره ولما رحل والده للروم تصدر في غيبته للأقراء في العادلية وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه بدر النادي الطالع من أفق الكمال والمجمع على نباهته بالتفصيل والاجمال ورد الفضل يافعاً فحياه علماً نافعاً وريحانة شبابة ترف وعيشه ناعم ترف ترف الأولى مضارع من الرف التلألأء والثانية كفرح بكسر الراء من الترف بمعنى الرفاهية والتنعم وهمته تتخير من الأدب اللباب وتتناول منه ما تقطع دونه الأسباب حتى حل بحبوحة حوزته المنبعة وأتقن في استحساناته مسلكه وصنيعه ولبس من الذكاء البرد المشهر وجمع بين الحياء والعرض المطهر إلى أخلاق لم تدنس بالشهائب ولطافة عليها حبات القلوب ذوائب تحسد الصبا طبعه ولا تكدر صروف الزمن نبعه ولم يزل بين روح وريحان وميزان نموه كل يوم في رجحان إلى أن فجأه الأمر الذي لم تنفع معه الرقي والتمائم وغابت تلك المحاسن التي أزرت بزهر الكمائم فسقى صيب الرحمة تربة ضمنه حتى تروى وتلك السجايا التي بأفواه الثنا تروى تروى الأول من الري والثانية من الرواية وله شعر معدود وهو بالاجابة محدود فمن نفثات كلامه ورشحات أقلامه الذي أطلعت عليه بعده وجعلته سميري في الوحدة انتهى مقاله ومن شعره قوله نسيم الصبا قد نبهت أعين القمري ... وقد حركت أغصان عنبرها الشجري وأكست رياض المجد رونقها التي ... تجر على النكبا ذيولاً من الفخر تبث اشتياقي كلما هب شمأل ... يفوح لناديه شذاه من العطر لعمرك إن جزتي سحيراً فبلغي ... رسالة أشواق تنوء عن الفكر إلى صاحب الأفضال والمجد والتقي ... وأحمد كل الناس ذي الشيم الغر أخي همم علياء في كل حاجة ... يفك عقود القول بالفهم كالدر صقيل حسام أروع باسل غدت ... له سائر الأقطار ناشرة الذكر أمام رقي للمجد صهوة باذخ ... فنال علا حتى يعز على الزهر فلا تسمح الأيام قط بمثله ... وقد غدت الأعصار تحسد للعصر فهاكها يا كنز العلوم الوكة ... أتت عن ضعيف يرتجى منك للستر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 فلا زلت طول الدهر تبدي محاسناً ... من الفضل والأفضال والبذل والبر مدى الدهر ما ركب سرى في الفلا وما ... نسيم الصبا قد نبهت أعين القمري وله غير ذلك وكانت وفاته مطعوناً في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. علي كزبر علي بن أحمد بن علي الشهير بابن كزبر الشافعي الدمشقي الامام الهمام الحجة الرحلة البركة العالم العلامة المقري كان من علماء دمشق المشهورين وفقهائها المتفوقين اماماً بارعاً في فنون كثيرة متقناً فهامة صالحاً عابداً تقياً تاركاً للدنيا مقبلاً على الطاعة والديانة له اليد الطولى في القراآت وغيرها وبالجملة فقد كان واحد الدهر علماً وعملاً ولد في أواخر المائة بعد الألف وقرأ على جماعة وتفقه منهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان بن حموده والشيخ محمد الكاملي وأضرابهم وارتحل إلى مصر إلى الجامع الأزهر وجاور به مدة وأخذ وقرأ على جماعة منهم الشيخ منصور المنوفي والشيخ محمد بن عبد الله المغربي الفاسي والشيخ أحمد الملوي والشيخ عبد الجواد الميداني المصري والشيخ عبد ربه الديري والشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأخذ القراآت عن البقري وغيره وعاد إلى دمشق واستقام على إقراء الدروس والافادة في الجامع السنانية ولازم جماعة وأخذ عنه أناس كثيرون وألحق الأحفاد بالأجداد واشتهر وشاع فضله ولما قدم دمشق المحدث الشيخ محمد عقيلة المكي أخذ عنه طريق القوم واستخلفه بدمشق ولم يزل مفيد الطالبين مرشد الكاملين ناهجاً منهج الأتقياء والصالحين والعلماء العاملين إلى أن مات وكانت وفاته في سابع عشر ربيع الأول سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى. علي الحريشي علي بن أحمد المالكي المغربي الفاسي نزيل المدينة المنورة الشهير بالحريشي الولي الصالح الكامل شيخ الشيوخ صاحب القدم والرسوخ ولد في حدود سنة اثنين وأربعين وألف وكان شيخاً فاضلاً زاهداً عابداً محدثاً عالي الأسناد يروي الكتب الستة وغيرها عن العلامة المشهور في القطر الغربي الشيخ عبد القادر ابن علي الفاسي وله مشايخ غيره وله تصانيف عديدة منها شرح الشفافي ثلاثة مجلدات كبار وشرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 الموطأ في ثمانية مجلدات كبار وشرح منظومة ابن زكري في مصطلح الحديث وغير ذلك من رسائل والفتاوي والفوائد وكانت وفاته بالمدينة المنورة في غرة جمادي الأولى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. علي الصعيدي علي بن أحمد بن مكرم الله المنسفيسي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالصعيدي أحد الأئمة الشيوخ الأعلام العلامة المحقق المدقق النحرير المتكلم روى عن جماعة من الأئمة وأخذ عنهم منهم سالم النفراوي ومحمد بن عبد الله الكنكسي وعمر بن عبد السلام التطاوني وعبد الوهاب الملوي وشلبي البرلسي ومحمد بن زكري ومحمد السجيني وعيد النمرسي وأحمد الديري ومصطفى العزيزي ومحمد سيف وأحمد الأسقاطي وأحمد البقري ومحمد الدفري ومحمد بن عبد السلام البناني الفاسي والسيد محمد السلموني المالكي تلميذ الحرشي وإبراهيم بن موسى الفيومي والشهاب أحمد الملوي ومحمد العشماوي وأجاز له الشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي في مسلسلاته ولبس الخرقة الأحمدية من الشيخ الصالح علي بن أحمد الشناوي وغيرهم وصار أحد صدور الأزهر وألف حاشية على شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وحاشية على شرح السلم للأخضري وغير ذلك من التآليف وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف بتقديم تاء تسع رحمه الله تعالى. علي باشا الكور علي باشا الوزير ابن كور أحمد باشا الوزير دخل حلب والياً تاسع عشر القعدة سنة ثمانين ومائة وألف نهار السبت اليوم الرابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة أحسنت له الدولة بمنصب القارص ونهض من حلب رابع المحرم سنة احدى وثمانين ومائة وألف وكان متحجباً عن الناس وفي زمنه طرد من كتابتي القسمة العسكرية والبلدية من محكمة حلب أحمد وولده أحمد أيضاً البكفالوني بموجب أمر عالي سعى بإصداره بعض أهل الخير من أهل حلب المقيمين بدار الخلافة جزاهم الله خيراً وتوفي الوزير المترجم في بندر في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف وكان ذا حشمة ووقار وسكينة محباً للعلماء ومكرماً لهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة. علي العجلاني علي بن إسمعيل بن حسن بن حمزة بن حسن الحسيني المعروف كأسلافه بالعجلاني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 الحنفي الدمشقي نقيب الأشراف بدمشق السيد الشريف الحسيب النسيب الرئيس العاقل الكامل المتفوق كان من أعيان دمشق المنوه بهم والرؤساء المشار إليهم صاحب وجاهة ونباهة حسن الخصال لطيف الصحبة والعشرة عذب المفاكهة والمداعبة له عقل وافر ودرية في الأمور يحرص على الكمالات ويتحرز مما يشين عرضه ويزريه ولكثرة عقله كان يتوهم كثيراً ويتخيل في الأشياء أموراً كأنما كان بها بصيراً ولد بدمشق وبها نشأ وتوفي والده وهو صغير وذلك في يوم السبت عاشر رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وجده بعده أيضاً في سنة أربعين وكان نقيب الأشراف بدمشق ومن صدورها الأخيار فنشأ المترجم في كنف مفتي دمشق المولى حامد العمادي وبينهم قرابة وهي إن والدة والد المترجم المذكور ابنة المولى علي العمادي المفتي والد حامد العمادي المذكور فيكون العمادي حامد المذكور خال والده ثم المترجم بعد التمييز نبل وتفوق وأعطاه الله القبول من صغره فتولى نقابة دمشق مع وجود عم والده السيد عبد الله العجلاني وكان ذلك في سنة خمسين ومائة وألف ثم عزل عنها مرات وأخراً استبد بها من حدود سنة اثنين وسبعين إلى أن مات وكان في تلك الأوقات نقيباً السيد حمزة بن يحيى بن حمزة الحسيني ففي أثناء الفتنة بين الينكجرية اليرلية والقبيقول يرلي يكيجر يله قبو قولي بيننده برفتنه اولمش ايمش وما جرى في تلك الأيام في أيام الوزير حسين باشا ابن مكي الغزي كان النقيب ابن حمزة المذكور هو المشار إليه والمعول عليه فبعد نظام الأمور وتهميد الفتنة ومجئ الوزير عبد الله باشا شته جي حاكماً لدمشق وأميراً على الحاج وجهت النقابة إلى المترجم وبقيت عليه إلى أن مات ولم يعزل بعدها وعلت حرمته ونفذت كلمته وتقاه العالم واحترمته الوزراء والحكام والقضاة وكان مقبول الشفاعة عندهم محترماً بين الناس نافذ الأمر عالي الكملة تتردد إليه الناس وهو يكرمهم ويقوم بواجبهم من الاحترام والتودد وأعطاه الله القبول وأنشأ عقارات ودوراً وأملاكاً كثيرة وعمر بيتهم وأنار سراجهم وزاد جاههم بحيث لم يصل أحد من بني عجلان إلى ما وصل إليه من متاع الدنيا والثروة وكان بدره سعداً منيراً وكوكب حظه ظهيراً وتولى وظائف وتداريس ومدارس كثيرة وكانت عليه اقطاعات وقرى بطريق المالكانة كذلك هو نالها بجهده وجده وكانت عليه رتبة موصلة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وجمع كتباً نفيسة حسنة وغالبها هو استنسخها وكان في أمر المعاش متقناً وفي أمور الدنيا وافر التدبير وكان في أمور القرى والزراعة والحراثة مجداً بحيث إن قراه وحوانيته جميعها معمورة ويضرب بها المثل في دمشق بين أرباب الفلائح لعله يريد الفلاحة وكان نقياً من نقيصة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 في عرضه ودينه وكان لوالدي كالأخ الشقيق ونشأ هو وإياه سوية وكل منهما يحب الآخر ويحترمه ويوده بحيث لا يصغي أحدهما إلا للآخر ولم يثنهما عن بعضهما تخالفات الأيام والأحقاب وكانا متحدين من وجوه أولها موافقة الأسم ووجود السيادة والمجد وثانياً الشكل والمهابة ولطف الأخلاق فانهما كانا متشابهين في ذلك وثالثها السن فانهما كانا متساويين في العمر إلا أن العجلاني المترجم كان أكبر من والدي بشيء قليل ومن الاتفاق إن والدي مات بعد وفاته بسنة وأشهر وكان هو لوالدي مطيعاً سميعاً لما يريد ويرضى متفقاً على رأيه منقاداً لأستحسانه وأمره وكان والدي يجله وله عنده رتبة رفيعة ولم يزالا كذلك إلى أن توفي المترجم ولحقه الوالد وماتا رحمهما الله تعالى وتولى المترجم نيابة المحكمة الباب سنة خمس وسبعين ومائة وألف وحج إلى بيت الله الحرام وبالجملة فكان أحد صدور دمشق ورؤسائها وكانت ولادته سنة سبع وعشرين ومائة وألف وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بمقبرتهم الخاصة بهم الملاصقة لمسجد الدبان بمحلة السويقة المحروقة ورثى بالقصائد العديدة وكثر الأسف عليه وكان جده السيد حسن من صدور دمشق له الشهرة التامة تولى النقابة مراراً وتصدر كأسلافه ولم يزل كذلك حتى توفي وتولى النقابة بعده أخوه السيد عبد الله مدة وبالجملة فبنو عجلان طائفة شرف وسيادة قديماً وحديثاً والمترجم من وجوههم رحمهم الله تعالى. علي الأسدي علي بن أسد الله بن علي كان عالماً نحريراً وفاضلاً كبيراً ولد سنة ثمان وأربعين وألف وقرأ على جماعة من العلماء منهم الشيخ سعيد أفندي نقيب زاده والشيخ العالم العلامة السيد محمد أفندي الكواكبي وكان جل قراءته على الشيخ العالم العامل أبي الوفاء العرضي وتولى افتاء الحنفية بحلب مدة خمس عشرة سنة إلى أن مات وكان إذ ذاك متولياً على جامع بني أمية بحلب وفي أيام توليته عليه أمر بمرمات الجامع المذكور ومرمات بعض حيطانه فظهر من أحد الحيطان لما قشروا عنه الكاس رائحه تفوق المسك والعنبر وإذا فيه صندوق من المرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلة في حجرة قبراً في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالتعظيم والتبجيل والتوقير والتكبير وذلك سنة عشرين ومائة وألف وكانت وفاة المترجم سنة ثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 علي بن حبيب الله القدسي علي بن حبيب الله بن محمد بن نور الله ابن أبي اللطف الشافعي القدسي مفتي الشافعية بالقدس عالم ابن عالم وفاضل لولدكما ابن فاضل خبرني ولده الفاضل الشيخ حسن قاضي الشافعية بدمشق بالمدرسة الحسنية في سنة اثنين وثمانين بعد الألف وقرأ على والده بالعربية واشغل بحفظ المتون ثم توفي والده فسافر إلى مصر ومكث بالجامع الأزهر مدة تزيد على خمسة عشر سنة وجد واجتهد وفاق أقرانه إذ ذاك وغلب عليه علم الحديث وألف شروحاً على بعض متون في فقه الامام الشافعي ورسائل غيرها وسافر إلى الروم وصحبه رفيقه في المجاورة الشيخ أحمد التمرتاشي الغزي ولزم اقراء صحيح البخاري بجامع أيا صوفية تجاه السدة وكان الشيخ أحمد المذكور معيد المدرسة وتزوج ببنت والشيخ أحمد بأمها ومكث في المحل المزبور مدة خمسة وعشرين سنة واشتهر في بلاد الروم وفي بلدته بالمحدث واتسعت عليه الدنيا وجدد له السلطان أحمد أربعين عثمانياً في وقف الشاه زادات لعله بريرشهزاده ربطها باقراء الكتب الستة بعد العصر في الجامع المرقوم ولما أراد المجئ إلى بلدته فرغ عنها للشيخ أحمد العقرباوي ووجه له شيخ الاسلام إذ ذاك المولى عبد الله حين سفره من الروم للقدس تولية المدرسة الصلاحية وكانت على ابن عمه السيد محمد جار الله وقراءة الحديث بها وتولية المدرسة الحنفية وافتاء الشافعية ببلده وبعد خروجه من قسطنطينية جلس رفيقه الشيخ أحمد المذكور في مكانه يقرئ البخاري إلى أن توفي وكانت عليه وظائف جليلة تلقاها عن والده منها تدريس بالمدرسة المأمونية وثلث مشيخة المدرسة الملكية ونزل في القدس بالمدرسة الحسنية المذكورة سابقاً وجعل له وقتين للتدريس وقت الضحى بباب الأقصى للفقه وبعد المغرب تجاه الحجرة الجنبلاطية فوق سطح الضحرة يقرأ فيه الجامع الصغير واستمر على هذه الحالة إلى زمن موته ولم يكن لأفناء الشافعية إيراد قبل توليته لها فلما قدم من الروم مفتياً كان عمه أخو والده لأمه السيد محب الدين النقيب هو المرجع في بلدته ورئيسها فرتب له على الثلاثة ديورة في كل شهر من كل دير مائة مصرية واستمر ذلك إلى وقتنا ثم تحول من المدرسة الحسنية إلى المدرسة الفنارية فلم تطل مدته ومات وكانت وفاته في سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بباب الرحمة رحمه الله تعالى. علي الدفتري علي بن حسن الحموي المعروف بابن قنبق نزيل دمشق والدفتري بها الشريف لأمه تقدم ذكر والده حسن في محله الصدر الشهم المعتبر الأديب البارع المنشئ الماهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 الشاعر الكاتب الرئيس صاحب الشأن والمهابة أوحد الدنيا بالمعارف والانشاء ولد بحماة في سنة خمس وستين وألف ونشأ في حجر أبيه ثم لما توجه والده إلى الدولة العلية استصحبه معه وهو حديث السن فدخل للسراي العثمانية مع والده وأكب على تحصيل العلم والمعارف إلى أن حصلت له مكلة في فنون الأدب والكتابة والانشاء والشعر ومعرفة القوانين العثمانية ومهر في ذلك حتى صار يشار إليه بالبنان وتلقب بعلوي على قاعدة شعراء الروم والفرس وله أشعار كثيرة باللسانين وفي العربي أيضاً ثم إن أباه خرج برتبة الخواجكانية وابنه المرقوم باق في داخل السرايا فلما أخذ التزام حمص استأذن لأبنه أن يكون بصحبته فلما وصلا لحمص مر عليهم حسين باشا والي الشام وأمير الحاج المعروف بصاري حسين باشا فطلب المترجم الأذن من والده للحج فقال الوزير المشار إليه له أنت كابني وأنا أحتاج لمثلك فجعله كاتب خزانته ونال الحج صحبته وبعد ذلك عاد للدولة لخدمته المعينة له ثم دخل خاص أوضه وترقى إلى أن صار ركا بدار للسلطان محمد خان متقرباً إليه غاية التقرب ثم طلع بجلوس السلطان سليمان خان في سنة تسع وتسعين وألف برتبة الخواجكانية على قاعدة الأروام بمنصب الوقوفات بعد أن عرض عليه رتب سامية فلم يرض إلا بالخواجكانية المرقومة وهي رتبة متعارفة بين رؤساء الكتاب في الدولة وسافر الأسفار السلطانية وتقرب للسلطان مصطفى خان بحيث لم ينفك عنه في غالب الأوقات خصوصاً في زمن السفر ونال بذلك رفعة تامة وصار تذكره جي الديوان أول وثاني وباش محاسبه جي وغيرها وكان ثلاثة من الكمالات متعاصرين في ذلك الوقت تضرب بهم الأمثال أحدهم رامي محمد باشا كان صدراً عظيماً رامي باشا آخر صدور الدولة في زمن السلطان مصطفى الثاني وهو خلف مصطفى باشا دال طبان وسلف قوانوز أحمد باشا الذي كان تصدر قوانوز هذا ثلاثة شهور وقوانوس الجرة الخضر أهي من أخوات القاروره حين جلوس السلطان أحمد خان سنة خمس عشرة ومائة وألف والثاني المترجم المذكور كان وكيل رئيس الكتاب إذ ذاك والثالث أبي يوسف ديوانه مطبوع الرهاوي الشاعر المنشي المشهور كان من الخوجكان ثم لما صار الجلوس الأحمدي المذكور كان المعسكر السلطاني في أدرنة فلزم الأمر اختفاء المترجم مقدار ستة أشهر حتى سكنت الفتنة ثم ظهر ونفي إلى مكان يقال له بعجه أطه مدة ستة أشهر ثم عفي عنه وأعيد إلى اسلامبول وصار أمين الشعير السلطاني ثم بعد سنتين عزل ونفي ثانياً إلى حماه مقدار سنة ثم أعيد للدولة وصار ثانياً أمين الشعير السلطاني وذلك في سنة احدى وعشرين واثنين وعشرين بعد المائة ولما صار الوزير إبراهيم باشا المقتول صدراً أعظم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 إبراهيم باشا سلفه محمد وخلفه فمدة صدارة إبراهيم باشا اثني عشر سنة وتسعة شهور وعشرة أيام وصاهر السلطان أحمد أظهر بعض قوانين في الدولة وصار ينفي الرجال القدماء في الدولة ومن جملتهم أحضر المترجم المذكور على حين غفلة وألبسه خلعة دفتردارية الشام وأمره أن يأخذ حريمه وأولاده ويقطع العلاقة من اسلامبول أذية وأضراراً له وكان ذلك في سنة تسع وعشرين ومائة وألف فجاء إلى الشام وضبط المنصب إلى سنة ثمان وأربعين وتحلل له مرتين ثم في السنة المذكورة عزل وولي مكانه السيد فتح الله الفلاقنسي الآتي ذكره وكث بعد العزل أربع سنين عليلاً في سن الشيخوخة وتملك دار الوزير نصوح باشا الكائنة بالقرب من السراي وحصل له في أول أمره بدمشق الرفعة والشأن والاقبال والاحترام الوفير ثم غدر به الزمان ورماه في أرض الهوان واستقام منزوياً في داره وتراكمت عليه الخطوب واغتدى من الهم ومصائب الدهر ملآن الذنوب الذنوب كصبور الدلو الملأى ماء وحاصل القول إنه من أفراد دهره وعصره في المعارف والانشاء حتى إن الأروام ورؤساء الدولة كانوا يتنافسون في تحريراته التركية وانشاآته الفارسية وهي كمكاتبات الخوارزمي وابن العميد في اللغة العربية لما فيها من الاستعارات واللطائف مع أنه طرأ عليه اللسان واللغة فسبحان الواهب وكان محباً للعالم محبوباً عندهم كريم الطبع لطيف المحادثة صاحب نوادر ونكت حسن المذاكرة والمطارحة يعرف علم الموسيقى حق المعرفة مع ما فيه من المعارف يراجع في القوانين العثمانية محترماً عند الجميع ولما كان دفترياً بدمشق رفع القلمية التي كانت معيشة لكل من صار دفترياً وهو باختياره ذهب للمحكمة ومنع نفسه بدعوى أصحاب المالكانات وأرباب الميري رضاء واختياراً نعم الرجل واستقام هذا الأمر إلى أن صار دفترياً بدمشق فيض الله الرومي أحد خواجكان الدولة في عهدنا الأخير في سنة تسعين ومائة وألف فأجراها بأمر سلطاني مع تغافل بعض الرؤساء عن ذلك قوجه فيض الله تجديد سيئه ايلمش ايمش وجرت وعادت ومن انشائه العربي ما كتبه إلى الوزير سليمان باشا لما كان حاكماً بصيدا ابن العظم يعتذر إليه ويستسمحه لأمر صدر ويرتجيه بمرام وهو قوله ممن دهش وحار وفقد الصبر والجلد والقرار عندما تمادت عليه الهموم والأكدار التي هي أشد من حرارة النار حتى صار لا يميز الباغم والصادح ولا يبين المشكل من الحال والواضح جريح الفؤاد مهجور الرقاد محروم المرام والمراد وكل ذلك في نمو وازدياد إلى الحضرة التي يجب لها التضرع والخضوع ويستحب أن تنشر على بساط رياستها مياه الدموع من كل قلب موجوع وكبد مصدوع من لها من الفنوة والمكارم النهايه ومن مكارم الأخلاق والمحامد أقصى الغاية آيات شكرها تتلى بألسنة الأقلام في محاريب الطروس على رؤس الليالي والأيام أعنى بها السدة السنية السليمانية والخضرة البهية الأريحية فهي لعمري ملتجأ الأحرار وملجأ المستجير من طوارق الأكدار حرسها الحفيظ الرحمن ولا زالت في علو وترف مدى الزمان وسميه نبي الله سليمان عليهما الصلاة في كل آن وبعد تمهيد مراسم التعظيم وتشييد لوازم الأجلال والتفخيم أسأل المولى الكريم أن يحفظ تلك الذات العلية والطلعة البهية ويديم له الدولة والنعم بنون والقلم وأبث شوقي واشتياقي لديه فإن كل معولي على الله ثم عليه ويعرض هذا المخلص الداعي الذي حط رحال أماله في ناديكم وعند مهماته يلوذ بكم وأن بعد عنكم يناديكم الشاكر في كل حين لأياديكم قد ضاق صدره للحوادث المتوالية والكروب المعضلة المفادية وأعلم سيدي وسندي ومن عليه جل معتمدي لا أعلم ذا جناية عوقب بمثل عقوبتي حيث طالت مدتها ولم تقبل بوجه من الوجوه توبتها ولولا الجنايات لما كان للعفو مزيه فهبني أني قد أسأت وأخطيت ولحدي غروراً بالأيام تعديت أما كان لي على بساط العفو بقعة أجلس فيها أو زاوية من زوايا الحلم أوى ألبها ولم تفحصتم صحائف الأعمال لما وجدتم غير جاني إلا من أنزلت عليه السبع المثاني وإخوانه من الأنبياء عليهم أفضل التحية والثناء فيا سيدي ليس الآن بعد الله سواك ولا أقصد في كل أموري إلا إياك فأنا بك لائد ومستجير فكن لي معيناً ونصير فبحرمة الحقوق الاسلامية والنسبة الترابية ألا أعتني على حوادث الأيام وكشفت عني بعض ما أجد من الآلام حيث ضاق علي الخناق وتحملت من المصائب ما لا يطاق فكم تحت كنفكم من الخلق ما لا يعد ولا يحصى وما الكل معصومين ولا بجنابتهم وأخذين فارحموا عزيز قوم ذل ووهى جسمه واضمحل فما دام نظركم الشريف على ورأفتكم متوجهة إلي قضيت ما بقي من أيامي تحت ظلكم أدام الله عزكم والدعاء انتهى وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد الأعيان والرؤساء البارعين في الأدب والانشاء والمعارف وله شعر بالتركي والعربي فمن شعره قوله فيه من المعارف يراجع في القوانين العثمانية محترماً عند الجميع ولما كان دفترياً بدمشق رفع القلمية التي كانت معيشة لكل من صار دفترياً وهو باختياره ذهب للمحكمة ومنع نفسه بدعوى أصحاب المالكانات وأرباب الميري رضاء واختياراً نعم الرجل واستقام هذا الأمر إلى أن صار دفترياً بدمشق فيض الله الرومي أحد خواجكان الدولة في عهدنا الأخير في سنة تسعين ومائة وألف فأجراها بأمر سلطاني مع تغافل بعض الرؤساء عن ذلك قوجه فيض الله تجديد سيئه ايلمش ايمش وجرت وعادت ومن انشائه العربي ما كتبه إلى الوزير سليمان باشا لما كان حاكماً بصيدا ابن العظم يعتذر إليه ويستسمحه لأمر صدر ويرتجيه بمرام وهو قوله ممن دهش وحار وفقد الصبر والجلد والقرار عندما تمادت عليه الهموم والأكدار التي هي أشد من حرارة النار حتى صار لا يميز الباغم والصادح ولا يبين المشكل من الحال والواضح جريح الفؤاد مهجور الرقاد محروم المرام والمراد وكل ذلك في نمو وازدياد إلى الحضرة التي يجب لها التضرع والخضوع ويستحب أن تنشر على بساط رياستها مياه الدموع من كل قلب موجوع وكبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 مصدوع من لها من الفنوة والمكارم النهايه ومن مكارم الأخلاق والمحامد أقصى الغاية آيات شكرها تتلى بألسنة الأقلام في محاريب الطروس على رؤس الليالي والأيام أعنى بها السدة السنية السليمانية والخضرة البهية الأريحية فهي لعمري ملتجأ الأحرار وملجأ المستجير من طوارق الأكدار حرسها الحفيظ الرحمن ولا زالت في علو وترف مدى الزمان وسميه نبي الله سليمان عليهما الصلاة في كل آن وبعد تمهيد مراسم التعظيم وتشييد لوازم الأجلال والتفخيم أسأل المولى الكريم أن يحفظ تلك الذات العلية والطلعة البهية ويديم له الدولة والنعم بنون والقلم وأبث شوقي واشتياقي لديه فإن كل معولي على الله ثم عليه ويعرض هذا المخلص الداعي الذي حط رحال أماله في ناديكم وعند مهماته يلوذ بكم وأن بعد عنكم يناديكم الشاكر في كل حين لأياديكم قد ضاق صدره للحوادث المتوالية والكروب المعضلة المفادية وأعلم سيدي وسندي ومن عليه جل معتمدي لا أعلم ذا جناية عوقب بمثل عقوبتي حيث طالت مدتها ولم تقبل بوجه من الوجوه توبتها ولولا الجنايات لما كان للعفو مزيه فهبني أني قد أسأت وأخطيت ولحدي غروراً بالأيام تعديت أما كان لي على بساط العفو بقعة أجلس فيها أو زاوية من زوايا الحلم أوى ألبها ولم تفحصتم صحائف الأعمال لما وجدتم غير جاني إلا من أنزلت عليه السبع المثاني وإخوانه من الأنبياء عليهم أفضل التحية والثناء فيا سيدي ليس الآن بعد الله سواك ولا أقصد في كل أموري إلا إياك فأنا بك لائد ومستجير فكن لي معيناً ونصير فبحرمة الحقوق الاسلامية والنسبة الترابية ألا أعتني على حوادث الأيام وكشفت عني بعض ما أجد من الآلام حيث ضاق علي الخناق وتحملت من المصائب ما لا يطاق فكم تحت كنفكم من الخلق ما لا يعد ولا يحصى وما الكل معصومين ولا بجنابتهم وأخذين فارحموا عزيز قوم ذل ووهى جسمه واضمحل فما دام نظركم الشريف على ورأفتكم متوجهة إلي قضيت ما بقي من أيامي تحت ظلكم أدام الله عزكم والدعاء انتهى وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد الأعيان والرؤساء البارعين في الأدب والانشاء والمعارف وله شعر بالتركي والعربي فمن شعره قوله ما مسني الضر إلا من أحبائي ... فليتني كنت قد صاحبت أعدائي ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا ... داء يزيد بهم همي وأدوائي من كان يشكو من الأحباب جفونهم ... فإنني انا شاك من أودائي له شركاء وكانت وفاته في دمشق في ثالث شوال سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 علي البرزنجي علي ابن السيد حسن المدني الشافعي الشهير بالبرزنجي الشيخ الفاضل العالم المفنن الناظم الناثر ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وأخذ بها عن أخيه السيد جعفر والشيخ عطا والشهاب أحمد الأشبولي والشيخ محمد بن الطيب والشيخ محمد العجيمي والشيخ محمد البناني المغربي والشيخ محمد الفاسي وله شعر لطيف منه قوله مخمساً أيا كوثر العرفان يا خير مرسل ... ويا مورد الظمآن والعارف الولي وساقي حميا الحب من حضرة العلي ... أأظمأ وأنت العذب في كل منهل وأظلم في الدنيا وأنت نصيري حبيبي بك الرحمن في الحجر أقسما ... وخصك بالتصريف في الأرض والسما أغاثني إذا ما الضيم بالسهم قد رمى ... وعار على راعي الحمى وهو في الحمى إذا ضاع في البيدا عقال بعير وكانت له اليد الطولى في النظم نظم أسماء أهل بدر ومولد النبي صلى الله عليه وسلم لأخيه السيد جعفر وكان معتزلاً عن الناس ملازماً للخلوة وكانت وفاته بالمدينة المنورة في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى. علي الرومي علي بن حسين الحنفي الرومي النقشبندي خليفة الجد الأستاذ الشيخ مراد كان من أفراد العالم علماً وعملاً ولازم الجد أربعين سنة وأخذ عنه ورباه وطاف البلاد معه وحصلت بركته عليه واقتبس من مشكلته حتى أنور به الزمان يقال أنار الشيء وأنور على الأصل إذا ظهر وأعتقده الخاص والعام بعد وفاة الجد وصار خليفة مكانه في المدرسة المعروفة به بمحلة أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه وأخذ عنه ناس كثيرون وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن لصيق قبر الجد في المدرسة المرقومة رحمهما الله تعالى بيت مراد يدن استانبولده قالمامش شامده وارايسه ده يا جانم عرب اوشاق اولماز دنيلمش ايمش برشاملي بويله ديدي. علي المصري علي بن حسين الشافعي المصري نزيل دمشق وامام الشافعية بجامعها الشيخ الفاضل اللبيب الألمعي صاحب القدم الراسخ في كل كمال كان عالماً فاضلاً ملازماً للتقوى والصلاح حافظ الكتاب الله قطن أولاً بالمدرسة الخنائية الكائنة قرب الجامع الأموي جانب السميساطية ثم تحول إلى جانبها إلى المدرسة الجقمقية ثم إلى الظاهرية وأقرأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 فيها الأولاد القرآن العظيم وأقرأ في النحو وغيره ودرس بالجامع الأموي ولما سلط الله تعالى على قرى دمشق الجراد وأكل زرعهم مدة سنين حصل لأهل الشام ضيق وشدة على ذلك فاختاروا أن يرسلوا المترجم والشيخ العالم عبد الرحمن الكفرسوسي لأجل جلب الماء المعروف بماء السمر مر وجاؤا به إلى دمشق قلت وقد ذكره غير واحد منهم ابن الوردي في خريدة العجائب العيون والآبار أو قال عين بين أصفهان وشيراز بها مياه مشهورة وهي من عجائب الدنيا وذلك إن الجراد إذا نزلت ووقعة بأرض يحمل إليها من تلك العين ماء في ظرف لا غير فيتبع ذلك الماء طيور سود تسمى السمرمر سميرم ناحية بين عراق وفارس يجلب ماء الزرزور منها وسميرم بفتح السين والراء وبكسر الميم بناها سام ابن أرم فسميرم مخففه وقارية بتشديد اليا أيضاً زر زوروزر زور في الفارسي سارج بفتح الراء وسارسبز أيضاً وسمر مره غول اوقيانوس ظالمه دحى قونجلوز ديرلر ويقال لها السوادية بحيث إن حامل الماء لا يضعه على الأرض ولا يلتفت وراءه فتبقى الطيور على رأس حامل ذلك الماء كالسحابة السوداء إلى أن يصل إلى الأرض التي بها الجراد فتصيح الطيور عليها وتقتلها فلا ترى من الجراد متحركاً بل يموتون من أجل تلك الطيور وذكر ابن الحنبلي في تاريخه إن من شرطه أن يكون الوارد به من أهل الصلاح ولا يمر به تحت سقف وقال الصلاح الصفدي في الجزء الثاني والثلاثين من تذكرته قال الشيخ شمس الدين أبو الثناء محمود الأصفهاني إن بمدينة قشمين مسيرة ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء ساحة برزة يسمى ماؤها بماء الجراد له خاصية وهي من حمل من مائها في إناء إلى الأرض التي أتاها الجراد فيعلق ذلك الاناء في تلك الأرض فيقصدها ما لا يحصى من طير يقال له سارياً كل ما فيها من الجراد حتى يفتى وشرط هذا الاناء أن لا يمس في طريقه ولا في مكان تعليقه انتهى ورأيت في بعض المجاميع إنه في سنة احدى وستين بعد الألف جاء جراد إلى الشام فكتبوا له مراسلات من قبل الشرع إلى الأطراف وعلقت في الأماكن فلم يصر ضرر على الزرع وظهر من ذلك تأثير عجيب في دفع مضراته وصورة المراسلات المرسلة " بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل " بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ولا يأتي بالحسنات إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أيها الجراد المنتشر ببستان كذا بأراضي كذا تحضر مجلس الشرع الشريف بدمشق وترحل بقدرة الله تعالى عن البستان المذكور وبفضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً " أحد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير وكانت وفاة المترجم بدمشق في سنة ثلاث وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. علي الطاغستاني علي بن صادق بن محمد بن إبراهيم بن محب الله حسين بن محمد الحنفي الطاغستاني الأصل والملود نزيل دمشق ومدرس الحديث بها تحت قبة النسر الشيخ الامام العالم العلامة المحقق المدقق النحرير المفنن ولد في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف وقرأ على جملة من علماء بلادهم كالشيخ عبد الكريم الآمدي والشيخ أيوب الطاغستاني والشيخ عبد الوهاب الطاغستاني ثم رحل إلى حلب وأخذ بها عن الشيخ محمود بن عبد الله الأنطاكي ثم رحل إلى الحجاز وجاور هناك مدة وأخذ بالمدينة عن الشيخ محمد حياه السندي ثم قدم دمشق وتوطنها وذلك سنة خمسين ومائة وألف ولما توفي الشهاب أحمد المنيني المدرس تحت القبة وجه له عنه التدريس المذكور وبقي عليه إلى وفاته وله من التآليف رسالة في الأبوين الشريفين ورسالة في الأسطر لأب عرب بها رسالة البهاء العاملي والعاملي هو محمد بن حسين بن عبد الصمد الملقب بهاء الدين بن عز الدين الحادثي العاملي الهمداني المترجم بخلاصة الأثر للمحبي وله تعليقات على أماكن من تفسير البيضاوي وتصدر بدمشق وكان يرجع إليه في مهمات الأمور ونزل به الفالج في آخر أمره في صفر سنة ست وتسعين وبقي في داره منقطعاً إلى أن توفي وكانت وفاته سحر ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بجامع الورد بمحلة سويقة صاروجا ودفن بسفح قاسيون بقرب ضريح الشيخ محمد البلخي رحمه الله تعالى. علي الغزي علي بن عبد الحي بن علي بن سعودي النجم الغزي الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل العالم النحرير الأوحد المفنن المؤرخ المتفوق أبو الحسن علاء الدين كان له اطلاع تام في علم التاريخ ومحفوظة حسنة مع تحصيل في العلوم وفضل ولد بدمشق في سنة ست وعشرين ومائة وألف ونشأ في حجر والده وتربيته إلى أن توفي ثم في حجر والدته فأكملت تربيته ووفرت حرمته وقرأ القرآن على الشيخ ذيب المقري وختمه عليه مرات تجويداً وحفظاً وأخذ العلم عن أجلاء من المشايخ منهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 ابن عمه أحد صدور العلماء الشيخ أحمد بن عبد الكريم الغزي المفتي الشافعي أخذ عنه الفقه والحديث وغير ذلك وحضر دروسه ولزمه حتى توفي والفقه والفرائض وعلم الكلام عن العلامة الشيخ عبد الله بن زين الدين البصروي وقريبه وعن ابن عمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي وحضر دروس العالم الشيخ محمد بن خليل العجلوني وأخذ العربية وعلوم القراآت والعقائد عن المحقق الشيخ حسن المصري نزيل دمشق وأخذ الحديث عن العمدة الشيخ إسمعيل بن محمد العجلوني وقرأ عليه كثيراً وكذلك عن الشيخ محمد بن عبد الحي الداودي والشيخ موسى بن سعودي المحاسني وأخذ طريق الصوفية مع العلوم عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وحضر دروسه بالسليمية في صالحية دمشق في التفسير غير مرة وقرأ عليه من أول الأربعين النووية الامام النووي له واقعة بينه وبين السلطان بيبرس لأمر يتعلق بأراضي الشام ولم يعد إلى الشام إلا بعد وفاة بيبرس كما هو مذكور في التواريخ وأجاز إجازة حافلة وألبسه الخرقة القادرية وأخذ العربية مع علوم البلاغة عن العلامة الشيخ محمد بن محمود الحبال ولازمه وخدمه إلى أن توفي واستجاز له والده من المعمر العالم الشيخ عبد القادر التغلبي وكذلك من الامام المحترم الشمس محمد بن علي الكاملي وكان يستقيم في حجرة داخل التربة الكاملية بحذاء الجامع الأموي وفي آخر أمره انعزل عن المخالطة بالناس واستقام بدار زوجته بمحلة الشاغور الجواني يقري ويفيد إلى أن توفي وكان أحياناً يخرج إلى المسجد الذي بقرب داره المعروف بالياغوشية ودرس وانتفعت به الطلبة وعلمه وحافظته لا مطعن فيهما ولم يزل على حالته إلى مات وكانت وفاته في يوم السبت الرابع والعشرين من رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه عند أسلافه بني الغزي رحمهم الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين. علي الدفترداري علي بن عبد الرحمن الاسلامبولي الأصل والمولد الحنفي الشهير بالدفترداري الشيخ الفاضل العالم الكامل البارع قدم المدينة سنة أربعين ومائة وألف وجاور بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على الشيخ محمد حياه السندي والشيخ محمد بن الطيب الفاسي نزيل المدينة ومحمد أفندي الشرواني وغيرهم ونبل وفضل وأعطى الجوار حقه وكان ممن سلم المسلمون من يده ولسانه يعفو عمن ظلمه ويصل من حرمه ولا يقابل أحداً بما يكره ويوجد من يظلم الضعفاء ويتهمهم لترضيع نفسه وسيعلم الذين ظلموا أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 منقلب ينقلبون ولازم خدمة الفراشة بالمسجد الشريف النبوي بكرة وعشية وكان له مشاركة في العلوم العقلية والنقلية وله مجموعة بخطه وتوفي بالمدينة في تاسع عشري محرم سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف. السيد علي الخباز السيد علي ابن السيد عبد الخالق بن السيد جمال الدين المعروف بابن الخباز الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية كان صالحاً فالحاً فاضلاً له مشاركة في العلوم ارتحل لأكتساب العلوم إلى دار الخلافة اسلامبول ولازم على قاعدتهم من جوى زاده المولى محمد شيخ وبعده لما عزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً كعادتهم ففي ابتداء الأحداث في رجب سنة سبع وثمانين وألف أعطى مدرسة محرم أغا باعتبار رتبة الخارج وكان أول مدرس بها وفي سنة ثمان وتسعين في شوالها أعطى مدرسة الفضيلة وفي شوال سنة أربع وثمانين أعطى مكان المولى محمد صالح مخدوم شيخ زاده مدرسة باباس أوغلى وفي رمضان سنة سبع وثمانين أعطى مدرسة جعفر أغا مكان المولى إبراهيم أحد المدرسين وفي رجب سنة تسع وثمانين عن محلول جلب المولى إبراهيم أعطى مدرسة شيخ الاسلام المولى أحمد المعروف بالمعيد معيد أحمد سلفه أبو سعيد وخلفه عبد الرحيم وذكر نعيماً حال معيد فانظر ترجمة يحيى في خلاصة الأثر وما قال أحمد تائب في الحديقة في ترجمة علي باشا الشهيد رحم الله أهل العفة ففي رمضان سنة اثنين وتسعين أعطى قضاء بلدة صوفية مكان قبا صقال المولى وفي ربيع الثاني سنة أربع وتسعين عزل منها ففي محرم سنة ثمان وتسعين في شوالها لسبب استيلاء الكفار صار معزولاً ففي ذي القعدة سنة ثلاث ومائة وألف أعطى قضاء مغنيسا وفي سنة ست ومائة وألف أعطى تكريماً رتبة قضاء المدينة المنورة وفي سنة ثمان أعطى قضاء أرزن الروم وفي ربيع الأول سنة ثلاث عشرة أعطى قضاء ديار بكر وفي سنة ستة عشرة ومائة وألف في ذي القعدة توفي في اسلامبول ودفن خارج باب أدرنة في تكية هناك. علي السمهودي علي بن عبد الرحمن بن السيد علي المدني الشافعي الشهير بالسمهودي مفتي السادة الشافعية بالمدينة النبوية الشيخ الفاضل الواحد الكامل البارع المفنن الأديب ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على شيخنا الشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 محمد بن سليمان الكردي والشيخ أحمد الغلام وتفقه بهما وغزر فضله وظهر نبله وكان فاضلاً أديباً ذا جاه ووجاهة متقناً لأحوال الرياسة لا يدانيه أحد في معرفتها سهل الحجاب لا يقصده أحد إلا ويجد منه غاية الاكرام حتى في اليوم الذي توفي فيه وتولى افتاء الشافعية مرتين وكان أحد الخطباء الأئمة بالمسجد النبوي وتوفي بالمدينة المنورة في سادس محرم سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. علي الأرمنازي علي بن عبد الكريم بن أحمد الشافعي الأرمنازي نزيل حماة الشيخ العالم الفاضل الكامل له باع بالعربية والفقه ماهر بذلك وبالأصول والحديث والفقه والآلات ولا سيما الفقه حتى كان في فقه سيدنا أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه واحد عصره بارعاً فيه مع كونه شافعياً ولد في أرمناز تابع حلب في حدود سنة ثمان وعشرين ومائة وألف تقريباً وبها نشأ إلى أن بلغ مبلغ الرجال فتوجه إلى مصر بعد أن حصل قليلاً من العربية والفقه واستقام بها مجاوراً في الجامع الأزهر سبع سنين وقرأ على شيوخها منهم الشيخ حسن المقدسي الحنفي قرأ عليه صدر الشريعة والدرر والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ محمد الحفناوي والشيخ محمد الدقري والشيخ إسمعيل الغنيمي والشيخ علي الصعيدي والشيخ خليل المالكي والشيخ أحمد الهندي السليماني الحنفي وبرع وتفوق وقدم وطنه ورحل منه إلى معرة النعمان وصار بها قاضياً مدة من الزمان ثم توجه إلى بلدة حماة وجعلها مقره وحماه وسكن بها يقري ويفيد ولزمه جماعة وأخذ وأعنه وأسعفوه وكانت وفاته في رمضان بحماة سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن خارج باب الدرج رحمه الله تعالى والسبب في موته أنه كان راقداً على سطوح داره فوقع منه على الأرض واستقام مدة ساعات قليلة ومات من يوم ليلته رحمه الله تعالى. علي الكردي علي بن عبد الله بن أحمد بن إسمعيل الكردي من بلدة كوي بالقرب من عبدلان الشيخ المعمر الرحلة الصالح التقي الولي الزاهد الشافعي النقشبندي ولد ببلده سنة أربع وسبعين وألف وقرأ بها القرآن العظيم وأخذ العلوم عن علماء عبدلان وانتفع بالشيخ الكبير القطب الشيخ إسمعيل والد الشيخ عبد القادر العبدلاني وعنه أخذ الطريق ودخل حلب مرات قبل الأربعين وبعدها ثم استوطن دمشق وحج وجاور وأخذ عن سادات الحرمين وتخرج بالشيخ الكبير عبد العزيز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 الهندي النقشبندي ودخل مملكة ايران والروم ومصر وكانت مدة سياحته تزيد على ثلاثين سنة ولم يضع بها حنبه إلى الأرض وذلك له لآساذ في المفاوز كما شاهد ذلك منه مريدوه الثقات ورأى رب العزة في عالم الخيال وطار ذكره في الآفاق واستدعاه الملك المعظم السلطان مصطفى خان إلى أبوابه للتبرك به فرحل من دمشق ودخل دار الخلافة وأنعم له الملك المشار إليه في كل سنة بألفي قرش وخمسمائة قرش فزهد عن ذلك فألح عليه فقبل من ذلك قرشاً واحداً في كل يوم من مال جزية دمشق والباقي فرقه في رفقته وطلب منه الملك المشار إليه الدعا بالنصر للسرية التي جهزها علي الخارجي طهماس بمملكة ايران فأهلك الله طهماس فاعتقده وله كشف وأحوال ارتاحت لها قلوب كل الرجال وقد تزوج بسبع وولد له خمسون ولداً وأعقب بدمشق الشيخ إبراهيم الفرضي وكان من الأفاضل الأذكياء توفي سنة سبع ومائتين وألف وتوفي المترجم عاشر صفر سنة تسع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن بسفح قاسيون. علي السليمي علي بن محمد بن علي بن سليم الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بالسليمي الشيخ العالم العلامة الحبر النحرير المسند المعمر الولي الكامل أبو الحسن علاء الدين ولد كما أخبرني سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وطلب العلم بعد التأهيل له فأخذ عن جملة من الشيوخ كالأستاذ عبد الغني النابلسي وولده الشيخ إسماعيل والشيخ محمد بن خليل العجلوني والشيخ محمد بن عيسى الكناني والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والجمال عبد الله بن زين الدين البصروي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي والشيخ علي بن أحمد الكزبري والشيخ حسن المصري والشيخ محمد العلواني والشيخ رجب الأشقر الصالحي وعلي البراذعي وغيرهم وبرع وفضل وتصدر للتدريس فدرس في الجامع الأموي والجامع الجديد بالصالحية والمدرسة العمرية وله من التآليف تكملة شرح تفسير البيضاوي للشيخ عمر الرومي كمله من سورة الأسرا والزبدة الطرية على منظومة الأجرومية وشرح على شرح الغاية لأبن قاسم وغير ذلك وكان المترجم المرقوم عالماً عاملاً ورعاً تقياً نقياً زاهداً معرضاً عن الدنيا متقللاً منها تاركاً لما لا يعنيه وكانت وفاته طلوع فجر يوم الخميس غرة جمادي الأولى سنة مائتين وألف وصلى عليه بجمع حافل في السليمية ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى. السيد علي المرادي السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد مراد ابن السيد علي المعروف بالمرادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 الحنفي البخاري الأصل الدمشقي المولد والمنشأ النقشبندي مفتي الحنفية بدمشق الشام وعين أعيانها وفارس ميدانها سيدي ووالدي ومن ورثت منه طريقي من المجد وتالدي الشهم الصدر المحتشم المهاب الوقور الجسور المقدام الفاضل العالم الأديب الأريب الذكي الحاذق اللوذعي الألمعي ذو الفكر الصائب كان رحمه الله تعالى فرد الدهر وواحداً في هذا العصر حسن الأخلاق كريم السجايا واسع الصدر قوالاً بالحق يصدع الكبير والصغير ولا يبالي في اجراء الحقوق ولا تأخذه في الله لومة لائم متمسكاً بالشريعة المحمدية مكرماً للوافدين محباً للعلماء والأفاضل سخياً جواداً ممدوحاً يراعي الله في أموره ويراقبه وانعقدت عليه صدارة دمشق الشام وروجع في الأمور من البلاد واشتهر صيته بين العباد وقصدته المداح وكاتبته الأعيان من سائر البلاد والأطراف لا سيما من قسطنطينية فإن أعيانها كانت تراجعه بمهمات دمشق حتى السلطان مصطفى خان صاحب المملكة يراجعه ويطلب دعاه ويوصيه بأهل دمشق وكانت مخاطبته له في أوامره المرسلة إليه عمدة المتورعين والزهاد زبدة المتشرعين والعباد سراج الارشاد مصباح السداد شيخنا ابن الشيخ مراد زيد فضله وكان يردع الحكام والظلمة عن دمشق وغيرها ويتكلم معهم كلاماً قاطعاً ويحترمونه ولا يمشون إلا على رأيه ومراده والذي بلغه من الجاه والسعة والاقبال وتوافق القلوب على حبه لا يحصيه قلم كاتب ولا مداد حاسب وأما صيته فملأ الخافقين وشاع بين الثقلين وله من الثناء الباقي المخلد في صفحات الأيام ما لو نسخت الدنيا يبقى إلى يوم القيام وهذه عطية من الله الرحمن وهبة من الرحيم المنان فإنه تفرد بكرمه وخلائقه وأفرد بحيث لم يسمع مثله سابقاً ولا يجئ شبهه لاحقاً فدامت هواطل الرضى على رمسه هامية ومراتبه في الفراديس الجنانية سامية ولد بدمشق في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده وكان والده يحبه أكثر من اخوته ويميل إليه وقرأ القرآن العظيم على الشيخ علي المصري الحافظ المقري نزيل دمشق وأخذ وقرأ واشتغل بطلب العلم على جماعة كالشيخ محمد الديري نزيل دمشق والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق والشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني ووالده العارف العالم الشيخ السيد محمد المرادي والشيخ إسمعيل العجلوني الدمشقي والشيخ علي الطاغستاني نزيل دمشق والشيخ موسى المحاسني وأخذ عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بواسطة والده وبدون واسطة وعن الشيخ محمد حياة السندي والشيخ أسعد ابن العناق نزيل مكة والعالم الشيخ علي مفتي مكة والسيد عمر باعلوي سبط الشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 عبد الله بن سالم المكي والشيخ محمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة والعلامة المحقق المولى عبد الله الرومي مفتي الممالك العثمانية المعروف بالايراني وتفوق واشتهر ومهر وبرع وتولى رتبة قضاء القدس وافتاء الحنفية بدمشق واستقام بها إلى أن مات ودرس في المدرسة السليمانية بالهداية وجعل من إنشائه في كل درس خطبة وتولى غيرها من التوالي التوالي لعلها جمع التولية والوكالات بحيث لو جمع الذي تولاه وناله وصرفه لاعى الحاسبين وبهر بهره غلبه الناظرين والسامعين وامتدح بالقصائد الغرر وجمعت فجاءت كتاباً حافلاً ورحل إلى الروم صحبة والده وكذلك إلى الحج ثلاث مرات وله من الخيرات والمبرات والمدارس والعثامنة شيء كثير لا يمكن العد والأحصاء له بالتقرير وله من التآليف شرح على صلوات والده ومن الرسائل الروض الرائض في عدم صحة نكاح أهل السنة للروافض واخرى سماها أقوال الأئمة العالية في أحكام الدروز والتيامنة واخرى سماها القول البين الرجيح عند فقد الحصبات تزويج أولي الأرحام صحيح وله شعر كثير ونثر غزير ونظم كله بداهة وقد جمعت ذلك بخطبة من إنشائي فجاء ديواناً بديعاً وكان في زمنه العلماء والأفاضل محترمون ومبجلون والأسافل الجهال مكيدون محقرون وكل أحد سالك مسلكه لا يتعدى الحدود وكان ينظر لصاحب الحق ولو على ولده ويكرم الغرباء والحضور ويحسن الاعتقاد في الصلحاء ولا ينكر على أحد ولا يقبل الرشا والجرائم مع إن يده كانت طائلة إلى ما يشتهيه رحمه الله وكل من جال في ميدان التعفف واتبع أثر يحيى أفندي شيخ الاسلام وعلي باشا الشهيد الصدر في زمن السلطان أحمد الثالث ومع هذا إذا توفي أحد وخلف ولداً وكانت عليه وظائف كثيرة يجتهد بعملها لولده ولا يفرط بعثماني واحد إلى الغير ويحسن للفقراء والأغنياء بالتواضع والبشاشة وصفاء الخاطر والاحسان لمن يسئ إليه والملاطفة مع الكبير والصغير والغني والفقير ومجالسه دائماً مشحونة بالأفاضل والعلماء والأدباء والمسائل دائماً تجري بمجلسه والمطارحات والمساجلات الشعرية ولا غيبة في مجلسه ولا تميمة وأنا إذا أردت أصفه لا أنصفه ولو أنني جعلت الأيام طروساً ورقمتها بمداد سواد الليالي لا أوفى بعبارة ولا في اشارة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها الثالث ومع هذا إذا توفي أحد وخلف ولداً وكانت عليه وظائف كثيرة يجتهد بعملها لولده ولا يفرط بعثماني واحد إلى الغير ويحسن للفقراء والأغنياء بالتواضع والبشاشة وصفاء الخاطر والاحسان لمن يسئ إليه والملاطفة مع الكبير والصغير والغني والفقير ومجالسه دائماً مشحونة بالأفاضل والعلماء والأدباء والمسائل دائماً تجري بمجلسه والمطارحات والمساجلات الشعرية ولا غيبة في مجلسه ولا تميمة وأنا إذا أردت أصفه لا أنصفه ولو أنني جعلت الأيام طروساً ورقمتها بمداد سواد الليالي لا أوفى بعبارة ولا في اشارة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها ذكر الأحبة يا سعاد يحبب ... وبذكر أهل القبلتين أشبب فعلام قلبي قد يطوف بحانة ... ضاءت بها شمس عليها أكؤب قد زانها الساقي فجانس خده ... لو نالها قد لذ فيه المشرب آه على زمن تقضي برهة ... لم أدر إن البعد فيه يعقب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 في روضة لعب النسيم ببانها ... وبدت حمائمها تهيم وتطرب متجوزاً فيه الغدير كأنه ... نهر المجرة في صفاه كوكب حصباؤه در تضي بصفائه ... وبحافتيه الورد عطراً طيب والزهد قد ضاءت بأفق سمائها ... في روضها الفضفاض ذاك محبب والترب فاح وقد شذاه عطره ... من نفحه الفياح عرفاً طيب ولطالما الحادي يسوق بعيسه ... ليلاً وبدر الأفق كان يغيب ويحث بدنا للوصول لروضة ... من نورها السامي أضاءت يثرب بلد بها خير الخلائق طيب ... سمع الصلاة لمن له يتقرب ويرد في حال السلام لوارد ... والله يعلم ما بذلك يحجب وله مقام قد علا عن غيره ... في موقف قد عز فيه المطلب وله من قصيدة حين ختم درس الهداية في السليمانية من ذكر نجد يا حبيب فردد ... وبوصف من حلوا هنالك فأنشد حيث الأراك على الغدير مخيم ... وعليه غرد طيرها بتردد حيث الصبا مرت على سكانها ... فتحملت طيباً وعطرت الصدى فتعطر المشتاق من نفحاتها ... وبها يحن إلى الديار وانجد حتى ينادي في المهامه منشد ... زموا الركاب فلست بالمتفند إني أرى البانات من علم الحمى ... وأرى منازل أهل ذاك السؤدد شبه السراة إذا الليالي أظلمت ... أهدوا بنور للنبي محمد من طيبة الغراء مصباح الهدى ... أكرم به من حالل وموسد بحر الهداية والعناية والتقى ... وشفيعنا عند التزاحم في غد وله لواقعة منامية هذه القصيدة النبوية ومطلعها قبلت يدك في المنام تكرماً ... يا من علا فوق السماء وقد سما فالله خصك من عناية فضله ... بعظيم خلق جل من قد عظما وبسورة الأسراء أسرى عبده ... من مكة البطحا لقدس يمما نادي لموسى اختلع نعليك في ... وادي المقدس يا كليم فكلما أنت الذي في الأنبياء جميعهم ... كنت الامام وما برحت مقدما ولقد عرجت على البراق مصاحباً ... لأمينه يا خير من وطئ السما حتى وصلت إلى العلا في همة ... ولقاب قوسين الدنو مكرما للسدرة العظمى تجرر أذيلاً ... فيها الفخار وقد حظيت تكلما حتى تراجع ربك الأعلى لنا ... فيما يقول من الصلاة ترحما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 منها خضعت لهيبتك العوالم كلها ... لما الآله عظيم خلقك اعلما فالله خصك في فضائل عدة ... وعن صفها عجز البليغ وافحما من ذا يروم ثنا علاك بمدحه ... والله قد أثنى عليك وعظما فالشهب لا تحصى كذاك علاك لا ... يحصى وقدرك يا نبي تعظما وقال وهو في بلاد الروم مضمناً البيت الأخير للمتنبي لما دعيت إلى حماك وقد أرى ... شوقي إليك أعز فيه وأكرم جاءت بي الأقدار أمشي خاضعاً ... حتى أريق دماً وقدرك أعظم وأقول شعراً قاله من كندة ... شهم له غر القوافي تخدم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم وحين قدم دمشق العارف الرباني العالم الأستاذ السيد الشريف عبد الرحمن ابن مصطفى العيدروسي اليمني نزيل مصر القاهرة ونزل في دارنا الكائنة في محلة سوق صاروجا ابتهجت به دمشق وازدانت وحصل له الاقبال التام وأقبلت عليه الأفاضل والعلماء والسادات وظهر برونق الأدب والفضل وخدمته الأدباء بالقصائد الغر حصلت المطارحات والمساجلات البديعة وكان رحمه الله تعالى بهجة وجه الفضائل ونير سماء المعارف والآداب والفواضل فكتب إلى والدي المترجم هذه القصيدة وهي قوله اليك على الذات والوصف والوهب ... حثثت مطايا العزم والشوق والحب وحق لنا حث المطايا إلى فتى ... تسامى بوهبي العلوم وبالكسب شريف له بالمصطفى خير نسبة ... تعالت على أوج المجرة والشهب عليم بأنواع العلوم همامها ... وقاموس فضل فاض بالمشرب العذب كريم له الجود الخضم وإنه ... لحاتم هذا العصر في جوده الرحب سرى يسر الكون فضل قوله ... بفعل مصون عن خيال ذوي العجب سليل المرادي المهذب شيخنا ... هزبر العلي في منهج النقل واللب فلله من فرع حذا حذو أصله ... وجاراه في شرق الكمالات والغرب هو السيد المفتي مريدي شريعة ... بعلم حنيفي به زينة الكتب هو العارف الهادي مريدي حقيقة ... إلى حضرة الاطلاق حسبي بها حسبي له الله مولى كل ما فيه مشرق ... بما حازه بالله من حضرة القرب وإني له داع بكل مراده ... فأرجو إجاباتي يجود بها ربي فيا سد أسعد الزمان به علا ... ومشربه بالحق بالمرتجى ينبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 لك الله يا خدن المكارم من أخ ال ... مزايا التي جلت لدى السلم والحرب وأبقاك ذو الأفضال في خلعة العلى ... ولا زلت حصناً في رخاء وفي جدب ودونك أبيات الوداد وانها ... تشكر فضلاً منك يسمو به قلبي ودم وابق يا مولاي في خير عزة ... تسر بها أهل المودة والحب وأزكى صلاة الله ثم سلامه ... على المصطفى المختار والآل والصحب وأتباعهم ما فاح عرف الحمى وما ... سقت روضة الأدواح ساجمة السحب فأجابه والدي المترجم بقوله فسرى عن الأسرار عن سركم ينبي ... وعن مشرق العرفان ضاء به لبي أجيبو الداعي الحق أهل ودادنا ... فإني منادي الحق في حضرة القرب أهيل المصلى والعقيق وحاجر ... أهيم بكم وجد أو مسكنكم قلبي أقلب طرفي في الخيام وما حوت ... ولم أر يوماً في الوجود سوى ربي سيكشف لي ربي حجاباً يظنه ... على أولو الأبعاد طرقاً لي سلبي فهذي عطايا لم ينلها مؤمل ... سوى دائرات الحان عن سرها ينبي وأضحى خليعاً لا يرى في مدامها ... أنيساً وعين الشرب في صفوها شربي أهيم به وجداً وإن ظن معشر ... بأني عن الأكوان أخلو من الكسب فهيهات أن يبدو عبانا لمعشر ... أيدرون لبلى بالستور وبالحجب فاهي الأنزهة لأولي النهى ... فعجل بصافي الدن من حضرة الوهب منها فأدار في الكاسات إلا كلامها ... بظرف من الأسماع صنع من الترب فغنى بها الحادي وأطرب معشرا ... فعادوا ثمالاً خالصين عن السغب يهيمون في ذكر الحبيب ووصفه ... وينفون ذكر الغير من معرض السلب ويبدون ذكر الذات من معشر السوى ... ويروون عين الذات عن منهل عذب عن الأحمد الهادي عليه صلاتنا ... دواماً مع التسليم من حضرة الغيب وآل وأصحاب بدور هداتنا ... إلى سبل أهل الحق والوهب والكسب وقال مضمناً يا ابن المعالي ومن حازوا لمجدهم ... فخراً على هامة الزهراء ينتسب على م تشكي جوى ما ليس نافعه ... غير التألم في وسط الحشا لهب ما أنت أول سار ضل في قمر ... حتى ولا أنت حاك فاته الشنب ومن ذلك تضمين الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 رام المدام بأن يحكي باكؤسه ... دور الغلايين لما مدت القصب فهب نفح دخان التبغ ينشده ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ومنه تضمين محمد أسدي من قصيدة مطلعها دع المدامة يعلو فوقها الحبب ... رضابه وثناياه لنا أرب قالت مباسمه للبرق حين سرى ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ومن ذلك تضمين الكامل حسن الشهير بالدرزي حكى دخاناً سما من فوق وجنة من ... قد مص غليونه إذ هزه الطرب غيم علا بدر تم قد تقطع من ... أيدي النسيم فولي وهو ينسحب فقلت والنار في قلبي لها لهب ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ومن ذلك تضمين العارف الشيخ أيوب الخلوتي قال الاقاح حكيت الثغر قلت له ... ترك المقالة في هذا هو الأدب في اللون أن تدعى واللين مشبهه ... نعم حكيت ولكن فاتك الشنب ولمجير الدين ابن تممي إن تاه ثغر الأقاحي أن نشبهه ... بثغر حبك واستولى به الطرب فقل له عندما يحكيه مبتسماً ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنت وللمترجم في شجر الصفصاف أمن صاغ للجهال رفع رؤسهم ... إذا ما رأوا ذا العلم والأدب الغض أما ينظروا الصفصاف من عدم الجنى ... حياء من الأشجار أطرق للأرض وقال مشطراً بيضاء لما آيست من وصلها ... دنفاً غدا ولهان في أهوائه ماست تتيه بفرق صبح صادق ... وبدت بدو البدر وسط سمائه أترعت في حجري غديراً بالبكا ... حتى ترائى دره لصفائه وصقلت مرآة المياه تعطفا ... فعسى يلوح خيالها في مائه ومن ذلك تشطير الفاضل النبيه إسماعيل المنيني بيضاء لما آيست من وصلها ... وكوت فؤاداً طال فرط عنائه وغدت تميس كما القضيب تأودا ... وبدت بدو البدر وسط سمائه أترعت في حجري غديراً بالبكا ... لا الدر يحكي منه حسن صفائه قد غاب عن عيني شخص جمالها ... فعسى يلوح خيالها في مائه ومما اتفق في المولد الشريف الذي نصنعه كل سنة في دارنا الكائنة في محلة سوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 صاروجا إنه لما تمت قراءة المولد الشريف والناس مجتمعون كعادتهم وحاكم دمشق والقاضي وجميع الأعيان والعلماء وجمع غفير إذ حفظ تخت من الخشب كان في الدار فعظم الاضطراب سرور أمن إنه عند ذكره الشريف تتحرك الجمادات ثم إن الوالد حفه رضوان ربه أنشد ارتجالاً بقوله ما تعجبوا من ذكر أحمد سادتي ... فالتخت نادى معلناً بصفاته نطق الجماد بأسره في مولد ... وأنا الذي قد همت من بركاته وكان نزيلاً عندنا إذ ذاك العالم الشيخ محمد التافلاتي المغربي نزيل القدس فقال في ذلك تخشع التخت لما ... روو الذكر الحبيب فارتج يبدي حنينا ... كجزع طه المنيب قطاف كأس سرور ... على جميع القلوب وللمترجم مشطراً وتقدم في ترجمة الشيخ أبي بكر الجزري الكردي تشاطير هذين البيتين أحمامة الوادي بشر في الغضا ... بالشعب من نحو العذيب ولعلع إني أحن إلى الديار فغردي ... إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي إنا تقاسمنا الغضا فغضونه ... سمر القنا تدمى بكل مولع والريح تنثر نور غصن قد غدا ... في راحتيك وجمره في أضلعي وقال مخمساً أدر الزجاجة بالصبابة علني ... إن انتشى طرباً فحبك علني يا أهيفا أنا في هواه تفتني ... لا تخش سلواني عليك فانني عن رتبة العشاق لا أتزحزح فإن بحبك كل من قد يعشق ... ويرى حديث العشق وهو مصدق إني أقول وكل شيء ينطق ... باب التسلي عن جمالك مغلق حلف الغرام بأنه لا يفتح وقال مشطراً يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ... عن حضرة الأنس في قرب وإيناس وقال يبدي أعاجيباً منوعة ... عن المدام ولا يلهو عن الكاس أطاعه سكره حتى تمكن من ... آنست من قبس نار الأقباس هذي مظاهره في السكر أعجب من ... فعل الصحاة فهذا سيد الناس ومن ذلك تشطير الأديب محمد شاكر العمري يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته ... في ألحان عن حال اسعاف وإيناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 يلهو عن اللهو صفواً غير ممتنع ... عن المدام ولا يلهو عن الكاس أطاعه سكره حتى تمكن من ... حيث الكؤس على استعداد جلاس تلقاه مستغرقاً في سكره وله ... فعل الصحاة فهذا سيد الناس وقد خمسهما الأديب محمد مكي الجوخي بقوله سر الوجود حيب الله صفوته ... صافي الشراب سقاه ثم ثبته وقام يسقي وطابت فيه نشوته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن المدام ولا يلهو عن الكاس أدناه حضرته فالروع منه أمن ... حباه سر وجود في الغيوب كمن مذ شاهد السر في أقداحه ويقن ... أطاعه سكره حتى تكن من فعل الصحاة فهذا سيد الناس وخمسهما الفاضل عبد الحليم اللوجي بقوله أضحت مطاف ندامى الأنس حضرته ... وجملت بهجة الحانات نضرته ما زال مذ شعشعت في الكأس خمرته ... يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته عن المدام ولا يلهو عن الكاس ثبات حال له نهج السداد ضمن ... وإنه بالمزايا الفائقات قمن لما احتساها ومن غول الشراب أمن ... أطاعه سكره حتى تمكن من فعل الصحاة فهذا سيد الناس ومن ذلك تخميس العالم الفاضل الشيخ عمر بن عبد الجليل البغدادي نزيل دمشق وهو قوله إن الذي في ذرى العلياء رتبته ... ومن هو البرزخ المفتاح نشأته سر الوجود سرت في الكل بهجته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن المدام ولا يلهو عن الكاس شمس الحقيقة سر السر منه زكن ... وهو الوساطة في نيل الكمال فان أراد في سكره إنشاءنا وضمن ... أطاعه سكره حتى تمكن من فعل الصحاة فهذا سيد الناس ومن ذلك تخميس السيد حمزة الدمشقي الأديب هذا الرسول الذي عمت فضيلته ... وعظمت بصريح النص أمته من خمرة الذات في التوحيد شربته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن المدام ولا يلهو عن الكاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 لقد هدانا بارشاد له وضمن ... والله أعطاه حتى إن رضى وأمن من مثل طه وسر الله منه ركن ... أطاعه سكره حتى تمكن من فعل الصحاة فهذا سد الناس ومن ذلك تخميس الأديب السيد عبد الفتاح مغيزل من كان من نور ذات الحق نشأته ... ومن علت ذروة الأفلاك رتبته من حالة القرب والتقديس خمرته ... يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن المدام ولا يلهو عن الكاس عن درك أوصافه قد حار كل فطن ... فدوهر العلم والتحقيق فيه كمن إن رام في سكره الارشاد فهو أمن ... أطاعه سكره حتى تمكن من فعل الصحاة فهذا سيد الناس وله عفى عنه غير ذلك من الأشعار الفائقة وكانت وفاته في ليلة الجمعة في الثاني والعشرين من شوال سنة أربع وثمانين ومائة وألف وفي يوم الجمعة دفن في مدرستنا الكائنة بمحلة سوق صاروجا ورثى بقصائد كثيرة وتولى افتاء الحنيفة بعده أخوه المولى السيد حسين إلى أن مات وذلك في رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكره والده محمد وعمه مصطفى وجده مراد إن شاء الله تعالى ومن العجيب إن المترجم رحمه الله تعالى لما ختم درس السليمانية في سنة وفاته وكان ذلك الدرس آخر الدروس أنشد في الملاء العام هذين البيتين المشهورين وهما دفنوا الجسم في الثرى ... ليس في الجسم منتفع إنما السر في الذي ... كان في الجسم وارتفع علي ابن أيوب الخلوتي علي بن محمد بن أبي السعود بن أيوب الخلوتي الحنفي الدمشقي الفاضل المتفوق الكامل كان من الأفاضل المحصلين ولد بدمشق في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها في حجر والده الشيخ الصالح واشتغل بتحصيل العلوم وقرأ على الشيخ عبد الله البصروي في فنون عديدة منها في النحو شرح القطر للفاكهي وشرح الكافية للجامي وحاشية عصام الدين قراءة بحث وتدقيق وانتفع به ومن مشايخه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المفتي والشيخ علي كزبر قرأ عليه في مصطلح الحديث وأجازه ومنهم الشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد الدمري الطرابلسي نزيل دمشق والسيد محمد العبيبي والعارف الشيخ عليم الله الهندي نزيل دمشق فإنه قرأ عليه في المنطق وأجازه اجازة حافلة واجتهد في العلوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 حتى حصل الفضل ودرس بالجامع الأموي ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في سنة احدى وسبعين مائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله. علي التركماني علي بن محمد سالم بن ولي الدين التركماني الأصل الحنفي الدمشقي المولد أمين الفتوي عند مفتي الحنفية بدمشق الشيخ الامام العالم الفقيه الحبر الفهامة النبيه كان متقناً متفوقاً بفقه الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وماهراً بمقتضياته وإليه النهاية فيه بوقته مع الفضل الذي لا مطعن فيه ولد سنة ثلاث ومائة وألف وقرأ وأخذ عن جماعة من شيوخ دمشق والروم واستفاد وصار أمين الفتوى مدة مديدة عند العلامة الامام المولى حامد العمادي ثم من بعده عند والدي رحمه الله تعالى ودرس بالجامع الأموي في الفقه وكانت عليه وظائف عديدة وله رسائل وتعليقات وحواشي كثيرة وبالجملة ففضله لا شك فيه سيما بالفقه فروعاً وأصولاً وكان العمادي في غالب الأوقات يزجره خوفاً من ادخال الرشوة في أمور الفتيا عليه رحم الله العمادي رحمة واسعة وقطع أيدي المرتشين عن أمور عباده بحرمة رسوله وكانت وفاته في يوم الجمعة ثالث رجب سنة ثمان ومائة وألف ودفن بمقبرة الحفلة عند داره بميدان الحصا رحمه الله تعالى الرشوة يجوز فتح الراء وضمها وكسرها ولا يجوز قبولها ويذمون الراشي حياً وميتاً ويذكرونه باللعنة لأن الرشوة رأس الفساد للملل والدول. علي السقاط علي بن محمد بن علي بن العربي الفارسي المصري المالكي الشهير بالسقاط الشيخ المحدث المعمر العالم العامل النحرير الكامل أبو الحسن نور الدين أخذ عن جماعة من العلماء منهم والده والشهاب أحمد العربي بن الحاج الفاسي وولده محمد والبرهان إبراهيم بن موسى الفيومي ومحمد بن عبد السلام البناني وعمر بن عبد السلام التطاوني ومحمد الزرقاني وأجاز له أبو حامد محمد البديري الشهير بابن الميت والسيد مصطفى بن كمال الدين البكري وحج سنة أربع عشرة ومائة وألف وجاور بمكة وأخذ بها عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وغيرهما وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وعلماً وديانة وزهداً وولاية أخذ عنه الجمال عبد الله الشرقاوي والشيخ عبد العليم بن محمد الفيومي وغيرهما وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. علي البصير علي البصير البصري المالكي نزيل المدينة المنورة وعالمها ومحدثها أخذ عن محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 بن داود العناني وأخذ عنه السيد تقي الدين الحصني وتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشري محرم سنة ست ومائة وألف ودفن بالبقيع بقرب ضريح الامام مالك رحمه الله. علي الأسكاف علي بن محمد بن حسن الأسكاف الدمشقي أحد المجاذيب المولهين كان يحضر مجالس الذكر فيأخذه اصطلام وكان في أيام الشتاء يلبس عباءة والعرق يقطر من جبينه والناس في شدة البرد توفي في أوائل هذا القرن. علي الرختوان علي بن محمد بن علي ابن عثمان المعروف بابن الرختوان الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية الفاضل الأديب الشاعر الماهر الكاتب البارع المنشي كان والده تذكره جي الدفترخانه بدمشق وتوفي سنة ثمان ومائة وألف ونشأ المترجم وحفظ القرآن وهو ابن خمس سنين وشاع أمره بالذكاء حتى وصل للوزير الأعظم إذ ذاك فأدخله للحرم السلطاني فخدم ثمة مع الغلمان في دار السعادة السلطانية كعادتهم وأخذ وقرأ الفنون ومهر بالأدب وأخذ الخط عن عمر الرسام الكاتب المشهور وتعلم اللغة التركية وغلبت عليه حتى صار ينظم الشعر التركي البليغ وتلقب بفائز على طريقة شعراء الفرس والروم وصارت أبناء الروم تتغالى بأشعاره حتى إني رأيت الفاضل سالم ابن مصطفى قاضي العساكر ميرزا زاده ترجمه في تذكرة الشعراء التي جمعها وذكر شيئاً من شعره التركي واشتهر تفوقه وهو في الحرم السلطاني وصار رئيس البوابين في الباب العالي وتزوج بابنة الوزير مصطفى باشا المقتول ولم يزل صاحب اشتهار واعتبار إلى أن مات وكانت وفاته بقسطنطينية سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله. علي الشدادي علي الفاسي المالكي الشهير بالشدادي مفتي فاس وقاضيها الشيخ الامام العالم العلامة النحرير الأوحد ذكره أبو الفتوح علي الميقاتي الحلبي في جملة شيوخه وذكر إنه توفي بعد العشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. علي الكبيسي علي بن محمد الكبيسي الدمشقي الصالحي أحد المجاذيب المشهورين بدمشق توفي يوم عرفة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف. علي الزهري الشرواني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 علي بن محمد بن علي الزهري الشرواني الحنفي المدني رئيس علماء الحنفية بالمدينة المنورة النبوية الشيخ العالم المحقق المدقق النحرير ولد بالمدينة لأربع خلون من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وهو ابن تسع سنين وحفظ جملة من المختصرات الفقهية وغيرها على أبيه محمد أفندي وأخذ عن جملة من العلماء كالشيخ محمد حياه السندي ولازمه إلى أن توفي وقرأ الهداية على محمد أفندي ابن عبد الرحيم المفتي بشروان وحضر التسهيل على الشيخ محمد ابن الطيب المغربي وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الدقاق والشيخ محمد الحريشي والسيد عمر المكي العلوي سبط عبد الله ابن سالم وقرأ بعض الهداية على العلامة مرزا إبراهيم الأوزبكي وشرح التجريد للقوشجي على العلامة محمد رضى العباسي وأخذ الخط عن علي أفندي ابن محمد القيصري تلميذ شكر زاده ودرس بالمسجد النبوي وإليه انتهت الرياسة في الفقه وكان مرجعاً لأهل المدينة في ذلك وكان إذا أقرأ كتاباً يجري فيه القواعد الآدابية والمنطيقة على أحسن أسلوب فصيحاً متكلماً مهاباً عند الحكام ولي نيابة القضاء خمسة وثلاثين يوماً سنة ست وثمانين فتعصب عليه أناس من أهل المدينة وسعوا في عزله فعزل وأم في المحراب النبوي وألف مؤلفات نافعة في العلوم العقلية والنقلية منها حاشية على ديباجة الدرر وهوامش على المختصر حين أقراهما في المسجد النبوي وله شعر منه قوله من قصيدة مدح بها السيد أحمد بن عمار الجزايري يقول لثام الفخر والشرف الجلي ... جنابك حقاً قد علا كل معتلي وأضحى لأشباح المعالم روحها ... ومبدأها الفياض من هبة العلي مدير لأفلاك العقول وقطبها ... ومركز عرش المجد والحسب العلي وله غير ذلك وكانت وفاته بالمدينة في غرة صفر الخير سنة مائتين وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. علي العمري علي بن مراد العمري الموصلي الشافعي خطيب الحضرة النبوية اليونسية أبو الفضل نور الدين كان رحمه الله تعالى نادرة الزمان ونتيجة الأيام بذل جهده في تحصيل العلوم حتى حازها بأسرها وله تأليفات لطيفة منها شرح كتاب الآثار للامام محمد وشرح الفقه الأكبر للامام الأعظم وله على كل فن تعليقات وكان مجلسه غاصاً بالعلماء والفضلاء حتى إن من كان يحضر مجلسه يستغني عن القراءة والدرس وقد أوتي الحظ الوافر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 من العلم والدنيا فبدولته تضرب الأمثال حتى إنه في يوم واحد أضاف سبعة من الأمراء بجنودها وتولى افتاء بغداد مقدار سنتين وتولى القضاء والافتاء بالموصل أيضاً وله سفرات عديدة إلى قسطنطينية وله شعر لطيف منه قوله يمدح بها فيض الله أفندي شيخ الاسلام خد تورد بارتشاف الأكؤس ... قرنت لواحظه لطرف أنعس أم ذا أحمر أربان في وجناته ... وأظن أورثه لهيب تنفسي أم ذا شقيق الحسن أحمر ساطع ... أوراقه أس العذار المفرس ومنها في وصف الروض فبدت بها الأشجار شبه عرائس ... تحكي ببهجتها الجوار الكنس رقصت بلابلها على أغصانها ... طرباً لبهجة وردها المترأس فالياسمين معانقاً أدواحها ... قد قلدته حمائلاً من سندس أما الشقيق فشققت أطواقه ... والخال في فيه كمسك أنفس والأقحوان الثغر منه باسم ... وكذلك الغض العيون النرجس يختال في قضب الزبرجد مائلاً ... والرأس منه مائل بتنكس إلى أن قال فأشرب معتقة الدنان شمولة ... تذر الهموم صحيفة المتلمس وأسطو على خطب الزمان ببأسها ... إن المدام أنيسة المستأنس هذا هو العيش الهني ففز به ... والجا بخطبك للمحل الأقدس فهو المحل المستنير بمن غدت ... أراؤه عوناً على الزمن المسي وكان مولده سنة ستين وألف وتوفي سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى. علي بن كرامة الطرابلسي علي بن مصطفى ابن أبي اللطف المعروف بابن كرامة الحنفي الطرابلسي الفاضل الشهير والعلم الكبير كان ذا جاه ودأبه السكون حتى في المداعبة وكان له شعر لطيف مع فقر حسنة بديعة وتولى افتاء طرابلس الشام برهة من الأيام ولم يزل في أفياء منصبه قائلاً وفي حلل الراحة رافلاً حتى رج عليه الدهر أصناف صروفه وخطوبه فنفى ثم بعد ذلك أعانه الاعانة الربانية بتوجه الاسعاف من وجوه العلماء والأشراف وأهل النجدة والانصاف ثم توجه عليه افتاء حلب ولم يزل فيها قرير العين بعزه وجاهه إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 أن مات وكان ألف رسالة فأظهر عليها نقاد المشايخ كالعلامة الشيخ محمد شمس الدين التدمري والشيخ الخليلي وغيرهما وبالجملة ففضله مشهور وقد أرادت اخوته أن يتميزوا بوصفه فكبا جواد همتهم في حومة التمثيل والتنظير ولم يقدروا على اشتمام عرفه ولا اجتناء ثمره النضير وكتب إليه حامد العمادي المفتي بدمشق حين أعاره الجزء الأول من خزانة الأكمل فاستحسنه العمادي المذكور وأرسل له قوله إن المحبة في الفؤاد وإن ترم ... تنظر لقلبي فهو عندك شاهد وإليك ما يغني الأنام بحبه ... أهديتها مني وإني حامد أرسلت معها من خزانة فضلكم ... جزأ لكم عندي وأنت الماجد فلأنت أكمل من تفرد بالوفا ... دم منهلاً يأوى إليك القاصد مع من تحب ومن تود ومن يكن ... ياءوي إلى علياك يا ذا الواحد وكانت وفاة صاحب الترجمة في سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. علي الدباغ علي بن مصطفى الملقب بأبي الفتوح الدباغ المعروف بالميقاتي الشافعي الحلبي صاحب العلوم الغزيرة والتصانيف الشهيرة العالم الامام المحقق المحدث الأديب الماهر النحرير الشيخ البارع المدقق القدوة كان أحد من أنجبتهم الشهباء في زماننا واشتهروا بالفضل والأدب وكان له في كل فن القدح المعلي على الهمه كاشفاً في المعلومات كل مدلهمه ولد في سنة أربع ومائة وألف وقرأ القرآن واشتغل بطلب العلم على جماعة كالعالم الشيخ أحمد الشراباتي والفاضل الشيخ سليمان النحوي وارتحل إلى دمشق وأخذ بها عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية والشيخ عبد الكريم الخليفتي المدني والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أبي الطاهر الكوراني المدني والشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ أبي الحسن السندي نزيل المدينة والشيخ محمد المعروف بالمشرقي المغربي تلميذ الفاسي شارح دلائل الخيرات والشيخ يونس المصري والشيخ محمد بن عبد الله المغربي والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤف البشبيشي والشيخ أبي المواهب الحنبلي الدمشقي والشيخ محمد بن علي الكاملي الدمشقي وله مشايخ كثيرون من أهل الحرمين ومصر والقدس وغير ذلك وكان له المعرفة التامة بالأنساب والرجال والتاريخ وكان موقتاً بجامع بني أمية بحلب وله من التآليف شرح علي البخاري وصل فيه إلى الغزوات وحاشية على شرح الدلائل للفاسي وكان شعره رائقاً نضيراً وله مقاطيع وموشحات وغير ذلك فمما وصلني من ذلك قوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 لرؤية وجه المصطفى النور كله ... على حسب استعداد رائيه نورها هي الشمس تعطي الشيء ظلاً بمثله ... وإن قلت الجدوى فمنا قصورها وله تضمين الحديث الشريف المسلسل بالأولية أول ما أسمعنا أهل الأثر ... مسلسل الرحمة عن خير البشر للراحمين يرحم الرحمن ار ... حموا لمن في الأرض تحظوا بالبشر إن الجزا يرحمكم من في السما ... ء وحسبنا رحمته من الظفر وله في النعل الشريف لنعل طه من التشريف مرتبة ... تهدي إلى حاملي تمثاله نعما فاجعل على الرأس تمثالاً لا لصورته ... وقبل النعل إن لم تلثم القدما وانظر إلى السر منه للمثال سري ... وكل مثل حذوه صار ملتثما وله من شرف الحب وتخصيصه ... أن يلحق الأدنى بعالي الرتب لذا جعلت الحب للمصطفى ... وشاهدي المرء مع من أحب وله في رؤية المختار من خلفه ... كما يرى قدامه في الشهود اختلفت آراء من قبلنا ... والحق بالعين بهذي الحدود ولا عجيب أن يرى بعضه ... من هو عند الكل عين الوجود وله مضمناً وفى لي حبيبي بالوعود وعندما ... طمعت بوصل لا يقاومه شكر تبدي رقيبي واعترتني هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر والأصل فيه قول بعضهم وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر وقد ضمنه أحد الأدباء في المجون فقال رعى الله نعماك التي من أقلها ... قطائف من قطر النبات به قطر أمد لها كفي فاهتز فرحة ... كما انتفض العصفور بلله الفطر ومن نثر المترجم ونظمه ما كتبه مقرظاً به على رسالة الأديب البارع الشيخ سعيد ابن السمان التي ألفها في المحاكمة بين الأمرد والمعذر وهو قوله يا من حمى بسيوف اللحاظ حمى الخدود النقية وجعل لبعضها من العذار حمائل ودبج باخضرار تلك الصفحات واحمرار هاتيك الوجنات حلة الحسن اليوسفية فنزلت من أحسن تقويم في أشرف المنازل وزين العيون بالدعج والثغور بالفلج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 والنحور بالبلج وهيم في مجالي أشعتها الجمالية نفوساً كوامل وركب حب الجمال في الطباع وأوقف على رؤيته العيون وعلى وصفه الألسن وعلى سماعه الأسماع ونشر الحسن في الأفراد ولم يقصره على الأجناس والأنواع فكان أكبر دليل على كمال القدرة والاتساع وربط سلسلة الموجودات بالمحبة عاليها والنازل فسبحان من تفرد بالابداع والكمال وهو الجميل يحب الجمال نصبه على وحدانيته فالسعيد من نظر لما أبدع بعين الأعتبار وتأمل كيف يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وانتقل من نظرة الصنعة إلى الصانع المختار ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك قفنا عذاب النار وأزل عن بصائرنا حجاب الغفلة حتى لا نرى شيئاً إلا رأيناك قبله واجعلنا ممن يستدل على المؤثر بالآثار نحمدك على نعمة الايجاد والتكوين والتركيب في أحسن صورة وتلوين حمداً يوصلنا إلى توحيد الأفعال ويذهلنا عن رؤية الأغيار ونصلي ونسلم على أكمل مخلوق من حضرة الجمال والجلال المحلي بجميع أقسام الحسن وسائر أصناف الكمال فكل حسن في العوالم منه تنزل وبه تعرف وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف سيدنا ومولانا محمد المحب المحبوب والطالب المطلوب وباب الوصول إلى رضى علام الغيوب وعلى آله وصحبه وسلم ثمار غصون المحبة ونتيجة قياس الود والقربة صلاة وسلاماً دائمين دوام وصل الوصال يقضيان بالحب الدائم وكمال الاتصال آمين أما بعد فإني ألقى إلى كتاب كريم وخطاب بالبراعة وسيم بالبلاغة في المحل العظيم يصحبه رسالة حاوية لأقسام الفصاحة والجزالة تكاد من عذوبة الألفاظ تشربها أفئدة الحفاظ أنشأهما الأديب الفاضل الآتي مع تأخر عصره بما لم تأت به الأوائل ذاك السعيد صفة ولقباً والفريد ترسلاً وأدباً سباق غايات الكمال طلاع ثنايا المعرفة والأفضال صاحب الملكة التي يقتدر بها على اختراع ما يريد مما لم تصل إليه أفكار الصابي والصاحب وابن العميد أبقاه الله تعالى لعارفة يسديها وفائدة يبديها ومعارف ينشرها بعد أن كاد الزمان يطويها فتأملت في حسن رسالته المعجب ووقفت منها على المرقص والمطرب وقفت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة انظر ذكرني الظعن وكنت ناسياً وصبوة مضت وعيشاً ماضياً أيام أمشي لحانات الهوى مرحاً ولي على حكم أيامي ولا يأت أيام شرخ شبابي روضة أنف أنف على وزن عنق يقال روضة أنف ومؤنف أيضاً كمحسن إذا كان لم ترع قاموس ما ريع منه بروع الشيب ريعان حيث المنازل روضات مدبجة وحيث جاراتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 حور وولدان حيث الهوى قد كان في طوع يدي ومنيتي مساعدي ومسعدي وحيث ما يذكره أضن أذكر لها حوارها نحن ضمنها المفاخرة بين خالي العذار والحالي وأتى من مدح الشيء وذمه بالعاطل والحالي نسج على منوال عمرو والزبرقان في مجلس سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم واقتدى بالجاحظ والثعالبي وهما اماما البيان إلا أنه وافق عبد المحسن الصوري في نشر محاسن محبوبه ولم يجنح لغيره ومشى تحت اللواء النباتي إلى أن وصل إلى مقام الحيرة غير أن ابن نباتة حين تحير عمل بكلا الأمرين وحسم مادة الشك ولم يتحير والظن بالمولى إنه بحلاوة هذا المشرب وتحت هذه المروحة قائل وإليه ذاهب وكأني به قلد ابن مكانس وللناس فيما يعشقون مذاهب وربما ألجأته لهذا صناعة الأدب والعشرة كما أجاب من سئل عن دواء الخمار وصنف النواجي الحلبة ولم يذق كل منهما الخمرة ذكرتني رسالته العهد القديم والألف والنديم والصد والنعيم فشأنها وشأني إن أفاضت غروب شأني ولولا الحيا يغشاني لقلت فيا ولع العواذل خل عني ... ويا كف الغرام خذي عناني وأيم الله لقد أحيت من موات المهوى الدارس والعافي وأقول على سبيل المداعبة ومشرب الأدباء الصافي ما يقصد المولى بتحسينه ... ابليس في إغوائه كافي غير أنها وردت في عصر المشيب وقد شارفت شمس الحياة أن تغيب ولاح صباح الحق وأقصر باطله وعرى أفراس الصبا ورواحله وسد باب التلميح والتعريض وحال الجريض دون القريض الجريض الغصة بالريق وغيره والقريض الشعر أمثال الميداني ومع هذا كله فقد أيقظت كامن الغرام بعد الهجعة وكان كما تقول الشيعة أن تحكم بالرجعة وتعيد المهدي إلى الغي وتلحق الشيخ بولدان الحي كاد يسعى للتصابي أو سعى ... نبهت من غيه ما أقلعا واستشارت من أقاصي لبه ... صبوة كان رثاها ونعى فتلقيتها كما يتلقى الكريم الكرام ولم أقل كما قال جرير وقد أترعت له من عصره إلى الآن كؤس المدام طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام بل قلت بما جاء عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم إن الجواب الكتاب حقاً كرد السلا نعم أقول هلا وردت هذه المعاني والحكم قبل ظهور ندير الشيب والهرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وطلوع كمين التوبة والعهد على عدم الأوبة وتلافي الحديث القديم بقراءة الحديث والانهماك على ذلك والنهمة والبعد عن مواطن التهم والوصمة وطلب الحماية فيما بقي من العمر والعصمة ونظرت في حالي والجواب فتذكرت أبيات قلتها من قصيدة لبعض الأحباب وافت وفكري في العناء موزع ... والذهن في بيد الهموم مضيع وإذا دعوت معاني الشعر التي ... كانت تجيب بدا لهن تمنع وأنفت من فن القريض وراعني ... من شيب فؤدي والعذار مروع وصحوت من خمر الصبا وجنحت للتقوى ... أسدد ثوبها وأرقع فعزمت إني لا أجيب نظامك ... الحسن المعاني بالذي يتبشع لكن رأيت الامتثال محتماً ... بين الكرام إلى المكارم إن دعوا فأجبت بالصفر النضار ميقناً ... عجزي وعفوك عن قصوري أوسع وبعد تمهيد هذا الاعتذار المقبول عند ذوي الاقتدار أسرع في الجواب مسمياً له خلع العذار في وصف الخالي والحالي بالعذار فأقول وإن كان عند أهله نوعاً من الفضول هو الحب فأسلم بالحشا ما الهوى سهل فما أختاره مضنى به وله عقل أتباع النظرة النظرة يعقب لوعة وحسرة وأصل الهوى الهوان والموت ألوان دمع ساجم ووجدها جم وهيام لا يبرح ثم وراءه ما لا يشرح اختلفت الحدود والرسوم والحق إنه عرض يبقى ويدوم وتفنى دونه الجواهر والجسوم والحب ذوق يطير به شوق ثم وجد لا يبقى معه طوق قالوا ينبغي لمن له قلب رقيق أن لا يدخل إلى سوق الرقيق لئلا يفتتن بالخدود والقدود ووجنات الورود وينقاد بسلاسل العذار إلى جنات الخلود على رغم الحسود ويلتقط من فخ الأصداغ حبة الخال بين نعمان وزرود يا صاحبي وأنا البر الرؤف وقد بذلت نصحي بذاك الحي لا تعج وأما التخير فليس في وسع العاشق ولا رأى في الحب للصب الوامق والصادق مسلوب الاختيار وفي كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لا يرى سوى محبوبه ولا يناضل عن غير مطلوبه فمتى يصحو من الخمار ويميز بين الخالي والحالي بالعذار فهو السميع والبصير والصب مشغول به عما سواه ولما طاح رأس الحلاج كتب دمه على الأرض الله الله فبح باسم من نهوى ودعني من الكنى أنا من أهوى ومن أهوى أنا نعم الأدباء لأفكارهم يشحذون والشعراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 يقولون ما لا يفعلون وحسبك يقوم لا يستحسن الكذب إلا منهم ولا تستعذب الأوصاف وتروى إلا عنهم فمنهم من يقول بنقي الخد ويجاوز في تفضيله الحد ويقول هو الفلك الأطلس والحمى المصون المقدس الجامع من الأوصاف الحسان بين صفاء أوجه الحور وطلعة الولدان خلا عن المانع والعارض وسلم من المقتضي والمعارض حاز الوسامة والقسامة وجعل ترك العلامة له علامة فهو القمر الطالع في أشر وأشرف المطالع والبدر النازل من القلب والطرف في أعلا المنازل رأى من يقول به أسد بين ذراعي وجبهة الأسد ليس بينه وبين الغيد فرق عند أهل النظر وإذا تغالوا في وصف الجارية قالوا كأنها غلام أو في زي ذكر والمشبه به في وجه التشبيه أعلى وأوقع في النفس وأحلى زاد ضياء وإشراق على شمس الآفاق فحسدت جماله الباهر حتى ظهر فيها نار الحسد وهذا حرها ظاهر وكيف لا يزيد وهي لا يمكن فيها المنظر وتزداد حيراً وهذا يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظراً ومن يساويه بالبدر ويعتريه المحاق والكسوف ويغيب وهذا أبداً طالع وبزيادة البهاء معروف تحلي وجهه عن النقوش فحلا ومن باب سمع الكيان سمع الكيان على زنة جمع القيان اسم كتاب فعليك الأوقيانوس ليس وراء حسنه خلا ولا ملا تبارك من أخلى من الشعر خده ... وأسكن كل الحسن في ذلك الخالي شابه في إغفال اللحية أهل الجنة وهم ما هم جرد مرد في حالة الرضوان والمنة رضي الخالق عليه فلم ينبت له ما يشين خديه فمرآة وجهه صافية كالسماء الصاحية لم تشيب بالأنفاس ولم تسود نونته بزرافين الأنقاس ولا قارنها دخان نبراس إذا تبدى والسماء من الأنواء صقيلة ارتسم فيها صورة القمر من مقابلة صورته الجميلة إن فاخر البدر رماه بالكلف والنمش وقال لمن يهواه طالما أهوى إلى ساجداً الست ترى في وجهه الترب والغبش تعالت مرآة وجهه إن تصدى وخلت عوارضه من الموانع وجلت أن يكون لها من الند ندا فهي الجميلة الزاهية لا تسمع فيها لاغيه تكل عن استيفاء نعوتها الألسن وتستغني الأفكار بصفاء طلعته عن تحسين ما لا يحسن طالما افتخر على النكريش وذي العارض وطلب في ساحة المباراة مناضلاً ومعارض يقول أنا الأملس الغض وذو الخد الناعم البض وجهي أثير وجمالي وثير ومن يساوي بالشوك والشكر الحرير فلو سمعتم صوت مآتم الشعر من النكريش حين مرور الموسى بخده لتحققتم موت الحسن من وجهه وانتقال الحسن لضده ولو نظرتم العارض إذا ريش وما صفا من ماء حسنه وقد تكدر وتغبش وأسبل عارضاه جناحين صار بهما طائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 حسنه غراب البين وجني حين عفا بهما دمنة وجهه الحسن وعاد منهياً عنه بقول الصادق اللسن إياكم وخضراء الدمن لحكمتم بأن نبات العذار منقصاً من دولة سعده وعرفتم معنى قول ابن سناء الملك يا شعر في نظري ولا في خده كيف واستحال نور خده دجي وزمرده سبجاً وكسف هلاله وحال حاله ومسح جماله وتشوكت وجنتاه وتبدل الظلام بضياه ونسخت آية حسنه فلا تتلى ولبس خده ثوب حداد يبلى الجد بدان ولا يبلى واختفى بدره تحت سراره السرار آخر ليلة في الشهر قاموس ودخل في المثل السائر وتمسك بأستاره كل من مات سود وأباب داره يا قتيلاً باللحية السوداء ... آفة المرد في خروج اللجاء شاهدي في ادعاء موتك بيت ... قاله شاعر من الشعراء ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء يمر بعاشقيه فلا يرفع أحد منهم نظره لرؤياه بعد أن كان إذا مر ترفع الكوى بالمحاجر وتقول ربي وربك الله الكوى جمع الكوه مثل مديه ومدى فالكوة ثقبة في الحائط والمحاجر الحدائق جمع الحجر على زنة مجلس ومحجر العين أيضاً ما يبدو من النقاب لسان العرب لو عرفنا مجيئكم لفرشنا ... مهج القلب أو سواد العيون وجعلنا من الجفون طريقا ... ليكون الممر فوق الجفون فبدلت والدهر ذو تبدل ... هيفا دبوراً بالصبا والشمأل قلت لأصحابي وقد مر بي ... منتقباً بعد الضيا بالظلم بالله يا أهل ودادي قفوا ... كي تبصر وأكيف زوال النعم أسود فاضل قرطاسه وكمد ضوء نبراسه وكدرت شمس خده كدرت من باب تعب يقال كدر الماء زال صفاؤه وهو من باب الأول والثاني والخامس أيضاً حيث هو نقيض الصف ورأى الدنيا من بعده وصار عبد العبد عبده وعلى كل حال فالعذار مكتبة المحبة من قلب العاشق سيما إذا كان المعشوق سئ الأخلاق مع الخلائق وما ظنك بعلة كل يوم تزداد إن عالجها صاحبها أو تركها وقع في الطويل العريض وجمع بين الأضداد وإن قص طائرها ودولة الحسن كأضغاث أحلام كان كالشمس على جناح طائر متى قص وقع وانفصل الكلام وإن جذب وقصر نسب إلى التقصير ولا بد أن يتعذر ويستظرف قول بعض الزجاله فيما يروى عنو يعني عنه هو ينتف وأنا أطالع ومني ومنو منه قلت المعذر من لا نبات بعارضيه مديحه سهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 تيسر ومع الشراهة إن مدحت ومدحته لعارض فاعجب لوصف حازتورية وايهاما مستر وإذا نظرت واعتبرت رأيتهم كل ميسر هذا وعلى قدر جلالة الممدوح تكون المدايح وتستخرج وتستنتج القرايح ولولا الملالة من الاطالة لأستنزفت استخرجت بحار الأدب ودعوت المعاني من كثب كثب بفتحتين القرب وبضم الأول جع كثيب وملأت الدلو لعقد الكرب الكرب بفتحتين الحبل الذي يشد على العراقي مفرده كربه كقصب وقصبه ولكني أبقيت مقالاً لذي الخط الريحاني بالقلم السبحاني والكمال الذي أكثرت فيه الشعراء التشابيه والمعاني ذي الطراز الأخضر المحفوف بالمسك والعنبر فهو المحلي والحالي والقسيم كما ذكرنا للنكريش والخالي فمنهم من يخلع فيه العذار ويكشف الأستار ويقبل بين دوحة الآس والجلنار ويقيم بين الروضيتين ويغتنم جني الجنتين بينا يعض ناظره على تفاح الخدود ويضم خاطره القدود والنهود وينتشق من آس العذار شميم نعمان وزرود إذ خاطبه أهواؤه بالنبأ العظيم شعر تمتع من شميم عرار نجد ... فأبعد العشية من شميم فتزهد عما سواه وتنسك وعكف عليه وبمسكه تمسك يالها حلية يستحسنها القيان القيان بكسر الأول جمع القينة والقينة بفتح الأول الأمة مغنية كانت أم غير مغنية قينة قينتان قينات مثل بيضة بيضتان بيضات الصحاح والمصباح وتصبغ أصداغها بالغوالي تشبهاً بها ألوان وهي بين النكريش والخالي برزخ لا يبغيان فلو رأيته وقد غلف غلف من التغليف يقال غلف القارورة إذا جعلها في غلاف القاموس بالمسك أصداغه فأبدى محاسنه ونبه عيون عاشقيه وعنهم محاسنه المحاسن الأولى جمع الحسن على غير قياس والثاني مركب من كلمتين محا من المحو وسنه من الوسن وهو النعاس لقلت هل يحسن الروض إلا بأزاهيره والخز لا بز بيره ووئيره ويقال الأمرد الصبيح إذا نقش الخط فص وجهه وأورق فضة خده فقد تم طراز حسنه وتساقط المسك فوق أحمر ورده وقال بعض من تهتك بالعذار وبحبه اشتهر خط الوجه الحسن كالسواد في القمر عذاره زاده جمالاً ... ثم به الحسن والبهاء لا تعجبوا رينا قدير ... يزيد في الخلق ما يشاء وعلى قراءة يزيد في الحلق فهو زيادة بها التقديم يستحق وقد جاء وصف العذار بالحسن في حديث من ساد المخلوقات ورأس قال الفقر أحسن بالمؤمن من العذار الحسن على خد الفرس كتب من نسخ هذا التاريخ العذار الحسن في المتن وأثبت على هامشه إن في أصله العسن والظاهر قدم الحسن على العسن والحال قال في القاموس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 يقال به عسن بفتح العين فسكون أي طول مع حسن الشعر والبياض فتأمل وراجع لأن العسن على ظني أحسن من الحسن الذي كتبه الناسخ انتهى فإذا زان العذار خد الحيوار فبالأولى أن يزين خد الإنسان فهو زيادة وزينة بالنص والقياس وبها يرد على من يقول طلوع العذار بلوغ سن اليأس بل هو تجديد محبة وستر الصحبة وزي النقبة زي النقبة على زنة عز الرتبة بمعنى لباس الوجه ورعاية المحبوب محبة ورياضة الأخلاق ونزهة العشاق ومسك ذر على شقائق وريحان يوذن بري حان وجميعة ألوان وذواتا أفنان وورد حف بآس من شمه لم ير لداء غرامه آس وهو دائرة ملاحة من الجامع السوهي ما علمنا مقصوده مفروضه أو هالة حسن بشرت بعارض وصل فيها معروضه وخيال جفونه على صفاء خده الخالي أو السعد وفي حواشيه الخيالي أو معنى تصوره تعذر يخفي تارة وتارة يظهر أو هو اللام التي رضى تشبيهه بها أرباب السيوف والأقلام وعدوا التورية بها من بديع الكلام ومن يقول المعذر مهجور وقد صار من أهل الشعور أحبب به نماماً نمنم شعرات الحسن وهاك ما تكل عن وصفه ألسن اللسن وخارجاً مع ضعفه أدعى ملكية أنصار الجمال نازع نعمان الخد في أسود الخال قائلاً هذا عبدي وسرق لونه من عندي ابق مني وأنا عليه دائر وبالمشاكلة نتحاكم فيه إلى أسود الناظر فقضى عن النعمان بالملكية واحتج بأن مذهبه حجة الخارج بالملك قويه فأعجب لضعيف غلب قوياً وأشغرى صار حنفياً وتأمل كم للقوم تشبيه وكم تورية وتوجيه والذكي هذا القدر يكفيه ولما بلغ خالي العذار ما قيل فيه من المدائح والأشعار داخله الزهو والكبر وعطس بأنف النمر واستطار غضباً واستطال وأنشد بيت ضمرة بن هلال قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال كيف يفاخرني خالي وأنا حلية الكمال وانظر إليه حرام والنظر إلى حلال وأنا اللمة السوداء في الحلة الحمراء من جمع بينهما فقد غمره الحسن غمراً وحديث أنس رضي الله عنه في الشمائل وإنه لم ير أحسن من مخدومه المتحلي بهما من أكبر الدلائل وأحسن ما يرى القمر إذا حف جانباه بالسواد ولا يقر ورق منظر القرط أس إلا إذا زين بالمداد عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجباً كل الشهور وفي الأمثال عش رجباً وفي المثل عش رجباً تر عجباً من مجمع الأمثال يا للشيوخ وللشبان العجب كأني بالزمان وقد انقلب وعوضه عن حمالة الورد بحمالة الحطب وبالسواد الفضاح عن غرر الوجوه الصباح وتناولته أيدي الأطراح ذليلاً من بعد النفور والجماح تحككت عقرب صدغه من عذاره بالأفعى التحكك التعرض والتحرش بالشر يقال فلان يتحكك بك أي يتعرض لشرك واستنت الفصال حتى القرعى ويروى استنت الفصلان حتى القريعي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 مثل يضرب لمن يتكلم مع من لا ينبغي أن يتكلم بين يديه لجلالة قدره والقرعى كأسرى جمع قريع من يساوي الكامل بالناقص وأنا جامع الكمال وهو جميعه النقائص شعر وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل صحبته تهمة وصحبتي ستر ونعمة وجهي الروض المعشب ووجهه القفر المجدب وكم بين كاس وخالي وعار وحالي ووافد وفاقد وطاعة وجناح ورائش ومقصوص الجناح وملثمين حياء ووقاح ومنقوش ومغفل ومعجم ومهمل ونار تأجج وورد تسيح وسهم رائش ونصل طائش وذي حنكة يقال أحتنك الرجل أي استحكم والحنكة بضم الحاء اسم منه وتجريب وذي غفلة أخذ من الأغترار بأوفر نصيب يحمله الطيش والتيه على ازدراء عاشقيه وداده آل هو السراب يميل إلى ذي المال مسارقته النظر تنبه أعين الرقباء واللوام والخلوة به كالأجنبية حرام متى وردت العين ماء حسنه العجيب شرقت قبل زيها بألف رقيب وماء حسني مدين المآرب ليس عليه حائم سوى شارب تتلاعب به نزغات الشباب فلا يفي لأحباب ولا يلوي لأصحاب والشباب مطية الجهل والعذار حلية الكمال والعقل ما دام فيك ريق فهو صاحب لك ورفيق لكل امرء من دهره ما تعودا والحازم لا يثق بوداد أمرد مذق الحديث مخلف الوعد خلقه خلق الوغد رضاه غرامه ومواصلته ندامه طالما أنشد عاشقيه بوده مستهتراً وكيف ترجو الود ممن يرى فهو فرح بحال يحول منشرح بدولة تزول سقاه الجمال خمر الدلال فعربد على العشاق وظن لكثرة الباكين إن الدمع خلقة في المآق فلم يعطف على ظمآن والرحماء يرحمهم الرحمن فإذا التحى من هذا السكر صحا فيطلب من هذا الشرك الخلاص فتناديه المنكسرة قلوبهم ولات حين مناص فيرى أفعاله ولحيته أفعى له وربما عشق فأغروا به معشوقاً وأذاقوه ما كان مذيقاً وربما ضر عاشق معشوقاً ومن البر ما يكون عقوقاً وأنا الثابت الأساس ولباس السواد خير لباس تخيره الملوك من آل عباس ولي الأعتبار في تقلب الأطوار والجمع بين محاسن الليل والنهار وإذا حاكى عذارى الأفق فلا غرو إن تطلع منه الشموس والأقمار وقال وقال واتسع له في ميدان المفاخرة المجال ونسي إن البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الأبل فقال الخالي كثرة الدلائل يستعملها غالباً أهل الباطل لو أنصفت لم تقل حرفاً ومن أمثالهم سكت الفا ونطق خلفا الخلف بالفتح فسكون القول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 الردئ وكنت قنعت بتلميح سيف الدولة للسرى الرفا وقنع عارض عدابك الصيب بتأنيب أبي الطيب التأنيب التعييب واللوم إذا رام أن يهز وبلحية أحمق أراه غباري ثم قال له الحق والأمر بالجميل غنى عن البرهان والدليل لم طلبت على محاسننا دليلاً متى احتاج النهار إلى دليل فعند ذلك نظرنا إلى تكافي الأدلة وتساوي حجج البدور والأهلة فإذا لكل وجهة هو موليها وفئة يعجبها ما أدلى به صاحبها ويرضيها ومناط الأمر وملاكه موكول إلى المناسبة والمشاكلة بين المحب والمحبوب وكمال الشبه وفي التحقيق ما مال قلب المحب إلا لصفاته وما عشق إلا ما كمن في ذاته فإذا ليس لأهل الموصل رأى ينبع ولبعضهم ومعذر حلو اللما قبلته نظراً إلى ذاك الجمال الأول وطلبت منه وصله فأجابني ولي زمان تعطفي وتدللي نضبت مياه الحسن من خدي وقد ذهب الروى من غصن قدي الأعدل قلت الحديقة ليس يحسن وصفها إلا إذا حفت بنبت مبقل دعك أتبع قول ابن منقذ طائعاً وأعلم بأني صرت قاضي موصل وبيتا ابن منقذ كتب العذار على صحيفة خده سطراً بحير ناظر المتأمل بالغت في استخراجه فوجدته لا رأى إلا رأى أهل الموصل ولا لغيرهم مذهب في هذه الأهواء والبدع نعم إن قلنا بتأثير المجاورة في الطباع والأحلام فيكون هذا المشرب جاءهم من مجاورة أبي تمام فقد ذكره في شعره وتروى عنه في أخبار من نثره فقد كان رحمه الله تقنع بالحبيب المعمم وعاش بهذا المشرب غير مذمم وتعصب له عصابة في ورود هذه الحانة ذكرهم بلدينا السيد محمد العرضي في سفينته وذيل الريحانة ولما قرر بقراط هذه المسألة رماه بعض من يبغضه بمعضله وقال إن فلاناً الزاني بحبك مبتلي قال نعم أنا أحب الزنا ويمنعني عنه الحيا من الملا ولا أشرف من الأستدلال بخبر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم لمن يخالل ثم إن المحبة لا تستلزم الرؤية والاجتماع فهناك من يعشق بجارحة السماع وهذا هو الحب المعنوي والمقام الموسوي واللحظ العيسوي وفي جذب المغناطيس للحديد تقريب لهذا البعيد شعرالمتأمل بالغت في استخراجه فوجدته لا رأى إلا رأى أهل الموصل ولا لغيرهم مذهب في هذه الأهواء والبدع نعم إن قلنا بتأثير المجاورة في الطباع والأحلام فيكون هذا المشرب جاءهم من مجاورة أبي تمام فقد ذكره في شعره وتروى عنه في أخبار من نثره فقد كان رحمه الله تقنع بالحبيب المعمم وعاش بهذا المشرب غير مذمم وتعصب له عصابة في ورود هذه الحانة ذكرهم بلدينا السيد محمد العرضي في سفينته وذيل الريحانة ولما قرر بقراط هذه المسألة رماه بعض من يبغضه بمعضله وقال إن فلاناً الزاني بحبك مبتلي قال نعم أنا أحب الزنا ويمنعني عنه الحيا من الملا ولا أشرف من الأستدلال بخبر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم لمن يخالل ثم إن المحبة لا تستلزم الرؤية والاجتماع فهناك من يعشق بجارحة السماع وهذا هو الحب المعنوي والمقام الموسوي واللحظ العيسوي وفي جذب المغناطيس للحديد تقريب لهذا البعيد شعر كأنما أوقف الله العيون على ... مرأى محاسنه لا شأنها ضرر فلو تجلى ورا المرآة لأنحرفت ... إلى محياه عن أربابها الصور هذا والحديث شجون وكل حزب بما لديهم فرحون وإذا ارتسم ما قررناه في العقول فلا علينا أن نرجع لتكملة الأقسام فنقول وأما النكريش فهو الواسطة بين الصنفين وقد يكون وجيهاً وإن كان ذا وجهين إن تزين فهو أمرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 منح عاشقه أم رد فهو حليق حليف بالود وخليق وإن أرسل وأسبل فهو من الطراز الأول وكان ابن المعتز وهو امام الاستعارة والتشبيه يعشق المليح لحسنه وغيره جبر الخاطرة وتلافيه يعرف إن محبه آخر العشاق فيعامله بأطيب الأخلاق سلس القياد يعلم المراد لا يستعمل الدلال ولا يبخل بالوصال رأى إن دولة الأمرد سريعة الزوال وشاهد النقصان فمتع عاشقيه بمحاسنه واستحسن نصيحة الشيخ عبد الباقي ابن السمان وهي وإن أخذها من أبي الطيب لا تخلو من خشونة ورعونة لا تقبلها أهل المذهب الغرامي أي رعونة فهو الفرس المروض وختام المشاعر المفضوض من معشر خشن في نصر عاشقهم ... كسر القناد أبهم إن غيرهم لانا تعودوا الغارة الشعواء يشهدها ... عصابة منهم شيباً وولدانا كرام الأصل يرضون بقليل البذل ولا يصحبون العذل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل فيهم سداد من عوزري الصدى الظمآن وكل حذاء يحتذى الحافي الوقع يقال وقع الرجل من الباب الرابع إذا اشتكى لحم قدمه من غلط الأرض والحجارة ومنه قول الشاعر كل حذاء إلى آخره الصحاح وكل طعام يأكل الغرثان ونعود لأصل المسئلة فنقول وليس من الكمال حب الرجال ولله در من قال ليس الحب إلا لذوات الجمال وقال بعض السادة الرؤساء استراح من اقتصر على النساء شعر أحب النساء وحب النساء ... فرض على كل نفس كريمه وإن شعيباً لأجل ابنتيه ... أخدمه الله موسى كليمه ومن البين عند أهل النظر إن رجلين تحت لحاف خطر فربما يتشلم العامل وينوب مفعول به عن فاعل من قال بالمرد فإني امرء ... إلى النسا ميلي ذوات الجمال ما في سويدا القلب إلا النسا ... يا حسرتي ما في السويدا رجال وأحسن ما يقع به الأقتداء والأنساء ... حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وارحمتا للعاشقين تحملوا ... خطر السرى وعلى الشدائد عولوا بل وارحمتا لعشاق الصور المشتغلين عن المؤثر بالأثر لو عاودوا النظر لوقعوا على جلية الخبر رأى بعض من صحبنا صورة استحسنها فعاود النظر ليتزود نظرة اخرى منها فكشف عن بصره فرآها ميتة يتناثر الدود عنها فتاب واستغفر من ذلك الشهود ورجع لما هو المطلوب والمقصود لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي أسباه لم يسبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 ويحه ويح وويل كلمة رحمة وعذاب أو هما بمعنى الصحاح كلف بما لا يدوم وافتتن بالموجود المعدوم وغفل عن الحي الباقي القيوم من نظر في مصارع اخوانه علم أنه أخيذ ومن فكر في كرب الخمار تنغصت عنده لذة النبيذ من أحس بلفظ الحريق فوق جداره لم يصغ بسمعه لنغمة العود وانة أوتاره رأى الأمر يفضي إلى آخر فصير آخره أولاً ولله در ساداتنا النقشبندية فإنهم بنوا أمرهم على هذه القضية فالحازم الذي يجعل الحب حيث يرقيه ويرفعه ويعليه ويخلصه ويزكيه ويطهر بصيرته عن نظر الأغيار ويوقفه تحت مجاري أقدار الواحد القهار ويسمعه النداء الدائم ابن آدم أنا بدك اللازم وينزهه عن مدارك القوى الحسية والمشاعر الجسيمة ويعبر به عن بحار المعارج الروحية واللذات المعارف السبوحية على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منها نصيب ولا سهم الله اقسم لي ولأخي من ذلك أوفى قسم وأوفر نصيب وفرغ قلوبنا من حب غيرك فإنه لا يجتمع مع حبك حب الغير يا سميع يا مجيب يا واحداً متعدد الأسماء ... أدعوك في ختمي وفي مبدائي وإليك أرفع راحتي متوسلاً ... بشفيعنا السامي على الشفعاء أن تحفظ المولى الذي أفكاره ... صاغت بديع النظم والانشاء ذاك السعيد محمد السامي إلى ... أوج العلى لحيازة العلياء المعتلي ببيان كل عويصة ... والمعتنى بغرائب الأنباء هو أفقه الشعراء غير مدافع ... في الشام بل هو أشعر الفقهاء فاق الرفاق بفطنة وبلاغة ... وبراعة وفصاحة وذكاء لو كنت من فئة تقول بأغيد ... ما ملت في التشبيه للغيداء لله درك يا أديب زماننا ... كيف اهتديت لغامض الأشياء فالقول دونك مذهب إن نباتة ... أو رب زد في حيرتي وعنائي كم ذا تستر خيرة في حيرة ... هذا المقام نهاية الصلحاء فأسكن إذا سكن الفؤاد وعش به ... متنعماً بالرتبة القعساء واليكها رعبوبة جاءت على ... قدر مجللة بفرط حياء قدمت عذري والكريم مسامح ... وهديتي التسليم غب دعائي وله غير ذلك وكانت وفاته ليلة الجمعة رابع ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى علي النبكي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 علي بن موسى النبكي الشيخ الفاضل الصوفي المعتقد المبارك الصالح التقي كان بقرية النبك معتقداً مشهوراً وله حفدة ومريدون قدم دمشق في بدايته واشتغل بالقراءة بها واستقام مدة وكانت اقامته بالمدرسة الباذرائية ثم اتخذ النبك وطناً ومسكناً واشتهر هناك وقصدته أهالي تلك النواحي وغالبهم تلمذ له وكان يشطح في كلام القوم ويطالع كتبهم ومقالتهم ويتكلم على ذلك وتصدر منه كلمات خارقة للعادات وقدم ثانياً إلى دمشق وزارته الناس واعتقده بعض من الخاص والعام وبالجملة فقد كان في التصوف ممن اشتهر وأعتقد ولا يخلو من فضل ومعرفة بالعلوم وكانت وفاته في شوال سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بالنبك وقبره معروف هناك رحمه الله تعالى. السيد علي الكريمي السيد علي ابن السيد موسى ابن كريم الدين الشهير بالكريمي الحنفي القدسي نشأ في حجر والده وبعد وفاته ارتحل إلى مصر واصطحب معه أهل بيته ولزم الطلب بالجامع الأزهر وجد واجتهد وانعطف عليه أحمد جاوش الجزايري أحد تجار مصر فأسكنه بقرب بيته وامتحنه أول مرة بأن ألقى في باب حجرته التي كان ينام فيها صاحب الترجمة كيساً فيه مقدار من الدنانير فلما أصبح ورأى الكيس رده في وقته إلى صاحبه فسلمه بعد ذلك البيت بما فيه وركن إلى ساحته ثم انقطع عن الجامع وابتدأ يقرأ دروساً بمقام سيدنا الحسين رضي الله عنه ومكث على حالة واحدة مدة من السنين وهو مع ذلك يميل إلى اقتناء الخيل الأصائل وربما خرج إلى ظاهر مصر وتعرض للصيد وكان كثير السخاء يحب أن يكرم من يدخل بيته وكانت له عادة غريبة يتبخر بالعود الهندي عند دخوله الحمام ويغسل بدنه بماء الورد ويتطيب بأنواع الطيب وكانت أعيان مصر وصناجقها الذين هم امراؤها يعتقدونه ويهدون إليه الهدايا السنية وكلمته فيهم نافذة ثم لما حضر عنده أخوه السيد محمد بدر الدين قرأ عليه مدة وألبسه زي العلماء وأجلسه في موضعه في مقام سيدنا الحسين يقري ويحضره تلامذة أخيه وسافر إلى بلاد الروم ونزل باسلامبول بمدرسة بقرب جامع السلطان بايزيد ثم رجع إلى مصر ولم تطل مدته وكانت وفاته تقريباً بعد الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد علي الكيلاني السيد علي ابن يحيى بن أحمد بن علي بن أحمد بن قاسم الكيلاني القادري الحموي شيخ السجادة القادرية بحماة ومن تفيأ ظلال العلوم وقال في حماه الشيخ المرشد الفالح الصالح السيد الشريف الحسيب النسيب المسلك المربي الصوفي العالم العلامة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 المحقق الفاضل الأديب اللوذعي الامام الجليل الأستاذ الكبير كان فطناً حميد الأفعال معظم القدر عند الناس كأسلافه حليف مجد وسيادة ولد بحماه في ليلة الجمعة بعد طلوع الفجر في أواسط رجب سنة أربعين وألف واتفق أن والده ليلة ولادته رأى في المنام جده الأستاذ الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وفي يده مصباح يضئ فقال له يا يحيى خذ علي وأعطاه المصباح فأستيقظ قريب الصباح فرأى زوجته جالسة وخادمتها يقظانة فقال لها يا أم مكي قد رأيت جدي في منامي فصدقي بما أقوله ولا تشكي رأيته وبيده مصباح يضئ وقال لي يا يحيى خذ علي إلى آخره فإن أتيت بمولود نسميه علي وأنت والجارية حوامل فعسى أن تسبقيها فأجابته الجارية بالأعتراض سيدي قد سبقت ستي إليه ومن أول الليل قد طرقها المخاض وهذا أوان الولادة ثم مكثت زوجته غير بعيد ووضعته في الوقت المذكور آنفاً فنشأ صالحاً متعبداً وقرأ القرآن العظيم وجوده واشتغل بقراءة العلوم وأخذها وتلقى الأدب فقرأ الفقه والعربية والمنطق واللغة والتصوف وأجازه جماعة من المشايخ الأجلاء في الحديث وغيره وكان مكباً على تحصيل العلوم والحقائق يجتهد في اقتناص شوارد الدقائق محباً لأرباب الكمال محبوباً لدى الخاص والعام وبالجملة فقد كان أوحد زمانه ذكاء وسناء وعقلاً وفضلاً وظرفاً ولطفاً وأدباً مع حسن ورع وعفة ونجابة وديانة واعتدال خلق وخلق ومما قيل فيه لقد طالت خطاه إلى المعالي ... وسار لنيلها سير الجواد فما للفخر غير علاه باب ... ولا للمجد غير سناه هادي محل ما ارتقى أحد إليه ... ولا حظيته همة ذي ارتياد ثم توجه للحج وهو مراهق دون البلوغ في صحبة والدته وابن عمه الشيخ عبد الرزاق في سنة اثنين وخمسين وألف واختتن في المدينة المنورة واتفق أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو في الحرم الشريف النبوي قبل أن يحج وحوله جماعة فقال له صلى الله عليه وسلم يا علي نحج في تلك السنة تولى نقابة الأشراف بحماة وحمص وعمل له شيخه الشيخ يحيى الحوراني تاريخاً وقصيدة فالتاريخ قوله لما تصدر في النقابة أرخوا ... سعد النقابة في علي الكيلاني وذلك في سنة سبعين وألف واستقام نقيباً في ذلك إلى أن توفي ابن عمه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ شرف الدين وجلس على السجادة القادرية في البلاد الشامية وذلك سنة اثنين وثمانين وألف فأقام بها على أحسن قيام وأتم نظام وسلوك تام كأسلافه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 الماضين وآبائه السراة الصالحين من اقامة الأذكار وقراءة الأوراد في العشي والأبكار والباس الحرقة وسلوك الطريق والدعا إلى الله على بصيرة وتحقيق وتربية المريدين وارشاد الطالبين واكرام الضيوف والواردين واطعام الطعام واكرام القصاد والزائرين وفي سنة تسعين وألف قدم دمشق حاجاً هو وعياله وأولاده وأتباعه وخدامه واستقبله أهالي دمشق وأعيانها بمزيد التوقير والاحترام وسعوا إليه وترددوا إلى منزله ولم يبق أحد من العلماء والأجناد والمشائخ الأواتي إليه وامتدحوه بالقصائد الغر وامتدحهم وعمل رحلة رأيتها وطالعتها ذكر فيها من اجتمع به منهم ووالي دمشق إذ ذاك الوزير عثمان باشا حصل له منه مزيد التبجيل والاكرام وكذلك قاضيها المولى الفاضل مصطفى الأنطاكي وحج في تلك السنة وكان أمير الحج خليل باشا ابن كيوان ورجع إلى وطنه حماة وسافر لطرابلس الشام وإلى حلب غير مرة وفي كل بلدة يحصل له مزيد الاكرام وكان أديباً ناظماً وله ديوان يجتمع على تغزلات ومدائح ومقاطيع وألغاز وقصائد مطولة ومعميات ودو بيت وبالجملة فقد كان شيخ الشيوخ وقد رأيت ديوانه وذكرت منه ما رق وطاب فمن ذلك قوله كتبه لأخيه الشيخ إبراهيم حين كان ببغداد وتولى النقابة بها ومطلعها يا عربياً حلواً حمى الزوراء ... انتموا داء علتي ودوائي قد فرقتم ما بين جسمي وقلبي ... حين فارقتكم وعز لقائي من أقاصي الحشا سلبتم فؤادي ... ورقادي من مقلة قرحاء فأنعموا لي برد عيني لعلي ... أن أرى طيفكم محل غفائي إن نأيتم عن العيون دنيتم ... من ضلوعي وداخل الأحشاء كان عهدي بالصبر حين رحلتم ... أحسن الله باصطباري عزائي لا ويوم النوى وحال المعنى ... حاضر غائب عن الأحياء هان بل أهون الهوان المنايا ... عنده بعد فرقة الخلطاء حين ساروا وخلفوه صريعاً ... ويجيب السؤال بالايماء ذكر كم قوته ووصف حلا كم ... شربه دائماً مكان الماء ليس يدري بما به من بعاد ... من سمى الخليل رب الوفاء الامام الهمام علماً وفضلاً ... ومزاياه جاوزت احصائي اسمه عم مغرب الشمس فانجا ... ب مسماه مشرق الزوراء وقال ممتدحاً الشريف سعد بن زيد شريف مكة ويهنيه برمضان والعيد حين كان حاكماً بحماة بقصيدة معارضاً بها فتح الله النحاس الحلبي التي أولها عطف الغصن الرطيب ... وتلافانا الحبيب ومطلع قصيدته أنجز الوعد الحبيب ... وانجلت عنا الكروب وتلافانا بوصل ... نقطة الهجر يذيب وتلقانا بوجه ... فيه ماء ولهيب حمد الضدين فيه ... إن هذا لعجيب إن بدا تشرق منه ... الشمس أو ند تغيب ورد خديه نصيبي ... هل لنا منه نصيب دونه أسهم لحظ ... حبه القلب يصيب ذو قوام سمهري ... ليس يحكيه قضيب فإذا ما ماس تيهاً ... خجل الغصن الرطيب وبلوح الصدر رما ... ن وفي فيه الضريب جاوز الحد بظلم ال ... خصر ردف بل كثيب حبذا ليلة ضمتنا ... وقد غاب الرقيب أنا والمحبوب والشمع ... وكاسات وكوب ريقه راحي وكاسي ... ثغره الألمى الشنيب لي بدر اللفظ مع أنفا ... سه نقل وطيب وبجيد جؤذري ... منه يرتاح الكئيب فإذا أمكنت الفر ... صة أجني وأتوب بل عفاف وبمدحي ... سعد تنجاب الخطوب الشريف الهاشمي ال ... حسني الندب الأريب سيد تمدحه اللس ... ن وتهواه القلوب شمس أفضال وفضل ... مالها قط غروب غوث من نادي وغيث ... منه نادينا خصيب طبعه للمال بذا ... ل وللأعدا عطوب كفه فاض عن القطر ... وعن بحر ينوب ولقد نال عطايا ... هـ بعيد وقريب ملك تزهو به الدنيا ... شمال وجنوب وله من الدو بيت الخد نقي الورد ما فيه نبات ... والثغر شهي الورد ما فيه نبات هل يسمح بالوصل لصب دنف ... بالرغم عن الحسود يوماً ونبات وله وقائلة تشعث حال بختك ... فقلت نعم تشعث مثل تختي فاصلاحي لحال التخت سهل ... وإن الشأن في اصلاح بختي وله من الدو بيت القلب من الزفير من وجدي حار ... والدمع من العيون أجريت بحار والمغرم في عشق جمالك قد حار ... ما حيلة من في شرك القانص حار أقول والدو بيث أول من اخترعه الفرس ونظموه بلغتهم ومعناه بيتان ويقال له الرباعي لأربعة مصاريعه وقد اشتهر باعجام داله وهو تصحيف وهو ثلاثة أقسام يكون بأربع قواف كالمواليات وأعرج بثلاث قواف ومردوفاً بأربع أيضاً وكله على وزن واحد وقد نظم فيه الشعراء قديماً وحديثاً ومما يستجاد منه قول بعضهم عيني نظرت لنحو شاطي بردا ... ظبياً نظم الحسن بفيه بردا يا من بصدوده رماني بردى ... لو تسمح لي لهيب قلبي بردا ومن شعره قوله في غلام قط الشمعة فانطفأت دنا شادن من شمعة ليقطها ... وأنوار خديه بدت صبغة الباري أراد يقط الرأس منها فأخمدت ... ومن عادة الأنوار تخمد للنار وكتب إلى جدي الأستاذ العارف الشيخ مراد قدس سره بقوله لما تركت له المراد ... غدوت محبوباً مراد وفرغت منك وما تريد ... فصرت مخطوباً تراد ورتعت فياح الرضى ... في الكون رائد ما أراد صرفت فيه خليفة ... عنه به فرداً أحاد يا وارثاً هدى أحمد ... في الفرق أوفى الاتحاد يا عين هذا الوقت شيخ ... الكل يا شيخي مراد هذا على القادري ... يرجو الهدى من خير هاد وأن يكون بخاطر ال ... مولى مقيم بلا ارتداد حاشاك رد الطالبين ... المقفرين من الرشاد فاسلم لأرباب القلو ... ب هنا وفي يوم المعاد وقال متغزلاً بحماة ومعارضاً بها قصيدة ابن حجة الحموي بقصيدة وهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 سقاك حماة الشام مغدودق القطر ... عهاداً تلا الوسمى أحلى من القطر وما حطها قولي حماة لأنها ... عروستها في شاهد الحسن والعطر أقول قوله وما حطها قولي حماة الخ هذا المعنى مسبوق في قول من قال ممتدحاً دمشق قاسوا حماة بجلق فأجبتهم ... هذا قياس باطل وحياتكم فعروسنا ما مثلها في شامنا ... شتان بين عروسنا وحماتكم ومراده بالعروس منارة الجامع الأموي بدمشق لشهرتها بهذا الاسم وفي ذلك قول ابن جبير وهو معبد الشام يجمع الناس طرا ... وإليه شوقاً تميل النفوس كيف لا يجمع الورى وهو بيت ... فيه تجلي على الدوام العروس وللشاب الظريف فديت مؤذناً تصبو إليه ... بجامع جلق منا النفوس يطير النسر من شوق إليه ... وتهوى أن تعانقه العروس عود هي الشامة الشماء في خد شامنا ... هي الغرة الغراء في جبهة القطر هي الحلة الفيحاء مخضرة الربا ... هي الروضة الغناء زاهية الزهر أتيه بها فخراً على سائر الدنا ... بأشياء لم توجد بشام ولا مصر فغيضاتها جنات عدن تزخرفت ... ألم تنظر الأنهار من حولها تجري فما رأت الراؤون كالبركة التي ... تكنفها الجسران باليمن واليسر كذا الجامع الغربي في غربها بدا ... يقابل في إشراقه ساطع الفجر بناظره من جانب الشرق بقعة ... وزاوية في الأوج عالية القدر تفوق على ذات العماد برونق ... بإيوان كسرى والخورنق كم تزري مراتع غزلان وخدر خرائد ... ومطلع أنوار الغزالة والبدر كذا الشرفة العلياء والخضرة التي ... لسالوسها تلقاك باليسر والبشر ألا فأضرب الأسداس بالخمسة التي ... بها تضرب الأمثال مع بيدر العشر ترى عجباً دان النهى لعجابه ... وعاد لطيش أشبه الناس بالعمر جزيرة باب النهر والجسر لو رأى ... على لغي ذكر الرصافة والجسر كأن عيون الزهر في جنباتها ... يواقيت دراودرار من الزهر كان التفاف النهر لص مخاتل ... يحاول اخذالهم من محرز الفكر نواعيرها تشدو بكل غريبة ... فتغنى عن العيدان والناي والزمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 تجاوبها الأطيار من كل جانب ... بتغريد تفريد بتلحينها الجهر فترقص بانات الرياض وسروها ... بحسن قدود في غلائلها الخضر يرنحها في ميلها واعتدالها ... وتردادها فوج النسيم إذا يسري ينقطها كف الغمام بلؤلؤ ... يروقك حسناً في النظام وفي النثر فلو كان جيش الهم والغم غائراً ... تبدل أفراحاً وصار إلى الصدر رعى الله أياماً مضت في رباعها ... فما كان أهنأها ولو عن ما لقصر أجربها ذيل الشبيبة ضافياً ... بخلع عذارى قبل نابتة العذر وشرخ الصبا في عنفوان شبابه ... وريق وعيش المرء في صبوة العمر مع الأهيف الفتان كالبدر طلعة ... وكالورد منه الخد والريق كالخمر وكالأسمر الخطي قد أمهفهفا ... وكالحقف دعصاً موهناً دقة الخصر يدير عن الأقداح أحداق جؤذر ... بما وبما يلقيه من لفظه سكري ويثنى بكاسات الثغور فتحتسي ... لراح اللما والقرقف العذب الخصر بغفلة واش والرقيب وحاسدي ... تواصلنا اللذات في هجعة الدهر إلى أن بدا وخط المشيب بلمتي ... ونبهني سراً وأنذر بالجهر فلهفي على وقت تقضي بقربهم ... وطيب زمان مرمع دمية القصر واهاً وواهاً لو تفيد لقائل ... لكررها لكن جمراً على جمر أيا جبرتي يا أهل ودي وبغيتي ... فلا تجنحوا بعد التعاهد للغدر ولا تنكروا ما بيننا من مودة ... فحبي لكم ما دمت حياً وفي القبر مقيم على القادري على الوفا ... فكونوا كما شئتم سوى الصد والهجر ولما أخذت النصارى بنو الأصفر بلغراد واستردها مصطفى باشا الوزير الجليل الشهير بابن الكبريلي الصدر الأعظم كتب إليه المترجم بهذه القصيدة مهنياً له ومطلعها تنفس الدهر والعيش الكدور صفا ... والوقت طاب فاسدي للنفوس صفا وأصبح الكون منه الثغر مبتسماً ... يجلي نضير عروس زانها صلفا أضحى الزمان جديداً مثل عادته ... في أعصر الراشدين السادة الخلفا قسط وعدل وانصاف وأمن على ... دم ودين ومال لات حين جفا من بعد هول وارجاف وبؤس لسي ... والخطب عم عوام الناس والشرفا وصال صائل أهل الشرك مشتملاً ... بلامة البغي والعدوان ملتحفا غرورهم غرهم والغدر أو غلهم ... فجاوز الحد جيش الخزي مذ رجفا عتوا عتواً شديداً في الديار وقد ... عاثوا فساداً ومالوا ميلة العرفا نفوسهم حدثتهم بالمحال لما ... ظنوا بقاء ظلام الفكر منعكفا وإن ما اختلسوا بالغدر من نشب ... يبقى لهم خولاً هيهات بل أسفا وما دروا إن شمس الدين أشرق من ... مطالع العز يمحو نوره السدفا إذ جاؤا من فوقنا جهراً وأسفلنا ... ومن امام ومن ايماننا وقفا وزاغت أبصار أهل الدين وارتبكوا ... وزلزلوا جزعاً والشهم ما وقفا قلوبهم بلغت أدنى محاجرهم ... والظن شاء وزال الصبر وانصرفا وأكثر القول من أهل النفاق ومن ... والاهم وإذا عوا العجز والضعفاء فثبت الله منا عصبة صدقت ... بمصطفى الصدر محيي عدل من سلفا مجدد الوقت حامي الدين من شعث ... مؤثل المجد شاد العز والشرفا بالعلم والحلم والرأي السديد وبال ... تقوى وبالعزم في حزم وحسن وفا أرخى العساكر تترى كالسحاب لها ... رعد وبرق لأبصار العد أخطفا أبطال صبر وفي يوم الكفاح إذا ... ما قابل الشخص نفس الموت ما انحرفا لبوسهم نسج داود لبأسهم ... مفاضة سابغات من دلاص ضفا في البحر نون وهم في البر قسورة ... وفي الجبال نسور لا تخاف حفا على سوابح تجري كالنسيخ ترى ... عين الحمية أقصى شاؤها أزفا أو كالسهام إذا الراعي يفوقها ... بشدة العزم لما تقصد الهدفا صوافن ضمر في الكر عادتها ... تدك صم الرواسي دكها الحذفا ألقى من الرعب في قلب العدا فغدا ... أنكى من العسكر الجرار مرتجفا رد النصارى على الأعقاب ناكصة ... ومن توقف منهم هامه نقفا وحكم البيض في أجسادهم فصلت ... حكم القضا فأبانوا الرأس والكتفا حتى إذا أثخن الطاغين جملتهم ... شد الوثاق على الباقين وانعطفا يقفو لآثار من فروا فيدركهم ... قتلى وأسرى إلى أن عمرهم كشفا وله من بحر السلسلة يا بدر سماء له الأزرة أفلاك ... خلجان دموعي غدت مشارع أفلاك يا واحد حسن ويا فريد تثن ... توحيد هوى الصب لا يشان باشراك يا أحور لحظ سطا بأسمر قد ... يا أحمر خد أما ترق لمضناك غرار صباح الجبين غر محباً ... بالهجر وبالبعد والصدود من أغراك من وجهك شكري ومن لحاظك سكري ... يا شغلة فكري جعلت قوتي ذكراك يا بدر ففي القلب قد حللت مقيماً ... قل لي فلماذا حدت عن الطرف بمسراك هل كان ملالاً لمن تركت خيالاً ... أم حسنك تيهاً بقتل صبك أفناك عطفاً بمحب يفوق عامر قيس ... لولاك لما هام في المحبة لولاك ضنيت بري وفقت حاتم طي ... رفقاً بعلي غدا يؤمل رحماك إن أومض برق من الغوير ونجد ... يرتاح فؤادي بشبه برق ثناياك أو غر دورق على منا برأيك ... يزداد غرامي إلى لقاك ولقياك وقال ضحك الروض من بكاء الغمام ... وعن النور فض ختم الكمام والرياض اكتست مطارف وشي ... نسجتها أكف سحب كرام نثرت في الربا يواقيت زهر ... فاقت الزهر في اتساق النظام من أقاح وأقحوان وبان ... بان عن جمعها بحسن القوام شق قلب الشقيق حرقة غيظ ... مذ رأى في الأقاح ثغر ابتسام خضب الورد خده خجلاً من ... حدق النرجس الصحاح السقام واستعار البهار لون محب ... وجلا من غيمة النمام زاد حنق البنفسج أزرق إذ كا ... ن حسود النشر عرف الخزام من أيادي المنثور يثني أيادي ... زنبق الروض ناشر الأعلام رقص الدوح صفق الماء لما ... شبب الريح أطيب الأنغام رقى لورق منبر الأيك يتلو ... وتخط الأغصان بالأقلام فوق طرس النهر الصقيل سطوراً ... أعربت أعجمت بنقط الغمام دولة العمر في أوان التصابي ... مثل فصل الربيع في الأعوام فيك يا دار لذ خلع عذاري ... ليس للعيش لذة باكتتام نزه الطرف في بديع ربيع ... واعط للنفس حقها بالتمام واختلس في الزمان صفو شباب ... قبل بدء المشيب والانهرام وانتهز فرصة ليوم سرور ... فالليالي حوامل بالجسام وألق سمعاً إلى سماع مناغ ... عندليب وبلبل وحمام والشحارير والقماري وسن ... حركت في الحشا سكون غرامي روح الروح في الصبوح براح ... واغتبق في الغبوق بنت مدام واجتلى الشمس في حلى حباب ... من يد البدر في دياجي الظلام بغية العاشقين روداً ومرداً ... ذات حلي تحلو بزي غلام من هوى الخرد الحسان هواني ... وغريمي فيهن كان غرامي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وشجاني فواتر الأجفان ... ورحيق بريقهن مرامي وأغاني الغيد الغواني غواني ... ومعاني صوت المثاني زمامي من صدا العود إن قضيت فبالنف ... خ بناي الرخيم كان قيامي وإذا ما تعاظمت هفواتي ... حسن ظني المآل دار السلام واعتمادي على شفيع البرايا ... سيد العالمين ذخر الأنام وقال في ليلة دعاه فيها الشريف الأجل الصنديد سعد عروض قصيدة المتنبي أهلاً بدار دعاك سيدها ... وساهمك بالنعيم أسعدها بليلة لو تسام في عوض ... وكانت الروح كنت أنقدها بات حبيبي بها ينادمني ... غاب واش وبان حسدها في روضة خلتها الجنان بدت ... ولدانها واحتجبن خردها وراء ستر يروق منظره ... أمنع حجب الدنيا وأرصدها غنى من الغيد كل غانية ... تكاد شمس النهار تعبدها إذا شدت قلت إن نغمتها ... من ما رد أو دان تزودها يلعبن بالدف والكمنج وبالطنبو ... ر والكل منها تخمدها تألفت آلة السماع من الأص ... وات منهن لن تفردها كأن ألبابنا لها لعب ... تعدمها تارة وتوجدها ما صيخ سمع إلى السماع كما ... لنغمة غادة تغردها لو كان إسحق حاضراً لزرى ... غناه قطعاً وهان معبدها دارت بدور السقاة مطلعها ... أطالس والقلوب مرصدها مناطق الخصر إن شكت قلقاً ... رديف أرد أفهم يرفدها وأعين كالمها إذا نظرت ... كلم قلب الشجي مهندها هاروت من سحرها غدا وجلا ... ينفث في عقدة يعقدها تقوست فوقها حواجبها ... أهدابها نبلها واعودها ووجنات تظنها لهباً ... ماء الصبا في الخدود يوقدها من أشنب العس وريقته ... أحلى سلاف صفا وأبردها مبتسم الثغر عن سنا درر ... من الثنايا زها تنضدها وجؤذراً وطف حلا كحلا ... وجؤذر الانسان أجودها تدير من قهوة يمانية ... عرف شذاها زكا وموردها على أساريع من نعومتها ... ولينة اللمس كدت أعقدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وتنثني في كؤس أشربة ... فروعها نوعت ومحتدها يفديهم الروح لا أمن فما ... طارف ما في يدي وتالدها يا ليلة لن يشيبها كدر ... إلا بروق الصباح ترعدها قد أذكرت حضرة مقدسة ... صحت أحاديثها ومسندها تفدي ليالي الزمان ليلتنا ... وتفد سيد الدنيا وسيدها فخر ملوك الدنا وأشرفها ... وعين أعيانها وأمجدها به ليالي الدهور مشرقة ... تروق أيامها وأعيدها دام بعز سعود طالعه ... إلى قران النحوس يسعدها ومن شعره قوله تأن ولا تعجل بما أنت باغياً ... وكن لازماً للعدل لا تك باغيا وجازي لمن أسدى جميلاً بمثله ... وسيئة فأجر الذي كان موسيا ولن جانباً للخل وأرع وداده ... ووف بمكيال الذي كان وافيا ورغ عند رواغ وزغ عند زائغ ... مع المستقيم العذل كن متساويا تحلى بحسن الخلق للخلق كلهم ... وكن سهلاً صعباً نفوراً مواتيا ودار جميع الناس ما دمت بينهم ... وكن تابعاً حقاً بنياً مداريا تحمل لجور الجار وارع جواره ... وصل لذوي الأرحام واجف المجافيا وكن باله الناس ظنك محسناً ... وبالناس سؤ الظن دوماً مراعيا ولا تغترر بالهش والبش من فتى ... وحفظ ولين مثل مس الأفاعيا لتعلم إن الناس لا خير فيهم ... ولا بد منهم فألتبسهم مزاويا متى ما صددت المرء عند هوائه ... جهاراً وسراً عد ذاك معاديا وإن تبد يوماً بالنصيحة لأمرئ ... بتهمته إياك كان مجازيا وإن تتحلى بالسخا وسماحة ... يقولوا سفيه أخرق ليس واعيا وإن أمسكت كفاك حال ضرورة ... يقولوا شحيح ممسك لا مواسيا وإن ظهرت من فيك ينبوع حكمة ... يقولون مهذاراً بذياً مباهيا وعن كل ما لا يعن إن تك تاركاً ... يقولون عن عي من العجز صاغيا وإن كنت مقداماً لكل ملمة ... يقولوا عجول طائش العقل واهيا وإن تتغاضى عن جهالة ناقص ... يعدوك خواراً جباناً ولاهيا وإن تتقاضى عنهم نحو عزلة ... يعدوك من كبروتيه مجافيا وإن تتدانى منهم لتالف ... يعدوك خداعاً دهاءً مرائيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 ترى الظلم فيهم كامناً في نفوسهم ... كذا غدرهم في طبعهم متواريا ففي قوة الانسان يظهر ظلمه ... وفي عجزه يبقى كما كان خافيا وهيهات تسلم من غوائل فعلهم ... وأقوالهم مهما تكن متحاشيا فمن رام يرضى الخلق في كل فعله ... وفي قوله للمستحيل معانيا فمن ذا الذي أرضى الأنام جميعهم ... رسولاً نبياً أم ولياً وواليا وأعظم من ذا خالق الخلق هل ترى ... جميع الورى في قسمة منه راضيا إذا كان رب الخلق لم يرض خلعة ... فكيف بمخلوق رضاهم مراجيا فلازم رضى رب العباد إذاً ولا ... تبال بمخلوق إذا كنت زاكيا وسدد وقارب ما استطعت فإنما ... يكلف عبد فعل ما كان قاويا ولله فأضر بالدعا متوسلاً ... بخير الورى المبعوث للخلق هاديا ينجيك من شر العباد وكيدهم ... ومن مكرهم ما دمت حياً وباقيا وأستغفر الرحمن لي عائذاً به ... أكن من شرار الجن والأنس ناجيا وله غير ذلك من الشعر المعجب وكانت وفاته بحماة في يوم الخميس ثامن ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن في الزاوية الفوقانية بتربة مشايخ السجادة القادرية أسلافه في حماه رحمهم الله أجمعين. السيد علي الأسكندري السيد علي الأسكندري نزيل طرابلس الشام الشيخ الامام الفاضل كان ناظماً ناثراً له معرفة كاملة في وجوه القراآت مع فصاحة في اللسان وضبط في التأدية والقراءة وحفظ متين ولم يعهد له لحن في قراءته وخطأ في كتابته ونظم ونثر كثيراً ومع فضله الزائد كان في منزلة الخمول قاعد وفي آخر عمره قيده الكبر بقيد الفكر فلزم بالسكوت داره إلى أن توفي وكانت وفاته في طرابلس سنة تسع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى. علي البدري علي البدري شيخ القراآت والقراء بالديار المصرية الشيخ الامام المقري العالم العامل التحرير كانت له اليد الطولى في سائر العلوم محيطاً بمنطوقها والمفهوم أخذ فن القراآت عن العلامة أحمد الأسقاطي الحنفي هو عن أبي النور علي الزيات الدمياطي وهو عن شيخ الشيوخ سلطان المزاحي وكان صاحب الترجمة في غاية من الاتقان في القراآت لم تر الأعين ولم تسمع الآذان بمحقق مثله في القراآت وغيرها بحيث يقري في رواق المغاربة والأروام بعد الظهر من طريق السبع والعشر والأربعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 عشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة والقباقبية من غير مراجعة ولا تأمل مع الاعتماد التام على ما حرره في النشر وبقية العلوم يقريها صبيحة كل يوم وأخذ بقية العلوم علي الجمال عبد الله بن محمد الشبراوي والفاضل السيواسي وانتفع به الجم الغفير مع التواضع الذي لم يسمع بمثله وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف بتقديم التاء رحمه الله تعالى. علي الطيان علي المعروف بالطيان النحلاوي الشافعي الدمشقي الشيخ الصالح الصوفي الخير المثابر على طاعات الله تعالى ولد في سنة سبعين وألف وأخذ طريقة الصوفية على جماعة منهم الولي المربي السيد موسى الصمادي ولبس منه الخرقة ومنهم الولي العارف الشيخ محمد بن عبد الهادي العمري ومنهم العلامة البركة السيد حسن المنير وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ في فنون عديدة كالفقه وأصوله والفرائض والمصطلح وكان لا ينفك عن طلب العلم وحضور الدروس مع الديانة والصيانة وطهارة اللسان وناب مدة عن الشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق بامامة الصلاة الأولى بمحراب الشافعية بالجامع الأموي وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشر شوال سنة خمسين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى. علي الغلامي الموصلي علي الغلامي الموصلي مفتي السادة الشافعية بالموصل صاحب الفتاوي الظريفة وعارف أسرار فنون الأدب اللطيفة ومخرز قصب البلاغة والأدب والفصاحة والخطب له خبرة وافرة وبصيرة حاذقة بأمور الفتاوي وأحكام الدعاوي دخل حلب سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وتولى الفتوى سنة أربع وأربعين وله شعر لطيف منه قوله مضمناً أبيات السموأل تقول فتاة الحي وهي تلومني ... أما لك عن دار الهوان رحيل فإن عناء المستنيم إلى الأذى ... بحيث يذل الأكرمين طويل فثب وثبة فيها المنايا أو المنى ... فكل محب للحياة ذليل فإن لم تطقها فاعتصم بابن حره ... لهمته فوق السماك مقيل يعين على الجلي ويستمطر الندى ... على ساعة فيها النوال قليل فقلت ومن ذا فأرشديني فإنني ... إلى مثله بادي الركاب عجول فقالت أمين غصن جرثومة السخا ... ألوف العطا للمكرمات فعول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 تدرع ثوب المجد والحكم يافعاً ... فحطت شباب دونه وكهول له الهمة القعساء والرتبة التي ... تعز على من رامها وتطول وهي طويلة وله غير ذلك من الأشعار ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى آمين. علي الأطفيحي علي الأطفيحي الشافعي المصري الشهير بقايتباي وإنما عرف به أسكناه بمدفن الملك الأشرف قايتباي الشيخ الامام العالم النحرير الدراكة الفقيه الأصولي النحوي أبو الحسن نور الدين أخذ عن جملة من الشيوخ وتفقه على الشيخ عبد ربه الديوي والشهاب أحمد ابن الفقيه وسمع الحديث على الشمس محمد الشرنبابلي وغيرهم وتصدر بالأزهر ودرس وكثر النفع به ومن كبار الآخذين عنه أبو الصلاح أحمد بن موسى العروسي وغيره وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وذكاء ونبلاً وكانت وفاته بمصر في حدود الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين. علي التونسي علي التونسي نزيل مصر المالكي شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر الشيخ الامام العالم العلامة الأوحد البارع النحرير المفنن أبو الحسن علاء الدين قدم من بلدته تونس إلى مصر ودخل الجامع الأزهر واشتغل بالعلم وأخذ عن النجم محمد بن سالم الحفني وأخيه الجمال يوسف الحفني والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي والشريف السيد محمد البليدي وحقق وأفاد فأجاد ثم إنه رحل إلى الحرمين وجاور وأخذ عن علمائها إنه رجع إلى القارة ودرس بها واجتمعت عليه الأفاضل وله من التآليف شرح على رسالة راغب باشا الوزير في العروض وله تحريرات كثيرة غير ذلك وبالجملة فهو من أكابر العلماء المنوه بهم وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ومن مات من المسلمين أمين. علي الأسمر علي الأسمر الأسكندري المالكي الشيخ العالم العامل الأوحد الفقيه البارع أبو الفضل نجيب الدين كان كل سنة يأتي من اسكندرية بعد عيد الفطر إلى الجامع الأزهر يدرس به ثم يرجع إلى بلده في أول الثلاثة أشهر توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. عز الدين الحمصي عز الدين ابن خليفة الحنفي الحمصي نزيل دمشق الشيخ العلامة المفنن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 المدقق النحوي أصله من حمص وقدم إلى دمشق طالباً للعلوم وخدم في صباه في المدرسة السميساطية وبعد ذلك شرع في طلب العلم واجتهد ودأب وحصل فمن مشايخه العلامة الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال والفقيه الكبير الشيخ علاء الدين الحصكفي والعالم التقي الشيخ حمزة الدومي والأستاذ الشيخ محمد بن بلبان الصالحي والعلامة الشيخ عثمان القطان والمحقق الشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد الباقي الحنبلي وولده الشيخ أبو المواهب الحنبلي وكلاهما عالمان عاملان والمحدث الشيخ يحيى المغربي الشاوي وأعاد دروس السنمية للعالم المولى السيد الشريف محمد العجلاني نقيب الأشراف بدمشق وكذلك أعاد دروس العالم الشيخ إسمعيل المحاسني الامام والخطيب بالأموي في المدرسة الجوهرية وأقرأ في الجامع الأموي في النحو وغيره وترددت إليه الطلبة وأم بمحراب المقصورة مدة عن بني محاسن وذهب إلى قسطنطينية في الروم ووجهت عليه المدرسة اليونسية بعد وفاة شيخه الدومي وكانت عليه وظائف وغيرها وكان مجاوراً في المدرسة السميساطية ولم يتزوج قط إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الفضلاء المنوه بهم وكانت وفاته في دمشق في ربيع الأول سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. علاء الدين العذراوي علاء الدين ابن السيد عبد اللطيف بن علاء الدين أحمد بن إبراهيم الحسيني القادري الشافعي العذراوي ثم الدمشقي الشيخ العلامة الفهامة الفاضل الكامل الحسيب النسيب أخذ وقرأ على جماعة في مصر وكان رفيقاً في الطلب للعالم الشيخ محمد الديري نزيل دمشق الآتي ذكره في محله وكان المترجم من الملازمين للافادة للطلاب وانتفع به الجم الغفير ودرس بالجامع الأموي وفي المدرسة الباذرائية ورحل إلى الروم إلى قسطنطينية فصارت له نقابة الأشراف بحماه وكان يخطب في دمشق في جامع السادات بالقرب من باب الجابية وبالجملة فقد كان من الأفاضل العالمين وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. عليم الله الهندي عليم الله بن عبد الرشيد العباسي النسب الحنفي النقشبندي اللاهوري الهندي نزيل دمشق أحد العارفين الأخيار وزبدة الأساتذة أولي العوارف والمعارف الكبار كان شيخاً عالماً محققاً مدققاً فاضلاً عارفاً صوفياً ليه اليد الطولى في العلوم والتحقيق من منطوقها ومفهومها مع المعارف الألهية بشوشاً متواضعاً حسن الأخلاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 معتقداً عند الخاص والعام تقياً صالحاً ناجحاً فالحاً سالكاً مسلك السادة على قدم الصدق والعبادة قرأ وأخذ على مشايخ أجلاء في بلاده في الهند كالعلامة الشهير العارف الشيخ شاه نصر الحق القادري قرأ عليه النحو والصرف وبعض المنطق ومنهم شيخ التحقيق المدقق المصنف الشيخ أبو الفتح محمد فاضل القادري فإنه لازم دروسه مدة تزيد على سبع سنين واستفاد من علومه وحصلت له بركاته ونفحاته وأنفاسه ومنهم إنسان عين الأبرار الشيخ محمد أفضل شاه يوربي المنطقي قرأ عليه العلوم العقلية كالمنطق والفلسفة كشرح الشمسية للقطب الرازي وحاشية السيد الشريف الجرجاني وحاشية المنلا عبد الحكيم السلكوتي وشرح التهذيب للمولى جلال الدين الدواني مع حاشية الحكيم الفيلسوف ميرزا زاهد الهروي ومنهم الكبير الشهير الشيخ عبد الكريم الأويسي قرأ عليه كتاب المثنوي المعنوي وله مشايخ غيرهم من بلاد الهند ولما حج وزار النبي صلى الله عليه وسلم سمع الحديث وأصوله على العالم المحدث الشيخ محمد حياه السندي نزيل المدينة وقدم دمشق ثم ارتحل منها إلى قسطنطينية في الروم ومنها عاد إلى دمشق واستقام متوطناً بها في تكية بمحلة القماحين بالقرب من باب السريجة وكانت أهالي دمشق وغيرها تعتقده ويحترمونه ويجتمعون عنده وكانت مجالسه كلها حسنة ممتزجة بالآداب والفضائل وإليه تورد أرباب المعارف والآمال والكمل من الناس مع ما يبديه من اللطائف ويورده من الفضائيل العلمية وغيرها وكان يسمع الآلات فكانت تضرب في حضرته مع الانشاد وقد سئل المترجم عن حكم سماع الآلات فأجاب بقوله إنها لا تحدث شيئاً جديداً في القلب وإنما تحرك ما كان كامناً فيه أقول وهو جواب صوفي غير إني أعجب لجواب العلامة المولى عبد الرحمن العمادي المفتي بدمشق حين رفع إليه سؤال عن حكم الآلات فأجاب بقوله أقول قد حرمه من لا يعترض عليه لصدق مقاله وأباحه من لا ينكر عليه لقوة حاله فمن وجد في قلبه شيئاً من نور المعرفة فليتقدم وإلا فالوقوف عندما حده الشرع الشريف أسلم والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم انتهى أقول وهذا الجواب عين الصواب فقد وفق به بين أهل الظاهر والباطن ورسالة الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي مشتملة على المباح من ذلك والمكروه والحرام من السماع وسماها إيضاح الدلالات في سماع الآلات وهي متداولة بين الأيدي وكان المترجم يقرئ ويدرس في المكان المزبور وولي بدمشق تولية المدرسة القيمرية وأحدث له والدي من زوائد إيراد وقف الجامع الأموي عشرين عثماني وبعد وفاته وجهت للعالم الفاضل السيد منصور الحلبي وكان المترجم يختلي في كل سنة أربعين يوماً في جمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 حافل في مقام الأربعين في جبل قاسيون بالصالحية وكانت له حفدة ومريدون كثيرون وأخذ عنه أناس لا يحصون عدداً وبالجملة فقد كان أحد الأخيار العارفين المحققين وكانت وفاته في دمشق في سنة ست وسبعين ومائة وألف ودفن في التكية المزبورة رحمه الله تعالى. عطاء الله الموصلي عطاء الله الموصلي الشيخ الفاضل الصوفي الأوحد البارع الصالح الكامل كان بحراً لا ساحل له وفضاء مجدلاً أول له سلك طريقة القوم أتم سلوك وتعاطى فيها الهداية والتقوى والصلاح وكان يحث الناس على العبادة وله مأثر لطيفة ومكارم منيفة وناب على يده جماعة من الناس وأخذ الطريق على عدة من المشايخ الكمل حتى صار أمة وحده حكى عنه إنه قال كنت في ساحل عمان أو الهند فرأيت شيخاً أبيض اللحية نوراني الشكل مقبلاً إلينا فظننت إنه أحد الأقطاب فقمت إجلالاً له وقبلت يده فقال بعض الحاضرين يا شيخ هذا رجل مجوسي فاستغفرت الله من تعظيمه وتبجيله قال ثم قال آلا أحدثك بأعجب من ذلك قلت ماذا قال إنه خنثى ذو آلتين تزوجه رجل فولد له ثم تزوج امرأة فولد له منها أيضاً فله صنفان من الأولاد من بطنه وظهره وحكى أنه وصل في سياحته إلى جزيرة واق التي ذكرها في الخريدة وإنه أكل من تلك الثمرة فرأى طعمها كطعم السفرجل وترجمه بعض أفاضل الموصل فقال وعاشره شيخنا السيد موسى العالم الأجل وشهد بحفه في التقدم وكمال معرفته في لسان القوم وطريقتهم وإنه ساح مدة طويلة ودار الأقطار واجتاب المفاوز والقفار وذلك في مبدأ أمره ثم إنه بعد ذلك صار من أئمة الأرشاد السالكين سبل الهداية والرشاد واشتهر أمره وعلا قدره ولم يزل على أحسن حالي حتى توفي وكانت وفاته في الموصل بعد الأربعين والمائة والألف وقد جاوز حد الكهولة وقبره في الموصل ظاهر يزار. عطاء الله العاني عطاء الله العاني ثم الحلبي أمين الفتوي بحلب الأديب اللوذعي ترجمه الأمين المحيي في ذيل نفحته وقال في وصفه خلاصة أهل العصر المجتمع فيه فضائلهم بجميع أدوات الحصر فهو من جوهر الفضل منتقي وقدر في درج العلا حتى لم يجد مرتقى فالكون به متألق والأمل بأدبه متعلق وله قدم في الأدب عاليه والمسامع بآثاره البهية حاليه تسهل له من البراعة ما تصعب فملكه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 وتوضح له من مشكلاتها ما تشعب حتى سلكه وقد صحبته في الروم وطريقها في الرجعة فحمدت الله حيث سهل لي أمر هذه النجعة فاجتنيت من مفاكهته روضاً أنفاً وعلقت في جيد أدبي وأذنه قلائد وشنفا وأنا وإن كنت لم أتعرض في الأصل لذكره فإني لم أكتب عنه شيئاً من تحائف شعره وقد ورد على الآن له روائع بدائع فكأنها من جملة ما كان لي في ذمة الدهر من ودائع فدونك منها جملة الاحسان وكأنما دعي الحسن فلباه الاستحسان انتهى مقاله فيه وقوله لم أتعرض في الأصل إلى آخره مراده إنه لم يذكره في النفحة من جملة الأدباء الحلبيين الذين ترجمهم في باب مخصوص في نفحته ومن شعره قوله فؤاد به نار الغضا تتوقد ... وطرف يراعي الفرقدين مسهد ودر دموع في الخدود منظم ... له اللؤلؤ المنظوم عقد مبدد ووجد بسحار اللواحظ أغيد ... يقيم عذولي بالغرام ويقعد من الروم رام من كنانة جفنه ... سهاماً فبالله سهم مسدد يميس به غصن من القد أصله ... يكاد بأنفاس الصبا يتأود عليه قلوب العاشقين تبلبلاً ... فتصدح أحياناً وحيناً تغرد وله معارضاً قصيدة جعفر ابن الجرموزي التي مطلعها ما غرد بلبل وغنى ... إلا أضلتني وعني بقوله عاوده وجده وحناوشفه داؤه فأناوأبرز الدمع بين صب من قبل إن كان مستكناًفعاد ظن الهوى يقيناًفيه وكان اليقين ظنا ويلاه من عاذل غبيقد لج في عذله وجنايسومني سلوة وإني بسلو عن العشق من تعنىوبي مليح لو لاح ليلاًلبدره التم لأستكنا غصن يعير الغصون لينابدر يعير البدور حسناإذا تجلى رأيت شمسا وإن تثنى رأيت غصناًفي كل عضو ترى عيوناًعواشقاً روضه الأغنا وقد ألم بقول قابوس خطرات ذكرك تستثير مودتي ... وأحسن منها في القلوب دبيبا لا عضو لي إلا وفهي صبابة ... فكأن أعضائي خلقن قلوبا عودا رشيق قد ثقيل ردفيموج حقف إذا تثنىولي غرام به قديم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع أوله فتح الله العمري الموصلي الجزء الرابع ست وتسعين وعمل لذلك تاريخاً الشيخ نجيب بن محمد العطار الدمشقي فقال قد شاد ليث العرم دار سعادة ... فأضاء فيها عدله المتأبد وأقام لألاء السرور مبشرا ... ببقائه فيها بنصر يحمد والسعد أرخ حكم دار سعادة ... أبداً يوطده الوزير محمد 1196 وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها على أكمل بناء وأحكمه وهذا البناء كان قبل ذلك في شعبان سنة تسعين ومائة وألف بمباشرة جعفر أغا أمين الجاويشية وبنى محكمة الباب وجددها بعد أن تهدم غالبها وصرف على ذلك نحو ثلاثة عشر ألف قرش وكان القاضي العام بدمشق إذ ذاك المولى السيد محمد طاهر محمود أفندي زاده فنقله المترجم منها إلى دار بني الترجمان قرب القلعة الدمشقية وهناك صار مجلس القضاء إلى أن تم بناء المحكة فأرجعه إليها وكان رحمه الله تعالى له مبرات كلية وصدقات جلية وخفية خصوصاً لمن أدركهم الفقر من ذوي البيوت وأهل العلم بدمشق فكان يتفقد أحوالهم ويبرهم ويكرم نزلهم وله عطايا جزيلة كل سنة للعلماء وأهل الصلاح والدين وإغاثة كلية للضعفاء والمساكين طاهر الذيل واللسان واليد من كل ما يشين ومدح من أدباء دمشق بالقصائد العديدة التي لو دونت لبلغت مجلدات وكان يجيزهم على ذلك الجوائز السنية وكانت أوقاته مصروفة في أنواع القربات من تلاوة قرآن واشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو رفع ظلامة عن مظلوم أو تنفيس كربة عن مكروب وبالجملة فهو أحسن من أدكناه من ولاة دمشق وأكملهم رأياً وتدبيراً ولم يزل على أحسن حال وأكمل سيرة حتى توفي بدمشق وهو والي عليها وكانت وفاته قبيل طلوع شمس يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف وتمرض أياماً قلائل واجتمعت الأعيان والرؤساء بداره التي ابتناها لصيق المدرسة القجماسية جوار سوقه المقدم ذكره فغسل بها وخرجوا بجنازته على السوق الجديد حتى وصلوا به إلى الجامع الأموي فوضعت تجاه ضريح سيدنا يحيى وتقدم للصلاة عليه المولى أسعد أفندي الصديقي المفتي ثم حمل بمجمع عظيم لم يتخلف عنه أحد من أهل دمشق من الرجال والنساء وخرجوا بالجنازة على سوق جقمق ودفن بتربة الباب الصغير شمالي ضريح سيدنا بلال الصحابي الجليل وعمل على قبره تجعير لطيف وكثر الأسف عليه وجرت لذلك العبره رحمه الله تعالى وجعل في الفراديس العلية مقره محمد بن محمد الطيب المالكي الحنفي التافلاتي المغربي مفتي القدس الشريف علامة العصر الفائق على أقرانه من كبير وصغير وله الفضل الباهر وكان في الأدب الفرد الكامل له الشعر الحسن مع البداهة المشهور صاحب السياحات الكثيرة خرج من وطنه ودخل البلاد القاصية ودار غالب الدنيا واجتمع بأكابر العباد والعلماء والاستاذة والأولياء وله الرحلة المشهورة التي ألفها وذكر فيها غرائب الوقائع التي جرت له وما رآه وذكر الأولياء ومواقعه معهم وغير ذلك مما هو العجب العجاب ودخل دمشق وحلب والروم وغيرهم من البلاد ودار في أقاصي الأرض وجاب طولها والعرض رأيت رحلته وطالعتها جميعاً فرأيته ذكر فيها الأمصار والبلاد التي دخلها والأولياء والعارفين الذين اجتمع بهم ووقفت له على آثار تدل على علو قدمه في المعارف الالهية وبالجملة فهو من كبار الأولياء العارفين والأئمة المرشدين يغلب عليه حال التفويض والتوكل وكانت وفاته بحلب الشهباء يوم السبت رابع رمضان المعظم سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بها وقبره معروف يزار ويتبرك به رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته مصطفى التميمي ابن عبد الفتاح النابلسي الحنفي الشهير بالتميمي العلام المحقق المدقق الفقيه ولد سنة إحدى عشرة ومائة وألف كما وجد بخط والده وقرأ عليه القرآن مجوداً وبالغ في حفظه ومعرفة أحكامه وحفظ أغلب المتون وتفقه عليه وعلى خاله المرحوم السيد محمد وقرأ على السيد علي العقدي البصير المصري من أول الكنز إلى كتاب الحجر قراءة بحث وتحقيق ولازم الشيخ عبد الله الشرابي فانتفع به أتم الانتفاع وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد بن محمد عقيلة وروى البخاري عنه مسلسلاً بالحنفيين ما عدا شيخه العجيمي قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى آخر كتاب الحج كما هو ومحرر بإجازته له وقد تقلد الفتوى أربعين عاماً وحرر شرح الشيخ حافظ الدين من مسودته وكتب عليه وله كتاب في الفقه سماه ارشاد المفتي إلى جواب المستفتي وله منظومة في العقائد ورسائل في مهمات الفرائض ونظم متن نور الايضاح وغير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى مصطفى النابلسي الحنبلي ابن عبد الحق الحنبلي النابلسي نزيل دمشق الشيخ الفاضل البارع الفقيه الفرضي الحيسوب قدم من بلده نابلس في سنة إحدى عشرة ومائة وألف وسكن في مدرسة جدي الاستاذ الشيخ مراد قدس سره ولازم الشيخ أبا المواهب الدمشقي الحنبلي وتلميذه الشيخ عبد القادر التغلبي وقرأ عليهما ما كتبا عديدة في فقه مذهبه كدليل الطالب والمنتهى والاقناع وفي الفرائض والحساب وقرأ عليهما عدة كتب منها شرح الرحبية وشرح اللمع وغير ذلك ولازم دروس الشيخ أبي المواهب المذكور في الجامع الأموي بين العشاءين تفنى الليالي وليس يفنى ولست وحدي به معنىكل البرايا به معنى وله أيضاً بمواقع السحر التي ... من ناظريك ضمينها وفواتك الحسن التي ... في وجنتيك كمينها وعوامل القد التي ... قلبي لديك طعينها ألا رثيت لمغرم ... دامي الجفون سخينها وهذا الأسلوب جرى عليه كثير من الشعراء منهم ابن مغيزل حيث قال بمجاري فلك الحسنالذي في وجناتكوبنوتيك على خديك من غير دواتكوبما تصنع في الناس بساجي لحظاتك وبما أغفله الواصف من حسن صفاتكلا تدعني والهوى يجرح قلبي بحياتك ومن ذلك قول الأديب محمد ابن زين العابدين الجوهري الدمشقي بالذي أودع لحظيك ... حبيب القلب حتفا وسقاني منهما كا ... سا سريع السكر صرفا وحبا خدك وردا ... وحبا شكلك ظرفا جد على صب كئيب ... ذي أوار ليس يطفى وللألمعي الشهير محمد الحرفوشي من هذا النمط قوله بالذي أنشاك فرداًوكسا خديك ورداًوالذي أعطاك حسنا قلت أهل الحسن حداًوالذي أولى فؤاديمنك أعراضاً وصدا صل معنى فيك يقضي ... الليل تسهيداً ووجداً هو من هذا القبيل أبيات عبد المحسن الصوري المشهورة بالذي ألهم تعذ ... يبي ثناياك العذابا والذي ألبس خد ... يك من الورد نقابا والذي أسكن في فيك ... من الشهيد رضابا والذي صير حظي ... منك هجراً واجتنابا يا غز الأصاد باللحظ ... فؤادي فأصابا ما الذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا ومن ذلك قول الماهر الأديب إبراهيم بن محمد السفرجلاني الدمشقي بالذي في العيقق رصع دراً ... وجلا تحت غيهب الشعر بدرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 والذي أودع المباسم شهداً ... ثم أجراه في المراشف خمرا والذي صير الشقائق طرساً ... خط فيه من البنفسج سطرا والذي في لهيب خدك ألقى ... ند خال يربو على الند نشرا والذي خص أدعجيك بشيء ... لو رآه هاروت سماه سحرا والذي هز من قوامك خوطاً ... يتهادى من الشبيبة سكرا والذي صاغ من قشور اللآلي ... لك جسماً من ناعم الخز أطرى والذي قد كساك حلة حسن ... لست منها مدى زمانك تعرى والذي سلط الجفون وأمضى ... حكمها في القلوب نهياً وأمرا ما الذي قالت العيون لقلبي ... قال قالت يا قلب كن بي مغرى وللمترجم لو أن أنفاسي من حرها ... مما بقلبي من هوى العس قد خالطت لطف نسيم الصبا ... ما شمته برداً على الأنفس وهذا ما وصلني من خبره ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت غير أنه من أهل هذه المائة رحمه الله تعالى. عطية الله الأجهوري عطية الله بن عطية البرهاني القاهري الشافعي الشهير بالأجهوري الشيخ الهمام العالم العلامة الحبر البحر الفاضل النحرير الفهامة أخذ عن الشهاب أحمد ابن عبد الفتاح الملوي وعن الشمس محمد العشماوي والسيد علي العزيز وعن غيرهم وتصدر في جامع الأزهر لأقراء الدروس ووردت عليه الطالبون وألف مؤلفات نافعة منها شرح مختصر السنوسي في المنطق وحاشية على شرح منظومة في أصول الحديث وكان علم الفضل المشهور نتيجة الأيام والدهور من لم تسمع الآذان ولم تر العيون بمثل تحقيقاته التي تستوضح الشمس للخاص والدون مبرزاً للتحقيق على طرف الثمام على وزن غراب وفي المثل هو على طرف الثمام لما يوصل اليد من غير مشقه يأتي كل يوم إلى الجامع الأزهر صبيحة النهار ويحضر دروس الشمس محمد الحفناوي ثم بعد الدروس يذهب إلى الرواق الآخذ إلى رواق الريافه الجامع الأزهر هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي مولى الامام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختط القاهرة وشرع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلثمائة وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة احدى وستين وثلثمائة وجمع فيه وكتب بدائر القبة التي في الرواق الأول وهي على يمنة المحراب والمنبر ما نصه بعد البسملة مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معد الامام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين على يد عبده جوهر الكاتب الصقلي وذلك في سنة سنين وثلثمائة وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة احدى وستين وثلثمائة ثم إن العزيز بأنه أبا منصور نزار بن المعز لدين الله جدد فيه أشياء وفي سنة ثمان وسبعين وثلثمائة سأل الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس الخليفة العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من رزق الناض وأمر لهم بشراء دار وبنائها فبنيه بجانب الجامع الأزهر فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلي العصر وكان لهم أيضاً من مال الوزير صلة في كل سنة وكانت عدتهم خمسة وثلاثين رجلاً وخلع عليهم العزيز يوم عيد الفطر وحملهم على بغلات ويقال إن بهذا الجامع طلسماً فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة كل صورة على رأس عمود فمنها صورتان في مقدم الجامع بالرواق الخامس منهما صورة في الجهة الغربية في العمود وصورة في أحد العمودين اللذين على يسار من استقبل سدة المؤذنين والصورة الاخرى في الصحن في الأعمدة القبلية مما يلي الشرقية ثم إن الحاكم بأمر الله جدده ووقف على الجامع الأزهر وجامع المقس والجامع الحاكمي ودار العلم بالقاهرة رباعاً بمصر وضمن ذلك كتاباً نسخته هذا كتاب أشهد قاضي القضاة مالك بن سعيد بن مالك الفارقي على جميع ما نسب إليه مما ذكر ووصف فيه من حضر من الشهود في مجلس حكمه وقضائه بفسطاط مصر في شهر رمضان سنة أربعمائة أشهدهم وهو يومئذ قاضي عبد الله ووليه المنصور أبي علي الامام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين بن الامام العزيز بالله صلوات الله عليهما على القاهرة المعزية ومصر والاسكندرية والحرمين حرسهما الله وأجناد الشام والرقة والرحبة ونواحي المغرب وسائر أعمالهن وما فتحه الله ويفتحه لأمير المؤمنين من بلاد الشرق والغرب بمحضر رجل متكلم إنه صحت عنده معرفة المواضع الكاملة والحصص الشائعة التي يذكر جميع ذلك ويحدد في هذا الكتاب وإنها كانت من أملاك الحاكم إلى أن حبسها على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة والجامع براشدة والجامع بالمقس اللذين أمر بإنشائهما وتأسيس بنائهما وعلى دار الحكمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 بالقاهرة المحروسة التي وقفها والكتب التي فيها قبل تاريخ هذا الكتاب منها ما يخص الجامع الأزهر والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة مشاعاً جميع ذلك غير مقسوم ومنها ما يخص الجامع بالمقس على شرائط يجري ذكرها فمن ذلك ما تصدق به على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة جميع الدار المعروفة بدار الضرب وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة الذي كله بفسطاط مصر ومن ذلك ما تصدق به على جامع المقس جميع أربعة الحوانيت والمنازل التي علوها والمخزنين الذي ذلك كله بفسطاط مصر بالراية في جانب الغرب من الدار المعروفة كانت بدار الخرق وهاتان الداران المعروفتان بدار الخرق في الموضع المعروف بحمام الفار ومن ذلك جميع الحصص الشائعة من أربعة الحوانيت المتلاصقة التي بفسطاط مصر بالراية أيضاً بالموضع المعروف بحمام الفار وتعرف هذه الحوانيت بحصص القيسي بحدود ذلك كله وأرضه وبنائه وسفله وعلوه وغرفه ومرتفقاته وحوانيته وساحاته وطرقه وممراته ومجاري مياهه وكل حق هو له داخل فيه وخارج عنه وجعل ذلك كله صدقة موقوفة محرمة محبسة بتة بتلة لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا تمليكها باقية على شروطها جارية على سبلها المعروفة في هذا الكتاب لا يوهنها تقادم السنين ولا تغير بحدوث حدث ولا يستثنى فيها ولا يتأول ولا يستفتي بتجدد تحبيسها مدى الأوقات وتستمر شروطها على اختلاف الحالات حتى يرث الله الأرض والسموات على أن يؤجر ذلك في كل عصر من ينتهي إليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من أشهارها عند ذوي الرغبة في اجارة أمثالها فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته من غير إحجاف بما حبس ذلك عليه وما فضل كان مقسوماً على ستين سهماً فمن ذلك للجامع الأزهر بالقاهرة المحرومة المذكور في هذا الاشهاد الخمس والثمن ونصف السدس ونصف التسع بصرف ذلك فيما فيه عمارة له ومصلحة وهو من العين المعزي الوازن ألف دينار واحدة وسبعة وستون ديناراً ونصف دينار وثمن دينار من ذلك للخطيب بهذا الجامع أربعة وثمانون ديناراً ومن ذلك لثمن ألف ذراع حصر عبدانية تكون عدة له بحيث لا ينقطع من حصره عند الحاجة إلى ذلك ومن ذلك لثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مظفورة لكسوة هذا الجامع في كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار واحدة وثمانية دنانير ومن ذلك لثمن ثلاثة قناطير زجاج وفراخها اثنا عشر دينار ومن ذلك لثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع مع ثمن الكافور والمسك وأجرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 الصانع خمسة عشر ديناراً ومن ذلك لنصف قنطار شمع بالفلفلي سبعة دنانير ومن ذلك لكنس هذا الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط واجرة الخياطة خمسة دنانير ومن ذلك لثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلاً بالرطل الفلفلي دينار واحد ومن ذلك لثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلي نصف دينار ومن ذلك لثمن أردبين ملحاً للقناديل ربع دينار ومن ذلك ما قدر لمؤنة النحاس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع أربعة وعشرون ديناراً ومن ذلك الثمن سلب ليف وأربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار ومن ذلك لثمن قنطارين خرقاً لمسح القناديل نصف دينار ومن ذلك لثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل ولثمن مائتي مكنسة لكنس هذا الجامع دينار واحد وربع دينار ومن ذلك لثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء مع أجرة حملها ثلاثة دنانير ومن ذلك لثمن زيت وقود هذا الجامع راتب السنة ألف رطل ومأتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون ديناراً ونصف ومن ذلك لأرزاق المصلين يعني الأئمة وهم ثلاثة وأربعة قومة وخمسة عشر مؤذناً خمسمائة دينار وستة وخمسون ديناراً ونصف منها للمصلين لكل رجل منهم ديناران وثلثا دينار وثمن دينار في كل شهر من شهور السنة والمؤذنون والقومة لكل رجل منهم ديناران في كل شهر ومن ذلك للمشرف على هذا الجامع في كل سنة أربعة وعشرون ديناراً ومن ذلك لكنس المصنع بهذا الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد ومن ذلك لمرمة ما يحتاج إليه في هذا الجامع في سطحه وأترابه وحياطته وغير ذلك مما قدر لكل سنة ستون ديناراً ومن ذلك لثمن مائة وثمانين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دنانير ونصف وثلث دينار ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقاه والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر ديناراً ونصف ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر ديناراًنين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دنانير ونصف وثلث دينار ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقاه والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر ديناراً ونصف ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر ديناراً وإلى هنا انقضى حديث الجامع الأزهر وأخذ في ذكر جامع راشدة ودار العلم وجامع المقس ثم ذكر إن تنانير الفضة ثلاثة تنانير الفضة وتسعة وثلاثون قنديلاً فضة فللجامع الأزهر تنوران وسبعة وعشرون قنديلاً ومنها لجامع راشدة تنور واثنا عشر قنديلاً وشروط أن تعلق في شهر رمضان وتعاد إلى مكان جرت عادتها أن تحفظ به وشرط شروطاً كثيرة في الأوقاف منها إنه إذا فضل شيء واجتمع يشتري به ملك فإن عاز شيئاً واستهدم ولم يف الريع بعمارته بيع وعمر به وأشياء كثيرة وحبس فيه أيضاً عدة آدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وقياسر لا فائدة في ذكرها فإنها مما خربت بمصر قال ابن عبد الظاهر عن هذا الكتاب ورأيت منه نسخة وانتقلت إلى قاضي القضاة تقي الدين ابن رزين وكان بصدر هذا الجامع في محرابه منطقة فضة كما كان في محراب جامع عمرو بن العاص بمصر قلع ذلك صلاح الدين يوسف بن ايوب في حادي عشر ربيع الأول سنة تسع وستين وخمسمائة لأنه كان فيها انتهاء خلفاء الفاطميين فجاء وزنها خمسة آلاف درهم نقرة وقلع أيضاً المناطق من بقية الجوامع ثم إن المستنصر جدد هذا الجامع أيضاً وجدده الحافظ لدين الله وأنشأ فيه مقصورة لطيفة تجاور الباب الغربي الذي في مقدم الجامع بداخل الرواقات عرفت بمقصورة فاطمة من أجل إن فاطمة الزوراء رضي الله تعالى عنها رؤيت بها في المنام ثم إنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في كتاب سيرة الملك الظاهر لما كان يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة وسبب ذلك إن الأمير عز الدين أيدمر الحلي كان جار هذا الجامع من مدة ستين فرعى وفقه الله حرمة الجار ورآى أن يكون كما هو جاره في دار الدنيا إنه غداً يكون ثوابه جاره في تلك الدار ورسم بالنظر في أمره وانتزع له أشياء خصوبة كان شيء منها في أيدي جماعة وحاط أموره حتى جمع له شيئاً صالحاً وجرى الحديث في ذلك فتبرع الأمير عز الدين له بجملة مستكثرة من المال الجزيل وأطلق له من السلطان جملة من المال وشرع في عمارته قصر الواهي من أركانه وجدرانه وبيضه وأصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه حتى عاد حرماً في وسط المدينة واستجد به مقصورة حسنة وآثر فيه آثاراً صالحة يثيبه الله عليها وعمل الأمير بيليك الخزينة دار فيه مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الامام الشافعي رحمه الله ورتب في هذه المقصورة محدثاً يسمع الحديث النبوي والرقائق ووقف على ذلك الأوقاف الدارة ورتب به سبعة لقراءة القرآن ورتب به مدرساً أثابه الله على ذلك ولما تكمل تجديده تحدث في إقامة جمعة فيه فنودي في المدينة بذلك واستخدم له الفقيه زين الدين خطيباً وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور وحضر الأتابك فارس الدين والصاحب بهاء الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من الأمراء والكبراء وأصناف العالم على اختلافهم وكان يوم جمعة مشهوداً ولما فرغ من الجمعة جلس الأمير عز الدين الحلي والأتابك والصاحب وقرئ القرأن ودعي للسلطان وقام الأمير عز الدين ودخل إلى داره ودخل معه الأمراء فقدم لهم كل ما تشتهي الأنفس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وتلذ الأعين وانفصلوا وكان قد جرى الحديث في أمر جواز الجمعة في الجامع وما ورد فيه من أقاويل العلماء وكتب فيها فتياً أخذ فيها خطوط العلماء بجواز الجمعة في هذا الجامع وإقامتها فكتب جماعة خطوطهم فيها وأقيمت صلاة الجمعة به واستمرت ووجد الناس به رفقاً وراحة لقربه من الحارات البعيدة من الجامع الحاكمي قال وكان سقف هذا الجامع قد بني قصيراً فزيد فيه بعد ذلك وعلى ذراعاً واستمرت الخطبة فيه حتى بنى الجامع الحاكمي فانتقلت الخطبة إليه فإن الخليفة كان يخطب فيه خطبة وفي الجامع الأزهر خطبة وفي جامع ابن طولون خطبة وفي جامع مصر خطبة وانقطعت الخطبة من الجامع الأزهر لما استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة فإنه قلد وظيفة القضاء لقاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس فعمل بمقتضى مذهبه وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد كما هو مذهب الامام الشافعي فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقر الخطبة بالجامع الحاكمي من أجل إنه أوسع فلم يزل الجامع الأزهر معطلاً من إقامة الجمعة فيه مائة عام من حين استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدم ذكره ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع مصر وغيره فتقاسم امراء الدولة عمارة الجوامع فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة لجامع الحاكمي وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهروب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدم ذكره ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع مصر وغيره فتقاسم امراء الدولة عمارة الجوامع فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة لجامع الحاكمي وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهر وتولى الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار عمارة جامع الصالح فجددوا مبانيها وأعادوا ما تهدم منها ثم جددت عمارة الجامع الأزهر على يد القاضي نجم الدين محمد بن حسين بن علي الأسعردي محتسب القاهرة في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ثم جددت عمارته في سنة احدى وستين وسبعمائة عندما سكن الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصري في دار الأمير فخر الدين أبان الزاهدي الصالحي النجمي بخط الأبارين بجوار الجامع الأزهر بعدما هدمها وعمرها داره التي تعرف هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار فأحب لقربه من الجامع أن يؤثر فيه أثراً صالحاً فأستأذن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في عمارة الجامع وكان أثيراً عنده خصيصاً به فأذن له في ذلك وكان قد استجد بالجامع عدة مقاصير ووضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته فأخرج الخزائن والصناديق ونزع تلك المقاصير وتتبع جدرانه وسقوفه بالاصلاح حتى عادت كأنها جديدة وبيض الجامع كله وبلطه ومنع الناس من المرور فيه ورتب فيه مصحفاً وجعل له قارئاً وأنشأ على باب الجامع القبلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 خالوثا لتسبيل الماء العذب في كل يوم وكل فوقه مكتب سبيل لأقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ورتب للفقراء المجاورين طعاماً يطبخ كل يوم وأنزل إليه قدوراً من نحاس جعلها فيه ورتب فيه درساً للفقهاء من الحنفية يجلس مدرسهم لألقاء الثنية في المحراب الكبير ووقف على ذلك أوقافاً جليلة باقية إلى يومنا هذا ومؤذنوا الجامع يدعون في كل جمعة وبعد كل صلاة للسلطان حسن إلى هذا الوقت الذي نحن فيه وفي سنة أربع وثمانين وسبعمائة ولي الأمير العلواشي بهادر المقدم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر فتنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأن من مات من مجاوري الجامع الأزهر عن غير وارث شرعي وترك موجوداً فإنه يأخذه المجاورون بالجامع ونقش ذلك على حجر عند الباب الكبير البحري وفي سنة ثمانمائة هدمت منارة الجامع وكانت قصيرة وعمرت أطول منها فبلغت التنقه عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نقرة وسلت في ربيع الآخر من السنة المذكورة فعلقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر وأوقدت حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها واجتمع القراء والوعاظ بالجامع وتلوا ختمة شريفة ودعوا للسلطان فلم تزل هذه المئذنة إلى شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة فهدمت لميل ظهر فيها وعمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع البحري بعدما هدم الباب وأعيد بناءه بالجرور كبت المنارة فوق عقده وأخذ الحجر لها من مدرسة الملك الأشرف خليل التي كانت تجاه قلعة الجبل وهدمها الملك الناصر فرج بن برقوق وقام بعمارة ذلك الأمير تاج الدين التاج الشوبكي والي القاهرة ومحتسبها إلى أن تمت في جمادي الآخرة سنة ثمان عشرة وثمانمائة فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط فهدمت في صفر سنة سبع وعشرين وأعيدت وفي شوال منها ابتدئ بعمل الصهريج الذي بوسط الجامع فوجد هناك آثار فسقية ماء ووجد أيضاً رمم أموات وتم بناؤه في ربيع الأول وعمل بأعلاء مكان مرتفع له قبة يسبل فيه الماء وغرس بصحن الجامع أربع شجرات فلم تفلح وماتت ولم يكن لهذا الجامع ميضأة عندما بني ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الأقبغاوية إلى أن بنى الأمير أقبغا عبد الواحد مدرسة المعروفة بالمدرسة الأقبغاوية هناك وأما هذه الميضأة التي بالجامع الآن فإن الأمير بدر الدين جنكل بن البابا بناها ثم زيد فيها بعد سنة عشر وثمانمائة ميضأة المدرسة الأقبغاوية وفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة ولي نظر هذا الجامع الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب فجرت في أيام نظره حوادث لم يتفق مثلها وذلك إنه لم يزل في هذا الجامع منذ بنى عدة من الفقراء يلازمون الاقامة فيه وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائة وخمسين رجلاً ما بين عجم وزيالعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 ومن أهل ريف معسر ومغاربة ولكل طائفة رواق يعرف بهم فلا يزال الجامع عامراً بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه والاشتغال بأنواع العلوم الفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر فيجد الانسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله والارتياح وترويح النفس ما لا يجده في غيره وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس إعانة للمجاورين فيه على عبادة الله تعالى وكل قليل تحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز والحلاوات لا سيما في المواسم فأمر في جمادي الأولى من هذه السنة باخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الاقامة فيه واخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف زعماً منه إن هذا العمل مما يناب عليه وما كان إلا من أعظم الذنوب وأكثرها ضرراً فإنه حل بالفقراء بلاء كبير من تشتت شملهم وتعذر الأماكن عليهم فساروا في القرى وتبذلوا بعد الصيانة وفقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر الله ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التعدي وأشاع أن أناساً يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم منهم من يقصد بمبيته البركة ومنهم من لا يجد مكاناً يأويه ومنهم من يستروح بمبيته هناك خصوصاً في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر أوقاتهلحلاوات لا سيما في المواسم فأمر في جمادي الأولى من هذه السنة باخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الاقامة فيه واخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف زعماً منه إن هذا العمل مما يناب عليه وما كان إلا من أعظم الذنوب وأكثرها ضرراً فإنه حل بالفقراء بلاء كبير من تشتت شملهم وتعذر الأماكن عليهم فساروا في القرى وتبذلوا بعد الصيانة وفقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر الله ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التعدي وأشاع أن أناساً يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم منهم من يقصد بمبيته البركة ومنهم من لا يجد مكاناً يأويه ومنهم من يستروح بمبيته هناك خصوصاً في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر أوقاته فلما كانت ليلة الأحد الحادي عشر من جمادي الآخرة طرق الأمير سودوب الجامع بعد العشاء الآخرة والوقت صيف وقبض على جماعة وضربهم في الجامع وكان قد جاء معه من الأعوان والغلمان وغوغاء العامة ومن يريد النهب جماعة فل بمن كان في الجامع أنواع البلاء ووقع فيهم النهب فأخذت فرشهم وعمائمهم وفتشت أوساطهم وسلبوا ما كان مربوطاً عليها من ذهب وفضة وعمل ثوباً أسود للمنبر وعلمين مزوقين بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم على ما بلغني فعاجل الله الأمير سودوب وقبض عليه السلطان في شهر رمضان وسجنه بدمشق من تاريخ المقريزي عود فيأتي أذكياء جماعة يسمعون الدرس الذي يريد اقرأه مع الشروح والحواشي وهو يقرره لهم قال تلميذه هبة الله التاجي في ترجمته له في ثبته لما قدمت مصر سمعت بأنه فريد وقته وإنه يقرئ المختصر على التلخيص فسرت إليه فرأيته يقرره في مدرسة الأشرفية وقد فاتني شيء يسير من أوله فحضرته عليه منه إلى آخره وكان الذين يحضرونه ينوفون على خمسمائة فسمعت منه ما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب محش ولا شارح أخذ جماعة منهم الشيخ سليمان الجمل ومعيده الشيخ عبد الرحمن والشيخ أبو الفتح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 محمد العجلوني الدمشقي وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى. عيد النمرسي عيد بن علي القاهري الشافعي الشهير بالنمرسي الشيخ العالم العلامة الحبر البحر النحرير المحقق الفهامة الفقيه الأثري الأوحد المفنن أخذ عن جماعة من الأئمة منهم الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وشمس الدين محمد الشرنبابلي ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني ومحمد بن قاسم البقري الشافعيون وعبد الحي الشرنبلالي الحنفي وبرع وفضل وأفتى ودرس وأقبلت عليه الطلبة وأخذ عنه جملة من الأفاضل منهم عبد الرحمن بن حسن الفتني المكي والجمال عبد الله ابن محمد الشيراوي والنجم محمد بن سالم الحفني وعلي بن أحمد الصعيدي وأحمد بن حسن الجوهري وإبراهيم بن عيسى البلقطري وأحمد بن محمد الراشدي وغيرهم وجاور في آخر أمره بالمدينة المنورة ودرس بالحرم الشريف النبوي ولم يزل مقيماً بها إلى أن توفي سنة أربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع مقابل قبة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. عيسى بن شمس الدين عيسى بن شمس الدين الدمشقي امام جامع كريم الدين الكائن في محلة القبيبات كان شيخاً أديباً فاضلاً له سخاء مفرط توفي في اليوم العاشر من شهر رمضان سنة ثلاث ومائة وألف رحمه الله تعالى. عيسى البراوي عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري الشافعي القاهري الشهير بالبراوي العالم العلامة المحقق المدقق أخذ الفقه والحديث عن جماعة منهم الشيخ محمد الدفري والشيخ يونس الدمرداشي وأبو الصفا علي الشنواني وابن عمه عبد الوهاب الشنواني وعيد النمرسي وأحمد الديربي ومصطفى العزيزي ومحمد السجيني ومحمد الصغير وغيرهم وبرع وفضل وتصدر للتدريس وكان له اليد الطولى في جميع العلوم لا سيما الفقه وكان به الشهرة التامة وانتفع به الجم الغفير من سائر الأقطار حتى من أراد أن يقرأ الفقه لا يقرأه إلا عليه وكان ملازماً للاشتغال مع الصلاح التام بالعلم والعمل وكانت وفاته سنة اثنين وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى. عيسى بن صبغة الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 عيسى بن صبغة الله بن إبراهيم بن حيدر بن أحمد بن حيدر الكردي الصفوي الشافعي نزيل بغداد الشيخ الامام العالم المحقق المدقق الفقيه البارع الأوحد أبو الروح شرف الدين ولد في سنة سبع وأربعين ومائة وألف وأخذ عن والده المحقق المشهور وعن غيره وظهر فضله وصار أشهر علماء بغداد ذو فطنة وقادة وذكاء تام وكان له اشتغال كلي في العلوم كلها قد بالغ في استخراج مشكلات العلوم معقولاً ومنقولاً وله تآليف حسنة منها حاشية على جزء عبارات التحفة للشهاب الهيثمي وحاشية على حاشية عبد الحكيم على شرح الكافية للجامي وله رسائل عدة في متفرقات من العلوم وحج قبل وفاته بقليل ودخل في طريقه إلى دمشق وأخذ عنه بعض أفاضلها وكان رحمه الله تعالى ذا سعة زائدة في تحرير المسائل توفي ببغداد سنة تسعين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى. عيسى القدومي عيسى القدومي الفاضل الكامل والصالح العامل اشتغل بتحصيل العلوم بدمشق الشام واستفاد وأفاد وبلغ المنى والمراد وأخذ الطريق الخلوتي عن الأستاذ البكري وانقطع للعبادة والأوراد وتلاوة القرآن فعلت رتبته بين الأقران وعادت بركته على الاخوان حتى نقله الله إلى أعلى فراديس الجنان. حرف الغين المعجمة غياث الدين البلخي غياث الدين البلخي الشافعي الشريف العالم العامل العارف الورع الزاهد ابن الشيخ الكامل جمال الدين ابن الشيخ العارف غياث الدين التوراني وتوران علم على مملكة الأزبك مولده كما أفاد رحمه الله تعالى سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ببلخ وهو وأباؤه ببلخ مشهورون مشايخ نقشبنديون وللناس فيهم مزيداً اعتقاد ولم يزل بينهم بركة ذلك الناد إلى أن توجه عليهم طهماس فأباد نظام هاتيك البلاد وشتت شمل من بها من العباد فارتحل صاحب الترجمة بعد وفاة أبويه إلى بخارى واشتغل على علمائها إلى أن فات الأقران ثم خرج منها ودخل السند والهند واليمن والحجاز ومصر والشام ووصل إلى حلب سنة خمس وسبعين ومائة وألف فأقام بها مدة في حجرة بجامعها الأموي ثم عزم على التوجه إلى بغداد فخرج منها إلى عينتاب فمرض هناك وعاد إلى حلب واشتد مرضه إلى أن توفي يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 عشر رمضان سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب أنطاكية بتربة الولي المشهور الشيخ تغلب شرقي تربته رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين. حرف الفاء فتح الله الداديخي فتح الله بن عبد الواحد الحنفي الداديخي الأصل الدمشقي أحد الأفاضل والأدباء كان يتولى النيابات في محاكم دمشق والقضاء وقرأ في بداية أمره شيئاً من الفقه والنحو وطلب وكان أديباً بارعاً وتولى في دمشق تولية وتدريس المدرسة الباسطية في صالحية دمشق بالقرب من الجسر الأبيض وكذلك تولية وتدريس المدرسة الريحانية داخل دمشق وفي أيامه سكرت محكمة البيانية الكائنة في محلة باب شرقي بالقرب من محلة النصارى وهي مدرسة وتوليتها الآن على أحد بني محاسن ووقع في زمانه فيها بعض منكرات وأمور مخلات فسكرت وهي إلى الآن كذلك ونسبت الأمور الصادرة فيها للمترجم لكونه كان يتولاها وكان ذا شعر وأدب وشيبة بيضاء نيرة ومجد مؤثل المؤثل كمعظم ولطف خلال وشرف نفس كريمة مع هيبة وطلعة باهرة وإيراد نوادر وتكلم ومما وقع له إنه طلب من الشيخ أحمد المنيني تاريخاً لتجديد الباسطية المدرسة المذكورة فعمل له التاريخ وعرض على مفتي دمشق إذ ذاك المولى محمد العمادي حين دعاه المترجم هو والقاضي والأعيان للمدرسة المرقومة لأجل إثبات العمارة على الوقف فاستحسنه العمادي وقال يستحق صاحب هذا التاريخ وليمة عظيمة نكون أيضاً فيها فوعد ولم يف فاتفق إن المنيني المذكور خرج يوماً للصالحية ومعه الشيخ أحمد البقاعي نزيل قسطنطينية فأقاما ذلك اليوم في الباسطية من غير علم المترجم فقال المنيني لا ننزل من هنا إلا حتى ننكت على صاحب المدرسة حيث لم يف بوعده ثم إنه عمل بيتين وهما قوله لله يوم الباسطية إنه ... بالأنس معدود من الأعمار قلنا به في ظل عيش ناعم ... داني الظلال مقلص الأثمار ثم عمل البقاعي بيتين من هذا القبيل ثم إن المنيني عدل عن البيتين المذكورين لقصورهما عن النورية بالمراد وعمل بيتين وغيرهما قوله مدرسة الفتح غدت جنة ... بديعة تزهو بإشراقها قالوا غدا يقري لو فادها ... قلت نعم لكن بأوراقها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وقد أنشد ذلك للعمادي فلم تعجبه أبيات البقاعي ولا البيتين الأولين وكان مغبر الخاطر من الداديخي وكان في ذلك المجلس الشيخ أحمد الكردي الدمشقي فقال له العمادي أجز بيتي المنيني فأنشأ وقال نعم المدارس باسطية فتحنا ... لو أنها بنداه كانت تعمر لفظ بلا معنى كذلك ذاته ... طول بلا طول وذا لا ينكر فتغيظ الداديخي لما سمع ذلك وتسابا طويلاً ثم إن الكردي عمل بيتين آخرين في الداديخي وهما قوله مالي بمدح الفتح لا أكتفي ... فقدره قد فاق بين الورى يا سائلي عنه وعن بيته ... كلاهما قد أمسيا في الخراب ومراده الاكتفاء بذلك لأن الداديخي كان بيته في محلة الخراب وأنشدهما الكردي في المجلس أيضاً فوقع بينهما مشاجرة وخصام أدى إلى قبيح الكلام ثم اجتمعا في الجامع الأموي في رمضان وكانت الواقعة قبيل رمضان بأيام فتشاتما طويلاً بالهجر من القول وخرج كل منهما عن حده من الاستطالة على صاحبه والصول ثم إن الكردي عمل في الفتح الداديخي هجاء آخر بليغاً طويلاً وعرضه في مسوداته على المنيني فمزقه شذر مذر وقال له أنت قلت فيه مقطوعين يبقيان إلى آخر الدهر وما تكلم هو فيك لا يبقى في الفكر انتهى وقد حدثني كثير من أصحابي بأجوبة صدرت من الداديخي المترجم إلى أناس صدرت مع حسن التعبير منها إن أخا الشيخ أحمد المنيني المذكور آنفاً وهو الشيخ عبد الرحمن المنيني أراد أن ينكت على الداديخي بأن أصله قروي فلاح فقال له كم ساعة بين داديخ وحلب فأجابه بالحال مقدار ما بين قرية منين ودمشق فأفحمه وأراد أن أصلك كذلك مثلي قروي إن كان مرادك ذلك ويعجبني من هذا القبيل ما أجاب به المنيني المذكور إلى أحد تجار دمشق المشاهير ويعرف بابن الزرابيلي حين سأله بقوله مولانا متى خلعتم الزرابيل من أرجلكم قاصداً التنكيت عليه بأنه قروي فأجابه المنين بالارتجال من حين تركتم صنعتها والاشتغال بها فأفحمه بالجواب وكان المترجم الداديخي ينظم الشعر الباهر فمن ذلك ما كتبه للشيخ محمد الكنجي بقوله يا سيداً زار وما زرته ... فمني النقص ومنه التمام إن كان في ذلك فقد قضى ... بأني المأموم وهو الامام فطالما زار الغمام الثرى ... ولم يزر قط الثرى للغمام فأجابه الكنجي بقوله زرتك يا كهف الندى والسخا ... وكعبة الفضل وركن المرام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 فلم أجد أنسك حسب المنى ... ولم أخب إذ قد يزار المقام وحيث كان الفضل يسعى له ... والمنهل العذب كثير الزمام وهذا تضمين حسن وممن ضمنه بعضهم بقوله وأجاد لما بدا والشهد من ريقه ... ودونه يستشهد المستهام ازدحم النمل على خده ... والمنهل العذب كثير الزحام وكتب المترجم للكنجي ملغزاً بقوله يا سيداً فاق أولي عصره ... ومن رقى بالمجد أعلى مقام وفاضل الوقت وكنز التقى ... وجبهة الدهر ومسك الختام من حاز قصب السبق بين الورى ... حتى المعالي قادها بالزمام يروى حديث الفضل عن والد ... وعن جدود في البرايا كرام محمد يرويه عن أحمد ... أعني به الكنجي ذاك الهمام ابن لنا ما أنتم إذا قل في ... خواصنا يكثر عند العوام بيت له بابان قد أغلقا ... وفيه مصرعان تبدو عظام رباعي التركيب من أحرف ... بدت لرائيها كبدر التمام لولاه ما كان يرى ناثر ... كلا ولا يوجد فينا نظام ولا صرفنا للعلا همة ... ولا بدا الفقه وعلم الكلام ومالك القلب له ينبغي ... فانظر تراه بعد قلب يرام تحريفه يؤلم أهل النهى ... وإن تصحف لم تجد غير لام شبهت منه عارضاً أخضراً ... وفيه للعلم أوي والقوام يصلح للجمع وتعريفه ... جمع بدا عند حصول الخصام أصبح كالصبح جلياً يرى ... وحسن مرآه بدا للأنام فاكشف لفتح الله عن حله ... وأرق ودم طول المدى يا امام ما حرك الأغصان ريح الصبا ... وما نعى الديك فقيد الظلام وأعذر أخاً فكر شتيت ولا ... تجعل جوابي لن ترى والسلام فأجابه الكنجي أيا شفيق الفضل يا من سما ... بفضله النامي على كل هام ويا أديباً حسن ألفاظه ... قد علمتنا طرق الانسجام وذو أياد لم تزل في الورى ... للجود والمعروف في الاغتنام يد لفعل الخير مبسوطة ... باليمن والاخرى إلى الالتئام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 أنت ملاذ الفضل بين الملا ... أنت حليف المجد ذو الاحتشام وأنت فتح الله في خلقه ... من أصبح الدهر لديه غلام الغزت في احدى وتسعين لا ... تقبل شكا يا رفيع المقام وهو الذي تقديم نصف له ... وربعه لأمك أهل الملام وإن حذفت ربعه عامداً ... في كل وقت كلم قد يرام حسبك يا مفضال هذا فقد ... أصبحت في الناس أمير الكلام فأشرح لنا عن أحرف أربع ... قد ركبت فيتا بحسن النظام اسم وإن تطرح لنا نصفه ... مشدداً فعل ذوي الاهتمام أو تقلب النصف بتسهيله ... فهو حياة تقبل الانقسام أو تأخذ المقلوب مع نصف ما ... ألقيت فهو المبتغى للأنام أو تسحب الغاية منه إلى ... ثانيه مع حذف وقلب امام ونصفه حرف وفي قلبه ... نفي فلا تحفل به يا همام ونصفه يجمع كل الورى ... وكل شيء فيه حسب المرام إن قدم النصف إلى صدره ... وصير الثاني منه ختام فأنت لا شك هو بين الورى ... يا فاضلاً أعيا فهوم الكرام فأظهر لنا السر الذي قد خفي ... فأنت رب العز ماضي الحسام وكن بأوفى الخير في نعمة ... وأبق ودم وأسلم إلى كل عام فأجابه المترجم والغزلة ما روضة غناء ذات ابتسام ... أو عقد در فاخر الانتظام أو غادة حسنا قد أقبلت ... سجلة بين يديها غلام مهضومة الأحشاء مياسة ... في كفها راح صفا ضمن جام عزيزة في المصر بهنانة ... ترنو بلحظ ساحر للأنام جاذبتها ذكر الهوى والصبا ... وطيب أوقات مضت كالمنام قالت أما يكفيك ما قد جرى ... قدما فإن الوصل عندي حرام وأحمرت الوجنات منها وقد ... فاقت بمرآها لبدر التمام عندي بأحلى من عقود أتت ... من فاضل الوقت أمير الكلام العالم المفضال نجل الولى ... أديب هذا العصر نجل الكرام تضمنت لغزاً صحيحاً بدا ... في ضمن أبيات نراها عظام وكررت ما قد لغزنا له ... مع ضم أعمال نراها فخام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 والفضل للتقديم يا ذا الحجي ... وهل يعادل الشيخ فينا غلام فيا فريد الوقت يا من له ... مزيد فضل بين خاص وعام ما اسم رباعي غدا نصفه ... في القلب فعل ثم حرف يرام وقلب باقيه يرى منكراً ... نعوذ بالله من الانقسام وإن تصحف كله جملة ... واحدها يجمع سام وحام تحريفه فصل مبين الخفا ... وآلة النحو وعلم الكلام وإن تصحف ذاك نصف الذي ... تبغيه في الطلاب يا ذا الامام وإن تزل وسطاً بتصحيفه ... فذاك سر لست فيه الامام وقلبه مع بعض جزء له ... فعل واسم من صفات الأنام ترخيمه مبنى الذي شاد في ... طرق المعالي منزلاً يا همام وقلبه ساء بظني له ... وفعل مولى ترتجيه دوام وإن جعلت النصف مع أول ... من غير تسهيل فجمع تمام وإن تسهله فشيء بدا ... بعد خفاء النور عند الظلام واسم لمركوب جرى بدا ... في عرف قوم في البرايا عظام فأظهر لنا أسرار ما قد حوى ... من عمل الفن الذي فيه قام فأنت بحر العلم كنز الهدى ... وخير من يرجى لنيل المرام لا زلت كهف الفضل بين الملا ... ما رد على القادم فينا السلام وله بحب بدري البهي طلعته ... قد رق شعري ورق لي الغزل وصرت من أجله حليف جوي ... عديم صبر في عشقتي مثل وأنشد القلب عند رؤيته ... بيتاً من الشعر صار ينتقل أود آهاً وليس تنفعني ... وكتمها فوق علتي علل وكان المترجم في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف فوقع من على فرسه وهو راكب عليها فحمل إلى داره مفلوجاً واستقام إلى أن مات وكانت وفاته في يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة المذكورة ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه. السيد فتحي الدفتري السيد فتحي ابن السيد محمد ابن السيد محمد بن محمود الحنفي الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد الدفتري الصدر الكبير من ازدان به الدهر وتباهى به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 العصر الهمام الجبهذ صاحب الدولة والشهامة الندب المقدام المبجل المعظم الوقور المحتشم كان بدمشق صدر أعيانها وواسطة عقد رؤسائها يشار إليه بالبنان في كل حين وآن وقد اشتهر بمحاسن الشيم والشهامة والجرأة والاقدام وهابته الصناديد من الرجال وترقى إلى شوامخ المعالي وتسنم ذرى باذخة رفيعة مع معارف بنان ولسان ونباهة وطلاقة وذكاء وبشاشة ولطافة مجد أثيل وعز وجاه عز عن التمثيل ورزق الاقبال التام والحظوة مع الثروة وصار دفترياً بدمشق مدة سنوات وتولى تولية وقفي السليمانية وتصدر بدمشق وكان المرجع بها في الأمور وهو المدبر لأمور الملأ والجمهور وصار المآب في المهمات والموئل لأولي الحاجات وكانت دولته من ألطف الدول وله الخدام الكثيرة والأتباع واتساع الدائرة وكان يصطحب من العلماء والأفاضل شرذمة أجلاء وكذلك من الأدباء البارعين زمرة اكتسوا بجلابيب الآداب والفضائل وعنده من الكتاب فئة حشواها بهم اتقان الخطوط مع مزية المعارف وكذلك جملة من أرباب المعارف والموسيقى والألحان ومن المجاز والمضحكين جملة وبالجملة فقد كانت داره منتزه الأرواح ومنتدى الأفراح والذي بلغه من السمو والرفعة والشأن والجاه وغير ذلك لم يتناوله الأوائل وأتعب وأعجز الأواخر وامتدحته الشعراء من البلاد واشتهر صيته في الآفاق وبين العباد وقد ترجمه من امتدحه من الشعراء من دمشق وغيرها أخص أخصائه وأحد ندمائه الأديب الشيخ سعيد السمان الدمشقي في كتاب سماه الروض النافح فيما ورد على الفتح من المدائح وترجمه في أوله غير أنه كان ظلمه عام وأتباعه متشاهرين بالفساد والفسوق وشرب الخمر وهتك الحرمات وهو أيضاً متجاهر بالمظالم لا يبالي من دعوة مظلوم ولا يتجنب الأذى والتعدي ونسب إلى شرب الخمر أيضاً وغير ذلك لكن كانت له جسارة واقدام ونفع في بعض الأوقات للأنام ومن آثاره في دمشق المدرسة التي في محلة القيمرية والحمام في محلة ميدان الحصا وتجد يد منارتي السليمانية وغير ذلك وكان ذا انشاء بديع حسن لطيف مستحسن فمن ذلك قوله دنا مثل بدر تم يبسم عن در ... غزال ومنه الفرق كالكوكب الدري بقد كخوط البان رنحه الصبا ... فأزرى اعتدالاً بالمثقفة السمر أغن كأن الله أبدع حسنه ... ليستلب الأرواح بالنظر الشزر شقى الله دهراً مر لي بوصاله ... ولم يلو جيد الود عني إلى الهجر فكم بات يسقيني المدام عشية ... ويمزجها من ريقه العاطر النشر إلى أن به شط المزار وقد محا ... سطور الأماني بيننا حادث الدهر وسرت قلوب الحاسدين وطالما ... لعبن بها أيد الدنو على الجمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وكتب للمولى خليل الصديقي مهنياً له برمضان بقوله إني أهنيك يا كهف الفضائل في ... قدوم شهر صيام كان محترماً لا زلت في نعمة فيه ترى أبداً ... مثل الثريا يجمع الشمل منتظما وكتب له إني أهنيك خدن الجود والكرم ... وبدر أفق سماء المجد والنعم بخير مقدم صوم لا برحت به ... في صحة لا نراك الدهر في سقم فأجابه المولى المذكور بقوله إني أعيذك بالرحمن من حسد ... يا من تسربل بالأفضال والكرم حيث القلائد في شعر أتيت به ... فالبحر لا غرو يلقى الدر في الظلم شبهت سوداء قلبي بالظلام إذا ... والبحر ذاتك تهدي جوهر الكلم لا زلت ترفل يا مولاي في دعة ... مشمولة ببقاء السعد والنعم ثم كتب له مهنياً بشفاء من علة تشكاها بقوله قالوا توهم سيدي من خله ... ألماً لداع لا يفي بتألم فأجبتهم لا والذي رفع السما ... ك على البرية لست بالمتألم فأجابه المترجم بقوله أسليل من في الغار كان الصاحب ... المختار للمختار خير مقدم أنا لست ممن شيب صفو وداده ... بقذى تصور جفوة وتألم ومرآة اخلاصي لكم ما شأنها ... كدر الظنون ولا غبار توهم وشريف قلبك شاهد عدل على ... ما ادعى فأحكم بصدق وأسلم وكتب المذكور الصديقي المترجم أيضاً أيا زهرة الآداب يا نجل سادة ... بهم حسنت أوصاف ذي الرأي والمجد لقد نلت ألطافاً وحزت معارفاً ... وفهت بأبيات كما الدر في العقد فلا زلت تهدي السمع منا جواهراً ... بلطف نظام فقت فيه أبا الورد ودمت مدى الأزمان ما ناح بلبل ... وما زالت الأزهار مصبوغة البرد فأجابه بقوله أمولاي يا ركن العالي ومن سما ... محلاً سما فوق السماكين بالجد ومن عنه يروى المجد كل فضيلة ... إذا تليت لم تحصها ألسن الحمد ومن طوق الأعناق منا مكارماً ... كما قلد الأسماع من ذر ما يبدي إليك لقد أهديت يا أوحد الدنا ... قلائد أبيات تفوق على العد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وما أنت إلا البحر تهدي لآليا ... منظمة كالزهر في فلك السعد فدم وابق يا فرد الزمان منعما ... مدى الدهر ما غنى الهزار على الورد ولصاحب الترجمة ويا بأبي حلو المراشف أغيدا ... من الترك لم يترك لعاشقه صبرا نأى فاصطلى قلبي لهيب فراقه ... وروض الأماني من لقاه غدا قفرا وله في الشيب لا تغضبن لشيب منك حل على ... مسك العذار فإن الشيب آثار أما ترى الغصن مذ لاحت أزاهره ... زادت نضارة ذاك الغصن أنوار هو من قول دعبل لا يرعك المشيب إن زاروهنا ... فهو للمرء حلية ووقار إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار وفي الشيب للمعري لعمري إن الدهر خط بمفرقي ... رسائل تدعو كل حي إلى البلى أرى نسخة للعمر سودها الصبا ... وما بيضت بالشيب إلا لتنقلا وللعمادي فيه ليل الشباب تولى ... وصبح شيبي تألق ما الشيب الأغبار ... من ركض عمري تعلق ولدعبل فيه أيضاً أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وهيئة المتحرج وكأن شيبي نظم در زاهر ... في تاج ملك ذي أغر متوج وللمترجم في طول النهار في الصيام ولرب يوم صمته فكأنه ... يوم المعاد وليس منه مهرب وقفت به شمس النهار ولم تغب ... فكأنما قد سد عنها المغرب وللبارع السيد مصطفى الصمادي في ذلك ولرب يوم طال لما صمته ... فكأن يوم الحشر ضم لنا معه وكأن يوشع رد للدنيا وقد ... ردت له شمس النهار الساطعة أو أنها رجعت لسيدنا سليم ... ان الذي كرت إليه راجعه حتى إذا صلى توقى قائماً ... حسبته حياً فاستمرت طالعه قوله وكان يوشع إلى آخره من قول أبي تمام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع نضى ضوءها صبغ الدجنة وانطوى ... لبهجتها ثوب السماء المجزع فوالله ما أدري أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع وللسيد مصطفى المذكور في المعنى المذكور أيضاً أرى الشمس في الصوت تأبى المسير ... إلى الليل تخشى الهجوم علية حكت فيه حسناء زفت إلى ... خصى وبالكره سيقت إليه وللأديب عبد الحي الخال أرى الأيام في الافطار تمضي ... كلمع البرق أو سقط الدراري وفي شهر الصيام تطول حتى ... كان الليل ضم إلى النهار وله أيضاً كان اليوم في الافطار طرف ... يدور على الرحى صلب الأيادي ويمشي في الصيام على الهوينا ... كأن أمامه شوك القتاد ولأبن الرومي شهر الصيام مبارك ... ما لم يكن في شهر آب الليل فيه لمحة ... ونهاره يوم الحساب خفت العذاب فصمته ... فوقعت في عين العذاب وله أيضاً شهر الصيام وإن عظمت حرمته ... شهر طويل ثقيل الظل والحركه يمشي الهوينا فأما حين يطلبنا ... فلا السليك يدانيه ولا السلكه كأنه طالب ثأراً على فرس ... أجد في أثر مطلوب على رمكه أذمة غير وقت منه أحمده ... من العشاء إلى أن تصدح الديكه يا صدق من قال أيام مباركة ... بأن يكنى عن اسم الطول بالبركه لو كان مولى وكنا كالعبيد له ... لكان مولى بخيلاً سئ الملكه وقد رد عليه الأستاذ عبد الغني النابلسي بقوله شهر شريف به الخيرات مشتبكة ... حتى على الناس فيه تنزل البركه من قال شهر ثقيل عنه فهو يرى ... ذنوبه أثقلته فهو في اللبكه أو قال يمشي الهوينا قلت لا برحت ... ايامه مكثرات في الورى نسكه بذمه جاهل في أسر شهوته ... إلى الطعام وحب الأكل قد ملكه مصفد مثل شيطان تراه به ... عن الغذاء ولولا الخوف ما تركه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 في جوعه النفع لو كان الخبيث درى ... لكنه حيوان يكثر الحركة يشكو من الطول في أيامه سفهاً ... وطول أيامه باللطف منسبكة يخشى الردى منه بل إن كان ما نطقت ... أبياته فيه صدقاً فهو في الهلكة وللمترجم بقيت ما دامت الأفلاك دائرة ... تدير فينا شموس الراح في السحر ودم تقلد أسماعاً لنا درراً ... كما تلا الطرف منا سورة القمر وله أيضاً وأغيد قد أمال السكر قامته ... والليل محتبك بالأنجم الزهر دنا إلي وكأس الراح في يده ... ممزوجة بلماه الطيب العطر وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر قد شطر هذه الأبيات جماعة من فضلاء دمشق فمنهم المولى خليل أفندي الصديقي حيث قال وأغيد قد أمال السكر قامته ... والغنج في طرقه يصمي مع الحور لم أنسه زائراً كالبدر حين بدا ... والليل محتبك بالأنجم الزهر دنا إلي وكأس الراح في يده ... تحكي تورد خديه من الخفر حيى بها كدموع العين صافية ... ممزوجة بلماه الطيب العطر وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تخش الملام فما في ذاك من حذر واشرب رحيق مدام ثم كن حذراً ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر ومنهم المولى حامد العمادي فقال مشطراً وأغيد قد أمال السكر قامته ... ذي منطق قد غدا يفتر عن درر لم أنسه إذ أتى من غير موعده ... والليل محتبك بالأنجم الزهر دنا إلي وكأس الراح في يده ... مملؤة بحباب زاكي الأثر من بنت كرم زهت في دنها وأتت ... ممزوجة بلماه الطيب العطر وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تخشى ملامة ذاك الخائف الحذر خذها عقيقاً ولا واش هناك ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر ومنهم المولى السيد عبد الرحمن الكيلاني وأغيد قد أمال السكر قامته ... وضرجت وجنتيه نهلة السكر فضاء شمساً على الآفاق مشرقة ... والليل محتبك بالأنجم الزهر دنا إلي وكأس الراح في يده ... ياقوتة رصعت من ناصع الدرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وأشرقت تزدهي زهواً وقد وردت ... ممزوجة بلماه الطيب العطر وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... ترجو سواها لنيل القصد والوطر واستأصل التبر من كأس المجين ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر ولأخيه السيد يعقوب الكيلاني مشطراً أيضاً وأغيد قد أمال السكر قامته ... كغصن بان ثنته نسمة السحر فلاح من وجهه فجر الفلاح لنا ... والليل محتبك بالأنجم الزهر دنا إلي وكأس الراح في يده ... نار ونور غدا في صفحة القمر أريجها نافح في ألحان إذ سطعت ... ممزوجة بلماه الطيب العطر وقال خذ وارتشف ماء الحياة ولا ... تقصد سواها لدفع الهم والضرر وانعش وجودك من صافي المدام ولا ... تبقى للائمك اللاحي سوى الكدر ولصاحب الترجمة ألا فانعم بهاتيك الليالي ... مضت كالبرق أو طيف الخيال وأيام جنيت بها ثماراً ... من الأفراح في روض الكمال رعا الله من عصر نقضي ... به صفو المسرة كالزلال وإني الآن لو سرحت طرفي ... لما قد مر يعثر بالمحال وإن يوماً نصبت حبال فكري ... لقنص الزهر من فلك المعالي تقطعت الجبال وكان صيدي ... تناول أدمع تحكي اللآلي قوله وإني الآن إلى آخره هو من قول ابن الأثير لم أنس ليلة ودعوا ... صبا وساروا بالحمول والدمع من فرط الأسى ... يجري فيعثر بالذبول ومن ذلك قول المولى الصديقي المار ذكره آنفاً لما رحلت عن الحبيب ... وبنت عن تلك الربوع أيقنت إن القلب قد ... ثارت به نار الولوع وحشاي قطع بالنوى ... والشوق خيم بالضلوع والجفن كلم بالسها ... د ولم يذق طعم الهجوع حتى لقد أمسيت أعثر ... من شجوني بالدموع وللشيخ سعدي العمري قمر أطعت به الغواية والهوى ... وطويت عن غي الملام مسامعي ما راح يعثر في برود دلاله ... إلا وعاد تعثري بمدامعي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وللسيد مصطفى الصمادي ومودع لا كان يوم وداعه ... ولي وأودع نار قلب تسعر والطرف مثل الطرف يجري خلقه ... لكنه بدموعه يتعثر وللشيخ صادق الخراط أفديه بدراً بالمحاسن ساطعاً ... أبداً بدل جماله يتبختر ما رام طرفي نظرة من حسنه ... إلا وراحت بالمدامع تعثر وله وقد نقله لتعثر الفكر أفديه من ظبي أطال نفاره ... جوراً فعقلي في هواه محير ما زلت أطلب قربه فيزيدني ... بعذابه قلب الشجي يتسعر وتتابعت فكري بطرق وصاله ... حتى غدا بعض ببعض يعثر ولأخيه الشيخ محمد أمين الخراط عاطيته والليل مد رواقه ... والبدر من خلل الغصون يلوح صهباء صافية أرق من الصبا ... منها شذا طيب العبير يفوح حتى إذا شق الظلام رداءه ... والصبح كاد بما أسر يبوح ولي يميس معريداً أجفانه ... عن فرقه ماء الحياة يزيح وذهبت أعثر في دموعي والها ... متحيراً لم أدر اين ألوح ولما كان المترجم يراجع في الأمور حتى من الوزراء والصدور طالت دولته وعظمت عليه من الله نعمته واشتهر صيته وعلا قدره ونشر ذكره لكنه كان يتصدى للاستطالة في أفعاله وأقواله فلذلك كانت أقرانه وغيرهم يريدون وقوعه في المهالك لكونه كان يعارضهم ولما توفي الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج وجاء من قبل الدولة الأمر بضبط أمواله ومتروكاته نسب المترجم إلى أمور في ذلك الوقت ففي خلال تلك السنة تولى دمشق حاكماً وأميراً للحاج ابن أخيه الوزير أسعد باشا العظم وكان أولاً حاكماً في حماه فأكمد للمترجم فعله المنسوب إليه حين وفاة عمه المذكور ولم يره إلا ما يسره وكان المترجم في ذلك الوقت منتمياً لي أوجاق اليرليه المحلية وكان الأوجاق في ذلك الحين قوا قائمه وجيوشه بالفساد متلاطمة واليرلية مجتمعون عصبة وجموع يذل لهم أكبر قوم بالمذلة والخضوع قد أبادوا أهل العرض وانتهكوا الحرمات وأباحوا المحرمات وأتاحوا المفسدات ولم يزالوا في ازدياد مما بهم حتى عم فسادهم البلاد والعباد وكانت رؤساهم زمرة ضالة وفئة متمردة وكلهم ينطقون بلسان واحد كأنهم روح في جسم واحد وصاحب الترجمة يوليهم مكرماته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 ويمنحهم احسانه وانعاماته وهم لبابه وفود قد اتخذوه عضداً وجعلوه ركناً وسنداً وأرباب العقول في دمشق في هم وكدر وخوف وحذر كل منهم متحير في أمره ومتخوف من هذا الحال وعواقب شره ووالي دمشق وأمير الحاج أسعد باشا المذكور ناظر لهذه الفعال متحير من تلك الأحوال لأن الشقي منهم كان إذ ذاك يجئ إلى حبس السرايا سراي ويخرج من أراد من المحبوسين من غير إذن أحد علناً وقهراً وإذا مر الوزير المذكور بهم وهم جالسون لا يلتفتون إليه ولا يقومون له من مجالسهم عند مروره بهم بل يتكلمون في حقه بما لا يليق بمسمع منه فيحتمل مكارههم ولا يسعه إلا السكوت واستمر أمرهم على ذلك إلى أن كتب في شأنهم للدولة العلية فورد الأمر بقتلهم وإبادتهم فأخفاه الوزير مدة ثم بعد ذلك أظهره وشرع في قتلهم وإبادتهم وأعطاه الله النصر وفرجت عن أهالي دمشق الشدائد وأزاح الله هذه الظلمات بمصابيح النصر والفتوحات ثم بعد أشهر قليلة كتب الوزير المذكور إلى الدولة العلية بخصوص صاحب الترجمة وما هو عليه وأرسل الأوراق التي في حقه مع علي بك كول أحمد باشا وكان ذلك بتدبير خليل أفندي الصديقي وأعيان دمشق ثم صادف إن صاحب الدولة كان حسن باشا الوزير وكان يبغض المترجم لكونه لما جاء قريب المذكور أحمد أغا أغت أوجاق الينكجرية طرده وصار آخراً وزيراً فأدخل للسلطان أحواله وعرفه طبق مكاتبة أسعد باشا وكان أسعد باشا ضمن للدولة تركته بألف كيس ثم جاء الخبر بقتله وكان قبل ذلك صار من أهل دمشق عرض في خصوصه فلم يفد ولما وصل كان هو باسلامبول فأعطى العرض له ولما جاء لدمشق صار يخرجه وينتقم ممن اسمه مكتوب فيه وكان السبب في ذلك وجود آغت دار السعادة السلطانية قوجه بشير أغا وكان المترجم منتمياً إليه وكان للأغا المذكور نظر على المترجم وحماية فصادف حين كتب الوزير المومي إليه ثانياً إن بشير أغا توفي وحان المقدور وآن وقته فجاء الأمر بقتله ولما وصل الأمر جئ بالمترجم إلى سراي دمشق وخنق في دهليز الخزنة التي عند حرم السرايا وقطع رأسه وأرسل للدولة وطيف بجثته في دمشق ثلاثة أيام في شوارعها وأزقتها مكشوف البدن عرياناً وضبط تركته الوزير المذكور للدولة العلية فبلغت شيئاً كثيراً وقتل بعض أتباعه وخدامه وضبطت كذلك أموالهم وتفرق الباقون أيدي سبأ كأن لم يكونوا وانقضت دولته كأنها طيف خيال أو لمعان آل وكان قتله يوم الأحد بعد العصر بساعة خامس عشر جمادي الثانية سنة تسع وخمسين ومائة وألف وساعة قتله صارت زلزلة جزئية وآخراً بعد الطواف بجثته دفنت بتربة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى وعفا عنه. تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع أوله فتح الله العمري الموصلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 الجزء الرابع من سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للعالم الفاضل النبيل المتفنن المؤرخ الأديب الأوحد صدر الدنيا والدين أبي الفضل محمد خليل المرادي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته بحرمة محمد وآله وصحبه وعترته آمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 الجزء الرابع بسم الله الرحمن الرحيم فتح الله العمري الموصلي ابن موسى الموصلي العمري الشافعي ترجمه صاحب الروض فقال فارس شجر البلاغة والحجا ومقتنص شوارد الفصاحة والنهى العالم الذي هصر أفنان العلوم ببنانه والحبر الذي أنطق ألسنة الأقلام من معجزات بيانه أخلصه الدهر خلوص الذهب السبيك وولاه على ولايات البراعة فلم يكن له بها شريك لم يكن له خطوة إلا وله بها من المجد حظوة انتهى كان رحمه الله تعالى مولعاً بالفقه حتى مهربه وبرز وكذا في غيره من الفنون وتولى نيابة القضاء بالموصل مدة مديدة وأخذه بعض القضاة نائباً معه إلى البصرة فناب عنه في ذلك ثلاث سنين ثم رجع فوجد مراداً العمري قد توفي فأخذ عنه تولية جامع العمرية بالموصل فزاحمه فيها علي أفندي ابن مراد المرقوم ثم اصطلحا على الاشتراك فيها بعد نزاع طويل ولم يكن له شعر فيما علمت وعامة قراآته كانت على محمود النائب علامة وقته ودخل حلب الشهباء في سنة ست وستين وألف في مرض كان به ومكث بها إلى أن عوفي وعاد سالماً ثم توفي بعد ذلك في حدود سنة سبع ومائة وألف بتقديم السين وقد جاوز الثمانين وقبره في الموصل ولم يبق من عقيبه الآن أحد رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 فتح الله الحلبي المعروف بفتحي الحلبي نزيل قسطنطينية الشاعر الكاتب الفائق ولد بحلب وذهب إلى الروم إلى قسطنطينية دار الملك والخلافة ووصل إليها ودخل في زمرة كتاب ديوان السلطان وبعد مدة انتسب إلى الصدر الأعظم الوزير علي باشا المعروف بالعربجي وصار مكتوبجيه والوزير المذكور كان وزيراً شديد البأس حاد المزاج وقتل بأمر سلطاني في جزيرة قبرس في سادس عشر شعبان سنة أربع عشرة ومائة وألف والمترجم كان له شعر حسن بالتركي رأيت منه شيئاً قليلاً وكانت وفاته في أواخر سنة ست ومائة وألف رحمه الله تعالى. فخري أفندي الموصلي ترجمه بعض أفاضل الموصل فقال أخذ أزمة الأدب وعلا على متونها وعلق قناديل فوائد الحواشي على شروح الكمالات ومتونها طلع طلوع الهلال وأنار وأشرق بكماله الليل والنهار رقي على أوج الفضائل وحل بناديها وحل عقود مقاصد البلاغة ومباديها فهو صاحب الشرف القديم والكمال الجسيم الذي أنارت به نجوم المعاني وشموسها وسلمته أرواحها ودانت له نفوسها فغلب جهابذة الكلام ببلاغته وفاقها وسما ناظمين درر أفاويق المعاني ونساقها وربما كان يتعاطى الشعر والانشاء بالتركية والفارسية وله شعر جامع في الكتب والمجامع انتهى وكان صاحب الترجمة بارعاً في اللوم العقلية والنقلية وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد فضل الله البهنسي ابن أحمد بن عثمان بن محمد المعروف بالبهنسي الحنفي الشريف لأمه الدمشقي كان له اطلاع في الأدب ومعرفة بالأمور الشرعية مجاناً حسن الأخلاق طارح التكلف حمولاً له نكت ونوادر ولد في دمشق كما أخبرني في غرة شوال سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ الفقه على الشيخ صالح الجنيني ثم على الشيخ موسى المحاسني وقرأ على الشيخ أحمد التدمري الطرابلسي نزيل دمشق وكذلك قرأ على الشيخ محمد بن حمدان الدمشقي وصار يتولى نيابات الحكم في دمشق ويعامل أهالي قرى الغوطة ويتصدى للوكالات في المخاصمات ووقع في أمور بسبب ذلك وكان صاحب ثروة ومال لكنه يغلب على نفسه الشيخ والبخل وبالجملة فقد عارك الدهر وصبر على الكدر والصفا ولم يزل يتقلب بالأحوال متكدراً بين قيل وقال إلى أن مات وكنت أميل إلى نوادره وهزلياته المضحكة وكان بينه وبين قريبه ونسيبه الشيخ عبد الرزاق البهنسي مواحشة باطنية وكل منهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 يقول إن الآخر ليس من بني البهنسي ولم يزالا بين يخاصم وقيل وقال إلى أن ماتا ومما اتفق إن السيد عبد الرزاق المذكور صنع أبياتاً ذكر فيها اسم صاحب الترجمة وكان المترجم قد اشتهر اسمه بين الناس بالسيد فضلي فذكره السيد عبد الرزاق في أبياته بهذا الاسم لكن لم يصرح بهذا الاسم وانما ذكره بطريق الألغاز والرمز ثم شيع الأبيات إلى مجلس كان يحضره الأديب الفاضل السيد عبد الحليم اللوجي الدمشقي فلما وقف على الأبيات لم يظهر له في بادي الرأي مراد السيد عبد الرزاق في ألغازه اسم المترجم لبعد قرائن الكلام عن الدلالة على المراد فبلغ الناظم ذلك فقال ما معناه إن رمزه يدق عن فهم اللوجي وأمثاله فلما بلغ اللوجي ذلك كتب للناظم أبياتاً جرت فيها تورية لطيفة في اسم السيد فضلي المترجم مع التنويه بقدره والتبكيت على الناظم السيد عبد الرزاق فقال أعني اللوجي من جملة أبيات يخاطب بها السيد عبد الرزاق زعمت إني لحل الرموز لست بأهل ... وإن مرماك شيء يدق عن فهم مثليما كان ذاك ولكنحجدت مقدار فضلي فلما وقف السيد عبد الرزاق على الأبيات استلطف هذه التورية التي وقعت في اسم فضلي واعتذر إلى اللوجي عما كان منه وبالجملة فإن المترجم كان سليم الباطن والسيد عبد الرزاق كان بخلافه وقد أطلعني المترجم على ديوان له يحتوي على نظمه وغالبه هجو وهزل ولا بأس أن نورد له هنا شيئاً من ذلك فمنه قوله وكان يكتب في امضائه أحمد فضل الله فاعترض عليه بعض الناس فقال ومعترض جهلاً بغير تأمّل ... مسئ علينا قد حوى غاية الجهل يقول لماذا قد سميت بأحمد ... واسمك فضل الله قل لي عن الأصل فقلت له قد خصني بعض فضله ... فقابلته بالحمد شكراً على الفضل وله من أبيات مطلعها إن حبي طول المدى لا يزول ... وسهادي ذاك السهاد الطويل وغرامي يزداد في كل يوم ... لست عنه طول الزمان أحول قد سقاني الزمان كأس صدود ... زاد جسمي الضناء وهو نحول يا أهيل الغرام إن هيامي ... يومه بالفراق يوم جليل كلما عنّ ذكرهم في ضميري ... سال طرفي بالدمع وهو همول كم لنا وقفة بقرب حماها ... حيث عنها في الدهر عز الوصول إن عقلي مذ سار عيس المطايا ... ضاع مني وتاه عنه الدليل وتصابي بعد الكمال وأضحى ... في انتقاص وقد براه النجول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 يا زمان السرور هل من رجوع ... علّ منا في الدهر يشفي الغليل أو خيال يزور مقلة صب ... قد جفاها المنام وهو ملول وكتب على باب قاعة في داره ألا إنما قد شاد من فضل ربه ... وأنعاسه هذا المكان وقد أنشأ بعون إله الخلق قام بناؤه ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشأ ومن هجوه في رئيس كتاب القسمة العسكرية بدمشق السيد يحيى الجالقي حسب امرئ عمره تسعون ماضية ... أتت عليه بأسقام وأمراض لو يشتري الموت في دنياه من أحد ... لكان بالغبن يشريه بأقراض كمثل يحيى الذي أضحى له مائة ... من السنين ومنها لم يكن راضي تراه يمشي حبوا وهو ذو ولع ... في أخذه قسمة الأيتام للقاضي كأنه ظل شمس عند ناظره ... أو شبه طيف خيال في الكري ماضي أو صورة طبعت في حائط رسمت ... لا نطق فيها ولا تهنا بأغماض وما يرى فيه من نطق يحركه ... فهو التباس بشيطان دعى جاضي وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وبالجملة فقد كان من نوادر عصره وكانت وفاته في يوم الثلاثاء السادس والشعرين من رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح ورؤيت له وصية بخطه فنفذت بعد موته رحمه الله تعالى. فضل الله الصفوري ابن إبراهيم بن حيدر الشافعي نزيل الموصل الشيخ الفاضل العالم المفتي المحقق ترجمه محمد أمين الموصلي فقال لم شعث المكارم والمعارف وصدع الأموال بالمصارف وفك عرا الأغلاق ببنان الايضاح ورنا بطرف الفكر إلى ظلمة الأشكال فتركها أوضح من الصباح إن سوجل كان السابق في مضمار العلوم النقلية والعقلية أو خوصم قيد الخصم بسلاسل الدلائل اليقينية فإن جاهل تفرعن كان موسى وإن عالم توفي كان عيسى إلخ وهي طويلة ومما اقترح عليّ معارضة قصيدة في سقط الزند رويها اللام المكسورة وهي معروفة فقلت معترفاً بالقصور إذ المعري لا يلحق له غبار ولا يعرف له عيار خليليّ ما للحادثات ومالي ... لقد طال منها يا زمان جدالي وربع عقلت القود دون نؤيه ... هي الدار فأتركها بغير عقال تحن إلى الأعطاف منها كأنها ... من الشوق ثكلى دمعها متوالي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 إذا ألمحت برقاً من الغرب هزها ... إلى الدار ذكرى منزل وطلال وقفت بها أستخبر الربع لويعي ... مخاطبة حتى يردّ سؤالي يود المطايا لو يعود بعيشنا ... زمان مزجنا راحه بوصال أعد ذكر أيام الصبا فحديثها ... إذا مرّ في سمعي شمول ثمالي ومنها فيا بارقاً من غرب دجلة عنّ لي ... فبدّد من جفني عقود لآلي هل الربع من أرض الحبيبة عامر ... أم اعترضته النائبات كحالي وهل شجرات الجوسق الفرد مثل ما ... عهدت بنوار الزهور حوالي وهل مرتع الهيفاء ريان أم سقت ... ثراه الليالي بعدنا بوبال وهل بقيت أطلال لمياء بعدنا ... عوامر أم بانت وهن خوالي وكان قد حصل بينه وبين ابنه نفرة أوجبت فراقه فمكث في موران مدة ثم رحل إلى نحو سنا ثم إلى الموصل ثم إلى حلب ثم إلى قسطنطينية فأكرمه أرباب الدولة ووجهوا له قرية من قرى كركوك وعاد إلى بغداد وكانت قراءته على أولاد عمه وعلى والده وله تعليقات عديدة في الحكمة وغيرها ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت غير أنه كان في أواخر هذا القرن. فضل الله أفندي الشهيد ابن محمد بن حبيب بن أحمد بن جنيد الصدر الرئيس العالم المتفنن البارع العلامة النحرير شيخ الاسلام بقسطنطينية وصدر البلاد الرومية ولد بأرزن الروم في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة وتربى في حجر والده وقرأ عليه وعلى السيد عبد المؤمن من أصهارهم عدة تآليف في سائر الفنون وقرأ على ابن خاله إسمعيل بن مرتضى جملة من علوم العربية وعلى الشيخ محمد بن نظام الواني وأخذ الحديث عن العالم محمد ظاهر بن عبد الله المغربي ثم ارتحل إلى أدرنه والسلطان بها يأمر من الشيخ الواني سنة أربع وسبعين وألف وتزوج بعائشة ابنته وصار الشيخ الواني يذكره للسلطاني ويثني عليه ويأمره بمباحثة العلماء ثم بعد ثلاث سنين أرسل له منقاري زاده الملازمة فلم يقبلها بأمر من المذكور ثم في سنة ثمان وسبعين حج واجتمع بعلماء الحرمين ودمشق وعين له بدمشق مائة وعشرون عثمانياً من الجزية وفي سنة ثمانين صار معلماً ومؤذناً للسلطان مصطفى وأعطى الملازمة والتدريس وبعده للسلطان أحمد وقتل شهيداً في فتنة أدرنة سنة خمس عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 فيض الله الحجازي ابن عبد الحق المعروف كأسلافه بالحجازي الشافعي الدمشقي قاني الشافعية الشيخ الفقيه الصالح استقام قاضياً مدة سنين مراجعاً بالأحكام الشرعية وكانت وفاته في رجب سنة ست وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. فيض الله الأخسخوي ابن محمد الأخسخوي الرومي الدفتري بدمشق وأحد رؤساء الكتاب في الدولة المعبر عنهم بالخواجكان خدم في أوائل أمره الوزير أحمد باشا المتوفي بمصر وكان أتقن الكتابة والانشاء في التركية وصار خازنه ثم لما عين الوزير المذكور إلى نظام جزيرة قبرس وإزالة العصاة من رعاياها وأهاليها وظفر بهم وقتل من قتل أرسل من طرفه المترجم برؤس القتلى على عادة الدولة فحصل للدولة السرور وأعطى رتبة الخواجكان وهي معتبرة بين رؤساء الكتاب ثم لم يزل مستخدماً عند الوزير المذكور حتى توفي فارتحل إلى القسطنطينية وقطن بها مدة ثم لما صدر من طرف أمير مصر الأمير علي والأمير محمد أبي الذهب ما صدر في دمشق ونواحيها وأظهر العصيان الشيخ ظاهر بن عمر الزيداني الصفدي حاكم عكا وأرسلت الأوامر السلطانية وعين من طرف الدولة الوزير عثمان باشا الوكيل رئيساً على العساكر والوزراء والأمراء المأمورين في السفر بذلك أرسل المترجم دفترياً في المعسكر السلطاني بدمشق ولما انقضت تلك الفتنة وخمدت نارها بوفاة الأمير علي والشيخ ظاهر وأبي الذهب عاد لطرف الدولة وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف قدم لدمشق دفترياً بها وعزل عن المنصب المذكور محمد بن حسين بن فروخ الدفتري ثم لم تطل مدة سلفه ومات واستولى على داره ومتعلقاته وتركته بما اقتضاه رأيه لوفاته عن غير ولد وذهبت تركة المتوفي المذكور وتخاطفتها أيدي ذوي الشوكة إذ ذاك ثم كبر جأش المترجم وتعرض للمخالطة في الأمور وأحدث القلمية بالأمر السلطاني التي تؤخذ من أرباب المالكانات والاقطاعات العثمانية وكانت مرفوعة بالأمر السلطاني من سنة ثلاثين ومائة وألف وسوعد في اجرائها ثم إنه تصدى لمعارضة الرؤساء والأعيان بدمشق حتى توصل لحاكمها وكافلها أمير الحج الشامي الوزير محمد باشا ابن العظم ثم عزل عن منصبه وصار مصطفى بن علي الحموي دفترياً من طرف الدولة ولم تطل مدته ومات دفترياً وكان المترجم ارتحل لقسطنطينية بعد عزله وتولى المنصب المذكور قبل وفاة الحموي فصادف موته عزله وجاء المترجم بالأمر السلطاني لحاكم البلدة محمد باشا المذكور من طرف الدولة بتقرير منصبه ثم بعد دخوله بأيام ارتحل على العادة الوزير المذكور لطرف القدس حاكماً مكانه في غيبته فظهرت منه أشياء غير محمودة يرجع غالبها للأنفة والشدة حتى إنه وقع بينه إذ ذاك وبين المولى محمد طاهر بن محمود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 القاضي بدمشق وبين آغة القول على الحلبي حتى إن بعض الأنفار من القول هجموا على مقر حكومته وهي السراي وخرجت أتباعه لدفعهم وردهم وانقضت الفتنة ذلك اليوم ثم بعد رجوع الحج لدمشق عرض الوزير كافل دمشق المذكور لطرف الدولة بسوء حال المترجم فعزل عن منصبه وأجلى بالأمر السلطاني لبلدة قونية وصار دفترياً مكانه يوسف الحلبي كاتب ديوان كافل دمشق المذكور ثم أطلق وارتحل لقسطنطينية وقدم دمشق مأموراً من طرف الدولة بالأوامر السلطانية على أمير الجردة ووالي طرابلس الشام عبد الله باشا ابن الكافل المذكور رغبة في عفو والده عنه وكتبت له الدولة كتباً بالتوصية به ثم بعد أداء مأموريته وذلك في جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف توفي الكافل محمد باشا وبعد موته بأيام قلائل جاء له المنصب المذكور من طرف الدولة وصار دفترياً بدمشق وكان قبل موته هو كتب للدولة عن صيرورته له فجاء له المنصب على كتابته فتعرض للناس وتقوى وظهر منه طمع في الأمور وتغلب ولما وصل خبر ذلك للدولة واتهم بأخذ البعض من مال الباشا المتوفي وتركته وإنه هو الباعث على اخفاء المخلفات المظنونة لتراخيه عن الختم على دور الوزير المذكور وأماكنه تحسن عندهم رفعه لقلعة دمشق فجاء الأمر السلطاني برفعه فرفع للقلعة وبقي المنصب عليه ثم أطلق بعد أيام وانزوى بعد ذلك وانكف عن المخالطة واقتصر على أمور نفسه حتى مات وكانت وفاته بدمشق يوم السبت رابع عشر محرم الحرام سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من بلال الحبشي رضي الله عنه والأخسخوي نسبة إلى أخسخه بألف مفتوحة وخاء معجمة وسين مهملة وخاء معجمة أيضاً وهاء ناحية تشتمل على بلاد وقرى مشهورة بالروم والله أعلم. حرف القاف قاسم الجليلي الموصلي ابن خليل الجليلي الموصلي كان ماهراً عارفاً بصنعة النثر والنظم خبيراً بتعاطي أمور الملك صدراً في مجالس الشرف ولد في حدود سنة ثمان ومائة وألف بالموصل ونشأ بها وحج في عام اثنين وأربعين ومائة وألف وترجمه الفاضل الوحيد عثمان العمري الدفتري فقال جبل الأدب الشامخ وطود الفضل الباذخ ذو المجد الراسي والبذل المواسي والقريض المزهر والصباح المسفر والكمال الداجي والنوال المداجي والكمالات الموفورة والبراعات المنثورة الذي باهت به الأقلام وتاهت به الليالي والأيام انتهى وترجمه محمد أمين ابن خير الله الخطيب فقال ذو الهمم الشامخة والفضائل الباذخة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 والقدم الراسخة والأيادي الناضخة والعلوم التي هي لهامة الجهل فاضخة ولقسمة المستفيدين راضخة أصمى كبد البلاغة بأسنة أقلامه وناط على جيد الزمان عقود نظامه إلى آخر ما قاله فيه وله شعر لطيف ومن نفثات بابلياته قوله في مدح الوزير حسين باشا الجليلي من قصيدة مطلعها هي الشمس حقاً والكؤس المشارق ... وفي كل أفق من سناها دقائق إلى أن قال هلموا إليها مهتدين لنورها ... إلى حانها الفياح فالوقت رائق بأيام مولانا الوزير ومن له ... من العز دست والسعود نمارق رؤف بذي الأرحام بر موّصل ... ولكنه للمنكرات مفارق كريم لدفع الضير فينا مؤمّل ... جواد وللخيرات بالجود سائق نجيب لكشف المعضلات مجرّب ... فتى ذو ثبات إذ تشيب المفارق فلا زال في عز ومجد ورفعة ... وطول حياة والزمان موافق وكانت وفاته بالموصل سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى. قاسم الدوكالي ابن سعيد بن عثمان المالكي الدوكالي الحوزي المغربي نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل الناسك الخاشع العارف الصوفي قيل إنه كان من الأبدال قدم دمشق الشام وتوطن بها في المدرسة السميساطية واشتغل بقراءة الفتوحات المكية للشيخ الأستاذ محيي الدين العربي قدس سره وغيرها من تأليفه على جماعة من أجلاء علماء دمشق وأخذ عن جماعة في المغرب من أجلهم قاضي القضاة بها سيدي عبد الملك بن محمد السجلماسي المغربي وغيره وكانت له معرفة في كلام القوم وحل مشكلات دقائق الصوفية ولم يزل كذلك إلى أن مات وكانت وفاته بدمشق في يوم الأحد عاشر ربيع الأول سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. قاسم الخاني ابن صلاح الدين الخاني الحلبي الشيخ الفاضل الصوفي العارف بالله ترجم نفسه فقال ولدت سنة ثمان وعشرين وألف ثم إني سافرت إلى بغداد في شهر جمادي الأولى سنة خمسين وألف فكانت غيبة طويلة مقدار سنتين ثم رجعت إلى حلب وأقمت بها شهرين ثم توجهت إلى البصرة فأقمت بها مدة عشرة أشهر ثم إني توجهت إلى حلب وأقمت بها عشرة أيام وتوجهت مع الحاج إلى مكة المشرفة ورجعت من الحجاز إلى اسلامبول وأقمت بها سنة وسبعة أشهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 ثم عدت إلى حلب وكانت سياحتي هذه قريباً من عشر سنين وأما في هذه المدة فكنت في أخذ وعطاء وبيع وشراء ثم إني بعد دخولي إلى حلب أحببت العزلة عن الناس وتركت البيع والشراء وسلكت طريق الذل والافتقار وغيرت الحلاس والجلاس والأنفاس وجاهدت نفسي وعاديتها بالجوع والسهر نحواً من سبع سنين فمنها نحواً من سنتين اقتصرت على أن أتناول في كل ستين ساعة كفاً من طحين أجعله حريرة وأحليه بلعقة من السعل وأفرغه في حلقي والكف من الطحين المذكور وزنة تقريباً خمسة عشر درهماً وباقي أيام السبع سنين كان أكلي أقل من القليل وكل ذلك بإشارة مشايخي رضوان الله عليهم أجمعين فصدق علي قول سيدي عمر بن الفارض قدس سره ونفسي كانت قبل لوّامة متى ... أطعها عصت أو تعص كانت مطيعتي فأوردتها ما الموت أيسر بعضه ... وأتعبتها كيما تكون مريحتي فعادت ومهما حملته تحملت ... هـ مني وإن خففت عنها تأذت فلما انقضت سنو المجاهدة القريبة من سبع سنين واستهلينا شهر شوال سنة ست وستين وألف ألقى الله تعالى في قلبي حب طلب العلم الظاهر فقرأت على المشايخ سنتين إلا شهراً وفتح الله تعالى علي من العلم ما فتح فتركت القراءة وشرعت في الاقراء فأقرأت بعض الطلبة وكان أكثر الطلبة يضحكون ويستهزؤن علي ويقولون نحن لنا عشر سنين نخدم العلم ولم نتجرأ فيأتي بعضهم إلى مجلس درسي مستهزئاً فوالله ما يقوم من ذلك المجلس إلا وقد تبدل انكاره بالاعتقاد وفي ثاني ذلك اليوم يأتي ويقرأ علي ويقول هذا الأمر من خوارق العادة وبقيت على ذلك سنة انتهى وكانت قراءته على جملة من العلماء الأفاضل وجلها على الشيخ أبي الوفاء العرضي صاحب طريق الهدى وكان سلوكه على الشيخ أحمد الحمصي المذكور فأقام المترجم خليفة بعده في المدرسة الأشرفية إلى أن توجه عليه تدريس مدرسة الحلوية وصار يدرس بها ويقيم الأذكار والأوراد وتوجه عليه الافتاء بحلب وكان يفتي على مذهب الامامين أبي حنيفة والشافعي وله من التآليف السير والسلوك إلى ملك الملوك واختصر السراجية وشرحه وله رسالة في المنطق وشرح على الجزائرية في التوحيد وله غير ذلك من التآليف والفوائد وكانت وفاته سنة تسع ومائة وألف ودفن بين قبور الصالحين خارج باب المقام بحلب رحمه الله تعالى. قاسم البكرجي ابن محمد المعروف بالبكرجي الحنفي الحلبي أحد العلماء الأفاضل الأديب الألمعي اللوذعي البارع الأريب حاوي فنون العلوم والماهر بالأدب منثور أو منظوم ولد بحلب وقرأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 على معاصريه من أجلاء حلب وتفوق واشتهر وكان عالماً بالحديث والفقه والفرائض وله قدم راسخ في العربية والفصاحة والبلاغة والبديع والشعر ونظمه حسن رائق وكان في وقته أحد المتفردين بالنظام والنثار ولم يصلني من آثاره شيء حتى أذكره هنا ومن تآليفه شرح على الخزرجية لم يسبق بمثله وشرح على الهمزية للبوصيري وبديعية استدرك فيها أشياء على من قبله ونظم الزحافات والعلل الشعرية وشرحها وغير ذلك ولم يزل كذلك إلى أن مات وكانت وفاته في سنة تسع وستين ومائة وألف ومن شعره قوله يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة مطلعها أأحبابنا بالخيف لا ذقتم صدّاً ... ولا كان صب عن محبتكم صدّا ومنها أهيل الحمى تالله ما اشتقت للحمى ... أيجمل بي أن أنشد الحجر الصلدا ولكنّ سكان الحمى ونزيله ... هم ملكوا قلبي فصرت لهم عبدا أحن إليهم كلما حن عاشق ... إلى ألفه وازداد أهل الوفا ودّا ومنها هو المصطفى من خير أولاد آدم ... وأشرفهم قدراً وأرفعهم مجدا وأطيبهم نفساً وأعلاهم يدا ... وأثبتهم قلباً وأكثرهم زهدا وأعرقهم أصلاً وفرعاً ونسبة ... وأكرمهم طبعاً وأصدقهم وعدا نبي أتى الذكر الحكيم بمدحه ... فأني يفي بالمدح من قد أتى بعدا ومنها ومذ شرفت من وطء أقدامه الثرى ... فكانت لنا طهراً وكانت لنا مهدا ومنها وإن رامت المدّاح تعداد فضله ... وأوصافه لم يستطيعوا لها عدّا ومنها قصدتك يا سؤلي ومن جاء قاصداً ... لباب كريم لا يخاف به ردّا عليك صلاة الله ثم سلامه ... إذا ما شد أشاد وتال تلاً وردا كذّا الآل والأصحاب ما انهلّ وابل ... وما اخضرّت الأشجار أو فتحت وردا وله يمدح السيد حسين أفندي الوهبي حين قدم حلب دام السرور والهنا المؤبد ... وزال عن وجه الأماني الكمد وكوكب السعد بدا في أفق الأق ... بال حتى غار منه الفرقد وأصبح الكون لدينا مشرقاً ... ووجهه الطلق بذاك يشهد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وارتاحت النفوس لما أن غدت ... موقنة بالأمن مما تجد ومنها قطب العلا غوث الولا كهف الملا ... في الأجتهاد رأيه مسدد قد زين الشهبا بحسن عدله ... وسيره وهو الحكيم المرشد وقد غدا مداوياً بطبه ... علتها فصح منها الجسد ومنها عذراً إليك سيدي لمن أتى ... يمدح من نعوته لا تنفد وكيف أحصى من علاك شيماً ... أو أبلغ المدح وكيف أحمد فأسلم ودم في صحة وعزة ... أنت ومن تحبه يا أوحد وقال مشطراً أبيات ناصح الدين الأرجاني هاك عهدي فلا أخونك عهداً ... يا مليحاً لديه أمسيت عبدا لا وحق الهوى سلوتك يوماً ... وكفى بالهوى ذماماً وعقدا إن قلبي يضيق أن يسع الصب ... ر لأني فنيت عظماً وجلدا وفؤادي لا يعتريه هوى الغي ... ر لأني ملأته بك وجدا يا مهاة الصريم عيناً وجيداً ... وأخا الورد في الطراوة خدا وشقيق الخنساء في الناس قلباً ... وقضيب الأراك ليناً وقدّا كيفما كنت ليس لي عنك بدّ ... فابحني ودّا وإن شئت صدا وملكت الفؤاد مني كلا ... فأتلفن ما أردت هزلاً وجدا يا ليالي الوصال كم لك عندي ... خلوات مع الغزال المفدّى كم جنينا ثماركي وهي عندي ... من يد كان شكرها لا يؤدى فسقتك الدموع من وابل الغي ... ث مديد البحار جزراً ومدا وبكتكي دماً عيوني من دم ... عي بديلاً فهن أغزر وردا هل لماضيك عودة فلقد آ ... ن جمال الحبيب أن يتبدى وله أيضاً بنا ما بكم والحب احدى النوائب ... فلا تطمعن في وصل بيض كواعب أخلاي نهي عنه دأب أولى النهى ... وأين النهى من فعل سود الحواجب فدونك ما فعل الجفون بعاشق ... بأهون من فعل الرماح الكواعب وما الأعين النجل الفواتك بالفتى ... بأفتك منها فعل أبيض عاضب وما لفتة الظبي الشرود بجيده ... كلفتة ظبي شارد في الكتائب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 ومن يبتلي بالغانيات فحسبه ... من البين أن يرمي بعين وحاجب وقبلك صابرت الهوى فوجدته ... كشهد به سم يطيب لراغب وعيش بلا صفو وحزن مؤبد ... وعين بلا نوم وعبرة ساكب ووعد بلا وصل وعهد بلا وفا ... وقول بلا فعل ومطلة كاذب ولوعة هجر في فؤاد مكابد ... ونار فلا تضنى وحسرة خائب حنانيك لا تجزع وكن متجلداً ... فعبء الهوى سهل على ذي التجارب فلولا الهوى ما كرّ في الحرب فارس ... ولا حثت الركبان بيض النجائب وما اشتاق للأوطان قط مفارق ... ولم يرع خل عهد خل وصاحب رعى الله قلباً بالصبابة عامراً ... وألحى خلياً في الهوى غير راغب وأسعد بالاً بالغرام معذباً ... وأنجح صباً سار نحو المطالب وفي الجدّ مجد جدّ فيه مكابداً ... أبثك إن الجد أسنى المكاسب عليك طلاب العز في كل حالة ... ولا ترض سفساف الأمور وجانب ألم تر أن الباز لو لم يكن به ... قناص لما أعلوه فوق الرواجب وله أيضاً حاولت رشفا من لمى ثغره ... قال طلا شاربه يأثم قلت أما وجهك لي جنة ... والخمر في الجنة لا يحرم وله قوله مليح طريّ الخدّ جاد بقبلة ... وقال اغتنم لثمى بغير تعلل فقبلته خد الوى الجيد قائلاً ... تنقل فلذات الهوى في التنقل وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وتقدم ذكر وفاته رحمه الله تعالى. قاسم النجار المعروف بالنجار الحنفي الحلبي الشيخ الامام العلامة كان خير الأخيار ورحلة أهل المدن والأمصار ولد في حلب بمحلة البياضية في سنة سبع وسبعين وألف وكان يكتسب بعمل يده يصنع الأقفال الخشب ويقرئ الفقه والعقائد والنحو والحديث وأخذ وقرأ على أئمة أمجاد وشيوخ أطواد وكان يقرئ بالجامع الذي قرب داره بمحلة خراب خان وأقام بهذا الجامع اماماً وخطيباً ومتولياً مدة ست وستين سنة وكانت الطلبة ترد عليه من غالب البلاد خصوصاً من بلاد الروم لأخذ الفقه وكان يحيي ليالي المواسم من السنة كليلة نصف شعبان والمولد الشريف وسائر ليالي رمضان بالذكر والتوحيد وصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 التسبيح ثم قبل موته بقليل أحضر لنفسه كفناً وأوصى وأوقف داره على الجامع المذكور وكان طويلاً متماسكاً ذا وجه منير وشيبة علاها نور العبادة للقبول بتأثير خفيف الصوت ذا وقار وعفاف حج مرتين وكان يؤمل الثالثة فلم ينلها وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف وليوم وفاته مشهد عظيم ودفن في جامع خراب خان المذكور تجاه المحراب الصيفي من طرف الشمال وهو يزار. حرف الكاف كنعان أغت اليرلية ابن عبد الله رئيس جند الينكجريه اليرلية بدمشق وأحد الأعيان المشهورين كان رئيساً للطائفة المرقومة محتشماً عندهم موقراً نافذ الكلمة وارتحل للحج فتوفي بعد أداء النسك في تاسع عشر محرم سنة تسع ومائة وألف ولما وصل خبر وفاته لدمشق ضبطت أمواله لجهة بيت المال بمباشرة عبد الله الرومي الدفتري بدمشق رحمه الله تعالى. كمال الدين البكري محمد بن مصطفى بن كمال الدين بن علي البكري الصديقي الحنفي الغزي الشيخ العالم العلامة الصوفي الأديب الشاعر المتفنن الأوحد أبو الفتوح ولد في ثالث رمضان ليلة الجمعة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ببيت المقدس ونشأ في حجر أبيه وقرأ القرآن العظيم وختمه هو ابن تسع سنين وأخذ في طلب العلم فقرأ على السيد محمد بن إبراهيم الكوراني وخالد الخليلي ومحمد بن غوث الفاسي والشهاب أحمد العروسي والنجم محمد بن سالم الحفني وأخيه الجمال يوسف والشهاب أحمد الملوي والسيد محمد البليدي والسيد أبي السعود الحنفي والشيخ حسن الجبرتي والسيد قاسم بن هبة الله الهندي والجمال عبد الله بن محمد الشبراوي وأخذ الطريقة الخلوتية عن والده الأستاذ المشهور وبرع وفضل وألف مؤلفات نافعة منها شرح رسالة الكلمات الخواطر على الضمير والخاطر سماها النفحات العواطر على الكلمات الخواطر وشرح منظومة والده سماها الجوهر الفريد والكلمات البكرية في حل معاني الآجرومية والعقود البكرية في حل القصيدة الهمزية وجمع كتاباً في أسماء الكتب على طريقة غريبة سماها كشف الظنون في أسماء الشروح والمتون وشرح الصلاة المشيشية وسماه كشف اللثام والروض الرائض في علم الفرائض ونظمها وسماها الدرة البكرية في نظم الفرائد البكرية وشرحه وسماه كشف الغوامض وعنوان الفضائل في تلخيص الشمائل وتشنيف السمع في تفضيل البصر على السمع ورسائل أخرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وديوان شعر سماه نبراس الأفكار من مختار الأشعار ونظم بديعية سماها منح الآله في مدح رسول الله وشرحها شرحاً حافلاً سماه المنح الآلهية في مدح خير البرية وله غير ذلك ومن شعره ما أرسل به إلي وهو قوله كريم نشأ في العلم والفضل والتقى ... وجود يغار البحر إن هو أغدقا خليل خليل لا انفصام لوده ... جليل تسامى في الكمالات وارتقى هو السيد المفضال والجهبذ الذي ... كسا الفضل فخراً في الأنام وصفقا تسامى به أفتا دمشق مراتباً ... وأزهت به مما لقد حاز رونقا وقام به سوق الكمالات رائجاً ... بما حاز من فضل به الله أنطقا فلا زال كهفاً للأنام جميعهم ... وبدراً علا في قبة المجد أشرقا وكانت وفاته في شوال سنة ست وتسعين وألف في غزة هاشم ودفن بها رحمه الله تعالى رحمة واسعة. حرف اللام لطف الله الواعظ ابن مصطفى القريمي الحنفي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الواعظ المتفنن ولد في سنة ثمان وسبعين وألف وأخذ العلوم عن الفاضل الشهير أحمد الكفوي ثم قدم دمشق وتوطنها وبرع وفضل ووجهت له وظيفة الوعظ بسبعين عثمانياً من طرف الدولة العلية في الجامع الأموي فصار يعظ على الكرسي بالقرب من ضريح سيدنا نبي الله يحيى صلى الله على نبينا وعليه وسلم وكان مشهوراً بين الوعاظ بدمشق وألف منسكاً كبيراً ورسالة في الرد على الشيعة وكانت وفاته بدمشق سنة احدى وستين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى. لطفي الصيداوي ابن علي بن محمد بن مصطفى الصيداوي الحنفي الشيخ الفاضل الصوفي النبيل الأوحد البارع كان كردي الأصل ولما ولي صيدا الوزير عثمان باشا المكنى بأبي طوق صار صاحب الترجمة كتخدا عنده اتخذه الباشا علي كره منه وقد أجاز لصاحب الترجمة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في اجازة مطولة وقفت عليها ولما عزل الوزير المذكور من صيدا وولي البصرة أخذ معه صاحب الترجمة وذلك في حدود الخمسين ومائة وألف وبعد ثمانية أشهر من حكومته حاربته الأعجام وصارت بينه وبينهم وقعة عظيمة قتل فيها المترجم رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 حرف الميم محمد حاذق ابن أبي بكر الملقب بحاذق على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي الأرضرومي العالم الفاضل المحقق الشهير الأديب الماهر قرأ وحصل فضلاً لا ينكر ونظم الشعر الحسن بالفارسية والتركية وولي افتاء بلدته أرضروم واشتهر أمره وشاع ذكره توفي في رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الشقلاوي ابن أبي بكر الشافعي الشقلاوي الكردي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الصالح الخاشع العابد التقي النقي الورع كانت له فضيلة تامة سيما في المعقولات قرأ وتفوق ولازم بدمشق الشيخ علي الطاغستاني نزيلها ودرس في مدرسة الوزير سليمان باشا العظم وناب في الامامة بمحراب الشافعي في الجامع الأموي إلى أن مات وكان مثابراً على العبادات صابراً على الفاقة وله تصلب في دينه حتى أخبرت إنه ذهب إلى الحج ذهاباً وإياباً على قدميه وكانت وفاته بدمشق في يوم الأثنين غرة ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى. محمد الجاويش ابن أبي بكر الجاويش الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفقيه الصالح كان من الفقهاء المتفوقين مع الفضل والمشاركة في كل فن والديانة والتقوى ولد بدمشق وكان والده من سباهية دمشق المشروطة تيماراتهم بخدمة ديوان سراية الحكم بدمشق وباشر والده الخدمة المزبورة ثم تركها وتبع الكسب الحلال ونشأ ولده المترجم من صغره متعلقاً بالقرآن وطلب العلم فقرأ النحو على الشيخ عبد الرحمن الصناديقي والشيخ محمد الخمسي والشيخ محمد الداوودي والشيخ محمد التدمري وأخذ عنه الفقه وعن الشيخ محمد قولقسن والشيخ صالح الجينيني وأخذ الحديث عن العماد إسمعيل العجلوني والشهاب أحمد المنيني وأحمد الشاملي وعلي الطاغستاني وغيرهم وتفوق واشتهر بالفقه وتصدر للتدريس في الجامع الأموي مدة تزيد على خمس وعشرين سنة ورحل للروم صحبة الشيخ محمد بن الطيب الفاسي وكانت وفاته يوم الجمعة سادس عشر رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد البري ابن إبراهيم بن أحمد المدني الشهير بالبري الحنفي الشيخ الفاضل العالم المتفنن ولد بالمدينة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 المنورة سنة ثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلوم فأخذ عن والده وعن ملا إبراهيم بن حسن الكوراني وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي وعن غيرهم وجمع فتاوي والده بعد وفاته وكان شيخاً مهاباً عيه الوقار والسكينة تولى مشيخة الخطباء مدة ثم رفع نفسه منها وكان صالحاً مباركاً كل الناس عنه راضون وبالجملة فبنو البري طائفة مباركة وهذا من وجوههم وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد وسيم ابن أحمد بن مصطفى التختي الشافعي الكردي الشيخ الصالح الورع الفاضل الفقيه العالم أخذ عن يحيى بن فخري أفندي الموصلي وعن الشيخ محمد الخاموري مفتي بغداد الشهير بقرا مفتي وعن السيد أحمد المصري وغيرهم وبرع وفضل وتوفي بولاية بابان من بلاد الأكراد مطعوناً شهيداً في شوال سنة احدى وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد العمادي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن المعروف بالعمادي الحنفي الدمشقي تقدم ذكر أخيه علي وولده حامد وكان هذا المترجم صدر الشام علامة العلماء حبراً فقيهاً فاضلاً صدراً كبيراً مهاباً عالماً محتشماً أديباً بارعاً نحريراً كاملاً ولد بدمشق في سنة خمس وسبعين وألف ونشأ في حجر أخيه المولى علي العمادي المفتي ومات والده وسنه أربع سنين فنشأ في رفاهية وصيانة وقرأ القرآن ثم اشتغل بطلب العلم فأخذ الحديث عن الشيخ أبي المواهب الحنبلي والفقه والنحو والمعاني والبيان عن الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عثمان القطان والشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق وأجاز له الشيخ يحيى الشاوي المغربي والشيخ إسمعيل الحائك المفتي وعلاء الدين الحصكفي المفتي والشيخ محمد بن سليمان المغربي وبرع في الفنون وساد وتقدم وبهرت فضيلته واشتهر وعلا قدره وولي تدريس السليمانية بالميدان الأخضر بعد وفاة أخيه ثم تولى افتاء الحنفية بدمشق في أول سنة احدى وعشرين ومائة فباشرها بهمة علية ونفس ملكية ورياسة واكرام وقيام بأمور أهل العلم واهتمام ودرس بالسليمانية في كتاب الهداية وانعقدت عليه صدارة دمشق الشام وكان بهي المنظر جميل الهيئة يملأ العين جمالاً والصدر كمالاً بارعاً في النظم والانشاء له الشعر الرائق النضير فإذا نظم خلته العقود وإذا أنشأ زين الطروس بجواهره ووشي وكان معظماً مقبول الشفاعة عند الحكام والوزراء والقضاة وغيرهم وكان سمح اليد سخياً جداً وفيه يقول أحد سادحيه يد العمادي سماء ممطر ويد ال ... عباد أرض تراها تطلب المطرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 فكم غروس أياد أنبتت فغدا ... حسن الثناء ثماراً تدهش الفكرا وقال فيه قلت للفضل لم علوت الثريا ... وتساميت فوق رأس العباد قال قد شادني محمد فأسكت ... لا عجيب فإن ذاك عمادي وترجم المترجم الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه عنوان الشرف الوافي وحظ النفوس من الأمل الموافي ومن طلع أسعد طالع في تمامه فتستر البدر خجلاً منه بذيل غمامه فوردت طلائع المدائح عليه تقرأ سورة الحمد إذا نظرت إليه ومحله من ناظر المجد في أماقيه ومقامه ما بين حنجرته وتراقيه ففضائله أنطقتني بما نظمته فيه من الغرر فكنت كمن قدر البحر من فرائده بعقود الدرر وقد سلم أن يشوب باله غرض لأن جواهر الأغراض عنده كلها عرض فحضرته أرجت الأرجاء بطيب شمائله وقد راض الرياض فأصبحت راضية عن صوب أنامله بحديث يمد في الآجال ومنطق مهرم البؤس ومرهم الأوجال وعهد لم يطرقه الريب وعرض لم يرن إليه العيب وأما فضله فكل فضل عنه فضول وله من الأدب أنواع تكاثرت وفصول وأنا داعيه وشاكر مساعيه فإذا رأيته رأيت القمر الزاهد وإذا دنوت منه استرقت أنفس الجواهر على أني حين أمثل لديه لا أستطيع من مهابته النظر إليه إلا المخالسة بالنظر الثاني فأعيذه بالسبع المثاني وشعره يزري بقلائد الجمان في نحور الحسان فمنه قوله من نبوية مطلعها يا بارقاً من نحو رامة أبرقا ... حيّ العوالي واللوى والأبرقا وأسال كراماً نازلين بطيبة ... عن قلب مضنى في حماها أوبقا ركب النجائب حين أمّ رحابها ... صحب الفؤاد وقاده متشوقا كم تأتني ريح الصبا من نحوها ... وأشم فيها بارقاً متألقا وأبيت أرقبها سحيراً علها ... تسري فأعرف عرف من حل النقا وإذا كتمت الوجد خيفة شامت ... آلت جفوني حلفة أن تنطقا يا من سعى بالقلب ثم رمى به ... جمر التفرق محرماً عيني اللقا وقضى بخيف مني نهايات المنى ... هلا ذكرت متيماً متحرقا يا من تمتع مفرداً مشتاقه ... رفقاً فإني قد عهدتك مشفقا يا رائداً للخير يقصد طيبة ... متشوقاً في سيره متأنقا يمم حمى هذا الشفيع المرتجى ... وأسأل أنامله الغمام المغدقا وأقر السلام مع الصلاة على الذي ... جبريل كان خديمه لما رقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 هذي الغيوث الهاطلات بجودها ... ما كل غيث في الورى متدفقا من أخجل الكرماء لما جاءهم ... متحدياً بمفاخر لن تسبقا فأذهب لحضرته الشريفة ضارعاً ... وأهد السلام وقل مقالاً مونقا يا سيد الرسل الكرام ومن غدا ... لجنابه السامي نشد الأينقا يا راحم الضعفاء نظرة رحمة ... لمعذب مضني الفؤاد تشوقا يرجوك فضلاً أن تمن ترحما ... بشفاعة محو ذنوباً سبقا فالعبد في سجن الآثام مقيد ... إن الكريم إذا تفضل أطلقا أنت الملاذ إذا الذنوب تراكمت ... والغوث أنت إذا رجانا أخفقا أنجد لعبد قد تملك قلبه ... حب الجناب وعمره ما أعتقا هاجت له الأشواق جمرة لوعة ... في قلبه فقضت بسقم أحرقا ما حال يوماً عن غرام صادق ... لا والذي قدما تفرّد بالبقا إن كان يوماً بالديار مخلفاً ... فالقلب منه حيث أنتم أوثقا أو كان قيده القضاء بجسمه ... فالشوق قد وافى لنحوك مطلقا فاشفع لعبدك كي يزورك سيدي ... ويرى ضريحاً بالرسالة مشرقا حيث القبول لوافد بآثامه ... والعفو عن جان أتى متملقا من لي بلثم تراب ذياك الحمى ... أو أن أكون لعرفه متنشقا تلك المشاهدان يفزجان بها ... يلق النجاح مع السماح محققا مثوى حبيب قد ثوى في مهجتي ... ومقام ذي الشرف الرفيع المنتقي هو غيثنا وغياثنا بل غوثنا ... من كل خطب في القيامة أحدقا من جاء بالفرقان نوراً ساطعاً ... وغدا الوجود بهديه متآلقا يا هادياً وافى بأوضح منهج ... لولاك ما عرف السبيل إلى التقى يا ملجأ المسكين عند كروبه ... يا منجياً من هول ذنب أقلقا يا من به طابت معالم طيبة ... وتمسكت منه بطيب أعبقا أنت الذي ما زلت ترب نبوة ... من منذ كوّنك الآله وخلقا العبد من خوف الجناية مشفق ... وبذيل جاهك يا شفيع تعلقا صلى عليك الله ما ركب سرى ... نحو الحجاز وقاصداً أرض النقا والآل والصحب الذين بحبهم ... ترجى النجاة بيوم هول أو بقا وعلى الخصوص السيد الصدّيق من ... أضحى به نور الهداية مشرقا ورفيقه الليث الغضنفر غوثنا ... من رأيه نص التلاوة وافقا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 والصهر عثمان بن عفان الذي ... حاز الحياء مع المهابة والتقى والشهم حيدرة الحروب مدينة ال ... علم الذي حاز السناء الأسبقا فعليهم منى السلام محلقاً ... نحو الحجاز وبالعبير مخلقا ما سارت الركبان نحو تهامة ... يحدو بها حادي الغرام مشوّقا وله أيضاً قمر تبدّى فوق غصن قوام ... ورنا يصول بناظر الآرام وغدا لقوسي حاجبيه زاوياً ... يرمي بها نحو الورى بسهام فتكت نصول لحاظه بقلوبنا ... فعلى الدوام تصول وهي دوامي نحن المرامي والسهام لحاظه ... ومن العجائب أنهن مرامي في لفظه أو لحظه لعقولنا ... خمر وسحر ما هما بحرام ملك الجمال بحسنه وبهائه ... وبغنج لحظيه ولين قوام ليت الزمان به لشملي جامع ... لندوم في وصل مدى الأيام جعلت له مني الحشاشة موطناً ... لما جفاني منه طيب منامي فعلام يطنب لائمي في حبه ... والوجد وجدي والغرام غرامي ريح الصبا زوري حماه وبلغي ... عني السلام وعرّضي بسقامي واستقبلي وجهاً غدا من حسنه ... قمر الدجى متستراً بغمام واستجلى خالاً في مقبل مبسم ... أضحى لكنز الدر مسك ختام وتأملي تلك المحاسن وانظري ... صنع الآله وحكمة الأحكام كالورد لاح لناظر والورد طا ... ب لناشق والروح في الأجسام وهلم إن قبل السلام فبشري ... أملي وغلا فارجعي بسلام وله أيضاً يا سقى الله يوم أنس بناد ... غلط الدهر لي بطيب التلاقي لست أنساه إذ أدار علينا ... فيه أقداح خمرة الأحداق بدر تم أبقى الكمال لّه ... الله وأعطى المحاق للعشاق رق جسمي كالخصر منه وقلبي ... خافق مثل بنده الخفاق يا كثير الصدود رفقاً قليلاً ... بمحب مضني من الأشواق ذاب قلبي وقد تصعد حتى ... قطرته الجفون من آماقي وله أيضاً مشجراً رنا قمراً في جنح ليل من الشعر ... فلم أدر ضوء الصبح أم غرّة الفجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 جلا ورد خد مع شقيق يزينه ... عقيق شفاه فوق عقد من الدر برى حبه عشقاً وما رق قلبه ... فياليت شعري كان قلبك من صخر جرحت فؤادي وانطويت على الجفا ... وحكمت فيّ الحب من حيث لا أدري لعل زماني أن يجود بقربكم ... وتسعفني الأيام فيه مدى الدهر بليت بمن قلبي كمثل جفونه ... تساوت جميعاً في البناء على الكسر ينفذ من لحظ لقلبي أسهماً ... ويرشق من قدّ بأمضى من السمر وقال غرامي سليم والفؤاد سقيم ... ودمعي نموم واللسان كتوم وخدي من ودق الدموع مخدد ... وبين ضلوعي مقعد ومقيم وما الدمع ماء بل فؤاد مصعد ... مذاب تقطره الجفون كليم وقلبي لبعد الحب أصبح والهاً ... وفيه عذاب من جفاك عظيم وجسمي عليل يشبه الخصر ناحل ... وحظي مثل الفرع منه بهيم يلومونني في حب من لو إذا بدا ... مساء لغاب البدر وهو ذميم فليس لشيء من جميع جوارحي ... مكان سواه والآله عليم وقد عاب قلبي بالمحبة عاذل ... وكيف خلاصي والغرام غريم حديث الهوى من عهد آدم قد رووا ... فمهلاً فؤادي فالبلاء قديم ولم أنس ليلاً ضمناً بعد فرقة ... برغم عذول لام وهو لئيم فبات وكأسي ثغره ورضابه ... مدامي إلى الأصباح وهو نديم إلى أن شد أفوق الأراكة طائر ... وهب علينا للقبول نسيم فقام لتوديعي وقد أودع الحشا ... بلابل شوق والفراق أليم أيا جاعلاً مني سهام لحاظه ... وملء الحشا من مقلتيه كلوم رويداً رعاك الله قربك جنة ... وبعدك يا رب الجمال جحيم فقال وقد أثنى القوام تأدباً ... تصبر فإني بالوصال زعيم وسار وقد سار الفؤاد أسيره ... ودمعي مسجوم حكته غيوم فياليتني من قبل لم أعرف الهوى ... وياليته لا كان ذاك اليوم وقوله هل لقلبي من قامة قتاله ... من مجير ومقلة نباله يالقومي من جور ظبي غرير ... بلحاظ فعل الظبا فعاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 بدر تمّ أعطى المحاق محبي ... هـ وأبقى له الآله كماله لم أقسه بالبدر إلا ببعد ... وبصون عن ناظر أن يناله أين للبدر قدّ خوط رطيب ... أين للبدر مقلة غزاله قد حكاه الغزال جيداً ولحظاً ... وحكت وجهه المنير الغزاله وغصون الرياض خرّت سجوداً ... إذ تثني بقامة مياله لهواه كلي فؤاد وكلي ... أذن كلما سمعت مقاله يا حبيباً تفديه روحي ويا من ... ما رأت في الدنيا عيوني مثاله ما دموعي إلا فؤاد مذاب ... صاعد والهوى كدمعي أساله لست أنساه إذ أشار لنحوي ... بقوام عند الوداع أماله وكمين الغرام ثار وصبري ... حار بل راح مذ رأى ترحاله أتمنى طعم الرقاد عساها ... مقلتي في المنام تلقى خياله آه بل ألف آهة لغرام ... بفؤادي نيرانه شعاله كيف أنسى أيام وصل بناد ... حط ركب السرور فيه رحاله مع بدر يميس عجباً ويرنو ... بقوام وأعين قتاله فسقت عهدنا البهيج عهود ... بملث كدمعتي الهطاله ما شدت سحرة بلابل روض ... وأهاجت من مدنف بلباله وله هل لقلب قد هام فيك غراماً ... راحة من جفاك تشفي السقاما يا غزالاً منه الغزالة غابت ... عندما لاح خجلة واحتشاما وبأوراقها الغصون توارت ... منه لما انثنى وهز قواما لك يا فاتن اللواحظ طرف ... فتكه بالقلوب فاق السهاما عجباً من بقاء خالك في الخدّ ... ونيرانه تؤج ضراما يا بديع الجمال يا كامل الحس ... ن ترفق بمن غدا مستهاما هو صب ما مال عنك لواش ... نمق الزور في هواك ولاما وله من قصيدة تخلص فيها إلى مديح الجناب الأكرم والرسوم المعظم صلى الله عليه وسلم وهي قوله نبيّ حبيب الله فينا مشفع ... له الرتبة العلياء والنسب الغرا تسامت على هام السماك بمجدها ... فتاهت على الجوزاء وارتفعت قدرا أروم امتداحيه بكفء فأزدري ... له من بنات الفكر مجلوّة بكرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 لعمري ولا أرضى الدراري ولو ونت ... لأنظمها في مدحه فذر الدرّا وما مدح المدّاح تحصر فضله ... وقطر الغوادي من يطيق لها حصرا ولو أن ألفاً ينظمون مديحه ... لما بلغوا من قدر أفضاله العشرا وناهيك من قد جاءنا في مديحه ... من الله آيات مدى دهرنا تقرا وصلى الهي مع سلام على الذي ... أنال الورى فخراً يفوق على الشعرى مدى الدهر ما غنى على الدوح ساجع ... وما أسبل المشتاق من دمعه القطرا وكان لصاحب الترجمة غير ذلك من النظم والنثر وعلى كل حال فقد كان من أفراد الصدور أهل الفضل والجود ومن ابتهج بمحامدهم وفضائلهم الوجود ولم يزل مستمراً على طريقته المثلى إلى أن مات وكانت وفاته في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربتهم بقرب ضرائح الصحابة في الباب الصغير رحمه الله تعالى. محمد الدمشقي ابن إبراهيم بن صالح بن عمر باشا بن حسن باشا الحنفي الدمشقي الأديب الكاتب البارع كان له معرفة بالتركية والانشاء والعربية وله شعر باللغتين ولد بدمشق في سنة احدى عشرة ومائة وألف وجده حسن باشا المذكور كان بدمشق من مشاهير صدورها وأعيانها وكان في مبدأ أمره من آحاد جند الشام ثم تنقلت به الأحوال حتى ولي محافظة دمشق وغيرها وبنى بدمشق الخان المعروف به بسوق جقمق ووقفه مع جملة من عقاراته على ذريته وكانت له محاسن ومساو إلا أن محاسنه أكثر من مساويه ومن شعر المترجم ما رأيته مكتوباً بخطه وهو قوله يا أكرم من مشى على الغبراء ... يا أفضل من رقى إلى الخضراء أرجوك لدفع كل شر عني ... بالقاسم بالطيب بالزهراء وقوله وكتبه في صدر رسالة سلام على من لم نزل لفراقهم ... سكارى بنا جود الوساوس والهم ومن لو رأوا من بعدهم كيف حالنا ... لجادوا على غيظ القطيعة بالكظم وشدّوا على خيل الأياب سروجها ... وباتوا وهم فيما نحب على عزم وله أيضاً أيا نبيّ النبيين الكرام ومن ... لولاه ما كان دين الله قد عرفا لو لم تكن تثمر الدنيا وضرتها ... إلا وجودك يا خير الورى لكفى وكتب إلى والدي وجدي بقوله أذاها جر الشيخ المرادي ونجله ... بمن عنهما تعتاض جلق قولوا لي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 هما نيراها فالمقيم بها إذا ... لبعدهما لا شك كان كمشمول رئيسان ما شام الورى قط منهما ... أذى بل هما للناس أكرم مأمول سلام على القطر الشآمي وأهله ... لحجرة قوم قدرهم غير مجهول وكانت وفاته في غرة شعبان سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. محمد العدوي ابن إبراهيم بن إسمعيل بن محمود العدوي الشافعي الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الكامل الصالح الماهر التقي لازم الشيخ محمداً الغزي الدمشقي مفتي الشافعية بالمدرسة العمرية بالصالحية وسمع عنده حصة من شرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا الأنصاري وقرأ عليه عدة كتب في الفقه وغيره وكان له حرص على طلب العلم ومثابرة على مطالعته وبرع في الفقه والنحو وصارت له ملكة تامة في عدة فنون وكان يأتي الجامع الأموي من الصالحية في كل يوم لا يمنعه من ذلك حر ولا برد مع الديانة والصيانة وكثرة الحياء والكف عن فضول اللسان إلى أن مات وكانت وفاته مطعوناً في رجب سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. السيد محمد الطرابلسي ابن محمد المعروف بالسندروسي الحنفي الطرابلسي الفاضل النجيب الفقيه تفقه في المسائل وألف كتاباً في أسماء الصحابة وعارض به الأصابة ورمى سهم المعرفة قاصداً حوز الفضل فما أصابه فلم تسلم له دعواه وعورض فيما ادعاه ثم تطلب افتاء الحنفية كشيخه الخليلي فتوجه عليه افتاء طرابلس الشام فما استقامت مدة يسيرة إلا وعزل عنها فكدر عيشه وكثر طيشه فتطلب منصب نيابة حكم الشرع فكانت سبباً لأحراق داره وبعد ذلك رجع وتاب وتبع طريق الحق والصواب إلى أن مات وكانت وفاته في سنة سبع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الأيوبي أمين بن إبراهيم الأيوبي الأنصاري الدمشقي الحنفي الفاضل الكامل النبيل كان له مشاركة جيدة لا تنكر لا سيما في علم الأدب وله محفوظة قوية ولد بدمشق وبها نشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة في مبدأ أمره وبرع وحاز فضلاً وولي رياسة محكمة الباب مرتين وعزل عنها لأمور كان من جملتها أنه في زمن الوزير أسعد باشا المعظم والي دمشق تلاعب مع أهل وقف أهلي وأخذه منهم فلما أخبر الوزير المذكور أمره بأن يتوافق معهم فأبى عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 ذلك وكان المساعد له المفتي الحنفي حامد العمادي فاغتاظ الوزير المذكور منه وأرسل أهانه في داره وحصل منه مبلغاً من الدراهم وأعاد الوقف لأصحابه وله غير ذلك وكان يتولى النيابات بالمحاكم وبالجملة فقد كان من أفراد الدهر وبلغ من العمر مائة عام إلا عاماً وهو آخر من أدرك الأمين المحبي وطالع عليه نفحته توفي سنة سبع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الدكدكجي ابن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التركماني الأصل الدمشقي المولد المعروف بالدكدكجي الحنفي الصوفي الشيخ الامام المتفنن البارع الأديب نادرة العصر كان فاضلاً كاملاً مهيباً صالحاً ديناً صوفياً وأخلاقه شريفة ورزقه الله الصوت الحسن في الترتيل ولد بدمشق ونشأ بها وقرأ القرآن العظيم وجوده على الشيخ محمد الميداني وطلب العلم فلزم شيخ الاسلام الشيخ محمداً أبا المواهب الحنبلي فقرأ عليه الشاطبية وختمة كاملة جمعاً للسبعة من طريقها وقرأ عليه شرح ألفية المصطلح لشيخ الاسلام زكريا وسمع عليه صحيح البخاري وبعض صحيح مسلم وسمع عليه كثيراً من كتب الحديث والمصطلح والتجويد والقراآت وحضر دروس المحقق الشيخ إبراهيم الفتال وقرأ عليه شرح القطر لمصنفه وشرح الألفية لأبن عقيل ولازم دروس الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكتب كثيراً من مصنفاته بخطه الحسن وسافر في خدمته في رحلته الكبرى وكان الأستاذ شديد المحبة له وله من المؤلفات رسالة سماها تهويل الأمر على شارب الخمر وديوان شعر وأنا أخذت من شعره ما هو مسطر هنا فمنه قوله مخمساً بيتي ابن حبابة الأندلسي إن عشق الحبيب دأبي وفني ... وبذكراه ينجلي الهمّ عني فأحد بالشوق للمطايا وغنى ... لا تعقني عن العقيق لأني بين أكنافه تركت فؤادي فلذا قد أطلت فيه ولوعي ... عل أحظى به بتلك الربوع فعلى حبه بذلت خضوعي ... وعلى تربه وقفت دموعي ولسكانه وهبت رقادي وله مداعباً رجلاً من أهل الخلاعة يلقب بالعفريت إنّ شخصاً شغل المجلس بال ... لهو والمزح وأنواع الغنا يضحك العالم في أفعاله ... يجلب البشر وينفي الحزنا وكذا في كل وقت دأبه ... ليس يلفي مثله في عصرنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 لقب العفريت من قوّته ... وخلاعات توالت علنا فسألناه من الأنس ترى ... أنت أم جن تشكلت لنا فبدا منه جواب مازحاً ... قال عفريت من الجن أنا وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في المعنى رب شخص جاءنا في قرية ... طوله في عرضه قد ضمنا فسألناه وقلنا أنت من ... قال عفريت من الجن أنا وللمولى الهمام محمد خليل الصديقي مطرب قد سار في صحبتنا ... فشهدنا منه ما أضحكنا أزعج الأسماع منا صوته ... منذ وافانا بأنواع الغنا رمت منه الكشف عن أصل له ... قال عفريت من الجن أنا وللأديب محمد سعدي العمري في ذلك وخليع حين وافانا لكي ... نقطع السبل حديثاً وغنا رام أن يطربنا في صوته ... فسمعنا منه ما أزعجنا قلت من أنت فقد روّعتنا ... قال عفريت من الجن أنا وكتب هذه الوصية لولده إبراهيم المقدم ذكره زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنني بك قد نقلت إليهما لو كنت حيث هما وكانا بالبقا ... زاراك حبواً لا على قدميهما ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منحاك نفس الودّ من نفسيهما كانا إذا ما أبصرا بك علة ... جزعا لما تشكو وشق عليهما كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ... دمعيهما أسفاً على خديهما وتمنيا لو صادفا بك راحة ... بجميع ما تحويه ملك يديهما لتلحقنهما غداً أو بعده ... حتماً كما لحقاهما أبويهما ولتندمنّ على فعالك مثل ما ... ندماهما قدماً على فعليهما بشراك لو قدّمت فعلاً صالحاً ... وقضيت بعض الحق من حقيهما وقرأت من آي الكتاب بقدر ما ... تسطيعه وبعثت ذاك إليهما فاحفظ حفظت وصيتي وأعمل بها ... فعسى تنال الفوز من بريهما وأشعاره كثيرة دونها صاحبنا الكمال الغزي في ديوان وكان للناس به محبة عظيمة واعتقاد وافر وألف مؤلفات نافعة منها شرحه على دلائل الخيرات وشرح على حزب البحر للشاذلي وشرح على طيبة النشر في القراآت العشر وتراجم رجال سلسلة طريقة الشاذلية وشرح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 على الجزرية وديوان خطب وجمع بخطه الحسن المضبوط عدة مجاميع علمية وأدبية وبيض غالب مؤلفات شيخه الشيخ عبد الغني النابلسي بخطه وكانت ولادته بدمشق في شعبان سنة ثمانين وألف وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر ذي الحجة سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ووقع في ساعة موته مطر عظيم واستمر المطر حتى غسل وكفن يوم الجمعة وصلى عليه بالجامع الأموي بعد جمعتها ودفن بتربة الغرباء بمرج الدحداح وتمثل الشمس محمد الغزي العامري يوم وفاته بقول الشيخ نجم الدين بن إسرائيل بكت السماء عليه ساعة موته ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور وكأنها فرحت بمصعد روحه ... لما سمت وتعلقت بالنور أوليس دمع الغيث يهمي بارداً ... وكذا تكون مدامع المسرور محمد الكوراني أبو الطاهر بن إبراهيم بن حسن المدني الشافعي الشهير بالكوراني الشيخ الامام العالم العلامة المحقق المدقق النحرير الفقيه جمال الدين ولد بالمدينة المنورة في حادي عشري رجب سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بها في حجر أبيه وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده المرقوم عدة من العلوم وأخذ عن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي وأبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وعن محدث الحجاز محمد بن محمد بن سليمان المغربي وعن الجمال عبد الله بن سالم البصري وعن الشهاب أحمد بن محمد النخلي وعن غيرهم وبرع وفضل واشتهر بالذكاء والنبل وكان كثير الدروس وانتفعت به الطلبة وتولى افتاء السادة الشافعية بالمدينة المنورة مدة وله من التآليف اختصار شرح شواهد الرضي للبغدادي وترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري في ثبته المسمى بلطائف المنة فقال زرته في داره ورأيت من ديانته ونسكه وتواضعه وخفض جناحه ما لم أره على أحد من مشايخنا خلا الملا الياس الكوراني فإنه كان يقاربه في ذلك وأراني كتابات له حسنة على مسائل فقهية سئل عنها من بلاد اليمن وكان عالماً صالحاً فقيهاً وكانت وفاته في تاسع رمضان سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. محمد سعيد الكوراني ابن إبراهيم بن محمد أبي الطاهر بن المنلا إبراهيم الكوراني المدني الشافعي حفيد المتقدم ذكره آنفاً الشيخ الفاضل الصالح النبيل البارع ولد بالمدينة في ثاني عشري شعبان سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وطلب العلم وأخذ عن أبيه والشيخ عبد الرحمن الجامي والشيخ محمود الجامي والفقيه محمد بن سليمان الكردي وكان رجلاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 متكلماً درس بالروضة المطهرة بعد أبيه وتوفي في تاسع عشر شعبان سنة ست وتسعين ومائة وألف. محمد بن أبي الحسن الكوراني أبو الطيب ابن الشيخ أبي الحسن ابن العلامة المحقق برهان الدين إبراهيم الكوراني المدني الشافعي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة المنورة في ثامن رمضان سنة ثمان وتسعين وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ على عمه الشيخ أبي الطاهر العالم المشهور ودخل في اجازة عامة من جده المنلا إبراهيم الكوراني لما أجاز أحفاده الكبار والصغار وكان صاحب الترجمة رجلاً مباركاً متكلماً صار شيخاً للعهد في المدينة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف ثم أخرج منها وسكن الشام واستمر بها إلى أن توفي في الخامس من جمادي الأولى سنة سبع وستين ومائة وألف. محمد سعدي الدمشقي ابن يوسف الدمشقي الحنفي نزيل اسلامبول المولى الفاضل العلامة الأديب الشاعر بالعربية والتركية صاحب فضل وعرفان ووالده الامام السلطاني الشقيفي ترجمه الأمين المحبي والبوريني وولده هذا أخذ عن والده ودأب بفن الأدب وتخرج به على يديه ودخل طريق العلماء في اسلامبول ولازم على قاعدتهم وطريقتهم وبعد انفصاله عن المدارس وتنقله بها كعادتهم إلى سنة سبعين بعد الألف في صفر الخير أعطى قضاء بغداد وبعده في ربيع الأول سنة أربع وسبعين أعطى قضاء اسكدار وفي سنة ست وسبعين أعطى رتبة قضاء المدينة المنورة مع قضاء خيره بولي وخواص أخر على طريق الأربلق وبعده أعطى قضاء محلة أبي ايوب رضي الله عنه وبعده أعطى رتبة قضاء القدس مع رتبة قضاء بازاركولي وبعده في سنة ست وثمانين أعطى قضاء فلبه مع رتبة قضاء برسة المحمية وفي سنة احدى وتسعين أعطى قضاء وارنه على طريق الأربلق مع رتبة قضاء مكة المكرمة وكان أجلى ونفي في احدى السنين إلى مغنيسا وأعطى بها المدرسة المرادية وبينه وبين الأديب عثمان العتوري الدمشقي مراسلات شعرية وكانت وفاته باسلامبول سنة احدى ومائة وألف رحمه الله تعالى آمين. السيد محمد العاني ابن أحمد بن هديب الشافعي العاني الأصل الدمشقي المولد الميداني الشيخ المحقق العالم تقدم ذكر والده وكان هذا مدققاً ذكياً فقيهاً فصيحاً له اطلاع تام في التفسير والحديث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 والفقه وغير ذلك مع حسن المحافظة وكمال التأدية في التدريس والافادة حسن التقرير عذب المنطق لطيف العشرة ولد بدمشق وبها نشأ واجتهد في طلب العلم وأخذ عن الشيخ محمد الغزي الدمشقي مفتي الشافعية ثم ارتحل إلى مصر القاهرة وجاور بجامعها الأزهر الأنور ولازم الدروس وأخذ وقرأ على أجلائها كالشيخ أحمد القروسي والشيخ محمد الفارسي والشيخ عيسى البراوي والشيخ عبد الكريم الزيات والشيخ عطية الأجهوري والشيخ أحمد الملوي والشيخ حسن المدابغي وغيرهم من الأجلاء والفضلاء ودرس في الجامع الأموي بين العشاءين وفي السليمانية في الصالحية وأخذت عنه الطلبة وكان جسوراً وكان يتعاطى الزراعة والمشد في القرى وكان محظوظاً وانتفع منه خلق كثيرون وبالجملة فقد كان من الشيوخ الأفاضل وكانت وفاته في ذي القعدة سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح بالذهبية رحمه الله تعالى. محمد قولقسز ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن ادريس المشهور بابن قولقسز الحنفي البسنوي الأصل ثم الحلبي ثم الدمشقي قدم دمشق جد المترجم محمد بن أحمد بن محمد بن ادريس المذكور وأخذ بها عن المشايخ كالبدر الغزي والنجم البهنسي وغيرهما وكان من خيار الأفاضل فقيهاً له اطلاع تام على المسائل وتوفي بدمشق في ربيع الأول سنة احدى وعشرين وألف وكان منشؤه ومولده حلب وولده أحمد كذلك والمترجم ولد بدمشق وبها نشأ وقرأ واشتغل على علماء عصره وأفاد بالجامع الأموي وفي المدرسة الشبلية وفي داره ولزمه الطلبة واشتهر بالفضل وانعكفت إليه الطلاب وكان عالماً مدققاً وفي آخر أمره انقطع بداره لفالج حصل له وكانت عليه عدة وظائف ولم يعقب ولداً وكان عليه وظائف فرغها لأحد تلامذته قبل موته وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. محمد البصير ابن أحمد بن رمضان البصير الشافعي الميداني الدمشقي الشيخ الفاضل الحاذق المتفوق الذكي ولد بدمشق في سنة احدى وأربعين ومائة وألف وحضر دروس العلماء كالشيخ أحمد المنيني الدمشقي والشيخ عبد الله البصروي والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي الداغستاني نزيل دمشق وغيرهم من الشيوخ والأفاضل ودروس والدي بالهداية في المدرسة السليمانية بدمشق وتفوق ومهر وارتحل للحجاز مرات وحضر شيوخها وجاور سنين في المدينة المنورة وارتحل إلى مصر وجاور مدة وحضر دروس شيوخها كالشيخ عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 الشبراوي والشيخ أحمد الملوي والشيخ محمد الحفناوي والشيخ حسن المدابغي وغيرهم وله شعر قليل وفضل وحذق تام ومن شعره ما امتدحني به لما جاءتني تولية الجامع الأموي في سنة احدى وتسعين ومائة وألف وهو قوله حمداً لمولانا الذي انعامه ... متواتر قد جل عن تعداد ردت بضاعتنا إلينا أرخوا ... بيت العلا وليه ذو الأمداد المسجد الأموي هنا بخليله ... نال المنى أرخ وظل مرادي 1191 936 25 - 5 وكانت وفاته في شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الديري ابن أحمد بن شهاب الدين الشافعي الديري نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل المفيد الصالح الناسك الكامل قرأ وأخذ عن علماء مصر كالشيخ عبد الرؤف البشبيشي والسيد علي الضرير وغيرهما وقدم دمشق واستوطنها في المدرسة الناصرية الجوانية وتزوج بها وأقرأ بالجامع الأموي ولزمه الطلبة وكان حد المزاج وحصل له في آخر عمره داء في رجليه أعجزه عن المشي وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح بالقرب من مرقد الشيخ أبي شامة رحمه الله تعالى. محمد عقيلة ابن أحمد بن سعيد المشتهر والده بعقيلة الحنفي المكي الشيخ الامام العالم العلامة الأوحد النحرير الفهامة المسند الثقة المتفنن البارع أبو عبد الله جمال الدين ولد بمكة ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فأخذ عن العلامة الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي والبدر حسن بن علي العجيمي وتاج الدين بن أحمد الدهان المكي والمنلا الياس بن إبراهيم الكوراني والشيخ حسين بن عبد الرحيم المكي والشهاب أحمد بن محمد الدمياطي المشهور بابن عبد الغني وتلقن الذكر من السيد محمد بن علي الأحمدي والسيد عبد الله بن علي باحسين السقاف وأجاز له مكاتبة السيد علي بن عبد الله العيدروس الساكن ببندر سورت من أرض الهند ولبس الخرقة القادرية من الشيخ قاسم بن محمد البغدادي وأخذ أيضاً عن الشيخ محمد أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي ونبل وفضل وظهر تفوقه في العلوم وله مؤلفات لطيفة منها الفوائد الجليلة في مسلسلاته والمواهب الجزيلة في مرويات الفقير محمد بن أحمد عقيلة وعقد الجواهر في سلاسل الأكابر وهدية الخلاق إلى الصوفية في سائر الآفاق وقرة العين في بيان ورد الخميس والأثنين ومولد شريف نبوي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 وثبت صغير وتاريخ رتبه على حوادث السنين وغير ذلك ورحل إلى الشام والروم والعراق وأخذ عنه خلائق لا يحصون وانتفعوا به ولما دخل دمشق صار يقيم الذكر بها ويدرس في المدرسة الجقمقية ثم رحل إلى بلده مكة وتوفي بها سنة خمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد السفاريني ابن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني الشهرة والمولد النابلسي الحنبلي الشيخ الامام والحبر البحر النحرير الكامل الهمام الأوحد العلامة والعالم العامل الفهامة صاحب التآليف الكثيرة والتصانيف الشهيرة أبو العون شمس الدين ولد بقرية سفارين من قرى نابلس سنة أربع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وتلا القرآن العظيم ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فأخذ بها عن الأستاذ الشيخ عبد الغني بن إسمعيل النابلسي وشيخ الاسلام الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي وأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين المجلد وأبي المجد مصطفى بن مصطفى السواري والشهاب أحمد بن علي المنيني وأخذ الفقه عن أبي التقي عبد القادر بن عمر التغلبي وأبي الفضائل عواد بن عبيد الله الكوري ومصطفى بن عبد الحق اللبدي وغيرهم وحصل لصاحب الترجمة في طلب العلم ملاحظة ربانية حتى حصل في الزمن اليسير ما لم يحصله غيره في الزمن الكثير ورجع إلى بلده ثم توطن نابلس واشتهر بالفضل والذكاء ودرس وأفتى وأفاد وألف تآليف عديدة فمن تآليفه شرح ثلاثيات مسند الامام أحمد بن مجلد ضخم وشرح نونية الصرصري سماها معارج الأنوار في سيرة النبي المختار في مجلدين وتحبير الوفا في سيرة المصطفى وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وكشف اللثام في شرح عمدة الأحكام ونتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار والجواب المحرر في الكشف عن حال الخضر والاسكندر وعرف الزرنب في شرح السيدة زينب والقول العلي في شرح أثر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وشرح منظومة الكبائر الواقعة في الأقناع ونظم الخصائص الواقعة فيه أيضاً والدر المنظم في فضل شهر الله المحرم وقرع السياط في قمع أهل اللواط والمنح الغرامية في شرح منظومة ابن فرح اللامية والتحقيق في بطلان التلفيق ولواقح الأفكار السنية في شرح منظومة الامام الحافظ أبي بكر بن أبي داود الحائية مجلد وتحفة النساك في فضل السواك والدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية وشرحها المسمى بسواطع الآثار الأثرية بشرح منظومتنا المسماة بالدرة المضية وتناضل العمال بشرح حديث فضائل الأعمال والدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات ورسالة في بيان الثلاث والسبعين فرقة والكلام عليها واللمعة في فضائل الجمعة والأجوبة النجدية عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 الأسئلة النجدية والأجوبة الوهبية عن الأسئلة الزعبية وشرح على دليل الطالب لم يكمل وتعزية اللبيب بأحب حبيب وغير ذلك وأما الفتاوي التي كتب عليها الكراس والأقل والأكثر فكثيرة ولو جمعت لبلغت مجلدات وله رحمه الله تعالى من الأشعار في المراسلات والغزليات والوعظيات والمرثيات شيء كثير وبالجملة فقد كان غرة عصره وشامة مصره لم يظهر في بلاده بعده مثله وكان يدعى للملمات ويقصد لتفريج المهمات ذا رأي صائب وفهم ثاقب جسوراً على ردع الظالمين وزجر المفترين إذا رأى منكراً أخذته رعده وعلا صوته من شدة الحدة وإذا سكن غيظه وبرد قيظه يقطر رقة ولطافة وحلاوة وظرافة وله الباع الطويل في علم التاريخ وحفظ وقائع الملوك والأمراء والعلماء والأدباء وما وقع في الأزمان السالفة وكان يحفظ من أشعار العرب العرباء والمولدين شيئاً كثيراً وله شعر لطيف منه قوله من لي بان أنظر إلى ... خشف بليل معتكر وأضمه من غير شف ... كالضمير المستتر وقوله الصبر عيل من القلا ... والنفس أمست في بلا والجفن جف من البكا ... والقلب في الشجوى غلا وشكا اللسان فقال في ... شكواه لا حول ولا وقوله أحبة قلبي تزعموا إن حبكم ... صحيح فإن كنتم كما تزعموا زوروا وأحيوا فتى فت الغرام فؤاده ... وإلا فدعوى حبكم كلها زور وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار مما هو مشهور في أيدي الناس وكانت وفاته في شوال سنة ثمان وثمانين ومائة وألف بنابلس ودفن بتربتها الشمالية رحمه الله تعالى. محمد العشماوي ابن أحمد بن حجازي الأزهري الشافعي الشهير بالعشماوي الشيخ الامام الفقيه المحدث المحقق المدقق النحرير الفهامة أبو الفضل شمس الدين أخذ عن أبي العز محمد بن أحمد العجمي وغيره وأخذ عنه شيخنا أبو العرفان محمد بن علي الصبان وغيره وكانت وفاته سنة سبع وستين ومائة وألف بتقديم السين رحمه الله تعالى. محمد الزرقاني ابن عبد الباقي بن يوسف الأزهري المالكي الشهير بالزرقاني الامام المحدث الناسك النحرير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 الفقيه العلامة أخذ عن والده وعن النور علي الشبراملسي وعن الشيخ محمد البابلي وغيرهم وله من المؤلفات شرح على الموطأ وشرح على المواهب وغير ذلك وأخذ عن الشيخ محمد بن خليل العجلوني الدمشقي والجمال عبد الله الشبراوي وكانت وفاته سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد رجائي ابن أحمد الملقب برجائي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي القسطنطيني أحد رؤساء الدولة وأعيانها أصحاب الاشتهار والاعتبار والحشمة والوقار وأرباب المعارف والخطوط المتنوعة ولد بقسطنطينية وبها نشأ وصار من كتاب الرئيس في الديوان السلطاني ومهر في الخطوط وأتقنها لا سيما الخط المعروف بالديواني كانت له به الشهرة التامة في وقته وترقى للمناصب العالية فصار تذكر جي أول وثاني للديوان السلطاني المعلى ورئيس الجاويشية ثم ترقى فصار رئيس الكتاب ودفترياً وكتخدا الوزير واشتهر بين العال والدون وعظمت دولته وتوفرت حرمته وسمت رتبته ونمت ثروته ونفذت كلمته واتسعت دائرته إلى أن مات وكانت وفاته في نصف رجب سنة أربع وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين آمين. محمد المزطاري ابن أحمد المزطاري المغربي المكناسي الشاذلي المالكي الشيخ الامام العارف بالله تعالى المسلك المرشد الصوفي قطب الواصلين واستاذ الأساتذة وشيخ الطائفة أخذ الطريقة الشاذلية عن شيخه صاحب الكرامات والأحوال من شهدت بقطبانيته فحول الرجال القطب الغوث الفرد الرباني سيدي قاسم بن أحمد القرشي السفياني المدعو بابن بلوشة نور الله مرقده حكى تلميذ المترجم الشهاب أحمد بن إبراهيم الحبالي الاسكندري إنه ما غفل في وقت من الأوقات الخمسة عن سبعين ألف لا إله إلا الله قط في مدة إقامته معه وكانت المدة المذكورة ثمانية عشر عاماً وإنه تولى القطبانية خمسة وعشرين عاماً إلى أن توفي وقدم دمشق في غرة جمادي الأولى سنة ست وتسعين وألف وأخذ عنه بها الطريق الشيخ محمد بن خليل العجلوني وكتب له بذلك اجازة مطولة وكان يقول له جئت من المغرب لأعمر ديارك وأخذ أيضاً عن المترجم الشيخ عبد الرزاق بن عبد الرحمن السفرجلاني ومن ذلك الوقت اشتهرت الطريقة الشاذلية بدمشق وكثر أتباعها والآخذون لها وكان صاحب الترجمة جبلاً من جبال المعارف منار هدى وارشاد وله كرامات كثيرة وخوارق شهيرة لا تسعها الافهام ولا يطيقها نطاق الأقلام ثم إنه رحل من دمشق إلى مكة المشرفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وتوفي بها في محرم الحرام ليلة الجمعة سنة سبع ومائة وألف عن ثلاث وستين سنة ودفن بباب المعلى بقرب ضريح السيدة خديجة الكبرى وقبره ظاهر يزار رحمه الله. محمد بن جدي ابن أحمد بن عبد الله بن بهاء الدين المعروف بابن جدي بفتح الجيم وتشديد الدال الشافعي الدمشقي الأديب الفاضل الشاعر الكاتب ترجمه شيخه الأمين المحبي في ذيل نفحته ومن شعره قوله ابريقنا عاكف على قدح ... كأنه الأم ترضع الولدا أو عابد من بني المجوس إذا ... توهم الكأس شعلة سجدا وله غير ذلك وشعره بديع كثير وكانت وفاته بدمشق سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف رحمه الله. محمد حياة السندي محمد حياة بن إبراهيم السندي الأصل والمولد المدني الحنفي العلامة المحدث الفهامة حامل لواء السنة بمدينة سيد الأنس والجنة ولد بالسند ببعض قراها ورغب في تحصيل العلم وهو بها ثم انتقل إلى تستر قاعدة بلاد السند وقرأ على محمد معين بن محمد أمين ثم هاجر إلى الحرمين الشريفين وتوطن المدينة المنورة ولازم الشيخ أبا الحسن بن عبد الهادي السندي وجلس مجلسه بعد وفاته أربعاً وعشرين سنة وأجاز له الشيخ عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني وأبو الأسرار حسن بن علي العجيمي وغيرهم وكان ورعاً متجرداً منعزلاً عن الخلق إلا في وقت قراءة الدروس مثابراً على أداء الجماعات في الصف الأول من المسجد النبوي وله تصانيف كثيرة منها شرح الترغيب والترهيب للمنذري في مجلدين وشرح على الأربعين النووية مختصر جداً ومختصر الزواجر وشرح الحكم العطائية والحكم الحدادية وله رسائل أخر لطيفة وتحقيقات عجيبة منيفة وكانت وفاته ليلة آخر أربعاء من صفر سادس عشرية سنة ثلاث وسنين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. محمد الأسكداري ابن سعد الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل البارع الطبيب الفقيه ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها وتولى الافتاء مدة وقرأ على أبيه وغيره وكان فاضلاً عالماً متضلعاً في كثير من العلوم وله اليد الطولى في الطب والجراحة مستحضراً ما يلزمه من الأدوية والمراهم والعلاجات ينتفع به الخاص والعام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 ابتغاء وجه الله تعالى ويبذل الأموال الجزيلة في وجوه الخير وإذا أظلم الليل خرج بما يحتاج إلى المرضى والمحاويج فيغسل لهم جراحاتهم ويعللهم بالأدوية ويطعمهم الطعام ويغسل لهم أقذارهم بيده مع إن الواحد منهم لا يقدر الانسان أن يصل إليه لشدة نتنه وريحه وأوصافه كريمة لا يمكن استقصاؤها وله من المؤلفات رسالة في تحرير النصاب الشرعي من الدنانير والدراهم وغيرها وله غير ذلك من المؤلفات النافعة وفضائله كثيرة ومزايا مشهورة ولم يزل على طريقته المثلى عاكفاً على الافادة والاستفادة إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة المنورة شهيداً في ثامن عشري رجب الحرام سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع وبنو الأسكداري طائفة مشهورون في المدينة تقدم ذكر بعضهم وسيأتي ذكر بعض آخر رحمهم الله تعالى. محمد الشافعي ابن إسمعيل الملقب بشمس الدين الضرير الأزهري البقري المصري الشافعي شيخ القراء بالجامع الأزهر الامام العلامة الفقيه المقرئ قرأ عليه القرآن بالروايات من لا يحصى عددهم منهم المرحوم شيخ الاسلام أبو المواهب الدمشقي مفتي الحنابلة بها وغيره وعمر كثيراً واشتهر إنه جاوز مائة عام وكان ملازماً للأقراء والتدريس بالجامع الأزهر وألف مؤلفات جمة كان يمليها على الطلبة ومات بمصر سنة سبع ومائة وألف وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب رحمه الله تعالى. محمد الجفري ابن السيد حسين العلوي المدني الشافعي الشهير بالجفري الشريف ابن الشريف الشهم الفاضل الغطريف ذو الفهم الوقاد والذكاء النقاد ولد بالمدينة المنورة في حدود سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وطلب العلم وشمر عن ساق الاجتهاد فقرأ على الشيخ جمعة السندي والشيخ صالح البغدادي والعلامة محمد بن سليمان الكردي وغيرهم ونبل قدره واشتهر بالفضل أمره ودرس بالمسجد النبوي وانتفعت به الطلبة وألف مولداً للنبي صلى الله عليه وسلم وكتاباً في مناقب الخلفاء الأربعة والسيدة فاطمة والسيد عائشة رضي الله تعالى عنهم وكان يؤلف خطباً بليغة جداً تقرأ عند عقود الأنكحة وله في المراسلات والمحاورات الرسائل الأنيقة والتراتيب الرشيقة وكان من أفراد العالم فضلاً وذكاء ونباهة وكانت وفاته بالمدينة المنورة في حادي عشر ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين أجمعين. محمد القاري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 ابن حسين بن محمد بن علي بن عمر المعروف كأسلافه بالقاري الفاضل الأديب الكامل أحد المتنبلين من بني المجد والسيادة ومن نبغوا من ذروة العز وامتطوا صهوة الفضل والسعادة كما قال الأمين في نفحته من البيوت التي تقلد فحرها جيد الدهر واكتسب النسيم بعرف ثراها أرج الزهر مدائحهم كصحائف المحسنين بياضاً ونقاً وذكراهم كعهد الموقنين وفاء وبقا انتهى أقول وجده الشيخ عمر كان رئيس أجلاء شيوخ الشام وصدر الصدور اماماً عالماً مفنناً بارعاً وحيداً محدثاً فقيهاً أصولياً آثاره كثيرة وفضائله لا تعد ولا تحد وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه ماجد خلقه مترع هدى وايقان يفجر المعروف غصنه المهتصر من أطيب العنصر الزاكي وأطيب المعتصر فهو مخصوص بعوارف الألطاف وبرد وجاهته لم يزل حالي الاعطاف اصطبح العزة واغتبق وتناول قصب الغايات فاستبق وروض أدبه موشي بالبديع موشع وميدان جولانه في القريض مرحب موسع وأنا مداحه الذي أباهي به وأفاخر وودي له كله من الأول إلى الآخر وقد أنجب فرعاً فرع وأصل وتحصل له من توفر أمانيه ما به إلى الغاية القصوى توصل ومن رقيق غزله لعب الهوى بعقولنا من أجل من ... سلب الرقاد بمقلة وسناء الخدّ منه كجلنار أحمر ... والقدّ منه كصعدة سمراء وله أيضاً من لقلبي في هوى عذب اللمى ... من سبي الألباب لما ابتسما مخجل الأغصان بالقدّ الذي ... حمل البدور في حقف نما ثالث البدرين نهاب النهى ... من هواه في فؤادي خيما وامتدحه الأمين المذكور بهذه القصيدة ميلة الغصن والقنا السمهريّ ... أثر من قوامه الألفيّ والذي يفعل الحسام نراه ... مستفاداً من لحظه السيفي في سطاه يرى ظلوماً ولكن ... بانكسار الجفون مثل بريّ سلبت مقلتاه كل فؤاد ... أسرته بسحرها البابلي ثم راشت وسط القلوب سهاماً ... أرسلتها حواجب كالقسي رشأكم أمات يعقوب حزن ... قبل يحظى بريحة اليوسفيّ قام يجلو من الجبين صباحاً ... تحت ليل من فرعه المرخي وأدار الكؤس فينا ثلاثاً ... حيث لم يدفع الظما بالريّ كأس راح من راحتيه وكأساً ... من رضاب وكأس خد ندي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 كان عيشي بها ابتهاج الأماني ... في نعيم طلق وحظ بهي نسمات الصبا العطير المساري ... ومزاح الصبا الهني المريّ في ربا وشيها زبرجد نبت ... شبّ لما ارتوى بدرّ الولي نام طفل النوّار فيها هنيئاً ... عندما اشتم زعفران العشي ومن الورق ثم كل مناغ ... راح يشحي بالوجد قلب الخلي قام يثني على الرياض ثنائي ... في البرايا على الفتي القاريّ ماجد كل ماجد من علاه ... مستفيد خلق الرضي المرضي هو وسطي قلادة النظم حلت ... وتحلت بلفظه الجوهري وكانت وفاة المترجم يوم الأثنين غرة صفر الخير سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. محمد عارف ابن حسين الملقب بعارف الحنفي القسطنطيني رئيس الأطباء في عهدنا عند سلطاننا الملك المعظم عبد الحميد خان وقاضي العساكر المشهور بالحذق والمعرفة كان من أفراد الدهر في علم الأبدان واشتهر في وقتنا واعتمد عيه سلطاننا المذكور في الأدوية والعلاجات واستعمالها وأحبه كثيراً ورقاه المراتب العالية في مدة جزئية وكان ماهراً بالطب وفنونه عارفاً حاذقاً نبيهاً كاملاً له باع واطلاع ثابر على عادتهم ودخل طريق الموالي والمدرسين وتنقل في المراتب حتى ولي الثمان ومنها أعطى قضاء أسكدار وصار رئيس الأطباء في دولة السلطان مصطفى خان أخي السلطان عبد الحميد خان المذكور ثم عزل وأجلى وأعيد ثانياً وثالثاً للرياسة المرقومة واستبد بها آخر أمره في دولة سلطاننا المذكور وسلم من مناضل ومنازع فيها وأقبلت عليه الدنيا وعظمت ثروته وكثرت دنياه وولي قضاء العسكر في اناطولي بعد أن أعطى رتبة قضاء اسلامبول ومكة وبعد انفصاله بمدة قليلة ولي قضاء العسكر في روم ايلي واشتهر أمره وعزل عن المنصب المرقوم في أواسط سنة خمس وتسعين ومائة وألف وقصرت مدته قبل الاتمام وذلك لأمر كان وفي سنة سبع وتسعين أعيد إلى صدارة روم ايلي ثانياً ولم تطل مدة حياته إلا ثلاثة أشهر ومات وكانت وفاته في يوم الجمعة رابع عشري ربيع الثاني من السنة المرقومة بتربة مخصوصة بقرب جامع السلطان سليم خان رحمه الله تعالى. محمد همات زاده ابن حسن همات زاده الحنفي التركماني الأصل القسطنطيني الشيخ الامام المسند الأوحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 العالم البارع ولد سنة احدى وتسعين وألف ورحل إلى مكة وجاور بها وأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري وتاج الدين بن عبد المحسن القلعي مفتي مكة وأخذ الحديث عن البدر محمد بن محمد البديري الدمياطي ثم رجل إلى قسطنطينية وصار أحد المدرسين في الدولة وخواجه في سراي الغلطة ثم في السراي الجديدة معلم الغلمان ثم نقل إلى تدريس السلطان أحمد الثالث الكائن في السراي المرقومة وبرع واشتهر وصار له الاعتبار في الدولة والصدارة في العلم حتى إن ولي الدين شيخ الاسلام في الدولة قرأ عليه شرح الأربعين النووية وله تأليفات لطيفة منها تخريج أحاديث البيضاوي ورسائل عديدة في عدة فنون وآثار جليلة وأخذ عنه خلق كثيرون من أهالي الروم واشتهر برواية الحديث وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد أفندي بن فروخ ابن حسين بن رجب المعروف بابن فروخ الرومي الأصل الدمشقي المولد الدفتري بدمشق وأحد أعيانها قدم والده من الروم إلى دمشق باقطاعات ومالكانات وسكن بدار بني فروخ أمراء الحج سابقاً بدمشق الكائنة بطريق المرج الأخضر بقرب حمام الناصري ونسب بسكنى الدار إلى بني فروخ وليس هو منهم فإن أمراء بني فروخ آخرهم عساف باشا تولى امرة الحج وتوفي سنة احدى وثمانين وألف وتوفي حسين والد المترجم سنة ست وأربعين ومائة وألف والمترجم رحل إلى الروم بعد وفاة والده وأقام بها مدة إلى أن قتل فتح الله أفندي الدفتري بدمشق فتطلب الدفترية وأعطيها وقدم دمشق دفترياً سنة تسع وخمسين واستقام بهذا المنصب ثلاثين سنة لم يعزل وكانت عليه مالكانات والده وكان من الأعيان المنوه بهم والمشار إليهم سخي الطبع كريم الأخلاق عفيف النفس يغلب عليه التغفل في حركاته فكانت الأموال الميرية في يد خدمة الخزينة وفي آخر أمره تطلب أن يعزل ويحاسب وأرسل بذلك الروزنامجي حسين أغا فعملت له الدولة الحساب على مراده وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف عن ولد مات بعده بقليل. محمد الحنفي ابن حمزة الحنفي العينتابي نزيل طرابلس العالم الفاضل المحقق البارع المحرر له من التآليف حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على كتاب الخيالي وغير ذلك من الآثار وكانت وفاته في ربيع الأول سنة احدى عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد العجلوني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 ابن خليل بن عبد الغني الجعفري الشافعي العجلوني نزيل دمشق الشيخ العالم الفقيه الزاهد الورع ولد بعجلون في قرية يقال لها عين جنة سنة ستين وألف وبها نشأ وبعد وفاة والده رحل إلى القدس واستقام بها سنتين وأخذ بها عن الشيخ محمود السالمي والشيخ محمد الشامي والشيخ محمد السروري والشيخ عبد الرحيم اللطفي ثم رحل إلى دمشق وأخذ بها عن السيد حسن المنير والشيخ علي الكاملي والشيخ أحمد الداراني والشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ علاء الدين الحصكفي والشيخ يونس الكفراوي ثم بعد وفاة شيخه المنير رحل إلى مصر وأخذ بها عن الشيخ محمد العناني ومحمد الشرنبابلي وأحمد السندوبي وأحمد المرحومي ويونس القليوبي وعبد الرحمن المحلي وزين الدين البديري وأبي السعود الدمياطي وخليل اللقاني والسيد أحمد الحموي ومحمد البقري وصالح البهوتي ويحيى الشاوي وعثمان النجدي ثم عاد إلى دمشق وتوطنها وألف حاشية على الشنشوري في الفرائض وحاشية على شرح التحرير وصل فيها إلى أوائل الحج وغير ذلك وكانت وفاته يوم الأثنين رابع ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة وألف. محمد البغدادي ابن خليل بن عبد الله الحنفي البغدادي نزيل دمشق الشيخ اللوذعي العالم المتضلع من المعارف النحرير المفنن ولد ببغداد في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف وكان والده من أتباع الوزير حسن باشا فنشأ المترجم في طلب العلم ورحل إلى بعض البلاد القريبة في ذلك وكان في أثناء ذلك كان يتردد إلى بغداد لزيارة أبويه ولما ماتا ارتحل إلى الجزيرة وأخذ عمن بها ثم إلى ديار بكر وأخذ بها عن الشيخ محمود الأنطاكي ثم قدم دمشق سنة خمسين ومائة وألف وأقام بها وأخذ عن جملة من شيوخها كالشيخ محمد بن أحمد قولقسز والعماد إسمعيل العجلوني والجمال عبد الله البصروي والعالم علي الكزبري والعلم صالح الجنيني وعنه أخذ الفقه والشرف موسى المحاسني والشمس محمد الغزي العامري والشهاب أحمد المنيني والشمس محمد التدمري ونبل وفضل وأذن له شيوخه بالتدريس فدرس بالمدرسة الأحمدية ووردت عليه الطلبة للأخذ عنه وأجل من أخذ عنه شيخنا الشيخ خليل الكاملي وحصل كتباً كثيرة وبعض وظائف يسيرة ورحل إلى قسطنطينية في بعض أمور قضيت له وحج وصار في آخر أمره كثير الأمراض والأعراض وكانت وفاته بدمشق في أوائل ربيع الثاني سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من قبر أوس الثقفي رحمه الله تعالى. محمد الغزي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 ابن خليل بن رضي الدين بن سعودي ابن شيخ الاسلام النجم الغزي العامري الدمشقي الشيخ الفاضل البارع الكامل العالم العامل أبو الاخلاص ركن الدين ولد بدمشق سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ومات والده وهو صغير فنشأ يتيماً موفقاً وتلا القرآن العظيم على الشيخ محمد ذئب الحافظ وأخذ في طلب العلم فقرأ على ابن عمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي المفتي والعلم صالح بن إبراهيم الجنيني والسيد محمد بن سعد الدين العبي والشهاب أحمد بن علي المنيني والشرف موسى بن أسعد المحاسني والشهاب أحمد بن محمد قولقسز والشيخ أسعد المجلد وغيرهم ونبل وفضل وكتب الخط الحسن ونسخ به كتباً كثيرة وكان ذا سمت حسن منعزلاً عن الناس مشتغلاً بخويصة نفسه تاركاً لما لا يعنيه قانعاً باليسير طارحاً للتكلف ذا سكينة ووقار وتؤدة في أموره وله مطارحة لطيفة وحافظة قوية ظريف النكتة والنادرة كثير المحاضرة خطب في جامع التوريزية وهذه الخطابة قديمة لبني الغزي وكانت وفاته بدمشق سابع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد حاكم ابن خليل الملقب بحاكم على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم السيد الشريف الحنفي القسطنطيني أحد أعيان الكتاب في الدولة ومشاهيرهم العارف الشاعر الأديب الكاتب المنشئ مؤرخ الدولة ولد بقسطنطينية ونشأ بها وأخذ العلوم عن الفاضل أسعد الياينوي وأخذ الخطوط عن عبدي بن إسمعيل الكاتب وأتقن أنواعها ونظم ونثر وحصل أدباً ومعارف لا تنكر وصار من رؤساء كتاب الوزير المعبر عنهم بالخلفاء وأعطى رتبة الخواجكان في الديوان العثماني وصار كاتب جند السلحدار وهو منصب مخصوص يتولاه أعيان الكتاب واختير من جانب الدولة محرراً لوقائعها ومؤرخاً لحوادثها واستخدم مدة سنين في ذلك وحرر الوقائع وأرخها وله شعر بالتركية والفارسية مقبول وكانت وفاته سنة أربع وثمانين ومائة وألف. محمد أفندي السنطي ابن سنطه بيك المعروف بالسنطي الدمشقي هو من أولاد الأمراء الجراكسة ولد بدمشق وبها نشأ وكان أديباً شاعراً بالألسن الثلاث وآخر من أدركه وروي عنه شعره الأديب مصطفى بيك الترزي وكان من أخصاء الأمير منجك المنجكي صاحب الديوان وكانت داره في محلة الشاغور وكان قصر بني الفارة الذي بالصالحية شمالي الحاجبية له وكان من أكابر الأعيان والأدباء وأمراء السيف والقلم وتولى المدرسة الريحانية ووجهت عن محلوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 لفتح الله بن عبد الواحد الداديخي ومن شعره البديع قوله على الشفة الحمرا من المسك نقطة ... كشحرور روض في شقيق على نهر أتى لاقطاً حب اللآلي بمورد ... فصيد باشراك نصبن من الدر وكانت وفاته بدمشق سنة أربع عشرة ومائة وألف عن نحو تسعين سنة رحمه الله تعالى. محمد الضيائي ابن عبد الهادي الضيائي امام جامع درويش باشا بدمشق الشيخ الفاضل الكامل مولده في حدود الثمانين وألف وتوفي في ثالث عشر جمادي الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف وأرخ وفاته الأستاذ النابلسي. محمد زين الدين الغزي ابن زين العابدين بن زكريا ابن شيخ الاسلام البدر محمد الغزي العامري الدمشقي الشافعي الشيخ الامام أبو الاقبال صدر الدين كان عالماً عاملاً بارعاً في سائر العلوم سليم الباطن ولد بدمشق في غرة شهر ربيع الأول سنة عشر ومائة وألف ونشأ في كنف أبيه وأعمامه السادة الأعلام مشايخ الاسلام بدمشق الشام وقرأ القرآن العظيم واشتغل بطلب العلم وقرأ على والده وتفقه على ابن عمه الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي والعلاء علي بن أحمد الكزبري وقرأ العلوم العقلية كالمنطق والرياضي والكلام على المحب محمد بن محمود الحبال والشمس محمد بن خليل البغدادي نزيل دمشق وأجاز له كل من الشمس محمد بن علي الكاملي وولده العز عبد السلام والعماد إسمعيل العجلوني ونبل قدره ودرس بجامع الأموي بكرة النهار وفي الجامع الذي تجاه الحمام بمحلة الخراب بين العشاءين ولم يزل على هذه الطريقة إلى أن توفي وكانت وفاته ليلة السبت غرة محرم افتتاح سنة احدى وثمانين ومائة وألف ودفن بحضور جمع حافل بتربة الباب الصغير بالجهة القبلية بالقرب من سيدنا بلال رحمه الله تعالى. محمد الكفيري ابن زين الدين عمر الملقب باسطا العالم بن عبد القادر ابن العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد الكفيري صاحب التآليف المفيدة منها شرحه علي البخاري في ست مجلدات الحنفي الدمشقي البصير الشيخ العالم العلامة الفقيه الفاضل الأديب الماهر المتقن كان متبحراً في الفنون معقولاً ومنقولاً ولد بدمشق في يوم الجمعة بعد صلاتها الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وألف وسماه والده بيحيى ثم بعد أيام قليلة سماه جده لأمه بمحمد لأمر اقتضى ذلك وأقره على ذلك ولما توفي والده كان عمره ثمان سنوات فحفظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 القرآن وقرأ على جده لأمه الشيخ محمد بن محمد الدكاني بمكتب السنانية ثم اشتغل بعلم التجويد على الشيخ حسين بن اسكندر الرومي الحنفي نزيل كلاسة دمشق صاحب التآليف وغيره من الشيوخ لازمهم وقرأ عليهم وأخذ عنهم كالشيخ إسمعيل الحنفي الحائك وهو أجلهم والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ رمضان العطيفي والشيخ عثمان القطان والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ يحيى الشاوي المغربي والشيخ حسن العجيمي المكي والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ علي الشبلي المكي والشيخ حسن ابن الشيخ حسن الشرنبلالي صاحب التآليف والشيخ خير الدين الرملي والشيخ محمد الدكدكجي والشيخ الأستاذ العارف زين العابدين الصديقي المصري حين قدم دمشق وغيرهم وتفوق بالعلوم وأحرز قصبات السبق وألف وحرر فمن تآليفه حاشيته على الأشباه والنظائر في الفقه الحنفي وكان شيخه الحائك قد شرع في تآليفه ولم يكملها فبعد وفاته أتمها هو وله شرح على الآجرومية في العربية سماه الدرة البهية على مقدمة الآجرومية واعراب على ألفاظها سماه الأنوار المضية في اعراب ألفاظ الآجرومية وكان قبل ذلك نظمها في أبيات تنوف على مائتي بيت وسبعين بيتاً سماها غرر النجوم في نظم ألفاظ ابن آجروم وله مقدمة في القراءة سماها بغية المستفيد في أحكام التجويد وله العرف الندي في تخميس لأمية ابن الوردي وله غير ذلك من التحريرات المفيدة والتقريرات السديدة كما هو محرر في ثبته المسمى باضاءة النور اللامع فيما اتصل من أحاديث النبي الشافع وكان مرة في مكتب السنانية وعنده الشيخ رجب الحريري الحمصي الشاعر لكونه كان كثير التردد إليه فبينما هما جالسان إذا برجل مار في الطريق خارج المكتب فلما دنا من الكفيري المترجم عرفه فقال أين الغرض فقال له في غد وانصرف من ساعته فالتفت الشيخ رجب الحريري للكفيري وقال له ما هذا الرجل قال له انني من مدة أيام أعطيته ماعوناً من الورق ليصقله لي فأخذه ولم يرده لي فأنا من ذلك اليوم كلما رأيته أطالبه به وهو يقول لي في غد آتيك به كما رأيته الآن فقال الشيخ رجب للمترجم هات القلم والدواة فأعطاه إياهما فكتب ارتجالاً هذين البيتين وهما قوله تباً وسحقاً لصقال صحائفه ... مسودّة لم يزل للكذب ينقله أعطيته الدست كي يصقله من ورق ... فلم يعده فليت الدست يصقله أقول وهذا مثل جار على ألسنة العوام والدست في العربية له معان أربع وفي الفارسية اليد والدست الصحراء معرب دشت قال الأعمش قد علمت فارس وحمير ... والأعراب بالوست أيكم نزلا ومن الثياب والورق وصدر البيت قال ابن الكمال إنه لغة مشتركة في الفارسية كما قدمناه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 بمعنى اليد وفي العربية يجئ بمعان أربع وهي اللباس والرياسة والحيلة ودست القمار وجمعها الحريري في قوله نشدتك بالله ألست الذي أعاره الدست قلت لا والذي أجلسك في هذا الدست ما أنا بصاحب ذلك الدست بل أنت الذي تم عليه الدست انتهى والدست تستعمله العامة لقدر النحاس ولسليمان بن عبد الحق في بعض أهل الديوان وكان يلقب بالقط ما نال قط الدست من فعله ... غير سخام الوجه والسخط ولي عن الدست على رغمه ... وانقلب الدست على القط ولصاحب الترجمة نظم كثير فمن ذلك قوله مضمناً بي ظبي أنس له ليث الشري خضعا ... محجب لو رآه البدر ما طلعا مهفهف القدّ قاني الخد شمس ضحى ... في حندس الشعر بدر نوره سطعا حلو المراشف معسول اللمى رشأ ... أحوى لقد حاز أوصاف البها جمعا يسطو بذابل قدّ راق منظره ... وسهم مقلته في مهجتي وقعا قد هدّ ركن اصطباري طول جفوته ... وأكسب الجسم بعد الصحة والوجعا خفيت سقماً عن العذال حين أتوا ... يبغون ما لم يروا فيه لهم طمعا رقوا لما قد رأوا من حالتي وبكوا ... وأخبروا الحب عني فانثنى جزعا فقلت والشهد في فيه الشهيّ بدا ... والورد والآس في خديه قد جمعا يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا وهذا البيت قد ضمنه جماعة كثيرون فمن ذلك قول الشيخ رمضان العطيفي عذالنا مزقوا شملاً قد اجتمعا ... وشتتوه فليت الحب ما صنعا فبان عني فبات الجمر في جسدي ... ودمع عيني على خديّ قد هما فمذ رأوا حالتي رقوا لما نظروا ... فأخبروه فأضحى خائفاً جزعا فقلت لكن بلا لفظ أحدثه ... والصبر فارقني والشوق قد جمعا يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا ومن ذلك تضمين الشيخ حسن البوريني قد حدثوك على بعد المزار بما ... قد أودع السقم في جسمي وما صنعا يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا ومن ذلك تضمين الشيخ عبد اللطيف المنقاري تباً ليوم النوى كم أثخنت يده ... قلبي جراحاً فطر في بالدما همعا أمسيت فيه طريحاً من جفا رشا ... حو الشمائل في روض الحشا رتعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 سارت إليه الصبا تنبيه عن خبري ... وكيف سهم النوى في مهجتي صنعا قالت له إنه ما فيه من رمق ... مثلي عليل فأبدى اللهف والجزعا فقلت والدمع من عينيّ منحدر ... وبدر سؤدده في الأفق قد طلعا ومن ذلك ما ضمنه الشيخ محمد بن محمود امام جامع يلبغا بدمشق قد حدثوا من أطار النوم وانتزعا ... بحال مضني كئيب القلب ما هجعا فقلت إذ لم يفوا في بعض ما وصفوا ... به غرامي وما بي الشوق قد صنعا يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا ومن ذلك تضمين الفاضل الشيخ ابن علي الصفوري الدمشقي إن جئت حي أميري صف له شجني ... وطول سقمي وما ألقى فإن سمعا فأشرح له حال صب مغرم دنف ... قد قطع البعد عنه قلبه قطعا لا يستقرّ له في منزل جسد ... وطرفه بعده والله ما هجعا وأذكر له أن حبي زاد فيه وهل ... يخشى تغير ما في الطبع قد طبعا وأنشده عهداً مضى بالأبرقين لنا ... والبدر شاهدنا لما إليه سعى عساه تعطفه تلك العهود وكم ... خل إلى العهد والميثاق قد رجعا وأسرع بلطف وقل مستعطفاً ملكاً ... بيتاً إلى ذكره حال المشوق دعا يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا وقد ضمنه أيضاً المولى حسين بن محمد القاري الدمشقي فقال بالله سل طرفي السهران هل هجعا ... وما به العشق والتبريح قد صنعا قد حدث الناس عن مضنى الهوى دنف ... وما أصابوا ولكن شنعوا شنعا يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا وللمترجم مخمساً بيتي الأمير منجك المنجكي بقوله يا من بمحتده ارتقى ... مؤملاً عدم الشقا قد غره طول البقا ... عمر فؤادك بالتقى واحذر بأنك تلتهى لأتركننّ لجاحد ... نعم الآله معاند وألزم طريقة هاجد ... وأعمل لوجه واحد يكفيك كل الأوجه وكنت في الروم شطرت هذين البيتين المذكورين فقلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 عمر فؤادك بالتقى ... وعن الخطا كن منتهى واعبد الهك دائماً ... واحذر بأنك تلتهى واعمل لوجه واحد ... وارغب به بتوله فرضاً الآله وعفوه ... يكفيك كل الأوجه ثم رأيت في أحد المجاميع تشطيرهما للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق وهو قوله عمر فؤادك بالتقى ... فلك السعادة تنتهى وعن الدنا كن معرضاً ... واحذر بأنك تلتهى واعمل لوجه واحد ... مع صدق حسن توجه وبحكمه كن راضياً ... يكفيك كل الأوجه وللمترجم مشطراً ما تم إلا ما يري ... د فمن تعني ما ربح إن رمت بنا الارتيا ... ح فدع همومك واطرح واترك وساوسك التي ... منها صميمك قد جرح ودع الشواغل عنك إن ... شغلت فؤادك تسترح وقد ضمن البيتين المذكورين العلامة المولى محمد بن حسن الكواكبي مفتي حلب الشهباء بقوله حتام في ليل الهمو ... م زناد فكرك ينقدح قلب تحرّق بالآسى ... ودموع عين تنسفح ارفق بنفسك واعتصم ... بحمى المهيمن تنشرح واضرع له إن ضاق عن ... ك خناق حالك تنفسح ما أمّ ساحة جوده ... ذو محنة إلا منح أو جاءه ذو المعضلا ... ت بمغلق الا فتح فدع السوي وانهج على ... النهج القويّ المتضح واسمع مقالة ناصح ... إن كنت ممن ينتصح ما تمّ إلا ما يري ... د فدع همومك واطرح واترك وساوسك التي ... شغلت فؤادك تسترح وضمنهما أيضاً المولى السيد عبد الله الحجازي الحلبي بقوله يا أيهذا المصطلح ... قل لي بماذا تصطلح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 أفسدت عيشك بالعنا ... وزعمت انك تنشرح وأضات حتى كدت في ... نار الغواية تلتفح حتام تهنأ بالذي ... تكفي وأنت به الملح وإلام تركن للحيا ... ة ومن وراها تجترح أو ما ترى الدنيا ويج ... معها الشتيت المنكسح والله ما افتخر العز ... يز بعزها إلا طرح كلا ولا مرح الجوا ... د برحبها إلا كسح فأقنع بمجناها القلي ... ل ولا تمار فتفتضح واجعل مؤنتك التقي ... فهو الطريق المتضح وإذا الهموم تزاوجت ... فالصبر أنتج ما لقح لا تيأسن من أن تدا ... ويك الأمور وتنشرح فلربما سرّ الحزي ... ن وربما غمّ الفرح والله أكرم من ير ... جى في المهم المفتضح فكل الأمور للطفه ... وإلزم حماه المنفسح واعمل بنصح مسدد ... من في تجارته ربح ما تم إلا ما يري ... د فدع همومك واطرح واترك وساوسك التي ... شغلت فؤادك تسترح وضمنهما الأديب حسن المحملي الحلبي فقال أتعبت قلبك فاسترح ... فعليل وهمك لا يصح فابسط لفكرك واتقي ... فمضيق قلبك ينفسح واقرع إلى باب الآل ... هـ بذل نفس ينفتح ما أمه ذو حاجة ... من جوده إلا منح أو قد دعاه بشدة ... من علة إلا صلح فهو المبعد من يشا ... وهو المقرب من نزح فأجلى إلى غسق الهمو ... م بنور عقل قد وضح وابرئ فؤادك من أذى ... بمدى التفكر قد جرح واسمع مقالة عارف ... هو ناصح من ينتصح ما تم إلا ما يري ... د فدع همومك واطرح واترك وساوسك التي ... شغلت فؤادك تسترح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 وللمترجم قوله ثلاث من تكن ياخل فيه ... فمغرور وأجدر بالملام فأولها اليقين بكون أمر ... وليس له وجود في الأنام وثانيها المطامع في مراد ... إليه وصوله صعب المرام وثالثها الركون إلى جليس ... بلا عهد يراه ولا ذمام فحد عنها لكي ترقى مقاماً ... وتحظى بالتحية والسلام عقد في الأبيات قول بعضهم ثلاث من تكن فيه كان مغروراً من صدق بما لا يكون وطمع فيما لا يناله وركن إلى من لا يثق به وله أيضاً من كان فيه ثلاث حاز مرتبة ... أعني حلاوة ايمان فلم يضم حلم يردّ به جهل الذين خلوا ... من سالف العصر عن علم وعن حكم ومن له ورع قد صار مانعه ... عن المحارم فاحذر زلة القدم ومن له خلق قد زانه حسن ... أضحى يداري به الانسان فافتهم فاجمع خصا لا غدت للمجد جامعة ... من نالها يحظ بالاجلال والنعم عقد في الأبيات أيضاً قول الآخر من كان فيه ثلاث وجد حلاوة الايمان علم يرد به جهل الجهال وورع يمنع به عن المحارم وخلق حسن يداري به الناس وله مشطراً ولدتك أمك باكياً مستصرخاً ... رغماً عليك على القضاء صبورا لم تدر ما الدنيا ولا نكباتها ... والناس حولك ضاحكون سرورا فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا ... راجين من كرم الآله أجورا فعسى ترى إن هم بكوا وتحلقوا ... من حول قبرك ضاحكاً مسرورا وله مشطراً سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب ... رجاء بأن تمحي ذنوبي العظائم فاعفو عن الجاني عليّ بظلمه ... وإن كثرت منه عليّ جرائم وما الناس إلا واحد من ثلاثة ... بذا قد قضى بين البرية حاكم مراتبها أعلى وأدنى ومشبه ... شريف ومشروف ومثل مقاوم فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... هو الماجد الحبر الذي لا يقاصم فأقفوه في أقواله واجتهاده ... وأتبع فيه الحق والحق لازم وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا ... أقابله بالأغضا لأني مسلم وإن رام إكراماً وأبدي اعتذاره ... تفضلت إن الفضل بالخير لازم وله مشطراً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 المرء محتاج إلى خمسة ... يرقى بها في الناس أوج الكمال فجدّ في تحصيلها إنه ... ما حازها إلا فحول الرجال الصبر والصمت وترك الآسى ... أكرم بها في حسنها من خصال فهي ثلاث شبه در غدت ... وعفة النفس وصدق المقال وله غير ذلك وكانت وفاته في سابع جمادي الثانية سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير قرب أويس رضي الله عنه ورحمه الله تعالى. محمد رحمة الله الأيوبي ابن رحمة الله بن عبد المحسن بن يوسف جمال الدين بن أحمد بن محمد المتصل النسب بأبي أيوب خالد الأنصاري الشهير بالأيوبي الحنفي الدمشقي الشيخ الامام الفقيه النحرير الأديب المفنن العالم العامل الناظم الناثر ولي الدين ولد بدمشق سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها منهم والده وقريبه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ إسمعيل الحائك المفتي والشيخ إسمعيل بن عبد الباقي اليازجي وعنهما أخذ الفقه والشيخ أبو المواهب محمد الحنبلي والشيخ محمد بن علي الكاملي وغيرهم وبرع وفضل واشتهر بالفضل والذكاء ونظم ونثر ودرس وأفاد وارتحل للديار الرومية قسطنطينية مراراً وصارت له رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي ودرس بمدرسة البيانية بمحلة طالع القبة وله شعر لطيف منه قوله مخمساً امام الرسل مدحك لي يروق ... وجاه علا جنابك لا يضيق لأنت المقصد الأسنى حقيق ... نعم لولاك ما ذكر العقيق ولأجابت له الفلوات نوق لكم أوضحت من سر مصون ... وصنت من المهالك أي صون لئن أسعفت من دهري بعون ... نعم أسعى إليك على جفوني تدانى الحيّ أم بعد الطريق بلغت مكارماً كانت مزايا ... بها كل الأنام غدت لجايا إليك من النوى أبدي شكايا ... إذا كانت نحن لك المطايا فماذا يفعل الصب المشوق وقوله مخمساً يا مجتبي بدء وأشرف خاتم ... يا من بعثت متمماً لمكارم يا من أتانا بالهدى من راحم ... يا مصطفى من قبل نشأة آدم والكون لم تفتح له أغلاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 أعذر قصور اللفظ عنك تكرماً ... يا أشرف الثقلين بل يا أعظما من رام أن يحصى ثناءك أفحما ... أيروم مخلوق ثناءك بعدما أثنى على أخلاقك الخلاق وقوله في فوارة فوّارة تشبه في جريها ... أملودة من فضلة خالصة تستوقف الأبصار في حسنها ... كأنها جارية راقصة وله في عريش على الأغصان قوله كأنما الكرمة إذ أرسلت ... من فوق غصن مائل غض ذوائب الحسناء قد أسبلت ... على قوام ناعم فضي وقوله قالوا هجرت الشام وهي شريفة ... فيها المنى والأمن والبركات فأجبت حقاً ما تقولوا جنة ... حفت بمكروه بها الحسرات وقوله قالوا دمشق حوت كل المنى وزهت ... على البلاد بها من كل مرغوب فقلت لكن بها قلّ الوفاء فلا ... يرى بها ذو وفاء غير مغلوب وقوله في الزنبق انظر إلى زنبق الرياض بدا ... وعرفه أنعش الورى طربا بساعد من زبرجد نضر ... وكفه فضة حوى ذهبا وقوله فيه وزنبق الربيع قدزان الربا وعطراويده البيضاء قد حوت نضاراً أصفراًممتدّة في روضهاتنفث مسكاً أذفرا كأنها تومي لأن ... يأخذ منها من يرى وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وبالجملة فقد كان من أفراد العالم علماً وعملاً وذكاء وكانت وفاته شهيداً بقسطنطينية سابع شعبان سنة خمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الحفني ابن سالم بن أحمد الشافعي المصري الشهير بالحفني الشيخ العالم المحقق المدقق العارف بالله تعالى قطب وقته أبو المكارم نجم الدين ولد بحفنة قرية من قرى مصر قريب بلبيس سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 احدى ومائة وألف ودخل الأزهر واشتغل بالعلم على من به من الفضلاء كمحمد بن عبد الله السجلماسي وعيد بن علي النمرسي ومصطفى بن أحمد العزيزي والشمس محمد بن إبراهيم الزيادي الملقب بعبد العزيز وعلي بن مصطفى السيواسي الحنفي الضرير والجمال عبد الله الشبراوي والشهابين أحمد الملوي وأحمد الجوهري والسيد محمد بن محمد البليدي والشمس محمد بن محمد البديري الدمياطي وأخذ الطريقة الخلوتية عن القطب مصطفى بن كمال الدين البكري وتربى على يديه وألف التآليف النافعة منها حاشية على شرح الهمزية لأبن حجر وحاشية على شرح رسالة الوضع وحاشية على حاشية الحفيد على المختصر وحاشية على شرح الرحبية للشنشوري وغالب حواشي أخيه الجمال يوسف مأخوذة منه وكان يدرس أولاً بالسنانية وبالوراقين ثم في الطبرسية داخل باب الجامع ثم لما توفي الجمال عبد الله الشبراوي نقل التدريس إلى محله داخل الجامع وكان يحصر درسه أكثر من خمسمائة طالب حسن التقرير ذا فصاحة وبيان شهماً مهاباً محققاً مدققاً يهرع إليه الناس جميعاً واشتهرت طريقة الخلوتية عنه في مشرق الأرض ومغربها في حياته وكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة احدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد المواهبي ابن صالح بن رجب المعروف بالمواهبي الحنفي الحلبي القادري الخلوتي الشيخ الامام العالم الفاضل الصوفي المفضال المسلك الكامل كان متبحراً في فنون العلوم من منطوق ومفهوم مشتغلاً بنشرها وتعليمها وخدمة الحديث والقيام بمصالح الطريق وحل رموزها ولد بحلب في ليلة الأربعاء بعد صلاة المغرب الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة ست ومائة وألف وكان والده الشيخ العارف معتكفاً مع شيخه العالم الرباني الشيخ قاسم الخاني في الخلوة الأربعينية بالمدرسة الحلاوية فأخبر شيخه بمجئ ولده المترجم فسماه الشيخ محمد هداية الله فحصلت الهداية له فنشأ المترجم مكباً على طلب العلم وتفقه على والده وأخذ عنه الطريق وسلك على يديه وأخذ العلم قراءة ومشافهة واجازة على كثيرين منهم الشيخ سليمان النحوي أخذ عنه وعن الشيخ عبد الرحمن العارف النحوي وقرأ المعاني والبيان ومنظومة الأصول على المولى أبي السعود الكواكبي وقرأ المنطق والعروض والحساب والفرائض على الشيخ السيد علي الباني وقرأ كثيراً من العلوم على الشيخ حسن السرميني وأخذ الحديث عن كثير من العلماء كالشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ الياس الكردي والشيخ محمد حياة السندي نزيل المدينة المنورة ثم لما جاء ابن الطبيب إلى حلب وكان اجتمع به في المدينة لما كان حاجاً المترجم سمع منه الحديث المسلسل بالأولية ثم قرأ عليه البخاري في حلب بطرفيه وأجازه وجلس على سجادة المشيخة بعد وفاة والده في سنة اثنتين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وخمسين ومائة وألف وأخذ عنه الطريق خلق كثيرون وكان عالماً فاضلاً مواظباً على الافادة والاقراء وكانت وفاته يوم الأربعاء منتصف شوال سنة سبع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الروزنامجي ابن طاهر بن أحمد المعروف بالروزنامجي الدمشقي الأديب كان شاعراً كاتباً بارعاً نبيهاً فائقاً لطيفاً منهمكاً في النشاط ولد بدمشق وبها نشأ وأخذ الخط عن الكاتب جعفر المعروف بشكري الدمشقي وتتلمذ له وتعلق بنظم الشعر وأعطاه الله الفهم والذكاء والحذق ويحكى إنه كان عشق غلاماً يسمى مراداً من أهالي الشام وصرف عليه مبلغاً كثيراً من الدراهم وكان مهما جاءه يصرفه عليه وله فيه الشعر الرائق منه قوله لا كان يوم مراد ... ساق العذاب إلينا وكم به من عناء ... وشدة قد رأينا أهان منا نفوسنا ... كانت تعز علينا ومنه قوله بأبي أغيد أذاب فؤادي ... ليلة زارني بلا ميعاد بات يسقى ويشرب الراح حتى ... ميل السكر رأسه للوساد عندها فزت بالمرام ونلت ال ... وصل منه على أتم مراد وقوله أيضاً وكان أحد بني الغزي الدمشقيين شغفه ما شغفه بمراد فكتب هذين البيتين وأجاد في التورية ولما أتى اللوّام يبغوا نصيحتي ... وقالوا كفى ذلاً فبادر إلى العز وخذ بدلاً عن ذا المراد بغيره ... فقلت لهم إنا تركناه للغزي وله أيضاً خذ صحيح العشق عن دنف ... لأحاديث الهوى درسا طاهر في الحب شيمته ... في الهوى لا يعرف الدنسا لعبت أيدي الظباء به ... فغدت أركانه درسا كل ظبي يزدهي عجباً ... وقضيب ينثني ميسا صاد قلبي منهم رشأ ... حبه في مهجتي غرسا لا أرى من بعده قمراً ... لفؤادي والحشا أنسا ياله بدراً بطلعته ... أشرق الديجور والغلسا كم عذول فيه عنفني ... مضرماً من عذله قبسا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 عن مراد لا أرى عوضاً ... وفؤادي منه ما يئسا رشأ قد زانه حور ... لحظه أسد الشرى افترسا وجهه قد جلّ عن كلف ... فتراه قط ما عبسا ثغره يفترّ عن برد ... من لماه يجتنى لعسا وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى. السيد محمد القدسي ابن السيد عبد الرحيم المقدسي الجهبذ الهمام أفقه الحنفية الامام ابن لامام أخذ العلم عن والده علامة الأنام وغيره من أساتذة الأعلام وكان أبوه شامخ الهمم راسخ القدم غزير العلوم عزيز الفهوم صاحب تحرير وتقرير رحل لمصر فبرع فيها حتى شهد له أهل العصر فرجع وتصدر بأمر الدولة لأفتاء الحنفية بالبلدة المباركة القدسية وكان أعجوبة الدهر وأحدوثة العصر في المتانة في العلوم النقلية وإليه المنتهى في المدارك العقلية فتأواه محكمة محررة ومزاياه معلومة مقررة توجه للروم وانتقل بها إلى رحمة الحي القيوم وبعد مدة جاء الأمر من الدولة الخاقانية بالأذن بالافتاء لصاحب الترجمة العرفانية فقام فيها قيام أولي العزم والثبات وأنبته الله أحسن الثبات مؤدياً للأمانة رافلاً في حلل النباهة والفطانة ناصراً للمنهج النعماني رادعاً بصولته لحكام العرف بالسيف البرهاني يشد النكير عليهم ولا يبالي ناشراً لجواهر العلوم الغوالي وله الفتاوي الحسنة المسماة بالمحمدية عباراتها عذبة مرضية وهو من بيت شامخ العماد راسخ الأوتاد لهم مدة سنين يرثون العلوم ويورثونها للآباء والبنين شهرتهم ببيت أبي اللطف أصحاب المجد والعطف ولأسلافه تآليف تزري بقلائد النحور بل تفوق سوالف أبكار الحور وما زال في منهجه المبرور وسعيه المشكور إلى أن شرب كأس هاذم اللذات وأيتم البنين والبنات فرمى القلم والقرطاس وفاضت نفسه حين شرب من ذلك الكأس وسكن اللحود مع الجدود وصار حديث أمس رهين الرمس ببلدته القدسية بتربة باب الرحمة الأنسية. محمد التاجي ابن عبد الرحمن بن تاج الدين المعروف بالتاجي وتقدم ذكر والده الحنفي البعلي صاحب الفتاوي المعروفة بالتاجية خاتمة العلماء الأعلام وعمدة المحققين العظام كان عالماً محققاً فقيهاً نحريراً فاضلاً فريد وقته في العلوم معقولها ومنقولها ولد في سنة اثنتين وسبعين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 وألف وأخذ في ابتداء شبابه على والده وعلى الشيخ إبراهيم الفتال لازمه كثيراً وقرأ عليه وحضره في التفسير وكان يرجحه على أقرانه شديد الاعتناء والحرص على افادته وقرأ واستجاز من الشيخ إسمعيل الحائك المفتي وقرأ على الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وأجازه وقرأ على الشيخ عبد القادر العمري ابن عبد الهادي وعلى الشيخ يس الفرضي البقاعي في الفرائض وعلى الشيخ عبد القادر التغلبي كذلك في الفرائض وعلى الشيخ أبي السعود القباقبي والشيخ محمد علاء الدين الحصكفي قرأ عليه الفقه والتفسير وحضره في البخاري لما قدم بعلبك وأعاد له والد المترجم ومن مشايخه الشيخ عبد الكريم والشيخ عبد الرحيم الكابلي والشيخ الياس الكردي وقرأ على الجد الكبير الأستاذ السيد مراد البخاري ولما قدم بعلبك الجد المذكور أوصاه بوصايا سنية ولما ركب قال يا أهل بعلبك والله ليس في الديار العربية أفضل من مفتيكم فشدوا عليه الأيدي وقرأ أيضاً على الشيخ محمد الكاملي والشيخ عبد الكريم الغزي والشيخ محمد الباسطي مفتي الحنابلة ببعلبك والشيخ عبد الله البهائي مفتي الشافعية بها وأخذ عن الشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الكردي نزيل المدينة صاحب الاشاعة وغيرها وكذلك الأستاذ الأعظم الشيخ إبراهيم الكوراني نزيلها أيضاً وقرأ على الشيخ أبي المواهب الحنبلي الدمشقي شرح الشاطبية وجمع عليه من طريق السبعة وشرح كشف الغوامض وحضر دروسه في الفقه والتفسير والحديث والأصول وأجازه ولما حج أخذ عن الشيخ أحمد النخلي المكي وأجازه تجاه الكعبة وعن الشيخ سعد الله اللاهوري الهندي والشيخ محمد الرصاصي شارح السنوسية والشيخ عبد الله البوسنوي نزيلها أيضاً وأجازه الامام الكبير الأستاذ الشيخ زين العابدين الصديقي المصري وأخذ عن الشيخ صالح المطري امام جامع قباء وغيرهم من الجهابذة ثم جلس للتدريس في جامع بني أمية وحضره جمع من الأفاضل وطلب كتابة الفتوى عند المولى شهاب الدين العمادي المفتي فتولاها ثم تركها وتوجه إلى بعلبك وصار مفتياً بها ملازماً للدروس ترد عليه الفتاوي والأسئلة من كل جانب وألف الفتاوي التاجية وأعطاه والده في حياته ثلثي ماله ولأخيه الثلث وكان من نيته التوجه إلى طرابلس الشام مهاجراً من بلده وأصبح قاصداً التوجه إلى صلاة وجلس هو وأولاده يقرأ عليهم شيئاً من البخاري فما شعر إلا والباب قد فتح قليلاً فخرجت بندقية أصابت رصاصتها فؤاده فقال يا لطيف وكان آخر كلامه ذلك ومن اتهم بقتله مزقتهم يد القدرة ولم يعلم قاتله وكان ذلك في سنة أربع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الغزي ابن عبد الرحمن بن زين العابدين الغزي الشافعي الدمشقي مفتي الشافعية بدمشق وأوحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 من ازدهت بفضائله وتعطرت أكنافها بعرف علومه وفواضله وقد تقدم والده وجملة من أقاربه وكان عالماً فاضلاً محدثاً نحريراً متمكناً متضلعاً غواص بحر التدقيق ومستخرج فنونه أديباً بارعاً المعيا صالحاً فالحاً له الفضل التام مع الذكاء الذي يشق غلالة الدجنة والحافظة التي لم يطرق خباءها سهو واللطف الذي لو مشى به على طرف ما انطرف والمحاضرة الآخذة بمجامع الرقة من كل طرف وكان عجباً في علم التاريخ والأنساب وإيراد المسائل والفوائد العلمية والأدبية ولد بدمشق في ليلة الجمعة بعد أذان عشائها ليلة الثامن عشر من شعبان سنة ست وتسعين وألف ونشأ في كنف والده وماتت والدته وسنه دون السبع ومن الله عليه في صغره بسرعة الفهم وملازمة الصلوات فقرأ القرآن تعليماً على الشيخ محمد بن إبراهيم الحافظ وبعد أن ختم عليه القرآن تعليماً أقرأه الجزرية ومقدمة الميداني ومقدمة الطيبي في علم التجويد ثم تعلم الخط واشتغل بطلب العلم على والده وعلى غيره من الأساتذة كالشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ خليل الدسوقي حضره قراءة في شرح المنهاج وشرح التحرير لشيخ الاسلام وغير ذلك وقرأ قليلاً من الفقه على قريبه الشيخ السيد نور الدين الدسوقي وكذلك الشيخ عثمان بن حموده ثم شرع في القراءة على الشيخ أبي المواهب الحنبلي ولزم دروسه وقرأ عليه شرح الجزرية لشيخ الاسلام زكريا ولأبن الناظم ثم القواعد البقرية ثم الشاطبية ثم شرح النخبة لأبن حجر ثم شرح الألفية في المصطلح للقاضي زكريا وسمع عليه في كثير من كتب الحديث منها غالب صحيح البخاري وأطراف مسلم والسنن الأربعة وموطأ مالك والمشارق للصغاني والمصابيح للبغوي وشرح الألفية لناظمها الحافظ العراقي وأجازه وأذن له بالتدريس والافتاء ومن مشايخه عثمان بن محمد الشمعة قرأ عليه في النحو والأصول والفقه والمعاني والبيان وغير ذلك كتباً عديدة سماعاً وقراءة وكذلك الشيخ عبد الجليل بن أبي المواهب المذكور ومنهم الشيخ الياس الكردي قرأ عليه شرح التلخيص المختصر وشرح العقائد للسعد وسمع عليه كتباً كثيرة من كتب العلم منها شرح جمع الجوامع وشرح ايساغوجي في المنطق للحسام وقرأ على الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق شرح العقائد للسعد ولم يتمه وحضر دروس الشيخ محمد بن محمد البديري الدمياطي المعروف بابن الميت لما قدم إلى دمشق ودرس في صحن الجامع الأموي في الأربعين النووية وبعد ارتحاله لبلده دمياط استجاز منه المترجم فأجازه اجازة مطولة وحضر دروس الشيخ محمد بن محمد الخليلي لما قدم إلى دمشق وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية وسمع كذلك الحديث المذكور من الشيخ أبي طاهر ابن الأستاذ العالم الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المنورة لما حج في سنة أربع وأربعين وحضر دروس الشيخ محمد مفتي المالكية بدمشق في الجامع الأموي وقرأ عليه جانباً من شرح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 القطر للفاكهي ولزم دروس الشيخ عبد القادر بن عمر التغلبي الحنبلي مفتي الحنابلة بدمشق وقرأ عليه شرح الرحبية للشنشوري وشرح كشف الغوامض وسمع عليه شرح الترتيب بتمامه وكتب عليه الحساب وأجازه وحضر دروس المولى محمد بن إبراهيم العمادي مفتي الحنفية بدمشق في المدرسة السليمانية وحضر دروس عمه الشيخ عبد الكريم الغزي مفتي الشافعية بدمشق في المدرسة الشامية البرانية في شرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا وأجاز له لفظاً مراراً عديدة وصحب الشيخ السيد تقي الدين الحصني وسمع من فوائده وانتفع بتربيته وحضر دروس السيد الشريف المولى إبراهيم بن محمد بن حمزة الحسيني نقيب الأشراف بدمشق في داره في صحيح البخاري وأجاز له وأجاز له الشيخ أحمد بن محمد النخلي المكي من مكة وفي سنة احدى وعشرين صاهر الأستاذ الرباني الشيخ عبد الغني النابلسي وسكن عنده في داره بالصالحية وشرع في القراءة عليه فقرأ عليه مغنى اللبيب بطرفيه مع مطالعة حاشيته للشمني وقرأ عليه جانباً كبيراً من شرحه على الفصوص وشرح رسالة الشيخ أرسلان له وشرحه على التحفة المرسلة ثم قرأ عليه الفتوحات المكية للشيخ العارف سيدي محيي الدين بن العربي قدس سره العزيز بطرفيها ثم قرأها عليه مرة ثانية بطرفيها وقرأ عليه الجامع الصغير للسيوطي مع مطالعة شرحه الكبير للمناوي وقرأ عليه روض الرياحين لليافعي وقرأ عليه السيرة النبوية للشيخ الحلبي وسمع عليه شرحه على الديوان الفارضي بقراءة الشيخ الفاضل الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وسمع من لفظه صحيح البخاري بتمامه في الأشهر الثلاثة واجتمع بجدي العارف الشيخ مراد البخاري وزاره مرات وتبرك به وسمع من فوائده ومهر في العلوم وتفوق بها وجلس لاشتغال الطلبة بالعلوم والتدريس في المدرسة العمرية بصالحية دمشق من ابتداء سنة اثنين وعشرين ومائة وكان في أيام الشتاء يتحول إلى داره في دمشق ويجلس في الجامع الأموي ولما تولى تدريس المدرسة الشامية البرانية مع الافتاء على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه في أواخر شهر رجب سنة خمس وخمسين ومائة وألف شرع في إلقاء الدروس بها في المنهاج ولما تولى تدريس الحديث في الجامع الأموي تجاه ضريح سيدنا يحيى عليه السلام شرع في قراءة صحيح البخاري من أوله وألف تاريخاً سماه ديوان الاسلام يجمع العلماء والمشاهير والملوك وغيرهم وكان رحمه الله تعالى ماهراً وعمدة في التاريخ والأدب وحفظ الأنساب والأصول وتراجم الأسلاف وبالجملة فقد كان فرد الزمان وله شعر باهر وفضل ظاهر فمن شعره قولهن لليافعي وقرأ عليه السيرة النبوية للشيخ الحلبي وسمع عليه شرحه على الديوان الفارضي بقراءة الشيخ الفاضل الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وسمع من لفظه صحيح البخاري بتمامه في الأشهر الثلاثة واجتمع بجدي العارف الشيخ مراد البخاري وزاره مرات وتبرك به وسمع من فوائده ومهر في العلوم وتفوق بها وجلس لاشتغال الطلبة بالعلوم والتدريس في المدرسة العمرية بصالحية دمشق من ابتداء سنة اثنين وعشرين ومائة وكان في أيام الشتاء يتحول إلى داره في دمشق ويجلس في الجامع الأموي ولما تولى تدريس المدرسة الشامية البرانية مع الافتاء على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه في أواخر شهر رجب سنة خمس وخمسين ومائة وألف شرع في إلقاء الدروس بها في المنهاج ولما تولى تدريس الحديث في الجامع الأموي تجاه ضريح سيدنا يحيى عليه السلام شرع في قراءة صحيح البخاري من أوله وألف تاريخاً سماه ديوان الاسلام يجمع العلماء والمشاهير والملوك وغيرهم وكان رحمه الله تعالى ماهراً وعمدة في التاريخ والأدب وحفظ الأنساب والأصول وتراجم الأسلاف وبالجملة فقد كان فرد الزمان وله شعر باهر وفضل ظاهر فمن شعره قوله سقياً لآدم الصبا المعهود ... ما بين رامة والنقا فزرود ومراتع الآرام من سفح اللوى ... ترعى ظلال زلاله المورود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 ولبان وادي المنحني وأراكه ... وتنعمي في ظله الممدود أيام عيشي في النضارة مشبه ... خضر العوارض في بياض خدود أيام لا أنفك طالب رشفه ... من مبسم أو قبلة من جيد أيام أجنى الوصل من غصن المنى ... وأرى جني الآمال غير بعيد ما ينقضي ليل يضئ سناءه ... إلا ويعقبه كيوم العيد والوقت صاف والعيون قريرة ... والسمع خلو من ملام حسود والحب واف والعذول مساعد ... مغض عن التقريع والتفنيد كم جاءني فيها المفدّى زائراً ... عفواً كغصن البانة الأملود متورّد الخدين من خفر الحيا ... متبسماً عن لؤلؤ منضود ومنها آهاً على ذاك الزمان وطيبه ... وهنيّ عيش مرّفيه رغيد ولبست من صافي الصبابة حلة ... زانت مطارف طارفي وتليدي لا ناظري يهفو لطلعة أهيف ... والسمع لا يصغي لنغمة عود والطرف ملآن الجفون من الكري ... خال من التعذيب والتسهيد وشرعت في تبييض غرّ صحائفي ... من بعد ذاك الشين بالتسويد وقوله رحمه الله تعالى البدر من لمحانه ... والمسك من نفحاته والندّ من أخلاقه ... والورد من وجناته والشمس من أزراره ... والسحر من لحظاته والدرّ من ألفاظه ... والشهد من رشفاته وإذا مشى سرقت ظبا ... ء البان من لفتاته يا مالكي رفقاً بمن ... أضنيت قبل مماته ذو خنجر ألحاظه ... أغنته عن طعناته أوّاه واتلفي إذا ... شاهدت حسن صفاته وحياته ما حلت عن ... حبيه لا وحياته النار من زفراته ... والقطر من عبراته فاعطف على صب كئي ... ب ذاب من حسراته وتعلمت ورق الحما ... م السجع من أناته يكفيه ما يلقاه من ... عذاله ووشاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 من لي به لدن القوا ... م يميل من نشواته قمر إذا حققت في ... هـ من جميع جهاته كم مرّ بي فرأيت شخ ... ص الحسن في مرآته وإذا ترنم منشداً ... يصبيك في نغماته وإذا أشار محدّثاً ... شاهدت قطر نباته وله مضمناً إذا نصحت قليل العقل نلت بذا ... عداوة منه لا تخفي مساويها فالحمق داء قبيح لا دواء له ... قد قال فيه من الأشعار راويها لكل داء دواء يستطبّ به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها وله رحمه الله تعالى ضيعت نقد شبابي لم أنل أربا ... من لذة العيش والآمال تنعكس ثم انحنى غصن قدّي بعد ضيعته ... حتى كأني له في الترب ألتمس هو من قول بعضهم وكنت لدى الصبا غصناً وقدّي ... حكى ألف ابن مقلة في الكتاب فصرت الآن منحنياً كأني ... أفتش في التراب على شبابي وقد ألم بقول أبي علي الكاتب تقوّس بعد طول العمر ظهري ... وداستني الليالي أيّ دوس فأمشي والعصا تمشي أمامي ... كأن قوامها وتر لقوسي ولصاحب الترجمة مستهام عن حبه لا يحول ... فيك أخفاه سقمه والنحول وغرام سعيره يتلظى ... بين أحناء صدره وغليل رق لي حاسدي وصار شفيعي ... عندك الكاشح النصح العذول وصحابي قد أنكر وأفرط ما بي ... من سقام عليه وجدي دليل وأتوا بالطبيب فارتاع لما ... لم يجدني وقال أين العليل ما هداه إليّ إلا أنيني ... في بحار من الدموع تسيل قلت دعني فالحب لم يبق مني ... غير معنى في فكر صحبي يجول قوله ما هداه الخ من قول المتنبي كفى بجسمي نحولاً إنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني وفي النحول مبالغات كثيرة من ذلك قول المتنبي المذكور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 ولو قلم ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غيرت من كف كاتب وقول أبي بكر الخالدي مهدّد خانه التفريق في أمله ... أضناه سيده ظلماً بمرتحله فرق حتى لو أن الدهر قاد له ... حيناً لما أبصرته مقلتا أجله وقول ابن العميد لو أن ما أبقيت من جسمي قذى ... في العين لم يمنع من الأغفاء وقول الواسطي قد كان لي فيما مضى خاتم ... واليوم لو شئت تمنطقت به وذبت حتى صرت لو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه وقول أبي بكر العمري كدت أخفي من ضنى جسدي ... عن عيون الجن والبشر وقول بعضهم من أبيات ولو أنني علقت في رجل نملة ... لسارت ولم تدري بأني تعلقت ولو نمت في عين البعوض معارضاً ... لما علمت في أيّ زاوية بت وللمترجم غير ذلك من الشعر الحسن وآخراً استولت عليه الأمراض والعلل وكانت وفاته قبيل الغروب يوم الخميس سابع عشر محرم افتتاح سنة سبع وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح خارج باب الفراديس رحمه الله تعالى. محمد بن أبي اللطف ابن عبد الرحيم بن أبي اللطف بن إسحق الحنفي القدسي الجهبذ الهمام العالم الفاضل كان من مشاهير العلماء كوالده المقدم ذكره وله النظم البديع وكان أفقه الحنفية بوقته وتولى افتاء القدس وقام به حق القيام رادعاً للحكام ولا يبالي وله الفتاوي الحسنة المحمدية وكان له حدة في طبعه وبالجملة فقد كان من الأفراد ولم أتحقق وفاته في أي سنة ولكن أخبرت إنه دفن بتربة باب الرحمة بالقدس رحمه الله تعالى. محمد الأسكداري ابن عبد الله بن السيد أسعد أفندي الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة المنورة سنة أربع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على مير ملا شيخ الأزبكي والشيخ إبراهيم بن فيض الله السندي والسيد محمد مولاي المغربي وعلى غيرهم وتولى الافتاء في المدينة المنورة وناب في القضاء أيضاً وكان فاضلاً لطيفاً حسن السيرة سالم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 السريرة محمود الحركات والسكنات لم تعهد له زلة في فتواه ولا كبوة ذو وجاهة كاملة ورياسة شاملة ولم يزل على أكمل طريقة إلى أن درج في مدارج الرضوان وكانت وفاته بالمدينة في سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الريس ابن عبد الله بن سليمان بن أحمد الشهير بالريس الحنفي الغزي الطبيب الحاذق الشهير العارف الماهر أحد المتفردين في تلك الديار في علم الطب والحكمة والفلك والهيئة وغير ذلك ولد بغزة هاشم وبها ننشأ وأخذ عن والده الطب والحكمة وتخرج عليه بذلك وبرع في الفنون وعالج الناس واشتهر بالطب والحذاقة في ذلك وأخذ بعضاً من العلوم الغريبة والفنون من الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الطنطاوي وارتحل إلى مصر ودمشق وفاق وعلا صيته وله تآليف في الطب وعرب غاية البيان التي باللغة التركية وعلى كل حال فقد كان من ظرفاء وقته وكانت وفاته في سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بالقدس رحمه الله تعالى. محمد الخليفتي ابن عبد الله الخليفتي العباسي المدني الحنفي الخطيب الفاضل والأديب الكامل ذو الفهم الثاقب والرأي الصائب تبحر في العلوم وكرع من حياض منطوقها والمفهوم فأخذ عن البرهان إبراهيم الكوراني وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي وغيرهما وله شعر لطيف ومن شعره ما ذكره الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الحجازية وهي قصيدة رثى بها شيخه ملا إبراهيم المذكور يقول فيها توفي الهمام الذي لم يكن ... له في المعارف والفضل ثاني ومن قد سما قدره في الورى ... فخاراً على كل قاص وداني ومن حلّ ذروة هام العلا ... وليس الحديث كمثل العيان ومن كان في حلبة الفضل لا ... يجاري إذا كان يوم الرهان وهي طويلة وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. محمد الأمير الحلبي ابن عبد الله بن عمر الحسيني المعروف بالأمير الحلبي الشيخ العارف الكامل البارع نزل حلب وسكن في جامعها الكبير وكانت له مكاشفات ظاهرة توفي في حلب ودفن بمقام الأربعين رحمه الله تعالى ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 محمد المغربي ابن عبد الله المغربي الفاسي للمالكي نزيل المدينة المنورة الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن العابد الزاهد الورع النسيك قدم المدينة المنورة سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتوطنها وأخذ عن أئمة أجلاء منهم الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن شيخ الشيوخ عبد القادر الفاسي المشهور وعن العلامة عبد الله بن سالم البصري المكي لما قدم المدينة وقرأ في الروضة المطهرة مسند الامام أحمد وكان هو المعيد له وأئمة في ستة وخمسين مجلساً وأخذ أيضاً عن العلامة محمد أبي الطاهر بن البرهان إبراهيم الكوراني وعن الشيخ إبراهيم بن محمد الغيلالي وعن غيرهم ونبل وفضل ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة وكان ذا قدم راسخ في العبادة والدين آية باهرة في التواضع حتى إنه كان يحمل حزمة السعف من بستانه إلى داره على رأسه وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة إحدى وأربعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وإيانا. محمد زين العابدين ابن عبد الله بن عبد الكريم المدني الحنفي الشهير بالخليفتي العباسي الشيخ الفاضل الأوحد البارع المفنن النبيل ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فقرأ على أبيه في عدة فنون وأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي والسيد إبراهيم أسعد وغيرهم وصار له الفضل التام ودرس بالمسجد الشريف النبوي وصار أحد الخطباء والأئمة به وتولي نيابة القضاء مرتين ثم صار شيخ الخطباء والأئمة بالحرم الشريف النبوي وتولى افتاء السادة الحنفية بالمدينة المنورة وانتهت إليه الرياسة وكان حسن السيرة ذا جاه ووجاهة بين الناس وله يد طولى بصنائع المعروف معهم ونظم ونثر وكانت وفاته بالمدينة المنورة ليله عرفة سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين آمين. محمد السمان ابن عبد الكريم المدني الشافعي الشهير بالسمان الشيخ الصالح الصوفي الأوحد البارع الكامل العالم المرشد المسلك المربي أبو عبد الله قطب الدين ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ وأخذ عن الشيخ محمد بن سليمان الكردي نزيل المدينة المنورة وفقيه الأقطار الحجازية وأخذ الطريقة الخلوتية عن السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وقام على وظائف الوراد والأذكار والارشاد والتسليك في داره التي كان يسكنها وهي دار سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتعرف بالمدرسة السنجارية وهي مشتملة على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 حجر كثيرة كان في وقته ينزل فيها الغرباء والواردون على المدينة من الآفاق ولصاحب الترجمة نظم ونثر فمن نظمه قصيدة في التوسل من بحر الرجز تقرأ خلف الرواتب وكان عابداً ناسكاً صالحاً اشتهر بذلك في الآفاق وأخذ عنه الجم الغفير من أهل المدينة وغيرها وكانت وفاته في ذي الحجة سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. محمد المالكي ابن عبد الكريم بن قاسم المالكي المغربي الفاسي نزيل دمشق ولد في بلدته فاس في سنة أربع ومائة وألف ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن وحفظه ببلده وقرأ حصة من علم الحرف والأوفاق وقدم دمشق فصحب الشيخ عبد الرحمن السمان واتصل بالعارف الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه عدة كتب ثم ارتحل إلى حلب واستوطنها وراج أمره بها وعلا صيته ثم رأى في عالم الخيال أن يرحل إلى دمشق فإن السلوك هناك فخرج من حلب وعاد لدمشق واستوطنها إلى أن مات وكان يتردد إلى والدي ويكرمه ويعتقده وكان يدعى معرفة الكيمياء وله معرفة بالطب وغيره وكان مولعاً بقص شاربه وحلق لحيته وحاجبيه طويل القامة كبير العمامة يفصد نفسه في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً وكانت وفاته بدمشق سنة خمس وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد المواهبي ابن عبد الجليل بن أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي الدمشقي تقدم ذكر والده وجده وكان هذا عالماً فاضلاً بارعاً مفتي الحنابلة بدمشق بعد جده ولد في سنة احدى ومائة وألف ونشأ في كنف والده وجده وأخذ الفقه والحديث والفرائض عنهما وقرأ في علوم العربية كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع على والده وقرأ في الفرائض على تلميذ جده الشيخ عبد القادر التغلبي وأجاز له الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق وغيرهما وبرع وفضل وصارت فيه البركة التامة وجلس للتدريس بالجامع الأموي وقرأ عليه جماعة من الحنابلة وغيرهم وانتفعوا به وكان ديناً متواضعاً مواظباً على حضور الجماعات والسعي إلى أماكن القربات وكانت وفاته في أوائل ذي الحجة سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة سلفه بمرج الدحداح رحمه الله تعالى. محمد العطار ابن عبيد بن عبد الله بن عسكر القاري الأصل الدمشقي الشهير بالعطار الشافعي الفاضل الشاب الصالح كان بارعاً أديباً نبيهاً حسن الطبع والأخلاق مشتغلاً بالتقوى والعبادة راضياً بالقليل قنوعاً ولد بدمشق سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 الجمال عبد الله بن زين الدين البصروي والشهاب أحمد بن علي المنيني والشيخ علي بن أحمد الكزبري والشيخ محمد بن أحمد قولقسز والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري وعن غيرهم وحصل له فضيلة تامة وكان تاركاً لما لا يعنيه إلى أن مات وله شعر رقيق اطلعت عليه بعده فمن ذلك قوله قسماً بمبسم ثغرك الوضاح ... وبما حوى من لؤلؤ وأقاح وبطيب راح من لماك يزينها ... حبب فواظمئي لتلك الراح وبطرّة لك كالظلام وغرّة ... بين الدياجي أسفرت كصباح وبنرجس من ناظريك وأسهم ... تبري فؤاد الهائم الملتاح وبحاجب كالقوس يحمي وجنتي ... ك من اجتناء الورد والتفاح وبخالك الزنجيّ حارس ورد خ ... ديك الجني وورده الفوّاح وبجيدك الفضي وقامتك التي ... فتكت ضواري الأسد فتك رماح ما حلت عنك ولا سلوت محاسناً ... لك تجذب الأرواح من أشباح كم ذا تطيل عذاب صب قد غدا ... بهواك مقتولاً بغير سلاح أمرنح الأعطاف يكفي ما جرى ... رفقاً فما سفك الدما بمباح حكمت أسياف الجفا بجوارحي ... وأمرتها أن تعتني بجراحي وتركتني ملقى على فرش الضنى ... دنفاً أكابد لوعة الأتراح من منقذي من نار هجرك يا رشا ... خضعت لسطوته أسود كفاح ماذا يضرّك لو رحمت متيماً ... رق العذول لحاله واللاحي فأعطف عليّ بطيب وصلك كي به ... تتبدل الأحزان بالأفراح وقوله غزال غزاني بالمحاسن والبها ... يريني قسيّ الفتك من قوس حاجبه تلفت نحوي بعد أن راش أسهما ... فياليتها غاصت بمقلة حاجبه وقوله حديقة أنس زهت منظراً ... ونشر شذاها غدا عابقا أقمنا بها نجتلي حسنها ... ونرشف من كأسها الرائقا فبادر إلى وردها واجتنى ... وإياك إياك والعائقا وكانت وفاته في غرة ربيع الأول سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح والقاري نسبة إلى قارة قرية من ضواحي دمشق قدم جده منها رحمه الله تعالى وإيانا. محمد الخراشي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 ابن عبد الله الخراشي المالكي الامام الفقيه ذو العلوم الوهبية والأخلاق المرضية المتفق على فضله وولايته وحسن سيرته أخذ عن البرهان اللقاني ولازم بعده النور عليا الأجهوري وتصدر للاقراء بالجامع الأزهر وحضر درسه غالب المالكية واشتهر بالنفع وقبلت كلمته وعمت شفاعته واعتقده عامة الناس وخاصتهم وألف مؤلفات عديدة منها شرحان على مختصر خليل تلقاهما أهل عصره من العلماء بالقبول وكتب منها نسخ عديدة وبالجملة فقد كان علامة معتقداً وكانت ولادته في سنة عشرة بعد الألف وتوفي في ذي الحجة سنة احدى ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الذهبي ابن عبد اللطيف المعروف بالذهبي الدمشقي الشافعي الشيخ الفاضل النبيل البارع له شعر مطبوع ومشاركة جيدة ولم أسمع بخبره كما ينبغي حتى أصفه بما فيه غير أني رأيت في مجموعة الأثري البرهان إبراهيم الجينيني نزيل دمشق مولده ووفاته فذكرته لئلا يخلو كتابي منه ورأيت له مقطوعاً من الشعر وهو قوله مضمناً يا من إذا جاريته في مسلك ... ألفيته قد سدّ طرق منافذي أهون بمضناك الذي حيرته ... هذا مقام المستجير العائذ ومن ذلك قول العلامة الأديب السيد محمد بن حمزة النقيب نقل العذول بأنني أفشيت ما ... أخفى الحفاظ من الغرام الواقذ هبني افتريت كما افترى فاغفره لي ... هذا مقام المستجير العائذ ومنه قول الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره لاحظت خالاً تحت صفحة خدّه ... متوارياً خوف اللهيب النافذ فسألته ماذا المقام فقال لي ... هذا مقام المستجير العائذ ومنه قول زين الدين الدمشقي الشهير بالبصروي وأغنّ فتاك اللواحظ أدعج ... يرى بنبل في القلوب نوافذ نادته أفلاذي وقد فتكت بها ... هذا مقام المستجير العائذ ومن ذلك قول الكمال محمد بن محمد الغزي العامري بالله صل مضناك يا من شفني ... منه جوى أفنى جميع لذائذي فبعزة الحسن استعذت وإنه ... هذا مقام المستجير العائذ وكانت وفاة المترجم نهار الأحد ختام شوال سنة ست ومائة وألف ودفن بالذهبية من مرج الدحداح رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 محمد الصالحي ابن عبد المحسن الحنفي الصالحي الدمشقي أحد البارعين في الأدب والكتابة اشتغل بطلب العلم فقرأ على المجد محمد بن عيسى الكناني وأجاز له الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري المفتي ونبل وفضل وكان يعرف التركية والفارسية معرفة جيدة وصار أحد الشهود والكتبة بمحكمة العونية وكان ينظم الشعر فمنه قوله عليك بعلم المنطق البهج الذي ... يجلّ به الانسان إن قام أو دعا يقلد نحر الدهر عقداً منظماً ... ويلبس للأفكار تاجاً مرصعا وقوله النحو علم به تشحيذ فكرتنا ... فألزمه وأملي لنا من أصله طرفا فكل من يرتوي من ورده أبداً ... بين الأفاضل معدود من الشرفا وكانت وفاته مطعوناً يوم الأربعاء حادي عشر ربيع الأول سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بالروضة. محمد السندي سعيد بن عبد الحفيظ حماد المدني الشهير بالسندي الشيخ الفاضل الأديب الشاعر الناظم الناثر حاز من مراتب الأدب أعلاها وبلغ من ذروة الفصاحة علاها ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان عشرة ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها ونظم ونثر فمن شعره قوله هذا التخميس النفيس ناديت لما الحب عني أعرضا ... وحشا الحشا سقماً أذاب وأمرضا وسطا عليّ بما من الجفن انتضى ... أحمامة الوادي بشرقيّ الغضا إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي أنا أنت لكن من هواه يزينه ... لا كالذي مثل الغرام يشينه ودليل ما قد قلت فيك يبينه ... أنا تقاسمنا الغضا فغصونه في راحتيك وجمره في أضلعي وكان كثير الملاطفة حسن الأخلاق وكانت وفاته بالمدينة المنورة في رمضان سنة ثمان وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الخمسي ابن عبد الله المغربي الخمسي الشهرة المالكي نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل البارع المفنن قدم دمشق وتوطنها في الحجرة عن يسار الداخل للجامع الأموي من باب جيرون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 ودرس بالجامع المرقوم وانتفعت به الطلبة وله شعر لطيف وقفت له على أشياء منها قوله يا أحسن الناس أغضاء عن الناس ... وأحسن الناس إحساناً إلى الناسي نسيت عهدي والنسيان مغتفر ... فأوّل الناس نسيا أولّ الناس وقوله خبز شعير وماء بئر ... يكون قوتي مع السلامة أفضل عندي من عيش ود ... يكون عقباه للندامة وقوله ومما نهاني عن هواهم وصدّني ... وقد كنت مغري في الهوى وهو ديدني نفورهم عني وعن كل عاشق ... عفيف وهم في طوع كل يدي دني وله غير ذلك وكانت وفاته بدمشق سنة ثمان وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد البرزنجي ابن عبد الرسول بن عبد السيد بن عبد الرسول بن قلندر بن عبد السيد المتصل النسب بسيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشافعي البرزنجي الأصل والمولد المحقق المدقق النحرير الأوحد الهمام ولد بشهرزور ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة أربعين وألف ونشأ بها وقرأ القرآن وجوده على والده وبه تخرج في بقية العلوم وقرأ في بلاده على جماعة منهم الملا محمد شريف الكوراني ولازم خاتمة المحققين إبراهيم بن حسن الكوراني وانتفع بصحبته وسلك طريق القوم على يد الصفي أحمد القشاشي ودخل همذان وبغداد ودمشق وقسطنطينية ومصر وأخذ عمن بها من العلماء فأخذ بماردين عن أحمد السلاحي وبحلب عن أبي الوفاء العرضي ومحمد الكواكبي وبدمشق عن عبد الباقي الحنبلي وعبد القادر الصفوري وببغداد عن الشيخ مدلج وبمصر عن محمد البابلي وعلى الشيراملسي وسلطان المزاحي ومحمد العناني وأحمد العجمي وبالحرمين عن الوافدين إليهما كالشيخ إسحق بن جعمان الزبيدي وعلي الربيعي وعلي العقيبي التغري وعيسى الجعفري وعبد الملك السجلماسي وغيرهم ثم توطن المدينة الشريفة وتصدر للتدريس وصار من سراة رؤسائها وألف تصانيف عجيبة منها أنهار السلسبيل في شرح تفسير البيضاوي والاشاعة في إشراط الساعة والنواقض للروافض وشرحاً على ألفية المصطلح والعافية شرح الشافية لم يكمل وخالص التلخيص مختصر تلخيص المفتاح ومرقاة الصعود في تفسير أوائل العقود والضاوي على صبح فاتحة البيضاوي ورسالة في الجهر بالبسملة في الصلاة وكانت له قوة اقتدار على الأجوبة عن المسائل المشكلة في أسرع وقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وأعذب لفظ وأسهله وأوجزه وأكمله وبالجملة فقد كان من أفراد العالم علماً وعملاً وكانت وفاته في غرة محرم سنة ثلاث ومائة وألف ودفن بالمدينة رحمه الله تعالى. محمد السندي ابن عبد الهادي السندي الأصل والمولد الحنفي نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام العالم العامل العلامة المحقق المدقق النحرير الفهامة أبو الحسن نور الدين ولد ببته قرية من بلاد السند ونشأ بها ثم ارتحل إلى تستر وأخذ بها عن جملة من الشيوخ كالسيد محمد البرزنجي والملا إبراهيم الكوراني وغيرهما ودرس بالحرم الشريف النبوي واشتهر بالفضل والذكاء والصلاح وألف مؤلفات نافعة منها الحواشي الستة على الكتب الستة إلا أن حاشيته على الترمذي ما تمت وحاشية نفيسة على مسند الامام أحمد وحاشية على فتح القدير وصل بها إلى باب النكاح وحاشية على البيضاوي وحاشية على الزهراوين للملا علي القاري وحاشية على حاشية شرح جمع الجوامع الأصولي لأبن قاسم المسماة بالآيات البينات وشرح على الأذكار للنووي وغير ذلك من المؤلفات التي سارت بها الركبان وكان شيخاً جليلاً ماهراً محققاً بالحديث والتفسير والفقه والأصول والمعاني والمنطق والعربية وغيرها أخذ عنه جملة من الشيوخ منهم الشيخ محمد حياة السندي المتقدم ذكره وغيره وكان عالماً عاملاً ورعاً زاهداً وكانت وفاته بالمدينة المنورة ثاني عشري شوال سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وكان له مشهد عظيم حضره الجم الغفير من الناس حتى النساء وغلقت الدكاكين وحمل الولاة نعشه إلى المسجد الشريف النبوي وصلى عليه به ودفن بالبقيع وكثر البكاء والأسف عليه رحمه الله تعالى. محمد الشرواني ابن علي بن إبراهيم الزهري الشرواني المدني الحنفي الفقيه الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فتفقه على عمه العلامة القاضي يوسف الشرواني وأخذ الحديث عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد أبي الطاهر بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبي الطيب السندي والشيخ محمد بن الطيب المغربي الفاسي وأخذ الطريقة الناصرية عن سيدي الشيخ يوسف بن محمد بن محمد بن ناصر وهو أخذها عن صاحبها عمه القطب الجامع بين الشريعة والحقيقة سيدي أحمد بن محمد بن ناصر قدس الله سره وكان فقيهاً متقناً كان المسائل الفقهية نصب عينيه وكان في غاية الصلاح يتلو الكتاب العزيز آناء الليل وأطراف النهار عرض عليه المرحوم الشريف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 مسعود شريف مكة لما كان مجاوراً بها سنة احدى وخمسين ومائة وألف أن يعرض له لطرف الدولة في منصب افتاء المدينة المنورة فلم يقبل ذلك وكان معرضاً عن دنياه مقبلاً بكليته على الله لا يمد منه للرياسة باع ولا تمتد منه إليها الأطماع ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي بالمدينة المنورة في عشري شوال سنة تسع وسعين ومائة وألف بتقديم تاء تسع وسين سبعين ودفن في قبر والدته خلف قبة سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. محمد الكاملي ابن علي بن محمد المعروف بالكاملي الشافعي الدمشقي تقدم ذكر ولده عبد السلام وكان هذا اماماً عالماً حبراً فقيهاً واعظاً بركة الشام علامة رحلة محققاً وسيماً منوراً عليه أبهة العلم ورونقه وكان خلقه سوياً وخلقه رضياً وشكله بهياً بشوشاً متودداً متواضعاً ودروسه من محاسن الدروس يجري فيها بعبارة فصيحة مشتملة على الفوائد العلمية البديعة بحيث تعجب الخاصة والعامة واشتهر فضله وتقواه وعظم قدره وأخذ عنه الجم الغفير والكثير من الأطراف والبلاد ولد بدمشق في جمادي الثانية سنة أربع وأربعين وألف واشتغل بالعلوم الشرعية وآلاتها على والده الفقيه العالم الصالح الشيخ علي المتوفي في سنة تسع وتسعين وألف وعلى الشيخ محمد البطنيني والشيخ أحمد الداراني والشيخ محمد سعدي الغزي والشيخ منصور المحلي والشيخ علي القبردي الصالحي وبرع في الفنون ورأس وتقدم وكان عجباً في استحضار الفقه والحديث والتفسير وأجاز له بالمكاتبة من علماء مصر الشيخ نور الدين علي الشبراملسي والشيخ سلطان المزاحي والشيخ إبراهيم الشبراخي والشيخ محمد البابلي والشيخ عبد الباقي الزرقاني وأجاز له الشيخ خير الدين الرملي وأجاز له لما حج الشيخ عبد العزيز الزمزمي المكي والشيخ أحمد القشاشي والأستاذ الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني نزيل المدينة المنورة وحضر بدمشق دروس المحدث النجم العزي ولازمه وكذلك لازم الشيخ عبد القادر الصفوري وغيرهم وكان يدرس عند باب الصنجق تجاه المقصورة في كل يوم بعد صلاة العصر في شرح المنهج لشيخ الاسلام زكريا ويحضره جم غفير من فضلاء الشافعية وكان في شهري رجب وشعبان يدرس في جامع سيباي بمحلة باب الجابية في صحيح البخاري وللناس اقبال عظيم على درسه ووعظه لحسن منطقه ولم يزل على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن في جمع حافل عظيم بتربتهم في الباب الصغير رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 محمد بن شيخان ابن عمر بن سالم بن أحمد بن شيخان بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله عبود بن علي ابن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي ابن الفقيه المقدم عرف جد جده بشيخان باعلوي الحسني ذكره شيخنا السيد العلامة محمد بن أبي بكر الشلي في المشرع الروي في أشراف بني علوي فقال فريد هذا الزمان ومن ألقت إليه الأقران مقاليد السلم والأمان الجامع بين الرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم راية حوى الفضائل والفواضل والنهى وحاز الدين والحسن والتقى وأتقن في كل الفنون وافتخر به الآباء والبنون ولد بأم القرى ثاني عشر محرم سنة احدى وخمسين وألف ونشأ بها والفلاح يشرق من محياه وطيب أنفاسه يفوح من رياه وحفظ بعض الارشاد ومتن النهج والألفية وغير ذلك من المتون وأخذ عن الشهاب أحمد بن عبد الله بن عبد الرؤف المكي عدة علوم ولازم العلامة علي بن الجمال والوجيه السيد محمد الشلي وأجاز له المسند محمد بن سليمان المغربي بمروياته وأخذ عنه عدة علوم وبرع وفضل ودرس بالمسجد الحرام وصار أحد أعيان فضلاء مكة وأعاظم كبرائها وله مع ذلك في الأدب طول باع وفي العربية سعة اطلاع وكرم نفس وحسن طباع مع ما منحه الله من أدب أزهى من الأزهار وخلق حسن ألطف من نسيم الأسحار ومنطق ألذ من تغريد الطيور على صفحات الأنوار وتمسك بالسبب الأقوى من التقوى واجتهاد في الأعمال الصالحة لا تطيق أترابه حمله ولا تقوى وإليه المفزع في كل حادثة عجماء وداهية دهياء إلى كرم لا يقاس بحاتم وصدع بالحق لا يخاف بطشة ظالم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم انتهى كلام الشلي في المشرع الروي في أشراف بني علوي وأخذ عن صاحب الترجمة الوجيه عبد الرحمن الذهبي الدمشقي نزيل مكة وترجمه في رحلته فقال كان رحمه الله تعالى أجل خدن لي أتمتع في رياض فضائله بمقيل ظله الوريف وأتضوع من عبير عرفه اللطيف وصحبته مدة تزيد على أربعين سنة حضراً وسفراً لا أفارقه ولا يفارقني في غالب الأوقات ولم أر منه إلا خيراً وإحساناً وإفضالاً وإمتناناً حتى توفي في الثلث الأخير من ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف وصلى عليه ضحى يومها بالمسجد الحرام اماماً بالناس الشيخ أحمد النخلي في مشهد حافل وكنت ولله الحمد من المباشرين لغسله وتكفينه ودفنه نفعني الله به وجمعني به في مستقر رحمته مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً والحمد لله رب العالمين رحمه الله رحمة واسعة ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين. محمد العمري الدمشقي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 ابن علي بن مسلم بن محمد العمري المعروف بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي الشيخ العابد الزاهد الواصل المربي الصالح الصوفي القادري الخلاصة المعتقد كان من المشايخ المعتقدين سالكاً مناهج السادة الصوفية ولد قبل المائة بقليل تقريباً وحفظ القرآن وهو دون البلوغ واجتهد في تلاوته وداوم على العبادة والاذكار مدة أوقاته لا يشغله عن ذلك شيء وكان سخياً يقري الضيف مع شدة فقره واعتقده في زمانه عامة الناس ومن خصائصه كما أخبرت أنه ما وضع يده على مريض إلا وعوفي بإذن الله تعالى وكان تهابه الأكابر والأصاغر ولا يخشى في الله لومة لائم ومن مناقبه إن امرأة من النصارى لما رأت جنازته حين موته أقرت بالشهادة وأخبرت أيضاً أنه حين دفنه قال رجل للحفار إلق عند تنزيله في القبر فقال الشيخ توكلت على الله وله مناقب كثيرة وكان مسكنه في محلة باب توما مقتصراً على حاله وكانت وفاته ليلة الأحد الرابع والعشرين من صفر سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بتربتهم في مرج الدحداح مع الشيخ أرسلان رضي الله عنهما. محمد مفتي حلب ابن علي المشهور بجلبي المفتي الحنفي الأنطاكي نزيل حلب العالم الفاضل العفيف الصالح المتعبد النظيف الزاهد ولد بأنطاكية ونشأ بها وكان والده مفتياً بها فمات وتولى الافتاء بعده بها ثم عزل من الافتاء وهاجر إلى حلب وصاهر بني الكواكبي وتزوج وحج مراراً وجاور بيت الله الحرام وأخذ عن علماء الحرمين وله خيرات في بلده منها عمارة الجامع الذي لم يسبق إليه بمثيل في الشكل والزينة وكله من كسبه الحلال وكانت وفاته بحلب في سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد العمري الموصلي ابن علي العمري الموصلي الحنفي ترجمه قريبه محمد أمين العمري فقال أحد الأعيان والأكابر والسادات الأماجد همته فوق النجوم كان في الفضل والرياسة والتقدم والسياسة بمكان عال نشأ في أيام اقبال الدنيا عليهم فربى بالدلال والنعمة وهابته الأبصار لما له من حشمة وكان له مهارة ورياسة في تدبير الأمور ورأى حاذق في الأشياء تولى قضاء الموصل في أيام أبيه وله من الخدم والأتباع والحشم والجند العظيم وإحسانه إلى العلماء والأفاضل مشهور لا ينكر ومعروف لا يحتاج أن يذكر ومدحه الشعراء بالقصائد لبديعة فممن مدحه الشيخ قاسم الرامي الأديب بقوله في ورد خديك وآس العذار ... قد طاب لي حب خلع العذار وكان لي قلب وقد ضاع إذ ... ضاع شذا خالك في الجلنار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 يا مخجل البان بقدّ لقد ... بان اصطباري فيك والوجد ثار وقد جرى دمعي مما جرى ... عليّ في حبك والعقل حار يا مفرداً جامع شمل البها ... الشعر ليل والمحيا نهار والجفن مكحول روى أنني ... قتلت فيه فالحذار الحذار واللحظ والحاجب ثم اللمى ... نبل وقوس وشراب عقار ومنها والخال فوق الخد قد عمه ... حسن إذا شاهده البدر قد غار ومنها فأي بال غير بال به ... واللحظ فتاك حكى ذا الفقار أفديه ذا جيد وذا الفتة ... قد صير الغزلان تأوى القفار قلت حبيبي كف كف النوى ... عني فمالي في هواك اصطبار ومنها ولم أجد لي من ملاذ سوى ... محمد بهجة أوج الفخار الماجد المنجد سامي الذرى ... حامي الورى ممن لجا واستجار مولاي كنز العلم كشافه ... حاوي الفتوحات سميّ المنار لا عيب فيه غير بذل الندى ... فيا أخا الفقر إليه البدار في الجود ما معن وما حاتم ... والبأس ما عنتر ما ذو الخمار تكاملت أوصاف أخلاقه ... فذكره فاح وفاق العرار لا زال ممدود الأيادي وفي ال ... يمين يمن واليسار اليسار وبالجملة فقد كان المترجم من أفراد الدهر علماً وفضلاً وعفة وقرأ على الشيخ إسمعيل الموصلي الشهير بابن أبي جحش وعلى غيره من العلماء وكانت وفاته بالموصل سنة خمس وأربعين ومائة وألف في حياة أبيه وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة فقرحت عليه الجفون وجرت لفقده العيون ودفن في جامعهم المعروف بالموصل رحمه الله تعالى. محمد بن كوجك علي الحلبي صدر أعيان حلب ورؤسائها كان أحد القبوجي باشيه بالباب السلطاني بارعاً ناظماً ناثراً جبلته ذلك بالألسن الثلاثة العربي والفارسي والتركي ولد في رمضان سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأخذ عن عثمان أفندي الشا بياض وغيره وكان له صلاح واشتغال بالعبادة ومن شعره العربي قوله شادن يسلب العقول بطرف ... وبخدّ كروضة الأزهار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 كم كسا السمع من أغان وعود ... نغمات الاقرار في الانكار وكان له معرفة تامة بالموسيقى وله ألحان بها وكانت وفاته سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف. محمد الجمالي ابن علي بن مصطفى المعروف بالجمالي الحنفي الحلبي العالم الأديب ناظم عقود اللآلي ولد في حلب سنة ثمان ومائة وألف ونشأ بها وأخذ العلم عن علمائها كالشيخ سليمان النحوي والشيخ حسب الله وأخذ الفقه أيضاً عن الشيخ السيد محمد الطرابلسي نزيل حلب ومن مشايخه السيد يوسف الحسيني الدمشقي مفتي حلب وخدمه في كتابة الفتوى حين تقلدها وأقتن وأجاد ومنه استفاد وكان له قدم راسخ في النظم والانشاء وحصل له الملكة التامة في الفقه وكان دمث الأخلاق يلاطف الناس له الانشاء البليغ والنظم البديع الفائق الزاهي ومن شعره قوله في عقد حليته عليه الصلاة والسلام حبذا طيب طيبة الفيحاء ... مهبط الوحي مستقر الرضاء بلدة أينعت خمائل نور ... ثم أضحت مخضلة الأرجاء شرفت بالنبيّ طه التهامي ... أكرم الخلق أشرف الأنبياء كمل الله خلقه وحباه ... حلية توّجت بكل بهاء كان فخماً مفخماً يتلآلآ ... وجه بالضيا كبدر السماء ضخم الرأس والكراديس ذا مس ... ربة وهي آية النجباء أزهر اللون أدعج العين أقنى ... الأنف رحب الجبين ذي اللألاء أشنب الثغر أفرق السن وضا ... ح المحيا ذا لحية كثاء أهدب الجفن بارع الحسن عذب الن ... طق يمّ التقى كثير الحياء ظاهر البشر كان يفترّ عن أم ... ثال حب الغمام باهي السناء عنقه جيد دمية في صفاء ... ونقاء كالفضة البيضاء ربعة بين منكبيه بعيد ... واسع الصدر كامل الأعضاء بادنا أشعر الذراع طويل ال ... باع شثن الكفين بحر السخاء قوله الفصل لا فضول ولا تق ... صير طلق اللسان عذب الأداء محرزاً من جوامع الكلم الغرّ ... فنون البلاغة الغراء وإذا ما مشى تكفا كأن عن ... صبب انحطاطه أو علاء جملة التفاته والهوينا ... مشيه إن مشى ذريع الخطاء خافض الطرف دائم الفكر جمّ الش ... كر والذّكر صادق الأنباء أجود الناس أصدق الناس أسمى الن ... اس قدراً من خص بالعلياء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 بين كتفيه مثل بيض حمام ... خاتم وهو خاتم الأنبياء يا ملاذي يا منجدي يا منائي ... يا معاذي يا مقصدي يا رجائي يا نصيري يا عمدتي يا مجيري ... يا خفيري يا عدّتي يا شفائي أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي ... عند ربي وأعطف وجد بالرضاء ومن نظمه قوله ممتدحاً بها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم بعلياك يا شمس النبيين والرسل ... غدت سائر الأملاك والرسل تستعلي ملكت زمام المجد ختماً ومبدأ ... وحزت مقام الحمد في موقف الفضل وتوّجت تاج العلم والزهد والتقى ... وصدق الوفا والنصح والبر والعدل وبالغت في الابلاغ حتى لقد غدا ... بصدقك صدع الدين ملتئم الشمل وكم لك حقاً معجزات خوارق ... أضاءت لنا كالشمس في أفقها المجلي ولدت كريماً من كرام منقلاً ... بأطهر أصلاب مصاناً عن الدخل وضعت مجيداً رافع الرأس حامداً ... لربك مختوناً وسربلت بالفضل فأنعم بميلاد النبي الذي به ... لنا شرف سامي الذرى وارف الظل نبيّ كريم منذر ومبشر ... رؤف رحيم معجز القول والفعل نبيّ به كل النبيين بشرت ... وأخبرت الأحبار عن خاتم الرسل نبيّ رأى في العرش آدم اسمه ... فناجى به فازدان بالفصح والفضل نبيّ عليه قد أظلت غمامة ... وقد صين منه الظل عن موطئ الرجل نبيّ رقى السبع الطباق وقد دنا ... إلى أن غدا كالقاب للقوس في الوصل نبي بكفيه لقد سبح الحصى ... كذلك تسبيح الطعام لدى الأكل وله هذه القصيدة النبوية مذ شمت اطلالاً لسلمى ... درست فدمعي فاض سجما دمن سقتها بعد سا ... كنها صروف البين سما واغتالها الخطب المبي ... د فلم يدع إذ ذاك رسما وتصوّحت أغصان دو ... حتها التي للخلد تنمى يا حبذا تلك الطلو ... ل فكم بها حظى استتما ولكم جنيت بها المنى ... غضا وكم فرّجت هما ولكم مجرّة دوحها ... قد أطلعت للأنس نجما زمن تقضي في ربا ... ها خلته وأبيك حلما مع كل فتان حلا ... ثغراً رحيق الظلم ألمى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 من ذاق يوماً ظلمه ... حاشاه طول الدهر يظما منها يا صاح دع وصف الحسا ... ن وعدّ عن اطلال سلمى وأجل الكروب بمدح ط ... هـ المصطفى لتنال غنما السيد الأميّ من ... عمّ الملا فضلاً وعلما تاج الكرام المرسلي ... ن وقدره أسنى وأسمى وسع البرية رحمة ... وندى وإحساناً وحلما والبدر شق له وأر ... وى الجيش من كفيه بالما ودعا بأشجار الفلا ... فأتت تشق الأرض دحما وله مخمساً أبيات الحاجري بقوله غريمي غرامي فيك يا من إذا بدا ... جمال محياه أبان لنا الهدى ترفق فقد أشمت في حبك العدا ... أيا حرم الحسن البديع الذي غدا ومن حوله عشاقه تتخطف إلى كم أقاسي في الهوى لوعة النوى ... وقد جدّ بي وجدي وصبري قد ثوى فيا من بلام الخد للحسن قد حوى ... عسى عطفة من واو صدغك في الهوى أعيش بها والواو ما زال تعطف لئن غبت عن عيني وشطت معاهد ... فإني على الأشجان فيك مكابد وحوشيت عما قال عني حاسد ... فإن غرامي بعد بعدك زائد وحقك عما كنت تدري وتعرف وله مقتبساً معشر العذال إني ... لي بسر الحب علم لا تظنوا بي سلواً ... إن بعض الظن إثم وله عاقداً الراحمون لقد أتى يرحمهم ... رب العلا الرحمن نصا محكما يا أيها الناس ارحموا من قد غدا ... في الأرض يرحمكم غدا من في السما وله عاقداً حديث حسان الوجوه قد توسمت فيك يا قرّة العي ... ن نجاحاً ودفع كل كريه جازماً حيث قال خير البرايا ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه وله تخميس بيتين من بين المصراعين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 مالي إذا وضع الكتاب وسيلة ... تجدي إليّ ولا لديّ فضيلة وعيون آمال النجاة كليلة ... مني فلا أمل ولا لي حيلة أنجو بها من هول يوم الموعد إلا اعترافي بالذنوب وإنني ... ما زلت دهري للمعاصي أجتني وركبت متن غوايتي فأضلني ... وأضعت أوقاتي سدى لكنني متمسك بلواء آل محمد وله مضمناً يا رب قد وافيت بابك ضارعاً ... أرجو رضاك وأنت أمن اللائذ متوسلاً بمحمد وبآله ... هذا مقام المستجير العائذ وله أيضاً أمعذبي من دعج نجلاويه قد ... قرطست أحشائي بسهم نافذ وقليتني حتى خفيت عن الخفا ... وسددت بالهجر المبيد منافذي فأتيت كعبة حسنك الزاهي بها ... متشبثاً لما غدوت منابذي أرجو خناناً منك يزلف للقا ... هذا مقام المستجير العائذ وله في التلميح إلى المثل كقابض الماء باليد وخصر يحاكي يا ابن ودي نحوله ... لجسم معنى بالصبابة مكمد إذا رمته ضما يقول لطافة ... ألم ترني كالقابض الماء باليد ومن غرامياته هذه القصيدة البديعة التي مطلعها أما والهوى إني بحسن التجلد ... أروح بهجري كل وقت وأغتدي أكابد تبريحاً من الصد والقلي ... ومالي براح عن غرام مسهد وهي طويلة جداً وله غير ذلك وكانت وفاته سلح رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا. محمد الحصري ابن السيد عمر ابن السيد أبي بكر المعروف بالحصري الدمشقي سبط البكري الحسيني كان من خلاصة الأدباء النبهاء فاضلاً لوذعياً ماهراً ترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه نسيب تناسب فيه المدح والنسيب وحسيب ما مثله في كرم الطباع حسيب له همة سابغة المطارف وسيادة موصولة التالد بالطارف مروق الأخلاق صافيها مشمول الشمائل ضافيها تكاد ترى وجهك في خصاله ولا تغبن إذ أشريت بنوم العيون يوم وصاله وله أدب يطر اطراد الغدير حفت به خضر الوشائع وحديث كأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 جني النحل ممزوج بماء الوقائع وبيني وبينه ود صميم طيب العرف والشميم استدعى الأمل الأيام للقياه ولو في الأحلام وقد وقفت له على شعر قليل فأثبت منه ما هو لرأس المجد اكليل انتهى مقاله وقد اطلعت أنا على ديوانه ومتعت طرفي في عقود منظومه التي نظمها صائغ يراعه وبنانه فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها أتى وظلام الليل ولي مبددا ... فراح ولم يشف الغليل من الصدى وولي وما حققته دهشة به ... فمن لي بذاك الطيف لو عاد أحمدا أعيد ارقادي يا خليليّ كي أرى ... خيال حبيب بالجمال تفردا بهيّ جمال بالمحاسن فاتن ... إذا ما بدا كالظبي أحور أغيدا يفوق ضياء الصبح واضح فرقه ... وكالليل إن أرخى من الشعر أجعدا هو الشمس لكن إن رأت نور وجهه ... بدور السما خرّت على الأرض سجدا من الترك مياد القوام مهفهف ... يفوق غصون البان ليناً إذا بدا يهز عليّ الرمح وهو أخو الرشا ... ويبرز من لحظيه سيفاً مجرّدا غزال غزا قلبي بماضي لحاظه ... فصرت باشراك الجفون مقيدا جفاني بلا ذنب ملحاً بهجره ... فأضحى اصطباري في هواه مشردا وأصبح قلبي بالصبابة هائما ... وأمسى بفيض الدمع جفني مسهدا فهل باخل بالوصل يسمح باللقا ... لصب بسكر الشوق ضل عن الهدى لعمري إذا رمت الهدى بعد حيرة ... فمدحك مولى في البرية أوحدا هو المنهل العذب الذي فاض فيضه ... وقد ملأ الآفاق مجداً وسؤددا عليّ المفدى كامل الفضل والحجا ... وحيد العلا بالمكرمات تعوّدا وله أيضاً حاز الجمال بطلعة وسناء ... وسبى الأنام بمقلة وسناء قمر يميس من الدلال تصلفا ... كتمايل النشوان بالصهباء إن لاح قلنا يا شموس تبرقعي ... خجلاً كما بدر السما بحياء وإذا تبسم ضاء نور ثاقب ... لمن اهتدى كالبرق في الظلماء جمع المحاسن خدّه وبثغره ... كنز يضئ بجوهر لألاء زاهي الجمال مفتر الأجفان في ... سحر بدا أمر على الأمراء نطقت حروف الشكل أن لحاظها ... تركت ببابل أعظم الأهواء في وجهه نور وداخل مهجتي ... نار يؤججها الهوى بحشائي فكأنما عيني التي قد أوجبت ... تأثيرها في الوجنة الحمراء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 وجنت على قلبي بلمحة ناظر ... فقصاصها ترعى نجوم سماء أكرم بجيد حشوه جود يرى ... والصدر بيت العلم والانشاء حاوي المكارم والمفاخر والعلا ... بحر طمى قدوة الفضلاء المورد العذب الذي من فيضه ... بحران بحر ندى وبحر سخاء قاض يعمّ بعدله كل الورى ... وبحكمه ترك العدا بشقاء عمر المنازل عدله وكماله ... عمر المفدّى أفصح الفصحاء نتج الزمان به وفاق بفضله ... وبجوده أربى على الأنواء هو مرجع يزجي إليه وحقه ... هو مقصد الفضلاء والكرماء وله أيضاً قلبي لصدّك صابر وحمول ... هيهات أني عن هواك أحول يا من شغفت به فعذب مهجتي ... رفقاً فجفني بالسهاد كحيل مالي سوى روحي وإن ترضى بها ... يا حبذاك وإن ذا لقليل عيناك قد رمتا بقلبي أسهماً ... فلذا جفوني بالدماء تسيل يا قاتلي ظلماً بلين قوامه ... عوفيت إن يك عن دمي مسؤل أنت الطبيب لمن به حل الشقا ... وشفاء قلبي ريقك المعسول قد كنت تأتي كل يوم زائراً ... واليوم حتى بالسلام بخيل قل لي فما ذنبي وما ذاك الذي ... قد كان مني فالمحب حمول أو أن أكن أخطأت جهلاً إنني ... أنا تائب والعفو منك جميل بالله يا ريح الصبا فاحمل له ... مني الرسالة والحديث طويل وأخبره أن الروح من هجرانه ... ذابت عليه ووصله المأمول سقياً لأيام الوصال فإنها ... رقت كما رقت صبا وقبول قد كان لي فيها رقيبي شافعاً ... وكذا العذول إلى الحبيب رسول طابت كما قد طاب مدح الماجد ال ... مولى الممجد من نداه سجيل وقال أدر المدامة يا مليك الأنفس ... ممزوجة في ثغرك المتلعس صهباء بحلي في الكؤس كأنها ... خود بدت في أحمر من أطلس راح حكت في اللون خدّ مديرها ... بصفائها وشعاعها في الأكؤس بكر إذا باكرتها لك أولدت ... سر السرور مع النديم الأكيس في روضة تزهو بحسن أزاهر ... من سوسن وقرنفل مع نرجس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 والورد باد في الغصون كأنه ... سلطان حسن جالس في مغرس والطير والشادي على صوتيهما ... قم يا نديم أدر كؤس المجلس ساق كأن الله أودع حسنه ... وجماله سرّ الجمال الأقدس يسبي الغزالة في السماء وفي الفلا ... بجماله وبطرفه المتنعس وإذا مشى يختال من صلف به ... أزري ببانات الغصون الميس وإذا رنا تيهاً بطرف فاتر ... قالت أسود الغيل هذا مقوسي رشقت لواحظه بقلبي أسهما ... أبدينها بحواجب هي كالقسي بدر إذا ما ماس في داج تخل ... شمس الظهيرة أشرقت في الحندس يفترّ عن درّ فتحسب في الحمى ... برقاً تألق في نهار مشمس رشأ حوى رتب الجمال كما حوى ... رتب الكمال وكل فضل أقعس بحر الندى نجم الهدى من قد سما ... عمر المفدّى بالدنا والأنفس مولى كساه الله جل جلاله ... ثوب المهابة وهي أشرف ملبس وقال أيضاً قلب إلى لقيا الأحبة شيق ... ومدامع طول المدى تترقرق ونواظر ترعى النجوم فليتها ... تغفو عسى منهم خيال يطرق وإذا سمعت بذكرهم بين الورى ... فيصير قلبي من جواه يخفق فأموت من وجدي وأذكر ما مضى ... وأذوب من حرقي ونفسي تزهق ولقد بكيت على التلاقي ساعة ... حتى لكدت بماء جفني أشرق وبمهجتي رشا يميس رشاقة ... كل الغصون إذا تبدّى تطرق جدلان ساجي الطرف مهضوم الحشا ... حلو الشمائل طرفه متملق فالبدر من لآلاء طلعته بدا ... وجبينه منه الغزالة تشرق إن لاح طرفي شاخص لجماله ... أوصال قلبي من سطاه ممزق ما ضرّ لو منع التجافي والقلى ... وبوصله قد جاد وهو الأليق وعلام يمطل بالوصال أما يرى ... قلبي له متشوّف متشوّق فإليك عني يا عذول فإنني ... من جور أحكام الهوى لا أفرق أو ما ترى الروض البهيّ كأنه ... نشر على وجه الرياض ورونق والشهب تزهو بالضياء لأنه ... قد لاح نجم محمد يتألق الفاضل الحبر الهمام ومن له ... فضل على أهل الفضائل يفرق وله من قصيدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 خيال أتى والليل راع ظلامه ... فشرّد عن جفن المعني منامه وراح وألقى في الحشا لاعج الهوى ... مقيم بقلبي حره وضرامه وما حققته العين من فرط دهشتي ... بذاك المحيا وهو راخ لثامه وقد قرحت بالسهد أجفان ناظري ... ودمعي على الخدّين طال انسجامه فأصبح عما أشتكي لوعة الجفا ... وأمسى سروراً عل نحوي لمامه إذا لاح برق في دجى الليل ساطع ... وتوهم طرفي أن ذاك ابتسامه غزال رخيم الدل رخص بنانه ... له في الحشا مرعى وقلبي مقامه يعير شموس الأفق من نوره كما ... يعير غصون البان ليناً قوامه ويخجل بدر التمّ حسناً وطلعة ... وما البدر إلا عبده وغلامه إذا ما نضا عنه القناع مخاطباً ... تقشع عن بدر الدياجي غمامه يجرّد من سود اللواحظ أبيضا ... ليجرح قلبي لحظه وحسامه له طرّة تبدي الدجى وجبينه ... يزيح عن الليل البهيم قتامه وقامته كالرمح والسيف ناظر ... وحاجبه قوس رماني سهامه بدير علينا راح ثغر قد انجلت ... بكأس عقيق قد حلا لي مدامه وقد لامني الواشي على فرط حبه ... وأصعب شيء كان عندي ملامه يروم سلوّي عن هواه وكيف لي ... وبين ضلوعي وجده وغرامه لئن عز صبري عن لقاه فمخلصي ... بمدح الذي عم البرايا اهتمامه وله من أخرى قسماً بأني عهده لا أفسخ ... ولو أنه بالهجر وصلى ينسخ بأبي وبي أفديه ظبي أغيد ... في حسنه بدر السماء له أخ ريان من ماء الشباب وخدّه ... من مسك عارضه الأريج مضمخ إن ماس أزرى بالعوالي قدّه ... وعلى غصون البان منها يجفخ فكأن طرّته ونور جبينه ... ليل دجوجي منه صبح يسلخ يرنو بألحاظ نوافث سحرها ... شهرت مواضي للعزائم تنسخ علقت به روحي فعذب مهجتي ... بصدوده وعن التواصل يزمخ ولقد كتمت هواه بين جوانحي ... إذ لم أجد لي للتلاقي مصرخ يا للأخلا قد تزايد بعده ... عني وفي هجري تراه يرضخ وأحل قتلة عاشقيه أما ترى ... خدّاله بدم القلوب يضمخ كيف التخلص من هواه وقد غدا ... للحب في جنب المتيم مرسخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 إن لامني في حبه الواشي فلي ... سمع عن التعنيف فيه أصلخ لم يدر أني في هواه مخلص ... بمديح من في مجده يستبذخ الماجد الشهم الذي بفضائل ... أضحت له الأعداء دوماً تدنخ هو نجل إسمعيل من فاق الأولى ... بمكارم مثل السحائب تنضخ وله من قصيدة صبّ بالهجر تهدّده ... قد ذاب جوى من يسعده والسقم براه وأنحله ... فلذا ملته عوّده سهران الطرف له رقت ... في الليل نجوم تشهده وغدا يشدو من فرط جوى ... يا ليل الصب متى غده يهواه الصب فيشغله ... أسف للبين يردّده قمر في القلب منازله ... فعجيب عنه تباعده ريحان العارض فيه حوى ... خطا ياقوت مجوّده في الحسن فريد بل ملك ... فتعالى الخالق موجده طفل لحديث السحر روى ... عن بابل طرف يسنده رشأ ألليث بمقلته ... يسطو للغاب يقيده يرنو باللحظ فيسحبه ... للقتل دعاه مهنده بالله أعيذك يا أملي ... من قتل شج تتعمده وأرفق بالقلب فإن به ... جمراً قد زاد توقده واسمح بالغمض لعل بان ... في النوم خيالك يسعده في قيدك قد أمسى دنفاً ... وأنا في ذاك مخلده لم ألق خلاصاً منه سوى ... من سام ذراه ومحتده وله كذلك أذى لآل أم عقود الجمان ... أم أنجم الجوزاء أم بهرمان أم ذا هلال الأفق بادي السنى ... أم بدر تمّ قد تراءى عيان أم بابل أهدت لنا سحرها ... فالعقل مني حائر والجنان أم روض نوّار بدا نشره ... فعطر الأكوان أم عرف بان عاينت فيه الورد مع نرجس ... فقلت ما أحسن هذا القرآن من حسنه قد حار عقلي ومن ... نظم أتاني من بديع الزمان نجل المفدّى والامام الذي ... كالشمس معروف لقاص ودان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 بالعلم والأفضال عمّ الورى ... نفعاً وإحساناً كريم البنان سقياً لقبر حل فيه وقد ... أسكنه الله فسيح الجنان وأنت يا مولاي من بعده ... علامة العصر فريد الأوان لقد أتاني منك لغز غدا ... سناؤه يسمو على النيران ثملت من معناه لما أتى ... فمنه سكري لا ببنت الدنان يسال عن ورد زكا نشره ... به تذكرت خدود الحسان وليث غاب إن سطا في الوغى ... سلاحه ماض كحدّ السنان تحريفه يروى وإن درته ... مساكن الأفراح في العنفوان وثلثه أذكرني الشاعر ال ... وأواء من للشعر حلي وزان وما بقي فالدرّ إن درته ... وإن تحرفه فدرّ اللبان والأصل منه صدق ودّأتي ... ما زال مأموناً إذا القلب بان فما اسم شيء رق طبعاً بدا ... في الفضل مشهوراً به يستعان يروق إشراقاً ولكنه ... يروع غرباً والمراع الجبان له لسان أخرس كم به ... كلم إنساناً بذاك اللسان كم شق من نهر على سابح ... وهام في واد وخلى مكان عذب حيناً في لهيب اللظى ... وكم رأى من طارق في الزمان وصبره صيره راقياً ... وماضي الأحكام في كل آن طوراً تراه راكعاً ساجداً ... مع المصلين اماماً عيان فياله من عالم إن رأى ... متنا فيشرحه بحسن البيان مدبج اللون يرى أخضراً ... وأبيضاً في حمرة الارجوان تصحيفه وصف لأنعامكم ... وذا حنين أم حياء وصان ضم حواشياً غدت سورة ... وقلب باقيه طبيب يدان لم يخش من شيء ولكنه ... إن طاح منه الرأس فالموت حان وهو رباعيّ ولكن إذا ... للربع تحسبه تجده ثمان وربعه الثاني فصحف ترى ... نبتاً بدا تلقاه قبل الأوان وما بقي منه بمقلوبه ... وهو الذي معناه في الصدر بان بينه واكشف سرّ ما قد خفي ... منه وحليه بعقد جمان لا زلت تسمو للعلا راقياً ... إلى مقام دونه الفرقدان ما حل لغزاً فاضل ذو ذكا ... بدرّ ألفاظ وسحر البيان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 وله مشجراً عهدي على أني المقيم بعهده ... ولو أنه قدّ الفؤاد بقدّه بأبي وبي أفديه بدراً مشرقاً ... بدر السما أضحى لديه كعبده درى الثنايا تحت شفته بدا ... خال توارى من تلهب خدّه أصلى الفؤاد بنار وجد أضرمت ... لا تنطفي إلا بمرشف برده لي في هواه شواهد دلت على ... تلفى برقة خصره وببنده لا أنتهي عن حبه لو قطعت ... أحشاي من جور الغرام وصدّه هو بغيتي بل منيتي ومنيتي ... وضلال قلبي فيه غاية رشده وله مضمناً وتكللت وجنات من أحببته ... عرقاً ففاح المسك من نفحاتها وأتت عوارض حسنة تبدي لنا ... قسماً بروضة خدّه ونباتها وله من الدو بيت قوله من سيج ورد خده بالآس ... حتى مرضي أعياه طب الآسى أقسمت عليك بالهوى يا أملي ... دارك رمقي ولا تكن لي آسى ومن معمياته قوله في حسن يا أخا الوجد لو تعاين ما بي ... كنت ترثى لحالتي وشجوني وجه حبى مع الظعائن سارا ... فاتنالي وحاجب مقرون وقوله في يونس رب بدر سبي الأنام بحسن ... وبقد كغصن بان تثنى قالت الشمس منذ لاح مضيئاً ... هو أرقى من نور وجهي وأسنى وقوله في صالح بالروح أفديه حبيباً غدا ... ناء عن المضنى بلا ذنب من لحظه والقدّ لا تسألوا ... ما منهما قد حل بالقلب وله غير ذلك ولم أدر وفاته في أي سنة كانت غير أنه في سنة احدى عشرة ومائة وألف كان موجوداً رحمه الله تعالى. السيد محمد الكردي ابن عيسى الحسيني الحنفي الكردي الأصل القدسي هذا الأديب افتر ثغر الزمان عن درره وابتهج بما يبديه من لطائف نظامه ونثاره كان شاعراً فاضلاً له واسع اطلاع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 وحسن نباهة وبداهة أحد أفراد مصره في عصره مجيد في النظام والأدب له اجتهاد في العلوم وباع ذكي الطبع حسن السمت حلو المسامرة يرغب في مسامرته الكرام والصدور وتبتهج بروائع رشحات أقلامه وجوه الصحائف والسطور وكان بالقدس ممن اشتهر بالفضائل خصوصاً بفنون الأدب وارتحل إلى الروم ولم يطل المكث هناك وعاد إلى بلدته وكان يلازم المسجد الأقصى ووالده أحد الصلحاء من العالم وولده المترجم نثره ونظمه كل منهما باللطافة والرقة ممزوج ومشمول فمما وصلني من ذلك ما كتبه إلى السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين وفوده من الروم شمس العلا طلعت ولاح سناء ... وازدادت الأنوار والأضواء وبدا لنا بدر الضيا متلألئاً ... مذ قابلتنا الغرّة الغراء وانجاب عز وجه الشآم غمامه ... وبدا الصباح وزالت الظلماء وافترّ ثغر الدهر لما أن عرا ... أهل العداوة بالسرور بكاء وتقاربت نحو المنى آمالنا ... وتباعدت عن عيننا الأقذاء لبس الزمان أحاسن الحلل التي ... بجمالها تتزين الحسناء والأرض قد أبدت غلائل زينة ... وتكللت من فوقها الأنداء والكون يرقص من مزيد سروره ... رقصاً به قد طابت الخيلاء والروض مدّ بساط منثور على ... منظوم زهر قد علاه بهاء والنهر يجري فوق درّ ناصع ... هو للتمائم درّة عصماء وعصابة الأدباء كل قائل ... شعراً به تترنم الورقاء كل بباب الفتح طاف مبشراً ... بسلامة هي للأنام شفاء من لا تفي البلغا بمدحته ولو ... بجميع أصناف المدائح جاؤا عادت بعودك للأنام حياتهم ... فالآن سائر من يرى أحياء لولا بشير البشر بشرّنا لما ... زار العيون وحقك الأغفاء قد غم كل منافق ومداهن ... وسرت إلى سرّائه الضراء وتفطرت أكباد حسد نعمة ... وتقطعت فزعاً لهم أمعاء وتسر بلواً بالخزي في درك الشقا ... ما ثم فوق شقا الحسود شقاء تجري الدما منهم على وجناتهم ... فلذاك عين وجودهم عمياء فطعامهم بعد النفائس أنفس ... وشرابهم بعد الزلال دماء ووجوههم مصفرّة مما بهم ... وكذا تنفسهم هو الصعداء ما بالهم يبغون سوأ للذي ... بالجود منه تذهب الأسواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 ما بالهم يبغون غماً للذي ... بندى يديه تخصب الأرجاء يكفي الحسود بأن سحنة وجهه ... بين الخلائق غمة سوداء هل يستوي صبح وليل أليل ... والدرّ ليس كمثله الحصباء يا أكمل الرؤساء لا مستثنياً ... أحداً إذا ما عدّت الرؤساء يكفيك يا عين الأماجد والعلا ... حمد ومدح رفعة وعلاء قد أجمع العقلاء إنك أوحد ... وسواك يا روح العلا غوغاء لا رأى يلفي مثل رأيك صحة ... منه استضاءت في الورى آراء ما كل من ولي المناصب ماجد ... كلا ولا كل الشموس ذكاء ضاقت صدور بني المراتب بالذي ... قد أودعوه وصدرك الدهناء أنت الصباح لنا وغيرك عندنا ... ليل وغرّة وجهك اللألاء ولأنت في سعد السعود لدى المدى ... والضدّ في وادي العنا عوّاء غلبت طباعك كل طبع مائل ... وتباعدت عن عرضك الأسواء في الله لم تأخذك لومة لائم ... كلا ولا مالت بك الأهواء لك نعمة عند الورى خضراء ... ويد لعفة كفها بيضاء سدت الأنام بها بغير مشارك ... والناس فيما دونها شركاء بل سدتهم من كل وجه لا كمن ... قد سوّدته بيننا الصفراء قد أطبق الأجماع أنك وجهة ... قد قلدتها السادة الحنفاء شهدت لك الأعدا بفضل زائد ... والفضل ما شهدت به الأعداء وإليك يا بحر النوال عروسة ... عذراء زفت بالثنا وطفاء وفدت تقنع رأسها بردائها ... خجلاً ويعلو وجهها استحياء وقفت بباب الفتح إن يك منعماً ... بقبولها زادت لها النعماء إن أبطأت عن لثم كفك لا تقل ... يكفي الذي قد خلف الابطاء وأقبل لنائية الديار مسامحاً ... فأخو النباهة دأبه الأغضاء لا زلت في مجد وسعد دائماً ... ما نقطت وجه الربا الأنواء ومن نثره لما هتف بريد السعد وأعلن بشير الجد والمجد وتزايد وافر الشوق والوجد وسرت إذ سرت مسرة الفتح المبين ماست عروس الشام في حلل الجمال وقبلها البهاء من الجبهة إلى الخلخال وعلت روضة النيرين على النيرين بأفق الكمال وتناهت وتباهت بذروة العزة والتمكين وقامت خطباء الطير على منابر الغصون وهتفت سواجع الورق فحركت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 سواكن الشجون وأطرب فأعرب كل صادح بلحن غير ملحون ونادى منادي المجد بنادي السعد أهلاً بفخر القادمين تفطرت أكباد الأعداء والحساد وأشرقت أرجاء الوهاد والمهاد واطمأنت القلوب وتلت ألسن العباد والعباد فرحاً بنيل الأماني والتهاني ادخلوها بسلام آمنين هذا أجل ما تنظره العيون وترقبه هواجس الخواطر والظنون وتطلبه الحامدون الراكعون الساجدون على رغم أنف كل حسود هو في هاوية الغيظ رهين فلله الحمد على نعمه العميمة وأجلها هذه النعمة العظيمة وله الشكر على سننه الكريمة التي قرت بها أعين المحبين وبعد لثم الأعتاب السنية أقبل بناديكم كل راحة ندية وأهدى أكمل تحيات وتكريمات ندية لكل أخ وعم وأبنائهم وتابع وخدين أدام الله تعالى حفظ الجميع وأبقاكم على ذروة العز الرفيع وخلد أعداءكم في الحضيض الوضيع بجاه أشرف النبيين والمرسلين واستاذنا معدن العرفان والتحقيق سبط الحسنين وصفوة الصديق يهدي لكم وللأخوة وابن العم الشقيق مع دعاء ومدد مدى المدد بهما يتأبد التمكين ومولانا السيد فضل الله العلمي أجل مخلص يهدي التحية ودمتم ملاذاً للخائفين والطائفين والعاكفين أقبل كفا طالما كفت الأذى ... وقلدت الأعناق ما يوجب الشكرا فلثمي لتلك الخمس كالخمس واجب ... عليّ فصارت واجباتي بها عشرا أقول بعد لثم راحة تناولت زهر الكواكب ونابت عن الغيث فسحت وما شحت بخمس سحائب يا مولاي المتطول بأياديه المتفضل بما غمرتني غواديه المرتدي بأثواب الجلال المبتدئ بالعطاء قبل السؤال لم أستطع تمثيل حمدك ومدحك ولم أطق وصف ذرة من أفضالك ومنحك فلقد أتعرت مواردي ومناهلي وحملتني من حقائب الجود ما أثقل كاهلي كم من يد بيضاء قد أسديتها ... تثني إليك عنان كل وداد شكر الآله صنائعاً أوليتها ... سلكت من الأرواح في الأجساد ولما تشرفت العيون بكريكم المرسوم وأوصلنا داعيكم ما به مرسوم كل عن الشكر بناني ولساني وأعلن بالأدعية المقبولة جناني لأني كلما فرغت من شكر يد كثر مددها وصلتها بأياد جزيلة أعد منها ولا أعددها فلا تحدث لي بعدها زياده وأرفق بعبدك فقد ملك العجز قياده أنت الذي قلدتني نعماً ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا لا تسدينّ إليّ عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا وما عسى مادحك أن يقول يا من بهر بحسن مناقبه العقول المتكلم يعجز عن وصفك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 يراعه والبليغ يقصر عن حصر وصفك باعه على أن كلاً لو استعار لساناً واتخذ الريح في نقل أخبارك ترجماناً أدركه الملال ولم يصل إلى غايتك وأعياه الكلال دون الوقوف عند نهايتك فالله يتولى مكافأتك بما هو أبلغ من شكر الناس ويمتع الأحباء ببقاء ذاتك التي جلت عن النعت والقياس آمين بجاه أشرف المرسلين وقال مادحاً له صبح المسرّات قد راقت زواهره ... ودوح روض المنى افترّت أزاهره وماست القضب سكري في خمائلها ... لما سقاها من الوسميّ باكره وعانق النهر قامات الغصون وقد ... سرّت دمشق بعصر راق سائره وقرّ مسجدها عيناً ببهجته ... وكاد من قبل أن تدمى محاجره وكاد يعوزه بسط الحصير به ... عند الحصور الذي جلت مآثره والآن يزهو بتعمير ويزهر من ... دروس علم وقد قامت شعائره يختال في برد الوشي البديع وقد ... ترنحت طرباً منه منايره وزانها في دجى الأسحار حسن دعا ... لناظر ماجد طابت سرائره الأوحد الفرد فتح الله خدن علا ... نسل الأماجد من زادت مفاخره ذو الحزم والعزم والرأي السديد وما ... تحيد عن غرض التقوى أوامره وهي طويلة وله غير ذلك وكانت وفاته بالقدس سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. محمد الكناني ابن عيسى بن محمود بن محمد بن كنان الحنبلي الصالحي الدمشقي الخلوتي أحد العلماء الأتقياء والصلحاء العاملين ولد في سنة أربع وسبعين وألف ونشأ في كنف والده وأخذ عنه الطريق وأخذ على جماعة كالشيخ خليل الموصلي قرأ عليه حصة من جمع الجوامع في الأصول والرسالة الأندلسية في العروض وغيره من الأجلاء وحج إلى بيت الله الحرام واجتمع في المدينة المنورة بالأستاذ الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني وأخذ عنه الحديث ولما توفي والده صار مكانه شيخاً واستقام إلى أن مات ولازم الأذكار وألف التاريخ الذي جمعه بالحوادث اليومية وقد طالعته واستفدت منه وفيات وبعض أشياء لزمتني لتاريخ هذا وهو تاريخ يشتمل على الحوادث الصادرة في الأيام مع إيراد وفيات ومناسبات وفوائد وورد يوماً من الأيام مذاكرة بين الوالد وبينه في المعميات فذكر أنه يستخرج اسم هود من قوله تعالى ما من دابة إلا هو آخذ بناصيته واسم شهاب من قوله تعالى والليل إذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 يغشاها وكانت وفاته في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بالصلاحية وتولى بعده المشيخة ولده الفاضل الشيخ محمد سعيد رحمه الله تعالى. محمد أمين المحبي ابن فضل الله بن محب الله بن محمد محب الدين بن أبي بكر تقي الدين بن داود المحبي الحموي الأصل الدمشقي المولد والدار الحنفي العلامة الأديب فريد العصر ويتيمة الدهر المفنن المؤرخ الذي بهر العقول بإنشائه البديع الذي ذل له البديع الفاضل الذكي اللوذعي الألمعي الشاعر الماهر الفائق الحاذق النبيه أعجوبة الزمان مع لطافة عجيبة وطلاقة غريبة ونكات ظريفة وشواهد لطيفة ولد بدمشق في سنة احدى وستين وألف ونشأ بها في كنف والده واشتغل بطلب العلم فقرأ على العلامة الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ رمضان العطيفي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ علاء الدين الحصكفي مفتي دمشق والشيخ عبد القادر العمري ابن عبد الهادي والشيخ نجم الدين الفرضي وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ محمد العباسي الخلوتي وأخذ بعض العلوم عن الشيخ محمود البصير الصالحي الدمشقي وأخذ عن الشيخ عبد الحي العسكري الدمشقي وأجاز له الشيخ يحيى الشاوي والشيخ محمد بن سليمان المغربي وأخذ بالحرمين عن جماعة من علمائهما منهم الشيخ حسن العجيمي المكي والشيخ أحمد النخلي المكي والشيخ إبراهيم الخياري المدني حين ورد من الشام وغيرهم ومهر وبرع وتفوق في فنون العلم وفاق في صناعة الانشاء البليغ ونظم الشعر وظهر فضله وكان يكتب الخط الحسن العجيب وألف مؤلفات حسنة بعد أن جاوز العشرين منها الذيل على ريحانة الشهاب الخفاجي سماه نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة والتاريخ لأهل القرن الحادي عشر سماه خلاصة الأثر في تراجم أهل القرن الحادي عشر ترجم فيه زهاء ستة آلاف وهو مشهور والمعول عليه في المضاف والمضاف إليه والمثنى الذي لا يكاد يتثنى وقصد السبيل فيما في لغة العرب من الدخيل والدر المرصوف في الصفة والموصوف وكتب حصة على ديوان المتنبي وحاشية على القاموس سماها بالناموس صادفته المنية قبل أن تكمل وكتاب أمالي وديوان شعر وغيرها من درر غرره وتحائف فكره ورحل للروم وللديار الحجازية وناب في القضاء بمكة ورحل للديار المصرية وناب في القضاء بمصر وحج بيت الله الحرام وولي تدريس المدرسة الأمينية بدمشق وبقيت عليه إلى وفاته قال الشمس الغزي في كتابه لطائف المنة اجتمعت به مرتين في خدمة والدي فإنه كان بينه وبين المترجم مودة أكيدة وسمعت من فوائده وشعره وكان قد أدركه الهرم بسبب استيلاء الأمراض عليه انتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 قلت وله شعر لطيف وهو مشهور أودع غالبه في نفحته وتاريخه فلنذكر نبذة منه فمن ذلك قوله ألا في سبيل الله نفس وقفتها ... على محن الأشجان في طاعة الحب أعاني جوى من ذي ولوع بكيده ... إذا لم يمت بالصدّ يقتل بالعجب تخيرته من ألطف الغيد خلقة ... تكوّن بين الراح والمبسم العذب أبى القلب إلا أن يكون بحبه ... وحيداً على رغم النصيحة والعتب فلو فوّقت سهم المنون جفونه ... لقلب سوى قلبي تمنيته قلبي وكان له ترب بدمشق ألف بينهما المكتب وحبيب كان يرتع معه أيام الصبا ويلعب فكان فراقه عنده من أعظم ذنوب البين وفي المثل أقبح ذنوب الدهر تفريق المحبين فكتب هذه الأبيات وهي أول ما سمح به فكره من النظم لا كانت الدنيا وأنت بعيد ... يا واحداً أنا في هواه وحيد يا من لبست لهجره ثوب الضنى ... وخلعت برد اللهو وهو جديد وتركت لذات الوجود بأسرها ... حتى استوى المعدوم والموجود قسماً بما ألقى عليك من العدا ... ومحب وجهك في الورى محسود إن المحب كما علمت صبابة ... فالصبر ينقص والغرام يزيد ولقد ملأت القلب منك مهابة ... فعليّ منك إذا خلوت شهيد والحرص مذموم باجماع الورى ... إلا عليك فإنه محمود وقوله وأغيد يسكر عقل الغيد ... يصيد بالحسن قلوب الصيد فؤاده صوّر من حديد ... وقلبه أقسى من الجلمود مولى عظيم الفتك بالعبيد ... يغنيه حسنه عن الجنود سكر لحاظه بلا حدود ... يصدّو الهلاك في الصدود قد عاقه الثلج عن الورود ... ما الثلج إلا برص الوجود وقوله في بعض الأمراء بأبي وإن كان أبي سميذعاً ... خلقت يداه للشجاعة والندى راجعته في أزمة فكأنما ... جردت منه على الزمان مهندا ملك كريم كالنسيم لطافة ... فإذا دجا خطب قسا وتمرّدا أمواج إحسان أسرّة وجهه ... لصديقه وسيوف بأس للعدا كالبحر ينعم بالجواهر ساكناً ... كرماً ويأتي بالعجائب مزبدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 يفنى من الأعمار إن غشي الوغى ... ما لو حوى أفنى الزمان وخلدا والهام نسجد خشية من سيفه ... لما أبت أربابها أن تسجدا لا تعجبوا إن لم يسل منهم دم ... فالخوف قد أفنى النفوس وجمدا وقوله في مدح القسطنطينية معارضاً أبيات الحريري في البصرة بلاد قد حوت كل الأماني ... نبيت بها ونصبح في أمان هي البلد الأمين فليس تخشى ... بها ظلماً سوى جور الغواني حدائقها من الروضات حسناً ... هي الفردوس من بين الجنان وبقعتها من الدنيا جميعاً ... بمنزلة الربيع من الزمان وكوثرها على الحصباء يجري ... كذوب التبر سال على الجمان إذا صدحت بلابلها أجابت ... كواكبها بأنوار الحسان ومن مقاطيعه قوله وقد تعجب منه بعض الأكابر في محفل فقال بديها لئن أصبحت أدنى القوم سنا ... فعدّ فضائلي لا يستطاع كشطرنج ترى الألباب فيه ... حيارى وهو رقعته ذراع وقوله كلنا جرحى خطوب ... مالنا الدهر مريح فلهذا لم يكن يو ... جد شاميّ صحيح ومن نفثاته البديعة قوله للقلب ما شاء الغرام ... والجسم حصته السقام وإذا اختبرت وجدت مح ... نة من يحب هي الحمام عجباً لقلبي لا يم ... لّ جوى ويؤلمه الملام وأبيك هذي شيمتي ... من منذ أدركني الفطام إني أغار على الهوى ... من أن تؤمله الأنام وأروم من حدق الظنا ... نظراً به حتفي يرام أفدي الذي منه يغا ... ر إذا بدا البدر التمام فعلت بنا أحداقه ... ما ليس تفعله المدام إن شط عنك خياله ... فعلى حشاشتك السلام أأخيّ من يك عاشقاً ... فعلام يجفوه المرام إني بليت بمحنة ... هانت بها النوب العظام حتى لقد عميت على ... مسالكي ودجا القتام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 صاحبت ذلي بعد أن ... قد كان تفخر بي الكرام والمرء يصعب جهده ... ويلين صعدته الصدام لا تتهمنّ تذللي ... فالتبر معدنه الرغام وإذا جفاني من أحب ... صبرت حتى لا أضام فعبوس أردية الحيا ... عقباه للروض ابتسام ولئن وهت لي عزمة ... فلربما صدئ الحسام فعسى الذي أبلى يعي ... ن وينقضي هذا الخصام وقوله قد قعقعت عمد للحيّ وانتجعت ... كرام قطانه لم ألق من سند مضى الألى كنت أخشى أن يلمّ بهم ... ريب الزمان ولا أخشى على أحد فأفرخ الروع أن شالت نعامتهم ... فأفسد الدهر منهم بيضة البلد وقوله وشادن قيد العقول وجهه ... وصدغه سلسلة الآراء شامته حبة قلب مذ بدت ... جنت بها الأحشاء بالسوداء وقوله لا بدع أن شاع في البرايا ... تهتكي في الرشا الربيب عشقي عجيب فكيف يخفى ... وحسنه أعجب العجيب وقوله بي من أن عاينته مقلتي ... ينمحي جسمي ويفنى طربا أيّ شيء راعه حتى انثنى ... هارباً مني وولي مغضبا وقد اتفق في مجلس بعض الأعيان أن دعى إليه صاحب الترجمة وكان به المولى علي بن إبراهيم العمادي والسيد الشريف عبد الكريم الشهير بابن حمزة وغيرهما فسقطت ثريا القناديل في ذلك المجلس فقال المترجم مرتجلاً لله مجتمع كواكبه ... تلك الوجوه وضيئة الحلك حتى النجوم هوت له كلفاً ... بنظامها من قبة الفلك وقال وليس سقوط الثريا لدى ... نديّ الموالي من المنكرات فإن الشموس إذا أسفرت ... فلاحظ للأنجم النيرات وقال السيد عبد الكريم المذكور في ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 مجلس ضم شملنا بانسجام ... كالثريا وحبذا الانسجام نظمتنا يد العناية عقداً ... سلكه الودّ لأعراه انفصام والعماديّ منه وسطاه والوس ... طى لها الصدر منزل ومقام فأدرنا من الحديث كؤساً ... سكرت من مدامها الافهام ونعمنا بالاً وروحاً وسمعاً ... ولدينا للنيرات ازدحام بينما نحن من ثرياه عجب ... وبها الزهر زانه الانتظام إذ تداعت من أفقه وهي خجلى ... إذ حكتنا وفاتها ما يرام ولصاحب الترجمة يرثى بعض الأعيان وقد حبس ثم قتل أسفي على بحر النوال ومن له ... بأس الملوك وعفة الزهاد لو أن بعض صفاته اقتسم الورى ... لرأيت أدناهم كذي الأعواد لم يجن ذنباً غير أن زمانه ... قد فوّض الأحكام للحساد هابوه وهو مقيد في سجنه ... وكذا السيوف تهاب في الأغماد ذهب السرور بفقده فكأنما ... أرواحنا غضبى على الأجساد يا ثالث الحسنين عاجلك الردى ... والحتف قد يسري إلى الأطواد لك بالكواكب والسحائب أسوة ... فاذهب كما ذهب السحاب الغادي وذيل على البيتين الأولين وأرسل ذلك إلى بعض المعزولين عن مناصبهم فقال إن الأمير هو الذي ... أضحى أميراً يوم عزله إن زال سلطان الولا ... ية لم يزل سلطان عدله والسيف عند الاحتيا ... ج إليه يعرف فضل نصله والحق ينفر تارة ... ويعود معتذر الأهله والبدر يرجع ثانياً ... بعد الغروب إلى محله والعقد يثر كي ين ... ظم ثانياً جمعاً لشمله والخلد موعد آدم ... سيعودها أيضاً بأهله لكن يكون مخلداً ... والشيء مرجعه لأصله لا بأس من كرم الكري ... م فثق برحمته وفضله وله أيضاً ومقرطق لولا جفون جفونه ... خلنا دم الوجنات من ألحاظه وتكاد تقرأ من صفاء خدوده ... ما مرّ تحت الخد من ألفاظه وله غير ذلك من النظام والنثار المزري بكاسات العقار وكانت وفاته في ثامن عشر جمادي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 الأولى سنة احدى عشرة ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية من مرج الدحداح قبالة قبر العارف أبي شامة وكثر الأسف عليه وقامت عند الأدباء مآتمه فرثى بالقصائد العديدة منها ما قاله الشيخ صادق أفندي الخراط من قصيدة مطلعها هذا المصاب الذي كنا نحاذره ... القلب من هو له شقت مرائره بئس الصباح صباح البين لا طلعت ... شموسه بل ولا لاحت بشائره أهدى لنا جمل الأكدار مطلقة ... فلا رعى الله ما أهدت بوادره وهي طويلة جداً وترجمه الأمين حقيقة بالتدوين وفي هذا القدر كفاية لأهل الدراية. محمد بن الطيب ابن محمد بن محمد بن موسى الشرفي الفاسي المالكي الشهير بابن الطيب نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام المحدث المسند اللغوي العالم العلامة المفنن أبو عبد الله شمس الدين ولد بفاس سنة عشر ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء منهم والده ومحمد بن محمد المسناوي ومحمد بن عبد القادر الفاسي ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي ومحمد بن عبد السلام البناني ومحمد بن عبد الله الشاذلي وأبو عبد الله محمد بن محمد ميارة وأبو الاقبال أحمد بن محمد الدرعي وأبو عبد الله محمد بن محمد الأندلسي وأحمد بن علي الوجاري ومحمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وعمره نحو سنتين والسيد عمر البار العلوي وغيرهم ممن ينوف على مائة وثمانين شيخاً وبرع وفضل وصار امام أهل اللغة والعربية في وقته محققاً فاضلاً متضلعاً في كثير من العلوم ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة ورحل للروم من الطريق الشامي ورجع منها على الطريق المصري وأخذ عنه في الشام ومصر خلق كثيرون وحصل بينه وبينهم مباحث في فنون من العلم وله تآليف حسنة منها حاشية على القاموس وشرح نظم فصيح ثعلب في مجلدين وشرح على كفاية المتحفظ وحاشية على الاقتراح وشرح كافية ابن مالك وشرح شواهد الكشاف وحاشية على المطول ورحلة وجمع مسلسلاته في كتاب وهي تنوف على ثلثمائة وغير ذلك من المصنفات مما ينوف على خمسين مصنفاً وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف فنه قوله هذه القصيدة في مدح السفر سافر إلى نيل المعزة ... إن في السفر الظفر وانفر لنيل المجد في ... من للمعالي قد نفر واعلم بأن المكث في ال ... أوطان يدعو للضجر ويورّث الأخلاط وال ... أجسام أنواع الضرر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 أوما رأيت المالطو ... ل المكث يعلوه الوضر والبدر لو لزم الاقا ... مة في محل ما بدر والدرّ لو أبقوه في ... قعر البحار لما افتخر والتبر ترب في المعا ... دن وهو أفخر مدّخر والعود معدود لدى ال ... غابات من جنس الشجر والباتر المغمود لو ... لم يخرجوه لما بتر هذا وكم مثل سرى ... في الناس من هذي العبر أبدى البدائع منه من ... نظم القريض ومن نثر عن وجهها في غالب ال ... أسفار أسفر من سفر فادأب على الترحال في ال ... أحوال أجمعها تسر واعلم بأن البعد عن ... وطن به تمّ الوطر وأغرب بشرق وأشرقن ... في الغرب إن تك ذا نظر واجعل جميع الناس أز ... رك والثرى طرّاً فذر لا تؤثرن بدواً ولا ... حضراً وكن مع ما حضر فالبدو عز واللطا ... فة والظرافة في الحضر فإذا بدوت فكل عز ... باذخ فيك استقر وإذا حضرت فكل ظر ... ف ظرفه لك مستقر لا تبك الفالاً ولا ... داراً ولا رسماً دثر فالناس الفك كلهم ... والأرض أجمعها مقر فمتى وجدت العز وال ... عيش الهنيّ أقم تبر ومتى رأيت الضدّ والص ... دّ الخفيّ فدع وذر واجعل بضاعتك التقى ... مع من أسرّ ومن جهر فإذا اتقيت الله فز ... ت بكل كنز مدّخر وقوله ألا ليت شعري هل أرى البيت معلماً ... وهل أردن يوماً على الريّ زمزما ومن لي بحج البيت في خير معشر ... حدا بهم الحادي وغنى وزمزما ومن لي بأن أمسى على حجراته ... وأصبح ممن للمغاني به انتمى ومن لي بالخلّ الذي قد ألفته ... فندعى جهاراً أنتما القصد أنتما نطوف بذاك البيت طوراً وتارةً ... نلمّ بهاتيك البقاع فنلثما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وآونة نأتي إلى الحجر الذي ... سما قدره حتى تطاول للسما نعفر فيه الخدّ والوجه كله ... ولست أرى ممن يخص به فما وطوراً نصلي ثم نسعى إلى الصفا ... لنصفي الفؤاد المستهام المتيما ونسرع كي نلقي المنى ولدى مني ... نخيم فيمن كان لليمن خيما ونجني ثمار العرف من عرفاته ... ونغرف منه الخير غرفاً معمما ونبرأ من كل العقاب إذا دنت ... عقاب جمار تحرق الذنب أينما وتصبح فيمن برّ لله حجه ... وأصبح في تلك الرياض منعما ويا ليت شعري هل أرى طيبة التي ... بها طابت الأكوان نجداً وأتهما وهل تبصر القبر الشريف محاجري ... فأصبح فيه منشداً مترنما أخاطبه جهراً وأسأل ما أشا ... وأرجو حصول السؤل منه متمما ويسعدني القول البليغ فأتثنى ... إذا ما نظمت القول فيه تنظما وارجع مملوء الحقائب غامراً ... بما شئت من علم وحلم وما وما وتخد مني الدنيا وأصبح في غد ... لدى رتبة شماء في منزل سما تحف بي الأملاك من كل جانب ... لدى جنة الفردوس فوزاً معظما فتربح هاتيك التجارة كلها ... ويغنم مولاها ابتداءً ومختما وأهدى إلى خير الأنام محمد ... سلاماً بعرف الطيبات مختما وقال في عين الماضي حين وصل إليها من طريقه وهي عين ماء غزيرة محتفة بالنبات والأشجار وعندها قرية ماهولة قد وصف أهلها بمحاسن الأخلاق واتصف نساؤها بمحاسن الخلق وحسن العيون على الخصوص وهذه العين المذكورة واقعة في أرض الجريد ما بين مدينة فاس ومدينة طرابلس الغرب عين ماضي بها عيون مواضي ... فاعلات فعل السيوف المواضي والتفات الغزال لما غزا لي ... صائلاً صولة الأسود المواضي وقدود تزهو إذا قدّت القل ... ب ازدهاء الأغصان بين الرياض قال الشيخ المذكور بعد إيراد هذه الأبيان التي وصف فيها نساء عين الماضي غير أنا أخبرنا انهن لا يستعملن الماء في الاغتسال لأنه يضر بأبدانهن مهما قطر عليها وسال وقد ورد علينا سائل بين موجب ذلك وأوضح عذره قائلاً إن ذلك الماء يسقط حمل الحوامل ويذهب من الأبكار بالعذرة انتهى وله أيضاً ورد الربيع فمرحباً بوروده ... وبنور بهجته ونور وروده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وبحسن منظره وطيب نسيمه ... وأنيق مبسمه ووشي بروده فصل إذا افتخر الزمان فإنه ... إنسان مقلته وبيت قصيده يعني المزاج عن العلاج نسيمه ... باللطف عند هبوبه وركوده يا حبذا أزهاره وثماره ... ونبات ناجمه وحبّ حصيده وتجاوب الأطيار في أشجاره ... كبنات معبد في مواجب عوده والغصن قد كسى الغلائل بعدما ... أخذت يدا كانون في تجريده نال الصبا بعد المشيب وقد جرى ... ماء الشبيبة في منابت عوده والورد في أعلى الغصون كأنه ... ملك تحف به سراة جنوده وكأنما الأقاح سمط لآلئ ... هو للقضيب قلادة في جيده والياسمين كعاشق قد شفه ... جور الحبيب بهجره وصدوده وانظر لنرجسه الجنيّ كأنه ... طرف تنبه بعد طول هجوده واعجب لآذربونه وبهاره ... كالتبر يزهو باختلاف نقوده وانظر إلى المنثور في منظومه ... متنوّعاً بفصوله وعقوده أوما ترى الغيم الرقيق وقد بدا ... للعين من أشكاله وطروده والسحب تعقد في السماء مآتما ... والأرض في عرس الزمان وعيده ندبت فشق لها الشقيق جيوبه ... وأزرق سوسنها للطم خدوده وله وقد أنشدهما في الحجر والحطيم هديت إلى الصراط المستقيم ... فجئت لحجة البيت العظيم وعند الحجر قال الحجر أبشر ... فقد حطمت ذنوبك بالحطيم وله غير ذلك من الأشعار الرائقة والمكاتبات الفائقة وكان له الباع الطويل في اللغة والحديث وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وذكاءً ونبلاً وله حافظة قوية وفضله أشهر من أن يذكر وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة سبعين ومائة وألف بتقديم السين ودفن عند قبر السيدة حليمة رضي الله عنها ورحمه الله وإيانا. محمد ابن محمد بدر الدين ابن جماعة الكناني القدسي رئيس الخطباء بالمسجد الأقصى والامام بالصخرة المشرفة كان من أعيان القدس فاضلاً عالماً صوفياً حاجاً لبيت الله الحرام وتوفي بأراضي الحجاز بعد الحج وأولاده ثلاثة الشيخ إسحق والشيخ عماد الدين والشيخ بدر الدين ولم أتحقق وفاته رحمه الله تعالى. محمد الخليلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 ابن محمد بن شرف الدين الشافعي الخليل نزيل القدس بركة الزمان ونتيجة العصر والأوان الشيخ الامام المحدث العالم الفقيه الأصولي الصوفي الدين كان من أخيار العلماء المشاهير في وقته وصدور الأجلاء في تلك الديار وغيرها ولد ببلدة الخليل وكان أوان شبابه يتعاطى كسباً دنيوياً لمعاشه الجميل فحركته العناية الألهية لمصر الأمصار بإشارة شيخه العالم العامل الشيخ حسين الغزالي وبمدد شيخه الشيخ شمس الدين القيسي قطب زمانه نفعنا الله به وله معه واقعة ملخصها أنه أتاه بإناء يطلب شيئاً فقال له الشيخ محمد أملؤه لك فقال الشيخ شمس الدين إن ملأته ملأناك فملأه له حتى سال من جميع أطرافه فطلب وجد واجتهد وتلقى العلوم عن علمائها وما زال مشمر الذيل بها آناء الليل وأطراف النهار حتى أثمرت نخلاته وكملت في التحصيل نحلاته فاستجاز شيوخه فأجازوه وكتبوا له اجازتهم المستحسنة بما دروه ورووه وحازوه وكان شافعي المذهب أشعري العقيدة قادري المشرب فرجع من مصر بدراً تام الأنوار قد فاض نيل نيله المكثار وأزهر روض فضله المعطار فسكن بيت المقدس بإذن من الخضر عليه السلام حيث قال له أسكن بيت المقدس ونحن أربعون معك يا محمد أينما كنت وشد أزاره ونشر العلوم العقلية والنقلية للطلاب وكان وعظه يلين القلوب القاسية ويأخذ بنواصي النفوس القاصية وكان حاله الرباني غالباً على حاله العرفاني راغباً في الخيرات مكثراً للبر والصدقات تشربته قلوب الخواص والعوام وكان أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر يغلظ على الحكام مؤيداً للسنة في أقواله متبعاً لسبلها في أفعاله كثير الحب للفقراء والمساكين مقبلاً على زوار المسجد الأقصى والمتقربين قد لبس جلباب التواضع وخلع خلعة النفسانية والعصبية وهو بإقامة مولاه راض اجتمعت على حبه العامة فكلامه عندهم لا يتوقف فيه أحد من خاصة ولا عامة واشتهر أن دعوته مستجابة ومن ذلك أنه أرسل إلى بعض العرب وقد أخذوا الزيت الذي كان محملاً على بعير وحمارة للشيخ محمد يقول له البعير بالأمير والزيت بصاحب البيت والحمارة بغاره فما أصبح الصباح حتى وقع ما وقع بعين ما قال وخلت الديار من الفجار ومن ذلك إنه دعا على رجل بالشنق فشنق نفسه بنفسه بأن وضع مخدات تحت قدميه ثم وضع الحبل في عنقه وأزاح المخدات إلى جهة الحلو فكان حتف أنفه ومن ذلك إنه دعا على النعامرة حين آذوه في طريق السيد الخليل عليه الصلاة والسلام بالنار ورجم الأحجار فما زال بهم رمي الأحجار وحرق النار في بيوتهم بالليل والنهار حتى أتوه واستعفوه فعفا عنهم وختم كتاب البخاري مراراً في حضرة سيدنا الكليم موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام وأمده ذلك النبي بمدده الموسوي الفائض الهتان وحين ختمه أنشد فقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 حمداً وشكراً لرب أجزل النعما ... ثم الصلاة على من قد أزال عمى وآله صم صحب مخلصين بما ... قد أسسوه لدين الله فانتظما علي البخاري بحمد الله خالقنا ... في روضة لكليم الله قد ختما لأنها من جنان الخلد منشؤها ... أزهارها تذهب الأحزان والألما ومعدن الحب فيها والأمان بها ... فتذهب الهم للمهموم والسآما ما جاءها قط مهموم فعاد به ... بل المسرات ممن أبدع النسما وهي تسعة وأربعون بيتاً وكان قرأ البخاري أيضاً لما زار حضرة خليل الرحمن وأولاده سكان الغار منهل الظمآن وعند ختمه أنشأ قصيدة ابتهالية تتضمن مدحاً للبخاري وهي هذه الحمد لله من قد أوجد الأمما ... وخص من شاء خيرات وزد كرما هذا كتاب رسول الله قد ختما ... هو البخاري بكل الخير قد وسما في روضة لخليل الله نسبتها ... كأنها جنة الفردوس كيف وما فيها أبو الرسل والأنباء قاطبة ... في وسطها منه كل الخير قد رسما والسيد اسحق لا تنسى مهابته ... من فوق رأس خليل الله قد علما يعقوب قد قابل الأصلين في كرم ... كي يظهر الفرق للزوّار والعظما صدّيقهم يوسف قد جاور الكرما ... لكون موسى له بالنقل قد حكما وسارة هي أمّ الرسل أجمعها ... قد قابلت بعلها من أسس الكرما وربقة قابلت اسحق في نسق ... ولبقة بعلها يعقوب ذا الكرما فهل ترى روضة في الأرض أجمعها ... قد شابهت هذه كلا ولا علما وهي طويلة جداً وفي بعض زياراته لحضرة الكليم وقعت له قصة وهي ما حكاه عن نفسه بقوله ومما وقع لنا مع جناب موسى عليه الصلاة والسلام إني نزلت لزيارته ليلاً فأخذت أقرأ دلائل الخيرات في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فختمنها ثم شرعت فيها ثانياً فعرض لي أن الأولى اشغال الوقت بالصلاة والسلام على موسى وهرون فأخذت أقول اللهم صل على موسى وأخيه هرون فسمعت صوتاً فصيحاً من القبر الشريف عصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء ففهمت المراد والمعنى أنتم منسوبون لمحمد كعصبة النسب لقوله صلى الله عليه وسلم أمتي عصبتي ولغيره كعصوبة الولاء وعصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء فرجعت إلى دلائل الخيرات فثبت عندي بهذه الواقعة فائدتان أدب سيدنا موسى مع سيدنا محمد وكونه في قبره المشهور وله قصة أخرى مع سيدنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 إبراهيم الخليل وهي إن رجلاً من الوزراء يقال له ناصوح جاء إلى مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام قال فتخيلت منه إرادة الانتقام من أهلها فذهبت مع جماعة منهم شيخنا الشيخ حسن الغزالي لجنابه الشريف وجعلت استغيث به ففي تلك الليلة رأى رجل من أصحابنا يقال له الشيخ محمد الغزالي المترجم في رحلة سيدي عبد الغني مكتوباً جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه من محمد بن عبد الله ورسوله إلى جده الأعظم أرفع هذه الغمة فأقلع الوزير ولم يحصل على شيء وكان المترجم مجاب الدعوة تهابه الأعراب والأعيان ولا يخالفون له أمراً وبالجملة فقد كان نادرة الزمان ونتيجة العصر والأوان ولم يزل على هذه الحالة الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بمدرسة البلدية ورثاه تلميذه العارف السيد مصطفى البكري بقوله أيها الذات في حمى الذات قيلي ... فلقد لذلي لديها مقيلي واطربي واعربي عن السر إذ ما ... لك منا إني إليه وكيلي وهي طويلة جداً مذكورة في ديوان الأستاذ المرقوم اقتصرنا منها على المطلع الوزير محمد باشا ابن مصطفى بن فارس بن إبراهيم وجده لأمه الوزير الشهير إسمعيل باشا الدمشقي الشهير بابن العظم الوزير الكبير صاحب الرأي السديد والحزم والتدبير كريم الشيم والأصول ومن جمع من أنواع المزايا وشرائف السجايا وبدائع الكمالات ما لا تحيط به العقول ذا وزير لم يأل في النصح جهداً ... ظل يسعى بكل أمر حميد ومتى عدّ آل عثمان جمعاً ... يالعمري فذاك بيت القصيد كان من رؤساء الوزراء عفة وكمالاً وعدلاً وديناً وسخاءً ومروءة وشجاعة وفراسة وتدبيراً وكان واسع الرأي مهاباً بحيث إنه يتفق فصل الخصومة بين الشخصين بمجرد وقوفهما بين يديه ونظره لهما ينقاد المبطل منهما للحق وهذه المزية قد استأثر بها وكان يحب العلماء والصلحاء والفقراء ويميل إليهم الميل الكلي ويكرمهم الاكرام التام باليد واللسان ذا شهامة وافرة وشجاعة متكاثرة وحرمة واحتشام وكمال مشهور في الأنام طاهراً من كل ما يشين مشغول الأوقات أما بفصل الخصومات بين المسلمين أو بتلاوة كتاب الله المبين أو بالصلاة على سيد المرسلين أو اصطناع يد أو اسداء معروف إلى أحد من المساكين لم تسمع عنه زلة ولم تعهد له صبوه ولم يوقف له على كبوة ولا هفوه ميمون الحركات والسكنات مسعوداً في سائر الأطوار والحالات بحيث إنه لم يتفق له توجه إلى شيء إلا ويتمه الله له على مراده ولم يتعاص عليه أحد إلا ويكون هلاكه على يديه ولد بدمشق في عاشر شوال سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 ثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد خلد الله ظلال دولتهم في الأنام وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم ايلي مع عقارات خاله الوزير أسعد باشا الشهير فترقى بذلك أوج السعادة وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الانعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف وأرخ له ذلك العالم الأديب الشريف صالح بن عبد الشافي الغزاوي نزيل دمشق بقصيدة طويلة تاريخها قوله شباك العلا صادت لمجدكم صيداً فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والاكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلماً في الاسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة احدى وسبعين ومائة وألف وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلاً وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء مع ما ينضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد فحانت التفاتة من صاحب الترجمة في بعض الليالي من السطح إلى ذلك فقصده مختفياً وأزاله وفي ثاني يوم أمر بإزالة هذا المنكر ونبه على أن لا تفتح الحانات ليلاً أبداً فطوي بسبب ذلك بساط الفجور وانجلى من ظلمة المعاصي الديجور ومن جملة ما رفعه من المظالم بحلب حين توليه لها بدعة الدومان عن حرفة الجزارين التي أوغرت صدور المسلمين وكان حدوثه بها سنة احدى وستين بعد المائة والألف والدومان اسم لمال يجتمع من ظلامات متنوعة يستدان من بعض الناس باضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة وطريقتهم في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرؤس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبراً وقهراً كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلاً عن الفقراء وأعضل الداء واتفق إنه في سنة ست وسبعين كان قاضياً بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها وكتب عليهم صكوكاً ووثائق وسجلها في قلعة حلب فلما عزل عاد كل شيء لما كان عليه فلما كان أواخر محرم سنة ثمان وسبعين قبض صاحب الترجمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 على رئيسهم كاورحجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والاحسان وامتدحه ادباؤها بالقصائد البديعة فمن ذلك ما قاله الشهاب أحمد الشهير بالوراق أعرف البان أم نفح الورود ... أطيب المسك أم أنفاس عود أروض مر سجساج عليه ... فنم بسره غب الورود أم الأزهار أيقظها نسيم ... فضاعت بالشذا بعد الرقود وقامت ترقص الأزهار زهواً ... بأدواح السرور لدى السعود وباكرها السحاب بنقط در ... يفوق بحسنه نثر العقود وغنتنا العنادل كل لحن ... باعراب ولا عبد الحميد ووافى الأنس من كل النواحي ... فخلنا الدهر قد وافى بعيد وحيانا المنى من حيث قرّت ... عيون قد عفت طيب الهجود كأن الله جل علاه حيا ... عواصمنا بكل سنا حميد وألبسها الفخار ثياب عز ... تتيه به على شرف النجود كأن ظلامها صبح منير ... بروض وارف خضل نضيد كأن الشمس تحكي بابتهاج ... كمالاً وجه واليها السعيد محمد الوزير الشهم طالت ... أياد منه بالفضل المديد وزير لم يزل أسداً هصوراً ... على الأعداء يقمع للعتيد رقى رتب الكمال من المعالي ... وحاز السبق بالرأي السديد له في قلب من ناواه خوف ... يشيب لهوله رأس الوليد ومن والاه في دعة وأمن ... يزيل عنا القطيعة والصدود له همم كبار لا تباري ... وأخلاق زكت وحجار شيد وآرء حسان نمّ عنها ... جميل الفعل في الزمن الكنود مقل راية المعروف حامي ... ذمار الفضل والفخر المجيد فإني مثله في كل أرض ... يحاكي مجد سؤدده الرغيد سرت بثنائه العالي حداة ... بوصف راق في زمن المهود حوى القدح المعلى غير ثان ... عنان المجد عن كرم الجدود فمن كانت خولته اسوداً ... رأيت بذاته شيم الأسود ومن وفى المعالي مهر مثل ... له دانت على رغم الحسود ومن يذكو أريج الخيم منه ... زكا فعلاً ووفى بالعهود ومن يبغ المكارم لا يبالي ... بما يوليه من كرم وجود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 ومن هانت عليه النفس نالت ... يداه ما يروم من الوجود ومن يطع الآله ينل مراماً ... ويحرز ما يسرّ من المجيد ومن يرد اكتساب الحمد تنأى ... مطامعه عن الأمل البعيد ومن يول الجميل لكل عاف ... ينل حمداً مع المدح المزيد فذا الدستور أضحى كل خير ... يلوح بوجهه الضاحي السعيد أتى الشهبا فشرّفها قدوماً ... فأبهج ما على وجه الصعيد وأحيا رسمها العافي فصارت ... رحابتها بكل هنا جديد وبشر أهلها بزوال بؤس ... وأكدار بابقاء السعود وأهلك للبغاة بكل عضب ... صقيل مذهب نفس العنيد وأهدى الأمن للطرقات حتى ... أنام قطاتها بعد الهجود وغلق في الدجى أبواب سوء ... هي القهوات مآوى للوغود وأرهب كل باغية فولت ... على خوف بها بثياب سود وأذهب بدعة الدومان تسمى ... بخسر مؤلم كبد المريد فكم ذبح الفقير بغير جرم ... بسكين المظالم والحقود فيا حصن الأنام بقيت دهراً ... معافى بالطريف مع التليد لترقى بالكمال إلى محل ... إلى العلياء راق مستزيد وتحيا في رضا يولي سروراً ... جديداً دائماً مرّ الجديد وتعلو فوق هامة كل ضدّ ... سنابك خيل عسكرك الشديد وتبقى أعين الرحمن تولي ... علاك الحفظ من خطب مبيد فخذها يا أبا الأشبال بكراً ... أبت إلا حماك لدى الوفود على عجل مشت تبغي قبولاً ... من السمع الكريم لدى النشيد فألثمها يديك وجرّ ذيلاً ... على هفوات ذي عجز عميد ودم في ذروة المجد المعلى ... كبدر التم في شرف الصعود وتبعه الأديب الجمال عبد الله اليوسفي الشهير بالبني وعقد قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله بقوله داعي الهنا قال لنا تبيانا ... أمراً ونهياً اتقوا اعلانا حيث رسول الحق قد بشرنا ... فيمن حبى فراسة عيانا يحظى بنور الله في أحكامه ... بقلبه المؤمن حيث كانا فتنجلي عليه أسرار غدت ... ناطقة فإنه أحيانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 محمد أفضل عادل يرى ... بالضعفاء ينظر استحسانا فإنهم غب الصلاة يسألو ... ن من بنور الحق قد هدانا يبقى دواماً والسلام لم يزل ... له من الله لما أولانا لأنه خير وزير أرّخوا ... خلوصه قد أهدر الدومانا 1178 731 314 1 - 33 ثم أن المترجم المزبور ضوعفت له الأحور عزل من حلب في منتصف شوال سنة ثمان وسبعين وولي إيالة الرهاء المعروفة بارفة فاستقام بحلب إلى ورود المنشور بذلك سابع عشر ذي القعدة من السنة المرقومة فنهض إليها ودخلها سلخ ذي القعدة المرقوم ولم تطل إقامته بها فعزل عنها وولي إيالة آدنة فنهض منها واجتاز بحلب ودخلها في المحرم سنة تسع وسبعين ونزل بتكية الشيخ أبي بكر وتوجه إلى آدنة فقبل وصوله إليها ولي إيالة صيدا فكر راجعاً إلى صيدا ودخلها في أوائل صفر من السنة المرقومة ثم عزل عنها وأعطى قونية ثم ولي الشام وإمارة الحاج الشريف بعد الوزير عثمان باشا فدخلها في شهر رجب سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصار لأهلها به كمال الفرح والسرور وسلك سبل العدل وتردى برداء الانصاف ثم عزل عنها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأعطى قونية ثم أعيد إلى ولاية دمشق وإمارة الحاج في سنة سبع وثمانين وأقبل على أهلها بكمال الاكرام ووفور الاعتناء التام وكانت أيامه بها مواسم أفراح واستمر واليها إلى وفاته كما سيأتي وراج في أيامه سوق الشعر وأغلى منه القيمة بين الأدباء والسعر فمدحه الشعراء بالقصائد الطنانة وكانت أيامه مواسم إقبال وأهلك الله على يديه جملة من الخوارج منهم علي بن عمر الظاهر الزيداني قتله في رمضان سنة تسع وثمانين وصالح العدوان من بغاة المشايخ ومرعى المقداني الشعي وغيرهم من البغاة وقطاع الطريق وراقت دمشق وما والاها في أيامه وصفا لأهلها العيش ونامت الفتن وسلم الناس من الاحن وبنى بدمشق آثاراً حسنة صار بها ارتفاق للمسلمين منها السوق الذي بناه بقرب داره تجاه القلعة الدمشقية عند المدرسة الأحمدية وكان الشروع في عمارته في أوائل جمادي الأولى سنة خمس وتسعين وبنى فيه لصيق البوابة الموصلة إلى داره العامرة سبيلاً لطيفاً محكماً وأجرى إليه الماء من نهر القنوات وعمل للضريح اليحيوي في الجامع الأموي كسوة من الديباج المقصب عظيمة وكذلك أمر بأن يصنع لضريح الاستاذ الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس الله سره تابوتاً من النحاس الأصفر ويوضع على قبره وعمر غالب ضرائح الأنبياء والأولياء والصحابة بدمشق وما والاها من البلاد وبنى في طريق الحاج الشريف قلعة البئر الزمرذ واصطنع فيه آثاراً جميلة وعمرت في أيامه دار خزينة السراي بدمشق وتم بناؤها في أواخر محرم سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 ست وتسعين وعمل لذلك تاريخاً الشيخ نجيب بن محمد العطار الدمشقي فقال قد شاد ليث العرم دار سعادة ... فأضاء فيها عدله المتأبد وأقام لألاء السرور مبشرا ... ببقائه فيها بنصر يحمد والسعد أرخ حكم دار سعادة ... أبداً يوطده الوزير محمد 1196 وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها على أكمل بناء وأحكمه وهذا البناء كان قبل ذلك في شعبان سنة تسعين ومائة وألف بمباشرة جعفر أغا أمين الجاويشية وبنى محكمة الباب وجددها بعد أن تهدم غالبها وصرف على ذلك نحو ثلاثة عشر ألف قرش وكان القاضي العام بدمشق إذ ذاك المولى السيد محمد طاهر محمود أفندي زاده فنقله المترجم منها إلى دار بني الترجمان قرب القلعة الدمشقية وهناك صار مجلس القضاء إلى أن تم بناء المحكة فأرجعه إليها وكان رحمه الله تعالى له مبرات كلية وصدقات جلية وخفية خصوصاً لمن أدركهم الفقر من ذوي البيوت وأهل العلم بدمشق فكان يتفقد أحوالهم ويبرهم ويكرم نزلهم وله عطايا جزيلة كل سنة للعلماء وأهل الصلاح والدين وإغاثة كلية للضعفاء والمساكين طاهر الذيل واللسان واليد من كل ما يشين ومدح من أدباء دمشق بالقصائد العديدة التي لو دونت لبلغت مجلدات وكان يجيزهم على ذلك الجوائز السنية وكانت أوقاته مصروفة في أنواع القربات من تلاوة قرآن واشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو رفع ظلامة عن مظلوم أو تنفيس كربة عن مكروب وبالجملة فهو أحسن من أدكناه من ولاة دمشق وأكملهم رأياً وتدبيراً ولم يزل على أحسن حال وأكمل سيرة حتى توفي بدمشق وهو والي عليها وكانت وفاته قبيل طلوع شمس يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف وتمرض أياماً قلائل واجتمعت الأعيان والرؤساء بداره التي ابتناها لصيق المدرسة القجماسية جوار سوقه المقدم ذكره فغسل بها وخرجوا بجنازته على السوق الجديد حتى وصلوا به إلى الجامع الأموي فوضعت تجاه ضريح سيدنا يحيى وتقدم للصلاة عليه المولى أسعد أفندي الصديقي المفتي ثم حمل بمجمع عظيم لم يتخلف عنه أحد من أهل دمشق من الرجال والنساء وخرجوا بالجنازة على سوق جقمق ودفن بتربة الباب الصغير شمالي ضريح سيدنا بلال الصحابي الجليل وعمل على قبره تجعير لطيف وكثر الأسف عليه وجرت لذلك العبره رحمه الله تعالى وجعل في الفراديس العلية مقره محمد بن محمد الطيب المالكي الحنفي التافلاتي المغربي مفتي القدس الشريف علامة العصر الفائق على أقرانه من كبير وصغير وله الفضل الباهر وكان في الأدب الفرد الكامل له الشعر الحسن مع البداهة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 في ذلك وسرعة نظمه وذكاؤه يشق دياجر المشكلات ولد بالمغرب الأقصى وحفظ القرآن على طريق الامام الداني وهو ابن ثمان سنين ثم اشتغل في حفظ المتون على والده وكان والده متوسطاً في العلم بين أماجده وقرأ عليه الآجرومية وعلى الشيخ محمد السعدي الجزائري السنوسية ومنظومة في العبادات مختصرة في المسائل الفقهية ودرس السنوسية للطلاب قبل أوان الاحتلام ورحل من بلاده في البر إلى طرابلس الغرب وما وجبت عليه صلاة ولا صيام ومن طرابلس ركب البحر إلى الجامع الأزهر فطلب العلم بمصر سنتين وثمانية أشهر وأخذ عن شيوخه الآتي ذكرهم ثم سافر لزيارة والده في البحر فأسره الفرنج وذهبوا به إلى مالطة مركز الكفر ثم نجاه الله تعالى بعد سنتين وأيام وناظرته رهبان النصارى مناظرة واسعة وكان فيهم راهب له دراية بالمسائل المنطقية والعربية ويزعم أن همته بارعة وكانت مدة المناظرة نحو ثمانية أيام فأخرسهم الله وأكبتهم ووقعوا في حيص بيص وألجموا بلجام الالزام فمن جملة مناظرتهم معه في ألوهية عيسى أن قال كبيرهم يا محمدي إن حقيقة عيسى امتزجت مع حقيقة الاله فصارتا حقيقة واحدة قال فقلت له لا يخلو الأمر فيهما قبل امتزاجهما أما أن تكون قديمتين أو حاثتين أو إحداهما قديمة والأخرى حادثة وكل الاحتمالات باطلة فالامتزاج على كل الاحتمالات باطل أما على الأول فإن الامتزاج مفض للحدوث قطعاً لأنه تركيب بعد إفراد وكل تركيب كذلك لا محالة حادث والحادث لا يصلح للالوهية وأما الثاني فظاهر البطلان وأما الثالث بوجهيه فباطل أيضاً لأن القديمة منهما بعد الامتزاج يلزم حدوثها والحادثة منهما بعده يلزم قدمها فيؤدى إلى قلب الحقائق وقلبها محل ويلزم أيضاً اجتماع الضدين وهو باطل باتفاق العقول ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا في هذا الطريق قال لي كبيرهم عقولنا لا تصل لهذا الأمر الدقيق فقلت له هذا عندنا من علوم أهل البداية لا من علوم أهل النهاية فبهت الذي كفر وعبس واكفهر ثم قلت لكبيرهم بالله عليك أعيسى كان يعبد الصليب قال لا وإنما ظهر الصليب بعد قتله على زعمهم ونحن نعبد شبيه الاله فقلت له بالله عليك الله شبيه قال لا فقلت له يجب عليكم حرق هذه الصلبان بالزفت والقطران فاستشاط غيظاً وقال لي كنت أوقعك في المهالك وأجعلك عبرة لكن الله أمرنا بحب الأعداء فقلت له لكن الله أمرنا ببغض الأعداء فقال لي إذاً شريعتنا كاملة فقلت له على طريقة الاستهزاء شريعتكم كاملة لأنها تعبد الأصنام والصلبان وشريعتنا ناقصة لأنها تعبد الله وحده لا شريك له فاشتد غضبه حتى كاد أن يبطش بي ولكن الله سلم لمزيد اللطف بي ثم إن كبيرهم قال لي يا محمدي إني رأيت في كتبكم الحديثية أن نبيكم انشق له القمر نصفين فدخل نصفه من كم ونصفه من الكم الآخر وخرج تاماً من جيب صدره ومساحة البدر مثل الدنيا ثلاث مرات وثلث وهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 ثلاثمائة وثلاث وثلاثون سنة وثلث فما هذه الخرافات فقلت له أما ورد أن ابليس جاء لسيدنا ادريس وهو يخيط بالابرة وبيده قشرة بيضة وقال له أيقدر ربك أن يجعل الدنيا في قشرة هذه البيضة فقال لي نعم ورد ذلك فقلت له كيف يقدر فقال إما أن يكبر القشرة أيصغر الدنيا فقلت له سبحان الله تحلونه عاماً وتحرمونه عاماً وإذا سلمت هذا فلم لا تسلمه لنبينا فغص بريقه واصفر وعبس وتولى فقتل كيف قدر وهذا الجواب مني من باب ارخاء العنان للالزام وإلا فدخول نصفي البدر في الكمين باطل عند جميع المحدثين الأعلام لكن كبيرهم لا يعرف اصطلاح علمائنا ذوي المقام العالي فلو أجبته ببطلانه لقال لي رأيته في كتبكم فلا يصغي لمقالي فلذلك دافعته بالبرهان القطعي العقلي لأنه لا يمتثل بعد ما رآه للدليل النقلي ثم إن كبيرهم في ميدان البحث أنكر نبوة نبينا السيد الكامل وقال إنه عندنا ملك عادل فقلت له ما المانع من نبوته فقال نحن لا نقول بها وإنما نقول بشدة صولته فقلت له أليس النبي الذي أتى بالمعجزات وأخبر بالمغيبات فقال كبيرهم أي معجزة أتى بها وأي مغيبات أخبر بها فسردت له بعض المعجزات وأعظمها القرآن وذكرت له بعض المغيبات فقال لي رأيت البخاري من علمائكم ذكر بعضها ثم قال لي إنما علمه ذلك الغلام يشير لقوله تعالى إنما يعلمه بشر فقلت له بالله عليك لسان ذلك الغلام ماذا قال أعجمي فقلت له بالله عليك لسان بيننا ماذا قال عربي قلت له بالله عليك نبينا يقرأ ويكتب أم أمي قال أمي لا يقرأ ولا يكتب فقلت له بالله عليك هل سمعت عربياً يتعلم من عجمي قال لا فأفحم في الجواب وانقطع عن الخطاب ثم قال لي كيف يقول قرآنكم يا أخت هرون وبينه وبينها ألف من السنين فقلت له أنت أعجمي لا تعرف لغة العرب كيف مبناها فقال لي وكيف ذلك فقلت له يطلق الأخ في لغتهم على الأخ النسبي وعلى الأخ الوصفي والمراد هنا الثاني ومعنى الآية يا أيتها المتصفة عندنا بالعفة والديانة والعبودية مثل هرون الموصوف بتلك الصفات الكاملة وهذا المعنى في لسان العرب شائع وفي مجاراتهم ومجاري أساليبهم ذائع فوقف حمار الشيخ في الطين ولما رآني صغير السن وكان سني إذ ذاك نحو تسع عشرة سنة قال لي تصلح أن تكون مثل ولد ولدي فمن أين جاءتك هذه المعرفة التامة فقلت له جميع ما سألتني عنه هو من علوم البداية ولو خضت معي في مقام النهاية لأسمعتك ما يصم أذنيك وفي هذا القدر كفاية فترك المناظرة ورجع القهقري وشاع صيتي في مالطة بين الرهبان والكبراء وكنت إذا مررت في السوق يحترموني وما خدمت كافراً قط وكان سبب خلاصي رؤيا مبشرة من يومها ركبت سفينة النجاة متوجهاً لأسكندرية ثم منها لمصر القاهرة ثم سافرت للحجاز مراراً ودخلت اليمن وعمان البحرين والبصرة وحلب ودمشق وتوجهت للروم ثم ألقيت عصا التسيار في بيت المقدس العطير الأطوار وجاءتني الفتيا وأنا لها كاره وأنشد قول من قالنما علمه ذلك الغلام يشير لقوله تعالى إنما يعلمه بشر فقلت له بالله عليك لسان ذلك الغلام ماذا قال أعجمي فقلت له بالله عليك لسان بيننا ماذا قال عربي قلت له بالله عليك نبينا يقرأ ويكتب أم أمي قال أمي لا يقرأ ولا يكتب فقلت له بالله عليك هل سمعت عربياً يتعلم من عجمي قال لا فأفحم في الجواب وانقطع عن الخطاب ثم قال لي كيف يقول قرآنكم يا أخت هرون وبينه وبينها ألف من السنين فقلت له أنت أعجمي لا تعرف لغة العرب كيف مبناها فقال لي وكيف ذلك فقلت له يطلق الأخ في لغتهم على الأخ النسبي وعلى الأخ الوصفي والمراد هنا الثاني ومعنى الآية يا أيتها المتصفة عندنا بالعفة والديانة والعبودية مثل هرون الموصوف بتلك الصفات الكاملة وهذا المعنى في لسان العرب شائع وفي مجاراتهم ومجاري أساليبهم ذائع فوقف حمار الشيخ في الطين ولما رآني صغير السن وكان سني إذ ذاك نحو تسع عشرة سنة قال لي تصلح أن تكون مثل ولد ولدي فمن أين جاءتك هذه المعرفة التامة فقلت له جميع ما سألتني عنه هو من علوم البداية ولو خضت معي في مقام النهاية لأسمعتك ما يصم أذنيك وفي هذا القدر كفاية فترك المناظرة ورجع القهقري وشاع صيتي في مالطة بين الرهبان والكبراء وكنت إذا مررت في السوق يحترموني وما خدمت كافراً قط وكان سبب خلاصي رؤيا مبشرة من يومها ركبت سفينة النجاة متوجهاً لأسكندرية ثم منها لمصر القاهرة ثم سافرت للحجاز مراراً ودخلت اليمن وعمان البحرين والبصرة وحلب ودمشق وتوجهت للروم ثم ألقيت عصا التسيار في بيت المقدس العطير الأطوار وجاءتني الفتيا وأنا لها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 كاره وأنشد قول من قال إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن ساحة السيف مرحل وتمثلت ببيتي امرئ القيس وهما بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه الخ ولما وصلت للروم باب المراد وتمتعت بتلك المهاد متوجاً بتاج فتوى الحنفية إلى القدس الشريف الرفيعة العماد وعزل مراراً وأخذ عن أجلاء منهم الشمس محمد بن سالم الحفني وعلى أخيه الشيخ يوسف الحفني والشيخ أحمد الملوي وعن الشيخ علي العروسي والسيد محمد البليدي بفتح الباء والشيخ أحمد الجوهري والشيخ أحمد الأشبولي نزيل الحرم المكي والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ عمر الطحلاوي والشمس محمد العمادي والشيخ عبد الرحمن اللطفي وغيرهم ناس كثيرون وأما تصانيفه فإنها ناهزت الثمانين ما بين منظوم ومنثور وكتب ورسائل في فنون شتى وأما نظمه فهو رائق جداً فمنه قوله وكتب به لبعض أحبابه مذيلاً على بيت امرئ القيس قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل قفا بربوع العامرية انني ... كلفت بها من حين عهد التحمل ولو ذابها ثم انشقا طيب عرفها ... وقصا حديثاً للأسيف المعلل فيا سائق الأظعان يطوي فداً فدا ... إلى دوحة الجرعا رويدك فانزل بجيرة نجد سادة الحيّ كم روت ... ثقاة لهم طيب الحديث المسلسل فديتهم من جيرة لأعدمتهم ... حماة زمام للنزيل المملل لنارهم تعشو السرات وترتوي ... بحوضهم الأصفى على كل منهل سقتهم غديقات التهاني كرامة ... وأخصب واديهم بند ومندل ونادى بشوق مذ غدا الركب سائلاً ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل فأجابه بقوله لك الله يا حادي الركاب مغلساً ... إلى الحرم القدسي رويدك فانزل وروّى نفوساً بالمقام ولا تقل ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ودعنا على بسط المسرّة والصفا ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل وروّح فؤادي بالوصال هنية ... بمشهد مولانا الوجيه المكمل حديقة فضل بالمعارف أثمرت ... وشمس جمال بالمحاسن تنجلي بديع بيان في احتكام تصرّف ... باجمال تفصيل وتفصيل مجمل قضايا علاه بالكمال تسوّرت ... ببرهان فضل عن قياس مخصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 يحن اشتيقاقاً والهاً متولعاً ... إلى المربع السامي بدومة جندل أراع فؤادي بالنوى وحديثه ... وسلسل دمعي بالحديث المسلسل وأحرمني طيب المنام وإنه ... تسلم قلبي قبل يوم الترحل فيا أيها المولى الذي حاز سيرة ... ترفق بصب بالبعاد مبلبل ولاطفه إن حان الوداع تكرماً ... وروّق له كأس الحديث وعلل وإن فزت بالمسرى إلى الحي والحمى ... ونحت به فامنن بحسن الترسل وللمترجم لهفي على وادي العقيق وبانه ... وعريب نجد أحكموا توثيقي شام الحداة الأبرقين فأرعدت ... مني الجوانح من لظى التفريق يا جيرة لكم السيادة إنني ... أرجو اصطباري مبرد التشويق وله أيضاً إن لاح برق الغور أو هب الصبا ... أو صاح ورق بالأرائك تصدح أو رنم الحادي الركاب مهيماً ... فدموع جفني كالسحائب تسفح مالي وللواشي العذول وفي الحشا ... يوم النوى نار الصبابة تسرح وكتب إليه بعض أحبابه بقوله مضمناً لربك سرّ قد خفا كنه أمره ... على كل غوّاص نبيل مسدّد فكم عازم والحق بنقض عزمه ... وكم غافل والسعد وافى بمسعد فسلم له ما شاءه فهو عالم ... وإياك والتدبير في كل مقصد ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد فأجابه بقوله شهدنا خفايا السرّ منه حقيقة ... بحسن تلاقينا على غير موعد علمنا به صدق المودّة والوفا ... نتيجة حق قد خلت عن تردد وها قد بدت مني إليك بشارة ... تحوز بها العلياء في كل مشهد فلا زالت الأيام تهديك منحة ... بتحقيق آمال وابلاغ مقصد وللمترجم مضمناً أروم وقد طال النوى طيب نظرة ... وأستخبر الركبان من كل وجهة وأستعطف الأيام كيما تجود لي ... بحسن اتصال في خيام العشيرة وفي كبدي حراء هاج لهيبها ... ومن فرط ما ألقى جرت عين عبرتي على أنني للدهر أغفر ما جنى ... وأنشد بيتاً يقتضي حسن وصلتي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وكل الليالي ليلة القدر إن دنت ... كما أن أيام اللقا يوم جمعة وله من قصيدة فؤادي بنار الشوق يصلي ويضرم ... ودمعي وحق العهد بالسفح عندم ونار الغضا قد أججت بجوانحي ... على حبه والسقم عني مترجم أراقب نجماً في الدجى نابذ الكرى ... ولو شئته ما كان للجفن ينعم كأن جفوني بالسما قد تشبثت ... كأن ليالي الوصل بالصدّ ترغم أمن مبلغ عني سعاداً تحية ... بسفح النقا والحب فيها محكم سبت مهجتي لما أصابت حشاشتي ... بسهم وقيدي بالصبابة أدهم نقضت لويلات التداني برامة ... رمت كل واش والفؤاد متيم ومن بعد طيب الوصل شطت مراتع ... وعادت عواد للمودّة تعتم فلا وصلها يدنو فتبرد لوعتي ... ولا مهجتي تسلو عليها فارحم إلى كم أراع العاذلون بوشيهم ... بصد وهجر من سعادي ونمنموا وقلبي على العهد القديم وما صفا ... ثكلتهم ما الودّ مني مصرم عجبت لها فالعهد منها مزوّر ... وعهدي بها من عالم الذرّ مبرم فياليتها وافت بوصل لمغرم ... شجى ولكن وعد زينب مخرم تصرم دهري والشبيبة آن أن ... يطيب لها الترحال والبين محجم أجيرتنا بالنير بين وحاجر ... وسلع ومن بالرقمتين مخيم فديتكم عطفاً فنيران مهجتي ... عليّ قضت والطعم بالصد علقم ألا ليت شعري والأماني كواذب ... تمن سعاد الحي وصلاً وترحم وتسعدني الوجنا لأطلال جلق ... وربوتها الغرّا بها القلب مغرم وأزهو بسفح الصالحية برهة ... وفي مرتع الغزلان أحظى وأغنم ومن شعره وكان وقع شتاء وثلج في نيسان أكثر من كانون كأن كانون أهدى من منازله ... لشهر نيسان أصنافاً من التحف أو الغزالة تاهت في تنقلها ... لم تعرف الجدي والنور من الخرف ومن شعره قوله مضمناً المصراع الأخير ألا يا غزالاً في مراتع رامة ... أجزني حديثاً صح عن طرفك إلا حوى عن الغنج الساري بفاتر جفنه ... عن الدعج الداعي إلى السقم والبلوى عن الكحل الفتاك عن وطف به ... عن الحاجب النوني شفاء بني الشكوى فقال رويناه على الكتم بيننا ... وما كل ما ترى عيون الظبا يروى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 ومن مستملحاته الشعرية في مسئلة فقهية ولي حب عليه القلب وقف ... ليسكنه ويبتهج المزار فقلت له أعره لنا زماناً ... فقال الوقف عندي لا يعار ومراسلاته وأشعاره كثيرة وكانت وفاته في القدس في ذي القعدة سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بمقبرة مأمن الله رحمه الله تعالى. محمد الحنفي ابن محمد الحنفي الحلبي نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية المولى العالم العلامة الفقيه كان غواص بحر العلوم معلماً نافعاً عالماً بأكثر الفنون صاحب نكت ونادرة ظريفاً أنيساً وقوراً له عظمة وفضيلة ولد بحلب وبها نشأ وقرأ على علمائها وحصل مقدمات العلوم وبعده ارتحل إلى مصر ولازم في الجامع الأزهر الشيوخ واكتسب الفضائل حتى صار له مزيد الرسوخ وألف رسالة ورفعها إلى شيخ الاسلام المولى البهائي وبسببها دخل في سلك المدرسين وطريقهم وبعد أن عزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً أظهر مؤلفاً له على شرح الملتقى الفقه وصار عنواناً له بين الكبار والصغار ثم تنقل بالمدارس كعادتهم وأعطى قضاء أدرنة برتبة قضاء مكة وآخر أظهرت الشكايات عليه ورفعت مناصب الأربلق التي كانت عليه ووجهت إلى حكيم باشا زاده المولى يحيى الحلبي وبقي المترجم صفر اليدين وحك اسمه من الطريق وصار قاضياً بقسطنطينية بهمة الصدر الأعظم مصطفى باشا وعزل عنها وتولى غيرها وله تآليف غريبة وكانت وفاته في محرم سنة أربع ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الغزي ابن محمد بن علي بن بدر الدين الشافعي الغزي قرأ القرآن على والده وأخذ عنه العلم ثم توجه إلى مصر القاهرة وأقام بها احدى عشرة سنة وصارت له اليد الطولى في علم الطب وله التآليف الحسنة وكان على غاية من الفقر لم يتعلق بشيء من أمور المعاش بل كان يرزقه مولاه من حيث لا يحتسب وفي الشتاء يقيم بالرملة ويصيف في غزة هاشم ومن شعره ما قاله راثياً العلامة محمد بن تاج الدين الرملي وهو هذا قد مات بحر العلم خير الورى ... محمد الرملي التقيّ الألمعي وقال في تاريخه ناقل ... قد مات بعد الحج في ينبعي وله فيه قد توفي مفتي الورى نجل تاج ... وعدمنا فضلاً عهدناه منه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وقضى نحبه وقد أرخوه ... بوفاة تجاوز الله عنه وأشعاره كثيرة وكانت وفاته بالرملة سنة ست وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد العمري ابن محمد بن أحمد العمري بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي الشيخ العالم العامل العابد الناسك العارف المعتقد البركة كان محققاً فاضلاً له يد في العلوم تعتقده أهالي دمشق قرأ على جماعة منهم والده المذكور وغيره ودرس وأفاد في عدة علوم ولم يزل معتقداً عند الناس إلى أن مات وكانت وفاته في جمادي الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى. محمد المالكي ابن محمد المالكي الدمشقي مفتي المالكية بدمشق وقاضيها العلامة المفنن الفاضل المحصل المتفوق البارع قرأ واشتغل بالعلوم وأخذ على جماعة أجلاء ودرس بالجامع الأموي وأخذت عنه الطلبة وتولى افتاء المالكية مع القضاء وكانت وفاته يوم الخميس تاسع شوال سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى. محمد العجي ابن محمد بن أسعد الدمشقي الحنفي الشهير بالعجي خطيب جامع سنان باشا خارج باب الجابية الشيخ الفاضل العالم النبيل الزكي الجهبذ أبو عبد الله شمس الدين ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن فضلائها فنوناً من العلم كالشهاب أحمد بن علي المنيني والعلم صالح بن إبراهيم الجينيني والشرف موسى بن أسعد المحاسني والشمس محمد بن عبد الحي الداودي ومحمد بن أحمد قولقسز واختص بالأخذ عن الأخير بالفقه والتفسير وحضر دروس الحديث تحت القبة على العماد إسمعيل بن محمد العجلوني الجراحي ونبل قدره واشتهر بالذكاء والفضل أمره وفاق أقرانه بالذكاء المفرط فدرس بالجامع الأموي بكرة النهار وبين العشائين وأخذ عنه جماعة من الطلبة وانتفعوا به وتوجه آخر عمره لدار السلطنة العلية قسطنطينية ومكث بها مقدار نصف سنة ثم عاد إلى دمشق فلم تطل إقامته حتى توفي وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف منه قوله مضمناً قالوا دع الزهد واشطح في هوى رشا ... طلق المحيا شهي الثغر أشنبه فقلت قد عشت خالي البال منفرداً ... وكل شخص له عقل يعيش به ومن ذلك قول الأديب محمد سعيد السمان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 جاء المؤنب ينهي عن مكابدتي ... وجداً أذاب فؤادي في تلهبه دع ما تعاني فسمعي صم عن عذل ... وكل شخص له عقل يعيش به وللمترجم مضمناً أيضاً ولما دنا مني حبيبي بعطفه ... وألحاظه طيّ الصبابة تنشر وقد كنت قدماً للجهالة تاركاً ... فذكرني والشيء بالشيء يذكر ومن ذلك قول صاحبنا الأديب الكمال محمد الغزي العامري بدت فيّ أيات الغرام بحبه ... بديع من الأقمار أبهى وأبهر ولما نأى عني تناءت مسرتي ... وأنحل جسمي من نواه التحسر ومن بعده قد صرت صبا مولها ... أسير غرام عز فيه التصبر وكيف خلاص القلب من لاعج النوى ... ونزع الهوى حقاً من الصدر يعسر إذا شمت ورداً قلت هذي خدوده ... ومن أين للأوراد ماس مجوهر وإن بان بدر التم أحسب وجهه ... لديّ بدامع أن ذلك أنضر وإن بان لي غصن من البان ناضر ... تذكرته والشيء بالشيء يذكر وكانت وفاته سنة أربع وسبعين ومائة وألف عن نيف وخمسين سنة ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى. محمد الوليدي ابن سلطان الشافعي المكي الشهير بالوليدي المدرس بدار الخيزران الشيخ العالم الفقيه البارع الأوحد أخذ عن جماعة من الشيوخ كالشهاب أحمد بن محمد النخلي وأبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وادريس بن أحمد المكي الشماع والشهاب أحمد بن محمد البنا الدمياطي والنور علي الطبري والسيد محمد زيتونة التونسي ومصطفى بن فتح الله الحموي نزيل مكة المشرفة ومؤرخها وعلى الحداد الشافعي ومحمد بن علي العلوي ونبل وتقدم في الفضل وأخذ عنه جملة منهم المولى حامد بن علي العمادي ومصطفى وسعدي ابنا عبد القادر العمري وأحمد بن علي المنين وغيرهم وكانت وفاته شهيداً سنة أربع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد البليدي ابن محمد بن محمد الحسني المغربي المالكي الشهير بالبليدي نزيل مصر السيد الشريف خاتمة المحققين صدر المدققين الثبت الحجة المتقن المتفق على جلالته صاحب التصانيف الشهيرة ولد سنة ست وتسعين وألف وأخذ عن جملة من الأئمة كأبي السماح أحمد البقري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 وعبد الرؤف البشبيشي وعبد ربه بن أحمد الديوي وأحمد بن غانم النفراوي وسليمان الشبرخيتي وأحمد بن محمد البنا الدمياطي ومنصور المنوفي وإبراهيم بن موسى الفيومي ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني ومحمد بن القاسم بن إسمعيل البقري سمع منه في سنة عشر ومائة قبل وفاته بسنة وهو أعلى ما عند المترجم من مشايخه وأخذ أيضاً عن عبد الله الكنكسي والهشتوكي واشتهر أمره بالعلم وانتفع به جماعة من محققي علماء الأزهر والشام وله مؤلفات منها حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على شرح الألفية للأشموني ورسالة في المقولات العشر وكانت له يد طولى في علم القراآت وله في طريق الجمع مؤلف كبير في كل آية يذكر كيفية الجمع فيها من أول القرآن العظيم إلى آخره وكان يقرأ تفسير البيضاوي في الجامع الأزهر ويحضر درسه أكثر من مائتي مدرس ومفيد وكان الأستاذ ولي الله عبد الوهاب العفيفي يلازم درسه وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائة وألف ودفن بالقاهرة في تربة المجاورين وقد جاوز الثمانين رحمه الله تعالى. محمد الدمياطي ابن سلامة بن عبد الجواد بن العارف بالله الشيخ نور ساكن الصخرية من أعمال فارسكور الصخري الدمياطي المقري الشافعي الصوفي المعروف بأبي السعود ابن أبي النور كان ممن جمع بين حالي أهل الباطن والظاهر ولد بدمياط ونشأ بها وأخذ عن فضلائها فتفقه على الشيخ جلال الدين الفارسكوري والعلامة مصطفى التلياني وقرأ عليه شرح المنهج تسع مرات في تسع سنين ثم رحل إلى القاهرة فلازم الضياء سلطان المزاحي وأخذ عنه القراآت للسبع وللعشر وتفقه عليه وأخذ عنه جملة من الفنون وأخذ العربية عن الشيخ ياسين الحمصي نزيل القاهرة وعن غيرهم وغزر فضله واشتهر نبله وألف في القراآت وغيرها وكانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الكردي ابن سليمان الكردي المدني الشافعي الشيخ الامام العلامة الفقيه خاتمة الفقهاء بالديار الحجازية المتضلع من سائر العلوم النقلية والعقلية ولد بدمشق وحمل إلى المدينة وهو ابن سنة ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها كالشيخ سعيد سنبل ووالده الشيخ سليمان والشيخ يوسف الكردي والشيخ أحمد الجوهري المصري والقطب مصطفى البكري وغيرهم وألف مؤلفات نافعة منها شرح فرائض التحفة في نحو أربعين كراساً وحاشيتان على شرح الحضرمية لأبن حجر الهيثمي كبرى وصغرى ثم اختصرها فصارت ثلاث حوافر وعقود الدرر في بيان مصطلحات تحفة ابن حجر وحاشية على شرح الغاية للخطيب والفوائد المدنية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 فيمن يفتي بقوله من أئمة الشافعية وفتح الفتاح بالخير في معرفة شروط الحج عن الغير ثم اختصره وسماه فتح القدير وكاشف اللثام عن حكم التجرد قبل الميقات بلا احرام والثغر البسام عن معاني الصور التي يزوج فيها الحكام والدرة البهية في جواب الأسئلة الجارية وشرح منظومة الناسخ والمنسوخ وزهر الربا في بيان أحكام الربا والانتباه في تعجيل الصلاه وكشف المروط عن مخدرات ما للوضوء من الشروط وفتاوي عدة في مجلدين ضخمين وغير ذلك وتولى افتاء السادة الشافعية بالمدينة إلى وفاته وكان فرداً من أفراد العالم علماً وفضلاً وديناً وتواضعاً وزهداً متخلقاً بأخلاق السلف الصالح جبلاً من جبال العلم وكانت وفاته رابع عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين ومائة وألف عن سبع وستين سنة. محمد النابلسي ابن مصطفى بن عبد الحق الحنبلي النابلسي الأصل الدمشقي المولد أحد الأفاضل وفقهاء الحنابلة المشهورين كان فاضلاً له فضيلة بالعربية والفقه مع عفة وباع في الفرائض والحساب وكان بدمشق يتعاطى المقاسمات والمناسخات ولد بدمشق وأخذ وقرأ على جماعة كالشيخ عبد الرحمن الكردي نزيل دمشق والشيخ علي الطاغستاني والشيخ أبي الفتح العجلوني والشيخ أحمد البعلي وتفوق ودرس بالجامع الأموي ولزمه جماعة من الطلبة وولي افتاء الحنابلة بعد وفاة شيخه البعلي ولم تطل مدته وكانت وفاته في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح. محمد بن حجيج ابن مصطفى بن حسين بن مصطفى حجيج بن موسى المعروف بالبصيري الشافعي القدوة الصالح المعلم الناصح امام القراآت السبع والعشر المتقن المقري ولد في قرية تل حاصد من قرى حلب وتوطن حلب وكف بصره وقدم دمشق في سنة أربعين ومائة وأخذ القراآت السبع والشاطبية والتيسير عن الشيخ علي كزبر وأخذ عن المقري الشيخ إبراهيم الدمشقي وكان كثير الصيام ملازم الطاعة والعبادة مع الورع والزهد والتقوى وكانت وفاته في حلب سنة ثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الحنفي أمين بن صالح الحنفي الدمشقي الأصل القسطنطيني المولد وكان والده وجيهاً فاضلاً منتسباً للعلوم وقوراً شديداً غيوراً وهو من أهالي دمشق ثم ارتحل إلى قسطنطينية وصار من القضاة وتولى قضاء طرابلس الشام وقفديه وغير ذلك وتوفي في رمضان سنة ثمان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 وتسعين وألف رحمه الله تعالى. محمد السندروسي ابن محمد المعروف بالسندروسي الشافعي الطرابلسي الفاضل النجيب الفقيه تفقه في المسائل وألف كتاباً في أسماء الصحابة ثم تطلب افتاء الحنفية كشيخه الخليلي فتوجه عليه افتاء طرابلس الشام فما استقامت مدة يسيرة إلا وعزل منها وكانت وفاته سنة سبع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين. السلطان محمد أورنك سلطان الهند زيب عالم كير بن خرم شاه جهان بن جهان كير ابن شاه أكبر ابن أبي النصر محمد همايون بن أبي الفيض روح الدين محمد باكير بن عمر شيخ ابن أبي سعيد باقرابا بن محمد بن محمد شاه ابن مران شاه جهان كير ابن أمير تيمورلنك السلطان المشهور سلطان الهند في عصرنا وأمير المؤمنين وامامهم وركن المسلمين ونظامهم المجاهد في سبيل الله العالم العلامة الصوفي العارف بالله الملك القائم بنصرة الدين الذي أباد الكفار في أرضه وقهرهم وهدم كنائسهم وأضعف شركهم وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره وجعل كلمة الله هي العليا وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم وفتح الفتوحات العظيمة ولم يزل يغزوهم وكلما قصد بلداً سلكها إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكان موزعاً لأوقاته فوقت للعبادة ووقت للتدريس ووقت لمصالح العسكر ووقت للشكاة ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته لا يخلط شيئاً بشيء والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مداني وقد ألفت في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها مولده سنة ثمان وعشرين وألف وجاء تاريخه بالفارسة اقتاب عالم قاب وربى في حجر والده واشتغل بحفظ القرآن من صغره حتى حفظه وجوده واشتغل بالخط حتى كتب الخط المنسوب يضرب بحسنه المثل وكتب مصحفاً بخطه وأرسله للحرم النبوي وهو معروف ثم شرع في تحصيل العلوم حتى حصل منها الكثير الطيب وصار مرجعاً للعلماء وحضرته محط رحال الفضلاء ثم اشتغل بعلوم الطريق وأخذ عن كثير من أهله العارفين بالله حتى حصلت له نفحة من بعض أولياء الله تعالى وبشره بأشياء حصلت له واشتهر ذكره في حياة والده وعظم قدره وولاه والده الأعمال العظيمة فباشرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 أحسن مباشرة ثم حصل لوالده فالج عطله عن الحركة وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دار شكراه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى فلم ترض نفس المترجم وأخوه مراد بخش بذلك فاتفقا على أن يقبضا عليه ويتولى المملكة منهما مراد بخش فقبضا عليه ثم احتال اورنك زيب على مراد بخش أيضاً وقبض عليه ووضع أخويه في الحبس ثم قتلهما لأمور صدرت منهما زعم انهما استوجبا بها ذلك وحبس والده واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف وأراد الله بأهل الهند خيراً فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره وظهر من البرج التيموري بدره وفلك مجده دائر ونجم سعده سائر وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة وقونه لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها والملك لله وحده وأقام في الهند دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد والحاصل إنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوي تجمع جل مذهبهم مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية فجمعت في مجلدات وسماها بالفتاوي العالم كيرية واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية وعم النفع بها وصارت مرجعاً للمفتين ولم يزل على ذلك حتى توفي بالركن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف ونقل إلى تربة آبائه وأجداده وأقام في الملك خمسين سنة رحمه الله تعالى. السيد محمد المرادي ابن السيد مراد بن علي المعروف بالمرادي الحسيني النقشبندي الحنفي البخاري الأصل الدمشقي تقدم ذكر ولده إبراهيم وعلي ووالده وهذا هو جدي والد والدي الأستاذ العارف العلامة كان من أجلاء العارفين المرشدين ومن العلماء العاملين فاضلاً صوفياً مرشداً مسلكاً نبيهاً ورعاً متعبداً متهجداً ساكناً وقوراً حسن الأخلاق صاحب عفة وديانة لطيف الصحبة رقيق الطبع حميد الأفعال مواظباً على العبادات رافضاً للدنيا جانحاً للأخرى لم يلتفت إلى الدنيا ولا إلى زخارفها له فضيلة في العلوم والمعارف مع حفظ الألسن الثلاثة العربية والفارسية والتركية وله في حل كلام القوم اليد الطولى والمعرفة التامة وبالجملة فقد كان من أجلاء علماء الظاهر والباطن ولد المترجم بقسطنطينية لكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 والده كان إذ ذاك ثمت وذلك في سنة أربع وتسعين وألف ونشأ في حجر والده وأخذ عنه الطريق وتتلمذ له وغمرته نفحاته وبركاته ودعواته وتنبل وتفوق وقرأ على غيره وعلى الشيخ عبد الرحيم الكابلي الأوزبكي تلميذ والده وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد الدمشقي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قرأ عيه الفتوحات المكية وظهرت شمس الفضائل من سمائه وبزغ بدر المعارف والعوارف من فلك فضائله وسنائه وبرع في العلوم معقولاً ومنقولاً خصوصاً في التصوف والمعارف الألهية ولم يزل في ظل والده الظليل قائلاً إلى أن انتقل بالوفاة إلى رحمة مولاه كما ذكرناه في ترجمته وكان الجد المترجم حينئذ بدمشق فلما جاء الخبر ارتحل قاصداً الروم ففي أثناء الطريق حصلت له نفحة الهية ومنحة ربانية فبعد عوده لدمشق ترك الدنيا وترك العقارات وجميع ما كان يتعاطاه وسلم ذلك لأتباعه من مالكانات وقرى ومزارع وعقارات وغيرها حتى تجنب مس الدراهم والدنانير بيده فلم يعهدانه أمسكها واشتغل بالعبادة ولبس خشن الأثواب وتتوج بتاج الفقراء والدراويش إلى أن مات وخلع ثياب الدنيا وتسربل بحلل العرفان والارشاد واستقام يفيد واستمر على ذلك مدة تزيد على أربعين سنة واشتهر في البلاد وعم ذكره الأغوار والأنجاد خصوصاً في الديار الرومية والمواطن الشامية وتتلمذ له خلق كثيرون لا يحصون عدداً وأخذوا عنه طريق السادة النقشبندية الذي هو طريقنا وحج إلى بيت الله الحرام وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام مراراً وارتحل للقدس والخليل ووصل إلى مراتب الهداية وغرف من بحر الولاية وتولى قضاء المدينة المنورة باعتبار الرتبة وله رسائل في العلوم وتعليقات وكان السلطان محمود خان عليه الرحمة والرضوان أرسل يطلبه من اسلامبول في سنة خمس وستين ومائة وألف فارتحل إليها ولم يزل من حين خروجه من دمشق إلى حين دخوله إليها محترماً في كل بلدة وكلهم يأخذون عنه الطريق ويتبركون به إلى أن وصلها فقابله السلطان المذكور بوافر الانعام ومزيد الاحترام واجتمع به مرات وأعطاه الأوامر السلطانية المتوجة بخطه الشريف في مصالح الجد وصار له اعتبار تام من رجال الدولة وأركانها ثم أذن له بالحج بدلاً عن السلطان المذكور فحج بدلاً عنه في تلك السنة ثم عاد بعد عوده بأمر سلطاني إلى اسلامبول ونزل بالمكان الذي هيئ له من طرف الدولة كالمرة الأولى واجتمع به ثانياً وكان في خدمته في المرة الثانية والدي وأخي وابن ابن عم والدي ثم لم تطل مدة السلطان محمود وجلس على سرير السلطنة السلطان عثمان أخوه فكذلك قابل المترجم بغاية التعظيم والتوقير ثم قصد الجد الديار الشامية وتوجه للأوطان واستقام إلى أن مات وكانت وفاته في صفر سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بدارنا الكائنة بمحلة سوق صاروجا وكان له جنازة حافلة عظيمة ورثى بالقصائد الغر فمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 ذلك ما أنشده الشيخ شاكر بن مصطفى العمري بقوله حتى الرثاء وقل بذل الأنفس ... بفداء ذا القطب الأجل الأنفس فبفقده صدع الردى شمل العلا ... ورنت لنا الدنيا بوجه معبس هذا المصاب فما المصاب فيومه ... لبس الضياء به حداد الحندس ومرائر شقت وفاضت أعين ... بشؤنها وتصدع القلب القسي يا دهر ويحك فاتئد بقلوبنا ... أكذا فعالك بالكرام الكيس وهي طويلة جداً ورثاه كثير من الأدباء رحمه الله تعالى وأموات المسلمين. محمد الحبال ابن محمود بن إبراهيم بن عمر المعروف بابن الحبال الشافعي الأشعري المزي الأصل الدمشقي الشيخ المحقق العالم العامل الفرد المفسر الأصولي اشتغل بطلب العلم على جماعة من العلماء كالشيخ إسمعيل الحائك المفتي والشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي والشيخ إبراهيم الفتال وغيرهم وحضر دروس الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وبرع وتفوق ومهر وصرف عمره في اكتساب العلوم واستفادتها ودرس بالجامع الأموي وفي حجرته داخل مدرسة الكلاسة وانتفع به خلق كثير وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه مد إلى الأفق ساعداً فتناول العيوق قاعداً بهمة لا تقنع بمدار دون الفلك وفكرة تكاد تستخلص نور الشمس إلى الحلك وهو الآن مركز دائرة الانتفاع ولمن سامته في الفضل الانخفاض وله الارتفاع فعذبته على مناكب الجوزاء خافقه وبضاعته لم تزل في سوق الرواج نافقه ومن شعره قوله ولولا ثلاث هنّ همي إذا أمسى ... لما بت مأثوراً نهاري على أمسي فتكميل نفسي بالعلوم ودرسها ... وتهذيبها قبل المسر إلى الرمس وتأميل إيفاء الحقوق لأهلها ... وانقاء ثوب النفس من دنس البخس وزورة خير الخلق أفضل شافع ... لأبرئها من ثقل وزر على النفس أفاض عليه كل يوم تحية ... مدى الدهر ما امتد الشعاع من الشمس وهذه الثلاثيات نظم فيها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم الشيخ عمر القادري الدمشقي فقال لولا ثلاث هنّ أقصى المراد ... ما اخترت أن أبقى بدار النفاد تهذيب نفسي بالعوم التي ... بها لقد نلت جميع المراد وطاعة أرجو باخلاصها ... نوراً به تشرق أرض الفؤاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 كذاك عرفان الآله الذي ... لأجله كان وجود العباد فاسئل الرحمن بالمصطفى ... وآله التوفيق فهو الجواد ومنهم ابن صابر القيسي فقال لولا ثلاث هن والله من ... أكبر آمالي من الدنيا حج لبيت الله أرجو به ... أن يقبل النية والسعيا والعلم تحصيلاً ونشراً إذا ... رويت أو سعت الورى رأيا ما كنت أخشى الموت أنى أتى ... بل لم أكن ألتذ بالمحيا وبالجملة فإن المترجم كان من أجلاء العلماء المشاهير وكانت وفاته تاسع عشر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد طبيعة الدمشقي ابن يس بن مصطفى المعروف بطبيعة الحنفي البقاعي الأصل الدمشقي كان والده من أفاضل فقهاء الحنفية سيما بالفرائض وسائر العلوم وكان يخالط الكبراء والأعيان ويتردد إليهم والجميع يستلذون بمصاحبته وعشرته وهو مشهور بالنكات والأجوبة وله شعر لطيف منه قوله في عذار ألا بروحي غزال أنس ... له فؤاد الشجي كناس بدر بوجه بدا كبدر ... علاه من عنبر نواس زها بخد حكته شمس ... وعنبر السالفين كاس فحين أضحى به ثمولي ... وصار في عقلي اختلاس أشار نحول وقال قولاً ... صغى له الفكر والحواس بما تؤرخه يا نديمي ... فقلت ورد عليه آس 1121 125 610 210 115 - 61 وقوله نظر الحب لي فسألت دموعي ... من غرامي به ونيران فقدي ما هو الدمع إنما نصل سهم ... منه قد ذاب في حرارة وجدي ومن ذلك قول المولى خليل الصديقي مذ أقصد الحب قلبي ... بسهم تلك الجفون أذابه الشوق حتى ... ألقته دمعا عيوني وقال الشيخ سعدي العمري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 رنا فأودع قلبي ... سهم الآسى والمنون فذاب من حر شوقي ... فقطرته جفوني ومن شعر المترجم في المجون ما كتبه لبعض أحبابه مهنئاً له بزفاف وهو قوله قيمت لك الأفراح في كانون ... إذ كنت بالأسخان كالكانون أوصيك عبد المحسن التقوى فلا ... تأتي إليها من ورا الطاحون قد كنت ترغب بالحرام وطالما ... جئت البيوت بأظهر وبطون أصبحت ترغب في الحلال تكلفاً ... ورجعت منه بصفقة المغبون وأقمت في شق العجوز مخيماً ... والناس راجعة على ذنون فأسلم ودم بالكسكسون منعماً ... تحشى النقانق في حشا خاتون وكان المترجم ذهب إلى الروم وأوصى صاحباً له يقال له الشيخ عبد الوهاب السؤالاتي في باب الجامع الأموي وقال له مهما وقع من الوظائف محلولات اكتب لي عنها حتى أتخذها لمعاشي فصار الشيخ عبد الوهاب يكتب له الحمد لله الأسعار رخيصة وسعر اللحم كذا والخبز كذا واللبن كذا والحمص والعدس وما شابهها ولا يتعرض إلى شيء مما أوصاه به فضجر منه فكتب له هذين البيتين في ضمن كتاب أرسله له وهما قوله فأما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثى من ثميني وإلا فأطرحني وأتخذني ... عدوّاً أتقيك وتتقيني وبالجملة فقد كان نزهة النفوس وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى. محمد النهالي ابن يوسف المعروف بالنهالي الحنفي الرهاوي الأصل الحلبي المولد نزيل قسطنطينية الأديب الألمعي الفاضل الكامل قرأ على أفاضل بلدته وكان مكباً على تحصيل الفضائل والكمالات وأقام مدة بالمدرسة الحلاوية وصار له غاية الاكرام من الوزير محمد باشا الراغب وكان المترجم أديباً شاعراً فمن شعره قوله يا راكب اللهو قصر ... عنان خيل التصابي يداك لم تقو حبس ... اللجام بعد الشباب وله كنت في غفلة من العشق لما ... أيقظتني نواعس الأجفان كشفت عن مجاز عيني غطاها ... فأرتها حقائق الأكوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 وله مشطراً أبيات الشهاب الخفاجي في الأبوين الكريمين لوالدي طه مقام علا ... فوق علا الناس بلا ارتياب بوأهما الرحمن من فضله ... في جنة الخلد ودار الثواب فقطرة من فضلات له ... تبرئ أسقام فؤاد مصاب ما دخلت جوفاً إلا غدت ... في الجوف تشفي من أليم العقاب فكيف أرحام به قد غدت ... تؤمل الخير وحسن المآب حاشي لأرحام له أصبحت ... حامله تصلي بنار العذاب وشطرهما معاصره الشيخ أحمد الوراق الحلبي بقول لوالدي طه مقام علا ... على العلا لما غدا مستطاب مقدّس رحب منير الفضا ... في جنة الخلد ودار النواب فقطرة من فضلات له ... دواء ذي الداء بلا ارتياب وصح في الأخبار عن كونها ... في الجوف تشفي من أليم العقاب فكيف أرحام به قد غدت ... بنوره مملوءة أن تخاب أم كيف أرحام به انثنت ... حاملة تصلي بنار العذاب وحين سافر إلى اسلامبول تلميذه الفاضل السميدع السيد مصطفى الحلبي الكوراني اجتمع بالمترجم شيخه ثم ابتدر كل منهما لتضمين البيت المشهور وهو إن الملوك إذا أبوابها غلقت ... لا تيأسنّ فباب الله مفتوح فقال المترجم قلب بسهم أليم الهجر مقروح ... ومقلة دمعها بالبين مسفوح فقال الكوراني وخاطر في يد إلا هو أعلى خطر ... من الأماني له باليأس تلقيح فقال المترجم ولاعج مضرم لولا التوكف من ... دموعه ولعت فيه التباريح فقال الكوراني موزع البال مطويّ الضلوع على ... فرط الآسى جسد ليست به روح فقال المترجم حليف كرب رهين الاغتراب شج ... به عقود هموم الدهر توشيح فقال الكوراني به أحاديث أشجان يردّدها ... لها من الغم تعديل وتجريح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 فقال المترجم له عتاب على الحظ المسوّد إذ ... خابت مقاصده والقلب مجروح فقال الكوراني وكلما نابه خطب الزمان غدا ... بساحة الياس صبراً وهو مطروح فقال المترجم مستوثق العزم من بيت أقيم به ... للعذر متن بنصح القول مشروح البيت القديم إن الملوك إذا أبوابها غلقت ... لا تيأسن فباب الله مفتوح وكانت وفاة المترجم في سنة خمس وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محمد الأسبيري ابن يوسف بن يعقوب بن علي بن محسن بن شيخ اسكندر الغزالي الحلبي الشهير بالأسبيري مفتي حلب الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد البارع الصالح العالم الكامل ولد بعينتاب سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم والصرف والنحو والمنطق على ابن خال والده مصطفى أفندي وعلى الشيخ الياس المرعشي ثم سافر إلى كليس فقرأ المنطق على علي أفندي نجي زاده تلميذ تاتار أفندي المشهور وعلى شريكه صالح وأخذ أيضاً شرح مختصر المنتهى لأبن الحاجب عن شيخي زاده وقدم حلب ولازم بها محموداً أفندي الأنطاكي وقرأ على ابن عمه محمد أفندي أيضاً وأخذ بعينتاب أيضاً عن عبد الرحمن أفندي الخاكي وأجازه اجازة عامة سنة تسع وخمسين ثم دار البلاد وقرأ على مشايخ يطول ذكر أسمائهم ثم دخل اسلامبول وصار بينه وبين نفير حبر الروم مباحثات ثم رجع إلى حلب وتوطنها ودرس بمدرسة الرضائية وأخذ عنه جماعة كثيرون وله من التآليف شرح على ايساغوجي سماه الفوائد الأسبيرية على الرسالة الأثيرية وقرظه بعض تلامذته بقوله لعمرك ما در بنظم القلائد ... بأحسن مما في كتاب الفوائد كتاب جلت حجب الظلام طروسه ... بلؤلؤ لفظ مثل سلك الفرائد أزاح عن الغيد الحسان نقابها ... فواصلنا من بعد طول التباعد ولا غرو إذ تأليفه منتم إلى ... محمد أوصاف كريم موالد سلوا مشكلات العلم عنه فإنها ... لأدري بهذا الحبر من كل واحد إليه انتساب المكرمات حقيقة ... يلوح عليها نوره كالفراقد وهنوا أثير الدين حين تشرفت ... رسالته الغراء ذات القواعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 بشرح الامام الاسبري الذي حوى ... خصال كمال أوجبت لمحامد فلا زال ماوي العلم والحلم والتقى ... مدى الدهر ما لاح الصباح لماجد وله من التآليف أيضاً شرح على مغنى الأصول المسمى بالمستغنى لكنه لم يكمل وشرح على أوائل المنار سماه بدائع الأفكار وكتاب مناسك بالتركي سماه تحفة الناسك فيما هو الأهم من المناسك وله رسائل عديدة منها رسالة في مسئلة الجزء الاختياري ورسالة في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ورسالة في بيان معنى كلمة التوحيد ورسالة في نجاة الوالدين المكرمين لسيد البشر صلى الله عليه وسلم وله تعليقات على بعض المواضع المغلقة في تفسير الكشاف والبيضاوي ولخص الفتاوي الخيرية وحاشية على شرح المنظومة المحبية للشيخ عبد الغني النابلسي مسماة بالخلاصتين وأهدى منه نسخة لشيخ الاسلام مفتي الروم محمد شريف أفندي فتلقاه بالقبول وأرسل له إفتاء حلب من غير طلب ثم وجه له المدرسة الشعبانية ثم المدرسة الكلتاوية وأخذ عنه جماعة من علماء حلب وغيرهم منهم السيد محمد المقيد والشيخ إبراهيم المكتبي والسيد عر وكان معيداً في درسه الاشباه والنظائر الفقهية ووكيله في المدرسة الخسروية والشيخ يوسف النابلسي الشهير بابن الحلال وكيله في مدرسة الشعبانية والسيد محمد صادق بن صالح البانقوسي وبيض له حاشية عمدة الحكام وامتدحه في آخره بأبيات منها قوله كتبتها وشرحها كاملة ... برسم حبر فاضل علام مهذب الدين غزير العلم ... والنقد طود راسخ الاقدام وألمعي السبر والتنقير بل ... في كل فن أحد الأعلام شيخ الشيوخ واحد الدهر الذي ... من حقه مشيخة الاسلام محمد المولى الكريم الاسبريّ ... المجد غصن دوحة الكرام فدا لك النفس وهذا غاية الت ... قصير من عبد من الخدام فاسبل العفو وعامل كرماً ... وغض إن طاشت سهام الرامي سدا لما اختل من التحريف في الر ... سم واخطأ من الاقلام وابق لها ما بقيت مؤرخاً ... واهنا بشرح عمدة الحكام سنة 1187 63 510 514 100 وكان صاحب الترجمة يتولى في ابتداء أمره النيابات في محاكم حلب وكان ينتمي إلى نقيب حلب محمد أفندي طه زاده وأفرده بالترجمة تلميذه الشيخ محمد الموقت وكانت وفاته في شوال سنة أربع وتسعين ومائة وألف محمد البقري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 ابن إسمعيل الملقب بشمس الدين الضرير الأزهري البقري المصري الشافعي شيخ القراء بالجامع الأزهر الإمام العلامة الفقيه المقري قرأ عليه القرآن بالروايات من لا يحصى عددهم منهم المرحوم شيخ الاسلام أبو المواهب الدمشقي واشتهر أنه جاوز المائة عام وكان ملازماً للاقراء والافادة ومات بمصر سنة سبع ومائة وألف وصلى عليه صلاة الغائب رحمه الله تعالى محمد المنير ابن الحسن بن محمد بن أحمد السمنودي الشافعي الأحمدي ثم الخلوتي المصري الشهير بالمنير الشيخ الإمام المحدث المقري الصوفي العارف بالله ولد بسمنود سنة تسع وتسعين وألف وقدم الأزهر وعمره نحو عشرين سنة بعد أن حفظ القرآن العظيم وجمع للسبع والعشر ونظم المنظومة في قراءة ورش وجاور بالأزهر وأخذ عن جملة من العلماء منهم الشمس محمد السجيني وعلي أبو الصفا الشنواني والشمس محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلي وأجازه أبو حامد محمد البديري الدمياطي والقطب السيد مصطفى البكري الدمشقي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي والنجم محمد بن سالم الحفني وعليه انتفع وبه اشتهر وأخذ الناس عنه الحديث والقراآت والفقه طبقة بعد طبقة وألف مؤلفات نافعة منها شرح الطيبة وهو من أجل تآليفه وشرح الدرة ومنظومة في طريقة ورش وشرحها ورسالة في رواية حفص ورسالة في أصول القرآن وله في التصوف تحفة السالكين والآداب السنيه لمريد سلوك طريق السادة الخلوتية وهو شرح على منظومة له في ذلك ومنظومة في علم الفلك وشرحها ورسالة في مساحة القلتين ورسالة في تصريف اسمه تعالى اللطيف وله شرحان على البسملة سمى الأول الهام العزيز الكريم فيما في خبايا معان بسم الله الرحمن الرحيم تكلم فيها على الاسرار الواقعة في البسملة والثاني تكلم فيه على البسملة من حيث ما يتعلق بألفاظها وله شعر رائق يتعلق غالبه بالحقائق وصار شيخ الأزهر وهو أول من انتزع مشيخة الأزهر من المالكية وكانت وفاته عقب صلاة الجمعة حادي عشر رجب سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى رحمة واسعة ورحم من مات من أموات المسلمين أجمعين آمين محمد الدقاق المغربي الفاسي المالكي نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام العامل الصوفي الوفي المحقق على الاطلاق أبو عبد الله شمس الدين قدم المدينة المنورة من بدلته فاس وأخذ بها عن العلامة عبد الرحمن ابن شيخ الشيوخ عبد القادر الفاسي وعن غيره وصار له الفضل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 التام مع السلوك لطريق السادة الصوفية أهل النقض والابرام ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفع به خلق كثيرون وكان هماماً فاضلاً عليه السكينة والوقار ملازماً للدروس بالحرم الشريف لا يشتغل بغيرها توفي بالمدينة المنورة سنة ثمان وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ووجد بخط صاحب الترجمة أبيات من شعره وهو قوله أنا المحب لكم طول المدا أبدا ... أنا الوفي لكم بالعهد والذمم أنا الذي غمرت قلبي محبتكم ... سحت سحائبها بوابل الديم أنا الذي بعيون الود أبصركم ... وبعت روحي لكم راض بلا قيم أنا الذي بوفاء العهد متسم ... والصدق من سيرتي والصدق من شيمي محمد الضرير الإسكندري ابن سلامة بن إبراهيم الضرير الاسكندري ثم المكي المالكي العلامة المفسر النحري المفنن الشاعر أخذ عن أحمد السندربي ومحمد الخراشي وعبد الباقي الزرقاني وإبراهيم الشبراخيتي وأحمد البشبيشي وغيرهم وله تفسير منظوم للقرآن العظيم نظماً في عشر مجلدات وغير ذلك وكانت وفاته بمكة في ذي الحجة سنة تسع وأربعين ومائة وألف محمد الخالدي الديري أحد الفضلاء الأنجاب طلب العلم فارتوى من مناهله وجد واجتهد تولى رياسة الكتابة بالمحكمة القدسية وهي وظيفة آبائه وأجداده ولم يزل في الكتابة رئيساً وتوفى في سنة ألف ومائة وتسعة وثلاثين رحمه الله تعالى محمد الزمار المعروف بابن الزمار الشافعي الحلبي الشيخ العالم الفاضل التقي الناسك الزاهد الصابر الوقور المهاب جمع بين الولاية والعلم عليه آثار العبادة والصدق والتقوى وانتفع به كثير من أهل حلب وغيرها وله ملازمة تامة في الاشتغال بالعلوم ويد طولى في المنطوق والمفهوم وكان مع جلالة قدره يتفقد أرامل جيرانه وأيتامهم وبالجملة فقد كان من أولياء الله تعالى وكانت وفاته سنة سبع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى السيد محمد البيلوني المعروف كأسلافه بالبيلوني الحنفي الحلبي العالم الفقيه الفاضل الأديب الأريب كان له اطلاع تام ذا مباحثة دقيقة يشغل المجلس بمذاكرة المسائل العلمية ويغلب عليه الفقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 لأنه كان به متبحراً وكان مهاباً وقوراً محتشماً تولى افتاء أنطاكية ثم ولاه شيخ الاسلام افتاء القدس مع رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وأحبه أهل بيت المقدس وكانت وفاته سنة خمسين ومائة وألف ودفن بتربة باب الرحمة خارج باب الاسباط رحمه الله تعالى محمد السؤالاتي الشافعي الدمشقي السؤالاتي الخلوتي الشيخ العالم الماهر المتقن الصالح الفقيه الفاضل كان له فهم ثاقب وحفظ تام لمسائل الوقائع والأحكام قرأ الفقه والفرائض والحساب والنحو وكان يكتب أسئلة الفتاوي بباب الجامع الأموي وكانت وفاته في يوم الخميس الثاني عشر من جمادي الأولى سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى محمد المورلي القاضي بدمشق ابن يحيى بن عبد الله المورلي الأصل الاسلامبولي الحنفي أحد الموالي الرومية ولد باسلامبول سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ولازم على قاعدتهم من شيخ الاسلام محمد مير زادة وتنقل إلى أن وصل للسليمانية فمنها أعطى مخرجاً قضاء سلانيك وأخذ من الشيخ قرا داود الرومي والعلامة محمد آق كرماني وكان فاضلاً صالحاً متديناً سليم العرض والدين حج سنة اثنين وسبعين وولي قضاء دمشق سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وكان بدمشق يسلك في القضاء مسلك الشدة وكانت وفاته في شعبان سنة أربع وتسعين ومائة وألف محمد الغلامي الشافعي الموصلي الفاضل الأديب اللطيف الأريب البارع ترجمه محمد أمين الموصلي فقال شيخ علم وأدب كان عاقلاً كاملاً زكياً بارعاً من مجالسي الوزير الكبير حسين باشا وولاه القضاء بنيابة عنه في سنة ست وسبعين وله قريض لطيف لم أقف عليه وإنما سمعت به من بعض أولاده وله مناقب حسنة وأوصاف جيدة وكانت وفاته في سنة ست وسبعين ومائة وألف وقد قارب الثمانين أو جاوزها ودفن بالموصل رحمه الله تعالى محمد العبدلي نسبة إلى عبد الله حي من عرب العراق على غير القياس كان رافعاً أعلام الفضل وناشراً ألوية العلم نشأ في الموصل وهاجر إلى مصر ونواحيها فاكتسب هناك كل نادرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 وجمع من العلوم كل غريب الأسلوب مهجور القواعد وكان في الطب آية من آيات الله مشهوراً بتمييز الأمراض المشتبهة لا يعرف له في ذلك نظير في الاقليم الرابع وكان له في العلوم الرياضية يد طولى ولم يزل في مصر ونواحيها ينقل منها الكتب إلى الأطراف وكل يوم يحصل نادرة وكل ساعة يظفر بقاعدة حتى صار في الكمال عين الكمال وغرة الليالي ودخل حلب مراراً ويقال إنه اجتمع بابن النحاس الشاعر الماهر والله أعلم ولما كمل مرامه وحصل مقصوده عاد راجعاً إلى وطنه فنشر من الفضل كل مطوي وأظهر من أسرار العلم كل خفي وكان له شعر رقيق النظام مليح الانسجام ونثر ألطف من مغازلة الآرام ولطائف مشهورة بين الأنام ومن لطائفه أنه سئل في مجلس عن مولده فقال إن تاريخه نقل في ألف وثمانين فضحك الحاضرون فقال واحد منهم وأنا كان مولدي في عام ألف وإحدى وثمانين فقال إذن أنت أنقل مني وكان بخيلاً بالفضائل التي عنده لا يضعها في فاتر الهمة لما قاسى في تحصيلها من المشاق والتعب فكان يفر من طالبه إلى البر فربما لحقه إلى البيداء وكان عارفاً بالزيج والاسطرلاب والهيئة خبيراً بالحساب والمنطق والعربية محباً للنكب فكان عند منها النادور والعجيب واللطيف والغريب وترجمه محمد أمين الموصلي فقال لما أردت صفاته فمدحته ... هانت عليّ صافت جالينوسا آيات موسى فيه قد جمعت كما ... أوتي بنان يديه آية عيسى هذا الهمام فارس عصابة الأدب وسابق حلبة أفاضل العجم والعرب ابقراط الحكمة له غلام وافلاطون الحكمة له من جمل الخدام أبطل ذكر بطليموس بعجائب آثاره ودك طور ابن سينا لما تجلى بسنا أنواره ما الفارابي إلا رشحة من هذا المنهل ولا الأبهري من هذا البحر إلا جدول اذهب تعفن اخلاط الجهالة بمعاجين علمه وأصلح مزاج الفضل والأدب باخلاط فهمه وأدب حميا الايضاح بعروق جسم المعضلات وأبرأ خرائد المسائل من أمراض الاشكالات ودبر الأدب بعدما شاخ بالمرطب ليبس مزاجه واسترجع العلم بعدما أشرف على الممات بإصلاح فساده وعلاجه ومن بلاغته قوله وبعث به إلى علي أفندي العمير حين عاد إليه الافتاء فقال من قصيدة حمد المولى بعين اللطف مذ نظرا ... إلى العباد أزال الضر والضررا فاصحب الكون طلق البشر منشرحا ... صدرا وباليسر والاقبال قد سفرا وبالمنى والأماني الزمان أتى ... والدهر مما جناه جاء معتذرا عناية تزلت في الأرض فاعتدلت ... أوقاتها فخلت من مفسد غدرا أطيارها صدحت غدرانها طفحت ... رياحها نفحت تهدي شذا عطرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 ومنها كما حمى كرماً عرض العباد بمن ... يحيى بفصل خطاب جده عمرا وصار بين الورى في الكون لفظة إجم ... اع عليها وفاق العصر قد قصرا أثيل مجد تليد عن أبيه وعن ... أجداده فهو ارث ليس مبتكرا ومنها بالعلم والحلم ساد الناس قاطبة ... ولميقاربه منهم من علا سيرا يروي أحاديث جود عن يديه عطا ... أخبار صدق بلا شك لمن أثرا من جعفر في الندى من ابن زائدة ... ومن زهير ومن قس إذا جهرا ما ابن ماء السما ما حاتم كرما ... إلا كقطرة ماء منه قد قطرا تجمعت فيه أوصاف مفرقة ... في الخلق يدرك ذا من كان مختبرا أن يجمع الله كل الناس في رجل ... فليس ذلك بدعا عند من سبرا لم وحلم وجود عفة وتقى ... طلاقة بوقار هيبة وقرا فتاح أبواب تلخيص الفصاحة لا ... يحتاج فيها إلى المفتاح لو حضرا حبر بدايته فضلاً نهاية من ... سواه فرد على أقرانه افتخرا وهي طويلة جداً وله أشعار غيرها وقصائد وتوفي في الموصل سنة ست وستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى محمود الغزي ابن إبراهيم بن محمود بن حسين الشافعي الغزي الدمشقي الشيخ الفاضل كان من العلماء الاجلاء أحد من اشتهر وتفوق بالعلم والفضل قرأ على جهابذة شيوخ أفاضل وارتحل إلى مصر القاهرة وأخذ بها وقرا على جماعة كالشيخ أحمد بن محمد الفقيه المصري الشافعي قرأ عليه الفقه والنحو والتوحيد والحديث والمنطق وغير ذلك وأجازه بالافتاء والتدريس وكذلك الشيخ عبد الرؤف البشبيشي المصري وغيرهم وارتحل إلى الروم وقطن به مدة سنين وتولى بدمشق تولية وتدريس المدرسة الارمينية ودرس بالشامية وتزوج بدمشق وأعقب وارتحل إلى حلب وصار بدمشق قاضي الشافعية بمحكمة الباب وتعاطى القضاء إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الأفاضل المنوه بهم وكانت وفاته في سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى محمود الجزري الكردي ابن أبي بكر بن عثمان الشافعي الجزري نسبة إلى الجزيرة الكردي نزيل دمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 الشيخ الأستاذ العارف كان مشهوراً معتقداً له معرفة تامة في الفنون والعلوم الغريبة كالزابرجا والحرف والأوفاق والرياضات وغيرها مع الصلاح والتقوى والديانة ولد بالجزيرة سنة ست وسبعين وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ شيئاً من العلوم ثم سافر قاصداً نحو القدس الشريف فاجتمع برجل من الأولياء يقال له الشيخ محمد زمان السندي فانقطع إليه ولازم خدمته وظهر له منه كرامات عديدة وحج هو واياه ولقنه طريق السادة النقشبندية وأمره أن يرجع إلى بلده ويختلي خمس سنوات ثم بعد انتهاء الخلوة رجع حاجاً بأمر شيخه المذكور واجتمع به وأمره أن يسكن دمشق فبعد رجوعه إليها أرسل إلى أهله واستقام في دمشق في دار بمحلة العقيبة ينفع الناس بافادة ما منحه الله به من المعارف والعلوم وكانت له مناقب كثيرة وأشياء عجيبة في ذلك وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ويختلي في رمضان في مكان يختم القرآن مرة بالليل ومرة بالنهار إلى ليلة العيد ويخرج لصلاة العيد والجمعة ولم يتزوج قط وقصد الحج هو وأهله وعند رجوعه توفي بين الحرمين في أوائل محرم سنة احدى وأربعين ومائة وألف في منزلة الجديدة ودفن بها رحمه الله تعالى. محمود العبدلاني ابن عباس الشافعي العبدلاني الكردي نزيل دمشق الشيخ العالم العلامة المحقق المدقق الفاضل ولد في عبدلان ونشأ بها في كنف والده وكان هو ووالده ووالدته في خدمة الأستاذ العالم الصالح الشيخ إسمعيل العبدلاني الكردي جد الشيخ عبد القادر الكردي المقدم ذكره في محله ووالده من أتباع المذكور وخدمته وكان لا يعلم العلم فنشأ المترجم والأستاذ يلمحه بنظره واشتغل المترجم بعد وفاة الشيخ في القراءة والافادة فحصل على ما حصل وظهرت فضيلته ودرس في عبدلان وصار مفتياً في كوي صنجق وخرج منها إلى حلب واستقام شهرين ثم قدم دمشق ومنها ارتحل إلى الحج وعاد سكنها إلى أن مات وكانت وفاته في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون قرب الجوعية رحمه الله تعالى. محمود المعروف بالسالمي الشيخ العابد الزاهد كان صالحاً فاضلاً اجتمع به الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكانت وفاته في رمضان سنة اثنين ومائة وألف رحمه الله تعالى. محب الله بن زين العابدين ابن زكريا بن شيخ الاسلام البدر الغزي العامري الدمشقي الشافعي الشيخ العالم الفاضل العابد الناسك الأديب الأوحد كان منقطعاً عن الناس وأحب ما يكون إليه العزلة يلقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 الناس بالبشر والتودد أخذ عن والده وعن عم أبيه شيخ الاسلام النجم الغزي وعن القطب أبي الصبر أيوب الخلوتي وغيرهم وبرع وفضل ونظم ونثر ومن شعره قوله مضمناً أهواه شروى البدر يرمى دائماً ... من لحظه قلب الكئيب بأسهم حفت جوانب وجنتيه بحمرة ... لجمالها الياقوت دوماً ينتمي فرأيت فيه تناسقاً وتناسباً ... من عادة الكافور امساك الدم وهذا المصراع قد ضمنه جماعة من الأدباء جمعهم صاحبنا محمد الكمال الغزي في رسالة سماها لمحة النور في تضمين من عادة الكافور وكان صاحب الترجمة مشهوراً بالصلاح والبركة فكان يكتب للأمراض والعلل المزمنة فيحصل الشفاء على يديه وأم بمحراب الأولى في الجامع الأموي مدة حياته وله تاريخ نفيس رتبه على الوقائع اليومية وبالجملة فقد كان من أفراد صلحاء العالم ووجوه الناس ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي وكان صلى بالناس اماماً العصر ودخل إلى حمامهم الذي بقرب دارهم واغتسل في آخر يوم من رمضان وخرج من الحمام ودخل بيته فأفطر وصلى المغرب ومات فجأة ليلة الثلاثاء غرة شوال سنة ست عشرة ومائة وألف ودفن يوم العيد بمرج الدحداح رحمه الله تعالى. محب الدين الحصني ابن إسمعيل المعروف بالحصني الحسيني الشافعي الدمشقي السيد الشريف خلاصة الخلاصات ولد سنة ثمان وثلاثين وألف وكان من أخلص الصالحين وغلبت عليه عند انتهائه الأضعاف وكان لا يفتر عن ذكر الله وذكر رسوله مستجيراً بجنابه العظيم وكانت وفاته سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بزاويتهم في دمشق بمحلة الشاغور البراني رحمه الله تعالى. محب الدين بن شكر الدمشقي الشيخ العالم الولي الصالح هو من مشايخ الشيخ أحمد بن علي المنيني وأخبرت إن المترجم كان يستقيم في المدرسة الكاملية شمالي الجامع الأموي وإنه كان من أهل الصلاح ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى. محيي الدين المصري ابن علي بن إبراهيم بن محيي الدين بن عبد الحافظ المصري نزيل دمشق كان حافظاً لكتاب الله تعالى مجوداً خفيف الروح مقبولاً عند الخاصة والعامة استقام بدمشق نحو ستين سنة وكانت وفاته بها يوم الثلاثاء سابع عشر جمادي الثانية سنة ست ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 مراد المرادي ابن علي بن داود بن كمال الدين بن صالح بن محمد الحسيني الحنفي البخاري النقشبندي نزيل دمشق وقسطنطينية جدنا الكبير الأستاذ الامام الأعظم الشهير قطب الأقطاب ونادرة الأزمان والأحقاب السيد الشريف العالم العلامة الولي العارف الفهامة الفاضل المحقق المدقق الصوفي الغوث الصمداني الرباني الحبر البحر الحجة الرحلة المسلك المرشد امام أهل العرفان وصدر أرباب الشهود والوجدان صاحب الكرامات والعلوم كان آية الله الكبرى في العلوم النقلية والعقلية خصوصاً في التفسير والحديث والفقه وغير ذلك مع الديانة والصلاح والتقوى والنجاح والولاية وعلمي الظاهر والباطن وكان مبجلاً معظماً أحد الأفراد من العباد مرشداً كاملاً ورعاً زاهداً عابداً معتقداً مع اتقان اللغات الثلاث العربية والفارسية والتركية معمراً نورانياً جامعاً للمذاهب جليل المناقب متضلعاً من العلوم مظهر التوفيق والكرامات حتى كان يحفظ أكثر من عشرة آلاف حديث مع أسانيدها وحفظ روايتها ودائماً رأسه مكشوف غارقاً في بحر عشق مولاه حامداً لما أناله وأولاه ولد في سنة خمسين وألف وكان والده نقيب الأشراف في بلدة سمرقند فلما بلغ المترجم من السن ثلاث سنين حصلت له نازلة على قدميه وساقيه عطلتها وبقي مقعداً بسبب ذلك ثم نشأ مجتهداً في اكتساب العلوم والكمالات ثم قرأ العلوم العربية والفنون العلمية ثم حصلت له النفحة الربانية والمنحة الصمدانية فأقبل على طاعة ربه واجتهد معرضاً عن شهوات الدنيا مقبلاً على الاخرى فهاجر إلى بلاد الهند وأخذ هناك الطريقة النقشبندية وغيرها عن الأستاذ الكبير مهبط الأسرار الألهية ومورد المعارف الربانية الشيخ محمد معصوم الفاروقي المنسوب إلى الامام عمر الفاروق رضي الله عنه فلازمه وتتلمذ له وأخذ عنه وأقام عنده أياماً ثم أمره بالتوجه لارشاد العموم وكان الجد المترجم سبقت جذبته الألهية على سلوكه وهو أخذها عن والده الأستاذ أحمد الفاروقي الملقب بالمجدد وهو عن الامام محمد الباقر إلى أخر السلسلة العلية وأشرقت منه شموس الارشاد وبزغت من مطالعه نجوم الهداية والعلوم في البوادي والبلاد وكان فيه المراد ثم بعد مدة قدم إلى الديار الحجازية قاصداً حج بيت الله الحرام وزيارة سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ثم استقام مجاوراً ثلاث سنين وبعدها توجه نحو بغداد ومنها قصد التوجه إلى بخارى ومنها إلى أصفهان ومنها إليها ولما مر على بلاد العجم خرج لملاقاته ميرزا صائب الشاعر المشهور وأهدى إليه المنتخبات من شعره وصحب في هذه الرحلة علماء سمرقند وبلخ ومشايخها واجتمع بهم ثم قصد ثانياً العود إلى بغداد فعاد واستقام بها مدة ثم عزم على التوجه إلى مكة المكرمة ثانياً فتوجه وبعد أداء الحج والنسك والزيارة مر على مصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 القاهرة ومنها وفد إلى دمشق وقطن بها وكان دخوله ووفوده إليها بعد الثمانين وألف وأقبلت الناس عليه بدمشق بالتعظيم والاعتقاد والمحبة لما جبل عليه من الزهد والايثار والعبادة والتحقيق في العلوم ففي سنة اثنتين وتسعين وألف قصد التوجه لبلاد الروم فارتحل إلى دار الملك قسطنطينية فلما وصل أقبلت عليه علماؤها وصلحاؤها ومشايخها ومواليها وأخذوا عنه الطريقة وتلقنوا منه الذكر واعتقدوه وصار له تعظيم وتبجيل ثم استقام بها بمحلة أبي أيوب الأنصاري قدس سره مقدار خمس سنين وفي سنة سبع وتسعين عاد إلى دمشق فبعد مدة قصد التوجه إلى الحجاز إلى مكة المكرمة ثالث مرة وكان ذهابه في غير وقت الحج بل ذهب وحده هو ومن معه بلا قافلة إلى أن وصل إلى هناك وجاور سنة واحدة وعاد إلى دمشق ثم حج في سنة تسع عشرة ومائة وألف رابعاً وعاد إلى دمشق أيضاً وكان في دمشق معتقداً ملاذاً مفيداً مكرماً مكرماً تحترمه أهاليها وله مزيد التعظيم عندهم وكانت الحكام تهابه وهو مقبول الشفاعة عندهم وكان موقراً وأخذ من السلطان مصطفى خان قرى بدمشق اقطاعاً بمال يدفعه للخزينة الميرية في كل سنة وهو الآن المعروف بالمالكانات وكان الجد أول من وجه له ذلك بهذه الطريقة وهي الآن علينا وصار له تعظيم وافر واجتمع بشيخ الاسلام إذ ذاك العلامة الكبير المولى فيض الله ورفع المترجم عن أهالي دمشق مظالم عديدة وكان قوالاً بالحق ناصراً للشريعة مسعفاً منظلم مساعداً لأولي الحاجات غاية المساعدة ومن آثاره بدمشق المدرسة المعروفة به وكانت قبل ذلك خاناً يسكنه أهل الفسق والفجور فأنقذه الله من الظلمات إلى النور وشرط في كتاب وقفه أنه لا يسكنها أمرد ولا متزوج ولا شارب للتتن وكذلك بنى مدرسة في داره بمحلة سوق صاروجا وتعرف بالنقشبندية البرانية مع مسجد كذلك هناك وكان كثير الصدقات مسارعاً إلى القربات وله من التآليف المفردات القرآنية في مجلدين تفسير للآيات وجعله باللغات الثلاث أولاً بالعربية ثم بالفارسية ثم بالتركية وهو مشهور بين علماء الروم وغيرها وله رسائل كثيرة في الطريقة النقشبندية وتحريرات ومكاتبات وكانت وفاته في قسطنطينية في ليلة الثلاثاء ثاني عشر ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه في جامع أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه ودفن في درسخانة المدرسة المعروفة في محلة نيشانجي باشا ورثى بالقصائد الكثيرة العربية والتركية ومن ذلك ما رثاه تلميذه الشيخ أحمد المنيني مؤرخاً وفاته حيث قالل ذلك خاناً يسكنه أهل الفسق والفجور فأنقذه الله من الظلمات إلى النور وشرط في كتاب وقفه أنه لا يسكنها أمرد ولا متزوج ولا شارب للتتن وكذلك بنى مدرسة في داره بمحلة سوق صاروجا وتعرف بالنقشبندية البرانية مع مسجد كذلك هناك وكان كثير الصدقات مسارعاً إلى القربات وله من التآليف المفردات القرآنية في مجلدين تفسير للآيات وجعله باللغات الثلاث أولاً بالعربية ثم بالفارسية ثم بالتركية وهو مشهور بين علماء الروم وغيرها وله رسائل كثيرة في الطريقة النقشبندية وتحريرات ومكاتبات وكانت وفاته في قسطنطينية في ليلة الثلاثاء ثاني عشر ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه في جامع أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه ودفن في درسخانة المدرسة المعروفة في محلة نيشانجي باشا ورثى بالقصائد الكثيرة العربية والتركية ومن ذلك ما رثاه تلميذه الشيخ أحمد المنيني مؤرخاً وفاته حيث قال غوث البرايا مرشد العباد في ... سنن السلوك إلى مناهج قربه بحر الحقيقة والشريعة من سرت ... أنواره في الأفق مسرى شهبه انسان عين الوقت كامله الذي ... يمّ المعارف قطرة من سحبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 الملجأ الاحمى مراد الله من ... لحماه يهرع عائذ من كربه قد جاءه من ربه بشرى الرضا ... بلقاء مولاه الكريم وحزبه إلى آخرها وهي طويلة ورثى بغير ذلك رحمه الله تعالى ومن مات من أموات المسلمين أجمعين آمين. مكي الجوخي ابن محمد سعيد بن يس بن سليمان بن طه بن سليمان الجوخي الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المولد الفاضل البارع الأديب اللغوي الضابط كان أحد البارعين في الأدب وفنونه وله شعر حسن واطلاع تام في اللغة مع ضبطها وكان يتفحص عن النكات والأحاسن من الأشعار والفوائد ويضبطها مع باع في النحو والفقه وغيره ذا ثروة مشتغلاً بالمتاجرة والاكتساب من ذلك قدم جده يس من حلب إلى دمشق في حدود سنة ستين وألف ونزل في خان الجوخية بدمشق في تجارة فلما بلغ الخبر إلى مفتي دمشق العلامة المولى أحمد المهمنداري الحلبي أرسل بعض خدمه إليه وأنزله عنده وكان يتردد إلى الخان المذكور ويعود يبيت عنده ثم بعد مدة اشترى داراً في محلة مدرسة الباذرائية وتوطن بها وتزوج وصار له أولاد منهم محمد سعيد والد المترجم ثم ولد لمحمد سعيد أولاد منهم المترجم وهو أنجبهم ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن على الشيخ حسين البيتماني وأخذ عن غيره ثم طلب العلم واجتهد في تحصيله فقرأ على الشيخ محمد الغزي وهو أول شيخ أخذ عنه ورباه وأخذ عن غيره من جماعة أفاضل أجلاء وارتحل إلى حلب وأخذ عن عالمها الشيخ طه الجبريني والشيخ محمد المواهبي ولما حج في سنة ثمانين ومائة وكان والدي في تلك السنة حاجاً وكنت مع والدي وكان سني دون البلوغ فأخذ عن علماء الحرمين وصار له تآليف فاختصر شرح الأذكار للنووي واختصر شرح الصدور وله مجاميع وشعر وفوائد وله ضبط في اللغة والأدبيات وغير ذلك وله ديوان شعر وبالجملة فقد كان من أدباء ذلك القرن ومن شعره الباهر ما مدح به الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم بقوله بك يا سيد الأنام التجائي ... وعياذي من طارق اللأواء يا ضياء الوجود يا رحمة الل ... هـ التي ترتجي لكشف البلاء يا نبيّ الهدى وخير البرايا ... من حباه الآله بالاسراء يا مغيث الملهوف يا من بعليا ... هـ التجأنا في البؤس والضراء أنت شمس العلوم بحر العطايا ... منبع الفضل سيد الأنبياء أنت مصباح كل جود وتهدى ... كل سار إلى الطريق السواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 فنداك المأمول في كل ضيق ... ومرجي بشدّة ورخاء لك أشكو من ضعف حالي إني ... أرتجي لمحة تزيل عنائي كن ملاذي في النائبات مغيثي ... من صروف الزمان والبلواء فعليك الصلاة بعد سلام ... معآل وصحبك النجباء ما تغنت حمائم الروض صبحاً ... أو سرى البرق في دجى الظلماء وقوله من نبوية أيضاً ويح قلبي من غزال شردا ... من جفاه كم أرى عيش ردى بعت روحي في هواه رغبة ... ذبت من شوقي عليه كمدا كيف أسلو وهواه قاتلي ... وجفوني شابهت قطر الندى قلت يا من بالجفا أتلفني ... جد بوصل ولك الروح فدا وأبحني نظرة أشفي بها ... كبد أذاق العنا والنكدا أنا راض بالذي يفعله ... جوره عذب وإن لج العدا وبأكناف الحمى لي جيرة ... حبهم فرض على طول المدى قمت ليلاً في روابي شعبهم ... كي أرى نحو حماهم منجدا أنشد الحيّ فلم ألف به ... من مجيب مسعد إلا الصدى قلت هل أبصرت ظبياً شرداً ... قال هل أبصرت ظبياً شردا يا لقومي إنني ذو شغف ... في هواه وهوى الغيد ردى ومنها ثم عرّج نحو وادي طيبة ... لحمى طه التهامي أحمدا إن لي قلباً لدى أطلاله ... شجا في حلل الوجد ارتدى سيد الأكوان ذو المجد ومن ... نرتجي منه لنا فيض الندى يا رسول الله يا غوث الورى ... يا سراجاً للمعالي والهدى أدرك أدرك مستهاماً دنفا ... لك شوقاً ليس يحصي عددا قد وردنا نرتجي فيض الرضا ... ومن الجدوى طلبنا المددا فعليك الله صلى دائماً ... ما حدا الحادي وما الطير شدا ولصاحب الترجمة ويلاه من رشأ تهفو النفوس له ... حلو الشمائل يسبينا بطلعته نسج بعارضه أم أحرف رقمت ... فوق اللجين فراقت حسن بهجته كأنما نملة مشت أناملها ... على مداد فدبت فوق وجنته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 هو من قول الشيخ عبد الرحمن الموصلي أنبت عذار أم شقائق روضة ... مشى فوقها نمل بأرجله حبر وهو ناظر إلى قول العارف الشيخ أيوب انظر إلى السحر يجري في لواحظه ... وانظر إلى دعج في طرفه الساجي ر انظر إلى شعرات فوق وجنته ... كأنما هن نمل دبّ في عاج ومن ذلك قول بعضهم كأن عارضه والشعر عارضه ... آثار نمل بدت في صفحة العاج توحلت في لطيم المسك أرجلها ... فعدن راجعة من غير منهاج وما أحسن قول البارع أحمد الشاهيني دب العذار بخدّه ثم انثنى ... فكأنه في وجنتيه مروّع نمل يحاول نقل حبة خاله ... فتمسه نار الخدود فيرجع وللمترجم متغزلاً أقسمت بالدر من ثغر وما نسقا ... والخال من خدّه الباهي وما عبقا وليل شعر على الأجياد منجدل ... وبارق من ثناياه لقد برقا ما شمت قط لباهي حسنه شبهاً ... بين الظباء فسبحان الذي خلقا هو الغزال فما أحلى تلفته ... كم عاشق هام فيه مذله عشقا يسبي العقول إذا ما ماس في حلل ... من الجمال وكم قلب به علقا مقسم الوجه منه البدر مفتضح ... أنى يضاهيه بدر تمّ واتسقا فاق الحسان سنى من نور غرّته ... فلاح في بدر تم فوق غصن نقا أفديه ذا هيف يرنو لعاشقه ... كالظبي ملتفتاً كالغصن ممتشقا ذو مبسم برد قد راق منهله ... والمسك من طيبه الفوّاح قد نشقا أعيذ طلعته من شرّ حاسده ... وغاسق وعذول لومه غسقا قد ماس في حسنه يختال متشحاً ... ومال في تيهه عجباً وما رمقا وراش لي أسهماً من هدب مقلته ... أصمت فؤاد المعنى عندما رشقا يا ويح قلبي مما قد لقيت أسى ... في حبه زاد وجدي والحشا خفقا يا أيها المعرض المسبي بقامته ... رفقاً بقلب كئيب زدته حرقا كسوت جسمي نحولاً في هواك ولم ... يدع صدودك والهجران لي رمقا كم ذا أقاسيه من فرط الغرام ومن ... تلوّع واصطباري عنك قد نفقا عطفاً على صبك المضني الشجي كرما ... قد طلق النوم جفني واكتسى أرقا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 وجد بوصل فدتك الروح يا أملي ... وارحم حشاء بنيران الجوى احترقا وله مخمساً قفا ننشد الأحباب علّ الندا يجدي ... بسفح اللوى والبان من علمي سعدي وقولاً إذا ما هيمنت نسمة الرند ... ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجدي إذا ما وميض البرق لاح وأوضحا ... وأبدى حديث الشوق عني وصرحا أهيم بذكراهم وجسمي قد انمحى ... وإن هتفت ورقاء في رونق الضحى على فنن غض النبات من الرند أحن إلى الأوطان من ذلك اللوى ... وقلبي بنار الهجر وجداً قد اكتوى فأوّاه من وجدي ومن لوعة النوى ... بكيت فأبكاني الذي بي من الجوى ومن شدة البلوى ومن ألم الفقد أهيل الحمى ظهري لبعدكم انحنى ... نأيتم فبات القلب يشكو من الضنى وقلتم بأن الصبر يعقبه المنى ... بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد رحلنا عن الأوطان رحلة طامع ... وقلنا حداة العيس جدّوا بوالع عسى ندرك المأمول من غير مانع ... على أن قرب الدار ليس بنافع إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ ومن نثره وقد أرسل بها إلى بعض أصحابه لأمر اقتضى ذلك حرس الله تعالى جناب سيدنا نتيجة الزمان ومعدن الفضائل والعرفان ومحير أرباب اللسن بطلاقة اللسان والسالب برقة ألفاظه كل انسان الرفيق الكامل الذي تعقد على مثله الخناصر وتشد الأنامل من قلد جيد الزمان بالأيادي وأخرس بفصاحته سحبان وقسا الأيادي وأخجل سحب الغمام بالأيادي وأروي بمورده العذب كل صادي أما بعد فمتى غابت شمس الود حتى اكفهر ليل المقاطعة واسود ومتى تقشع سحاب المحبة حتى لم ينبت في رياضها حبه ومتى كان هذا الجرح حتى اندمل ومتى سل حسام المحاربة حتى كل وفل ولكن إذا كان المحب قليل الحظوظ فكل ما يبديه بعين السخط ملحوظ إذا كان المحب قليل حظ ... فما حسناته إلا ذنوب وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 ما صاحبتك طمعاً فيما في يديك ولا واخيتك للاعتماد عليك والاحتياج إليك ولا تقربت إليك لتنقذني من المهالك ولا واددتك لتواسيني بمالك ولكني كنت أعدك عدة للأعدا وأعدك إذا عدت الأصدقاء فرداً وأفزع إليك إذا اشتد الكرب وأشكو إذا أعضل الخطب أموراً يتوجع منها القلب ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع من غص داوي بشرب الماء غصته ... فكيف يفعل من قد غص بالماء كنت في كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار على أنني ما أنكرت ودك المستطاب ومعروفك الذي هو أصفى من الشراب ولا جحدت ما أثقلت كاهلي به من الأيادي بل ذكرتها ونشرتها في كل نادي إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر شعر لست أشكو من امتناعك عني ... يا منى القلب حين عز الاياب سوء حظي أنالني منك هذا ... فعلى الحظ لا عليك العتاب فإذا كان هذا الأمر اقتضاه الحال فحلمكم أوسع وإن اتسع المجال والصديق هو الذي يعد للشدة والضيق والرفيق هو الذي يكون بالرفيق رفيق أعلى الصراط تكون منك مودّة ... أم في المعاد تكون من خلاني إني قصدتك للشدائد فانتبه ... والأمر في الأخرى إلى الرحمن فيا سيدي ما هذا التجني والأعراض والتسخط والانقباض فبعض هذا الجفاء يا مولاي مقنع وأقل ما رأيته منك للقلب مؤلم وموجع فلا خير فيمن غير البعد قلبه ... ولا في وداد غيرته العوامل ولقد أكثرت في الالحاح والطلب وأزعجت نفسك غاية الازعاج وأتعبتها غاية التعب وحملتها ما لا تطيق وأوقعتها في أشد الضيق فإذا كان هذا الأمر سريع الفرج فلا يكن في صدرك حرج وخفض عليك فإن الأمور ... بكف الآله مقاديرها شعر غصص الحياة كثيرة ولقد ... تنسى الحوادث بعضها بعضاً ولقد بلغنا من بعض الأحباب إنك أكثرت من الملامة والعتاب فسبحان الله ما هذا القلق والاضطراب كإنما تقطعت بيننا العلائق والأسباب أم هل سمعت إنها ضاقت بنا المذاهب أم قصرت يدنا عن درك هاتيك المطالب أم أخبرت اننا على جناح سفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 أم جحدنا حقاً في قبلنا اشتهر أم عرفنا بالمطل والافلاس أم اشتهرنا بأكل أموال الناس وذكرت أن أباك وبخك على صحبتنا لهذا الأمر الخطير وعيرك بمودتنا غاية التعيير كأنه ظن أننا انتسبنا إليك لتواسينا بمالك أما علم إننا بفضل الله غنيون عن ذلك وقد اعتذرت عن ذلك بأعذار لا تقبل بناؤها أو هي من بيت العنكبوت لا يستقر لها حقيقة ولا ثبوت ولكن لما رأيتك ألححت غاية الالحاح في الطلب وأبديت ما كمن من الغضب وأظهرت من النفرة ما فيه نهاية العجب وقطعت للمودة كل سبب ورأيت أن تركنا أولى وأنسب فلذلك اقتحمت هذه الأخطار وتعللت بنسج الأعذار لأنظر انتهاء هذا الأمر وأطلع على مكنون هذا السر وأتحقق حقيقة صحبتك وأنتهي إلى نهاية مودتك فإن في هذا الباب تذكرة لأولي الألباب وفي التتبع والاستحضار تبصرة لأولي الأبصار الشيء يظهر في الوجود بضده ... لولا الحصى لم يبد فضل الجوهر ألم تر أن العقل زين لأهله ... وأن تمام العقل حسن التجارب وأن النقود تظهر ما كمن للوجود وتنقد الرجال وتترجم عن حقيقة المال وتفرق بين الصويحب والصاحب وتبين الصادق في محبته من الكاذب كما قال من جاء بالحجة البيضاء فيمن مدح عنده هل عاملته بالصفراء والبيضاء هذا والمرجو عدم المؤاخذة بما نطق به لسان اليراع وأودعه في سطور الطروس على أكمل ابداع وإن أخطأنا فالصفح من جنابكم مأمول والعذر عند أمثالكم مقبول والسلام فأجابه عنها بقوله رسالة ودّ من محب لقد أتت ... من الفضل والآداب خالصة السبك حوت حكماً أبدت نهاية فحره ... وسؤدده بين الأنام بلا شك فكم مفخر في طيها غير مفترى ... به ضاع نشر الروض والطيب والمسك وكم نطقت عتباً نشا عن ديانة ... وأفصح لوم عن سماحته تحكي مخدرة يهدي بها كل عاقل ... مهذبة تستوجب النسخ بالصك يلين لها الطبع الشديد لأنها ... محببة إذ تنتمي لذوي الملك تراكيبها محمودة فلذا غدت ... مسهلة لكنها من سنامكي فيالها من رسالة تنبئ عن قصارى أمر منشيها ومطمح نظر مبديها ومنشيها فكم أطنب فيها لنيل مناه وأبدى حكماً هي نهاية شرفه وعلاه فهي تنادي بأفصح عباره لا بالطف اشاره ظلم الذي يعزي التجار إلى العلا ... حسب التجار دفاتر الحسبان همم لهم بين النقود وصرفها ... والسعر والمكيال والميزان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 ولقد أمسكت عما به أطنبت وأغربت وأعرضت عن جواب ما أبديت وأعربت واخترت الايجاز على الاطناب لأن الوقت غير مستطاب والمحل غير قابل للخطاب على أن ترك الجواب أولى من الجواب وفي هذا القدر كفاية وفي امساك عنان اليراع صواب انتهى ومن شعر المترجم ما كتبه إلي مادحاً بقوله يا تائهاً ببديع لفظ كلامه ... وبنثر درّ من جمان نظامه وبحسن آداب ورونق منطق ... وبما حواه من ذكا أفهامه خضعت مصاقع عصره لما رأوا ... فضفاض فضل فاض من انعامه فغدا الفصيح لديه أبكم عاجزاً ... وتبين الملسان من تمتامه وانقادت الفصحاء طوع يمينه ... وغدت له منقادة بزمامه وأهاله من أروع وسميذع ... أربت فضائله على أقوامه لما رأوه فاق كل مهذب ... كل أطاع بلفظه وبهامه فاق الألى ورقى العلا بشهامة ... فغدا لعمرك شامة في شامه وإذا ثوى في مجمع أو محفل ... فتراه بدراً كاملاً بتمامه لا بدع فهو الشهم نخبة دهرنا ... وخليلنا المفضال في اعظامه نجل الكرام إلا مجدين بلا مرا ... من قد سموا كالبدر مع أنجامه ورث الفضائل كابراً عن كابر ... بل نال فخر المجد يوم فطامه من عمني من فضله بهدية ... من جوده بل من ندى انعامه يمضي الزمان ولا أقوم بشكره ... حسبي بذاك سموّه بمقامه فالله يوليه الجزاء من فضله ... ويعمه بالفيض من اكرامه وتدوم رفعته على أقرانه ... بمزيد عز شامخ بدوامه مولاي إني قد أتيتك زائراً ... ومهنئاً بالعيد في أيامه تحيا وتبقى في سرور عائداً ... في طيب عيش في مدى أعوامه ما بلبل الأفراح قام مغرّداً ... فوق الغصون الملد في ترنامه وكتب إلي يطلب مني مبراة أقلام يا سيداً حاز من كل الفنون ومن ... بديع خط كذا آلات أرقام أرجوك مولاي مبراة تساعدني ... على الكتابة في اصلاح أقلامي وكتب إلي أيضاً مرة قوله وقد عاقه المطر عن زيارتنا أيا مولى له شوقي ... ومالي عنه مصطبر مرادي أن أزوركم ... ولكن عاقني المطر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 ومثل ذلك جرى لي لما كنت في الروم حصل في بعض الأيام مطر وثلج وكان قد دعاني أحد مواليها إليه فكتبت إليه معتذراً عن الزيارة بقولي أمولاي يا شمس المحامد والبها ... ويا واحداً حاز المعالي مع الفخر إلى بابك العالي أروم زيارة ... فتمنعني الأقدار بالثلج والقطر فلا تك للداعي المرادي مؤاخذاً ... فمثلك من يعفو عن الذنب والوزر وكتب المترجم إلي أيضاً ضمن رسالة قوله أما والله يا بدر المعالي ... ومن قد جاد لي ببديع حبك ومن أولاك مكرمة ومنا ... وصير جنتي بنعيم قربك لأنت أعز من طرفي وقلبي ... فسل عما أقول شهود قلبك ويوم لا أرى ذاك المحيا ... يلوح فذاك يوم عند ربك وكان بدمشق غلام عراقي بغدادي أسفر وجهه المنير وراق رونق جماله النضير فأنشد المترجم فيه مخبراً عما في الضمير قوله أفدي عراقياً تملك مهجتي ... باهي الجمال كبدر تمّ مشرق فنحوت غرباً أبتغيه مموّهاً ... عن عاذلي والقصد نحو المشرق وأنشد فيه غيره من أدباء دمشق فمنهم السيد حسين بن حمزة الدمشقي الحسيني فقال أرنو إلى وجهك من غاية ... قصوى وأرضى بقليل النظر ويقبل الليل فيخفى سني ... وجهك عن عيني ويعشى البصر فلم ترى يخفيه وهو الذي ... من شآنه اظهار نور القمر وللمترجم في مدح باب السلام يا حبذا باب السلام فإنها ... هي جنة تجري بها الأنهار فاقت على نزه الشآم نضارة ... وبوصفها قد حارت الأفكار يترقرق الماء الزلال بها كأعم ... دة الرخام طفا عليه غبار وكأنما الأمواج حين تتابعت ... سفن جرت وتسوقها الأقدار سلسالها عند الهواء نخاله ... كالثلج يصعد قد علاه نضار يا حسنها من روضة وغصونها ... قد غرّدت من فوقها الأطيار ونسيمها وخرير صوت مياهها ... تجلي بها الأحزان والأكدار لا سيما زمن الربيع وزهره ... تهفو النفوس إليه والخطار من أمها يبغي التنزه قائل ... لو كان لي قصر بها أو دار لكنها بمكاره حفت لذا ... يأتونها في خلسة أخيار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 أنعم بها من نزهة أنست بها ال ... أحباب والخلان والسمار يا صاح عرّج نحوها مستأنساً ... ما تشتهي فيها وما تختار وزاره صاحبه الشيخ عبد الله الطرابلسي المتقدم ذكره في هذا الكتاب وذلك نهار عيد الأضحى وكان يوماً ممطراً فقال المترجم في ذلك زارنا معدن الفنون صباحاً ... فحبينا به الأماني صباحا كان عيدان من تلاقيه عيد ... وبعيد الأضحى ألا عم صباحا خلت شمساً في حيناً قد أضاءت ... أو كبدر التمام في الأفق لاحا أدهش الناظرين نور سرور ... من لقاه وجدّد الأفراحا ياله من نهار أنس منير ... قد وقينا من لطفه الأتراحا زارنا الغيث حين زار ووافى ... بسرور فأنعش الأرواحا وسحاب الهناء أمطر درّاً ... حيث حوض السرور كان طفاحا هو عبد الله المحب الذي قد ... بلغ القلب في هواه نجاحا ماجد وابن ماجد قد تسامى ... بمعان منها رأينا الفلاحا ياله من مهذب وأديب ... لم يزل طيبه لنا فوّاحا ذي نظام يفوق عقد اللآلي ... لنحور الحسان كان وشاحا ففؤادي بحبه ذو امتزاج ... وبه عنبر المحبة فاحا يا أديب الزمان لطفاً ويا من ... لفظه جوهر يفوق الصحاحا هاك أبيات مدحة من محب ... فيك بالحب قلبه قد باحا فعليها أسدل ثياب التغاضي ... ثم بالعفو كن لها مناحا ثم سامح أخاك بالصفح فضلا ... حيث ألقى لديك منه السلاحا وابق في نعمة وطيب حبور ... ما هزار في روضة قد صاحا فكتب إليه الطرابلسي المذكور الجواب بقوله مسك دارين قد شممناه فاحا ... أم خزامى أم عنبرا أم أقاحا ولآل تنظمت أم نجوم ... أم شموس ضياؤها قد لاحا وضروب الألحان ما قد سمعنا ... أم تغني طير الرياض وصاحا أم مدام قد أشرقت بكؤس ... عطرت من شميمها الأقداحا أم نظام كالدر أشرق حسنا ... فغدا للنفوس منا وشاحا من معان تفوق سحر المعاني ... ومبان تهيج الأرواحا لا عد مناك من أديب أريب ... ولبيب يجلي اللآلي الصحاحا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 صغت عقداً يفوق حلي العذارى ... أم نظاماً يبدي المعاني الصحاحا فأضاءت منها شموس المباني ... حيث أمسى نظامها وضاحا فأقبل الآن مدحة من محب ... بنظام لم يقبل الاصلاحا وابق في العز ما تغنت حمام ... حيث يبدي الهنا لك الأفراحا وكتب المترجم إلى الشيخ سعيد الجعفري الدمشقي بعد عتاب جرى بينهما لأمر كان بقوله عتابك لي أشهى من المنّ والسلوى ... لقلبي وأحلى في المذاق من الحلوى بنظم كسلك الدرّ بل هو جوهر ... يلوح على القرطاس من رصفه أضوا أرق من الصهباء في الكاس إذ صفت ... فبت بها نشوان لا أعرف الصحوا أتى من ذوي الأفضال والمجد والتقى ... وحاوي كمال السبق في العلم والتقوى فسرّحت هذا الطرف في طيّ نشره ... فدلت خوافيه عليه من الفحوى فإني وأيم الله منذ عرفتكم ... مقيم على صدق الوداد بلا دعوى وقد غرست أصل المحبة بيننا ... وغصن ثمار الود رطب فلا يذوى فلا زلت يا ذا الفضل تسمو برفعة ... تدوم مع الاقبال تحبوك ما تهوى فكتب إليه الجعفري المذكور الجواب بقوله فداؤك مني الروح ذا الفضل والتقوى ... جوابك لي أحلى من المن والسلوى بلى هو أمياه الحياة لوامق ... على رمق أبقاه بالصد من يهوى فما اللؤلؤ المنضود ما الجوهر الذي ... تنوب مناب النيرين به الأضوا وما الخمر ما برد اللمى ما عذيبه ... ترشفه الولهان من رشا أحوى بأشهى وأحلى من عذوبة لفظه ... حباني بخمار اعتذاراته الصحوا وأخبر أن الودّ ما شاب صفوه ... سلوّ ففيه القلب لا يقبل الرشوا أجل ففؤاد العاشقين محرر ... صفاء لميزان المعاملة الأقوى وما الغرّ يا بدر العلا مثل أروع ... بمضمار حسن الودّ قد أدرك الشأوا وإنك في العيوق عندي رفعة ... ولا غرو إذ حزت العلا أنت لا غروا وإني يا خدن المودّة جازم ... بأنك في ذا الود ذو الرتبة القصوى وإني ما أثبت أمراً مخيلاً ... وإن يك ذا فالآن أستجلب العفوا بلى إنني بادرت للمنهج الذي ... نهجت على التحقيق ما كان ذا سهوا وحاولتكم حسن التقاضي وللادا ... بحسن لقد طالبت نفسي بالنجوى فدم في ذرا العز المؤبد راقيا ... تقرطق آذان الفهوم بما تهوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وجاء تاريخها نال الرضى مكي ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى. مصطفى القنيطري ابن أبي بكر بن أبي بكر بن عبد الباقي المعروف بالقنيطري الحنفي البعلي الأصل ولد بدمشق في سنة احدى ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على قريبه الشيخ أبي المواهب والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ أحمد الغزي والشيخ محمد الحبال والشيخ عبد الغني النابلسي أخذ عنهم وأجازوه وكان له أدب ومعرفة عطاردي الطالع أظهر البدائع من كل صناعة وكان حظه قليلاً وبالجملة فقد كان من الأدباء المفننين وله شعر ومن شعره قوله في الورد قد سألنا الورود حين نزلنا ... روضها والزهور ضاع شذاها فلماذا كتمتم العرف عنا ... قبل نيل الشفاه منكم شفاها فأجابوا لو دّنا القرب منها ... قد فرشنا الخدود ثم الجباها وكتمنا العبير في الغصن شوقا ... لتنال النفوس منكم مناها وفي ذلك للشيخ سعدي العمري قوله وروض طوى عرف الأحبة غيرة ... عليه فنمت بالزهور الشمائل وما زال عني الورد يطوي حديثهم ... إلى أن رمته بالأكف الأنامل وقوله أيضاً صن سرّ من والاك بين الورى ... دون الورى رعياً لحق الصديق فالروض في الورد طوى عرفه ... دون الأزاهير لأجل الشقيق وفي ذلك قول الشيخ أحمد المنيني صن عرف فضلك عن صديق ناقص ... كيلا يصير من الخجالة في وجل فالورد بين الزهر أخفى عرفه ... خوفاً على غصن الشقيق من الخجل وفي ذلك قول المولى أحمد علي الرومي أحد الموالي الرومية اظهار جهل المرء من ... خل شقيق لا يليق فاكتم كمالك إن عرا ... في مجلس منه الصديق فالورد يكتم عرفه ... عن أن ينمّ به الشقيق وفي ذلك أيضاً للشيخ محمد بن الأمير الدمشقي سألت من الورد الجني الغض عندما ... رأيت زهور الروض تزهو على الرند أعرفك هذا ضاع في الروض قال بل ... أعرت زهور الروض بعض الذي عندي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 وممن انشد في ذلك الشيخ سعيد السمان فقال سألنا ورود الروض حين ورودنا ... حماها لماذا النشر عنا طويتم فقالوا طوينا عرفه خشية الصبا ... إذا ما سرت فيه تنم عليكم وقوله ألا قل لمن أودعته السر في الورى ... يكتمه عن صنوه وصديقه ألم تر أن الورد يكتم في الربا ... شداه ولم يسمح به لشقيقه وكانت وفاة المترجم في شعبان سنة ستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى والقنيطري نسبة إلى القنيطرة وهي تكية ناحية تركمان بناها لا لامصطفى باشا رحمه الله تعالى. السيد مصطفى العلواني ابن إبراهيم بن حسن بن أويس المعروف بالأويسي العلواني الشافعي الحموي نزيل دمشق أحد الأفاضل كان أديباً بارعاً ناثراً ناظماً كاتباً لوذعياً ألمعياً له الحسب والنسب محرزاً دقائق الكمالات جانياً ثمرات الفضائل والمعارف ولد بحماه سنة ثمان ومائة وألف كما أخبرني ونشأ في حجر والده وقرأ عليه وبه تخرج في فن العربية والأدب وقراءة القرآن وحمله على طلب العلم ونزل بمدرسة الباذرائية واشتغل بقراءة العلوم على أفاضل دمشق فمنهم الشيخ إسمعيل العجلوني وأخذ عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ولازمه في الدروس وأخذ عن الشيخ عبد الله البصروي وعن الشيخ محمد العجلوني وعن الشيخ عبد السلام الكاملي ونظم الشعر والانشاء البليغ مع خط حسن باهر متناسق وشرف نفس وكان ملازم السكون في خلوته وارتحل إلى الروم مرات متعددة وعاد ببعضها متقلداً نقابة بلدته حماه وعزل منها ثم عاد إلى الروم لقضاء ما فات وبلوغ المرام وآخر أمره أن جعل دمشق مأواه وسكنه وكان في السوداء متسماً بغاية لا تدرك وكان والدي يحبه وهو من أصدقائه وكتب لوالدي عدة كتب بخطه وأجازني بمروياته عن شيوخه واجازة خاصة بخطه وأجازني بمنظومته التي نظمها بطريق التوسل بأسمائه الحسنى جل وعلا وبأسمائه صلى الله عليه وسلم وأخبرني أنه اجتمع بالجد الكبير الأستاذ الشيخ مراد الحسيني قدس سره حين ارتحاله إلى الديار الرومية في سنة تسع عشرة بعد المائة وأخبرني أنه لما ذهب به ولاده إلى الجد وكان الجد مستقبل القبلة بعد اتمام صلاة ذلك الوقت فلما رآه الجد دعا له ولمس ظهره بكفه وكان المترجم من العلماء الأفاضل البارعين بفنون الأدب وغيره وشعره عليه طلاوة فمن شعره قوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 أشرف الأنبياء يا نقطة الكو ... ن ومبنى هذا الوجود العجيب يا رسولاً آياته قد أذابت ... من ظلام الأهواء كل مريب يا عزيزاً على الآله وفي فص ... ل القضا المستبدّ بالتقريب أنت باب الآله من يأت من أع ... تابه نال غاية المرغوب أنت أنت الملاذ إن أفظع الكر ... ب ومدّت للفتك أيدي الخطوب أنت ملجأ المؤملين فكم من ... ك أنيخ الرجا بواد عشيب أنت ذخر الضعيف أن يخش عند ال ... بعث والحشر هول يوم عصيب يا شفيعاً هناك إذ يوقع الأن ... فس في المزعجات كرب الذنوب يا كريماً حياً العطاش على الحو ... ض إذا ما أتوا بأعذب شوب كيف يخشى وقع الحوادث عند ... منك قد لاذ بالجناب الرحيب فأغثني وكن مجيري فإني ... منك للبرّ صرت أيّ رقيب مع أني إلى علاك تشفع ... ت بصدّيقك الحليم المهيب وأبي حفص الذي وافق القر ... آن منه لخير رأى مصيب وابن عفان ذي الحياء شهيد ... الدار ظلماً بدون شك وريب وعليّ ليث الحروب أبي السب ... طين زوج البتول باب الغبوب وبأصحابك الهداة الألى من ... ك لقد أتحفوا بأكمل سيب وبأتباعهم ذوي الذبّ عن هد ... يك كيلا يغشاه شوب كذوب وخصوصاً منهم هداة اجتهاد ... قد أذابوا فيه سويدا القلوب بابن ادريس الذي منك أدنت ... هـ لعمري قرابة التعصيب والمرقى أبي حنيفة عالي ال ... كعب في نيل أشرف المطلوب وامام المدينة الحبر حقا ... مالك الشرع حائز التقريب والزكيّ التقيّ أحمد من في ال ... علم قد حاز كل فن غريب وعليك الصلاة يا خاتم الرس ... ل وأعلى معظم وحبيب ما توالى من مصطفى بن أويس ... لك مدح مع سح دمع سكوب يرتجي منك فيه ابلاغ حاج ... هي فيما يرضيك ذات ضروب وله عند خروج الحاج متوجهاً نحو طيبة الطيبة على ساكنها الصلاة والسلام ظن أن القلب عنه سلا ... رشأ أغرى بنا المقلا كبدي لحظاه كم جرحا ... وكمثلى كم فتى قتلا فعلا فعلاً بمهجته ... بعضه هاروت ما فعلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 بفتور الجفن كم تركا ... عاشقاً بين الورى مثلا فتنا الألباب من دعج ... بسواه قط ما اكتحلا كم أمالا الصب عن أمل ... يرتجيه بائساً خجلا حرساً ورد الخدود فلم ... نر صبا نحوه وصلا وإذا ناما فإن له ... حارساً في الصدغ ما غفلا ويح مضناه فليس على ... ما سوى أحزانه حصلا فيه كم أصبحت ذا كلف ... متلف طفلاً ومكتهلا حيث يمسي مبرداً كبدي ... دمع عين ظل منهملا أرقب الأفلاك منتظرا ... لصباح ينتج الأملا وعذول جاء يؤلمني ... بملام عنه ما عدلا قائلاً خفض على كبد ... في الهوى قد أكسب العللا فأنادي خل عن عذلي ... فلي التعذيب فيه حلا وافتضاحي في هواه أرى ... حسناً والذل محتملا من يقل تهواه قلت نعم ... أو يقل تسلوه قلت بلى في هواه رق لي غزلي ... بعد أن لم أعرف الغزلا ولعمري سوف يبصرني ... عن غرامي فيه مشتغلا بامتداحي من ببعثته ... لجميع الأنبيا فضلا شرّف الله الوجود به ... وكذا الأملاك والرسلا كل خير في الوجود فمن ... يمنه حقاً لقد وصلا رحمة عمّ الوجود فما ... أحد عنه تراه خلا قد أبان الحق مبعثه ... حيث ظل الشرك عنه جلا كامل ما مثله أحد ... كل وصف فيه قد كملا إن مدح الخلق قاطبة ... دون علياً مدحه سفلا ليس يحصى الناس كلهم ... ما عليه خلقه اشتملا إن عجز المرء عن جمل ... من معالي عزه جملا فاعترف بالعجز يا لسنا ... وتذلل واترك الجدلا أن يقس بالرسل أجمعهم ... فهو حقاً خيرهم رجلا وهم نوّابه ولهم ... نظر منه لقد شملا ونبياً كان حين بدا ... آدم في الطين منجدلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 نوره الرحمن أوجده ... قبل خلق للسوى أزلا ثم لما شمسه ظهرت ... عنه كل العالم انفصلا ثم تم السعد حين بدا ... خاتماً للرسل واكتملا وتحدّى فاهتدى رجل ... فائز وارتاب من خذلا ثم ما قد جاء فيه لنا ... كله والله قد نقلا وكتاب الله أكبر ما ... جاءنا فيه بنا اتصلا فهو أسنى نعمة ظهرت ... فضلها والله ما جهلا وهو باب الله أيّ فتى ... من سواه جاء ما دخلا يا نبياً جاء يرشدنا ... للهدى إذ أوضح السبلا يا رسولاً مدحه أبدا ... هو أولى ما به اشتغلا قد مددت الكف ملتمسا ... منك معروفاً ومبتهلا يا كريماً لم يردّ لمن ... سال الاحسان قط بلا يا منيلاً برّه أبدا ... لمن استجدى ومن سالا حمل الأحباب نحوك من ... بعد والعبد ما حملا بل تبقى في دمشق لدى ... أيّ سقم فيه قد نزلا لبس الأحزان فهي له ... كغشاء فوقه انسدلا فاغتدى يذري الدموع أسى ... راجياً أن يبلغ الأملا ويرى الأعتاب ملتثما ... تربها والدمع قد هطلا فأجرني آخذاً بيدي ... وقل المرجوّ قد حصلا وصلاة الله واصلة ... لك ما غيث السما انهملا مع سلام لا يزال على ... ربعك المعمور متصلا والرضا عن صاحبيك فكم ... مهجة في الله قد بذلا وهما الصديق سيدنا ... وكذا الفاروق من عدلا ثم ذي النورين خير فتى ... بجلابيب الحيا اشتملا وعليّ باب كل هدى ... منك للأحباب قد وصلا وكذا الأصحاب أجمعهم ... مع جميع الآل خير ملا وبهم يرجو الاغاثة من ... كربه عبد غدا وجلا مصطفى الويسيّ مرتجياً ... بهم أن يحسن العملا ويرى عقبى الأمور إلى ... فرج آلت وما انخذلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وله أيضاً ربع الأحبة بالأنداء حييتا ... وما بقى الفلك الدوّار أبقيتا لله أوقات أنس قد سمحت بها ... بذلت فيها من السرّاء ماشيتا حيث الرياض إذا أزهارها ضحكت ... بكى الغمام فظل الصبّ مبهوتا حيث المطوّق والقمري قد ضمنا ... أن يسكت الناي تغريداً وتصويتا والسلسبيل إذا ما قيل صفه غدا ... عن بعض أوصافه المكثار سكيتا أكرم به ولجين الماء فيه جرى ... فكم يرى غامراً من عسجد حوتا ومنها حملت من زمني ما لو تحمل من ... أمثاله جبل لا ندك تفتيتا ولم أكن وشبابي الغض مقتبل ... لحمل أصغر احدى الذرّ صفتيتا أخالني زمني شلت يداه لدى ... شيبي ووهني قد حوّلت عفريتا وإنّ مما به دهري يكافحني ... ولم يزل سيف هذا الدهر أصليتا داءين بعدك عن عيني أشدّهما ... ثانيهما السقم من داءيّ عوفيتا إلى آخرها وله أيضاً كلانا غنى عن أخيه بربه ... وحفظ الأخا يأبى التقاطع والهجرا إذا دار أمر المرء بين تقاطع ... وصدق وداد كان ثانيهما الأحرى وليس الذي يبدا بصدع زجاجة ال ... حشا كالذي يبدا بما يجبر الكسرا وإن كنت بالثاني اتصفت فإنها ... صفاتك بي قد أثرت ذلك الأمرا وإن منك يبدو أوّل فمن السوى ... أتاك فجدّد في تجنبه الطهرا لأنك من بيت زكيّ صفاتهم ... لقد عطرت من نشرها البر والبحرا وإن نزغ الشيطان ما بيننا فقد ... أنال بني يعقوب من نزغه شرّا وله معاتباً بعض الأشراف أيها المعرض عني ... ما الذي أوجب صدّك وبماذا لا أراني ... مكرماً بالله عندك ألصدق في وداد ... لك قد أخلص وحدك أم لنطقي في ثناء ... هو لا يبلغ مجدك أم لسعيي بالذي أر ... ضي به في الحشر جدّك أم لغرسي في سويدا ... ء الحشا تالله ودّك فبجدّيك ابن لي ... ما به أعرف قصدك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 أفهذا حال محسو ... ب قد استوثق ودّك انما الكيس بأن تن ... جز للداعين وعدك وتوالى من أيادي ... ك على الراجين رفدك فبذا والعفو عمن ... قد جنى تقمع ضدّك فبمن بالفضل مولا ... ي وبالعز أمدّك وبمن أسعد بالعل ... ياء والنعماء جدّك وإذا اخترت بعادي ... فأنا أكره بعدك عميت عيناي إن قرّ ... ت برؤيا الغير بعدك وله من قصيدة غنت على الدوح البلابل ... سحراً فهيجت البلابل فسرى النسيم مؤدياً ... نشراً له قد جاء حامل فبلطفه قد ماس غص ... ن البان كالنشوان مائل وبروحه أحيا فؤا ... داً جسمه بالبعد ناحل وتفتقت أكمام ور ... د عز عن قطف الأنامل جادت عليه السحب بالأن ... داء إذ بانت هوامل فكأن ذلك لؤلؤ ... في أكؤس المرجان حاصل أو أنه ماء الحيا ... ة على عقيق الثغر جائل أو وجنة حمراء قد ... عرقت حياء من مواصل والروض تصفق فيه أغ ... صان تشبب بالشمائل وأدار فينا الراح مع ... شوق بخمر الدلّ ثامل خصر اللمى عذب المقب ... ل في ثياب الحسن رافل يروى مسلسل ريقه ... عن كوثر للثغر ناقل إن اللحاظ بسيفها ال ... فتاك أنست سحر بابل قد أسكرتنا دون خم ... ر منه هاتيك الشمائل فانهض أخيّ إلى الريا ... ض عساك أن تحظى بطاتل واشفع صبوحك بالغبو ... ق وصل غدوّك بالأصائل لا يشغلنك يا أخا ال ... ذات عن ذا الأنس شاغل إلا امتداحك سيداً ... قرّت به عين الفضائل الخ وله يمدح عبد الله باشا الجشنجي أمير دمشق ويشكو الفتن الواقعة فيها إذ ذاك بقوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 عركتنا عرك الأديم الكروب ... وبسهم الردى رمتنا الخطوب فاختلاف شق العصا باتفاق ... فيه حمقى حجاهم مسلوب أقسم السيف لا يقرّ بجفن ... دون كشف عما تسر القلوب جرّدته يد عن الخير شلا ... ء وفي الشرّ بطشها مرهوب فاصطبحنا من ذاك كأس ارتياع ... واغتبقنا ما الجسم منه يذوب فلصدر الشريف منا زفير ... ولقلب التقيّ فينا وجيب وعلمنا بأنّ لله لطفاً ... من إليه التجي فليس يخيب فابتهلنا إليه نضرع بالشك ... وى ونبكي فهو القريب المجيب فتجلت سحائب الخوف عن شم ... س من الأمن لا تكاد تغيب وأظلت دمشق رايات من أن ... قصد النجم فهو منه قريب الوزير الكبير من رأيه الثا ... قب في المعضل السديد المصيب كم له من يد لدى الحرب بيضا ... ء إذا ما اكفهرّ يوم عصيب يتلقى الجموع منه هزبر ... صدره في الوغى فسيح رحيب ضاحك الثغر بادي البشر منه ... حيث للحرب يقرع الظنبوب ثابت الجاش إذ تطيش المواضي ... في مقام به الرضيع يشيب صحبته طفلاً وكهلاً وكم أثر ... وصفا في الصاحب المصحوب فإذا جرّد اليمانيّ أو هز ... الردينيّ منه زند صليب فرّق الجمع مثل تفريق أحوى ال ... عصف في البيد فرّقته الجنوب جاء والشام سيف ذي البغى فيها ... مصلت من دم المطيع خضيب وعليها أخنى الزمان وقد أج ... دب من فيحها المكان الخصيب فحبت نار ذلك البغى حتى ... أصبحت لا يشام منها لهيب وتعرّت جموعها عن فراق ... ما لجمع التصحيح منه نصيب فثغور الشآم تفترّ بشراً ... وببيت الطعام يعلو النحيب وترى الأرض وهي مخضرّة الأر ... جا سقاها الحيا الغمام السكوب وذراها الفسيح لم يلف فيه ... منذ حل الوزير أرض جدوب فعلى دوحها بشكر عليه ... وثناء قد غرّد العندليب وأقمنا وللسان مجال ... بثناء يذكو شذا ويطيب يصبح النطق قاصراً إنّ تقصي ... ر ذوي النطق فيه أمر غريب فهلموا معاشر الفصحاء ال ... لسن للشكر جملة وأجيبوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 فعسى اليوم أن يؤدي لعبد الله ... حق أداؤه مطلوب صانه الله من وزير به الحق ... إلى الكامل المحق يؤب وبه الباطل اضمحل كأهلي ... هـ فتعسا لهم إذا لم يتوبوا إن مدحاً لبعض أوصافه الغرّ لأ ... مر يحار فيه اللبيب أفمثلي بمثل هذي القوافي ... غرض القصد في المديح يصيب وأنا مثقل بما قرّح القل ... ب من الدهر بل حزين كئيب وإذا ما عجزت كانت معالي ... هـ عليه بالمدح عني تنوب إنّ من قد أقرّ عين المعالي ... دهره بالثنا عليه الخطيب دام للمجد غرّة ولوجه ال ... جدّ نوراً سناه ليس يغيب ما تغنت في الروض ورق وما هب ... نسيم فاهتز غصن رطيب وله مؤرخاً تعمير جامع دمشق بعد انهدامه بالزلازل ومادحاً لجناب الوالد وكان إذ ذاك مفتي الشام في سنة ألف ومائة وأربع وسبعين لك لا لغيرك للعلا استعداد ... فلذا برمتها إليك تقاد وإذا تعرّض من سواك لنيلها ... أضحى وعنها لأطردت يذاد فأفخر فإنك يا عليّ ورثتها ... من علية حازوا الفخار وسادوا وبمحتد الشرف الرفيع تبوّؤا ... شأوا لأدناه السها يرتاد ضموا إليه معارفاً وفضائلاً ... وسموا بذاك فكلهم أمجاد ظلوا الهداة بفارس وبهديهم ... في الشام ظلت تهتدي العباد وإليهم في كل خطب فادح ... يلجأ فيصدر بالمنى الورّاد لو في الثريا العلم كان لناله ... منهم رجال فهمهم وقاد وحويت كل مزية فيهم ولا ... تنفك من شيم علت تزداد إن أنفذ العدّ المكارم في امرئ ... فلغير وصفك ينفد التعداد مهما تقلب فيه من شيم العلا ... فجميعه مستحسن وسداد وما تحرّره بفهم ثاقب ... أبداً سلمت تسلم النقاد يا أيها الساري يحثّ ركابه ... طلاع أنجد حثه استرشاد يمم ذراه تجده طود معارف ... ظلت لديه تواضع الأطواد وافتح به من معضلاتك ما غدا ... مستغلقاً ينحلّ منه صفاد هذا وضمّ إلى العلوم خلائقاً ... وعن الصبا يروى لها اسناد إن أخلف المزن البلاد فكفه ... فياضة منها يسحّ عهاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 يسمو بهمته الرفيعة إنه ... يقفو به في الذاهبين جواد ولسعده فيما يروم تفرّد ... فيه يظلّ يساعد الأسعاد من قبله الأمويّ ولي معشر ... ذهبوا فمنه وهي ودك عماد لم تسم همة من تقدمه إلى ... ترميم شيء بل أبيد وبادوا فألمّ فيه وظلّ يصلح بعض ما ... فيه تبدد طارف وتلاد حتى وهي الزلزال فانهارت به ... سقف وأعمدة وطمّ فساد فنمى الحديث إلى الخليفة من له ... خضع البرية كلهم وانقادوا ظل الآله بأرضه من أصبحت ... للخوف منه تضاءل الآساد فاهتمّ في تحرير ما قد جاء في ... فضل الشآم بذاله الاسناد وأشار في تاريخ تعمير لجا ... معها الرفيع به الثنا يزداد فأجابه فضلاؤها لمراده ... راجين منه قبوله وأجادوا وبهم تشبه ذا الضعيف وإن يكن ... عن شأو فضلهم له أبعاد فأتى ببيت كامل تاريخ ما ... يحلو به للسامع الانشاد أموي جلق إن هوى بزلازل ... فبمصطفى الملك المجيد يشاد 57 133 51 21 77 311 1 - 21 88 315 سنة 1174 وله مادحاً لجناب أسعد أفندي قاضي العساكر الروم إيلية في قسطنطينية ألا كل ما يختار من مهجتي وقف ... عليه فعما لست أسمعه كفوا فيا ربما أغرى المتيم لائم ... فأصبح مشغوفاً بما دونه الحتف بروحي غزالاً صاد قلبي بما غدت ... تمد من الاشراك أهدابه الوطف غفا عن مراد الصب يلهو بدله ... خلياً وأجفان المتيم لا تغفو لقد كان لي جسم يقلبه الآسى ... على جمرات بات يضرمها الضعف وعهدي بأن القلب بين جوانحي ... ومأموله من ذلك الرشا العطف فلم يبق لي إلا تتابع زفرة ... تلت مثلها أخرى وأعقبها ألف ودمع مشوب بالدما ظل هاملاً ... على صفحات الخد أو مدمع صرف خليليّ ما بذل المتيم روحه ... عزيزاً وما أحلاه إن رضى الخشف فقولاً لمن قد أكثر العذل جاهلاً ... بحال الهوى أقصر جفا فمك الحرف سلوّى محال عنه ما دام ينتمي ... لأخلاق من جلت فضائله اللطف همام لو أن الدهر جاد بمثله ... لما انحصرت فيه المعارف والعرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 له راحة في لثمها كل راحة ... وكف بها وقع النوائب بنكف فتى حليت أسماعنا بصفاته ... ففي كل أذن من محاسنها شنف تأرجت الأرجاء من طيب نشرها ... وفي كل قطر فاج قطر بها عرف وله مادحاً جناب السيد سعيد أفندي ابن المرحوم شيخ ميرزا زاده قلب له بين الضلوع خفوق ... عن حمل أعباء البعاد يضيق ما زال يذكر من دمشق مسرة ... تصفو مناهل أنسها وتروق جاد الحيا منها رياضاً قد حلا ... فيها اصطباح مؤنس وغبوق ما ثم إلا نرجس أو وجنة ... للورد كللها الندى وشقيق وتطارح الآداب بين أحبة ... كل بساحر لفظه منطيق أخلاقهم تحكي النسيم لطافة ... وكأنّ أفهام الجميع بروق نيطت بأجياد البلاغة منهم ... درر فرائد نظمهن نسيق طابت مجالس أنسهم فكأنها ... دارين يعبق مسكها المسحوق ما زال يحسدني الزمان عليهم ... وأنا بأسهم كيده مرشوق حتى غدت أيدي الفراق تقودني ... لتحيط بي من بعد ذاك فروق بلد بها عز الخلافة مانع ... عن أن ينال مرامه مخلوق ما لم يكن عضداً له ذو همة ... عليا بعيني سؤدد مرموق وكأنني بالمبتغي متيسراً ... مفت به المجد الأثيل حقيق فرد المعارف والمكارم من له ... أصل بفعل المكرمات عريق من شب في حجر الفضائل والتقى ... يسمو على كل الورى ويفوق من لا يزال يجول في أفكاره ... فهم لتنقيح العلوم دقيق ويسوقه لمكارم الأخلاق أن ... يختارها ويحبها التوفيق من ليس مثل أبيه بين مشايخ ... الاسلام بالمجد الرفيع خليق فرد مضى لسبيله وكأنه ... فيما أكنّ من التقى الصديق إن رمت تدري هديه فانظر إلى ... هدى ابنه يبدو لك التحقيق فهو السعيد بنيل كل فضيلة ... يقفو بها نهج السداد طريق تالله لي فيه أكيد محبة ... عقدي عليها في الفؤاد وثيق يا خير من منه لمن يرجوه في ... حاجاته وجه النجاح طليق ما خاب مثلي في المجئ لبلدة ... ولها بمثلك بهجة وشروق فاسعف أخا ثقة بجاهك إنه ... وافاك ملهوفاً وأنت شفيق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 لا زلت للمرجوّ خير مؤمّل ... ما ماس غصن في الرياض وريق وله أيضاً وقد كتبها إلى فتحي أفندي الدفتري هبّ النسيم فللصبوح فهاته ... وأدره ممزوجاً بريق شفاته سيال ياقوت حكى أو ذائباً ... من خالص الابريز في كاساته يصفو عن الأكدار راشف كأسه ... كصفائه عنها لدى حاناته هات أسقنيه والهزار مردّد ... في الروضة الغنا فصيح لغاته وأصخ إلى الناي الرخيم ممازجاً ... للعود والسنطير في دقاته في روضة عبث الصبا من غصنها ال ... ممشوق منه القدّ في عذباته قد كاد يحكي في الملاحة قدّ من ... تهوى لو أن البدر من ثمراته إنّ احمرار الورد فيها خجلة ... من نرجس يرنو إلى وجناته يحظى بصرف همومه في ضمنها ... من يصرف الدينار في لذاته هذا هو الأنس الذي من ناله ... يسهو عن المكروه من أوقاته كم شنّ غارات عليّ وقلما ... أمسى خليّ البال من غاراته حسدتني الأيام إذ أنا ساحب ... ذيل التنعم في فضا ساحاته وأسرّح الطرف المقرّح جفنه ... من بعد مس البعد في جناته في قصره السامي الذي قصر الهنا ... وجميع ما يهوى على غرفاته لله ذاك السلسبيل وقد غدا ... يجري لجين الماء فوق صفاته ما زال وارده يرد عليه من ... ماء الحياة به لذيذ حياته عذبت موارده عذوبة طبع من ... شاد المكارم في ذرى جنباته من ضم للمجد الأثيل معالياً ... قعساء غرّاً نالها من ذاته ذو مجلس جمع المفاخر كلها ... لكنّ أنس النفس بعض صفاته فيه من الأدباء خير عصابة ... يحشون سمعهم بدرّ نكاته وأباح كيس المكرمات لأنه ... يتلو عليه الفتح من آياته كم جاس موقف شدّة لم يثنه ... أو يثني الجوّاس بيض ظباته سل عمراً المشهور عن اقدامه ... واسأل ليوث الغاب عن عزماته قد نال كل الجدّ في حركاته ... وخلا مع التدبير في سكناته نظمت في سمط القريض فرائداً ... منها تعلق في طلي أبياته فأنا لذاك وإن أكن عن ذاته ... ناء فلي أنس بقرب صفاته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 وحياته لو لم امتع خاطري ... فيها لمتّ من الآسى وحياته فالعبد بعد فراقه لفراقه ... متفتت الأكباد من زفراته لا زال ذاك الربع مغموراً بما ... يسدي إليه الله من بركاته وله من قصيدة امتدح بها والدي عند ختم درس الهداية بالسليمانية مطلعها ملأ الوفاض من القلوب وفاضا ... فضل غدوت لدرسه تتقاضى أحبب بعلم حث ريش البحث في ... ما لم يجئ فيه النبئ وهاضا ألقاه عن فهم توقد فطنة ... من لا يزال إلى العلا نهاضا بكر إليه تجد لديه مباحثاً ... في الفقه كادت أن تكون رياضا وترى الشفا من داء جهل بل ترى ... إن جئت مجلسه الشفا وعياضا أبحاثه لم تبق في جفن الهدى ... بهداية يعني بها أغماضا إن يبد صاحب بدعة حججا على ... ما يدعيه يرى لها دحاضا هو جوهر في الفضل فرد والسوى ... أن قوبات فيه غدت أعراضا كم قد أفاق سهام فهم ثاقب ... عند الجدال فأنفذ الأغراضا ما أن يرى عما يباين شرعة ... لنبينا خير الورى يتغاضى بل لا يزال إلى إزالة ما به ... في الشرع بعض حزازة ركاضا ومن شعره يا منكراً حركاتنا في حب من ... أفديه من بين الأنام بروحي هو قد أصاب حشاي سيف لحاظه ... حتى أضر بقلبي المقروح ذبح الفؤاد وليس ينكر ذو حجى ... أن تصدر الحركات من مذبوح وله أيضاً بانخفاض وغربة يرتقي الحر ... العلا راغماً لأنف الأعادي إنما المرء من تغرب أضحى ... عقد درّ يناط في الأجياد وهو من قول ابن قلاقس سافر إذا حاولت قدراً ... سار الهلال فصار بدرا والماء يكسب ما جرى ... طيباً ويخبث ما استقرا وممن مدح الغربة وذم الاقامة في دار الهوان الأديب الحكيم الأندلسي حيث قال إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العالمين أقاربي وأنشد الآخر ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان غير الميّ والوتد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثى له أحد وللطغرائي من قصيدته المشهورة إن العلا حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث إن العز بالنقل لو كان في شرف المأوى بلوغ مني ... لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل وللشيخ محمد المناشيري الدمشقي كثرة المكث في الأماكن ذل ... فاغتنم بعدها ولا تتأنس أوّل الماء في الغدير زلال ... فإذا طال مكثه يتدنس وهو من قول البديع الهمذاني الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وقال أبو فراس إذا لم أجد في بلدة ما أريده ... فعندي لأخرى عزمة وركاب وأنشد الآخر وربما كان ذل المرء في بلد ... لعزه في بلاد غيرها سببا وقال بعضهم ليس الرحيل إلى كسب العلا سفراً ... بل المقام على ذل هو السفر وأنشد بعضهم والمرء ليس ببالغ في أرضه ... كالصقر ليس بصائد في وكره وكتب صاحب الترجمة لبعض أحبابه مرارة اليأس أحلى في المروءة من ... حلاوة الوعد إن يمزج بتسويف فاختر فديتك للداعي أحبهما ... إليك لا زلت تسدي كل معروف وله غير ذلك أشياء كثيرة ولم تطل مدته وكان من أفاضل أهل عصره يغلب عليه حب العزلة والامتناع عن مخالطة الناس حتى لزم في آخر أمره السكنى في حجرة في مدرسة الوزير إسمعيل باشا الكائنة بسوق الخياطين تتردد إليه الطلبة للقراءة عليه والأخذ عنه وكتب بخطه الحسن المضبوط عدة من الكتب ولما توفي السيد محمد سعيد السواري خادم المحيا ومدرس المدرسة المزبورة وجه التدريس المرقوم على صاحب الترجمة فدرس إلى وفاته وكانت وفاته بكرة يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى رحمة واسعة. مصطفى اللقيمي ابن أحمد بن محمد بن سلامة بن محمد بن علي بن صلاح الدين المعروف باللقيمي الشافعي الدمياطي نزيل دمشق الشيخ العالم الفاضل الفرضي الحيسوب الكامل الأديب الناظم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 الجهبذ النقاد العابد التقي الماجد الأوحد الزاهد العفيف ولد بدمياط في ربيع الأول ليلة الجمعة بين العشائين سنة خمس ومائة وألف وبها نشأ في كنف والده مع أخويه العالم الأديب الشيخ محمد سعيد والأديب المتقن الشيخ عثمان وعليه تخرجوا في سائر الفنون والمترجم أيضاً أخذ وقرأ على جده لأمه العلامة الشيخ محمد الدمياطي الشهير بالبدر وابن الميت من أنواع العلوم وبه تخرج ومنه انتفع وحج مع والده إلى البيت الحرام وأخذ بالحرمين عن العلماء السراة كالشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ الوليدي وفي المدينة عن أبي الطيب المغربي أحد المشاهير من المحدثين وقرأ وأخذ عن علماء مصر ودمياط ودمشق وبيت المقدس واستجاز منهم وعمته نفحاتهم وكان يتعاطى المناسخات والمقاسمات بالفرائض والحساب وكان ذا زهد وعفة وديانة وكان يختم في رمضان كل يوم وليلة ختمة وكان على قدم صدق عظيم من التهجد وله من التآليف الرحلة المسماة بموانح الأنس بالرحلة لوادي القدس تحتوي على فوائد ونكت واختصر كتاب الأنس الجليل في زيارة بيت المقدس والخليل وشرح ورد الأستاذ شيخه الصديقي البكري وله التوصل في شرح الصدر بالتوسل بأهل بدر وله رسائل كثيرة في الحساب والفرائض مشهورة وله ديوان شعر جمعه وسماه تحائف تحرير اليراعة بلطائف تقرير البراعة وكانت له اليد الطولى في الأدب ونظم الشعر وعمل التاريخ على سبيل الارتجال وله رسائل أدبية وتحريرات مفيدة غير أنه كان رحمه الله تعالى مطوياً في راحة الدهر يوم كجمعة وجمعة كشهر وبالجملة فقد كان من أفراد دهره وعصره ومن شعره الرائق قوله سقى سفح قاسون السحائب بالوكف ... وحياه من فوح الصبا فائح العرف وغنت به الورقاء تشجي بصوتها ... فتغنى بمغناها عن الجنك والدف تروح وتغدو للسرور هواتفاً ... لتروي أحاديث المسرّة والعطف جمال كمال منه لاح ضياؤه ... وفاضت به الأنوار سامية الوصف زها حسنه الزاهي بحسن مشاهد ... هي الشمس لكن قد تحامت عن الكسف معاهد أنوار موائد رحمة ... موارد أمداد حوت أطيب الرشف سرينا على طرف اشتياق نؤمه ... لنسقى كؤس البشر من خمره الصرف صعدنا إليه كي نفوز بأنسه ... فنادى منادي الأنس فأووا إلى الكهف فروض حماه زاهر بمسرة ... وفيه ثمار الأنس يانعة القطف سما بأناس جاء في الذكر مدحهم ... وحفتهم أيدي العناية باللطف هم فتية قد آمنوا بالههم ... فزادهم هدياً بنور سنا الكشف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 نزلنا لديهم نرتجي من نوالهم ... موانح أسرار لسقم الهوى تشفي فوافى بشير بالهناء مبشراً ... لحسن قبول قد تسامى بلا صرف ومنح فيوض من سحاب سمائهم ... بأمداد فضل وبله دائم الوكف فلا بدع إن وافى السرور لأسعد ... بمدح كرام سرهم للسوى ينفي فأهديهم مني السلام تحية ... بمسك ختام عطره جل عن وصف تغاديهم ماسح بالسفح أدمع ... وما مستجير جاء يأوى إلى الكهف وقوله شط النوى بأحبتي فجفوني ... فتواصلت بالمرسلات جفوني وتصاعدت نار الجوى بجوانحي ... والنوم من شوقي جفته عيوني لولا فراق أحبتي وبعادهم ... ما بت أروى لوعة المحزون أبغى السرى والعيس عز مسيرها ... والطرق سدّت عن فتى مسجون يا جيرة طال اغترابي عنهم ... عنكم رحلت بصفقة المغبون وسريت أقطع للبلاد سياحة ... بمهامه رجلاً وفوق متون فظننت صحبي يحفظون مودّتي ... بعدي فحابت في الصحاب ظنوني ودّعتهم أرجو اتصال رسائل ... منهم فلم يجد الرجا ودعوني لم يكفهم هذا التناسي والجفا ... حتى قلوني بالجفا وسلوني كم أحتسي منهم سلاف ملامة ... في ذوقها رشف لكأس منون خلوا الملام على البعيد ببعده ... ودعوا شؤنكم لكم وشؤني وجدي سما شوقي نما دمعي هما ... نومي انتفى صبري اختفى بفنوني عطفاً جميلاً وابعثوا برسالة ... تشفى الفؤاد وبالوصال عدوني ودعوا التمادي في الوعود تفضلا ... فلقد قضيت من البعاد ديوني وقوله أيضاً حبي وحبك للجمال اليوسفي ... هو خالد وبغيره لا أشتفي بالبعد تلحاني ولم تر حسنه ... فإذا نظرت فبعد ذلك عنف فبخده الورديّ روض قد جنت ... منه نواظرنا وإن لم يقطف وبثغره ماء الحياة لوارد ... فبورده نار الجوانح تنطفي تحلو محاسنه لناظر وجهه ... وحديثه العذب الهنيّ يلذ في قد شاقني لما بدا متبسماً ... برق الثنايا من عقيق المرشف ولقد قنعت بكأس خمر حديثه ... لما منعت من الرحيق القرقف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 جاذبته حسن الحديث وجدته ... من كل معنى باللطافة مكتفي في روضة غنت صوادح ورقها ... فشقت فؤاد المستهام المدنف فغنيت من طرب بطيب غنائها ... عن مطرب يشجي بحسن تلطف غنى لنا يا ورق ثم ترنمي ... واجلي على سمعي غناك وشنفي وقوله قمر تناهى في مطالع سعده ... وزها بأوج الحسن طالع مجده متوشحاً أثواب تيه معجباً ... يختال تيهاً في محاسن برده حاوي بديع الحسن إلا أنه ... متلاعب بأخي الهوى في عهده أفديه ظبياً نافراً متانساً ... يبدي الدلال بوصله وبصده إن صدّ خلت النجم دون مناله ... وإذا دنا نلت المنى من ودّه مزجت حلاوة وعده بوعيده ... من مزجه هزل المقال بجده سرق الزهور من الرياض لطافة ... وعليه عدل شاهد من قده فالأقحوان بثغره والياسمي ... ن بجيده والجلنار بخده ماء العذيب حلا بمنهل ثغره ... واحرّ قلبي للعذيب وورده يا حبذا لما أتى نحو الحمى ... جنح الدجى وحللت عقدة بنده ونشقت عرف المسك من وجناته ... وقطفت رمان الربا من نهده وسكرت من حان الصفا بمدامة ... من ثغره السامي حلاوة شهده عز التقى لما ضللت بحسنه ... وخفت على فكري مسالك رشده كيف الخلاص ولات حين تخلص ... والصب يستحلي الغرام بوجده وقوله أفدي بديع الحسن حالي المنظر ... يزهو حلاه بالمحيا المزهر سلطان عز في الملاحة مفرد ... جمع المحاسن بالجمال الأزهر فالوجه منه بالأزاهر جنة ... برهانه بالثغر ماء الكوثر وشقيقه الورديّ عمّ بزهره ... خدّا يفوح شذا بخال عنبري وجبينه البادي بداجي شعره ... متلألئ نوراً كصبح مسفر والحسن دبجه بثغر أبيض ... ونواظر سود وخدّ أحمر أسر القلوب هوى بقدّ أهيف ... وسبى العقول جوى بلحظ أحور فنواظري في جنة من حسنه ... لكن قلبي في الجحيم المسعر يا عاذلاً وافى يلوم بحبه ... كف الملام فأنت عندي مفتري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وانظر ترى أوصاف حسن جماله ... يقضي بها تحقيق صدق المخبر يا حسنه لما بدا متمايلاً ... يبدي دلالاً في القباء الأخضر يسعى إليّ بطاسة مجلوّة ... قد عطرت مملؤة بالسكر وغدا ينادمني بأعذب منطق ... فثملت منه بالحديث المسكر وتروّحت روحي بأهنى ساعة ... سمحت بها كف الزمان الأعسر سقياً لها طابت معاهد ذكرها ... ما فاح روض بالشذا المتعطر وقوله عاقداً حكماً روى عليّ لنا من وعظه حكماً ... نثراً فأودعتها في عقد منتظم لو بالنضار على لوح العلا رقمت ... وكان للحظ جفني موضع القدم لكان ذا دون ما يقضي المقام به ... وكيف لا وعليّ مبدع الكلم فهذب النفس واصغي للحديث بها ... وإن أبيت فما قولي لذي صمم الملك في الصبر ثم الصبر ناصره ... رياسة العلم ثم البرّ في الكرم وإن ترد راحة لا تحسدن أحداً ... والصمت فيه شفا من وصمة السقم وأخلو فلا تستغب وأنس إذا تليت ... آي الكتاب فكم فيه من الحكم وإن ترد رفعة في منهج حسن ... فبالتواضع ترقى هامة القمم والشكر ينتجه حسن الرضى أبداً ... ثم الكرامة في التقوى مع اللمم والصدق في المرء ينشأ عن مروءته ... فلا تمن تلق فيه زلة القدم واقنع تكن عابداً واذكر فإنّ به ... ثقل الموازين يوم الحشر للأمم فتلك أربع عشر منه قابلها ... نظيرها فانتهجها نهج محتكم وهاكها كلما أبدت لنا حكماً ... تكفيك معتصماً مع حسن مختتم وقوله ملغزاً في مشموم أيا مولى حوى فضلاً وفهماً ... بفطنته يفوق على اياس به روض البديع غدا نضيراً ... وأغصان البلاغة في امتياس تضوّع نشره فشفى وأغنى ... بطيب وروده عن كل آس وطالعه وناظره سعيد ... لنا من فضله حسن اقتباس فبالألغاز يكشف ما توارى ... عن الأفهام في حجب التباس فديت أين لنا ما اسم نراه ... لدى التحقيق مفعولاً خماسي مسمى فيه تفريح لروح ... ويهدي وصفه بعض الحواس تراه في الربا طوراً وطوراً ... على الأيدي وطوراً فوق رأس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 خماسي تركب من ثلاث ... حوت سبعاً ولم يعرف سداسي وكل قد تركب من ثلاث ... ثلاث منه فرد في الأساس قد اتحدت بل افترقت ولكن ... بترتيب على وضع قياسي وسادت ضعف ثان أن يصحف ... ومفرده على غير القياس فواصلها مع التصحيف منها ... وقيت البأس في حصن احتراس مصحفه عليل ليس يشفي ... ولا يجدي لديه حذق آسي دع الأطراف منه تنال شأواً ... وتنمو دمت ثوب العز كاسي وخمساه بقلب فعل أمر ... أو اسم قد سما بذرى الرواسي وبالتصحيف لا بالقلب اسم ... به الألباب أضحت في احتباس وبالتصحيف أيضاً ذمّ شرعاً ... وبالتحريف يمدح بالتناسي وإن يمزج مصحفه بقلب ... قضى في حينه بأشد باس واسم ... يتم به المصحف في الجناس وباقي الأسم اسم أعجميّ ... ويقرأ بأطراد وانعكاس بمبدئه له صنو عزيز ... ففرّق بينهم بالاختلاس معرّبه مع التصحيف وصف ... غدا من درّ لفظك ذا التماس فإنك بالفراسة ألمعيّ ... وعندك لا يقال أبو فراس وقوله أأشكوك الغرام وما أقاسي ... وقلبك يا مذيقي الهجر قاسي وفي طيّ الجوانح جمر وجد ... يؤججه التذكر والتناسي أبانات اللوى عن سحب جفني ... سقاك القطر من دون احتباس فكم لي في ظلالك من مقيل ... تفدّى أهله مني حواسي أقمت به وشاطئ وادييه ... ملاعب جؤذر وظبا كناس فما للعين لم تنظر طلولاً ... ولا رسماً يدل على أساس أما هذا الديار ديار سعدى ... أما هذا المعالم والرواسي أأحلاماً أرى أم عن حقيق ... تقوّضت الخيام بلا التباس نعم هذي المعاهد والمغاني ... فأين بدور هاتيك الأناسي فإن أقوت فهل لي من سبيل ... إلى صبر يعلل ما أقاسي أأبكي أم أجاوب في أنيني ... حمائم في الدياجر كي تواسي أساجلها فتعرب عن شجون ... وتبريح على غير القياس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 أتعجب إن قضيت هوى ووجداً ... وجانبت المؤانس والمواسي وإني فزت بالقدح المعلى ... وبلغت المنى من بعد ياس ووافتني عروب بنت فكر ... بنظم ما قصيد أبى فراس وكيف وربها حاوي المزايا ... وخير مؤمل يرجى لباس ومن فاق الكرام بحسن طبع ... يفوق رياض نسرين وآس وفضل كالنجوم الزهر تبدو ... ولكن لن يروّع بانطماس ومجد شامخ زرّت عليه ... غلالة ماجد من خير ناس وآداب إذا تليت أدارت ... علينا خمرة من دون كاس وتنظام شممنا منه عرفاً ... به خوط المعاني في امتياس تخذناه لما نبغي نديماً ... ومشموماً لدى وتر وطاس وجئنا روضه نرجو انتشاقاً ... بآناف المنى دون احتراس فنادانا أنا عرف ذكيّ ... أتيت من الذكي ذي الاقتباس فقبلناه ألفاً بعد أخرى ... ولم يبرح على عين ورأس فخذيا واحد الدنيا جواباً ... وسامح فكرة ذات احتباس فأين الزهر نيلاً والثريا ... ولكنة بأقل وذكا اياس ودم في نعمة ورغيد عيش ... لك الاقبال ثوب العز كاسي وقوله أيضاً وقد أحسن دعوني من روض الغرام وظله ... فمالي مرام في مساقط طله وخلوا فؤادي من هوى يسلب الحشا ... فلا أرتضي في راحتي حمل حمله وروحي لأشفاقي تميل لعزه ... ونفسي تأبى أن تلين لذله فهيهات من أهواه يعطف دائماً ... ويمنحني لطفاً بلذة وصله أهل عاقل يرضى ضياع زمانه ... بسعي غدا يقضي عليه بجهله فهل غير سير في مسالك ريبة ... يكون بها لوم عليه بفعله وهل غير إيقاف مواقف تهمة ... تميل حبيباً عن مناهج أصله وهل غير تدبير برأي مذمم ... يرى وصمة للمرء في وجه فضله وهل غير تعريض بنفس مصانة ... لمستهدف بالسوء يرمي بنبله وهل غير ذكر المرء في ألسن غدت ... تمزق عرضاً عز ادراك وصله وهل غير أسباب ترى وموانع ... يلهى بها الانسان عن حتم شغله وهل غير تعذيب المحب بعشق من ... يزيد عليه في العذاب بدله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وهل غير فكر في رضاه وسخطه ... وانجازه بالوعد منه ومطله وهل غير وجد مع حسين ولوعة ... وسهد ودمع لانفاد لهطله وهل غير وسواس يزيد به العنا ... ويقضي على الصب الكئيب بخبله وهل غير واش أو رقيب منغص ... ولوم أخي عذل يسئ بعذله وهل غير انفاق لمال أضاعه ... وإن لصديق يقض في نقض حبله على أنه مع ذي المكاره لم تجد ... مصاناً على نهج الكمال وسبله لقد ألفوا نقصاً وزادوا قبائحاً ... ومن حرم الأعراض ولو الحله فمن يبتغي ودّاً على الصدق والوفا ... لديهم يرجى الشيء من غير أهله وإني لا أرضى لنفسي ذلة ... لأرتاض في روض الغرام وظله وألقى الظمأ مستعذباً ورده إذا ... غدا الري من نهل التصابي وعله تركت الهوى حيث الشبيبة ظلها ... خصيب فهل أغشاه أبان محله أأعدل عن طرق الهداية للهوى ... وأبدل جداّ للوقار بهزله قد اختار لبي من منا راحة بها ... تخلصت من قيد الهوان وعقله فها أنا مرتاح ولست بسائل ... مدى الدهر عن جور الحبيب وعدله وقوله إن الحكيم الذي للنفس يملكها ... فلا يرى عابساً في سورة الغضب وذو الشجاعة عند الحرب تعرفه ... إذا العداة غدوا في منهج الطلب وذو الأخا أبداً إن رمت تخبره ... عرّج ركاب الرجا في معرض الطلب وقوله دنياك بحر عميق لا قرار له ... هيهات ينجو الفتى فيها من الغرق فاجعل سفينتك التقوى ومحملها ... الايمان واستصحب الناجي من الفرق واجعل شراعك من حسن التوكل في ... سير الطريق وثق بالله تستبق وقوله أيضاً انعم صباحاً فقد عوّذت بالفلق ... من شر ذي حاسد يرميك بالحدق بالخال أقسم إذ عمّ الشقيق به ... ما زلت ولهان في صبحي ومغتبقي شوقي إليك نما إن كنت تفهمه ... فابعث فديتك أطباقاً من الورق من كل أحمر ذي حسن لرونقه ... يروى إلينا أحاديثاً عن الشفق وأصفر اللون يحكي جسم عاشقك ال ... ولهان وقيت ما لاقاه من أرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 وافى الربيع فأهدى لي لنزهته ... راآته السبع إذ منها المشوق صبا روضاً وراحاً وريحاناً وراقصةً ... وربرباً ورقيقاً لي وريح صبا وقوله لما بدا فإن الملاح بكوكب ... وجنوده جيش الجمال المفرد وغدا يرود الصب من لحظاته ... سياف جفن صائلاً بمهند وتنازعت حكماً عليّ جميعها ... بولاء رق في الورى لم ينفد حكمت حواجبه عليّ وإنني ... راض بأحكام الرقيق الأسود وقوله من المحال علاج المرء أربعة ... إن صاحبت أربعاً قد جاء في أثر الفقر مع كسل والسقم مع هرم ... والبغض مع حسد والشح مع كبر وقوله لوح صدري به هموم سطور ... معجمات فليس تقبل شرحا علها تنمحي براحة بشر ... بعدها تكتب المسرة صحا وقوله مضمناً وبي من سرت ريح الشمول بفلكهم ... صباحاً وأرباب الشمول بها تحدو وقد أطلقوا منها الشراع وأصبحت ... تمرّ مرور الطير في السير إذ تغدو ومدّ سحاب البين بيني وبينهم ... سرادق من بعد يطرّزها الصد وعز تلاقينا لبعد مزارنا ... وحكم فيّ الوجد والدمع والسهد وقد هاجني برق الأبيرق إذ أضا ... كماها جنى ورق الحمائم إذ تشدو يحدّثني سعد بمسراهم ضحى ... فموردهم قدس ومصدرهم نجد فحدّثتني يا سعد عنهم فزدتني ... شجونا فزدني من حديثك يا سعد وقوله سألتكما أن تمنحاني تعطفاً ... فإني بحسن العفو منكم لعارف ولا تنشرا صحف العتاب لدى اللقا ... فذاك لعمري يوم تطوى الصحائف وقوله دعوا العتاب ولا تبدو لأحرفه ... فما عتابي وإن ترضوه مشكور إن تنشروا طيّ صحف من عتابكم ... يوم التلاقي فعندي منه منشور وقوله واعدتني في العيد حسن زيارة ... يشفى بها قلبي من الأوصاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 فمضى ولم تسمح بطيب تواصل ... والعيد فيه مواسم الأحباب وقوله جفا جفني لبعدكم الهجوع ... وسحت من فراقكم الدموع وما نار الغضى إذ شط وصل ... سوى ما تحتوي مني الضلوع وكيف النار تطفي من لظاها ... ومن وجدي يهيجها الولوع تحجبتم دلالاً في جمال ... أما لشموس حسنكم طلوع أهيم بذكركم شوقاً لوصل ... فهل لزمان وصلكم رجوع وقوله رب يوم حلا بدوحة حسن ... مع صحاب على حمى بانياس حيث بشر يروى أحاديث أنس ... وسروري وافى وقد بان يأسي وجرى الماء منه فوق حصاه ... كلجين يجري على الألماس وقوله أيضاً خط اليراع لقد روى لأحبتي ... بالطرس عني مسند الأشواق فتسابقت مني الدموع لمحوه ... خوفاً على طرسي من الأحراق وله قوله إن كنت تشكو يا حبيب من الضنى ... حيث اعتراك من الرشا هجران جدلي بوصل كي نفوز بوصله ... واسمح به فكما تدين تدان وقوله يقول لي الورد الجنيّ قطافه ... قطفت اقتداراً بالأنامل من دوحي وعز بقائي والأحبة قد نأوا ... فخذ جسدي أفديك وابعث لهم روحي وقوله القلب بين توله وتولع ... وصبابة بتراجم الأشواق والجفن مع فقد اتصال شهوده ... يروى صحيح تراجم العشاق وقوله ومذ رمت ورداً من عذيب وصاله ... تثنى يحامي ورده ويذود فمن لم يرد وادي العقيق لمانع ... فليس له غير الفضاء ورود وقوله أحبتي بدمشق الشام ذبت جوى ... والعيش قضيته من بعدكم فكرا أخال شوقاً لكم أني أحدّثكم ... فأستفيق فلا ألقى له خبرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 أجرت عيوني دموعي غير عالمة ... واستخبرت من جواها الدمع كيف جرى وقوله ألا ليت شعري تبلغ النفس سؤلها ... ويغدو لها بالنير بين مقيل وهل تشهد العينان بهجة سفحها ... ويشفى فؤادي والنسيم عليل وقوله ومن عجب نار الفراق تأججت ... وأجفان عيني بالمدامع تسفح وأعجب منها أنني أكتم الهوى ... ودمعي لديوان الصبابة يشرح وأعجب من هذين حزني على النوى ... وإن أخا ودّي بذلك يفرح وأعجب من تلك العجائب كلها ... بأني على التذكار أمسى وأصبح وقوله رحلت بجسمي والغرام مصاحبي ... وزاد زفير بالحشا وعويل ووجدي حاد والهيام مطيتي ... ووادي الغضى لي منزل ومقيل وله أيضاً قوله سقى الوسمي عهود الجامعية ... وحياها الصبا صبحاً عشيه وغنى بلبل الأفراح فيها ... بألحان وأصوات شجيه وأنشقنا النسيم عبير زهر ... يفوق شذا بأنفاس ذكيه وأشهدنا السعود شموس حسن ... تزيد سناً على الشمس المضيه وأرشفنا الهنا كأس التصابي ... بحان ربى معاهده الزهيه فيالله من يوم تقضي ... بمغناها بلذات شهيه وأتحفنا الزمان بجمع شمل ... بأقمار شمائلهم سنيه وقد بسط الربيع لنا بساطاً ... تزركش بالزهور الجوهريه وبشر الأنس ينبي عن سرور ... بأخبار الصفا والجامعيه وجدول نهره يروى حديثاً ... تسلسل بالمياه الكوثريه يميس به لطيف القدّ أحوى ... حوى رقى برقته الجليه فريد الحسن في مصر وشام ... يذكرنا العهود اليوسفيه شقائق خدّه تزهو بخال ... نوافحه شذاها عنبريه فدته الروح من ظبي أنيس ... بلفتة جيده صاد البريه شهدنا حسن مشهده فهمنا ... بمطلع حسن غرّته البهيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وقوله يا حسن روض الصالحية إنه ... صدحت بمنبر دوحه الأطيار قد أثبتت أنهارها خبر الصفا ... وروت أحاديث الشذا الأزهار وقصوره قد زخرفت بمحاسن ... تجري لنا من تحتها الأنهار وقوله متشوقاً إلى دمشق دمشق وما شوقي إليك قليل ... فهل لي بواديك النضير مقيل وهل أغتدي يوماً بفئ ظلاله ... فظلّ رباه للسراة ظليل وهل أجتلي يوماً محاسن ربوة ... فمنظرها بين الرياض جميل وهل أزدهي بالنير بين ودوحه ... بروض به غصن السرور يميل وهل ترتوي عيني بمشهد سفحه ... ويضحى فؤادي بالغرام ثميل وهل لي لسفح الصالحية أوبة ... فإني لهاتيك الرحاب أميل نعمت زماناً بالمرابع والحمى ... وروض زماني بالصفاء بليل وقد بعدت عني وشط مزارها ... ومالي إليها بالوصول سبيل وصبري عفت يوم الفراق رسومه ... ووجدي تبدّي وقت حان رحيل وقلبي حمول بالجفا متوقد ... وطرفي همول بالدموع يسيل وطالت ليال بعد كانت قصيرة ... بوصل وليل المغرمين طويل أروّح روحي بالغرام وبالمنى ... ليبرد مني لوعة وغليل وأبرد قلبي بالنسيم تعلة ... لديكم وهل يشفى العليل عليل وله ولما التقينا والحبيب بحاجر ... وقد عبقت بالطيب منه نسائمه تبسم عجباً من حديث مدامعي ... فما برقه الساري به وغمائمه وحين تثني وانثنيت ترنما ... تعلم منا بأنه وحمائمه وقال وقائلة والبين سل حسامه ... وقد حاطني للوجد جيش عرمرم إلى كم بوشك البين أنت مروّعي ... متى تنقضي الأسفار والشوق محكم فقلت لها والدمع مني مسلسل ... وجمر الغضى بين الجوانح مضرم دعيني من الاشفاق مالي حيلة ... إلى جانب الأقدار أمري مسلم وله أيضاً أصبح الخدّ منك جنة عدن ... تزدهي غير دانيات القطوف وبه إذ زهوره يانعات ... مجتلي أعين وشم أنوف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 ظللته من العيون سيوف ... قد غدا ضمنها دواعي الحتوف لا تخف واستظل تحت حماها ... جنة الخلد تحت ظل السيوف وله غير ذلك من النظم الرائق والنثر الفائق وكانت وفاته يوم الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في مقبرة الذهبية تجاه قبر الشيخ أبي شامة رضي الله عنه وقبل وفاته بساعات نظم تاريخاً لوفاته ليكتب على قبره وهو قوله قبر به من أوثقته ذنوبه ... وغدا لسوء فعاله متخوّفا قد ضاع منه عمره ببطالة ... والعيش فيه بالتكدّر ما صفا ماذا ثوى قبر اللقيمي أرخوا ... مستمنح للعفو أسعد مصطفى سنة 1178 598 216 135 229 واللقيمي نسبة للقيم بلدة بالطائف ونسبة أجداده إليها وللمترجم نسبة إلى سيدنا سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله تعالى عنه. مصطفى الغزي ابن أحمد بن عبد الكريم بن سعودي ابن شيخ الاسلام النجم محمد الغزي العامري الشيخ الامام الفقيه الهمام أحد صدور دمشق الشام ورؤسائها الأعلام أبو الفضائل نجم الدين ولد بدمشق في منتصف سنة مائة وألف ونشأ في حجر أبيه وقرأ القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده الشهاب أحمد وأخذ عنه الفقه والحديث والعربية وعن الشيخ أبي المواهب الحنبلي والشمس محمد بن علي الكاملي وأبي التقى عبد القادر بن عمر التغلبي والأستاذ عبد الغني بن إسمعيل النابلسي والشريف سعدي بن عبد الرحمن الشهير بابن حمزة وأجاز له اجازة منظومة مطولة وعن غيرهم ودرس وأفتى بعد وفاة والده وأخذ عنه جملة من العلماء منهم الشهاب أحمد بن محمد الحلبي وكان ذا وجاهة ظاهرة ورياسة وافرة وكانت وفاته سادس عشري رجب سنة خمس وخمسين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي بجمع حافل من العلماء الأعلام ودفن بتربة أسلافه بمقبرة سيدي الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى. مصطفى الترزي ابن أحمد باشا ابن حسين بن إسمعيل المعروف بالترزي الدمشقي كان والده أمير الأمراء وتولى امارة اللجون وغيرها فيما أظن وكان أولاً باشجاويش في أوجاق اليرلية بدمشق وتوفي في سنة تسع وثمانين وألف وكان له ولد أكبر من المترجم يسمى محمداً فذهب للديار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 الرومية وأتلف جميع متروكات والده ومخلفاته وباع العقارات وغيرها وأما المترجم فإنه نشأ مكتسباً للكمال والعلوم مجتهداً ساعياً الاجتناء زهرات الأدب والمعارف وكان أديباً شاعراً فائقاً ماهراً بالأدب مع معرفة تامة بالطب وغيره مشتهراً بالكمالات والعرفان له حافظة واطلاع باللغة والأشعار وغير ذلك بارعاً بالنظام ينفث السحر من رشحات أقلامه ويجري البديع من لسانه وكان له هجو بليغ وترجمه الأمين المحيي وكان آخر من ترجمه في ذيل نفحته وقال في وصفه مجده محبوك من جهتيه ميم عاف وسائل من وجهتيه فلله مجد هو شمس نهاره طلع وقد ارتدى برداء الشباب والتف وتحوط بالسبع المثاني من العين واحتف فروضة أدبه فسيحة الرحاب وقد جمعتني وإياه الأقدار وطلبت منه شيئاً من نظامه فأتاني بقطع وهي قوله أبدا يحنّ إليك قلبي الخافق ... والجذع يعلم أنني لك عاشق يا من يهز من الدلال مثقفاً ... وبسهم لحظيه الحشاشة راشق مهلاً فأين العدل منك لمغرم ... كلف بحبك بل بقولك واثق ما راح يضمر عنك إلا موثقاً ... أكذبته وتقول إني صادق قول الأعاريب الكرام وتنثني ... نحوي بعين أخي المودة وامق هيهات ما للغانيات مودة ... ما كل قول للفعال مطابق شيم الليالي الغدر من عهد الأولى ... قدما وما للدهر وعد صادق فليهن من قد بات في دعة اللقا ... يلقى أحبته ونحن نفارق وقوله لا تلم من غدا بحب سليما ... ن أسيراً ودمعه في انطلاق لي قالت جنود حسن محيا ... هـ وأيضاً لسائر العشاق مذ تبدّي بطلعة تشبه الشم ... س بهاء في ساعة الاشراق مثل قول التي بها اهتدت النم ... ل بنصح في غاية الاشفاق دونكم فادخلوا المساكن من قب ... ل تصابوا بأسهم الأحداق تحطمنكم فتفقدون رمايا ... بسهام الخطوب بالاتفاق ذلك اللحظ فاحترز منه واحذر ... لم يكن دونه من الموت واقي هو من قول بعضهم أسلمنا حب سليمانكم ... إلى هوى أيسره القتل قالت لنا جند ملاحاته ... لما بدا ما قالت النمل قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن ... تحطمكم أعينه النجل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 وقال وقد تخلص فيها إلى مدح شيخ الطريقة الشيخ محمد بن عيسى الخلوتي الصالحي وهي من غرر قصائده هوى يشوق النفس والنسيبا ... وصادحات حسنت تشبيبا وحملت نشر الزهور شمأل ... تهدي إلينا عنبراً وطيبا واختص وجه الدوح من عارضه ... لما استدار جد ولا منسوبا فاعتدل الغصن وصار فوقه ... الشحرور من وجد به خطيبا فقام يدعو والحمام هتف ... قد أتقنت ألحانها ضروبا فقم إلى تلك الرياض مسرعاً ... مبتكراً ونادم المحبوبا يا بابي ومن يقول بابي ... ذاك الغزال الشادن الرعبوبا في وجهه للناظرين جنة ... للحسن كانت منظراً عجيبا منمنم يزهو على عشاقه ... مخضباً بنانه تخضيبا ما صادفت قلبي سهام لحظه ... إلا أتت غزاله تصيبا فليته صير لي من وصله ... وقربه يا صاحبي نصيبا جرّبت من بعاده نار الغضى ... عذبني بحرّها تعذيبا لولا الهوى ما شاق عيني مألف ... وبالحمى كم ودّعت حبيبا هوى حقيقي له مودّة ... قد ولدت نجل الوفا نجيبا أهل السماح في الدنا قد زهدوا ... وقدسوا بالواحد القلوبا وبالرضا قد مزجت طباعهم ... فلا ترى في وجههم قطوبا وأخلصوا لله قلباً قد صفا ... من كدر واستأنفوا الغيوبا فما دعوا للغيث يوماً وبكوا ... إلا أجاب قبل أن نجيبا راحوا براح الحال في وجودهم ... لما اختفوا وروّقوا المشروبا مذ عاملوه في مقامات الوفا ... هب لهم عرف الرضا هبوبا ومنها كالمسك وافاك دعاء مخلص ... ريان من ماء الوفا رطيبا إن لم يراك لا يسرّ قلبه ... ويكره الخيال أن ينويا ما للفتي قد لعب الدهر به ... وصرفه صيره متعوبا من الزمان علقته محن ... قد شعبت بقلبه شعوبا إلاك يستظل في جنابه ... والناس قد أفنيتهم تجريبا واستجلها من البديع غادة ... لا ترتضي غير الهنا مركوبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وقال يمدح بها محمد المحمودي وقد أهداها له من نفثاته وهي قوله خد يورّده لهيبه ... فتكاً وأعيننا تذيبه أندى من الورد الذي ... حياه رياناً نصيبه وبثغره ماء الحيا ... ة يرق كالصهبا صبيبه وسقاه ماء شبيبة ... راح الجمال بها يشوبه ميال أعطاف الصبا ... تيهاً يرنحه وثوبه ذو قامة هيفاء مث ... ل الغصن يحمله كثيبه أبداً يميل مع النس ... يم يظل يعطفه هبوبه وبوجهه آيات حس ... ن فيه زينها قطوبه أبدى قسي حواجب ... بالروح يفديها سليبه من مقلتيه أراش في ... قلبي السهام به يصيبه فرمى ندوب سهامه ... في اللب قد أصمت ندوبه متمنع عن ناظري ... ما زال يحجبه رقيبه برقت بوارق وعده ... والبرق يطمعنا خلوبه ولصبه أهدى الضنا ... متحيراً فيه طبيبه منح السهاد لمقلتي ... مذ طال عن نظري مغيبه أودى بجسمي هجره ... والحب تستحلي خطوبه وأرى عقارب صدغه ... بالوصل قد غفرت ذنوبه ياليت شعري ما الذي ... بصدوده عني ينوبه يقسو عليّ فؤاده ... وقوامه غصنا رطيبه أتراه يعلم بالذي ... يشكوه من سقم كئيبه وصدوده أبدا على ... عشاقه ليست تعيبه كم ذا أموّه بالهوى ... والصبر قد شقت جيوبه قصرت فصاحة مادح ... أحصى كمالك أو يثيبه يا من بباهر شعره ... قد راح يسكرنا نسيبه شعر هو السحر الحلا ... ل يروق هذبه لبيبه منشئ حلاه محمد ال ... محمود مفرده نجيبه الفاضل اللسن الذي ... محل الزمان به خصيبه في كل لفظ من معا ... ني فضله تسبي شعوبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 متناسق كالدر في ال ... عقد الذي نظمت ثقوبه وإذا ذكرنا الشعر فه ... وكما سمعت به حبيبه وافتك مثل الروض يه ... دي عرفها نفحاً جنوبه ومديحك السامي غدا ... فرضاً على مثلي وجوبه والمهر منك جوابها ... وكفاه فخراً من تجيبه نفحتك مني بالثنا ... ء وطيب عنبره وطيبه وله أيضاً قوله لك في المعالي رتبة من دونها ... زهر النجوم وتلك فوق هلالها فلذاك أنت أمين أسرار الهدى ... والله قد أولاك حسن خلالها وجواهر النعمان عزت غيرة ... إلا عليك لمن بغى لمنالها فأهنأ بها لا زلت نرشد قاصداً ... يبغي الهداية للتقى سؤالها يا من له قلم إذا وشى به ... صفحات طرس أشرقت بجمالها ولذلك الفضلاء عجباً أنشدت ... بعلاك بيتاً من بديع مقالها إن الكتابة للفتاوي لم تجد ... أحداً سواك يحل من أشكالها وسمتك من بين الورى بمرادها ... حتى ارتضاك الله من أمثالها لا زلت محروس الجناب مؤيداً ... بعوارف قد حزتها بكمالها وقوله يمدح به ولد الشريف بركات شريف مكة المعظمة سابقاً حين وروده دمشق قدوم كما انهلت سحائب أمطار ... وقد أشرقت منها الرياض بأزهار حكى الشمس غب الغيم اشراق ضوئها ... ولاحت على الدنيا ببهجة أنوار وسرت به الآفاق شرقاً ومغرباً ... وأرجها كالمسك فتته الداري وذاك قدوم السيد الأعظم الذي ... أتانا كيسر بعد بؤس واعسار فكان كطيب الأمن وافي لخائف ... وكالنير إلا علي به يهتدي الساري فأهلاً به من قادم قدم الهنا ... بلقياه بل رؤياه غاية أو طاري من القوم إن هم فاخروا جاء شاهداً ... لهم محكم التنزيل من غير انكار وإن نطقوا جادوا بأبلغ حكمة ... يلين لها صلد وجامد أحجار وأن ينتموا جاؤا بكل حلاحل ... تذل له شوس الملوك باقرار بنى حسن أهل العلى منبع الهدى ... أئمة حق هم بأصدق أخبار ميامين غرّ من ذؤابة هاشم ... هم في دجى الخطب المهول كأقمار وأشرفهم يحيي الذي شرفت به ... دمشق ونلنا فيه أرفع مقدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 فيا ابن رسول الله وابن وصيه ... ومن أنزل القرآن في مدحه الباري إليك اعتذاري من كلال قريحتي ... لجور زمان فيه قد قل أنصاري ولكنّ لي في دوحكم خير قربة ... بها الله يعفو عن عظائم أوزاري لقد مزج الرحمن ربي ودادكم ... بقلبي وسمعي والفؤاد وأبصاري ووالله ما وفيت بالمدح حقكم ... ولو بلغ الجوزا نتائج أفكاري لآل عليّ في الأنام توجهي ... ومدحهم وردي وديني وأذكاري وهنيت بالعيد السعيد وعائد ... عليك بما نالوا به خير أبرار فإن العلى تسموا بكم وكفاكم ... علا انكم ملجا الأنام من النار ولا زلت ذا عمر طويل مؤيداً ... مدا الدهر ما هبت نسائم أسحار وقوله مادحاً ومهنئاً ومعتذر للمولى محمد العمادي العفو أولى من عتاب المذنب ... والذنب يخرس كل شهم معرب كرّت عليّ عجائب لو أولعت ... بمتالع لانقض قض الكوكب من لي بعذر أن يقوم بحجتي ... عند الإمام الطيب ابن الطيب علامة الآفاق من بوجوده ... أفلت نجوم ذوي الضلال بمغرب حتى يزول محال قول باطل ... قد ألبسوني فيه ثوب الأجرب نزهت عنه سمع مولاي الذي ... أنا عبده الأدنى وهذا منصبي مفتي البرية في الفواخر كلها ... كالبحر يلقى الدرّ للمتطلب إن فاه أسكت كل ذي لسن بما ... يبديه من صوغ الكلام المعرب مولى إذا احتكت فهوم أولى النهي ... جلى برأي مثل بدر أشهب وأبان كل عويصة في العلم كالنج ... م الرفيع بمثل حدّ مشطب ورث الفضائل كابراً عن كابر ... يوم العلى عن كل جدّ منجب قوم بهم دين الاله مؤيد ... من أن يدنسه مقال منكب شاد العماد لهم ثناء طاهراً ... حمل الرواة له لأقصى المغرب مولاي أنت أجل من حاز العلا ... بفضائل هي كالطراز المذهب هنيت بالرتب التي هي في الورى ... فخراً كوضع التاج يوم الموكب هي منصب الفتيا الرفيع مقامها ... فوق السماك الشامخ العالي الأبي دامت لك العليا ودام لك الهنا ... ما سار ركب في فيافي سبب مولاي غفراً فاستمع بتفضل ... بعض اعتذاري من صميم تلهب قد قوّلاني في علوّ جنابكم ... ما لم أقله وحق ربي والنبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 أنا ما حييت مديحكم وثناؤكم ... وردي به عند الإله تقربي حاشاي من قول هزا لو قلته ... لنهيت عنه بألف ألف مكذب بل كيف أقتحم الهلاك وأرتضي ... غضب الإله كفعل ميشوم غبي بشراي إني قد ظفرت بمطلبي ... حاشاك تلقاني بوجه مقطب دم للبرية ملجأ ومؤملا ... ما أزهر الليل البهيم بكوكب وقال يمدح السيد السند الشيخ علي الحموي الكيلاني شيخ الطريقة القادرية يزار بزوراء العراق ضريح ... وللحق أنوار عليه تلوح تحوم حواليه الملائك رفعة ... ووردهم التقديس والتسبيح سلام عليه من صريح معظم ... إليه تحايت الإله تروح ضريح إمام الأولياء وقطبهم ... أبى صالح عالي الجناب فسيح يحج إلى بغداد يبغي زيارة ... له القطب يسعى خادم ويسيح ومن جوهر المختار جوهره الذي ... له في علوّ المكرمات وضوح فمن أمّ عالي بابه نال رفعة ... ووافاه من فيض الإله فتوح به تكشف الجلا ويرتفع البلا ... ويثني عنان الخطب وهو جموح وأنباؤه الغرّ الكرام ملاذنا ... وذخرهم أني بذاك نصوح ومصباحهم مولى عليّ جنابه ... علا به باب الهدى مفتوح كريم سجايا النفس لألاء وجهه ... يضىء فتخفى عند ذلك بوح مهذب أخلاق من الفضل والحجى ... كثير اتضاع بالنوال سموح عليم بأسرار الحقائق عارف ... بأنفاسه للسالكين نفوح متى تلقه تلقى أغرّ كأنما ... صفا وهو لطف من صفاه وروح ومولى هو البحر الخضمّ ومن به ... دعا آب موفور الجناح نجيح ولكنه بحر العلوم قراره ... عميق على من رامه وطليح محامده تتلى فيعبق طيبها ... كنشر رياض علهن صبوح وقد حلّ في وادي دمشق ركابه ... بسعد سعود للنحوس يزيح فوافى ربوعاً طالما طال شوقها ... إيه وكادت بالغرام تبوح وخفق في الوادي السعيد نسيمها ... وهبت به معتل وهو صحيح وعمّ الورى فيها سرور ونشأة ... وإني وهذا القول صاح صريح فنادت جميع الخلق أهلاً ومرحباً ... ببدر بأفلاك الكمال سبوح أمولاي أرجو منك نظرة إنني ... مفارق عهد للخليط جريح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 أهيم إذا غنى ابن ورقاء في الربا ... وأسمع منه لحنه فأنوح رمتني صروف النائبات بأسهم ... لها في فؤادي والصميم جروح ولكن بمولائي أرى كل كربة ... تزول ومنها الدمع كان سفوح وإني وإني في حماك ومن يكن ... جوارك أمسى منه فهو ربيح وعذراً فقد وافتك مني بخجلة ... وشعري بمدح في سواك شحيح وليس بمحص بعض وصفك مادح ... ولو جاء منه للمديح مديح ولكنها ترجو السماح كرامة ... وأنت عن الذنب العظيم صفوح ودم في سعود وارتقاء ونعمة ... بعمر طويل عنه قصر نوح فراجعه عنها بقوله مخائل سعد للعيون تلوح ... بوجه سريّ للسموّ طموح قرينة عز في غضون جبينه ... فتغدو لبشراها له وتروح فتى من سارة الناس ممن تقدموا ... لنيل المعالي والركاب سبوح أديب أريب فاضل متفضل ... بليغ ولفظ الدرّ منه فصيح تغذى لبان الفضل في حال مهده ... غبوق له منها روا وصبوح امام همام في الفهوم مقدّم ... وفي الأدب الغض الطري فصيح كريم حوى وصف الكرام وفعلها ... سمى مصطفى والفعل منه مليح فخذ بعض شذر واغض عن قصر قاصر ... وسامح بفضل فالكريم سموح وللمترجم قوله فرائد درّ في صحائف ألماس ... ونور رياض في مهارق قرطاس والادراري الأفق ضمن سفينة ... تسير بلج من ذخارف أنفاس إذا كان قاموساً لها علم ماجد ... فبحر خضمّ لا يقاس بمقياس فكيف وربانيها في مسيرها ... له قلم يجري كسابق أفراس همام حوى وصل الكرام وفعلها ... وفاق العلى بالفضل كالعلم الراسي سليل أساطين فحول ضراغم ... هم من ذرى العليا في قنن الرأس تكلف فكري وصف بعض صفاته ... فتاه بموماة وعام بمغماس وكيف ونيل النجم أقرب ماربا ... لفكري أو أحصى علاه بأنفاس فشكري لآل للعماديّ حامد ... ومدحهم فرضي لتطهير أدناس فلا زال ناديهم لمثلي ملجا ... إذا الدهر لاقاني بصورة عباس وقوله مادحاً أيضاً ومؤرخاً اتمام الحواشي التي جمعها الممدوح على كتاب دلائل الخيرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 في الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أمولاي زاد الله قدرك رفعة ... بجاه رسول الله خير الخلائق فأنت على تقوى الإله مواظب ... تسير على نهج الهدى والحقائق ومن يك ذكر المصطفى ديدناله ... لقد حاز في الدارين عز المسابق دلائل خيرات إذا ما تلوتها ... أفدت بها أجراً لكم لم يفارق فهذا دليل الخير والرشد والهدى ... تشيد به ذكراً كمسك لناشق فهذبته سفراً بتحرير متنه ... وجاءت حواشيه رقاق الدقائق ورصعت من كنز العلوم حواشيا ... كترصيع درّ في نضار المناطق لقد طاولت شهب السماء بما حوت ... بهدى رسول الله أفصح ناطق فطوبى لكم آل العماد فسعيكم ... دواماً على نهج الهدى في الطرائق وعظمتها مولاي حامد نسخة ... تخلد فيها الصدق ضمن المهارق فدم ما تلا ذكر النبي أخو الهدى ... وصلي عليه عاشق اثر عاشق صلاة يضىء الكون من نور ذكرها ... تفوح كمسك في العذيب وبارق ومذ تم ذاك السفر قلت مؤرخاً ... وشائع حسن لحن من نور صادق وقوله مضمناً أبيات الشيخ داود البصير الطبيب الثلاثة بقوله ليل كقادمتي غراب مغدق ... يمضي بأحزان وطول تلهف وصباح يومي إن سألت فإنه ... كصباح ثكلى مات واحدها الوفي أبكي لشمل بات وهو مصدّع ... كالعقد بدد بعد شمل تألف ظنّ الخليّ وقد رآني باكياً ... أني رعفت من الجفون الذرّف هل راحم صبا أذاب فؤاده ... دهر ألح لصرفه لم يصرف الله يعلم أنني من بعدهم ... لحليف أحزان بقلب مدنف أهفو إلى مرّ الحمام وشربه ... ومذاقه ياما أحيلاه بفي من طول أبعاد ودهر جائر ... ومسيس حاجات وقلة منصف ومغيب خلّ لا اعتياض بغيره ... شط الزمان به فليس بمسعف أوّاه لو حلت لي الصهباء كي ... أنشأ فأذهل عن غرام متلف وله وذلك عند تراكم الخطوب عليه وعدم مشفق يأخذ بيديه إن قلبي قطب البلاء أديرت ... لشقائي رحى الهموم عليه وتراه مغنيطساً للرّزايا ... يجذب الخطب من سحيق إليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 وله أيضاً ناعياً ثمرات الفؤاد ونجباء الأولاد غراب ينوح لتفريقنا ... ويوم يصيح بتلك الرسوم فبانوا وأصبحت من بعدهم ... أليف الشجون خدين الهموم فما أجلد القلب في النائبات ... ويا قلب صبراً لهذي الكلوم وكانوا نجوم سماء الحشا ... وفي الترب غيب تلك النجوم فوا وحشتاه لتلك الوجوه ... وبعد السرور ألفت الوجوم ومن شعره أيضاً أفدي مهاة أفردت عن سربها ... بدوية سحرت بطرف أدعج شخصت بطلعتها العيون وقد بدا ... دبر الدجى بجبينها المتبلج بسمت فخلت البرق أومض ضاحكاً ... عن لؤلؤ في ثغرها المتفلج وسمت لها شفة فراقت منظراً ... وحلت بأزرق فاق زهر بنفسج فدهشت من كنز بمبسمها له ... قفل من الياقوت والفيروزج وله مادحاً شيخ الاسلام مفتي الدولة العثمانية المولى السيد عبد الله المعروف بالبشمقجي حين قدم دمشق حاجاً بقوله هي المعالي لكم حيث السهى ارتفعت ... وحيث شمس الضحى في أفقها طلعت شمس العلى أشرقت بالشام في شرف ... من الحجاز وأنوار الهدى لمعت أنوار من زينة الدنيا بمقدمه ... حتى به سائر الأكدار قد رفعت تالله ما الغيث أجدى من مكارمه ... إذا همت بسحاب الفضل أو همعت يا بضعة من رسول الله خالصة ... بمهبط الوحي أخلاف الهدى ارتضعت يا آل بيت رسول الله حبكموا ... فرض به سور التنزيل قد صدعت لولاكم لم يكن شمس ولا قمر ... ولا درار بأنوار الضيا سطعت ورثت مشيخة الاسلام عن سلف ... من عهد ما شرع الاسلام قد شرعت يا كعبة المجد لو لم تسع مبتهلاً ... لكعبة الله إجلالاً إليك سعت الحج باليمن مبرور مناسكه ... لسيد فيه آيات الهدى جمعت يا مفخر الدولة العلياء من قدم ... ومن بمجدك أركان العلى امتنعت ويا عماداً لركن الدين تنصره ... بمقول الحق إن أركانه انصدعت أيامك الغرّ بالاقبال مشرقة ... بها عنادل أطيار الهنا سجعت فالسعد عبد خديم للركاب له ... بشائر بسنا الاقبال فيه رعت فالله يبقيك للعلياء ناصرها ... إذا الموالي إلى أعتابك انتجعت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وله أيضاً هو الله لا إثبات إلا لذاته ... تقدّس ذو الافضال واللطف والعفو فلا تغترر بالكائنات بأسرها ... وكل الذي تلقى زوال إلى محو وأيامنا برق ونحن خلاله ... خيال مضى بين البطالة واللهو وهل نحن إلا للفناء مصيرنا ... ومنا قلوب قد تميل إلى الزهو رمتني صورف النائبات بأسهم ... وأصمت رماياها بصدق ولم تشو وهل تعتب الأيام شخصاً إذا بكى ... ويجمع منه الدهر عضواً إلى عضو ومن هجوه في بني آدم جميعاً قوله قوم كائن القر كان خليقة ... لهم فأعرى الايك من أوراقها لو شاهدوا فلساً بأقصى لجة ... في البحر لانتزعوه من أعماقها أو يسألوا معشار عشر شعيرة ... فاضت نفوسهم على أنفاقها فعلى نفوسهم الخبيثة لعنة ... تستوجب الافراط في استغراقها ملؤا أقاليم البلاد ضلالة ... واستنزحوا الأموال من آفاقها ورأيت غير المترجم هجا بني آدم بقوله بني آدم لا بارك الله فيكم ... لأنتم شرار الناس بين الخلائق خلت منكم الدنيا من العدل والهدى ... ولم يبق إلا فاسق وابن فاسق وأوسعتم الآفاق بغياً وجفوة ... وهيهات منكم صادق الوعد فائق وأنتم ظروف الزور والبغي والأذى ... وما راج منكم غير كل منافق تمنيت عمري أن أرى غير غادر ... فما شمت إلا عائقاً وابن عائق غصبتم حقوق الناس ثم ملأتم ... جوانب هذا الكون من كل فاسق عليكم من الله الجليل مصائب ... تكون عليكم مثل وقع الصواعق أقول وكلا الرجلين بلغ في الهجو إلى أقصى حده وهجا نفسه مع أبيه وجده فنرجو من واهب العقول أن يغفر ذنوب من أساء أنه أكرم مسؤل ومن نثر صاحب الترجمة ما كتب به لأحد أعيان دمشق وهو قوله أدام الله على العلم وأهليه والاسلام وبنيه سبوغ ظل مولاي الإمام الذي صدره تضيق عنه الدهناء ويفرغ إليه الداماء والذي له في كل يوم مكرمة غرة الايضاح ومن كل فضيلة قادمة الجناح ذو الصورة التي تستنطق الأفواه بالتسبيح ويترقرق فيها ماء الكرم ويسيح تحي القلوب بلقائه مثل ما مست الفقر بعطائه له الخلق الذي لو مزج به البحر لنفى ملوحته ولكفى لذوذته هو غذاء الحياة ونسيم العيش ومادة الفضل أراؤه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 مدى في مفاصل الخطوب وفراسته تشف عما وراء الغيوب همته تعزل السماك الأعزل وتجر ذيلها على المجرة وهو راجح في موازين الفضل سابق في ميادين العقل يفترع أبكار المكارم وينسى بكرمه ذكر حاتم ينابيع الجود تتفجر من أنامله وربيع السماك يضحك عن فواضله هو لسان الشريعة وإنسان حدقة الملة وغرة الزمان وناظر الإيمان أخلاقه خلقن من الفضل وشيمه تشام منها بوارق المجد له طلعة عليها للبشاشة ديباجة حسنة بهية هو بحر من العلم ممدود كسبعة أبحر ويومه في العلماء كعمر سبعة أنسر حرس الله ذاته التي هي شمس هذا الزمان والدليل الأكبر على بقاء نوع الإنسان وبعد فالمملوك ينهي إلى المقام العالي والمحل الباذخ المنيف السامي أدام الله سعادته مشرقة النور مبلغة السول واضحة الغرر بادية الحجول ما بلغه من كلام تجرع منه غصص الصبر وتحمل منه ما أثقل به كاهل الدهر وخصه به من بين أبناء العصر كلمات تتدكدك لها الأطواد وتتفطر بسببها الأكباد قد انقصم منها ظهري وقل على تحملها صبري فلا ألوم إلا حظي الذي لا ينبهه ضجيج يوم القيامة ولا أبكي إلا على ما وسمني به الدهر من هذه العلامة حتى ظنت بي الظنون فإنا لله وإنا إليه راجعون ولو أن ما بي بالجبال لدكدكت ... أو الصخرة الصلداء لم تتجلد ولما بصر بي مولاي متوجهاً على طريق الجبل ظن أن معي من أهل الوبال والخبل وأعيذ ظنه الجميل أن يشوبه إلا صدق الفراسة فوالله يا سيدي لم يصحبني إلا رجل من ثعلبايا قرية الاستاذ الشيخ محمد مراد يقال له أبو خالد أثقل من رضوي وأبرد من الجمد البارد ورجل آخر من أعراب البادية الذين هم كالسباع الضارية منازلهم عند القيصوم والشيخ ولا يعرفون إلا حداء الابل وعندهم ذلك مكان التسبيح قد جردهم الدهر فلجوا إلى الجرد وأقاموا ببادية ظنوا أنها جنة الخلد أعز شيء في أبياتهم الزاد فإذا سمعوا به حسبوه من عتاد المعاد أقمت فيهم على جوع يحرق الأكباد وبرد يجمد الماء في المزاد أياماً بعد شهور السنة لا أذوق فيها السنة ولي فيهم شريك أشأم من ناظر على وقف وله بيت كبيت العنكبوت خال من الدثار والقوت فما نابني إلا معاناة متاعب ضيق بها عليّ واسع الفضا وشب في جوانحي منها جزل الغضى وأعظم منها بلاء ما بلغني من هذا الأمر الفظيع والخطب الذي تضع له الحوامل ويشيب الرضيع فوالله الذي لا إله إلا هو ما أحببت في عمري رافضياً ولا عددته لي معيناً ولا وفياً فصبراً على ما حل بي من هذه الخطوب وأستغفر الله وإليه أتوب أن أقل ركابي في سفرة ثانية ولو مضني البؤس في هذه الفانية رأيت اضطراب المرء والجدّ عاثر ... كما اضطرب المخنوق في حبل خانق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 جعل الله أيام مولاي سامية ولياليه ومستقبله خيراً من ماضيه وأبتهل إلى الله أن يمد في عمر مولاي على طول الزمان في مسرة وأمان إنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير انتهى ولما قتل الوزير أسعد باشا المعظم والي دمشق وأمير الحاج الشامي أشقياء الجند بدمشق كان ممن قتل ولد صاحب الترجمة ونهبت داره واضمحل حاله وتراكمت عليه الأمراض ولم تطل مدته ومات وكانت وفاته في سنة ستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى مصطفى السندوبي ابن أحمد بن أحمد الشافعي المصري الشهير بالسندوبي وجده الشهاب السندوبي المشهور أخذ عن العلامة السيد محمد البليدي والشهابين أحمد الملوي وأحمد الجوهري وبرع وتقدم على أقرانه بالفضل وانتشر علم علمه وعذب بحر فضله وراقت للطلبة موارده وأخذ عنه شيخنا أبو الأنوار محمد الوفائي القاهري وغيره وكانت وفاته في حدود السبعين ومائة وألف بمصر رحمه الله تعالى مصطفى المكي ابن فتح الله الشافعي المكي مؤرخ مكة وأديبها الشيخ الفاضل العالم الأديب البارع المفنن الأوحد أصله من بلدة حماة ورحل منها لدمشق وقرأ بها وأخذ عمن بها من الفضلاء ثم رحل إلى مكة وجعلها دار إقامته وله التاريخ الحافل الذي سماه فوائد الارتجال ونتائج السفر في تراجم فضلاء القرن الحادي عشر وله غير ذلك وهذا التاريخ تاريخ حافل في ثلاث مجلدات وكانت وفاة المترجم في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف مصطفى العزيزي ابن أحمد المصري الشافعي الشهير بالعزيزي الشيخ الإمام العالم المحقق المدقق الفقيه الأوحد أبو الصفاء صفي الدين أخذ الفقه عن الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوي والشهاب أحمد بن الفقيه وسمع الحديث على الشمس محمد الشرنبابلي الشافعي وعن غيرهم وبرع وفضل واشتهر بالفضل والذكاء والعلم ودرس وأفاد وأخذ عنه جملة من فضلاء الزهر كشيخنا الشهاب أحمد العروسي والنجم محمد الحفني وأبي الروح عيسى البراوي والنور علي بن أحمد الصعيدي والشهاب أحمد بن محمد الراشدي تفقه عليه والشمس محمد بن محمد السجاعي ومحمد بن عبد ربه العزيزي المالكي ومحمد بن إبراهيم المصيلحي وأبي السرور عبد الباسط بن حجازي السنديوبي وعلي بن علي الشهير بمطاوع وغيرهم وكان جبلاً من جبال العلم وبحراً من أبحر الفقه وكانت وفاته في حدود الستين ومائة وألف والعزيزي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 نسبة إلى قرية العزيزية من الغربية بمصر مصطفى النابلسي ابن إسمعيل بن عبد الغني المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الصالح الفالح المبارك المعتقد كان مبجلاً بين الناس يحترمونه مستقيماً على وتيرة الصلاح والعبادة ولد في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ونشأ في حجر جده الاستاذ الأعظم وعمته بكراته وفي حجر والده المقدم ذكرهما وكان جده يحبه ويميل إليه وهو دائماً قائم بخدمة جده ولم يزل كذلك إلى أن مات جده واستقام آخراً في دارهم بالصالحية يزار ويزور ويتبرك به وتعتقده أهالي دمشق وحكامها وقضاتها ورزق الخطوة التامة من الأولاد والأنسال وكان يظهر عليه التغفل والجذب بالجملة فقد كان من الأخيار وكانت وفاته في ليلة الخميس عاشر ذي الحجة الحرام يوم العيد ختام سنة إحدى وتسعين ومائة وألف ودفن في دارهم لصيق قبر جده الأستاذ وكانت جنازته حافلة ووافق أن والي حلب الوزير عزت أحمد باشا كان بدمشق إذ ذاك فحضر دفنه وكان يعتقده رحمه لله تعالى مصطفى بن اظب ابن حسن بن محمد بن رمضان الشهير بابن اظب الحنفي التركماني الميداني الدمشقي الشيخ العالم الفقيه الفاضل الفرضي كان أحد المحققين في الفقه النعماني والمتضلعين منه مع الفضيلة التامة في فنون العلوم وكان أكثر اشتغاله في الفقه والفرائض ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ولازم الشيوخ فقرأ على الشيخ صالح الجينيني الدمشقي الفقيه وكذلك على الشيخ علي التركماني أمين الفتوى بدمشق وأخذ الحديث والنحو عن الشيخ إسمعيل العجلوني وقرأ الفرائض والحساب والمساحة على الشيخ محمد الخليل وأخذ التفسير عن الشيخ محمد قولقسن الدمشقي وأخذ العقائد عن الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق واشتهر بالفضل وعاش وحيداً فريداً ولم يتزوج وحج إلى بيت الله الحرام وله كتابات وتحريرات في الفقه والحساب وغير ذلك وبالجملة فقد كان أحد أفراد الأفاضل وكانت وفاته في سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى السيد مصطفى الصمادي ابن السيد حسن بن السيد محمد المعروف بالصمادي الحنفي الدمشقي أحد الأدباء الكتاب الذين سحروا برقة بيانهم وبراعة بنانهم العقول والألباب كان أديباً عارفاً كاتباً من كتاب الخزينة السلطانية الميرية محتشماً معظماً متقناً للفنون الأدبية عشوراً لطيفاً ذا هيبة وكان بباب الدفتري بدمشق من المحاسن وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وأثنى عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 وقال في وصفه سيد رهط وفريق تنوعاً بين أصيل وعريق رقى من التواضع سلم الشرف ولم يخش المعاني في مدحته السرف فاصله في دفتر الفتوة ثابت وغصنه في بحبوحة التقديس نابت ولد بكر الفكر من حين ولادته وقلد جيد الأدب من دره المفصل بأفخر قلادته فهو للآمل مظنة رجاه وبقمر وجهه أقبل نهاره وأدبر دجاه يهب على الأنفاس من خلائقه بعرف الطيب ويجري من الأهواء مجرى الماء في الغصن الرطيب وثمة أدب يتبرج تبرج العقيلة وفكر صفا من الكدر ولا صفا المرآة الصقيلة وخط أخذ في الحسن كل الخط وكأنما أوجده الله ليكون متمتع القلب واللحظ فمتى سقى قلمه من الحبر أنبت ما بين الجداول عروق التبر فمداده يجول في رقيم الصفحات فتتوشى علاماته وإذا تحققت فيه النظر فما هو إلا من رقوم الخد ودواواته ولاماته وله شعر أعده من هدايا الزمان ولا أحسبه إلا من مفصلات الجمان والبهرمان ومن شعره قوله إن الذين تقدّموا لم يتركوا ... معنى به يتقدّم المتأخر قد أنتجوا أبكار أفكار لهم ... عقم المعاني مثلها متعذر فإذا نصبنا من حبال تخيل ... شركاً به معنى نصيد ونظفر عصفت سموم هموم فكر قطعت ... تلك الحبال وفرّ منها الخاطر والدهر أخرس كل ذي لسن فلو ... سحبان كاف منطقاً لا يقدر والشعر في سوق البلاغة كاسد ... فترى البليغ كجاهل لا يشعر والفضل أقفر ربعه لكنه ... بوجود مولانا الأمين معمر علامة الدنيا وواحد دهره ... وأجلّ أهل العصر قدراً يذكر ملك العلوم له جيوش بلاغة ... وفصاحة فبهم يعز وينصر تخذ الفهوم دعية منقادة ... تأتيه طائعة بما هو يأمر يقظ يكاد يحيط علماً بالذي ... تجري به الأقدار حين يقدّر ما زال يملأ من لآليّ لفظه ... أصداف آذان لنا ويقرّر تالله ما رشف الرضاب لراشف ... من ثغر ذي شنب حكاه الجوهر أحلى وأعذب من كؤس حديثه ... تملى وتشر بها العقول فتكسر فاق الذين تقدّموه بسبقهم ... وبه الأواخر تزدهي بل تفخر بالسؤل يمنح قبل تسآل فان ... سبق السؤال عطاؤه يتعذر لو أن أيسر جوده قدما سرى ... في الكون لم يبق وحقك معسر قد أبدع الرحمن صورة خلقه ... ليرى جميل الصنع فيه المبصر وجه كأن الشمس بعض بهائه ... ما زال يحسده عليه النير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 مولاي عجزي عن مدحك ظاهر ... والعذر عن إدراك وصفك أظهر من لي بأن أهديك نظماً فاخراً ... أسمو به بين الأنام وأفخر هبني أنظم كالعقود لآلئاً ... أفديك هل يهدي لبحر جوهر لكن أتيت كما أمرت بخدمة ... جهد المقل وسؤردّ أحذر فاصفح فقد أوضحت عدرى أولاً ... واقبل فمثلك من يمنّ ويعذر واسلم ودم في نعمة طول المدى ... ما دام يمدحك اللسان ويشرك وقوله ومحجب أنف المرور بخاطري ... ويغار من مرّ النسيم إذا سرى نحميه عن نظر العيون نزاهة ... لم ترض أن يطأ القلوب على الثرى صلف ولو قال الهلال مفاخراً ... أنا من قلامة ظفره لاستكبرا ولو ابتغى لحظ التمني أن يرى ... ظلاً لطيف خياله لتنكرا وله في النحول وموله لولا دخان تأوّه ... من نار أشواق به لم يعرف قد رق حتى صار يحكي في الضنى ... لهلال شك يستبين ويختفي لو زجه الخياط في سم الخيا ... ط من النحول جرى ولم يتوقف وجميعه لو حل في طرف الذبا ... ب لفرط أسقام به لم يطرف وله فيه ومتيم دنف حكى في سقمه ... لهلال شك قد بدا ميلاده قد رق حتى كاد يخفيه الضنى ... عن عائد ورثى له حساده لولا دخان تأوّه من نار أش ... واق به لم تلفه عوّاده وله مضمناً إني لأحسد عاشقيك ورحمة ... أبكيهم من أدمعي بغزار نظروا إلى جنات وجنتك التي ... قد حف منها الورد آس عذار فتمتعت أبصارهم بنعيمها ... ومن النعيم تمتع الأبصار حتى إذا طلبوا الوصال وعذبوا ... بالطرد عنك وساء بعد الدار قدحت زناد الشوق في أكبادهم ... نار اللظى منها كبعض شرار فإذا رأيتهم رأيت عيونهم ... في جنة وقلوبهم في نار وله مضمناً للمثل السائر بقوله أطفال أغصان الرياض تهزها ... في مهدها ريح الصبا المعطار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 قد غسلتها السحب حين ترعرعت ... والطل ترضعها به الاسحار من كل غصن كالحسام مجوهر ... يهتز عجباً ما عليه غبار وقوله في ذم العذار إن الحبيب إذا تعذر خدّه ... نفضت عليه غبارها الأكدار فلأجل ذا لم تلفني بمتيم ... في وجنة ولها العذار شعار أنا مغرم بتقيّ خدّ ناعم ... قد تمّ حسناً ما عليه غبار وللسيد محمد العرضي الحلبي في مدحه ريحان خدّك ناسخ ... ما خط ياقوت الخدود وقع الغبار بها كما ... وقع الغبار على الورود ولأبي الفضل الدارمي قلت للملقى على الخدّ ... ين من ورد خمارا أسبل الصدغ على خدّ ... يك من مسك عذارا أم أعان الليل حتى ... قهر الليل النهارا قال ميدان جرى الحس ... ن عليه فاستدارا ركضت فيه عيون ... فأثارته غبارا وللمترجم هذا الحبيب إذا تعذروا كتسى ... شعراً فذاك بمقته أشعار أو ما تراه إذا بدا في وجهه ... نفضت عليه غبارها الأكدار وله أيضاً زنجيّ خال الخدّ يبدوا واضحاً ... في وجنة قد أشرقت كنهار فإذا العذار سطا عليه ليلة ... أخفاه تحت غياهب الأكدار ويناسب أن يذكر هنا قول ابن شارح المغني نازع الخدّ عذاراً دائراً ... فوق خال مسكه ثم عبق قائلاً للخادم هذا خادمي ... ودليلي أنه لوني سرق فانتضى الطرف لهم سيف القضا ... ثم نادى ما الذي أبدى القلق أيها النعمان في مذهبكم ... حجة الخارج بالملك أحق وللمترجم وساق خدّه المحمرّ يحكي ... مدا ما راق فاق العود عطرا إذا ما عبّ منها خلت خمرا ... ولا خدّ وخدّاً ليس خمرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 وله في فوارة ماء وبي فوّارة غشت وروداً ... ببركتها الماء سالا ولاحت وردة للعين حلت ... بأعلاها فزادتها جمالا تحاكي قبة الألماس فيها ... بساط من يواقيت تلالا ويحملها عمود من لجين ... لها المرجان قد أضحى هلالا وللمترجم معمى في خال حين زار الحبيب من غير وعد ... ورقيبي نأي وزال عنائي لاح لاح عدمت رؤيته قد ... حاز قلباً بنقطة سوداء وكانت وفاة صاحب الترجمة في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى مصطفى الجعفري ابن صلاح الدين الجعفري الحنبلي النابلسي نقيب الأشراف بالديار النابلسية وعالم هاتيك المعالم السنية بين سيادة العلم والنسب وبلغ من الرياسة كوالده أعلى الرتب ولد بنابلس ونشأ بها وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم فقرأ على والده المذكور وتفقه على عمه السيد أحمد وأخذ الحديث عن الشيخ أبي بكر الأحزمي شارح الجامع الصغير وعن غيرهم ونبل قدره واشتهر بالفضل بين العلماء أمره ودرّس وأفاد وهرعت إليه الطالبون والوراد وكان رحمه الله تعالى كثير التهجد رحيب النادي كريم السجايا والأيادي وكانت وفاته في أواخر رمضان سنة ألف ومائة وخمس عشرة ودفن بنابلس رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين مصطفى بن الدفتري ابن عبد ابن إبراهيم الحنفي الدمشقي الدفتري بدمشق وأحد رؤسها المشهورين بالأدب والنبل كان أديباً بارعاً متودداً حسن الخصال بعاشر الأفاضل والأدباء ويسامرهم ويطالع كتب الأدب ويجتهد في تحصيل الكمالات وكان هو وأخوه أمير الأمراء محمد باشا أليفي سعد وإقبال وحليفي أدب وكمال وتقلباً في رتب المعالي ومناصبها وأقبلت عليهما الدنيا بمواهبها وكانت وفاة المترجم في ثالث ذي الحجة سنة سبع ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى مصطفى اللطيفي ابن حسين المعروف باللطيفي الحموي الشيخ الاستاذ العارف بالله الصالح الدين الخير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 المشهور صاحب السياحات الكثيرة خرج من وطنه ودخل البلاد القاصية ودار غالب الدنيا واجتمع بأكابر العباد والعلماء والاستاذة والأولياء وله الرحلة المشهورة التي ألفها وذكر فيها غرائب الوقائع التي جرت له وما رآه وذكر الأولياء ومواقعه معهم وغير ذلك مما هو العجب العجاب ودخل دمشق وحلب والروم وغيرهم من البلاد ودار في أقاصي الأرض وجاب طولها والعرض رأيت رحلته وطالعتها جميعاً فرأيته ذكر فيها الأمصار والبلاد التي دخلها والأولياء والعارفين الذين اجتمع بهم ووقفت له على آثار تدل على علو قدمه في المعارف الالهية وبالجملة فهو من كبار الأولياء العارفين والأئمة المرشدين يغلب عليه حال التفويض والتوكل وكانت وفاته بحلب الشهباء يوم السبت رابع رمضان المعظم سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ودفن بها وقبره معروف يزار ويتبرك به رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته مصطفى التميمي ابن عبد الفتاح النابلسي الحنفي الشهير بالتميمي العلام المحقق المدقق الفقيه ولد سنة إحدى عشرة ومائة وألف كما وجد بخط والده وقرأ عليه القرآن مجوداً وبالغ في حفظه ومعرفة أحكامه وحفظ أغلب المتون وتفقه عليه وعلى خاله المرحوم السيد محمد وقرأ على السيد علي العقدي البصير المصري من أول الكنز إلى كتاب الحجر قراءة بحث وتحقيق ولازم الشيخ عبد الله الشرابي فانتفع به أتم الانتفاع وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد بن محمد عقيلة وروى البخاري عنه مسلسلاً بالحنفيين ما عدا شيخه العجيمي قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى آخر كتاب الحج كما هو ومحرر بإجازته له وقد تقلد الفتوى أربعين عاماً وحرر شرح الشيخ حافظ الدين من مسودته وكتب عليه وله كتاب في الفقه سماه ارشاد المفتي إلى جواب المستفتي وله منظومة في العقائد ورسائل في مهمات الفرائض ونظم متن نور الايضاح وغير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى مصطفى النابلسي الحنبلي ابن عبد الحق الحنبلي النابلسي نزيل دمشق الشيخ الفاضل البارع الفقيه الفرضي الحيسوب قدم من بلده نابلس في سنة إحدى عشرة ومائة وألف وسكن في مدرسة جدي الاستاذ الشيخ مراد قدس سره ولازم الشيخ أبا المواهب الدمشقي الحنبلي وتلميذه الشيخ عبد القادر التغلبي وقرأ عليهما ما كتبا عديدة في فقه مذهبه كدليل الطالب والمنتهى والاقناع وفي الفرائض والحساب وقرأ عليهما عدة كتب منها شرح الرحبية وشرح اللمع وغير ذلك ولازم دروس الشيخ أبي المواهب المذكور في الجامع الأموي بين العشاءين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 وسمع منه عدة من كتب الحديث منها الجامع الكبير للحافظ السيوطي ثم بعد وفاته لازم دروس الشيخ التغلبي المذكور لما جلس بين العشاءين مكان الشيخ أبي المواهب بعد موته ثم لازم بعد وفاته دروس حفيده الشيخ محمد المواهبي لما جلس مكان جده وأعاد له إلى أن توفى وكان المترجم بارعاً في الفقه كثير الاستحضار لفروعه ماهراً بالفرائض وعلم الغبار حتى كاد أن ينفرد بمعرفة هذين الفنين بدمشق وكان ديناً ورعاً صالحاً متواضعاً ومناقبه جمة وقد تمرض بمرض طويل وتوفى وكانت وفاته بدمشق في غرة رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى مصطفى الخليفة ابن عبد القادر بن أحمد بن علي الشهير بابن الخليفة الحنفي الدمشقي أحد أعيان الكتاب بدمشق كان كاتباً بارعاً بالأدب والكتابة منشأ بالتركية والعربية لوذعيا له اطلاع بالشعر والأدب مع معارف يكتب أنواع الخطوط سيما في تنميق الدفاتر ومتعلقات الأوقاف فإنه كان بذلك ماهراً جداً وله باع في الرقعة والديواني والفرمة وغير ذلك وعليه كتابات ككتابة وقف الأموي والحرمين وغير ذلك ونظارتها وغير ذلك وكان المترجم وأخوه حسن بن الخليفة متصرفين بأقلام الأوقاف المزبورة ومتعلقاتها حتى استولوا على عقل متولي الجامع الأموي الشيخ إبراهيم السعدي وتصرفوا فيه وفي الحرمين والمصريين تصرف الملاك وبعد وفاة أخي المترجم اضمحل حالهم وزال رونقهم وانقضت دولتهم وكان المترجم يستعمل أكل البرش المعجون المعلوم ويستغرق به وكانت عنده كتب نفيسة ويجري بينه وبين أدباء دمشق وأعيانها المطارحات والنكات والنوادر ويستعذبون حركات المترجم ونوادره المضحكة فمن ذلك ما كتبه إليه الأديب السيد محمد الراعي هاجياً له بقوله جرّت عليك من الشقاء ذيول ... وعليك من برد العناء خمول يا باذ لا نقد المضرة للورى ... ها أنت داك البارد المخذول سدت اللعين بمكره وخداعه ... وعليك فعل الملحدين قليل وأراك في نشر الرذالة لاهياً ... عبثاً بأعراض الأنام تجول ومددت باع الشرّ منك لضيغم ... يسطو عليك ببأسه ويصول مس الكلاب محرّم في شرعه ... لكن لخذلك يالكاع فعول ما في الزمان مذمّة ومذلة ... إلا وأنت بطينها مجبول أقصر عناك فأنت في الدنيا قذى ... لرجيع أحبار اليهود أكول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وعيوب نفسك لو تعدّ ألوفها ... أهل الحساب لكان ذاك يطول هذا ورب الدار يعلم ما بها ... لكن لعمري بالسوى مشغول يغضى عن الداء الدفين بجسمه ... جهلاً به أوانه المعقول كلا بل الرجل البصير بعيبه ... عن جلّ أرباب الحجى منقول عهدي بك الامسىّ فقاع الفلا ... واليوم في كسب الملامة غول شرّ عليك فعالك الذم الذي ... يأباه شرّ الخلق يا مذهول محصية تأتيك في يوم به ... كل امرئ عما جنى مسئول وبالجملة فقد كان المترجم من محاسن دمشق وكانت وفاته في سنة ثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى مصطفى العمري ابن عبد القادر بن بهاء الدين العمري المعروف بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي البارع الفاضل التقي التقي الدين الكامل ولد في حدود سنة سبع وتسعين وألف وتوفي والده العلامة الفاضل وهو ابن ثلاث سنين فنشأ يتيماً وطلب العلم فقرأ على جماعة من الشيوخ في عدة فنون وبرع في النحو والمعاني والبيان والبديع وأجاز له جماعة من الأجلاء كالاستاذ الصمداني الشيخ عبد الغني النبالسي الدمشقي وغيره وكان أخوه الشيخ السعدي المقدم ذكره يعتني بشأنه ويزدهي بإنسانه وكان للمترجم شعر وأدب فمن شعره قوله من قصيدة بين اللواحظ والقوام السمهري ... قلبي الكليم بأبيض وبأسمر من كل وضاح الجبين إذا بدت ... قسماته أربت على ابن المنذر ولرب مجدول الوشاح إذا انثنى ... بين الغلائل كالقضيب المزهر أنفقت دون هواه درّ مدامعي ... وخلعت دون لقاه برد تصبري وسنان طرف أرسلت لحظاته ... سهم المنون عن الجفون الفتر ريان من خمر الدلال كأنما ... سقي شبيبته بماء الكوثر وغدا بفرط بهائه ودلاله ... يختال في برد الشباب الأنضر ما رمت أجني الورد من وجناته ... الارنا بلحاظ ظبي أعفر عذب المقبل عاطر الثغر الذي ... يحوي اللآلئ من صحاح الجوهر فإذا بدا فضح الغزالة وجهه ... وإذا عطا يحكي التفات الجؤذر لم أنس ليلتنا به في روضة ... جرّ النسيم بها ذيول المئزر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 مخضلة الأرجاء قد نسجت بها ... كف السحاب بساط وشى عبقري والوقت قد راقت مشار به كما ... راق النظام بمدح زاكي العنصر مولى له نعم يضيق لحصرها ... ولضبطها قلم البليغ المكثر من لم تزل تثني على عليائه ... بلسان أهليها جميع الأعصر لا زلت وابن العم في فلك العلى ... كالفرقدين بعزة وتصدر ولك الهناء بصحبة النجل الذي ... طابت موارده بطيب المصدر البارع الندب الأديب ومن جنى ... ثمر العلوم بهمة لم تفتر لا زال يحوي في بقائك رتبة ... تسمو على هام السهى والمشتري ما عطر الآفاق عاطر ذكركم ... وذكت بمدحكم عقائل أسطر وقوله مشجراً دون ورد الحيا ونوّار ثغره ... ومحيا دعا القلوب لأسره رقم الحسن بالبنفسج سطراً ... أثبت الطرف فيه آية سحره وعلى غصن قدّه بدر تمّ ... مشرق لاح من دياجر شعره يا بروحي غصن الجمال نضيراً ... باسم الثغر عن بدائع دره شاهدي في هواه عادل قدّ ... أكدت حبه مناطق خصره وله أيضاً سعود بها الأيام باسمة الثغر ... وبشرى بها الآمال حالية النحر وعين الأماني بالحبور فريدة ... تغازل من روض الهنا مقل الزهر بحيث محيا الانس يندى بمائه ... فتشرق من لألائه غرر البشر وصفحة مرآة الزمان صقيلة ... تشف مرائيها عن الشيم الغر وقد خلعت كف الربيع على الربا ... خلاخل وشي من ملابسها الخضر ورنح أعطاف الغصون شمائل ... مضمنة الأذيال بالعنبر الشحري إذا نشرت فوق الغدير غدائراً ... تكللها أيدي السحائب بالدر وزهر الربا تغتر عنه كمائم ... كما افترت الحسناء عن درر الثغر وقد بسط المنثور أجمل راحة ... تصافحها أيدي النسائم إذ تسري وللأنس أذن كلما كتم الصبا ... نوافح سرّ العرف تجنح للسر وللاقحوان الغض ثغر مفلج ... يعض بأطراف الثنايا على تبر وللورد خدّ قد حكى بروائه ... محياً ابن صدّيق النبي أبي بكر أخي الشيم الغرّ اللواتي إذا بدت ... تقود إلى عليائه جمل الشكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 امام هدى راقت موارد فضله ... وأشرق في أوج المفاخر كالبدر همام أراد الله إظهار ما انطوى ... عليه من الآداب والفضل والفخر فقلد فتوى الشام عهد شبابه ... ولم يأت سن الأربعين من العمري ونيطت به الأحكام حتى بدت له ... بدائع تشريع بحلّ عن الحصر فأجرى يراع الحق فاندهش الورى ... ببحر علوم قد تدفق من صدر وفك عر الأشكال من كل غامض ... بصائب فكر كالمهندة البتر وقلد أجياد النهى بفرائد ... فمن لؤلؤ نضر ومن جوهر نثر فلله منه ماجد قد تقاصرت ... خطا العزم عن أدنى مفاخره الغر لقد لف برد الحلم منه على تقي ... أقام مع الاخلاص في السر والجهر فيا أيها الشهم الذي أوسع الورى ... فضائل في العلياء عاطرة الذكر إليك عقوداً في سطور محامد ... بمدحك قد أصبحن سامية القدر فلا برحت علياك يا خير ماجد ... تقلب أحشاء الحسود على الجمر وله من لي بمعسول المراشف أهيف ... حلو الشمائل عاطر الأنفاس متضرّج الوجنات عنبر خاله ... أسر القلوب بطرفه النعاس لما جلا نور الصباح جبينه ... وزها بغصني قوامه المياس متت طرفي في بديع محاسن ... من وجهه الزاكي بمسك نواس ما بين ورد حيا وعنبر شامة ... وأقاح ثغر في خميلة آس وله عذيري ممن صير القلب طرفه ... أسير غرام للحاظ النواعس وغادرني وقف الصبابة والهوى ... أجود بروحي للظباء الأوانس واعشق مجدول الوشاح إذا انثنى ... بغصني قوام كالمثقف مائس لعلي يوماً أرى من ألفته ... فأسال من خدّيه بلغة قابس وله ومهفهف يزري الغصون قوامه ... ولحاظه منها المنايا ترشق لما رأى أن اللواحظ كلها ... لسوى محاسن وجهه لا ترمق أبدى السلاسل فوق صفحته التي ... أضحى بها ماء الجمال يرقرق فانحاز كل سالماً بفؤاده ... إلا أنا فالقلب مني موثق أقول قوله أضحى بها ماء الجمال يرقرق قد استعملت الشعراء والعرب في كلامهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 الماء لكل ما يحسن منظره وموقعه ويعظم قدره ومحله فيقال ماء الوجه وماء الحسن وماء النعيم وماء الشباب وغير ذلك فهنا وقع في كلام المترجم ماء الجمال وأحسن ما قيل في ماء الحسن قول ابن المعتز ويكاد البدر يشبهه ... وتكاد الشمس تحكيه كيف لا يخضرّ شاربه ... ومياه الحسن تسقيه ولا بأس بذكر قطرة من ذلك في ضمن هذه الترجمة ليمتلئ الظمآن للأدب من مياه هذه المحاسن التي فيها ماء الفصاحة والبلاغة غير آس فمما ورد من ذلك في ماء الوجه قال أبو تمام وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي ومن ذلك ماء الشعر والكلام قال أبو تمام وكيف ولم يزل للشعر ماء ... عليه يرف ريحان القلوب ومنه ماء الشباب فمن ذلك قول أبي محمد الفياض وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الكرام على الشراب ولثمك وجنتي قمر منير ... يجول بخده ماء الشباب ومنه ماء النضارة والندى والبشر قال بعضهم يجول به ماء النضارة والندى ... كما جال ماء البشر في وجه قادم ومنه ماء الندى والكرم والنوال والجود قال العتابي أأترب من جدب المحل وضنكه ... وكفاك من ماء الندى تكفان وقال البحتري وما أنا الأغرس نعمتك التي ... أفضت لها ماء النوال فأورقا وقال البحتري أيضاً ووجه سال ماء الجود فيه ... على العرنين والخدّ الأسيل ومنه ماء البشاشة قال أبو العتاهية ليالي تدني منك بالقرب مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر ومنه ماء الظرف قال الصاحب ابن عباد وشادن أحسن في اسعافه ... يقطر ماء الظرف من أطرافه ومنه ماء الود قال الشريف الرضي ترقرق ماء الود بيني وبينه ... وطاح القذى عن سلسل الطعم رائق ومنه ماء النعيم قال بعضهم إذا لمع البرق في كفه ... أفاض على الرأس ماء النعيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 ومنه ماء المنى قال الشريف الرضي فاسمح بفعلك بعد قولك أنه ... لا يحمد الوسمى إلا بالوبى فلعلنا نمتاح إن لم نغترف ... ماء المنى ونعل إن لم ننهل وكانت وفاة صاحب الترجمة في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربتهم في مرج الدحداح رحمه الله تعالى مصطفى بن مياس ابن علي المعروف بابن مياس الحنبلي البعلي الدمشقي الشيخ الإمام الفقيه النحوي الناسك الورع أخذ الفقه عن الشيخ محمد بن بلبان الصالحي الدمشقي وقرأ في بعض العلوم على الشيخ محمد علاء الدين الحصكفي مفتي الحنفية بدمشق وغيرها وصارت له بعض وظائف بدمشق منها خطابة جامع التوبة الكائن في محلة العقيبة وكانت وفاته في أواخر صفر سنة إحدى وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى مصطفى البكري ابن كمال الدين بن علي بن كمال الدين بن عبد القادر محيي الدين الصديقي الحنفي الدمشقي البكري الاستاذ الكبير والعارف الرباني الشهير صاحب الكشف والواحد المعدود بألف كان مغترفاً من بحر الولاية مقدماً إلى غاية الفضل والنهاية مستضأ بنور الشريعة رطب اللسان بالتلاوة صاحب العوارف والمعارف والتآليف والتحريرات والآثار التي اشتهرت شرقاً وغرباً وبعد صيتها في الناس عجماً وعرباً أحد أفراد الزمان وصناديد الأجلاء من العلماء الأعلام والأولياء العظام العالم العلامة الأوحد أبو المعارف قطب الدين ولد بدمشق في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وألف وتوفي والده الشيخ كمال الدين وعمره ستة أشهر فنشأ يتيماً موفقاً في حجر ابن عمه المولى أحمد بن كمال الدين بن عبد القادر الصديقي المقدم ذكره وبقي عنده في دارهم الكائنة قرب البيمارستان النوري واشتغل بطلب العلم بدمشق فقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن محيي الدين السليمي الشهير بالمجلد والشيخ محمد أبي المواهب الحنبلي وكان يطالع له الدروس الشيخ محمد بن إبراهيم الدلدكجي ومع ذلك قرأ عليه متن الاستعارات وشرحها للعصام وحضر على الشيخ أبي المواهب المذكور شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر وأخذ أيضاً عن الملا الياس بن إبراهيم الكوراني والمحب محمد بن محمود الحبال وأبي النور عثمان بن الشمعة والشيخ عبد الرحيم الطواقي والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني وملا عبد الرحيم بن محمد الكابلي وأجاز له الشيخ محمد بن محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت وأخذ عنه المسلسل بالأولية ولازم الأستاذ الشيخ عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 الغني بن إسمعيل النابلسي وقرأ عليه التدبيرات الألهية والفصوص وعنقاء مغرب ثلاثتها للشيخ الأكبر قدس سره وقرأ عليه مواضع متفرقة من الفتوحات المكية وطرفاً من الفقه وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي الخلوتي ولقنه الأسماء وعرفه حقيقة الفرق بين الأسم والمسمى وفي سنة تسع عشرة ومائة وألف سكن إيوان المدرسة الباذرائية ونزل في حجرة بها بقصد الانفراد والاشتغال بالأذكار والأوراد وأذن له شيخه المرقوم بالمبايعة والتخليف سنة عشرين أذناً عاماً فبايع في حياته وكانت تلك أزهر أوقاته وسمعه مرة يقول الجنيد لم يظفر طول عمره إلا بصاحب ونصف فقال له وكم ظفرتم أنتم بمن يوصف بالتمام فقال له أنت إن شاء الله ثم إن شيخه المرقوم دعاه داعي الحق فلبي ثم إن تلامذته توجهوا إلى صاحب الترجمة واجتمعوا عليه وجددوا أخذ البيعة عنه فشاع خبره وذاع أمره وكثر جمع جماعته إلى سنة اثنين وعشرين وفي تاسع عشر محرم وهو يوم الخميس توجه من دمشق الشام إلى زيارة بيت المقدس وهناك أخذ عنه جماعة الطريق ونشر ألوية الأوراد والأذكار وتوجه إلى زيارة الامام العارف سيدي علي ابن عليل العمري وهو على ساحل البحر قرب اسكلة يافا فاتفق إنه اجتمع بالشيخ الامام نجم الدين بن خير الدين الرملي وكان أيضاً قادماً بقصد الزيارة فسمع عليه صاحب الترجمة أول الموطا للامام مالك بن أن من رواية الامام محمد بن الحسن الشيباني بروايته له عن والده الخير الرملي بسنده المعلوم وأجازه بباقيه وبجميع ما يجوز له روايته ثم عاد صاحب الترجمة بعد استيفاء غالب الزيارات إلى زيارة نبي الله السيد موسى الكليم صلى الله على نبينا وعليه وسلم وبعد حضوره للقدس شرع في تصنيف ورد السحر المسمى بالفتح القدسي والكشف الأنسي على ما هو مرتب من الحروف وهو ورد يقرأ في آخر الليل لكل مربد من تلاميذ طريقته وأمر جماعته بقراءته وقد اعترض عليه بعض المخذولين بأن ذلك بدعة في الطريق فعرضه على الامام الشيخ حسن ابن الشيخ علي قره باش في أدرنة فأجاب بأنه لا بأس به وحيث انكم رأيتموه مناسباً فهو المناسب ثم عاد إلى دمشق في شعبان من السنة المرقومة وانتشرت طريقته وخفقت في الاقليم الشامي ألويته وهو فيما بين ذلك مشتغل بالتآليف والزيارات نازلاً في المدرسة الباذرائية كما تقدم غير ملتفت إلى أحوال بني عمه من حب الجاه والمناصب واستقام على ذلك إلى سنة ست وعشرين ففي غرة شعبان منها هم على زيارة بيت المقدس فتوجه إليها ونزل خلوة في المسجد الأقصى وأقام هناك في إقامة الطريق والأذكار ونشر العلم إلى شعبان فعاد إلى دمشق وأقام بها كذلك ثم توجه منها إلى حلب الشهباء ومنها ذهب إلى بغداد إلى زيارة الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وأقام بها نحو شهرين ثم رجع وتوجه إلى زيارة سيدي إبراهيم بن أدهم ثم تنقل بعد ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 للسياحة في البلاد الشامية لأجل زيارة من بها من الأولياء ثم دخل بيت المقدس وعمر به الخلوة التحتانية وهي التي تنسب إليه وبها تقام الأذكار والأوراد ولها تعيين من خبز وأكل على تكية السلطان لمن بها أقام وفي جمادي الثانية سنة تسع وعشرين توجه راجعاً إلى دمشق واجتمع بالسيد محمد ابن مولاي أحمد التافلاتي وكان تقدم اجتماعه به في طرابلس الشام أوقاتاً مفيدة ونزل صاحب الترجمة في حجرة بالمدرسة الباذرائية وفي شهر رمضان عزم عمه محمد أفندي البكري على الحج فتوجه معه لأنه كان يتناول ما يخصه من أملاكهم وخرج معه إلى أن عاد إلى الشام وكان عمه وعده بتزويج ابنته فلم يتيسر ذلك ثم رحل إلى الديار القدسية ووصلها آخر ذي القعدة فتزوج هناك وأرخ زفافه بعضهم بقوله زفت الزاهراء للقمر وأقام هناك غير فارغ ولالاه مشتغلاً بما فيه رضي مولاه إلى أن قدم والي مصر من جهة دمشق لزيارة بيت المقدس وهو الوزير رجب باشا فزار صاحب الترجمة وصار له فيه مزيد الاعتقاد ولما ذهب إلى الديار المصرية اصطحبه معه فدخل مصر وأقام بها مدة وأخذ عنه بها خلق كثيرون أجلهم النجم محمد بن سالم الحفني ثم توجه إلى زيارة القطب العارف سيدي السيد أحمد البدوي قدس الله سره ومن هناك سار إلى دمياط وأقام هناك في جامع البحر وأخذ بها عن علامتها الشمس محمد البديري الشهير بابن الميت وقرأ عليه الكتب الستة والمسلسل بالأولية وبالمصافحة وبلفظ أنا أحبك وأجازه اجازة عامة بسائر مروياته وتأليفاته ثم رجع إلى بلده بيت المقدس على طريق البحر وأقام بها خمسة عشر يوماً ومنها إلى حمص ومنها إلى حماة ونزل في بيت السيد يس القادري الكيلاني شيخ الجادة القادرية بحماة فأخذ عنه الطريقة القادرية ومنها رحل إلى حلب وكان واليها الوزير المقدم ذكره وأخذ عنه بها جماعة منهم الشيخ أحمد بن أحمد خطيب الخسروية الشهير بالبني وفي آخر شهر رجب الحرام توجه إلى دار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية على طريق البر فدخلها في سابع عشري شعبان ونزل مدرسة سورتي مدة وبعدها تنقل في كثير من المدارس والأماكن ومكث بتلك البلاد معتكفاً على التأليف والنظم في السلوك وحقائقه غير مشتغل بأمر من أمور الدنيا ولا توجه فيها إلى أحد من أرباب مناصبها وكان كلما سكن في جهة وشاع خبره فيها وقصده أهلها يرتحل إلى أخرى أبعد ما يكون عنها وهلم جرا وفيها كان يجتمع بالامام الكامل السيد محمد بن أحمد التافلاتي المقدم ذكره وهو شيخه من وجه وتلميذه من آخر فإن صاحب الترجمة كان يقول عنه تارة شيخنا وأخرى محبنا ولم يزل بها مقيماً ينفق من حيث لا يحتسب ولا يصل إليه من أحد شيء أبداً وفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف أخذ العهد العام على جميع طوائف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 الجان أن لا يؤذوا أحداً من مريديه الذين أخذوا عنه أو عن ذريته بمشهد كان فيه السيد التافلاتي وغيره من المريدين وأفاد هو قدس سره أن إقامته هذه المدة في الديار الرومية كانت لأمور اقتضتها أحكام القدرة الألهية ولما ضاق صدره واشتاق إلى رؤية أهله توجه بمن معه إلى أسكدار في ثالث محرم سنة تسع وثلاثين وسار على طريق البر فدخل حلب الشهباء في صفر ونزل الخسروية مجاوراً للشيخ أحمد البني ثم في ثاني شهر ربيع الأول توجه قاصداً للعراق لزيارة سكانه ووصل إلى بغداد في آخر جمادي الأولى ونزل في التكية القادرية ملازماً ومشاهداً تلك الأنوار والأطوار القادرية ولم يدع مزاراً إلا وزاره ولا ما يتبرك به إلا أحل به قراره وجاءه في أثناء ذلك مكتوب من شيخه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي يحثه فيه على العود للديار الشامية لأجل والدته فهم على المسير وفي أوائل صفر الخير عزم على العود إلى المنازل الشامية وفي الثاني والعشرين منه وصل إلى الموصل ومنها دخل إلى حلب ونزل في الخسروية في خلوة الشيخ أحمد البني وكان يقيم فيها الأذكار ويحضر ورد السحر ما يفوق على الخمسين بمقدار وفي ثامن شوال توجه منها إلى دمشق فوصلها ونزل في دار الشيخ إسمعيل العجلوني الجراحي وبعد مدة أيام الضيافة نزل حجرته في المدرسة الباذرائية وبعد برهة زار الأستاذ الشيخ عبد الغني فرآه يقرأ في التدبيرات الألهية ولم تطل إقامته بها بل شمر عن ساعد الهمة إلى الأراضي المقدسة ذات الابتسام فرحل متوجهاً إلى أراضي القاع العزيزي وبلاد صفد وفي أوائل ذي الحجة سنة أربعين ومائة وألف ولد له شيخنا السيد محمد كمال الدين وأرخ مولده صاحب الترجمة بقولهن ساعد الهمة إلى الأراضي المقدسة ذات الابتسام فرحل متوجهاً إلى أراضي القاع العزيزي وبلاد صفد وفي أوائل ذي الحجة سنة أربعين ومائة وألف ولد له شيخنا السيد محمد كمال الدين وأرخ مولده صاحب الترجمة بقوله في ليلة الجمعة من أنصافها ... ثالث شعبان أتى غلام وفيه بشرت قبيل ما أتى ... وبعده فسرّني الانعام ختام مسك قد حواه يفتدي ... فأرخوا محمد ختام سنة 1140 7 92 1041 وأقام في القدس المشرفة يتنقل من زيارة إلى أخرى مطرفة وهو في تأليف وتصنيف وارشاد إلى رب العباد إلى أن دخل شوال سنة خمس وأربعين فعزم على الحج المبرور وتوجه مع رفقائه وأجلهم حسن بن الشيخ مقلد الجيوشي شيخ ناحية بني صعب في جبال نابلس إلى منزلة المزيريب ومنها إلى مدينة الرسول فنال أسنى مراد ومأمول ثم إلى مكة المشرفة وقضى مناسك الحج وعاد صحبة الحج الشامي وصحبه إلى القدس الفاضل العالم الشيخ محمد ابن أحمد الحلبي المكتبي ومكث عنده نحو أربعين يوماً وأدخله إلى الخلوات وأفاض عليه كامل الثبات وكان لقنه بعض أسماء الطريق ثم أتمها هناك وأجاز له بالبيعة للغير وأقامه خليفة يدعو إلى الله وفي سنة ثمان وأربعين ومائة وألف سار قاصداً للبلاد الرومية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 فمر على البلاد الصفدية ومنها على دمشق ذات الربوع الندية ووصل لدار السلطنة في رابع عشر جمادي الأولى وأقام فيها يجتمع بالأحباب والخلان خصوصاً السيد التافلاتي المصان ثم توجه منها إلى اسكندرية بحراً فوصلها في ثمانية أيام ومنها ذهب إلى مصر وبعد أن استوفى الزيارات بمصر عزم على المسير إلى الشام فدخل بيت المقدس غرة شهر رمضان وكان له بنت فرآها مريضة ولم تطل اقامتها بل انتقلت إلى الجنة العريضة ولهذه البنية أخبار كثيرة ووقائع في بعض الرحلات شهيرة ولم يزل مقيماً إلى أن دخلت سنة تسع وأربعين فعزم على الحج وفي أثنائها توجه إلى أرض كنانة وصحبه جمع كثير وظهرت كلمته في تلك الأقطار ولما بلغت تلامذته مائة ألف أمر بعدم كتابة أسمائهم وقال هذا شيء لا يدخل تحت عدد ثم حج ورجع إلى دمشق وكان واليها إذ ذاك الوزير الكبير المرحوم سليمن باشا العظمي وحين وصوله إلى دمشق تلقاه وجوه أهلها ونزل قرب الخانقاه السميساطية وبعد أيام تحول إلى الديار البكرية وأقام بها ثمانية أشهر ثم رحل إلى نابلس فمكث بها أحد عشر شهراً وفي شوال سنة اثنتين وخمسين توجه إلى الديار القدسية ولم يزل بها إلى سنة ستين ومائة وألف فسار إلى مصر متنقلاً في البلاد الكنانية والساحل الشامي فوصل مصر واستأجر له الأستاذ الحفناوي داراً قرب الجامع الأزهر عن أمر منه بذلك وعندما وصل إلى قرية الزوابل تلقاه الأستاذ الحفني المذكور ومعه خلائق كثيرون من علماء مصر ووجوه أهلها وأقام هناك وهو مقبل على الارشاد والناس يهرعون إليه مع الازدحام الكثير حتى إنه قل أن يتخلف عن تقبيل يده جليل أو حقير إلى أن دخل شوال سنة إحدى وستين فعزم على الحج وكان قدس سره بجمع الكثرة مشهوراً وكان مصرفه مثل مصرف أكبر من يكون من أرباب الثروة وأهل الدنيا ولم تكن له جهة تعلم يدخل منها ما يفي بأدنى مصرف من مصارفه ولكن بيده مفتاح التوكل لكنز هذا عطاؤنا هذا وقد أخذ الأستاذ المترجم عن الشيخ الامام محمد بن أحمد عقيلة المكي والشهاب أحمد بن محمد النخلي المكي والجمال عبد الله بن سالم البصري المكي والجميع أجازوا له وأخذ الطريقة النقشبندية عن القطب العارف السيد مراد الأزبكي البخاري النقشبندي ولقنه الذكر على منهج السادة النقشبندية ودعا له بدعوات أسرارها سارية في هذه الذرية وأخذ عن الأستاذ النحرير الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وبه تخرج وعلى يديه سلك وأخذ أيضاً عن الأستاذ العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي وكان الأستاذ يثنى عليه كثيراً وعن الشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري وعن الشيخ أبي المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي وعن الشيخ مصطفى بن عمر وعن غيرهم وأخذ عنه خلائق كثيرون حتى أخذ عنه سبعة ملوك من طوائف الجان وأسماؤهم محررة في بعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 مؤلفاته وأخذ عليهم عهوداً عامة وخاصة نفعها خاص وعام وألف مؤلفات نافعة منها الكشف الأنسي والفتح القدسي وشرحه بثلاثة شروح ومنها شرحه على الهمزية وشرحه على ورد الوسائل وشرحه على حزب الامام الشعراني وشرحه على صلاة العارف الشيخ محيي الدين الأكبر والنور الأزهر قدس سره وشرحه على صلاة الأستاذ الشيخ محمد البكري وشرحه على قصيدة المنفرجة لأبي عبد الله النحوي وشرحه على قصيدة الامام أبي حامد الغزالي التي أولها الشدّة أودت بالمهج ... يا رب فعجل بالفرج وشرحه على بيت من تائية ابن الفارض وشرحه على سلاف تريك الشمس الخ للامام الجيلي وله اثنتا عشرة مقامة واثنتا عشرة رحلة وسبعة دواوين شعرية وألفية في التصوف وتسعة أراجيز في علوم الطريقة ورسالة سماها تبريد وقيد الجمر في ترجمة الشيخ مصطفى بن عمرو ومرهم الفؤاد الشجي في ذكر يسير من مآثر شيخنا الدكدكجي والمنهل العذب السائغ لوراده في ذكر صلوات الطريق وأوراده والروضات العرشية على الصلوات المشيشية وكروم عريش التهاني في الكلام على صلوات ابن مشيش الداني وفيض القدوس السلام على صلوات سيدي عبد السلام واللمحات الرافعات غواشي التدشيش عن معاني صلوات ابن مشيش الداني وفيض القدوس السلام على صلوات سيدي عبد السلام واللمحات الرافعات غواشي التدشيش عن معاني صلوات ابن مشيش والورد السحري الذي شاع وذاع وعمت بركاته البقاع وصار ورداً لا يضاهي وحقائقه لا تتناهى شهرته تغنى عن الوصف والتحرير ومعانيه ومزاياه لا تحصيها أقلام النحبير شرحه ثلاثة شروح أحدها سماه الضياء الشمسي على الفتح القدسي في مجلدين ضخمين والثاني رفيع المعاني سماه اللمح الندسي على الفتح القدسي والثالث الذي لكشف أسراره باعث المنح الأنسي على الفتح القدسي ومن مؤلفاته السيوف الحداد في الرد على أهل الزندقة والالحاد والفرق المؤذن بالطرب في الفرق بين العجم والعرب وهذان التأليفان من أعجب العجاب لمن كشف لن النقاب فمن أراد فليراجعهما ففيهما ما تشتهيه القلوب وما تشتاقه من كل مطلوب ومرغوب والوصية الجنية للسالكين في طريق الخلوتية والنصيحة الجنية في معرفة آداب كسوة الخلوتية والحواشي السنية على الوصية الحلبية وبلوغ المرام في خلوتية الشام ونظم القلادة في معرفة كيفية اجلاس المريد على السجادة وبلغت مؤلفاته مائتين واثنين وعشرين مؤلفاً ما بين مجلد وكراستين وأقل وأكثر وكلها لها أسماء تخصها مذكورة في أوائلها وله نظم كثير وقصائد جمة خارجات عن الدواوين تقارب اثني عشر ألف بيت وقد أفرد ترجمته بكتاب ولده شيخنا أبو الفتوح محمد كمال الدين البكري سماه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 التلخيصات البكرية في ترجمة خلاصة البكرية بث فيه بعض مزاياه الجميلة وما كان عليه من الأحوال الجليلة وله من الخلفاء الذين توفي وهو عنهم راض وخلصوا من شوائب العلل الرديئة والأمراض ما ينوف على عشرين خليفة الكل منهم عظيم الأسرار وبالتحقيق نال المنازل الشريفة وعلى كل حال فاستيفاء أحواله يكاد أن يعد من المحال لأن أولياء الله تعالى لا يمكن حصر أوصافهم لما وهبهم الله تعالى من فيض فضله وإنما ذلك قطرة من بحر أو ذرة من بر وقد اطلعت بعد ذلك على جملة من أسماء مؤلفاته منها المقامات في الحقيقة الأولى سماها المقامة الرومية والمدامة الرومية والثانية المقامة العراقية والمدامة الأشرافية والثالثة المقامة الشامية والمدامة الشافعية والرابعة الصمصامة الهندية في المقامة الهندية وهي أعنى هذه المقامات في أعلى مقام البلاغة وأتم نظام الفصاحة ولقد مدح بعضها الفاضل الأديب المرعى الشيخ عبد الله بن مرعي فقال قضت رومية البكريّ أن لا ... تضاهيها مقامات الحريري فهذي درّة الغوّاص تدعى ... وأين الدرّ من نسج الحرير ولقد أجاد سيدي يوسف الحفني حيث قال تقول مقامات الحريريّ إن رأت ... مقامة هذا القطب كالكوكب الدري تضاءل قدري عندها ولطائفي ... وأين ثرى الأقدام من أنفس الدر فهذي لأهل الظرف تبدي ظرائفاً ... وللواصل المشتاق من أعظم السر فكيف ومنشيها فريد زمانه ... أجلّ همام قال نوديت في سري وبلغة المريد ومنتهى موقف السعيد نظماً وألفية في التصوف وكل ذلك في آداب الطريقة العلية ومن تآليفه رضي الله عنه تشييد المكانة لمن حفظ الأمانة وتسلية الأحزان وتصلية الأشجان ورشف قناني الصفا في الكشف عن معاني التصوف والمتصوف والصفا والمدام البكر في بعض أقسام الذكر والثغر البسام فيمن يجهل من نفسه المقام والكأس الرائق في سبب اختلاف الطرائق والتواصي بالصبر والحق امتثالاً لأمر الحق والوارد الطارق واللمح الفارق والهدية الندية للأمة المحمدية والموارد البهية في الحكم الألهية على الحروف المعجمة الشهية وجمع الموارد من كل شارد والكمالات الخواطر على الضمير والخاطر والجواب الشافي واللباب الكافي وجريدة المآرب وخريدة كل سارب شارب وهدية الأحباب فيما للخلوة من الشروط والآداب والكوكب المحمي من اللمس بشرح سلاف تريك الشمس ورسالة الصحبة التي أنتجتها الخدمة والمحبة ورسالة في روضة الوجود ورفع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 الستر والردا عن قول العارف أروم وقد طال المدى وارجورة الأمثال الميدانية في الرتبة الكيانية والمطلب الروي على حزب الامام النووي وله شرح على ورد الشيخ أحمد العسال وشرح على رسالة سيدي الشيخ أرسلان والبسط التام في نظم رسالة السيوطي المقدام وله الدر الفائق في الصلاة على أشرف الخلائق والفيوضات البكرية على الصلوات البكرية والصلاة الهامعة بمحبة الخلفاء الجامعة ونيل نبل وفا على صلوات سيدي على وفا والمدد البكري على صلوات البكري والهبات الأنورية على الصلوات الأكبرية واللمح الندية في الصلوات المهدية والنوافح القريبية الكاشفة عن خصائص الذات المهدية والهدية الندية للأمة المحمدية فيما جاء في فضل الذات المهدية وله رضي الله عنه نظم أحاديث نبوية ومقدمة وأربعون حديثاً وخاتمة سنية والأربعون المورثة الانتباه فيما يقال عند النوم والانتباه وله رضي الله عنه تفريق الهموم وتغريق الغموم في الرحلة الحلبية والحلة الفانية رسوم الهموم والغموم في الرحلة الثانية إلى بلاد الروم والثانية الأنسية في الرحلة القدسية وكشط الصد أو غسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان والفيض الجليل في أراضي الخليل والنحلة النصرية في الرحلة المصرية وبرء الأسقام في زمزم والمقام ورد الاحسان في الرحلة إلى جبل لبنان ولمع برق المقامات العوال في زيارة سيدي حسن الراعي وولده عبد العال وله رضي الله عنه بهجة الأذكياء في التوسل بالمشهور من الأنبياء والابتهالات السامية والدعوات النامية والورد المسمى بالتوجه الوافي والمنهل الصافي والتوسلات المعظمة بالحروف المعجمة والفيض الوافر والمدد السافر في ورود المسافر والورد الأسنى في التوسل بأسمائه الحسنى وسبيل النجاء الالتجاء في التوسل بحروف الهجاء وأوراد الأيام السبعة ولياليها وقد ترجم رضي الله عنه كثيراً من مشايخه وممن اجتمع عليهم فمن ذلك الكوكب الثاقب فيما لشيخنا من المناقب والثغر الباسم في ترجمة الشيخ قاسم والفتح الطري الجني في بعض مآثر شيخنا الشيخ عبد الغني والصراط القويم في ترجمة الشيخ عبد الكريم والدرر المنتشرات في الحضرات العندية في الغرر المبشرات بالذات العبدية المحمدية وله ديوان الروح والأرواح وله عوارف الجواد التي لم يطرقهن طارق قد أبدع فيه وأغرب وجعله مبنياً على ذكر حاله ووقائعه من ابتدائه إلى انتهائه على طريقة الأجمال هذا ما وقفت عليه ووصل سمعي إليه وله غير ذلك من التآليف التي عز ادراكها على كل كشف وكان رضي الله عنه من أكابر العارفين وأجل الواصلين وقد وقفت له على قصيدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 فوجدتها فائقة فريدة ضمن فيها البيت المشهور وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تسطعه الأوائل وهي تنبئ عن بعض أحواله وسنى أقواله ولنذكر شيئاً من شعره لأجل التبرك فمنه قوله رحمه الله تعالى صدّ عني فرد التثني لأني ... في هواه ما زال كلي يصبو وتمادى في الهجر يبدي دلالا ... وجواد الوداد لم يك يكبو ليت ذا قبل أن يذيق لماه ... في حماه وقبل شوقي يربو منّ بالوصل ثم أعرض عني ... سلوة قطعه العوائد صعب فتطلبت سلمه دون حرب ... حيث قلبي ما مسه عنه قلب فانثنى نافراً وزاد تجني ... هكذا هكذا الغزال المحب وبهذا تمّ الغرام ووجدي ... ثار والشوق ناره ليس تخبو ولصبري فقدت من فرط كتمي ... ما على فاقد التصبر عتب ولمن قد هويت ذكرت أشدو ... قول صب ذاق النوى وهو خطب ما جزا من يصدّ إلا صدود ... وجزا من يحب إلا يحب وقال مخمساً يا فريد الجمال لا تجف صبا ... صب دمع العيون كالسحب صبا لم يمل قلبه إلى الغير قلبا ... غائباً في الشهود ما زال حبا لمعاني بهاء حسنك يصبو لا وحق الجمال يا نور عيني ... ما حلا غيركم لقلبي وعيني وجلال جلا غياهب غيني ... ووصال الوصال من عين عيني ما جزا من يحب إلا يحب وقال أيضاً ما هبّ من نحوكم نسيم صبا ... إلا وقلب الفتى إليه صبا ولا سرى حادي لأرضكم ... إلا وأذكى بمهجتي لهبا ولا شدا مطرب بقربكم ... إلا براني وجدا بكم إربا ولا دنوتم لناظري زمناً ... إلا ونادى المشوق وأطربا ولا تذكرت عيشة سلفت ... بالخيف إلا وصحت واحربا ولا تحدثت عن وصالكم ... إلا وأجريت أدمعي سحبا لله أيام نزهة شرفت ... في ظل من شرفوا مني وقبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 أيام كنا مع الحبيب بها ... نطوف نسعى نقضي الذي وجبا نشرب من زمزم الصفا سحراً ... إذ زمزم الشاد بالوفا حقبا يمم إلى حيث من لحاني سرى ... لم يقض من عذله الذي طلبا يا حبذا لوعتي عليك ويا ... هناء قلبي إن صرت فيك هبا ويا سروري ويا مناي ويا ... بشراي إن مت فيك مكتئبا لا نال منك المحبّ مطلبه ... إن كان يوماً إلى السوى ذهبا ولا عيون الغيون ترمقكم ... إن غيركم لمحة لها جذبا آهاً لأيامنا بقربكم ... وطيب وقت لبى به سلبا ومجلس بالصفاء مجتمع ... وأنس عيش كل الهنا جلبا ما كان أحلاه إذ بمنبره ... سامي خطيب السرور قد خطبا عدوا بوصلي فالقلب يقنعه ... وعدو لو بالمطال لي نهبا أفنى بكم يا أهيل كاظمة ... أم للقا ساعة أرى سببا أحبابنا هل لقربكم أجد ... وهل لهجري عن باب فجري نبا إن كان إعراضكم لغفلتنا ... أو أنكم لم تروا لنا أدبا فالنقص فينا والعفو صفوكم ... نرجوه من فضل ذاتكم رغبا أو كان من هفوة معوّقة ... كم من جواد حال المجال كبا وصارم شحذوه ثم نبا ... وكم زناد في الاقتداح خبا غفراً حماة الحمى فعبدكم ... ما نال من غاية الثنا طنبا يا سائق النوق عن مرابعهم ... وشائقاً للدنو نحو خبا بالله إن جزت بالحمى سحراً ... بلغ سلامي أهل الربا وقبا وقل لهم ذلك الكئيب قضى ... وعمره بالبعاد قد قضبا وما قضيتم له مآربه ... وما قضى من وصالكم أربا ثم الصلاة كذا السلام على ... خير نبي عجماً علا عربا والآل والصحب ما بحبهم ... صب التهاني قد ذوّق الضربا وتابع ساد حين شاد بهم ... بيت التداني ونال كل حبا أو مصطفى بانتسابه لكم ... سما استناد أو نسبة حسبا وله غير ذلك من النظام والنثار وفي شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وستين ومائة توعك مزاجه بحمى مطبقة وتمرض إلى ليلة الأثنين ثامن عشر الشهر المرقوم فتوفي بعد العشاء الآخرة بفكر صاح وقلب غير لاه ودفن بعد طول منازعة في تربة المجاورين وقبره مشهور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 يزار ويتبرك به ورثاه ولده السيد كمال الدين البكري بقوله هذا مقام القطب مفرد وقته ... أصل الحقيقة فرعها الحد ثاني هو مصطفى البكري سبط محمد ... نجل الصديق الخلوتي الرباني لا زال يسقى تربه من صيب ... هطل يساق برحمة الرضوان وبالجملة فقد كان المترجم رحمه الله من أفراد العالم علماً وعملاً وزهداً وورعاً وولاية قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه وتتابعت له الصلاة الغيبية في البلدان إلى تمام عامه برحمة المنان ورثاه كل شعراء عصره فرحمه الله تعالى ونفعنا به آمين. مصطفى الديربي ابن محمد علي الشافعي القاهري الشهير بالديربي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر النحرير الفهامة المحقق المدقق أبو البركات زين الدين أخذ عن جملة من الأفاضل منهم على ابن عمر الديربي وصالح بن حسن البهوتي الحنبلي وإبراهيم الشبرخيتي ومنصور الطوخي ومحمد الشرنبابلي وإبراهيم البرماوي وأبو بكر الدلجي وأحمد المرحومي ومحمد الخرشي وعبد الباقي الزرقاني وأحمد الشرفي ومحمد النشرتي ومحمد الأطفيحي ويونس القليوبي وعثمان النجدي وغيرهم وبرع وفضل وساد وأفتى ودرس وتصدر في الجامع الأزهر ووردت عليه الطلبة من الأقطار وأخذ عنه خلق كثيرون وألف مؤلفات عدة وكان فرداً من الأفراد علماً وفقهاً ونبلاً وديانة وصلاحاً وأخذ عنه شيخنا أبو الربيع سليمان بن عمر البجيرمي الشافعي وغيره وكانت وفاته بمصر سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين رحمه الله تعالى. مصطفى الأسطواني ابن محمد بن أحمد بن حمد بن حسين بن سليمان المعروف كأسلافه بالاسطواني الحنفي الدمشقي أحد الأفاضل والنبلاء المشاهير ولد في عشري جمادي الأولى سنة أربع وخمسين وألف ونشأ بكنف والده وكان والده من العلماء والفقهاء وتوطن أعواماً من السنين دار السلطنة قسطنطينية وصار اماماً في جامع السلطان أحمد خان وواعظاً في جامع أبي الفتح السلطان محمد خان واشتهر بحسن الوعظ ولطافة التقرير والتعبير ثم نفى إلى جزيرة قبرس بالأمر السلطاني لأمر أوجب ذلك وتوفي بدمشق في محرم سنة اثنتين وسبعين وألف وولده المترجم تبع مسلكه ونهج على طريقته وولي خطابة الجامع الشريف الأموي بعد وفاة إسمعيل بن علي الحائك المفتي والخطيب وباشرهما إلى أن مات وكان أنبل أهل بيتهم وأشهرهم فضلاً وكمالاً وتوفي في سنة خمس وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 ومن مات من أموات المسلمين أجمعين. مصطفى البيري ابن محمد المعروف بابن بيري الحنفي الحلبي البثروني تقدم ذكر أخيه عبد الرحمن وهذا هو الأديب الذي سقى رياض الطروس بمياه براعته فأنبتت في الصحائف أزهار البلاغة والفصاحة واشتهر بالأدب النفيس قدم دمشق مراراً وخالط أدبائها وأفاضلها واشتهر بينهم وكان وحيد أقرانه في زمانه وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وقال في وصفه ماجد امتطى بأخمصه فرق الفرقد واتخذ الصهلة والصهوة أنعم المنعم وأفعم المرقد رقى من الفضل أسمى المراقي وأترع دلوه من السؤدد إلى العراقي فخبره قد أخذ من الكمال بالمجامع ومخبره تفتر منه ثغور الأماني في وجوه المطامع وبيني وبين أبيه في قسطنطينية وأنا وإياه عقيداً وداد في بلهنية هنية ذمم لا ترفض وعصم لا تنقض فعهده نقش على صخر ووده نسب ملآن من فخر وأما كماله فقد تجاوز حده منه ما تم لم فإصابته عين فيما أم له فأخطأه ما أمله فلئن أصلته الأيام بنار نوائبها ونفرت عن يده الطولى بذوائبها فلولا السبك ما عرف للتبر صرف ولولا النار ما عرف للعود عرف وولده هذا أرجو له حظاً وافياً وعمراً يكون ما بقي من الكدر صافياً فهو للمعالي ملء نواظرها وللأماني مطمح مناظرها وللدهر فيه عداة نجازها مضمون وآخرها كأولاها من شوائب الزمان مأمون وقد ذكرت له ما تستجليه بكراً وتصقل به روية وفكراً انتهى مقاله فيه وفي أبيه ومن شعره قوله وكتبها إلى الشيخ سعدي العمري الدمشقي وهي أفاتن بالألحاظ أهل الهوى فتكاً ... فقد صال في العشاق صارمها فتكا وكف سهام اللحظ عن مهجتي فقد ... هتكت حجاب الصبر عن صدرها هتكا تركت بقلبي لاعجاً وسلبتني ... هجوعي فهلا تحسن السلب والتركا هواك لقد أجرى دموعي صبابة ... وصدّك نيران الجفا في الحشا أذكى رويدك يا من بالهوى قد أذابني ... وأنهك جسماني بتبريحه نهكا ومذ همت لما شمت بارق ثغره ... لدرّ غدا الياقوت في نظمه سلكا أسرّ الهوى خوف الوشاة ومقلتي ... بدرّ ثنايا الدمع تفضحه ضحكا وفي هتك سرّ العاشقين شواهد ... ولكنّ فيض الدمع أكثرهم هتكا وكان مجال الصبر متسع الحمى ... بحلبة صدري فانثنى ضيقاً ضنكا وشاركني كل الأنام بحبه ... وتوحيده في القلب لا يقبل الشركا وقد زان ورد الخدّ في روض حسنه ... بنقطة خال قد حكى عرفه المسكا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 من الترك يسطو في القلوب بلحظه ... فلا تسألوا عن حال من يعشق التركا رأى غرب جفني سافكاً بمدامع ... تباري الحيا المدرار فاستوقف النسكا تملك قلباً من تجنيه قد عفا ... فما ضرّه بالوصل لو عمر الملكا ولما جلا لي وجهه بعد بعده ... وطور اصطباري عن محاسنه دكا سبكت بنار العتب فضة خدّه ... فأذهب اكسير الحيا ذلك السبكا فيا مالكاً لم أدّخر عنه مهجتي ... أجبني فدتك النفس لم سمتها الهلكا وإني ألفت الذل فيك وطالما ... بعزة نفسي كنت أستصغر الملكا متى تجل عني ظلمة الصدّ علها ... بصبح وصال تستنير به وشكا هناك ترى قدحي من الحظ عالياً ... وسعدي في أفق العلى جاوز الفلكا همام غدا في ذروة المجد ضارباً ... له خيم العلياء من رفع السمكا ومدّ رواقاً للكمالات فوقه ... وصاغ لها من درّ أوصافه حبكا تبوّأ من بحبوحة الفضل رتبة ... بغير سناها نير الفضل لن يركا إذا رمت تلقى المجد شخصاً ممثلاً ... فشمه تراه لأمراء ولا شكا تودّ الدراري عند بث صفاته ... تطاولها فخراً وتلزمه سدكا متى خطبته المكرمات لنفسها ... وفي فض ختم المجد قد أحرز الصكا فلم يحكه مذ شبّ في الفضل فاضل ... ولكنه عن حسن آدابه استحكى وضوّع عرف الفضل منه بجلق ... فيا فضل ما أنمى ويا عرف ما أذكى ونظم أشتات المعالي اصابة ... بعامل فكر قد أبى الطعنة السلكا وأصبح في روض البديع مغرداً ... بأفنان أفنان تعز بأن تحكى من العمريين الأولى شاع ذكرهم ... وقام مقام الفضل في الليلة الحلكا فمن ذا يجاريه بفضل وسؤدد ... وآدابه تلك التي بهرت تلكا فما الروض غب القطر حرّكه الصبا ... قدوداً زهت من قضب باناته فركا وسوط المثاني والمثالث قد غدا ... برجع الصدا يستنطق العود والجنكا وترجيع عتب من محب بدت له ... بروق الرضا ممن يعاتب فاستشكى ودادك في قلبي لقد ضاع عرفه ... بمدحك لما جال في القلب واحتكا فخذ بكر فكر غادة قد زففتها ... تجرّ حياء ذيل تقصيرها منكا ودم وابق واسلم ما بكى من شجونه ... أخو لوعة في رسم دار أو استبكى فأجابه بقوله أتت والدر أرى الزهر تعترض الفلكا ... وطوق الثريا كاد أن يقطع السلكا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 وقد مدّ جيش الفجر بيض نصوله ... ليوسع أطراف الظلام به فتكا وجنح الدجى قد ضم فضل سواده ... مخافة أن تغشى طلائعه وشكا سوى ما توارى منه في مقل الظبا ... وفي طرر الأصداغ واللمم الحلكى وقد تلت الأنوار آية محوه ... على مسمع الأزهار فابتدرت ضحكا وغنت على الأغصان ورق حمائم ... غناء غريض حرّك العود والجنكا فتاة حذار الناظرين تلفعت ... بمنسوج درّ أحكمت نسجه حبكا يكاد إذا استعرضت باهر حسنها ... على مقل الأفكار أعجزها دركا من العربيات التي من خبائها ... تعير حجاب الشمس إن برزت هتكا ويكسو أثيث الليل فاحم شعرها ... إذا هي أبدت عن ذوائبها سدكا وتبدو دنانير الحيا إن تصوّرت ... بصفحة خدّيها وقد بهرت سبكا سوى أن صحن الخدّ مذرق ماؤه ... يد الحسن ألقت في قرارته مسكا كحيلة أطراف الجفون لحاظها ... تصول بأمثال القواضب أو أنكى سلوا إن جهلتم قدّها بانة اللوا ... وعن فعل عينيها سلو المهج الهلكى فلا قلب إلا وهو فيها معلق ... ولا جسم إلا وهي تنهكه نهكا أتتني وعندي من شواغل حبها ... فصول هوى أجرت سحاب البكا سفكا فقمت لها والعين سكرى بمائها ... سروراً وقد أوجست من وصلها شكا فقلت فدتك الروح هل من إباحة ... لكشف نقاب عن مقبلك الأذكى فقالت إذا آنست من كوكب العلا ... بروق الرضى أحرزت من ختمه الملكا أخي الشيم الغرّ اللواتي عيونها ... تروق كزهر الروض تفركه فركا عذيق ثنيات العلا وجذليها ال ... محكك إن باراه قرن أو احتكا صقيل حسام العزم أروع باسل ... إذا اعتركت خيل المنون بنا عركا هززت قناة الفضل منه بماجد ... وأوسعت صدر المشكلات به شكا بليغ إذا ما المادحون تناوبوا ... فسيح القوافي ينتحي المسلك الضنكا متى اقتحمت آياته كل بارع ... تفك عقود القول أفهامه فكا فكم قلدت سمعاً وكم أسكرت نهى ... وكم زينت طرساً وكم توجت صكا فلله منه لوذعي تقاصرت ... سهام الأماني عن مبالغة دركا وكنت أزكى النفس حتى رأيته ... فكبرت أجلاه وقد خاب من زكى فأنى لأهل الفضل إنكار فضله ... وقد شحنت من درّ آدابه فلكا فما الروضة الغناء باكرها الحيا ... ومدّ رواق الشحب من فوقها حبكا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 وكللها قطر الندى بفرائد ... تودّ العذارى لو نظمن لها سلكا وجرّ الصبا ذيلاً على عذباتها ... وفكك أزهار الكمام وما انفكا فأذرى دموع الطل وافترّ مبسم ... الأقاح فما ندري أأضحك أو أبكى بأبدع من غرّا بدائعه التي ... تحار عيون الفكر في حسنها سبكا فيا ابن الأولى يسمو لهم شرف العلا ... ويرفع من آثارهم فوقه سمكا ومن شيدوا ربع التقى بفضائل ... أقامت بناء المجد من بعد ما دكا ويا سابقاً في حلبة الشعر رحمة ... بأفكار قوم بالكلال غدت ربكى فإن تصاريف القضا عبثت بهم ... وقد بتكتهم عن مطالبهم بتكا وفيك على المعروف والصدق آية ... نفت عن صفا أخلاقك الزور والأفكا وها أنا قد مرّغت وجه اساءتي ... بساحة أعذاري لنيل الرضى منكا فجد وأعر طرف القبول ألوكة ... روت كل معنى راق من لفظها عنكا ولا زلت مخطوباً لكل كريمة ... لها من غواشي المدح ما نافس المسكا مدى الدهر ما بثت بذكرك أسطري ... عبير شذا كالعنبر الرطب أو أذكى وللمترجم زوّد الصب نظرة من لقائك ... واشف مضنى الهوى برشف لمائك وأنقذ المغرم الذي شفه الوج ... د يوصل يذوده عن قلائك إنما الليل من فروعك والصب ... ح غدا يستمدّ من لألائك وكذا المسك ما تضوّع إلا ... حين وافته نفحة من شذائك أنت في الحل من دم سفكته ... في مجال الغرام بيض ظبائك يا فؤاداً أمسى جريحاً بسهمي ... لحظه ثغره شفاء لدائك كف يا لحظه عن الفتك فينا ... إننا في السقام من نظرائك وكذا يا قوامه الغصن من ذا ... أطلع البدر مشرقاً في ذرائك ومنها يا غزالاً إذا رنا سلب الأن ... فس رفقاً على حشا مضنائك أترى ما نفى الكرى عن جفوني ... وشجاني من الهوى برضائك أعذار بدا بخدّيك هذا ... أم لصيد الألباب أضحى شرائك أم حروف الدلال قد خطها الحس ... ن على وجنتيك من املائك أم على البدر هالة قد ترآءت ... لعيون الورى بأفق سمائك أم مشى النمل فوق نور محيا ... حار فيه اللبيب من شعرائك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 بل غدا في البها سلاسل مسك ... فوق جمر تقودنا لهوائك ويك يا قلب كم تعاني التصابي ... أو بلغت طائلاً بمنائك فابتدئ وامتدح سليل المعالي ... إنني في الرشاد من نصحائك كوكب الفضل أحمد ذو الأيادي ... من له في سما الفخار أرائك يا امام الهدى إليك حثثنا ... طرف فكر مناخه بفنائك يا رفيع الذر أو سامي الأراكي ... وعليّ المنار في عليائك فبهذا الوجود والعلم الفر ... د وعين الكمال في فتوائك فقت من قد تسربلوا برد المج ... د وثوب الفخار من آبائك أنت كالشمس رفعة وبهاء ... وكبحر العباب في جدوائك إنّ قسا وأكثما وإياسا ... مثلاً مضرباً غدا لذكائك صمت شهراً بالبر قد خوّلتنا ... منن فيه من ندى نعمائك وابق ما حنّ مغرم لمحب ... وتغني الحمام فوق الأرائك تتمنى الغيد الحسان عقوداً ... نظمت باللآل من انشائك بلغوا في العلا السماك ولكن ... دون ما نلت من علوّ ارتقائك لك عزم حكى الحسام انتضاء ... وبايماضه حكى آرائك سيدي جئت قاصراً حيث أمسى ... كل فضل وسؤدد من حلائك وأتى العيد مؤذناً بالتهاني ... عائداً والسرور في احيائك رافلاً في ثياب عز مقيم ... ونعيم مخلد ببقائك وله قوله بشذا عنبر خال ... ضاع في جمرة خدّك وبما يقضي على الأن ... فس من صعدة قدّك وبما يسطو به طر ... فك من مرهف حدّك وبما يستلب الأل ... باب من ملعب بندك وبما ضلت به الآ ... راء من فاحم جعدك وبما يجنيه كف ال ... وهم من رمان نهدك وبما أودع في في ... ك الشهي من درّ عقدك لا تدعني والهوى يو ... ردني مورد صدّك لا ولا تخلف لمجرو ... ح الهوى ميثاق عهدك يا هلالاته من الحس ... ن ببرد دون بردك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 أنا ما أوليت ودّاً ... مع إني عبد ودّك كم أناديك بما يش ... تق من أحرف حمدك عد بوصل واشف مضنى ال ... قلب في انجاز وعدك وقوله من قصيدة هاج لي برق الحمى ذكر الحمى ... فاستهلّ الدمع من عيني دما مرّبي وهنا فأذكى لاعجاً ... في فؤادي حرّه قد أضرما وانثنى يروى أحاديث الصبا ... منجداً طوراً وطوراً متهما آه من دمع لذكر المنحني ... كلما حركه الوجد همى يا رعي الله عهوداً بالحمى ... نقض الدهر بها ما أبرما وليال منحتنا صفوها ... فانتهبنا العمر فيها جلما ومعان ضرب الحسن على ... عذبات البان منها خيما ورعى دهراً بها قد مرّ لي ... في رباها بالأغاني مغنما حيث غصن العيش فيها يانع ... وبجفن الدهر عن ذاك عمى وسميري شادن لو لاح للبد ... ر اعتراه من محاق سقما ظبي أنس صيغ من لطف ولو ... مرّ بالوهم تشكى الألما نقله من قول سيف الدولة وهو قد جرى من دمعه دمه ... فإلى كم أنت تظلمه ردّ عنه الطرف منك فقد ... جرحته منه أسهمه كيف يسطيع التجلد من ... خطرات الوهم تؤلمه عودا ساحر المقلة مهضوم الحشا ... سمهري القدّ معسول اللما ما تثنى في ثنيات اللوى ... مائلاً إلا أرانا العلما ألف الهجر فلو يخطر بي ... طيفه في سنة ما سلما كتب الحسن على وجنته ... بفتيت المسك خطا أعجما معشر اللوّام إن جزت اللوا ... فقفوا واستنطقوا تلك الدمى ثم لوموا إن قدرتم بعدها ... عاشقاً فيها استلذ الألما وقوله عجباً للعذول كيف لحاني ... ورأى الشوق قائداً بعناني وأتاني من عذله بفنون ... في هوى ذلك الغزال الجاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 يا عذولاً على الصبابة فيه ... كف عذلي عن طرفه الوسنان لا تلمني فقد علقت بظبي ... سرقت قدّه غصون البان هو نشوان من عصارة خدّي ... هـ ولا من عصير بنت الدنان يمزج الدل بالنفار ويفترّ ... دلالاً عن مثل حب الجمان يالها سبحة تراءى لعيني ... درر سلكها من المرجان قد حمى خدّه بآيات موسى ... فنمى السحر فيه في الأجفان بدر تمّ في كل يوم تراه ... في ازدياد والبدر في النقصان رشأ ما بطرفه من سقام ... ما بجسم المضني الكئيب العاني وقوله أيضاً من عذيري في هوى رشا ... طرفه بالسحر مكتحل ينثني كالغصن من هيف ... بقوام زانه الميل شادن يفترّ عن برد ... ناصع في ضمنه عسل تاه عجباً في خمائله ... فهو من خمر الصبا ثمل ذلتي فيه كعزته ... بكلانا يضرب المثل ومن مقطعاته قوله وكأنما جرم الكواكب قد بدت ... للناظرين على غدير الماء شرر يبدّده النسيم بمدّه ... من فوق وجه ملأة زرقاء وله أيضاً لهفي لماضي عيش تقضي ... والعيش فيه حظ وريق أيام في حينه التصابي ... نقل وراحي غصن وريق وله أيضاً كلما رمت سلوة عن هواه ... جاءناه من حسنه مقبول خط لام العذار مع ألف القدّ ... يصدّ إنني فكيف السبيل مثله قول الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي مقبل الوجه كلما صدّ وافى ... زائراً لي فيعقب النحس سعد يفعل الذنب ثم أحنو عليه ... حيث يأتي بشافع لا يردّ والأصل فيه قول بعضهم وإذا المليح أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع وللأمين المحبي ما يقرب من ذلك وهو قوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 وأريد أن أبدي شكاية هجره ... فيسدّ منه بكأس موعده فمي وللمترجم في معذر قالوا تعذر فأقلع عنه قلت لهم ... كفوا الملام فقد حلى محاسنه فالبدر ليس له نور يضاء به ... إلا إذا ما سواد الليل قارنه أقول وبالمناسبة تذكرت معنى لطيفاً في العذار وهو قول الأمين المحبي من قصيدة له ستراً لجمال خدوده بعوارض ... قتل النفوس بها وأحيا الأعينا والشمس يمنعها اجتلاها أن ترى ... فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا ثم رأيت الأمين أخذه من قول الأرجاني أيراد صونك بالتبرقع ضلة ... وأرى السفور لمثل حسنك أصونا كالشمس يمنعك اجتلاؤك نورها ... فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا وكان المترجم بدمشق في أحد قدوماته إليها وكان ممن يصحبه ويرافقه الشيخ مصطفى العمري الدمشقي المقدم ذكره ففي أحد الأيام وقف في محلة القباقبية بالقرب من دار العمري المذكور هو وإياه فنظر إلى غلام هناك في حانوت يبيع التتن قده مائل وورد خدوده غير ذابل بحسن راق مجتلاه وفاق نور سنا محياه وله خال يجلس معه في الحانوت وأيضاً على خده خال كفتيت المسك صحيفة الياقوت فقال له المترجم هل تبيعني شيئاً من التتن فقال ولا بأس ووضع له شيئاً من ذلك وفت عليه سحيق مسك كان في ورقة وقال له الغلام هذا المسك من خالي وأراد به خاله الذي هو أخو والدته فعند ذلك طرب المترجم من هذه الموافقة والقضية وأنشد ناظماً هذين البيتين من فكرته السنية فجرت فيهما التورية اللطيفة وهما قوله بحبة مسك قد حباني جؤذر ... وأشجى فؤاداً كان عن حبه خالي وقال ألا لا نحسب المسك من دمي ... لكوني غزالاً إنما المسك من خالي وله في وصف جواد سابق وطرف لجيني الاهاب تخاله ... شهاباً إذا ما انقض في موقف الزحف يسابق برق الأفق حتى إذا رنا ... يسابق في مضمار موقع الطرف وللشيخ جمال الدين بن يوسف الصوفي في جواد وأدهم اللون فاق البرق فانتظره ... فغابت الريح حتى غيبت أثره فواضع رجله حيث انهت يده ... وواضع يده أنى رمى بصره ولابن نباتة كذلك وهو قوله لما ترفع عن ندّ يسابقه ... أضحى يسابق في ميدانه نظره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 وقال المعري في وصف الخيل ولما لم يسابقهن شيء ... من الحيوان سابقن الظلالا وقال أيضاً من أبيات وبالغ تكاد سوابق حملته تغني ... عن الأقدار صوناً وابتذالا وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي في سابح وسابح أيان وجهته ... رأيته يا صاح طوع اليد ومن معميات المترجم قوله في أحمد قم يا نديمي نصطبح ساعة ... على غدير ماؤه كالنصار فقد أزاح الظبي تاج الطلا ... ودارها صرفاً كما الجلنار وقوله في مليك أيا نسيماً قد سرى موهناً ... رفقاً بصب خلفوه لقا فناظري مذ لاح برق الحمى ... غض وقلبي ذاب مذ أبرقا وقوله في درويش رب روض قد حللنا دوحه ... وتمتعنا اغتباقاً واصطباحا طاف بالورد علينا شادن ... زاد بالقلب غراماً حين لاحا وقوله في مسلم مذ بدا يثني قواماً مائساً ... قلت والعين بماء تذرف بلماك العذب يا غصن النقا ... جد على مضنى براه الأسف وقوله في أغيد بدر تمّ ينثني من ميد ... بقوام مائس يسبي العذارى أقسمت ألحاظه النجل بان ... تخلع السقم على قلبي شعارا وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف بقسطنطينية رحمه الله تعالى مصطفى السفرجلاني ابن محمد بن عمر بن إبراهيم المعروف بالسفرجلاني الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها آية الله في العلوم العقلية ونادرة الدوران وبهجة وجه الزمان كان من أعاظم الأفاضل عالماً مدققاً كثير الفضل جم الفضائل عجيب المطارحة صاحب نكت ولطائف له الراحة العليا في تحقيق العبارات مع الأدب والحذق والذكاء التام ولد بدمشق وبها نشا وقرأ على أشياخ عصره وبرع وتنبل وأشرق بدره المنير وبزغت شمس معارفه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وعوارفه وكان مفرط الذكاء والفطنة له جسارة في التكلم والمصادرة مع مهارة في اللغة الفارسية والتركية وناهيك بالعربية غير أن علمه كان أكثر من ديانته والسوداء تمكنت منه لأجل ذلك تظهر في تكلماته ظواهر وخوافيه وارتحل إلى دار الخلافة في الروم قسطنطينية وتصدى للامتحان عند شيخ الاسلام إذ ذاك مفتي الدولة المولى السيد مصطفى ولازمه على قاعدة المدرسين والموالي الرومية وتنقل بالمدارس على طريقتهم ودرس في مدرسة والد المذكور شيخ الاسلام المولى السيد فيض الله الشهيد وأقرأ في جامع السلطان محمد وفي غيره ولزمه الطلاب واشتهر فضله بين أبناء الروم وأخبرت أنه كان يحضر درسه ويجتمع فيه ما ينوف عن المائتين من الرجال وعظم قدره لدى صدور الدولة وعلمائها وكانوا يبجلونه وله عندهم مزيد الرفعة لتحقيقه وتدقيقه وفضله الذي على مثله الخناصر تعقد وكان مع ذلك يذمهم ويتكلم في حقهم ولا يهاب كبيرهم ولا صغيرهم وعلمه ساتر منه كل عيب وتكرر عوده إلى دمشق في أثناء إقامته هناك وآخراً توفي في تلك الديار وحين توفي كان منفصلاً عن رتبة الالتمشلي المتعارفة بينهم وكان رحمه الله إذا تكلم أسكت وإذا حاور بكت لم يزل يبدي إلى منزع تعريض واستطالة في طويل وعريض وكان يأكل البرش ويبتلى به في سائر أوقاته ولما كانت العادة في دار السلطنة قسطنطينية في شهر رمضان يدخلون في كل يوم من المدرسين العلماء جملة أنفار لأجل الاقراء في حضرة السلطان للسرايا السلطانية كان المترجم من مشاهير أفاضل المدرسين فأدخل مع البقية فلما كانوا في حضرة السلطان مصطفى خان قرر المترجم وأبدى الافادة ثم تخلص من ذلك وشكا حال أخيه عبد الكريم السفرجلاني وكان في ذلك الوقت محبوساً في دار السلطنة غب قتل والي دمشق وأمير الحاج الوزير أسعد باشا المعظم ونسب في ذلك لبعض أشياء هو خال عنها وتكلم المترجم بالرجاء بإخراج أخيه واستخلاصه من هذه المادة ولم يصدعه في الحضرة السلطانية مرد ولا تخوف وكان له رسائل مفيدة في المنطق والفلسفة والكلام والحكمة وغير ذلك اطلعت على بعضها بخطه وله تحريرات وأشعار وشعره مقبول ونثره حسن ومن شعره ما مدح به المولى خليل الصديقي الدمشقي حين ولي قضاء دمشق وهو قوله إذا بدت الخيام بدار سعدى ... ولاح البدر في أفق التمام وشمت البرق يلمع من ثغور ... كغمز عيون سكان الخيام وفاح عبير ساحتها فبلغ ... سلاماً من متيم مستهام فإن سألت فعرّض بي إليها ... فإن غضبت فأعرض عن مرامي وغالط إن فهمت فنون سحر ... لتصرف وهمها عن إتهام هذا منتحل من قول الوأواء الدمشقي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 بالله بكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه وعرّضا بي وقولا في حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه فإن تبسم قولا في ملاطفة ... ما ضرّ لو بوصال منك تسعفه وإن بدا لكما في وجهه غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه وقد أنشدني قاضي دمشق المولى العالم الفاضل الماهر السيد محمد طاهر الرومي في المعنى للملك الأشرف وهو من الدوبيت باللطف إذا لقيت من أهواه ... ذكره بما لقيت من بلواه إن أحرده الحديث غالطه به ... أو رق فقل عبدك لا تنساه عودا لاتمام القصيدة المقدمة وتلك فنون سحر بليغ مدح ... لأوحد عصره الفرد الهمام به سعدت دمشق الشام لما ... تولى قاضياً شرع التهامي له فصل الخطاب بسيف عدل ... له فضل له فصل الخصام وحاز المجد بالجدّين فضلا ... هما أفقا الخلافة بانتظام فمطلع شمسها الصدّيق جدّ ... لمغرب بدرها الحسن التمام وحسن الابتد الصدّيق فيها ... كما الحسن التقي حسن الختام سموم للعدا حسا ومعنى ... بنو الصدّيق والحسن الامام لحوم السم في العلماء أضحت ... لآكلها القواتل كالسهام فواعجبا وللأعداء حسن ... فكيف صلوا لكم نار اضطرام كأنّ الله أعدمهم خيالاً ... فكانوا كالفراش لدى الضرام ومن حسد وفرط الغيظ سكرى ... سقوا كأس المنية لا المدام لقد نفذت حكم الشرع فينا ... وبينت الحلال من الحرام كأنّ الله لم يخلقك إلا ... لعلم أو لحلم أو نظام فإنك ماجد أصلاً وفرعاً ... من العلماء أبناء الكرام وغيرك من سما لكن به قد ... سما يسمو سموّا فهو سامي طريق قد حماه العلم ممن ... غدا وغدا لئيماً من طغام سما وحماه من أولاد حام ... أمثل العلم من سام وحام طريق عز مطلبه ولكن ... على غير الخواص من الأنام سيبلغ غاية الإحسان فيه ... وما الإحسان إلا بالتمام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 وللمترجم أيضاً تجنب أن قلاك أخا سفيهاً ... تجنبك العتيق من النعال ومن ذكر له طهر لساناً ... وصورته امح من فكر الخيال وله أيضاً يا نعمة قد أصبحت نقمة ... مذ نالها الكلب على خسته يظن إن الناس حساده ... من يحسد الكلب على نعمته ومن نثره الفائق قوله ملغزاً وكتب به إلى بعض الأفاضل يا صور الكمال ويا غرر الجمال ويا طوالع الاقبال ويا أصحاب مقال أصفى من الزلال وأحلى من السلسال وأبهى من اللآل وأمضى من النصال وأسرى من الخيال ما قولكم فيما فيه يقال إن مشى فهو بشر وإن شئت قلت فهو بشار وإن طال فهي حية تسعى وإن قصر فهو عقرب تلسع وإن رضع بكى وإن فطم قعد عن البكا وله أحوال وأطوار منها إنه رفيع مقام من العيان الأعلام إن مد مدده فالبحر المحيط من رشحاته وأن أطال يده فالكوكب الدري من ملتقطاته ومن كان في خدمته وقام في رسم خدمته فاز بالقدح المعلي وحاز قصب السبق في مضمار العلي وله كلام درى النظام مطابق للمقام وهو كن في المعالي إذا خيرت رفعتنا ... كالرمح يصعد أنبوباً فأنبوبا وله غرة كوجه القمر وطلعة كعين اليقين وجبهة كواسطة العقد وبلغ فيما بلغ حتى بلغ غاية الكرم وأقصى الهمم ونهاية العظم وقصارى الشيم فمن قائل إنه أبو المسك كافور وأخوه سيف الدولة ومن مدعي إنه من بني العباس وأخوه السفاح ومن معتقد أنه ذو القرنين خاض الظلمات وشرب ماء الحيات وبنى السد الذي لو أبصرته لرأيت سداً من حديد سائر فوق الفرات مع إنه عبد رق ما رق يوماً لعتق يسعى لخدمة مولى بذل طاعته ... سعياً على الرأس لا سعياً على القدم ومن أحواله أنه بليغ انشاء إن مد أطناب الأطناب رد المسن إلى اقتبال الشباب وهو للصاحب صاحب وللعماد عماد وله الصابي صابي ولقد أصاب مع إنه مغري بضعف التأليف والتعقيد وممنو بسقطات ما عليها من مزيد إن سكت ألفاً نطق خلفاً وإن أعطى مقولاً حرم معقولاً فهو كصرير باب أو طنين ذباب ومن أحواله إنه صرفي يحول الأصل الواحد إلى أمثال مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها ويرى إن الأجوف الناقص غير معتل وإنه بصري إن أعرب فمضارع الماضي المشتمل على حرف جازم المجزوم بحذف آخره لديه ليس بفعل ومن أحواله أنه متكلم يسند المعتز لي أعماله خلقاً إلى الباري المصور ويضاهي قلب المؤمن لكنه كافر أن قيل إن هذه الآثار فانية مع بقاء المؤثر الفاعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 شخوص وأشباح تمرّ وتنقضي ... الكل يفنى والمحرّك باقي فعنده قول هذا القائل كلمة حق أريد بها باطل ومن أحواله إنه فارس ميدان يثير النقع في أرض بارق ويذكر مجر العوالي ومجرى السوابق إذا أبصرت عامله أبصرت عامله أو أفعاله فأفعى له أو أقواله فأقوى له أو أعماله فليس أهلاً أعمى له لكنه يقول إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي ومن أحواله إنه خليع عذار خد مشى فيه الدجى فتحير وبالغ في لثم كافور الترائب حتى لاح فيه وفاح العنبر ونشر مسك الليل على كافور الصباح وستر وجوه هاتيك الملاح مع إنه خصى ألوط من دب وفي بياض النهار يدب يكمل بالنقصان ويغبر في وجوه الحسان ويخسف الأقمار ويولج الليل في النهار ومن أحواله إنه رفيق رقيق طبع يسير في روضة يطلب للضيق منها مخرجاً لترقرق مائها الصافي تحت ظلها الضافي كطرة صبح تحت أذيال الدجى يتكسر النهر فيها على صفحات الحدائق ونثر لازوردي البنفسج على لجين الماء الرائق وفيها يقول لم لا أهيم إلى الرياض وحسنها ... وأقيم منها تحت ظل ضافي والزهر يلقاني بثغر باسم ... والماء يلقاني بقلب صافي مع إنه غريب قد أخذت منه الغربة بنصيب حتى غدا أخا جوع وليس بصائم وعرياناً وليس بمحرم بحال أرق من الشكوى وأوجى من النوى وليس له من كثرة الترداد ملل لقوله أنا الغريق فما خوفي من البلل وقد كان هجر العراق وله إلى الشرق اشتياق هجر العراق تطرباً وتغرباً ... كيما يفوز من العلا بقرابه والسمهرية ليس يشرف قدرها ... حتى يسافر لدنها عن غابه وما ذاك إلا لتتلقاه الملوك بأيدي القبول وهذا غاية الفوز ونهاية الوصول فكتب إليه الجواب بقوله ن والقلم وما يسطرون ما هاروت ونفثه وبحثه عما يفرق به وحثه يلعب بالعقول من البيان وبيانه للعيان فإنه صعب المركب ممنع المفرد والمركب ودون افتراع بكره وصدق سن بكره تخيلات وعرة المسلك شامخة العرنين عن أن تسلك بل دون مناله خرط القتاد وتفتت أكباد وتقطع أكتاد إلا لمن ذلل الله له جوامح أزمته وأودعه سجية برمته وأوسعه ما يعجز ومنحه ما يطنب به ويوجز فتعلق شأوه بمناط الأثير بمحسنات البديع من النظيم والنثير وقد وجم عن ادراكه كثير من الفحول وجم عن منهج الفضل لا يحول ولله در من مد إليه باعه فاقتاده ونقد سوانحه بفكرته الوقادة واقتطف من باكورة الفصاحة نضيرها واهتصر من البلاغة غضيرها من إذا شبب أطرب وإذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 أعرب أغرب وإذا تكلم أصمى الأغراض وأظهر بون ما بين الجواهر والأعراض وإذا أجاب حير وإذا استرسل على أي حال لم يتغير فهو نسيج وحده في حله وعقده فلقد شنف سمعي وقرط وأودع ما يروق وما فرط فأقبلت عليه بكلي لا ببعضي وتصديت إليه بابرامي ونقضي فيالك فاضلاً تقف الآراء عند تخيلاته وتتحير العقول بكنه استعمالاته وإليك ألقي بالمقاليد في طارف الكمال والتليد وأنا أقسم بمن أودعك ما أودعك ومنحك ما حلى به طرفك ومسمعك لأنت النابغة بل النادرة والنكتة التي للافهام متبادرة فأعيذ مرأى ذاتك وأحمى بديع صفاتك ما هذه القلائد المنتثرة والفوائد المنتشرة التي أتيت بها بالعجاب وأبرزتها للعيان من دون حجاب وأفرغتها في قالب الاختراع وافترعت بها هضاب البلاغة أي افتراع وضمنتها نكات هي عن سواك بمعزل وأنزلتها في القلوب أرفع منزل وأفحمت وأوجزت وأفعمت وأنجزت ورتجت المغفل وفتحت المقفل وتحاميت التعقيد والغرابة وتحاشيت التنافر واغرابه وجئتنا سائلاً وأوردت بحر الأدب سائلاً عن شيء يضع ويرفع ويضر وينفع ويجري على وفق الارادة من سعادة إلى شقاوة ومن شقاوة إلى سعادة فلا شك إنه اطلع على اللوح المحفوظ وعلم كل معنى ملفوظ وشارك باريه بالتصوير وأعانه على توقيع التدبير حجبه ظاهرة البرهان تراه كل حين هو في شأن فإذا التجئ إليه والتفت الأنامل عليه ابتدر بالحس لما في الخاطر مبيناً وأراك ما حصل في المخيلة يقيناً له صوت يسمع ولا يفهم كأنه أبكم ولسانه إذا جز تكلم وأتى بالكلام المحكم وأعرب وأعجم يجري مع كل عدو وحميم ويجاري كل كريم ولئيم وإذا وشى ترك العقول حيارى وترى الناس من أجله سكارى وما هم بسكارى إذا قام في مقام الافتخار وشق من ذلك الميدان الغبار قال وضح النهار لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبجدّي علوت لا بجدودي وإذا انساب في مهمات الأمور أظهر ما تكنه النفوس وما تخفيه الصدور فيا طالما خاض الظلم وظلم وظلم وعجيب أن تعبه في الراحة منوط وأمره دائر بين المهمل والمنقوط يأخذ من كل من قصده باليمين إن كان يصدق أو يمين له تقلب الأحوال في الأدبار والأقبال مع إنه فارغ من الأشغال لا يقر في أطواره على حال كريم شحيح سقيم صحيح أشغل من ذات النحيين وأفضى من حجام ساباط دعى في النسب لا يعرف له أم ولا أب يستأثر بنقل الأخبار إذا نأت الديار من الديار ينكس الأعلام وله اليد الطولى في النقض والابرام أغاليطه كثيرة وسقطاته شهيرة لم يزل في نحيب ودمعه في صبيب حتى إذا بلغ الغرض جف وأعرض وقال بلغ السيل الربى والشوط الأنتها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 فنهجه قويم إلا أن مشيه غير مستقيم يخطر مثل السرطان إن شاء ألف بين الأنس والجان عارف بأنواع المدح والهجاء وبمواقع معارك الهيجاء علي المقدار حديد شبا المنقار يجمع بين الضدين بل بين الأمرين المختلفين تطيعه كل ملة ويفرق بين المعلول والعلة فأما الملة اليهودية فهو حبرها في تفصيل قضاياها والمرجع إليه في نسخ أحكامها ومزاياها وأما المسيحية فله فيها الباع الطويل وهو المعين على ما فيها من التغيير والتبديل وأما المحمدية فعنها يترجم وعلى مواردها يدل ويعلم ضئيل الجسم عالي النفس يروى حديث العشق عن أنس يحصى حسنات الأنام ومساويهم ويحتاج إلى عبيدهم ومواليهم تراه قيماً غير ذي عوج مستكناً غير ذي هوج يعلم الناس السحر ويظهر عجائبه في البر والبحر ليس له حاسة بصيرة ولا ذوقية ولا سمعية أوله مثل آخره وآخره مثل أوله تتهاداه الركبان من مكان إلى مكان يطأ النواعم وهو على رأسه قائم يحفظ من النسيان ويخبر عما يكون وكان إن قلم ظفره انشبه وإذا انتسب أو صل إلى أول الخلق نسبه يضرب أسداساً بأخماس وأخماساً بأسداس فيجعل الثلاثة مئيناً والمئين آلافاً بل يضاعفها إلى ما فوق ذلك أضعافاً اجرأ من ليث مع إن الشعرة لا تدعه يذهب إلى حيث خدم وخدم حتى صار أشهر من نار على علم يجمع بين المشرقين في خطوة وله في قيد كل شبر كبوة ومن العجب إنه ينطق بالضاد على بكمه ويمد المدود بفمه فإذا ذوى عوده وافت سعوده وإذا عب أتى بما أحب وإذا خاض للبحر لجه أقام أقوى دليل وأقوم حجه فيجعل الحديث الضعيف مسلسلاً والمطلق مقيداً والعجز صدراً والكامل شطراً والمفهوم محسوساً والرئيس مرؤساً وله أطوار منها اللبيب يحار منها ما عنه اشتهر في البدو والحضر أنه يدع الصافي ويكرع الكدر ومنها إن له النهى والأمر مع أنه لم يزل في قبضة الأسر والقهر ومنها إنه كسيح إلا أنه يسعى سعي الصحيح ومنها إنه شديد البطش آثاره في الأرض ولدى العرش على أنه شخن لفلسفة لا يحتمل على رأسه دقة ورب امرئ تزدريه العيون ... ويأتيك بالأمر من فصه ومنها إنه رفيع المقام إلا أنه مبتذل بين الخاص والعام ومنها إنه مؤنث مذكر إذا المرء في حاله تفكر ومنها إنه يريض نفسه في مرضاة الكبير والصغير وتحامى مسه البشير النذير ومنها إنه زاهد في ذوات الذوائب راغب في الفحول الأجانب ومنها إنه إذا شق العصا أطاع ربه وما عصى قروي الربع مدني الطبع يألف مجاني الربا في ابان شبابه حتى يرى أكلها متشابهاً وغير متشابه فإذا غنى العندليب وصفق النهر يرقص في الحلل النضرة لدى الزهر فهو في كل معنى يهيم ولا شك إنه من أصحاب الرقيم أخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 النقشبندية عن الأساتذة وأتقن أحكام الأحكام عن الجهابذة فإذا تخيل الرسوم بكى ولا يجديه كثرة البكا حركته قسرية أما مسلسلة وأما دورية كشاف الحقائق منقح الدقائق يضرب يميناً وشمالاً فيحرم حراماً ويحل حلالاً حتى إذا بلغ نهاية خط الأستوا قال فألقت عصاها واستقر بها النوى فهو قائم على كل نفس بما كسبت إن سكنت أو اضطربت يختبط الظلماء حتى إذا نقع الظما اضطر إلى الماء فإذا نسبوه لمذهب الأشعري وجم وصد عن التحديث وألجم ثم اعتزى إلى المشائين وطوراً إلى الرياضيين وأخرى للصوريين يثبت المنزلة بين المنزلتين ويقول بالرؤيا بالعين وهو للتناسخ سبب ولا عجب ويقر بالتجسيم ويذهب إلى زخرف الحكيم ويقول العالم قديم مع إنه ينطق بحدوث الصفات وإعادة الرسوم الدراسات وينتسب إلى النظامية إذ يقولون إن الأعراض جسوم وهو يعتقد إنها أشياء في حالها تقوم فآثاره في الطور وعليها الفلك يدور له خادمان لا يخلو منهما انسان جامد واجب الاشتقاق صعب مر المذاق خبير بطي الدفاتر على رأسه تدور الدوائر يحل الرموز ويستخرج ما في الكنوز وهو ممن يحرفون الكلم عن مواضعه ويشار إليه بالبنان في تواضعه إذا نقص اكتمل وإذا جير عليه اعتدل وإذا تكلم جمع بين الأروى والنعام أو سكت احترم المشعر الحرام ماهر بالتحرير جدلي بالتقرير لم يزل الحديد قائماً على رأسه حتى يقده إلى أضراسه فينشط من عقده وقد أثر الحديد في جسده يطرف في المنادمة ويبيح بالمنى دمه رشحاتها تتلقاها الصدور وتقيدها في رق منشور يتصفح من الأوراق بطونها ويملي عن قلبه شروحها ومتونها ومعربها وملحونها فإذا اخترع أبدع وإن هز عامله رصع ووشع وإذا أخذ في التحديث فمن البحر اغترافه وحازت قصب السبق أوصافه فهو طبيب مغرم بالتركيب إلا أنه تارة يخطي وطوراً يصيب فإذا رفعته الأيدي حملته ما لا يطيق وإن وضعته زجته في مسالك الضيق كله سواء في الخلقة مفرد الرقة تتفجر من قلبه ينابيع الحكمة فيعرف من أراده حده ورسمه إن شاء أسهب وأطنب وإن شاء اقتصر واختصر يمشي على استحياء ميت بين الأحياء فإذا أنشأ أحكم الانشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فعلم الحرف يؤخذ منه والتصرف فيه يروى عنه وعلم الكاف ألقى إليه بالمقاليد وصيره من جملة العبيد فإذا بالسواد تعمم وأخذ يتكلم نسج حبراً وجرى في كل فن بما جرى ورد المشيب شباباً وخلد المحاسن أحقاباً وجاد بكف سائل لا تنقطع منه الرسائل فلو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله وله في كل مقام مقال وفي كل مقال مقام لم يدع فكرة إلا نقدها أو انتقدها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 أو اعتقدها وربما طلب منه المراد فعثر ويقل ذلك منه بل يكثر يزين الصفحات الغرر كما تزين الجباه بالطرر والعيون بالحور والخدود بالعذار الأخضر وله عين صادية وريقة مسكية وذابل عامل وعامل ذابل تلقاه إن بان عذاره بدت أعذاره يحجل بالأدهم فيريك انسلال الأرقم فإذا استقبل مهب الهوى أقلع عما إليه هوى وإذا ضرب على قرنه ومات أحيا العظام الرفات يتولى تقاليد الملوك مع إنه فقير صعلوك ويطبع الأشكال على منوال وغير منوال لم يزل من تكليم موسى على وجل ومن القاء الواحد في خجل وله المنشآت المشحونة بالبدائع التي ذكرها شائع ذائع فلو أقسم أنه من القرآن لما حنث في الايمان فإذا اشتد القر وتجهم وجه العبد والحر وأنشد أصبح البرد شديداً فاعلمي ... بات زيد ساهراً لم ينم يحامي عن اللمس أو أن يشار إليه بالأنامل الخمس مع سلبه الاختيار ما دام الفلك الدوار فطالما قال وهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى أما واسطار سطرن سطراً أنف في الماء واست في السماء إذا تذكرته أقبل عليك وقبل بالخضوع راحتيك وإذا أغضيت عنه قلاك ونسى ما هناك وادعى العجز عن النهوض عن القيام بالسنن والفروض يقبل الرشوى وليس هو من أمة الدعوى إذا سرى دب دبيب الكرى ربته الأيدي حتى مهر وأتى بما به فأصمت به مواقع أغراضها وذبت بشباته عن أعراضها فإذا ارتفع انتصب وإذا انتصب ارتفع وإذا طال وصف القلم والله بذلك أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وللمترجم في الهجو يا ابن الذي في قعره علل ... وأمه للأنام تفتعل وفيك حقاً ليضرب المثل ... أبوك ثوم وأمك البصل وكان أحد بحار دمشق ويعرف بابن شحاده وعد المترجم بشيء من العود ثم ماطله به فأرسل للمترجم بعض أصحابه شيئاً من العود وكان اسم المرسل سعيداً فنظم هذين البيتين مبكتاً على ابن شحاده وهما قوله وعود قد وعدنا فيه ممن ... يخالف وعده والخلف عاده فعوّضنا بعود من سعيد ... غنينا فيه عن عود الشحاده وله غير ذلك أشياء كثيرة وكانت وفاته بقسطنطينية في صفر سنة تسع وسبعين ومائة وألف وأكبر أولاده محمد جاد الله كان بدمشق أحد المدرسين بها وكان ذا عفة وحياء وسكون وخصاله التي كان منطوياً عليها لم تكن في أبيه وتوفي بدمشق في سنة احدى وتسعين ومائة وألف ومن الاتفاق إن والده ولد بدمشق وتوفي بقسطنطينية وهو ولد بقسطنطينية وتوفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 بدمشق رحمهما الله تعالى. مصطفى بن سوار ابن مصطفى المعروف بابن سوار الشافعي الدمشقي شيخ المحيا النبوي بدمشق الشيخ الامام العالم الفقيه القدوة المعتقد الصالح الناجح تقدم ذكر ولده سليمان وقريبه أحمد وكان المترجم أحد العلماء الأخيار ولد في سنة اثنتين وسبعين وألف وقرأ العلم على جماعة من الشيوخ منهم السيد حسن المنير والشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عبد الكريم الغزي الدمشقي أخذ عنه الفقه ولازم دروسه بالمدرسة الشامية البرانية وبرع في الفقه والعلوم وكان ملازماً على خدمة المحيا كعادة أسلافه ليلة الأثنين وليلة الجمعة بمشهد الجامع الأموي وليلة الجمعة بجامع البزوري وولي تدريس مدرسة الوزير إسمعيل باشا العظم التي أنشأها بسوق الخياطين بالقرب من المحكمة وكان ديناً صيناً خيراً وللناس فيه محبة عظيمة واعتقاد وافر لما كان منطوياً عليه من خصال الخير وكف اللسان عن اللغو والغيبة ومحبة الفقراء وسعة الصدر والايثار والزهد وكرم الأخلاق ولطف الشمائل وسلامة الطاعات من الرياء ولم يزل على حالته الحسنة وطريقته المثلى إلى أن توفي وكانت وفاته في شوال سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة سلفه قبر عاتكة رحمه الله تعالى. مصطفى العلمي ابن محمد بن أحمد المعروف بالعلمي والصلاحي الحنفي القدسي خطيب المسجد الأقصى وامام الصخرة المشرفة بالقدس الشيخ الفاضل الفقيه كان جميل الصورة حسن الصوت قرأ القرآن وقرأ الفقه على والده وعلى الشيخ محمد السروري والشيخ محمد المغربي في عدة متون وسافر المترجم بإذن والده إلى مصر ومكث هو وأخوه بالأزهر وأخذ الفقه وغيره على المشايخ ولازم دروس الأجلاء الفحول ولما جاءه خبر والده بموته جاء هو وأخوه إلى القدس ودرس بها في الأقصى واستقام إلى أن مات ولما كان بمصر استقام سنوات وكان يحضر دروس الاسقاطي الشيخ مصطفى وهو يؤثره على سائر تلامذته ثم اصطحب مع الشيخ أحمد السفط أحد تلامذة المذكور واختص به وتزوج بأخته وكانت وفاته بالقدس في سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن بمقبرة مأمن الله عن يمين البركة هناك وكان أخوه توفي قبله بمدة سنين قليلة رحمهما الله تعالى. مصطفى الموستاري ابن يوسف بن مراد الحنفي الموستاري الرومي الشيخ العالم الفاضل النحرير له من التآليف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 حاشية على المرآة في الأصول لمنلا خسر وتوفي سنة عشرة ومائة وألف رحمهما الله تعالى. مصطفى أريب ابن علي بن محمد المتخلص بأريب الحنفي الحلبي الأصل الاسلامبولي المولد الرومي أحد الموالي الرومية أرباب المعارف السنية والده من حلب وارتحل للروم وأقام بدار الخلافة وكان من أقارب قاضي عسكر يحيى أفندي بن صالح الحلبي رئيس الأطباء في دولة السلطان محمد خان وسلك طريق القضاة وولد له المترجم سنة تسعين وألف ولازم على قاعدتهم بالتدريس من شيخ الاسلام السيد علي أفندي البشمقجي وتنقل بالمدارس إلى السليمانية فمنها أعطى قضاء الغلطة أحد البلاد الثمانية وبعدها أعطى قضاء دمشق أحد البلاد الأربعة فوليها سنة ست وخمسين ومائة وألف وكانت سيرته حسنة وفي أيامه توفي كافل دمشق الوزير سليمن باشا العظمى وكان أديباً عالماً جسوراً مقداماً في الأمور ثم ولي قضاء المدينة المنورة سنة احدى وستين وتوفي قاضياً بها في محرم سنة اثنتين وستين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. مصطفى الشرواني ابن يوسف بن إبراهيم الزهري الشرواني المدني الحنفي الفاضل الكامل العالم البارع الأوحد المفنن ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم وقرأ على والده الجمال يوسف وعلى عمه علي أفندي وتعلم عليه اللسان الفارسي وأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي الحديث وغيره وأخذ عن غيرهما ونبل وفضل وصارت له مشاركة في العلوم ودرس في المسجد النبوي وتولى مدرسة محمد أغا القزلار شيخ الحرم ودرس بها وانتفعت به الأفاضل وتولى نيابة القضاء وسلك بها أحسن مسلك وتولى مشيخة الخطباء والأئمة بالحرم الشريف النبوي وكان محمود السيرة سالم السريرة ميمون الحركات والسكنات ثم إنه أراد التوجه للروم من الطريق المصري فتوفي بمصر في سنة أربع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا. مصطفى كيلاني ابن يوسف بن عبد اللطيف بن حسين بن مسلم مير ابن فتح الله بن محمد الخوجكي الكيلاني الشافعي الخلوتي الحلبي الشيخ المعمر الخير المسلك الصالح ولد في حلب في حدود سنة خمس وأربعين وألف ورحل مع والده صغير السن إلى دمشق وقدم إليها وأخذ طريق الخلوتية عن الأستاذ الكبير الشيخ أيوب الخلوتي الدمشقي ثم توجه إلى بيت المقدس والحج وجاور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 بمكة وعاد لمصر واستقام في هذه السياحة مع والده تسع سنين ولقى الأفاضل والعارفين وأخذ عنهم وشملته بركاتهم كالأستاذ الشيخ محمد بن محمد البخشي الحلبي وغيره ثم قدم حلب واجتمع بالولي المشهور الشيخ أبي بكر الخريزاتي صاحب المزار المشهور بمحلة ساحة بزة وقريباً من عرصة الفراني وقرأ القرآن على العارف الشيخ إسمعيل دره وقرأ بعض المقدمات الفقهية والعربية على أفاضل بلدته واستقام في زاويتهم المعروفة بزاوية النسيمي للارشاد وتلاوة الأوراد والاشتغال بالخلوة والتسليك ورحل إلى الروم وبغداد وإيران والهند وزار سيدنا آدم عليه السلام وله سياحة طويلة عجيبة ذكرها في بهجته وتزوج باثنتين وعشرين زوجة ببلدته وسياحته ورزق عدة بنين ماتوا في حياته ما عدا ذكرين وبنتاً واحدة أحد الولدين السيد محمد أبو الوفا توفي بعده والده بعشر سنين والثاني خليفته الكامل الشيخ السيد محمد أبو الصفا خلفه ليلة وفاته وكانت وفاة المترجم محموماً في يوم الخميس السابع والعشرين من رجب سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف عن مائة وثمان سنين ولم ينقطع عن الزاوية المذكورة إلا ليلة وفاته رحمه الله تعالى آمين. مصطفى المعروف بنعيما الحنفي الحلبي نزيل قسطنطينية وأحد خواجكان ديوان السلطان الأديب العارف المنشئ الكاتب المؤرخ الشاعر الشهير ارتحل لدار الخلافة والملك في الروم قسطنطينية العظمى وصار من تربدارية سراية السلطان ثم بعد ذلك انتسب إلى الوزير أحمد باشا القلائلي وخدمه وصار عنده كاتب ديوانه وفي سنة عشرة ومائة وألف في جمادي الأولى تولى الوزير المذكور الصدارة الكبرى فوجه على المترجم محاسبة أناطولي وفي سنة إحدى وعشرين صار تشريفتحي الدولة العثمانية ورؤي لائقاً للخدمة المرقومة وصار كاتباً لوقائع الدول المعبر عنه بينهم بوقعه نويس وفي سنة خمس وعشرين في رجبها صار دفتر أميني الدولة وهذا المنصب من المناصب المعلومة بين خواجه كان الدولة وفي سنة ست وعشرين أعطى منصب باش محاسبه ثم في ربيع الأول سنة سبع وعشرين لما ذهبت العساكر الاسلامية من طرف الدولة العثمانية بعد الفتح والظفر في أواخرها صار المترجم عند رئيس العسكر دفتر أميني أيضاً ومن آثاره تبييض تاريخ ابن شارح المنار وذيل عليه أيضاً بمقدار وهو الآن مشهور بتاريخ نعيما وكان له بالتركية شعر جيد يعرفه أولوا الفهم بذلك اللسان ولم أر له في العربية شيئاً وكانت وفاته خلال سنة ثمان وعشرين ومائة وألف في قلعة باليه بادره رحمه الله تعالى رحمة واسعة ورحم من مات من المسلمين أجمعين آمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 مصطفى الشيباني الصالحي الدمشقي أحد المجاذيب الغارقين في التجليات الالهية ومسطع لوامع البركات الربانية وترجمه الأستاذ الصديقي وقال التغالبة فخذ من بني شيبة والسعدية فمن بني شيبة سدنة باب الكعبة وقد انقسموا إلى سبعة أفخاذ ولكل من بني تغلب والسعدية كرامات للسلف بقية للخلف فبنى تغلب لهم الدوسة وهي المشي بالدواب على ظهور الناس من غير ارتياب أخبرني الشيخ تقي الدين طلب بعض الولاة رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولجده الكبير الشيباني أقول ومراده المترجم قال الصديقي وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له لا تخف ولقد عاينت ذلك منه لما امتحنه سليمن باشا والي الشام وكنت في جملة المتفرجين على هذا الاكرام وانفتاح الأقفال له لما أغلقوا في وجهه الباب وحصل للناس وصحبته الشيخ عبد الرحمن الجقمقي وامتدوا على وجوههما ومشيا في تلك البقعة وقال الشيخ مصطفى هذا الامتحان لي ورجع ولبنى سعد الدين ذلك ولهم رد الالوق ودر الحليب المعوق حتى إن المرأة التي انقطع حليبها أو قل متى أمر أحدهم يده فوق الثياب على صدرها يعود الحليب بانسكاب وكان الشيخ عبد القادر التغلبي يقصد لاشتهاره بهذا الأمر المعلوم ولما أتيت من البيت المقدس في الخطرة الأولى جاءني الشيخ مصطفى مسلماً علي مع بعض خلان وكان الشيخ أحمد بن كسبة الحلبي فتح بابه للوراد بعد إغلاقه فسرت لزيارته وصحبت الشيخ مصطفى لأعدمن ارفاقه وقد ترجمت المذكور في السيوف الحداد في أعناق أهل الزندق والالحاد وأخبرني الشيخ مصطفى بن عمر أن الشيخ أحمد أخبره قال جاءني ابن تغلب مع جماعة وبقي بعد ذهابهم وهكذا كان فقال لي كلمة أنا مطروب بها إلى الآن وهي قوله بعدما كشف لي عن بطنه انظر إلى بطني فرأيت بطنه كبيراً يشير إلى الاتساع وعدم القلق وتحمل الخلق قال وقلت له الناس يقولون عنك أنك شعال في مكة لما يرون على ثيابك من الأدهان وما علموا أنك شعال قناديل عرش الرحمن والذي تأخذه من أوساخهم الدنيوية تضعه في تلك القناديل العرشية لترقى هممهم إلى هاتيك المراتب السنية وهم يظنون أنك تأخذها على غير هذه الكيفية وما معنى هذا الكلام قال فدمعت عيناه وطلب مني وأنا جالس عند مرقد سيدي يحيى الحصور عليه السلام مصرية فقلت له إن الناس يزعمون أنك تكاشف وإذا كنت كذلك فلم تطلب منير مصرية وأنت تعلم مني أني غير حامل لها فذهب ولم يعاودني وكان يراني أحياناً على البعد فينادي سيد سيد فأقف له فلما يحققني يقول روح ما هو أنت ويتركني وكنت نذرت لأصحاب النوبة سبع مصريات ونسيتها فوقف علي وطلب مني مصرية وكان في ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 الوقت عندي فدفعتها له وطلب أخرى فدفعتها له فلما أخذ السبعة انصرف ولم أفق إلا بعد ذهابه إنه أخذ النذر وأخبرني بعض الناس عنه أنه اجتمع به في بستان قال فرأيت الزرع منه ما هو مترعرع حسن ومنه ما هو غير ذلك فصرت أقول هذا أحسن من هذا فقال كله مليح لأنه فعله فأيقظني ونبهني وكان حلو الكلام وهكذا المجاذيب الكرام ولهذا الشيخ مصطفى كرامات مثبتة عند عامة أهل الشام وخاصتم رضي الله عنه انتهى ما قاله الصديقي ملخصاً وكانت وفاة المترجم يوم الخميس عاشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق وقبره معروف رحمه الله تعالى وحضر جنازته خلق كثيرون وما دفن إلا قبل الغروب للازدحام انتهى موسى المحاسني ابن أسعد بن يحيى بن أبي الصفا بن أحمد المعروف كأسلافه بالمحاسني الحنفي الدمشقي أحد الشيوخ الأعلام الذين ازدهت بهم دمشق الشام كان عالماً محققاً غواصاً متضلعاً فاضلاً علامة فقيهاً له في العلوم والفنون اطلاع تام سيما الفقه والمعاني والبيان والأدب إماماً هماماً مورداً سنداً عارفاً بارعاً أديباً على قدم محمدي في الصلاح ملازماً للتقوى والاقراء والافادة ولد بدمشق وبها نشأ واشتغل بالقراءة والأخذ عن الشيوخ فقرأ على الشيخ أبي المواهب الحنبلي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي والشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والشيخ محمد الكاملي وعلى والده العالم الصالح الشيخ علي الكاملي وعلى والده الشيخ أسعد المحاسني والشيخ الياس الكردي وغير هؤلاء من أقرانهم ومهر بالعلوم وأحرز منطوقها والمفهوم وتصدى للاقراء والدروس ولازمته الطلبة واشتهر فضله ونبله وكان يقرأ في الجامع الأموي صبيحة غالب الجمعة بالقرب من الحصور عليه السلام حذاء المقصورة ويوم السبت يقرئ في المدرسة الفتحية في البخارى ويوم الاثنين في العمرية بالصالحية وكان في عنفوان شبابه ذهب للديار الرومية إلى قسطنطينية فلم يبلغ أمانيه بل شتمه بعض الجهال فأداه ذلك إلى اختلال عقله وحجاه وعاد إلى وطنه في هذه الحالة ثم ظهرت فيه بعد صدور ذلك لكنه في لسانه وكان شيخه الشيخ الياس نهاه عن الذهاب وقال له المقصود يحصل في هذه الدار وكان مع ذلك عجيب التقرير لم ير نظيره في الانتقالات عند الدرس إلى علوم شتى وقد كان بذلك فريد عصره وأقرانه وأعطى رتبة الخارج المتعارفة بين الموالي ونظم متن التنوير في الفقه ثم شرحه ونظم أيضاً متن التلخيص في المعاني ثم شرحه وكلا الكتابين مفيدان وبعد أن قدم من الروم حصلت له معيشة جزئية وكان إذا جلس لديه غلام لا ينظر إليه ولا يقريه زهداً منه وكان يقرأ بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 العشاءين الجامع الصغير وكان ينظم الشعر فمن ذلك ما قاله مجيباً الشيخ سعدي العمري عن أبيات أرسلها إليه بقوله حلت محل سواد العين والحور ... هيفاء تلعب بالألباب والفكر ذات الوشاح التي أضحت فرائده ... ما قد حوى ثغرها من خالص الدرر وغازلتنا فعدنا من لطائفها ... نجني معارف حاكت يانع الثمر في روض أنس وثغر الزهر مبتسم ... وقد أمنا به من مظهر الغير والريح تعبث بالأغصان مذ صدحت ... ورق الرياض بنشر طيب عطر تحكي لطافة مولانا وسيدنا ... من فاق أهل العلا بالمنظر النضر خليلنا الفاضل النحرير من لمعت ... أنوار فكرته في مبدا النظر فتى القريض قوافيه إليه أتت ... تجرّ أذيالها بالتيه والخفر وتطلب العفو من مولى عوائده ... جلت عن العدّ والاحصا بمنحصر منها إن خط الطرس خلت الدرّ قد نظمت ... أفراده وغدا بالوشى كالحبر وفي الأصول هو النجم الذي هديت ... به الأفاضل في بدو وفي حضر والعذر انّ هموماً طاردت فكري ... فأطول الليل عندي غاية القصر ودم بأوفر عيش كلما صدحت ... حمامة في ظلال الدوح ذي الزهر وقد انتقد على المترجم في شعره فأجاب الشيخ سعدي المذكور ومرتجلاً بقوله وذي حسد قد عاب شعرك قائلاً ... به ركة حاشاه من طعن طاعن فقلت له دع ما ادعيت فإنما ... لحظت من الأبيات بيت المحاسن وفي المعنى أنشد ممتدحاً بني محاسن الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي مفتي الشافعية بدمشق بقوله إذا افتخر الأنام بأرض شام ... وعدّوا دورها في المساكن أقول مفاخراً قولاً بديعاً ... محاسن شامنا بيت المحاسن قلت وخرج منهم علماء ورؤساء وخطباء وجدهم من جهة الأمهات عالم وقته الشيخ حسن بن محمد البوريني الدمشقي المتوفي في ثالث عشر جمادي الأولى سنة أربع وعشرين وألف وكان عالماً متضلعاً متطلعاً فرد وقته في الفنون كلها وألف التآليف البديعة كحاشية البيضاوي والحاشية على كتاب المطول وشرح ديوان ابن الفارض وغير ذلك ولصاحب الترجمة مخمساً بيتي الإمام السنوسي بقوله لا تشك نازلة وقدّر ما جرى ... فنعيم دارك مشبه طيف الكرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 كم من ملوك تحت أطباق الثرى ... كم جاهل يملك داراً وقرى وعالم يسكن بيتاً بالكرى كشف الهموم عن الفؤاد دورانه ... آيات صدق أوضحت برهانه ببلاغة كالدرّ زان حسانه ... لما قرأنا قوله سبحانه نحن قسمنا بينهم زال المرا وله تخميس بيتي الوزير لسان الدين بن الخطيب بقوله يا زائراً من فاق كل العالم ... وسما إلى أوج العلا بمكارم نادى الرسول بدر قول الناظم ... يا مصطفى من قبل نشأة آدم والكون لم تفتح له أغلاق بشفاعة عظمى حباك تكرّما ... وغدوت ختم المرسلين مقدّما ولقد أتى بالذكر مدحك محكماً ... أيروم مخلوق ثناءك بعدما أثنى على أخلاقك الخلاق وله راثياً الشيخ إسمعيل العجلوني بقصيدة مطلعها ليس يغترّ بالزمان خليل ... فالأماني شموسهن أفول ونفوس الأنام في غمرات ... والمنايا كؤسها تنقيل إن كست أنكست وإن هي يوما ... ان حلت انحلت كفاك القيل والمرائي أعراضها ليس تبقى ... بزمانين عن قليل تزول كم امام قد غرّ بالعيش فيها ... والمنايا بساحتيه نزول كل نفس تذوق كأس ممات ... ليس تفدى ولا يراد بديل منها فاعتبر أيها اللبيب بقوم ... قد قضوا نحبهم بهم تمثيل كالإمام الهمام مفرد عصر ... لعلوم شتى كذاك الأصول عالم عامل تقيّ نقيّ ... ومبراً عما يقول الجهول سيبويه الزمان نحواً وصرفاً ... وبياناً كالسعد حين يقول أشرقت شمسه بأنواع لطف ... فاستنارت منازل وطاول كوثر العلم شرحه للبخاري ... وعليه للطالب التعويل وله غيره مآثر شتى ... وعليها من فيض علم قبول ومنها فهنياً لمن ثوى بضريح ... فيه روح وفيه ظل ظليل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 قدّس الله روحه وحباه ... في جنان الفردوس طاب المقيل وكساه فيه ملابس خضر ... وبهذا الفخار جرّت ذيول وكان المترجم وقع بينه وبين الشيخ إبراهيم السعدي الشاعوري متولي الجامع الأموي مشاجرة من جهة وظيفة تولية المدرسة اليحياوية لدى قاضي القضاة بدمشق المولى على خطيب زاده أدت تلك الخصومة إلى الابتلاء بداء الفالج فاستقام المترجم في ذلك مدة شهرين وتوفي وكانت وفاته في محرم يوم السبت سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى موسى الخاشقجي الحنفي المعروف بالخاشقجي التركماني الميداني الدمشقي الخلوتي كان فاضلاً ناسكاً شيخاً مداوماً على قيام الليل وصيام نهار الخميس والاثنين وله أوراد مواظب عليها أخذ الفقه والحديث وطرفاً من النحو عن الشيخ يونس التركماني الخلوتي الحنفي وصحب الأستاذ السيد محمد العباسي الصالحي الخلوتي وتعبد وأم بمسجد هناك قبلي الحقلة وكانت وفاته في جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة التركمان رحمه الله تعالى حرف النون ناصر الدين الشافعي الدمشقي الشيخ الصالح المتنسك الفقيه كان حافظاً لكتاب الله تعالى أخذ الفقه وقرأه على حسن بن محمد المنير وقرأ طرفاً من النحو على حمزة بن يوسف الدومي الحنبلي وغيرهما وصار إماماً في جامع التوبة الكائن في محلة العقيبة ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته أواخر شوال سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى نعمان البشمقجي ابن عبد الله بن علي بن محمد بن حسين المعروف كأسلافه بابن البشمقجي الحنفي القسطنطيني السيد الشريف أحد صدور الموالي والراقين للمراتب السامية والمعالي الهمام الأجل المعظم المحتشم الحسيب النسيب الكامل الفطن تقدم ذكر والده مفتي الدولة العثمانية وشيخ الإسلام وجده المفتي وولد المترجم سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ونبغ من تلك الدوحة الوارفة الظلال من المجد والشرف ونشأ في بحبوبة ذلك السودد وقرأ في مبادي أمره ولازم على عادتهم ودخل طريق التدريس ولم يزل يترقى في المراتب على المعتاد حتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 ولي قضاء حلب فورد إليها وبعد العز أعطى قضاء مصر وذلك سنة سبع وثمانين ومائة وألف فارتحل إليها ثم في تلك الأيام صار مفتياً بالدولة العثمانية قريبه مصطفى بن محمد الدري فأعطاه رتبة قضاء مكة المكرمة ترفيعاً لمقامه وقدره ولما ارتحلت لدار السلطنة قسطنطينية سنة اثنتين وتسعين ومائة اجتمعت به أي المترجم في داره ثم شرفني بالزيارة لداري وحصل بيني وبينه كمال المحبة والاتحاد لمودة سابقة لأن أسلافه من معتقدي الجد الأستاذ الشيخ محمد مراد بن علي البخاري قدس سره وبينهم محبة ورابطة وثيقة العرى ونحن وإياهم من ذلك العهد القديم متحابون مستقيمون على الصداقة والوداد وكان رحمه الله كلما اجتمعت به ودارت بيننا أكواب المطارحة والمسامرة يثني على الأسلاف ويمدح ويرتع في رياض أوصافهم ويمرح وكنت أشاهد منه محبة ما شابها رياء ولا محاباة ولما قدر الله تعالى وارتحلت ثانياً لدار السلطنة المذكورة سنة سبع وتسعين بعد المائة اجتمعت به وكان منفصلاً عن قضاء دار السلطنة قسطنطينية وكان ولي القضاء بها قبل العام هذا بثلاث سنين واجتهد في تنظيم أسعار البلدة المذكورة مع التفحص التام على البيع والشراء لأجل رخص الأسعار وإزالة المحتكرين وغيرهم فحمدت الناس قيامه في ذلك وأحكامه وشكرت صنيعه ووصل خبره للسلطان والوزير الصدر السلحدار محمد باشا وألبسه الخلعة السمور بالديوان السلطاني تكريماً له وتوقيراً وحين اجتمعت به رأيت من الملاطفة ما زاد عن الحد وكان جسوراً غيوراً نبيهاً نبيلاً عارفاً ببعض الفنون معتقداً للأولياء والصلحاء حسن الملاطفة والعشرة ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته مطعوناً وأنا في دار السلطنة المذكورة في ليلة الجمعة رابع عشري رمضان سنة سبع وتسعين ومائة وألف ودفن بالتربة التي خارج باب أدرنة بالقرب من قبر شيخ الإسلام مصطفى ابن محمد الدري رحمهما الله تعالى نعمان الحنفي الخواجكان ابن محمد الحنفي الادرنوي نزيل قسطنطينية المعروف بالخواجكان ورئيس الكتاب في الدولة العثمانية كان عارفاً أديباً كاتباً متقناً ماهراً بالخطوط وتوقيع المناشير السلطانية والأوامر الخاقانية مع مراعاة القوانين المطابقة للشريعة قدم دار السلطنة قسطنطينية وأخذ بها الخطوط والكتابة عن الأستاذ عبد الله يدي قللي الكاتب المقدم ذكره وغيره وبرع في الأقلام جميعاً وأتقنها بأنواعها على طرائقها وسلك طريق الكتاب في الديوان العثماني واشتهر أمره وصار كاتب الديوان المذكور وتذكرجي ثاني ثم صار كاتب أوجاق العسكر الجديد توفرت حرمته وعلا قدره وازداد وجاهة حتى صار رئيس الكتاب إلى أن مات وكانت وفاته يوم الثلاثاء عاشر شوال سنة ثمانين ومائة وألف والادرنوي نسبة إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 أدرنة بفتح الألف وسكون الدال المهملة وفتح الراء المهملة أيضاً ونون وهاء بلدة عظيمة رحمه الله نعمة الفتال الشافعي الحلبي الشيخ الفاضل البحاث ولد بحلب ونشأ بها واشتغل بطلب العلم على من بها من الأفاضل وأخذ عن أبي السعود الكواكبي وغيره واجتهد في تحصيل الكمال إلى أن بلغ المحل العالي بين كل الرجال وكانت له اليد الطولى في معرفة العلوم العقلية والنقلية ودرس بجامع حلب واستفاد وأفاد وانتفع به جملة من الطلبة من أهل حلب والواردين عليها وكانت وفاته بها بعد الخمسين ومائة وألف عن ثمانين سنة تقريباً رحمه الله تعالى نوح شيخ زاده ابن عبد الله بن حسين المعروف بشيخ زاده الحنفي القسطنطيني أحد رؤساء الدولة وأعيان كتابها المعروفين بالخواجكان ولد بقسطنطينية دار السلطنة العثمانية ونشأ بكنف والده رئيس الكتاب المار ذكره في محله وقرأ القرآن وغيره من المقدمات وأخذ الخط عن والده المذكور ومهر وبرع بأنواعه وبالإنشاء والترسل وحصل الكمالات والمعارف وولي المناصب الرفيعة كأمانة الدفتر السلطاني وصار رئيس الكتاب بالوكالة وغير ذلك وفاق على ذويه في زمن السلطان محمود خان واشتهر بين رؤساء الدولة وكانت وفاته سنة إحدى وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى نور الدين الأسدي ابن علي الأسدي الصفدي نزيل دمشق الشيخ الصالح الدين السمح توفي بدمشق يوم الأحد حادي عشر شوال سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى حرف الهاء ليس فيه أحد حرف الواو ليس فيه أحد حرف اللام ألف ليس فيه أحد حرف الياء التحتية يحيى البري ابن إبراهيم بن أحمد المدني الحنفي الشهير بالبري الشيخ الفاضل العالم الكامل أبو زكريا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلوم وكرع من بحار المنطوق والمفهوم فأخذ عن والده وعن الشهابي أحمد أفندي المدرس وغيرهما وفضل ونبل قدره ونسخ بخطه كتباً كثيرة منها حاشية الأشباه للحموي وكان أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي ولم يزل على حالة حسنة وطريقة مثلى إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وله شعر لطيف منه قوله مخمساً يا ريم رامة والعقيق وحاجر ... يا من تبرقع بالجمال الباهر فزها برونقه البهيّ الزاهر ... بالله ضع قدميك فوق محاجري فلطالما اكتحلت بطيب ثراكا وانظر لصب هائم بين الورى ... جرت الدما من مقلتيه كما ترى وارفق به لتكف عنه ما جرى ... واردد بوصلك ما سلبت من الكرى فلقد رضيت من الزمان بذاكا فهواك يا من قد أسال مدامعي ... يمسي ويصبح آخذاً بمجامعي فاردد فؤادي بالخطاب الجامع ... وأعد حديثك لي فإن مسامعي في شاقة أبدا إلى نجواكا هي خمرتي وبها ذكاء قرائحي ... هي نشأتي ولها تميل جوانحي هي للجراح مراهم يا جارحي ... يا بغيتي فلذاك كل جوارحي تهوى حديثك مثل ما أهواكا يحيى الدجاني ابن درويش المقدسي الدجاني الشافعي الخلوتي خادم ضريح نبي الله داود ببيت المقدس ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي في ثبته فقال كان من عباد الله الصالحين مواظباً على نوافل الطاعات من التهجد والصيام والأوراد وذكر الله تعالى رائقته سفراً وحضراً فرأيته على جانب عظيم من الدين والصلاح وصيانة اللسان ومحبة الناس والتواضع وقدم إلى الشام مرات آخرها سنة ثلاثين واستشهد على يد قطاع الطريق ما بين القدس والخليل في سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى. يحيى الجالقي ابن إبراهيم الدمشقي الحنفي الشهير بالجالقي رئيس الكتاب بالقسمة العسكرية بدمشق الكاتب البارع كان من عقلاء الكتاب عارفاً بفن الصكوك محافظاً للأعيان ظريفاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 في ذاته مغرماً بالجمال واشتهر بذلك متقناً فن الأذكار له دربة في الأمور الارجية كثير التهور على مشارب الكمال وكان له حذق في الأفراح والجنائز وتوزيع الصدقات مع حلاوة وسعة يوجد في خدم الأعيان ويصرف نفسه وكان قاطناً بالمدرسة العادلية الكبرى ثم أخذ داراً بالقرب من دار بني منجك خارج باب جيرون وأتعب نفسه بها وجعلها وقفاً النصف على مدرستنا المرادية والربع للمؤذنين والربع للسميساطية وكان في الأصل حاله مضمحل ثم تنقلت به الأحوال إلى أن لازم الصدر الدفتري السيد علي الحموي الدمشقي وانتمى إليه فلما عزل ومال انتمى إلى الشهم الكبير السيد محمد الفلاقنسي الدفتري بواسطة بعض متردديه وصار له القبول عنده وأظهره للوجود بعدما كان من الميدان مفقوداً ثم بعد وفاة الفلاقنسي المذكور هبط عن أوله وكبر سنه ولم يكن كما كان ولم يزل على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف وقد ناهز التسعين وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بمقبرة مرج الدحداح خارج باب الفراديس رحمه الله تعالى. يحيى الاسطواني ابن أحمد بن حسن بن محمد بن محمد بن سليمان العاقل المفنن الاسطواني الحنفي الدمشقي الفاضل الأديب كان فاضلاً أديباً عارفاً بارعاً كاتباً منشئاً يعرف كثيراً من الفنون مع اللطافة وحلو المعاشرة وحسن المحاضرة والخط الحسن والانشاء البليغ والصوت الشجي المطرب اشتغل بطلب العلم على جماعة من علماء عصره كالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري ولازم الفقيه علم الدين صالح الجينيني وأعاد له درسه في الدرر والغرر مدة سنين وصار مرة كاتباً للأسئلة الفقهية وأميناً على الفتوى وأعطى رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي ودرس بالمدرسة الجقمقية وكان في ابتداء أمره أحد الشهود والكتاب بمحكمة الباب لكن الدهر به تقلب وعلى نفسه تغلب حتى أورثه السوداء ومع ذلك فلم يترك مطالعة الشعر والكتب الأدبية ومن شعره الذي غلا سعره قوله ولم أقف له على غيرها خذا حيثما غيض الرياض رواتع ... فقلبي بهاتيك الأجارع والع وجدّا خليلي السرى فلقلما ... تعرّض للساري الملث موانع ودونكما تجدا ورامة واندبا ... فؤاد كئيب كي تجيب الأجارع ففيها لقد ضاع الفؤاد وكم بها ... غدوت أخاً وجد وسرّى ذائع فلله ما أحلى المقام برامة ... فياليت شعري هل لها أنا راجع وياما أحيلي صدح ورق حمائم ... إذا ساجلتها في الغوير سواجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 فكم لي في وادي الأراك أحبة ... أقاموا ولي بين التلاع مواتع وكم حملتني نسمة سحرية ... عبير عرار والبدور طوالع لقد كاد فودى أن يشيب لبعدهم ... على إنني في الوصل خلى طامع فخير زمان في المسرة لا مرا ... فإنّ به غصن الشبيبة يانع فقل لي رفيقي هل أداني ربوعهم ... وتسفر عن بدر السرور مطالع وينعم بالي وصل سعدي بلعلع ... وصبح التهاني بالتواصل ساطع ألم ترني إن لاح برق منادياً ... ألا يالصحبي ها أنا اليوم جازع وأنشد من وجدي وفرط صبابتي ... أبرق بدا من جانب الغور لامع وإن ما تذكرت العذيب رأيت من ... عيوني شآبيب الدموع تسارع أروم انكتام الأمر والوجد مظهر ... من الشوق ما ضمت عليه الأضالع فكم رام سلواني العذول مزخرفاً ... لزور مقال وهو فدم مخادع إذا قال دع ذكر التوله والهوى ... أجبت بقول للملام يدافع لئن حفظت أيدي الغرام مكانتي ... فمدح خليل الفضل قدري رافع ألا وهو مقدام العلوم ومن سما ... بآيات فضل ما لديها مدافع وأحرز في مضمار كل فضيلة ... على الرغم سبقا لم تنله المطامع همام على هام المجرّة فخره ... له أصل مجد في السيادة فارع وليس له في العلم صنو وماله ... بنيل المعالي في البرايا مضارع وأنى يساوي كنه فضل صفاته ... وشأو ضليع ليس يدرك ظالع إليه لدى أهل الفضائل إن بدا ... خفى من المعنى تشير الأصابع هو الجهبذ الشهم الذي بلغ العلا ... وحل ذرى التحقيق إذ هو يانع إذا جال فوق الطرس طرف يراعه ... أتته المعاني وهي طرّاً خواضع فلم أنس يوماً فزت فيه بنظرة ... وأعين حسادي عليه هواجع أتيت حماه والفؤاد قد انطوى ... على كرب قد أبدعتها الوقائع فبدّلها المولى سروراً وبعدها ... أمنت وضمتني إليها المضاجع ألا يا خدين المجد يا فرد عصره ... بنظرة لطف منك إني قانع لقد حزت من أسنى المفاخر ذروة ... لعمري عنها غير ذاتك شاسع إليك ابن صدّيق النبي فريدة ... لقد وشحتها في القريض بدائع أتتك وطير السعد أمّك ساجعاً ... فطابت بطيب السمع منه المسامع وعذراً فإن الفكر مني قاصر ... ولكنما جهد المقل المدامع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 فدم راقياً أوج العلاء مؤيداً ... وعزمك للأعداء كالسيف قاطع مدا الدهر ما أبدى المشوق إلى اللقا ... أنيناً وما أبدى التواضع خاشع وما صاغ يحيى في البديع قوافيا ... تفوق الدراري أو ترنم ساجع وكانت وفاته ليلة السبت سادس عشري ذي الحجة سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح خارج باب الفراديس رحمه الله تعالى. يحيى بن بعث ابن تقي الدين بن يحيى الشهير بابن بعث نسبة لخال والده الدمشقي الفاضل الفلكي الكامل الصالح التقي كان عمله صنعة التجليد للكتب والحبر الجيد من أرباب الظرف واللباقة ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الثلاثاء خامس ذي القعدة سنة سبع ومائة وألف رحمه الله تعالى. يحيى الجليلي ابن مصطفى الموصلي الشهير بالجليلي الشيخ الأديب الفاضل الشاعر ترجمه محمد أمين الموصلي فقال أحد رجال هذا البيت كان مولعاً باكتساب الفضائل واقتناء الكتب والأدب لم يشتغل بزخارف الدنيا مع اقبالها عليه بل كان شعاره الفحص عن المسائل وكشف قناعها بالدلائل مكباً على تحصيل العلوم حتى قضى نحبه ولقى ربه وكان قد أخذ العلم عن شيخنا الأجل موسى الحدادي وتأدب بأخلاقه فكان لا تمر به ساعة وهو خال من مطالعة أو مناظرة أو مباحثة أو مناقشة وله ميل كلي إلى الأدب والأدباء ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ودخل حلب سنة اثنتين وسبعين مع أولاد عمه ثم رجع منها لبلده الموصل ولشيخنا المذكور فيه مدائح عجيبة فمن ذلك قوله من قصيدة بديعة مطلعها قوله رمى فأصمى فصاد القلب بالغنج ... ظبي يصول بطرف فاتك دعج وذو محيا إذا لاحت محاسنه ... أغنى بطلعته الغرّا عن السرج وحمرة الخدّ مذ قامت بوجنته ... هام الكليم بها حلف الغرام شجي سرى فضل بليل الشعر معتسفاً ... لكن ثناياه أهدته إلى النهج معقرب الصدغ معسول اللمى عنج ... مسكيّ ثغر بصرف الراح ممتزج ومنها راح إذا زوّجوها بابن غادية ... راحت برائحة من أطيب الأرج إن شئت خذها من الأقداح صافية ... أو شئت خذها من الأحداق وابتهج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 ومنها في روضة كلما مر النسيم بها ... طابت بيحيى المعالي طيب الأرج ثبت الجنان إذ الأبطال واجفة ... تحت القتام ونار الحرب في وهج والباسم الثغر والأبطال عابسة ... في موقف بين سلب الروح والمهج فإن أقام أقام السعد في خدم ... أو سار فالنصر يتلو آية الفرج من معشر جبلت أخلاقهم كرماً ... على السخاء وفاض الكف كاللجج فتح وحتف يمين الفضل قد جمعت ... ذا للمحب وذا للكاشح السمج ومنها تسعى المعالي إلى علياك باسمة ... تبسم الروض في أزهار منتسج ما في نظامي غلوّ في المديح لكم ... أنت الفريد وبعض الناس كالهمج خذها أبا يوسف عذراء ناهدة ... إليك عاجت ونحو الغير لم تعج لا زلتما في منار السعد ما بزغت ... شمس النهار ودار البدر في السرج انتهى وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف ودفن بالمقبرة الجليلية تجاه الباب الحديد قريباً من مرقد الشيخ ولي الله عناز. يحيى التاجي ابن عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد بن أبي بكر بن موسى بن عبده الولي الكبير المدفون بالجبل الأقرع من أعمال أنطاكية المترجم في درر الحبب الامام الشهير في التقرير والتحرير كان رحمه الله تعالى علامة فهامة متوشحاً بحلي الفضائل والكمال ولد ببعلبك ونشأ بها في حجر والده فقرأ عليه وعلى أخيه الشمس محمد وعلى الشيخ أبي المواهب الحنبلي والملا الياس بن إبراهيم الكوراني والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والجمال عبد الله العمري العجلوني نزيل دمشق والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني والشمس محمد بن علي الكاملي وغيرهم من علماء دمشق الشام ممن عاصر هؤلاء الأعلام وحج سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف فأخذ في حجته تلك عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي والشيخ أبي الطاهر محمد بن الملا إبراهيم الكوراني والشيخ علي الأسكندري وأخذ بدمشق عن الأستاذ الجد الشيخ محمد مراد النقشبندي وتولى الافتاء ببعلبك بعد وفاة أخيه وصار له النهاية في نفاذ الكلمة عند الخاص والعام وسارت بأحاديث ثنائه الركبان وافتخر بطلوع علاه الزمان ومدح بالقصائد الشهيرة من أهل بلاد كثيرة وأثبتها في مجاميعه واقرأ الشفاء بتمامه في درسه العام وكان يلقى الشروح بتمامها من حفظه وتوجه مع والده إلى الروم وصات له الرتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي وكانت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وفاته ببعلبك سنة ثمان وخمسين ومائة وألف عن ثلاث وستين سنة رحمه الله تعالى. يحيى الموصلي ابن فخر الدين الموصلي مفتي الحنفية الشيخ الفاضل النبيل المفنن البارع ولد بالموصل سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ونشأ بها وترجمه السيد محمد أمين الموصلي وقال في حقه ربيع الفضل والمحاسن صاحب الفضائل والكمال مرجع الطلاب وأرباب المعالي وبالجملة فهو بالشرف كالنار على العلم وبالكرم كذوارف الديم أصل طاهر وفرع زكي ونسب قرشي علوي ليس في الموصل كصحة نسبه ونسب أبناء عمه إلا نسبة السيادة التي في باب العراق أبناء السيد عيسى الطحاوي ثم هذا السيد يتيمة زمانه له صدقات جارية وللفقراء في ماله رواتب ووظائف فيقال إنه في كل يوم يعطى زهاء ثلاثين راتباً ومنزله ربيع الضيوف وأبناء السبيل لا يمر به يوم إلا وعنده ضيف أو أكثر وقد مهر في الفتوى والعلم والتقدم وكان توجيه الفتوى إليه سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ثم أخذت منه ثم عادت إليه وله الأيادي المشهورة والمحاضرة المبرورة والفضائل المعمورة وأخذ علمه عن جماعة منهم الشيخ حمد الجميلي فقيه وقته وهو الآن يقرئ التفسير للقاضي يقرأه على جماعة من الطلبة ما بين فاضل وزكي عاقل وله الخبرة التامة في صناعة الفارسية واللغة التركية وبالاسطرلاب والربع المجيب وغير ذلك من الفضائل ونظمه أحلى من القند وترجمه صاحب الروض فقال واحد الفضل ومرجعه ومنبع العلم وموضعه الذي عقدت عليه الخناصر وورث الفضل كابراً عن كابر فهو الفاضل الذي أورق غصن شبابه في ساحة المجد والفتوة حيث ناداه قلم الافتاء من أعلى هامات الفضل يا يحيى خذ الكتاب بقوة قد عقدت رايات الكمال عليه وانتشرت وضمخت جوانبه بعبير المعارف وانتثرت سطعت أنوار الافادة من جانبه في كل مقام فأشرقت شمس أفضاله على رؤس الربى وهامات الأكمام فاسترق بلفظه الرائق أبناء الزمن فكان أدبه ألذ للعيون من معاطاة الوسن انتهى وحج في سنة سبع وخمسين ومائة وألف وله شعر لطيف منه قوله مقرظاً على الروض لعثمان أفندي الدفتري عقود وشحت صدر الطروس ... أم السكر المخامر للنفوس ومنثور فصيح راق معنى ... بروض مثل صهباء الكؤس شطور سطوره تنمو وتزهو ... برونقه على العقد النفيس صحائفه لأعين ناظريه ... تضئ بلاغة مثل الشموس فهنا إذ وجدناه كأنا ... ثملنا من حساء الخندريس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. يحيى البغدادي مكتوبي والي بغداد علي باشا المقتول الشيخ الأديب الكاتب الشاعر البارع الأوحد كان فرداً من أفراد الدهر له اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر فمن شعره قوله مادحاً السيد عبد الله أفندي الفخري أبارق لاح في الديجور للعين ... أم الحبيب رنا نحوي من العين أم غادة أسفرت عن درّ مبسمها ... فلاح للعين ليلاً درّ بحرين أم قرقف قد بدا بحلي بكأس طلا ... يسعى بها أغيد بادي العذارين أم الحسيب النسيب المستطال به ... سلالة المصطفى وافي العراقين نتيجة الفخر عبد الله قطب سما ال ... كمال حقاً بلا شك ولا مين بنيله للمعالي قد غدا علماً ... وبالبسالة أضحى قدوة الكون امام عصر غدا نور العيون كما ... غدت هدايته تهدي الفريقين كشاف كرب شهاب ثاقب أبداً ... قاموس علم غدا عار من الشين حقائق المجد فيه خلتها درراً ... كأنها منح تنحى من الدين ضروب أمثاله في العالمين سمت ... كما سما فخره فوق السماكين خزانة الدين منه الصدر ضمنها ... فليته بحمى خير الفريقين كلامه الدرّ أضحى في نضارته ... كصرّة قد حوت حقاً من العين مفتاح كل سرور قوله حكم ... مشكاة نور ومصباح الجلالين قد حار في وصفه وصافه وغدا ... بفضله ناطق نص الصحيحين أحيا علو ما عفت آثارها وبقت ... في الناس مهملة فوق الغريبين فمنيتي منه كالحصن الحصين كمن ... وقاييه بلحظ العين والعيين مولاي يا نجل فخر مذ وفدت على ... بغدادنا قد غدت تزهو بنورين وقد حوت شرفاً لما حللت بها ... ونالها في الدنا فخر بفخرين وقد غدت أرضها تزهو بقاطنها ... إذ زانها سكناً نجل الذبيحين فمرحباً بك حياك الآله بما ... ترومه منه يا زاكي الجنابين فدم وعش في أمان الله مرتقياً ... درج الكمالات من حين إلى حين وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكانت وفاته مطعوناً ببغداد سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 يحيى العقاد الحلبي الشهير بالعقاد الفاضل الكامل الأديب الشاعر المجيد ولد بحلب ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها وبرع في علمي العروض والقوافي وله بذلك اليد الطولى وله النظم العجيب وكان يعاني حرفة العقادة بسوق الباطية وترد عليه أحبابه لأجل المذاكرة والاستفادة ومن شعره حين بنيت منارة البهرامية لما سقطت تاريخ مكتوب على بابها وكان ابتداء البنيان سنة احدى عشرة ومائة وألف وذلك قوله قامت فصادمها السحاب بمرّه ... وسمت بقدّ قدّ كل مشاد حاكت علاء قدر طه المصطفى ... أس السخاء ومنهل القصاد فهو المعمر من أنار منارها ... وأثار أجراً آب دون نفاد بشراه أجرى بالسرور بناءها ... والخير أمنح بالهناء ينادي ها كل وزن تمّ فيه مؤرخاً ... جل استواها باستوا الأعداد وهلالها باللطف حلى مؤرخاً ... في عكس رقم كالجلالة بادي سنة 1112 90 150 340 515 17 السيد يعقوب الكيلاني ابن السيد عبد القادر بن السيد إبراهيم الكيلاني الحموي ثم الدمشقي الحنفي الفاضل الكامل النبيل كان أديباً عارفاً فهيماً صاحب نكات ونوادر تارة معتكفاً في الزوايا وتارة منعكفاً على الروايا لا يعنيه ما يهمه بل منكب على لذاته عشور يحب المداعبة والأخلاء والندماء وغير ذلك ودار كدوران الفلك ثم استقر آخراً بقسطنطينية المحمية وكان حظه منقوصاً في مبدء أمره ثم تنفس له الدهر وفكه من أسر القهر وظهر قدره بالسمو وأعطى رتبة الخارج ولما انحلت تولية الجامع الأموي عن الشيخ إبراهيم بن سعد الدين الجباوي أخذها عن محلوله فلما جاء الخبر إلى دمشق أرسل له والده بل الله ثراه بوابل الغفران ألفى ذهب واستفرغها منه وصارت لوالدي ثم لم يزل المترجم بقسطنطينية حتى مات وكان ينظم الشعر الجيد فمنه قوله ربع الأحبة بي إليك تشوّق ... قد كدت منه صبابة أتمزق وإذا ذكرتك فاض مني عبرة ... لولا زفيري كنت فيها أغرق أرسل فديتك مع نسيمات الصبا ... خبراً عن الثاوين عندك يصدق فأنا لبرء نسيمها متعطش ... ولعرفها الزاكي بهم أتنشق فنسيمها يزكو بمرّ ذيولها ... في روضة الغصن الذي هو يعبق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 حيث الأزاهر كللت تيجانها ... درر الندى فغدت لها تتفتق وله غير ذلك من الأشعار الرائقة والترسلات الفائقة وكان فرداً من أفراد العلام فضلاً وذكاء ونبلاً لطيف المحاورة حسن المذاكرة ظريف النكتة والنادرة وبالجملة فأهل هذا البيت الطاهر المنسوبين إلى الأستاذ الأعظم الشيخ عبد القادر كلهم دراري اهتدا ودرر لطائف في كل ما خفي وبدا وصاحب الترجمة من جملتهم وكان وفاته مقتولاً شهيداً على يد قطاع الطريق فوق المعرة في شعبان سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارجها رحمه الله تعالى يعقوب العفري ابن مصطفى الملقب بعفري على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنيطيني الجلوتي بالجيم أحد الشيوخ المشاهير بدار السلطنة العلية العالم العارف الماهر المشهور أخذ عن والده المعروف بضيائي الشهير وعن الشيخ عثمان خليفة الشيخ سلامي وتزوج بابنته وصار شيخاً في زواية الشيخ محمود الخدائي الكائنة باسكدار وكان يعظ في جامع الوالدة الكائن في اسكلة قسطنطينية عند باب اربستان أحد أبوابها وجمع صلوات شريفة وشرحها وله من الآثار رسائل أخر وأشعار وكانت وفاته بها في سنة تسع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى يعقوب الهندي ابن يوسف الملقب بالهندي الحنفي الرومي الكاتب المشهور الماهر الكامل ولد ببلدة نيكدة وقدم قسطنطينية وأخذ بها الخط المنسوب وأنواعه عن يحيى الكاتب الرومي وحصل وأتقن الكتابة والخط المنسوب وتنافس الناس بخطوطه ودخل الحرم السلطاني وخم مدة ثمة ثم خرج على عادتهم بكتابة وقف علي باشا العتيق الكائن بدار السلطنة قسطنطينية المذكورة ثم رفعت عنه لأمر كان ولما ولي الوزارة العظمى الوزير علي باشا الشهيد جعله معلماً لخدامه وغلمانه وأعطاه كتابة وقف علي باشا المذكور وأرجعها إليه بموجب التوقيع السلطاني بعد أن أخذت عنه ولما جرى على الوزير المذكور ما جرى واستشهد في واقعة سفر النمجة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف تعرض بعض الحساد لأذية المترجم وسعى بأخذ الكتابة المذكورة عنه فوليها غيره ولما رأى المترجم من الزمان ما كدر عيشه الصافي وبدل في فرحه بالترح خرج من قسطنطينية يسبر الأغوار والأماصر وقدم البلاد الشامية وارتحل منها للحجازية والمصرية واستقام مدة بهذه الأقطار ورأيت من خطه آثار حسنة الوضع والكتابة والبعض منها عندي وذكر أنه كتبها بدمشق سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 اثنتين وثلاثين بعد المائة ثم بعد أن جاب البلاد وانقضت مدة الاغتراب عاد لدار السلطنة ووافاه الخط الكامن في خبايا الأيام وعين معلماً للخط المنسوب في الدائرة السلطانية وكان السلطان أحمد خان الثالث يهش إذا رأى المترجم وهو الذي لقبه بالهندي ثم تغيرت به الأحوال ووقع من الهرم بأوحال وانقطع في داره سنين وكانت وفاته بقسطنطينية سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن باسكدار ونيكدة بكسر النون وياء ثم كاف ساكنة ودال مفتوحة وهاء بلدة بالقرب من قونية رحمه الله تعالى يعقوب باشا الوزير قدم حلب مرتين مرة حين انفصاله من صيدا ماراً إلى أدرنة ومرة حين قدمها والياً سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف سار في مبدء أمره سيرة حسنة بحلب ثم جاز لما أمر بالجردة من حلب لاستقبال الحجيج ولم يعد منها لحلب بل توجه إلى دار السلطنة فإنه كان دعى للمصاهرة وكان رحمه الله تعالى لا بأس به له شفقة ومحبة للفقراء وفي أيامه وصل سفير طهماس قولي المدعو بنادرشاه من مملكة إيران لحلب مجتازاً لدار السلطنة واحتفلت له الدولة العلية إظهار الأبهة السلطنة ومعه تسعة من الفيلة عل ظهورهم التخوت وهم أمام السفير كل هنية يقفون لسلامه ويأمرهم الفيال فيطأطئون خرطومهم حين السلام وكان وصولهم لحلب ثامن شوال سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وكان يوماً مشهوداً حضرت أهل القرى كلها لأجل مشاهدة الفيلة واسم هذا السفير حجي خان كان من أهل العناد والطغيان وكان قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال سنة خمس وأربعين ومائة وألف لجمع الأسارى والقصة مشهورة إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة وخرجت إليه نساء الأعاجم اللاتي كن أخذن أسارى واستولدن فمنهم من أبي وهو الأقل والباقون تبعوا السفير لارتكاب القبائح علناً وتوفي بعد ذلك بقليل رحمه الله تعالى يعقوب الموصلي ابن خلف الموصلي الحنفي الفقيه الزاهد كان صاحب ديانة وفقه وعلم وعمل وانقطاع إلى الله وليس له اشتغال إلا بالصلاح والزهد ومراجعة فضلاء العصر كالسيد يحيى أفندي الفخري مفتي الموصل وله معرفة وخبرة تامة في المسائل الدينية وهمة عالية في قضاء حوائج الناس ودخل حلب مرتين ورجع إلى الموصل وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى يس اللدي الفقيه الشافعي المحدث المفسر المنطقي النحوي الأديب المفنن كان له قدم راسخ في العبادة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 والإفادة لطالب الاستفادة رحل إلى الأزهر بالقاهرة وأخذ عن جملة من الشيوخ كالنجم محمد الحفني والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي وأحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشيخ علي الصعيدي والشيخ حسن المدابغي وغيرهم وأجازوا له ثم رجع منها وتوطن مدينة نابلس وتصدر هناك للتدريس والإفادة ولما عمر الوزير سليمان باشا الجامع الشرقي المعروف بالوزيري نصبه إماماً به ومدرساً فتصدر لذلك وقام بحقوق ما هنالك فأفاد وأجاد ونفع العباد وكانت وفاته في حدود التسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى يس الهيتي ابن عبد القادر الهيتي ثم البغدادي الشافعي الشيخ الفاضل العالم الكامل أخذ الفقه والمعقولات عن الجمال عبد الله بن الحسين السويدي والشيخ حسين الراوي وبرع وفضل ودرس ببغداد وانتفع به خلق كثيرون وكان له نفس مبارك على المتعلمين وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الشونيزية رحمه الله تعالى. يس الكيلاني ابن عبد الرزاق بن شرف الدين بن أحمد بن علي بن أحمد الكيلاني الحموي الشافعي الشيخ الصالح المسلك المربي المكمل شيخ الطريقة القادرية والسجادة الكيلانية في الأقطار الشامية كان وفاته في 3 يس طه زاده ابن مصطفى الشهير بطه زاده الحلبي الحنفي الشيخ العالم الفاضل البارع الأوحد أخذ عن الشيخ أسد الدين الشعيفي والشيخ سليمان النحوي والشيخ أحمد الشراباتي الحلبيين وعن السيد أحمد بن السيد عبد القادر الرفاعي المكي وغيرهم وبرع وفضل ودرس وأفاد وذكره الشيخ عبد الكريم الشراباتي في ثبته من جملة شيوخه وأثنى عليه وكانت وفاته 3 يوسف الغزي الشهير بالمقري ابن أحمد بن عثمان الغزي الشهير بالمقري الشافعي الشيخ الفاضل الأوحد البارع المفنن ولد بغزة هاشم في سنة تسع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرآن العظيم وبعض المقدمات في النحو والفقه على الشيخ محمد العامري وفي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف رحل إلى بغداد وقصد الحج فدخل المدينة المنورة وأقام بها ثلاث سنين وحفظ القرآن وجوده في تسعة وعشرين يوماً ثم رحل إلى مكة سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحل إلى بغداد وقصد الحج فدخل المدينة المنورة وأقام بها ثلاث سنين وحفظ القرآن وجوده في تسعة وعشرين يوماً ثم رحل إلى مكة سنة سبع وأربعين وحج ثم رجع إلى بلده غزة في سنة تسع وأربعين ولم يمكث بها إلا برهة وذلك لأنه لم يكن له ما يقوم به لأن أباه كان حائكاً وكان فقير الحال كثير العيال فلما رجع ابنه المترجم لم يجد ما يقوم به ووجد أخاه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 فقيراً وعليه غرامات سلطانية لا يقوم بدفعها إلا بعد الجهد والنكال فلم يستلذ المترجم بالاقامة فيها فكر راجعاً على عقبه إلى مكة المشرفة من عامه وفي سنة خمسين ومائة وألف أخذ عهد الخلوتية بمكة المشرفة عن الأستاذ السيد مصطفى البكري وأسمعه وحدة الوجود لمنلا جامي سماع بحث وتقرير فحصل له ببركة الأستاذ غاية الفتوح وفي سنة إحدى وخمسين توجه من مكة المشرفة إلى البلاد اليمنية فدار في مدنها سبع سنين وفيها قرأ على الشيخ العلامة إسمعيل بازي أحد القراء الذين أخذوا عمن أخذ عن العلامة ابن الجزري ثم رجع إلى مكة المشرفة ومكث فيها سنتين ثم رجع إلى اليمن وحظى بها بالامام وأقاربه بسبب القراءة لأنه كان يقرأ للأربعة عشر قراءة تحقيق واتقان واشتهر هناك وضاع صيته للأخذ عنه وتسري بجارية حبشية ورزق منها أولاداً ثم في سنة ثمان وستين عزم على الرحيل وتوجه من اليمن إلى مكة المكرمة وحج ورجع إلى وطنه الأصلي غزة فدخلها سنة تسع وستين ومائة وألف وكان واليها إذ ذاك الوزير حسين باشا ابن مكي فأنزله على الرحب والسعة وصار يتردد على ابن شيخه السيد مصطفى البكري وهو شيخنا أبو الفتوح كمال الدين وقرأ عليه حصة من شرح الفصوص وحصة من شرح التائية الفارضية للشيخ عبد الغني ابن إسمعيل النابلسي وحصة في علم الفرائض قراءة مذاكرة وتمرين واستجازه بالرواية عنه فأجازه وأعطاه يوماً أبياتاً له في مدحه وهي قوله وقائلة والدمع مني غزيره ... يشابه مرجان البحور انهماله عليك ببكريّ يسرّك وجهه ... وإن كنت محتاجاً يفيدك ماله له رتبة في ذروة الفضل قد سمت ... فياليت لي يا صاح فينا كماله إليك عظيم الوجد أشكوه سيدي ... فبالله خبرني فديتك ماله أراك لذي الدنيا غياثاً لأهلها ... وللدين يا ابن الأكرمين كماله وبقي إلى سنة ثمان وثمانين ومائة وألف فمرض بها ومات رحمه الله تعالى وكان في حيز نفسه ساكناً وقوراً عنده من كل علم ما يكفيه له معرفة برواية الشعر نقده وتمييزه وكان من الفقر على جانب عظيم مع قلة الشكوى والصبر على البلوى وترك أولاداً هم الآن في غزة هاشم. يوسف الشرواني ابن إبراهيم بن محمد أكمل الدين الزهري الشرواني الأصل والمولد المدني الحنفي العالم المحقق النحرير المدقق الفقيه المحدث المتقن الجامع بين الرواية والدراية الصدر المحتشم قدم إلى المدينة المنورة بعد أخيه علي أفندي المار ذكره في سنة ثمانين وألف واشتغل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 بافادة العلوم وانتهت إليه رياسة الفقه في وقته حتى قال الشيخ أبو حسن السندي الكبير يوم موته اليوم مات فقه أبي حنيفة أرسل إليه العلامة شيخ الاسلام السيد فيض الله أفندي مفتي الروم وهو ابن خال أبيه إبراهيم أفندي منصب افتاء المدينة المنورة بعد أن ردها عليه أخوه علي أفندي فلم يظهرها حياء من أخيه المذكور واستمر المنصب عليه ثلاث سنوات ثم كتب إلى شيخ الاسلام المذكور يستعفيه منها وترجى عنده أن يردها إلى صاحبها الأول السيد أسعد أفندي الأسكداري ففعل وتولى القضاء نيابة فاتفق إنه توفي القاضي في تلك السنة فكتب إلى الدولة العلية فوجهوا إليه نصف السنة بطريق الأصالة حيث كان في سلكهم والمدينة إذ ذاك من المخارج الثمان قبل الترفيع وصار يكتب في امضائه القاضي بالمدينة المنورة وكان وجيهاً معظماً في أعين الناس كشافاً للمشكلات حلالاً للمعضلات ولم أقف على مشايخه وله من التآليف شرح على مشكاة المصابيح في ثلاث مجلدات كبار سماه هدية الصبيح شرح مشكاة المصابيح وشرحاً على ملتقى الأبحر في مجلدين وله عدة رسائل منها رسالة في كراهة اقتداء الحنفي بالشافعي توفي بالمدينة المنورة في الثالث عشر من شوال سنة أربع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن عند قبة سيدنا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يوسف القباقبي ابن محمد بن تاج الدين بن محمد بن أحمد بن زكي الدين المعروف بالقباقبي الدمشقي الخزرجي الشافعي البارع الأديب الشاعر النبيل هو بعلي الأصل وجده وأقرباؤه كلهم من التجار بدمشق لكن عمه الشيخ أبو السعود كان من الفضلاء المنوه بهم ودرس بالجامع الأموي وترجمه الأمين المحبي في تاريخه وأما صاحب الترجمة فإنه كان من الأدباء ترجمه الأمين المذكور في ذيل نفحته وقال في وصفه نسيج وحده في الفضائل الجلائل وعليه من الثناء برد من رقيق الغلائل فروض أدبه صفا لمن ورد إليه بظل ظليل ضفا برد برده على عطف نسمات سرين إليه وهو الآن متخل عن التعلق بالعلائق متخلق بأحسن ما يتخلق به من الخلائق يبين المخلف من الصيب ويميز الخبيث من الطيب فهو مخلى بسكون وهدو مظنة فائدة في رواح وغدو إلى منطق تزدري عذوبته بالرضاب وطلاقة كما راق الفريد القرضاب وفيه للطافة شواهد تزف منها للمنى أبكار نواهد وشعره در من بحور نظم عقوداً في نحور ذكرت منه ما يلذ للطبع لذة الماء يشرب من أصل النبع وذكر له هذين البيتين لا غير وهما قوله أكرم الأكرمين أنت الهى ... وشفيع الأنام أكرم خلقك أأرى بين أكرمين مضاماً ... أو مضاعاً حاشى الوفاء وحقك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 قلت وأخبرني بعض الأصحاب إن لهذين البيتين نكتة وهي إن صاحب الترجمة تقلبت به الأحوال وضاق عيشه بعدما كان من ذوي الدنيا كما تقدم حتى صار كاتباً في بعض طواحين دمشق فتفكر يوماً من الأيام بحاله وما جرى له ونظم هذين البيتين المتقدم ذكرهما فما مضى على ذلك ساعتان إلا ورجل مقبل عليه ينادي باسمه فنهض قائماً إليه وقال له ما مرادك قال مرادي أنت أن تجيب إلى فلان يعني أحد تجار الشام فذهب معه إليه فلما رآه استقبله بغاية الاكرام والابتسام وأخبره إن أحد أولاد عمه بمصر مات وانحصر إرثه فيه وخلف أموالاً عظيمة ودفعوا له المكاتيب المصرحة بذلك فجد للسفر إلى مصر ورجع منها إلى الشام في تجارة عظيمة على عادته التي كان عليها وكانت وفاته في أواخر سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. يوسف الحفني ابن سالم بن أحمد الشافعي القاهري الشهير بالحفني الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر النحرير الفهامة الأديب الشاعر البارع المفنن أبو الفضل جمال الدين كان عديم النظير في الحفظ وحسن التقرير مع التحقيق الباهر للعقول والتدقيق المشتمل على أصول وفصول أخذ عن جماعة من العلماء وشارك أخاه في معظم شيوخه منهم أبو حامد محمد بن محمد البديري ومحمد بن عبد الله السجلماسي وعيد بن علي النمرسي ومصطفى بن أحمد العزيزي والشمس محمد بن إبراهيم الزيادي الحنفي وامام المعقولات علي بن مصطفى السيواسي والجمال عبد الله الشبراوي والشهابان أحمد الجوهري وأحمد الملوي والسيد محمد البليدي وأخو المترجم النجم محمد الحفني وأخذ الطريقة الخلوتية عن القطب مصطفى ابن كمال الدين البكري وعن غيرهم وبرع وفضل وسما قدره ونبل ودرس بالجامع الأزهر والمدرسة الطبرسية ولما توفي العلامة عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر وصار أخو المترجم مكانه وكل صاحب الترجمة في التدريس عنه وكان الشبراوي قد وصل في تدريسه في تفسير البيضاوي إلى سورة عم فشرع المترجم من السورة المرقومة بتحقيق بهر العقول وأعجب الفحول مع القاء ما عليه من منقول ومعقول وألف مؤلفات دقيقة وتحريرات أنيقة منها الحاشية الحافلة على شرح الألفية للأشموني وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الاسلام زكريا وشرحان على شرح آداب البحث للمنلا حنفي وشرح على شرح العصام للاستعارات وشرح التحرير في الفقه وله رسالة في علم الآداب وشرحها ونظم البحور المهملة في العروض وشرحها وديوان شعر مشهور وغير ذلك وكان رحمه الله تعالى من الرقة واللطافة على جانب عظيم وسعة من الحفظ والتفهيم يقرئ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 المتن والشرح والحاشية لا يخل بحرف من ذلك ويزيد عليه تحقيقات لطيفة ومن شعره اللطيف قوله بابي أهيف المعاطف أغيد ... كاد من شدّة اللطافة يعقد ماس بين الغصون يزهو بخد ... نقطته يد الشقائق بالند وتهادت بلقيس زينتها حين ... رأت قدّه كصرح ممرّد خرّجت وردة الخدود حديثاً ... وحديث الوردي أحسن مسند بعث اللحظ مرسلاً ونذيراً ... وتلاه العذار وهو مزرّد ودعانا لشرعة الحب جهراً ... فأتيناه راكعين وسجد ضلت العاشقون إذ شبهوه ... بهلال أو غصن بان تأوّد كفر الخال بالرسول فأمسى ... وهو في نار وجنتيه مخلد ليت شعري من أين للبدر خدّ ... إن جرت فوقه المياه توقد أو لغصن الرياض جيد إذا لا ... ح بليل الشعور خلناه فرقد حسدتني الأيام فيه ولكن ... مثل هذا الجمال لا شك يحسد وقوله واحيرتي في رشا أكحل ... ذي أعين فتاكة ذبل ناصبة أهدابها للذي ... قد فرّ من أجفانها الغزل سيوف لحظيه إذا جرّدت ... في سلبها الألباب لم تمهل سلطان أهل الحسن في عصره ... وإن غدا في الحكم لم يعدل إن ماس أو حرّك أعطافه ... أزرى بلين للقنا الأعدل وإن رنا نحوك باللحظ لم ... ينفعك من راق ولا مندل إذ قال لي خدّاه يا سيدي ... ورد لذيذ القطف لم يذبل ومال كالغصن إذا رنحت ... أعطافه ريح صبا شمأل ومدّ جيداً قد حكى دمية ... لديه جيد الظبي لم يجمل شممت من وجنته نفحة ... أزكى من العنبر والمندل أودع في القلب بها حسرة ... لمهجة نيرانها تصطلي كم مهجة أفنى وكم مقلة ... أدمى وكم قلب به قد بلي ما لاح للأبصار إلا رأت ... سعودها في حظه المقبل تركيّ لحظيه إذا ما رنا ... سفك دماء الناس لم يمهل يبخل بالوصل ولكنه ... بالفتك في العشاق لم يبخل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 وقوله أوّاه من شادن تعمد ... قتلي ونومي بالهجر شرد طلق جفني كراه لما ... جفا وبالدمع صار يعتد أباح سفك الدماء عمداً ... لما لسيف اللحاظ جرّد إن أنكرت مقلتاه قتلي ... دمي على وجنتيه يشهد له قوام كغصن بان ... عليه طير الفؤاد غرّد ونبل هدب للسحر عنه ... هاروت لما روى تفرّد وسيف لحظ له سنان ... أمضى من الصارم المهند فذاك يحتاج لانتضاء ... وذا يذيب الفؤاد مغمد وخمر ريق من ذاق منه ... قطرة راح بغى وعربد أما ترى العاشقين سكرى ... حين رأوا ريقه المبرّد وليل شعر من ضل عنه ... غدا بصبح الجبين يرشد ناحل خصر له فؤاد ... على محبيه شبه جلمد قد أطلعت وجنتاه ورداً ... من لون ورد الرياض أجود وزانه حوله عذار ... أتى بثوب الدجى مزرّد بعد اخضرار الشعور منه ... جنى من الذنب عاد أسود ومنها إن قلت صلني يزداد تيهاً ... أو ينثني مغضباً ويحتد أو قلت زرني بجنح ليل ... يقول في مذهبي قد ارتد متى رأيت المحب يوماً ... نال المنى من وصال أغيد يا واحداً لعصرته دلالاً ... على معنى في الحب مفرد ما حيلتي من تلاف جسمي ... وقد جفاين صحب وعود وعاذلي مذ رأى هيامي ... وفرط وجدي بكى وعدّد وله نبهت بالوعد قوماً بالوفا نبذوا ... وقلت عودوا لوعدي عود منتبه قالوا سلوناك خلى غيرنا بدلاً ... واحذر من الدهر في مرمى تقلبه ما كان أحسنهم عندي وأحفظهم ... لو إنهم فعلوا ما يوعظون به وله مخمساً حسبت الدهر لي خلا مطيعاً ... فراع حشاشتي روعاً شنيعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 بصحب خلتهم حصناً منيعاً ... واخوان تخذتهم دروعا فكانوها ولكن للأعادي رأيت لهم عهوداً صادقات ... وأحوالاً لودّي مظهرات ظننتهم قسياً مانعات ... وخلتهم سهاماً صائبات فكانوها ولكن في فؤادي فكم ظهرت لنا منهم عيوب ... ولاح لأعيني فجر كذوب وكم حلفوا يميناً أن يتوبوا ... وقالوا قد صفت منا قلوب لقد صدقوا ولكن من ودادي وله مضمناً لما رأيت ملاح العصر ليس لهم ... من الجمال سوى التكحيل بالمقل ناديت كفواً عن التدليس وارتدعوا ... ليس التكحل في العينين كالكحل وله أوّاه مما ألاقي ... من لوعة وصدود ومن ملام عذول ... يروم خلف وعودي ومن دلال غزال ... يروم نقض عهودي أو من سهام ووجد ... به عدمت وجودي ومن جوى وهيام ... لبعد قلب شرود مثقف القدّ أحوى ... لماه عذب الورود مهفهف قد تعدّى ... بالفتك أقصى الحدود بدر ظريف المحيا ... لدن القوام فريد ياليت شعري ألاقي ... وعدي به أم وعيدي ويشتفي حرّ قلبي ... منه بحل البنود ورشف خمرة ريق ... وقطف ورد الخدود وطيب عذب عناق ... من قدّه الأملود هناك أختال تيهاً ... وتستتم سعودي وله غير ذلك من النظام والنثار وكانت وفاته في شعبان سنة ست وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى. يوسف المالكي ابن محمد بن محمد بن يحيى بن أحمد الدمشقي المالكي الشريف لأمه مفتي المالكية بدمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 الشيخ العالم الفاضل المعمر الكامل الفقيه أبو الفتح جمال الدين ولد بدمشق وبها نشأ وقرأ على علماء عصره وأخذ عنهم كالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد الرحيم بن محمد الكابلي والملا الياس بن إبراهيم الكوراني والشمس محمد بن علي الكاملي والشيخ أبي الصفاء ابن الشيخ أيوب الخلوتي وأجاز له خاتمة المسندين محمد بن سليمان المغربي نزيل دمشق والمتوفي بها سنة ألف وأربع وتسعين وصار أحد أمناء الفتوى عند الشيخ أبي الصفاء المفتي المذكور واتصل بابنته وتولى افتاء المالكية بعد أخيه السيد أسعد وصارت له احدى التداريس بوقف بشير أغا القزلار في الجامع الأموي بعشرة عثامنة ولازم التدريس والاقراء في الجامع الصغير وألف كتابة عليه لم تكمل وكان قد ورث من الخواجا السيد عبد الحق العاتكي مبلغاً وافراً من الدراهم فصرفه على الاطراء بمدحه والاشتهار وعمر قصراً بالجسر الأبيض بصالحية دمشق وصرف عليه مالاً كثيراً وكان يميل للترفه والتنعم وكانت له عدة وظائف كتولية المدرسة الحافظية بالصالحية وغيرها وله ادرارات لأجل الاشتهار وصار شيخاً في الخلوتية وعمر زاوية ومنارة قرب داره ودار بني البكري في حارة البيمارستان النوري وأتلف على ذلك أموالاً جمة وصار يقيم بها الأذكار ويختلي ولم يزل يصرف ماله على المريدين والمنشدين حتى صار من الشيوخ المعدودين ولم يزل على حالته هذه حتى توفي في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف مطعوناً عن نحو تسعين سنة ودفن بتربة مرج الدحداح تحت رجلي القطب الشيخ أيوب الخلوتي بتربة الذهبية رحمه الله تعالى. يوسف الطباخ ابن عبد الله الشهير بالطباخ الخلوتي الدمشقي الشيخ الأستاذ الامام الورع الزاهد العابد الناصح كان من أولياء الله تعالى معتقداً عند خاصة الناس وعامتهم مع الديانة والتقوى وكف الفضول وهو في الأصل مملوك لبني الميداني التجار فوفقه الله إلى الخير فأخذ طريق الخلوتية عن الأستاذ الكبير الشيخ حسن المرجاني البطائحي المعروف بالطباخ وهو أخذها عن العارف بالله الشيخ عيسى المعروف بان كنان وتتلمذ للمذكور ثم إنه لما مرض كان له ولد فأراد خلفاؤه أن يخلفوا ولده فقال أرسلوا خلف يوسف فلما جئ به بايعه وجعله خليفة على السجادة وكان ذلك في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ثم إنه استقام بها إلى أن مات وظهر منه صلاح وكرامات خارقة وبدا كالشمس في رابعة النهار وقيل إنه كان من الأبدال وصار يقيم الذكر في مدرسة السميساطية وفي جامع التوبة ويختلي في جامع تنكز في كل سنة وأقبلت الناس عليه ومما يحكي عنه إنه جاء رجل من سادات الأشراف بدمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وكان مولعاً بشرب الخمر والفجور فمر يوماً بزقاق فرأى الشيخ يوسف المترجم والناس تهرع إليه لتقبيل يديه ويسند عون الدعاء منه فعجب لذلك وقال له لأي شيء تهرع الناس إلى تقبيل يديك وأنت جدك نصراني وأنا جدي صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولا أرى الناس تقبل يدي فقال له لأنك تبعت طريقة جدي وأنا تبعت طريقة جدك فأفحمه بالجواب وتاب إلى الله على يده من الفجور الذي كان يصنعه ومن شرب الخمر وصار من تلاميذه وأخذ عنه الطريق وعلى كل حال فإن الأستاذ المترجم هو الكامل المفرد توفي رحمه الله سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في الروضة واتفق إنه في تلك السنة أيضاً مات الشيخ أحمد النحلاوي فأرخ وفاتهما السيد عبد الرزاق بن محمد البهنسي بقوله انتبه يا فؤاد كم أنت لاه ... إنما هذه الشؤون ملاهي شقق العمر لم تزل بانطواء ... كل آن حتى يكون التناهي واندراس الكرام يوماً فيوماً ... موقظ للأنام والطرف ساهي وانقراض الأعيان أكبر داع ... لفساد الزمان دون اشتباه كان بدران مشرقان بأرض الش ... ام بالفضل ما لهم من يضاهي بهما يرفع الآله بلاء ... حيث منهم بالخير آمر ناهي وبهم تمطر السماء انصباباً ... وبهم فجرت عيون المياه غرباً عن دمشق حين رآها ... قد غدت منزل ارتكاب المناهي وبها خلفاً سحاب جلال ... عجاً كان فيهما الدهر زاهي يوسف الزاهد المطيع تولي ... حين داعي الهدى دعا بانتباه ثم في أثره أجاب مطيعاً ... أحمد الغوث من عباد الله في رضاء الآله عاشا وماتا ... قلت أرخه في رضاء الآله سنة 1159 90 1200 67 يوسف النابلسي ابن إسمعيل بن عبد الغني بن إسمعيل الدمشقي الحنفي الشهير كأسلافه بالنابلسي الشيخ العالم العلامة العمدة الفهامة الفقيه الامام الهمام الفاضل الكامل المقدام ولد بدمشق كما رأيته منقولاً بخط البرهان إبراهيم الجينيني نزيل دمشق في سنة أربع وخمسين بعد الألف ونشأ بطلب العلم والاشتغال به فقرأ على جماعة منهم المحقق الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال وغيره وصار أمين الفتوى عند المفتي أحمد بن محمد الحلبي المهمنداري مفتي الحنفية بدمشق وارتحل إلى الحجاز صحبة أخيه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الكبرى وكان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 ابتداء ارتحاله رضي الله عنه في غرة محرم سنة خمس ومائة وألف وهو يوم الخميس ورجع إلى دمشق يوم السبت الخامس من صفر سنة ست وحين خروجهما من مكة متوجهين للشام وكان هو وأخوه الأستاذ على جمل واحد كل منهما في شقة كان يوم وفاة المترجم يوم الثلاثاء رابع عشري ذي الحجة ختام سنة خمس في الثلث الأخير من الليل فلقنه أخوه الشهادة وحضر موته والحج سائر ثم لما طلع صباح يوم الأربعاء كان المنزل منزلة رابع موضع ميقات الأحرام فحفروا له قبراً في الموضع المذكور في مناخ الحجاج من جهة المدينة بينه وبين النخيل نحو مائة ذراع في وسط الطريق ودفن هناك بمشهد عظيم وأرخ وفاته أخوه الأستاذ بقوله في طريق الحج قد مات أخي ... يوسف الفضل الذي كان فريداً إن ترم تحسب فالتاريخ جا ... يوسف النابلسي مات شهيداً سنة 1105 4 156 184 441 320 ورثاه أيضاً بقوله بكيت على مفارقة الشقيق ... بدمع أحمر مثل الشقيق أخ قد كان بي برّاً شفيقاً ... فوا أسفي على البرّ الشفيق وكان مساعداً لي في أموري ... جميعاً حافظ العهد الوثيق يرى ما لا أرى في شأن عيشي ... ويتعب نفسه في دفع ضيقي ولا يرضى بأدنى مس ضيم ... ألاقيه ولا شيء معيقي ويجهد أن يراني في سرور ... وإن هو كان في أو في مضيق شقيقي يا أخي أنت ابن أمي ... رعاك الله من خل صديق ألا يا طالما دبرت شأني ... وقمت بعيشتي وبللت ريقي وكنت كوالد لي عند أهلي ... وأولادي على أهدى طريق فتحمي حوزتي وتلم شملي ... وتجمعني بنصرك في فريقي وحزت مروءة وحفظت جاهاً ... دنا من جملة النسب العريق أفلت وكنت نجماً في سماء ... من الفتوى لأنقاذ الغريق وهي طويلة وفي هذا القدر كفاية يوسف الأنصاري ابن عبد الكريم الأنصاري المدني الحنفي الشيخ الفاضل النحرير الفقيه المفنن البارع ولد بالمدينة المنورة سنة إحدى وعشرين ومائة وألف ونشأ على طلب العلم والأدب ورقى إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 أعلى الرتب وأخذ عن والده والشيخ محمد بن الطيب الفاسي والشيخ أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبي الطيب السندي وغيرهم وألف ونظم ونثر فمن مؤلفاته منظومة في المناسك نظم فيها المنسك الصغير للمنلا رحمة الله السندي وشرحها شيخنا الزين مصطفى الأيوبي الرحمتي شرحاً لطيفاً ووجه للمترجم منصب الافتاء بالمدينة لكن ما ساعدته الأقدار فرفع عنه قبل ما وصل إلى المدينة وله أشعار كثيرة فمن شعره هذه القصيدة ممتدحاً جناب الحبر عبد الله عباس رضي الله عنه بقوله بالحبر لذو ببابه المعروف ... بالجبر والاحسان والمعروف تلقاك منه كرامة فورية ... عجلاء مذهبة لكل مخوف فلطالما والله أنقذ لائذاً ... فيما مضى بجنابه الموصوف رحب الفناء أبى عليّ ذي التقى ... حامي الذمار وملجأ الملهوف يحمي ويمنع جاره ونزيله ... بين الورى من حادث وصروف مذ كان أيام الحياة وهكذا ... بعد الممات بحاله المألوف يا رب بلغنا المرام بجاهه ... وأبيه عمّ نبيك الغطريف فلقد مددنا للنوال أكفنا ... يا من نوالك ليس بالمكفوف امنن علينا بالسماح وبالرضا ... عنا فإن القلب في تخويف ثم الصلاة على الموافي رحمة ... للعالمين وخص بالتشريف والآل والأصحاب أقمار الدجى ... من بالصلاة نخصهم بألوف ما أنشد الوجل المجرب قائلاً ... بالحبر لذو بابه المعروف وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته شهيداً بالمدينة المنورة سنة سبع وسبعين ومائة وألف بتقديم السين فيهما ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى. يوسف الخطيب المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم العلامة الأوحد البارع النحرير ولد بالمدينة المنورة سنة اثنتين وخمسين وألف ونشأ بها وأخذ عن أفاضلها منهم العلامة عبد الله أفندي البوسنوي المدرس وغيره وله من التصانيف شرح مختصر الدلجي في المصطلح سماه فتح الكريم المنحي بشرح رسالة الدلجي وغير ذلك وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثمان عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى. يوسف الجابري ابن أحمد الحلبي الحنفي الشهير بالجابري مدرس الاسكندرية خارج باب الجنان باعتبار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 موصلة الصحن المتعارفة بين الموالي الشهم الفاضل المحتشم نادرة الفضلاء ونابغة الفقهاء ولد بحلب ونشأ بها وقرأ النحو واللغة الفارسية على الفاضل الشيخ محمد بن هالي الحلبي وقرأ على العالم الشيخ محمود البالستاني والسيد علي العطار والسيد عبد السلام الحريري والشيخ عبد الرحمن البكفالوني وقرأ الهداية على العالم المحقق السيد محمد الطرابلسي مفتي الحنفية بحلب والفرائض والحساب على الشيخ مصطفى اللقيمي والشيخ يس الفرضي وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الكريم الشراباتي وصار علماً في الفضائل يشار إليه ومرجعاً في المعارف يعول عليه جمع من مسائل الفقه ما تفرق وشرد فأوضح ما أغلق منها وقرب ما ابتعد طالما استوعب الصباح مجداً في السهر حتى أحاط من إيضاح مغلقات المعاني بما شتت شمل الفكر وأحرز حسن الخط وقت الانشا ودرس مدة في مدرسة الاسكندرية التي جدد بناءها وأنشأ وكان ذا ذهن وقاد ونظر نفاد تولى مهام الأمور في بلدته فأحسن تعاطيها ومالت إليه قلوب أعاليها وأدانيها ثم سلقته الحساد بالسنة حداد فسافر في شوال عام إحدى وسبعين ومائة وألف إلى القسطنطينية وأقام بها وحباه صدورها العظام بما استوجبوه له من الاحترام وأحاطوا بفضله ومعارفه علماً وحققوا فيه حسن الظن والأخلاق حقيقة ورسما فسمت سيرته وزكت شهرته فأمر بالذهاب لمصر في معية فاضل وقته عباس أفندي أحد قضاة القسطنطينية لحصول ما تعذر من الأموال الأميرية فأبرز من المساعي ما حمد ويسر الله تعالى اتمام المقصد فقرت منه العين ثم أرجع للقسطنطينية عام أربع وسبعين موثوق القول مشكور السعي والفعل فاستخدم في نيابة الكشف ثم تكرر في كتابة الوقائع بدار الخلافة العثمانية وحمد طوره وذاع بالخير ذكره فنزل المنازل البهية وتراءت له بها أسنى المراتب العلية فاخترمته المنية في العشر الأول من ذي الحجة عام ثمانين ودفن بأسكدار رحمه الله تعالى. يوسف الحنفي الدمشقي نزيل دار الخلافة قسطنطينية الشهم الفاضل اشتغل بطلب العلم مع صنعة التجارة وأخذ الطريقة الخلوتية عن السيد محمد العباسي هو والعلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن المجلد الدمشقي وصحب الولي الشيخ عيسى بن كنان الصالحي وقرأ على غيرهما وذهب إلى الروم ووقعت له رؤيا قبل ذهابه وهي إنه لما توفي شيخه السيد محمد العباسي الخلوتي في ربيع سنة أربع وسبعين بعد الألف وأقام مكانه الشيخ عيسى الخلوتي ابن كنان نام في ليلة وفاته حزيناً لموته كئيباً لا يدري كيف يتوجه فرأى في عالم الرؤيا إنه داخل إلى التربة وإذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 بقبر الشيخ مفتوح وهو جالس على ركبه واضع يديه على ركبتيه متوكأ عليهما وكان رآه في حال حياته كذلك فلما رآه قال له يوسف بحذف النداء أخذت علي عيسى خذ علي عيسى فإني خلفته فاستيقظ وكان ذلك الوقت آخر الليل فتوضأ وذهب إلى عند الشيخ عيسى بن كنان للمدرسة السميساطية فرأى ضوءه مشعولاً فطلع إلى خلوته فرآه يصلي التهجد فوقف إلى أن فرغ من الصلاة فقال له لولا يرسلك السيد محمد العباسي ما جئت إلى عندنا اجلس فجلس فبايعه وأخذ عنه العهد ثم في ثاني ليلة رأى نفسه داخلاً إلى التربة المدفون بها شيخه العباسي وقبره مفتوح والشيخ جالس على الهيئة التي سبق ذكرها فقال له يوسف أخذت علي عيسى قال نعم يا سيدي فقال أسعدك الله ثم بعد ذلك أخذته يد التقدير إلى الروم ولما وصل إليها سكن في حجرة في بعض المدارس غريباً فقيراً لا أحد يلتفت إليه إلى مدة أربعة أشهر فبينما هو في بعض الأيام جالس وإذا بعبد أسود عليه رونق يقول أين يوسف الشامي فلم يجبه وظن أنه يطلب أحداً من الأروام ولم يخرج إليه فقال ثانياً يوسف الشامي الذي جاء من الشام منذ أيام فأشاروا له إلي فلما رآني قال لي كلم مولاي فقام معه إلى أن وصل إلى دار فلما دخل على صاحبها استقبله وعانقه وسلم عليه سلام مودة وصحبة بالغة وأمره أن يقرئ أولاده القلبية وأمره أن يجئ بأسبابه التي في المدرسة وفرش له أوضة حسنة وعين له خادماً وعلوفة في كل شهر ورقاه بالمناصب إلى أن أعطى المترجم قضاء بير الأغراض ثم برصا ثم قبرص فرحل إليها وبعد مضي مدته قدم إلى دمشق لوطنه الأصلي زيارة فصادفه التقدير بأن توفي بها وكانت وفاته في يوم الأثنين لعشرين من صفر سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وصلى عليه الشيخ عثمان القطان بالجامع الأموي ودفن بتربة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى. يوسف الديري ابن شبلي الديري الشافعي الشيخ الفاضل الفقيه البارع الصالح أبو المحاسن جمال الدين نزيل دمشق أخذ الفقه عن النور علي الكاملي والعربية عن ولده الشمس محمد وكتب له إجازة مطولة وقفت عليها مؤرخة بأواخر شوال سنة اثنتين وثمانين وألف وبرع وحصل وصار له الفضل التام وكانت وفاته في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى. يوسف أفندي الذوق ابن عمر بن عبد الله الحنفي الطرابلسي الشهير بالذوق الشيخ الفاضل العالم البارع الأديب الشاعر المتصوف ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ في عفة وديانة وطلب العلم فأخذ عن جماعة في بلدته منهم الشيخ محمد التدمري وعبد الحق المغربي والشيخ علي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 الاسكندري والشيخ عبد الله الخليلي ورحل إلى الأزهر وأخذ به عن جملة من شيوخه ومن جملة شيوخه الشيخ إبراهيم الحلبي نزيل قسطنطينية ثم ذهب إلى بلاد الروم واجتمع بأساتذة كبار القدر في العلوم ومدة إقامته في قسطنطينية عند عبد الرحمن أفندي عرب زاده صدر أناطولي وبعد انتقاله إلى رحمة الله تعالى رجع المترجم إلى بلدته طرابلس ولم يتعرض لمنصب ولا رتبة وقد أرسل له محمد أفندي بيري زاده شيخ الاسلام ملازمة مفصولة عن قضاء فلم يعمل بها ولا تعرض لموجبها وأبقاها عنده في كوة النسيان وله شعر كثير يغلب فيه لسان أهل الحقيقة منه هذه القصيدة أخبر هو عنها إنه بعدا كمالها رأى حضرة قطب العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي في المنام فقال له بعد أن أنشدت بين يديه متى عملتها أو نظمتها فقال له يا سيدي بعد أن طالعت شرح الفصوص فقال له أبشرك بكذا أو لك البشارة بكذا وهي هذه بحلت فجلت عن شبيه صفاتها ... وعزت علاء أن ترى لك ذاتها عزيزة حسن مهرها النفس هكذا ... روى عن علاها في التجلي رواتها فمن لم يجد بالنفس لم يدر ما اللقا ... ولا عبقت في أنفه نفحاتها ومن يدعي مع نفسه وصل عزة ... فهاتيك عزاها لدينا ولاتها بروض تجليها لدى سحب جودها ... بكى مزنها فاستضحكت زهراتها بها عين تسنيم الحقائق مورد ... وعن ذوقها يروى شذاها سقاتها فلا تغمضنها إن رأت وأكحلنها ... بمرود تقواها يفور فراتها فنيل العلا من ذي العلا وأبيك لا ... إذا حث نجب اليعملات حداتها وسر حيث جوّ الجود صحو وبحره ... لفلكك وهو ما سرت نسماتها فإن ظفرت يمناك منها بنائل ... حمته بأسياف الرموز حماتها وقد عبقت من طيبها أفق الحشا ... وضاء بشمس الراح صاح فلاتها فلا تخش بأساً أن سكرت بخمرها ... فقد حكمت بالحل فيها قضاتها وكن خير راو غير غاو بثمرها ... تريك مقاليد المعالي هداتها فما آفة الأخيار إلا غواتها ... وما آفة الأخبار إلا رواتها وكذلك له قصيدة في الحقيقة المحمدية على طريقة أهل الحقائق من الصوفية جوزي عليها بخلعة سنية من الحضرة النبوية في مبشرة رآها في منامه بين يقظته وأحلامه وهي هذه لمحت لنا من نورها لمحاتها ... فتضوّعت من نورها نفحاتها ذات الجمال ولا جمال لغيرها ... إذ تجتلي مذ تنجلي مرآتها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 في غيهب الأكوان لما إن بدت ... فوق المنصة أسفرت وحداتها ولها تضاءلت الفهوم وكيف تد ... ري شأوها أو شأنها لمحاتها فالعرش والكرسيّ والفلم الذي ... يجري على لوح الوجود هباتها منها على الكونين أصل سيادة ... لملا تحلت بالتجلي ذاتها وغدت تصوّر فيض ذلك فيهما ... وعليهما وإليهما جلواتها فوسائط الكونين والثقلين مذ ... وجدوا لديهم كلهم بركاتها ودعاء نوح قومه بنيابة ... عنها لتبلغ في الورى دعواتها وكذلك الرسل الكرام جميعهم ... نوّابها وكلامهم كلماتها فهم وإن كانوا لها آباً فهم ... أبناؤها وبحارهم قطراتها من لي بنفحة طيبها في طبها ... لفتى كسته لينها عذباتها أو رشفة من ثغره يحيى بها ... من أرض ذلة ما جنيت مواتها أو رشف ما أبقاه أو أبقاه من ... أسقاه أو من قد سقته سقاتها كيما يفوز بذوقها متعطش ... أو ينعش المضنى بها نسماتها فصلاة مولانا عليها دائماً ... وكذا علينا من عطاه صلاتها وله هذه القصيدة يمدح بها شيخه الروحاني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله تعلى سره رويدك حادي اليعملات فما أقوى ... على حث نجب يممت طللاً أقوى وحاك روياً قد حكى نثر أدمع ... كنظم روى قد تخلى عن الأقوا لعل بريقاً عندما سح مدمعي ... وأرعدني شوقي يلوح به رضوي أساوق آمال الأماني به كما ... تساوقني وعدا وتسبقني عدوا لساحل بحر ساجل المزن كفه ... بفك عرى قد زرّرتها يد البلوى خضم بعيد الغور لكن بمدّه ... تشق لنا منه عيون ولا غروا جناب أظلته سحاب مدائح ... على ثقة منه فأمطرت الجدوى له مدّت العلياء أيدي فنالها ... كما نالت الآمال منه يد الشكوى هو القطب عبد القادر العلم الذي ... له نشر طيب في الورى لم يكن يطوى هو الفرد محيي الدين أحيى بجدّه ... دوارس علم كان عن جدّه يروى وإني لتعروني لذكراه هزة ... كما اهتز صب رنحته صبا الأهوا لقد قال حقاً في الملا قدمي على ... رقاب الأولى نالوا الولاية لا دعوى أذيب لأهل الأرض في الماء حبه ... كما آل بيت من محبته الأسوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 فمن رامه أورى زناد حرامه ... بحاجاته من نيل سعدي ومن أروى على نهج من سر به سر به على ... مطية حب تصعد السرّ بالنجوى وبارك لأقداح تراءت كأنجم ... روت عرف راح من معانيه لا يروى وهيهات أن تدنو لمن كان أو لمن ... يكون ولو في غفلة بلغ القصوى وذق من لماها واغتبق خمر حانها ... فطوبى لذوق من لمى ثغر من يهوى فأكرم به من مفرد في محاسن ... نسيج سداها حيك من لحمة التقوى عليه سلام من سلام معطر ... بمسك ختام كي يكون له كفوا وله قصائد في مدح القطب العيسوي السيد أحمد البدوي قدس سره منها هذه وهي قوله أسير الهوى مهلاً فقيد الهوى غلّ ... بعنق نفوس مدها الحقد والغل إلى م ترى طباً هوى النفس طيباً ... وحتى م تستشفي به وهو معتلّ عليك بأقداح أدارت رحيقها ... ثغور الشفاه اللعس والأعين النجل تبدّت على نجم من البدو حبذا ... لقا بدويات يحجبن من قبل شربن بما بحر العلوم أبى الهدى ... مغيث الورى إذ حف أرضهم المحل أمامي أبي فرّاج أنى توجهت ... له النجب تلقا مدين تلقه جمل هو البدويّ الفرد أحمد من له ... على كل من قوّام ساحته فضل هو العيسويّ القطب والعلوي الذي ... إذا مثلت أوصافه ماله مثل وإني لتعروني لذكراه هزة ... كما اهتز غصني البان بلله الوبل ومذ جنّ ليلى واستجنت مآربي ... خلعت له باب الحيا إذ عصى القفل مجانين إلا أن سرّ جنونهم ... عزيز على أبوابهم يسجد العقل كؤس أدارتها شموس تبرقعت ... بسحب حيا يسقى القلوب فتخضل بدور لهم منهم عليهم شواهد ... لدى الذوق إذ في فصل أحكامه عدل وله قصيدة مدح بها قطب العارفين الشيخ محيي الدين العربي قدس الله تعالى سره منها قوله مرج بجلق كالفردوس منظره ... جل الذي ببساط البسط جمله قد رصعت بلآلئ النور تربته ... كأنه أفق والنجم كلله صرحا سليمان للأعجاب مدّ به ... كأنه للقا بلقيس أهله ألم تر الشرف الأعلى يمدّ له ... يداً وبحر علوم الدين قابله فأدخل جنان معانيه تفز وترى ... حور المباني تداني من يمدّ له الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 وله تذييل بيتي العفيف التلمساني وتخميسهما على طريق السادة الصوفية رضي الله عنهم إلا أن طوري من تجلى مكوّني ... تصدع فانشقت عيون تفنني ومذ ظهرت بالدمع عين تعيني ... نظرت إليها والمليح يظنني نظرت إليه لا ومبسمها الألمى لقد فاح في الوادي المقدس عرفها ... وألبسنا ثوب المعارف عرفها فما لمليح حسن سلمى ولطفها ... ولكن إعارته التي الحسن وصفها صفات جمال فأدعى ملكها ظلماً لقد عز من ذوق المعاني أولو النهي ... وذل بأفكار المباني ذوو الدها فإن كنت منا أولها متوجهاً ... فول لها وجهاً ترى الحسن والبها صفات لها حقاً وفي غيرها أسما وله عند دخوله لثغر حماة المحروسة حماة حماة قد أبادوا العدا على ... صواهل جرد دأبها طلب القاصي ومدّوا رواق الأمن فيها لطائع ... وقد دار قهراً في أزقتها العاصي وله في فسطاط مضروب على حافة البحر وفيه صديقة السيد إبراهيم أفندي أنظر لموج البحر فوق الشط في ... حركاته مذ مدّ يحكي عسكرا لمقام إبراهيم يأتي لائذاً ... صفاً فصفاً ثم يرجع قهقري فكأنه قد جاءه مستنجداً ... ومقبلاً من تحت أرجله الثرى وكتب إلي وأنا في طرابلس الشام لقد قيل فيم النظم منك لأوجه ... تقلب في جوّ المعاني لكي يزهو فقلت مرادي سيد وابن سيد ... خليل مزايا ماله في الورى شبه لئن قيس من ساواه في فضل رتبة ... ففي الفضل لم يوجد لجوهره كنه ففي كل رمز فيه شرح لحمده ... وفي كل وجه فيه رمز له منه فأعجب بمن من رمزه شرح مدحه ... وأغرب بمن من حسنه كله وجه وكتب إلي أيضاً أخو العلم فيما همّ أو أمّ تلقاه ... لمدين ما يرجوه يمم تلقاه فيقصر ممدود الأماني لنيله ... وإن كان يلقيه بذلة دعواه لكل مراد قد توخاه جهده ... وأما مرادي عزماً قد توخاه فنال به علماً يعزا طلابه ... بعيد على أبناء ذا العصر أدناه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 تخلل فيه حبه فغدا به ... خليلاً وهل يخفي الخليل خباياه وإن كان يخفي السرّ لكن صفاؤه ... ينم فيبدي كل ما كان أخفاه بعشرين حولاً نال منه بنائل ... نهاية أهل العصر في صبح مبداه سجاياه بحر رائق فوق كنزه ... إذا ما انقضت أولاه ماج بآخراه إذا غاص فيه لأقتناص فريدة ... تبدّي لنا والدربين ثناياه فليس إلى إدراكه لمؤمل ... سبيل ولو أفناه ما قد ترجاه ألم يدر أن العلم عز مناره ... به وانجلى صدر الصدور بفتواه فكيف به إن ماج في بحر علمه ... وأظهر ما يخفي على الناس معناه وغنت على أغصان روض علومه ... بلابل ذوق من ندا فاح رياه هنالك تبلي نفس كل مؤمل ... بما كسبت من فيض بحر عطاياه للجناب العالي الاعتذار من كلام ليل كتب في النهار سبله المحو أو الصفح عن زلله والعفو لما فيه من قصور أبكار حورها تبرجت للظهور كأنها نجوم في سماء علاكم تحوم لا زلتم كما شئتم ولأعلى المراتب بلغتم بجاه جدكم الأمين وأصحابه أجمعين. وكتب إلي بعد القدوم من دار السلطنة لدمشق في أواخر سنة ثمان وتسعين ومائة وألف بقوله حنانيك دعني يا عذولي ومقصدي ... فلست وإن حاولت نصحاً بمرشدي ولو قنعت أيديك وجه هدايتي ... بمبرق آيات لديك ومرعد لما كان مني غير ما كنت عالماً ... بجهل وهل بالجهل يدرك مقصدي فكف عن اللوم الذي قد ألفته ... وفك عرى العزم الذي فيه ترتدي ولذ بمن انقادت له نجب الهنا ... بمقدمه وانجاب غيم التفند امام له منه عليه شواهد ... ولا خلف بين اثنين فيه بمشهد يؤم محاريب الهدى وإن اقتفى ... ففي أثره في مهمه الغي تهتدي إذا لاح معنى من سماء علومه ... معارج أوراق بأغصان سؤدد لئن نشرت شمس المعارف بردها ... عليه طوته ناسمات التودّد فإن غم عنك الأمر فاسئل عن الذي ... تفرّد بالأيدي وشورك باليد هناك ترى ثوب المراد مطرّزاً ... باسم خليل في مسمى محمد فول له وجهاً بوجه ضراعة ... وسل عنه لاعن حارث الدهر في غد فتبدي لك الأيام كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد نور حدقة الدهر ونور حديقة العصر من خطت في صحف الدفاتر أخباره فقرأتها بعيني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 وأنا جاره فهو إن كان در معارفه في صدف هذه الأوقات يتيم لكنه عن در حقائقها غير فطيم كيف وهو امام معارف به يقتدي في جامع عوارف بها يهتدي لا برحت زواهر الجواهر تستخرج من بحوره وصدور الطروس تتحلى بقلائد سطوره تنجلي تيجان التهاني والبشر بمقدم المقدم في المبتدأ قبل الخبر فقد جليت علي عرائس عافية كانت علي عابسة وخلعت عني ثوب سقام كنت لابسه لا برحت عيون العيون له ناظرة بوجوه بشر ناضره يستضئ بها هذا الداعي في دياجي البؤس ويستقي من صافي الكؤس ويؤمل من عالي الجناب تقرير ما هو الصواب على السؤال والجواب المرسل داخل الكتاب وامضاءه مع الختم لأننا عورضنا من غير دليل يركن إليه قلب النبيل وكنا كتبنا له أبيات نسأله عن الفرق بالدليل والبينات فأجاب بقال وقيل فلا تبيان ولا دليل فعرفنا أمره وقبلنا عذره ولكن الأمر إليكم بذلك لتنوير سبيله والمسالك لا زلتم ملحوظين بعين العناية والسلام. وكتب إلي من طرابلس الشام جواباً عن كتاب كتبته إليه أعاتبه على انقطاع المراسلة كاتبني سيدي الوقور فصرت مكاتباً برق منشور بعد أن صيرني في شكره أسير فلم أقدر من قيده أن أسير وأبرز لي أبكار معاني على منصة مباني في مداركها قصور حيث كانت حورها في قصور فأرتني كيف انقياد الفقر لأولي البصيرة والبصر ومدت لي من فصاحتها رواقاً وشدت علي من بلاغتها نطاقاً وجمعت ما بغيرها تفرق ومزقت شمل المضاهي كل ممزق كيف وقد ظهرت في تعاليها خرائد ألفاظها وفرائد معانيها معطرة بطيب الأنفاس متسربلة ببردى المطابقة والاقتباس لا زال سائراً بذكرها أرباب اللسن في المسايرة واقفاً دون اشتهارها الأمثال السائرة هذا وإن العجز أقعدني عن الجواب والقصور أوقفني في الأعتاب غير أن هذا الحقير الذليل يعرض بين يدي المولى الجليل بنات فكر عليل يروم لراحته التقبيل مذ سهم حبي قد أصاب وماساً ... ناديت صحبي قد أصاب وماسا لو صيغ لي درر المديح قلائداً ... لوجدت لفظ هجا خليلي ماسا ثم تطفلت على باب البيت المعمور في الرق المنشور بالباسه مرط تشطير محاكاة للنظير وكنت أظن إن جبال رضوي ... تحول ولا تفوه بما تقول لظني بل لعلمي إن نفسي ... تزول وإنّ ودّك لا يزول على أني بعد تسليم الدعوى كنت منتظراً ما أشار إليه المولى من ذكر تاريخ المواليد كالوفاء على منوال ما كتبه المولى وارتضاه وقد عز علي بذكر النظير فكان سبباً للتأخير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 فنرجو لأعتذارنا القبول كما هو في جناب المولى مأمول والدعاء له مبذول ومني على تلك الطلعة أشرف تحية واسلام ما ناح قمري وغنى حمام وكتب إلي عنوان كتاب الدهر في غرة وجه العصر الجاذب بأيادي لطفه عنان الأفئدة والكاشف بمبادي عرفه عن كل مشكل عقده من تزاحمت على حسن منظره وفود الأبصار وتلاطمت من فيض مخبره متون البحار وامتلأت حقاق الآذان من حسن سيرته وصحاف صدور الأقران من صدر شريعته حيث آثاره تشوق الأسماع إلى فواكه آدابها في طرسها وتحقيقاته تسعى لها أقلام الفتاوي على رأسها فلا غروان أضحت رياض المعالي لها مقيلاً وأمست غرر المعاني له خليلاً لا برح متسربلاً بثياب جده التي ورثها عن أبيه وجده هذا وإن هذا الداعي القديم الذي هو على وظيفته مقيم يهدي لعالي جنابكم زكي سلام تخضل به تربة ذلة محب مستهام متزر على جسم هواه بمئزر شوق قد ألحم به سداه جن ليله فعسعس وكاد صبحه أن لا يتنفس حتى انجلى من حندس ليله ما دجى وجرد مسحاً كان بالهموم مضرجاً مولانا السيد أحمد أفندي البربير ذي القدر الكبير فإنه حين شرف الديار الطرابلسية وابتسم لمحياه ثغرها وهطلت على أرجائها سحب سانحاته فلله درها تحلى الذوق بشهد آدابه وتزين الفكر بفرائد خطابه وعندما قرت العيون بوروده وهيجنا ساجع بأنه وزروده وجه وجه توجهه تلقاء مدين المآرب والمفاخر وارث المجد كابراً عن كابر يتشرف برؤياه ويتضمخ بعطر رياه فحرك خاطري الخاطر وأسال دمعي الماطر ولولا أنني كبنيان أشرف على الخراب أو كعظام في جراب ليممت صعيد ذلك النادي وتروحت بنشره وتشرفت بلقياه في سروره وبشره لكن الأقدار تمنع عن الأقتدار فلا زلتم تقطفون ثمرات المنى ولا برحتم قائلين تحت ظل الهنا ملحوظين بعين العناية على الدوام محفوظين بحفظ الله تعالى الحفيظ والسلام وكتب إلي أيضاً حبة الحب تحت طرف غضيض ... توقع الصب في الطويل العريض فتصيد الألباب من جوّ أحشا ... ء ذوي النسك والنهى بالقريض صيد أيدي المراد لب مريد ... أقعدته الآمال تحت الحضيض يالقومي ويالأمثال قومي ... من فتاة أودت بحال الجريض عز منها لعزه كبرياء ... ألبس الخاطبين ثوب المضيض كيف حالي ولم تبح عقد سر ... عقدته إلا بروض أريض عند مفتي الأنام من خاض بحراً ... حاز منه ماء الحياة الغضيض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 مدّ منه موائد النظم والن ... ثر ليقري الأسماع ذوّ القريض ظن أني أهل لرد جواب ... فغدا خاطباً لنظمي الرضيض ودعاني لمهر مثل وفي الأم ... ثال حال الجريض دون القريض من لمثلي صداق مثل وهل شم ... س يباري علياؤها بالنهوض أو لقس نطق بذات نطاق ... يحك ما حاكه بوشي قريض من معان كأنجم سابحات ... في بروج الألفاظ عند العروض فتكلفت في محاكاة ما قد ... صاغه في العقود مخ البعوض إذ رآني أهلاً لهذا ولكن ... أمر ذي الأمر عندنا كالفروض لا تزال السعود تخدم عليا ... هـ وتلقى حسوده في الحضيض خافقات أعلام مجد تولا ... هـ على رأس وامق وبغيض ما تغنت ورق المدائح تشدو ... فوق أوراق غصن حمد غضيض أو لذوق المعاني من فيه تبدو ... سانحات تفتحت من غموض خدمت بهذه القصيدة صدر الموالي وكنت عزمت أن لا أفضح بها حالي حيث خبطت بها خبط عشوا وأدليت في جفو أسراره دلواً لكن ظننت بجنابه عفواً لا زال للمعاني صنواً بحرمة جده الأمين وآله وصحابته الأكرمين فلك نجوم الموالي بمطلع شمس المعالي ذي الفخار الذي لا ترد على آياته نواسخ والوقار الذي تنزل عنده الراسيات الشوامخ الطيب النشر من الأب والجد العابق عرفه بأزهار الجد كيف ورياض تقريره تقطف منها شقائق النعمان وموائد تحريره تمد إليها يد العرفان كأن محاسن ثمرات معارفه النفائس مع أزهار غصون عوارفه الموائس نواهد لم يقطف جناهن لامس تراعيها عيون نواعس فاهت بذلك أفواه المسامع وقرت اللحاظ كما فاهت وأقرت لقس بن ساعدة الأيادي وفود عكاظ لا زال ساعده بالأيادي بادي وطيور المعاني في نيل مجراه بطاناً تنادي حي عني المراد في كل نادي في فيافي فناء فيء المرادي فتفياناً بظله وروينا من وابله وطله حين من علينا برقيق المكاتبة وجاد علينا بلطيف المؤانسة والمصاحبة ففزنا منه بأوفى نصيب من كل معنى غريب يحكي بياض طرسه تحت سواد مداد أمداده أوائل فجر صادق يزجي سحاب السؤدد بسواده حيث تحلى بحلل سوابغ من وشي كلماته النوابغ وجنيناً من رياض عباراته ثمرات نفائس تتفكه بها صدور المجالس تجلى بأيدي أبكار أفكار أو أنس عليها من وشي العتاب ملابس من سندس فصاحه وعبقري ملاحه يمازجان القلوب بحسن أسلوب فأوجمت وجمة مرتاب وحاك طرة صبح فؤادي على أنواله المهولة فكأنني الآن بنيان أشرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 على خراب غير إني أتروح بعطر الثناء عليك مع الأحباب وأترنح بنسمات الصحة عن ذلك الجناب لا زال محفوظاً من جميع الآلام ملحوظاً بعين العناية والسلام وكتب إلي بعد وصوف كتاب مني إليه من عذيري والعاذلون الوف ... وفؤادي إلى التصابي ألوف من فتاة أودت بحال معنى ... قد دهاه من الزمان صروف زينتها ديباجتا وجنات ... لم تحكها معاصم وكفوف قد خلعت العذار مذ لبست حل ... ة حسن للشمس منها كسوف ملكت مهجتي ولم يخف ما بي ... ستر حالي بحبها مكشوف حي السهد في جفوني ومات الن ... وم والغسل دمع عيني الوكوف وتوالى عليّ مالو توالي ... بالرواسي ماجت بهن الكهوف أسرتني ولات حين مناص ... وسبتني وساعدي مكتوف قيدت مهجتي باطلاق دمعي ... فلقيد الفؤاد دمعي ذروف لو نهاني النهى لكنت خلياً ... من غرام فيه العذاب صنوف قد دعاني الهوى للثم لثام ... كنت أسعى له وكنت أطوف حيث إن الأحشاء تهفوا لما يل ... قاه حالي المنكر المعروف ورأيت الوصال عز ولم أس ... طيع صبراً والمرجفون ألوف فتولت كبراً وقد عيل صبري ... وتعالت ففاح منها الخلوف ثم قالت إني لمثلك أمر ... من سنا برقه تسل سيوف دق عن ذوقه عقول وقد تا ... هـ بمسراه الفاضل الفيلسوف كم رجال تعرّضوا ليروا بر ... قع وجهي وطرفهم مطروف فعموا من جهالة وتولوا ... وسبيل الهدى لهم مكشوف قلت ماذا الفخار والعجب منها ... وأخو العجب بدره مخسوف قيل هذا بعض ونزر يسير ... من مزايا يكل عنها الوصوف كيف لا وهي بنت فكر امام ... قدّمته يد العلى لا السيوف ذي المعالي فخر الموالي خليل ال ... مجد فيهم محمد معروف مهد الله في المهاد له رت ... بة فضل يؤمّها الملهوف لا بسعي قد نال ما ناله بل ... قد حباه به الكريم الرؤف وعليه من الجمال رداء ... ذو جلال حلا به معروف لا بأيدي صنعاء حيك ولم يل ... حم سداه ليحكي منه صنوف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 بل عطايا من المهيمن جلت ... في رياض ظلالها المعروف فهي حقاً إلى المراد بها لا ... لمريد له عليها عكوف فهنياً له بذوق معان ... روّقتها يد العلي لا الحروف تمتطي هامة المجرّة فخراً ... حبذا الفخر إذ تراه ينوف لا تزال السعود في جوّ عليا ... هـ صفوفاً تأوى إليها الصفوف ما نسيم الصبا يحرّك غصناً ... وعيه طير الهناء هتوف ومن فوائد صاحب الترجمة ما أخبر به قال كنت غير مرة أسمع المباحثة في خصوص أبوي النبي الأكرم صلى الله تعالى عليه وسلم وما قاله علي القاري في رسالته الشهيرة قال فخطر لي بيتان في الحال وهما أمّ النبي آمنه ... من حر نار الآخرة أحياها بعد موتها ... فأمنت في الآخرة وقد أشار بالتورية إلى دعائه لها صلى الله عليه وسلم في الاسلام في المرة الآخرة قال فرأيت في المنام آمنة وهي متزرة ببرد فقالت له اتخذني يا ولدي لمضائفك وهذا دليل على موتها مسلمة ونجاتها رضي الله عنها وكانت وفاته سنة. يوسف الصباغ الموصلي الشيخ الصالح التقي له خيرات وافرة وصدقات متكاثرة ورغبة في أهل الصلاح والخير والبركة وله عبادات وأذكار واشتغالات بكل خير وقد حفظ القرآن العظيم ولا يفتر عن التلاوة وبالجملة فإن فيه بركة وصلاحاً وكانت وفاته في آخر هذا القرن عن أكثر من سبعين سنة رحمه الله تعالى. يوسف الكاتب الموصلي كاتب دايوان الانشاء بحضرة الوزير حسين باشا الجليلي الأديب الفاضل الألمعي تفرد فضلاً ومعرفة وكمالاً وحسباً ونسباً وأبرز معرفة واطلاعاً على دقائق الأشعار وأسرار المنظومات ولطائف الآثار وله في صناعة الأدب الحظ الأوفر والكمال الأتم الأزهر وله في الكرم قدم راسخ وطود شامخ دخل حلب مع مخدومه الوزير حسين باشا السابق ذكره ودار معه الأمصار وسلك الأوعار فكان كما قيل يوماً بحزوى ويوماً بالعقيق وبال ... عذيب يوماً ويوماً بالخليصاء وكان حسن الآراء والأقوال والأفعال وكانت ولادته سنة تسع عشرة ومائة وألف ووفاته في آخر هذا القرن بالموصل رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 يوسف العطار ابن عبد الله الحلبي الشافعي الشهير بالعطار الشيخ الفاضل الصالح الأوحد الفقيه كان خطيباً بجامع البهرامية بحلب فقيهاً ماهراً بالعربية والحديث وأحسن ما عنده الفقه والفرائض أخذ عن العلامة إبراهيم البخشي ومصطفى الخسرف جاوي والشيخ جابر والعلامة محمد الكردي الزعفراني وأبي السعود الكواكبي وغيرهم وكان وضئ الوجه نير الشيبة وكان قد ترك العطارة ولازم النسخ مع الافادة والاستفادة وكان مولده سنة أربع وتسعين وألف وتوفي سنة ستين ومائة وألف بتقديم السين ودفن بالقرب من قبر الشيخ اللطيفي رحمه الله تعالى. يوسف النقيب الحلبي ابن حسين بن السيد الشريف الحنفي الدمشقي نزيل حلب المفتي والنقيب بها الامام العالم العلامة الفقيه الأديب الفاضل المتفوق المحدث البارع المسند الناظم الناثر أبو المحاسن جمال الدين ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وألف ونشأ بها وقرأ على جماعة من أفاضلها وأخذ عنهم كالشهاب أحمد بن محمد الصفدي امام جامع درويش باشا والشيخ عبد القادر العمري وأبي المواهب الحنبلي وإبراهيم بن منصور الفتال وعبد الرحيم الكابلي والشيخ إسمعيل الحائك والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشهاب أحمد المهمنداري والشيخ عثمان بن محمود القطان وعبد الجليل العمري وغيرهم وارتحل للروم وإلى حلب مرات وأخذ بها عن الشيخ موسى الرامحداني وعن زين الدين بن عبد اللطيف أمين الفتوي وغيرهما وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته فقال في وصفه نبيه فاق من مهده وأعهده يتزايد نبلاً وأنا الآن على عهده فحبى جميعه على حسن أدبه مقصور وبقلبي منه شغل شاغل عن قاصرات القصور وهو أخ جمعت فيه المروءة والنخوه وأراه أحسن من آخيت ولا بع فيوسف أحسن الأخوه وقد مضت لي معه أوقات وقيت كل صرف وكأنها خطوة طيف أو لمحة طرف وقد أمتعني من بنات فكره بذخائر توجب في الطروس تخليد ذكره أتيتك منها بما يقضي له بلطف البداهة ويحكم له بالبراعة المتمكنة من مفاصل النباهة فمن ذلك قوله في العذار كأنما نار خدّ زان رونقه ... لا ما عاد أرجنيّ قد جنى حيني لاحت فأنسها في ليل عارضه ... موسى فخط بماء المسك خطين وحين ظن أبو العباس مبسمه ... ماء الحياة أتى يسعى بلامين وقوله مخاطباً بعض الموالي في مجلسه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 بابي من ضمنا مجلسه ... فاجتنينا منه أنواع التحف فاضل صيغ من التوفيق إذ ... صيغت الناس جميعاً من نطف وقوله في تشبيه الجلنار باكر لروضة أنس ... من حولها الماء يجري والجلنار تبدّي ... على معاصم خضر كأكؤس من عقيق ... فيها قراضة تبر وقوله وحديقة ينساب فيها جدول ... من حوله تختال غزلان النقا من كل أهيف إن رمتك لحاظه ... بسهامها إياك تطمع في البقا ومعذر ما أظلمت في وجهه ... شعرات ذاك الصدغ إلا أشراق خالسته نظراً فقطب مغضباً ... وغدا يرنح منه عطفاً مورقا فكان نبت عذاره في خدّه ... شحرور ورد في الرياض إذا رقا وقوله في فوارة لله ما أبصرت فوّارة ... أعيذها من نظرة صائبه كأنها في الروض لما جرت ... سبيكة من فضة ذائبه وقوله من نبوية مطلعها جاء فصل الربيع والصيف داني ... حيث بتنا من الجفا في أمان في رياض إذا بكى الغيث فيها ... قهقهت بالمدام منه القناني وثغور الأقاح تبسم عجباً ... حيث يشدو في الروض عزف القيان حيث سجع الطيور سجع خطيب ... قد رقى معلناً على الأغصان وكأن الغصون قامات غيد ... حين ماست حور لدى الولدان فأدرها في جامد من لجين ... حيث أضحت كذائب العقيان من يدي شادن أغن ربيب ... ناعس الطرف فاتر الأجفان ناعم الخدّ أهيف القدّ أحوى ... ذي قوام كأنه غصن بان نرجسي اللحاظ وردي خدّ ... جوهري الألفاظ ذي تبيان فتمتع من حسنه بمعان ... مطربات تنسيك جور الزمان وتأمل إلى صحيفة خدّي ... هـ بعين الانصاف والعرفان منها يا شفيع الأنام كن لي شفيعاً ... يوم نصب الصراط والميزان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 إنني أشتكي إليك ذنوباً ... مثقلات وحملها قد دهاني من لمثلي عاص كثير الخطايا ... زاده الفقر عاجز متواني فعليك الصلاة في كل وقت ... مع سلام يفوق عرف الجنان وقوله من قصيدة لي فؤاد في الحب أمسى مشوقاً ... لم يزل في هوى الحسان ملوقا خافق تستفزه لحظات ... مزقته بسحرها تمزيقا راشقات من هدبها بسهام ... صائبات لم تخط قلباً حريقا لست أنسى حين الوداع عناء ... حيث جدّ الرحيل والركب سيقا إذ بكى للفراق خلى فأضحى ... ناظر اللحظ بالدموع غريقا ورمى لؤلؤاً على الخدّ رطباً ... فاستحال الياقوت منه عقيقا وانثنى للعناق يعطف قدّاً ... هل رأيتم غصن الرياض عنيقا رشق القلب وانثنى بقوام ... لا عدمنا ذاك القوام الرشيقا بابي ثم بي غزالاً ربيباً ... فوّق اللحظ للحشا تفويقا ماس غصناً لدناً وهز قواماً ... وتبدّى ظبياً وأسكر ريقا ورنا ساحراً وصال مليكاً ... وحوى مبسماً يقل بريقا يالقومي ويالقومي أما آ ... ن صريع اللحاظ أن يستفيقا صاح شمر عن ساعد الجدّ واسمع ... وأدر منكؤس نصحي رحيقا واطرح ذكر زينب ورباب ... واخلعن للوقار ثوباً خليقا لا تؤمل من جاله بك نفعاً ... تلق ضدّ الذي تروم حقيقا قد خبرنا الجهول فيما علمنا ... فرأيناه قد أضل الطريقا رام نفعاً فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا وله من أخرى مستهلها أقضيب بان حركته شمول ... أم قدّك المعشوق راح يميل وشقيق روض قد علاه سوسن ... أم خدك المتورد المصقول ودخان ند قد أحاط بوجنة ... أم ذاك مسك في الخدود يسيل وشبا سيوف أم عيون جآذر ... رمقت تحاول فتكنا وتصول وعبير طيب فاح ينفح طيبه ... أم ثغرك المتبلج المعسول وسقيط طل أم لآل نظمت ... فتخاله عرق الجبين يجول وعقارب بزبانها تومي لنا ... أم ذاك خال الخدّ أم تخييل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وظلام ليل ما ترى أم طرّة ... هل لي إلى إدراك ذاك سبيل قد خلت مذ ليل الغدائر قد بدا ... أن ليس للصبح المنير وصول لكن بلال الخال أشعر أنه ... ضوء الجبين على الصباح دليل فانهض إلى حثو الكؤس أخا الهوى ... في روض أنس والنسيم عليل وافتض بكر مدامة واستجلها ... فلها إذا افتضت دم مطلول كمذاب ياقوت بجامد فضة ... في لحظ ساقيها الصبيح ذبول حمراً إذا ما قام يترع كأسها ... عنج اللواحظ طرفه مكحول خلت المدام ووجهه لما بدا ... شمساً وبدراً ما اعتراه أفول وظننت كأس الراح في يده غدا ... كهلال يوم الشك وهو ضئيل لم أدر هل خضبت بأحمر خدّه ... أم خدّه من كأسها مطلول فاشربهما صرفاً فذلك شربه ... رشف وهذا شربه التقبيل واغنم فدتك الروح أيام الضبا ... واللهو إنّ زمانهن قليل وتلاف أيام الربيع وورده ... فعليه من در الندى اكليل فالروض معطار الأزاهر يانع ... والغصن يرقص والهزار يقول والدف يعزف والنسيم مشبب ... والعود يشدو والسحاب مطول وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وألف ثبتاً حافلاً جامعاً لشيوخه واجازاته وصار له جاه واشتهار ودلة وصار نقيباً ومفتياً بحلب ودرس بالحجازية والأسدية بها واشتهر بالفضل والذكاء والنبل وأخذ عنه جماعة من الفضلاء وكانت وفاته بحلب سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف ودفن بها عن ثمانين سنة رحمه الله تعالى. يوسف أفندي النابي الرهاوي الأصل الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد خواجكان الدولة ورؤسائها المشهورين بالمعارف والأدب الأديب الشاعر الناظم الناثر المشهور فمن شعره العربي قوله مضمناً لنا حبيب له في كل جارحة ... منى جراح بسيف اللحظ والمقل تقول وجنته من تحت شامته ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل وله غير ذلك وكانت وفاته بقسطنطينية سنة أربع وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى. يوسف رئيس الأطباء ابن محمد بن يوسف الطرابلسي الأصل الدمشقي رئيس الأطباء بدمشق كان يلقب بابقراط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وكان ماهراً في الطب والعلاجات ومعرفة الداء وله مشاركة في بقية العلوم واطلاع وهو جد يوسف أغا الحكيم وكانت وفاة المترجم يوم السبت خامس عشري محرم سنة خمس ومائة وألف بدمشق رحمه الله تعالى ورحم المسلمين أجمعين. يوسف باشا الشهير بالطويل الوزير الكبير كافل دمشق وأمير الحاج الشامي كان وزيراً كبيراً محباً للعلماء والصالحين له الميل الزائد إلى أهل الصلاح والدين تمرض بدمشق في قاعة ابن قرنق في صالحية دمشق وتوفي نهار الأربعاء سادس عشر شعبان سنة ثمان وعشرين ومائة وألف وصلى عليه في السليمية الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله سره ودفن بالمقبرة المجاورة لمدفن الأستاذ الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن عربي المعروفة بمقبرة بني الزكي وعمل على قبره بحجير ولوح فيه تاريخ لوفاته من نظم الأستاذ النابلسي المذكور وهو قوله مات في الشام حاكم ... قدره في الورى كبير جاء تاريخنا له ... بيت شعر له قصير رحم الله محبنا ... يوسف باش ألوزير 248 66 101 156 303 25 - 4 سنة 1128 يوسف الصباغ الموصلي الشافعي الشيخ الصالح التقي له خيرات وافرة وصدقات متكاثرة ورغبة في أهل الصلاح والخير والبركة وله عبادات وأذكار وكان لا يفتر عن تلاوة القرآن العظيم حفظاً عن ظهر قلب ليلاً ونهاراً وعنده من الخشوع الجانب العظيم وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى. يونس الشهير بأسياله الموصلي الرفاعي الطريقة شيخ السجادة الرفاعية بالموصل كان صاحب أذكار وعبادات وآثار محمودة وله من التلامذة جماعة كثيرون كلهم عيال عليه والناس تشهق بولايته وتحدث بكراماته أخذ الطريقة الرفاعية عن سادات البصرة فسرت فيه بركتهم وأثر فيه صلاحهم فتعمر فضلاً وكمالاً وانقطاعاً وزهداً وصلاحاً وكانت وفاته بالموصل سنة ستين ومائة وألف ودفن بها وقد جاوز المائة سنة من عمره وذريته الآن على طريقته الرفاعية يتبرك بهم رحمه الله تعالى. الشيخ يونس المصري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 ابن أحمد المحلي الأزهري الكفراوي الشافعي نزيل دمشق ومدرس الحديث بها الامام العالم الفقيه المتبحر أعجوبة الدهر في قوة الحافظة وطلاقة العبارة والاستحضار التام في الفقه وغيره ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري في ثبته المسمى لطائف المنة فقال ولد كما أخبرنا به من لفظه في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وألف بالمحلة الكبرى من اقليم مصر ونشأ بها وأخذ علم التفسير والحديث والفقه عن جماعة من علماء بلده منهم الشيخ علي مفتيها المعروف عندهم بابن الأقرع ومنهم الشيخ حسن البدوي والشيخ عبد المجيد بن المزين والشيخ رمضان والشيخ علي النحريري وهؤلاء أخذوا عن الشيخ علي الحلبي صاحب السيرة النبوية والشيخ عبد الرحمن الدميري والشيخ أحمد تلميذ الشيخ علي الشبراملسي ثم ارتحل المترجم إلى مصر وأقبل على الاشتغال بالعلوم وحضور دروس علماء الجامع الأزهر فأخذ عن جماعة من الأجلاء منهم الشمس محمد الشوبري الشافعي تلميذ الشمس الرملي وابن قاسم والنور علي الزيادي ومنهم الشيخ علي الأجهوري المالكي والشيخ جلال الدين البكري والشيخ منصور الطوخي والشيخ عبد السلام اللقاني والشيخ حسن الشرنبلالي الحنفي والشيخ إبراهيم الميموني والشهاب أحمد القليوبي والشمس محمد ابن علاء الدين البابلي والشيخ سلطان المزاحي والشيخ محمد بن المرابط المغربي وغيرهم ثم ارتحل إلى دمشق سنة سبعين وألف وأخذ عن جماعة من علمائها منهم الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمد أبو المواهب بن عبد الباقي الحنبلي والشيخ محمد البلباني الصالحي وأبو الفلاح عبد الحي بن العماد العكري الصالحي وغيرهم وولي بدمشق تدريس بقعة الحديث بالجامع الشريف الأموي تحت قبته عن الشيخ علاء الدين الحصكفي المفتي سنة تسع وثمانين فدرس بها إلى حين موته وسافر في هذه المدة مرتين إلى الديار الرومية ودخل قسطنطينية وصار له بها إلى حين موته وسافر في هذه المدة مرتين إلى الديار الرومية ودخل قسطنطينية وصار له بها اكرام واقبال وكان ينوب عنه في غيبته في التدريس المرقوم الشمس محمد بن علي الكاملي انتهى وصار لصاحب الترجمة بدمشق جاه عريض وحرمة وافرة وأقبلت عليه الناس وكان وجيهاً محترماً مقبول الشفاعة عند الحكام صداعاً بالحق يقول الحق ولا يبالي مقداماً في الأمور وألف ثبتاً لذكر شيوخه ومروياته وكانت وفاته في ذي الحجة سنة عشرين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير بمقبرة سيدنا أوس بن أوس الثقفي وقبره معروف يزار رحمه الله تعالى ومن مات من المسلمين أجمعين آمين. قال مؤلفه وهذا غاية ما أردناه ونهاية ما أوردناه من نشر مآثر فضلاء هذا العصر الجامعين لأصناف الفضائل على سبيل الحصر والمرجو من العاثر على عثرة فيه أو هفوة ظهرت من فيه أن يسحب عيه ذيل العفو والأغضاء ويغض عنه عين النقص حيث يبصره بعين الرضاء والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وآله وصحبه وأتباعه وأنصاره وحزبه دائماً أبداً سرمداً والحمد لله رب العالمين. وجد في نسخة الأصل ما نصه يقول محرره انتهى الكتاب تحريراً وتم بحمد الله تحبيراً على يد فقير عفو ربه وأسير وصمة ذنبه الحقير عبد الحليم بن أحمد المعروف باللوجي غفر الله له ذنوبه وملأ بزلال الرضوان ذنوبه وكان الفراغ من تحريره لختام شوال سنة احدى عشرة ومائتين وألف وذلك برسم صدر الموالي وبهجة المعالي وحسنة الأيام والليالي كنز الفضل والأيادي وكهف الحاضر والبادي مفتي دمشق الشام السيد عبد الرحمن أفندي المرادي أدام الله تعالى إسعاده وأجراه من عوائد انعامه على العادة وبلغه من كل خير مطلوبه ومراده بحرمة سيد المرسلين وآله الطاهرين وصحبه الأكرمين صلى الله تعالى وسلم عيه وعليهم أجمعين هذا ولما انتهى تقييد هذه الأخبار بسلاسل الأرقام ووقفت عن الجولان في ميدان طروسها خيول الأقلام عن لي أن أقرظه بكلمات وأؤرخه نظماً في ضمن أبيات فقلت في ذلك أهذه أزهار روض نضر ... قد عبقت أم نشر مسك عطر أم العقود نظمت أسلاكها ... أم الغواني جليت في الحبر أم الدراري في ذرى أفلاكها ... قد سطعت بمنظر مزدهر أم الكؤس قد أديرت بالطلا ... على الندامى في شعاع القمر أم هذه أخبار قوم قد مضوا ... قد تليت مصوغة في فقر أتت بما يعجب كل سامع ... لها وما يروق كل مبصر وخلدت محاسن القوم بها ... وأظهرت عنهم جميل الأثر وأتحفت أفكار من ينظرها ... بكل مروي عجيب الخبر فيالتاريخ حوى مآثراً ... فاح شذاها كعبير الزهر قد قال إذ أرخها متمه ... لله ما أجمل سلك الدرر 4851 65 41 74 110 435 - سنة 1211 فسحب العفو على منشئه ... تهمى بصوب غدق منهمر هذا وقد تم بحمد الله لي ... تحريره إذ كان بالنقل حري برسم كنز الفضل مفتي جلق ... ركن المعالي الأوحد الشهم السري رب الفخار والوقار والعلا ... حاوي المزايا والسجايا الغرر أعنى المرادي عبد رحمن الورى ... من قد سما قدر أسماء المشتري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 دامت معاليه على طول المدى ... ممتعاً فيها بطول العمر تخطب أقلام الثنا بذكره ... من كف كل مادح في منبر يقول خادم تصحيح العلوم بدار الطباعة الكبرى العامرة ببولاق مصر القاهرة حسيب المقام الحسيني الفقير إلى الله تعالى محمد الحسيني سبحان من جعل الأولين عبرة للآخرين وأخبار الماضين أدباً للغابرين أحمده فكه نفوس الأدباء بلذائذ المحاضرة وأشكره نزه ألباب الظرفاء في رياض المذاكرة والمحاوة وأصلى وأسلم على النبي الأكرم والرسول السيد السند الأعظم سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومحبيه وأحزابه أما بعد فقد تم طبع هذا الكتاب الجليل عذب المنهل السلسبيل المتكفل ببيان أعيان القرن الثاني عشر الذي لم يبق من غرائب أخبارهم وعرائس أبكار أفكارهم وبدائع آدابهم ونثارهم ودقائق نظامهم وأشعارهم شيئاً ولم يذر الذي أرانا من لطائف أدباء أهل الشام وفضلائهم وجلائل أخبار أحبارهم ونوادر ظرفائهم ونبلائهم وأسمعنا من طرائف جهابذة مصر والعراق والحجاز وغيرهم من دهاقنة الأدب الذين بلغت ملحهم حد الأعجاز ما يكشف لنا من خبايا أحوال العالم المعمى وليس من علم كمن هو جاهل أعمى فهو جدير بأن يسمى سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لعلامة زمانه ونابغة آنه صدر الدين أبي الفضل السيد محمد خليل أفندي المرادي المفتي بدمشق الشام عليه من الله سحائب الرحمة والاكرام وكان قد انتهض لتكميل بهجته واظهار جمالته واشهار ثمرته وينعه واكثار نفعه بطبعه بهذا الطبع البهيج الظريف والشكل البديع والهيكل اللطيف العلم الشهير والبدر المنير شمس الكمال ومجلى البهاء والجلال ومعدن الحشمة والاجلال ومنهل الجود والأفضال المرحوم عارف باشا أدام الله عليه ستور الرحمة ووالى عليه سجال النعمة فطبع منه الثلاثة الأجزاء الأول وحال بينه وبين اكماله داعي المنون الذي لا محيد عنه ولا حول فقام بعده بمسعاه الجميل نجله الأجل النبيه النبيل ذو اليد الطائلة والهمة العليا والقوة النائلة الشهم النجيب والفطن اللبيب ذو الجناب الأمجد حضرة أحمد بيك أسعد فشرع حفظه الله في اكمال طبع هذا الكتاب وجعله عدة لأولي الباب في ظل الحضرة الخديوية وعهد الطلعة الداورية حضرة من جعله الله رحمة لأمته وأجرى عليه من فيض احسانه سوابغ نعمته الملحوظ من مولاه بعين عنايته المؤيد بباهر هيبته وسطوته عزيز المحروسة مصر المزيل عن رقبة رعيته ربقة الأصل ولي نعمتنا على التحقيق أفندينا محمد باشا توفيق أدام الله علينا أيامه ووالى علينا انعامه ومكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 من هام أعدائه حسامه وأقر عينه بحضرات أنجاله وهنأه بحفظ أشباله خصوصاً عباسه الشهم الهمام الفطن النجيب والغيث العام وكان هذا الطبع الجميل والوضع الجليل بالمطبعة الميرية العامرة ببولاق مصر القاهرة ملحوظاً بنظر سعادة ناظرها الهمام الأكمل والملاذ الأمجد الأفضل ذي الهمة والفطانة والرفعة والمكانة من عليه جميع الألسن تثنى سعادة حسين باشا حسني ونظر حضرة وكيله الجناب المهيب الذكي الأريب من أجابته المعالي بلبيك حضرة محمد حسني بيك وقد بدر من هذا الطبع بدره وانبلج صبحه وفجره في أوائل محرم الحرام سنة 1301 مستهل العام الأول من القرن الثالث عشر من هجرته عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم السلام ما لاح بدر تمام وفاح مسك ختام تم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269