الكتاب: التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية لأئمة الدعوة السلفية المؤلف: محمد بن عبد العزيز بن مانع (المتوفى: 1385 هـ) عبدالعزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ) محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ) جمع وإعداد: أحمد بن يحيى الزهراني   [الكتاب مرقم آليا] ---------- التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية مجموعة من المؤلفين الكتاب: التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية لأئمة الدعوة السلفية المؤلف: محمد بن عبد العزيز بن مانع (المتوفى: 1385 هـ) عبدالعزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ) محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ) جمع وإعداد: أحمد بن يحيى الزهراني   [الكتاب مرقم آليا] التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية لأئمة الدعوة السلفية محمد بن عبد العزيز بن مانع رحمه الله (1298 - 1385 هـ) عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (1330هـ - 1420هـ) محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله (1332هـ - 1420هـ) جمع وإعداد / أحمد بن يحيى الزهراني المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) (1) .   (1) … (صحيح) أخرجه أبو داود (3462) وانظر الصحيحة 1/ح (11) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 فلاعز ولانصر للمسلمين بل ولانهوض إلا بالرجوع لدينهم والتمسك بعقيدتهم الصحيحة ومنهجها القويم فهما (1) أساس كل فلاح ونجاح وما انتصر المسلمون الأوائل إلا بتمسكهم بعقيدتهم ومنهجهم علمياً وعملياً (2) وما نراه اليوم من ضعف وتفرق وتحزب بين – وفي – صفوف المسلمين وتكالب الأعداء عليهم هو بإهمالهم هذا الأساس وقد أدرك علماء الإسلام هذا الخطر فهبوا هبة قوية صادقة فألفوا كتباً في إيضاح العقيدة – وأهميتها ووجوب التمسك بها والتحذير من مخالفتها – ومن أولئك العلماء الأفذاذ أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي رحمه الله (3) فألف متناً عُرف بالعقيدة الطحاوية فلقي قبولاً واسعاً عند جماهير المسلمين سلفاً وخلفاً فتناولها العلماء بالشرح والتعليق والتعقيب وما ذاك إلا لأهميتها وعظيم قدر مؤلفها.   (1) … إن الفصل بين العقيدة والمنهج دعوى باطلة والقائلون بها مناقضون لأنفسهم فكيف = … يكون المرء: إخواني أو تبليغي أو … وعقيدته سلفية!!! هذا لا يكاد يتصور فمن كانت عقيدته سلفية فعقيدته تحتم عليه بل وتمنعه من الانجراف إلى هذه المناهج الحادثة بخلاف من هو على هذه المناهج الوافدة وأصولها الباطلة فسيتنازل عن اتباع ما كان عليه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام حتى يكاد ينحل من ذلك عياذا بالله. وما أحدث هذا القول إلا لاحتواء أهل السنة والتغرير بهم وتقريبهم من أهل البدع والأهواء بل وحمايتهم والغض عن زلا تهم وهفواتهم وتشويه صورة كل من ينتقدهم ويحذر منهم فكن على حذر ولا تكن حلوا فتسترط!!! (2) … أي بالعلم والعمل والدعوة والصبر على الأذى. (3) … انظر ترجمته في الفهرست ص/349 وشذرات الذهب 2/288والفوائد البهية في تراجم الحنفية ص/31-34 ومعجم المؤلفين 2/107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 فجزى الله أبا جعفر على ما بذل وعفا عنه فيما وقع فيه من الزلل (1) وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن أجل تقريب هذه العقيدة للناس وبيانها وما اشتملت عليه من درر وعيون عقائد أهل السنة والجماعة قمت بجمع تعليقات (2) أثرية سلفية (3)   (1) … كما في رقم (57) و (61) و (62) و (64) وغيرها. (2) … حتى تكون قريبة المنال لمبتغيها. (3) … نعم أثرية سلفية عقيدة ومنهجاً وفقهاً وتعاملاً وشعارنا هو: أهل الحديث (أثري وسلفي) = … حقيقة لا إدعاء وترك الانتساب للسلف أو التشكيك فيه من علامات أهل البدع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (4/155) : فعلم أن شعار أهل البدع هو: ترك انتحال اتباع السلف ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك: (أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -)) . … وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى 4/156: أما أن يكون انتحال السلف من شعائر أهل البدع: فهذا باطل قطعاً فإن ذلك غير ممكن إلا حيث يكثر الجهل ويقل العلم)) . … وقال في حق من ينتسب للسلف (مجموع الفتاوى 4/149) : لاعيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لايكون إلا حقاً)) . … وفي هذا كفاية لمن كان له مسكة من عقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 على هذه العقيدة (1) لأعلام الهدى ومصابيح الدجى - في عصرنا - الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع رحمه الله (2) والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (3) والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله (4) . وهذه التعليقات الرائدات الجامعات النافعات أوضحت المراد من المتن أتم إيضاح ودحضت شبهات أهل البدع والزيغ والضلال بل أجهزت عليها في معاقلها وهذا مما حدا بنا إلى جمعها وتقريبها للمسلمين عسى أن تجد قلوباً واعية وآذاناً صاغية فتعود لعزها ومجدها. فها هي أخي المسلم بين يديك فعض عليها بالنواجذ تكن على الجادة وسالماً - بإذن الله - في الدنيا والآخرة. وسميت هذا الكتاب بـ: (التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية) . سائلاً المولى عز شأنه وجلت قدرته أن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه … أبو عبد الله أحمد بن يحيى الزهراني   (1) … في هذه الحقبة المريرة التي تخلى كثير من الناس عن عقيدتهم وأشدهم مكراً من تنازل عن بعضها من أجل تحقيق مصلحة - زعموا - كما يفعله كثير من الحركيين!!! (2) … انظر ترجمته في الأعلام للزركلي 6/209 وروضة الناظرين لمحمد القاضي 2/293 - 302 وتاريخ علماء نجد للبسام 6/100- 113. وقد رمزت لتعليقاته بحرف (م) . (3) … انظر ترجمته في الانجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز لعبد الرحمن الرحمه والإبريزية في التسعين البازية (لمحمد الشتوي) . وقد رمزت لتعليقاته بحرف (ز) . (4) … انظر ترجمته في حياة الألباني وآثاره العلمية (للشيباني) وترجمة موجزة لفضيلة المحدث الشيخ أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني (للدكتور عاصم القريوني) ومحدث العصر محمد ناصر الدين الألباني (لسمير الزهيري) . وقد رمزت لتعليقاته بحرف (ن) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 [ مقدمة المصنف ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي - بمصر - رحمه الله: هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب (1) فقهاء الملة: أبي (2) حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي (3)   (1) … قوله على مذهب فقهاء الملة إلخ، اعلم أن ما ذكره المصنف رحمه الله في هذه العقيدة ليس مختصاً بهؤلاء الأئمة المذكورين فقط، فإن أهل السنة والجماعة من الأولين والآخرين عقيدتهم واحدة؛ لأنهم معتصمون بالكتاب والسنة، ومن خالفهم في معتقدهم صار مبتدعاً ضالاً ولا يعذر باجتهاده؛ لأن العذر مقبول في الاجتهاد في فروع الأحكام لا في أصول الدين؛ فالعقائد الدينية ليس فيها تعدد مذاهب؛ بل الصواب مذهب أهل السنة والجماعة وما عداه باطل فتنبه. (م) (2) … هو الإمام النعمان بن ثابت الكوفي ولد سنة 80 وأدرك جماعة من الصحابة قال الخطيب: إنه رأى أنس بن مالك وكان رحمه الله عالماً عاملاً زاهداً عابداً، ورعاً تقياً كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله تعالى مات سنة 150هـ، وهي السنة التي ولد فيها الإمام الشافعي رحمه الله. (م) (3) … أبو يوسف هو الإمام المتقن المجتهد المطلق أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري البجلي؛ ولد سنة 113 أخذ العلم عن الإمام أبي حنيفة وغيره وأخذ عنه العلم جماعة منهم الإمام أحمد رحمه الله، وولاه الرشيد القضاء، وظل عليه إلى أن مات سنة 183، ولما مات أبو يوسف أقر هارون الرشيد ابنه يوسف على القضاء إلى أن مات يوسف، ولما خرجت جنازة أبي يوسف جعل الناس يقولون: مات الفقه؛ مات الفقه فأنشأ بعضهم يقول: … … يا ناعي الفقه إلى أهله … … إن مات يعقوب وما تدري … … … لم يمت الفقه ولكنه … … حول من صدر إلى صدر (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 يو سف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني (1) رضوان الله عليهم أجمعين وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين (2) . [ الإيمان بالله تعالى ] 1- نقول في توحيد الله (3)   (1) … هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، كان الرشيد ولاه القضاء، وخرج مع الرشيد في سفره إلى خرسان فمات بالري، ودفن بها، كان أبوه من جند أهل الشام فقدم واسطاً فولد بها محمداً سنة 132 ونشأ بالكوفة وأخذ العلم عن أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف وغيرهم وكان له مجلس في الكوفة وهو ابن عشرين سنة، قال إبراهيم الحربي: قلت للإمام أحمد: من أين لك هذه المسائل الدقيقة؟ قال: من كتب محمد بن الحسن مات رحمه الله بالري سنة 189، قال السمعاني: مات محمد بن الحسن والكسائي في يوم واحد بالري، وقيل إن الرشيد كان يقول: دفنت الفقه والعربية بالري، ومحمد بن الحسن المذكور ابن خالة الفراء الإمام المشهور بالنحو واللغة، رحم الله الجميع. (م) (2) … زيادة من نسخة (خ) وغيرها (ن) . (3) … قوله (نقول في توحيد الله ... إلخ) … أعلم أن التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ينقسم إلى أقسام ثلاثة حسب استقراء النصوص من الكتاب والسنة وحسب واقع المكلفين: … القسم الأول: توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه وهو الإيمان بأنه الخالق الرازق المدبر لأمور خلقه المتصرف في شئونهم في الدنيا والآخرة لا شريك له في ذلك كما قال تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62] وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر} [يونس: 3] الآية وهذا النوع قد أقر به المشركون عباد الأوثان وإن جحد أكثرهم البعث والنشور ولم يدخلهم في الإسلام لشركهم بالله في العبادة وعبادتهم الأصنام والأوثان معه سبحانه وعدم إيمانهم بالرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. القسم الثاني: توحيد العبادة ويسمى توحيد الألوهية وهي العبادة وهذا القسم هو الذي أنكره المشركون فيما ذكر الله عنهم سبحانه بقوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:4-5] وأمثالها كثير وهذا القسم يتضمن إخلاص العبادة لله وحده والإيمان بأنه المستحق لها وأن عبادة ما سواه باطلة وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود = … بحق إلا الله كما قال الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِل} الآية [الحج:62] . القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله العزيز وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أسماء الله وصفاته وإثباتها لله سبحانه على الوجه الذي يليق به من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل كما قال الله سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [سورة الإخلاص] وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] وقال سبحانه في سورة النحل: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل:60] والآيات في هذا المعنى كثيرة والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى الذي لا نقص فيه وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأتباعهم بإحسان يمرون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ويثبتون معانيها لله سبحانه إثباتاً بريئاً من التمثيل وينزهون الله سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من التعطيل وبما قالوا تجتمع الأدلة من الكتاب والسنة وتقوم الحجة على من خالفهم وهم المذكورون في قوله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] جعلنا الله منهم بمنه وكرمه والله المستعان. (ز) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 معتقدين -بتوفيق الله -: إن الله واحد لا شريك له (1)   (1) … إن نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك: … الأول: الشرك في الربوبية، وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقاً آخر – سبحانه وتعالى – كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقاً غير الله سبحانه. وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله، وإن كان قريباً منه قول المعتزلة: إن الشر إنما هو من خلق الإنسان، وإلى ذلك الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((القدرية مجوس هذه الأمة ... )) الحديث، وهو = … مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في ((صحيح الجامع الصغير وزيادته)) رقم [4442] . الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية، وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين، كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك. وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير، ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل ((يسمونها بغير اسمها)) ! . الثالث: الشرك في الصفات، وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عز وجل كعلم الغيب مثلاً، وهذا النوع منتشر في كثيير من الصوفية. ومن تأثر بهم، مثل قول بعضهم في مدحه النبي - صلى الله عليه وسلم -: … … ((فإن من جودك الدنيا وضرتها … ومن علومك علم اللوح والقلم!)) ومن هنا جاء ضلال بعض الدجالين الذين يزعمون أنهم يرون الرسول- صلى الله عليه وسلم - اليوم يقظة ويسألونه عما خفي عليهم من بواطن نفوس من يخالطونهم، ويريدون تأميرهم في بعض شؤونهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان ليعلم مثل ذلك في حال حياته {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188] فكيف يعلم ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى؟! . هذا الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه، فوحده في ذاته وفي عبادته، وفي صفاته، فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين، ومن أخل بشيء منه، فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة، فلاجرم أن المصنف رحمه الله بدأ به، ومن شاء التفصيل فعليه بشرح هذا الكتاب وكتب شيوخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وغيرهم ممن حذا حذوهم واتبع سبيلهم، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَان} [الحشر:10] . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ، 2- ولا شيء مثله (1) . 3- ولا شيء يعجزه. 4- ولا إله غيره. 5- قديم بلا ابتداء (2)   (1) … هذا أصل من أصول التوحيد، وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله ولكن المبتدعة والمتأولة قد اتخذوه أصلا لإنكار كثير من صفات الله = … تبارك وتعالى، فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته عز وجل سلطوا عليها معاول التأويل والهدم، فأنكروها، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} متجاهلين تمام الآية: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، فهي قد جمعت بين التنزيه، والإثبات، فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث، دون تأويل أو تعطيل، وأن يثبت له عز وجل من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل، وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف رحمه الله تبعاً لأبي حنيفة وسائر الأئمة، كما تراه مفصلاً في الشرح، {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] . (ن) (2) … أ) قوله ((قديم)) يوصف سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك كما ذكره ابن القيم في البدائع؛ وباب الإخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية؛ وأهل العلم لم يذكروا لفظة القديم في الأسماء الحسنى، ولكنهم يخبرون عنه سبحانه بذلك قال في النونية: … وهو القديم فلم يزل بصفاته … متوحداً بل دائم الإحسان (م) ب) قوله (قديم بلا ابتداء) هذا اللفظ لم يرد في أسماء الله الحسنى كما نبه عليه الشارح رحمه الله وغيره وإنما ذكره كثير من علماء الكلام ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء وأسماء الله توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها إلا بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة ولا يجوز إثبات شيء منها بالرأي كما نص على ذلك أئمة السلف الصالح، ولفظ القديم لا يدل على المعنى الذي أراده أصحاب الكلام لأنه يقصد به في اللغة العربية المتقدم على غيره وإن كان مسبوقاً بالعدم كما في قوله سبحانه: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39] وإنما يدل على المعنى الحق بالزيادة التي ذكرها المؤلف وهو قوله: (قديم بلا ابتداء) ولكن لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى لعدم ثبوته من جهة النقل ويغني عنه اسمه سبحانه الأول كما قال عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد:3] والله ولي التوفيق. (ز) ج) اعلم أنه ليس من أسماء الله تعالى: (القديم) ، وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن – هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق، وهذا جديد للحديث، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39] والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم، وإن كان مسبوقاً بغيره كما حققه شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (1/245) والشارح في ((شرحه)) ، لكن أفاد الشيخ ابن مانع هنا فيما نقله عن ابن القيم في ((البدائع)) أنه يجوز وصفه سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك، وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية. قلت: ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان، كما سيأتي فيما علقته على الفقرة (45) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ، دائم بلا انتهاء. 6- لا يفنى ولا يبيد. 7- ولا يكون إلا ما يريد. 8- لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام. 9- ولا يشبهه الأنام (1) . 10- حي لا يموت، قيوم لا ينام. 11- خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة (2) . 12- مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة. 13- ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً. 14- ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم ((الخالق)) . ولا بإحداث البرية استفاد اسم ((الباري)) . 15- له معنى الربوبية ولا مربوب. ومعنى الخالق ولا مخلوق. 16- وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم. 17- ذلك بأنه على كل شيء قدير (3)   (1) … فيه رد لقول المشبهة، الذين يشبهون الخالق بالمخلوق، سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . وليس المراد نفي الصفات كما يقول أهل البدع، فمن كلام أبي حنيفة رحمه الله في ((الفقه الأكبر)) : لا يشبه شيئاً من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه. ثم قال بعد ذلك: وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا. انتهى. (ن) (2) … أي بلا ثقل وكلفة كما في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص125 الطبعة الرابعة) . (ن) (3) … يجيء في كلام بعض الناس وهو على ما يشاء قدير، وليس ذلك بصواب (1) بل الصواب ما جاء بالكتاب والسنة وهو على كل شيء قدير، لعموم مشيئته وقدرته تعالى خلافاً لأهل الاعتزال الذين يقولون إن الله سبحانه لم يرد من العبد وقوع المعاصي بل وقعت من العبد بإرادته لا بإرادة الله، ولهذا يقول أحد ضلالهم: زعم الجهول ومن يقول بقوله … أن المعاصي من قضاء الخالق إن كان حقاً ما يقول فلم قضا … حد الزناء وقطع كف السارق وقال أبو الخطاب رحمه الله في بيان الحق والصواب: قالوا: فأفعال العباد فقلت ما … من خالق غير الإله الأمجد قالوا: فهل فعل القبيح مراده … قلت الإرادة كلها للسيد لو لم يرده وكان كان نقيضه … سبحانه عن أن يعجزه الردى وهذه الإرادة التي ذكرها أبو الخطاب في السؤال هي الإرادة الكونية القدرية لا الإرادة الكونية الشرعية، كما سيأتي بيان ذلك موضحاً. (م) (1) (تنبيه) قال الألباني رحمه الله في الصحيحة 6/195 حديث رقم (2601) : دلَّ قوله تعالى في آخر الحديث: ((ولكني على ما أشاء قادر أو قدير)) على خطأ ما جاء في التعليق على ((العقيدة الطحاوية)) (ص20) نقلاً عن بعض الأفاضل: ((يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب..)) . فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لا سيما ويشهد له قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى:29] ، وذلك لاينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم المشار إليه، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ، وكل شيء إليه فقير. وكل أمر عليه يسير. لا يحتاج إلى شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . 18- خلق الخلق بعلمه. 19- وقدر لهم أقداراً. 20- وضرب لهم آجالاً. 21- ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم. وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم. 22- وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته. 23- وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد، إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن (1)   (1) … يعني أن مشيئته تعالى وإرادته شاملة لكل ما يقع في هذا الكون من خير أو شر، وهدى أو ضلال، والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة، يمكن مراجعتها في الشرح وغيره ... والمقصود بهذه الفقرة الرد على المعتزلة النافين لعموم مشيئته تعالى. لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله يحب كل ما يقع، فالحب غير الإرادة، وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته! ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة، وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة ((بدء الأمالي)) بقوله: مريد الخير والشر القبيح … ولكن ليس يرضى بالمحال وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك! فيكون ما لم يشأ، ويشاء ما لم يكن)) ! . وقالت طائفة من (المثبتة) : ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده ديناً، أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن، فهو لذلك يحب الكفر والفسوق والعصيان، ولا يحبه ديناً، ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن. = … وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، وأن الكفار {يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:108] . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 24- يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي، فضلا، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي، عدلا. 25- وكلهم يتقلبون في مشيئته، بين فضله وعدله. 26- وهو متعال عن الأضداد والأنداد. 27- لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. ولا غالب لأمره. 28- آمنا بذلك كله. وأيقنا أن كلاً من عنده. [ الإيمان بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ] 29- وأن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى (1) . 30- وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين (2) وحبيب   (1) … اعلم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، وقد ذكروا فروقاً بين الرسول والنبي، تراها في ((تفسير الألوسي)) (5/449-450) وغيره، ولعل الأقرب أن الرسول من بعث بشرع جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله، وهو بالطبع مأمور بتبليغه، إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك، فهم بذلك أولى، كما لا يخفى. (ن) (2) … قلت: هذه العقيدة ثبتت في أحاديث كثيرة مستفيضة، تلقتها الأمة بالقبول. وقد ذكر الشارح (في الصفحة 169- الطبعة الرابعة) طائفة منها فلتراجع منه، فهي تفيد العلم واليقين، فهو - صلى الله عليه وسلم - سيد المرسلين يقيناً، ومن المؤسف أن أقول: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها أولئك الذين يشترطون في الحديث الذي يجب الإيمان به أن يكون متواتراً، فكيف يؤمن بها من صرح بأن العقيدة لا تؤخذ إلا من القرآن كالشيخ شلتوت وغيره. وقد رددت على هؤلاء جميعاً من عشرين وجهاً في رسالتي ((وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين)) وذكرت في آخرها عشرين مثالاً من العقائد الثابتة في الأحاديث الصحيحة يلزمهم جحدها وعدم الإيمان بها وهذه العقيدة واحدة منها فراجعها فإنها مطبوعة وهامة. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 رب العالمين (1) . 31- وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى (2)   (1) … قلت: بل هو خليل رب العالمين، فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)) ولذلك لم يثبت في حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - حبيب الله. فتنبه، وراجع في الفقرة الآتية (52) بسطاً لهذا في كلام الشارح عليها. (ن) (2) … قلت: وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته نصحاً لهم وتحذيراً في أحاديث كثيرة أنه سيكون بعده دجالون كثيرون، وقال في بعضها: ((كهلم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي)) رواه مسلم وغيره (الأحاديث الصحيحة 1683) ، ومن هؤلاء الدجالين ((ميرزا غلام أحمد القادياني)) الذي ادعى النبوة وله أتباع منتشرون في الهند وألمانيا وإنكلترا وأميركا، ولهم فيها مساجد، يضلون بها المسلمين، وكان منهم في سورية أفراد، استأصل الله شأفتهم وقطع دابرهم، ولهم عقائد كثيرة، غير اعتقادهم بقاء النبوة بعده - صلى الله عليه وسلم -. وسلفهم فيه ابن عربي الصوفي ولهم في ذلك رسالة جمعوا فيها أقواله في تأييد اعتقادهم المذكور. لم يستطع المشايخ الرد عليها لأنها مما قاله ابن عربي! مع جزمهم بتكفيرهم، ولا مجال لذكر شيء من عقائدهم الآن، وهم بلا شك ممن عناهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عنه: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم وآباؤكم فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم)) رواه المؤلف في ((مشكل الآثار)) (4/104) . وهو عند ((الإمام مسلم)) (1/9) . وإن من أبرز علاماتهم أنهم حين يبدأون بالتحدث عن دعوتهم إنما يبتدئون قبل كل شيء بإثبات موت عيسى عليه الصلاة والسلام فإذا تمكنوا من ذلك بزعمهم انتقلوا إلى مرحلة ثانية وهي ذكر الأحاديث الواردة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام ويتظاهرون بالإيمان بها، ثم سرعان ما يتأولونها، ما دام أنهم أثبتوا بزعمهم موته، بأن المقصود نزول مثيل عيسى! وأنه هو غلام أحمد القادياني! ولهم من مثل هذا التأويل الشيء الكثير والكثير جداً، مما جعلنا نقطع بأنهم طائفة من الباطنية الملحدة. وسيأتي الإشارة إلى بعض عقائدهم الضالة قريباً إن شاء الله تعالى. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 32- وهو المبعوث إلى عامة الجن (1) وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء. [ الإيمان بالقرآن الكريم ] 33- وأن القرآن كلام الله (2) ، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26] فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] ، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر (3)   (1) … أقول: ومن ضلالات القاديانية إنكارهم لـ (الجن) كخلق غير الإنس ويتأولون كل الآيات والأحاديث المصرحة بوجودهم ومباينتهم للإنس في الخلق، بمايعود إلى أنهم الإنس أنفسهم أو طائفة منهم حتى إبليس نفسه يقولون إنه إنسي شرير! فما أضلهم! . (ن) (2) … القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه: فلا يقال القرآن اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال، ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال، ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطل المذموم، فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ألفاظه ومعانيه عين كلام الله سمعه جبريل من الله، والنبي سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي فهو المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة. قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: وكذلك القرآن عين كلامه الـ … ـمسموع منه حقيقة ببيان هو قول ربي كله لا بعضه … لفظاً ومعنى ماهما خلقان تنزيل رب العالمين ووحيه … اللفظ والمعنى بلا روغان (م) (3) … نقل هذا الكلام عن المصنف رحمه الله شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (12/507) مستشهداً به، وقال الشارح ابن أبي العز رحمه الله (ص179 الطبعة الرابعة) : ((وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة. وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال)) : ثم ساقها، ومنها الثالث، وهو أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالأشعري وغيره. قال: وسابعها أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتريدي ... وتاسعها أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة. وقوله: ((كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً)) - رد على المعتزلة وغيرهم. فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبد منه، كما تقدم حكاية قولهم. وقال الشيخ محمد بن مانع رحمه الله تعالى (ص8) : ((القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه فلا يقال اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال، ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال، ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطل المذموم، فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ألفاظه ومعانيه عين كلام الله سمعه جبريل من الله والنبي سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي، فهو المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة. = … قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: وكذلك القرآن عين كلامه الـ ـمسموع منه حقيقة ببيان هو قول ربي كله لا بعضه لفظاً ومعنى ما هما خلقان تنزيل رب العالمين ووحيه اللفظ والمعنى بلا روغان)) وقال الشارح رحمه الله (ص194-195) : ((وكلام الطحاوي رحمه الله يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه، وأن المسموع المنزَّل المقروء والمكتوب ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي رحمه الله يقول: ((كلام الله منه بدا)) . وكذلك قال غيره من السلف، ويقولون: منه بدأ، وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدأ، لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل، فبدأ الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: ((منه بدأ)) أي هو المتكلم به، فمنه بدأ، لا من بعض المخلوقات، كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:1] . {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:13] {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَق} [النحل:102] . ومعنى قولهم: ((وإليه يعود)) : يرفع من الصدور والمصاحف، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عدة آثار. وقوله ((بلا كيفية)) : أي: لا تعرف كيفية تكلمه به ((قولاً)) ليس بالمجاز، ((وأنزله على رسوله وحياً)) أي: أنزله إليه على لسان الملك، فسمعه الملك جبرائيل من الله، وسمعه الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - من الملك، وقرأه على الناس. قال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء:106] وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] . وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 [ وصف الله بمعنى من معاني البشر ] 34- ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر. [ رؤية الله حق ] 35- والرؤية (1) حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية. كما نطق به كتاب ربنا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] . وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال (2)   (1) … لا شك أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة من فوقهم كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم يرون ربهم بأبصارهم رؤية حقيقية كما يرون القمر والشمس صحواً ليس دونهما سحاب؛ وهذا متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكره سوى المعتزلة ومن تابعهم على الضلال، قال في النونية. ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران هذا تواتر عن رسول الله لم ينكره إلا فاسد الإيمان وأما في الدنيا فإنه سبحانه وتعالى لا يراه أحد من عباده؛ ولما سئل النبي عليه السلام؛ هل رأيت ربك قال: ((نورٌ أَنَّي أراه)) أي حالت بيني وبين رؤيته تعالى الأنوار وقالت عائشة: من حذثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب. (م) (2) … اعلم أن الأحاديث الواردة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة جداً حتى بلغت حد التواتر كما جزم به جمع من الأئمة. منهم الشارح، وقد خرج بعضها ثم قال: ((وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابياً)) . ومن أحاط بها معرفة يقطع بأن الرسول قالها، ولولا أني التزمت الاختصار لسقت ما في الباب من الأحاديث ثم قال: ((ليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي، ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه، وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال: يُرى لا في جهة. فليراجع عقله!! فإما أن يكون مكابراً لعقله أو في عقله شيء، وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته، رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة)) . قلت: وأما رؤيته تعالى في الدنيا، فقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أن أحداً منا لا يراه حتى يموت. رواه مسلم: وأما هو نفسه عليه الصلاة والسلام، فلم يرد في إثباتها له ما تقوم به الحجة، بل قد صح عنه الإشارة إلى نفيها حين سئل عنها بقوله: = … ((نورٌ، أنّى أراه)) ومع ذلك جزمت السيدة عائشة بنفيها كما في الصحيحين، وهذا هو الأصل فينبغي التمسك به. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سَلَّم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه. [ التسليم والاستسلام ] 36- ((ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام)) (1) . فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان. فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً، شاكاً، زائغا , لا مؤمناً مصدقاً. ولا جاحداً مكذباً. 37- ولا يصح الإيمان بالرؤية - لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم (2) أو تأولها بفهم (3) ، إذ كان تأويل الرؤية - وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية ـ بترك التأويل ولزوم التسليم، وعليه دين المسلمين (4) . ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه (5)   (1) … هذه الفقرة مقدمة على الفقرة السابقة في المخطوطات الثلاث وكذا في نسخة شَيخنا الطباخ رحمه الله ولعلها أولى. (ن) (2) … أ) أي: توهم أن الله تعالى يرى على صفة كذا فيتوهم تشبيهاً وقوله أو تأولها بفهم أي ادعى أنه فهم لها تأويلاً يخالف ظاهرها وما يفهمه كل عربي من معناها. (م) … ب) أي: توهم أن الله تعالى يرى على صفة كذا فيتوهم تشبيهاً. شرح الطحاوية. (ن) (3) … أي ادعى أنه فهم لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وما يفهمه كل عربي من معناها. (ن) (4) … في المخطوطات الثلاث والمطبوعات: ((المرسلين)) . (ن) (5) … أ) وذلك أن المعتزلة يزعمون أنهم ينزهون الله تعالى بهذا النفي وهل يكون التنزيه بنفي صفات الكمال، فإن نفي الرؤية ليس بصفة كمال إذ المعدوم هو الذي لا يرى وإنما الكمال في إثبات الرؤية. (م) ب) قلت، وذلك لأن نفاة الصفات والرؤية من المعتزلة وغيرهم إنما ينفونها تنزيهاً لله تعالى بزعمهم عن التشبيه، وهذا زلل وزيع وضلال، إذ كيف يكون ذلك تنزيهاً، وهو ينفي عن الله صفات الكمال ومنها الرؤية، إذ المعدوم هو الذي لا يرى، فالكمال في إثبات الرؤية الثابتة في الكتاب والسنة والمشبهة إنما زلوا لغلوهم في إثبات الصفات وتشبيه الخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى. والحق بين هؤلاء وهؤلاء إثبات بدون تشبيه. وتنزيه بدون تعطيل. وما أحسن ما قيل: المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية. [ الرد على المشبهة ] 38- وتعالى (1) عن الحدود (2) والغايات (3)   (1) … في المخطوطات الثلاث وسائر المطبوعات: ((تعالى)) بدون الواو. ولعله أصح. (ن) (2) … قوله تعالى عن الحدود ... إلخ مراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة؛ والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق وأولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب، ففي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} رد على المشبهة والمعطلة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها، فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستو على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحساناً للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على … قائله كائناً من كان ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملناه على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد. (م) (3) … قوله: ((تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات والجهات الست كسائر = … المبتدعات)) ، هذا الكلام فيه إجمال قد يستغله أهل التأويل والإلحاد في أسماء الله وصفاته وليس لهم بذلك حجة لأن مراده رحمه الله تنزيه الباري سبحانه عن مشابهة المخلوقات لكنه أتى بعبارة مجملة تحتاج إلى تفصيل حتى يزول الاشتباه فمراده بالحدود يعني التي يعلمها البشر فهو سبحانه لا يعلم حدوده إلا هو سبحانه لأن الخلق لا يحيطون به علماً كما قال عز وجل في سورة طه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] ومن قال من السلف بإثبات الحد في الاستواء أو غيره فمراده حد يعلمه الله سبحانه ولا يعلمه العباد. وأما (الغايات والأركان والأعضاء والأدوات) فمراده رحمه الله تنزيهه عن مشابهة المخلوقات في حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم ونحو ذلك فهو سبحانه، موصوف بذلك لكن ليست صفاته مثل صفات الخلق ولايعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، وأهل البدع يطلقون مثل هذه الألفاظ لينفوا بها الصفات بغير الألفاظ التي تكلم الله بها وأثبتها لنفسه حتى لا يفتضحوا وحتى لا يشنع عليهم أهل الحق، والمؤلف الطحاوي رحمه الله لم يقصد هذا المقصد لكونه من أهل السنة المثبتين لصفات الله، وكلامه في هذه العقيدة يفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً ويفسر مشتبهه بمحكمه. وهكذا قوله (لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) مراده الجهات الست المخلوقة وليس مراد نفي علو الله واستوائه على عرشه لأن ذلك ليس داخلاً في الجهات الست بل هو فوق العالم ومحيط به وقد فطر الله عباده على الإيمان بعلوه سبحانه وأنه في جهة العلو وأجمع أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأتباعهم بإحسان على ذلك والأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة كلها تدل على أنه في العلو سبحانه فتنبه لهذا الأمر العظيم أيها القاريء الكريم واعلم أنه الحق وما سواه باطل والله ولي التوفيق. (ز) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه (1) الجهات الست كسائر المبتدعات (2)   (1) … دلت دلائل الكتاب والسنة على أن الله تعالى فوق مخلوقاته مستو على عرشه كما قال تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه} فالجهات الست عدمية في حقه لأنه تعالى فوقها كما قال ابن القيم في النونية. كل الجهات بأسرها عدمية في حقه هو فوقها ببيان قد بان عنها كلها فهو المحيـ ـط ولا يحاط بخالق الأكوان (م) (2) … قلت: مراد المؤلف رحمه الله بهذه الفقرة الرد على طائفتين: الأولى: المجسمة والمشبهة الذين يصفون الله بأن له جسماً وجثة وأعضاء وغير ذلك، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. والأخرى: المعطلة الذين ينفون علوه تعالى على خلقه وأنه بائن من خلقه. بل يصرح بعضهم بأنه موجود بذاته في كل الوجود! وهذا معناه حلول الله في مخلوقاته. وأنه محاط بالجهات الست المخلوقة، وليس فوقها، فنفى المؤلف ذلك بهذا الكلام. ولكن قد يستغل ذلك بعض المبتدعة، ويتأولونه بما قد يؤدي إلى التعطيل كما بينه الشارح رحمه الله تعالى وقد لخص كلامه الشيخ محمد بن مانع عليه الرحمة فقال (ص10) : ((مراده بذلك الرد على المشبهة ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة وليست الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة، والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحقّ وأولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب. ففي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ردّ على المشبهة والمعطلة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها، فإن الله سبحانه موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال، فهو سبحانه فوق مخلوقاته مستوٍ على عرشه المجيد بذاته بائن من خلقه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويأتي يوم القيامة وكل ذلك على حقيقته ولا نؤوله كما لا نؤول اليد بالقدرة والنزول بنزول أمره وغير ذلك من الصفات، بل نثبت ذلك إثبات وجود لا إثبات تكييف. وما كان أغنى الإمام المصنف عن مثل هذه الكلمات المجملة الموهمة المخترعة ولو قيل إنها مدسوسة عليه وليست من كلامه لم يكن ذلك عندي ببعيد إحساناً للظن بهذا الإمام وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائناً من كان = … ومن قرأ ترجمة المصنف الطحاوي لا سيما في لسان الميزان عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي حملنا على إحسان الظن فيه في كثير من المواضع التي فيها مجال لناقد)) . انتهى كلام ابن مانع رحمه الله.. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 [ الإيمان بالإسراء والمعراج ] 39- والمعراج حق. وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقضة إلى السماء ومن ثم إلى حيث شاء الله من العلا. وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (1) [النجم: 11] ، فصلى الله عليه وسلم في الأخرة والأولى. [ الإيمان بالحوض والشفاعة والميثاق ] 40- والحوض الذي أكرمه الله تعالى به - غياثاً لأمته - حق (2) . 41- والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار (3) . 42- والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق (4)   (1) … قلت: يعني من آيات ربه الكبرى، وأما القول بأنه عليه الصلاة والسلام رأى ربه ليلتئذ بعينه، فلم يثبت كما تقدم التنبيه عليه قريباً. ولذلك قال الشارح وغيره: ((والصحيح أنه رآه بقلبه ولم يره بعين رأسه)) . (ن) (2) … قلت: والأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جداً حتى بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة، ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابياً، وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في ((النهاية)) في آخر تاريخه، وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في ((كتاب السنة)) سبعة أبواب، (رقم 155-161) ورقم الأحاديث (697 - 776- بتحقيقي) ، أشار في آخرها إلى تواترها بقوله: ((والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - توجب العلم)) . (ن) (3) … وهي متواترة أيضاً، وقد عقد لها ابن أبي عاصم في ((السنة)) ستة أبواب (163-168) رقم الأحاديث (784-832) وساق طائفة منها الشارح رحمه الله في شرحه، تضمنت أن شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أنواع، فليراجعه من شاء البحث والتحقيق فإنه هام. (ن) (4) … قلت: يشير إلى بعض الأحاديث المصرحة بأن الله تعالى استخرج الذرية من صلب آدم عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر في الشرح أربعة منها، وهي مخرجة في تعليقي عليه وفي: = … ((تخريج السنة)) (رقم 195-205) ، وقد كنت استثنيت في التعليق المشار إليه (ص266- الطبعة الرابعة) من الصحة مسح الظهر الوارد في حديث عمر وكان ذلك سهواً مني أسأله تعالى أن يغفره لي، فقد تنبهت إلى أن له شاهداً حسناً من حديث أبي هريرة وهو مذكور في ((الشرح)) وآخر من حديث ابن عباس بسند ضعيف خرجته في ((السنة)) (203) فاقتضى التنبيه. . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 [ الإيمان بعلم الله ] 43- وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه (1) . [ أفعال العباد ] 44- وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه، وكل ميسر لما خلق له (2) .   (1) … يشير المؤلف رحمه الله إلى حديث عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان، فقال: ((أتدرون ما هذان الكتابان؟)) فقلنا: ((لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا)) ، فقال للذي في يده اليمنى: ((هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبداً)) . ثم قال للذي في شماله: ((هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء أبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولاينقص منهم أبداً)) فقال أصحابه: ففيم العمل إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] . أخرجه الترمذي وصححه هو وغيره، وهو مخرج في ((الصحيحة)) (848) . (ن) (2) … هو قطعة من حديث علي المروي في ((الصحيحين)) ، وقد خرجته في ((تخريج السنة)) برقم (171) . وقد صح أن بعض الصحابة لما سمعوا هذا الحديث منه - صلى الله عليه وسلم - قالوا: إذاً نجتهد. وفي رواية: فالآن نجد، الآن نجد، الآن نجد. انظر ((السنة)) . (161 و 167) ففيه رد صريح على الجبرية المتواكلة الذين يفهمون من الحديث خلاف فهم الصحابة فتأمل. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 [ الأعمال بالخواتيم ] والأعمال بالخواتيم (1) ، والسعيد من سعد بقضاء الله والشقي من شقي بقضاء الله (2) . [ الإيمان بالقضاء والقدر ] 45- وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه (3)   (1) … هذا طرف من حديث لسهل بن سعد الساعدي، أخرجه أحمد والبخاري، وهو مخرج في المصدر السابق (216) . (ن) (2) … أ) قال الحافظ ابن رجب والإيمان بالقدر على درجتين؛ إحداهما: الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم ومن هو منهم من أهل الجنة ومن هو منهم من أهل النار وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه وأن أعمال العباد تجرى على ما سبق في علمه وكتابه، والدرجة الثانية: أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان وشاءها منهم فهذه الدرجة يثبتها أهل السنة والجماعة وتنكرها القدرية والدرجة الأولى أثبتها كثير من القدرية ونفاها غلاتهم كمعبد الجهني، وقد قال كثير من أهل السلف؛ ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوا كفروا وما أحسن قول الإمام الشافعي؛ فما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن (م) ب) هذا معنى حديث أخرجه البزار وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: ((الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه)) . وسنده صحيح كما بينته في ((الروض النضير)) (1098) و ((تخريج السنة)) (188) . (ن) (3) … قال الشارح، أصل القدر سر الله في خلقه وهو كونه أوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأمات وأحيا وأضل وهدى والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد قال تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وأن الله تعالى = … يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه فيشاؤه كوناً ولا يرضاه ديناً قلت وهذه الإرادة هي الإرادة الكونية القدرية وأما إرادة الإيمان من المؤمن وسائر الأعمال الصالحة فهي إرادة كونية قدرية شرعية وكل أفعال العباد من طاعة ومعصية وكفر وإيمان وقع ذلك منهم بمشيئة الله تعالى وهذا معنى ما شاء الله كان وما لم يشأن لم يكن (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل. والتعمق والنظر في ذلك ذريعة للخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان. فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة (1) . فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (2)   (1) … قلت: وهذا التعمق هو المراد-والله أعلم-بقوله - صلى الله عليه وسلم -:.. وإذا ذكر القدرفأمسكوا)) . وهو حديث صحيح، روي عن جمع من الصحابة، وقد خرجته في ((الصحيحة)) (34) . (ن) (2) … أي لكمال حكمته ورحمته وعدله، لا لمجرد قهره وقدرته كما يقول جهم وأتباعه. كذا في ((الشرح)) وراجع فيه تحقيق أن مبنى العبودية والإيمان على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع، فإنه مهم جداً لولا ضيق المجال لنقلته برمته لنفاسته وعزته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ((مجموع الفتاوى)) (1/148-150) باختصار بعض الفقرات: ((والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال. ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، ((فأول ما خلق الله القلم، قال له (*) : = (*) كذا وقع هنا، وهو بمعنى رواية ((فقال له)) لكن الراجح عندي الرواية الأخرى بلفظ: ((ثم قال له)) كما كنت حققته في ((تخريج شرح الطحاوية)) . وله شاهد عن ابن عباس خرجته في الصحيحة (133) . (ن) … أكتب، قال: ما أكتب؟ قال: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه، لم يكن ليصيبه. جفت الأقلام وطويت الصحف، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] . … وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً، فيؤمر بأربع كلمات. اكتب رزقه، وأجله، وعمله وشقي أو سعيد ونحو ذلك. فهذا القدر ينكره غلاة القدرية قديماً، ومنكره اليوم قليل. وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات. ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته. وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28، 29] وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية، الذين سماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها. قلت: ويشير بكلامه الأخير إلى الأشاعرة، فإنهم هم الذين غلوا وأنكروا الحكمة على مافصله ابن القيم في ((شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل)) . فراجعه فإنه هام جداً. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 [الانبياء: 23] ، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. 46- فهذا جملة (1) ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى، وهي درجة الراسخين في العلم، لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود (2)   (1) … المشار إليه بقوله: فهذا هو ما تقدم ذكره مما يجب اعتقاده والعمل بما جاءت به الشريعة وقوله: وهي درجة الراسخين في العلم أي علم ما جاء به الرسول جملة وتفصيلاً نفياً وإثباتاً ويعني بالعلم المفقود علم القدر الذي طواه الله عن أنامه ونهاهم عن مرامه ويعني بالعلم الموجود علم الشريعة أصولها وفروعها فمن أنكر شيئاً مما جاء به الرسول كان من الكافرين، ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين (انتهى من الشرح) وقد ذكر أدلة هذه الأحكام فليراجع. (م) (ن) (2) … مراده رحمه الله بالعلم المفقود هو علم الغيب وهو مختص بالله عز وجل ومن ادعاه من الناس كفر لقول الله سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّه} [النمل: 65] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] . ولأحاديث صحيحة كثيرة وردت في الباب تدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم الغيب مع أنه أفضل الخلق وسيد الرسل فغيره من باب أولى وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم من ذلك إلا ما علمه إياه سبحانه ولما تكلم أهل الإفك في عائشة رضي الله عنها لم يعلم براءتها إلا بنزول الوحي ولما ضاع عقدها في بعض أسفاره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث جماعة في طلبه ولم يعلم مكانه حتى أقاموا البعير فوجدوه تحته والأدلة من الكتاب والسنة في هذا كثيرة والحمد لله. (ز) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر. ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود. [ الإيمان باللوح والقلم ] 47- ونؤمن باللوح (1)   (1) … أ) قوله ونؤمن باللوح والقلم ... إلخ قال الله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} فالقرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ، كما أخبر الله سبحانه بذلك وجبريل عليه السلام سمعه من الله وبلغه نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام منزل من ربك بالحق، ولم يقل من اللوح المحفوظ ولا منافاة بين كونه في اللوح المحفوظ وبين إنزاله من الله كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال شيخ الإسلام واللوح المحفوظ فوق السموات وقد جاء في الحديث أنه لا ينظر فيه غيرالله عزوجل قلت ومن هذا يتبين لنا ضلال من قال إن روح العبد تطلع على اللوح المحفوظ، فإن هذا قول الفلاسفة وهو من خرافات عباد الصالحين أو الطالحين كما هو راسخ بينهم فاحذروه فإنه كذب. وأما القلم المذكور فهو الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ المقادير، كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه أبو داود مرفوعاً ((أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال رب وما أكتب قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)) . واختلف العلماء: هل القلم أول المخلوقات أو العرش على قولين حكاهما ابن القيم في النونية، واختار أن القلم خلق بعد خلق العرش ولهذا قال: والناس يختلفون في الذي كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش أو هو بعده قولان عند أبي العلا الهمذاني والحق أن العرش قبل لأنه وقت الكتابة كان ذا أركان وكتابة القلم الشريف تعقبت إيجاده من غير فصل زمان (م) ب) قلت: وهو المذكور في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] وهو من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا يعرف حقيقته إلا الله، واعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما فيه كفر بالآيات والأحاديث المصرحة بأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 والقلم (1) ، وبجميع ما فيه قد رقم. فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن -لم يقدروا عليه. ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنا -لم يقدروا عليه جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة (2) ، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه (3) .   (1) … قلت ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات، أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما، وأنا وإن كان الراجح عندي الأول، كما كنت صرحت به في = … تعليقي عليه (ص295) فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك، فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق، والقائلون بحوادث لا أول لها، مخالفون لهذا الاتفاق، لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا أول له، كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه، فإن قالوا: العرش أول مخلوق، كما هو ظاهر كلام الشارح، نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها. وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق! فتأمل هذا فإنه مهم. والله الموفق. (ن) (2) … هذا طرف من حديث ابن عباس المشهور بلفظ: ((احفظ الله يحفظك ... )) الحديث. وهو حديث صحيح كما ذكرت في ((التخريج)) (ص274) . (ن) (3) … هذا من تمام حديث ابن عباس المشار إليه آنفاً في رواية عنه. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 48- وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه (1) ، فقدر ذلك تقديراً محكماً مبرماً ليس فيه ناقض ولا معقب، ولا مزيل ولا مغير, ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذلك (2) من عقد الإيمان، وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته (3) ، كما قال تعالى في كتابه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2] وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب: 38] . فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً، وأحضر للنظر فيه قلباً سقيماً، لقد التمس (4) بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً. وعاد بما قال فيه أفاكاً أثيماً.   (1) … هذا فيه رد لما ذهب إليه غلاة المعتزلة الذين أنكروا كون الله تعالى عالماً في الأزل وقالوا إن الله تعالى لا يعلم أفعال العباد، حتى يفعلوها، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، قال الله تعالى {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] . (م) (2) … الإشارة إلى ما تقدم من الإيمان بالقدر، وسبق علم الله تعالى بالكائنات قبل خلقها. (م) (3) … قوله والاعتراف بتوحيد الله وربوبيته، أي لا يتم التوحيد والاعتراف بالربوبية إلا بالإيمان بصفات الله تعالى. فإن من زعم خالقاً غير الله فقد أشرك فكيف بمن زعم أن كل أحد يخلق فعله، ولهذا كانت القدرية مجوس هذه الأمة. (م) (4) … وقوله لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً أي بوهمه في البحث عن البعث سراً مكتوماً؛ إذ القدر سر الله في خلقه؛ فهو يروم ببحثه الاطلاع على الغيب. وقد قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} وقوله وعاد بما قال فيه أي في القدر أفاكاً أثيماً أي مأثوماً. اهـ شرح. (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 [ الإيمان بالعرش والكرسي ] 49- والعرش والكرسي حق (1)   (1) … أ) لما ذكر المصنف العرش والكرسي الذي هو بين يدي العرش ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش ومادون العرش، كما قال تعالى {هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} . ليبين سبحانه أن خلقه للعرش لا ستوائه عليه ليس لحاجته إليه؛ بل له في ذلك حكمة اقتضته. ثم اعلم أن الاستواء على العرش، إنما حصل بعد خلق السموات والأرض، كما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} [الأعراف: 54] وثم هنا للترتيب لالمجرد العطف؛ كما قال الناظم: قضى خلقه ثم استوى فوق عرشه ومن علمه لم يخل في الأرض موضع وأما معنى الاستواء في لغة العرب التي نزل بها القرآن فهو العلو والارتفاع والاستقرار والصعود، كما ذكر ذلك ابن القيم بقوله: ولهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان منها استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي مافيه من نكران وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيبان يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي في القرآن والأشعري يقول تفسير استوى بحقيقة استولى من البهتان = نون اليهود ولام جهمي هما في وحي رب العرش زائدتان (م) ب) اعلم أن العرش خلق عظيم جداً كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ولذلك أضافه تعالى إلى نفسه في قوله: {ذو العرش} وفيه آيات أخر تجدها في ((الشرح)) . وهو لغة سرير الملك، ومن أوصافه في القرآن: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة} [الحاقة: 17] وأنه على الماء، وفي السنة أن أحد حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وأن له قوائم، وأنه سقف جنة الفردوس. جاء ذلك في أحاديث صحيحة مذكورة في ((الشرح)) . وذلك كله مما يبطل تأويل العرش بأنه عبارة عن الملك وسعة السلطان! . وأما الكرسي، ففيه قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] والكرسي هو الذي بين يدي العرش، وقد صح عن ابن عباس موقوفاً عليه من قوله: ((الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى)) . وهو مخرج في كتابي ((مختصر العلو للذهبي)) يسر الله طبعه (1) ولم يصح فيه مرفوعاً سوى قوله عليه الصلاة والسلام: ((ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة)) . وذلك مما يبطل أيضاً تأويل الكرسي بالعلم. ولم يصح هذا التأويل عن ابن عباس كما بينته في ((الصحيحة)) (109) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 50- وهو مستغن عن العرش وما دونه (1) .   (1) … قال الشارح رحمه الله تعالى: وإنما قال الشيخ رحمه الله هذا الكلام هنا لأنه لما ذكر العرش والكرسي، ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش، ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه، ليس لحاجته إليه، بل له في ذلك حكمة اقتضته، وكون العالي فوق السافل، لا يلزم أن يكون السافل حاوياً للعالي محيطاً به حاملاً له. ولا أن يكون الأعلى مفتقراً إليها. فالرب تعالى أعظم شأناً وأجلّ من أن يلزم من علوه ذلك، بل لوازم علوه من خصائصه، وهي حمله بقدرته للسافل، وفقر السافل، وغناه هو سبحانه عن السافل، وإحاطته عز وجل به، فهو فوق العرش، مع حمله بقدرته للعرش وحملته، وغناه عن = (1) … طبع في مجلد ضمن مطبوعات المكتب الإسلامي. = … العرش، وفقر العرش إليه، وإحاطته بالعرش، وعدم إحاطة العرش به، وحصره للعرش وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق. ونفاة العلو أهل التعطيل، لو فصّلوا بهذا التفصيل، لهدوا إلى سواء السبيل، وعلموا مطابقة العقل للتنزيل، ولسلكوا خلف الدليل، ولكن فارقوا الدليل، فضَلُّوا عن سواء السبيل. والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك رحمه الله، لما سئل عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} [الأعراف: 53] وغيرها: كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 51- محيط بكل شيء وفوقه (1) ، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه. [ إثبات الكلام لله تعالى ] 52- ونقول:إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلم موسى الله تكليماً، إيماناً وتصديقاً وتسليماً. [ الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب السماوية ] 53- ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين. 54- ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين (2)   (1) … قلت: اختلفت النسخ في هذه الكلمة (وفوقه) ، ففي نسخة الشارح كما ترى، وكذلك في مخطوطتي (أ، ب) ومطبوعة الشيخ ابن مانع، وفي مخطوطة (ج) ومطبوعة (خ) : (فوقه) بحذف الواو العاطفة، وشذت مخطوطة (غ) فوقع فيها (وبما فوقه) ! ولا شك في شذوذها هي والتي قبلها رواية ومعنى. أما الرواية فلمخالفتها لأكثر النسخ، وأما المعنى فقد بينه الشارح بقوله (ص281) ((والنسخة الأولى هي الصحيحة)) ، ومعناها: أنه تعالى محيط بكل شيء وفوق كل شيء. ومعنى الثانية أنه محيط بكل شيء فوق العرش. وهذه - والله أعلم - إما أن يكون أسقطها بعض النساخ سهواً ثم استنسخ بعض الناس من تلك النسخة، أو أن بعض المحرفين الضالين أسقطها قصداً للفساد، وإنكاراً لصفة الفوقية! وإلا فقد قام الدليل على أن العرش فوق المخلوقات، وليس فوقه شيء من المخلوقات، فلا يبقى لقوله: ((محيط)) - بمعنى: محيط بكل شيء فوق العرش - والحالة هذه معنى، إذ ليس فوق العرش من المخلوقات ما يحيط به، فتعيَّن ثبوت الواو ويكون المعنى: أنه سبحانه محيط بكل شيء وفوق كل شيء)) . (ن) (2) … أ) وليس التصديق والاعتراف فقط، كافيين في الإسلام والإيمان اللذين أمر الله ورسوله بهما، فالإسلام والإيمان اللذان عليهما مدار النجاة هما المذكوران في حديث جبريل المشهور عليه السلام المتضمن للتصديق والإقرار والعمل. (م) ب) قال الشارح: يشير الشيخ رحمه الله إلى أن الإسلام والإيمان واحد وأن المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب الذنب ما لم يستحله. والمراد بقوله: ((أهل قبلتنا)) ، من يدعي الإسلام ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي، ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 [ حرمة الخوض في ذات الله والجدال في دين الله وقرآنه ] 55- ولا نخوض في الله، ولا نماري في دين الله. 56- ولا نجادل في القران، ونشهد أنه كلام رب العالمين (1)   (1) … قلت: إن من أكبر الفتن التي أصابت بعض الفرق الإسلامية بسبب علم الكلام أنه انحرف بهم عن الإيمان بأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين حقيقة لا مجازاً. أما المعتزلة الذين يقولون بأنه مخلوق، فأمرهم في ذلك واضح مفضوح. لكن هناك طائفة تنتمي إلى السنة وترد على المعتزلة هذا القول وغيره مما انحرفوا فيه عن الإسلام، ألا وهم الأشاعرة والماتريدية، فإنهم في الحقيقة موافقون للمعتزلة في قولهم بخلق القرآن وأنه ليس من قول رب العالمين، إلا أنهم لا يفصحون بذلك، ويتسترون وراء تفسيرهم للكلام الإلهي بأنه كلام نفسي قديم غير مسموع من أحد من الملائكة والمرسلين وأنه تعالى لا يتكلم إذا شاء وأنه متكلم منذ الأزل، وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بحثاً هاماً في إبطال تفسيرهم هذا، فقال بعد أن أثبت قدم الكلام: ((والكلام صفة كمال، فإن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، كما أن من يعلم ويقدر، أكمل ممن لا يعلم ولا يقدر، والذي يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وأكمل ممن يتكلم بغير مشيئته وقدرته إن كان ذلك معقولاً. ويمكن تقريرها على أصول السلف بأن يقال: إما أن يكون قادراً على الكلام أو غير قادر، فإن لم يكن = … قادراً فهو الأخرس، وإن كان قادراً ولم يتكلم فهو الساكت. وأما الكلابية (متبوع الأشاعرة في هذه المسألة) فالكلام عندهم ليس بمقدور. فلا يمكنهم أن يحتجوا بهذه. فيقال: هذه قد دلت على قدم الكلام، لكن مدلولها قدم كلام معين بغير قدرته ومشيئته؟ أم مدلولها أنه لم يزل متكلماً بمشيئته وقدرته؟ والأول: قول الكلابية. والثاني: قول السلف والأئمة وأهل الحديث والسنة فيقال: مدلولها الثاني، لا الأول، لأن إثبات كلام يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقال للمحتج بها: لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاماً يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته، فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئاً لا يعقل. وأيضاً فقولك: ((لو لم يتصف بالكلام لاتصف بالخرس والسكوت)) إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات، فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلماً فإما أن يكون قادراً على الكلام ولم يتكلم، وهو الساكت، وإما أن لا يكون قادراً عليه وهو الأخرس. وأما ما يدعونه من الكلام النفسي، فذاك لا يعقل، أن من خلا عنه كان ساكتاً أو أخرس، فلا يدل بتقدير ثبوته على أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتاً أو أخرس. وأيضاً فالكلام القديم النفساني الذي أثبتموه لم تُثْبِتُوا ما هو؟ بل ولا تصورتموه، وإثبات الشيء فرع تصوره، فمن لم يتصور ما يثبته كيف يجوز أن يثبته، ولهذا كان أبو سعيد ابن كلاب - رأس هذه الطائفة (يعني الأشاعرة) وإمامها في هذه المسألة - لا يذكر في بيانها شيئاً يعقل، بل يقول: هو معنى يناقض السكوت والخرس! والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام فالساكت هو الساكت عن الكلام، والأخرس هو العاجز عنه، أو الذي حصلت له آفة في محل النطق تمنعه عن الكلام، وحينئذ لا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام، ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس. فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه ولم يثبتوه، بل هم في الكلام يشبهون النصارى في (الكلمة) وما قالوه في (الأقانيم) و (التثليث) و (الاتحاد) ، فإنهم يقولون ما لا يتصورونه ولا يبينونه، والرسل عليهم السلام إذا أخبروا بشيء ولم نتصوره وجب تصديقهم. = … وأما ما يثبت بالعقل فلا بد أن يتصوره القائل به، وإلا كان قد تكلم بلا علم، فالنصارى تتكلم بلا علم؛ فكان كلامهم متناقضاً ولم يحصل لهم قول معقول. كذلك من تكلم في كلام الله تعالى بلا علم كان كلامه متناقضاً، ولم يحصل له قول يعقل، ولهذا كان مما يُشَنَّع به على هؤلاء أنهم احتجوا في أصل دينهم ومعرفة حقيقة الكلام - كلام الله وكلام جميع الخلق - بقول شاعر نصراني يقال له الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما … … جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقد قال طائفة إن هذا ليس من شعره، وبتقدير أن يكون من شعره فالحقائق العقلية، أو مسمى لفظ الكلام الذي يتكلم به جميع بني آدم لا يرجع فيه إلى قول ألف شاعر فاضل. دع أن يكون شاعراً نصرانياً اسمه الأخطل ... )) انتهى ملخصاً من ((مجموع الفتاوى)) (6/294-297) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ، نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ولا نقول بخلقه (1) ، ولا نخالف جماعة المسلمين.   (1) … اعلم أن القائلين بخلق القرآن أشهرهم طائفتان: إحداهما المعتزلة فإنهم يقولون: القرآن الذي جاء به جبريل هو كلام الله حقيقة ولكنه مخلوق، والثانية المتكلمون من الكلابية وأتباعهم فهم يقولون كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى إن عبر عنه بالعبرانية صار توراة وإن عبر عنه بالسريانية صار إنجيلاً وإن عبر عنه بالعربية صار قرآناً. وهذه الخرافة يعتقدونها ديناً يدينون الله به، وهم يوافقون المعتزلة في أن القرآن الذي جاء به جبريل مخلوق إلا أن المعتزلة يقولون هو كلام الله حقيقة والكلابية وأتباعهم يقولون هو عبارة وحكاية عن كلام الله فعلى قول هؤلاء الكلابية وأتباعهم يكون النبي عليه السلام لم يبلغ كلام الله وإنما بلغ ما يدل عليه وما هو حكاية عنه. وفي هذا إنكار للرسالة، لأن الرسول إنما يبلغ كلام المرسل وقد ألزمهم أهل السنة بذلك، قال ابن القيم في النونية: وإذا انتفت صفة الكلام كذلك ال إرسال منفى بلا فرقان فرسالة المبعوث تبلغ كلا م المرسل الداعي بلا نقصان إلى آخر ما ذكره من الأبيات العظيمة التي يعض عليه بالنواجذ ومن أعجب العجب أن يتذاكر العالم من أتباع الكلابية في مثل هذه الأبحاث، فإذا مر ذكر الجهمية والمعتزلة قال = … إنهم قد انقضوا ولم يبق لهم ولا لعقائدهم عين ولا أثر، ولم يدر المسكين أنه هو وارث التهجم والاعتزال، وأن معتقده معتقدهم سواء بسواء. (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 [ عدم تكفير أهل القبلة بذنب ] 57- ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله (1)   (1) … أ) قوله ولا نكفر أحداً من أهل القبلة.. إلخ، المراد بأهل القبلة هم الموحدون الله في عبادته؛ المخلصون له في معاملته، العاملون بمعنى كلمة التوحيد ظاهراً وباطناً، المصدقون لرسول الله في جميع ما أخبر به، الممتثلون أمره الذين لم يأتوا بما يناقض لا إله إلا الله، وإلى هذا المعنى أشار المصنف بقوله سابقاً ونسمى أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي معترفين وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين لأننا نعتقد أن المراد الإيمان الكامل المتضمن للاعتقاد والإقرار والعمل ومراد الشيخ رحمه الله بهذا الكلام الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب. (م) ب) قوله (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) مراده رحمه الله أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون المسلم الموحد المؤمن بالله واليوم الأخر بذنب يرتكبه كالزنا وشرب الخمر والربا وعقوق الوالدين وأمثال ذلك ما لم يستحل ذلك فإن استحله كفر لكونه بذلك مكذباً لله ولرسوله خارجاً عن دينه أما إذا لم يستحل ذلك فإنه لا يكفر عند أهل السنة والجماعة بل يكون ضعيف الإيمان وله حكم ما تعاطاه من المعاصي في التفسيق وإقامة الحدود وغير ذلك حسبما جاء في الشرع المطهر وهذا هو قول أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن سلك مسلكهم الباطل فإن الخوارج يكفرون بالذنوب والمعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين يعني بين الإسلام والكفر في الدنيا وأما في الآخرة فيتفقون مع الخوارج بأنه مخلد في النار، وقول الطائفتين باطل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وقد التبس أمرهما على بعض الناس لقلة علمه ولكن أمرهما بحمد الله واضح عند أهل الحق كما بينا وبالله التوفيق. (ز) ج) يعني استحلالاً قلبياً اعتقادياً، وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه عملياً أي مرتكب له، ولذلك فلا بد من التفريق بين المستحل اعتقاداً فهو كافر إجماعاً، وبين المستحل عملاً لا اعتقاداً فهو مذنب يستحق العذاب اللائق به إلا أن يغفر الله له، ثم ينجيه إيمانه خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يحكمون عليه بالخلود في النار وإن اختلفوا في تسميته كافراً أو = … منافقاً، وقد نبتت نابتة جديدة اتبعوا هؤلاء في تكفيرهم جماهير المسلمين رؤوساً ومرؤوسين، اجتمعت بطوائف منهم في سوريا ومكة وغيرها، ولهم شبهات كشبهات الخوارج مثل النصوص التي فيها من فعل كذا فقد كفر، وقد ساق الشارح رحمه الله تعالى طائفة منها هنا، ونقل عن أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص - أن الذنب أي ذنب كان؛ هو كفر عملي لا اعتقادي، وأن الكفر عندهم على مراتب: كفر دون كفر، كالإيمان عندهم، ثم ضرب على ذلك مثالاً هاماً طالما غفلت عن فهمه النابتة المشار إليها، فقال رحمه الله تعالى (ص 323) وهنا أمر يجب أن يُتفطَّن له، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً: إما مجازياً , وإما كفراً أصغر، على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخيَّر فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله: فهذا كفرٌ أكبر. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص ويسمى كافراً كفراً مجازياً، أو كفراً أصغر. وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه، فهذا مخطيء له أجرٌ على اجتهاده، وخطؤه مغفور. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 [ الرد على المرجئة ] 58- ولا نقول (1) لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله (2) .   (1) … قوله ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله.. إلخ مراده بهذا الكلام الرد على المرجئة القائلين لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة فهؤلاء في طرف والخوارج في طرف؛ فإنهم يقولون بكفر المسلم بكل ذنب أو بكل ذنب كبير، وكذلك المعتزلة الذين يقولون يحبط إيمانه كله بالكبيرة فلا يبقى معه شيء من الإيمان لكن الخوارج يقولون يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر. والمعتزلة يقولون يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، وهذه المقالة الخاطئة هي المنزلة بين المنزلتين التي هي خاصة مذهب المعتزلة، وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار. (تنبيه) كنت أقرأ في كتب المقالات واختلاف الناس في المعتقدات فأقف على غلو المعتزلة في عقائدهم فأرجع إلى كتب التراجم وأبحث عن تراجم أكابر شيوخهم فأجد فيها الأمر المنكر العجيب من التلاعب في الدين وإنتهاك حرماته فصح عندي أن ذلك = … من شؤم عقائدهم وفساد نحلتهم؛ ومن قرأ ترجمة النظام وأبي الهذيل العلاف والماجن الجاحظ عرف ذلك. نسأل الله السلامة (م) (2) … وذلك لأنه من قول المرجئة المؤدي إلى التكذيب بآيات الوعيد وأحاديثه الواردة في حق العصاة من هذه الأمة، وأن طوائف منهم يدخلون النار، ثم يخرجون منها بالشفاعة أو بغيرها. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 59- ونرجوا للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة (1)   (1) أ) قوله ولا نشهد لهم بالجنة: اعلم أن الذي عليه أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لأحد مات من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله وأخبر عنه بذلك ولكنهم يرجون للمحسن ويخافون على المسيء وبهذا تعلم ما عليه كثير من الناس إذا ذكروا عالماً أو أميراً أو ملكاً أو غيرهم قالوا: المغفور له أو ساكن الجنان، وأنكى من ذلك قولهم: نقل إلى الرفيق الأعلى ولا شك أن هذا قول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم عديل الشرك كما قال تعالى {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] وأما المشرك فنشهد له بالنار لأن الله قال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] . (م) (ن) ب) مراده رحمه الله إلا من شهدله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة كالعشرة ونحوهم كما يأتي ذلك في آخر كلامه. مع العلم بأن من عقيدة أهل السنة والجماعة الشهادة للمؤمنين والمتقين على العموم بأنهم من أهل الجنة وأن الكفار والمشركين والمنافقين من أهل النار كما دلت على ذلك الآيات الكريمات والسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن ذلك قوله سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] وقوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [التوبة:72] في آيات كثيرات تدل على هذا المعنى وقوله سبحانه في الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:36] وقوله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} [النساء:145] في آيات أخرى تدل على هذا المعنى وبالله التوفيق. (ز) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم ولا نقنطهم. [ الأمن والإياس ] 60- والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة (1) . 61- ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله (2) فيه (3)   (1) … قال الشارح: يجب أن يكون العبد خائفاً راجياً فإن الخوف المحمود الصادق ما حال بين صاحبه وبين محارم الله فإذا تجاوز ذلك خيف من اليأس والقنوط والرجاء المحمود رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه أو رجل أذنب ذنباً ثم تاب منه إلى الله فهو راج لمغفرته. أما إذا كان الرجل متمادياً في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب. (م) (2) … يريد بذلك الرد على الخوارج والمعتزلة الذين قالوا بخروجه من الإيمان بارتكاب الكبيرة. (م) قلت: وأمثال هؤلاء اليوم الذين يحكمون على مسلمي البلاد الإسلامية كلها بدون استثناء بالكفر، ويوجبون على أتباعهم مباينتهم ومفاصلتهم، تماماً كما فعلت الخوارج من قبلهم، هداهم الله، وغفر للغلاة الذين كانوا السبب في هذا الانحراف الخطير. (ن) (3) … هذا الحصر فيه نظر فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما فإن كان ينطق بهما دخل في الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره وقد يخرج من الإسلام بغير … الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد، من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله سبحانه: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] ومن ذلك عبادته للأصنام أو الأوثان أو دعوته الأموات والاستغاثة بهم وطلبه منهم المدد والعون ونحو ذلك لأن هذا يناقض قول لا إله إلا الله لأنها تدل على أن العبادة حق لله وحده ومنها الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك فمن صرف منها شيئاً لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجن وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله ولم يحقق قول لا إله إلا الله وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم وهي ليست من مسائل الجحود وأدلتها معلومة من الكتاب والسنة وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحوداً وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد فراجعها إن شئت وبالله التوفيق. (ز) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 [ تعريف الإيمان ] 62- والإيمان (1) : هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان (2)   (1) … قوله: والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان اقتصر المصنف على هذين الركنين في بيان الإيمان وهو قول المرجئة وذهب مالك والشافعي وأحمد وسائر أهل الحديث إلى أنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهذا هو الحق والصواب (م) (2) … أ) هذا التعريف فيه نظر وقصور والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وقد ذكر الشارح ابن أبي العز جملة منها فراجعها إن شئت وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظياً بل هو لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة والله المستعان. (ز) ب) هذا مذهب الحنفية والماتريدية، خلافاً للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم، فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياً كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعاً اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان، وأنه في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الإتفاق وإن كان صحيحاً، فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان، لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة، ونقصه بالمعصية، مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك، وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (342-344) ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان، وتكلفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً، بل باطلاً، ذكر الشارح (ص342) نموذجاً منها، بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة حديث ((الإيمان بضع وسبعون شعبة..)) … مع احتجاج كل أئمة الحديث به، ومنهم البخاري ومسلم في ((صحيحيهما)) وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم! ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صورياً. وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق! بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليه الصلاة والسلام! كيف وهم بناء على مذهبهم هذا لايجيزون لأحدهم - مهما كان فاجراً فاسقاً - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، بل يقول: أنا مؤمن حقاً! والله عزوجل يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:2-4] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:22] وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر! وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية! وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس، وعلل ذلك بقوله: تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب! وأعرف شخصاً من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية، فأبى قائلاً: ... لولا أنك شافعي! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: ((الإيمان)) فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 63- وجميع (1) ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق (2) .   (1) … قوله وجميع ما صح عن رسول الله.. إلخ: يريد بذلك الرد على سائر الجهمية المعطلة والمعتزلة والرافضة القائلين بأن الأخبار قسمان متواتر وآحاد فالمتواتر وإن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة فإن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات قالوا والآحاد لا تفيد العلم ولا يحتجون بها من جهة متنها فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وأفعاله من جهة الرسول وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية والحق والصواب ما ذهب إليه كبار الأئمة المحققين من أن خبر الواحد العدل يفيد العلم كما في فتح المجيد ورسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في أصول التفسير وكذلك ابن القيم أطال البحث في النونية والصواعق بما يشفي ويكفي، وذهب غير واحد إلى أن خبر الصحيحين يفيد العلم اليقيني (راجع أوائل لوائح الأنوار) للسفاريني وهو الحق (م) (2) … يعني دون تفريق بين ماكان منه خبر آحاد أو تواتر، ما دام أنه صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، والتفريق بينهما، إنما هو بدعة وفلسفة دخيلة في الإسلام، مخالف لما كان عليه السلف الصالح والأئمة المجتهدون، كما حققته في رسالتي ((وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين)) وهي مطبوعة مشهورة. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 64- والإيمان واحد (1) وأهله في أصله سواء (2) , والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى (3) . 65- والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن (4) ، وأكرمهم عند الله أطوعهم   (1) … قوله (والإيمان واحد وأهله في أصله سواء) هذا فيه نظر بل هو باطل فليس أهل الإيمان فيه سواء بل هم متفاوتون تفاوتاً عظيماً فليس إيمان الرسل كإيمان غيرهم كما أنه ليس إيمان الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم مثل إيمان غيرهم وهكذا ليس إيمان المؤمنين كإيمان الفاسقين وهذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته وما شرعه لعباده وهو قول أهل السنة والجماعة خلافاً للمرجئة ومن قال بقولهم والله المستعان. (ز) (2) … الحق الذي لا إشكال فيه أن الإيمان متفاوت في أصله فإيمان آحاد الناس ليس كإيمان جبريل ولا كإيمان رسول الله والقول بأن الناس بأصل الإيمان سواء ليس من عقائد أهل السنة. (م) (3) … هذا على ما تقدم من قوله في الإيمان أنه إقرار وتصديق فقط وقد عرفت أن الصواب فيه أنه متفاوت في أصله، وأن إيمان الصالح ليس كإيمان الفاجر. فراجعه. (ن) (4) … أ) أولياء الرحمن هم: الذين عملوا بما ورد في الكتاب والسنة فأدوا ما أوجب الله عليهم وتركوا ما حرمه من المعاصي فهم المتقربون إلى الله بطاعته وطاعة رسوله عليه السلام، = … وأما أهل التدجيل والتلبيس بزعمهم دخول النار ومسك الحيات فهؤلاء أولياء الشيطان. (م) ب) وهم الموصوفون في قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] وليست الكرامة بادعاء الكرامات وخوارق العادات كما يتوهم كثير من الناس بل ذلك من الإهانات التي تشوه جمال الإسلام. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وأتبعهم للقران (1) . [ أركان الإيمان ] 66- والإيمان:هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، من الله تعالى (2) . 67- ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاؤوا به.   (1) … فيه إشارة لطيفة إلى الرد على متعصبة المذاهب، الذين يؤثرون اتباع المذهب على اتباع الكتاب والسنة، ذلك لأنه لا تلازم بين اتباع المذاهب واتباع القرآن، فإن المذاهب مختلفة، والقرآن لا اختلاف فيه، كما قال تعالى فيه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] فالمسلم كلما كان أتبع للقرآن كان أكرم عند الله تعالى وكلما ازداد تقليداً ازداد بعداً، وإليه أشار المصنف بقوله: ((لا يقلد إلا عصبي أو غبي)) . انظر ((صفة الصلاة)) (ص23) . (ن) (2) … اعلم أنه لا ينافي هذه قوله - صلى الله عليه وسلم - في دعاء الاستفتاح: ((والخير كله بيديك، والشر ليس إليك)) رواه مسلم، لأن المعنى: فإنك لا تخلق شراً محضاً، بل كل ما تخلقه فيه حكمة، هو باعتبارها خير ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس فهذا الشر جزئي إضافي، فأما شر … كلي أو شر مطلق، فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه أفاده في ((الشرح)) وراجع التفصيل إن شئت في ((شفاء العليل)) لابن القيم رحمه الله تعالى. ومنه تعلم كذب من نسب إلى أنّ للشر خالقاً غير الله تعالى، في مقال نشر مع الأسف في مجلة الحضارة (ص50-52، العدد (5) السنة 18) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 [ أهل الكبائر من المؤمنين لا يخلدون في النار ] 68- وأهل الكبائر ((من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (1)) ) في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين (2)   (1) … ما بين المعكوفتين لم ترد في المخطوطات الثلاث. ولا في مطبوعة (خ) وحذفها أصح، لان مفهوم هذه الزيادة أن أهل الكبائر من أمة غير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل نسخ تلك الشرائع به حكمهم مخالف لأهل الكبائر من أمة محمد. وفي ذلك نظر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) ولم يخص أمته بذلك، بل ذكر الإيمان مطلقاً، فتأمله. واعلم أنهم اختلفوا في تعريف الكبائر على أقوال أمثلها أنها ما يترتب عليها حد، أو تُوعِّد عليها بالنار، أو اللعنة أو الغضب. وراجع ((الشرح)) و ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (11/650) (ن) (2) … قوله عارفين: لايخفى أن المعرفة القلبية وحدها ليست كافية بالإيمان وقد خالف المصنف ما ذهب إليه سابقاً من أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في الإيمان وأما مذهب السلف فالإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالأركان وهذا هو الصواب. وذهبت الكرامية إلى أنه قول باللسان وقالت الجهمية: إنه الاعتقاد بالجنان وهذا هو الذي اقتصر عليه المصنف فعلى هذا ليس في الناس كافر فإنهم معترفون بوجود الله وأنه ربهم وخالقهم الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فالله سبحانه وتعالى كفر المشركين مع اعترافهم بأنه خالق السموات والأرض وكذلك إبليس وأبو جهل وفرعون وقارون وهامان وغيرهم من طوائف الكفر كلهم مؤمنون على زعم الجهم وأتباعه، لأنهم يعترفون بأن الله ربهم … وخالقهم فهم مؤمنون على هذا القول الباطل المردود وقد رد ما ذكره المصنف أئمة الإسلام كابن القيم وغيره قال رحمه الله في النونية: قالوا وإقرار العباد بأنه خلاقهم هو منتهى الإيمان والناس في الإيمان شيء واحد كالمشط عند تمائل الأسنان فاسأل أبا جهل وشيعته ومن والاهم من عابدي الأوثان واسأل أبا الجن اللعين أتعرف الخلاق أم أصبحت ذا نكران واسأل كذاك إمام كل معطل فرعون مع قارون مع هامان هل كان فيهم منكر للخالق الر ب العظيم مكون الأكوان فليبشروا ما فيهم من كافر هم عند جهم كاملو الإيمان (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ((مؤمنين)) (1) وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك (2) َ لِمَنْ يَشَاء} [النساء:48، 116] وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته (3) ، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته. اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به (4) . [ وجوب طاعة الأئمة والولاة ] 69- ونرى الصلاة خلف كل بر (5)   (1) … زيادة من مخطوطة (أ، ب، غ) . وهي زيادة هامة لم تثبت في بعض النسخ ومنها نسخة الشارح فقد قال: ((وقوله: (عارفين) ، لو قال: مؤمنين، بدل (عارفين) كان أولى، لأن من عرف الله ولم يؤمن به فهو كافر، وإنما اكتفى بالمعرفة وحدها الجهم وقوله مردود باطل ... )) (ن) (2) … يعني الشرك وهو الكفر، ولا فرق بينهما شرعاً فكل كفر شرك وكل شرك كفر. كما يدل عليه محاورة المؤمن للكافر صاحب الجنتين المذكورة في سورة (الكهف) . فتنبه لهذا فإنه به يزول عنك كثير من الإشكالات والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (ن) (3) … وقوله: بأن الله مولى أهل معرفته يقال فيه ما تقدم من التحرير والبيان. (م) (4) … هذا الدعاء ورد مرفوعاً وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1823) كما كنت ذكرت في ((تخريج الشرح)) لكن وقع هناك (1833) وهو خطأ مطبعي فاقتضى التصحيح. (ن) (5) … قوله: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر مراده بذلك الرد على الرافضة وقد اختلف العلماء رحمهم الله في صحة الصلاة خلف الفاسق فذهب الشافعي وأبوحنيفة إلى صحتها مع الكراهة. وذهب أحمد ومالك إلى عدم الصحة والفاسق هو الذي ارتكب الكبيرة وأصر على الصغيرة ولا فرق في صحة الصلاة خلف الفاسق عند الإمام أحمد بين أن يكون فسقه من حيث الاعتقاد أو العمل، وعند الإمام أحمد تصح خلف كل بر وفاجر = … صلاة الجمعة والعيد إذا تعذر فعلهما خلف غيره وأما سائر الصلوات فلا تصح خلف الفاسق على المذهب لقوله عليه السلام (اجعلوا أئمتكم خياركم) وقوله: (ولا يؤم … فاجر مؤمناً) ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية. وأما احتجاج المعارض بقوله تجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر فهذا حديث لم يثبت وقد بسط الكلام على هذه المسألة في باب الإمامة من كتب الفقه (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم (1) . 70- ولا ننزل أحداً منهم جنة (2)   (1) … والدليل على ذلك جريان عمل الصحابة عليه، على ما تراه مبيناً في ((الشرح)) وكفى بهم حجة، ومعهم مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأئمة: ((يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)) أخرجه البخاري وأحمد وأبو يعلى. وفي الصلاة على من مات منهم أدلة أخرى، تراها في ((أحكام الجنائز)) (ص79) وأما حديث ((صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر ... )) فهو ضعيف الإسناد كما أشرت إليه في ((الشرح)) وبينته في ((ضعيف أبي داود)) (97) و ((الإرواء)) (520) ولا دليل على عدم صحة الصلاة وراء الفاسق، وحديث ((اجعلوا أئمتكم خياركم)) إسناده ضعيف جداً كما حققته في ((الضعيفة)) (1822) ولو صح فلا دليل فيه إلا على وجوب جعل الأئمة من الأخيار، وهذا شيء، وبطلان الصلاة وراء الفاسق شيء آخر، لا سيما إذا كان مفروضاً من الحاكم. نعم لو صح حديث ((..ولا يَؤْمُّ فاجر مؤمناً..)) لكان ظاهر الدلالة على بطلان إمامته ولكنه لا يصح أيضاً من قبل إسناده كما بينته في أول ((الجمعة)) من ((الإرواء)) (رقم 591) . (ن) (2) … إلا العشرة المبشرين بالجنة، وعبد الله بن سلام وغيرهم فإنا نشهد لهم بالجنة على شهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد صرح المصنف رحمه الله بذلك في الفقرة (95) ، ومن ضلال بعض الكتّاب اليوم وجهلهم غمزهم لعبد الله بن سلام بيهوديته قبل إسلامه، مع شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالجنة كما في ((صحيح البخاري)) وليت شعري أي فرق بين من كان يهودياً … فأسلم، وبين من كان وثنياً وأسلم لولا العصبية القومية الجاهلية. بلى هناك فرق، فقد جاء في ((الصحيحين)) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث لهم أجرهم مرتين ... )) فذكر منهم ((ورجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه وصدقه)) . فهذا له أجران دون الوثني إذا أسلم، فله أجر واحد. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ولا ناراً، ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى. 71- ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف. 72- ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا (1)   (1) … قد ذكر الشارح في ذلك أحاديث كثيرة تراها مخرجة في كتابه، ثم قال: ((وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل. قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير فليتركوا الظلم. … قلت: وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم ((من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)) وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم، ويصححوا عقيدتهم، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح، تحقيقاً لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] ، وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله: ((أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم)) . وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس، وهو الثورة بالسلاح على الحكام. بواسطة الإنقلابات العسكرية، فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر، فهي مخالفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس، وكذلك فلا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة (1) ، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة.   (1) … ومن الواضح أن ذلك خاص بالمسلمين منهم لقوله تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وأما الكفار المستعمرون فلا طاعة لهم، بل يجب = … الاستعداد التام مادة ومعنى لطردهم، وتطهير البلاد من رجسهم. وأما تأويل قوله تعالى {منكم} أي فيكم! فبدعة قاديانية ودسيسة إنكليزية، ليضلوا المسلمين، ويحملوهم على الطاعة للكفار المستعمرين، طهر الله بلاد المسلمين منهم أجمعين. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 [ اتباع أهل السنة والجماعة ] 73- ونتبع السنة والجماعة (1) ، ونتجنب الشذوذ (2) والخلاف والفرقة (3) . 74- ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة. 75- ونقول الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه.   (1) … السنة: طريقة الرسول لله والجماعة: جماعة المسلمين، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين. فاتباعهم هدى، وخلافهم ضلال. (ن) (2) … وهذا فيه سلامة دين الإنسان فينبغي له في مسائل الخلاف أن يأخذ بقول جمهور العلماء لأن ما خالف قول الجمهور شاذ لا يعول عليه ما لم يكن في ذلك دليل نص من الكتاب أو السنة فالأخذ به واجب وهذا الاجماع كما حكاه الإمام الشافعي رحمه الله. (م) (3) … يعني الشذوذ عن السنة ومخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت. وليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولاً من أقوال الخلاف لدليل بدا له، ولو كان الجمهور على خلافه خلافاً لمن وهم، فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل! نعم إذا اتفق المسلمون على شيء دون خلاف يعرف بينهم فمن الواجب اتباعه لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] ، وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، فمن تبين له الحق اتبعه، ومن لا استفتى قلبه، سواء وافق الجمهور أو خالفهم، وما أعتقد أن أحداً يستطيع أن يكون جمهورياً (!) في كل ما لم يتبين له الحق، بل إنه تارة هكذا وتارة هكذا، حسب اطمئنان نفسه وانشراح صدره، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: ((استفت قلبك وإن أفتاك المفتون)) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 76- ونرى المسح على الخفين (1) ، في السفر والحضر. كما جاء في الأثر.   (1) … أ) قوله: ونرى المسح على الخفين.. إلخ. أي لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلاً وقولاً من رواية سبعين صحابياً كما حكاه الحسن: وقال الإمام أحمد ليس في نفسي شيء من المسح على = … الخفين فيه أربعون حديثاً عن النبي عليه السلام وعد السيوطي أحاديث المسح على الخفين من الأحاديث المتواترة حيث قال في ألفية الحديث: خمس وسبعون رووا من كذبا ومنهم العشرة ثم انتسبا لها حديث الرفع لليدين والحوض والمسح على الخفين ولا ينكر المسح على الخفين إلا أهل البدع كالروافض الذين لا يتقيدون بالسنة الثابتة بل يردونها بآرائهم الكاسدة الفاسدة. (م) ب) قلت: إنما ذكر المصنف تبعاً لغيره من المؤلفين في ((السنة)) المسح على الخفين دون الجوربين والنعلين لسببين: الأول: أن المسح على الخفين متواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والآخر: أن الرافضة تخالف هذه السنة، فالحجة عليهم أقوى في الاحتجاج بما تواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينفي ذكر الخفين ثبوت المسح على الجوربين والنعلين أيضاً وهذا ما تراه مفصلاً في كتاب ((المسح على الجوربين)) للشيخ القاسمي وقد اتبعته بتذييل عليه حققت فيه كثيراً من أحكام المسح وهو مطبوع في المكتب الإسلامي. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 [ وجوب الحج والجهاد إلى يوم القيامة ] 77- والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة (1) ، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما. [ الإيمان بالملائكة والبرزخ ] 78- ونؤمن بالكرام الكاتبين، فإن الله (2) قد جعلهم علينا حافظين. 79- ونؤمن بملك الموت (3) ، الموكل بقبض أرواح العالمين.   (1) … اعلم أن الجهاد على قسمين: الأول: فرض عين، وهو صد العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين، كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين: فالمسلمون جميعاً آثمون حتى يخرجوهم منها. والآخر: فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وهو الجهاد في سبيل نقل الدعوة الإسلامية إلى سائر البلاد حتى يحكمها الإسلام، فمن استسلم من أهلها فبها ومن وقف في طريقها قوتل حتى تكون كلمة الله هي العليا، فهذا الجهاد ماض إلى يوم القيامة فضلاً عن الأول، ومن المؤسف أن بعض الكتاب اليوم ينكره، وليس هذا فقط بل إنه يجعل ذلك من مزايا الإسلام! وما ذلك إلا أثر من آثار ضعفهم وعجزهم عن القيام بالجهاد العيني، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) ((الصحيحة)) (11) . (ن) (2) … في المخطوطة (ج) : ((وأن)) وكذا في مطبوعة الشيخ راغب ولعله أصح. (ن) (3) … قلت: هذا هو اسمه في القرآن، وأما تسميته بـ (عزرائيل) كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له، وإنما هو من الإسرائيليات. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 80- وبعذاب القبر لمن كان له أهلاً (1) ، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ، وعن الصحابة رضوان الله عليهم. 81- والقبر روضة من رياض الجنة، وأو حفرة من حفر النيران (3) . [ الإيمان بيوم القيامة وما فيه من المشاهد ] 82- ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب، والصراط والميزان. [ الإيمان بالجنة والنار ] 83- والجنة والنار (4)   (1) … يعني من الكفار، وفساق المسلمين، والأول مقطوع به منصوص عليه في القرآن، والآخر كذلك وهو منصوص عليه في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر كما ذكر الشارح وغيره. فيجب الاعتقاد به، ولكن لا يجوز الخوض في تكييفه، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فيجب التسليم به، وتجد بعض الأحاديث المشار إليها في ((الشرح)) وفي ((السنة)) لابن أبي عاصم (رقم 863-877 بتحقيقي وتخريجي) . (ن) (2) … وهي متواترة كما ذكرت آنفاً، إلا تسمية الملكين بمنكر ونكير ففيه حديث بإسناد حسن، مخرج في ((الصحيحة)) (1391) . (ن) (3) … هذا قطعة من حديث أخرجه الترمذي (2/75) عن أبي سعيد مرفوعاً بسند ضعيف، والطرف الأول أخرجه أبو يعلى وفيه دراج كما في ((المجمع)) (3/55) ، وهو ذو مناكير. (ن) (4) … قوله والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً.. إلخ أجمع أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان لأن أدلة الكتاب والسنة الدالة على ذلك وقصة آدم ودخوله الجنه وإخراجه منها معلومة عند كل من قرأ القرآن الكريم أو سمعه ويرحم الله ابن القيم حيث قال: فحي على جنات عدن فإنها … … منازلنا الأولى وفيها المخيم وقد وردت الأحاديث الكثيرة الدالة على وجود الجنة والنار كما في حديث صلاة الكسوف الذي صرح به النبي عليه السلام في رؤية الجنة والنار وأجمع أهل السنة والجماعة على أن الجنة لا تفنى ولا تبيد لقوله تعالى {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} وقوله تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وغير ذلك من الأدلة. وأما النار فكذلك عند جمهور السلف لاتفنى ولا تبيد ولا يخرج منها أحد من أهلها كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} بل أهل الجنة وأهل النار خالدون فيهما كما جاء في الحديث الصحيح. ((يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت)) وقد نقل عن بعض العلماء السالفين القول بفناء النار ونسب ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ولكنه لم يثبت عنه، وكذلك تلميذه ابن القيم بسط القول في هذه المسألة في كتابه شفاء العليل وحادي الأرواح ولكنه … لم يجزم بفناء النار بل قال بعد أن ذكر أكثر من عشرين دليلاً على ذلك إن قيل إلى أين انتهى قدمك في هذه المسألة العظيمة؟ قيل: إلى قوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ولكنه صرح في كتاب الوابل الصيب. أن الجنة والنار لا تفنيان وأن النار التي تفنى نار عصاة الموحدين. تنبيه: أورد ابن القيم في شفاء العليل وحادي الأرواح قوله تعالى {وَمَا هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِين} في حق أهل النار والصواب أنها قيلت في أهل الجنة فليحفظ ثم أعلم أن مقصد أهل السنة والجماعة من ذكر خلق الجنة والنار وعدم فنائها الرد على الجهم وأتباعه المخالفين لنصوص الكتاب والسنة بآرائهم الباطلة وعقائدهم الفاسدة. وقد تصدى ابن القيم وغيره من أهل السنة لحكاية أقوالهم والرد عليها ونصر السنة والذب عنها. والجهم إنما سلك هذا المذهب الوخيم طرداً للدليل عنده وهو الدليل = … المسمى بدليل الأكوان إذ مبناه على قطع التسلسل وهو منع حوادث لا أول لها؛ فكذلك يمتنع حوادث لا آخر لها والرد عليه مبسوط في النونية وقد حكى ابن القيم قول الجهم في فناء الجنة والنار ورد عليه في أبيات منها: وقضى بأن النار لم تخلق ولا جنات عدن بل هما عدمان فإذا هما خلقا ليوم معادنا فهما على الأوقات فانيتان وتلطف العلاف من أتباعه فأتى بضحكة جاهل مجان قال الفناء يكون في الحركات لا في الذات واعجبا لذا الهذيان (م) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 مخلوقتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان (1) ، وإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له (2) ، وصائر إلى ما خلق له. [ أفعال العباد خلق الله وكسب من العباد ] 84- والخير والشر مقدران على العباد.   (1) … اعلم أن النار في الآخرة ناران: نار تفنى، ونار تبقى أبداً لا تفنى، فالأولى هي نار العصاة المذنبين من المسلمين، والأخرى نار الكفار والمشركين، هذا خلاصة ما حرره ابن القيم في ((الوابل الصيب)) وهو الحق الذي لا ريب فيه، وبه تجتمع الأدلة، فلا تغتر بما ذكره الشارح هنا وابن القيم في ((شفاء العليل)) و ((حادي الأرواح)) مما قد ينافي هذا الذي لخصته، فإنهما لم يتبنيا ذلك، وليس فيه أي دليل صريح صحيح يدل على فناء نار الكافرين، والله تعالى كما قال في أهل الجنة: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] قال مثله في الكافرين: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] . وما روي عن عمر وغيره لا يصح إسناده كما بينته في تعليقي على ((الشرح)) … فتنبه، ثم في ((الأحاديث الضعيفة)) المجلد الثاني، [606-607] وسيصدر قريباً بإذن الله (1) . (ن) (2) … يشير إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله، ورزقه، وأثره، ومضجعه، وشقي أو سعيد)) وهو حديث صحيح مخرج في ((المشكاة)) (113) و ((السنة)) (303-309) والأحاديث في معناه كثيرة معروفة. (ن) (1) … طبع ضمن مطبوعات مكتبة المعارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 85- والاستطاعة التي يجب بها الفعل، من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مع الفعل. وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (1) [البقرة:286] .   (1) … والأولى قال بها الأشاعرة، والأخرى قال بها المعتزلة، والصواب القول بهما معاً على التفصيل الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بياناً شافياً، لا بأس من نقله بتمامه لأهميته قال رحمة الله عليه في ((مجموع الفتاوى)) (8/371-376) : ((وقد تكلم الناس من أصحابنا وغيرهم في ((استطاعة العبد)) هل هي مع فعله أم قبله؟ وجعلوها قولين متناقضين، فقوم جعلوا الاستطاعة مع الفعل فقط. وهذا هو الغالب على مثبتة القدر المتكلمين من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من أصحابنا وغيرهم. وقوم جعلوا الاستطاعة قبل الفعل، وهو الغالب على النفاة من المعتزلة والشيعة. وجعل الأولون القدرة لا تصلح إلا لفعل واحد، إذ هي مقارنة له لا تنفك عنه. وجعل الآخرون الاستطاعة لا تكون إلا صالحة للضدين، ولا تقارن الفعل أبداً، والقدرية أكثر انحرافاً، فإنهم يمنعون أن يكون مع الفعل قدرة بحال، فإن عندهم أن المؤثر لا بد أن يتقدم على الأثر لا يقارنه بحال، سواء في ذلك القدرة والإرادة والأمر. … والصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الاستطاعة متقدمة علىالفعل ومقارنةله أيضاً، وتقارنه استطاعة أخرى لا تصلح لغيره. فالاستطاعة نوعان: متقدمة صالحة للضدين، ومقارنة لا تكون إلا مع الفعل، فتلك هي المصححة للفعل المجوزة له، وهذه هي الموجبة للفعل المحققة له. قال الله تعالى في الأولى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] ولو كانت هذه الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجباً على أحد قبل الإحرام به: بل قبل فراغه! وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة، ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة: وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} = … [البقرة:286] . و (الوسع) : الموسوع، وهو الذي تسعه وتطيقه، فلو أريد به المقارنة لما كلف أحد إلا بالفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات ... ونظائر هذا متعددة، فإن كل أمر علق في الكتاب والسنة وجوبه بالاستطاعة وعدمه بعدمها لم يرد به المقارنة، وإلا لما كان الله قد أوجب الواجبات إلا على من فعلها، وقد أسقطها عن لم يفعلها، فلا يأثم أحد بترك الواجب المذكور! وأما الاستطاعة المقارنة الموجبة، فمثل قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود:20] فهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة، إذ الأخرى لا بد منها في التكليف. فالأولى هي الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس. والثانية: هي الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، فالأولى للكلمات الأمريات الشرعيات. والثانية للكلمات الخلقيات الكونيات كما قال: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم:12] . وقد اختلف الناس في قدرة العبد على خلاف معلوم الحق أو مراده. والتحقيق أنه قد يكون قادراً بالقدرة الأولى الشرعية المتقدمة على الفعل، فإن الله قادر أيضاً على خلاف المعلوم والمراد، وإلا لم يكن قادراً إلا على ما فعله، وليس العبد قادراً على ذلك بالقدرة المقارنة للفعل؛ فإنه لا يكون إلا ما علم الله كونه وأراد كونه، فإنه ما شاء الله كان. ومالم يشأ لم يكن.، وكذلك قول الحواريين: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة:112] إنما استفهموا عن هذه القدرة. وكذلك ظن يونس {أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه} [الأنبياء:87] أي فسر بالقدرة، كما يقال للرجل: هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي هل تفعله؟ هو مشهور في كلام الناس. ولما اعتقدت القدرية أن الأولى (الاستطاعة قبل الفعل) كافية في حصول الفعل، وأن العبد يحدث مشيئته جعله مستغنياً عن الله حين الفعل! كما أن الجبرية لما اعتقدت أن الثانية موجبة للفعل، وهي من غيره رأوه مجبوراً على الفعل. وكلاهما خطأ قبيح؛ فإن العبد له مشيئته وهي تابعة لمشيئة الله كما ذكر الله ذلك في عدة مواضع من كتابه: فإذا كان الله قد جعل العبد مريداً مختاراً شائياً امتنع أن يقال: هو مجبور مقهور، مع كونه قد جعله مريداً، وامتنع أن يكون هو الذي ابتدع = … لنفسه المشيئة. فإذا قيل: هو مجبور على أن يختار، مضطر إلى أن يشاء، فهذا لا نظير له، وليس هو المفهوم من الجبر بالاضطرار ولا يقدر على ذلك إلا الله. ولهذا افترق القدرية والجبرية على طرفي نقيض، وكلاهما مصيب فيما أثبته دون ما نفاه. وابن الخطيب ونحوه من الجبرية يزعمون أن العلم بافتقار رجحان فعل العبد على تركه إلى مرجح من غير العبد ضروري، لأن الممكن المتساوي الطرفين لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ما، وكلا القولين صحيح، ولكن دعوى استلزام أحدهما نفي الآخر ليس بصحيح؛ فإن العبد محدث لأفعاله كاسب لها، وهذا الإحداث مفتقر إلى محدث، فالعبد فاعل صانع محدث، وكونه فاعلاً صانعاً محدثاً بعد أن لم يكن لا بد له من فاعل كما قال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] ، فإذا شاء الاستقامة صار مستقيماً، ثم قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] . فما علم بالاضطرار وما دلت عليه الأدلة السمعية والعقلية كله حق، ولهذا كان لا حول ولا قوة إلا بالله، والعبد فقير إلى الله فقراً ذاتياً له في ذاته وصفاته وأفعاله، مع أن له ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً، فنفي أفعاله كنفي صفاته وذاته، وهو جحد للحق، شبيه بغلو غالية الصوفية الذين يجعلونه هو الحق، وجعل شيء منه مستغنياً عن الله أو كائناً بدونه؛ جحد للحق شبيه بغلو الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] وقال: إنه خلق نفسه. وإنما الحق ما عليه أهل السنة والجماعة)) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 86- وأفعال العباد (1) خلق الله وكسب من العباد. [ التكليف بما يطاق ] 87- ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون (2) إلا ما كلفهم (3)   (1) … هنا في الأصل زيادة: (هي) ، ولما لم ترد في شيء من الأصول التي عندنا حذفناها. (ن) (2) … هذا غير صحيح بل المكلفون يطيقون أكثر مما كلفهم به سبحانه ولكنه عز وجل لطف بعباده ويسر عليهم ولم يجعل عليهم في دينهم حرجاً فضلاً منه وإحساناً والله ولي التوفيق. (ز) (3) … أ) قوله ولا يطيقون إلا ماكلفهم به أي لايطيقون إلا ما أقدرهم عليه والشارح رد على المصنف ذلك بأن التكليف لا يستعمل بمعنى الاقدار وإنما يستعمل بمعنى الأمر والنهي ثم = … قال ولا يصح ذلك يعني قوله ولا يطيقون إلا ما كلفهم بل يطيقون فوق ما كلفهم به. قلت لأنه في إمكان الإنسان أن يصلي أكثر من الخمس ويصوم أكثر من الشهر ويحج أكثر من حجة ولكنه سبحانه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} وقال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله هو الحق والصواب. (م) ب) أي ولا يطيقون إلا ما أقدرهم عليه، وهذه الطاقة هي التي من نحو التوفيق، لا التي من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات، ولكن في كلام المؤلف إشكالاً بينه الشيخ الشارح بقوله: ((فإن التكليف لا يستعمل بمعنى الإقدار، وإنما يستعمل بمعنى الأمر والنهي، وهو قد قال: ((لا يكلفهم إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم)) . وظاهره أنه يرجع إلى معنى واحد، ولا يصح ذلك، لأنهم يطيقون فوق ما كلفهم به، لكنه سبحانه يريد بعباده اليسر والتخفيف، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء:28] . وقال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] . فلو زاد فيما كلفنا به لأطقناه، ولكنه تفضل علينا ورحمنا، وخفف عنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج، ويجاب عن هذا الإشكال بما تقدم: أن المراد الطاقة التي من نحو التوفيق، لا من جهة التمكن وسلامة الآلات، ففي العبارة قلق فتأمله)) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ، وهو تفسير: ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) . نقول:لا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله. 88- وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره. غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها (1) ،يفعل ما يشاء وهو غيرظالم أبداً (2)   (1) … هنا في متن ((الشرح)) عبارة لم ترد في النسخ التي لدينا فحذفناها. (ن) (2) … أ) أي لأنه سبحانه حرم الظلم على نفسه كما حرمه على عباده. والظلم وضع الأشياء في غير مواضعها؛ ودلت دلائل الكتاب والسنة على أن الله تعالى قادر على الظلم ولكنه لا يفعله كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ = … الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} والهضم أن ينقص من جزاء حسناته والظلم أن يعاقب بذنوب غيره فهو سبحانه منع نفسه من الظلم لعباده مع قدرته عليه جوداً منه وكرماً وإحساناً. (م) . ب) قال الشارح (ص 448) : ((الذي دل عليه القرآن من تنزيه الله نفسه عن ظلم العباد، يقتضي قولاً وسطاً بين قولي القدرية والجبرية، فليس ما كان من بني آدم ظلماً وقبيحاً يكون منه ظلماً وقبيحاً، كما تقوله القدرية والمعتزلة ونحوهم! فإن ذلك تمثيل لله بخلقه! وقياس له عليهم! هو الرب الغني القادر، وهم العباد الفقراء المقهورون. وليس الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة، كما يقوله من يقوله من المتكلمين وغيرهم، يقولون إنه يمتنع أن يكون في الممكن المقدور ظلم! بل كل ما كان ممكناً فهو منه – لو فعله – عدل، إذ الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي، والله ليس كذلك! فإن قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه:112] ، وقوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29] ، وقوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف:76] ، وقوله تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] وقوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17] يدل على نقيض هذا القول. ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) فهذا دل على شيئين: أحدهما أنه حرم على نفسه الظلم، والممتنع لا يوصف بذلك. الثاني: أنه أخبر أنه حرَّمه على نفسه، كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي، والله ليس كذلك، فيقال لهم: هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم، وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه، لا ما هو ممتنع عليه. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ، تقدس عن كل سوء وحين (1) ، وتنزه عن كل عيب وشين، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] . 89- وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة (2) للأموات (3) . 90- والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات. [ الله هو الغني ونحن الفقراء إليه ] 91- ويملك كل شيء، ولا يملكه شيء، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين، فقد كفر وصار من أهل الحين (4) .   (1) … الحين: الهلاك، وما بين المعكوفتين زيادة من مخطوطة (غ) ومطبوعة (خ) . (ن) (2) … سقطت من نسخة الشارح، وهي ثابتة في سائر النسخ، والسياق يقتضيها. (ن) (3) … أ) يعني أن الأحياء هم الذين يدعون للأموات ويسألون الله لهم الرحمة والمغفرة وقد عكس ذلك عباد الأموات فدعوهم مع الله ومن دون الله ودعوتهم شرك أكبر مع أنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم ولا يستجيبون لهم بشيء، قال الله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم} فسمي هذا الدعاء شركاً وعباد القبور يدعون أن الأموات يقربونهم إلى الله زلفى. (م) ب) نقل الشارح رحمه الله تعالى اتفاق أهل السنة على ذلك، ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة عليه، ولكنه فيما يتعلق بالصدقة لم يذكر إلا ما يدل على انتفاع الوالد بصدقة ولده، وهذا أخص من الدعوى كما لا يخفى. وقد شرحت هذا ونظرت في الاتفاق المذكور في ((أحكام الجنائز)) (ص173) فراجعه. (ن) (4) … أ) الحين بالفتح الهلاك. (م) ب) هو الهلاك كما تقدم آنفاً. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 92- والله يغضب ويرضى، لا كأحد من الورى (1) . [ حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ] 93- ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم (2) ؛ ولا نتبرأ من أحد منهم (3) ، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. 94- ونثبت الخلافة بعد رسو ل الله صلى الله عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون (4) .   (1) … فيه رد على المتأولة المعطلة من الأشاعرة وغيرهم الذين قالوا بأن المراد الغضب والرضى إرادة الإحسان! وليت شعري ما الفرق بين تسليمهم بصفة الإرادة وإنكارهم للصفتين المذكورتين بتأويلهما، وهي مثلهما في إتصاف العبد بها أيضاً؟! فهلا قالوا فيهما كما قالوا في الإرادة الإلهية: إنها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد، وإن كان كل منهما حقيقة تناسب الموصوف بها. وقد بسط القول في ذلك الشارح رحمه الله فراجعه. (ن) (2) … أي لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم، فندعي لهم العصمة، كما تقول الشيعة في علي رضي الله عنه وغيره من أئمتهم. (ن) (3) … أي كما فعلت الرافضة، فعندهم لا وَلاء إلا ببراء. أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وأهل السنة يوالونهم جميعاً وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوس والتعصب. (ن) (4) … قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله. ((مجموع الفتاوى)) (3/153) . (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 95- وأن (1) العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة، على ما شهد لهم رسو ل الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، رضي الله عنهم أجمعين. 96- ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق. 97- وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر - لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. [ الأنبياء أفضل من الأولياء ] 98- ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء (2) عليهم السلام، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء (3)   (1) … في نسخة (خ) : ((ونحب العشرة ... ونشهد لهم ... )) . (ن) (2) … قوله: ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء يريد بهذا الرد على أهل الاتحاد القائلين: إن الولاية أعظم من النبوة والنبوة أعظم من الرسالة وينشدون مقام النبوة في برزخ … فويق الرسول ودون الولي ويقولون: إن ولاية النبي أعظم من نبوته ونبوته أعظم من رسالته وهذا من الجهل بالله وبأنبيائه ورسله وهل كان الولي ولياً إلا بتقوى الله بامتثال أوامره وترك نواهيه واقتفائه لرسل الله الذين أوجب الله طاعتهم واقتفاء آثارهم؟ ولكن هذا من غلو الاتحادية والمتصوفة وخروجهم عن الصراط المستقيم. (م) (3) … قال في الشرح: يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع. فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64] . وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة، وتصفية نفسه، إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم! ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء!! ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء!! ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون، وهو أن الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له، ولكن هذا يقول: هو الله! وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم، فإنه = … كان مثبتاً للصانع، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق، كابن عربي وأمثاله!! وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره - قال: النبوة ختمت، لكن الولاية لم تُختم! وادعى في الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين، وأن الأنبياء مستفيدون منها! كما قال: مقام النبوة في برزخ … فويق الرسول ودون الولي!! وهذا قلب للشريعة، فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] : والنبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة كما تقدم التنبيه على ذلك. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 99- ونؤمن بما جاء من كراماتهم (1) ، وصح عن الثقات من رواياتهم (2) . [ الإيمان بأشراط الساعة ] 100- ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء (3) ، ونؤمن بطلوع الشمس، من مغربها وخروج دابة الأرض من موضعها. 101- ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً، ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة. 102- ونرى الجماعة (4) حقاً وصواباً والفرقة زيغاً وعذاباً.   (1) … كرامات الأولياء حق ثابتة بالكتاب والسنة وهي متواترة لا ينكرها إلا أهل البدع كالمعتزلة ومن نحا نحوهم من المتكلمين؛ وقد ضلل أهل الحق من أنكرها لأنه بإنكارها صادم الكتاب والسنة، ومن عارضهما وصادمهما برأيه الفاسد وعقله الكاسد فهو ضال مبتدع. (م) (2) … قلت: لقد أحسن المؤلف صنعاً بتقييد ذلك بما صح من الروايات. ذلك لأن الناس وبخاصة المتأخرين منهم قد توسعوا في رواية الكرامات إلى درجة أنهم رووا باسمها الأباطيل التي لا يشك في بطلانها من له أدنى ذرة من عقل، بل إن فيها أحياناً ما هو الشرك الأكبر، وفي الربوبية! وكتاب طبقات الأولياء للشعراني من أوسع الكتب ذكراً لمثل تلك الأباطيل التي منها قول أحد أوليائه (!) : تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدباً مع الله! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وتجد طائفة لا بأس بها من الكرامات الصحيحة عن بعض الصحابة في كتاب ((رياض الصالحين)) للإمام النووي (باب 253 الأحاديث 1516-1523 بتحقيقي) . (ن) (3) … والأحاديث في ذلك متواترة كما شهد بذلك كثير من الحفاظ المهرة، ولي رسالة في ذلك أسميتها: ((قصة المسيح الدجال، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله إياه)) أرجو أن ييسر الله لي تبييضها. (ن) (4) … وهي ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وفي الفرقة الناجية، وهي طائفة أهل الحديث ومن اتبع سبيلهم من أتباع المذاهب وغيرهم. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 [ إن الدين عند الله الإسلام ] 103- ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] . وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] (1) . [ وسطية الدين ] 104- وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس. [ هذا ديننا ] 105- فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً، ونحن براء إلى الله تعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.   (1) … قال الشارح رحمه الله تعالى: فدين الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، يمكن كل مميز من صغير وكبير، وفصيح وأعجم، وذكي وبليد: أن يدخل فيه بأقصر زمان، وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك، من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله، أو ارتياب في قول الله تعالى، أو رد لما أنزل، أو شك فيما نفى الله عنه الشك، أو غير ذلك مما في معناه. فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام، وسهولة تعلمه، وأنه يتعلمه الوافد ثم يولي في وقته، واختلاف تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم، فإن كان بعيد الوطن، كضمام بن ثعلبة النجدي، ووفد عبد القيس، علَّمهم ما لم يسعهم جهله، = = … مع علمه أن دينه سينشر في الآفاق، ويرسل إليهم من يفقههم في سائر ما يحتاجون إليه، ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت، بحيث يتعلم على التدريج، - أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه - أجابه بحسب حاله وحاجته، على ما تدل قرينة حال السائل، كقوله: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) وأما من شرع ديناً لم يأذن به الله، فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي صلَّى الله عليه وسلم ولا عن غيره من المرسلين، إذ هو باطل، وملزوم الباطل باطل، كما أن لازم الحق حق. (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 [ المذاهب الردية ] ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة، والآراء المتفرقة، والمذاهب الردية (1) ، مثل: المشبهة، والمعتزلة، والجهمبة، والجبرية، والقدرية وغيرهم (2)   (1) … كل مذهب خالف ما عليه أهل السنة والجماعة مذهب ردي باطل وقد رد الله على المشبهة والجهمية المعطلة بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فالمشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، والمثبت يعبد رباً واحداً فرداً صمداً، وما أحسن قول ابن القيم في النونية: لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان كلا ولا نخيله من أوصافنا إن المعطل عابد البهتان ثم اعلم أن الجهمية نفاة الصفات، والجبرية الذين قالوا ليس للعبد فعل اختياري والقدرية الذين قالوا أن العباد يخلقون أفعالهم، والرافضة الذين كفروا الصحابة وسلكوا مسلك الجهمية في نفي الصفات، كل هذه الفرق من فرق الزيغ والضلال والجهم هو الذي ابتدع التعطيل والجبر والإرجاء كما حكاه في النونية وإن نسب منها شيء إلى غيره فلكونه نصرها وأيدها وما أحسن ما قيل: تخالف الناس فيما قد رأوا ورووا وكلهم يدعون الفوز بالظفر فخذ بقول يكون النص ينصره إما عن الله أو عن سيد البشر (م) (2) … كالمقلدة الذين جعلوا التقليد ديناً واجباً على كل ما جاء بعد القرن الرابع من الهجرة، وأعرضوا بسبب ذلك عن الاهتداء بنور الكتاب والسنة، واتهموا كل من حاول الخلاص من الجمود المذهبي، إلى التمسك بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بما شاءت لهم أهواؤهم، ورحم الله إمام السنة إذ يقول: دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى آثار … … … لا ترغبن عن الحديث وآله … … … … … … فالرأي ليل والحديث نهار ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنوار (ن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ، من الذين خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة، ونحن منهم براء، وهم عندنا ضلال وأردياء (1) وبالله العصمة والتوفيق.   (1) … بعد هذا في مخطوطة (أ) : ((والله سبحانه وتعالى الهادي للحق. وهذا آخر ما أردنا، وإليه أشرنا، والحمد لله رب العالمين)) . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. (ن) الحمد لله رب العالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58